في رحاب سيد الشهداء عليه السلام

هویة الکتاب

في رحاب سيد الشهداء عليه السلام

رؤى عن نهضة الإمام الحسين(علیه السلام)

الإمام الحسين(علیه السلام) مصباح الهدى

عاشوراء والقرآن المهجور

المرجع الديني الراحل

آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمة الله)

ص: 1

اشارة

يهدی ثواب

طباعة هذا الكتاب إلی سيدنا الإمام الحسين (علیه السلام)

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولى

1442ه . 2020م

النجف الأشرف: مكتبة الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام)

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

ص: 3

ص: 4

رؤى عن نهضة الإمام الحسين(علیه السلام)

اشارة

ص: 5

ص: 6

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

«السلام عليك يا أبا عبد اللّه وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، عليك منّي سلام اللّه أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله اللّه آخر العهد منّي لزيارتكم، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين(علیهم السلام)»(1).

ثورة الإمام الحسين(علیه السلام) وأهدافها

س: ماذا كان يهدف الإمام الحسين(علیه السلام) من وراء نهضته المباركة؟

ج: استهدف الإمام الحسين(علیه السلام) من نهضته الإصلاحية المباركة إحياء الدين الإسلامي، ذلك لأن الدين الإسلامي تعرض للخطر وكاد أن يندرس ويعفى أثره نتيجة الخطط الشيطانية التي كان يخططها بنو أميّة لإعادة الجاهلية ومحو الإسلام، وقد قام الإمام الحسين(علیه السلام) بإرواء شجر الدين بدمه المبارك وبتبديد أهداف بني أميّة.

ص: 7


1- زيارة عاشوراء المعروفة والواردة في كثير من المصادر منها: كامل الزيارات: 178؛ والمزار الكبير لابن المشهدي: 484.

س: ما هو المقصود من الدين؟

ج: الدين هو السبيل والطريق الذي يؤدي إلى سعادة الناس في دنياهم وآخرتهم، وهو يشتمل على أمور ثلاثة:

1- العقيدة.

2- القول.

3- العمل.

س: ماذا تعني (العقيدة)؟

ج: (العقيدة) تعني: الاقتناع وقبول أصول الدين الخمسة بالعقل والبرهان، وهي عبارة عن:

1- التوحيد.

2- العدل.

3- النبوّة.

4- الإمامة.

5- المعاد.

س: ما هو المقصود من (القول)؟

ج: المقصود من (القول) هنا: هو الإقرار والتلفظ بالشهادتين: الوحدانية للّه سبحانه والرسالة النبوية لخاتم الأنبياء محمد(صلی الله علیه و آله) وأيضاً الإقرار بإمامة الأئمة الطاهرينوالذين هم:

1- الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السلام).

2- الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام).

3- الإمام الحسين سيد الشهداء(علیه السلام).

ص: 8

4- الإمام علي بن الحسين زين العابدين(علیهما السلام).

5- الإمام محمد بن علي الباقر(علیهما السلام).

6- الإمام جعفر بن محمد الصادق(علیهما السلام).

7- الإمام موسى بن جعفر الكاظم(علیهما السلام).

8- الإمام علي بن موسى الرضا(علیهما السلام).

9- الإمام محمد بن علي الجواد(علیهما السلام).

10- الإمام علي بن محمد الهادي(علیهما السلام).

11- الإمام الحسن بن علي العسكري(علیهما السلام).

12- الإمام الحجة بن الحسن المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف.

وكذلك الإقرار بالعصمة للسيدة الصديقة الطاهرةفاطمة الزهراء(علیها السلام) بنت رسول اللّه(صلی الله علیه و آله).

س: ما هو المقصود من (العمل)؟

ج: (العمل) هو الالتزام العملي بالعقيدة والقول، وتطبيق القوانين والأحكام الإسلامية، وسيأتي بيان ذلك في المباحث الآتية إن شاء اللّه تعالى.

العلم بالشهادة

س: هل كان الإمام الحسين(علیه السلام) يعلم حينما قام بنهضته ضد الظلم والطغيان باستشهاده يوم عاشوراء؟

ج: نعم كان الإمام الحسين(علیه السلام) يعلم علماً قطعياً باستشهاده كما أشار إلى ذلك مراراً في خطبه وكلماته(علیه السلام) وذلك أثناء خروجه من مكة

ص: 9

والمدينة، معلناً عن توطين نفسه على لقاء اللّه وعزمه على بذل مهجته في سبيل اللّه ونصرة الحق وإحياء الدين الإسلامي(1)، ونحن اليوم نلمسوبكل وضوح آثار استشهاده(علیه السلام) ومدى تأثيره في بقاء الدين الإسلامي وصيانته من كيد الأعداء بسبب موقفه التاريخي وتضحيته(علیه السلام) يوم الطف.

س: هل أن الإمام الحسين(علیه السلام) وصل إلى هدفه المنشود والمقدس وهو إحياء الإسلام وتثبيت دعائمه؟

ج: نعم، إن نهضة عاشوراء أزاحت الستار عن فضائح الأمويين وجرائمهم وأدّت إلى انقطاع واضمحلال السلسلة الأموية وغيرهم من أعداء الدين، وأبانت حقيقة الدين الإسلامي وأوضحت معالمه للجميع.

س: إذا كان الإمام الحسين(علیه السلام) قد وصل إلى أهدافه من نهضته فلماذا نجد المسلمين اليوم - وهم على بعض الإحصائيات ملياران - يعيشون في أقسى ظروف الحياة وأتعس حالات الفقر والجهل، والمرض والفوضى وما أشبه ذلك، ولماذا ترى الاستبداد والحروب قائمة فيالبلاد الإسلامية وترى أعداء الإسلام يتحكمون برقاب المسلمين؟

ج: يمكن أن نوجز أهداف الإمام الحسين(علیه السلام) في أمور:

أولاً: فضح الحكومة الأموية واجتثاث جذورها، وذلك لأن الأمويين كانوا قد تمادوا في طغيانهم وجبروتهم نتيجة ما توفّر عندهم من المال والسلاح والنفوذ والسلطان، فراحوا يفكرون بإنهاء الدين الإسلامي

ص: 10


1- انظر مثير الأحزان: 41؛ وبحار الأنوار 44: 329.

والقضاء عليه، ولم يكن المجتمع القائم حينها يسمح لنفسه بالتفكير في القضاء على الأمويين لعظم سلطانهم وشدة استبدادهم، فجاءت نهضة الإمام الحسين(علیه السلام) لتفتح طريق الفكر والعمل على الإطاحة بهم وبكل الظالمين، وكان كذلك، فلم يكن فضح الأمويين واجتثاث شجرتهم الخبيثة من فوق الأرض تجديداً لحياة الإسلام والمسلمين فحسب، بل كان فيه أعظم خدمة للبشرية جمعاء حيث تعلمت البشرية من الإمام الحسين(علیه السلام) عبر نهضته المباركة كيف تثور ضد الظلم والظالمين وتكشف زيفهم وتجتث أصولهم في كل عصر وزمان.

ثانياً: تصحيح الاعتقادات الدينية للمسلمين، فإن من مفاسد الأمويين الذي كان مورداً لاهتمامهم هو قيامهم بعرض صورة مشوّهة من الإسلام والمعتقدات الدينية وذلك بغية إبعاد الناس من الخط الواقعي للإسلام والذي يمثله أهل البيت(علیهم السلام)، فكانوا يقومون من أجل توطيد حكمهم بجعل الأحاديث واختلاقها ونشر العقائد الباطلة، كالجبر والتفويض والتجسيم وما شابه ذلك مما يرسي قواعد حكومتهم غير الشرعية، فجاءت نهضة الإمام(علیه السلام) واستشهاده حجة قاطعة تعلن عن بطلان ذلك التحريف الأموي، وتكشف زيف تلك الانحرافات العقائدية التي أشاعها بنو أمية في المسلمين، ودليلاً رصيناً على إبداء الصورة الناصعة للدين الإسلامي.

وبذلك تجلّى الإسلام على واقعه الذي أنزله اللّه تعالى على رسوله(صلی الله علیه و آله) ولمع في مذهب أهل البيت(علیهم السلام) بعد أن غسَّل(علیه السلام) عنه

ص: 11

غبار باطلهم.

وبسبب هذه النهضة المباركة انتشرت العقائد الصحيحة ومعارف الدين الإسلامي لدى مئات الملايين من المسلمين الشيعة وذلك من خلال الكتب والمنابر الحسينية وأشرطة الكاسيت وغير ذلك بلغات مختلفة وفي كل العالم. وترك ذلك الأثر الكبير في تعديل السلوك الإنساني لدى كل المسلمين، بل العالم كله، وساهم في خلاص البشرية من ظلم الاستبداد والطغيان.ثالثاً: تصحيح سلوك الناس وتقويمه، بعد أن تلوّن سلوك الناس وأخلاقهم في ظلِّ النظام الأموي بطابع العنف والاستبداد والوحشية والاستهتار مما لايتناسب مع الخُلُق الإسلامي والإنساني، فأعاد الإمام(علیه السلام) نهضته الشريفة مكارم الأخلاق التي بناها جدّه الكريم(صلی الله علیه و آله)(1) وقدّمها إلى البشرية ودعا الناس للتخلُّق بها في كل مراحل الحياة.

وإننا إذ نلاحظ اليوم المشاكل والمآسي تحيط بالمسلمين في البلاد الإسلامية من كل جانب فما ذلك إلاّ لابتعاد المسلمين أنفسهم عن التعاليم الإسلامية وعدم تطبيق أحكام الإسلام وقوانينه العادلة.

س: إذا كان الإمام الحسين(علیه السلام) قد قلع جذور الاستبدادفلماذا إذاً نلاحظ اليوم حكاماً مستبدين وطغاة جبارين يحكمون بعض البلاد الإسلامية وينهبون ثرواتها ويضيّعون الحياة على أبناء الأمة الإسلامية؟

ص: 12


1- قول رسول اللّه(صلی الله علیه و آله): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، بحار الأنوار 16: 210.

ج: إن نهضة الإمام الحسين(علیه السلام) كانت نبراساً لسائر النهضات التحررية في العالم ضد الظالمين، وكانت هي الانفجار العظيم الذي هزّ عرش كل الطغاة المستبدين، كما ومهّدت الطريق أمام الثورات الأخرى وهيّئت الأسباب لقلع جذور دولة بني أمية وبني العباس وغيرهم ودفعت المجاهدين للدفاع عن المقدسات الإسلامية وعلّمتهم النضال ضد الحكّام المستبدين والاستقامة في مجاهدتهم حتّى يعيشوا في ظلِّ جهادهم الحياة الحرة الكريمة، ويمكن الوقوف على هذه الحقائق من خلال مراجعة التاريخ.

نعم، إن السبب من وراء كل هذه المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها والتي أحاطت بالمسلمين من كل جانب هم المسلمون أنفسهم حيث ابتعدوا من قوانين الإسلام، كما أن علاج هذه المشاكل كلها يكون بأيديهم أيضاً وفي ذلك يقول الشيخ البهائي(رحمة الله) ما معناه:

لاعيب في الدين الحنيف بذاته *** العيب عند المسلمين يكون

س: هل يمكن الإتيان بمثال لذلك:

ج: الأمثلة في هذا المجال كثيرة، فلو فرضنا أن طبيباً حاذقاً استطاع أن يشخّص المرض بدقّة كاملة ثمّ وصف الدواء اللازم لشفاء المريض، فهل بمجرد تشخيصه للمرض ووصفه للدواء يكفي العلاج وإن لم يعمل المريض بوصفة الطبيب أو لا يكفي ذلك؟ وعلى فرض أن

ص: 13

المريض أعرض عن تعاليم الطبيب فأيهما يكون المقصّر، هل المقصّر هو الطبيب أو المريض؟

إن الإمام الحسين(علیه السلام) عبر نهضته المباركة دلّ الأجيال على الطريق وأوضح عن السبيل لعلاج مشاكل المجتمع والحصول على سعادة الدنيا وكرامة الآخرة، وحينما كان المجتمع الإسلامي يلتزم شيئاً ما بتلك التعاليم الإسلامية كان يعيش العزّة والسعادة والرفاه والكرامة، ولم يكن يعرف شيئاً من هذه المشاكل الموجودة اليوم، كما يشهد التاريخ بذلك في أيام السيد المرتضى والشيخ المفيد والعلامة الحلي وفخر المحققين والمحقق الكركي والشيخ البهائي والعلامة المجلسي (قدس اللّه أسرارهم) حيث كان المجتمع يعيش العزة دون أن يبتلى بشيء من هذه المشاكل التي أُبتلي بها المسلمون اليوم، بل كان العكس فالذي كان يعيش هذه الأزمات والمشاكل كان هم أعداء الإسلام حيث غرقوا حينها في بحار من الجهل والتخلف وما إلى ذلك.

