الأثر الخالد في الولد والوالد

هوية الكتاب

المؤلف: المرحوم السيد علي بن الحسين العلوي

الناشر: منشورات دار الذخائر - قم

المطبعة: النهضت - قم

الطبعة: الأولی

الموضوع : الأخلاق

تاريخ النشر : 1411 ه-.ق

عدد الصفحات: 216 صفحه وزیري

نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ص: 1

اشارة

الأثر الخالد في الولد والوالد

من تأليفات المرحوم آية اللّه السيد علي بن الحسين العلوي قدس سره

تحت اشراف نجلة عادل العلوي

دارالذخائر للمطبوعات

قم - ايران

ص: 2

الصورة

ص: 3

الصورة

ص: 4

التّمهيد

الإسلام دين اللّه الخالد قد أنزلت شريعته من السماء جاء لسعادة البشر وكماله وايصاله الى مطلق الكمال والكمال المطلق بتهذيبه وتعليمه البيان وتعديل الغرائز والقوى المكنونة في جبلته وتنظيم حياته الفردية والاجتماعية على صعيد القسط والموازنة بين ما أودع اللّه في طبعه وطبيعته وكونه وتحكيم الاسس التربوية في بيته وعلاقاته في اطار القوى الورع والخط المتبلور بالاستقامة وعدم الانحراف والمنصب في اساليب الهداية والارشاد ، والهادف الى الخير الاحسان والمتفتح أزهاره بالكفار وبالنضال والجهاد.

فالإسلام دين الانسانيه ينظم بأحكامه وتشريعاته العادله وقوانينه القويمة وجميع شئون الحياة في مختلف الحقول الفردية والاجتماعية من الثقافة والسياسية والاقتصاد والخلاق المجتمع وغير ذلك ، وأنه يطرح برامجه السامية متماشية مع كل عصر وفي كل مواطن فيربى الامم والشعوب تربية سامية صالحة وفي مساره لا يعرضه الهبوط والسكون أذ يبتني صرحه الشامخ على الفطرة والسجايا الانسانية.

وما من صغيرة أو كبيرة الا وللاسلام العظيم فيه حكم ودستور وتشريع رصين فأنه يعلمنا كيف نعيش وكيف يكون الانسان متقمصا برداء الانسانية وينظم حياته الفردية والاجتماعية ومنها علاقاته مع الآخرين ، واليكم قرائنا الاعزاء نموذج حيّ وصورة بارزة من تلك المفاهيم السامية

ص: 5

والحقائق الناصعة ، وتلك علاقة الاباء والأبناء وبالعكس ومن ثم حقوقهم وما يجب عليهم كل اتجاه الآخر ، بلا ظلم وتعدّي ولا اجحاف وافراط بل في افق المحبة والمودّة وعالم الصفاء والصداقة وعدم توتر علاقات الابوة والبنوّة فانّا جعلناكم أمةً وسطاً.

وإنّ علاقة الأبوين والأولاد لهي محط أنظار علماء النفس والمجتمع ، بل وللفقهاء مباحث قيمة تدور حول الوالدين والابناء في مسائل فقهية فرعية عديدة في كتاب الحج والحدود والنكاح ، وأكثر أبواب الفقه ، ولو أردنا جمعها لأدّى ذلك الى كتاب ضخم ، ولو أردنا تحقيقها والبحث حولها مسبغاً جامعا لوصل بنا الأمر الى تأليف عشرات من الكتب والرسائل.

وزبدة المخاض أنّ للولد على الوالدين حقوقاً كما للوالدين على الأولاد حقوقاً ، كما هو معلوم ذلك في جميع الأديان السماوية والأنضمة الاجتماعية والقوانين البشرية - وان كانت ناقص -.

وأمّا في الشريعة الإسلامية السماء ، فنري ما يعجب الناضر ويدهش المحقق وذلك في كيفية بناء العلاقة ورصانتها وتحكيمها في المجتمع والاسرة وحتى الانسان نفسه.

والجدير بالذكر أنّ الولاية للأب وأن علا دون الام ، ولكنّ المحبة والشفقة والعطوفة للأم أوّلاً ثمّ الأب ، وهناك لطائف وأسرار كثيرة في بيان علاقة الأبوة والبنوة من زاوية الإسلام العظيم يقف عليها مطالعنا الكريم في هذا السفر الجليل.

اذ قد تصدّى والدي المرحوم سماحة العلامة آية اللّه السيد علي بن الحسين العلوي تغمّده اللّه برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جنانه

ص: 6

باسلوب شيّق وقلم بارع وتنسيق لطيف وتبويب ظريف لبيان وظائف الاباء والابناء في كتابه القيّم ( الأثر الخالد في الولد والوالد ) مستلهماً ذلك من الايات القرانية والأحاديث الشريفة النبوية والولوية من الرسول الأكرم والعترة الطاهرة علیهم السلام ، اذ خلّف رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وترك لنا من بعده الثقلين ، كتاب اللّه وعترته وهما الرّكنان الأساسيان للاسلام ، بل الإسلام ، كلّه بتشريع الرسول الأكرم منجي عالم البشرية من حضيض الجهل والشقاء الى وادي السعادة الخصبة بالعلم والايمان.

جزى اللّه المؤلف خير الجزاء وأحسن العطاء وأجزل الثناء ، ووفقنا اللّه لما يحب ويرضى وقد نقّحت الكتاب وأضفت عليه فصولا واللّه من وراء القصد ، وما توفيقي الاّ باللّه العلّي العظيم.

عادل العلوي

ايران - قم المقدّسة - الحوزة العلمية

ص: 7

الاهداء

اليكم صاحب الزمان امامنا المنتظر الحجة الثاني عشر

أرواحنا فداه وعجّل اللّه فرجه الشريف.

الى كلّ والد وما ولد.

الى كّل الشباب الناهض المتعطّش لمعارف الإسلام.

الى طلاّب السعادة وروّاد الحياة الرغيدة.

اليكم هذه الفصول قبسات من نور.

المؤلف

ص: 8

الائمة الاطهار ولد الرسول الاكرم

لا يشكّ أحد أن الأئمة الاثني عشر هم اولاد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من فاطمة سلام اللّه عليها. وقد صّرح هو صلی اللّه علیه و آله بذلك في مواطن عديدة من كلامه.

كما لا شكّ ولا ريب أنّهم علیهم السلام من علي بن أبي طالب علیه السلام وفاطمه علیهاالسلام .

ولكن بما أن ائمتنا علیهم السلام لم يدعوا أمرا الا و بينوه لنا لنكن على بصيرة من أمرنا. لذا حدّثونا بهذا وبيّنوا لنا ان الأئمّة محدّثون ايضا. يعني يطلعهم اللّه تعالى بواسطة حديث الملائكة معهم وذلك ليس على اللّه بعزيز. وهو جلّت عظمته القائل :

وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ( آل عمران - 179 ).

1 - علي الأشعري عن الحسن بن عبيد اللّه عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن علي بن سماعه ، عن علي بن الحسن بن رباط ، عن ابنه أذينة ، عن زرارة : قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : الاثنا عشر الامام من آل محمد صلوات اللّه عليهم كلّهم محدّث من ولد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وولد علي بن أبي طالب علیه السلام فرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وعليّ علیه السلام هما الوالدان الكافي ج 1 ، ص 448 ، باب ما جاء في الاثني علیه السلام الحديث 14.

ص: 9

الاولاد والسعادة

الانسان منذ نعومة اظافره يحب السعادة ويهرب من الشقاء ، فأنّه يسعى ويجد بكلّ قواه لنيل السعادة والعيش الرغيد المفعم بالراحة والهناء ويحاول بكلّ طاقاته أن يسعد نفسه أولا ثمّ اسرته ومجتمعه والحق سعادة الانسان والمجتمع في نظام الإسلام الشامل الذي سنّه اللّه وأنزله والبشرية منذ ميلادها وحتى اليوم وغدا لم تجد نظاماً رصينا في قوانينه ومقاصده وطريقه كالدين الإسلامي القويم اذ هو دين اللّه والفطرة.

والإسلام جاء لاسعاد الانسان وادارة دفة السفينة البشرية وسوقها نحو ساحلها المأمون وشاطئها المامون شاطئ السعادة والعدالة والحرية وساحل الرفاه والسلام والتقدم والازهار والوصول الى الكمال المطلق وتوحيد اللّه الأعظم.

والنصر حليف الإسلام شاءت الأعداء أم أبت واللّه متم نوره ولو كره المشركون ، وقد أمرنا أن ندعو لسعادة أولادنا ونطلب من اللّه ذلك وهم أجنّة في بطون أمهاتهم.

بحار الأنوار ج 5 ص 155 : باسناده عن كتاب علل الشرائع عن مولانا أمير المؤمنين علیه السلام ، قال : تعتلج النطفتان في الرحم فأيهما كانت أكثر جاءت تشبهها فأن كانت نطفة المرأة أكثر جاءت تشبه أخواله وان كانت نطفة الرجل أكثر جاءت تشبه أعمامه وقال : تحول النطفة في الرحم

ص: 10

أربعين فمن أراد أن يدعو اللّه عزوجل ففي تلك الأربعين قبل أن تخلق ثم يبعث اللّه عزوجل ملك الأرحام فيأخذها فيصعد بها الى اللّه عزوجل فيقف منه ماشاء اللّه فيقول : الهي أشقيّ أم سعيد ؟ فيوحى اللّه عزوجل من ذلك ما يشاء ، ويكتب الملك فيقول اللّهم كم رزقه وما أجله ؟ ثمّ يكتبه ويكتب كلّ شيء يصيبه في الدنيا بين عينيه ثمّ يرجع به فيردّه في الرحم فذلك اللّه عزوجل : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا) .

نهج الفصاحة ص 260 حديث 1257 : عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : ثلاث من سعادة المرء المسلم في الدنيا الجار الصالح والمسكن الواسع والمركب البهي.

ان اللّه تعالى وكّل بالرحم ملكا يقول : أي رب نطفة أي رب عقلة ، أي رب مضغة ، فأذا أراد أن يقضي خلقها ، قال : أي رب شقي أو سعيد ذكر أو انثى ؟ فما الرزق فما الأجل ؟ فيكتب كذلك في بطن أمّه.

ص: 11

العزيز في كل مكان

هناك اشياء عزيزة ، كالدرهم والدينار مثلا ، فكثيرا ما يعد والانسان بك قواه ليصطادهما ، فلا يقادان له ، ولا يعتكفان بساحته ، واذا ضفر بهذين العزيزين ، تراه يصرفهما بكل سهولة ورغبة في الأعز منهما ، كأن لا عزّة لهما على طول الخط ... وهناك أشياء عزيزة أيضا ، لكن لا كالدرهم والدنيار ، ولا يجمعهما وجه شبه ابدا. منها : الولد الرشيد ، المعين لأبويه على حروف الزمان ، والأخذ بايديهما عند العجز والكبر ، فمثله النعمة الكبرى ، والجوهرة الثمينة ، بل انه هو النفس العزيزة وأعّز منها. فيا أيها الأولاد كونوا للآباء عونا وزينا حتى تعزوا في الدنيا والآخرة.

1 - قال الامام الصادق علیه السلام : ثلاثه اشياء في كل زمان عزيزة وهي الاخاء في اللّه تعالى ، والزوجة الصالحة الاليفة تعينه في دين اللّه عزّوجل : والولد الرشيد ، ومن وجد الثلاثة فقد اصاب خير الدارين ، والحظ الأوقر من الدنيا والآخرة. الخ ، جاء في كتاب مصباح الشريعه ، الباب الخامس والخمسون ص 36.

ص: 12

المقوم

لا بد لكل شيء من مقوّم ، فالفرد - مثلاً - لا يقوّمه الاّ النوع ، والنوع لا يقوّمه الاّ الجنس والفصل وهكذا. ولايوجد في الدنيا ما لا مقوّم له. هكذا شاءت ارادة اللّه تعالى ، لذا نرى أن قوّام بعض الاشياء ببعض بحيث لولا المقوّم - بكسره الواو - لما وجد المقوّم - بفتح الواو -.

1 - من ذلك قيل ان سبعه أشياء لا قوام لها الاّ بسبعة منها : الولد بوالده ... معدن الجواهر ص 60.

ص: 13

عمارة الدّنيا

الدنيا تعمّر بأشياء اهمها التناسل وبقاء النسل وتتبعها امور لا تنفك عنها لتلازمها مع حياة الأفراد مثل الصنايع والمهن والعمارة والعمل والكد والتجارة والفقر والغنى والحاجة والسلطان بمعنى ليتخذ بعضهم بعضا سخريا.

1 - قال احد العلماء : أن عمارة الدنيا منوطة بستة احوال : منها : الحنو على الاولاد الذي لو زال من البشر لزال سبب التربية وكان في ذلك الهلاك ... معدن الجواهر باب ذكر ما جاء في ستة : ص 56.

2 - قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يا ابا ذر : أن اللّه يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده ، ويحفظه في دويرته والدور حوله ما دام فيهم ... پندهاي گرانمايه پيغمبر ص 38 الحديث 78.

ص: 14

حرث الدّنيا البنون

انّ ما يحرث الانسان في هذه الحياة ينتج له في هذه وفي بعدها.

أما الذي ينتج في هذه ، فهو المال والولد. فاذا كان المال من حلال فهنيئا له ما يستفيد منه.

وأما الذي ينتج له في تلك ، فهو العمل الصالح الذي قدّمه وزرعه في دنياه.

وعلى هذا يقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لأبي ذر :

1 - يا أباذر : حرث الآخرة العمل الصالح. حرث الدنيا المال والبنون ... پندهاى گرانمايه پيغمبر ص 31 الحديث 58.

ص: 15

لذّة الولد

من الحالات النفسانية التى تعتري الانسان هي اللذه ، واللذة لها شعب وموارد كثيرة لا تعد ، ومن مواردها المهمة لذّة الوالد من الولد بقدّه وجماله وأدبه وكماله ونطقه ومشيه وريحه وخلقه وما اشبه.

1 - لذا قيل : اطيب الروائح ريحان ، ريح جسد تحبه وريح ولد تمرّ به ... معدن الجواهر باب ذكرما جاء في اثنين 29.

ص: 16

الولد نعمة

يهنّأ الانسان على نعم اللّه تبارك وتعالى ، وأي نعمة اكبر وأعظم من ولد يهبه المولى الكريم جلّ جلاله لأبوين عطوفين حنينين ، يتّبعا انفسهما في نشأه ونموّه وتربيته ، ويخافا عليه من أصغر حادث يربّيه او يؤذيه الى أن يبلغ أشدّه. فياليته يفطن ويبرّ بهما بعد تلك التي مضت ، وهو يسير الى الرشد ، والتهاني تتر على أبويه.

1 - من أقوال امير المؤمنين صلوات اللّه وسلامه عليه ، قال : في رجل هنّاه بولد شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب وبلغ اشدّه ورزقت برّه ، جاء في كتاب درر الكلم ، حرف الشين بلفظ شكر ، ص 183.

ص: 17

الولد ريحانه

الريحان زرع من الخضروات معطّر ، تميل اليه النفس وترتاح من شمّهة الروح. والولد غصن شبّهوه بشطب الريحان ، فالأبوان لّما ينظران الى ولدهما يستشمّا منه ما هو اعطر من الريحان في المعنة ونفوسهما ، وما الذّ من أن يكبر الولد ويمشي أمام ابويه - لا سيما اذا كان صالحا - فقد نقل أن رجلا جاء الى البيت الهاشمي يسئل عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وكان بعده وفاته صلی اللّه علیه و آله والرجل لايعلم فلما علم حزن حزنا شديدا ، فقال له الحسين علیه السلام روحي فداه ، معناه : أتريد أتنظر الى من يشبه الرسول صلی اللّه علیه و آله ، خلقا وخلقا ومنطقا ، فجاء به الى أن أراه عليا الاكبر علیه السلام ، ففرح الرجل ، ثم سئله الحسين صلوات اللّه عليه ، ايها الرجل ما الذّ اللذائذ ؟. فقال :أن يكون عندك ولد كهذا فيمشي أمامك ، ثم قال الحسين علیه السلام ما أشدّ الأحزان فقال فقدك كهذا الولد ، الى آخره ... لعن اللّه الظالمين لكم يا آل محمّد صلوات اللّه وسلامه عليكم أجمعين الى يوم الدين.

1 - قال النبي العظم صلی اللّه علیه و آله : الوالد ريحانة. وريحانتاي الحسن والحسين عليهم صلوات اللّه تعالى ... غوالي الدرر حرف الواو ، ص 168.

ص: 18

الانس بالولد

لا شكّ و لا ريب في أن الانسان يأنس ببعض الأشياء المطبوعة ، حيث تتماشى مع طبيعته ، كذلك لا شك في أن المطبوعات تختلف وتتمايز عنده ، فبعضها تطابث ذوقه مأة بالمأة ، وبعضها الآخر أقل من الأول ، وهكذا ، هذا كله من الغرائز الأولية والفطرية للبشر.

ثم ان الناس يختلفون حسب اختلاف أذواقهم ، فتري الشيء المحبوب عند هذا لم يكن محبوبا عند الآخرين ، والمرغوب عند الآخر لم يرغب فيه بعضهم ، والمثل السائر يقول : لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع.

ومن الجدير بالذكر : أنّه مع اختلاف اذواقهم ، وروحيّاتهم ، وأوضاعهم ، وبيآتهم ، كلّهم وقد اتحدوا في أمر واحد - وحتى شاركهم به الحيوانات - وهو الأنس بالولد - فالكبير والصغير ، والغني والفقير ، والأبيض والأسود ، والشريف والوضيع ، كل يأنس بطفله ، ويراه ابدع المخلوقات.

يقال أنّه : قيل للغراب : جئنا بأجمل الفراخ ، فجاء بفرخه ، في حين أن فرخ الغراب من اقبح الفراخ ، فقسّ على هذا : فعلل وتفعلل.

1 - أبو علي الأشعري ، عن محمد بن سالم ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر عن أبي عبد اللّه علیه السلام ، قال : أتى

ص: 19

رجل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فقال يا رسول اللّه أنّي راغب في الجهاد ، نشيط ، قال : فقال له النبي صلی اللّه علیه و آله : فجاهد في سبيل اللّه فانك ان تقتل تكن حيّا عند اللّه ترزق وان تمت فقد وقع أجرك على اللّه ، وان رجعت ، رجعت من الذنوب كما ولدت ، قال : يا رسول اللّه ( صلی اللّه علیه و آله الكرام البرره ) ان لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ، ويكرهان خروجي ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الطاهرين : فقر مع والديك ، فو الذي نفسي بيده لأنسهما بك يوما وليلة خير من جهاد سنة .... الكافي ج 2 ، ص 128 ، باب البر ، الحديث 10.

ص: 20

شباهة الولد

لا بد للولد أن يشبه أما الأعمام وأما الاخوال ، ولهذا الشبه أسرار عجيبة والإسلام العظيم كاشف الاسرار ، ما من معضلة الاّ ويحلّها الإسلام لأنه جاء الكمال البشرية ، لذا ترى ( بونابرت نابليون ) يقول : ( ان أملي الوحيد في الحياة هي أن اعيش حتى تتاح لي الفرصة لأجمع الحكماء والمفكرين من اقطار العالم لأضع معهم دستورا متحد الشكل على اساس من تعاليم القرآن الرفيعة ، لأن هذه التعاليم هي التي يمكنها أن تقود الناس الى الخير والسعادة والرفاه ) (1). هذا هو الإسلام وهذه شهادات اعاظم العالم له.

1 - وأمّا شبه الولد واخواله : فاذا سبق نطفة الرجل نطفة المرءة الى الرحم خرج شبه الوالد الى أعمامه ، ومن نطفة الرجل يكون العظم والعصب. واذا سبق نطفة المرءة نطفة الرجل الى الرحم خرج يشبه الى اخواله ، ومن نطفتها يكون الشعر والجلد واللحم لأنها صفراء رقيقة ... علل الشرئع ، العلّة الثالثة ، ص 1.

ص: 21


1- الإسلام ابدا.

الاجتناب عن ولد الزّنا

لا ينبغي للعاقل أن يخالط كل من عرض له ، وانما ينبغي له الانتقاء ، فان الناس صناديق مغلفة ، لا يدري ما تحتويه ، وقد علّمتنا التجارب أنّ ما تضر هي اكثر بكثير مما تنفع ، فيا ولدي عليك بالتأني فيما تختار ، وعليك بالتأمّل فيمن تترك ، وكن على هون في مسيرك الصعب ، واعلم أن الحذر ينجي من الخظر.

1 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضی اللّه عنه قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد ، عن سهل بن زياد ، عم محمد بن سنان ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه الدهقان ، عن ورست ، عن أبي ابراهيم عليه صلوات رب العالمين ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : خمسة يجتنبون على كل حال : المجذوم. والأبرص. والمجنون وولد الزنا ، والأعرابي ... الخصال ، باب الخمسه ، ص 233 ، الحديث 42.

ص: 22

شراكة الشّيطان

لعن اللّه ابليس ، انّه لا يترك الانسان في كل المجالات ، في العبادات والمعاملات والمجاملات ، وفي الاحوال والابدان ، فالكيّس كل الكيّس من اتقى شرّه وابتعد عنه بالاستعاذة منه باللّه العظيم في كل وقت وآن ، حتى عند الاصابة فانّه من اخطر الأمور ، وأثره من أسوء الأثار ، فالحذار الحذار.

1 - قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : انّ اللّه حرّم الجنّة على كل فاحش بذئ ، قليل الحياء ، لا يبالي ما قال وما قيل فيه ، أمّا أنّه ان تنسبه لم تجده الاّ لبغي او شرك الشيطان. قيل : يا رسول اللّه وفي الناس شياطين ؟. قال صلی اللّه علیه و آله : نعم ، أو ما تقرأ قول اللّه عزّ وجلّ : (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) . الأسراء آية 64 ... تحف العقول ، مواعظ النبي صلی اللّه علیه و آله : ص 31.

ص: 23

تاثير الماكولات في الاولاد

أشياء ينبغي تعلّمها واستعمالها وهي مؤثّرة في الولد ، وأخرى ينبغي تعلّمها والعمل بها فهي ايضا لها الأثر الوضعي بالنسبة للولد ، بل الاولاد ، وكلاهما اي العمل والاستعمال يؤثّران في الاولاد سواء كانوا في الصلب او في الرحم أو مولودين صغارا أم كبارا. فاليك بعض ما فيها التأثير الحسن ان شاء اللّه تعالى.

1 - قال أمير المؤمنين علیه السلام في حديث الاربعمائة : أكل السفرجل قوّة للقلب الضّعيف ، ويطيب المعدة ، ويزيد في قوّة الفوآد ويشجع الجبان ، ويحسن الولد ... المواعظ العددية ، ص 289.

2 - وقال علیه السلام : حنكو اولادكم بالتمر ، هكذا فعل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ( بالحسن وبالحسين علیهماالسلام ) ... المواعظ العددية ، باب الاربعمائة ، ص 308.

3 - قال أمير المؤمنين عليه صلوات رب العالمين : عن سيد الخلائق اجمعين صلی اللّه علیه و آله : وتوقوا على اولادكم لبن البغي من النساء ، والمجنونة ، فان اللبن يعدي ... المواعظ العددية ، باب الاربعمائة ، ص 191.

ص: 24

4 - وقال علیه السلام : اختنوا اولادكم يوم السابع لا يمنعكم حر و لا برد ... نفس المصدر ، ص 307.

ص: 25

البشائر

البشارة هي الخبر المسّر المفرح الذي يرتاح اليه الانسان وكل ما كانت البشارة من جليل او عظيم كانت هي الأخرى أجل واعظم وذات قيمة كبيرة. ومن هنا يعلم أن اكبر البشائر هي ما كانت من المصدر الا لاهي ، والتي يبشر بها الخلاق المتعال.

لكن ، مع ذلك كلّه ، ترى أن من البشائر ما يعكس فيها المطلوب فيبدل الفرح بالحزن ، والسرور بالهم والغم ، وذلك كما كان في زمن الجاهلية الأولى. والقرآن الكريم يحدثنا بكلا الأمرين.

1 - إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ، اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ، قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ، إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( آل عمران - 47 ).

2 - وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ، وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ، أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ؟ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ( النحل - 59 ).

ص: 26

وليمة المولود

كل انسان لا بد له من سرور يدخله عند اسباغ نعمة من اللّه تعالى عليه ، وأي نعمة بعد الايمان باللّه تعالى هي اعظم واكبر من نعمة ولد صالح يستعين به الأب على دينه ودنياه ، والولد هو السبب المباشر الوحيد في بقاء نسل الأب ، وهو أقرب الأرحام اليه ، وقد جاء في الكتاب العزيز آيات عديدة في الرحم وصلتها ، فلأجل هذا كلّه يفرح الوالد يوم له الولد ، وقد سن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ما يعبر عن الفرح والسرور عند الوالدين ، الا وهي الوليمة.

1 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضی اللّه عنه قال : حدثنا الاعمّى محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي ، عن سجادة العابد واسمه الحسن بن علي بن أبي عثمان ، عن موسى بن بكر ، قال ابو الحسن الاول عليه الصلاة والسلام : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لا وليمة الاّ في خمس : أ : في عرس. ب : او غرس. ج : او عذار. د : او وكار. ه : او ركاز. فأما العرس : فالتزويج ، والغرس : النفاس بالولد : والعذار : الختان. والوكار : الرجل يشتري الدار. والركاز : الذي يقدم من مكّة ... الخصال ، باب الخمسة ، ص 254 ، الحديث 91. ومثله الحديث 92 فراجع.

ص: 27

تسمية الاولاد

احدى موارد التعارف هو الاسم ، وهو أهم من بقية اسباب التعارف ، فالناس أنه لولا الاسم لما احضرت المعاني الكلية والجزئيه باسهل مؤنة في الذهن ، مثلا لو كنت في بلد ما ، واردت احضار الفيل في ذهن صاحبك ، كبف يمكن تناوله من غاباب الهند ، وكيف يمكنك ادخاله في ذهن صاحبك ، فتبين أن الاسم له اهمية كبيرة جدا بالنسبة الى جميع الاشياء والموجودات ، فمن هذا يلزم أن نسمي كل شيء ليعرف وجوده الخارجي بوجوده اللفظي ، منه الجنين في بطن أمّه فيستحب أن يسمى كي يثبت في الامة المرحومة ...

1 - قال أمير المؤمنين علیه السلام : سمّوا اولادكم ، فان لم تدروا أذكرهم أم انثى فسموّهم بالأسماء التي تكون للذكر والانثى ، فان اسقاطكم اذا لقوكم في القيامة ولم تسمّوهم ، يقول لأبيه الا سمّيتني و قد سمّى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله محسناً قبل أن يولد ... المواعظ العددية ، باب الاربعمائة ، ص 305.

ص: 28

الكنية من الادب

ان العرف قد جعل لكل موضوع علاقات ، وجعل علامات للاحترام بالنسبة الى الآخرين ، فمثلا : جعل علامة احترام الوارد ، القيام أمامه واحترام الراجل أن يبدأه الراكب بالسلام ، وهلّم جرّا علامات الاحترام كثيرة وكثيرة جدا. وقد قرر الإسلام العظيم ما لا ينافيه من أعراف الناس ، فقلّل وكثّر ، وجرح واعدل ، ونفى وأثبت ، وأسس ما لم يكن يدركه الناس من قبل ، وكل ذلك بأمر من السماء ، على لسان خير البريّة محمد صلی اللّه علیه و آله ، وآله الميامين عليهم صلوات الملك العلاّم. فمن تعاليهم السّامية ، الأدب الرفيع ، حيث أن الرجل ينادي بكنيته اجلالا واعظاما له. فتمسّك بهم تسعد.

1 - علي بن ابراهيم ، عن ابيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام ، قال : من السنّة والبر ان يكنّى الرجل بأسم أبيه ... الكافي ، ج 2 ، ص 130 ، باب البر ، الحديث 16.

ص: 29

الولد الصّالح

يخلف المرء في ثلاثة احدهما الولد ، فان من لم يكن له ولد لا ذكر له بعد الموت ، ولو أن هناك آثار أخرى تكون ذكرى له ، ولكن الولد اثر اكبر واكبر لا سيّما ان كان من الصالحين ، فانه يحيى والده في كل حين ، ربي لا تذرني فرداً وانت خير الوارثين ، فعليه امرنا بطلب الولد كي يكون لنا ثمرا جنيّا ان شاء اللّه تعالى.

1 - قال أمير المؤمنين عليه افضل تحيات رب العالمين : عن النبي صلی اللّه علیه و آله قال : اكاثر بكم الأمم غداً ... المواعظ العددية باب الاربعمائة ، ص 291.

2 - هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ، قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ ، أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ ، وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ( آل عمران - 40 ).

ص: 30

الكمال

لكل شيء زينة في الدنيا وزينة المرء كمال الأدب.

مما يجب على الولد أن يكون مؤدبّا في كل حال وكل حين ، لا سيما وبالخصوص عند والديه ، فان الأدب عند الوالدين مما يزيد في توفيق الانسان ، لذا ترى القرآن الكريم ينادي بأعلى صوته :

1 - وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ، وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا ، فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ... ( بني اسرائيل - 23 ).

2 - قال - اي ابو ولاد الحناط - ثم قال ابو عبد اللّه عليه الصلاة والسلام : وأمّا قول اللّه تعالى (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا ، فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) قال علیه السلام : ان اضجراك فلا تقل لهما أف ، ولا تنهرهما ان ضرباك. قال علیه السلام : (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) : قال علیه السلام : ان ضرباك فقل لهما غفر اللّه لكما ، فذلك منك قول كريم ... ذرايع البيان ، الآفه الثامنة ، ص 174.

3 - قال مجاهد معناه ان بلغا عندك من الكبر ما يبولان ويحدثان

ص: 31

فلا تتقذّرهما ، وامط عنهما كما كانا يميطان عنك في حال الصغر، والمتبرم ويكثر قول أف ، وهي كلمة تدل على الضجر ... مجمع البيان ج 6 ، ص 409 ، ذيل آية (وَقَضَى رَبُّكَ) من سورة بني اسرائيل.

ص: 32

افضل الاعمال للولد

الأعمال على شطرين : اعمال ذات فضيلة ، واعمال ذات رذيلة. أما الرذائل فلسنا هنا بصددها. وأما الفضائل : فهي من الكلّي المشك ، أي لها مراتب متعددة ، فبعضها أفضل من البعض الآخر. ان قلت : كيف نرتّب هذا الترتيب ؟. قلنا هذا ترتيب رتّبه المولى جلّ وعلا شأنه ، وهو أعلم بالمصالح ، فكلما كانت المصلحة فيها أتم وأكمل فهي افضل ، وهذا ما يحكم به العقل و النقل. وما بعد الحّق الاّ الضلال.

1 - حدثنا أبي رضی اللّه عنه قال : حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي ، عن احمد بن أبي اللّه البرقي ، عن محمد بن احمد الأيادي ، عن عبد اللّه بم محمد عن عمرو بن شمر ، عن ابان بن محمد عن محمد بن علي علیهماالسلام ، قال : ما من عمل افضل يوم النحر من دم مسفوك ، او مشى في بر الوالدين ، أو ذي رحم قاطع يأخذ عليه بالفضل ويبدأه بالسلام ، او رجل اطعم من صالح نسكه ودعا الى بقيّتها جيرانه من اليتامى واهل المسكنة والمملوك ، وتعاهد الأسراء. ... الخصال ، باب الخمسة ، ص 242 ، الحديث 86.

