بغية الطالب لإيمان أبي طالب
لایمان أبي طالب
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 2772 لسنة 2016م
مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.
رقم تصنيف BP25.6 B37 2016 :LC
المؤلف الشخصي: البرزنجي، محمد بن رسول، 1080 - 1103 هجرياً
العنوان: بغية الطالب لإيمان أبي طالب/.
بيان المسؤولية: تأليف محمد بن رسول الحسيني البرزنجي المدني؛ تحقيق محمد العطار؛ تقديم السيد نبيل الحسني. بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.
بيانات النشر: کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة. 1438ه = 2019م.
الوصف المادي: 120 صفحة سلسلة النشر: سلسلة تحقيق المخطوطات - مؤسسة علوم نهج البلاغة.
ص: 1
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 2772 لسنة 2016م
مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.
رقم تصنيف BP25.6 B37 2016 :LC
المؤلف الشخصي: البرزنجي، محمد بن رسول، 1080 - 1103 هجرياً
العنوان: بغية الطالب لإيمان أبي طالب/.
بيان المسؤولية: تأليف محمد بن رسول الحسيني البرزنجي المدني؛ تحقيق محمد العطار؛ تقديم السيد نبيل الحسني. بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.
بيانات النشر: کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة. 1438ه = 2019م.
الوصف المادي: 120 صفحة سلسلة النشر: سلسلة تحقيق المخطوطات - مؤسسة علوم نهج البلاغة.
تبصرة ببليوغرافية: يتضمن هوامش - الأئمة المصادر (الصفحات 109 -118)
تبصرة محتويات: موضوع شخصي: أبو طالب، عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم (عليه السلام)، 85 - 3 قبل الهجرة - إيمان - دفع مطاعن. موضوع شخصي: أبو طالب، عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم (عليه السلام)، 85 - 3 قبل الهجرة - أحاديث .
موضوع شخصي: محمد (صلى الله عليه وآله)، نبي الإسلام، 53 قبل الهجرة - 11 هجرية – أجداد - إيمان - دفع مطاعن.
مصطلح شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرية فضائل.
مصطلح موضوعي: أحاديث الشيعة - رواية
مصطلح شخصي: أبو طالب، عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم (عليه السلام)، 85 - 3 قبل الهجرة - إيمان - شعر.
مصطلح موضوعي: الشعر الديني الإسلامي.
مؤلف إضافي: العطار، محمد حسین، محقق. مؤلف إضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1965، مقدم.
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة
ص: 2
سلسلة تحقيق المخطوطات
بغية الطالب لايمان ابي طالب
توفي سنة 1103ه
تحقيق
محمد حسین العطار
إصدار
موسسة علوم نهج البلاغه فی العتبة الحسینیة المقدسة
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة
الطبعة الأولى
1638ه- 2017م
العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة
- مجاور مقام علي الاكبر (عليه السلام)
مؤسسة علوم نهج البلاغة
هاتف : 07728263600
07810.19933
الموقع الالكتروني : WWW.inahj.org
الايميل : Info@ Inahj.org
ص: 4
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»
«الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)«وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)«إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)»
صدق الله العلی العظیم
الشعرا / 217 - 220
ص: 5
ص: 6
إليك يا صاحب الرسالة
وللوصي
وصاحب الكفالة
راجياً قبولها
العطار
ص: 7
ص: 8
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بها ألهم والثناء بما قدّم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد و آله الطاهرین.
أما بعد:
إن الحديث عن شخصية أبي طالب (عليه السلام)، حديث له أحزان وآلام كالتي تركها مصاب فقده على قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
والحديث عنه لا تسعه هذه الوريقات المعدودة والتي صنفها ابن رسول البرزنجي المدني (المتوفي 1103ھ) بل لا تسعه کتب كثيرة في الو ارادت الأقلام أن تنصفه وتفي بحقه على الإسلام والإنسانية؛ فبقدر ما لهذه الشخصية من فضل كبير على الإسلام، بقدر ما ظلمت من قبل أناس لا يختلفون فيما بينهم من حيث الظلم الذي أنزلوه به في حياته أو بعد مماته.
فالذين حاربوه في حياته كان سبب ظلمهم له هو لوقوفه بوجههم کالجبل الشامخ الذي تكسرت على سفحه فؤوسهم، وتهشمت على صخوره رؤوسهم.
فكانوا في حسرة جامرة تتلظى بها أكبادهم، وهم ينظرون إليه وقد انحنی
ص: 9
على ابن أخيه كمحارة أطبقت صدفتيها على لؤلؤتها فتكسرت على جوانبها أضراسهم.
والذين حاربوه بعد مماته فِليكونه أنجب علياً (عليه السلام)، الذي أفنی
حياته في الدفاع عن الإسلام وتثبيت قواعده.
وهي حقيقة عرفها مخالفوا علي (عليه السلام) ومحبوه، بل حتى الذين اتخذوا نهجاً حيادياً في تقييمهم للأحداث التي لازمت سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أيقنوا أن السبب في ظلم أبي طالب وإتهامه بعدم الإيمان برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو هذه الحقيقة، وفيها يقول ابن أبي الحديد المعتزلي:
ولولا أبو طالب وابنُهُ *** لما مَثُلَ الدين شخصا وقاما
فذاك بمكة عبد آوی و حامی *** وهذا بيثرب جس الحاما
تكفل عبد مناف بأمر *** وأودي فكان علي تماما
فقل في ثبير مضى بعدما *** قضى ما قضاه وأبقى شماما
فلله ذا فاتحا للهدی *** ولله ذا للمعالي ختاما
وما ضر مجد *** جهول لغا أو بصير تعامی
کما لا يضر أياة الصباح *** من ظن ضوء النهار الظلاما(1)
فكان أبو طالب (عليه السلام) کما عرفه التاريخ الإسلامي والإنساني والحضاري رمزا من رموز الإيمان... وعنصرا من عناصر تكوين الإنسانية...
ص: 10
وحرفا من حروف أبجدية الحضارة الإسلامية فبه يكتمل مفهوم هذه الأبجدية، وبدونه يظهر الإسلام کشيفرة وقف عندها الأعراب كثيرا؟! . حتی حارت فيها عقولهم! وعجزت عن إدراكها أذهانهم واستنكرتها قلوبهم.
وأني لهم بالوصول إلى معرفة هذه الشخصية والإحاطة بها والقرآن ناطق بعجزهم إذ:«قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ»(1)
وعليه:
فالمخطوط الذي بين أيدينا واحد من العديد من المخطوطات والمصنفات التي انصفت الإسلام في دفاعها عن الحقيقة ورفع الظلم عن ناصر شريعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم).
فجزى الله المحقق الأخ محمد حسين العطار على عمله، فقد أحيا هذا السفر القيم، وأعاد له الروح وأسر قلوب المؤمنين، فقد بذل جهده وعلى الله أجره.
والحمد لله رب العالمين ...
السيد نبيل الحسني الكربلائي
رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 11
ص: 12
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف الخلق اجمعين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم من الأولين والآخرين.
أما بعد:
إن موضوع أبي طالب (عليه السلام) هو من المواضيع التي شغلت الفريق الآخر وهو لعمري ما هو إلا حسد وحقد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وابن عمه علي بن أبي طالب (عليه السلام). وإن الحزب الأموي أول من أرسى هذه الظاهرة التي زرعها على طريق الإسلام، فتارة يوجهون الإتهام للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وادّعوا عليه ما ادعوا حتى أقام الله دينه وثبته رغم أنوفهم، وتارةً بدأوا بالتنكيل بأعامه وخصوصا أبو طالب صلاة الله وسلامه عليه، لأنه كان الدعامة الأولى للرسالة المحمدية، والذي بسببه لم يصلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يستطيعوا أن ينالوا منه ما دام أبو طالب على قيد الحياة، فكان ما كان بعد وفاته، فقد آذوا نبي الله بألوان شتى لأن الجو خلا لهم ومع كل ما لاقاه النبي أراد الله تبارك وتعالى أن يكون دينه ويستمر.
ص: 13
و بغية الطالب لإيمان أبي طالب وبعدما آل الأمر إليهم لم يستطيعوا أن يخرجوا عن ملة الإسلام ظاهرا وإن كانوا لا يقيمون للإسلام وزناً، فقد وضعوا الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونرى في كتب الحديث الكثير من الموضوعات على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن كان الله تبارك وتعالى حافظاً لدينه.
ومع كل ما حبك للنبي ولأهل بيته ولعمه بالخصوص أبي طالب نری تساقط الهفوات والثغرات فتارة يرمونه بالكفر وأخرى بالإيمان والإسلام ولكل هذا وذاك نرى الحقيقة واضحة كالجمر من تحت الرماد ونرى ترحم النبي في أكثر من موطن، وهل ينبغي أن يترحم نبي الله على كافر؟
واختلف الناس في إيران أبي طالب:
- قلنا: لم يمت أبو طالب إلا مسلماً.
- وقالت المعتزلة: إنه مات على دين قومه، وقيل إنه مات على دين عبد
المطلب.
- قالوا: إن قوله تعالى (إِنَّكَ لَا تَهِدي مَن أَحَببتَ) نزلت فيه، وأيضا رووا
أن عليا جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد موت أبي طالب فقال له: إن عمك الضال قد قضى، واحتجوا بأن لم يره احد يصلي والصلاة هي الفاصلة بين المسلم والكافر ولم يصلِ النبي على جنازته.
- قلنا: إن الصلاة لم تشرع بعد.
- قالوا: إن علياً و جعفراً لم يرثا منه لأنه كافر .
ص: 14
- قلنا: إن في عقيدتنا المسلم يرث الكافر ولا يرث الكافر المسلم.
ونقل عن الإمام الصادق (عليه السلام) أن أصحاب الكهف أسرُّوا
الإيمان وأظهروا الكفر فأتاهم الله أجرهم مرتين، وأن أبا طالب أسرَّ الإيمان وأظهر الشرك فأتاه الله أجره مرتين.
وكثيرة هي الاحتجاجات ومنها أن النبي لم يفرق بين أبي طالب وبين زوجه فاطمة بنت أسد وكلنا يعلم أن فاطمة من المؤمنات الأوائل في الدعوة الاسلامية.
ولقد بحث الكثير من العلماء والفضلاء والكتاب عن هذا الموضوع وذهبوا لإيان هذا الرجل الذي كان محامياً وسنداً لرسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) في فجر دعوته المباركة وإليك بعض هذه
المؤلفات التي ذهبت الى ایسان أبي طالب:
1- اسنى المطالب في نجاة أبي طالب، أحمد بن زيني دحلان شيخ العلماء
الأعلام ببلد الله الحرام ت 1306 ھ.
2- بغية الطالب لإيان أبي طالب، محمد بن رسول البرزنجي الحسيني
المدني ت 1103ھ-.
3- إثبات إسلام أبي طالب، محمد معين الهندي السندي التتوي الحنفي -
ت 1161 ھ.
ص: 15
4- السهم الصائب لكبد من آذى أبا طالب، أبو الهدى محمد أفندي بن
حسن الرفاعي ت 1327 ھ.
5- غاية المطالب في بحث ایسان أبي طالب، علي كبير بن علي جعفر
الحسيني الهندي الإله أبادي - 1285 ھ.
6- فیض الواهب في نجاة أبي طالب، أحمد فيضي بن علي عارف الجورومي
الخالدي الرومي الحنفي - 1327 ھ.
7- ابو طالب بطل الاسلام. القاضي السيد حيدر بن محمد سعيد العرفي
1- مطابقة المخطوطتين.
2- ضبط النص.
3- إرجاع الآيات إلى سورها.
4- تخريج الأحاديث.
5- ترجمة بعض الأعلام.
6- تناولنا المصادر التي اعتمدها المؤلف قدر الإمكان مع إضافة بعض
المصادر الأخرى.
7- اضافة لفظة (وآله) إلى الصلاة علي النبي أينما وجدت في متن
الكتاب.
ص: 16
ترجمة المؤلف
السيد محمد بن رسول(1) بن عبد السيد بن قلندر(2) الحسيني(3) البرزنجي الشهرزوري المدني الشافعي.
ولد بشهرزور بقرية برزنج وهي من القرى الكردية بالعراق، ليلة الجمعة 12 ربیع الاول سنة 1040 ه ونشأ بها وقرأ القرآن وجودَّه على والده وبه تخرج في بقية العلوم، وقرأ على جماعة منهم الملا زيرك والعلامة الملا شریف الصديقي الكوراني.
وجاء في مقدمة كتابه سِداد الدين وسِداد الدَّين: رحل إلى ماردین وحلب واليمن ودمشق ومصر وبغداد وأخذ من علماء تلك البلاد وانتفع بهم وأجاز له خلق من أهل المغرب ثم قدم المدينة المنورة فلازم فيها خاتمة المحققين العلامة إبراهيم بن حسن الكوراني وكذلك الشيخ احمد القشاشي، وتصدى للتدريس بمسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
شيوخه:
أخذ علمه في بلاده من الملّا زيرك، والعلّامة شريف الصديقي الكوراني
بعد تخرجه على يد والده.
ص: 17
ثم أخذ باردين عن الشيخ أحمد السلاحي. وفي حلب عن أبي الوفاء العرضي، ومحمد الكواكبي، وبدمشق عن العلامة عبد الباقي الحنبلي، وعبد القادر الصفوري وببغداد عن الشيخ مدلج. وبمصر عن الشيخ محمد البابلي، وعلى الشبراملسي وسلطان المزاحي ومحمد العناني وأحمد العجمي، ومن الوافدين على بلاد الحرمين، أخذ عن الشيخ إسحاق بن جمعان الزبيدي، وعلي الربيعي، وعلي العقيبي، وعيسى الجعفري، وعبد الملك السجلاسي، ومحمد المنوفي وغيرهم(1) .
رأي العلماء به:
وصفوه بكثرة العلم والعمل وقوة الفكر والفهم والإدراك والإقتدار على الجدل وإقامة الحجة والبرهان بحيث إنه في إكثر محاوراته يقلب حجة خصمه ويجعلها حجة عليه کا وذكره الشيخ الأميني في كتابه إيان أبي طالب / 70 نقلا عن مفتي الشافعية في البلد الحرام احمد زيني دحلان في كتابه أسنی المطالب:
هذا المسلك الذي سلكه العلامة محمد بن رسول البرزنجي في نجاة أبي طالب لم يسبقه إليه أحد فجزاه الله أفضل الجزاء، ومسلكه هذا الذي سلکه يرتضيه كل من كان متصفا بالإنصاف من أهل الإيمان، لأنه ليس فيه إبطال شیئ من النصوص ولا تضعيف لها، وغاية ما فيه أنه حملها على معان مستحسنة يزول بها الإشكال ويرتفع الجدال، ويحصل بذلك قرة عين النبي صلى الله عليه وآله وسلم)، والسلامة من الوقوع في تنقيص أبي طالب أو
ص: 18
بغضه، فإن ذلك يؤذي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
كان السيد البرزنجي علامة المعقول والمنقول وإمام أهل الفروع والأصول الجامع للفنون العلمية المتضلع من أذواق الأسانيد النبوية واجتمع عنده من الفضائل مايعجز عن ذكره الناقل مع علو همته وخوفه من الله في السر والإعلان ووقوف مع الحدود الشرعية(1)
وفاته :
توفي السيد رحمه الله بالمدينة المنورة سنة 1103 ھ ظهر يوم الأثنين في داره بدقاق القشاشي، وكان له مشهد عظیم، وقيل إنه مات مسموما ودفن بالبقيع الشريف عند أرجل بنات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خارج القبة الشريفة التي عليهن مما يلي القبلة بين القبة المذكورة وقبة العباس بن عبد المطلب وأهل البيت عليهم السلام، وبجانبه قبر العلامة السيد جعفر البرزنجي، وله عقب كلهم من ذوي العلم والفضل والصلاح يتداولون فتوى الشافعية بالمدينة المنورة(2) .
آثاره:
للسيد البرزنجي مصنفات كثيرة تربو على التسعين مؤلفا منها:
1. إرشاد الأواه الى معنی حدیث من قرأ حرفا من كتاب الله .
ص: 19
2- الإشاعة لأشراط الساعة.
3- إضاءة النبراس لإزاحة الوسواس الخناس
4- الأعجوبة في أعمال المكتوبة.