العالم الإسلامي ومشاكله الحاضرة

اشارة

س: هل المشاكل التي يعاني منها العالم الإسلامي اليوم قابلة للدفع والعلاج؟

ج: نعم، إن الدين الإسلامي لم يكن خاصاً بأمة من الأمم، كما أنه لم يكن لفترة معينة من الزمن، بل هو لكل الأمم ولكل الأزمنة، وقد تكفّل بوضع طرق العلاج لكل مشكلة يمكن لها أن تحدث في عصر من العصور، كما أنه تدارك حدوث المشكلات قبل تحققها بوضع

ص: 14

الطرق الوقائية السليمة للحيلولة دون وقوعها.

س: فما هو العلاج الذي يلزم على المسلمين العمل به ليستردّوا سؤددهم ويسترجعوا عزّهم ويتخلصوا من مشاكلهم التي أحدقت بهم؟

ج: العلاج هو الالتزام بتطبيق هذه الأمور الأربعة:

1- الأمة الواحدة.

2- الأخوة الإسلامية.

3- الحريات.

4- الشورى.

1- الأمة الواحدة

أما الأول: وهي الأمة الواحدة، فإنه يجب على كل مسلم أن يسعى لتحقيق (الأمة الواحدة) التي أشار إليها القرآن الكريم بقوله: «وَإِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةوَٰحِدَة»(1) والتي أرسى النبي(صلی الله علیه و آله) قواعدها في المجتمع الإسلامي وقال(صلی الله علیه و آله): «الناس سواء كأسنان المشط»(2).

وبعد ذلك هل الأمة الإسلامية في يومنا هذا هي أمّة واحدة، أم هي منقسمة ومجزّأة إلى أممٍ متباعدة متباغضة... بعضها أجنبي عن البعض الآخر؟!

س: ما هو المقصود من (الأمة الواحدة)؟

ج: المقصود من الأمة الواحدة ليس هو مجرد الاسم والشعار بل هو

ص: 15


1- سورة المؤمنون، الآية: 52.
2- تحف العقول: 368.

التطبيق العملي المتحقق خارجاً برفع الحدود والحواجز الجغرافية - المصطنعة - بين البلاد الإسلامية وتأسيس الدولة الإسلامية الموحدة والعظيمة.

س: ترى هل بالإمكان تأسيس هكذا حكومة واسعةوكبيرة في ظلِّ الأوضاع الراهنة التي نعيشها؟

ج: أن وضع الشيء وتحققه في العالم الخارجي هو أول دليل على إمكانه، وقد تحقق هذا الأمر في بلاد الهند والصين، حيث كانت الهند وكذلك الصين إلى قبل ما يقارب من نصف قرن تعيش التفرق والتمزق والانقسام إلى عشرات بل إلى مئات الدول الصغيرة والحكومات المحلية الضعيفة ولكن مع وجود تلك الاختلافات الكثيرة في كل منهما من حيث العقيدة واللغة والآداب والأعراف وغير ذلك، قامت شعوبهما برفع الحدود الجغرافية فيما بينها وتأسيس الدولة الواحدة في الهند وكذلك في الصين رغم ذلك العدد الهائل والضخم من سكانهما حيث تشير بعض الإحصائيات إلى أن نفوس الهند بلغت المليار نسمة، ونفوس الصين المليار وثلاثمائة مليوننسمة(1).

هذا ما كان في الهند وفي الصين.

وأما اليوم ففي الغرب يسمع عن المحاولات الجادة المبذولة من أجل إيجاد الدولة الواحدة لأوروبا ورفع كل الحواجز الجغرافية بين

ص: 16


1- آخر الإحصائيات تشير إلى أن نفوس الهند بلغت أكثر من مليار وثلاثمائة مليون نسمة، والصين ما يقرب من مليار وأربعمائة مليون نسمة.

شعوبها، وذلك رغم كل التناقضات العنصرية واللغوية والدينية الموجودة فيها.

إذن كيف استطاع الآخرون - مع وجود الاختلافات الكثيرة فيما بينهم - أن يلمّوا الشمل ويؤسّسوا الدولة الواحدة، ويلغوا كل هذه الحدود الجغرافية المصطنعة بين بلادهم والتي مزّقت البلاد وفرّقت الشعوب بل أنها عاقت عن تقدم مسيرة بلادهم، كيف يمكن لهم كل ذلك،ولا يمكن للأمة التي تعتقد بربّ واحد ونبيّ واحد وكتاب واحد ودين واحد وعاشت طوال قرون كثيرة أمة واحدة أن تتحد من جديد وتشكل الدولة الإسلامية الواحدة؟!

هذا مع أن اللّه سبحانه وتعالى وعدنا النصر حيث قال: «إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ»(1). وقال سبحانه أيضاً: «إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ»(2). وطبعاً وعد اللّه حق وصدق قال تعالى: «وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلا»(3) وقال سبحانه: «وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثا»(4).

2- الأخوة الإسلامية

وأما الأمر الثاني الذي يجب على كل المسلمين العمل به لأجل رفع

ص: 17


1- سورة محمد، الآية: 7.
2- سورة آل عمران، الآية: 160.
3- سورة النساء، الآية: 122.
4- سورة النساء، الآية: 87.

المشاكل التي تواجههم ولأجل الوصول إلى العزّة والعظمة التي سلبت منهم، فهو العمل من أجل تحقق (الأخوة الإسلامية)،كما يقول اللّه سبحانه: «إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَة»(1).

ولكن وللأسف فإن المسلمين اليوم ليسوا فقط قد فقدوا أخوتهم الإسلامية فيما بينهم وحسب، بل أن بعضهم راح يعتبر البعض الآخر أجنبياً عنه وغريباً بالنسبة إليه، وهذه هي المصيبة الكبرى في الدين.

فعلى الجميع السعي لتحقيق (الأخوة الإسلامية) وإذا تحققت الأخوة الإسلامية بين كل فصائل المجتمع الإسلامي فإنه يمكن حينها لكل فرد في أي بلد كان منالبلاد الإسلامية أن يحصل على جميع المزايا الإسلامية والحريات الفردية والاجتماعية التي أقرّها الدين الإسلامي، ونشير إلى بعض النماذج:

1- أنه يحق له السفر إلى جميع البلاد الإسلامية في العالم دون أن يحتاج إلى وثيقة سفر أو تأشيرة دخول وما شابه ذلك من قوانين الهجرة والجوازات.

2- أنه يتمكن من التزوج من الفتاة المختارة أو تزويجها إلى الشاب المختار مع ملاحظة الموازين الشرعية المذكورة في باب النكاح دون أن تعوقه مسألة تابعيته أو تابيعة الفتاة إلى هذه الدولة أو تلك الدولة الأخرى.

3- أنه يحق له الإقامة والسكنى في أي بلد شاء من البلاد الإسلامية

ص: 18


1- سورة الحجرات، الآية: 10.

دون عائق يمنعه عن ذلك.

4- أن لا تكون هناك أية عوائق وحواجز تمنعه منالتجارة أو الصناعة التي يختارها وما إلى ذلك في كل البلاد الإسلامية باستثناء المكاسب المحرمة.

5- أن يتمكن من شراء الأراضي والبيوت وسائر الأملاك في جميع البلاد الإسلامية.

6- أن لا يكون هناك أي مانع يمنعه من الزراعة أو الصناعة أو البناء في أي منطقة من مناطق العالم الإسلامي.

7- أن تكون له الحرية الكاملة في ممارسة النشاطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها في جميع البلاد الإسلامية، فيحق له مثلاً أن يكوّن الأحزاب ويؤسس المؤسسات الإعلامية كالإذاعة والتلفزيون، ويقوم بنشر الصحف والمجلات، وله أن يمارس النشاط السياسي والإعلامي الذي يوصله إلىالهدف المنشود.

والحاصل: يلزم لكل مسلم أن تكون له الحقوق المساوية لكل حقوق المسلمين الآخرين وذلك على ما هو مقرّر في القانون الإسلامي القائل(1): بأن كل إنسان إذا دخل في الدين الإسلامي وأسلم تساوى حقه مع سائر المسلمين بل ويتساوى حقه حتى مع الحاكم والقائد الإسلامي، فإنه لم تكن اللغة واللون ومحل ولادة الإنسان في الإسلام سبباً لتمييزه عن الآخرين بل إن المسلمين كلهم تتساوى حقوقهم في

ص: 19


1- انظر الأمالي للشيخ الطوسي: 87؛ والبداية والنهاية 5: 88.

ظلِّ الحكم الإسلامي.

3- الحرية الإسلامية

وأما الأمر الثالث الذي يجب على كل المسلمين العمل بهمن أجل التخلص من المشاكل التي تحيط بهم ولأجل الوصول إلى السعادة التي صودرت منهم في الحياة فهو العمل لأجل تحقق (الحريات الإسلامية) كما يقول سبحانه وتعالى واصفاً مهمّة نبيّه(صلی الله علیه و آله) في رسالته إلى البشرية: «وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ»(1).

ثم إن المقصود من الحريات الإسلامية هو أن يتوفر لكل مسلم في جميع البلاد الإسلامية كل الحريات الإسلامية المباحة أي باستثناء ما هو محرّم وهو محدود وقليل جداً.

فيتمكن الفرد المسلم أن يمارس بكل سهولة جميع النشاطات اليومية وأعماله الفردية والاجتماعية دون أن تعوقه مسألة أخذ إجازة، أو كسب موافقة، أو دفع ضريبةأو ما أشبه ذلك.

وعلى هذا فيتمكن كل المسلمين من مرافقة حقوقهم الأولية في الحياة، وممارسة حرياتهم الإسلامية مثل: حرية التجارة، الزراعة، الصناعة، السفر والإقامة، العمران والبناء، العمل والاكتساب، حيازة المباحات، حرية تأسيس المعامل والوحدات الصناعية الكبيرة والصغيرة، حرية النشاطات الثقافية من نشر الصحف والمجلات

ص: 20


1- سورة الأعراف، الآية: 157.

والكتب، حرية الاستفادة من المؤسسات العامة كالإذاعة والتلفزيون، حرية المشاركة في الانتقاد البنّاء، حرية الترشيح للانتخابات الحكومية، حرية التقليد من أي مرجع تتوفر فيه الشروط المعتبرة، وغيرها من الحريات الإسلامية الكثيرة والتي هي أكثر بكثير من الحريات الموجودة في بلاد الغرب،ولو أن الغرب كان قد وعى مغزى الحريات الإسلامية وطبقها في بلاده لتقدم أكثر بكثير مما هو عليه الآن، كما بينّا ذلك في بعض كتبنا(1).

والحاصل: إن الإسلام لا يسمح لأي دولة أو فرد أو منظمة أو مؤسسة أو إدارة من الدوائر الحكومية أن تحول بين الناس وبين الحصول على الحريات المشروعة لهم في الإسلام، كما لا يحق لها أن تشترط على الناس أن يستجيزوها في عمل أو بناء، ولا أن تفرض عليهم دفع ضرائب ورسوم مالية ولو يسيرة بازاء عمل أو بناء أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يصح ذلك كله ويرفضه الإسلام رفضاً باتاً.

ولذلك يعتبر الإسلام المنع عن هذه الحريات - والتي هي من الحقوق الشرعية المسلّمة للفرد المسلم - عملاً محرماًومن أشد المحرمات شرعاً، فإن من أشهر القوانين الفقهية في الإسلام والتي قد تعدّ من ضروريات الدين الإسلامي هو قانون: (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم)(2). أي لهم كامل الحريات باستثناء المحرم منها.

ص: 21


1- انظر كتاب: (الصياغة الجديدة) للمؤلف(رحمة الله).
2- انظر موسوعة الفقه كتاب: (القواعد الفقهية) للمؤلف(رحمة الله).

4- الشورى الإسلامية

وأما الأمر الرابع الذي يجب على كل المسلمين العمل من أجل تحققه لرفع هذه المشاكل المعاصرة وللوصول إلى السعادة والسيادة فهو: الشورى، وذلك بأن تكون طريقة الحكم في المجتمع الإسلامي استشارية وليست فردية واستبدادية.

قال اللّه عزّوجلّ: «وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ»(1).

يعني: أن من مواصفات الأمة الإسلامية هو التشاورفيما بينهم في كل شؤونهم وأمورهم العامة والخاصة.

وعلى هذا يحرم شرعاً أي نوع من الاستبداد والفردية وديكتاتورية الحزب الواحد وعدم الاعتناء بآراء الآخرين ومقترحاتهم، فإنه تضييع لحقوق المسلمين بل وخروج على الآية الكريمة. كما يلزم أن تكون الأحزاب والتجمعات والهيئات وأصحاب المؤسسات العامة وكذلك جميع المفكرين والمثقفين أحراراً مستقلين للاستفادة من آرائهم وأفكارهم وخبراتهم.