ص: 33

نصيحة الوالد لولده

لا ناصح كالأب بالنسبة الى ولده ، ولا يتصوّر أنّ هناك اب يبخل على ولده بالنصيحة ، ومن المستحيل أن يخرج الولد من قلب ابيه مهما كلّف الأمر ، لذا ترى الآباء يبالغون في نصح ابنائهم جزاهم اللّه خيرا.

1 - قال العباس بن عبد المطلب لا بنه : يا بني لا تعلم العلم لثلاث خصال : لتماري به ، ولترائي فيه ، ولتباهي به. ولا تدعه لثلاث خصال : لرغبة في الجهل ، ولزهد في العلم ، ولاستحياء في التعليم ... معدن الجواهر ص 36.

2 - ومن كلام لقمان لابنه : ثلاثة لا تعرفهم الا عند ثلاثة : لا تعرف الحليم الا عند الغضب ، والشجاع الاّ عند الحرب ، ولا اخاك الاّ عند الحاجة ... معدن الجواهر ص 37.

ص: 34

نصح الآباء للابناء

من المعلوم لزوم نصح الأبناء على الاباء ولما كان التعبّد لله اولى من كل شيء لزم على الأبناء ايضاً نصح الآباء في هذا المورد ، لذا ترى ابراهيم علیه السلام ينصح آذر - سواء كان عمّه او جدّه لأمه كما جاء في التفسير - فكلاهما يسمون أب عند العرب.

1 - قال تعالى : إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ. ( 42 - مريم )

2 - يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي . ( 43 - مريم )

3 - يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ. ( 44 - مريم )

4 - يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ. ( 45 - مريم )

ص: 35

الاطاعة

لو نظرنا الى أبعاد اطاعة الوالدين لرأيناها ابعد مما تتصور ، وذلك على لسان القرآن الكريم حيث قال : حاكيا عن اسماعيل ذبيح اللّه :

1 - قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ. ( 102 - الصافات ) وهو - اي ابراهيم علیه السلام يريد ذبحه.

2 - عن الراوندي ، عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : أنّه قال : - في حديث الى أن قال - وان امراك ان تخرج من اهلك و مالك فاخرج ولا تحزنهما ... ذرايع البيان ، ص 200 ، تكمله.

3 - وقال صلی اللّه علیه و آله : طاعة اللّه طاعة الوالد ... غوالي الدرر ، حرف الطاء ، ص 107.

4 - وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ... ( بني اسرائيل 24 ).

5 - وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ... ( العنكبوت - 8 ).

6 - قال « الصادق علیه السلام » : ( واخفض لهما جناح الذل

ص: 36

من الرحمة ) قال : لا تملأ عينيك من النظر اليهما الاّ برأفة ورحمة ، ولا ترفع صوتك فوق اصواتهما ، ولا يدك فوق ايديهما ، ولا تقدّم قدّامهما ... مجمع البيان ، ج 6 ، ص 409 ، ذيل آية (وَقَضَى رَبُّكَ) من سورة بني اسرائيل.

7 - محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد بن عيسى ، وعلي بن ابراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن الحسين بن محبوب ، عن أبي ولاّد الحنّاط ، قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام ، عن قول اللّه عزوجلّ : (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ما هذا الاحسان ؟. فقال عليه الصلاة والسلام : الاحسان أن تحسن صحبتهما وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما ممّا يجتاجان اليه ، وان كانا مستغنيين ، أليس يقول عزوجلّ : (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) قال : ثم قال أبو عبد اللّه عليه أفضل التحيات ، وأما قول اللّه عزوجلّ : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا) . قال سلام اللّه عليه: ان اضجراك فلا تقل لهما أف ، ولا تنهرهما ان ضرباك. قال : (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) قال علیه السلام : ان ضرباك فقل لهما : غفر اللّه لكما ، فذلك منك قول كريم قال : (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) قال علیه السلام لا تملأ عينيك من النظر اليهما الاّ برحمة ورقّة ولا ترفع صوتك فوق اصواتهما ، ولا يدك فوق ايديهما ، ولا تقدم قدّامهما ... الكافي ، ج 2 ، ص 126 ، باب البر ، الحديث 1.

8 - ابن محبوب ، عن خالد بن نافع التجلّي ، عن محمد بن مروان قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : ان رجلا أتى النبي صلى اللّه

ص: 37

عليه وآله وسلّم ، فقال : يا رسول اللّه أوصني ! فقال صلی اللّه علیه و آله : لا تشرك باللّه شيئا وان حرقت بالنار وعذبت الاّ وقلبك مطمئن بالايمان ، ووالديك فأطعهما وبرّهما ، حيين ّ كانا أو ميتين ، وان أمراك أن تخرج من أهلك وما لك فافعل ، فان ذلك من الايمان ... الكافي ، ج2 ، ص 126 ، باب البر ، الحديث 2.

ص: 38

وصايا الآباء للابناء

من حق الولد على الوالد أن يوصيه بما ينفعه ويرشده ويأدبّه ، كي لا يكون عضوا فاسدا في المجتمع وعالة وكلاّ عليه ، ولكي يكون بعده احد الثلاثة الذين يخلف بهم المرء وهو الولد الصالح ، ولو صلح الولد لكان عاملا مهمّا في جلب الرحمة لوالديه بعد الموت ، وهذا هو المطلوب.

1 - اوصى حكيم ولده فقال : يا بني احذر خصلة واحده تسلم ، واتبع خصلة واحدة تغنم : لا تدخل مداخل السؤ تتهم ، واشكر تدم لك النعم واعلم أن العز في خصلة واحدة ، وهي طاعة اللّه ، والذل في خلصة واحدة ، وهي معصية اللّه ، والغنا في خصلة واحدة وهو الرضا بقسم اللّه ، والفقر في خصلة واحدة ، وهي استقلال نعم اللّه ، والناس يا بني يتفاضلون بشيء واحد وهو العقل ، ويتميزون بشيء واحد وهو العلم ، ويفوزون بشيء واحد وهو العمل ، ويسودون بشيء واحد وهو الحلم. فعليك يا بني في دينك بشيء واحد وهو الازدياد ، وفي دنياك بشيء واحد وهو الاقتصاد. معدن الجواهر ص 24.

2 - قال لقمان لا بنه : يا بني أنهاك عن شيئين ، عن الكسل والضجر ، فانك اذا كسلت لم تؤدي حقا ، واذا ضجرت لم تصبر على حق. معدن الجواهر ص 27.

ص: 39

3 - أوصى حكيم ولده فقال : يا بني ان أردت الخلاص فعليك بشيئين : لا تضع ما عندك الاّ في حقه ، ولا تأخذ ما ليس لك الاّ بحقه. تحصّن يا بني من الساعي عليك بشيئين : بالمداراة وحسن المعاشرة ، فانك لا تعدم احد شيئين : اما صداقة تحدث بينكما بؤمنك شره ، واما فرصة تظفرك به. معدن الجواهر ... باب ذكر ما جاء في اثنين - ص 29.

4 - وصية أخرى : يا بني احفظ عنّي ثلاثة : وقّر أباك تطل ايامك ، وقّر امك ترى لبنيك بنينا ، ولا تحد النظر الى والديك فتعقهما. معدن الجواهر ص 37.

5 - واعلم يا بني : أن الايام ثلاثة : أمس : يوم ماضي كأن لم يكن ، وغد : يوم منتظر كأن قد أتى ، واليوم : مقيم بغنيمة الا كآيس لتزود الخيرات وتقطعه الفجرة بالأماني ، مع أنها ليست ايام ولكنها ساعات ، وليست ساعات ولكنها اوقات أقل من ارتداد الطرف. معدن الجواهر ص 37.

6 - واعلم ان الناس في الدنيا بين ثلاثة احوال حسنات وسيئات ولذات ، وفي الآخرة بين ثلاثة احوال درجات ودركات ومحاسبات ، فمن عمل في الدنيا بالحسنات نال في الآخرة الدرجات ، ومن ترك في الدنيا السيئآت نجى في الآخرة من الدركات ، ومن هجر في الدنيا اللذات خلص في الآخرة من المحاسبات ... معدن الجواهر ... باب ذكر ما جاء في ثلاثة. ص 37.

ص: 40

7 - واعلم يا بني : ان انصف الناس من جمع ثلاثا : تواضعا عن رفعة وزهداً عن قدرةِ ، وانصافاً عن قوةٍ. وعليك بالقنوع ، ففيه ثلاث خلال : صيانة النفس ، وعز القدر ، وطرح مؤن الاستكبار. ولا تضع المعروف الى ثلاثة : اللئيم فانه بمنزلة السبخة ، والفاحش فانه يرى أن الذي صنعت اليه انما هو مخافة الفحشة ، والاحمق فانه لا يعرف ما اسديت اليه ... ( نفس المصدر ).

8 - واعلم أن الشكر ثلاث منازل : هو لمن فوقك بالطاعة ، ولنظيرك بالمكافأة ، ولمن دونك بالافضال ... ( نفس المصدر ).

9 - لا تطلب حاجتك يا بني من ثلاثة : لا من كذاب فانه يقربها بالقول ويباعدها بالفعل ، ولا من احمق فانه يريد أن ينفعك فيضرّك ، ولا ممن له أكلة من جهة رجل فانه يؤثر اكلته على حاجتّك ... ( نفس المصدر ).

10 - اياك يا بني والكذب ، فان المرء لا يكذب الاّ من ثلاثة اشياء : اما لمهانة نفسه ، او لسخافة رأيه او لغلبة جهله ... ( نفس المصدر ).

11 - واحذر مشاورة ثلاثة : الجاهل. والحاسد. وصاحب الهوى ... ( نفس المصدر ).

12 - واعلم أن ثلاثة أفضل ما كان لاغناء بهم عن ثلاثة : احزم ما يكون الرجل لا غنى به عن مشاورة ذوي الرأي ، وأعف ما تكون المرأة لاغنى بها عن الزوج ، واوفر ما تكون الدابّة لا غنى بها عن الوسط ... ( نفس

ص: 41

المصدر ).

13 - ثلاث هن للكافر مثل ما هن للمسلم : من استشارك فانصح له ، ومن ائتمنك على أمانة فأدها اليه ، ومن كان بينك وبينه رحم فصلها ... معدن الجواهر ص 38.

14 - قال علیه السلام عند وفاته لولده الحسن علیه السلام : يا بني احفظ عني اربعا : قال علیه السلام : و ما هن يا ابتي ؟ قال : اعلم أن اغنى الغنى العقل ، واكبر الفقر الحمق ، واوحش الوحشة العجب ، واكرم الحسب حسن الخلق ... الجواهر ص 42.

15 - اوصى حكيم ولده فقال : خذ يا بني بأربعة واترك اربعة. فقال : وما هن ؟ فقال : خذ حسن الحديث اذا حدثت ، وحسن الاستماع اذا حدثت ، وأيسر المروئة اذا خولفت ، وبحسن البشر اذا لقيت. واترك محادثة اللئيم ، ومنازعة اللجوج ، ومما راه السفيه ، ومصاحبة الماقت.

وحذر اربع خصال فثمرتهن اربع مكروهات : اللجاجة والعجلة والعجب والشره ، فأما اللجاجة فثمرتها الندامة ، وأما العجلة فثمرتها الحيرة ، وأما العجب فثمرته البغضة ، وأما الشره فثمرته الفقر.

وكن من اربعة على حذر : من الكريم اذا اهنته ، ومن العاقل اذا أهجته ، ومن الاحمق اذا مازجته ، ومن الفاجراذا صاحبته.

واحتفظ من اربع نفسك تأمن ما ينزل بغيرك : العجلة ، واللجاج ، والعجب ، والتواني.

ص: 42

واعلم انه من اعطى اربعة لم يمنع اربعا : من اعطى الشكر لم يحرم المزيد ، ومن اعطى التوبة لم يحرم القبول ، ومن اعطى الاستخارة لم يمنع الخيرة ، ومن اعطى المشوره لم يمنع الصواب ... معدن الجواهر ص 45.

16 - يا بني توق خمس خصال تأمن الندم : العجلة قبل الاقتدار ، والتثبط مع سقوط الاعذار ، واذاعة السّر قبل التمام ، والاستعانة بالحسدة وأهل الفساد ، والعمل بالهوى وميل الطباع ... معدن الجواهر ص 52.

17 - قال لقمان : يا بني احثك على ست خصال ليس منها خصلة الا تقّربك الى رضوان اللّه تعالى وتباعدك من سخطه : الأوله ان تعبد اللّه لا تشرك به شيئا ، الثانية الرضا بقدر اللّه تعالى فيما احببت او كرهت والثالثة تحب في اللّه وتبغض في اللّه ، والرابعة تحب للناس ما تحب لنفسك ، والخامسة كظم الغيظ والاحسان الى من اساء اليك ، والسادسة ترك الهوى ومخالفة الردى ... معدن الجواهر ص 55.

18 - ستة تحتاج الى سته اشياء : حسن الظن يحتاج الى القبول ، والحسب يحتاج الى الأدب ، والسرور يحتاج الى الامن ، والقراتة تحتاج الى الصداقة ، والشرف يحتاج الى التواضع ، والنجدة تحتاج الى الجد ... معدن الجواهر ص 55.

19 - اوصى حكيم ولده فقال : يا بني اعلم ان اصعب ما على الانسان

ص: 43

ستة اشياء : ان يعرف نفسه ، ويعلم عيبه ، ويكتم سره ، ويهجر هواه ، ويخالف شهوته ، ويمسك عن القول فيما الا يعنيه ... نفس المصدر.

20 - ست خصال لا يطيقها الا من كانت نفسه شريفة : الثبات عند حدوث النعمة الكبيرة ، والصبر عند نزول الرزية العظيمة ، وجذب النفس الى العقل عند دواعي الشهوة ، ومداومة كتمان السّر ، والصبر على الجوع ، واحتمال الجار ... نفس المصدر.

21 - وأعلم أن النبل في ستة اشياء : مؤاخاه الأكفاء ، ومداراة الأعداء ، والحذر من السقطة ، واليقظة من الورطة ، وتجرع الغصّة ، ومعالجة الفرصة ... نفس المصدر.

22 - وأعلم ان السخي من كانت فيه ست خصال : أن يكون مسروراً ببذله ، متبرعا بعطائه ، لا يتبعه منّا ولا أذى ، ولا يطلب عليه عوضا من دنيا ، يرى أنّه لما فعله مؤدّ له فرضا ، ويعتقد أن الذي يقبل عطاءه قاضي له حقا ... نفس المصدر.

23 - فأما حق النعمة عليك فتشتمل على ست خصال : المعرفة بها ، وذكر ما يناسي منها عندك ، ومعرفة موليها ، وأن ينسبها اليه ، وأن يحسن لباسها ، وأن يقابل مسديها بالشكر عليها ... نفس المصدر.

24 - وأوصيك يا ولدي بست خصال فيها تمام العلم ونظام الادب : الأولى : ألاّ تنازع من فوقك ، والثانية : ان لا تتعاطى ما لا تنال الثالثة :

ص: 44

أن لا تقول ما لا تعلم ، الرابعة : أن لا يخالف لسانك ما في قلبك. الخامسة أن لا يخالف فولك فعلك ، السادسة : أن لا تدع الأمر اذا اقبل وان لا تطلبه اذا أدبر ... نفس المصدر.

25 - واحذر العجلة فان العرب كانت تسميها أمّ الندمات ، وذلك ان فيها ست خصال : يقول صاحبها قبل أن يعلم ، ويجيب قبل ان يفهم. ويعزم فبل ان يفكر ، ويقطع قبل ان يقدر ، ويحمد قبل أن يجرّب ، و يذم قبل ان يحمد. وهذه الخلال لا تكون في أحد الا صحب الندامة وعدم السلامة ... نفس المصدر.

26 - واعلم ان ستة اشياء ينفين الحزن : استماع العلم ، ومحادثة الاصدقاء ، والمشي في الخضرة ، والجلوس على الماء الجاري ، والتأسّي بذوي المصائب ، وحمر الايام ... نفس المصدر.

27 - وستة اشياء من مات فيها قاتل نفسه : من أكل طعاما قد اكله مرارا فلم يوافقه ، ومن أكل طعاما فوق ما تطيقه معدته ، ومن أكل قبل أن يستبرء ما أكل ، ومن رأي بعض اخلاط جسده قد هجم بهيجان ووجد لذلك دلائل فلم يستدركها بالادوية المسكنة ، وأن اطال حبس الحاجة اذا هاجت به ، ومن اقام بالمكان الوحش وحده ... نفس المصدر.

28 - واعلم أن من رضى بستة اشياء صفت له دنياه وصح له دينه : من رضى ببلده ، ومنزله ، وزوجته ، ومعيشته ، وما قسم اللّه له من رزقه ، وما يقضيه اللّه عليه ان آلمه خالف أمله ... معدن الجواهر ص 57،

ص: 45

باب ذكرما جاء في ستة.

29 - اوصى حكيم ولده فقال : اعلم يا بني أنه لا خير في سبعة الاّ بسبعة : لا خير في قول الاّ بفعل ، ولا في منظر الا بمخبره ، ولا في ملك الاّ بجود ، ولا في صداقة الاّ بوفاء ، ولا في فقه الاّ بورع ، ولا في عمل الاّ بنيّة ، ولا في حياة الاّ بصحةٍ وأمن ... معدن الجواهر ، ص 60 ، باب ذكرما جاء في سبعة.

30 - واعلم أن سبعة اشياء تؤدي الى فساد العقل : الكفاية التامة والتعظيم ، والشرف ، واهمال الفكر ، والأنفة في التعليم ، وشرب الخمر ، وملازمة النساء ، ومهالطة الجهال ... نفس المصدر ص 61.

31 - وسبعة اشياء يا ولدي لا تحسن بك أن تهملهن : زوجتك ما وافقتك ، ومعيشتك ما كفتك ، ودارك ما وسعتك ، وثيابك ما سترتك ، و دابتك ما حملتك ، وصاحبك ما انصفك ، وجليسك ما فهم عنك ... نفس المصدر.

32 - وليس صديقك صديقك الاّ في سبعة اشياء : في اهلك ، و ولدك ، وعلتك ، ونكبتك ، وغيبتك ، وقلتك ، وبعد وفاتك ... نفس المصدر.

33 - اوصى حكيم ولده فقال : تحصّن يا بني من ثمان بثمان : بالعدل في المنطق من ملامة الجلساء ، وبالروية في القول من الخطاء ، وبحسن

ص: 46

اللفظ من البذاء ، وبالانصاف من الاعتداء ، وبلين الكنف من الجفاء وبالتودد من ضغائن الاعداء ، وبالمقاربة من الاستطالة ، الى آخره ... معدن الجواهر ، ص 65 ، باب ذكر ما جاء في ثمانية.

34 - واعلم ان من كان منه ثمانية كان له من اللّه ثمانية : من اتقى اللّه تعالى وقاه ، ومن توكل عليه كفاه ، ومن اقرضه وفاه ، ومن سأله اعطاه ، ومن عمل بما يرضيه رضاه ، ومن صبر على محارمه حباه ، ومن انفق في سبيله جازاه. الاخيرة لا توجد في الاصل ... نفس المصدر.

35 - وثمانية اشياء لا تنفع الاّ بثمانية : لا العقل الاّ بالورع ، ولا الحفظ الاّ بالعمل ، ولا شدة البطش الاّ بقوه القلب ، ولا الجمال الاّ بالحلاوة ، ولا السرور الاّ بالأمن ، ولا الحسب الاّ بالأدب ، ولا الحفظ الاّ بالكفاية ، ولا المروّة الا بالتواضع ... نفس المصدر.

36 - اوصى حكيم ولده فقال : اعلم يا بني أن العجب لتسعة اشياء : لمن عرف اللّه تعالى ولم يطعه ، ولمن رجا ثوابه ولم يعمل ، ولمن خاف عقابه ولم يحترز ، ولمن عرف شرف العلم ورضى لنفسه بالجهل ولمن صرف جميع همته الى عماره الدنيا مع علمه بفراقه لها ، ولمن عرف الآخرة وخرب مستقّره منها مع علمه بانتقاله اليها ، ولمن جر في ميدان امله وهو لا يعلم متى يعثر بأجله ، ولمن غفل عن النظر في عواقبه وهو يعلم أنه لا يغفل عنه ، ولمن يهنيه في دار الدنيا عيشه وهو لا يداري الى ما يصير أمره ... معدن الجواهر ، ص 69 ، باب ما جاء في تسعة.

37 - يا بني عليك بتسع خلال تسد في الناس وهو : العلم ، و

ص: 47

الادب ، والفقه ، والعفة ، والامانة ، والوقار ، والحزم ، والحياء ، والكرم ، وهي عشرة من الاصل ... نفس المصدر.

38 - يا بني صن بسعة بتسعة : صن عقلك بالعلم ، وجهلك بالحلم ، ودينك بمهالفة الهوى ، ومروتك بالعفاف ، وعرضك بالكرم ، ومنزلتك بالتواضع ، ومعيشتك بحسن التكسب ، ونهضتك بترك العجب ، ونعم اللّه تعالى عليك بالشكر ... نفس المصدر.

39 - واعلم يا بني أن الحكماء ما ذموا شيئا ذمهم لتسع : الكذب والغضب الجزع والحسد ، والخيانة ، والبخل ، والعجلة ، و سوء الخلق والجهل.

ولا مدحوا شيئاً مدحهم لتسع : الصدق ، والحلم ، والصبر ، و الرضا بالقسم ، والوفاء ، والكرم والتأيد ، وحسن الخلق ، والعلم ... نفس المصدر.

40 - واحذر يا بني مشاورة تسعة فان الرأي منهم عازب : البخيل والجبان ، والحريص ، والحسود ، وذي الهوى ، والكثير القصود مع النساء ، ومعلم الصبيان ، والمبتلي بامرأة سليطة. نقصت واحده وهي من الاصل ... معدن الجواهر ، باب ذكر ما جاء في تسعة ص 69.

41 - اوصى حكيم ولده فقال : يا بني اوصيك بعشرة : لا تستكثر من عيب ، فانه من اكثر من شيء عرف به ، ولا تأسف على اثم ، فانه شيء وقيته واقلل مما يشين ، تزدد يزين ،

ص: 48

ومخاطبة السفلة فانهم يفرون ولا يشكون ، تعاب باستصحابهم ، ولاتحمد على اصطناعهم ، ولا تتجاوز بالأمور حدودها ، واذا انكرت امرك. فأمسك ، وجانب هواك فانه اضرما اتتعت ، واعمل بالحق فانه لا يضيق معه شيء ولا ينعت فيه عاقل ، وليكن خوف بطانتك لك أشد من أنفسهم لك ... معدن الجواهر باب العشرة ، ص 72.

42 - واحفظ عني عشرة : اعلم ان الصدق قوة ، والكذب عجز ، والسر أمانة ، والجوار قرابة ، والمعرفة صداقة ، والعمل تجربة ، والخلق عبادة ، الصمت زين ، الشح فقر ، والسخاء غنى ... معدن الجواهر باب ذكر ما جاء عشره ، ص 72.

43 - وفي ( الاختصاص ) عن مولانا الصادق عليه افضل الصلاة والسلام : عن امير المؤمنين عليه صلوات اللّه ، في وصيه لابنه محمد بن الحنفية : واعلم أن اللسان كلب عقور ، ان حليته عقر ، ورب كلمة سلبت نعمة. فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك ... ذرايع البيان ص 9 ، المقالة الثانية.

44 - حدثني اب رضی اللّه عنه قال : حدثنا سعد عبد اللّه قال : حدثني القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود ، قال : حدثنى حماد بن عيسى ، عن ابي عبد اللّه علیه السلام قال : قال لقمان لابنه ، يا بني لكل شيء علامة يعرف بها ، ويشهد عليها.

وأن للدين ثلاث علامات : العلم ، والايمان ، والعمل به.

وللايمان ثلاث علامات : الايمان باللّه ، وكتبه ، ورسله.

ص: 49

وللعالم ثلاث علامات : العلم باللّه ، وبما يحب ، وبما يكره.

وللعامل ثلاث علامات : الصلوة ، والصيام ، والزكوة.

وللمتكلف ثلاث علامات : ينازع من فوقه ، ويقول ما لا يعلم ، ويتعاطا فيما لا ينال.

وللظالم ثلاث علامات : يظلم من فوقه بالمعصية ، ومن دونه بالغلبة ، ويعين الظلمة.

وللمنافق ثلاث علامات : يخالف لسانه قلبه ، وقلبه فعله وعلانيته سريرته.

وللآثم ثلاث علامات : يخون ، ويكذب ، ويخالف ما يقول.

وللمرائي ثلاث علامات : يكسل اذا كان وحده ، وينشط اذا كان الناس عنده ويتعرض في كل امر للمحمدة.

وللحاسد ثلاث علامات : يغتاب اذا غاب ، ويتملّق اذا شهد ، ويشمت بالمصيبة.

وللمسرف ثلاث علامات : يشتري ما ليس له ، ويلبس ما ليس له ، ويأكل ما ليس له.

وللكسلان ثلاث علامات : يتوانى حتى يفرط ، ويفرط حتى يضيع ويضيع حتى يأثم.

وللغافل ثلاث علامات : السهو ، واللّهو ، والنسيان.

قال حماد بن عيسى : قال ابو عبد اللّه علیه السلام : ولكل واحدة من هذه العلامات شعب ، يبلغ العلم بها اكثر من الف باب ، والف باب ، والف باب. فكن يا حماد طالبا للعلم في آناء الليل واطراف النهار ، فان اردت ان تقرّ عينك ، وتنال خير الدنيا والآخرة ، فاقطع الطمع مما في ايدي الناس ، وعد نفسك في الموتى ، ولا تحدثن

ص: 50

نفسك انك فوق احد من الناس ، واخزن لسانك كما تخزن مالك ... الخصال ، باب الثلاثة ، ص 96 ، الحديث 113.

45 - حدثنا ابي رضی اللّه عنه قال : حدثنا سعد بن عبد اللّه ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود ، قال : حدثني حماد بن عيسى ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : قال امير المؤمنين عليه افضل الصلاة والسلام : كان فيما وعظ به لقمان ابنه أن قال له : يا بني ليعتبر من قصر يقينه ، وضعفت نيته في طلب الرزق ، ان اللّه تبارك وتعالى خلقه في ثلاثة احوال من أمره ، وآتاه رزقه ، ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة. ان اللّه تبارك وتعالى سيرزقه في الحال الرابعة ، اما اول ذلك فانه كان في رحم أمّه يرزقه هناك في قرار مكين ، حيث لا يؤذيه حرّ ولا برد ، ثم اخرجه من ذلك واجري له رزقا من لبن امّه ، يكفيه به ويربيه وينعشه من غير حول به ولا قوة ، ثم فطم من ذلك ، فاجرى له رزقاً من كسب ابويه برأفه ورحمه له من قلوبهما ، لايملكان غير ذلك ، حتى أنهما يؤثرانه على انفسهما في احوال كثيرة ، حتى اذا كبر وعقل و اكتسب لنفسه ضاق به أمره ، وظن الضنون بربّه ، وجحد الحقوق في ماله ، وقتر على نفسه وعياله ، مخافة اقتار رزق ، وسوء ظن ، ويقين بالخلف من اللّه تبارك وتعالى في العاجل والآجل ، فبئس العبد هذا يا بني ... الخصال ، باب الثلاثة ، ص 96 ، الحديث 114.

ص: 51

جزاء الوالد

لما كان الوالد السبب المباشر في اتيان الولد الى عالم الوجود ، - والوجود من اهّم نعم اللّه تعالى على الانسان وليس هناك فضل لا يجازى ، كان على الولد ان يجازن والده بأحسن ما يمكن ولو أن حق الوالد لا يؤدّي ولا يمكن تأديته على ما يفي حقه ولكن لا يترك الميسور بالمعسور.

1 - قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لا يجزي ولد والده الا بشيء واحد ، وهو أن يجده مملوكا فيشتريه ويعتقه ... معدن الجواهر ، باب ما جاء في واحد ، ص 21.

2 - قال الصادق علیه السلام لاحد اصحابه وقد ذكر المسير : أن المأمور له من ذلك ثمانيه : منها سر سنتين بر والديك ... معدن الجواهر ، باب ذكر ما جاء في ثمانية ، ص 64.

3 - وفي الكافي مسندا عن سويد بن غفلة قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام : ان ابي آدم اذا كان في آخر يوم من ايام الدنيا ، واول يوم من أيام الآخرة ، مثّل ، له ماله و ولده وعمله - الى أن قال - فيلتفت الى ولده ، فيقول : واللّه اني كنت لكم محبا واني كنت عليكم محاميا

ص: 52

فماذا لي عندكم ؟. فيقولون : نؤدّيك الى حفرتك نواريك فيها ... الخ تسلية الفوآد في احوال البرزخ ، ص 89.

4 - محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد ، عن محمد بن اسماعيل بن بزيع ، عن حنان بن سدير ، عن ابيه ، قال : قلت لأبي جعفر عليه صلوات اللّه : هل يجزي الولد والده ؟ فقال علیه السلام : ليس له جزاء الاّ في خصلتين : يكون الوالد مملوكا فيشتريه ابنه فيعتقه ، أو يكون عليه دين فيقضيه عنه ... الكافي ، ج 2 ص 130 ، باب البر ، الحديث 19.

ص: 53

نهي اللّه عن المحارم

هناك امور نهى اللّه سبحانه وتعالى عن اتيانها ، فهي ممنوعة على العباد ، والممنوع بلسان الشرع المقّدس يقال له حرام ، ولاريب أن اللّه تعالى لا يحرم على عباده امرا الاّ مضّره عليهم ، كما لا يوجب عليهم امرا الاّ وفيه مصلحة لهم ، فمن ائتمر بأوامر اللّه تعالى فقد سعد في الدنيا والآخره ، ومن عصى - والعياذ باللّه - فقد هلك وهوى ومما حرّم علينا ، هو ما جاء في الكتاب الكريم :

1 - حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ، وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ، وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ، وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ، وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ( النساء - 23 ).

ص: 54

الدافع الى الجنة

قد جعل اللّه تبارك وتعزز لكل شيء سببا ، فاحدى أسباب دخول الجنة هو دفع بعض الأشخاص وذلك لبعض الأعمال الذي قاموا بها في دار الدنيا ، وأهمّها البر بالوالدين ، فانّه السبب الرئيسي في دخول الجنة. هكذا اقتضت حكمة اللّه تعالى.

1 - علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف ، عن أبي عبد اللّه عليه صلوات اللّه ، قال سلام اللّه عليه : يأتي يوم القيامة شيء مثل الكبّة ، فيدفع في ظهر المؤمن فيدخله الجنّة ، فيقال : هذا البر ... الكافي ، ج 2 ، ص 126 ، الحديث 3 ...

أقول : كلمه البر مطلقة ولكن بقرينة أنها جائت مع روايات البر بالوالدين يمكن تقييدها بهما ، وان قلت بالأعميّة : قلنا : فليكن أشخص أفرادها الوالدين.

ص: 55

الخُلود

كلنا يعلم ان هناك جنّة ونار ، وثواب وعقاب ، وكذلك ايضا كلنا يعلم أن من أهل النار من يخلد فيها ، وان أهل الجنة من الخالدين فيها ابدا ، وقسم ثالث هم الذين لم يخلّدوا في النار ، لهم مدة معينّة يسكنونها ، ثم ينجون منها ، ويتنعمون بنعيم الجنة ، وهذه الفرق الثالثة لا يرون ما هم عليه الاّ بأعمالهم التي قاموا بأتيانها في دار الدنيا ، ولكن هناك قسم من الخالدين في الجنة بلا عمل عملوه في الدنيا ، وهم كما قاله الشيخ المفيد اعلى اللّه مقامه الشريف في شرح اعتقادات الصدوق :

1 - ( قال عليه الرحمه ) الجنة دار النعيم لا يلحق من دخلها نصب ، ولا يلحقهم فيها لغوب ، جعلها اللّه دارا لمن عرفه وعبده ، ونعيمها دائم لا انقطاع له ، والساكنون فيها على أضراب :

فمنهم من اخلص لله تعالى ، فذلك الذي يدخلها على امان من عذاب اللّه تعالى.