5- أنهار السلسبيل لرياض أنوار التنزيل.
6- الرجيح والتصحيح لصلاة التسبيح.
7- تصقيل لوح الإيمان بتنزيل عرش الرحمن.
8- رفع الأصر عن معنی کونه (صلى الله عليه وآله وسلم) أميا لم ينطق
الشعر.
9- النواقض للروافض.
10- القول السديد في وجوب رسم الإمام والتجويد.
11- القول المختصر في ترجمة ابن حجر.
12- الترغيم والترخيم لمنكر التعظيم والتفخيم.
13- سداد الدين وسداد الدَّين في اثبات النجاة والدرجات للوالدين.
14- مرقاة الصعود.
15- بغية الطالب لإيران أبي طالب.
ص: 20
النسخ المعتمدة
اعتمدت في تحقيق هذا السفر المبارك على نسختين مخطوطتين وهما
الأولى / زودني بها جناب الشيخ الاخ (اسماعيل البحراني) دام توفيقه
وهي بخط الناسخ (محمد سعید بن حسين القرشي الكوكني المدني النقشبندي) وكان نسخها يوم السبت 28 جمادي الاخرة سنة 1101 ھ في دمشق الشام. أي قبل وفاة مؤلفها بسنتين. وتتكون هذه المخطوطة من 32 ورقة ولكل ورقة من 25 سطراً وخطت بخط جميل . ورمزنا لها بالحرف - أ - واعتمدناها كأم.
الثانية / زودني بها جناب الأستاذ مؤيد الجّصاص صاحب مكتبة طريق المعرفة، ولم نعرف اسم ناسخها، وتتكون المخطوطة من 17 ورقة ولكل ورقة 27 سطراً وخطت بخط النسخ وتم نسخها في السادس عشر من شهر جمادي الأخير من سنة 1138 ه ورمزنا لها بالحرف - ب -
ص: 21
ص: 22
نماذج من النسخ المعتمدة في التحقيق
ص: 23
ص: 24
صورة
الصفحة الأولى من نسخة .أ -
ص: 25
صورة
صورة من الصفحة الاخيرة نسخة أ.
ص: 26
صورة
صورة من الصفحة الاولى من النسخة.ب.
ص: 27
صورة
صورة من الصفحة الأخيرة من نسخة. ب.
ص: 28
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه اجمعين.
أما بعد فإنا لما اثبتنا نجاة الوالدين الشريفين بالأدلة الثابتة ورددنا شبهات المعارضين وسلكنا في ذلك طريق الانصاف ونصبنا میزان العدل في
طرفي القبول والرد في رسالة سميناها سَدَاد الدَّين وسِدَاد الدَّين أحببنا (ان
نؤلف اخرى في)(1) اثبات نجاة (عمه)(2) أبي طالب تتميًا للفائدة وتكمي (الجاه)(3) سيد الأولين والآخرين المبعوث رحمة للعالمين فضلاً عن الأهلين والأقربين ونستمد من الله تعالى وروحانية رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) [سمیناها ( بغية الطالب لإيران أبي طالب)](4) ولنقدم بين يدي (الشرع)(5) مقدمة على سبيل الإختصار.
ص: 29
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
«رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ»
صدق الله العلي العظيم
آل عمران: 193
ص: 30
قال القاضي عضد الدين(1) في المواقف(2) في المقصد الأول من المرصد الثالث من الموقف السادس: حقيقة الايمان عندنا وعليه اكثر الائمة کالقاضي(3) والاستاذ التصديق للرسول فيما علم مجيئه به ضرورة فتفصيلا فيا علم تفصيلا واجمالا فيها علم اجمالا. قال شارحه الشريف(4) يعني بقوله عندنا اتباع(5) الشيخ أبي الحسن(6) ووافقهم على ذلك الصالحي والراوندي
ص: 31
من المعتزلة قال: فهو في الشرح تصديق خاص(1) انتهى. وساق الأدلة على ذلك وقال الفاكهاني(2) في شرح الأربعين النووية: الاسلام شرعا هو الانقياد بالأفعال الظاهرة الشرعية ولذلك قال (صلى الله عليه وآله) فيا رواه أنس(3) . الاسلام علانية والايمان في القلب رواه ابن أبي شيبة في مسنده(4) والايان في الشرع التصديق بالقواعد الشرعية كانبه عليه في هذا الحديث قال: بعض من تكلم على هذا الحديث(5) يعني حديث جبريل في الايان والاسلام.
قد استفدنا من هذا الحديث أن الاسلام والإيمان حقیقتان متباينتان لغة وشرعا کا دل عليه حديث جبريل هذا وغيره. غير ان الشرع قد توسع فيها
ص: 32
فاطلق اسم كل منها على حقيقة الآخر(1) وهو من باب التوسع والتجوز على عادة العرب في ذلك(2) انتهی حاصله.
اقول: الحق انهما کما قال متباينان مفهوما ولكن بينها عموم وخصوص من وجه صدقا فيجتمعان في المصدق المقر بالشهادتين وينفرد الاسلام في المنافق والإيمان في المصدق اذا لم ينطق بالشهادة ولكن إنما يكون مؤمناً بینه وبين الله، أما في ظاهر الشرع فهو كافر وهذا معنى قول الفاكهاني وغيره: إن المسلم قد يكون مؤمناً في بعض الأحوال ولا يكون في بعضها. والمؤمن مسلم في جميع الأحوال فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن انتهى(3) .
أي شرعا فقد قال العلامة الشريف(4) في شرح المواقف(5) لوعلم أنه شد الزنار لا لتعظیم دین النصارى واعتقاد أحقيته لم يحكم بكفره فيما بينه وبين الله تعالی کا في سجود الشمس انتهى وقد مر في المقصد الأول نقل کلامه
ص: 33
هذا)(1) . وقال السغناقي(2) في (السديد)(3) شرح التمهيد رحمه الله تعالى أن کون الإيمان هو التصديق فقط هو الرواية الصحيحة عن الإمام أبي حنيفة. وقال الشيخ قاسم(4) في حاشية المسايرة(5) هذا القول مروي عن أبي حنيفة نص عليه في كتاب العالم والمتعلم وهو اختيار الشيخ أبي منصور والحسين بن الفضل والمحققين من أصحابنا ووجه ذلك ان الايمان عند تعارف ارباب اللسان هو التصديق فحسب وان التصديق لما كان امرا (باطنياً)(6) لا يوقف عليه ولا يمكن بناء احكام الشرع عليه جعل الشرع العبارة عما في القلب بالاقرار امارة على التصديق وشرطا لإجراء الاحکام. قال : والدليل على
ص: 34
صحة ما ذكرنا جواب النبي صلى الله عليه وسلم لسؤال جبرئیل(1) بقوله أن تؤمن بالله وملائكته الى اخر ما ذکر انتهى(2) .
ملخصا وهو مأخوذ من الكفاية للصابوني(3) وعبارة كتاب العالم والمتعلم(4) . الايان هو التصديق والمعرفة واليقين والاقرار هو الاسلام. والناس في التصديق على ثلاثة منازل: فمنهم من يصدق بالله وبما جاء منه بقلبه وبلسانه، ومنهم من يصدق بلسانه ويكذب بقلبه، ومنهم من يصدق بقلبه ويكذب بلسانه، فمن صدق بقلبه وبلسانه فهو مؤمن عند الله وعند الناس، ومن صدق بلسانه وكذب بقلبه كان عند الله كافرا وعند الناس مؤمنا لأن الناس لا يعلمون ما في قلبه وعليهم أن يسمونه مؤمنا با ظهر لهم من الاقرار بهذه الشهادة وليس لهم أن يتكلفوا علم القلوب، ومنهم من يكون عند الله مؤمنا وعند الناس كافرا وذلك بأن الرجل يكون مؤمنة بالله ويظهر الكفر (بلسانه في حال التقية)(5) فنسميه من لا يعرف انه يتقي وهو عندالله مؤمن انتهى بلفظه(6) .
وقال قبل هذا بفصول: من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لم يكن عند الله
ص: 35
تعالى مؤمناً ومن امن بقلبهِ ولم يتكلم بلسانه كان عندالله مؤمناً انتهى(1)
وقال بعده بفصول: انا نسمي اناسا مؤمنين با يظهر لنا منهم وعسى أن يكونوا عند الله كفاراً و آخرین نسميهم کفار، با يظهرون لنا من زي الكفار من غير أن يكون فيهم من زي المؤمنين وعسى ان يكونوا عند الله مؤمنين من قبل ایانهم بالله من غير أن نعلم ذلك منهم فلا يواخذنا الله بذلك لأنه لم يكلفنا علم القلوب والسرائر انتهى(2) . بلفظه وهو غاية التحقيق وبالله العون والتوفيق.
وقال الشيخ ابن حجر في شرح الأربعين(3) : وأما ما وقع للنووي في شرح مسلم من نقله اتفاق اهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن من آمن بقلبه ولم ينطق بلسانه مع قدرته كان مخلدا في النار، فمعترض بأنه لا اجماع على ذلك، وبأن لكل من الأيمة الأربعة قولا، انه مؤمن عاص بترك التلفظ بل الذي عليه جمهور الأشاعرة وبعض محققي الحنفية كما قال المحقق الكال ابن الهام وغیرہ، ان الاقرار باللسان انا هو شرط لاجراء احکام الدنيا فحسب انتهى.
وقال العلامة العيني في شرح البخاري(4) : أن الإقرار باللسان، قال بعضهم شرط لإجراء الاحكام حتی آن من صدق الرسول في جميع ما جاء به فهو
ص: 36
مؤمن فيما بينه وبين الله وإن لم يقر بلسانه .
وقال حافظ الدين النسفي:هو المروي عن أبي حنيفة وإليه ذهب الأشعري في أصح الروايتين وهو قول أبي منصور الماتريدي(1) انتهى.
الغرض من كلام العيني وقد (قَرَّر)(2) الغزالي رحمه الله هذا المذهب في الاحياء وغيره من كتبه وأطال فيه وهو قول إمام الحرمين وقد تقدم عن الموقف انه قول الأشاعرة وقول القاضي والأستاذ وعن شارحه انه قول جمع من المعتزلة، ونسبه التفتازاني إلى جمهور المحققين، وأيد هذا القول شيخنا سلمه الله تعالى في قصد السبيل واستدل له بأحاديث منها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من علم أن الله ربه وأني نبيه صادقا (بقلبه)(3) وأومأ إلى جلدة صدره حرم الله لحمه على النار، رواه الطبراني في الكبير(4) عن عمران بن حصين ومنها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من مات وهو يعلم أن لااله الاالله دخل الجنة(5) .
ص: 37
رواه الشيخان عن عثمان بن عفان ومنها من لقي الله لا يشرك به شيئا
دخل الجنة.
رواه الطبراني عن سلمة بن نعيم الأشجعي، قال: قلت: يا رسول الله وإن زنی؟ وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق(1) .
ومنها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من ایمان(2) . أخرجه مسلم عن ابن مسعود ومنها من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة رواه و مسلم عن ابن مسعود(3)مسلم النيسابوري، صحيح مسلم ج 1 ص 65، النووي شرح صحيح مسلم ج 2 ص92(4) وجابر أقول: وفي أحاديث الشفاعة من هذا شيء كثير حتى يقال له (صلى الله عليه وآله وسلم) أخرج من النار من في قلبه ادنی ادنی ادنی من مثقال حبة خردل من ایان ادنى ثلاث مرات وهو في صحيح مسلم، وسنورد بعضها في فصل. ونقل التفتازاني في شرح المقاصد(5) وابن الهام في المسايرة(6) وابن
ص: 38
حجر في شرح الأربعين(1) أن شرط نجاته في الآخرة إذا لم يطالب به فامتنع عنادا اقول: المراد عناداً للاسلام وعبارة التفتازاني على وجه الإباء أي والمراد الإباء عن الاسلام ويفهم من هذا القيد انه لو ترك النطق بعد المطالبة لا إباء عنه وعنادا بل لخوف من ظالم او من ملامة او مسبة عند من يعظم ذلك ويتحرج منه وقلبه مطمئن بالإيمان انه لا يكون كافرا بينه وبين الله بل لو تكلم بالكفر والحالة هذه لا يضره(2) .
وهو كذلك قال تعالى «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ»(3) وقد بسطنا القول على بيان الايمان في (انهار السلسبيل ومزاج الزنجبيل وفي مرقاة الصعود فراجعها ان شئت ثم ليعلم أن المراد بالنطق بالشهادتين ليس النطق بخصوصها خلافا(4) للغزالي رحمه الله کا ذکر النووي في الروضة(5) ونسبه إلى الجميع فنقل عن الحليمي(6) في منهاجه انه قال: لا خلاف ان الايمان ينعقد بغير القول المعروف وهو كلمة لا اله الا الله حتى لو قال لا اله غير الله او ماعدا الله او سوى الله او مامن إله إلا الله أو لا إله إلا الرحمن أو لا رحمن إلا الله
ص: 39
أو الباري فهو كقوله لا إله إلا الله انتهى. وكذا قالوا في الشهادة الثانية حتى لو قال محمد نبي الله او مبعوثه او احمد او الماحي او غير ذلك او ما يؤدي ذلك باللغات العجمية صح اسلامه وحكم بكونه مسلا اذا علمت. فيقول تواترت الأخبار أن أبا طالب كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم ويحوطه وينصره ويعينه على تبليغ دينه ويصدقه فيما يقول ويأمر أولاده جعفر وعلي باتباعه ونصره وكان يمدحه في اشعاره وانه نطق بأحقية دينه، فمن كلامه المعروف بين الخاص والعام:(1)
ولقد علمتُ بأنَّ دينَ *** محمٍد من خيرِ أديانِ البريةِ دينا
لولا الملامةُ او حذارَ مسبة *** لوجدتني سَمِحاً بذاكَ مبينا(2)
وقال:(3)
ألم تعلموا أنَّا وجدنا محمداً **** رسولاً كموسی صحَّ ذلك في الكتب
ص: 40
وقد وصي قريشا عند موته بإتباعه وقال: والله لكأنّي به قد غلب ودانت اله العرب والعجم فلا يسبقنكم اليه سائر العرب فيكونوا اسعد به منکم(1)، فقد حصل منه التصديق بقلبه بل وبلسانه فعلى هذا فهو في الآخرة ناج ويدخل الجنة. فان قلت : قد صح الحديث بكفره و بكونه في النار فلا يمكنك القول بنجاته لأنَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد اخبر بحاله فيما بينه وبين الله تعالى في الآخرة فدل على أنه لم يكن مصدقا بقلبه وما صدر (منه)(2) من نصرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان من باب حمية العرب والأنفة من أن يغتال ابنه من بين يديه وقد كفله بذلك عبد المطلب إلى غير ذلك.
قلت: الجواب إنَّ نفس الحديث الذي ذكرت يدل على نجاته وذلك أن الله تعالى قد اخبر عن الكفار بأنَّهم لا يخفف عنهم من عذابها وبأنَّهم لا يفتر عنهم وبأهم ماهم منها بمخرجين الى غير ذلك، وقد صح انه فيه نزل ما كان للنبي إلى قوله أنهم اصحاب الجحيم وقد (ورد)(3) في الأثر الصحيح أن الجحيم هي الطبقة السادسة من النار وأخبر صلى الله عليهوآله وسلم انه اخرج من طمطام النار وغمراتها إلى ضحضاح منها وخفف عنه من عذابها وجعل اخف اهل النار عذابا ألبس نعلين من النار فصارت النار لا تغطي ظهور رجليه وإن كان يغلي دماغه من حرها فإنَّ تأثيرها من داخل جسده وهذه هي أعلى النار، لا أعلى منه بحيث ما مست النار إلا تحت قدميه وليس هذه إلا في الطبقة الفوقانية التي هي مكان عصاة هذه الأمة وقد صح أن
ص: 41
هذه الطبقة بعد ما يخرج منها عصاة هذه الأمة تنطفي نارها وتصفق الريح ابوابها وينبت في قعرها الجرجير ولا يجوز أن ينبت في قعرها الجرجير وفي قعرها نار تمس تحت القدم فوجب أن يخرج منها ابو طالب بهذه الادلة وكلها صحيحة.