ويلزم أيضاً أن تتعدد الأحزاب والتجمعات والمؤسسات الدستورية في البلاد من أجل حصول المنافسة الإيجابية والسليمة المؤدية إلى تقدم البلاد وترفيه العباد والمحصّنة من وقوع الديكتاتورية والاستبداد.

ويلزم أن يكون شورى الفقهاء المراجع في قمةالحكم الإسلامي القائم، وتكون الانتخابات لرئيس الجمهورية خلال كل فترة، مثلاً أربع

ص: 22


1- سورة الشورى، الآية: 38.

سنوات أو أكثر من ذلك أو أقل، حسب ما يراه شورى الفقهاء المراجع، وذلك بكامل الحرية والانفتاح الصادق على الجماهير.

وأما ما نراه اليوم في أكثر البلدان الإسلامية من بقاء الحاكم في الحكم، معتمداً على التزوير والتحوير، أو القمع والإرهاب من دون أن يفسح المجال للآخرين أو يتغيّر وينزاح من دفة الحكم فهو أمر غير جائز شرعاً.

كيفية التطبيق

س: كيف يمكن تطبيق هذه الأمور الأربعة في البلاد الإسلامية؟

ج: من أجل تطبيق هذه الأمور المذكورة وتحقيقها في أوساطنا يلزم على كل فرد مسلم وكذلك على الهيئاتالدينية والمنظمات الإسلامية والأحزاب الحرة والتجمعات العامة إلى جانب شورى الفقهاء المراجع الذين هم المحور الشرعي للنشاطات الاجتماعية والأعمال الدينية أن تراعي الأمور التالية:

1- التحلّي بالأخلاق الفاضلة وتثقيف المجتمع الإسلامي عليه، كما قال(صلی الله علیه و آله): «إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»(1).

ورأينا كيف استطاع النبي(صلی الله علیه و آله) والأئمة المعصومون(علیهم السلام) أن يهدوا المجتمع الإسلامي بأخلاقهم العظيمة ويثقفوهم بها.

2- التخلّي الكامل عن الخُرق والعنف، وعن الغلظة والقسوة في أمور الحياة، وذلك لأنه لا نتيجة من وراء العنف والقسوة سوى انزجار

ص: 23


1- بحار الأنوار 16: 210.

الناس وابتعادهم.

هذا وإن الدين الإسلامي هو دين الرفق والرحمةوليس هو دين الخُرق والعنف، وعلى هذا فلا يجوز شرعاً أي إعدام أو تعذيب أو مصادرة أموال أو غصب حق أو تجسس على أحد من أفراد المجتمع أو تضييق على أحد منهم، إلاّ في موارد قليلة ونادرة جداً في غاية القلّة والندرة استثناها الفقهاء في باب القصاص والحدود والتعزيرات.

3- السعي الجاد على رفع المستوى الثقافي والوعي الديني لدى المجتمع الإسلامي، وذلك من خلال استخدام وسائل الإعلام العامة بدءاً من الأقمار الصناعية ووكالات الأنباء وانتهاءً بالكتب والمجلات والصحف وأشرطة الكاسيت وما إلى ذلك، وأقل ما ينبغي توزيعه ونشره من الكتب التوعوية هو ما يقرب من ملياري نسخة كتاب، يعني ما يساوي عدد المسلمين اليوم في العالم الإسلامي.

4- الحرص الكبير على الاستقامة والمداومة في العمل، بحيث تستمر النشاطات دائماً، كما يقول اللّه سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: «ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ»(1)، حيث ثبت بالتجربة أن الأعمال المنقطعة والمؤقتة والتي تكون على مستوى سطحي وبسيط وكذلك الأعمال الارتجالية غير المدروسة والمتقنة لا تكون لها تلك الثمرة الجذرية والمطلوبة.

5- السعي الحثيث على جمع الكلمة، وذلك بالتجنّب من كل

ص: 24


1- سورة فصلت، الآية: 30.

عوامل التفرقة،ووضع كل الخلافات جانباً،كما قال سبحانه وتعالى: «وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ»(1).

هذا ويلزم على كل فرد فرد منّا أن يسعى على قدر الاستطاعة لإيصال الرسالة الإسلامية والتي هي رسالة الحياة إلى العالم كله وأن يحرص على قدر الإمكان لإبلاغ أهداف الإسلام وكيفية سلوك النبي الأكرم(صلی الله علیه و آله) والأئمة الطاهرين(علیهم السلام) وخصوصاً الإمام الحسين(علیه السلام) وذلك بعد أن نطبقه أولاً في حياتنا اليومية حتى نتحرّر من هذه المشاكل والقيود التي كبّلت أيدينا وأرجلنا، ونصل إلى السعادة والعزة التي أرادها اللّه لنا.

الشعائر الحسينية

س: ما هو واجبنا في الحال الحاضر تجاه الإمام الحسين(علیه السلام)؟

ج: واجبنا اليوم هو أن نتعرف على عظمة شخصية الإمام الحسين(علیه السلام)، وعلى أهداف نهضته المباركة وأن نسعى للعمل بكل قوانين الحياة التي أتى بها جده رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) وبيّنها أهل بيته(علیهم السلام) ورعاها هو(علیه السلام) بشهادته وسقاها بدمه الطاهر، ثم نعرض صورتها وصورة الأئمة الأطهار (صلوات اللّه عليهم أجمعين) بجمالها اللائق ونورها المتألق إلى العالم كله.

كما ويجب علينا أن نسعى جاهدين من أجل تعظيم شعائر الإمام الحسين(علیه السلام) بشكل أقوى وأفضل.

س: ما هو المقصود من شعائر الإمام الحسين(علیه السلام)؟

ص: 25


1- سورة آل عمران، الآية: 103.

ج: إن كل أنواع العزاء المتعارف إقامته عند الشيعة والمحبين للإمام الحسين(علیه السلام) هو من مصاديق الشعائر الحسينية وتشملها الآية الكريمة: «وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ»(1).

هذا وقد أكّد الأئمة الطاهرون (صلوات اللّه عليهمأجمعين) في روايات كثيرة على أهمية هذه الشعائر وعلى لزوم إقامة مجالس الحزن والعزاء وإحياء ذكريات عاشوراء وتجديد الحداد على مصائب أبي عبد اللّه الحسين(علیه السلام) وبيّنوا ما لذلك من عظيم الأجر وجزيل الثواب عند اللّه تبارك وتعالى. قال الإمام الصادق(علیه السلام): «أحيوا أمرنا رحم اللّه من أحيى أمرنا»(2).

ومن الشعائر التي يمكن أن يشار إليها هي مجالس العزاء الموسمية والأسبوعية التي تقام لإحياء مصاب أبي عبد اللّه الحسين(علیه السلام) في المنازل وفي المحلات العامة وفي الهيئات والحسينيات وفي المساجد والعتبات، وذلك بكل أشكالها وكافة صورها وأنواعها، ولا يخفى أنه يلزم عدم الاقتصار فيها بما يقام عندنا، بل يجب إقامتها في كل العالم وبكل اللغات فإن في ذلك خدمة للعالم وللبشرية جمعاء، وذلك لأن الإمام الحسين(علیه السلام) وقضيته ليست خاصة بالمسلمين فحسب، بل هو للجميع وقضيته قضية كل البشرية على طول التاريخ.

ص: 26


1- سورة الحج، الآية: 32.
2- انظر الأمالي للشيخ الطوسي: 60 وفيه: «أحيوا أمرنا» وفي: 135 قال(علیه السلام): «رحم اللّه من أحيا أمرنا». وفي كتاب هداية الأمة 5: 137، وردت الرواية كاملة عن الإمام الباقر(علیه السلام) متصلة.

س: ما هو حكم الشعائر الحسينية من مثل مجالس التعزية واللطم على الصدور، أو مواكب عزاء الزنجيل والضرب بالسلاسل على الظهور، أو مواكب التطبير وشدخ الرؤوس بالسيوف والقامات وما إلى ذلك؟

ج: إن إقامة شعائر الإمام الحسين(علیه السلام) بأي نحو كان وبكل صوره المتعارفة في أوساط الشيعة، أمر جائز على ما هو المشهور بين الفقهاء، بل هو مستحب أيضاً، وقد اهتدى الملايين من الناس إلى الإسلام والتشيع بسببإقامة هذه المجالس وهذه الشعائر المقدسة وببركة الإمام الحسين(علیه السلام) الذي وصفه جده رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) بأنه: «مصباح الهدى وسفينة النجاة»(1).

س: إذا واجهت الشعائر الحسينية سخرية واستهزاءً من البعض فهل يتغيّر حكمها؟

ج: إن الحكم لا يتغير بسبب السخرية والاستهزاء، بل اللازم هو إرشاد أولئك البعض إلى مغزى هذه الشعائر وأهميتها.

س: لماذا يتخوف أعداء الإسلام وأعداء أهل البيت(علیهم السلام) على طول التاريخ من إحياء شعائر الإمام الحسين(علیه السلام) ويسعون دائماً وبكل الوسائل للحيلولة دون إقامتها؟

ج: لأنهم علموا أن الشعائر الحسينية هي التي استطاعت عبر الأحداث التاريخية والأطماع السياسية، أن تحفظ الدين الإسلامي ومذهب أهل البيت(علیهم السلام) من الضياع والتحريف والاندراس والتشويه

ص: 27


1- انظر عيون أخبار الرضا(علیه السلام) 1: 60، وفيه: «مصباح هدى وسفينة نجاة».

والإبادة والتدمير، على مرّ التاريخ، هذا إضافة إلى أن الحكومات الظالمة ترى في إقامة هذه الشعائر خطراً يهدد عروشها ويندد بكيانها، ولذلك لم تجد سبيلاً سوى الممانعة من إقامة هذه الشعائر المقدسة ومحاربتها بكل ما تستطيع من حول وطول،وبكل أساليب الخداع والمكر والاستهزاء والتهمة.

وفي الختام نسأل اللّه تعالى أن يوفقنا للمزيد من معرفة الإمام الحسين(علیه السلام) ولتطبيق أهدافه، ونحن على أمل أن يأتي ذلك اليوم الذي يستنير فيه المسلمون وكل العالم من نور الإمام الحسين(علیه السلام) ويستضيئوا من مصباح هدايته، جادّين فيتحقيق سيادتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة.

«وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ»(1).

واللّه الموفق والمستعان

قم المقدسة

محمد الشيرازي

ص: 28


1- سورة الشعراء، الآية: 227.

الإمام الحسين(علیه السلام) مصباح الهدى

اشارة

ص: 29

ص: 30

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.

قال رسول اللّه(صلی الله علیه و آله): «إنّ الحسين مصباحُ الهُدى وسفينة النجاة»(1).

يصوّر الحديث الشريف لنا الدنيا بأروع ما يمكن تصويره ليقربنا إلى واقع الدنيا وحقيقتها، فيشبّه ها بلجج البحار المظلمة، التي لا سبيل للنجاة من لججها إلاّ بالسفينة، ولا طريق للخلاص من ظلماتها إلاّ بالمصباح، وهو تشبيه رائع.فإن الإنسان في الدنيا بحاجة إلى:

1- المصباح المنير ليرى به الطريق، وإلاّ ضاع في ظلمات الجهل والمرض والفقر، ووقع في المهاوي، ولم يبصر السباع والوحوش التي تريد افتراسه فيجتنبها، ولا العقارب والحيّات التي تريد انتهاشه فيحترز عنها، ولا يرى ما يحفظ به جسده من الحرّ والبرد، وما يقيم بسببه بدنه من المأكل والمشرب حتى يستفيد منها.

ص: 31


1- انظر عيون أخبار الرضا(علیه السلام) 1: 60، وفيه: مصباح هدى وسفينة نجاة».

2- كما انه بحاجة إلى السفينة لتحفظه من الغرق والهلاك في لجج الدنيا المتلاطمة وتوصله إلى ساحل السعادة بأمان وسلام.

ويا ترى مَن هذا الذي يستطيع أن يكون المصباح لهداية الإنسان في الدنيا، والسفينة لإنقاذه من لججها وغمراتها؟ إنه لا يمكن أن يكون إلاّ مَن نصّ عليه الوحي ودلّ عليه رسول اللّه(صلی الله علیه و آله).والحسين(علیه السلام) أحد المعصومين(علیهم السلام) الذين كلهم سُفُن النجاة ومصابيح الهدى، فقد قال النبي(صلی الله علیه و آله): «أهل بيتي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم»(1).

وقال(صلی الله علیه و آله): «مَثَل أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجى، ومن تخلف عنها غرق»(2).