ومنهم من خلط عمله الصالح بأعمال سيّئة ، كأن يسوف منها التوبة فاخترمته المنيّة قبل ذلك ، فلحقه ضرب من العقاب في عاجله وآجله ، أو في عاجله دون آجله ، ثم سكن الجنة بعد عفو او عقاب.

ومنهم من يتفضّل عليه بغير عمل سلفا منه في الدنيا ، وهم الوالدان

ص: 56

المخلّدون الذين جعل اللّه تعالى تصرّفهم لحوائج أهل الجنة ثوابا للعالمين ، وليس في تصرفهم مشّاق عليهم ولا كلفة ، لأنهم مطبوعون اذ ذاك على المسارة بتصرفهم في حوائج أهل الدنيا.

تعدد الآباء

يظهر أن الانسان لم يكن له والد واحد فحسب ، وانّما الواحد هو الأب الذي يولده ، وبعده أب علّمك وأب زوّجك ، وهناك والدآخر ذو قدر ورفعة ، يدلّنا عليه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حين يقول :

العلم خدين المؤمن - الى أن يقول - والرفق والده ، والبر أخوه - الى آخره -. تحف العقول عن آل الرسول صلی اللّه علیه و آله . مواعظ النبي صلی اللّه علیه و آله . ص 32.

ص: 57

نكاح المرأه ذات الاولاد

لا شك أن كل يريد المرأة وان كانت ثيبا ، وان من بعض الثيبات ذوات أولاد ، فهل يصلح للرجل أن يقدم على مثلها ؟ ... كلا ... يقول ارباب هذا الفن : ان النساء على ثلاث : الباكر ، وهي التي لم تر زوجا ، فان تزوجتها يكن حبّها جميعه لك وحدك. الثيب ، وهي على قسمين : من رأت زوجا ولم تلد منه ، فانك ان تزوجتها يكن نصف حبها لك والنصف الآخر بقى عند الناكح الأول. ومن رأت زوجا وولدت منه ، فانك ان ابتليت بها لم تصب من حبّها ذرة ، فانه انقسم نصفين : نصف للناكح والباقي لأولاده ، فما بقى لك شيء الاّ الأوامر الصادرة منها ، والطعن عليك ومدح من قبلك ، وهذه الاخيرة تسمى اللفوت - يعني تلتفت الى فراخها - وليس لك منها ومن ولدها نصيب. فايّاك واحذر.

1 - حدثنا ابو الحسن محمد بن عمر البصري ، قال : حدثنا ابو الحسن علي بن الحسن بن البندار التميمي الطبري باسفرانين في الجامع قال : حدثنا ابو نصر محمد بن يوسف الطوسي بطبران ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا علي بن حشرم المروزي ، قال : حدثنا الفضل بن موسى السناني المروزي ، قال : قال ابو حنيفه النعمان بن ثابت : افيدك حديثاً طريفاُ لم تسمع اطرف منه ، قال : فقلت نعم ، قال ابو

ص: 58

حنيفة : اخبرني حماد بن أبي سليمان ، عن ابراهيم النخعي ، عن عبد اللّه بن نجيبه ، عن زيد بن ثابت ، قال لي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يا زيد تزوجت ، قال : قلت لا قال صلی اللّه علیه و آله تزوج تستعف مع عفتك ، ولا تتزوجن خمسا ، قال زيد : من هن يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ ... فقال رسول اللّه صلوات اللّه عليه وعلى اهل بيته الطاهرين : لا تتزوجن ، شهبرة ، ولا لهبرة ، ولا نهبرة ، ولا هيدرة ، ولا نقوتا ... فقال زيد : يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ما عرفت مما قلت شيئا ، واني بأمرهنّ لجاهل ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ألستم عربا ؟ أما الشهبرة فالزرقاء البذية ... وأما اللّهبرة فالطويلة المهزولة ... وأما النهبرة فالقصيرة الذميمة ... وأما الهيدرة فالعجوز المدبرة ... وأما اللفوت فذات الولد من غيرك ... والخصال ، باب الخمسة ، ص 257 ، الحديث 98.

ص: 59

الفرار من الولد

الولد عزيز جداً بحيث نرى تعضهم يفديه روحه ، ولكن لكل شيء حّد ، ولكل مسير ايقاف ، أما بالنسبة للدنيا فحدّ حب الولد الدين ، فاذا خير المؤمن بين ترك الدين او الولد ، فلا شك أنه يترك الولد ، و يحافظ على دينه. وأما بالنسبة للآخرة التي هي دار جزاء وبقاء فكل ينادي وانفساه ، فلا والد يجزي عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ، والأمر يومئذ لله تعالى ، فهناك ترى الغرار مما لا يطاق من سنن المرسلين. ربنا ارحمنا برحمتك ، وأرنا شفعائنا في بحبوحة جنتك ، وأهدنا وذرياتنا بهدايتك ، يا ارحم الراحمين.

1 - حدثنا ابو الحسن محمد بن عمرو بن على بن عبد اللّه البصري بايلاق ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا علي بن موسى الرضا علیه السلام ، قال : حدثنا موسى بن جعفر علیه السلام ، قال : حدثنا جعفر بن محمد علیه السلام ، قال : حدثنا محمد بن علي علیه السلام قال : حد ثنا علي بن الحسين علیه السلام ، قال : حدثنا الحسين بن علي علیهم السلام ، قال : كان علي ابن ابي طالب علیه السلام بالكوفة في الجامع ، اذ قام اليه رجل من اهل الشام ، فسأله عن مسأئل ، فكان فيما سئله أن قال أن قال اخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ

ص: 60

وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) من هم ؟ فقال علیه السلام : قابيل يفر من هابيل ، والذي يفر من أمه موسى ، والذي يفر من ابيه ابراهيم على نبينا وآله و علیه السلام ، والذي يفر من صاحبته لوط علیه السلام ، و الذي يفر من ابنه نوح ، يفرمن ابنه كنعان.

قال الصدوق رحمه اللّه تعالى انما يفر موسى من أمّه خشية أن يكون قصّر فيما وجب عليه من حقّها. وابراهيم علیه السلام انما يفر من الأب المربي المشرك لا من الأب الوالد وهو تاريخ ... الخصال ، باب الخمسة ، ص 259 ، الحديث 102.

اقول : ان الفرار يشمل الجميع حسب ما يتصور لان القرآن الكريم وان كان له شأن نزول ، او خصوصية مورد ، الاّ أنه يعمّ الموارد ويشمل الجميع. نعم يمكن أن يكون أول من يفرهم هؤلاء الذين عدّهم أمير المؤمنين علي عليه افضل الصلاة السلام. ودليلنا : ان لفظ ( المرء ) اسم جنس ، و ( ال ) يفيد العموم.

ص: 61

اللّعن

اللعن هو الطرد من رحمة اللّه تعالى ، وأي شيء أمّر وأنكى من الطرد ، نعوذ باللّه من تلكم الأعمال التي توجب ذلك ، وهي كثير ، منها واهمّها ما جاء في الحديث الشريف المتعلّق بالولد ووالديه ، والولد والوالدة والتفرقة بينهما ، فهذه اشد موارد اللعن ، لعن اللّه آل اميّه كيف فرّقوا بين الأمهات وأبنائها. فهذه المخدّرة أم القاسم ابن الحسن المجتبى علیه السلام ترى ولدها بين حوافر الخيول. وهذه المصونة أم علي الاكبر ابن الحسين الشهيد علیه السلام تراى ولدها مقطّعا بالسيوف اربا اربا وقد فارق امّه. وهذه التقيه أم الرضيع ترى ولدها يتلظى من العطش ثم عند طلب الماء يرمي بسه من حرمله لعنه اللّه فبذبح من الوريد الى الوريد وهو على يدّ المظلوم أبي عبد اللّه روحي فداه ، وهكذا امّهات أخرى في كربلاء تثكل وتفارق أولادها ، كل ذلك ليحكم يزيد بن معاوية عليه وعلى آله لعائن أهل السموات والارضين ، لعائن اللّه والملائكة والناس اجمعين آمين.

1 - قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لعن اللّه من فرّق بين الوالدة وولدها ... غوالى الدرر ، حرف اللام ، ص 143.

2 - قال ايضا صلی اللّه علیه و آله : لعن اللّه من لعن والديه ... المصدر السابق.

ص: 62

الممقوت

كل شيء في الدنيا يكون ممقوتا في بعض الأوان والحالات ومن بعض الوجوه ، كما يكون ممدوحا ومستحسنا في الحالات والوجوه المعاكسة للوجوه والحالات والاوقات الأول.

ومن الاشياء المهمّة التى تؤخذ بنظر الاعتباء الكلّي هي الاموال والاولاد ، وهذه تارة تكون زينة الحياة الدنيا ، وأخرى تكون فتنة وامتحانا ، ثالثه تكون وزرا ووبالا ، حيث يمقته العقلاء ، وحتى تمقت في بعض الآيات والروايات.

1 - ( قول النبي صلی اللّه علیه و آله ) يا أبا ذر : انّي قد دعوت اللّه جلّ جلاله أن يجعل رزق من يجبني الكفاف ، وأن يعطي من يبغضني كثرة المال والولد ... پندهاى گرانمايهء پيغمبر گرامى ، ص 30 ، الحديث 56.

ص: 63

الوأد

(وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) ( التكوير - 8 ) كانت المظالم - في زمن الجاهلية - علت فوق الهامات ، فلا رادع ولا مانع ، وكان من جملتها وأو البنات ، كي لا يؤسروا في الغزوات ، لأن الغزو كان من شيمة الأعراب ، فهذه الطائفة تغزوا تلك ، وذي القبيلة تغزوا ذي ، ونيران الحرب والجهل قد أحرق الطريّ واليابس ، فأنجاهم اللّه برجل منهم ، هو أشرف الخلائق من الأولين والآخرين ، أبي القاسم الأمين ، محمد الهاشمي العربي المكي المدني الابطحي التهامي ، الذي قلب صفحة الشرك ، والظلم ، والكفر ، والنفاق ، الى التوحيد ، والعدل ، والايمان ، والسلام ، والإسلام ، فلا جهل ، ولا غزو ، ولا وأد فالعلم حل مكان الجهل ، والاستفرار حلّ مكان الغزو ، والدّلال والمحبّة حلّت مكان الوأد ، فجزاك اللّه يا رسول اللّه عنّا خيرا ، صلّى عليك مليك السماء.

1 - الوشّاء عن أحمد بن عائد ، عن أبي خديجه عن أبي عبد اللّه عليه أفضل السلام ، قال : جاء رجل الى النبي صلی اللّه علیه و آله ، فقال : اني قد ولدت بنتا ، وربيتها ، حتى اذا بلغت ، فألبستها ، وحلّيتها ، ثم جئت بها الى قليب فدفعتها في جوفه ، وكان آخر ما سمعت منها ، وهي تقول : يا أبتاه ! فما كفّارة ذلك ؟ قال صلى

ص: 64

اللّه عليه وآله : ألك أمّ حيّة ؟ قال : لا ، قال صلی اللّه علیه و آله : فلك خالة حيّة ، قال : نعم ، قال صلی اللّه علیه و آله : فأبررها ، فانها بمنزلة الأم ، يكفّر عنك ما صنعت ، قال أبو خديجه : قلت لأبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه : متى كان هذا ؟ فقال علیه السلام : كان في الجاهليّة ، وكانوا يقتلون البنات مخافة أن يسبين ، فيلدون في قوم آخرين .... . الكافي ، ج 2 ، ص 130 ، باب البر ، الحديث 8.

ص: 65

موجبات الرحمة على الوالد

ان الانسان مهما كانت له حسنات ومهما عمل الخيرات فانه مع ذلك محتاج كل الاحتياج الى رحمة اللّه تعالى. ولا ينبغي ان يكتفي الانسان بما قدّم ايام حياته لآخرته ، صحيح أنّ السراج يوضع أمام المرء ليرى طريقه ولكن الاحتياج اكثر مما يتصور ، فعليه ينبغي للرجل النبيه أن لا يقصّر في تربية ولده كي ينشأ نشأة صالحة حتى يكون بعده سببا لغفران ذنوب والديه بطلب المغفرة والدعاء ولا ينقطع الثواب بعد الوفاة.

1 - قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : سبعة اشياء يكتب للعبد ثوابها بعد وفاته : منها : وخلّف ولداً صالحا يستغفر له بعد وفاته ... معدن الجواهر ، باب ذكر ما جاء في سبعة ، ص 59.

2 - روي عن العالم علیه السلام أنه قال : ثمانية اشياء من كن فيه أدخله اللّه تعالى الجنة ونشر عليه الرحمة : منها : وأحسن تربية ولده ... معدن الجواهر ، باب ذكر ما جاء في ثمانية ص 64.

3 - قال نبي الرحمة صلی اللّه علیه و آله : رحم اللّه ولدا اعان ولده على برّه ... غوالي الدرر ، حرف الراء ، ص 77.

ص: 66

4 - وفي الخصال عن امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام قال : ما من الشيعة عبد يقارف نهيناه عنه فيموت حتى يبتلى ببلية تمحص بها ذنوبه ، اما في مال واما في ولد ، وامّا في نفسه ، حتى يلقى اللّه عزوجل وماله ذنب ، وانّه ليبقى عليه الشيء من ذنوبه فيشدّد عليه عند موته ... تسليه الفوآد ، في سكرات الموت ، ص 47.

5 - وعن الصادق علیه السلام ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : مرّ عيسى بن مريم بقبر يعذّب صاحبه ، ثم مرّ به من قابل فاذا هو ليس يعذب ، فقال على نبينا وآله و علیه السلام : يا ربّ مررت بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعّذب ، ثم مررت به العام فاذا هو ليس يعذّب ، فأوحى اللّه عزّوجل اليه : يا روح اللّه أنه اردك له ولد صالح ، فأصلح طريقا ، وآوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه ... تسلية الفوآد ، في احوال البرزخ ، ص 86.

6 - في الخصال ابواب الستة ص 263 ، الحديث 9. مسندا عن الصادق علیه السلام قال : ست خصال ينتفع بها المؤمن بعد موته : ولد صالح يستغفر له ، ومصحف يقرأ فيه ، وقليب يحفره ، وغرس يغرسه ، وصدقة ماء يجريه ، وسنّة حسنة يؤخذ بها من بعده ... تسلية الفوآد فيما يلحق الرجل بعد موته ص 134.

7 - وفي البحار مسندا عن الصادق علیه السلام قال : ليس يتّبع الرجل بعد موته الى يوم القيامة من الأجر الاّ ثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته الى يوم القيامة صدقة موقوفة لا

ص: 67

تورث ، أو سنة هدى سنّها فكان يعمل بها وعمل بها في بعده غيره او ولد صالح يستغفر له ... تسلية الفوآد : نفس المصدر.

8 - وعن الصادق علیه السلام ، قال : خير ما يخلفه الرجل بعده ثلاثة : ولد باّر يستغفر له ، وسنّة خير يقتدي به فيها ، وصدقة تجري من بعده ... تسلية الفوآد ، نفس المصدر.

سخط اللّه ورضاه

جاء في تاج العروس : السخط : ضد الرضا : وهو الكراهة للشيء وعدم الرضا به. وقد سخط : كفرح. يسخط سخطا وتسخط ، اي كره وتكرّه ، والمسخوط المكروه. وتقول كلما عملت له عملا تسخطه أي تكرّهه ولم يرضه. وهناك اعمال تصدر من العبد لم يكن لله فيها رضا فيسخطها بل ويسخط العبد كذلك. منها الولد يسخط والديه.

1 - عن الراوندي ، عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : من أسخط والديه فقد اسخط اللّه ، ومن اغضبهما فقد اغضب اللّه « تعالى » ... ذرايع البيان ص 200 ، تكملة.

ص: 68

جند العقل

انّ للعقل جنودا يحرسونه من الآفات ، ويساعدونه في الملمّات ، ولقد منّ اللّه تعالى على العقل بهذه الجنود المجنّدة كي لا تبقى عليه حجة ، وله الحجة البالغة تبارك ، وتعالى وفي هاتيك الجنود - وقد ذكرها المسعودي في كتابه اثبات الوصيّة -.

1 - هو البر بالوالدين :

( اقول ) ثم بلغ عدد الجنود كما عدّها (81) جنديا كل منهم يكفي لأن يقود الانسان الى شاطئ الخير والسلامة والسعادة.

ص: 69

الشّكر

من الواجب على كل ذي لبّ شكر المنعم وقد اوجبه العقل والنقل. أما العقل : لا شك ولا ريب أنه يحكم بوجوب الشكر عند اسد آل النعمة ، ومن لم يشكر المنعم فقد ظلمه. وأما النقل : فقد جاء في الأخبار الكثيرة ما يدل على وجود شكر المنعم ، وأنّ هل جزاء الإحسان الاّ الإحسان ، وأن من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق. ثم من يستحق الشكر بعد اللّه سبحانه وتعالى اكثر من الوالدين ، فانهما السبب الظاهري في وجود الانسان وأي نعمة هي أولى واكبر وأفضل من نعمة الوجود وكان الانسان معدما لولا اقتضاء حكمه اللّه عزّ وجل جعل الابوين جزء علة ايجاده ، فعليه يجب الشكر للوالدين كما يجب لله تعالى. وهو القائل تعزّز وتقدس : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ( لقمان - 14 ).

1 - حدثنا محمّد بن علي ماجيلويه رضی اللّه عنه قال : حدّثني أبي عن احمد ين أبي عبد اللّه البرقي ، عن السياري ، عن الحارث بن ولهاث ، عن ابيه ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام قال: ان اللّه عزّ وجلّ أمر بثلاثة ، مقرون بها ثلاثة أخرى : أمر بالصلاة والزكوة فمن صلى ولم يزكّ لم تقبل منه صلاة ، وأمر بالشكر له وللوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر اللّه ، وأمر باتقاء اللّه وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق اللّه عز وجّل ... الخصال باب الثلاثة ، ص 123 الحديث.

ص: 70

البر والبار

من أفضل الطاعات البر ، ومن افضل البّر ، بّر الوالدين فمرحى لمن بّر والديه ، وطوبى له ، فان الجنّة مأواه ، والنار بعيدة عنه ، وهو من السعداء ، وقد جرّبنا من كان برا بوالديه في زماننا هذا ورأيناه يعيش في سعة الرزق وتغدو وتروح عليه الايام وهو في بحبوحة النعيم ، سواء كان ثريا أم لا ، وسواء كان عاملا أم رب عمل ، والحكايات على هذه كثيرة وكثيرة جداً ، ليس المقام مقام السرد ، لخوف الخروج عن صلب الموضوع ، لكن كيف ما تعامل ابويك يعاملك ابناؤك.

1 - حدّثنا محّمد بن الحسن بن احمد بن الوليد رضی اللّه عنه قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عبد الجبار ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن الحسن بن علي بن رباط ، عن أبي بكر الخضرمي ، عن بعض اصحابه ، عن ابي عبد اللّه علیه السلام قال : برّوا آبائكم يبركم ابنائكم ، وعفوا عن الناس تعف نسائكم ... الخصال ص 44 ، باب الاثنين ، الحديث 75.

2 - حدّثنا ابي رضی اللّه عنه قال : حدّثني علي بن موسى بن جعفر بن أبي جعفر الكميداني ، عن احمد بن احمد بن محمد بن عيسى عن محمّد بن أبي عمير ، عن الحسين بن مصعب الهمداني قال : سمعت أبا عبد اللّه

ص: 71

علیه السلام يقول : ثلاثة لا عذر لاحد فيها : اداء الامانة الى البرّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبر الوالدين كانا أو فاجرين ... المصدر السابق ص 98 ، باب الثلاثة الحديث 118 ، وعن علي بن ابراهيم ، نفس المتن : الكافي ، ج 20 ، ص 129 ، باب البر الحديث 15.

3 - حدثنا أبي رضی اللّه عنه قال : حدثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري ، عن محمّد بن الحسين بن ابي الخطاب ، عن الحسن بني محبوب ، عن عنبسة بن مصعب قال : سمعت ابا عبد اللّه علیه السلام يقول : ثلاث لم يجعل اللّه تعالى لاحد من الناس فهنّ رخصة : بر الوالدين برّ لن كانا او فاجرين ، ووفاء بالعهد للبر والفاجر ، واداء الامانة الى البر والفاجر ... المصدر السابق ص 101 ، باب الثلاثة ، الحديث 129.

4 - اخبرني الخليل بن احمد السجزي ، قال : اخبرنا ابو القاسم البغوي ، قال : حدّثني على يعني ابن الجعد ، قال : اخبرنا شعبة ، قال : اخبرني الوليد بن الغيران بن حريث ، قال : سمعت أبا عمرو الشيباني ، قال : حدثني صاحب هذا الدار ، واشار بيده الى دار عبد اللّه بن مسعود ، قال : سألت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، اي الاعمال احب الى اللّه عز وجل ؟. قال صلی اللّه علیه و آله : الصلوة لوقتها. قلت ثم أي شيء ؟. قال صلی اللّه علیه و آله : بر الوالدين. قلت ثم أي شيء ؟ قال صلی اللّه علیه و آله : الجهاد في سبيل اللّه عزوجل. قال فحدثني بهذا ، ولو استزدته لزادني ... الخصال ، باب الثلاثة ص129 الحديث 213.

ص: 72

5 - قال منقذ البشر صلی اللّه علیه و آله : برّ الوالدين يورث رضا الرحمن ... غوالي الدرر ، حرف الباء ، ص 15.

6 - وقال صلی اللّه علیه و آله : بر الوالدين يجزي عن الجهاد ... نفس المصدر ...

7 - وقال ايضا صلی اللّه علیه و آله : سيّد الأبرار يوم القيامة رجل برّ والديه بعد موتهما ... المصدر السابق ، حرف السين ، ص 90.

8 - وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ... ( مريم - آيه 14 ).

9 - وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ... ( العنكبوت - 8 ).

الحسين بن محمّد ، عن معلي بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام ، قال : قلت : أي الأعمال أفضل ؟. قال صلوات اللّه وسلامه عليه : الصلاة لوقتها ، وبرّ الوالدين ، والجهاد في سبيل اللّه عزوجلّ ... الكافي ، ج 2 ، ص 127 باب البر ، الحديث 4.

11 - عده من اصحابنا ، عن احمد بن خالد ، عن ابيه ، عن عبد اللّه بن بحر ، عن عبد اللّه ابن مسكان ، عمّن رواه ، عن أي عبد اللّه علیه السلام ، قال : قال - وأنا عنده - لعبد الواحد

ص: 73

الأنصاري في برّ الوالدين في قول اللّه عزوجلّ : « وبالوالدين احسانا » - الى أن قال علیه السلام - (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ( حسنا ) وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) فقال عليه صلوات اللّه : انّ ذلك اعظم « من » يأمر بصلتهما وحقّهما على كل حال ( وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم ) ؟. فقال علیه السلام : لا بل أمر بصلتهما وأن جاهداه على الشرك ما زاد حقّهما الاّ عظما ... الكافي ، ج 2 ، ص 127 ، باب البر ، الحديث 6.

12 - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن على بن الحكم ، وعدّه من اصحابنا ، عن احمد بن أبي عبد اللّه ، عن اسماعيل بن مهران ، جميعا عن سيف بن عميرة ، عن عبد اللّه بن مسكان عن عمّار بن حيّان ، قال : خبّرت أبا عبد اللّه علیه السلام ، ببر اسماعيل ابني بي ، فقال : لقد كنت أحبّه ، وقد ازددت له حبّا ، ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، أتته اخت له من الرضاعة ، فلّما نظر اليها سرّ بها ، وبسط ملحفته لها ، فأجلسها عليها ، ثم أقبل يحدّثها ، ويضحك في وجهها ، ثم قامت وذهبت ، وجاء أخوها فلم يصنع به ما صنع بها ، فقيل له : يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله صنعت بأخته ما لم تصنع به وهو رجل ؟! فقال صلی اللّه علیه و آله : لأنها كانت أبر بوالديها منه ... الكافي ، ج 2 ، ص 129 ، باب البر ، الحديث 12.

13 - عنه « اي محمّد بن يحيى » عن علي بن الحكم ، عن سيف

ص: 74

بن عميرة ، عن أبي الصبّاح ، عن جابر ، قال : سمعت رجلا يقول لأبي عبد اللّه علیه السلام : ان لي أبوين مخالفين ؟. فقال علیه السلام : برّهما كما تبرّ المسلمين عن يتولاّنا ... الكافي ، ج 2 ، ص 129 ، باب البّر ، الحديث 14.

14 - عنه - البرقي - عن محمّد بن علي ، عن عبد الرحمان بن محمّد الأسدي ، عن حريب الغزال ، عن صدقة القتاب ، عن الحسن البصري ، قال : كنت مع أبي جعفر علیه السلام بمنى ، وقد مات رجل من قريش فقال علیه السلام : يا أبا سعد قم بنا الى جنازته ، فلّما دخلنا المقابر قال علیه السلام : ألا اخبركم بخمس خصال هي من البرّ ، والبرّ يدعوا الى الجنّة. قلت بلى. قال علیه السلام : اخفاء المصيبة وكتمانها ، والصدقة تعطيها بيمينك لا تعلم بها شمالك ، وبرّ الوالدين ، فانّ برّهما لله رضى ، والاكثار من قول : ( لا حول ولا قوة الاّ باللّه العلي العظيم ) فانّه من كنوز الجنّة ، والحبّ لمحمّد وآل محمّد صلی اللّه علیه و آله اجمعين ... المحاسن ، كتاب الاشكال والقرائن ، ص 8 ، الحديث 27.

ص: 75

برّ الوالدين

ان اللّه تبارك وتعالى يرحم عباده ، وجعل لكل شيء شيئا ولنزول رحمته على عباده ايضا اسباب ، منها اشفاق الاولاد ابويهما ...

1 - قال سيدّنا الرسول الأكرم صلی اللّه علیه و آله : اربع خصال من كنّ فيه ادخله اللّه تعالى جنّته ونشر عليه رحمته : منها : من اشفق على والديه ... معدن الجواهر باب ذكر ما جاء في اربعة ، ص 39.

2 - وقال صلی اللّه علیه و آله : من ألهم اربعة اشياء : من برّ والديه ، أنسئ في أجله ، ووسع عليه في رزقه ، ومنع بعقله ، وسهل عليه في ساقته يريد به الموت ، ولقّن حجته في قبره ... معدن الجواهر باب ذكر ما جاء في اربعة ص 40.

3 - روى عن العالم علیه السلام أنه قال : ثمانية اشياء من كنّ فيه ادخله اللّه تعالى الجنّة ونشر عليه الرحمة : منها : وبرّ والديه معدن الجواهر باب ذكر ما في اربعة ص 64.

4 - وقال « رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » : تفتح ابواب

ص: 76

السماء بالرحمة في اربع مواضع : عند نزول المطر ، وعند نظر الولد في وجه الوالدين. وعند فتح باب الكعبة. وعند فتح باب الكعبة وعند النكاح ... سفينة البحار ، باب الزاء بعده الواو ، ص 561.

5 - قال امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : اللّه رحيم بعباده ومن رحمته أنه خلق مائه رحمة ، وجعل منها رحمة واحدة في الخلق كلّهم ، فبها يتراحم الناس ، وترحم الوالدة ولدها ، وتحنن الأمهات من الحيوانات على أولادها ... الى آخره الحديث ... تسلية الفوآد فصل في الشفاعة ص 195.

ص: 77

البرّ بالاُم

مما يجب على الولد هو أن يبر بأبويه ولكن فرق بين الأم والأب ، فان حق الأم اكثر لأنها حملت وارضعت وربت وسهرت الليال ، كل ذلك في سبيل راحة الولد ، حتى كبر وشاب ، وصار يستلذ بلذة الوجود ، والآن حن وقت اداء الحق ، فيجب البر بها اكثر فأكثر.

1 - قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : أمّك أمّك أمّك ! ثم أباك ! ثم الأقرب ! فالأقرب ... غوالي الدرر ، حرف الالف ، ص 13.

2 - قال صلی اللّه علیه و آله ايضاً : الجنّة تحت أقدام الأمهات ... المصدر السابق ، حرف الجيم ، ص 42.

3 - عن عائشة ، قالت : قلت : « يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » فأي الناس اعظم حقا على الرجل ؟ قال صلی اللّه علیه و آله : أمه ... . ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ، ص 197 ، نقلا عن المستدرك للحاكم.

4 - علي بن ابراهيم ، عن ابيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه الصلاة والسلام والتحيات والبركات ، قال : جاء رجل الى النبي صلی اللّه علیه و آله

ص: 78

جاء رجل الى النبي صلی اللّه علیه و آله تسليماً كثيرا كثيرا ، فقال يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من أبر ؟. قال صلوات اللّه عليه وعلى آله : أمك ، قال : ثم من ؟ قال أمّك ، قال ثم من ؟ أمّك ، قال : ثم من ؟. قال صلی اللّه علیه و آله : أباك ... الكافي ، ج 2 ، 127 ، باب البر ، الحديث 9.

5 - عدة من اصحابنا ، عن احمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية بن وهب ، عن زكريا بن ابراهيم ، قال : كنت نصرانيا سلمت ، وحججت ، فدخلت على أبي اللّه علیه السلام ، فقلت : أني النصرانية ، واني اسلمت ، فقال علیه السلام : وأي شيء رأيت في الإسلام ؟ قلت : قول اللّه عزّ وجلّ : «مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ» فقال علیه السلام : لقد هداك اللّه تعالى ، ثم قال علیه السلام : اللّهم اهده - ثلاثا - سل عمّا شئت يا بني ، فقلت : ان أبي وأمي على النصرانية وأهل بيتي ، وأمي مكفوفة البصر ، فأكون معهم ، وآكل في آنيتهم ؟. فقال علیه السلام : يأكلون لحم الخنزير ؟. فقلت لا ، ولا يمسّونه ، فقال علیه السلام : لا بأس ، فانظر أمك فبرّها ، فاذا ماتت فلا تكلها الى غيرك ، كن أنت الذي تقوم بشأنها ، و لا تخبرنّ احدا أنّك أتيتني ، حتى تأتيني بمنى ان شاء اللّه ، قال : فأتيته بمنى والناس حوله كأنه معلّم صبيان ، هذا يسأله وهذا يسأله ، فلما قدمت الكوفة الصفت لأمي ، وكنت اطعمها ، وأفلي ثوبها ورأسها ، وأخدمها ، فقالت لي : يا بني ما كنت تصنع بي هذا وانت على ديني فما الذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفية ؟. فقلت : رجل من ولد نبينا أمرني بهذا ، فقالت هذا الرجل هو نبي ؟ فقلت : لا ، و

ص: 79

لكنه ابن نبيّ ، فقالت : يا بني ان هذا نبيّ ، ان هذه وصايا الانبياء ، فقلت : يا أمّه ، انّه ليس يكون بعد نبينا نبي ، ولكنه ابنه ، فقالت : يا بنيّ دينك خير دين ، أعرضه عليّ ، فعرضته عليها ، فدخلت في الإسلام وعلمتها ، فصلّت الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة ، ثم عرض لها عارض في الليل ، فقالت : يا بنيّ أعد عليّ ما علمتني ، فأعدته عليها ، فأقرّت به و ماتت ، فلمّا اصبحت كان المسلمون الذين غسّلوها ، وكنت أنا الذي صليت عليها ، ونزلت في قبرها ... الكافي ، ج 2 ، ص 128، باب البر ، الحديث 11.

