المنطلقات الإنسانية والأخلاقية
في رسالة الإمام علي (علیه السلام) الى مالك الأشتر(رضی لله عنه)
سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر( رضی عنه لله)
المنطلقات الإنسانية والأخلاقية
في رسالة الامام علي (علیه السلام) الى مالك الأشتر(رضی لله عنه)
تأليف
أ. م. د.خميس غربي حسين
اصدار
موسسة علوم نهج البلاغة
فی العتبة الحسينية المقدسة
ص: 1
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 4200 لسنة 2017
ص: 2
سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر( رضی عنه لله)
المنطلقات الإنسانية والأخلاقية
في رسالة الامام علي (علیه السلام) الى مالك الأشتر(رضی لله عنه)
تأليف
أ. م. د.خميس غربي حسين
اصدار
موسسة علوم نهج البلاغة
فی العتبة الحسينية المقدسة
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة
العتبة الحسينية المقدسة
الطبعة الأولى
1438ھ- 2017م
رمانة العام
العراق - كربلاء المقدسة -مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام
مؤسسة علوم نهج البلاغة
هاتف: 07728243600 - 07815016633
الموقع الألكتروني:
www.inahj.org
الإيميل:
Info@ Inahj.org
تنویه:
إن الاْفکار والاراء المذکورة فی هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها، و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.
أما بعد:
فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (علیه السلام).
وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لَحدیث الثقلين «کتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة
ص: 5
النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.
وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضی للهُ عنه) إلا أنموذجٌ واحدٌ من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية التي اكتنزت في متونها الكثير من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.
من هنا:
ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) وفكره، متخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه اللهُ) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان
ص: 6
وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية والموسومة ب (سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه اللهُ)، التي يتم إصدارها بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية التي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة المفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.
وكان البحث الموسوم (المنطلقات الإنسانية والأخلاقية في رسالة الإمام علي (رحمه اللهُ) لمالك الأشتر (علیه السلام) تحت عنوان الدراسات الاجتماعية حيث تناول البحث متبنيات أخلاق الإسلام وإنسانيته بما يحمله العهد من طروحات ناضجة
ص: 7
في هذا المضمار التي تؤدي إلى تماسك المجتمع وتقوية أواصره وتجعله يتمتع بسمو الروح الإنسانية والأخلاق الفاضلة.
فجزى الله الباحث خير الجزاء فقد بذل جهده وعلى الله أجره، والحمد لله رب العالمين.
السيد نبيل الحسني الكربلائي
رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 8
بسم الله الرحمن الرحيم
من المسلم به أن الإسلام نظام ايجابي يدعو إلى إقامة دولة تكون في غاية العدالة تقوم سیاستها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويبتعد نظامها عن كل ما يؤدي إلى استغلال الإنسان أو استعباده ويبيح الإسلام للإنسان حرية القول والفعل في تغيير كل منكر يراه والروح الإنسانية والأخلاق القويمة هي الأساس التي يقام عليها المجتمع وهي كذلك المعيار الحسن لصلة الإنسان بربه وحسن تعامله مع أخيه الإنسان وتمام انسجامه مع نفسه.
وفق هذه المعايير فإن الإسلام دين الإنسانية والمثل الأخلاقية السامية جاء برسالة تفيض بالمحبة والإخاء والدعوة الصارخة لتحقيق
ص: 9
إنسانية الإنسان وقد ظهر أدب الوصايا في فترة مبكرة من تاريخ الإسلام فكان الرسول الأعظم محمد (صلی لله علیه و آله و سلم) أول من بدأ تحرير الرسائل والكتب إلى عدد من ولاة أمر المسلمين وكان (علیه السلام) يوصي من تسند إليه وظيفة أو ولاية عامة على ضرورة التعامل بالحسني والأخلاق الفاضلة مع من هم في إمرته.
واستمر هذا الأمر في عهد حكام الخلافة فكانوا يشددون على حكام الولايات الإسلامية وأمراء الجيش أن يكون المعيار الأخلاقي والإنساني هو السبيل الوحيد لسياسة الرعية وقيادة الدولة ولم يكن هذا المنهج ليطبق مع الرعية من المسلمين فحسب بل امتد ليشمل جميع أفراد المجتمع على اختلاف مذاهبهم وأديانهم وألوانهم وأعراقهم مما يبين حالة إنسانية وأخلاقية في منهج الإسلام وسلوك أفراده ممن يؤتمن عليهم مسؤولية القيادة
ص: 10
في الدولة الإسلامية .
تأتي أهمية الموضوع من كون رسالة الإمام
علي (علیه السلام) تعد دستوراً عظيماً بحد ذاته تضمنت الكثير من الأطروحات الناضجة في مجال السياسة والإدارة والقضاء فضلاً على ما حوته من منطلقات إنسانية وأخلاقية تمثل الأفكار الأساسية في المنهج الإسلامي القائم على سمو الروح الإنسانية والأخلاق الفاضلة وهذه كانت صفة ملازمة لشخصية الإمام علي (علیه السلام) لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهلها عند الحديث عن أخلاق المسلمين ومنطلقاتهم الإنسانية .