فالصفتان: (المصباح والسفينة) لكل من المعصومين الأربعة عشر: (علي وفاطمة والحسن والحسين والسجّاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والمهدي عليهم الصلاة والسلام).

أما الرسول(صلی الله علیه و آله) بنفسه، فهو المصباح الأعظم، والسفينة الأشمل، وقد قال سبحانه: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدا وَمُبَشِّرا وَنَذِيرا * وَدَاعِيًاإِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجا مُّنِيرا»(3).

والبشريّة إذ تعيش اليوم في ظلام دامس من الجهل وتغرق في لُجج

ص: 32


1- عوالي اللئالي 4: 86.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 218.
3- سورة الأحزاب، الآية: 45-46.

من الفوضى والاضطراب والقلق لا علاج لها - إذا أرادت النجاة - إلاّ بالاستضاءة بأنوار هؤلاء الأطهار، وركوب سفينتهم فإنهم عِدل الكتاب الحكيم، حيث قال رسول اللّه(صلی الله علیه و آله):

«إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعِتْرَتي ما إنْ تَمَسَّكتُمْ بِهِما لَنْ تَضِلّوا أبداً»(1).

ممّا يدلّ على أنّه لو لا التمسّك بالعترة إلى جانب التمسّك بالكتاب يكون الضلال الذي في دنياه عار وشنار وفي آخرته جحيم ونار وماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال.

ص: 33


1- من المتواترات، انظر المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب(علیه السلام): 559؛ كفاية الأثر: 137؛ إثبات الهداة 2: 167؛ بحار الأنوار 36: 331.

مصيبة الحسين(علیه السلام)

يا لها من مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيّتها في الإسلام، وقد أجاد الشاعر حيث قال:

أنْسَتْ رَزيّتكُمْ رزايانا الّتي*** سَلَفَتْ وَهَوَّنَتِ الرَّزايا الآتية

وَفَجائِعُ الأيّام تَبْقى مُدَّةً*** وَتَزولُ وَهِيَ إلى القِيامَةِ باقية(1)قال الإمام الرضا(علیه السلام): «إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون القتال فيه فاستحلّتْ فيه دماؤنا وهُتِكَتْ فيهحرمتنا وسُبِيَتْ فيه ذرارينا ونساؤنا، واُضْرمَت النيران في مضاربنا وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم يترك لرسول اللّه حرمة في أمرنا، إنّ يومَ الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعَنا وأذلَّ عزيزنا، أرض كرب وبلاءٍ أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين(علیه السلام) فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام»(2).

إنّا للّه وإنّا إليه راجعون وسيعلم الَّذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون، ولا حول ولا قوَّة إلاّ باللّه العليّ العظيم.

ص: 34


1- من قصيدة للمرحوم الشيخ محمد علي الأعسم.
2- مناقب آل أبي طالب(علیهم السلام) 4: 86.

محرّم شهر الحسين(علیه السلام)

وها هو المحرّم قد أطلّ على البشريّة فاللازم أن يستفيدوا منه بالقدر الممكن في أبعاد ثلاثة - بينما المتعارف الإستفادة من المحرّم في بُعد واحد - :

أبعاد الشعائر الدينية

البُعد الأول

1- بُعد إقامة الصلاة وايتاء الخمس والزكاة وغيرها من شؤون العبادات والأخلاقيّات والآداب وتعمير الحسينيّات والمساجد وتعمير أماكن الزيارات والمشاهد المشرّفة وإطعام الطعام وتسبيل الماء وما إلى ذلك - وهذا هو البُعد المألوف قليلاً أو كثيراً - .

البُعد الثاني

2- بُعد تطبيق كافّة أحكام الإسلام:

الف: من الشورى في الحكم في انتخابات حرّة تنتخب الأُمّة حكّامها الذين تتوفّر فيهم شروط الإسلام.

ب: ومن إطلاق الحريّات كما أمر اللّه سبحانه حيث قال: «وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ»(1) مثل حرّية الأحزاب الإسلاميّة التي تكون تحت إشراف المراجع، وحريّة التجارة، وحريّة الصناعة،وحريّة الزراعة، وحريّة العمران، وحريّة السفر والإقامة، وحريّة الطبع

ص: 35


1- سورة الأعراف، الآية: 157.

والنشر، وحريّة التجمّع، وحريّة إبداء الرأي وسائر الحريّات الممنوحة مِن قِبَل الإسلام والمذكورة في الكتاب والسنّة.

ج: ومن إسلاميّة كلّ القوانين فلا ربا ولا ضرائب غير إسلامية ولا جمارك ولا قوانين مخترعة ممّا لا مصدر لها في الكتاب والسنّة والإجماع والعقل.

د: ومن تحكيم الأخوّة الإسلاميّة فلا حدود بين دول الإسلام ولا يختلف العربي عن الفارسي وعن التركي وعن الكردي وعن الهندي وعن... في أيّة صغيرة أو كبيرة بل «إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَة»(1) و«كلّكُم من آدم وآدم مِن تُراب»(2) و«إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّة وَٰحِدَة وَأَنَا۠رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ»(3) و«وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ»(4).

وقال الإمام الحسين(علیه السلام): «فَلَعَمْري ما الإمام إلاّ الحاكِمُ بالكِتاب، القائِم بالقِسْط والدائنُ بدين اللّهِ، الحابسُ نَفْسهُ على ذاتِ اللّه»(5).

فكيف يمكن ادّعاء الحكّام المستولين على بلاد الإسلام هذا اليوم: الإسلام، وهم يحاربون أظهر أحكام الإسلام، وهي الأخوّة الإسلاميّة، فترى العربيّ يعدّ الفارسي في بلاده أجنبياً، وترى الفارسي يعدّ الهندي في بلاده أجنبياً، وترى الهندي يعدّ الأفغاني في بلاده أجنبياً، وهكذا.

ص: 36


1- سورة الحجرات، الآية: 10.
2- بحار الأنوار 67: 287 عن رسول اللّه(صلی الله علیه و آله).
3- سورة الأنبياء، الآية: 92.
4- سورة الحجرات، الآية: 13.
5- روضة الواعظين 1: 173.

ثم تدرّج هذا إلى أن صار العربي العراقي يعدّ العربي الخليجي في بلاده أجنبياً، والفارسي الأفغاني يعدّ الفارسي الباكستاني في بلاده أجنبياً، وهكذا.

فهل يا ترى يمنع الأخ أخاه عن دخول بلده؟

وهل يعدّ الأخ أخاه أجنبياً؟

وهل يمنع الأخ أخاه عن اشتراء الملك في بلده؟

وهل يمنع الأخ أخاه عن التجارة في بلده؟

فمن يزعم أنّ هذا هو الإسلام، فليعلم أنّ الإسلام الوارد في الكتاب والسنّة وكتب الفقهاء غير هذا الإسلام الذي يزعمه، والتعليلات التافهة لتبرير الحدود الجغرافية بين بلاد الإسلام، والتفرقة بين المسلمين، ليست إلاّ من إيحاءات الكفّار، الذين يريدون تفريق المسلمين لأجل السيطرة عليهم، كما حدث بالفعل، مثلهذه التبريرات، وذلك مثل التبرير لوجود الربا في البنوك، ومحلات الدعارة والفجور، ومراكز القمار والخمور ووجود الجمارك، وأخذ الضرائب، باسم أنّه (لو لم نفعل ذلك لانهدم اقتصاد البلد) أو ما أشبه هذه الأعذار الواهية.

وقد التقى خليفة من الخلفاء بأحد الأئمة(علیهم السلام)، فقال الخليفة للإمام(علیه السلام): عِظني، فقال(علیه السلام): إنّ في المسلمين الأكبر والمساوي والأصغر منك عمراً، فاجعل أكبرهم أباً، وأصغرهم ابناً، وأوسطهم أخاً، فبِرّ أباك، وصِل أخاك، وارحم ابنك(1).

ص: 37


1- انظر الأمالي لإسماعيل بن القاسم القالى 2: 312؛ وعنه في شرح إحقاق الحق 12: 200.

وهكذا يجب أن يكون المسلمون بعضهم مع بعض،وذلك لا قولاً في الإذاعات ووسائل الإعلام فقط، بل عملاً من أجل إسقاط الحدود الجغرافية، والحواجز النفسية والفوارق القانونية إلى غير ذلك من الأحكام الإسلامية التي لم يطبق شيء منها في أي بلد من بلاد الإسلام، والتي سبّبت تأخر المسلمين وهم (ألف مليون)(1)ولا يتقدّمون إلاّ بالعمل بها، وإلاّ فسيبقون متخلّفين، ولن يخلف اللّه وعده، حيث قال: «وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَة ضَنكا»(2).

ولقد علّل الإمام الحسين(علیه السلام) ثورته الخالدة بقوله:«اللّهمَّ إنَّك تعلم انّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان ولا التماساً من فضول الحطام ولكن لنري المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك ويعمل بفرائضك وأحكامك...»(3).

البُعد الثالث

3- بُعد تبليغ رسالات اللّه، إلى كافّة شعوب العالَم، ممّا يمكن أن يكون المحرّم منطلقاً مناسباً لإبلاغ أهداف الإمام الحسين(علیه السلام) إلى البشرية المتعطشة وذلك بجمع المال في المآتم والحسينيات، وتشكيل

ص: 38


1- يشير آخر إحصاء صدر عام 1413ه .ق عن (المركز الدولي الإسلامي للدراسات والبحوث السكانية) بمصر إلى أن عدد المسلمين في تسعين دولة من العالم بلغ مليار وستمأة مليون مسلم. والإحصاءات الأخيرة تقول: بأن المسلمين ملياران نسمة 1419ه .ق.
2- سورة طه، الآية: 124.
3- تحف العقول: 239.

الهيئات لأجل إرسال المبلّغين إلى كلّ أنحاء العالم، حيث أنّ الإسلام دين عالمي، لإنقاذ جميع الناس من الظلمات إلى النور، وليس دين ألف مليون مسلم فقط.

أليس من المؤسف أن لا يكون للمسلمين في غيرأقطارهم حتى مأة مبلّغ؟! بينما تدلّ الإحصاءات على أن للمسيحيين في أفريقيا عشرة آلاف مبشّر، وفي آسيا تسعون ألف مبشّر، مهمّتهم تنصير الآسيويين والأفريقيين، وهم مزودون بكلّ وسائل الحياة والتقدّم، وقد تمكّنوا من تنصير عشرات الملايين في هاتين القارّتين.

وعلى هذا، فإذا اتخذنا (المحرّم) منطلقاً لهذين البُعدَيْن الأخيرين إلى جانب البُعد الأوّل فقد قمنا بالواجب علينا بالقدر الممكن، مضافاً إلى أن ذلك يوجب إخراج المسلمين من العبوديّة إلى السيادة، وإخراج كثير من غير المسلمين من الظلمات إلى النور.

اليقظة الإسلامية

اشارة

إن هذه الفوضى التي تُشاهد في بلاد الإسلام دليلاً على اليأس، بل حالها حال التثاؤب الذي يتّصف به الناعس بعد نوم طويل، حيث أن التثاؤب في هذا الحال، دليلالشروع في اليقظة، لا الأخذ في النوم، وقد نام المسلمون طويلاً طويلاً حتى قُسِّمَتْ بلادهم، ونُهِبَتْ أموالهم، وهُتِكَتْ أعراضهم، وأُريقَتْ دمائهم، وسادَتْ فيهم القوانين الكافرة، وعمّت فيه الفوضى والجهل والمرض والفقر والعداء والفرقة، والآن أخذوا يتثائبون للنهوض. فإذا تمكّنوا من جعل برامج صحيحة للنهوض،

ص: 39

لوصلوا إلى هدفهم السامي بإذن اللّه تعالى.

والبرامج هي كالتالي

1- التنظيم وتأسيسه وتوسعته في كلّ بلاد الإسلام، لتكبّر التنظيمات، ويتّصل بعضها ببعض حتّى تكون تنظيماً واحداً ذا أجنحة، بشرط أن تكون فيه انتخابات حرّة دوريّة كلّ عامين مرّة مثلاً.

2- جعل مجلس أعلى لكلّ التنظيمات الإسلاميّة الموجودة، يتداولون الأمور ويقرّرون الأعمال بأكثرية الآراء، فقد قال علي(علیه السلام): «ونظم أمركُم»(1)وقال اللّه سبحانه: «وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ»(2).

3- التوعية الكاملة بإرشاد الأمّة إلى مكامن الضعف والقوّة، لإزالة الأُولى، والاستفادة من الثانية، وذلك بحاجة إلى ما لا يقلّ من ألف مليون كتاب، قال(علیه السلام): «العالِم بزمانِه لا تَهْجم عليْه اللّوابِس»(3).