6 - الحسين بن محمد ، عن معلّي بن محمد ، وعلي بن محمد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، جميعا عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجه سالم بن مكروم ، عن معلي بن خنيس ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام ، قال : جاء وسأل النبي صلی اللّه علیه و آله عن برّ الوالدين ، فقال صلی اللّه علیه و آله : ابررأمك ، أبرر أمك ، أبرر أمك ، أبرر أباك ، أبرر أباك ، أبرر أباك ، وبدأ بالأم قبل الأب ... الكافي ، ج 2 ، ص 130، باب البر ، الحديث 17.

7 - علي بن ابراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، قال : أتى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال : اني رجل شاب نشيط ، وأحب الجهاد ، ولي والدة تكره ذلك ؟. فقال له النبي صلی اللّه علیه و آله : ارجع فكن مع والدتك ، فو الذي بعثنى بالحق « نبيا » لأنسها بك ليلة خير من جهادك في سبيل اللّه سنة ... الكافي ، ج 2 ، ص 130 ، باب البر ، الحديث 20.

ص: 80

رضا الاُم وسطها

ان في رضاء الأم وسخطها آثار عجيبة رأيناها في زماننا هذا - القرن الرابع عشر - وآثارها بعضاً تتعلق بالدنيا ، وبعضاً تتعلق بالآخرة ، تتعلق بالفقر والغنى ، والتوفيق وعدمه ، وطول العمر و قصيره ، وبركة النسل وعدمه ، وسعة الصدر وضيقه ، وهكذا الأم تؤثّر في جميع مرافق الحياة من الخير والشّر ، والسعادة والشقاء ، الى ابعد الحدود ، والى ما شاء اللّه تعالى.

1 - وحكي انّه كان في زمن النبي صلی اللّه علیه و آله شاب يسمى علقمة ، وكان كثير الاجتهاد في طاعة اللّه ، في الصلاة والصوم والصدقة ، فمرض واشتد مرضه ، فأرسلت امرأته الى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ان زوجي علقمة في النزع فأردت أن اعلمك يا رسول اللّه بحاله. فأرسل النبي صلی اللّه علیه و آله عمارا وصهيبا وبلالا ، وقال صلی اللّه علیه و آله امضوا اليه ولقّنوه الشهادة ، فمضوا اليه ودخلوا عليه فوجدوه في النزاع فجعلوا يلقنونه : لا اله الاّ اللّه. ولسانه لا ينطق بها فارسلوا الى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يخبرونه أنه لا ينطق لسانه بالشهادة. فقال صلی اللّه علیه و آله : هل من ابويه أحد حي ؟. قيل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أم كبير السنّ ، فأرسل اليها رسول اللّه صلى اللّه عليه

ص: 81

منّي !. فانطلق بلال فسمع علقمة من داخل الدار يقول : لا اله الاّ اللّه. فدخل بلال فقال : يا هؤلاء ان سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة وان اضاها اطلق لسانه. ثم مات علقمة من يومه ، فحضره رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فأمر بغسله وكفنه ، ثم صلّى عليه ، وحضر دفنه ، ثم قام صلی اللّه علیه و آله على شفير قبره ، وقال صلی اللّه علیه و آله : يا معشر المهاجرين والأنصار ، من فضّل زوجته على أمّه فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس اجمعين ، لا يقيل اللّه منه صرفا ولا عدلا ، الاّ أن يتوب لله عزوجلّ ، ويحسن اليها ويطلب رضاها فرضى اللّه في رضاها ، وسخط اللّه في سخطها ... الى آخره ... ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ص 186.

ص: 82

معنى العاق والعقوق

لكل أمة لغة ، ولكل لغة الفاظ ، وقد وضعت الالفاظ بأتقان ، اما الالفاظ العربية ، ولغتها فهي معجزة اللغات والالفاظ ، وقد اعجزت ارباب الفنّ باتقانها وتنسيقها ، لاسيما القرآن الكريم ، كلام اللّه المجيد ، معجزة الدهر الذي تعدد منه التحدي بالنسبة الى جميع اهل اللسان ، فهو القائل : قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ... ( بني اسرائيل - 88 ).

أما لفظ العقول ومعناه : فقد جاء في المجمع ، في مادة ( عقق ) : أدني العقوق ( أف ) عق الولد اباه ، يعق ، عقوقا ، من باب عقد : اذا آذاه وعصاه ، وترك الاحسان اليه وهو البر له. واصله من العق : وهو الشق والقطع.

1 - وهو من المعاصي الكبيرة مما أوعد اللّه عليه ، والاخبار به مصرّحة بأن العاق لا يدخل الجنّة ، وحاله حال مدمن الخمر ، والمنان لفعل الخير ... ذرايع البيان ، ص 198 ، تكمله.

2 - عن ( الجعفريات ) قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : من احزن والديه فقد عقّهما ... ذرايع البيان ، ص 199 ، تكمله.

ص: 83

3 - عن النبي صلی اللّه علیه و آله : أنّه قال : ثلاثة لا يحجبون عن النار : العاق لوالديه. والمدمن من الخمر. والمنان بعطائه. قيل : يا رسول اللّه صلوات اللّه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وما عقوق الوالدين ؟ ... قال صلی اللّه علیه و آله : يأمران فلا يطيعهما. ويسألانه فيحرمانهما. واذا هما لم يعظهما بحق ما يلزمهما .... نفس المصدر ، ص 200.

ص: 84

عاق الوالدين

ان موجبات عقاب اللّه تعالى لعبده كثيرة وهو اشدّ المعاقبين في موضع النكال والنقمة ومن موارد عقابه الأليم - أعاذنا منه - عدم اطاعة الوالدين وأذاهم وعقوقهم وما يشينهم ، فاتق النار ايها الولد البار.

1 - قال سيدنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ثلاثة لا يدخلون الجنة : منهم : العاق. معدن الجواهر ، ص 31 ، باب ذكر ما جاء في ثلاثة.

2 - قال امير المؤمنين سلام اللّه عليه : من ظلم يتيما عقّ اولاده ... درر الكلم ، حرف الميم ، ص 239.

3 - عن مولانا الصادق عليه افضل الصلاة والسلام : لا يدخل الجنّة العاق لوالديه ، والمدمن من الخمر ، والمنان بالفعال الخير اذا عمله ... ذرايع البيان ، ص 198 ، تكلمه.

4 - عن شيخنا المفيد باسناده عن أبي اسحق الهمداني ، عن أبيه ، عن سيّد الموحدين أمير المؤمنين علیه السلام ، « قال » قال

ص: 85

رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ثلاثة من الذنوب تعجل عقوبتها ولا تأخر الى الآخره : عقوق الوالدين. والبغي على الناس. وكفر الاحسان ... ذرايع البيان ، ص 199.

5 - وفي رواية « الكراجي » : ملعون ملعون من ضرب والديه ، ملعون من عقّ والديه ، ملعون من قاطع رحمة ... المصدر السابق.

6 - عن مولانا الباقر عليه الصلاة والسلام : اياكم والعقوق فان الجنّة يوجد ريحها من مسيرة مائه سنة ، وما يجدها عاق ولا قاطع رحم ... نفس المصدر.

ص: 86

عقّ الوالدين

لا يتخيل أن العقوق الذي هو تعرض الى عقاب اللّه وعذابه يكون من جهة الوالدين فحسب ، وانما هو من الجهتين ، يعني أنه كما يعق الوالدان ولدهما ، كذلك الوالد يعق والديه اذا ظلماه وهو برّ بهما ، فان اللّه تبارك وتعالى عدل محض ، فلم يجعل حقا لاحد على احد الا وجعل مثله للطرف الآخر ، واليك الحديث المتضمن هذا المعنى.

1 - حدثنا أبي رضی اللّه عنه قال : حدّثنا علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن ابيه ، عن آبائه ، عن على صلوات اللّه عليهم اجمعين قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يلزم الوالدين من العقوق لولدهما ، اذا كان الولد صالحاً ما يلزم لهما ... الخصال ، باب الاثنين ، ص 45 ، الحديث 77.

ص: 87

ص: 88

حقوق الوالدين

ذوي الحقوق كثيرون ، ولكن اكبر الحقوق واعظمها واولاها حق اللّه سبحانه وتعالى ، ورسوله عليه وآله الصلاه والسلام ، واولياءه عليهم صلوات ربّ الارباب ، لأن اعظم النعم واكبرها من هؤلاء ، فاللّه تعالى حدّث عن نعمه و لاحرج ( إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا - ابراهيم - 34 ) وأما الرسول صلی اللّه علیه و آله ، فكم قاسى المحن واحتمل المصائب والأذى في سبيل هداية وسعادة البشر ، حتى قال صلی اللّه علیه و آله : ما اوذي نبي مثل ما اوذيت. وأما الأولياء أئمة الخلق وهداة الحق المصطفين المنتجبين صلوات اللّه عليهم اجمعين ، فسل عنهم التأريخ والعلم والانسانية لترى اياديهم على كل ذي وجود من يومهم الى آخر الدنيا ، بل وحتى في الآخرة ونعيمها ، فاز من تمسّك بهم ونجى ، وخسر من تركهم وهوى ، اللّهم احينا حياتهم وامتنا مماتهم ، واحشرنا معهم بحقّهم عليك وحقك عليهم آمين آمين يا رب العالمين.

1 - قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : حق علي على المسلمين كحق الوالد على ولده ... غوالي الدرر ، حرف الحاء ، ص 49.

2 - وقال صلی اللّه علیه و آله ايضاً : انا وعلي ابوا هذه

ص: 89

الأمة ... نفس المصدر.

3 - علي بن ابراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن درست بن أبي منصور ، عن أبي الحسن موسى على آبائه وأبنائه وعليه افضل التحيات والبركات من اللّه تعالى ، قال : سأل رجل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله البررة الكرام ؟. ما حق الوالد على ولده ؟ قال صلوات اللّه المتعال عليه وأله الطاهرين : لا يسمّيه باسمه ، ولا يمشى بين يديه ، ولا يجلس قبله ، ولا يستسّب له ... الكافي ، ج 2 ، ص 127 ، باب البر ، الحديث 5.

4 - عدة من اصحابنا ، عن احمد بن محمد بن خالد ، عن أبنه عن عبد اللّه بن بخر ، عن عبد اللّه بن مكان ، عنم رواه عن أبي عبد اللّه عليه الصلاة والسلام ، قال : قال - وأنا عنده - لعبد الواحد الأنصاري في برّ الوالدين في قول اللّه عز وجلّ : (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) - فظننّا أنها الآية التي في بني اسرائيل (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا» ) فلما كان بعد سألته ؟. فقال : هي التي في لقمان (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا « حسنا » وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ) فقال : ان ذلك أعظم « من » أن يأمر بصلتهما وحقّهما على كل حال ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) ؟. فقال : لا بل يأمر بصلتهما وان جاهداه على الشرك ماذا وحقّهما الاّ عظما ... الكافي ج 2 ، ص 127 ، باب البر ، الحديث 6.

ص: 90

اعالة الاولاد

ان موضوع الاعالة موضوع مهّم جدّا ، وقد درسه وتدارسه علماء الاقتصاد من زمن غير قريب ، ولهم فيه الكلام الطويل من نفض وابرام ، ودفع ودخل ، فمنهم من اوجب النفقة - اي اعالة الاولاد - وهو ما وافق الاحكام الإسلامية ، وطبعاً بحدود حّددها الشرع الشريف - راجع كتاب النكاح في الفقه - ، وفهم من لا يوجبها ، بل يشكّلها ويعرفها بشكل لا طائل بحته مهما بحثنا ونبحث. وانا اذ أسلمنا وجهنا لله تعالى ، ما لنا وأقوال المخلوق له جل وعلا في امور قد شرّع لها نهجا قويما مستقيما ، كما قد أعضينا عن التفلسف فيما وجب علينا تعبدا.

1 - حدثنا محمد بن الحسن بن احمد الوليد رضی اللّه عنه قال : حدثنا محمّد بن الحسن الصفّار قال : حدثنا محمّد بن عيسى بن عبيد عن زكريا المؤمن ، رفعه الى ابي عبد اللّه الصلاة والسلام قال : من عال ابنتين او اختين او عمتين او خالتين حجبتاه من النار.. الخصال ص30 ، باب الاثنين ، الحديث 14.

ص: 91

النفقة على الوالد

من الواضع المهمّه في الشرع المقدّس ، هو موضوع النفقه ، وهذا الموضوع الذي قد اقلق أدفعه المفكرين العصرييّن ، فانهم كلما يحاولون أن يجعلوا النفقه كلّ على عاتقه ، ويقننوا بهذا الصدد قانونا يرون العيب والنقص باوزان في يرمون اليه ، فان أيّ كفه يرجحونها بتقى الأخرى موجوحه ، ويبان الخلل في دستورهم ، فلا مفّر الاّ الى المشرّع الخالق ، ولا مناص الاّ الالتجاء الى ما سنّه هو جلّت عظمته فلن تجد لسنة اللّه تبديلا ، ولن تجد لسنته اللّه تحويلا.

1 - حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن رضی اللّه عنه قالا : حدّثنا محمد بن يحيى العطار ، واحمد بن ادريس جميعا عن محمد بن احمد ، عن موسى بن عمر ، عن عبد اللّه بن المغيرة ، عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه الصلاة والسلام ، قال ( حريز ) قلت من الذي أجبر عليه وتلزمني نفقته : قال علیه السلام : الوالدين ، الولد ، والزوجة ... الخصال ، باب الاربعة ، ص 201 ، الحديث 109.

2 - حدثنا محمد بن الحسن رضی اللّه عنه ، قال :حدثنا محمّد بن يحيى العطار ، عن محمد بن احمد ، عن أبي اسحاق ابراهيم بن هاشم عن أبي طالب عبد اللّه بن الصلت القمي ، عن عدة من اصحابنا يرفعونه

ص: 92

الى أبي عبد اللّه عليه التحيّات الزاكيات من اللّه ، أنه قال علیه السلام : خمسة لا يعطون من الزكوة ، الولد. والوالدين. والمرأة. والمملوك. لأنّه يجبر « الرجل » على النفقه عليهم ... الخصال ، باب الخمسة ، ص 234 ، الحديث 45.

3 - يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ، وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ( البقرة - 215 ).

ص: 93

الدعاء

لكل شيء - مهما صغر أو كبر - أثر ، والآثار تتعلق بالدنيا والآخرة ، ومما روئي منه اعجب الآثار هو الدعاء ، فقد جرّب أن بعض الأدعية تشقّ طريقها الى الاستجابة كالسيف الصارم ، كيف لايكون كذلك والدعاء من البعض اقرب الى هدف الاستجابه.

1 - حفظ عنهم علیهم السلام : أن ستة لا تحجب لهم عن اللّه تعالى دعوة : منهم الوالد البار لولده ، والولد الصالح لوالده ... معدن الجواهر ، باب ما جاء في ستة ، ص 55.

2 - حدثنا ابو الحسين محمّد بن علي بن الشاة ، قال : حدثنا ابو حامد احمد بن الحسين ، قال : حدثنا ابو يزيد احمد بن خالد الخالدي ، عن محمد بن احمد بن صالح التميمي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثني انس بن محمد ابو مالك ، عن ابيه عن جعفر بن محمد ، عن ابيه ، عن جدّه ، عن علي بن ابي طالب علیهم السلام ، عن النبي صلی اللّه علیه و آله أنه قال : في وصيته له ، يا علي اربعة لا تردّ لهم امام عادل ، ووالد لولده ، والرجل يدعو لأخيه بظهر الغيب. والمظلوم يقول اللّه جل جلاله وعزتي وجلالي لانتصرنّ لك ، ولو بعد

ص: 94

حين ... الخصال ، باب الاربعة ، ص 157 ، الحديث 4.

3 - عن « الجعفريات » قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : اياكم ودعوة الوالد ! فانها ترفع السحاب حتى ينظر اللّه اليها ، فيقول : الىّ حتى استجيب له ، فايّاكم و دعوه الوالد فانها احد من السيف ... ذرايع البيان ، ص 199 ، تكملة.

4 - عن « الجعفريات » عن الراوندي بسند طويل ، عن سلمة بن وردان ، قالت : سمعت أنس بن مالك يقول : ارتقى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله المنبر درجة ، فقال : آمين. ثم ارتقى الدرجة الثانية ، فقال : آمين. ثم ارتقى الدرجة الثالثة ، فقال : آمين. ثم استوى فجلس. فقال اصحابه على ما أمّنت يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ فقال : أتاني جبرائيل فقال : رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك ، فقلت آمين. فقال : رغم أنف امرئ ادرك ابويه فلم يدخل الجنّة فقلت آمين. فقال : رغم انف امرئ ادرك شهر رمضان فلم يغفر له فقلت آمين ... ذرايع البيان ، ص 200 ، تكمله.

5 - قال سيد الانام صلی اللّه علیه و آله : ثلاث دعوات لا ترد أ - دعوة الوالد لولده. ب - ودعوة الصائم. ج - ودعوة المسافر ... غوالي الدرر ، حرف الثاء ، ص 30.

6 - قال ايضا صلی اللّه علیه و آله : دعاء الوالد لولده كدعاء النبي لأمته ... المصدر السابق ، حرف الدال ص 60.

ص: 95

7 - وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ... ( بني اسرائيل - 24 ).

8 - قال صاحب مجمع البيان : معناه أدع لهما بالمغفرة والرحمة في حياتهما وبعد مماتهما جزاء لتربيتهما ايّاك في صباك ، وهذا ان كانا مؤمنين ، وفي دلالة أنّ دعاء الولد لوالده الميّت مسموع والاّ لم يكن للامر به معنى ... ج 6 ، ص410 ، ذيل آيه ( وقل رب ) من سوره بني اسرائيل.

9 - محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ين عيسى ، عن معمّر بن خلاّد ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه وعلى آبائه وأبنائه الصلاة والسلام والتحيات والبركات الى يوم الدين ، آمين ، ادعو لوالديّ اذا كانا لا يعرفان الحق ؟. قال علیه السلام أدع لهما ، وتصدّق عنهما ، وان كانا حيين لا يعرفان الحق فدارهما ، فان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، قال : ان اللّه بعثني بالرحمة لا بالعقوق ... الكافي ج 2 ، ص 127 ، باب البر ، الحديث 8.

ص: 96

حقوق الوالدين

هل يمكن لعبد يؤدي حقوق اللّه كما هو حقّه ؟ كلاّ ثمّ كلاّ. ولمّا كان حق الوالدين مشتق من حق اللّه تبارك وتقدّس كيف يمكن اداءه ! وبغض النظرعن اداء الحق كلّه ، يظن أن لا يمكن اداء قسط ضئيل منه ، فالويل كل الويل للذين لا يسعون في اداء هذا الحق العظيم.

1 - قال الصادق عليه وعلى آبائه وأبنائه الصلوة والسلام : برّ الوالدين من حسن معرفة العبد باللّه ، اذ لا عبادة اسرع بلوغا لصاحبها الى رضا اللّه من برّ الوالدين المؤمنين لوجه اللّه تعالى ، لأن حق الوالدين مشتق من حق اللّه تعالى ، اذا كانا على منهاج الدين والسنه ، ولا يكونان يمنعان الولد من طاعة اللّه تعالى الى طاعتهما « معصيته خ ل » ومن اليقين الى الشك ، ومن الزهد الى الدنيا ، ولا يدعو أنهّ الى خلاف ذلك ، فاذا كانا كذلك - أي يدعوان الى خلاف طاعة اللّه تعالى - فمعصيتهما طاعتهما معصية ، قال اللّه تعالى وتقدّس : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ) ( لقمان : 15 ). جاء في كتاب مصباح الشريعة ، الباب الثاني والسبعون ، ص 48.

2 - وأما في باب المصاحبة « العشرة خ ل » فقاربهما وارفق

ص: 97

بهما واحتمل اذا هما بحق « بنحو خ ل » ما احتملا عنك في حال صغرك ، ولا تظيّق عليهما فيما قد وسّع اللّه عليك من المأكول والملبوس ولا تحوّل وجهك « بوجهك خ ل » عنهما ، ولا ترفع صوتك فوق صوتهما ، فان تعظيمهما من أمر اللّه ، وقل لهما باحسن القول ، والطف بهما فان اللّه لا يضيع اجر المحسنين.

3 - قال رسول الانسانية صلی اللّه علیه و آله : يا علي ! رضا اللّه من رضا الوالدين ... غوالي الدرر ، حرف الياء ص 172.

4 - قال صلی اللّه علیه و آله : يا علي ! سخط اللّه في سخط الوالدين ... نفس المصدر.

ص: 98

حق الولد على الوالد

كما أن للوالد حق على الولد ، كذلك للولد حق على الوالد ، ولو أن كلاهما عرف حق صاحبه وأدّاه لازداد خيرهما وذهب عنهما ما يسوئهما ، ولشملتها رحمة اللّه تعالى في الدنيا والآخرة ، وما المطلوب سواها.

1 - ثم من حق الولد على الوالد ما قاله أحد الحكماء : اعلم أن لولدك عليك سبعة حقوق : تتخيّر أمة ، واسمه ، وظئره ( المرضعة ) ، وتعلّمه كتاب اللّه عز وجلّ ، والخط ، والحساب ، والسباحة ... معدن الجواهر ، باب ما جاء في سبعة ، ص 61.

2 - قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ... غوالي الدرر ، حرف الحاء ، ص 49.

ص: 99

الفريضة

من الفرائض ما لا مانع من مبادلتها بغيرها ، مثل خصال كفّارة الصوم مثلا. فالمكلّف ان عجز عن صوم شهرين متتابعين ، له أن يبدّلها بالعتق او الاطعام. ومنها ما لا مجال لتبديلها مع بقاء عنوانها الأولى كما أن للفرائض درجات وأحجام ، فمنها ما تكن صغيرة ومنها ما تكن اكبر ، ومن كبرائها برّ الوالدين التى لا تتبدل بغيرها من البرّ و الحسنات.

1 - من كلمات مولانا امير المؤمنين صلوات اللّه وسلامه عليه أنه قال بر الوالدين اكبر فريضة جاء في كتاب درر الكلم.

2 - وقال تعالى : وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ... النساء آية 36 ... والبقرة آيه 83 .. والأنعام آية 151. والاسراء آية 23.

3 - قال شيخنا العلامة المجلسي « ره » في ج 16 ص 14 من ( بحار الانوار ) نقلا عن الكافي مسندا عن على بن ابراهيم وابن محبوب وأبي ولاد الحنّاط رضی اللّه عنه أنه قال : سألت ابا عبد اللّه علیه السلام عن قول اللّه عز وجل (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ما هذا الاحسان ؟ فقال علیه السلام : الاحسان ، ان تحسن صحبتهما وأن

ص: 100

لا تكلّفهما أن يسألانك شيئا مما يحتاجان اليه ، وان كانا مستغنين عنه ، اليس يقول اللّه تعالى ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ... ) ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ، ص 172.

ص: 101

العبادة

الكلام في العباده مفروغ عنه ، لأن الباري جلّ جلاله لم يكن يخلق الخلق الاّ لأجلها ، وهو تبارك وتقدس القائل في محكم التنزيل : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ( الذاريات - 56 ). ولكن ما هي ؟. ان مصاديق العبادة كثيرة وكثيرة جدا بحيث لا يمكن عدّها وحصرها لأنّه يمكن للانسان أن يجعل كل اعماله صغيرة او كبيرة من عبادة اللّه جلّ جلاله وعلا ، لأن الأعمال بالنيات. ومن العبادات المرموقة التي لا محيص منها حب الأبوين.

1 - قال النبي صلوات اللّه عليه وعلى آله المعصومين : نظر الولد الى والديه حبّا لهما عبادة ... غوالي الدرر ، حرف النون ، ص 156. وتحف العقول ، مواعظ النبي صلی اللّه علیه و آله ص 132.

2 - من لا يحضره الفقيه : روي أنّ النظر الى الكعبه عبادة ، والنظر الى الوالدين عبادة ، والنظر الى المصحف من قرائه عبادة والنظر الى وجه العالم عبادة ، والنظر الى آل محمد صلوات اللّه عليهم عبادة ... . زندگاني سلطان علي وهلال بن علي ، ص 7.

ص: 102

احب الانباء

الواقع أن حب الوالدين لا يختلف بالنسبة لاولادهم الاّ أنه هناك مزايا ذاتية في بعض الاولاد وهي مما تؤهّلهم لأن يكونوا اقرب الى قلب الوالدين ، او أن في طباعهم حسنات توجب لهم حنان الوالدين اكثر ، وبغضّ النظرعن هذه الأمور لا فرق بين الاولاد صغيرهم وكبيرهم وذرهم وانثاهم كلّهم زينة في هذه الحياة.

1 - قال لؤي بن غالب لامرأته : اي بنيك احب اليك ؟ قالت : احبّهم اليّ الذي اجتمع فيه ثمان خصال : منها : ولا يغيّر تبرّه عقوق ... معدن الجواهر 64.

ص: 103

درجات العقوق

العقوق ما يقابل البرّ ، وكما أن البرّ له درجات ، كذلك العقوق له درجات ، وهذه الدرجات والمراتب تظهر عند الأبناء حين يعصون أبويهم ، أو يؤذونهم - والعياذ باللّه - فكل ما كان الأذي أشدا ، تكون مرتبه العاق أمرا ، وهكذا الى أن تصل النوبة الى عقوق ليس فوقه عقوق. وهذا ما قررّه الامام الصادق جعفر بن محمد صلوات اللّه عليهما وعلى آبائهما وأبنائهما الطيبين الطاهرين حيث جاء في الحديث :

1 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن احمد بن الوليد رضی اللّه عنه قال : حدثنا محمّد بن الحسن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن أبي همّام اسماعيل بن همّام ، عن محمّد بن سعيد بن غزوان ، عن اسماعيل بن مسلم السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن ابيه علیهماالسلام ، أن النبي صلی اللّه علیه و آله قال : فوق كل برّ برّ حتى يقتل الرجل في سبيل اللّه عزّ وجلّ ، فاذا قتل في سبيل اللّه فليس فوقه برّ وفوق كل عقوق عقوق ، حتى يقتل الرجل احد والديه ، فاذا قتل احدهما فليس فوقه عقوق ... الخصال ص 9 ، باب الواحد ، الحديث 31.

2 - حدّثنا أبي رضی اللّه عنه قال : حدّثنا محمد بن يحيى العطار قال :

ص: 104

حدّثني ايوب بن نوح عن محمد بن سنان ، عن موسى بن بكر الواسطي قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر علیهماالسلام : الرجل يقول لابنه او لابنته بأبي أنت وأمي ، أو بأبوي. أترى بذلك بأسا ؟ فقال علیه السلام : ان كان ابواه حيين ، فأرى ذلك عقوقا ، وان كانا قد ماتا فلا بأس. قال : ثم قال علیه السلام : كان جعفر علیه السلام يقول : سعد أمرؤ لم يمت حتى يرى خلفه من بعده ، وقد واللّه أراني اللّه خلفي من بعدي ... الخصال ، ص 22 ، باب الواحد ، الحديث 94.

3 - حدثنا ابي رضی اللّه عنه قال : حدثنا احمد بن ادريس ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمد بن السندي عن علي بن الحكم ، عن محمد بن فضيل عن شريس الوابشي ، عن جابر ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ان الجنّه ليوجد ريحها من مسيرة خمسمائه ، عام ولا يجدها عاق ولا ديوث ، قيل يا رسول اللّه وما الديوث ؟. قال صلی اللّه علیه و آله : تزني امرأته وهو يعلم .. الخصال ، باب الاثنين ، ص 30 ، الحديث 15.

4 - حدّثنا ابو احمد محمد بن جعفر البنداء ، قال : جعفر بن محمد بن نوح ، قال : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا بشر بن نمير ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي امامة ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : اربعة لا ينظر اللّه اليهم يوم القيامة : عاق ، ومنّان ، ومكذب بالقدر ، ومدمن خمر ... الخصال ، باب الاربعه ، ص 162 ، الحديث 18.

5 - حدثنا محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد رضی اللّه عنه ،

ص: 105

قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن ايوب بن نوح وابراهيم بن هاشم جميعا عن محمد بن ابي عمير ، عن بعض اصحابه عن ابي عبد اللّه علیه السلام ، قال : وجدنا في كتاب علي علیه السلام أن الكبائر خمس : الشرك باللّه عزّ وجلّ وعقوق الوالدين. وأكل الربا بعد البيّنة. والفرار من الزحف. والتعرّب بعد الهجرة ... الخصال باب الخمسة ، ص 223 ، الحديث 16.

6 - عن ابراهيم بن أبي البلاد ، عن ابيه ، عن ابي عبد اللّه علیه السلام ، قال : لو علم اللّه شيئا أدني من ( اف ) لنهي عنه ، وهو من العقوق ، وهو أدني العقوق ، ومن العقوق ان ينظر الرجل الى والدين يحّد النظر اليهما ... ذرايع البيان ، ص 200 ، تكملة.

7 - روي أن موسى علیه السلام ، قال : يا ربّ اين صديقي فلان الشهيد ). قال جلّ وعلا : « هو » في النار. قال علیه السلام : أو ليس قد وعدت الشهداء الجنّة ؟ قال تعالى : بلى ، ولكن كان مصرّا على عقوق الوالدين ، وأنا لا أقبل مع العقوق عملاً ... المصدر السابق.

8 - قال نبي الإسلام المحبوب صلی اللّه علیه و آله : بابان معجّلان عقوبتهما في الدنيا : البغي ، والعقوق ... غوالي الدرر ، حرف الباء ، ص 14.

9 - وقال صلی اللّه علیه و آله ايضا : ثلث قد حرّم اللّه عليهم

ص: 106

الجنّة : أ - مدمن الخمر. ب - والعاق. ج - والديوث ... المصدر السابق ، حرف الثاء ، ص 30.

10 - وقال صلی اللّه علیه و آله : ثلثة لا يحجبون النار : أ - المنّان. ب - وعاق والديه. ج - ومدمن الخمر ... المصدر السابق ص 32.

11 - وقال صلی اللّه علیه و آله : شر الاولاد : العاق لوالديه .... المصدر السابق ، حرف الشين ، ص 94.

قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وعلى ذراريه اجمعين : من أحزن والديه فقد عقّهما .... المواعظ العدديه ، باب الاربعمائة ص 295.

13 - وفي كتاب ( الكبائر ) للحافظ محمد بن احمد بن عثمان بن قايماز الذهبي ، التركماني الفارقي الأصل ، الدمشقي الشافعي ، المتوفي سنه 748 ه - ص 40 في الكبيرة الثامنة ، عن النبي صلی اللّه علیه و آله : لو علم اللّه شيئا أدنى من الأف لنهى عنه ، فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنّة فليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار ... ذرايع البيان ، الآفه الثامنة ، ص 176.

14 - وروي عن علي بن موسى الرضا عليه وعلى آبائه وابنائه الصلاة والسلام عن ابيه ، عن جدّه أبي عبد اللّه علیهم السلام ، قال : لو علم اللّه لفظة أوجز في ترك عقوق الوالدين من أف لأتى به ...

ص: 107

مجمع البيان ، ج 6 ، ص 409 ، ذيل آيه (وَقَضَى رَبُّكَ) من سورة بني اسرائيل.