ثم نقول: قد ورد في الصحيح انه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: شفاعتي لأهل الكبائر من امتي(1) وفي لفظ لمن لم يشرك بالله شيئا واللام للاختصاص مثل الحمد لله ومعناه شفاعتي مختصة بأهل الكبائر ويؤيده ما رواه ليث عن مجاهد عن أبي هريرة مرفوعا إنها الشفاعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر من أُمتي(2) الحديث أورده القرطبي(3) في التذكرة هكذا بلفظ (إنَّما) الدال على الحصر يعني ان الشفاعة التي لغفران الذنوب تختص بأهل الكبائر فإن الصغائر تكفرها اجتناب الكبائر والكفار لا تنفعهم شفاعة الشافعين لأين الله لا يغفر أن يشرك به واذا لم تغفر لا تدخل تحت الشفاعة لأنَّ كل عذاب في مقابله ذنب مالم يغفر ذلك الذنب لا يرفع عنه العذاب الذي في (مقابله)(4) واذا لم
ص: 42
يغفر الشرك صدق انه لا تنفعه شفاعة الشافعين، والشافعين جمع محلى باللام فيفيد العموم فتدخل شفاعته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال ابن عباس في قوله تعالى: «لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا»(1) ، العهد قول لا إله إلا الله فدل على أنَّه لا شفاعة لغير موحد(2) .
قال الامام في اسرار التنزیل(3) الذي يدل على صحة قول ابن عباس
وجوه:
الاول: إنَّ قوله إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا نكرة في سياق الثبوت وذلك لا يفيد إلا عهداً واحداً ثم أجمعنا على أنَّ ما سوى الايان فإن الواحد منه بل مجموعه لا يفيد تلك الشفاعة (البيته فوجب أن يكون ذلك العهد الواحد الذي يفيد تلك الشفاعة)(4) هو الايران انتهى. وقال تعالى:
«وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»(5)
قال الامام: يعني قول لا إله إلا الله فإن قلت: هنا التفسير لهاتين الآيتين يدل على أن موجب الشفاعة شهادة أن لا إله إلا الله ولا كلام فيه وإنا الكلام فيمن صدق بقلبه ولم يتشهد. قلت: أما أولا: فإن الكلام في اختصاص الشفاعة
ص: 43
بالموحد وعدم تجاوزها المشرك والإتيان نص فيه وأما ثانيا: فقد قال الامام في اسرار التنزیل(1) قال بعض العلماء: في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله . إنَّ الله جعل العذاب عذأبين احدهما السيف في يد المسلمين والثاني عذاب الآخرة فالسيف في غلاف یری والنار في غلاف لا يرى فقال تعالى لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم): من اخرج لسانه من الغلاف المرئي وهو الفم فقال لا اله الا الله ادخلنا السيف في الغمد الذي يرى ومن اخرج لسان القلب من الغلاف الذي لا يرى وهو السر فقال لا اله الا الله أي في قلبه ادخلنا عذاب الآخرة في غمد الرحمة حتى يكون واحد بواحد ولاجور(2) انتهى.
والحاصل أن النافع في دفع العذاب الأخروي هو القول القلبي فقط وفي
دفع العذاب الدنيوي هو القول اللساني فقط.
واذا علمت أن لاشفاعة لغير الموحد بقلبه علم انها مختصة بالموحدين المؤمنين بقلوبهم وابو طالب قد خفف عنه العذاب وأُخرج من غمرات النار إلى ضحضاح النار وقد نالته ونفعته الشفاعة بنص الاحاديث الصحيحة فوجب أن يكون من اهل الكبائر ماعدا الكفر ووجب أن يخرج من النار لأنه من عصاة الأمة الذين في الطبقة العليا وكل من كان كذلك يخرج وهذا معنى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):ارجوله من ربي كل خير حين سئل
ص: 44
أترجو لأبي طالب خيرا(1) ؟ فإن قلت: قد اثبت العلماء له (صلى الله عليه وآله وسلم) نوعا من الشفاعة وهي التخفيف عن الكفار. قلت: إنما اثبتوا ذلك بشفاعته لأبي طالب فهو أول الدعوى فإنّا اثبتنا بشفاعته ایانه وان كان لهم دليل آخر فليذكر حتى ننظر فيه، نعم إن أرادوا الكفار في ظاهر الشرع فيرجع النزاع لفظيا ثم إن (النار اسم)(2) للطبقات كلها وقد أخبر (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أبا طالب أخف أهل النار على الاطلاق وبين وجه ذلك بأن النار لا تمس إلا تحت قدميه وفي صحيح مسلم(3) عن النعمان(4) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل في أخمص قدميه جمرتان يغلي منها دماغه ولعل هذا أبو طالب وعبر في الحديث الآخر بنعلين لأن الجمرة اذا كانت لاصقة
بالأخمص كان شبه النعل وفيه ايضا عن سمرة بن جندب(5) أن النبي
ص: 45
(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: منهم من تأخذه النار الى كعبيه ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه ومنهم من تأخذه الى حجزته ومنهم من تأخذه الى ترقوته(1) . وفي رواية حقويه(2) مکان حجزته وبين القتيبي في عيون الاخبار(3) أن ذلك بسبب اختلاف اعمالهم وأنهم من أهل التوحید، فروي عن أبي هريرة مرفوعا: اذا قضى الله (بين)(4) خلقه وزادت حسنات العبد دخل الجنة وإن استوت حسناته وسيئاته حبس على الصراط اربعين سنة ثم بعد ذلك يدخل الجنة وإن زاد سيئاته على حسناته دخل النار من باب التوحيد فيعذبون في النار على قدر أعمالهم فمنهم من تنتهي له النار الى كعبيه ومنهم من تنتهي الى ركبتيه ومنهم من تنتهي الى وسطه. قال القرطبي(5) في التذكرة وذكر الفقيه ابن يرجان(6) إن حديث مسلم في معنى قوله تعالى (وَلِكُلّ درجاتٌ ممَّا عَمِلُوا)(7) الاية قال: وأرى والله اعلم ان هؤلاء الموصوفين في الحديث اهل
ص: 46
التوحيد فإن الكافر لا تعاف النار منه شيئا فكما اشتمل في الدنيا على الكفر تشمله النار في الاخرة(1) . قال الله تعالى «لُهم مَّن فَوقِهِم ظُلَلَّ مَّنَ النَّارِ وَمِن تَحتِهم ظُلَلٌ»(2) انتهى.
اقول: قد سمعت إن حديث أبي هريرة عند القتيبي المار آنفا قد صرح أنهم من أهل التوحيد ولذا يدخلون من باب التوحيد فإن الكافر لا حسنات له حتى تزداد او تساوی او تنقص. وروى ابو النعيم(3) عن کعب الاحبار(4) في حديث طويل: إن الله تعالى يقول عندما تدخل عصاة هذه الأمة : يامالك مر للنار لا تحرق السنتهم فقد كانوا يقرأون القرآن، يا مالك قل للنار تأخذهم على قدر أعمالهم فمنهم من تأخذه النار الى كعبيه بمثل ما تقدمه(5) ،
وإذا كان العذاب (غير المشتمل)(6) عذاب عصاة الموحدين دون الكافرين فإن النار تشملهم وجب أن يكون أبو طالب موحدا بقلبه ومتصفا بالتوحيد القلبي الذي مدار أمر الآخرة وحسابها عليه وإلا لاشتملته النار کا اشتملتهم، وأيضا فقد ثبت أنه أهون أهل النار عذابا کا مر بیانه آنفا فلا يجوز أن يكون كافرا لأن في المؤمنين من صح الاخبار عنهم في ذنب واحد
ص: 47
كالغلول او العقوق او تعذيب الحرة او التبختر بعذاب اكبر من هذا، ولو كان کافرا لكان عذاب الكفر فوق عذاب الكبائر قطعا، هذا ما نشك فيه فإن الكفر أكبر الكبائر ولا يغفر بخلاف بقية الكبائر ولو وجد مؤمن عاص أخف عذابا من أبي طالب لزم الخلف في قول الصادق حيث جعله أخف أهل النار على الاطلاق فوجب أن يكون عذابه كعذاب عصاة المؤمنين في مقابلة كبيرة هي ترك النطق بالشهادة إن قلنا إنه لم يعتد به بها نطق به من ذلك كما هو ظاهر الصحيحين، وإن قلنا بالإعتداء به أو بأنه قد نطق به کما قد روي عن العباس أنه قال: يا ابن أخي قد قال الكلمة التي أمرته أن يقولها. أخرجه ابن هشام وابن سيد الناس في سيرتها(1) . وغيرهما يكون في مقابلة فرض آخر لعله ترك الصلاتين اللتين كان يصليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو التهجد الذي كان فرضا عليهم أول الاسلام ولا يبعد أن يخفف العذاب عنه لأن أكثر واجبات الشرع بل وأركان الإسلام الخمسة غير النطق بالشهادتين لم تكن فرضت اذ ذاك فإن الصلاة فرضت ليلة المعراج وهو على الأصح بعد موت أبي طالب والصيام والزكاة والحج والجهاد وجميع ذلك إنها فرضت بعد الهجرة وبقية مکارم الاخلاق کصلة الرحم وإكرام الضيف وحمل الكل والإعانة على نوائب الحق ونصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان هو أُسّها ومعدنها فإن قلت: لم يرو أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى عليه ولا ورث جعفرا وعليا منه قلت: هذا إنما يرد لو أن النبي
ص: 48
(صلى الله عليه وآله وسلم) سمع منه النطق بالشهادتين وقد ورد أنه لما قال العباس ما مّر، قال أما أنا فلم اسمعه(1) وحيث لم يسمعه وجب أن يعامله بظاهر الشرع، فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في أول الإسلام مأمورا بذلك بل في آخره أيضا عند الجمهور وإنما نقل السيوطي جواز الحكم له بالباطن عن بعض واختاره في أواخر حياته (صلى الله عليه وآله وسلم). على أن المواريث حينئذ لم تفرض وإنما كانت الوصية فقد يكون ابو طالب وصی باله لعقيل فإنه كان يحبه كثيرا. ومن ثم لما طلب منه (صلى الله عليه وآله وسلم) والعباس أن يخففا عنه بعض عياله قال لها: اذا ترکتالي عقيلا فاصنعا ما شئتما اولأن جعفرا كان قد هاجر إلى الحبشة وعلي كان صغيرا في حجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد يكون عقيل إغتصب المال وترك رسول الله المخاصمة دفعا للشر فإن قريشا بعد موت أبي طالب نالوا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أرادوا من الأذي كما هو معلوم. فقول بعض العلماء: إن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم فتح مكة هل ترك لنا عقيل من دار معناه أن عقيلا ورث ابا طالب لأنها كانا على ملة الكفر بخلاف جعفر وعلي (لأنها)(2) کاناعلى (ملة)(3) الاسلام ولا يتوارث اهل ملتين بعيد عن الصواب، لأن هذا الحكم إنما نزل بعد موت أبي طالب بزمان على أنه يمكن أنهم لما هاجروا وتركوا العقار استولى عقيل عليها وباعها على ما كان عادة العرب ولا سيما هو كان حينئذ على الشرك ومعاداة
ص: 49
المسلمين فتصرف في عقارهم وهو أقرب، اذ لو كانت الدور باقية لنزل فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقرابته فإنه يوم الفتح كان مسلما بل كان يفرح بنزول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها ويعدها فخرا ثم رأيت أن اقضي القضاة الماوردي صرح بهذا في الأحكام السلطانية(1) وجعل الدور التي باعها عقيل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: وورث (صلى الله عليه وآله وسلم) من أمه آمنة بنت وهب دارها بمكة(2) التي بين الصفا والمروة التي خلف سوق العطارين واموالا فأما الداران فإن عقیل بن أبي طالب باعها بعد هجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا قدم مكة في حجة الوداع قيل في أي (داريك)(3) تنزل(4) ؟ فقال: وهل ترك لنا عقيل من ربع فلم يرجع فيها باعه عقيل لأنه غلب عليه ومكة دار حرب وأجرى عليها حكم المستهلك فخرجت هاتان الداران من صدقاته انتهى(5) بلفظه. وفيه إبطال ذلك القول من أصله حيث ظهر أن الذي تصرف عقیل ماله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا مال (عمه)(6) أبي طالب (وهذا يقوي ما
ص: 50
ابداه الحافظ ابن حجر في فتح الباري(1) في باب غزوة الفتح في شرح الحديث المتقدم حيث قال: ويحتمل أن الهجرة لما وقعت إستولى عقيل وطالب على ما خلف ابو طالب وكان ابو طالب قد وضع يده على ما خلفه عبد الله والد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه كان شقيقه وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند أبي طالب بعد موت جده عبد المطلب فلا مات ابو طالب ثم وقعت الهجرة ولم يسلم طالب وتأخ-ر اسلام عقيل استوليا على ما خلف ابو ط-ال-ب ومات طالب قبل بدر وتأخر عقيل فلا تقرر حكم الاسلام بترك توريث المسلم من الكافر استمر ذلك بيد عقيل وكان عقيل قد باع تلك الدور كلها واختلف في تقرير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عقيلا فقيل ترك له حقه تفضلا عليه وقيل استمالة له وتأليفا وقيل تصحيحا لتصرفات الجاهلية كا تصحح انكحتهم انتهى.
وقد مر آنفا عن الماوردي(2) انه اخرجه على الاستهلاك باستيلاء الكفار عليه في دار الحرب فهذه اربعة اوجه)(3) وبالله التوفيق.
فإن قلت: غاية ما ذكرت من الدليل أن يخفف عنهم ولا يفتر عنهم عام ونحن نقول به ونقول هذا العموم خصص بالحديث الصحيح وتخصيص القرآن بل نسخه بالحديث ولو أحادا (هو مذهب كثير من العلاء بل
قيل)(4) هو المذهب المنصور قلت: إذن يخصص عموم أن الله لا يغفر أن
ص:51
يشرك به بهذا الحديث أيضا إذ لا فرق بين لا يغفر ولا يخفف والشافعة
النافعة مستلزمة للمغفرة كا تقدم، وكذا التخفيف فإنه لا يخفف إلا وقد غفر الذنب الذي كانت الشدة في مقابلة فإن جوزت التخصيص حتى في الشرك فقد وسعت لنا الدائرة وزدتنا حجة وإلا طولبت بالفرق وأنى لك به تبصرة، ظهر لي جواب واضح عن قوله تعالى «مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ»(1) الآية وذلك إني تتبعت الاحاديث الواردة في سبب نزولها فوجدته-ا منقسمة (على)(2) ثلاثة (اوجه)(3):
الاول: إنها نزلت في أبي طالب.
الثاني: إنها نزلت في والدة النبي صلى الله عليه واله وسلم.
الثالث: إنها نزلت في آباء الناس ما توا على الكفر كان أولادهم يستغفرون لهم، أما الوجه الثاني فقد ذكرنا الجواب عنه مفصلا في رسالتنا سداد الدين(4) وأما الوجه الاول فظهر لي أنه اختصار من الرواة وإن سبب النزول هو الوجه الثالث لا غير.