عندما وصلت الخلافة إلى الإمام علي (علیه السلام) وارث الدوحة المحمدية وهو الذي اشتهر ومنذ وقت مبكر من حياته بعدالته وصدق إيمانه كانت المعايير الإنسانية والأخلاقية هي التي
ص: 11
ترسم سلوكه في الحياة العامة وسياسته مع الرعية يتضح ذلك من عديد الوصايا والرسائل التي كان يوجه بها العمال والولاة على الأمصار الإسلامية .
ولأن سياسة الدولة في مفهوم الإمام علي (علیه السلام) ليس في إطارها أضيق الذي يبغي تحقيق غاية ما مهما كانت الوسيلة إلى ذلك بل أن مفهوم القيادة والإدارة في منطلقات الإمام (علیه السلام) تبدأ من حيث الحفاظ على القيم السامية التي دعا إليها الإسلام والمساهمة في مواجهة الانحرافات التي بدأت تظهر في المجتمع الإسلامي ومن ثم تقويمها واستبدالها بقيم تتوافق مع روح الدين الإسلامي.
من المعلوم أن نصائح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
(علیه السلام) نابعة من إيمانه بمبادئ الإسلام الإنسانية والأخلاقية والتي كانت في معانيها
ص: 12
تهدف إلى إقامة نظام اجتماعي يتصف بالعدل کا تجعل الإنسان غاية سامية بعيداً عن الأطر الضيقة التي كانت تعيشها البشرية ولأن هذا الدين دین التناصح والأخوة والمحبة وهو أي الإسلام يعمل على توجيه الإنسان والأخذ بيده إلى طريق السعادة وتحقيق إنسانيته وحيث أن كل إنسان لا يستطيع أن يعرف أخطاءه أو قد يتغافل عنها لطبيعة في تركيب نفسيته ؛ فإن الله تعالى ورحمة بعباده جعل من حق الأخ على أخيه أن يبصره بعيوبه وأن يكون له مرآة يرى من خلالها ما به من نقص کا جعل مبدأ النصيحة شعار المجتمع الإسلامي(1) .
وانسجاماً مع ما سبق ذكره فإن المؤسسات
ص: 13
الإدارية والسياسية والقضائية والاقتصادية في منظور أمير المؤمنين علي (علیه السلام) يمكن أن توضع فيها الأفكار والقضايا السياسية والقانونية والإدارية والخطط والبرامج والتوجيهات التي تحدد سياسة الدولة وترسم ملامحها وبأدق التفاصيل وهي تنحوا إلى هدف مهم وجوهري ألا وهو خدمة الرعية وتحقيق سعادتهم وهي كذلك لا تخرج عن كونها قوانين وقرارات ومواقف واتجاهات تأخذ طريقها نحو التطبيق في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي من قبل الجهات المختصة بالتنفيذ والتطبيق في المجتمع وعلى ذلك يوصي الإمام علي (علیه السلام) مالك الأشتر(1)(رضی لله عنه) ((فولَّ من جنودك
ص: 14
أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك وأطهرهم جيباً وأفضلهم حلماً ممن يبطئ عن الغضب ويستريح إلى العذر ويرأف بالضعفاء وينبوا عن الأقوياء وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف))(1) .
وكما هو معلوم أن غاية الدولة في الفكر السياسي للإمام علي (علیه السلام) هي خدمة الرعية
ص: 15
والسهر على راحتهم وليس في أن يتسلط الوالي أو الأمير على رقاب الناس أو كبحهم بالخوف ولكن الغاية الأخيرة منها هو تحرر كل إنسان من الخوف طالما كان غير مقترف لذنب أو معصية أو اعتدى على الآخرين كما يتضح من وصية الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى مالك الأشتر ( رضی لله عنه) واليه على مصر بقوله : (( و اشعر قلبك الرحمة للرعية، و المحبة لهم ، و اللطف بهم، ولا تکونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فأنهم صنفان إما أخ لك في الدين و إما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل و تعرض لهم العلل و يؤتى على أيديهم في العمد و الخطأ))(1) وعند ذاك يعمل الفرد في دولة الإسلام بجو من الطمأنينة والأمن ويعيش في وئام مع نفسه وممن يحيط به من الناس وهذه الفكرة التي كانت في سلم
ص: 16
أولويات القيادة عند الإمام علي (علیه السلام) نجد صداها عند الكثير من المفكرين الغربيين کا ذهب إلى ذلك) وِل ديورانت ( بقوله : (( إن الغاية الدولة ليست تحویل الناس إلى وحوش آلات صياء ولكن الغاية تمكين أجسامهم وعقولهم من العمل في أمن واطمئنان وان ترشدهم إلى حياة تسودها حرية الفكر والعقل كي لا يبددوا قواهم في الكراهية والغضب والغدر ولا يظلم بعضهم بعضاً وهكذا فإن غاية الدولة هي الحرية في المجتمع ))(1) .