4- الاتّصاف بالأخلاقيات الرفيعة، كما قال سبحانه: «كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ»(4) من التعقّل والتدبّر واللين والرفق والتعاون والإخلاص والتشاور والتحابب وغير ذلك «وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ»(5) من العنف والقسوة والاستبداد والفرقة والتباغض والتشاحن

ص: 40


1- نهج البلاغة، الكتب الرقم: 47، من وصية له(علیه السلام) للحسن والحسين(علیهما السلام).
2- سورة الشورى، الآية: 38.
3- الكافي 1: 27، عن الإمام الصادق(علیه السلام).
4- سورة آل عمران، الآية: 110.
5- سورة آل عمران، الآية: 110.

وغيرها، فقد ورد في الحديث: «تخلّقوا بأخلاق اللّه»(1).

5- الجماهيرية، بأن لا ينفصل التنظيم عن الجماهير، كما هو المُشاهَد الآن في بعض التنظيمات الإسلامية، حيث أن الكبرياء والغرور والاستعلاء على الناس، ووَلَعهم في تبنّي البِدَع وارتكاب ما يفصلهم عن الأمّة، وبذلك يسقطون عن إمكانية استقطاب الجماهير، وفي ذلك يكون سقوطهم، وقد قال علي(علیه السلام): «مَن استبدّ برأيه هَلَك»(2)،وقال(علیه السلام): «أوحَش الوحشة العُجْب»(3).وقال الإمام الحسين(علیه السلام): «واعلموا إنّ حوائج النّاس إليكم من نعم اللّه عليكم»(4).

6- اتّباع الفقهاء المراجع، قال الإمام الحسين(علیه السلام): «ذلك بأنّ مجاري الأمور والأحكام على أيدي العُلَماء باللّه الاُمناء على حلالِهِ وحرامه»(5)،

فإنّ انفصال التنظيم عن المرجعية التي انتخبتها الأمة، يوجب سقوطه حتّى وإن زيّف التنظيم مرجعاً لنفسه، بشتّى المعاذير والعلل، فإن الأمّة تابعة لمراجعها الحقيقيين، ولا ينطلي عليها التزييف.

7- استقطاب القوى الإسلامية رجالاً من علماء وأطباء ومفكّرين ومعدّات من دور نشر ومكتبات ومطابع ومدارس وغيرها، فإن جمع

ص: 41


1- بحار الأنوار 58: 129.
2- نهج البلاغة، الحكم الرقم: 163.
3- نهج البلاغة، الحكم الرقم: 38.
4- نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: 81.
5- تحف العقول: 238.

القدرات منأهمّ أقسام الحزم للوصول إلى الهدف، فإن البحار تتكوّن من قطرات الأمطار، والصحارى تتألف من حبّات الرمال.

الهدف الرئيسي للإمام الحسين(علیه السلام)

وبهذا البرنامج يمكن التغلّب على الصعاب، وتطبيق هدف الإمام الحسين(علیه السلام) من ثورته وهو: طلب الإصلاح في اُمّة جدّه محمد(صلی الله علیه و آله) حيث قال(علیه السلام): «إنّي لم أخرج بطراً ولا أشراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت أطلب الصَّلاح في أمّة جدّي محمد أريد آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر أسير بسيرة جدّي وسيرة أبي علي بن أبي طالب...»(1).

وقد قال(علیه السلام) بلسان الحال:

إن كان دين محمد لم يستقم***إلاّ بقتلي يا سيوف خذيني(2)وقال(علیه السلام): «أمّا بعد فإني أدعوكم إلى إحياء معالم الحقّ وإماتة البدع فإن تجيبوا تهتدوا سبل الرّشاد»(3).

وبالبرنامج المذكور يكون الوعاة من الأمّة، قد وضعوا يدهم على أعظم القدرتين إذ في الأمّة قدرتان (أقلّهما قدرة وهي: الدولة) و(أعظمهما قدرة وهي: الأمّة) فإذا رأينا قدرة الدول الإسلاميّة سائرة في المنهج المنحرف، يلزم علينا أن نتمسّك بقدرة الأمّة لتقويم الإنحراف.

ص: 42


1- مناقب آل أبي طالب(علیهم السلام) 4: 89.
2- من قصيدة للمرحوم الشيخ محسن أبو الحَب الكبير.
3- الأخبار الطوال: 231، في كتاب له(علیه السلام) إلى شيعته من أهل البصرة.

منهج اللاعنف

واللازم أن يعرف الجميع من الرؤساء، والأثرياء، والعلماء، وسائر الناس من أصحاب الحرف والمؤسّسات: بأنّ الإسلام إذا أخذ بالزمام يعمل بالنسبة إلى الرؤساءوالأُمراء بما عمله رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)، حيث قال لهم: «إذهَبوا فأنتُم الطلقاء»(1).

وبالنسبة إلى الأثرياء ما ذكرته الآية الكريمة، حيث قال سبحانه: «لَكُمۡ رُءُوسُ أَمۡوَٰلِكُمۡ لَا تَظۡلِمُونَ وَلَا تُظۡلَمُونَ»(2).

وبالنسبة إلى العلماء الاحترام الكامل، حيث قال سبحانه: «هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ»(3).

وبالنسبة إلى سائر الناس كما قال سبحانه: «إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبا وَقَبَآئِلَلِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ»(4).

وكما قال أمير المؤمنين(علیه السلام): «فأمّا حقّكم عليَّ فالنصيحة لكم وتوفير فيئكم عليكم»(5).

وبالنسبة إلى غير المسلمين، ما قاله علي(علیه السلام) أيضاً الناس: «صنفان:

ص: 43


1- الكافي 3: 513.
2- سورة البقرة، الآية: 279.
3- سورة الزمر، الآية: 9.
4- سورة الحجرات، الآية: 13.
5- نهج البلاغة، الخطب الرقم: 34، من خطبة له(علیه السلام) في استنفار الناس إلى أهل الشام.

إمّا أخ لك في الدّين وإما نظير لك في الخلق»(1).

وقال(علیه السلام) في نهج البلاغة لواليه الأشتر لمّا ولاّه على مصر: «ولا تكوننَّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنهم صنفان: إمّا أخ لك في الدّين وإما نظير لك في الخلق، ... فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الّذي تحب وترضى أن يعطيك اللّه من عفوه وصفحه»(2).

وحتّى بالنسبة إلى المجرمين، قال سبحانه: «ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ ٱلسَّيِّئَةَۚ»(3).

وقد عفى(صلی الله علیه و آله) عن وحشي قاتل عمّه حمزة(4)،وعن قاتل بنته وحفيده، هبار(5)، كما عفى عليّ(علیه السلام) عن أهل الجمل والنهروان وصفّين، بعد أن ظفر عليهم(6).

وقد قال الرسول(صلی الله علیه و آله) ما نظمه الشاعر:

مكارم الأخلاق في ثلاثة منحصرة *** لين الكلام والسخا والعفو عند المقدرة

وقال علي(علیه السلام): «إذا ملكت فأَسجِح»(7).

ص: 44


1- نهج البلاغة، الكتب الرقم: 53، من كتاب له(علیه السلام) للأشتر النخعي.
2- نهج البلاغة، الكتب الرقم: 53، من كتاب له(علیه السلام)للأشتر النخعي.
3- سورة المؤمنون، الآية: 96.
4- انظر سعد السعود: 211.
5- انظر شرح نهج البلاغة 14: 194.
6- انظر إرشاد القلوب 2: 220؛ والصراط المستقيم 1: 162.
7- بحار الأنوار 20: 299.

وقال الإمام الحسين(علیه السلام):

«أيها الناس... إن أعفى الناس من عفى عن قدرة وإن أوصل الناس من وصل من قطعه... ومن أحسن أحسن اللّه إليه واللّه يحب المحسنين»(1).

فلا يتوهّم أحد أن الإسلام إذا أخذ بالزمام يعمل استبداداً، أو ينتقم، أو يعمل عملاً ممّا تعمله حكومات الشرق والغرب، كما تعمله بريطانيا في عراق البعث، وروسيا في أفغانستان، وأمريكا في فلسطين، وغيرهممن الحكومات الكافرة، في البلاد الإسلامية.

بل لو أنّ اللّه تعالى هدى العالم إلى الإسلام، لتخلّص الشعب الروسي والصيني عن مظالم الشيوعية، والشعب الأمريكي والأوروبي عن مظالم الرأس مالية والاشتراكية، وذلك على المنهاج الذي عمله رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السلام) في مدّة حكومتهما حيث انطوت تحت رحمة نبيّ الإسلام ونظامه العادل: (الحجاز، واليمن والبحرين وقسماً من بلاد الخليج).

وفي كلّ تلك الحروب التي أشعلها المشركون لإطفاء نوره(صلی الله علیه و آله)، واضطرّ أن يتصدّى لها دفاعاً، كان(صلی الله علیه و آله) يسعى بجد للتوصّل إلى المهادنة والسلام حرصاً منه على حفظ النفوس وقلّة القتلى، ولذلك لم يكن قتلى الفريقين طيلة تلك المدّة إلاّ ألفاً وثمانية حسب ما أحصاه بعض العلماء ممّا يشير إلى رحمة الإسلام وعدله الشامل.

ص: 45


1- كشف الغمة 2: 30.

أصول الثورة

كانت حكومة أمير المؤمنين(علیه السلام) أكبر دولة في عالم ذلك اليوم من أواسط أفريقيا إلى أواسط آسيا، ممّا عَدَّ بعض العلماء أن دولته(علیه السلام) كانت تشمل خمسين دولة في خريطة عالم اليوم.

ومع ذلك كان يعفو عن المسيء، ولا يأخذ المال من أحد ظُلماً، ويقسم الفيء بين المسلمين، وقد قال(علیه السلام) في كلام له أنّه وَفَّرَ لكلّ الناس المسكن والماء والرزق(1)ولم يكن في تلك الدولة الكبيرة، حتّى إنسان واحد متيقّن بأنّه جائع، ولذا قال(علیه السلام): «ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له فيالقرص ولا عهد له بالشبع...»(2) يعني أنّه لا يعلم بذلك علماً، وإنّما يحتمله احتمالاً، وكان يستشير الناس في أموره حتّى جعل(علیه السلام) من حقّ رعيته عليه إعطاؤهم المشورة له(3)، وكان يُراقب عُمّاله وقضاته، حتى أنّ واليه عثمان بن حنيف لمّا حضر وليمة في البصرة عاتبه بكتاب، حيث يقول(علیه السلام):

«أمّا بعد، يابن حنيف، فقد بلغني أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبةٍ فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان وتنقل إليك الجفان وما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ وغنيّهم مدعوّ، فانظر

ص: 46


1- مناقب آل أبي طالب(علیهم السلام) 2: 99، قوله(علیه السلام): «ما أصبح بالكوفة أحد إلّا ناعماً، إن أدناهم منزلة ليأكل البُر، ويجلس في الظِّل، ويشرب من ماء الفرات».
2- نهج البلاغة، الکتب الرقم: 45، من کتاب له(علیه السلام) إلی عثمان بن حنيف الأنصاري.
3- انظر تحف العقول: 143؛ بحار الأنوار 74: 259.

إلى ما تقضمهمن هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.

ألا وإن لكلّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهادٍ وعفّةٍ وسدادٍ فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبراً ولا ادّخرت من غنائمها وفراً ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً ولا حزت من أرضها شبراً»(1).

ولمّا ضرب قنبر إنساناً سوطاً بغير حقّ اقتصّ منه(2)، وقد عزل والياً له بمجرّد شكاية امرأة منه(3)، وعزل قاضيَهأباالأسود، وبيّن(علیه السلام) أنّ عزله كان بسبب أنّ صوته يعلو صوت الخصمَيْن(4).

إلى كثير من أمثال ذلك في سيرة الرسول(صلی الله علیه و آله) وسيرة عليّ(علیه السلام)، ممّا يجب أن يطبّقه (شورى المراجع) الذين هم أعلى سلطة في الدولة الإسلاميّة المترقّبة بإذن اللّه تعالى (ذات ألف مليون مسلم) - لا بالنسبة إلى المسلمين، بل وحتّى بالنسبة إلى الأقليّات - فقد روي عن النبي(صلی الله علیه و آله) أنّه قال: «من ظلم معاهداً كنت خصمه»(5).

فإنّ مِن دون تطبيق ذلك لا يتمّ تطبيق الإسلام، وقد قال علي(علیه السلام):

ص: 47


1- نهج البلاغة، الكتب الرقم: 45، من كتاب له(علیه السلام) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري.
2- انظر تهذيب الأحكام 10: 278.
3- انظر كشف الغمة 1: 174.
4- مستدرك الوسائل 17: 359.
5- راجع بحار الأنوار 71: 21.