وبيان ذلك أن نزوله-ا في أبي طالب رواه الشيخان وغيرهما عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضر ابا طالب الوفاة الحديث وفي آخره فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لأستغفرنَّ لك ما لم أنَّه عنك فنزلت«
ص: 52
ما كَانَ للنَبِيّ)(1) الآية وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسوله: «إِنَّكَ لاَ تهَدِي مَن أحبَبتَ وَلَكِنَّ اللهَّ يَهدِي مَن يَشَاءُ»(2) ورواه ابن سعد(3) وابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال: أخبرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بموت أبي طالب فبكى فقال: إذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه، ففعلت وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يستغفر له أياما ولا يخرج من بيته حتى نزل عليه بهذه الآية (ما كان للنبي) الآية وهذه الرواية مع كونها ضعيفة مخالفة لما صح انها نزلت بالمدينة فإن السورة مدنية نزلت بعد تبوك. ثم راينا فاذا علي روي عنه من طرق بعضها صحيحة أن السبب في نزولها استغفار اناس لآبائهم المشركين. فقد روى الطيالسي وابن أبي شيبة واحمد(4)
والترمذي(5) والنسائي وابو يعلى(6) وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابو الشيخ والحاكم وصححه(7) وابن مردويه والبيهقي في شعب الايمان والضياء في الاحاديث المختارة عن علي رضّي الله عنه قال: سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان (فقلت: أتستغفر لأبويك وهما مشركان)(8)
ص: 53
قال: أولم يستغفر ابراهيم لأبيه فذكرت ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت «مَا كَانَ لِلنَّبِيَّ وَالَّذِين آمَنُوا»(1) الآية. فهذه الرواية عنه صحيحة وقد وجدنا لها شاهدا من حديث ابن عباس، فروى ابن جریر(2) وابن المنذر وابن أبي حاتم(3) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنها قال: كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت هذه الآية فلا نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولاينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا ثم انزل الله «وَمَا كَانَ استِغفَارُ إِبَراهيَم لِأبيِه»(4) الآية يعني إستغفر له ما كان حيا فلا مات أمسكت عن الاستغفار له وهذا شاهد صحيح وعلي بن أبي طلحة ثقة جليل والرواة عنه كذلك وعارضت الرواية المتقدمة عنه فإن رجحنا فهذه أصح وإن جمعنا فالجمع مقدم على الترجيح فحاولنا الجمع فوجدنا أحاديث يستفاد منها الجمع. فروى ابن أبي حاتم(5) وابو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال: لما مرض ابو طالب أتاه النبي فقال المسلمون: هذا محمد يستغفر لعمه وقد استغفر ابراهيم لأبيه فاستغفروا (لقراباتكم)(6) من المشركين فأنزل الله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيَّ والَّذِينَ آمَنُوا) الآية ثم أنزل (وَمَا كان استِغفَاُر إِبرَاهِيمَ لأِبيِه) وروى ابن جرير من طريق شبل عن عمر و بن
ص: 54
دينار أن النبي صلى الله عليه سلم قال: إستغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك فلا أزال استغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي. فقال أصحابه لنستغفرن لآبائنا كا استغفر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمه، فأنزل الله (ما كان للنبي) الآية الى قوله تبرأ منه(1) فظهر بهذه الأخبار أن الآية نزلت في استغفار المسلمين لأقاربهم المشركين وإن حديث الصحيحين فيه اختصار وإن الأصل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فقال المسلمون إن رسول الله يستغفر لعمه لنستغفرن لأبائنا فاستغفروا لأبائهم فنزلت في حقهم الآية فاختصر الراوي فحذف منه الجملة الأخيرة وهذا الجمع متعين لإمور أحدها: إن السورة كلها تنزلت بعد تبوك(2) وبينها وبين موت أبي طالب نحوا من اثنتي عشرة سنة.
ثانيها: إن حديث علي السابق صحيح وانضم الى صحته الشواهد التي ذكرناها وكون الآية مدنية فلا ينبغي الغاؤها وترجيح حديث سعيد وإن كان حديث سعيد في الصحيحين إذ قد يرجح حديث غير الصحيحين لأمور تقتضي ذلك وقد صرحوا بهذا في أصول الحديث فقولهم يقدم حديث الصحيحين أو أحدهما ليس على إطلاقه كا حررنا ذلك في شرحنا على ألفية السيوطي.
ص: 55
ثالثهما: إن عم إبراهيم آزر كان يتخذ أصناما آلهة كما حكى الله عنه وكان يقول لإبراهيم «أَرَاغِبٌ أَنتَ عَن الَهِتِي يَا إِبراهِيمُ»(1) ولم ينقل عن أبي طالب بطريق صحيح أنه اتخذ صنا إلها أو عبد حجرا أو نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما عن عبادة ربه، غايته أن يكون ترك النطق بالشهادتين أو يكون ترك بعض الواجبات ومع ذلك قلبه مشحون بتصديق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومثل هذا ناج في الآخرة على مقتضى ديننا فلا يليق بالحكمة ولا بمحاسن الشريعة الغراء ولا بقواعد الأئمة من أهل الكلام أن يكون هو وآزر عم إبراهيم في قرن حاشا من كرم الله تعالى.
قال حسان رضي الله تعالى عنه:
أمن يهجو رسولَ الله منكم ***ويمدَحُهُ وينصرُهُ سواء(2)
فإن أبا طالب رباه صغيرا وآواه كبيرا ونصره وعزره ووقره وذب عنه ومدحه بقصائد غر ووصى باتباعه وليس في حديث عمر و بن دينار المار آنفا دلالة قطعية على شركه وقوله: إستغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك فلا أزال استغفر لأبي طالب،يمكن أن يكون معناه أن إبراهيم استغفرلأبيه مع شركه فكيف لا أستغفر لأبي طالب مع أن خطيئته دون الشرك فلا أزال أستغفر له حتى ينهاني الله ولم ينهَ بل نهى عن الإستغفار للمشركين (فهو نظير ما قيل في حديث حينا مررت بقبر مشرك فبشره بالنار والقصد بذلك عدم كسر
ص: 56
قلوب أصحابه أبي معهم في ذلك الحكم بحسب الظاهر)(1) لا لخصوص عمه، ويصرح بهذا ما ورده في الدر المنثور من طريق ابن جرير عن قتادة أن رجلا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سألوه عن الإستغفار لأبائهم فقال: والله إني لأستغفر لأبي كا استغفر إبراهيم لأبيه فأنزل الله «ما كان لِلنّبَّي وَالَّذِينَ آمَنُوا» الآية. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إني أوحي إلي كلات قد دخلن في أذني ووقرن في قلبي أمرت أن لا أستغفر لمن مات مشركا و ذكر الثلاثة الباقية، (وقد ذكرنا في سداد الدين(2)) (3) في مقصد دفع المعارضات في كلام المعترض مع الجواب فكونه (صلى الله عليه وآله وسلم)(4) قال: لأستغفرن لأبي يعني لعمى ثم لم يقل أمرت أن لا أستغفر بل قال لمن مات مشركا جواب لسؤال أصحابه مع إشارة خفيفه إلى أن عمه لم يكن مشركا والله أعلم. هذا وقد دلت أحاديث شفاعته (صلى الله عليه وآله وسلم) على أنه يشفع في من قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حب – من خر دل من إيان كا سنذكر بعضها في الفصل الآتي بعون الله الكريم المنان.
ص: 57
روی احمد والطبراني والبزار عن معاذ بن جبل وأبي موسى رضي الله عنها قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن ربي خيرَني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة أو شفاعتي فاخترت لهم الشفاعة وعلمت أنها أوسع لهم وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئا.
وروى احمد وابن أبي شيبة والطبراني عن أبي موسى قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوتيت خمسا الحديث وفي آخره وإني أخرت شفاعتي جعلته-ا لم-ن م-ات م-ن أمتي لا يشرك بالله شيا.
وروى ابن أبي شيبه وأبو يعلى وأبو نعيم والبيهقي عن أبي ذر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطيت خمسا وفي آخره وهي نائلة منهم إن شاء الله تعالى من لم يشرك بالله شيئا.
وروى احمد وأبو يعلى عن أبي عباس رضي الله عنها قال: قال رسول الله
ص: 58
؟
(صلى الله عليه وآله وسلم): لم يكن نبي إلا له دعوة قد تنجزها في الدنيا وإني قد اختبات دعوتي شفاعة لأمتي وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر الحديث الطويل وفي اخر فأرفع رأسي فأقول: أي رب أمتي أمتي فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا ثم أعود فأسجد فأقول مثل ما قلت فيقال: إرفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول: يارب أمتي أمتي فيقول أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا دون الأول ثم أعود فأسجد فأقول مثل ذلك فيقال: إرفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول: أي رب أمتي أمتي فيقول أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا دون الأول(1) .
وروى الطبراني في الأوسط والحاكم وصححه والبيهقي(2) عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): للأنبياء منار من ذهب
ص: 59
الحديث. وقال: فيه فا أزال أشفع حتى أعطى صكاكا برجال قد بعث بهم الى النار حتى إن مالكا خازن النار يقول: يا محمد ما تركت لغضب ربك في أمتك من بقية.
وروى ابن أبي شيبة(1) وابن عاصم في السنة(2) عن سلمان رضي الله عنه قال: تعطي الشمس يوم القيامة حر عشر سنين الحديث الطويل وفي آخره فيشفع في كل من كان في قلبه مثقال برة من إيمان أو مثقال شعيرة من ايان أو مثقال حبة من خردل من إيان فذلك المقام المحمود. وروى ابو يعلى عن عوف بن مالك مرفوعا أعطينا اربعا لم يعطهن أحد كان قبلنا وسألت الخامسة فأعطانيها وقال: في الخامسة وسألت أن لا يلقاه عبد من أمتي يوحده إلا أدخله الجنة(3) وأخرج مسلم عن ابن عمر رضي الله عنها أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تلا قول إبراهيم (مَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ)(4) وقول عيسى (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(5) فرفع يديه وقال: أمتي أمتي ثم بكى فقال : با جبرائيل إذهب الى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسؤك(6) .
ص: 60
وروى البزار والطبراني في الأوسط عن علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أشفع لأمتي حتي يناديني ربي أرضیت یا محمد؟ فأقول: أي ربّ رضيت(1) .
وروى الطبراني في الأوسط بسند حسن عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أعطيت خمسا وقال فيه وإني أخّرت دعوتي شفاعة لأمتي وهي بالغة إن شاء الله تعالى من مات لا يشرك بالله شيئا(2) وقد مرّ حدیث مسلم أنه يقال له أخرج من كان في قلبه أدنی أدنى من مثقال حبة من خردل(3) . فانظر هذه الأحاديث كلها بظاهرها تدل على أن النطق بالشهادتين ليس شرطا في النجاة بل ولا دخل له فيها وإلا لما كان قائلها نفاقا في الدرك الأسفل من النار، وإن الشفاعة لا تنال مشرکا وقد نالت الشفاعة أبا طالب بنص الحديث الصحيح ونعلم قطعا أنه كان يصدق بنبوة النبي وصدقه وأحقية دينه وكفى بالظاهر دلیلا فلا بد من القول بنجاته.
وأخرج ابن الجوزي(4) عن عليَّ (عليه السلام) مرفوعا هبط جبرائیل عليَّ فقال : إن الله يقرئك السلام يقول: إني حرّمت النار على صلب أنزلك
ص: 61
وبطن حملك وحجر كفلك، أما الصلب فعبد الله وأما البطن فأمنه وأما الحجر فعمه یعني أبا طالب وفاطمة بنت اسد. قال ابن الجوزي: إسناده(1) کما تری.
قال السيوطي فاطمة بنت اسد آمنت و صحبت وهاجرت رضي الله عنها انتهی.
يعني أنه دليل على أن الحديث له أصل وقد رواه ابن الجوزي بسند أهل البيت فقال: أخبرت عن أبي الحسين يحيى بن الحسين بن اسماعيل العلوي حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسين الحسني حدثنا زید بن حاجب حدثنا محمد بن عمار العطار حدثنا علي بن محمد بن موسى الغطفاني حدثنا محمد بن هارون العلوي، حدثنا محمد بن علي بن حمزة العباسي حدثنا أبي حدثنا علي بن موسی بن جعفر حدثنا أبي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رفعه: هبط جبريل علي فذكره.
وروی تمام الرازي في فوائده بسند يعتد به في المناقب عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا كان يوم القيامة تشفعت لأبي وأمي وعمي أبي طالب وأخ كان لي في الجاهلية أورده المحب الطبري في كتابه ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى(2) . قال السيوطي وهو من الحفاظ والفقهاء قال وقد ورد من طريق آخر ضعيف عن ابن
ص: 62
عباس، أخرجه أبو نعيم وفيه التصريح بأن الأخ من الرضاعة قال الطبري: إن ثبت فهو مؤول في أبي طالب. قلت: قد ظهر لك أنه لا يحتاج إلى تأويله وهو شاهد للذي قبله. وروى ابو سعيد النيسابوري في شرف النبوة، والملا في سيرته عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سألت ربي أن لا يدخل أحدا من أهل بيته النار(1) . (فأعطاني ذلك وقد تقدم حديث ابن عباس في تفسير قوله تعالى «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى»(2) إن من رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار)(3) قال السيوطي فهذه عدة أحاديث يشد بعضها بعضا، فإن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة الطرق انتهى.
قلت: ولا سيما في المناقب ولا منافاة بينها وبين ما في الصحيحين من ذكر کفره ودخوله النار لما تقدم أن الحكم على كفره بالنسبة للأحكام الدنيوية نظرا لظاهر الشرع وإن دخوله النار لأجل ترك فرض من الفرائض وهذا لا يلزم منه خلوده في النار وليس بنص على أنه مخلد في النار مع ما مر بیان سبب نزول النهي عن الإستغفار من الجميع ولله الحمد.
وروى ابن سعد في الطبقات نبأ عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة عن ثابت عن اسحاق بن عبد الله بن الحارث قال: قال العباس رضي الله عنه
ص: 63
یا رسول الله، أترجو لأبي طالب خيرا؟ قال:كل الخير أرجو من ربي(1) . أقول: عفان بن مسلم(2) ، أخرج له الستة قال في التقريب: ثقة ثبت. قال ابن المديني كان إذا شك في حرف من الحديث ترکه من كبار العاشرة وحماد بن سلمة(3) خرّج له البخاري في التاريخ ومسلم في صحيحه والأربعة في السنن قال في التقريب ثقة عابد اثبت الناس في ثابت. وثابت هو البناني من رجال الستة لا يسأل عنه، واسحاق بن عبد الله بن الحارث(4) روى له الأربعة قال في التقريب صدوق من الثالثة فهذا السند صحيح إن لم يكن بين اسحاق والعباس انقطاع فإذا انضم الى الأحاديث المتقدمة بلغت رتبة الصحة بلا مطعن فتقوم به الحجة ولا سيما ورجاؤه (صلى الله عليه وآله وسلم) محقق ولا يرجو كل الخير إلا لمؤمن ولا يجوز أن يراد بهذا ما حصل له من تخفیف العذاب فإنه ليس خيرا فضلا عن أن يكون كل الخير وإنما هو تخفيف الشر وبعض الشر أهون من بعض.
ص: 64
ظهر لي في معنى قوله: ليت شعري ما فعل ابواي معنی لطيف وهو أن يراد بأبويه عساه أبو طالب وأبو لهب إما لأن الأب يطلق على العم حقيقة أو مجازا شائعا کا مرّ أو لأن المراد صاحب الكنية (اللذان)(1) ، في أول اسم كل لفظ الأب ویکون الأضافة لأدنى ملابسة وقد كانا مشهورين بالكنية من بين سائر أعمامه (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن البقية شهرتهم بأسمائهم والدليل على هذا أمور:
أحدها: أن الآية مدنية وكان إذ ذاك قد نزل حكم أهل الفترة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله تعالى «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا»(2) فلا يجوز بعد هذا أن يسأل عن أبويه الحقيقيين لأنها دخلا في عموم أهل الفترة وإنها ليسا معذبين وعلم (من)(3) ذلك حال بقية أعمامه الذين ماتوا في الفترة وإنهم ناجون.