إن القارئ المدقق والمتأمل للرسالة التي بعثها (علیه السلام) إلى والي مصر مالك الأشتر (رضی لله عنه) سيجد أن الجوانب الإنسانية والأخلاقية تكاد تطغى على
ص: 17
ماسواها ولأن الجوانب الإنسانية والأخلاقية من هواجس الإمام علي (علیه السلام) فكان الإمام (علیه السلام) يحاول أن يزرع في نفوس الولاة مبادئ وقيم الدين الإسلامي التي تتضمن حب الخير والتطلع للأفضل فيما يرتبط بالعلاقات بين الولاة والرعية من المسلمين وغير المسلمين والتي يجب أن تتحلى بالسلوك الحسن الذي يضمن السعادة الأبناء المجتمع. وهذا هو الذي صاغ الحياة الإسلامية والفكر الإسلامي وهو الذي قامت عليه حضارة الإسلام يوم قدر لها أن تسود العالم وأن ترف راية الإسلام في الشرق والغرب.
وبطبيعة الحال فإن هذه الوثيقة ذات أبعاد عمومية لأن هذه الرسالة وأن كانت موجهة إلى والي أحد الأمصار بعينه إلا أنها تشمل كل من تسنم منصب أو تولى أمر المسلمين في دولة الإمام علي (علیه السلام) من هنا تتضح أهمية هذه الدراسة على
ص: 18
المستوى الأكاديمي والعلمي والفكري كون أن هذه الوثيقة تشکل دستورة لبناء دولة الإنسانية ومن هنا أيضا توجب على الدارسين والباحثين وقادة المسلمين المعاصرين أن يستفيدوا من دراسة هذا السفر السياسي الاجتماعي والقضائي والاقتصادي .
إن كلمة (منطلقات) التي جعلناها أحد مفردات عنوان هذا البحث نعني بها كيف أن الإمام علي (علیه السلام) كان يؤسس لبناء منظومة قيمية ذات منهج يرتكز في أساسه على الجانب الإنساني والأخلاقي ويتجه قادة المسلمين وأولي الأمر لتكون الأخلاق الفاضلة عنوان فاصل بين دولة الإسلام ذات التعاليم الربانية وبين دول التعاليم الوضعية وهذا يعني أن الإمام علي (علیه السلام) كان ينطلق في تفكيره وأقواله وأفعاله ودعواته إلى منهج الإسلام بمصدريه : القرآن الكريم والسنة
ص: 19
النبوية وقد اتضح ذلك في مفردات الرسالة التي خص بها أمير المؤمنين (علیه السلام) واليه على مصر مالك الأشتر(رضی لله عنه).
اقتضت طبيعة هذه الدراسة تقسيمها على ثلاث مباحث سبقتها مقدمة وانتهت بخاتمة تضمنت المقدمة بيان أهمية الموضوع والإشارة إلى المنهج السياسي الإسلامي كذلك تكلمنا عن الأسلوب التي اتخذه الإمام علي في قيادة الدولة الإسلامية من خلال الوصايا والرسائل والتوجيهات التي كان يسديها إلى الولاة وعامة الناس أما المبحث الأول فقد تضمن بناء شخصية الإنسان في فكر الإمام علي (علیه السلام) وتطرق المبحث الثاني إلى الجوانب الأخلاقية في عهد الإمام علي (علیه السلام) وتكلمنا في المبحث الثالث إلى الجوانب الأخلاقية في العهد وانتهت الخاتمة إلى بيان أهم النتائج التي توصلنا إليها في البحث.
ص: 20
بناء شخصية الإنسان في فكر الإمام علي (علیه السلام)
من المعلوم أن الدراسات التي تختص بفکر الإمام علي (علیه السلام) ولا سيما في الجانب السياسي تكتسب أهميتها ونوعيتها لأن الإمام علي (علیه السلام) من الشخصيات التي تركت أثر كبيرة وعميقة في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي (1) وقد بين الإمام (علیه السلام) في أكثر من مناسبة أن قيامه بالأمر لم يكن ليحصل لولا أنه يريد إقامة العدل ولم ينظر إلى منصب الخلافة على أنه منصب تشریف(2) بل منصب تكليف لتحقيق الجوانب الإنسانية
ص: 21
والأخلاقية التي دعا إليها الإسلام .
وإن الدارس لسيرة الإمام علي (علیه السلام) سيجد انه قضى شطراً كبيراً من حياته محاولأً بناء دولة الإنسان التي جل اهتمامها ينصب في الحفاظ على کرامته محدداً ذلك بضوابط منها العدل والقدوة الحسنة فضلا عن المساواة بين أفراد المجتمع من المسلمين وغير المسلمين ضمن الدولة الإسلامية تبين ذلك من خلال الأقوال والأفعال التي صدرت عنه (علیه السلام) وكانت سياسته حتى مع المعارضين له قائمة على الحوار والنقاش الهادئ البناء يقول المفكر العربي طه حسين : (( لم يكن الإمام علي (علیه السلام) يستبيح لنفسه مكراً ولا کیداً ولا دهاء كان يؤثر الدین الخالص على هذا كله وكان يتحمل الحق مهما ثقلت مئونته لا يعطي في غير موضع للعطاء ولا يشتري الطاعة بالمال ولا يحب أن يستقيم أمر المسلمين على الرشوة
ص: 22
ولو شاء الإمام علي (علیه السلام) المكر لكاد ولكنه آثر دينه وأبى إلا أن يمضي في طريقه إلى المثل العليا من الصراحة والحق والإخلاص والنصر الله وللمسلمين عن رضي واستقامة لاعن کید والتواء))(1) .