15 - فيه ايضا : وفي رواية اخرى عنه ، قال علیه السلام : أدنى العقوق أف ولو علم اللّه شيئا ايسر منه واهون منه لنهي عنه ... نفس المصدر.

16 - فيه ايضا : وفي خبر آخر فليعمل العاق ما يشاء أن يعمل فلن يدخل الجنّة ، فالمعنى : لا تؤذهما بقليل ولا كثير ... نفس المصدر.

ص: 108

حيّيان او ميّتان

يظن البعض من الأبناء أن الوالدين ان توفيّا انقضت العلاقة بينه وبينهما فلا حقّ ولا حقوق ولا عقوق ، لكن يجب أن ينبّه هؤلاء بأن العلاقة التى صاغتها السماء غير قابلة للانفصام فهي باقيه حتى الأبد ، وحتى الأبوين كالقلاوة المطوّقة للجيد ، فلا خلاص ولا مناص ، ويجب البر بهما واداء حقّهما حييّن كانا أوميّتين ، ويمكن أن يقال ان حفّهما وهما متوفّيان آكد من حقهما في أيام حياتهما لأنهما بعد هذه الحياة تقصر أيديهما عن العمل فيستحقّا النجدة بالخير والخيرات من الحج والصلوات ، والصوم والصدقات ، والصلاة المتتاليات ومن ثم يدعوان للانسان ، وعلى اللّه الاستجابة والغفران.

1 - عنه « اي عدة من اصحابنا » عن محمّد بن علي ، عن الحكم بن مسكين ، عن محمد بن مروان ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه أفضل الصلاة والسلام : ما يمنع الرجل منكم أن يبّر والديه حيّين وميّتين ؟ يصلّى عنهما ، ويتصدّق عنهما ، ويحج عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع لهما ، وله مثل ذلك ، فيزيده اللّه عزّ وجلّ ببرّه وصلته خيرا كثيرا ... الكافي ، ج 2 ، ص 127 ، باب البر ، الحديث 7.

2 - الحسين بن محمّد ، عن معلي بن محمّد ، عن الحسن بن علي

ص: 109

عن عبد اللّه بن سنان ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه الصلاه والسلام ، قال : ان العبد ليكون بارا بوالديه في حياتهما ، ثم يموتان فلا يقضى عنهما ويوفّهما ، ولا يستغفر لهما ، فيكتبه اللّه عاقا ، وانّه ليكون عاقا لهما في حيا تهما غير بار بهما ، فاذا ماتا قضى دينهما ، واستغفر لهما ، فيكتبه اللّه عزّ وجلّ بارا ... الكافي ج 2 ، ص 130 ، باب البر ، الحديث 21.

ص: 110

الجنة

لو فكّرنا قليلاً وامعنّا النظر لرأينا الجنّة هي غاية الغايات ، وهي لا تحصل الاّ بأمور ، وأهمّها خدمة الوالدين ورضاهما ، فانّ الجنّة تحت اقدام الأمهات ، فلا يسعنا الاّ أن نخدم والدينا ، سواء في حياتهم او بعد وفاتهم ، وان كانت طريقة الخدمة تختلف عند الحياة وبعد الممات ، الاّ اننا مسؤلون في كلتا الحالتين ، فالنهيئ أنفسا ، ولنستمع الى ما جاء من كبرائنا ، اهل بيت العصمة ، وموضع الرسالة محمّد وآله الطاهرين ، صلوات اللّه عليهم اجمعين.

1 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضی اللّه عنه قال : حدّثني عمّي محمد بن أبي القاسم ، عن احمد عن محمد بن خالد ، عن الحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن سنان ، عن ابي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : اربع من كنّ فيه ، بني اللّه له بيتا في الجنة : من آوى اليتيم ، ورحم الضعيف ، واشفق على والديه ، ورفق بمملوكه.. الخصال ، باب الاربعة ، ص 180 ، الحديث 53. وفي المحاسن البرقي عن ابن محبوب ، كتاب الاشكال والقرائن ، الحديث 23 ص 7.

2 - حدّثنا احمد بن علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن ابيه ، عن جدّه ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن ابيه عليهما

ص: 111

السلام ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : اربع من كنّ فيه ، نشر اللّه عليه كنفه وادخله الجنة في رحمته : حسن خلق يعيش به في الناس ، ورفق بالمكروب ، وشفقة على الوالدين ، واحسان الى المملوك ... الخصال باب الاربعة ، الحديث 57 ص 181.

3 - وقد ورد عن الرسول الأعظم محمد صلی اللّه علیه و آله من اصبح مرضيا لأبويه ، اصبح له بابان مفتوحان الى الجنّة ، ومن أمسى فمثل ذلك ، وان ظلما ، وان ظلما ، وان ظلما ... ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ، ص 178.

ص: 112

النار

نعوذ باللّه من النار ومن غضب الجبار ، ان المعاصي كثيرة ، وبعضها كبيرة ، ومن اكبرها سخط الوالدين ، فانه داء وبيل ، من ابتلى لا ينجيه ملك مقرّب ، فهذا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يحذّرنا من سخط الوالدين وينذرنا النار وغضب الجبار. اللّهم أرض عنا والدنيا بمحمّد وآله الأطهار صلواتك عليهم أجمعين.

1 - وقد ورد عن الرسول الاعظم محمّد صلی اللّه علیه و آله : ومن اصبح مسخطاً لأبويه ، أصبح له بابان مفتوحان الى النار ، ومن أمسى مثل ذلك ، وان كان واحداً فواحد ، وان ظلما ، وان ظلما ، وان ظلما ... ذرايع البيان الآفة الثامنة ، ص 178.

ص: 113

وآله ، وقال للرسول : قل لها ان قدرت على المسير الى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، والاّ فقرّي في المنزل حتى يأبيك ، فجاء اليها الرسول فأخبرها بقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله . فقالت : نفسي له الغداء ، انا احق بأتيانه فتو كأن على عصى ، واتت الى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فسلّمت ، فردّ علیهاالسلام ، وقال لها : يا أم علقمة اصدقيني ، وان كذبتيني جاء الوحي من اللّه تعالى ، كيف كان حال ولدك علقمة ؟ قالت : يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، كثير الصلاة وكثير الصيام ، وكثير الصدقة. قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : فما حالك ؟. قال : يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله انا عليه ساخطة. قال صلی اللّه علیه و آله : ولم ؟ قالت : يا رسول اللّه يؤثر على زوجته ويعصيني فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ان سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة ثم قال صلی اللّه علیه و آله : يا بلال انطق واجمع لي حطبا كثيراً ! قالت : يا رسول اللّه صلى وما تصنع به ؟ قال صلی اللّه علیه و آله : احرقه بالنار بين يديك قالت : يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ولدي لا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي. قال صلی اللّه علیه و آله : يا أم علقمة عذاب اللّه اشّد وأبقى ، فان سرّك أن يغفر اللّه له فارضى عنه فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصداقته ما دمت عليه ساخطة فقالت : يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : اني اشهد اللّه تعالى وملائكته ومن حضرني من المسلمين : اني قد رضيت عن ولدي علقمة. فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : انطلق يا بلال اليه فانظر هل يستطيع أن يقول : لا اله الاّ اللّه. أم لا ، فلعلّ أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياء

ص: 114

الجنّة من النار

الوقاية خير من العلاج ، والحمية رأس السلامة ، فمن توقّى واحتمى سلم. هذه احاديث من الرسول والآل صلوات اللّه وسلامه وبركاته عليه وعليهم اجمعين أمامكم فتوقّوا بها ، واحتموا بمباديها ، فانها خير وقايه للمتقين ، وامنع حماية للمحتمين. قد اوضحوا لنا الطريق واناروه وعلّمونا ما لم نكن نعلم ، فها ، طرق الجنّة ، وذي مهاوي النار - والعياذ باللّه - ومما علّمونا هو خدمة الأبوين فانها وقاية وحمية ، وجنّة من النار. اللّهم اجعل محبتنا لآبائنا الكرام جنّة لنا من النار ، بمحمّد وعترته الطيبين الأطهار ، صلواتك عليهم اجمعين ، آمين.

1 - محمد بن يحيى عن احمد بن محمّد بن عيسى عن علي بن الحكم عن سيف بن عميره ، عن عبد اللّه بن مسكان ، عن ابراهيم عن شعيب قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه أفضل السلام : انّ أبي قد كبر جدا وضعف ، فنحن نحمله اذا أراد الحاجة ، فقال : ان استطعت أن تلى ذلك منه فافعل ، ولقّمه بيدك ، فانه جنّة لك غدا ... الكافي ج 2 ، ص 129 ، باب البر ، الحديث 13.

ص: 115

كفران النعمة

الانسان كفور ، لم يقم وزنا لأنعم اللّه تعالى ، في حين انّ نعمه جلّت عظمته لا تعد ولا تحصى ، واكثر من ذلك أنّه يكفر ، وهذا يكون سببا لقطع الرّحمة ، وقلّة البركة ، وعدم رضى المولى جلّ جلاله ، والى آخر ما ينشأ من هذه الفضية من مآسي ، ومحن يشيب لها الاطفال و اعظم الكفران ، أن الفجرة من بني الانسان نسبوا الى اللّه ما لا ينبغي ، طالع ما قاله رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله .

1 - يا ابا ذر : ان اللّه جلّ ثناءه لمّا خلق الارض ، وخلق ما فيها من الشّجر ، لم تكن في الأرض شجرة يأتيها بنوا آدم الاّ اصابوا منها منفعة ، فلم تزل الأرض والشجر كذلك ، حتى تكلّم فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة ، قولهم : ( اتخذ اللّه ولدا ) فلمّا قالوها اقشعرّت الأرض ، وذهبت منفعة الأشجار .... بندهاى كرانمايه پيغمبر ص 40 ، الحديث 82.

ص: 116

المضر

أعاذنا اللّه تعالى من أن نكون من المضرّين أو المتضررين ، فالأنسان ان لم يحفظه اللّه تعالى من شرور نفسه الامّارة بالسوء ، سيكون والعياذ باللّه امّا والد سوء ، أو ولد سوء ، وكلاهما مما يبعثان على شقاءه في الدنيا والآخرة ، اجارنا اللّه تعالى وأبنائنا من سوء السريرة وعقوق الوالدين.

1 - من اقوال سيّد الوصيين أمير المؤمنين علیه السلام قال : والد السوء يعرّ السلف ويفسد الخلف. هذا بالنسبة الى الوالد ، وأمّا بالنسبه الى الولد : قال علیه السلام : ولد السوء يهدم السلف ويشين الشرف. وقال علیه السلام أيضا : ولد عقوق محنة وشوم ... درر الكلم ، حرف الواو ، ص 287.

ص: 117

لا ضرر ولا ضرار

من القواعد المسلّمة التي سنّها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله هي قاعدة لا ضرر ولا ضرار ، وهذه كانت في قصة سمرة بن جندب مع أحد الأنصار الذي كان قد باعه دارا فيها نخلة ، وكان يأتيها سمرة كل يوم فاستثقل الأنصاري الأمر ، فشكا الى النبي صلی اللّه علیه و آله ، فبعث النبي صلی اللّه علیه و آله الى سمرة واحضره ، فقال له : بعه النخلة ، فأبي سمرة ، واخيرا أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بقلع النخلة واعطائها ايّاه ، وقال : لا ضرر ولا ضرار في الإسلام وفيما نحن فيه احدي مصاديق الضرر والضرار ، فقال العلي القدير جلّت قدرته :

1 - وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ، لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ، وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ، وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ، فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( البقرة - 233 ).

ص: 118

الهرب بعد الطلب

لقد خلق الانسان هلوعاً ، يحرص على سلامته مهما كلّف الأمر ، و يبخل بماله مهما قلّ أو كثر ، وتهزمه أصغر صعوبة ، ويخيفه أقلّ شين وليس له صبر ولا تصبّر على مكاره الدهر ، حتى ولو كان يضّره في دينه أو دنياه ، وهذا ديدنه من قديم الزمان ، يمتنع عن الخير ، ويجزع من الشرّ ، فما صلح من هذا النوع الاّ القليل ، اولئك الذين هداهم اللّه تعالى فاهتدوا ، وهدوا الى صراط السويّ ، والباقون لا يعبئون بقول ولا فعل ، ها هو القرآن الكريم يحدثنا عن بعضهم ، وهم الذين طلبوا من نبيّ لهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه في سبيل اللّه تعالى محتجين بطردهم عن ديارهم ، وابنائهم ، ولكن لمّا حصص الحق و حان وقت العمل تولّوا الاّ قليلا منهم ، فهربوا بعد الطلب.

1 - أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ... ، وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ... ( البقرة - 246 ).

ص: 119

اولاد ابليس

هكذا اقتضت حكمة اللّه سبحانه وتعالى أن يكون المولّدون ثلاثة ، وكل يولد حسب ما بقتضيه طبيعتة الأولية ، ثم انه يمكن لاولادهم أن يختاروا غير ما هم عليه ، فمثلا ابليس لا يلد الا الكافر ، ولكن آمن أحد اولاده واسمه هام بن هنم بن لاقيس بن ابليس وهذا خلاف ما تقتضيه ذاته.

1 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن احمد بن الوليد رضی اللّه عنه قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار ، قال : حدّثنا احمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمد بن اسماعيل ، عن الحسن بن طريف عن آبي عبد الرحمن ، عن معاويه بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : الآباء ثلاثه : 1 - آدم : ولد مؤمنا. 2 - والجان : ولد مؤمنا وكافرا. 3 - وابليس : ولد كافرا. وليس فيهم نتاج ، انمّا يبيض ويفرح ، وولده ذكور ، ليس فيهم اناث ... الخصال باب الثلاثة ، ص 120، الحديث 186.

ص: 120

الذل

هناك أمور كثيرة تسبب ذل الانسان ، كالجهل والحمق وحقارة النفس وما اشبه. ومن هذه الامور تتعلق بشخص الانسان ، يعني يتمكن دفعها ان اراد ، ومنها ما لا تتعلق بشخصه ، وانما هي مرتبطه بالقضاء والقدر مثل اليتم والفقر وعدم الشخصيه وما اشبه ، وقد اخبرنا بذلك صادق آل محمّد صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين.

1 - حدّثنا احمد بن محمّد بن الهيثم العجلي رضی اللّه عنه قال : حدثنا ابو العباس احمد بن يحيى بن زكريا القطان ، قال : حدّثنا بكر بن عبد اللّه بن حبيت ، قال : حدثنا تميم بن بهلون ، عن ابيه ، عن عبيد اللّه بن الفضل الهاشمي ، قال : قال ابو عبد اللّه علیه السلام ثلاثة من عازهم ذل : - الوالد. والسلطان. والغريم ... الخصال باب الثلاثة ، ص 155 ، الحديث 271.

ص: 121

توابع المرء

لا بدّ للانسان من الرّحيل ، فانّ هذه الحياة ليست مقاماً للمقام ، كل من عليها فان ، أمّا ، فاذا يبقى وماذا يأخذ ؟ يقول الناس ما ترك ، وتقول الملائكة ما قدم ؟. أمّا ما تركه فهو للوارث يتنعّم ، به وأما الذي يأخذه وهو تابع وباق اليه : هي ثلاث : قالها الامام ابو عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام .

1 - حدثنا أبي رضی اللّه عنه قال : حدثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري ، عن احمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن على بن رئاب ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : ليس تبيع الرجل بعد موته من الأجر الاّ ثلاث خصال : صدقة اجراها في حياته فهي تجري تعد موته الى يوم القيمة وصدقة موقوفة الاّ تورّث ، اود هدى سنّها فكان يعمل بها وعمل بها من بعده غيره ، او ولد صالح يستغفر له ... الخصال ، باب الثلاثة ، ص 119 ، الحديث 184. اقول : هنيئا لمن رزقه اللّه هذه فانه لا ينالها الاّ ذو حظ عظيم ، فيا ليتنا لم نحرم منها ان شاء اللّه تعالى.

ص: 122

نقص العيش

هناك أسباب تنقص العيش ، وتنهك الجسم ، وتتعب القلب ، و تضل العقل ، أجارنا اللّه تعالى منها جميعا ، وقد نبّهنا عليها أئمتنا سادات البشر صلوات اللّه وتحيّاته عليهم اجمعين كي نحذر منها جهد امكاننا حتى لا نبتلى في الحياة فتفوتنا السعادة لا سمح اللّه.

1 - حدّثنا أبي رضی اللّه عنه قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطار ، عن محمد بن احمد ، قال : حدثني ابو عبد اللّه الرازي عن سجادة ، عن درست ، عن أبي خالد السجتاني ، عن أبي عبد اللّه عليه صلوات اللّه ، قال : خمس خصال - الى أن قال علیه السلام - من فقد واحدة منهنّ لم يزل ناقص العيش ، زائل العقل ، مشغول القلب. فأولها صحة البدن. والثانية الأمن. والثالثه السعة في الرزق. والرابعة الانيس الموافق ، قلت : وما الأنيس الموافق ؟ قال علیه السلام : الزوجة الصالحة ، والولد الصالح ، والخليط الصالح ، والخامسة وهي تجمع هذه الخصال ، الدعة اي الراحة السعه في الحياة ... الخصال ، باب الخمسة ، ص 231 ، الحديث 34. وقد تقلنا هذا الحديث في فصل تقص العيش لجهة اخرى فيه.

ص: 123

التمتع بالولد بعد الموت

لماذا نحب الولد ؟ لأنا نتمتع به ، ويمكن أن يدوم هذا التمتع والتمتع ويتصل سلكه الى الآخرة ، الى بعد هذا التمتع المنقطع ، والتمتع هناك دائم والالتذاذ باقي ، لكن بشرط أن يربي الأب الولد حسب ما يرتضيه اللّه جلّ وعلا ذكره ، فان تعب عليه ورباّه تربية صالحة ، يكون الولد له رحمة ، وان تركه في الوسط المنحرف المنجرف فضل عن الصواب ، فانه يتحمل التبعة ويكون الولد عليه نقمة - والعياذ باللّه - ربنا اصلحنا وذرياتنا واجعلنا مسلمين لك انك على كل شيء قدير.

1 - حدثنا أبي رضی اللّه عنه قال : حدثنا سعد بن عبد اللّه ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن شعيب الصيرفي ، عن الهيثم أبي كهمس ، عن ابيعبد اللّه علیه السلام ، قال : ست خصال ينتفع بها المؤمن بعد موته ولد صالح يستعفر له. ومصحف يقرء فيه وقليب ( بئر ) يحفره. وغرس يغرسه. وصدقه ماء يجريه. وسنّة

ص: 124

حسنة يؤخذ بها بعده ... الخصال ، باب الستة ، ص 263 ، الحيث 9.

الرّعاية

الرعاية أمر يحسنّه العقل والنقل ، ومن حسنات المرء أن يكون مراعيا لمن له أدني صلة به ، فان الرعاية دليل العظمة وجلالة القدر ، فمن يكون عظيما في نفسه ، جليل القدر ، لا تفوته وعاية المحقّين ، من الايتام والمستضعفين.

1 - فقد قال أمير المؤمنين ، وقائد العز المحجّلين علیه السلام : من رعى الأيتام رعيّ في يتيمه. جاء في كتاب درر الكلم ، ص 255.

ص: 125

الاقوال

توجد اقوال كثيرة من الانبياء والائمة علیهم السلام مما يخص الولد والوالد ولا تخلو من حكمة ثابتة او سنة عادلة او فلسفة متقنة او منطق سليم وما اشبه فعلينا وعلى من يأتي بعدنا الاستفادة والاستزاده منها فان العلم حياة القلوب.

1 - قال بعض الحكماء : رأيا امور الناس على خمسة اوجه : منها : القضاء والقدر وهو على خمسة اقسام الأهل والولد والمال والسلطان والعمر ... معدن الجواهر ص 51.

2 - قيل أنس المرء في خمسة اشياء : منه : الولد البار ... معدن الجواهر ص 51.

ص: 126

الكبائر

ان المعاصي - كما قسمت في الشرع - على ضربين : الكبائر والصغائر ، وقال بعض الأعلام انه لا توجد صغائر فكل معصية بالنسبة : هي ما ذكر عفابها في القرآن ، وقد عدّها أئمّتنا علیهم السلام بأعداد مختلفة ويمكن الجمع بين اقوالهم علیهم السلام بأن نقول : كانوا علیهم السلام يراعون الزمان والمكان والسائل في اجوبتهم والأ فكل المعاصي كبيرة بالنسبة الى الأصغر منها ، والموارد تختلف.

1 - ففي مود قال الامام الصادق علیه السلام : الكبائر سبع فينا أنزلت ومنّا استحلّت : منها : عقوق الوالدين ... معدن الجواهر ص 59.

2 - روي عن النبي صلی اللّه علیه و آله قال : الكبائر تسعة : منها : وعقوق الوالدين ... معدن الجواهر ص 66.

3 - وأرسل - اي في عيون اخبار الرضا علیه السلام - عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ألا اخبركم بأكبر الكبائر : الاشراك باللّه وعقوق الوالدين ، وقول الزور - أي الكذب - ... مكاسب الشيخ

ص: 127

الانصاري قدس سره ، الكذب ، ص 160 ، الطبعة الجديدة ... وقال في التعليقة : راجع احياء العلوم للغزالي ، الجزء 3. ص 135 ، سطر 12 ، وفي المصدر : ألا انبئكم ، بدل ألا اخبركم.

4 - وفيه « اي كتاب الجعفريات » عنه صلی اللّه علیه و آله : من اكبر الكبائر : الشرك باللّه ، وعقوق الوالدين ... ذرايع البيان ، تكملة الآفة الثامنة ، ص 200.

ص: 128

الجبن

من الصفات الرذيلة صفة الجبن ، وهي من اخس الرذائل ، وأن تمكّنت - والعياذ باللّه - من الانسان ، تجعله يهرت من كل شيء ، حتى ممّا له الخير ، وحتى من أعز الناس عليه وهو الأب مثلاً ، فيا أبنائنا نوصيكم أن لا تكونوا جبناء ، فتهربوا من المسؤلية ، ولا تكونوا متهوّرين فتعثوا في الأرض الفساد ، فخيرالأمور اواسطها ، واختار الوسط وكونوا شجعان لا تهربوا من الطاعة ولا تركبوا المعصية.

1 - حدّثنا محمد بن الحسن رضی اللّه عنه قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن القاسم بن يوسف أخي احمد بن يوسف بن القاسم الكاتب عن حنان بن سدير الصيرفي ، عن سدير الصيرفي قال : قال ابو جعفر عليه الصلاة والسلام : لا تقارن ولا تواخي اربعة : الأحمق ، والبخيل ، والجبان ، والكذّاب ، أما الأحمق فانّه يريد ان ينفعك فيضرك. وأما البخيل فانه يأخذ منك ولا يعطيك. وأما الجبان فانّه يهرب عنك وعن والديه. وأما الأحمق فانّه يصدق ولا يصدق ... الخصال ، باب الاربعة ، ص 198 ، الحديث 100.

ص: 129

سنن عبد المطلب

ان اللّه في خلقه شئون. كان قبل البعثة رجال عظماء ، يدينون لله تعالى بأحسن وجه ، والناس تائهون في وديان الجهالة والضلالة ، وهؤلاء المتدينون قد تمسّكوا بالعروة الوثقى ، أي تمسّكوا بارادة السماء واللّه سبحانه وتعالى هداهم الى اصوب الطرق والحبها ، فسنّوا سننا كبيرة وعظيمة بين الناس ، فأمضاها رب الأرباب تعالى وتقدّس ، وبقيت حتى البعثة وبعدها والى يوم القيامة ، ما كان لله ينمو. هكذا و الاّ فلا. فمن هؤلاء العظماء جدّنا شيخ بني هاشم ، عبد المطلب رضوان اللّه تعالى عليه ، وجزاه عنّا خيراً.

1 - حدثنا محمد بن علي بن الشاة ، قال : حدثنا ابو حامد ، قال حدثنا ابو يزيد ، قال : حدثنا محمد بن احمد بن صالح التميمي ، عن ابيه قال : حدثنا أنس بن محمد ابو مالك ، عن ابيه ، عن جعفر بن محمد عن ابيه ، عن جدّه ، عن علي بن أبي طالب علیه السلام ، عن النبي صلی اللّه علیه و آله ، أنه قال صلی اللّه علیه و آله : في وصيته له ، يا علي ان عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها اللّه له في الإسلام أ - حرّم نساء الآباء على الأبناء ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) . ب - ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدّق به ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا

ص: 130

غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ... الى آخره. ج - ولمّا حفر زمزم سمّاها سقاية الحاج ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ... الآية. د - وسنّ في القتل مائة من الابل ، فأجري اللّه عزوجل ذلك في الإسلام. ه - ولم يكن الطواف عدد عند قريش ، فسنّ فيهم عبد المطلب سبعة اشواط ، فأجري اللّه تعالى ذلك في الإسلام ... يا علي ان عبد المطلب كان لا يقسم بالازلام ، ولا يعبد الأصنام ، ولا يأكل ما ذبح على النصب ويقول : أنا على دين أبي ابراهيم على نبينا وآله و علیه السلام ... الخصال ، باب الخمسة ، ص 254 ، الحديث 90.

2 - قال سيد الموحّدين وقائد الغزّ المحجّلين امير المؤمنين فداه روحي وارواح العالمين صلوات اللّه وسلامه عليه وعلى ابنائه الطاهرين الى يوم الدين : عقّوا عن اولادكم يوم السابع وتصدقوا بوزن شعرهم فضّة على مسلم ، وكذلك فعل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بالحسن والحسين علیهماالسلام وسائر ولده علیهم السلام ... المواعظ العددية ، باب الاربعمائة ، ص 294.

ص: 131

ذبح الولد

من العجيب الذي لا يكاد يصدّق - لولا الايمان - أن نبيّا من اولى العزم يرى في المنام أنه يذبح ولده ، ثم يقصد تصديق منامه ، وتلّه للجبين ، وناديناه ان يا ابراهيم قد صدّقت الرؤيا. وهكذا سيّد قريش عبد المطلب رضوان اللّه تعالى عليه ينذر ذبح ولده العاشر وهو عبد اللّه أبو النبي صلی اللّه علیه و آله ، فيفدي بمائة من الابل كما أفدي اسماعيل بذبح عظيم فبهذه وذلك يدفع عنها الذبح ويبقى الفخر مدي الزمان حتى يقول رسول صلی اللّه علیه و آله : أنا ابن الذبيحين.

1 - حدثنا احمد بن الحسن القطّان ، قال : اخبرنا احمد بن محمد سعيد الكوفي ، قال : علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن ابيه قال : سألت ابا الحسن علي بن موسى الرضا عليه الصلاة والسلام عن معنى قول النبي صلی اللّه علیه و آله انا ابن الذبيحين ، قال علیه السلام : يعني اسماعيل بن ابراهيم الخليل علیه السلام ، وعبد اللّه بن عبد المطلب. أما اسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشّر اللّه به ابراهيم ، فلما ابلغ معه السعي ، قال يا بني اني أرى في المنام أني اذبحك ، فانظر ماذا ترى ، قال يا أبت افعل ما تؤمر ، ولم يقل له يا ابت افعل ما رأيت ، ستجدني ان شاء اللّه من الصابرين ، فلّما عزم

ص: 132

على ذبحه فداه اللّه بذبح عظيم ، بكبش املح يأكل في سواد ، ويشرب في سواد ، وينظر في سواد ، ويمشي في سواد ، ويبول ويبعر في سواد ، وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة اربعين عاماً ، وما خرج من رحم انثى ، وانّما قال اللّه جلّ وعزّ له كن فكان ليفدي به اسماعيل ، فكلما يذبح بمنى فهو فدية لاسماعيل الى يوم القيامة ، فهذا احد الذبيحين. وأمّا الآخر ، فان عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ودعا اللّه عزوجلّ أن يرزقه عشرة بنين ، ونذر لله عزوجلّ ان يذبح واحداً منهم متى اجاب اللّه دعوته ، فلما بلغوا عشرة « اولاد » قال قد وفي اللّه لي ، فلأوفّين لله عزوجل ، فأدخل ولده الكعبة ، واسهم بينهم ، فخرج سهم عبد اللّه أبي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وكان احبّ ولده اليه ، ثم اجالها ثانية ، فخرج سهم عبد اللّه ، ثم اجالها ثالثه ، فخرج سهم عبد اللّه ، فأخذه وحبسه ، وعزم على ذبحه فاجتمعت قريش وقنعته من ذلك ، واجتمع نساء عبد المطلب يبكين و يصحن ، فقالت له ابنته عاتكة ، يا ابتاه اعذر فيما بينك وبين اللّه عزّ وجلّ في قتل ابنك ، قال فكيف اعذر يا بنيّة فانك مباركة ؟. قالت اعمد الى تلك السوائم التى لك في الحرم ، فاضرب باقداح على ابنك وعلى الابل ، واعط ربك حتى يرضى ، فبعث عبد المطلب الى ابله ، فأحضرها وعزل منها عشراً ، وضرب بالسهام فخرج سهم عبد اللّه ، فما زال يزيد عشراً عشراً حتى بلغت مائة ، فضرب فخرج السهم على الابل ، فكبرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة ، فقال عبد المطلب لا ، حتى اضرب بالقداح ثلاث مرّاة ، فضرب ثلاثا ، كل ذلك يخرج السهم على الابل ، فلمّا كان في الثالثة ، اجتذبه الزبير وابو طالب واخوانه من تحت رجليه فحملوه وقد انسلخت جلده خدّه الذي كان على الارض ، واقبلوا

ص: 133

يرفعونه ، ويقبّلونه ، ويمسحون عنه التراب ، وأمر عبد المطلب ان تنجر الابل بالخروره ، ولا يميع احد منها ، وكانت مائة. وكانت لعبد المطلب خمس سنن اجراها اللّه عز وجل في الإسلام : حرّم نساء الآباء على الابناء ، وسن الديه في القتل من الابل ، وكان يطوف بالبيت سبفة اشواط ، ووجد كنز فاخرج منه الخمس ، وسمي زمزم كما حفرها سقاية الحاج. ولو ان عبد المطلب كان حجه ، وأنّ عزمه على ذبح ابنه عبد اللّه شبيه بعزم ابراهيم على نبينا وآله وعليه على ذبح ابنيه اسماعيل لما افتخر النبي صلی اللّه علیه و آله بالانتساب اليهما لأجل أنهما الذبيحان ، في قوله صلی اللّه علیه و آله انا ابن الذبيحين ، والعلة التى من اجلها رفع اللّه عزوجلّ الذبح عن اسماعيل هي العلّة التي من اجلها رفع اللّه الذبح عن عبد اللّه ، وهي كون النبي صلی اللّه علیه و آله والأئمّة علیهم السلام في صلبيهما فببركة النبي والأئمّة علیهم السلام رفع اللّه الذبح عنهما ، فلم تجر السنة في الناس بقتل اولادهم ولو لا ذلك لوجب على الناس كل اضحى التقرّب الى اللّه تعالى ذكره بقتل اولادهم ، وكلّما يتقّرب الناس به الى اللّه عزّ وجّل من اضحية فهو فداء لاسماعيل الى يوم القيمة ... الخصال ، باب الاثنين ، ص 45 ، الحديث 78.