ثانيها: إن ظاهر النهي يدل على أن المسؤول عنها قد علم حالها عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكونها من أصحاب الجحيم ولم یکن كذلك إلا أبو لهب لأن أبا لهب قد تبين له (صلى الله عليه وآله وسلم) في سورة تبت أنه من أصحاب الجحيم حيث قال تعالى : (سَیَصلَی تَاراً ذَاتَ
ص: 65
لهبٍ)(1) وأبو طالب حيث طلب منه قول لا إله إلا الله ولم يقل ظاهره
أنه كذلك فلما هاجر ووقع وقعة بدر ومات أبو لهب عقبها وأسلم عباس على ما قيل أن إسلامه قديم وهو الأصح وقد أخبر رسول الله بذلك فقال : أما ظاهرك فكنت علينا فلم يأخذه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا بظاهره ولم يكذبه في دعوى إسلامه فاطمأن قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهة أقاربه ماعدا العمين أبي طالب وأبي لهب فكان يسأل: ليت شعري كيف عذابها وفي أي طبقة هما من النار فأنزل الله تعالى
«َولاَ تُسأَلُ عَن أَصحَابِ الجحِيمِ»(2) والنهي هنا للتهويل أي لا تسأل عن شدة عذاب من أخبرنا عنه سابقا إنه من أصحاب الجحيم وهو أبو لهب فإن عذابه شديد وأما الذي لم نخبرك وهو أبو طالب فیر جی له الخير فأخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أبي طالب بعد ذلك بأنه يرجوله من ربه كل الخير وبأنه يشفع له مع أبويه كما تقدم (3) وأخذ بناء على ما جبله الله عليه من الرحمة في الإستغفار لأبي لهب وقال غاية ما يكون في عقوقه کعم إبرهيم آزر وما منعه عقوقه عن استغفاره له فقال لأستغفرن کا استغفر إبراهيم لأبيه أي لأستغفرن لعمي العاق القاطع للرحم کرما منی کا استغفر أبراهيم لأبيه أي لأستغفرن لعمي العاق القاطع للرحم کرما منی کا استغفر إبراهيم لعمه العاق القاطع كذلك وهذا غير مستبعد من رحمته (صلى الله عليه وآله وسلم) ألا ترى كيف احمل قوله تعالى: «
ص: 66
ستَغفِر لُهم أَو لآَ تَستَغفِر لُهم»(1) على التخيير وجعل العدد للمفهوم حتی يتوصل بذلك إلى الإستغفار لأكبر أعداء الله تعالى وأعدائه رأس المنافقين وألبسه قميصه ونزل في قبره أتظن انه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يفهم کلام الله ؟ أو لم يعلم مراده؟ حاشا وإنما مثل ذلك حيلة في استدرار رحمة الله فيحمل اللفظ على أبعد محتملاته الى حد لا يقال إنه خالف أمر الله تعالى فإذا كان هذا حاله مع من ذكرنا فكيف بأقربائه ولاسيما وقد قيل له لما سأل معنى الصفح من جبرائيل حين نزل عليه: «فَاعفُ عَنهُم واصفَح»(2) إن الصفح أن)(3) تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك وقد أمرنا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصدقة على ذي الرحم الكاشح وقال إنه أفضل الصدقة فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يستغفر لأبي لهب اقتداء بإبراهيم إلى أن نزل عليه «مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ»(4) والذي منهم من العمين هو أبو لهب لأن أبا طالب في ضحضاح من النار والجحيم هو العظيم من النار فكأنه قال كما في حديث قد مر فكان إبراهيم يستغفر الأزر وقد أمرتني بالإتباع لملته والإقتداء به فأنزل عليه «وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ»(5) الأبيو إلآ عن مودتي وعدها إياه الآية ولا يبعد أن يكون الراوي حين سمع أنه وعد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يستغفر لعمه إستبعد أن
ههههه
ص: 67
يكون ذلك أبا لهب لما جبل عليه طبع البشر من بغض من يؤذيه فحمله على أنه أبو طالب وصرّح باسمه ، على أنا نقول بورود الإستغفار للأثنين ولكنا جعلنا المراد بقوله من أصحاب الجحيم أبا لهب.
(ثالثها: انه يجب هذا الحمل والتأويل على هذا الوجه)(1) حتى لا ينافيه رجاه (صلى الله عليه وآله وسلم) كل خير ووعده الشفاعة منه له کما في الصحيح وحتى لا يكون أبر الناس وأوصله وأنصره وأحفظه وأحوط له
أشقاهم.
وكيف يفتخر (صلى الله عليه وآله وسلم) به في قوله (2) : الله در أبي طالب ويشهد له بأنه لو رآه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يستسقي على المنبر الشره ذلك ولقت عينه (وهو من أصحاب الجحيم هذا يستبعده العقل السليم)(3) فهو من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شهادة لأبي طالب بعد موته أنه كان يفرح بكالات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقرّ عينه بها وما تلك الا عن سر وَقَر في قلبه من تصديقه بنبوته وعلمه بكالاته، فتأمل هذه المعاني الدقيقة ولا تكن ممن استحقرها لحقارة قائلها ففوق كل ذي علم عليم في الحقيقة.
ص: 68
ومما يدل على تصديق أبي طالب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما
أورده الحافظ ابن حجر في الإصابة(1) في ترجمة أبي طالب قال: أخرج احمد من طريق حبة العرني قال: رأيت عليا ضحك على المنبر ثم قال : ذكرت قول أبي طالب ظهر علينا وأنا أصلي مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ببطن نخلة. فقال: ماذا تصنعان فدعاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإسلام. فقال: ما الذي تقول من بأس ولكن والله لا يعلوني أستي أبدا. قلت: هذا في أول الإسلام قبل أن تفرض الصلاة وقد أقر بأنه لا بأس بالتوحيد وإباؤه عن الصلاة النفل لا يدل على إبائه عن التوحید کا أن الأعرابي حين قال بحضرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والله لا أزيد على الفرائض الخمس شيئا ولا أنقص، لم يحكم بكفره بل قال: أفلح إن صدق(2) وفي رواية أخبر أنه من أهل الجنة ثم قال: وأخرج البخاري في التاريخ من طريق طلحة بن يحيى عن موسى بن طلحة عن عقیل بن أبي طالب قال: قالت قریش لأبي طالب: إن ابن أخيك هذا قد آذانا فذكر القصة. فقال: يا عقيل ائتيني بمحمد قال: فجئته به في الظهيرة. فقال: إن بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم فانتهِ عن أذاهم. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أترون هذه الشمس فيا أنا أقدر على أن أدع ذلك، (وفي لفظ ولو وضعتم الشمس في يميني والقمر في شالي لا أدع ذلك)(3) فقال أبو طالب :
ص: 69
والله ما كذب ابن أخي قط(1) .
قلت: فانظر إلى نفي الكذب عنه بالحلف بحضور خصائه قریش وهم قد جاؤوه يشتكون اليه، وقوله فانتبه عن أذاهم تعبير لقول قريش أي إنهم زعموا أن هذا أذى من قبل نفسه ليس من عند الله فقال: إن كان أذي زعموا فانتِه عن أذاهم فلما قال إنه من عند الله بيقين كما إنكم على يقين من رؤية هذه الشمس، صدّقه ونفى عنه الكذب.
قال: وأخرج ابن عدي من طريق هيثم البكا عن ثابت عن أنس قال مرض أبو طالب فعاده النبي (صلى الله عليه و آله وسلم). فقال: يا ابن اخي إن ربك ليعطيك. فقال: وأنت ياعاه لو أطعته ليعطينك(2) . وأورده السيوطي في الخصائص الکبری(3). قلت: وليس في قوله وربك الذي تعبد ما يدل لعدم التصديق وإنما هو بمنزلة قول عائشة رضي الله تعالى عنها: أری ربك يسارع إلى هواك(4) . وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): لو أطعته معناه لو أطعته حق طاعته لأطاعك فلا يلزم منه نفي تصديقه ثم قال: وأخرج الخطيب في کتاب رواية الآباء عن الأبناء من طريق احمد ابن الحسن المعروف بدبيس
ص: 70
حدثنا محمد بن اسماعیل بن ابراهيم العلوي (حدثني عم أبي الحسين بن موسی عن أبيه موسی بن جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن علي عليهم السلام قال: سمعت أبا طالب يقول)(1) : حدثني محمد ابن اخي وكان والله صدوقا قال: قلت له: با بعثت یا محمد؟ قال: بصلة الأرحام وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة قلت: ليس المراد بالصلاة والزكاة(2) المعلومتين اليوم لأن الصلاة فرضت ليلة الإسراء بعد موت أبي طالب والزكاة فرضت بالمدينة وإنما المراد إما مطلق الصلاة أو صلاة التهجد أو ركعتان قبل طلوع الشمس ورکعتان قبل غروبها كانت في أول الإسلام والزكاة مطلق الصدقة أو إكرام الضيف وحمل الكل ونحو ذلك من الصدقات المالية ومثل هذه كان ابو طالب معدنها وأما الصلاة فقد تقدم أنه لا أصليها ثم قال وقال الخطيب ايضا، أخبرنا أبو نعيم حدثنا محمد بن فارس حدثني حمدان حدثنا علي بن سراج البرقعيدي حدثنا جعفر بن عبد الواحد القاضي حدثنا محمد بن عباد عن اسحاق بن عيسى عن مهاجر مولى بني نوفل سمعت أبا رافع سمع أبا طالب يقول: حدثني محمد أن الله أمره بصلة الأرحام وأن يعبد الله لا يعبد معه أحدا ومحمد عندي الصدوق الأمين(3) . وقال ابن سعد في الطبقات حدثنا اسحاق حدثنا عبد الله بن عون عن عمرو بن سعيد أن أبا طالب قال: كنت بذي المجاز مع ابن أخي فأدركني العطش فشكوت إليه ولا أری
ص: 71
عنده شيئا قال فثنی ورکه ثم نزل فأهوى بعقبه إلى الأرض فإذا بالماء. فقال: إشرب یاعم فشربت(1) . قلت وأورده السيوطي في الخصائص الکبری(2) قال وله طريق آخر أخرجه الخطيب وابن عساكر من طريق ابن جرير الطبري. حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا أزهر بن سعد السان حدثنا ابن عوف عن عمرو بن سعيد: فلو لم يكن موحدا لما رزقه الله الماء الذي نبع للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو أفضل من ماء کوثر ومن ماء زمزم والذي يرى مثل هذه المعجزة يحصل في قلبه التصديق غالبا. هذه الأحادیث ذکرها ابن حجر في الإصابة وقال الحافظ السيوطي في الخصائص(3) أخرج أبو نعيم من طريق أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم عن أبيه عن جده قال: سمعت أبا طالب حدث عن عبد المطلب فذكر رؤيا عبد المطلب أن الشجرة نبتت وأن الكاهنة عبرتها بولد يخرج من صلبه يملك المشرق والمغرب يدين له الناس. ثم قال لأبي طالب لعلك أن تكون هذا المولود فكان أبو طالب يقول: والنبي قد خرج كانت الشجرة والله ابا القاسم الأمين فيقال له: ألا تؤمن فيقول السبة والعار(4) . وقال أخرج ابن سعد عن عبد الله بن ثعلب
ص: 72
بن صغير العذري: أن أبا طالب لما حضرته الوفاة ودعا بني عبد المطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما اتبعتم أمره فاتبعوه وأعينوه ترشدوا(1) . قلت: بعيد جدا أن يعرف أن الرشاد في إتباعه ويأمر به غيره ثم يتركه هو. ومما يدل على تصديقه أخبار مذكورة في السير وأشعار له في مدحه صلى الله عليه وآله وسلم منها قوله(2) :
وشقَّ له من اسمه ليجلَّهُ *** فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ
هكذا نسب هذا في الإصابة(3) لأبي طالب والمعروف أنه لحسّان ولا مانع
أن يكون حسان ضمنّه شعره(4).
وقال ابن عیینه عن علي بن زيد: ماسمعت أحسن من هذا البيت ومنها
قوله(5) :
ص: 73
ودَعوتَني وعلمتُ أنك صادقٌ*** ولقد صدقتَ وكنتَ قبلُ أمينا
ولقد علمتُ بأن دينَ محمدٍ*** من خيرِ أديانِ البرّيةِ دينا
ومنها قوله من قصيدة بائية مطلعها(1) :
(ألا أبلغا عنّي على ذات بينِنا *** لويّا وخصنا من لويّ بني كعبِ)(2)
ألم تعلموا آنا وجدنا محمداً رسولاً كموسی صحّ (في أول)(3) الكتبِ
(وبعد:
وإن عليه في العباد محبةً ***ولا خيرً ممّن خصّه اللهُ بالحب
إلى أن قال:
فلشنا وربُّ البيت نسلم احمداً*** الغرا من عضّ الزمان ولا كرب
ولما تبينَ منّا ومنكم سوالف*** وأيدٍ أثرت بالقساسية الشهب
إلى آخرها)(4). قال في الإصابة(5) : وروى بعض الشيعة من طريق عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن علي (عليه السلام) إنه لما أسلم، قال له أبو طالب:
ودعوتني وزعمت انك ناصح*** فلقد صدقت و كنت قبل امينا
وعرضت دینا قد علمت بانه*** من خير اديان البرية دينا
لولا الملامة او حذاري سبة*** لوجدتني سمحا بذاك مبينا
ص: 74
إلزام إبن عمك.