وتظهر مسألة بناء شخصية الإنسان في المجتمع الإسلامي وفق المنظور العلوي عندما كان الإمام علي (علیه السلام) قدوة للرعية كي یکون كلامه يوافق فعله وتصرفه رأى أبن عباس الإمام علي (علیه السلام) وهو يخصف نعله (( فسأله الإمام علي (علیه السلام) ما قيمة هذا النعل ؟ فقال ابن عباس : لا قيمة لها فقال الإمام : والله لهي أحب إليَّ من أمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو ادفع باطلاً))(2) .
ص: 23
كان منهج الإمام علي (علیه السلام) يرتكز في أساسه على تعاليم القرآن والسنة النبوية وكان (علیه السلام) يقرر هذا المنهج قولاً وفعلاً ويمكن تلمس ذلك من خلال حرصه على تطبيق الأحكام الشرعية بشكل فعلي في إطار التنظيم المالي والإداري إبان خلافته والتي تظهر بشكل واضح في خطبه ووصاياه إلى عماله (1) ففي رسالة إلى محمد بن أبي بكر عندما وليَّ مصر أوصاه الإمام علي (علیه السلام) بتقوى الله والإحسان إلى الرعية بقوله(علیه السلام): (( واني أوصيكم بتقوى الله فيما انتم عنه مسئولون وعما أنتم إليه صائرون فإن الله قال في كتبه (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا
ص: 24
يعملون)(1) فعليك بتقوى الله فإنها تجمع من الخير ما لا يجمع غيرها ويدرك بهاما الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا وخير الآخرة))(2) .
والإمام علي في دعوته للإصلاح يؤكد على أهمية الوعي بأخبار السالفين والإفادة من تجارب السابقين والأخذ منها فيصبح الإنسان كأنه عاش معهم ففي وصية لولده الإمام الحسن (علیه السلام) يقول ما نصه : ((يا بني إني وإن لم أكن قد عمَّرت عمر من كان قبلي؛ فقد نظرت في أعمارهم وفكرت في أخبارهم وسرت في آثارهم، حتی عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلىّ من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم؛
ص: 25
فعرفت صفو ذلك من کدره ونفعه من ضرره واستخلصت لك من كل أمر نخيله وتوخيت لك جميله))(1) .
لقد كان الإمام علي (علیه السلام) حريص جدا في تحقيق المبادئ الإنسانية في ظل الخلافة الإسلامية واتبع أساليب متعددة في سبيل تحقيق هذا الهدف منها سياسة إرسال العيون إلى الأمصار لمتابعة عاله فيشجع المحسن ويعاقب المسيء يقول الإمام في وصيته لمالك الأشتر ( رضی لله عنه) عنه : ((ولا يكون المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة وألزم كل منهم ما ألزم نفسه))(2) .
ص: 26
والإمام علي (علیه السلام) يريد بناء شخصية الوالي من خلال العلاقة الطيبة مع الرعية والقائمة على التفاهم والانسجام بين الطرفين وهذا يتحقق من خلال حسن ظن الوالي برعيته كي تزداد الثقة بين الطرفين . يظهر ذلك في عهده إلى مالك الأشتر(رضی لله عنه) يقول (علیه السلام) : (( واعلم أنه ليس شيء أدعى إلى حسن ظن والي برعيته من إحسانه إليهم وتخفيفهِ المؤونات عليهم وترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم فليكن منك في ذلك أمرٌ يجتمع ل كبه حسن الظن برعيتك فإن حسن الظن يقطع عنك نصباً طويلاً وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده وإن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده))(1) .
ص: 27
يقودنا الحديث عن الجوانب الإنسانية في وصایا ورسائل الإمام علي (علیه السلام) إلى تأكيد أمر في غاية الأهمية وهو أن الإسلام جاء ليرسي القيم الإنسانية في الأرض ويخرج الناس من قهر العبودية والتسلط إلى فضاء الحرية والعدل والتعامل على أساس الأخوة الإنسانية ونجد الخليفة علي (علیه السلام) يجسد هذا المعاني في أقواله وأفعاله لا سيما في رسائله ووصاياه إلى الولاة وقد تجسدت القيم الإنسانية في هذه الوصايا وفق مفاهیم تربوية وأخلاقية وإنسانية منها مساعدة الضعفاء والفقراء والتأكيد على حسن معاملة الرعية حتى من غير المسلمين وفق منهج الإسلام الذي بني على الروح الإنسانية والتي تتمثل في حق الرعية على الوالي وحق الوالي
ص: 28
على الرعية ولعل ذلك من أهم المبادئ التربوية والأخلاقية والإنسانية التي جاء بها الإسلام.
وليس أدل على الجوانب الإنسانية في نهج الإمام علي (علیه السلام) هو إلغاءه للتميز في توزيع العطاء والذي كان جزءاً من سياسة إصلاحية بعيدة المدى تنسجم مع مبادئ الإسلام(1) إذ رأي (علیه السلام) أن التقوى والسابقة في الإسلام والجهاد والصحبة للرسول محمد (صلی لله علیه و آله سلم) أمور لا تمنح أصحابها مراتب أو مميزات في الدنيا وإنما لتلك المزايا ثوابها عند الله في الآخرة ومن كان له قدم فإن الله تعالى يتولى جزاءه أما في هذه الدنيا فإن الناس سواسية في الحقوق المالية في القضاء
ص: 29
الإسلامي وفي الواجبات والتكاليف(1) .