2 - حدثنا احمد بن هارون الفاصي ، وجعفر بن محمّد بن مسرور رضی اللّه عنه قالا : حدّثنا محمد بن جعفر بن بطة ، عن محمّد بن حسن الصفار ، عن العباس بن معروف عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عمن اخره ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : أول من سوهم عليه مريم بنت عمران ، وهو قول اللّه عز وجل ( وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ

ص: 134

أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) ( آل عمران - 44 ) ، والسهام ستة ثم استهموا في يونس لما ركب مع القوم ، فوقفت السفينة في اللجّة ، فاستهموا فوقع السهم على يونس ثلاث مرّات ، قال : فمضى يونس الى صدر السفينة ، فاذا الحوت فاتح فاه ، فرمي بنفسه. ثم كان عبد المطلب ولد له تسعة فنذر في العاشر ، ان يرزقه اللّه تعالى غلاماً أن يذبحه ، قال علیه السلام : فلمّا ولد عبد اللّه لم يكن يقدر أن يذبحه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله صلبه ، فجاء بعشر من الابل وساهم عليها وعلى عبد اللّه ، فخرج السهام على عبد اللّه ، فزاد عشرا ، فلم يزل السهام يخرج على عبد اللّه ويزيد عشرا ، فلما « لأن » بلغت مائة خرجت السهام على الابل ، فقال عبد المطلب ما انصفت ربي فأعاد السهام ثلاثاً فخرجت على الابل ، فقال الآن علمت أن ربي قد رضى ، فنحرها ... الخصال ، باب الثلاثة ، ص 124 ، الحديث 198.

ص: 135

المصائب

الدنيا دار محفوفة باليلاء والمصائب ، فلا يسلم نزّالها ، ولا بد لكل انسان عاش وجه البسيطه أن يصاب بها ، فمن صبر ظفر، ومن لجّ كفر.

1 - قال الحسن بن على علیهماالسلام : مصائب الدنيا اربع منها موت الوالد وهو قاصم الظهر ، وموت الولد وهو صدع الفوآد ... معدن الجواهر ، باب ذكر ماء في اربعة ، ص 42.

ص: 136

الفقدان

لا شك ولا ريب أن الولد قطعة من الكبد ، فهو اذ يمشي على الأرض يتحرّك كبد والديه بتحرك قدميه ، وما من أبوين الاّ ويعقدان آمالاً على ولدهما ، متى يجنيا ثمره ، ويرو أثره. فاللّه اللّه من ساعة يدنوا اليه هادم اللذات ومفرّق الجماعات ، الملك المقرب عند الملك العلاّم ، فسيترّد الأمانة ، وعندها تشب النيران في قلوب الأهل و الأحبة والاخوان ، فتحرق كبد الأبوين بلهب الفقد والفرقة.

1 - قال أمير المؤمنين عليه صلوة رب العالمين ، فقد الولد محرّق الكبد. جاء في درر الكلم حرف الفاء ، ص 209.

2 - حدثنا ابو احمد محمد بن جعفر البنداد ، قال : حدثنا أبو العباس الحمادي ، قال : حدثنا محمد بن علي الصايغ ، قال : حدّثنا عمرو بن سهلو بن زنجلة الرازي ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الاوزاعي ، عن أبي سلام الاسود ، عن ابي سالم راعي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أنه قال : سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول خمس ما أثقلهنّ في الميزان : سبحان اللّه. والحمد لله ولا اله الاّ اللّه. واللّه اكبر. والولد الصالح يتوفّى لمسلم فيصبر ويحتسب ... الخصال ، باب الخمسة ، ص 217 ، الحديث 1.

ص: 137

3 - ( أقول ) كان خمسة من المشركين قد استهزؤا بالنبي صلی اللّه علیه و آله ، فأنزل اللّه تعالى بلاء عليهم في آن واحد ، و نزلت الآيه الكريمه ( إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) . حدثنا احمد بن الحسن القطّان ، قال : حدثنا ابوالقاسم عبد الرحمن بن محمد الحسني ، قال : حدّثنا ابو العباس محمد بن على الخراساني ، قال : حدثنا ابو سعيد سهل بن صالح العياشي ، عن ابيه ، وابراهيم بن عبد الرحمن الأبلي ، قال حدثنا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام ، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد ، قال : حدثني أبي محمد بي علي قال : حدثنى أبي علي بن الحسين ، قال : حدثني أبي الحسين بن على علیهم السلام جميعا ، أن أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام ، قال : ليهودي من يهود الشام - الى أن قال - وأما الأسود بن عبد يغوث ... الى آخر في القصّه ... قال مصنّف الكتاب - يعني الخصال - ويقال في خبر آخر في الأسود قول آخر ، يقال أن النبي صلی اللّه علیه و آله كان قد دعا عليه ان يعمي اللّه بصره ، وأن يثكله ولده ، فلّما كان في ذلك اليوم - اي يوم نزول البلاء على النفرات الخمس - جاء حتى صار الى كدا - وهو جبل في اسفل مكة عن طريق اليمن - فأتاه جبرئيل علیه السلام بورقة خضراء ، فضرب بها وجهه فعمي ، وبقى حتى اشكله اللّه عزّ وجلّ ولده يوم بدر ، ثم مات ( عليه ما يستحق من العذاب ).

ص: 138

التعزية

لا بد من تعزية من يصاب بمصيبة ، وأي مصيبة أدهي وأشد من فقد الولد فلقلبه اللّه وعظّم اللّه تعالى اجره ، وأجزل ثوابه ، وأجمل صبره ، وأخذ بيده يوم لا ينفع مال ولا بنون ، ان شاء اللّه تعالى وتقدّس.

1 - عزّى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام من ربّ الأنام رجلا مات له ولد : ورزق ولد فقال علیه السلام : عظم اللّه اجرك فيما اباد ، و بارك لك فيما افاد. جاء في كتاب درر الكلم ، في حرف العين ص 205.

ص: 139

الاحتساب

ينبغي بل يجب على كل مسلم فطن أن يعلم أن كل ما عنده هو من عند اللّه تعالى ، وأنّ اللّه حق في كل ما ملّكه وسلّطه عليه ما دام في قيد الحياة ، فلا يبخل بمال ولا ولد ولا أهل ولا نفس ، ويعطي ، وان كان الجميع ، في سبيل اللّه ولا تأخذه في اللّه شح نفس ، او غلّ يد ، فان العبد وما في يده كان لمولاه.

1 - قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يوما : أيها الناس مالرقوب فيكم ؟. قالوا : الرجل يموت ولم يترك ولداً. فقال صلی اللّه علیه و آله : بل الرقوب حق الرقوب رجل مات ولم يقدّم من ولده احداً يحتسبه عند اللّه تعالى ، وان كانوا كثيرا بعده ... تحف العقول ، مواعظ النبي ، ص 33.

ص: 140

قانون الوراثة

انّ حكم قانون الوراثة يجري في الآباء والابناء بمعنى أنّه اذا كان في الوالد طبيعة أو عيب يرثه الولد ، ولو كان بعد عدة أظهر ، وقد جرّب هذا المعنى وثبت علميا.

لذا كان أئّمتنا علیهم السلام يخبرون عن أفراد أشياء وأمرون شيعتهم بانتظارها فيهم اولادهم.

وهكذا يكون العكس ، بعنى أنه ينسب لشخص أمر ولا يكون فيه ولكن كان في أبيه او أحد آبائه.

1 - محمد بن اسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : اذا قلنا في رجل قولا فلم يكن فيه ، وكان في ولده أو ولد ولده ، فلا تنكروا ذلك فان اللّه تعالى يفعل ما شاء ، الكافي ج 1 ، باب في انه اذا قيل في الرجل ، ص 450 ، الحديث 2.

2 - الحسين بن علي ، عن معلي بن محمد ، عن الوشاء ، عن احمد بن عائذ ، عن أبي خديجة قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : قد يقوم الرجل بعدل او بجور ، وينسب اليه ، ولم يكن قام به. فيكون ذلك ابنه او ابن ابنه من بعده. فهو هو. الكافي ج 1 ، باب في انه اذا قيل في الرجل ، ص 450 ، الحديث 3.

ص: 141

السلطة الماليّة

ان سلطة الأب على الولد مما لا يتنازع فيه اثنان ، ولمّا كان الأب هو السبب المباشر ظاهرا في كينونه ابنه كان له حق التصرّف في امواله ومع عدم علمه ، لذا جاء في شرايع الإسلام :

1 - في قطع يد السارق : أن لا يكون والداُ من ولده ، ويقطع يد الولد لو سرق من الوالد.

ص: 142

ارث الوالدين

كما أنّ الوالدين يوثان الابناء ، كذلك الابناء تورث - في بعض الأحايين - الوالدين والمشرّع الجليل جلّت عظمته لم يهمل حقّا لأحد مهما صغرأ وكبر.

1 - قال تعالى في محكم كتابه الكريم : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ، وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ، آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ، فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ( النساء - 11 ).

ص: 143

الارث للولد

لا بد للآباء توريث أبنائهم. أما المال فليس بمهم والمهم الادب والحكمة والمعرفة وما اشبه. والخير كل الخير في توريث العلم.

1 - قال ابو ذرجمهر : ما ورّثت الآباء الابناء خيرا من ثلاثة اشياء : الادب النافع ، والاخوان الصالحون ، والثناء الجميل ... معدن الجواهر ص 36.

2 - من كلمات اميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام : اين من جمع فأكثر ، اعتقب ، واعتقد ونظر ، بزعمه للولد ... في كتاب درر الكلم في حرف الألف ، بألف الاستفهام.

3 - وقال تعالى بالنسبة للمال : لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ... ( النساء آيه 7 ).

4 - وقال تعالى : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ... ( النساء آية 11 ).

5 - وقال القدير جلّت قدرته : وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ... ( النساء الآية 33 ).

ص: 144

ارث الانثى

ان الانسان يورّث والتوريث له افراد متنوعة ، فبعض يورث العلم والأدب ، وبعض يورّث الشرّ في الورثه كما رأيناه بأم اعيننا في زماننا هذا ، فان قبل اعوام مات احدهم و اوصا ابنه الاكبر بأنه يبعد عن العلماء فانهم يتحيّلون عليه وعلى اخوته ويأخذون بعض اموالهم باسم الحقوق الشرعية ، وهو مات ولم يؤدى فلسا واحدا لاولاده هكذا زرع التباغض و التباعد في قلوب اولاده بالنسبة للعلماء ولأهل الدين ولكن ربك بالمرصاد فما مضت الليالي والأيام الاّ وقضى على ولده الاكبر بالسرطان وتشتت الباقون هداهم اللّه تعالى. اما بالنسبه لتوريث المال فقد حدّد اللّه تعالى للذكور والاناث كل حسب ما تقتضيه المصلحة العامة والخاصة.

1 - قال عزّ من قائل : لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ... النساء آية 7.

2 - وقال تبارك وتعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ

ص: 145

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ... ( النساء - 11 ).

ص: 146

ختامه مسك

هذا ما وجدته لوالدي قدس سره من كتابه ( الاثر الخالد ) ، وقد طبعته على ما وجدته ، وقد طبعه بيده بالتايب - ولكي يكون ختامه مسك ارتأيت ان اختمه بدعائين من الصحيفة السجادية لمولانا وامامنا الامام علي بن الحسين زين العابدين علیه السلام ، ولكي تعم الفائدة ، نقلتها من كتاب ( في ظلال الصحيفة السجادية ) للكاتب الشهير الشيخ محمد جواد مغنية قدس سره ثم أردفتهما بلمحة من حياة السيد الوالد من كتاب ( الكوكب الدّري في حياة السيد العلوي ).

أملي من القراء الكرام ان يذكروه بالدعاء وبفاتحة وسورة مباركة من كتاب اللّه الكريم ، ولهم من اللّه الاجر و الثواب ، ومن أسرته ألف شكر ، ودمتم بخير.

العبد

عادل العلوي

ايران - قم - ص ب 3634

ص: 147

ص: 148

- 24 -

لأبويه

أللهمّ صَلّ عَلى محُمّدٍ عَبْدكَ وَرَسُولكَ ، وأهْلِ بيْته الطاهِرين ، واخْصُصْهمْ بأفْضَل صَلواتك وًرَحْمتك وَبَركاتك وَ سَلامكَ ، وَاخْصُصِ اللّهُمّ والديّ بالكَرامة لديْكَ ، وَالصّلاةِ منْكَ يَا أرْحَمَ الرّاحمينَ.

أللْهُمّ صَلّ عَلى مُحمّدٍ وَآله ، وَ اْلهْمْنيعلْم مَا يًجبُ لهَمًا عَلَيّ ألْهَاماً ، وَاجْمَعْ لي علْمَ ذَلكَ كُلّهُ تمَاماً ، ثُمّ اسْتعْملنْي بمَا تُلهْمُني منْهُ ، وَوَفَقْني للنُفوذ فيمَا تُبْصّرُني مِنْ علُمِهِ ، حَتّى لا يفُوتني استْعْمًالُ شيء عَلًمتِْنيِه ، ولا تثَْقُل أرْكاني عَنِ الْحَفُوفِ فيماَ ألْهّمْتِنيه.

( وألهمني علم ما يجب لهما ... ) العلم بالحلال والحرام لا ينبع من داخل الانسان وأوهامه ، وانما يؤخذ من الوحي أو من يمضيه الوحي ويقره ، ولذا طلب الامام من اللّه سبحانه أن يرشده ويهديه الى ما يجب عليه لوالديه ، ويتلخص هذا الواجب بطاعتهما في كل شيء الا في معصية اللّه حيث طاعة

ص: 149

لمخلوق في معصية الخالق ، وبهذا نجد تفسير الآية 8 من العنكبوت : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ) وغيرها من آيات هذا الباب وأحاديثه.

وبالمناسبة أشير ، لمجرد التنبيه والتحذير ، أني أعرف شيخاً باسمه وشخصه يحلل و يحرم ويحكم بالفروج والأموال بوحي من فهمه ووهمه ، أما الدرس والمراجعة والمطالعة فهي للذين يسيرون على الطريق لا لمن يطفر بلا رابطة وواصلة ! ومع هذا يؤمن ويوقن أنه ألمع من تخرج من مدرسة الامام جعفر الصادق علیه السلام ! أعاذنا اللّه من مضع هذا الهواء.

( واجمع لي علم ذلك ... ) اشارة الى واجبات الوالدين بالكامل ، والمعنى إجعلني عالماً بكل ما عليّ لهما ( ثم استعملني بما تلهمني ، ووفقني للنفوذ ... ) بعد أن طلب الامام من اللّه الهداية الى العلم بالواجبات سأله التوفيق الى العمل بموجب العلم ، لأن الهدف الاساس من كل علم هو التفيذ والتطبيق ، وبتعبير فيلسوف معاصر : « ليست المعرفة - أو بناءات - تبني بالذهن ليتعلمها الانسان ، ثم يأوي الى مخدعه ليستريح » وكفى.

( ولا تثقل أركاني عن الحفوف ... ) المراد بالثقل هنا الكسل والفتور وبالأركان الأعضاء التي يتركب منها البدن ، وبالحفوف الخدمة ، من حفف الخدم حوله أي أحدقوا به ، والمنى : هب لي من لدنك قوة ونشاطاً في طاعة والدي ومرضاتهما.

أللّهمّ صَلّ عَلى مُحَمّد وَآلهِ ، كَمَا شرَفْتَنَا بهِ ، وَصَلّ على مُحمّد وَآله ، كَمَا أوْجَبْت لنَا الحْقّ عَلى الْخَلْقِ بِسَببِه.

ص: 150

أللّهُمّ اجْعَلْني أهَابُهُما هيَبْةَ السّلْطَانِ الْعسُوفِ ، وَأبَرهُما بْر الأمّ الرّؤوفِ ؛ وَاجمْعل طَاعتني لِوالدَيّ وَبِرّي بهِمَا أقَرّ لِعيْني من رقدة الوسنان ، وأثلج لصدري من شَربة الظّمآنِ ؛ حَتّى الوْسْنانِ ، وَأستكثْر بِرّهُمَا بي وإن قَلّ ، وَأستْقِلّ بِرّي بِهِمَا وَأنْ كثُرَ.

( اللّهم صل على محمد وآله كما شرفتنا به ) أي بميراثنا لعلمه ، وعملنا بسنته ، وسيرنا على طريقته ، لا بمجرد الانتساب اليه ، قال سبحانه : « فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ - 101 المؤمنون ... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ - 13 الحجرات ». وسئل الرسول الأعظم صلی اللّه علیه و آله عن أحب الناس الى اللّه ؟ فقال : « أنفعهم للناس ». ويأتي في الدعاء 42 : « لترفعنا فوق من لم يطق حمله » أي حمل علم الكتاب والسنة ( كما اوجبت لنا الحق على الخلق بسببه ) يشير بهذا الى الآية 23 من الشورى : ( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) وما وجبت هذه المودة الا لأن أهل البيت علیهم السلام امتداد لجدهم الرسول صلی اللّه علیه و آله علماً وعملا وسيرة وسريرة.

( أللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف ) : الظلوم ، يهاب والديه على دنوه منهما وعلمه بأنهما أرأف به من نفسه ، ولا غرابة ، ايها هيتة التعظيم والتقدير ، لاهيبة الخوف من العقاب العسير ، هيبة الأبوة التي لا يشعر بها الا العارفون. كانت فاطمة علیهاالسلام بضعة من النبي صلی اللّه علیه و آله ، وأحب الخلق الى قلبه ومع هذا كانت تقول : ما استطعت أن أكلم أبي من هيبته ( وأبرهما

ص: 151

بر الأم ... ) ولا شيء عند الأبوين أغلى وأثمن من بر الابن بهما ، علماً بأنه وفاء لدين سابق ... ومع هذا يسعدان به سعادة الغارس بثمرات غرسه ، وبهذه السعادة نفسها يشعر الابن البار اذا تأكد من سعادة أبويه به ، ورضاهما عنه.

( الوسنان ) : من أخذ النعاس ( واستكثر برهما بي وان قل ، واستقل بري بهما وان كثر ) الخير منه ضئيل وصغير بالغاً ما بلغ ، ومنهما جليل وكبير وان كان حبة من خردل ؟! وليس هذا تواضعاً ، بل ايماناً وعظمة نفس ، وشعوراً حياً بمسؤولية التكليف ، وهو أمره تعالى : ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ - 14 لقمان ) وكل شيء قليل في جنب اللّه والشكر له لمن قرن شكره بشكره. وهكذا العظيم يستصغر الحسنة منه وان كبرت ، ويستكبر السيئة وان صغرت على العكس تماماً من الحقير ، وفي الحديث الشريف : « المؤمن يرى ذنبه فوقه كالجبل ، يخاف ان يقع عليه ، والنافق يرى ذنبه كذباب مر على أنفه فأطاره ». وقال قائل لأحد المتقين حقاً : رأيت في منامي أنك في الجنة. فقال له : ويحك أما وجد الشيطان من يخرمنه غيري وغيرك ؟.

أللّهُمّ خَفَض لهُمَا صوتي ، وَأطبْ لَهمُا كَلامي ، وَألنْ لَهمَا عرَيكتي ، وَاعطفْ عَليهْما قلْبي ، وَصَيرّني بهِما رَفيقاً ، وَعليْهما شفيقاً ؛ أللّهُمّ اشْكُرْ لَهُما تربِيَني ، وأثِبْهُما عَلى تَكْرِمتي ، وَاحْفظ لَهُما مَا حَفظَاه مِنّي في صِغَري.

أللّهُمّ وَمَا مَسّهُمَا مِنّي مِنْ أذىّ ، أوْ خَلَصَ اليَهْماَ عنّي مِنْ مَكْرُوهٍ ، أوْ ضاعَ قِبَلي لَهمُمَا مِنْ

ص: 152

حَقّ ... فاجْعَلْهُ حِطّةّ لِذُنوبِهِمَا ، وَعَلُوّا في دَرَجَاتِهِمَا ، وَزياَدَةً في حَسَناَتِهِماَ ؛ يَا مُبَدّلَ السّيئّاتِ بأضْعَافِهَا مِنَ الحْسَناَتِ.

( أللهم خفّض لهما صوتي ) غض الصوت وخفضه من الآدب الشرعية والعرفية ، بخاصة عند مخاطبة الكبار وأهل المكانة. وفي الآية 19 من لقمان : ( وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) ( وأطب لهما كلامي ) قال سبحانه : ( فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا - 23 الأسراء ) على أن الكلمة الطيبة بوجه عام كالشجرة الطيبة ( أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ - 25 ابراهيم ) ( عريكتي ) طبيعي ( رفيقاً ) : لطيفاً لا فظاً غليظاً.

( أللهم واشكر لهما ... ) أجزهما بالاحسان احساناً ، وبالسيئات عفواً وغفراناً ( واحفظ لهما ما حفظاه مني في صغري ) أجزل لهما الأجر والثواب على ما لقيا من التعب والعناء في سبيلي رضيعاً وصبياً. وقال رجل للنبي صلی اللّه علیه و آله : ان أبوي بلغا من الكبر عتياُ ، وأنا أولى منهما - أباشر - ما وليا مني في الصغر فهل قضيت حقهما ؟ قال : لا ، فانهما كانا يفعلان ذلك وهما يحتان بقاءك ، وأنت تفعله ، وتريد موتهما ( أللهم وما مسهما مني من أذى ... ) كل ما أصابهما بسبي من مكروه ( فاجعله حطة ) : محواً ( لذنوبهما وعلواً ) لمقامهما عندك بحيث يكون شقاؤهما بي في الدنيا سبباً لسعادتهما في الآخرة.

( يا مبدل السيئات بأضعافها حسنات ) لمحو السيئات العديد من الطرق منها التوبة ، ومنها اصلاح ذات البين وكل عمل نافع مفيد للفرد والجماعة ، ومنها المرض فانه يحط السيئات ، ويحتها حت الأوراق ، على حد تعبير

ص: 153

نهج البلاغة ، ومنها العدوان حيث يتحمل المعتدي سيئات المعتدى عليه ، وأيضاً يأخد هذا حسنات ذاك ، وسبقت الاشارة الى ذلك في الدعاء 22 عند تفسير « تقاضي به من حسناتي وتضاعف به من سيئاتي ».

أللّهُمَّ وَمَا تَعَدّيَا عَلَيّ فيِه مِنْ قَوْل ، أوْ أسْرَفا عِلِيّ فِيٍه مِنْ فعٍل ، أوْ ضَيَّعاهُ لي مِنْ حَقّ ، أوْ قَصّرا بي عنَْهُ مِنْ واجِبٍ ... فَقَدْ وهَبْئُهُ لَهُمَا ، وَجُدْتُ بِهِ علَيْهِمَا ، وَرَغبتُ اليَك في وَضْع تبَعتِه عَنْهمَا ، فانّي لا أتهّمُهُمَا ، عَلى نَفْسي ، وَلا أستْبْطئُهُمَا في بِرّي ، وَلا أكْرهُ مَا تَولَياَهُ مِنْ أمرْي يَارَبّ ؛ فهُمًا أوجبُ حَقاً عَلَيّ ، وَأقْدم احْساناً الَيّ ، وأعظَمً منّةً لَدَيّ ... مِنْ أنْ أقاَصّهُمَا بِعَدلٍ ، أوْ أجَازِيهُمَا عَلى سِئْلٍ.

أيْن اذاً يَا الَهي طُولُ شُغْلِهِما بترَبيَني ؟ وأيْنَ شِدُةُ تَعَبهِمَا في حِراستي ؟ وأيْنَ اقْتَارُهُمَا عَلى أنفْسِهمَا للتَوْسِعَة عَلَيّ ؟ هًيْهَاتَ مَا يسَتْوفِيَانِ مِنّي حَقّهُمَا ، وَلا أدْركُ مَا يَحِبُ عَلَيّ لَهُمَا ، وَلا أنَا بِقَاضٍ وَظيفَةَ خِدْمَتِهِمَا.

( أللهم وما تعديا علي فيه ... ) كما أوجب سبحانه حقوقاً للوالدين على والولد ، أوجب أيضاَ حقوقاً له عليهما ، ومن أهمل وقصّر استحق اللوم والعقاب والداً كان أو ولداً ، والامام السجاد علیه السلام يتجاور ويتنازل عما

ص: 154

افترضه اللّه له على أبويه ، وحملهما من حقه أياً كان نوعه ويكون ، وعبّر عن هذا التسامح والتجاوز بقوله : ( وهبته لهما ... ) أسألك اللّهم أن لا تؤاخذ أبوي على أي شيئ يتصل بي من قريب أو بعيد ( فاني لا أتهمهما على نفسي ... ) هما عندي وفي عقيدتي من الناصحين المخلضين لا تواني منهما في ولا تقصر ( ولا أكره ما توليا من أمري ) مهما أبي من المحبوب محبوب ، والعكس بالعكس.

( فهما أوجب حقا علي واحساناً الي .... ) لي حق ولهما حق ، ولكن حقهما اقدم وأعظم ( من أن أقاصهما بعدل ... ) لا مقاصة عادلة الا مع المساواة ، ولا مكان لها بين المنعم والمنعم عليه. ومن هنا يُقتل الولد بوالده ، ولا يُقتل الوالد بالولد.

( أين اذن يا الهي طول شغلهما ... ) لقد تحملا الضيق والشدة لاعيش في سعة ، والتعب والعناء لأكون في راحة ، والذل والهوان من أجل سعادتي ( هنهات ) بفتح التاء وكسرها وضمها : اسم فعل بمعنى بعد ( ما يستوفيان حقهما ... ) أقر وأعبرف بالعجز عن القيام بحقهما مهما اجتهدت وبالغت ، لأنه جسيم وعظيم.

وبعدُ ، فمن أراد أن يستدرك ما فرط من حق أبويه بعد موتهما ، فليستغفر اللّه لهما ، ويقض دينهما ، ان كان عليهما شيء منه اللّه أو للناس والا تصدق عنهما بما يستطيع. وفي الحديث : من الابرار يوم القيامة رجل برّ والديه بعد موتهما.

فَصَلّ عَلى مُحمّدٍ وَآلِه ، وَأعِنّي يَا خيْر مَنْ أسْتَعينُ بِهِ ، وَوَفقْني يَا أهْدى مَنْ رُغبَ الَيْهِ ،

ص: 155

وَلا تَجْعَلْني في العْقُوقِ للأباءِ وَألأمّهَاتِ يَوْمَ تجزْى كُلّ نَفْسٍ بمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.

أللّهُمّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلهِ وَذُرّيّتِهِ ، وَاخْصُصْ أبَويّ بأفْضلِ مَا خَصَصْتَ بِهِ آباء عِبَادك المُؤمنينَ وَأمّهَاتِهِمْ ، يَا أرْحم الرّاحِمينَ.

( وأعني يا خير من أستعين به ... ) كل أدعية أهل البيت علیهم السلام ومناجاتهم ، تهدف الى طلب الهداية والعون والتوفيق للعلم بالحق والخير والعمل بموجبه ، لأن التوفيق هو الأصل والمنطلق لكل نفع وصلاح دنيا وأخرة ( ولا تجعلني في أهل العقوق ) : العصيان والتمرد ( للآباء والأمهات ) ولا أدري كيف يعق الولد والديه ، وهو على علم اليقين أنهما أرحم به من نفسه ، وأنهما يضحيان بالنفس والنفيس من أجله ، ولا يجزي الاحسان بالاساءة الا من فيه طبع الحية والعقرب.

( وصل على محمد وآله وذريته ) قيل : الذرية أخص من الآل ، لأن الآل لكل ذي رحم ، والذرية للنسل فقط. ولكن المراد هنا العكس ، لأن القصد من كلمة الآن في الصلاة عليه وعليهم ، المعصومون بالخصوص ، أما الصلاة على الذرية فتعم كل مؤمن صالح من نسل الرسول الأعظم صلی اللّه علیه و آله ( واخصص أبوي بأفضل ) ما تخص به المقربين لديك.

أللّهُمّ لا تُنْسنِي ذِكْرَهُمَا في أدْبَار صَلَواتي ، وفي انيً مِنْ آنَاءِ لَيْلي ، وفي كُلّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ نَهَاري.

ص: 156

أللّهُمّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ ؛ واغْفِرْ لي بدُعَائي لهَما وَاغْفِرْ لَهُمَا بِبِرّهِمَا بي مَغْفِرةً حَتْماً ؛ وَارْضَ عَنْهُما بِشَفاعتَي لهُما رضىً عَزْماً ، وَبَلغْهُمَا بِالْكرامَةِ مَواطِنَ السّلامَةِ.

أللّهمّ وَانْ سَبَقَتْ مَغْفِرتُكَ لَهُمَا فَشَفَّعهُما فيَّ ، وَانْ سَبَقَتْ لَهُمَا مَغْفرتُكَ لي فَشَعْني فِيهِما ، حَتّى نَجْتْمِع بِرأفتِكَ في دارِ كَرامَتِكَ وَمَحَلّ مَغْفْرتُكَ وَرَحْمَتِكَ.

إنّكَ ذُو الْفضلِ العْظِيمِ ، وَالمْنّ الْقديمِ ، وَأنْتَ أرحْمُ الرّاحِمنَ.

( أللهم لا تنسني ذكرهما في أدبار صلواتي ) كان الشعب العاملي ، المعروف الآن بجنوب لبنان ، من أشد الناس ولاء لأهل البيت علیهم السلام وأحرصهم على حفظ مناقبهم وآثارهم ، وبخاصة الأدعية حيث يكررونها صباح مساء ، وكان من عادة العامليين أن يقرأوا سورة الفاتحة بعد الصلاة ، يهدون ثوابها إلى الأبوين ، وما زال الكثير منهم على ذلك. وغير بعيد أن يكون المصدر هذا الدعاء بالذات ( وفي آناء من آناء ليلي وفي كل ساعة ... ) لا تنسني ذكرهما في أي وقت وحين.

( واغفر لي ... ) اجعل ثوابي عندك على البر بهما ، وثوابهما على البر بي - مغفرتك ورحمتك لي ولهما ( حتماً ) : غفراناً محتوماً ( رضىّ عزماً ) : معزوماً أي مقصوداً ( وبلغهما بالكرامة ومواطن السلامة ) تكرم

ص: 157

عليهما بالجنة وتفضل ( وإن سبقت مغفرتك لهما ... ) إن تك منزلتهما لديك أعلى وأرفع من مكانّي فارحمني بشفاعتهما ، وإن تك منزلتي أعلى فارحمهما بشفاعتي ( حتى نجتمع ) في جنانك ، ونسعد برضوانك.

والخلاصة أن للوالدين حقوقاً تمتاز عن أكثر الحقوق حتى عن حق المؤمن على المؤمن ولو كان الأبوان مشركين بنص القرآن الكريم : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا - 15 لقمان ) .

ص: 158

- 25 -

لولده

اشارة

أللّهُمّ وَمُنّ عَلَيَّ بَبقَاء وُلْدي ، وَبإصْلاحِهِم لَي وَبِإمتاعَي بهِم ، إلهَي امْدُدْ لي في أعْمَارِهِمْ ، وَزِدْ لي في آجَالهِم ْ ، وَرَبّ لي صَغيرَهُمْ ، وَقًوّلي ضَعِيفَهُمْ ، وَأصحّ لي أبدْانَهُمْ وأدْيَانَهُمْ وَأخْلاقَهُمْ ، وعَافِهِم في أنْفٌسهِم وَفي جَوارِحهِم وفي كُلّ ما عُنُيتُ بِهِ مِنْ أمْرهِمْ ، وَأدْرِر لي وَعلَىَ يَدي أرْزاقَهُمْ ، وَاجْعلْهُم أبْراراُ أتْقياءَ بُصَراءَ سَامعينَ مُطيعينَ لَكَ ، وَلأوْلِيَائكَ مُحبّينَ مُنَاصحينَ ، وَلِجَميعِ أعْدَائِكَ مُعانِدينَ وَمُبَغِضينَ ؛ آمينَ ...