ومن طريق أبي عبيدة معمر عن رؤية بن العجاج عن أبيه عن عمران بن حصين: إن أبا طالب قال لجعفر بن أبي طالب لما أسلم: صلّ جناح إبن عمك، فصلى جعفر مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). قلت: فلولا إنه مصدق بدينه لما رضي لابنيه أن يكونا معه وأن يصليا معه، بل ولا كان يأمرهما بالصلاة، فإن عداوة الدين أشد العداوات قال الشاعر(1) :
كل العداوات قد ترجى إماتتها*** إلا عداوةُ من عاداك في الدين
ومن غير مدائحه فيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما رواه بن هشام في
سيرته(2) من قوله:
اذا اجتمعت يوماً قریش لمفخرٍ*** فعبد منافٍ سرها وصميمها
فإن حصلت انساب عبد منافها(3) ***ففي هاشمٍ أشرافها وقديمها
وإن فخرت يوماً فإن محمداً*** هو المصطفی من سرها وكریمها(4)
ص: 75
قلت وهذا نطق بالوحي قبل نزوله فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر بذلك في الأخبار الصحيحة الكثيرة والحديث وحي كالقرآن ومنها قوله في قصيدته اللامية الطنانة التي فيها:(1)
ص: 76
اعوذ برب الناس من كل طاعن*** علينا بسوء او ملح بباطل
وبالبيت ركن البيت من بطن مكة*** وبالله إن الله ليس بغافل
وبالحجر المسود اذ يمسحونه*** إذا اكتنفوه بالضحی والاصائل
وموطىء إبراهيم في الصخر وطأة*** على قدميه حافيا غير ناعل
وأشواط بين المؤوتين الى الصفا*** ومافيها من صورة وتماثل
ومن حج بیت الله من كل راكب*** ومن كل ذي نذر ومن كل راجل
وبالمعشر الاقضى إذا عمدواله*** ألال إلى مفضي الشراج القوابل
وتوقافهم فوق الجبال عشية*** يقيمون بالايدي صدور الرواحل
وليلة جمع والمنازل من منی*** وما فوقها من حرمة ومنازل
وجمع إذا ما المقربات أجنه*** وما فوقها من حرمة ومنازل
وبالجمرة الكبرى إذا صمدوا لها*** سراعا كا يخرجن من وقع و ابل
وكندة إذ ترمي الجمار عشية*** يؤمون قذفا راسها بالجنادل
حليفان شذا عقد ما احتلفا له*** تجيز بها حجاج بكر بن وائل
وحطمهم شمر الرماح مع الظبي***وردا عليه عاطفات الوسائل
ومشيهم حول البسال وسرحه***وإنقاذهم ما ينتقي كل نابل
فهل بعد هذا من معاني لعائډ***وسلميه وخد العام الجوافل
يطاع بنا الأعداء ودوا لو اننا***وهل من معيذ يتقي الله عادل
كذبتم وبيت الله نترك مكة***تسد بنا الابواب تر و کابل
كذبتم و بیت الله بزی محمدا***ونظعن الا أمركم في بلابل
أبيت بحمد الله ترك محمد***ولما نطاعن دونه ونناصل
وقال لي الاعداء قاتل عصابة***بمكة أسلمه لشر القبائل
نقيم على نصر النبي محمد***أطاعوه و ابغه جميع الغوائل
ونسلمه حتی صرع حوله***نقاتل عنه بالظبا والعواسل
وينهض قوم في الحديد إليكم***ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وحتى نرى ذا الضغن پر کب ردعه***نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل
وإنا لعمر الله إن جد ما أری**من الطعن فعل الأنكب المتحامل
بكفي فتى مثل الشهاب سميدع ***التلتبسن أسيافنا بالأماثل
ص: 77
وبالبيت حق البيت من بطن مكة *** وبالله ان الله ليس بغافل
من الشر من فرعي لؤي بن غالب *** علينا وتأتي حجة بعد قابل
شهورا و ایاما وحولا مجرما *** يحوط الذمار غیر ذرب مواكل
وما ترك قوم لا أبا لك سيدا *** ثمال اليتامی عصمة للارامل
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** فهم عنده في رحمة وفواضل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم *** إلى بغضنا إذج آنا لآكل
العمري لقد أجرى أسيد وبكره *** جزاء مسيء لايؤخر عاجل
جزت رحم عنا أسيد وخالدا *** ولكن أطاعا أمر تلك القبائل
وعثمان لم يربع علينا وقنفذ *** ولم يرقبا فينا مقالة قائل
أطاعا بنا الغاوين في كل وجهة *** وكل تولى معرضا لم يجامل
کما قد لقينا من سبيع ونوفل *** نکل هم صاعا بصاع المكايل
فإن لقيا أو يمكن الله منها *** ليظعننا في اهل شاء وجامل
وذاك ابو عمرو ابی غير مغضب *** فناج ابا عمرو بنا ثم خاتل
يناجي بنا في كل مسی ومصبح *** بل قد نراه جهرة غير حائل
ويقسمنا بالله ما أن يغشنا *** من الأرض بين اخشب فمجادل
اضاق عليه بغضنا كل تلعة *** بسعيك فينا معرضا کالمخاتل
وسائل أبا الوليد ماذا حبوتنا *** ورحمته فينا ولست بجاهل
وكنت امرءا من عاش برایه *** فعش یا ابن عمي ناعما غير ماحل
فلست أباليه على ذات نفسه *** حسود كذوب مبغض ذي دغاول
و عتبة لاتسمع بنا قول کاشح *** تلاقي ونلقى منك إحدى البلابل
وقد خفت إن لم تزدجرهم وترعووا *** كانك قيل في كبار المجادل
ومر ابو سفيان عني معرضا *** ويزعم أني لست عنهم بغافل
يفر إلى نجد وبرد مياهه *** کذاك العدو عند حق وباطل
واعلم أن لاغافل عن مساءة *** سواء علينا والرياح بهاطل
فمیلوا علينا كلكم ان میلکم *** شفيق ويخفي عارمات الدواخل
ويخبرنا فعل المناصح انه *** ولا عند تلك المعظات الجلائل
أمطعم لم اخذلك في يوم نجدة *** ولا عند تلك المعظات الجلائل
ص: 78
إلى أن قال:
ولا يوم خصم إذ أتوك ألدةً *** أُولي جدلٍ مثل الخصوم المساج
أمطعم إن القوم ساموك خطةً *** واني متى او كل فلست بوائل
جزى الله عني عبد شمس ونوفلا *** عقوبة سر عاجلا غير آجل
بميزان قسط لايخيس شعيرة *** له شاهدمن نفسه غير عائل
لقد سفهت أحلام يوم تبدلوا *** بني خلف قيضا بنا والغياطل
ونحن الصمیم من ذؤابة هاشم *** وآل قصي في الخطوب الأوائل
وكان لنا حوض السقاية فيهم *** ونحن الذری منهم وفوق الكواهل
فما ادركوا ذحلا ولا سفكوا دما *** وماحالفوا إلا شرار القبائل
بني أمة مجنونة هندکية *** بني جمح عبيد قيس بن عاقل
وسهم ومخزوم تمالوا و ألبوا *** علينا العدى من كل طمل و خامل
وحث بنوسهم علينا عدیهم *** عدي بن كعب فاحتبوا في المحافل
يعضون من غيظ علينا أكفهم *** بلا ترير بعد الحمي والتواصل
وشائظ كانت في لؤيٌّ بن غالب *** تفاهم الينا كل صقر حلاحل
ورهط نفيل شر من وطيء الحصى *** وألأم حاف من معد وناعل
فعبد مناف انتم خير قومكم *** فلا تشركوا في امركم كل واغل
فقد خفت إن لم يصلح الله امركم *** تكونوا كا كانت احادیث وائل
العمري لقد وهنتم وعجزتم *** وجئتم بأمر مخطيء للمفاصل
وكنتم قدیما حطب قدرٍ فانتم *** الآن حطاب اقدر ومراجل
اليهن بني عبد مناف عقوقها *** وخذلانها وتركها في المعاقل
فإن يك قوم سرهم ما صنعتم *** سيحتلبوهالاقحا غير باهل
فابلغ قصيا أن سينشر أمرنا *** وبشر قصيا بعدنا بالتخاذل
ولو طرقت ليلا قصيا عظيمة *** إذن ما لجأنا دونهم في المداخل
ولو صدقوا ضربا خلال بيوتهم *** لکنا أسي عند النساء المطافل
فإن تك كعب من لؤي تجمعت *** فلا بد يوما مرة من تزایل
وإن تك كعب من كعوب كبيرة *** فلا بد يوما انها في مجاهل
وكنا بخير قبل تسويد معشر *** هم ذبحونا بالمدى والمقاول
ص: 79
كذبتم وبيت الله نبزی محمدا ***ولما نطاعن دونه ونناضل
فكل صديق وابن اخت نعده***العمري وجدنا عيشه غير زائل
سوی آن رهطا من کلاب بن مرة***اذا لم تجيء بالحق قول لقائل
بني اسد لاتطرقن على الأذى***زهير حساما مفردا من حمائل
فنعم ابن اخت القوم غير مكذب***إلى حسب في حومة المجد فاضل
اشم من الشم البهاليل ينتمي***وإخوته دأب المحب المواصل
العمري لقد كلفت وجدا بأحمد***وزينا على رغم العدو المخابل
فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها***اذا قايس الحكام أهل التفاضل
فمن مثله في الناس او من مؤمل***يوالي إلها ليس عنه بذاهل
حلیم رشید عادل غير طائش***له ارث مجد ثابت غير ناصل
کریم المساعي ماجد وابن ماجد***واظهر دينا حقه غير ناصل
فائده رب العباد بنصره***تجر على اشياخنا في المحافل
فوالله لولا أن اجيء بسبة***من الدهر جدا غير قول التهازل
الكنا اتبعناه على كل حالة***اذا جردوا ایانهم بالمناصل
وداستكم منا رجال اعزة***لديهم ولا يعني بقول الأباطل
لقد علموا ان ابننا لا مكذب***إلى العزآباء کرام المخاصل
رجال كرام غيژ میل نماهم***وحسر عناكل باغ وجاهل
وقفنا لهم حتى تبدد جمعهم***تبيض السيوف بين ايدي الصياقل
شباب من المطلبين وهاشم***ضواري اسود فوق لحم خرادل
بضرب ترى الفتيان فيه كانهم***بهم يعتلي الاقوام عند التطاول
ولكننا نسل كرام لسادة***يفوز ويعلو في ليال قلائل
سيعلم اهل الضغن أیُي و أیَّهم***يلاقي اذا ما حان وقت التنازل
وأیُّهم مني ومنهم بسيفه***ويحمد في الآفاق في قول قائل
ومن ذا يمل الحرب مني ومنهم***تقصر منها سورة المتطاول
فاصبح منا احمد في ارومة***إلى معشر زاغوا الى كل باطل
كاني به فوق الجياد يقودها***ودافعت عنه بالذرى والكلاكل
ولا شك أن الله رافع امره*** ومعليه في الدنيا ويوم التخاذل
کا قد اري في اليوم والأمس جده*** ووالده رؤياهما خير آفل
ص: 80
ونسلمه حتى نصرع حوله***و نذهل عن ابنائنا و الحلایل
إلى أن قال:
وما ترك قوم لا أبا لك سيدا***يحوط الذمار غير ذرب مواكل
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه*** ثمال اليتامی عصمة الأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم***فهم عنده في رحمة وفواضل
إلى أن قال:
فمن مثله في الناس أي مؤمل***إذا قاسة الحكام عند التفاضل
حلیم رشید عادل غير طائش*** يوالي الها ليس عنه بغافل
ومنها:
لقد علموا ان ابننا لا مكذب*** لدينا ولا يعني بقول الأباطل
فاصبح فينا أحمد في ارومة*** و تقصر عنها سورة المتطاول
وجدت بنفسي دونه وحميته*** ودافعت عنه بالذرى والكلاكل
قال ابن هشام بعد رواية القصيدة كلها وهي (واحد)(1) وسبعون بيتا هذا ما صح له من هذه القصيدة(2) . قال: وحدثني من اثق به قال: اقحط اهل المدينة فأتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فشكوا ذلك اليه فصعد المنبر فاستسقى فما لبث أن جاء من المطر ما اتاه اهل الضواحي
ص: 81
يشكون منه الغرق. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم حوالينا ولا علينا فانجاب السحاب عن المدينة فصار حواليها كأكليل فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لو ادرك ابو طالب هذا اليوم لسّره. فقال بعض اصحابه : كأنك يا رسول الله اردت قوله وأبيض البيت قال: أجل(1) .
قلت: انظر شهادته له (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد موته بأنه يسرُّه کمالات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد نبهنا عليه فيها مرّ ومنها ما قاله لّما سافر به الى الشام فأخبره بحيرا بنبوته وأمره بردّه الى مكة وجاء نفر من اهل الكتاب يريدون قتله وهم (زبير وتمام ودریس) فردهم عنه بُحيرا(2) وهي هذه الأبيات(3) :
ص: 82
فما رجعوا حتى رأوا من محمد *** احادیث تجلو غم كل فؤاد
زبير وتماما وقد كان شاهداً*** دريسا وهموا كلهم بفساد
فقال لهم قولا بحيرا وايقنوا*** له بعد تکذیب وطول بعاد
كما قال للرهط الذين تقودوا*** وجاهدهم في الله خير جهاد
فقال ولم يملك له النصح رده*** فإن له ارصاد کل مصاد
فاني اخاف الحاسدين وانه*** (الفي)(1) الكتب مكتوب بكل مداد
[ومنها من قصيدة بائية يذكر فيها قريشاً بنعمة إهلاك أصحاب الفيل
ودفعهم عنهم قوله(2) :
فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا*** باركان هذا البيت بين الاخاشب
فعندكم منه بلاء ومصدق*** غداة أبي يكسوم هادي الكتایب
کتیبته بالسهل تحسي ورجله*** على القاذفات في رؤوس المناقب
فما أتاكم نصر ذي العرش ردهم*** جنود الملائك بين ساف وصاحب(3)
ص: 83
فولوا سراعاً هاربين ولم يؤب *** على أهله ملحبش غير عصائب](1)
أدلُّ دليل على أن (آباءه)(1) (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكونوا مشرکین عبدة أصنام وإلا لقالوا له شتمت (آباءك)(2) وإن أبا طالب لم يكن يعبد الأصنام وإلا لغاظه ذلك منه ولما قام معه ونصره أو لقال له استثنی صنمي أو توسل إليهم بآلهتهم في قصيدته المذكوره ولم يفعل بل إنها توسل بالله وبالبيت والمشاعر وبالحجاج، وبالله التوفيق
المتقدمة وقد علمت أنه لا منافاة بين القول بالنجاة وبين الأحاديث الدالة على عذابه ودخوله النار لجواز کون الدخول لترك النطق بالشهادتين أو ترك الصلاة کما مرت الاشارة اليه. وهذه الطريقة جادة الأشاعرة لا يمكن أن أحداً ينكرها وقد ذهب جمع من الأئمة الأُلى أنه كان قد أسلم وآمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم) في أوائل البعثة ولكنه كان يكتم إيمانه حفظاً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن قريشاً لاعتقادهم أنه على الشرك كانوا يراعون حقوقه وذمه ويحمون ذماره ولو أظهر الإسلام لعادوه كبقية المؤمنين فربما توصلوا إلى ما أرادوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد مر أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ما نالت قریش مني حتى مات أبو طالب(1) هذا معناه.
وممن قال بذلك الإمام المنصور بالله من أئمة الزيدية(2) حيث يقول في
ص: 86
جواب أبيات ابن المعتز التي أولها(1) :
بني عمنا راجعوا ودنا *** وسيروا على السنن الأقوم
( لنا مفخر ولكم مفخر*** ومن يعلم الحق لا يندم
ص: 87
فأنتم بنو ابنته دوننا *** نحن بنو عمه المسلم)(1)
إلى أن قال:
حماه ابونا ابو طالب *** وأسلم والناس لم تسلم
وقد كان يكتم ايمانه *** وأما الولاء فلم يكتمپ
وعلى هذا فأبو طالب من السابقين الأولين وهذا إن لم أقف عليه لغيره فإنه غير بعيد من مناصرة أبي طالب له (صلى الله عليه وآله وسلم) کما مرَّ.
نعم ينافيه قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصحيح(2) یاعم قل كلمة احاج بها يوم القيامة وقوله لعمه العباس إني لم أسمعه إلا أن يحمل قوله وأسلم على أنه آمن بقلبه ولم يكن ينطق بلسانه فيرجع لما قررناه والله أعلم.
وادّعت الشيعة الإمامية إسلامه ونطق بالشهادتين عند الموت.
قال الحافظ ابن حجر في الإصابة(3) : وذكر جمع من الشيعة(4) أنه مات مسلماً و تمسكوا بما نُسب اليه من قوله ((ودعوتني وعلمت انك صادق))(5) البيتين المتقدمين. قال وقد وقفت على تصنيف لبعض الشيعة يثبت فيه اسلام أبي طالب بأدلةٍ منها ما خرجه من طريق يونس بن بکیر عن محمد
ص: 88
بن اسحاق عن العباس بن عبد الله بن معبد بن عباس عن بعض اهله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أتی رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابا طالب في مرضه قال له: ياعم قل لا إله إلا الله كلمة أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة قال: يا بن أخي والله لولا أن تكون سبة علي وعلى أهلي من بعدي فيرون أني قلتها جزعاً عند الموت لقلتها لا أقولها إلا (لأسترك)(1) بهافا ثقل ابو طالب رؤي يحرك شفتيه فأصغي اليه العباس فسمع قوله فرفع عينه فقال: قد قالها والله الكلمة التي سألته(2) انتهى.
قلت: ولفظ ابن هشام فلما تقارب من أبي طالب الموت نظر العباس اليه يحرك شفتيه قال: فأصغي اليه بأذنه قال: فقال يا ابن أخي لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم أسمع(3) .
قال الحافظ بن حجر(4) : الحديث ضعيف وبتقدير ثبوته فقد عارضه ما هو أصح منه ففي الصحيحين من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال: ياعم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله. فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟، فلم يزالا به حتى قال آخر ما قال هو على
ص: 89
ملة عبد المطلب فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأستغفرن لك مالم أنه عنك ونزلت «مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا» الآية(1)
أقول: أما كونه ضعيفا فقد مرت له شواهد غير واحد وسيأتي أيضاً مع كونه في المناقب وأما كونه عارضه ما هو أصح منه فالجواب: إنه لا يعارضه وإنما تكون المعارضة إذا لم يمكن الجمع فقد اتفقوا على إن الجمع مقدم على الترجيح وهنا يمكن الجمع بأن يقال قوله هذا عند حضور من ذکر من قريش وقوله الأول بعدما ذهبوا فيكون نطقه بالشهادتين ناسخاً لحديث الصحيحين والدليل على هذا رواية ابن هشام(2) الحديث ابن عباس السابقة فإن فيها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعني لقريش تقولون لا إله إلا الله وتخلعون ما تعبدون من دونه قال: فصفقوا بأيديهم ثم قالوا: أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة إلهاً واحداً إن أمرك لعجب ثم قال بعضهم البعض إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئاً مما تريدون فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بيننا وبينه، قال: ثم تفرقوا فقال أبو طالب : والله يا ابن أخي ما رأيتك كلفتهم شطط في نسخة (سخطا)، فلما قالها أبو طالب طمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فجعل يقول له أي عم فأنت فقلها أستحل لك به الشفاعة الحديث المتقدم، فكأنه لما تفرقوا تأخر أبو جهل و عبد الله بن أبي أمية ينتظرون جواباً ألين من رسول الله
ص: 90
فقال أبو طالب ما قال يسمعها الذي طلبه النبي منهم ليس بشطط فطلب منه رسول الله أن يقولها فأجاب بها أجاب مداراة لها لِئلا ينفرهما خشية أن يؤذوا رسول الله بعده. ثم بعدما ذهبوا كلهم وأيقن بالموت نطق بها لما كان منطوياً عليه في صحته من التوحيد والتصديق فيكون هذا الحديث ناسخاً الحديث الصحيحين لا معارضاً له کما جعل ابن شاهين وغیره حديث إحياء الأبوين مع ضعفه عنده ناسخا لحديث مسلم وغيره. وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في رواية ابن هشام لم أسمع لا يدل على عدم قوله فقد قال العباس يوم بدر بعد أن قال أنا كنت مسلما لا أدري أما ظاهرك فكنت علينا وأخذ منه فداء نفسه وثلاثة ابن اخويه وحليفه فلم يصدق عباساً ولم يكذبه كذلك لم يكذبه هنا ولم يصدق لأن عباس إذ ذاك لم يكن أسلم وقد ظهر لك بأن هذا الجواب يغني عن الجواب بأن أبا طالب قد علم أن عبد المطلب كان على التوحيد فلهذا قال هو على ملة عبد المطلب فإن هذا وإن كان جواب صحيحاً ايضاً کا سبقت منا الإشارة إليه ولكن إنما يحتاج اليه عند تحقق المعارضة وقد قررنا انه لا معارضة ولا ينافيه قوله آخر ماقال لأن المراد آخر ما قال في ذلك المجلس أو آخر ما راجع به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا كان في مجلس آخر ومن عند نفسه من غير طلب أحد منه ويفصح بذلك رواية مسلم(1) حتى قال أبو طالب اخر ما كلمهم هو على
ص: 91
ملة عبد المطلب فإن الضمير المنصوب في كلمهم لأبي جهل ومن معه من کفار قریش فدل على أنه آخر كلامه معهم لا آخر ما تكلم به مطلقاً.