إن ما ذكرناه آنفاً قد تجسد في عهود الإمام إلى ولاته ففي وصيته إلى محمد بن أبي بكر والي مصر دعوة إلى ضرورة التعامل مع الرعية بالحسنی سواء كانوا مسلمين أو من أهل الذمة كما يأمره بالعفو عن الناس يقول الإمام علي (علیه السلام) (( آمرك بتقوى الله والطاعة في السر والعلانية وخوف الله في الغيب وباللين على المسلم وبالغلظة على الفاجر وبالعدل على أهل الذمة وبإنصاف المظلوم و بالشدة على الظالم و بالعفو عن الناس وبالإحسان ما استطعت))(2) .
ومن وصاياه إلى عاله في ضرورة التعامل
ص: 30
بروح الإنسانية التي جاء الإسلام لتحقيقها في المجتمع قوله (علیه السلام) إلى عدد من عماله : (( أما بعد فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظةً وقسوةً واحتقاراً، وجفوة، ونظرت فلم أرهم أهلن يدنوا لشركهم ولا أن يقصوا ويجفوا لعهدهم فلبس هم جلباباً من اللين تشوبه بطرف من الشدة وداول لهم بين القسوة والرأفة وامزج لهم بين التقريب والإدناء والإبعاد والإقصاء . إن شاء الله))(1) . والإمام (علیه السلام) كان يتحرى في تطبيق أحكام الشريعة ومحاسبة عاله وتظهر شدته أن عامله (مصقلة بن هبيرة) لما أحس الخطر المحدق به آثر الهروب من مواجهة الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) بسبب خطأٍ اقترفه هذا العامل(2) .
ص: 31
والجوانب الإنسانية في وصايا الإمام علي (علیه السلام) إلى عماله تظهر واضحة لكل دارس السيرته (علیه السلام) ففي رسالة إلى والي البصرة زياد بن أبيه تحذير من الاستئثار بأموال الرعية وخيانة الأمانة التي كلف بها على اعتبار أن الذي يقوم بخدمة عامة في دولة المسلمين يجب أن يتبنی الروح الإنسانية في كل ما هو مؤتمن عليه(1) ومن الجوانب الإنسانية في شخصية الإمام علي (علیه السلام) شدته في الحق كتب إلى ابن عمه عبدالله بن عباس عندما ولاه البصرة ما نصه : (( فما أتاك من الدنيا فلا تكثر به فرحاً وما فاتك فلا تكثر عليه جزعاً واجعل همك لما بعد الموت . فكان
ص: 32
أبن عباس يقول : ما اتعظت بكلام قط اتعاظي بكلام أمير المؤمنين))(1) .
إن المنطلقات الإنسانية التي نجدها عند الإمام علي (علیه السلام) في السلم والحرب على حد سواء فهو يوصي أتباعه قبل لقاء العدو بقوله : (( لا تقاتلوهم حتى يبدءوكم فإنكم بحمد الله على حجة وترككم إياهم حتى يبدءو کم حجةً أخرى لكم عليهم؛ فإن كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدير؛ ولا تصيبوا عورة ولا تجهزوا على جريح ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم وسبين أمراءكم فإنهن ضعيفات القوى والنفس والعقول ؛ إن كنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر أو الهراوة فيعير بها
ص: 33
وعقبه من بعده))(1) وهذا يظهر الأبعاد الإنسانية والأخلاقية في منهج الإمام (علیه السلام) في تربية أعوانه على محاسبة أنفسهم والخوف من الله في كل صغيرة وكبيرة .
وتظهر العدالة الاجتماعية والمعايير الإنسانية في تأكيد الإمام علي (علیه السلام) على ولاته في أن يجعلوا في حساباتهم أن لا يكون هم العمال جلب الخراج فقط بل الإنفاق على عمارة البلاد كي لا يلحقها التدهور والخراب يتضح ذلك من قوله (علیه السلام): ((ولیکن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عبارةً أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلاً فإن شکواثق أو علةً أو انقطاع شرب أو بالة أو
ص: 34
إحالة أرض أغتمرهاغرقٌ أو أجحف بها عطش خففت منهم بما ترجو أن تصلح به أمرهم ... وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها وإنما یعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر))(1) .
کانت وصيته في التخفيف عن الفلاحين من أجل إصلاح أمرهم لما يصيب الأراضي الزراعية من آفات وهي في الوقت نفسه تظهر الفكر الراجح لدى الإمام علي (علیه السلام) في بناء مجتمع وفق منظومة إنسانية قائمة على الأخلاق وليس استغلال أصحاب الأراضي بالخراج لأن ذلك سوف يعوض في الازدهار المرتقب مستقبلا وسيشعر الناس أن الدولة مهتمة بهم وتساعدهم في حل مشاكلهم وبذلك تكون معهم في الضراء والسراء.