( أللهم ومنّ عليّ ببقاء ولدي ) يتمنى الوالد طول الحياة لولده ، لأنه امتداد لوجوده وذكره وأجله وعمره ( وبإصلاحهم لي ) اجعلهم من أهل الإيمان والصلاح كي يطيعوك شاكرين ، ويسمعوا مني غير عاصين ( وبامتناعي بهم ... ) أتقوى بهم في شيخوختي ، ويخدموني في ضعفي وعليّ ( وربّ لي صغيرهم ) مدني بالعون من فضلك على تربيتهم تربية صالحة نافعة.

ص: 159

التوكل في العمل لا في البطالة والكسل

( وقوّ لي ضعيفهم وأصح ... ) أسألك يا إلهي أن يكون أولادي بالكامل اصحاء آقوياء وأبراراً أتقياء ... وليس معنى هذا أن يهمل الوالد شأن أولاده بالمرة ، ويترك تدبير هم لله وهو واقف ينظر ويتفرج ، بل معناه أن يأخذ للأمر هبته من أجلهم ويكافح بلا كلل وملل ، في سبيلهم متوكلاً على اللّه مستعيناً به في التوفيق وبلوغ الغاية ، واللّه سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، كيف وقد أمر بالجهاد والنضال وقال فيما قال : ( اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ - 105 التوبة ) وندد بمن يعيش كلا على سواه في الآية 76 من النحل.

وما من شك أن من ترك الكدح والعمل مع طاقته وقدرته بزعم الإتكال على اللّه - فقد تمرد على أمره تعالى ، و وضع رأيه فوق مشيئة الخالق وإرادته من حيث يريد أو لا يريد ، وتوابر عن الرسول الأعظم صلی اللّه علیه و آله : « إعقلها وتوكل » وقال حليم قديم : إن اللّه سبحانه أمرنا بالتوكل عليه في العمل لا في البطالة والكسل. وبكلام آخر أن التربية من صنع الإنسان ، ولها أسس وقوانين تماماً كالصناعة والزراعة وغيرهما ، والإمام علیه السلام في دعائه هذا يسأل اللّه سبحانه أن يهد له السبيل إلى التنفيذ والقيام بما فرضه عليه من تربية الأولاد والعناية بهم والكدح من أجنهم ، وسبق الكلام عن ذلك في الدعاء رقم 20 وأيضاً قد يأتي بأسلوب ثالث أو رابع.

ص: 160

أجهل الناس باللّه

( وأدرر على يدي ارزاقهم ) ما داموا صغاراً وأطفالاً حتى إذا بلغوا أشدهم معوا في الارض أكلوا من كد اليمين. وفيه إيماء إلي أنه ينبغي للإنسان أن يحتاط ويحترز من أن يترك أيتاماً بلا مال ولا راع وكفيل ، وفي الحديث : « إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس » وقريب منه قوله تعالى : ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ - 33 النور ) .

وأجهل خلق اللّه باللّه ودينه وسنته وشريعته ، من ترك العلاج للشفاء ، والسعي للرزق زاعماً - بلسان حاله وأفعاله - أنه قد أخذ من اللّه عهداً أن يعطيه ما يحتاج بمجرد نية التوكل دون أن يسرح ويتزحزح ! إن اللّه سبحانه هو الذي يشفي المريض ، ما في ذلك ريب ، ولكن بالعلاج ، ويطعم الجائع ولكن بالسعي تماماً كما يخلق الحيوان من النطفة والشجرة من النواة والليل والنهار من دوران الارض ... وهكذا كل ما في السموات والأرض من أسباب ومسببات ، تُرد إلى السبب الأول الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى.

أللّهُمّ اشْدُد بهِمْ عَضُدي ، وَأقِمْ بِهِمْ أوَدي ، وَكثّر بهِم عدَدَي ، وَزَيّنْ بِهِم مَحَضري ، وَأحيْ بهِم ذكَري ، واكفِني بِهِم في غَيَبتي ، وَاعنّي بِهِمْ عَلى حَاجَتي ، وَاجْعلهُم لي مُحبيّنّ ، وعَلَيَّ حَدبينَ مُقْبِلينَ مُستْقمينَ لي ، مُطيعينَ غَيْرَ عَاصينََ وَلا عَاقّينَ وَلا خَاطِئينَ ،

ص: 161

وأعِنَي عَلى تَربيِتهمْ وَتَأديبِهِمْ وَبِرّهِمْ ، وَهَبْ لي مِن لَدُنْك مَعَهُم أوْلاداً ذُكُوراً ، وَاجعَل ذلِكَ خَيْراً لي ، وَاجْعَلهُم لي عَوناً عَلى ما سَألتُكَ.

هذا الجزء من الدعاء واضح لا يحتاج إلى الشرح والتفسير. وأيضاً تقدم بالحرف أو بالمضمون في هذا الفصل وغيره ، ولذا نكتفي بالإشارة إلى المراد من بعض المفردات ، والفرق بين عطف الوالد على ولده ، وعطف هذا على أبيه ، ثم نذكر ما يهدف اليه الامام باشارة خاطفة.

( عضدي ) العضد : الساعد وهو من المرفق الى الكتف ، والمراد به هنا القوة والمساعدة ، قال سبحانه : « سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ - 35 القصص » أي يساعدك ويعينك ( أودي ) : ثقلي وحملي ، قال عز من قائل : ( وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا - 255 البقرة ) أي لا يثقله حفظهما ( حدبين ) : مشفقين.

بين عطف الوالد والولد

أوصى سبحانه الولد بوالديه ، وأمره بالعطف عليهما ، ولم يوص الوالد بشيء من ذلك. والسر واضح ، لأن الولد بضعة من الوالد بل هو نفسه ولا عكس ، قال الإمام أمير المؤمنين علیه السلام لولده الامام الحسن علیه السلام : « وجدتك بعضي ، بل وجدتك كلي حتى لو أن شيئاً أصابك أصابني » وكتب ولد لوالده : جُعلت فداك. فكتب إليه والده : لا تقل مثل هذا ، فأنت على يومي أصبر مني على يومك. ومن الأمثال عندنا في جبل عامل : قلبي على ولدي وقلب ولدي على الحجر. وقال سبحانه : ( إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ - 14 التغابن ) وما قال : إن من آبائكم

ص: 162

وأمهاتكم عدواُ لكم فاحذروهم ، لأن عاطفة الوالدين ذاتية كما أشرنا ، أما عاطفة الولد نحو فهي في - الغالب - مجرد المصلحة ، وقد تكون هذه المصلحة في موت والده. فينقلب عليه عدواً كما أشارت آية التغابن ، وفي الأشعار :

أرى ولد الفتى كلا عليه *** لقد سعد الذي أمسى عقيما

فإما أن تربيه عدواً *** وإما أن تخلفه يتيماً

وكنت ذات يوم في « التكسي » ذاهباً إلى المطبعة ، وفيها مراهقان ، فسمعت أحدهما يقول للآخر : هنيئاً لك ، أبوك من ذوي الاملاك والاموال. فقال له علناً وبكل صراحة ووقاحة : « لكن العكروت ما كان يموت » والكثير من الجديد على هذه الطوية والسجية.

وبعد ، فان الولد اما نعيم ليس كمثله الا الجنة ، وإما جحيم دونه عذاب الحريق ، والويل كل الويل لمن ابتلاه اللّه بامرأه سوء وولد عاق ... والامام علیه السلام يدعو اللّه ويناشده في أن يمده ويسعده بأولاد يحبهم ويحبونه ، أذلة عليه وعلى الحديث : « ان اللّه سبحانه رفع العذاب عن رجل ، أدرك له ولد صالح ، فأصلح طريقاً ، وآوى يتيماً ».

وَأعذْني وَذُرّيّتي مِن الشّيطَانِ الرَّجيمِ ، فإنّكَ خَلَثْتَنَا وَأمرَتَنَا وَنهَيْتَنَا ، وَرغّبْتَنَا في ثَوابِ مَا أمَرْتَنا ، وَرَهّبْتَنا عِقَابَه ، وجعَلْت لنَا عّدواً يكيدُنا ، سَلطْتهُ ، مِناّ عَلى مَا لَم تسَلطْنَا علَيهِْ مِنْه ، أسكنتَهُ صُدُورنَا ، وَأجريتهُ مجاريَ

ص: 163

دمَائنَا ، لا يَغْفُلُ إنْ غَفَلْنْا ، وَلا ينسي إن نَسينَا ، يُؤمِنُنَا عقابَكَ ، ويخوفُنَا بِغيْرِكَ ، إنْ هَمَمْنَا بفَاحشةٍ شَجّعَنا عَلَيْها ، وَإنْ هَمَمْنَأ بِعمَلٍ صالِحٍ ثَبّطَنَا عَنْهُ ، يَتَعَرّضُ لَنَا بالشّهَواتِ ، وَيَنْصبُ لنا بالشّبُهَاتِ ، إنْ وَعَدَنَا كَذبَنَا ، وَإنْ مَنّانا أخْلَفَنَا ، وَإلاَّ تَصرِفْ عَنّا كَيْدهُ ... يُضلّنا ، وإلاَّ تَقَنَا خَبَالَهُ ... َستْزِلّنَا.

أللّهُمَّ فَاقْهَرْ سُلطَانَهُ عَنَاّ بِسُلطانكَ ، حتّى تَحبِسَهُ عَنَا بكَثرْةِ الدّعاء لَكض فَنُصْبحَ مِنْ كَيَدْهِ في المْعْصومينَ بِكَ.

( وأعذني وذريتي ... ) واضح ، وتقدم بالحرف في الدعاء 23 ( فانك خلقتنا وأمرتنا ... ) خلق سبحانه الانسان ، ومنحه العقل والقدرة والحرية ، وبهذا العناصر الثلاثه مجتمعة يستحق الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية ( ورهبتنا عقابه ) أي خوفتنا عقاب عصيان ما أمرتنا به نهيتنا عنه ( وجعلت لنا عدواً ) وهو الوسواس الخناس الذي يغلي في الصدور من الحقد والحسد والعزم على غيرهما من المآثم ... والدليل على ارادة هذا المعنى قوله : أسكنته صدورنا ، وأجريته مجاري دمائنا ، أما قوله : ( سلطته منا على ما لم تسلطنا عليه ) فمعناه أن هذا الواسواس الخبيث لا هو يذهب من تلقائه ، ولا نحن نستطيع الفرار منه ... وهذا صحيح لا ريب فيه ، ومن أجل ذلك لا يحاسب سبحانه ويعاقب على أي شيء يدور ويمور في النفس من الافكار والنوابا السوداء إلا إذا ظهرت وتجسمت في قول أو فعل.

ص: 164

( يؤمننا عقابك ) يضمن لنا الأمن والأمان من غضبك وعذابك ( ويخوفنا بغيرك ) ومن ذلك أن اللّه سبحانه قال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ - 267 البقرة ) والنفس الأمارة أو الوسواس يخوفنا الفقر ، إن أطعنا وأنفقنا ( وإن هممنا بفاحشة شجعنا عليها ... ) يشير بهذا الى جهاد النفس التى تحاول التغلب بالهوى على العقل والتقوى ( نصب لنا الشبهات ) أظهر لنا الأفكار الخاطئة التى تُلبس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق ، وتوقع السذج البسطاء في الشك والحيرة.

( إن وعدنا كذبنا ... ) يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً 120 النساء ( وإلا تصرف عنا كيده يضلنا ) إقتباس من الآية 33 يوسف : ( وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ) أي إن لم تعني على نفسي أكن من الجاهلين ( وإلا تقنا خباله ) : فساده ( يستزلنا ) يوقعنا بالزلل والخطايا ( فاقهر سلطانه عنا بسلطانك ... ) هب لنا من لديك صبرأ عن الحرام ، ونصراُ على الهوى حتى لا نعصيك في جميع الحالات ( تحبسه عنا بكثرة الدعاء لك ) حثثت على الدعاء ، و وعدت بالإجابة ، وقد دعونا أن تصد عنا كل مكروه ، وتوسلنا بك وأكثرنا ، فكن لدعائنا مجيتاً ، ومن ندائنا قريباً.

أللّهُمَّ أعْطِني كُلّ سُؤلي ، وَاقْضِ لي حَوائِجَي ، وَلا تَمْنَعْني الإجَابَةَ وَقَدْ ضَمِنْتَهَا لي ، ولا تَحْجُبْ دُعَائي عَنْك ، وَقد أمَرتَني بِهِ.

وَامنُنْ عَلَيَّ بِكُلّ مَا يُصْلِحُني في دُنْيَايَ وَآخِرني مَا ذكَرْتُ منْهُ وَما نَسيِتُ ، أو أظهرْتُ أوْ أخْفيَتُ أوْ أعْلنَتُ أوْ أسْرَوْتُ.

ص: 165

وَاجْعَلْني في جَميع ذَلِك مِنَ الْمصُلِحين بسؤُالي إيّاكَ ، المُنْجِحِينَ بِالطّلّبِ إلَيكْ ، غَيْرِ الْمَمْنُوعِينَ بِالتّوَكّلِ عَلَيْكَ ، المَعَوَّدينَ بالتّعّوّذِ بِك ، الرّابِحينَ في التّجَارَةِ عَلَيْكَ ، الْمُجَارينَ بعِزّكَ ، الْموسَعِ عَلَيهِمُ الرّزقُ الحَلالُ مِنْ الذّلّ بِكَ ، وَالْمجَارينَ مِنَ الظّلْمِ بعَدْ لِكَ ، وَالْمُعَافَينَ مِنَ الْبَلاءِ بِرحْمتَكَ ، وَالْمُعَزّينَ مِنَ الْفَقْرِ : بِغِنَاكَ ، وَالمْعْصومِينَ مِنَ الذّنوبِ والزَّلَلِ وَالْخَطَإ بشَقْواكَ ، وَالْمُوفّقينَ لِخَيْرِ وَالرّشْدِ وَالصَّوابِ بِطَاعَتِكَ ، والْمُحَال بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الذّنوبِ بقُدْرتِكَ ، التَّارِكينَ لِكُلّ مَعْصِيَتِكَ السّاكِنينَ في جِوارِكَ.

( أللهم اعطني كل سؤلي ... ) مطلوبي وهو قضاء حوائجي ، فقد أنزلتها بك دون سواك ( ولا تمنعني الإجابة ، وقد ضمنتها لي ) بقولك : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ - 60 غافر ) ثم بيّن الامام علیه السلام هذه الحوائج بقوله : « وامنن علي بكل ما يصلحني ... هذا هو هم المؤمن وهمته : الصلاح وعمل الخير في الدنيا ، والنجاة والخلاص في الآخرة ، لا التكائر والتفاخر ( ما ذكرت منه وما نسيت ... ) واضح ، وتقدم مثله في الدعاء 22.

( واجعلني في جميع ذلك من المصلحين بسؤالي إياك ... ) أسترشدك

ص: 166

بدعائي لكل ما فيه صلاحي في الدنيا وفوزي في الآخرة ( غير المتزعين بالتوكل عليك ) أنت يا إلهي تسمع الشاكين إليك ، ولا تمنع المتوكلين عليك ، وأنا منهم ، وأيضاً أنا من ( المعودين بالتعوذ بك ) لقد عوّدت الذين يتعوذون بك ويلوذون ، ان لا تردهم خابين ( الرابحين في التجارة عليك ) أي منك كقوله تعالى : ( الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ - 2 المطففين ) أي من الناس ، والمجرور متعلق بالرايح ، والمعنى من عمل صالحاً لوجه اللّه تعالى زاده من فضله ، والامام يسأل اللّه أن يجعله من العامليه له لسواه ، ومن ( المجارين بعزك ) : المحفوظين بعناية اللّه و حراسته ( المواسع عليهم الرزق الحلال ... ) ولا شيء أجل وأحل من لقمة يأكلها المرء بكدحه وسعيه لا بالرياء ورداء الصلحاء.

( المعزين من الذل بك ) أي بطاعتك ، وكم من أناس طلبوا العز بالنسب والثراء والخداع والرياء فاتضعوا وذلوا ( والمجارين من الظلم بعدلك ) أجرني بعدلك وقدرتك من كل ظالم ( والمعافين من البلاء برحمتك ... ) ارحمني برحمتك ، وامنن عليّ قبل البلاء بعافيتك ، وأيضاً اغنني بفضلك عن الناس ، وأبعدني بعنايتك عن الخطأ والخطيئة ، ووفقني للعمل بطاعتك ... وكل ذلك تقدم مراراً. وأخيراً اجعلني في الآخرة من ( الساكنين بجوارك ) ومن سكن في جوار العظيم الكريم فهو حرز حارز ، وحصن مانع من كل سوء.

أللّهُمَّ أعطِنَا جَميعَ ذَلِكَ بِتَوفِيقِكَ وَرَحْمَتِكَ ، وَأعِنَا مِنْ عَذابِ السعّيرِ ، وَاعْطِ جَميعَ الْمُسْلِمينَ وَالمُسلِمَاتِ وَالمْؤمنينَ وَالْمُؤمِنَاتِ مِثْلَ الّذي

ص: 167

سَألتْكَ لِنَفسي وَلِوُلدي في عَاجِلِ الدّنْيا وَآجِلِ الآخِرةَ.

إنّكَ قَريبُ مٌجيبُ سَميعُ عليمُ عَفُورَّ رؤُوفُ رَحِيمُ ، وآتِنَا في الدّنيَا حَسَنَةً ، وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَارِ.

( أللهم اعطنا جميع ذلك ... ) إشارة إلى كل ما تقدم من صحة الأبدان والأديان إلى وفرة الأرزاق والسكنى في جوار الرحمن ( واعط جميع المسلمين والمسلمات ... ) ختم الامام دعاءه هذا بالرجاء أن يوفق سبحانه ويسهل السبيل الى ماذكر وسأل لنفسه ولذويه وأهل التوحيد ، لأن من أخص خصائص المؤمن أن يكون تعاونياً من الجميع. وفي الحديث : المؤمن يحب لغيره ما يحب لنفسه ... المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى » هذا ، إلى أن العلاقة ما بين أفراد المجتمع الواحد حتمية لتشابك المصالح و وحدة المصير. ( وآتنا في الدنيا حسنة ... ) تقدم مثله في آخر الدعاء 20.

ص: 168

الكوكب الدرّي

في حياة السيد العلوي

لمحة خاطفة من حياة آية اللّه المجاهد السيد علي بن الحسين العلوي « قدس سره » بمناسبة أربعين وفاته.

وقد أقدمنا على تأليف هذه المجوعة التي تمثل نواحي مختلفة من نواحي حياته تجسيدا وبقاء لآثاره ومآثره.

وآثارنا تدل علينا

فانظروا بعدنا الى الآثار

وزبدة الكلام ان هذه المجموعة كشذره من عقد نحر وقطرة من ماء بحر فعذرا من هفوة القلم وزلة القدم.

ص: 169

بسم اللّه الرحمن الرحيم

( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )

« النساء 100 »

نبأ مفجع وخبر موجع ويوم كئيب حزين ، فتّت الأكباد ، وأضرم الخلد ، وأدمى العين ، وأذبل الفؤاد ، وخيّب الآمال.

ايها القلم الحزين ، ما بالك والحزن انقضى ظهرك ، وأضاق صدرك وأدمى مقلتك ، وأجّج لهيب الفراق في أحشائك ...

فراق الحبيب

إنه الشّعلة الوهاجة تنيركل سبل الخير وطريق الهداية ودروب الصلاح ، انه رجل الدين المجاهد ، والمفكّر الإسلامي ، العلامة الحجة آية اللّه السيد علي بن الحسين العلوي طاب مضجعه ونوّر اللّه قبره.

أفل كوكبه الدريّ ، وغابت شمسه الزاهيّة ، وودّع الدنيا الفانيّة ، في ليلة وضحها ، وفجئنا بما لم يكن بالحسبان ولم يخطر على البال قط ، بنبأ مفجع ...

فبهت الناس ، وصعقوا من هذا النبأ المؤلم ، ولكنهم سرعان ما هبّوا ...

فعلت الاصوات من الحناجر ، والحسرات من القلوب والكل لا يصدق بعد ، ولكن شاءت الأقدار ، أن تصدقه ، وحكم اللّه لا

ص: 170

غالب له.

فكانت الثلمة العظيمة في الإسلام ، والفقدان الفادح في الأمه والفراغ العصيب في صحبه وأخوانه لا يسدّها شيء ، وليس لنا الاّ الأستسلام لأمر اللّه الحكيم ، القلوب مضرمة مفجعة بنار الفراق الطويل ، والعيون مذرفة دموع الخزن والكآبة والعزاء ، والناس يلهجون له بحسن الثناء ، ويعزّون الأهل والأقرباء ، الأحباء ، ولمّا يصّدقون الخبر المفجع.

سيدي ومولاي :

يحق لنا جميعا أن نترك الحناجر هاتفة صارخة والدموع سائلة ساخنة وننادي وا أبتاه ... وا سيّداه ... وا مصلحاه ... !!!

عزّ واللّه علينا فراقك وعزّ على الأرواح والقلوب أن ترثيك ، وكنا نشعر بقوة نعتمد عليها ، ونستلهم من مغزها روح الجهاد والنضال فأين هي الآن ؟

سيدي أبتاه :

ما دار في خلدي أن أكتب ما اكتب ! ودمي الحزين ينزف من عيني أيحق لي أن اكتب عن حياتك البطوليّة والصمود ، حياة العلم والعمل ، وأنت لن تموت ؟ سيدي العلوي انك خالد في التأريخ اذ عشت للاسلام والأمة الإسلاميّة.

ص: 171

لا تأخذك في اللّه لومة لائم ، اذ لاتخشى الاّ اللّه ولا تهاب الاّ الحق ، فأنك المجاهد الورع والعابد العالم والمصلح المنتفاني في اللّه وخدمة خلقه.

ماذا اكتب عن حياتك ، وحياتك مليئة بالعمل المتواصل والكفاح المرير حتى مضيت الى ربّك قرير العين.

وقد خلّفت أمّة من الناس تحمل روحك وقلبك الحنون ، خلّفت علماء من طلبتك الكرام ، وشباباّ ناهضاً ، وثروة علميّة من مطبوع وغير مطبوع ، خلّفت مواكب ومدارس إسلاميّة ، تربي الأجيال وتسمو بهم مدارج الكمال.

سيدي : لم ولن تموت ولك المآثر الخالدة في المجتمع والنفوس ، لن تموت ولك كتب قيمة وشباب طاهر يسير نحو الهدف الذي كنت ترمي اليه ، وذلك حكومة الإسلام واقامة الحق والعدل في المجتمع.

فنم قرير العين ، فانا كما عهدت مخلصون.

مولاي سكنت الفراديس وجنّات عرضها السموات والأرض. وسرعان ما غاب شمسك النير.

اللّه اكبر ...

لن أنسى تلك السويعة المريرة التي كنت بجنبك أقبل يديك الكريمة كّرات ودموع حبستها في حدقة العين ، كي لا تحزن وأنت على سرير المستشفى ، توصي ولدك ، ولم يكن بالحسبان أن

ص: 172

نفقدك.

وفراق الأحبة واللّه أصعب.

لن أنسى آخر لحظة من الوداع الحزين عندما كانت يدي بين يديك الخالدة بمدادك الذي أفضل من دماء الشهداء تضغط عليها حبّا وحنانا وشفقةً.

آه ساعة كئيبة لا أنساه مدى الحياة يحزّ قلبي ويأجّج لهيب الفراق في صدري فوا أسفاه على ذلك القلب الحنون المفقود ، وما يجدي الأسف ولكن لا حول ولا قوّه الا باللّه العلي العظيم.

وما كان قيس فقده فقد واحد *** ولكنه بنيان قوم تهدّما

سيدي :

في هذا الظرف العصيب الذي تمرّ به الأمة الإسلاميّة ، في عراقنا المضطهد ، ن في هذه المرحلة الرساليّة الشاقة ، وفي هذه الأجواء التى تكالبت فيها على الإسلام والمسلمين كل قوى الألحاد والصهيونيّة ولا سيّما العفلقيّة في العراق الحزين.

في هذه الفترة الحاسمة المحتاجة الى جهابذة مفكرين مصلحين ، ومجاهدين صابرين ، وقاده أمناء ، أصيبت الأمة في كبدها بفقدك الغالي العزير ، وانها لم تكن فاجعة آل العلوي فحسب انها فجيعة ايران والعراق فجيعة كل محب وموالي لأهل البيت علیهم السلام .

ص: 173

سيدي :

عذراً من روحك الطاهرة الزكيّة ، بأي المفاخر من حياتك أبدأ وبأي المناهج أشرع وأنت أبو المفاخر.

كنت النور تغمر من روادك بضيائك الزاهر ، ووسع قلبك مشاكل الأمة ولم تغفل عنها لخظة حتى الأجل.

واستقبلت المصاعب والمتاعب بصدر رحب ، شُرح بالإسلام ، اذ تؤمن بأن الجنة مأواك والنعيم نهاية حياتك.

وأخيراُ الى شعبك الحزين بفقدك أقدّم لمحة خاطفة من أبعاد حياتك الخالدة.

ولعلنا نوفق أن نشير الى لمحات وشذرات من سجل حياتك طاب ثراك وقدس اللّه روحك.

وانا لله وانّا اليه راجعون

الحزين الكئيب

ص: 174

مولده وحياته العائليّة :

ولد فقيدنا الراحل الى جوار رحمة ربّه الكريم في اليوم الثاني من محّرم الحرام عام 1346 هجري قمري المصادف 23/6/1927 ميلادي في محلّة ( ام النوّمي ) في بلدة الكاظميّة المقدس ، وترعرع في أحضان الايمان والتقوى ، وتغذّى من ثدي العلم والعمل ، حيث أنحدر من سلالة طيّبة طاهرة في التقوى والفضيلة في أرحام طاهرة واصلاب شامخة ، وكان خيرة اولاد أبيه الصالح المتقي الوقور السيد حسين قدس سره ذكوراً واناثا في النشاط والحيويّة والذكاء ، والعمل الدائب والجهد المتواصل ، ونسبه الشريف وشجرته المباركة تصل الى الامام السجّاد ، زين العابدين مولانا وسيدنا الامام علي بن الحسين علیه السلام .

ويأتيك التفصيل بقلمه وخطّه الشريف ، ولقد اقترن أبان بلوغه بأبنة عمّه ، وتوفيت في الثامن عشر من عمرها وخلفت ثلاث ذكور وماتوا ، ورأى المصائب العظيمة حتى اشتهر بين مجتمعه بالوليّ الصبور ، وكانت المصائب تصب عليه حتى مماته لكثرة ايمانه وعلمه ... ثّم تزوج السيدة العلويّة سليلة الكرام ، المنحدرة من سلالة الرسول ، وآل البتول علیهم السلام التي جاهدت معه طيلة عمره في خط العلم العمل الجهادي حتى شهد في حقها ، فقيدنا الراحل امام جمع من طلابه ، اذ كان يتكلّم حول المرأة فقال : انّ نصف مالي من العلم والشرف

ص: 175

والثواب فهو لأم أولادي حيث أنها ساعدتني وساندتني في العمل وطلب العلم.

وهي بنت رجل الدين ، صاحب المواكب الحسينية ، المتقى الورع ، كبير قومه السيد محمد الحسيني المشهور في النجف الأشرف.

فأنجبت له خمسة اولاد ذكور وأربعة أناث بعدما ماتا لهما طفلان صغيران.

وعندما ترعرعوا بلغوا الحلم والشباب ، استشهد لهما أربعة في آن واحد في سائحة مؤلمةٍ في طريق الدعاء لأنتصار الثورة الإسلاميّة وقائدها ، وهم :

ثقه الإسلام السيد عامر العلوي 21 سنة

السيد عقيل العلوي 15 سنة

بنت العلى العلوي 16 سنة

بنت الأيمان العلوي 12 سنة

والباقون حجج الإسلام السيد عادل الدين العلوي

السيد عماد الدين العلوي

السيد عارف العلوي

وبنتان

وكان عطوفاً على أولاده ، ويريد الخير والصلاح لهم دوماً ، وحتى كان يضحّي بنفسه من أجلهم ، كما لنا في ذلك قضايا

ص: 176

تأريخّية.

فقد أربعة من أفلاذ كبده أربعة أعوام فارق الدنيا بنوبة قلبيّة ، ثلاث مرات في ليال متواليّة وقرب الساعة الثانيّة والنصف بعد منتصف الليل ، مسية يوم الأحد ، أرتحل الى رحمة ربه مقعد صدق عند مليك مقتدر.

فانا لله وانّا اليه راجعون

الصورة

ص: 177

الصورة

وأخوتي الأعزاء في ليلة الأنقلاب جرعوا كأس الشهادة عندما ذهبوا ... ليدعوا ربهم بنصره الإسلام ونجاح ثوره الأمام الخميني.

1 - حجة الإسلام سيد عامر العلوي ( عمره 21 سنة )

2 - السيد عقيل العلوي ( عمره 15 سنة )

3 - بنت العلى العلوي صاحبه كتاب الحجاب بالفارسي ( عمرها 16 سنة )

4 - بنت الأيمان العلوي ( 12 سنة ) 5

ص: 178

حياته العلميّة والعمليّة :

منذ نعومة اظافره قدس سره كان يحب العلم والعمل به ، له طموح يتسامي مع عزمه ونشاطه ، ولعلّ النبوغ والطموح أبرز سمة تميّزت بها شخصية فقيدنا الراحل السيد العلوي طاب ثراه ، فقد عرف الوسط العلمي والحوزات العلميّة ، بذكائه وولعه في طلب العلم ، منذ صباه ، فأقام على التعلم والتعليم ولا يبالي بالكوارث والمشاكل التى تصب عليه كالوابل ، بل حباً وشوقاً ينتهي شوطا بعد شوط من كعبة آماله وأمنياته فقد تعلّم القرآن وختمه في المكتب وهو صبي ترك اللّعب واللّهو لأهله ، وفاق أترابه لما يحمل من ذكاء وحيويّة ، فدخل المدرسة ليتعلم العلوم الجديدة كالحساب والهندسة وما شابه ، وذلك في ( مدرسة اخوت ) في الكاظميّة المقدسة ثم دخل في سلك طلبة العلوم الدينيّة القديمة ، شوقاً للأسلام وحبّاً لمفاهيمه وتعاليمه القيمة ، وفاق أقرانه وزملائه لمثابرته وعمله المتواصل ونشاطه المستمر ، وأخذ حظاً وافراً من العلوم الإسلاميّة كالنحو والصرف والمنطق والفقه والأصول والتفسير وما شابه ، وتوّج بالعمّة المباركة وزيّ رجال الدين ، في الجامع الهاشمي ، على يد سماحة آية اللّه المجاهد الفقيد السعيد السيد اسماعيل الصدر طاب ثراه ، بعدما حاز على رتبة الأستاذيّة وأصبح الأستاذ الأوحد في الجامع الهاشمي ، فشاع صيته في الكاظميّة المقدسة

ص: 179

وبغداد وأصبح منهلاً عذباً للشباب وطلاب الجامعات وطلبة العلوم القديمة ، وكان إمام جامع الهاشمي ، ومصباح بحبوحته ، ونائب السيد اسماعيل الصدر ، وأخذ يشق طريقه في العلم والعمل ، والتأليف والتصنيف ، لكي يصل القمة وأقصى مدارج الكمال ، والفقاهة ، لنبوغه وطموحه الذي قلّما له مثيل ، فطوي المراحل الثلاثة في دراسة العلوم القديمة من المقدمات والسطح والخارج ، حيث تلمّذ في الاولين على يد العلامة النحرير الشيخ حامد الواعظي وآية اللّه السيد اسماعيل الصدر في العراق ، ومن ثّم هجر الى ايران الإسلام ، فقصد الحوزة العلميّة في مدينة قم المقدّسة الثائرة ضدّ الطغاة والجبابرة ، وحضر درس الخارج لآيه اللّه العظمى السيد محمد رضا الكلبايكاني ، وآية اللّه العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي دام ظلّهما الوارف ، وجاور كريمة أهل البيت السيدة المعصومة الطاهرة بنت رسول اللّه السيدة فاطمة بنت موسى بن جعفر علیهم السلام ، واشتغل مدرساً في الحوزة العلمية كما كان في العراق منذ اكثر من ثلاثين سنة ، حتى تخرج على يديه الكريمتين وأنفاسه القدسيّة ، كثير من المؤلفين والشعراء ورجال الدين الواعين المخلصين.