ثم قال الحافظ ابن حجر (1) : ومن أدلته ما أخرجه من طريق المبارك عن صفوان بن عمرو(2) عن ابن عامر الهوزني أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج معارضاً جنازة أبي طالب وهو يقول وصلتك رحم. قال: وهو مرسل ومع ذلك فليس في قوله وصلتك رحم ما يدل على إسلامه بل فيه ما يدل على عدمه وهو معارضته اذ لو كان أسلم لمشى معه وصلى عليه
انتهى(3) .
أقول: الدليل لا يطابق الدعوى إذ الدعوى أن كلمة وصلتك رحم لا تدل على إسلامه والدليل على عدم صلاته عليه لا يدل هذا أن جعلناه معارضة وإن جعلناه منعا فكذلك سند المنع يباين المنع ومع هذا فنقول: بل الكلمة دالة لغة على إسلامه إذ لا رحم بين الكافر و المؤمن بعد الموت ولا أنساب بينهم يومئذ وقد قالها بعد موته واللفظة من حيث اللغة تحتمل الإخبار والدعاء وعلى الوجهين حاصل لأن دعاءه (صلى الله عليه وآله
ص: 92
وسلم) مستجاب وعدم صلاته عليه لعدم مشروعيتها حينئذ(1) وعدم مشيه في جنازته قد يكون حذرا من سفاهة المشركين و أذاهم فقد قال أهل السير لما مات أبو طالب نالت قریش من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فتثر على (رأسه)(2) تراباً فدخل (صلى الله عليه وآله وسلم) بيته والتراب على رأسه فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لها لا تبكي يا بنية فإن الله مانع أباك ويقول بين ذلك ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتی مات أبو طالب هكذا رواه ابن سيد الناس(3) ويؤيد إستعجال أذاهم له أنهم قاموا من عند أبي طالب مغضبين حاقدين على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يبعد أن يكون ترك المشي في جنازته اتقاء من شر اولئك السفهاء.
وأما كون الحديث مرسلاً فالمرسل يحتج به عند الأكثرين مطلقاً وعند الأمام الشافعي ومن وافقه إذا اعتضد بمسند ولو ضعيفاً وهذا قد اعتضد بالمسند السابق وله شاهد آخر ضعيف سيأتي، وشاهد آخر أقوى أورده
ص: 93
السيوطي في الخصائص(1) قال أخرج ابن عساکر(2) عن عمرو بن العاص سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن لأبي طالب عندي رحماً سأبلها ببلاها(3) .
قال: ومنها ما ذكره من طريق راشد الحاني قال: سئل ابو عبد الله يعني جعفر بن محمد الصادق عن أهل الجنة فقال: الأنبياء في الجنة والصالحون في الجنة والأسباط في الجنة وأكمل العالمين يحشر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقدم آدم فمن بعده آبائه وهذه الأصناف محدقون به ويحشر عبد المطلب له نور الأنبياء وجمال الملوك ويحشر أبو طالب في زمرته فإذا صاروا في حضرة الحساب وتبوأ أهل الجنة منازلهم ودحر أهل النار إرتفع شهاب عظيم لا يشك من رآه أنه عموم من النار ويحضر كل من عرف ربه من جميع الملل ولم يعرف نبيه ومن حشر أمة وحده والشيخ الفاني و الطفل فيقال لهم إن الجبار تبارك وتعالى يأمركم أن تدخلوا هذه النار فكل من اقتحمها خلص إلى أعلى الجنان ومن کع عنها غشيته . أخرجه عن ابن بشیر احمد بن إبراهيم بن معلى بن أسد عن ابن صالح الحادي عن أبيه عن جده سمعت راشد الحاني فذكرها. قال الحافظ ابن حجر وهذه سلسلة شيعية غلاة في رفضهم
ص: 94
والحديث الآخر منه ورد من عدة طرق في حق الشيخ الهرم ومن مات في الفترة ومن ولد أكمه أعمى أصم ومن ولد مجنون أو طرأ عليه الجنون قبل أن يبلغ ونحو ذلك. وإن كلا منهم يدلي بحجة ويقول لو عقلت أو ذكرت الأمنت فيرفع لهم نار ويقال أدخلوها فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً ومن امتنع أدخلها كرها. هذا معنى ما ورد من ذلك وقد جمعت طرقه في جزء كبير ونحن نرجو أن يدخل عبد المطلب وآل بيته في جملة من يدخلها طايعاً فينجو، ولكن ورد في أبي طالب ما يدفع ذلك وهو ما تقدم من آية براءة. وما ورد في الصحيح عن العباس بن عبد المطلب أنه قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أغنيت عن عمك أبي طالب فإنه كان يحوطك ويغضب لك فقال: هو في ضحضاح من النار ولولا أنالكان في الدرك الأسفل فهذا شأن من مات على الكفر ولو كان مات على التوحيد لنجا من النار أصلاً والأحاديث والأخبار المتكاثرة طافحة بذلك انتهى(1) .
کلام الحافظ ابن حجر بلفظة أقول: وبالله التوفيق ليس في الحديث ما ينكر إلا كون أبي طالب في زمرة عبد المطلب و بیانه أن آخر الحديث كما أقرّ هو بنفسه ورد من عدة طرق وقد سقناها في سداد الدين(2) عند بيان امتحان أهل الفترة وأما صدر الحديث فله شواهد كثيرة صحيحة منها(آدم ومن دونه تحت لوائي)(3) وأما إن عبد المطلب يعطى نور الأنبياء وجمال الملوك فلأنه كان على التوحيد فيبعث وحده کمن أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
ص: 95
عن أمثاله أنه يبعث أمة وحده ومن يبعث أمة وحده لا يبعد أن يعطى نور الأنبياء لأنه مستقل لا تابع وله شاهد. روى البيهقي وأبو نعيم عن کعب الأحبار أنه قال: في التوراة في صفة أمة محمد أنهم في القيامة يعطون نور الأنبياء أورده السيوطي في الخصائص الكبری(1) وعده من خصائص هذه الأمة وأما أنه يعطي جمال الملوك فلأنه كان سيد قريش في زمانه فهو بذلك ملحق بالملوك الذين عدلوا وما ظلموا(2) على أنه ليس في الحديث تصریح بأن عبد المطلب يدخل الجنة قبل الإمتحان بل ظاهر السياق يدل على أنه يمتحن وبعد الإمتحان لا يبعد دخوله الجنة بل هو نفسه ممن جوزه وارتضاه وأما كون أبي طالب في زمرته فيوجه بأن يحمل توقفه في النطق بالشهادتين على ظاهر حديث الصحيحين على أنه كان بذل جهده في الدليل فلم يظهر له أحد الطرفين فيكون معذور على ما ذكرنا. عن الغزالي في المقدمة الأولى من سداد الدين(3) فكان حكمه حكم أهل الفترة فناسب أن يكون في زمرة عبد المطلب بهذا الإعتبار أو بأن يحمل على أن عبد المطلب صحابي على ما ذهب اليه ابن السكن وغيره وهو الذي اخترناه وأبو طالب آمن به عند موته أو انه كان مصدقة بلقبه فكان في زمرته. وأما اذا جعلنا عبد المطلب من أهل الفترة وأبا طالب ممن أدرك البعثة فيبعد ذلك ولا ينافي على هذا الوجه في عبد المطلب کونه يعطى نور الأنبياء فأنه قد صار من هذه الأمة وكل واحد من هذه الأمة يعطى نور الأنبياء كما تقدم على أنه قد اقتدى بإبراهيم
ص: 96
في نذره ذبح الولد واقتدى بإسماعيل في حفر زمزم وسن السقاية وسن دية النفس مائة وله على رسوله حق الأبوة وعظم الحرم في زمن الفيل فلا يبعد أن يعطيه الله نور الأنبياء المشرعين المتبوعين.
وأما قوله: آن حديث الصحيحين يدفع ایانه، قلنا: لا منافاة كما تقدم. وقوله: إن هذا شأن من مات على الكفر. قلنا: ليس شأن من مات على الكفر أن يكون في ضحضاح من النار بل شأنه أن يكون في الدرك الأسفل من النار(1) وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): لولا أنا لكان في الدرك الأسفل. کلام مفهوم واضح لأنه لولا أن الله هداه به للإيمان لمات كافرا وكان في الدرك الأسفل كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو نظير قوله في ولد اليهودي الذي زاره (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه وعرض عليه الإسلام فأسلم ومات الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) وحينئذ ظهر لنا معنی لطيف في الحديث الآخر كان في غمرات من النار فشفعت فيه فأخرج إلى ضحضاح منها(2) وهو أن المعنى كان مشرفا على دخول الغمرات حيث أبي يتشهد ثم شفعت فيه فهداه الله للإيمان ولاينافيه هذا قوله (أنا لم اسمع)(3) لجواز أن الله أخبره بعد ذلك ولكونه في النار مع أن الإسلام يجب ما قبله لاحتمال أنه دخل ببعض حقوق العباد (الذي)(4) كانت عليه بعد البعثة وليس في نزول
ص: 97
قوله الله تعالى «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ»(1) منافاة لهذا لأن الله هو الذي هداه بعد أن أيس منه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال الحافظ ابن حجر(2) وأخرج الشيعي(3) أيضاً في صفة وفاة أبي طالب من طريق علي بن محمد بن مقيم(4) سمعت أبي سمعت جدي يقول: سمعت علي بن أبي طالب يقول تبع ابو طالب عبد المطلب في كل أحواله حتى خرج من هذه الدنيا وهو على ملته وأوصاني أن أدفنه في قبره فأخبرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك فقال: إذهب فواره وأنفذ لما أمرك به(5) فغسلته وكفنته وحملته إلى الحجون فنبش عن قبر عبد المطلب فوجدته متوجها إلى القبلة فدفنته معه.
قال مقيم: ما عبد علي ولا أحد من آبائه إلا الله تعالى إلى أن ماتوا. أخرجه عن أبي بشير المتقدم ذكره عن أبي برده السلمي عن الحسن بن ماشاء الله عن أبيه عن علي بن محمد بن مقيم. قال (6): وهذه سلسلة شيعة من الغلاة فلا تفرح به وقد عارضه ما هو أصح ما تقدم فهو المعتمد(7) . أقول کون
ص: 98
آباء علي لم يعبدوا إلا الله قد مرت أدلته بالنسبة لمن عدا أبي طالب وإنهم كلهم كانوا على التوحيد في سداد الدين(1) .
ومما يؤكد ذلك أنه لم ينقل من أحد من أعام النبي أنه قال له لم تسب آبائنا وتشتم آلهتنا وتسفّه أحلامنا کیا قالته بقية قريش، فلو عرفوا من آبائهم ذلك لقالوا اترك ذکر آبائك بسوء.
وأما عداوة أبي لهب فبسبب مصاهرته أبا سفيان فكان يهوى هواهم، فالظاهر أن أبا طالب كان على ملتهم في ذلك الوعيد ولو عبد أبو طالب صنما يلزم أن يكون أول من أشرك منهم ولم يثبت عنه بطريق ثابت أن أبا طالب أول من أحدث الشرك وعبادة الأصنام، والأصل عدم ذلك وقوله تبع عبد المطلب في كل أحواله فالمراد من مكارم الأخلاق وحماية الذمار والرياسة وقوله حتى خرج من الدنيا وهو على ملته، إن كان ملة عبد المطلب التوحید کا مر فلا إشكال او غير ذلك فمعناه مدة حياته الى اخر عمره وهو اشارة إلى ما قاله ابو طالب لقريش هو على ملة عبد المطلب وقد مر الجواب عنه فلا ينافي أن أبا طالب آمن في آخر نفس ولم يسمعه علي کا لم يسمعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأما كون السلسلة غلاة فليس كل غالي يكذب وكم من الغلاة رووا عنهم في الصحيح ولاسيما فقد تجمعت شواهد متعددة باجتماعها تكتسب قوة تفيد موت أبي طالب على الإيمان ولبعض هذا الحديث شاهد قد مر وهو ما أخرجه ابن سعد(2) وابن
ص: 99
عساكر عن علي قال: أخبرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بموت أبي طالب فبكى فقال: اذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه ففعلت الحديث(1) . على أن إعتادنا على (المسلك)(2) الأول الكافي في النجاة ولا نحتاج الى هذا ولكنه زيادة تأكيد للمدعي والله اعلم(3) .
قال وقد استدل ايضا بقول الله تعالى «فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ»(4) قال: وقد صدقه أبو طالب و نصره با اشتهر وعلم ونابذ قريشا بسببه مما لا يدفعه احد من نقلة الاخبار فيكون من المفلحين قال وهذا مبلغهم من العلم لأنا نسلم أنه نصره وبالغ في ذلك لكنه لم يتبع النور الذي أنزل معه وهو الكتاب العزيز الراعي الى التوحيد ولا يحصل الفلاح إلا بحصول ما رتب عليه من الصفات كلها(5) انتهی.
أقول إن أريد بالفلاح أصل النجاة من النار فهو إنما يترتب على الإيمان الذي هو التصديق عند المحققین کما مر في المقدمة فقد حصلت له وان اريد الفلاح التام فلا يلزم من عدم حصوله الكفر(6) الحقيقي نعم يلزم منه الكفر
ص: 100
الشرعي على أن تقول قد اتبعه وآمن باتباعه لأن الظاهر من العطف کما هو الأصل فيه أن الإتباع غير الإيان وإذا كان غيره فيحمل الإيمان على التصديق وإنما كان الإتباع فيما كان شرع حينئذ ولم يكن إلا التوحيد وصلة الأرحام وترك عبادة الأصنام کا مر عن أبي طالب أنه سأله با بعثت فأخبره أنه بعث بصلة الأرحام وأن يعبد الله لا يعبد معه غيره ولم يكن في ذلك الوقت فرضت الصلاة ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج ولا الجهاد فلم يبق إلا قول لا إله إلا الله فإن اعتبر بما يؤدي التوحيد فقد مر أنه نطق بالوحدانية وبحقيقة الرسالة وتصديق النبي في أشعاره وطلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك منه عند وفاته يحوز إيمان الموافاة وإن لم يعتمد به فتكون تلك قرائن على أنه كان مصدقاً بقلبه وإنما منعه من النطق به خشية أن ينسبوه إلى الجزع من الموت والخوف من الموت عندهم عار وقد كانوا عريقين في السيادة و المفاخر بحيث لا يرضون أن ينسب اليهم أقل قليل مما يخالفها فلا يبعد أن يكون ذلك عندهم عظيما(1) .
قال ابن هشام(2) : حدثني زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن اسحاق قال: تداعت قبائل من قريش إلى حلف الفضول فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان بن عمرو بن کعب بن سعد بن تیم بن مرة بن کعب بن لؤي الشرفه وسنه فكان حلفهم عنده وهم بنو هاشم وبنو المطلب وأسد بن عبد
ص: 101
العزي وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة فتعاقدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلومة من أهلها أو غيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه و كانوا على من
ظلمه حتى ترد مظلمته فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول. قال ابن اسحاق: فحدثني محمد بن زید بن المهاجر بن قنفد التيمي أنه سمع طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد شاهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به همر النعم لو أدعى به في الإسلام لأجبت(1) انتهى.