ص: 35
تظهر الأخلاق الفاضلة عند الإمام علي من خلال وصاياه وفي أحلك الظروف فعندما طعنه أبن ملجم أوصى (علیه السلام) أولاده والمقربين بكلام كله مثل وأخلاق توضح عظمة شخصية الإمام علي (علیه السلام) ورسوخ مبادئ الإسلام في نفسه قال (علیه السلام) : (( وصيتي لكم أن لا تشركوا بالله شيئاً ومحمد صلى الله عليه وآله فلا تضيعوا سنة أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين وخلا کم ذم أنا بالأمس صاحبكم واليوم عبرة لكم وغدا مفارقكم إن أبق فأنا ولي دمي وإن أفنى فالفناء میعادي وإن أعف فالعفولي قربة وهو لكم حسنة))(1) .
إن الأخلاق الفاضلة عند الإمام علي تتجلى في
ص: 36
وصاياه لعمالة وولاة أمر المسلمين ليتمسكوا بالقيم الإسلامية التي تدعو إلى سموا الأخلاق ومراعاة حقوق الناس وعدم البذخ والإسراف من بيت مال المسلمين ففي إحدى وصاياه إلى عياله يقول (علیه السلام) : (فدع الإسراف مقتصداً واذكر في اليوم غدا وامسك من المال بقدر ضرورتك وقدم الفضل اليوم حاجتك أترجوا أن يعطيك الله أجر المتواضعين وأنت عنده من المتكبرين وتطمع في نعيم الآخرة وأنت متمرغ في النعيم تمنعه الضعيف والأرملة))(1) .
ومن نافلة القول أن نشير هنا إلى أن الإمام علي (علیه السلام) قد اتبع سياسة حازمة تتسم بالإنسانية والأخلاق الفاضلة نابعة من فهمه للإسلام ومبادئه فكان يختار أعونه ومساعديه في إدارة الدولة من تتوافر فيهم صفات العدل والصدق والأمانة(2)
ص: 37
ويكتب لمن يعينه في منصب عام عهدا يقرأه على الناس في بداية ولايته فإن انحرف عنه وجبت عليه العقوبة وكان يراقب العال مراقبة دقيقة من خلال العيون التي كانت تنقل له الأخبار عن الوالي في كل مصر على حدة). ففي رسالة بعثها أمير المؤمنين علي (ع) إلى زياد بن أبيه وهو خليفة عامله عبدالله بن عباس على البصرة يتضح فيها حزم الإمام (ع) وشدته في ضرورة أن يكون الوالي حريصا على العدل والحفاظ على المال العام وعدم الجور على الرعية يقول (ع) : (( وإني أقسم بالله قس صادقا لئن بلغني أنك خنت من في المسلمين شيئة صغيرة أو كبيرة لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر ثقيل
الراشدين المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر بيروت / 1996م)
ص 153 . صمد محمد الصمد: نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين ص 153 .
ص: 38
الظهر؛ ضئيل الأمر والسلام))(1) .
ومن أخلاق الإمام علي (علیه السلام) عدله في القضاء وهذه سمة لازمت الإمام علي (علیه السلام) قبل تولي الخلافة وبعدها يروي عن الإمام علي (علیه السلام) لما بعثه الرسول محمد (علیه السلام) قاضيا على اليمن وهو لا يزال شاباً قوله : ((بعثني الرسول محمد (صلی لله علیه و آله سلم) وأنا شاباً اقضي بينهم ولا ادري ما القضاء قال فضرب صدري وقال : اللهم ثبت قلبه وثبت لسانه فو الذي فلق الحبة ما شكلت بعد ذلك في القضاء بين اثنين))(2) . وقد بين الإمام علي منهجه في القضاء بقوله : ((الذليل عندي عزيز حتى أخذ الحق له والقوي عندي ضعيف حتى أخذ الحق
ص: 39
منه))(1) وعدل الإمام علي (علیه السلام) هو المثال الإنساني الخالد في التعبير عن كلية العدل ووحدة فروعه في الأفكار وفي الممارسة وفي العلاقة على الصعيدين الفردي والجماعي(2) .
وفي عهده (علیه السلام) إلى مالك الأشتر (رضی لله عنه) والي مصر هناك جوانب أخلاقية منها الدعوة إلى إقامة سلطان الإسلام المبني على العدل وعدم المساومة في إحقاق حق أو إزهاق باطل يقول الإمام (علیه السلام) : ((أنصفِ الله وأنصفِ الناسَ من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك هوى فيه من رعیتك فإنك إلا تفعل تظلم ومن ظلم عباد اللهِ كان الله خصمه دون عباده ومن خاصمه الله ادحض حجته وكان الله حرباً حتى ينزِع أو
ص: 40
يتوب وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم فإن الله يسمع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد))(1) .
والجانب الأخلاقي في الرسالة يظهر بوضوح عندما ينطلق الإمام علي (علیه السلام) في توجيه مالك الأشتر (رضی لله عنه) من منهج إسلامي أخلاقي أصيل وروح إنسانية وثابة في الدعوة إلى ضرورة توخي الحذر في تعامله وسلوكه وإدارته للبلاد والابتعاد عن الأبهة والكبر لأن الله سائله يوم القيامة عن جميع أعماله وأفعاله يظهر ذلك من قوله (علیه السلام) : (( فأعطهم من عفوك وَصَفحِك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه و صفحه فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاك وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم ولا
ص: 41
تنصبن نفسك لحرب اللهِ فإن هلايدي لك بنقمته ولا غنى بك عن عفوه ورحمته))(1) .