فحياته حياة العلم والعمل كلها تدل على السبق والتبحّر والتعمق في المفاهيم الإسلاميّة والرسالة المحمديّة ، فحاز مراتب

ص: 180

الكمال ، وأصبح كالشمس في رائعة النهار ، وكالقمر تحفّه النجوم والكواكب من طلاب الفضيلة ورواد العلم والكرامة والشرف فكان مورداُ سائغاً للطلاب وعشاق الفضيلة والعلم والمعرفة ، وله المكانة الساميّة في الحوزات العلميّة سواء في النجف الأشرف أو المشهد المقدس أو قم الثائرة.

وهكذا كانت آثار المجد والعظمة والخلود ، ترافق فقيدنا الراحل في جميع أدرار حياته ، وبزغ نوره في الجماهير والأوساط العلميّة بعدما تحلّى بالصفات الحميدة هذّب نفسه وكسب والعلم ليعمل به أولاً ، ثم الناس ثانياً ، ويهديهم الصراط المستقيم.

وسيبقى خالداً مع الايام بعلمه النابظ المفعم بالحيوية والأخلاص.

وقد ألّف في حياته المباركة اكثر من (40) مؤلفا ، تتجلّى فيه المفاهيم الإسلامية الغزيرة ، وسعة اطلاعه وجمال اسلوبه وحلاوة تعبيره ، وستبقى المكتبة الإسلامية تضم بين أحضانها ما فاض من يراعه السيّال ، فهو يؤلف ويعمق الخط الإسلامي الأصيل ويستعرض المعارف والأصول الإسلامية في بيان سلس وتعبير جميل.

ولأن كانت مؤلفاته القيّمة وبحوثه الثمية تمثل جانباً من جوانب جهاده في الإسلام العظيم ، وان لهذه المؤلفات فضلها

ص: 181

على المكتبة الإسلامية وتيار الفكر الإسلامي ، والأوساط العلميّة والجماهير المسلمة.

ففي مجال الفقه طبع من مؤلفاته :

1 - زكوة الفطرة

2 - مخطط كتاب الارث

وفي علم الكلام :

3 - الأصول الثلاثة

4 - محاضرات في اصول الدين

وفي اصول الفقه :

5 - دروس وحلول في شرح كفاية الأصول ، عشرة أجزاء جزءان قد طبعا.

6 - لباب معالم الدين

وفي التربية والأخلاق والتوجيه الإسلامي :

7 - العمل الجهادي ، وهو اوّل ماطبع من تأليفاته

8 - الفارق

9 - الكلمة الطيبة

10 - إختر لنفسك

11 - العفاف علي مذبح التبرج

12 - الرافد

كما انّ للعلامة العلوي دور رفيع في ( الشعر ) بقسميه القريض

ص: 182

والشعبي بلغتين العربي والفارسي ، فقد نظم في مختلف المناسبات والذكريات سيما مراثي أهل البيت علیهم السلام ورثاء ملحمة الطف واقعة كربلاء ، ومصائب سيد الشهداء وأهل بيته الأطهار علیهم السلام ، وقد طبع من أشعارة :

13 - ديوان العلوي الجزء الاول والثالث واليكم قطعة شعرية من ديوانه الخالد :

حار الحِجا من ينصر الاسلاما *** من للعقيدة يرفع الأعلاما

من ذا يُضحى بالنفيس ونفسه *** كي يحفظ القرآن والأحكاما

من ذا يكون طبيب امته ومن *** يأتي يداوي الجُرح كي يلتاما

صعب العلاج أما ترى من ضامن *** يشفى الغليل ويبرء الأسقاما

كم نحمل الارزاء في الدنيا وكم *** يرجوا الزمان ونرتجي الأياما

اللّه أكبر ما رأينا أمة *** صبرت ومنه تحملت آثاما

الداء داء الجهل اين دوائه *** قد دام فينا داؤنا قد داما

* * *

الطب دين محمد وعلومه *** والوصفة القرآن خذه مراما

والواصفون هم الذين تبيّنوا *** سرّ الشفاء وحققوا الأحلاما

علماء دين اللّه حفاظ لما *** قد جاء فيه : مبددوا الأوهاما

وقد طبع من تألفاته القيمة باللغة الفارسيّة ، حاوياً تعاليم الإسلام القرآن الكريم :

14 - يادآورى

ص: 183

15 - رستگاران

16 - سوداگران

17 - پيك رحمت

18 - باء بسمله

19 - تربيت از نظر قرآن وعترت

20 - پاسخ انديشه هاى جوانان 1 و 2

21 - كتابخانه

22 - رهنماي قرآن كريم

وأما المخطوطات سوف تطبع انشاء اللّه تعالى في المستقبل فمنها كما يلي :

23 - الأثر الخالد في الولد والوالد

24 - الجنسان

25 - تفسير الإمام الصادق علیه السلام عدّة أجزاء

26 - دروس وحلول من الثالث حتى العاشر

27 - ديوان العلوي ( الجزء الثاني ) شعر شعبي

28 - مقتطفات العلوي شعر قريض

29 - دلبند نفس شعر فارسى

30 - اشگ وآه شعر فارسى

31 - نداى آسمان

32 - سخنان ماه مبارك رمضان

ص: 184

33 - منتخب حوادث الأيّام في الإسلام

34 - الرافد من الثاني فما فوق

35 - الخير والسعادة

وغير ذلك من المؤلفات القيمة التي لها الأثر البالغ في الهام الشباب المسلم طريق العمل ومنهج البناء السليم.

فكرّس حياته لخدمة الإسلام ، متعلّماً وعالماً ، عاملاً ، وكان خير مثال يحتذى به في التقوى والأخلاص والعلم والعمل.

لقد كان عالي اهمة صادق العزيمة واسع الأطلاع ثابت البيان.

تنظر اليه فترى وجهه سمة الوقار ، ويذكرك اللّه ريته ، ويزيد في علمك منطقه ، ويرغبك في الآخرة عمله ، ثم أرجع البصر كرة ثانية فترى عليه مسحة الصالحين وهيبه المتقين وصمود المجاهدين وملامح المؤمنين.

ففقيدنا الراحل الى جوار رحمة ربّه الكريم ، لم يكتف بالدعوة الى الإسلام بالكمة والعلم فقط وانّما تعدّاها الى العمل والتطبيق ، فكانت له مشاريع خيريّة قيّمة من محافل اسلامية ومواكب حسينيّة ومساجد يذكر فيها اسم اللّه ، وكتب توجيهيّة ونصال وكفاح لأجل المستضعفين والمحرومين ، ولأجل حكومة الإسلام وإعادة مجد المسلمين وتراثهم العظيم.

رحمك اللّه يا ابا عادل وانّا لفقدانك لمحزنون وقد خسرت

ص: 185

الأمة وجودك المبارك لا سيما في مثل هذه الأيام الحاسمة حيث الناس أحوج الى العالم المصلح المجاهد المخلص ، اكثر من كل شيء ، فقدانك جسماً ولكن معك يا أبا عادل على نهجك ودربك ، درب الإسلام والتضحية والفداء ، ولا نقول في عزائنا وعظم المصاب وجلل الرزء الاّ ما يرضى ربناّ.

( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا )

« القرآن الكريم »

ونتحوقل ونسترجع نحمد اللّه تعالى ، ان أمدَّ في عمرك الزاهي بمواقف اسلامية رائعه ، موقف المعتز بربه والواثق من نصره ، ومضت حياتك الرساليه على صورة تموج بالكفاح المستمر والنشاط الدائم ، فلم تتمهل ولم ببوقف عن الجهاد وطلب العلم والعمل به ، وانك قلت الحق وعملت ولم تبال بالوعد والوعيد ولم تثني عزيمتك الالهية أسباب الأغراء والتهديد عما اعتقدت به ، بل كالجبل الأشمّ والبحر الهادئ والنسيم العليل والمنهل العذب.

وسنستمد من حياتك البطولية العلميّة والعمليّة وهي لنا نبراس وضاء تنير دروب النضال والجهاد ، ومعالم على الطريق الصائب والصراط المستقيم.

انّ الجيل المؤمن في أرض الإسلام في عراقنا الجريح

ص: 186

وايراننا المسلمة وكل مكان يذكرون مواقفك التى عزّ على الظالمين والحاسدين امتثالها.

وماذا أقول ياأبتاه : وقد تركت ورائك سيرة تذكر الناس بربّهم وتفاديهم لمبدئهم وعقيدتهم ورسالتهم الإسلاميّة.

فهنيئاً لك لقائك ربك الكريم في جنّات عرضها السموات والأرض عند مليك مقتدر وفزت فوزاً عظيماً ، ولكن أسفا لفقدك منّا.

فانا لله وانا راجعون

لمثل هذا يذوب القلب من كمد

ان كان في القلب اسلام وايمان

ص: 187

حياته السياسيّة والثوريّة :

التأريخ يشهد أنّ علمائنا الأعلام هم قارعي الطغاة والجبابرة ، ومفنّدي خطط الإستعمار ومظاهره الفاتنة في البلاد الإسلاميّة.

كانوا السبّاقين لصد الهجوم الكافر على الدين والغزو الأستعماري بشتي أساليبه ، من السياسة والأقتصاد والثقافة والحضارة الفارغة.

فهم الدرع الحصين لوقاية الإسلام والمسلمين من الإنحراف والفساد والإنحطاط.

وفقيدنا المتفاني في سبيل اللّه ودينه القويم والأمة الإسلاميّة العظيمة ، منذ بلوغ الحلم كان متنفراً من الظلم والجور - حتى كني بأبي عادل وسمى ولده الأكبر عادل حباً للعدالة - فشاعراً وخطيب وعالماً كتلة متفجرة ضّد الأنظمة الفاسدة في مدي حياته في العراق الجرح النازف وايران الثورة الإسلاميّة.

فكان يرى السياسة من الإسلام والإسلام من السياسة ، اذ السياسة ليست منفصلة عن الإسلام بل هي منه واليه.

فحياته سياسة وثورة ، ثورة على الطغاة والمستكبرين والمترفين ، ثورة على الإستعمار والأمبرياليّة والصهيونيّة العالميّة.

ثورة على الفساد والظلم والجور والفحشاء والمنكر ، وصفحات حياته المشرقة تشهد بذلك ، واليكم لقطات من محاربته الطغاة

ص: 188

وحكام الجور :

عام 1382 ه في صحن الكاظمين علیهماالسلام في العراق ليلة السابع من محرم ، صعد المنبر شاعراً وخطيباً ، يفند فيها زيف النظام القاسمي ويحاكم الدكتاتور عبد الكريم قاسم في قضيدة شعبيّة مطلعها ( أنظرِ الأوضاع واحْكم بِالعَدلِ بيه ، لا تخبط الميّ العَكِر ، أنظر الأوضاع وأحْكُم بالعدل بيه ) وكانت للقصيدة الأثر البالغ في الجماهير المحتشدة في الصحن الشريف فأشعل فتيلة الثورة ضدّ النظام القاسمي فأعتقلته السلطات - آنذاك - أربعة أشهر فحكم عليه بالأعدام ، فأبرق آية اللّه العظمى المرجع الأعلى الأمام السيد محسن الحكيم قدس سره بأنّ ( السيد العلوي جزء من كياننا يصيبنا ما أصابه ) فأفرج عنه خوفاً من الإنتفاضه الشعبيّة الإسلامية بعدما دسّوا السمّ في مأكله ولكن شاء اللّه أن يبقى حيّاً ، لخدمة الأمة الإسلاميّة وترويج دين الإسلام الحنيف.

وفي زمن النظام العرفي أخذ يحارب عبد السلام عارف وطائفيته المشؤومه وصعد المنبر في الجامع الهاشمي في الكاظميّة المقدسة ، وألقى على المسامع الواعيّة قصيدته الثائرة في مطلع ( الطائفيّة فرقة وشرور ... ) ثمّ أخذ يحاكم عبد السلام هاتفاُ صارخاً :

قِف كي نحاسب في جدٍّ ونحتكما *** الى متى ننبذ الأخلاق والذِمما

ص: 189

وعند النظام العفلقي العفن حاربهم بقلمه البتّار ، وبيانه الصارم ، حارب جلاوزة البعث والطغمة التكريتيّة ، ولا يبالي بالموت وقع عليه أم وقع على الموت ولاتأخذه في اللّه لومة لائم ...

ولكن عام 1391 هجري هُجّر مع عائلته الى ايران انتقاماً منه لما أبداه من بطولة وصمود وشجاعة وجهاد ، حتى قال في حقه الإمام الحكيم قدس سره ( انك البطل المجاهد ) وكفى ...

وبعد تهجيره سكن وأستوطن مدينة العلم والثورة والغداء قم المقدسة وأخذ يحارب النظام البهلوي المقبور.

فلم يغب عن ذهن المجاهد العلامة العلوي طاب رمسه أن يواكب ويتعايش مع الجمهور الإسلامية بقياده الإمام الخميني العظيم.

فمعهم في شوارع النضال والمظاهرات المليونيّة ومعهم على صندوق الإنتخابات المتعددّة في أدوار حاسمة ، ومعهم في التضحية والفداء ، وفي كل شيء ، إذ يرى ذلك من أهم مسؤولياته الشرعيّة ، وكان يعشق الامام الخميني ويقدسه فما رأه على لوحة أو شاشة التلفزيون أو لقاء سعيد ، الاّ وخاطبه بشغف ولهفة ( روحي فداك ايها الإمام الحبيب ).

فكرّس حياته للثورة الإسلاميّة وحكومة الإسلام التى كانت أمنيته الوحيدة في الحياة ، سواء في العراق المضطهد او ايران

ص: 190

المسلمة.

وكان يستلذ المصائب والعذاب في سبيل مبدئه الحنيف ، فتلقى السجن والزنزانات برحابة صدره وبنفس صابرة محتسبة ، اذ تعلم أن ذنبها الوحيد ، الدعوة الى اللّه ، وجريمتها صيحة الحق والعدالة دوت في الضمائر ، أرسلها بلا هوادة تصرخ في وجوه الحكّام الذين يحكمون المسلمين في البلاد الإسلاميّة : أن طبقوا الإسلام ، ودستورنا القرآن ، وحكومة اللّه وعباده الصالحين ، لا شرقية ولا غربيّة ، أصلها ثابت وفرعها في السماء.

أيها البطل المجاهد فقيدنا الغالي ، لقد صبرت وصابرت حتى أنتصرت وتحملت المشقة والعناء وكابدت الرهق والبأس ، ومع ذلك وقفت شامخاً على قمة الأعتزاز ورفضت أن تطلب العفو من الظالمين ، في بطولة المؤمن الذي فنى في حبّ اللّه ورسوله وأهل بيته علیهم السلام .

وحب الحق والعدالة والحرية الإنسانيّة ، وما هي الاّ تربية المدرسة الإسلاميّة الخالدة التي يخرج منها كبارنا الأعلام على مرّ الدهور وتعاقب الأجيال.

فخرجت من السجن عزيزاً كريماً رغم أنف الظالمين ، موثوق الصلة بالسماء وربّها الرحيم.

ولدت مع المحرومين وعشت مع المستضعفين ، وتركت قلبك مع الفقراء ، ومنذ عنفوان شبابك كانت البراءة ترافق عيناك وانقضت

ص: 191

الأيام وأنت تسير على نهج الإسلام وخدمة المسلمين ، وشاركتهم آلامهم ، وتفجر من قلبك الفضب على الحكومات الجائرة في العراق وايران ، حتى أرتفعت راية الثورة الإسلامية تكافح الظلم والإستبداد ، وصرخت في وجه الأمبرياليّة والمتخاذلين : بالموت وأخيراً كنت تعايش القضية العراقيّة و بذلت الجهود لخلاص العراق من فاشستبة صدام الكافر ، وشاركت في الدفاع عن المهجرين والمهاجرين الذين شرّدهم صدام وطغمته الفجرة من ديارهم ووطنهم العراق الجريح ترافق دوماً الأمين العام لمكتب الثورة الإسلاميّة في العراق العلامة الحجة المجاهد السيد المفدي السيد محمد باقر الحكيم وكنت عضده الأيمن.

كنت المشرف العام للهيئة الأدارية في الحسينيّة الكاظمية في طهران ، والحسينيّة النجفيّة في قم المقدسة ، فكنت عالماً حليماً شفيقاً عطوفاً وأخاً رؤوفاً خدوماً.

كنت دوماً تطلب الشهادة ، ومن يطلب الشهادة لا يخاف الموت ولا يهابه ، ولم يكن الموت شبحاً مخيفاً في حياته كما قلتها على سرير المستشفى آخر ساعات حياتك وحياته البطو ة والشجاعة والجهاد والمثابرة ، حياة العقيدة والإيمان ، فودّعت الحياة بزهد وتقوى وورع واجتهاد ، وحلّقت روحك الطاهرة الى السماء عند مليك مقتدر مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

ص: 192

فألف تحيّة وسلام لك يا من كان عملك وجهودك وجهلدك وحياتك من أجل الفقراء والبؤساء ، من أجل الإسلام وترويج شريعة السماء السمحاء ، واقامة حدود اللّه في الأرض واعلاء كلمة الحق وأدحاض كلمة الباطل.

وأنت في التأريخ من أعزاء الخالدين ، وأروع مثالٍ للأخلاص والعمل الدائب والطموح المتسامي والخلق الإسلامي والفكر العملاق والمؤلف المسؤول والمبلغ الواعي والداعيّة الصادق والعالم الحليم والخلوق الكريم والمسلم الثائر والمجاهد الشهم ... والأب الحنون والأخ الشفيق والولد البار للأسلام والأمّة الإسلاميّة ... وأنتم يا شباب الإسلام سيروا.

على درب فقيدنا الراحل السيد العلوي وأمثاله من المجاهدين الصابرين.

سيروا وعلى هامة العزّ وقمة الخلود ، ردّدوا أناشيد الجهاد والنضال وألحان الشهادة والقتل في سبيل اللّه ...

وأهتفوا اللّه اكبروالعزة لله ورسوله وللمؤمنين ...

والموت للطغاة والجبابرة وحكام الجور والمستكبرين.

ان تنصروا اللّه ، اللّه ينصركم ويثبّت أقدامكم.

وعهداً لفقيدنا العلوي أن نخطوا خطاه ونحي آثاره ومآثره وأن نكون جنود الإسلام الاوفياء حتى تحرير عراقنا الكئيب من براثن البعث الصدامي الكافر ، ومخالب الإستعمار الأمريكي ،

ص: 193

والبريطاني والروسي وكل الأجانب عهداً لفقيدنا الغالي أن نحرّر العراق بقيادة قائد الأمة الإسلاميّة الإمام الخميني العظيم دام ظله ، والإسلام يومئذ يحكم العراق وكل البلاد المضطهدة ان شاء اللّه تعالى ، ونواصل الثورة حتى ظهور صاحب الأمر والزمان الإمام المهدي عجل اللّه تعالى فرجه وجعلنا من خيرة شيعته وأنصاره وأعوانه.

الصورة

ص: 194

حياته الإجتماعيّة والأخلاقيّة :

أروع مثال كان يضربه شهيد الإسلام المفكر الإسلامي الأكبر مولانا الصدر قدس سره ، لرجل الدين والداعية الناجح : هو فقيدنا الراحل السيد العلوي طاب ثراه ، وحقاً كان ذالك. لنشاطاته الدينيّة وعمله الدؤوب المتواصل بلا هوادة ولا هوان ، وبكل اخلاص وتفادي ، فمنذ أن عرف نفسه أحسّ بالمسؤوليّة التي وضعها الإسلام على عاتقه ، فجاهد وضحّى بالنفس والنفيس في سبيل الإسلام والامة الإسلامية وأصبح ملاذاً للمحرومين وملجأً للمستضعفين وعونا للفقراء والمساكين ، وأبا شفيقاً للشباب وأخا حنونا للشيبة ، وسعى سعيه في إصلاح الفرد والمجتمع أينما حلّ وأرتحل ، ورسم للأجيال خطوط النهضة الإصلاحيّة والانتفاضة الإجتماعيّة ضدّ الفساد والإنحطاط الخلقي ، وهذا جزء لازم على طريق الدعوة والحركة التى أرشدنا اليه الإسلام ، وبغيره يكون تصوّر الإصلاح والتغير والبناء سراب بقيع ، اذ الإسلام دين الإنسانيّة الصالح لكلّ زمان ومكان ، فكان يعتقد ويعمل بقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ( خير الناس من نفع الناس ).

فسيدنا الراحل ، ناضل وجاهد في سبيل إصلاح المجتمع من أجل العقيدة ومن أجل أحياء معالم الإسلام ونشر مفاهيمه الساميّة التي تهدي الرشاد وطريق الصواب.

جاهد بنفسه وبكل ما يملك من اجل الدين الإسلامي

ص: 195

وقرآنه الخالد ، فتركز عمله - بيانا وجوارحاً - على التربيّة والأصلاح كأجداده الطاهرين علیهم السلام وحزم نفسه لخدمة الأمة والشعوب والجماهير المؤمنة مهما كانت الظروف والأحوال وأستمر على العمل في هذا السبيل والطريق الوعر الملئ بالأشواك ، رغم ما كان يمر به من مشاكل مادية وأجتماعية ، وجفاء الخلق ، ومتاعب تفسية وروحيّة واجهها بصمود ومثابرة وأيمان لا يلين ، وقوة وعزم لا يفل ، وذلك شأن الّداعي المؤمن الصادق دائماً.

انه يؤمن بالإسلام كمبدأ وعقيدة بكلّ وجوده ودرس الإسلام حتى شهد عقله وقلبه انه لا طريق سليم لنجاة الشعوب المستضعفة من مكالب الطغاة ومخالب المستكبرين سوى الإسلام القويم اذ يهتف صارخا : كن للظالم خصماً وللمظلوم عوناً.

فالسعادة في الإسلام ، وكانت له في الإسلام مواقف مشرقة ناصعة لأهل الدين والإنسانية ، فانّه رجل العلم والعمل.

وفي كل صفحة من تأريخ الإسلام المجيد عظماء حملوا الرسالة الالهيّة بكل تفاد وبطولة ونبل وإخلاص.

اذ لا شك ولاريب انّ عبء الإرشاد والإصلاح والترويج الإسلامي عبء ثقيل ، يقع على اكتاف العظماء المنتخبين في المجتمعات الإنسانية ، وهم دوماً الطريق المنير المتلألأ لإنقاذ الجمهور من ظلمات الجهل والشرك والفساد الى جنة الطهر

ص: 196

والعلم والتوحيد.

وكان فقيدنا العلوي واحد منهم ، واليكم نيذة يسيرة من خدماته الإجتماعيّة ومشاريعه الإسلامية والاصلاحيّة.

1 - تأسس موكب ( الكاشانيون ) في الكاظمية المقدسة بمعيّة والده الماجد الرجل الحسيني الصالح السيد حسين 0 ، وأخيراً سمى الموكب بإسم ( موكب الجوادين ).

لإقامة المجالس الحسينية وعزاء جدّه الأطهر سيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين علیه السلام ، اذ المواكب الحسينية تعتبر مدرسة الأجيال المسلمة ودروسها الفداء والتضحية من أجل العقيدة فانّ الحياة عقيدة وجهاد.

2 - موكب العبيديّة في الجامع العبيدي في بغداد.

3 - موكب حي طارق في الجامع العلوي في بغداد ، العراق.

4 - تأسيس ( هيئت علوي - قم - ايران الثورة عام 1391 ).

5 - تأسيس ( هيئت محلّه مسجد علوي / قم /1394.

6 - تأسيس ( الجامع العلوي ) في بغداد عام 1388 ه.ق.

7 - تأسيس وبناء ( مسجد علوي ) في قم عام 1393.

8 - مكتبه الأمام علي بن الحسين علیه السلام العامة في الجامع العلوي.

9 - تأسيس ( كتابخانه عمومي الإمام علي بن الحسين عليه

ص: 197

السلام ) في ( مسجد علوي ).

10 - مدرسة العلوي الدينيّة أسست عام 1376.

11 - تأسيس وبناء ( مسجد بني هاشم - قم - عام 1398 ).

12 - تأسيس ( مجمع الآثار ) في ( مسجد علوي ).

وله المشاريع الإسلامية الأخرى في ايران الثورة الإسلامية وعراقنا الجريح المضطهد تحت نير الطغاة صدام وجلاوزته وطغمته التكريتيّة ، خذلهم اللّه عاجلاً أن شاء اللّه تعالى.

وأما خلقه رحمه اللّه لربّما يعجز القلم عن وصفه ، فانّه حسن الخلق ، طيّب القلب يحب العباد ويخدمهم ، رحيم شفيق صبور ، وله خصائص أخلاقية يمتاز بها عن الآخرين : مثل البساطة بتمام المعنى فلا تكلّف في حياته الإجتماعيّة ، ومثل الطهارة والقداسة حتى قال في حقه فقيد الإسلام آية اللّه السيد اسماعيل الصدر في مجمع من رجاله مشيراً الى السيد العلوي ( ان هذا السيد أطهرمن ماء السماء ).

ثغره باسم دوماً حتى في الشدائد ، وكان يعتقد ويردد قول المعصوم علیه السلام ( المؤمن بشره في وجهه وحزنه في قلبه ) ومن خصائصه الصبر على البلايا والرزايا ، حتى ضرب المثل به سيما بعد فقد أربعة من اولاده الأبرياء وأفلاذ أكباده في ليلة واحدة.

في سانحة تجرح القلوب وتكلم الافئدة وتقطر المهادماً ،

ص: 198

وذاك ليلة الثورة الإسلامية في ايران الحبيبة ليلة ( 21 بهمن ) حينما ذهبوا الأفلاذ الى مسجد جمكران ، مسجد صاحب الزمان - قريب قم المقدسة - ليدعوا لقائدهم المفدّى الإمام الخميني العظيم وثورته الإسلاميّة المجيدة بالنصر والنجاح ، فوافاهم الأجل عشية الجمعة قريباً من المسجد الشريف ، وجرعوا كأس الشهادة وسبحوا في دمائهم الطاهرة ، كي يسقوا شجرة الإسلام بالدماء ، ويرفعوا راية الإسلام خفاقة عالية ترفرف على ربوع العالم بأجسادهم الملطخة بالدماء الزكيّة عليهم سلام اللّه وقدس أرواحهم البريئة الطاهرة ، وأسكنهم مع ابيه وحشرهم مع جدهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في فسيح جناته وفردوسه الأعلى مع الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

ومن أخلاقه البارزة حبّه وولعه في طلب العلم وطموحه في طلب العلى والمعارف السامية ، والعمل المتواصل ليل نهار بلا فتور ولا جمود.

انه كان مع الشعب اذ يرى نفسه من الشعب والى الشعب يفكر في الجماهير اكثر ممّا كان يفكر بنفسه ، وحتى عائلته يجالس الجاهل ليعلّمه ، والعالم ليذكره ، والفقير ليواسيه ، والغنى ليوصيه بالفقراء ، والمقاتل في سبيل اللّه ليقوي معنوياته ، والشاب ليثقفه ، والجميع يعاشرهم بودٍّ وشفقةٍ ورحمةٍ ليهديهم الصراط المستقيم ويرشدهم الى أحكام القرآن وقوانين الإسلام.

ص: 199

وبهذا استحقّ أعجاب وحب الجماهير سيما الشباب الواعي المتعطش لمنهل علمه العذب ... وأخيراً حياته مدرسة الأخلاق جيلاُ بعد جيل ...

فعاش سعيداً ومات سعيداً ويحشر سعيداً ان شاء اللّه.

واليكم البيان الذي أصدره مكتب السيد الحكيم ومؤسسة الشهيد الصدر في طهران يوم وفاته ثم يليه حياة الفقيد السعيد بقلمه المبارك وخطه الشريف وقد طبع أواخر كتابه ( لباب المعالم ).

ثم ختاما كلمه الأسرة المفجوعة ( آل العلوي ).

ونوافيكم لقطات مصوّرة من حياته الخالدة ولا حول ولا قوة الاّ باللّه العلي العظيم.

رحم اللّه من قرء سوره الفاتحة على روحه الطاهرة ولكم جزيل الأجر والثواب.

ص: 200

الصورة

ص: 201

الصورة

ص: 202

الفهرست

ص: 203

ص: 204

العنوان...الصفحة

مقدمة المؤسسة... 3

التمهيد... 5

الائمة الاطهار ولد الرسول الاكرم (صلی اللّه عليه وآله وسلم)... 9

الاولاد والسعادة... 10

العزيز في كل مكان... 12

المقوم... 13

عمارة الدّنيا... 14

حرث الدّنيا البنون... 15

لذّة الولد... 16

الولد نعمة... 17

الولد ريحانه... 18

الانس بالولد... 19

شباهة الولد... 21

الاجتناب عن ولد الزّنا... 22

شراكة الشّيطان... 23

تاثير الماكولات في الاولاد... 24

البشائر... 26

وليمة المولود... 27

تسمية الاولاد... 28

الكنية من الادب... 29

الولد الصّالح... 30

الكمال... 31

افضل الاعمال للولد... 33

نصيحة الوالد لولده... 34

نصح الآباء للابناء... 35

الاطاعة... 36

وصايا الآباء للابناء... 39

جزاء الوالد... 52

نهي اللّه عن المحارم... 54

الدافع الى الجنة... 55

الخُلود... 56

تعدد الآباء... 57

نكاح المرأه ذات الاولاد... 58

الفرار من الولد... 60

اللّعن... 62

الممقوت... 63

ص: 205

العنوان...الصفحة

الوأد... 64

موجبات الرحمة على الوالد... 66

سخط اللّه ورضاه... 68

جند العقل... 69

الشّكر... 70

البر والبار... 71

برّ الوالدين... 76

البرّ بالاُم... 78

رضا الاُم وسطها... 81

معنى العاق والعقوق... 83

عاق الوالدين... 85

عق الوالدين... 87

حقوق الوالدين... 89

اعالة الاولاد... 91

النفقة على الوالد... 92

الدعاء... 94

حقوق الوالدين... 97

حق الولد على الوالد... 99

الفريضة... 100

العبادة... 102

احب الانباء... 103

درجات العقوق... 104

حيّيان او ميّتان... 109

الجنة... 111

النار... 113

الجنّة من النار... 115

كفران النعمة... 116

المضر... 117

لا ضرر ولا ضرار... 118

الهرب بعد الطلب... 119

اولاد ابليس... 120

الذل... 121

توابع المرء... 122

نقص العيش... 123

التمتع بالولد بعد الموت... 124

الرّعاية... 125

الاقوال... 126

الكبائر... 127

الجبن... 129

سنن عبد المطلب... 130

ص: 206

العنوان...الصفحة

ذبح الولد... 132

المصائب... 136

الفقدان... 137

التعزية... 139

الاحتساب... 140

قانون الوراثة... 141

السلطة الماليّة... 142

ارث الوالدين... 143

الارث للولد... 144

ارث الانثى... 145

ختامه مسك... 147

لأبويه... 149

لولده... 159

في حياة السيد العلوي... 169

الفهرست... 203

ص: 207

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.