«فليتأسى متأس بنبيه، ... وإلاّ فلا يأمنن الهلكة»(1).

ملامح الحكومة الإسلامية المرتقبة

اشارة

وعلى هذا فملامح الدولة الإسلامية المرتقّبة، هي:

1- شورى مراجع التقليد، الذين تتوفّر فيهم شروط المرجعيّة، إلى جانب اختيار أكثريّة الأمّة لهم، في أجواء حرّة.

2- الأحزاب الإسلامية الحرّة التي أزمّتها بأيدي مراجع التقليد.

3- تطبيق جميع القوانين الإسلامية، والتي منها الحريّات الآنفة الذكر، والأخُوة الإسلامية، وإسقاط الحدود بين البلاد الإسلامية، حتى تكون بلداً واحداً.

فإذا جعلنا مجالس الحسين(علیه السلام)، منطلقاً إلى هذه الأمور، فقد أدّيْنا بعض ما علينا من اللازم تجاه الإمام الحسين(علیه السلام) الذي لم يضحّ بنفسه وأهل بيته وأصحابه إلاّ لتطبيق الإسلام وإنقاذ الناس، كما في زيارته(علیه السلام): «لِيَسْتَنْقِذَ عِبادكَمِنَ الجَهالَةِ وَحيرةِ الضَّلالَةِ»(2).

وإذا توفّرت الحركة الإسلامية الصحيحة ذات الصبغة الجماهيرية الواسعة، ووعى الشعب خيره من شرّه، تعقّب ذلك ما يلي:

حكومة الشعب

الأوّل: اختفاء الانقلابات العسكرية، التي ليست إلاّ عبارة عن تآمر جماعة من فاقدي الكفاءات بتخطيط من الكفّار والأجانب، للقفز على

ص: 48


1- نهج البلاغة، الخطب الرقم: 160.
2- مصباح المتهجد 2: 788.

الحكم، ثم لا يكون شأنهم إلاّ سفك الدماء ومصادرة الأموال وملىء السجون وجعل البلاد نهباً للأجنبي الشرقي والغربي.

وكذلك اختفاء الحكومات الوراثية، والوصائية، حيث تمهّد الحكومة السابقة جوّاً من الدعاية لما تريده منحكومة مستقبلة ليس همّها إلاّ حفظ مصالح السابقين، فإنّ كلّ هذه الحكومات (الانقلابية، والوراثية والوصائية) لا تكون إلاّ في جوّ فقدان الوعي وعدم وجود حركة إسلامية صحيحة تقف بالمرصاد لكل محاولة انتزاع السلطة من الأمّة.

التعددية

الثاني: توزّع القدرة حينئذ بين كافّة الطبقات والفئات، سواء قدرة الحكم أو السلاح أو العلم أو المال أو غيرها، فلا تكون القدرة بيد جماعة خاصّة تستبدّ بها، أمّا سائر الناس فلا شأن لهم، ومن لم يصفّق منهم للسلطة يكون مصيره السجن والتعذيب والقبر ومصادرة الأموال.

ولقد كان معاوية مصداقاً ظاهراً للحاكم المستبدّ الذي جمع مختلف السلبيّات ولقد قال فيه الإمام الحسين(علیه السلام): «أمّا بعد يا معاوية... لقد فضّلتَ حتى أفرطْتَ واستأثرْتَ حتّى أجْحَفْتَو...»(1).

وقال(علیه السلام): «فأبْشِر يا معاوية بالقصاص... وليس اللّه بناس لأخذك بالظنّة وقتلك أولياءه على التهم ونفيك أولياءه مِنْ دورهِم إلى دار الغُرْبَة وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الخمر ويلعب بالكلاب، لا أعلمك إلّا قد خسرْتَ نفسكَ وبَتَرت دينك وغششتَ رعيّتك وأخزيت

ص: 49


1- الإمامة والسياسة 1: 208.

أمانتك وَسَمِعْتَ مقالة السفيه الجاهل وأخفت الوَرِع التقي...»(1).

بينما إذا وزّعت القدرة يقع التنافس الحرّ، ولا تقدر جهة أن تجحف بحقّ الناس، كما هو الحال في (الاستشارية الإسلاميّة) ممّا يوجد شيء قليل منه في الديمقراطية.

إن الغرب لمن العِبَر لنا نحن المسلمين، فإنهم إنما تمكّنوا السيطرة على البلاد الإسلامية وتدميرها، لتوزّع القدرة بينهم، ولدكتاتورية حكّام بلاد الإسلام واستبداد الحزب الحاكم بالقدرة فيها، فبينما ترى في الغرب تعدّد الأحزاب الحرّة، وتعدّد الصحف الحرّة، وتبدّل الدولة من أوّلها إلى آخرها كلّ فترة مرّة في انتخابات حرّة، وكون الإعلام والمال والسلاح والعلم للجميع (وبطبيعة الحال الحرية في منطقهم، لا في منطق الإسلام).

لا ترى من مثل هذه الحريّات في البلاد الإسلامية أقلّ أثر، حيث البلاد بما فيها من أغلبية مسلمة ساحقة ترزح تحت كابوس حكّام نزوا على الحكم بلا كفاءات ولا معتقدات إسلامية وفرضوا على الأمة المسلمة أنظمة مخترعة من مثل القومية أو البعثية أو الشيوعية أو الديمقراطية المزيّفة، أو العلمانية، التي لا تعرف منالإسلام سوى التشدق باسمه، ومن القرآن إلاّ إجادة طبعه ورسمه، فهي بمعزل عن الإسلام والمسلمين وعن القرآن وأحكامه السامية.

أليس ذلك عبرة أن نعرف الداء ونعرف الدواء، ونحاول علاج

ص: 50


1- بحار الأنوار 44: 214.

المرض؟ وحينذاك تتجلّى عظمة الإمام الحسين(علیه السلام) في كلامه حيث قال: «... إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم»(1).

وقال(علیه السلام) للحرّ: «ما أخطأت أُمّك إذ سّمتك حرّاً، فأنت حرّ في الدنيا وسعيد في الآخرة»(2).

الكفاءات

الثالث: ظهور الكفاءات، فإن الكفاءات لا تعيشفي جو الاختناق والإرهاب، ولا تظهر ثمارها في مثل هذا الجو، وهذا أيضاً من أسباب قوّة الغرب وضعف المسلمين، فقد جاء في تقرير مسبق: إن في خلال ربع قرن من الزمان فقط وليس أكثر هرب من أصحاب العقل والفكر وذوي الكفاءات العلميّة والعمليّة، من الشرق الأوسط إلى أمريكا وأروبا وغيرها، زهاء نصف مليون، هذا بالإضافة إلى الذين قُتِلوا، أو جُمّدت نشاطاتهم، أو لم تتفتق مواهبهم من ملايين المسلمين.

وقد أصبحت غالب البلاد الإسلامية في الحال الحاضر، وفي عصر النور والذرّة تعاني من حيث سحق الكفاءات وملاحقة أصحاب العقل والفكر بأبشع مما كانت تعاني منه في القرون الوسطى وفي عصر الظلم والظلمات، فقد طارد حكّام تلك العصور من أمثال جابر بن حيان الكيماويالكبير، حتى اختفى، وقَتَلت ابن السكيت بسلّ لسانه من قفاه،

ص: 51


1- بحار الأنوار 45: 51.
2- انظر الأمالي للشيخ الصدوق: 160.

وقَتَلت عبد اللّه بن المقفع بقطع أعضاء جسده عضواً عضواً، وإلقائه في النار وهو حيّ وذلك أمام عينيه، حتى مات، ثم إلقاء بقاياه في النار أيضاً. وقتلت ابن مقلة بقطع يمينه ولسانه، حتى مات، وضربت على رأس محمد بن زكريا الطبيب كتبه حتى عمى وبقي متأثراً بالضربة حتى مات.

وإننا نجد في كتاب الإمام الحسين(علیه السلام) لمعاوية:

«... ألستَ القاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه المصلّين العابدين كانوا ينكرون ويستعظمون البدع ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يخافون في اللّه لومة لائم، ثم قتلتَهم ظلماً وعدواناً بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكدة؟ ... أولستَ قاتلالحضرمي... قَتَلهم (زياد) ومثّل بهم بأمرك»(1).

نعم قتلوا (حجراً) و(ميثماً) و(كميلاً) وغيرهم، أما قتلهم للأئمّة الهداة الطاهرين وأولادهم وذويهم فحديث الركبان.

تقدّم البلاد

الرابع: يظهر واقع الثقل في مختلف الأبعاد العلمية والعملية في بلاد الإسلام، حيث أن الثقل والواقعية الزراعية والصناعية والتجارية والثقافية والعسكرية وغيرها، وليدة الكفاءة والحريّة، وبذلك تتلاحم القدرة والإيمان والعلم والمال والسلاح، وتتقدّم البلاد إلى الأمام بخطوات سريعة.

استرجاع البلاد الضائعة

الخامس: استرجاع البلاد الإسلاميّة الضائعة، وإنقاذأهلها من براثن

ص: 52


1- انظر بحار الأنوار 44: 212 و 213.

الكفار والمستعمرين، سواء المنسية منها، كالبلاد الإسلامية التي ترزح تحت الاحتلال الروسي أمثال (أرمينيا، وأزبكستان، وتركستان، وتاجكستان، وقرقيزيا، وقازقستان) أم غير المنسية منها كفلسطين وإرتريا وبلاد مورو وغيرها.

وإذا رأينا كيف أن المحرّم يمكن أن يكون منطلقاً للنجاة والإنقاذ، فالواجب هو:

1- تكثير المجالس الحسينية، كمّاً.

2- وتقويتها، كيفاً.

3- وربطها بالوسائل الحديثة كالإذاعات والتلفزيونات والجامعات والصحف والأقمار الصناعية، وما إليها.

الإخلاص في العمل

ثم إن من الضروري الاهتمام لمزيد من الإخلاص في قضايا الإمام الحسين(علیه السلام)، واقتران ذلك بالتقوى، فإنّ اللّهتعالى إنّما يَقبل عمل المتّقين، كما قال سبحانه: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ»(1)، فإنّ العمل إذا لم يكن منبعثاً عن الإخلاص لم يكن له أجر، بل كان له وزر، ويكون كذبائح (نمرود) للّه تعالى، فقد قيل: إن نمرود لمّا رآى أن نار إبراهيم(علیه السلام) أصبحت عليه برداً وسلاماً أراد أن يظهر لعَبَدَته وبني قومه أنه معترف باللّه، وأنّه الإله الأكبر له، وليس هو إله إبراهيم(علیه السلام)، فقرّب

ص: 53


1- سورة المائدة، الآية: 27.

إليه سبحانه بثمان عشرة ألف بقرة(1).

ومن الواضح أنّ اللّه لا يَقبل عمل المفسدين، كما قال سبحانه في شأن قربان قابيل: «إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانافَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ»(2) فإذا فعلنا كل ذلك، نكون قد ساهمنا في بيان هدف الإمام الحسين(علیه السلام) وواصلنا نهجه في مكافحة الانحراف العقائدي والعملي كالكفر والنفاق والرذيلة والمرض والجهل والفقر والتخلّف والفوضى والحرب والعدوان والفرقة والتشتّت والخرق والقسوة والدكتاتورية والاستبداد وذلك بسبب مجالس الإمام الحسين(علیه السلام)، وإقامة الشعائر الحسينية، وما ذلك على اللّه بعزيز.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

ص: 54


1- انظر تفسير البيضاوي 4: 100.
2- سورة المائدة، الآية: 27.

عاشوراء والقرآن المهجور

اشارة

ص: 55

ص: 56

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.

كما أن خواص الأشياء، وقوانين الكون والطبيعة، في مختلف الأمور، وسائر الشؤون من طب وهندسة، وفيزياء وكيمياء وغير ذلك، أمور ثابتة ودائمة، فكذلك خواص التشريع، وقوانين العقائد والأصول، والفقه والقضاء، هي أمور ثابتة ودائمة أيضاً، وهذا لا ينافي فتح باب الاجتهاد في الفروع كما لا يخفى.

ومن باب المثال نقول: كما أن القاعدة لتحصيل مساحةالمربع دائماً هو: أن نضرب عدد أمتار أحد أضلاعه الأربعة في ضلعه الآخر، أو ان خواص الأعشاب الطبية وتأثيرها في المعالجات الطبية مسلّم ودائمي إذا توفرت الشروط، فكذلك أحكام اللّه تعالى وقوانينه التشريعية يكون لها الدوام، ويبقى لها التأثير الدائم في الحياة، سواء علم الناس بذلك أم جهلوا، وسواء اتبعوها وعملوا بها، أم تركوها وأعرضوا عنها، وسواء تلقوها بالقبول، أم أعلنوا رفضها لهم، فإن ذا الأثر يترك أثره على المجتمع والطبيعة - إذا اجتمعت شرائطه وانتفت موانعه - دائماً وفي كل الصور والأحوال، نفياً وإيجاباً، ووجوداً وعدماً.