يؤكد الإمام علي (علیه السلام) على أهمية رضا الرعية عن الوالي وهذه بطبيعة الحال لا تأتي من دون العمل والسهر من قبل الوالي على مصالح الرعية وفي هذا يوصي الإمام علي (علیه السلام) مالك الأشتر (رضی لله عنه) بالتوسط في جميع الأمور بغية الوصول إلى الحق الذي هو جزء من الأخلاق ((وليكن أَحبَّ الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضا الرعيةِ فإن سخطَ العامةِ يجحف برضا الخاصة وإن سخطَ الخاصةِ يغتفرُ مع رضا العامة))(2) وعلق مؤلف كتاب شرح نهج البلاغة على هذه الخاصية في الوالي بقوله : (( ثم عرفه أن قانون الإمارة الاجتهاد في رضا العامة فإنه لا مبالاة
ص: 42
بسخط خاصة الأمير مع رضا العامة فأمّا إذا سخط العامة لم ينفعه رضا الخاصة وذلك مثل أن يكون في البلد عشرة أو عشرون من أغنيائه وذوي الثروة من أهله يلازمون الوالي ويخدمونه ويسامرونه وقد صار كالصديق لهم فإن هؤلاء ومن ضارعهم من حواشي الوالي وأرباب الشفاعات والقربات عنده لايغنون عنه شيئاً عند تنكر العامة له وكذلك لا يضر سخط هؤلاء إذا رضيت العامة وذلك لأن هؤلاء عنهم غنی ولهم بدل والعامة لا غنى عنهم ولا بدل منهم ولأنهم إذا سغبوا عليه كانوا كالبحر إذا هاج واضطرب فلا يقاومه احد وليس الخاصة كذلك))(1) .
لا ينحصر المفهوم الأخلاقي الإنساني عند الإمام علي (علیه السلام) في علاقة الوالي الايجابية بالرعية
ص: 43
بل يتعدى ذلك إلى إقامة علاقة مبنية على المحبة لهم يقول (لا) في عهده إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه) : ((أطلق عن الناس عقدهً كل حقدٍ واقطع عنك سبب كل وترٍ وتغابَ عن كل ما لا يضح لك ولا تعجلن إلى تصدیق ساعٍ فإن الساعيَ غاشٌ وإن تشبه بالناصحين))(1)
ص: 44
بعد أن أكملنا هذا البحث لابد أن نضع خاتمة نبين فيها أهم النتائج التي توصلنا إليها وهي الآتي : -
أولاً:- ظهر أدب الرسائل والوصايا في الحقبة المبكرة من تاريخ الإسلام إذ أن الرسول محمد (صلی لله علیه و آله سلم) كان يوصي ولاة أمر المسلمين بضرورة مراعاة حقوق الرعية والخشية من الله ومحاسبة أنفسهم في كل صغيرة وكبيرة فضلا عن ذلك فقد بعث الرسول محمد (صلی لله علیه و آله سلم) بعدد من الرسائل إلى ملوك الدول المجاورة يطلب منهم الدخول في الإسلام واستمر هذا الأمر في عهد حکام الخلافة وكان الإمام علي (علیه السلام) لورعه وتقواه وخشيته من الله معروفاً بكثرة رسائله إلى ولاته ومعارضيه يحذرهم فيه على مراعاة أوامر
ص: 45
الله ونواهيه ويحث على التعامل مع الرعية من منطلق الإنسانية والأخلاق التي دعا الإسلام إلى التمسك بها.
ثانياً:- لقد كان في رسالة الإمام علي (علیه السلام) إلى واليه مالك الأشتر (رضی لله عنه) دروس وعبر أراد الإمام (علیه السلام) أن يبين من خلالها جملة من المفاهيم والقيم الإنسانية والأخلاقية النابعة من فهم الإمام علي (علیه السلام) للدين الإسلامي الحنيف وهذا ما يتضح في معظم فقرات الرسالة التي تفيض عدلاً ومحبةً وإنسانية والدعوة إلى التمسك بتعاليم الإسلام في الإدارة وسياسة الرعية.
ثالثاً :- ولأن الجوانب الإنسانية والأخلاقية من هواجس الإمام علي (علیه السلام) فكان الإمام (علیه السلام) يحاول أن يربي ويزرع في نفوس الولاة مبادئ وقيم الدين الإسلامي التي تتضمن حب
ص: 46
الخير والتطلع للأفضل فيما يرتبط بالعلاقات بين الولاة والرعية من المسلمين وغير المسلمين والتي يجب أن تتحلى بالسلوك الحسن والمبادئ الإنسانية والأخلاقية التي تحقق السعادة لأبناء المجتمع . وهذا هو الذي صاغ الحياة الإسلامية والفكر الإسلامي وهو الذي قامت عليه حضارة الإسلام يوم قدر لها أن تسود العالم وأن ترف راية الإسلام في الشرق والغرب .
رابعاً:- يعد عهد الإمام علي (علیه السلام) إلى الوالي مالك الأشتر (رضی لله عنه) برنامج عمل يصلح لإدارة دولة الإسلام في الوقت الحاضر ذلك لما تضمنته من مقاصد منها سعة العدل التي تجعل المجتمع خالياً من الظلم وذلك بإرجاع الحق إلى المظلوم بانتزاعه من الظالم وكذا الإحسان الذي يعني في منهاج الإمام علي (علیه السلام) أن يطبق القانون على الجميع دون تمييز ولو كان من خاصة بيت الإمام علي (علیه السلام) .