فهذا الحلف كان أول من دعا اليه بنو هاشم وبنو المطلب ورئيسهم ابو طالب وهو مما حضره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل النبوة وأكده في الاسلام فهذا الذي كانوا عليه ما جاء به (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو على ذلك بعد البعثة فإذا عمل به ابوطالب بعد البعثة وأمر النبي به جازان يقال اتبعه وهذا الحلف معمول به في الاسلام کا دل عليه الحديث المار وقد ذهب اليه جمع من الصحابة كالحسين بن علي وعبد الله بن الزبير والمسور بن محرمه وعبد الرحمن بن عثمان التيمي وغيرهم(2) .
فقد روى ابن هشام في السيرة(3) انه كان بين الحسين بن علي بن أبي طالب والوليد بن عتبة ابن أبي سفيان منازعة في مال كان بينها بذي المروة وكان الوليد يومئذ أمير المدينة من عمل عمه معاوية فكان الوليد تحامل على الحسين في حقه لسلطانه فقال له الحسين إحلف بالله لتنصفني من حقي أو
ص: 102
الأخذن سيفي ثم لأقومن في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم لأدعون بحلف الفضول فقال عبد الله بن الزبير وهو حاضر وأنا أحلف بالله لئن دعا به لأخذن سيفي ثم لأقومن معه حتى تنصف من حقه أو نموت جميعا، قال وبلغت المسور بن مخرمه ابن نوفل الزهري وعبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله التيمي فقالا مثل ذلك فلما بلغ ذلك الولید بن عتبة انصف الحسين من حقه حتى رضي الله عنه(1) .
قال إقضي القضاة الماوردي في الأحكام السلطانية(2) : وهذا و إن كان فعلًا جاهلياً دعتهم اليه السياسة فقد صار بحضور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما قاله في تأكيد أمره حکماً شرعياً نبوياً. انتهی.
ولم يكن بنو عبد شمس بن عبد مناف وبنو نوفل بن عبد مناف في حلف الفضول. ولما قدم محمد بن جبير وكان أعلم قریش على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير فقال له يا أبا سعيد ألم تكن وأنتم يعني بني عبد شمس وبني نوفل في حلف الفضول قال: أنت أعلم قال لتخبرني يا أبا سعيد بالحق من ذلك قال لا والله لقد خرجنا وانتم منه قال صدقت والله اعلم(3) .
لما خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خديجة مضى معه حمزة وابو طالب وحضر ابو بکر عقده ورؤساء مضر فخطب ابو طالب فقال:
ص: 103
الحمد لله الذي جعلنا من ذرية ابراهيم وزرع اسماعيل وضِئضی معد، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيتاً وسواس حرماً، وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرمة آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل إلا رجح به فإن كان في المال قل فإن المال ظل زائل وأمر حایل و محمد من قد عرفتم قرابته وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي كذا وكذا وهو الله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل(1) فزوجها ابوها منه، وقيل عمها وقيل اخوها (رواه ابن هشام في سيرته ولنكتف بهذا المقدار فإن فيه كفاية لأولي الأبصار الجالين عين بصيرتهم بكحل الإعتبار والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، ختم الله لنا بالخير والحسنی وفتح بنوره منا العين الوسنی آمين)(2). (وقد فرغ من تنميق هذه الرسالة يوم السبت
ص: 104
الثامن والعشرين من شهر جماد الاخرى من عام واحد ومائة والف في دمشق الشام الفقير إلى الله تعالى محمد سعید بن حسين القرشي الكوكني ثم المدني النقشبندي غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين والمسلمات والحمد لله رب العالمين).
ص: 105
ص: 106
ص: 107
ص: 108
القرآن الكريم.
1. الاحاديث الطوال، الطبراني، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار
الكتب العلمية / بيروت. ط 1612/1
2. الاحکام السلطانية والولايات الدينية، علي بن محمد البغدادي
الماوردي، مطبعة مصطفى البأبي الحلبي، مصر. ط 2/ 1966.
3. احکام القرآن، الامام الشافعي، تحقيق عبد الغني عبد الخالق، دار
الكتب العلمية، بيروت / 1400.
4. اسرار التنزيل وانوار التأويل، فخر الدين الرازي، تحقيق محمود احمد محمد وبابا علي الشيخ عمر وصالح محمد عبد الفتاح، دار واسط
العراق / 1990.
5. أسنى المطالب في نجاة أبي طالب، احمد بن زيني دحلان، تحقیق حسن
ص: 109
بن علي السقاف، دار الامام النووي، عمان - الأردن. ط 3/ 1430.
6. الاصابة لمعرفة الصحابة، ابن حجر، تحقيق الشيخ عادل احمد عبد
الموجود والشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية، ط1 / 1415.
7. الاكتفاء با تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفا، سلیمان بن
موسى الكلاعي، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية بیروت، ط 1420/1.
8. إكليل المنهج في تحقيق المطلب، محمد جعفر بن محمد طاهر الكرباسي، تحقیق جعفر الحسيني الاشكوري، دار الحديث للطباعة والنشر، ط1 /1425.
9. امتاع الاسماع، المقريزي، تحقيق وتعليق محمد عبد الحميد النميسي،
دار الكتب العلمية، بيروت. ط1 / 1920.
10. الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقها، أبو عمر يوسف بن عبد البر
القرطبي، دار الكتب العلمية، بيروت (د.ت).
11. البداية والنهاية، ابن کثیر الدمشقي، تحقيق علي شيري، دار إحياء
التراث العربي - بيروت، ط1 / 1408.
12. تاریخ الاسلام، الذهبي، تحقيق د. عمر عبد السلام تدمري، دار
الكتاب العربي - بيروت، ط 1 / 1407.
ص: 110
13. التاريخ الكبير، البخاري، المكتبة الاسلامية - دیار بکر. تركيا (د.
ت)
14. تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر، تحقیق علي شيري، دار الفكر
للطباعة والنشر - بيروت 1415.
15. التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، شمس الدين محمد بن احمد بن أبي بكر القرطبي، صححه وعلق عليه احمد محمد مرسي، مطابع مدكور وأولاده، القاهرة (د.ت).
16. الترهيب والترغيب من الحديث الشريف، عبد العظيم المنذري،
ضبط وتعليق مصطفی محمدعاره،دار الفكر - بيروت / 1408.
17. تفسير القرآن العظيم (تفسیر ابن أبي حاتم)، ابن أبي حاتم الرازي،
تحقيق اسعد محمد الطيب، دار الفكر - بيروت (دت).
18. تفسير مجاهد، مجاهد بن جبر المكي، تحقيق عبد الرحمن الطاهر بن محمد السوري، مجمع البحوث العلمية، اسلام آباد - باكستان (د.
ت).
19. التمهيد، أبي عمر يوسف بن عبدالبر، تحقيق مصطفی بن احمد
العلوي و محمد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الاسلامية / 1387 20. جامع البيان عن تاویلآي القرآن، محمد بن
جریر الطبري، تقديم خليل الميس، دار الفكر - بيروت 1415.
20. خصائص امير المؤمنين، النسائي، تحقيق محمد هادي الاميني، مكتبة
ص: 111
نينوى الحديثة، طهران.
21. الدرة الغراء في شعر شیخ البطحاء (ديوان أبي طالب)، جمع وتحقيق باقر قرباني زرين، دائرة المعارف الاسلامية - طهران / ط 1416-1.
22. الدر المنثور في تفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي، دار المعرفة، بیروت (د.ت).
23. ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربی، محب الدين أحمد بن عبد الله
الطبري، مكتبة القدسي عن نسخة دار الكتب المصرية ونسخة الخزانة
التيمورية / 1356.
26. الرسالة، الامام الشافعي، تحقيق وشرح احمد محمد شاكر، المكتبة
العلمية - بيروت (د.ت).
25. روضة الطالبين، النووي، تحقيق الشيخ عادل عبد الموجود والشيخ
علي محمد معوض، دار الكتب العلمية - بيروت (د.ت).
26. زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي، تحقيق محمد عبد الرحمن عبد الله، دار الفكر - بيروت ط1 / 1407.
27. سداد الدَّين وسَداد الدَّين في اثبات النجاة والدرجات للوالدين،
محمد بن رسول البرزنجي، دار المدينة المنورة ط1 / 1419.
28. سيرة ابن اسحاق، محمد بن اسحاق المطلبي، تحقيق محمد حمید الله، معهد الدراسات والابحاث (د.ت).
ص: 112
29. السيرة الحلبية، للحلبي، دار المعرفة - بيروت / 1400.
30. السيرة النبوية، ابن كثير الدمشقي، تحقيق مصطفى عبد الواحد، دار
المعرفة - بيروت / 1396.
31. السيرة النبوية، ابن هشام الأنصاري، محمد محي الدين عبد
الحميد، مطبعة المدني - القاهرة / 1963.
32. السيرة النبوية (عيون الأثر)، ابن سيد الناس الشافعي، مؤسسة عز
الدين للطباعة والنشر - بيروت / 1406.
33. شرح صحیح مسلم، للنووي، دار الكتاب العربي - بيروت / 1407. 34.شرح المقاصد، سعد الدين بن عمر التفتازاني، تحقيق وتعليق د. عبد
الرحمن عميرة، عالم الكتب - بيروت ط 2 / 1419.
35.شرح المواقف، القاضي علي بن محمد الجرجاني، مطبعة السعادة، مصر
ط 1907/1
.
36. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم، دار
احياء الكتب العربية عيسى البأبي الحلبي - مصر ط1 / 1992. 37.شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني، مركز الاعلام الاسلامي - قم
ایران ط1 1392 ش.
38. صحيح ابن حبان، لابن حبان ت 354 ه، تحقيق شعيب الأرنؤوط،
مؤسسة الرسالة ط 1 / 1414.
ص: 113
39. صحيح البخاري، محمد بن اسماعيل البخاري (ت 256 ه)، دار الفكر - بيروت ط 1 / 1981.
40. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج (ت 291ه) دار الفكر - بیروت (د.ت).
41. الصواعق المحرقة في الرد على اهل البدع والزندقة، احمد بن حجر الهيتمي المكي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، شركة الطباعة الفنية المتحدة - القاهرة ط 2/ 1380 ه.
42.طبقات الشافعية الكبرى، عبد الوهاب بن علي السبكي - تحقيق
محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو، دار احیاء الكتب العربية (د.ت).
43. الطبقات الکبری، محمد بن سعد، دار صادر - بیروت (د.ت).
44. العالم والمتعلم، برواية مقاتل عن أبي حنيفة النعمان، تحقيق محمد زاهد الكوثري، مكتبة الخانجي - مصر / 1368.
45. عمدة القاري، محمود بن احمد العيني، دار احیاء التراث العربي -
بیروت (د.ت).
46. عيون الانباء في طبقات الأطباء، لابن أبي أصيبعه، تحقيق نزار رضا، دار مكتبة الحياة - بيروت.
47. الفتح المبين لشرح الأربعين، احمد بن حجر الهيتمي، المطبعة الميمنية -
ص: 114
مصر ط 1307/1.
48. فوائد أبي علي الصواف، محمد بن احمد بن الصواف، تحقيق محمود بن محمد الحداد، دار العاصمة - الرياض ط 1 / 1408.
49. فيض القدير شرح الجامع الصغیر، محمد بن عبد الرؤوف المناوي،
تحقیق احمد عبد السلام، دار الكتب العلمية - بيروت ط1 / 1415.
50. قوت القلوب في معاملة المحبوب، ابو طالب محمد بن علي بن عطية المكي، ضبطه وصححه باسل عيون السود، دار الكتب العلمية -
بيروت ط1 1417 ه.
51. کتاب المسامرة في شرح المسايرة في علم الكلام، کمال الدین محمد بن محي، مطبعة السعادة - مصر ط 2/ 1367 ه.
52. الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي)، احمد بن محمود
بن ابراهيم، تحقيق أبي محمد بن عاشور، دار احیاء التراث العربي -
بیروت ط1 / 1422 ه.
53. كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب (الخصائص الکبری)،
جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية - بيروت ط3 / 1424.
وطبعة حيدر اباد الدين 1320 ه.
54. کنز العمال، لعلاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي، مؤسسة الرسالة - بيروت / 1409.
ص: 115
55. لسان العرب، جمال الدين محمد بن منظور المصري، نشر ادب الحوزة - قم ط 1 / 1405.
56. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الكتب
العلمية بيروت / 1908.
57. المختصر في اخبار البشر (تاريخ أبي الفداء)، لأبي الفداء، دار المعرفة . بیروت (د.ت).
58. مستدرکات علم رجال الحدیث، الشيخ علي النازي الشهر ودي،
مطبعة حيدري - طهران ط1 / 1414.
59. المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، دار المعرفة بيروت.
60. مسند احمد، احمد بن حنبل، دار صادر - بيروت (د.ت).
61. مسند الشاميين، لأبي القاسم سلیمان الطبراني، مؤسسة الرسالة -
بیروت ط 2 / 1417.
62. مسند أبي داود، سلیمان بن داود الطيالسي، دار المعرفة - بيروت لبنان.
63. المصنف، لابن أبي شيبة الكوفي، دار الفكر - بيروت ط1 / 1409. 64. معالم التنزيل في تفسير القرآن، للبغوي، تحقيق خالد عبد الرحمن
العك، دار المعرفة - بيروت (د.ت).
65. المعجم الاوسط، لأبي القاسم سلیمان بن احمد الطبراني .
ص: 116
66. المعجم الكبير، لأبي القاسم الطبراني، تحقيق حمدي عبد المجيد
السلفي، دار احیاء التراث - بیروت (د.ت).
67. معجم المطبوعات العربية، اليان سرکیس، مطبعة بهمن- قم ط 1
.1610/
68. المنتظم من تاريخ الأمم والملوك، عبد الرحمن بن علي بن
الجوزي، تحقيق محمد عبدالقادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، دار
الكتب العلمية - بيروت ط1 /1412.
69. المنهج المبين في شرح الأربعين، عمر بن علي الفاكهاني، تحقيق شوکت بن رفقي، دار الصميعي - الرياض ط1 / 1928.
70. موارد الضمان، للهيثمي، تحقيق حسين سليم اسد وعبدعلي
الكوشك، دار الثقافة العربية ط1 / 1612.
71. المواقف، القاضي عبد الرحمن بن ركن الدين الايجي، تحقيق عبد
الرحمن عميرة، دار الجيل - بيروت ط1 / 1997.
72. موسوعة طبقات الفقهاء، جعفر سبحاني، مطبعة اعتاد. قم ط1
1419/
73. موسوعة الفرق الإسلامية، د. محمد جواد مشکور، تعريب علي
هاشم مجمع البحوث الاسلامية - بيروت ط1 / 1415.
74. الموضوعات، لابن الجوزي، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة
ص: 117
السلفية - المدينة المنورة ط1 / 1966.
75.نقد الرجال، مصطفی بن الحسين التفريشي، تحقيق مؤسسة آل البيت
لإحياء التراث - قم المقدسة ط 1/ 1418.
76.نبل الاوطار، الشوكاني، دار الجيل - بيروت / 1973.
77.هدية العارفين اسماء المؤلفين واثار المصنفین، اسماعيل باشا
البغدادي، طبع اسطنبول / 1951.
78. وفيات الأعيان وأنباء وأنباء الزمان، شمس الدین احمد بن محمد بن
خلکان، منشورات الشريف الرضي - قم ط 2/ 1396 ش.
79. ينابيع المودة لذوي القربی، سليمان بن ابراهيم القندوزي، تحقيق علي جمال اشرف، مطبعة اسوة - ایران ط1 / 1416.
ص: 118
مقدمة المؤسسة ... 9
مقدمة التحقيق ...13
عملنا في التحقيق: ... 16
ترجمة المؤلف... 17
مقدمة المؤلف: ... 29
فصل ... 58
تنبيه ... 65
فصل ... 69
فائدة ... 85
فائدة اخرى... 101
المصادر .... 103
المصادر ... 109
ص: 119
ص: 120