ص: 57

نعم إن الأحكام الإسلامية، والقوانين التشريعية للّه تبارك وتعالى، يكون لها الآثار الإيجابيةعند تطبيقها والعمل بها، كما أنه تترتب الآثار السلبية إذا تركت وأعرض عنها.

والإنسان إذا أراد الخير لنفسه ومجتمعه، وبلاده وأمّته عليه أن يأخذ بها كي يحصل على آثارها الإيجابية ونتائجها الطيبة، وإلاّ فإنه سوف يدفع ضريبة تركها ورفضها، قال اللّه تعالى: «وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَة ضَنكا»(1).

نعم إن المعجزة فقط هي التي تكون مستثناة من هذه القوانين والقواعد - وإن كانت مندرجة في قوانين وقواعد أخرى - مثل نار إبراهيم الخليل(علیه السلام) التي أصبحت عليه برداً وسلاماً بأمر اللّه عزّ وجلّ(2).ومثل انفلاق البحر في قصة موسى(علیه السلام)(3).

ومثل رجوع الميت حياً كما في قصة إحياء أمير المؤمنين علي(علیه السلام) لبعض الموتى(4)،

وغير ذلك من المعجزات التي ذكرها القرآن الكريم والأحاديث الشريفة للأنبياء العظام وأوصيائهم الكرام(علیهم السلام).

ثم لا يخفى أن الإسلام الذي عرّفه القرآن الحكيم، وبيّنته السنة

ص: 58


1- سورة طه، الآية: 124.
2- إشارة إلى قوله تعالى: «قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ» سورة الأنبياء، الآية: 69.
3- قال تعالى: «فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ» سورة الشعراء، الآية: 63.
4- انظر الفضائل لابن شاذان: 67.

المطهرة هو الذي سبّب عزّة المسلمين ورفعتهم، وضمن لهم سعادتهم ورفاههم، وصار كما جاء في الحديث الشريف: «الإسلام يعلو ولايعلى عليه»(1)، وصار المسلمون كما أخبرهم رسول اللّه(صلی الله علیه و آله): «تكونوا ملوكاً في دنياكم»(2).

وأما هذا اليوم الذي هجر فيه المسلمون القرآن الحكيم، وتركوا أحكامه وراء ظهورهم، وصاروا مسلمين بالاسم والجنسية فقط، فقد خسروا كل الآثار الطيبة للإسلام، وأصابهم جميع الآثار السيئة لترك الاسلام، من فقر وعدم، ومرض وجهل، حتى تحقق فيهم قوله تعالى: «وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ»(3).

وهذا الكراس محاولة متواضعة لبيان بعض الفوائدالمترتبة على العمل بالإسلام والقرآن الكريم، راجياً من اللّه تعالى أن ينفع به وأن يوفق المسلمين للأخذ بأحكام القرآن والعمل بقوانينه الراقية، حتى يستعيدوا عزّتهم وشوكتهم، وسيادتهم وسؤددهم، وهو المستعان.

ص: 59


1- من لا يحضره الفقيه 4: 334.
2- انظر إعلام الورى: 40.
3- سورة النحل: 118.

المحرم وواجبنا تجاهه

يلزم شدة الاهتمام في أيام محرم الحرام، وخاصة عشرة عاشوراء، وكذلك في أيام الأربعين، بموضوعين مهمّين - إضافة إلى إحياء الشعائر الحسينية المقدسة - وهما:

1- وجوب تطبيق كل الأحكام الشرعية وجميع القوانين الإسلامية الثابتة عن طريق القرآن والسنة المطهرة.

2- وجوب هداية الناس جميعاً وخاصة هداية غير المسلمين إلى الإسلام.

وعلى المسلمين عامة، والخطباء والمبلغين وأصحاب القلم والمنبر خاصة، التحدث بهما والكتابة عنهما، حتى ينتشر ذلك في المجتمع الإسلامي، ويتعرف عليه جميع المسلمين.

تطبيق القوانين الإسلامية

اشارة

أما الموضوع الأول وهو وجوب تطبيق كل الأحكام الشرعية، ومطالبة تطبيق جميع القوانين الإسلامية، التي ثبتت عندنا ووصلت إلينا عن طريق القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وسيرة الأئمة الطاهرين(علیهم السلام) من أهل بيت رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) بما فيها أحاديثهم المباركة.

ص: 60

فإن في هذا المجال لابدّ من بذل الاهتمام الأكثر بمسائل قد تُركت - وللأسف الشديد - ويلزم السعي في إعادتها إلى المجتمع والحياة اليومية من جديد، والتي من جملتها ثلاث آيات من القرآن الكريم التي قد أُعرض عنها بالمرة، وهي كالتالي:

آية الحريات الإسلامية

أولاً: آية الحريات الإسلامية: قال اللّه تعالى وهو يصف مهام رسوله(صلی الله علیه و آله) في بعثته الكريمة: «وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ»(1).

إن الإسلام هو دين الحرية والتحرر، وقد تنعّم المسلمون الأوائل في صدر الإسلام بهذه النعمة الإلهية الكبرى، ولمسوها بقلوبهم وأبدانهم، وتحسّسوا بردها وروحها، بينما اليوم قد كثرت القيود والأغلال بسلب حريات الإسلام عن المسلمين، وقد سلبوها عنهم بالفعل، وأبدلوا مكانها بالضد منها، فعلى المسلمين أن يعملوا لإزاحتها والتخلص منها.

إن الإسلام أعطى كامل الحرية للإنسان، وذلك في غير ما فرضه اللّه تعالى على الإنسان لحفظ إنسانيته، وتعاليروحه، ورغد عيشه، وسعادة حياته، من فعل الواجبات وترك المحرمات، وما أقلهما بالنسبة إلى الحريات الإسلامية، فإنه فيما عدا ذلك جعل اللّه الإنسان حراً في أن يفعل ما يشاء، وأن يترك ما يشاء.

ص: 61


1- سورة الأعراف، الآية: 157.

فأعطاه الحرية في الفكر والعقيدة، والحرية في العمل والاكتساب، فله أن يختار ما يشاء منها ويترك ما يشاء منها، على ما يحب هو ويريد.

كما أعطاه الحرية في طلب العلم ومواصلة الدراسة، وفي الاستفادة من الثروات الطبيعية، والمباحات الأصلية، ومن السفر إلى أي بلد شاء، والإقامة في أي بلد أراد، وفي البناء والعمران، وفي إبداء الرأي في المسائل السياسية، وإعلان انتقاداته بالنسبة إلى الحاكم والرئيس، والقادة والوزراء، وكذلك الحرية في الزراعة والصناعة، وغيرذلك من الحريات الكثيرة التي منحها الإسلام للإنسان في حياته اليومية، بلا حاجة إلى اقتناء جنسية، أو جواز سفر، أو هوية، أو جواز عمل، أو ترخيص بناء، أو ما أشبه ذلك من القيود والأغلال.

كما إن الإسلام أعطى الحرية للفرد، والحزب، والتجمعات السياسية، بأن يبدوا آراءهم، ويعلنوا انتقاداتهم، ويقدّموا أطروحاتهم، في كيفية الحكم وطريقته، وفي نوعية السياسة، وفي منهجية الحكومة، عبر كل وسائل البث والنشر، من صحف ومجلات، وراديو وتلفزيون، وكتب ومقالات، وندوات وتجمعات، وغير ذلك.

وبكلمة واحدة: إن الإسلام يضمن لكل الناس حرياتهم المشروعة الأعم من الحريات السياسيةوالاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

آية الأخوة الإيمانية

اشارة

ثانياً: آية الأخوة الإسلامية والإيمانية: قال اللّه تعالى وهو يبيّن كيف يجب أن تكون العلاقة بين المسلمين والمؤمنين: «إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ

ص: 62

إِخوَة»(1).

وهذه الآية وللأسف الشديد قد هجرت بشدة بين المسلمين، وأعرضوا عنها وعن العمل بها.

إن الإسلام هو دين المحبة والألفة، ودين الروابط الحسنة، والعلاقات الأخوية الصادقة، وهو دين الأخوة بما للكلمة من معنى.

إن الإسلام يرى كل المسلمين، وجميع المؤمنين إخوة، مهما اختلفت أصولهم ولغاتهم، وصورهم وألوانهم، إنه لميسمح لأحد من المسلمين أن يدعو أخاه المسلم بالأجنبي، ولا أن ينظر إلى أخيه المسلم بعين الازدراء أو التحقير، أو بنظرة الغريب للغريب الذي لا يمتّ إليه بصلة ولا يربطه به شيء من الروابط.

إن الإسلام يرى رباط الدين والإيمان باللّه ورسوله من أوثق الروابط وأمتنها، وأقوى العلائق وأبرمها، إنه يرى لكل من يتشهد بالشهادتين هذه الرابطة بالنسبة إلى أخيه ممن يشهد بهما، فلا يجيز له أن يخرقها أو يوهنها تجاهه، مهما كان ذلك المتشهد بالشهادين من حيث اللسان والأصل، واللون والعرق مختلفاً مع هذا الآخر.

إنه أراد أن يكون المسلمون فيما بينهم كأفراد أسرة واحدة، التي يظلّها أب واحد وأم واحدة، فأبوهم آدم(علیه السلام) وأمهم حواء(علیها السلام)، وأراد لهم أن يعيشوا حياة أخوية ينتمونإلى بيت واحد، وعائلة واحدة، يعمر قلوبهم الحب والوداد، والتآلف والتعاون، وينكر عليهم العداوة والبغضاء،

ص: 63


1- سورة الحجرات، الآية: 10.

والتشاجر والتناحر.

وقد آخى رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) عملياً - بعد أن جاء القرآن بآية الأخوة - بين المسلمين وأكثر من مرة، ليطبق أمر اللّه عزّ وجلّ ويعلّم المسلمين على التآخي بينهم.

شواهد ونماذج

فعن ابن عباس وغيره: أنه لما نزل قوله تعالى: «إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَة»(1) آخى رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) بين أصحابه بأجمعهم على قدر منازلهم ثم قال(صلی الله علیه و آله) لعلي(علیه السلام): «أنت أخي وأنا أخوك يا علي»(2).

وفي الخبر أيضاً: لما كان يوم المباهلة آخى النبي(صلی الله علیه و آله) بينالمهاجرين والأنصار، وادّخر علياً(علیه السلام) لنفسه، فأخذ(صلی الله علیه و آله) بيده(علیه السلام) فأرقاه المنبر فقال: «اللّهم هذا مني وأنا منه، ألا إنه مني بمنزلة هارون من موسى، ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه»، فانصرف علي(علیه السلام) قرير العين(3).

وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «المسلم أخو المسلم، وحق المسلم على أخيه المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه، ولا يُروى ويعطش أخوه، ولايكتسي ويعرى أخوه، فما أعظم حق المسلم على أخيه المسلم»(4).

ص: 64


1- سورة الحجرات، الآية: 10.
2- مناقب آل أبي طالب(علیهم السلام) 2: 185.
3- انظر كشف الغمة 1: 328.
4- بحار الأنوار 71: 221.

وقال(علیه السلام): «إذا قال الرجل لأخيه: أف، انقطع ما بينهما من الولاية، وإذا قال: أنت عدوي، فقد كفر أحدهما، فإذا اتهمه، انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملحفي الماء»(1).

وقال أبو عبد اللّه(علیه السلام): «المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه، وجد ألم ذلك في سائر جسده»(2).

وروي عن النبي(صلی الله علیه و آله) أنه قال: «إنما المؤمنون في تراحمهم وتعاطفهم بمنزلة الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو واحد تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»(3).

وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «واللّه ما عبد اللّه بشيء أفضل من أداء حق المؤمن»(4).

وقال(علیه السلام) أيضاً: «واللّه إن المؤمن لأعظم حقاً منالكعبة»(5).

وقال(علیه السلام): «دعاء المؤمن للمؤمن يدفع عنه البلاء ويدرّ عليه الرزق»(6).

وإلى غيرها من الروايات الكثيرة في هذا المجال.

نعم إن الإسلام دين الفتوة والمروّة، ودين المحبّة والأخّوة، ويريد

ص: 65


1- الكافي 2: 170.
2- الكافي 2: 166.
3- سفينة البحار 1: 56.
4- الكافي 2: 170.
5- بحار الأنوار 65: 64.
6- الإختصاص: 28.

لكل المسلمين أن يعيشوا إخوة متحابين، وأحباباً متصافين. يعني: تماماً بخلاف الذي نراه اليوم ونسمعه بين المسلمين وللأسف الشديد من أن الإيراني المسلم يدعو أخاه المسلم العراقي: أجنبياً، والعراقي أخاه الإيراني بالأجنبي، وهكذا، وهو خلاف صريح للقرآن.