ص: 47
خامساً :- الحرص على أموال المسلمين وتوزيعها بالعدل دون النظر لقرابة أو عرق أو مذهب أو اتجاه فكري کي لا تكون الأموال دولة بين طبقة محددة وطبقة من أبناء المجتمع وهذا ما يحصل في الوقت الحاضر في العديد من الدول التي تدعي أنها تدين بالإسلام دين الأخلاق الفاضلة والمبادئ الإنسانية وهذا المنهج طبقه الإمام (علیه السلام) على نفسه وأهل بيته وقرابته أولاً.
سادساً:- في عهد الإمام (علیه السلام) برنامج عمل وخطط تنموية لبناء شخصية الفرد المسلم تصلح لسياسة وإدارة الدول الإسلامية في الوقت الحاضر وعلى ولاة الأمر في هذه الدول الانتباه لما حوته هذه الرسالة واستنطاقها لأنها منطلق الإصلاح ودستور حياة وإقامة ورش عمل وندوات تثقيفية لا سيما في بلدِ مثل العراق تتقاذفه الأمواج ولا يعرف ولاة الأمر فيه كيف
ص: 48
السبيل للخلاص من هذه المحنة التي يعيشها أبناءه ونحن هنا نرى أن يوزع کراس من عهده على جميع المسئولين وأعضاء البرلمان في العراق ليطلعوا على هذه الوثيقة المهمة.
سادساً :- نجد في العهد أدلة تبين حرص الإمام علي (علیه السلام) في المحافظة على أموال المسلمين وإقامة العدل بينهم فضلا عن زهده (علیه السلام) والمساواة بين الناس على اختلافهم ولا غرابة في ذلك فالإمام علي (علیه السلام) لا يخضع لعاطفة أو مساومة لأن منهجه مستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
ص: 49
القرآن الكريم.
1- ابن أبي حديد : شرح نهج البلاغة تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهیم دار إحياء الكتب العربية ط 2 (القاهرة/ 1997 م) .
2- أبي حديد : شرح نهج البلاغة مراجعة و تحقیق : لجنة إحياء التراث منشورات دار مكتبة الحياة (بيروت / د.ت).
3- الطبري أبو جعفر محمد بن جریر: تاریخ الرسل والملوك المطبعة الحسينية
(القاهرة/ 1917 م)
4- الشيخ الطوسي أبو جعفر محمد بن الحسن : ألآمالي قدم له السيد محمد باقر بحر
ص: 50
العلوم مطبعة النعان (النجف / 1964م) .
5- القلقشندي أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد : معالم الأنافة في معالم الخلافة تحقيق: أحمد عبد الستار فراج وزارة الإرشاد الكويت / 1964م) ج1 ص103 .
6- اليعقوبي أحمد بن أبي يعقوب : تاریخ اليعقوبي مطبعة أمير (طهران/ 1952م) .
1-صمد محمد الصمد: نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر (بيروت / 1996م).
2-طه حسين : علي وبنوه دار المعارف
للطباعة (مصر/1965م)
3- عبد الرضا الزبيدي : في الفكر الاجتماعي
ص: 51
عند الإمام علي طا (لاب / 1998 م) .
4 - عبد الزهرة عثان : العدالة الاجتماعية عند أمير المؤمنين علي (ي) - صور ومصادیق - المركز الوطني للدراسات الاجتماعية والتاريخية
البصرة/2003م) .
5- عبد الوهاب التازي سعود : الأخلاق الإسلامية مراجعة : محمد المكي الناصري المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ط2 الرباط/ 1991م) .
6-عزیز السيد جاسم : علي سلطة الحق
منشورات الاجتهاد (قم/ 2007م) .
7- محمد باقر المجلسي : بحار الأنوار دار المعارف للمطبوعات طا (بيروت/ 1921 ه) .
8- محمد طي: الإمام علي ومشكلة نظام
ص: 52
الحكم مركز الغدير للدراسات الإسلامية ط2 (النجف / 1997 م) .
9 - محمد عبده : شرح نهج البلاغة مؤسسة الأعلمي (بيروت / د.ت).
10- ول ديورانت : قصة الفلسفة من أفلاطون إلى جون ديوي ترجمة : فتح الله محمد المشعشع مكتبة المعارف ط3 (بيروت / 2006م).
1- علاء كامل صالح العيساوي: النظم المالية والإدارية في عهد الإمام علي أطروحة دكتوراه غير منشورة جامعة البصرة/2005م.
ص: 53
المحتويات
مقدمة المؤسسة ...5
مقدمة ...9
المبحث الأول: بناء شخصية الإنسان في فكر الإمام علي
(عليه السلام) ... 21
المبحث الثاني: الجوانب الإنسانية ... 28
المبحث الثالث: الجوانب الأخلاقية ... 36
الخاتمة والاستنتاجات ...45
المصادر والمراجع ... 50
أولاً:- المصادر الأولية ... 50
ثانيا :- المراجع ... 51
ثالثا : الرسائل والأطاريح الجامعية... 53
ص: 54