آية الأمة الواحدة

اشارة

ثالثاً: آية الأمة الواحدة، قال اللّه تعالى وهو يبيّن كيف يجب أن يكون المسلمون سياسياً ومن حيث الحكم والتركيبة السياسية: «وَإِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّة وَٰحِدَة وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱتَّقُونِ»(1).

وهذه الآية الكريمة تعني: إن المسلمين لهم مشتركات كثيرة من أهمها: توحيدهم للخالق وهو اللّه تبارك وتعالى، وقبولهم نبوّة رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)، واعتقادهم بالإسلام والقرآن، والقيامة والمعاد، وهذه المشتركات هي التي تؤكد على أن يكون المسلمون بكل طوائفهم أمة واحدة، ذات بلد واحد، وحكومة واحدة.

فالأمة الواحدة التي يناشدنا بها القرآن الكريم، ويخاطبنا بها اللّه تعالى، تتطلب وقبل كل شيء أموراً تالية:

رفع الحواجز النفسية

1- إلغاء الضغائن القلبية ورفع الحواجز النفسية، وذلك بأن تطيب نفوس المسلمين بعضهم تجاه البعض الآخر، وأن يرى كل مسلم

ص: 66


1- سورة المؤمنون، الآية: 52.

المسلم الآخر: أخاه في الدين والعقيدة، ونظيره في الخَلق والإنسانية.

إلغاء الحدود الجغرافية

2- إلغاء الحدود الجغرافية المبتدعة، التي أحدثها الغرب في بلاد المسلمين، وقسّمها إلى بلدان صغيرة لا حول لها ولا قوة، ولا شوكة ولاهيبة، حتى يستطيع التغلب عليها، والسيطرة على منابعها وثرواتها، وقد فعل الغرب ونجح في مخططه هذا، وسيطر وتغلب، وسلب ونهب، وإلّا فأين الذهب الأسود والذهب الأحمر الذي هو ملك المسلمين، والمسلمون يموتون جوعاً، ويكابدون الفقر والحرمان، والجهل والمرض.

رفض الجواز والجنسية

3- إلغاء ما يرتبط بالحدود الجغرافية من تبعات، ورفض مثل جواز السفر، والجنسية، والهوية، وضرائب الدخول والخروج من البلد، والجمارك والمكوس، وغير ذلك مما قد ابتلي به المسلمون وللأسف الشديد منذ ستين عاماً وحتى هذا اليوم، علماً بأن كل ذلك مما أوجده الغرب لعرقلة تقدم المسلمين وصدّهم عن تعاليهم، وليس لشيء من ذلك أية شرعية في الإسلام.

بل إن الإسلام يرى الأمة الإسلامية أمة واحدة، ويرى كل أمر يفرق صفوف المسلمين، ويمسّ وحدتهم، ويهدد اتحادهم وكيانهم، أمراً محرّماً أشد الحرمة، ومرفوضاً رفضاً باتاً، وعلى المسلمين أن يرفضوه بكل صراحة وقاطعية.

ص: 67

وعليه: فيلزم أن لا تكون هناك حواجز نفسيةبين المسلمين، ولاحدود جغرافية بين بلادهم، ولا جواز ولا جنسية، ولا تأشيرة دخول وخروج، ولا رسوم ولا ضرائب، ولا جمارك ولا مكوس، فيما بينهم، وعليهم إلغاؤها جميعاً كما ألغى الغرب ذلك أخيراً بين بلادهم، وحذفوا تأشيرات الدخول والخروج، ورسوم الجمارك والمكوس وما إليها فيما بينهم نسبياً.

هذا وقد كان ذلك كله في الإسلام، فإن البلاد الإسلامية على وسعتها كانت بلدة واحدة، ذات حكومة مركزية واحدة، حتى جاء الغرب ففرّقهم أيادي سبأ(1)، ومزّقهم بسبب هذه الحدود الجغرافية، وزرع الحواجز النفسية في نفوسهم أيّما تمزيق.

تطبيق سائر القوانين الإسلامية

اشارة

ثم إن هناك ما يجب على الجميع الاهتمام به أيضاً، وهو:

العمل على تطبيق سائر القوانين الإسلامية المتروكة في المسلمين والمهجور فيما بينهم غير ما ذكرناه، تلك القوانين التي يكون في تطبيقها ضمان لسعادة الحياة الإنسانية فرداً ومجتمعاً، اقتصاداً وسياسة، وغير ذلك.

قانون الشورى

فمن تلك القوانين الإسلامية: (قانون الشورى) قال اللّه تعالى:

ص: 68


1- كناية عن التفرق، تشبيهاً بقوم سبأ لما مزقهم اللّه تعالى في الأرض كل ممزق، انظر سورة سبأ، الآية: 7 و 19.

«وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ»(1) وقال سبحانه: «وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ»(2).

وإحياء هذا القانون وتطبيقه يلزم أن يكون في كل مجالات الحياة، من الحياة المنزلية والعائلية، إلى الحياة الاجتماعية والسياسية.فيلزم على كل مسلم أن يطبق قانون الشورى في بيته ومع عائلته وأولاده إناثاً وذكوراً، وذلك بأن يشاورهم في الأمور المنزلية والأمور الفردية والعائلية حتى في انتخاب الملبس والمركب، والمأكل والمشرب، ناهيك عن الأمور التربوية والأخلاقية، علماً بأن الأسرة هي لبنة الاجتماع وحجرها الأساسي، فمنها يتكون الاجتماع الكبير، وتتشكل الدول والحكومات، فإذا بنى الإنسان حياته على الشورى وطبقها من أوائل عمره وفي كل شؤونه، تعود عليها عند كبره ولدى دخوله في محيط المجتمع وحين تصديه لإدارة الأمور، أو قيامه بأعباء الحكم والقيادة، والزعامة والرئاسة.

فمن أسباب ظهور الدكتاتوريات الموجودة اليوم في المسلمين هي عدم تطبيق قانون الشورى في الحياةاليومية، الفردية والعائلية، وذلك لأن الخير عادة، كما ورد في الحديث الشريف(3)، وثبت في علم النفس الاجتماعي، فإذا لم يتعوّد الإنسان من صغره على التشاور في أموره، لم يتمكن أن يلتزم بقانون الشورى فيما يخص الأمة في كبره.

ص: 69


1- سورة آل عمران، الآية: 159.
2- سورة الشورى، الآية: 38.
3- انظر تحف العقول: 86، عن أمير المؤمنين(علیه السلام): «فإن الخير عادة».

وكيف كان: فإن (قانون الشورى) يلزم تطبيقه في مختلف جوانب الحياة، ومنها السياسة، فيلزم إدارة البلاد الإسلامية عبر انتخابات حرّة، وذلك بأن يقوم الناس بانتخاب من يرضونه من بين الفقهاء المراجع، فإذا تم انتخاب شورى الفقهاء المراجع يتصدّى شورى المراجع المنتخب لإدارة البلاد والعباد، ثم يقوم الشورى بالتعاون مع الأحزاب الحرة المنافسة في البناء والتقدم، وعبرالانتخابات الحرة بانتخاب القوة التنفيذية، لتطبيق الأحكام الشرعية والقوانين الإسلامية وتنفيذها في كافة مجالات الدولة وحياة الناس، وذلك لمدة معينة حسب المتفق عليه من مدة أربع أو خمس سنوات، ثم تتجدد الانتخابات للمرة الثانية، والثالثة، وهكذا.

قانون حيازة المباحات

ومن تلك القوانين الإسلامية التي يجب إعادتها إلى التطبيق الخارجي، والتنفيذ العملي في حياة المسلمين: هو قانون حيازة المباحات، وقانون الاستفادة بحرية من المنابع الطبيعية، من البحار، والغابات، والأرض.

فكما أن لكل إنسان الحق في أن يستفاد من الهواء والماء، فكذلك لكل إنسان الحق في أن يستفاد بقدر لا يضر حق الآخرين من البحار بصيد السمك، ومن الغابات بأخذ ما يحتاجه منها، ومن الأرض بحيازة ما يستطيع منعمرانها، سواء عمرها بالزراعة أو بالغرس، أو بالبناء أو بالمشاريع الانتفاعية أو الخيرية، فإن هناك بالنسبة إلى حيازة الأرض

ص: 70

قانون شرعي يقول: «الأرض للّه ولمن عمرها»(1) وبالنسبة إلى المباحات الأخرى قانون شرعي يقول: «خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعا»(2).

فالاستفادة من الأرض ومن سائر المباحات جائزة لكل إنسان ضمن حدود نظيفة ونزيهة، وذلك بأن يحوز منها بمقدار لا يتعدى فيه على حقوق الآخرين، فلا يتملك منها ما هو أكثر من قابليته، ولا ما يوجب ضياع حق غيره، كما قال تعالى: «خَلَقَ لَكُم»(3) يعني: للجميع، علىنحو العدل والقسط.

قانون السبق

ومن تلك القوانين الإسلامية التي هجرت فيما بين المسلمين: قانون السبق، القائل: «من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم فهو أحق به»(4).

مثلاً: إذا سبق أحد إلى أرض موات فعمّرها واكتشف فيها النفط فاستخرجه منها، أو سبق إلى أرض فيها الملح فاستخرجه منها، أو غير ذلك من سائر المعادن الموجودة في الأراضي الموات، التي هي ملك للّه ورسوله(صلی الله علیه و آله)، وقد وهبها الرسول(صلی الله علیه و آله) للمسلمين، إن حاز أحد منهم شيئاً منها وعمّرها، فإنها تكون له.

فالمسلمون بالنسبة إلى هذه المباحات على حدٍ سواء، لهمحيازة ما

ص: 71


1- الكافي 5: 279.
2- سورة البقرة، الآية: 29.
3- سورة البقرة، الآية: 29.
4- عوالي اللئالي 3: 480، المروي عن رسول اللّه(صلی الله علیه و آله).

يحتاجون إليه، وما يريدونه بشرط عدم التجاوز على حقوق الآخرين، وذلك بلا حاجة إلى جواز عمل، أو ترخيص رسمي، أو دفع رسوم وضرائب، أو ما أشبه ذلك.

ولا يخفى أن هذه القوانين وغيرها من الأحكام الشرعية والقوانين الإسلامية الأخرى، قد استخرجها واستنبطها كبار علمائنا ومشايخ فقهائنا، طوال القرون الماضية، بجد وجهد كبير، من الكتاب الحكيم والسنة المطهّرة، وجمعوها في مجاميع فقهية، وموسوعات استدلالية، من أمثال كتاب: (جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام) وكتاب: (الحدائق الناضرة) وكتاب: (مستند الأحكام) وكتاب: (مصباح الفقيه) وغيرها من الكتب الاستدلالية الفقهية، وجعلوها في متناول أيدينا، فجزاهم اللّه عن الإسلام وأهله خيراً.

هداية غير المسلمين إلى الإسلام

اشارة

وأما الموضوع الثاني الذي يجب شدة الاهتمام به في أيام محرم الحرام، وخاصة عشرة عاشوراء وكذلك في أيام الأربعين هو: وجوب هداية الناس جميعاً وخاصة هداية غير المسلمين إلى الإسلام.

وإنما يجب هداية الناس وخاصة غير المسلمين إلى الإسلام، لأن الإسلام لم يكن خاصاً بالمسلمين، بل الإسلام جاء لهداية كل الناس وجميع البشر، قال اللّه تعالى في حق نبيه الكريم ورسالته السماوية: «وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّة لِّلنَّاسِ»(1).

ص: 72


1- سورة سبأ، الآية: 28.

وقال في حق كتابه الحكيم وآياته المباركة: «بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدى وَرَحۡمَة لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ»(1).وقال في الهدف من بعث الرسول(صلی الله علیه و آله): «وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَة لِّلۡعَٰلَمِينَ»(2).

وقال الرسول(صلی الله علیه و آله): «أنا رحمة مهداة»(3)،

فهذه الهدية التي أرسلها اللّه تعالى وبعثها رحمة منه، أرسلها رحمة للعالمين كلها، وليس للمسلمين فقط، ولا للناس فحسب، ولا للكرة الأرضية وحدها بل لكل الخلق من الإنس والجن وسائر المخلوقات، ولبقية مخلوقاته في الكواكب والمنظومات والمجرات، وذلك لأن (العالمين) جمع العالم، والعالم هو كل الخلق ومجموع الخلائق.

إذن: فالإسلام ليس خاصاً بالمسلمين فحسب، بل هو نور لكل الناس، وواجبنا نحن المسلمين عامة، والخطباءوالمبلغين، والكتاب والعلماء خاصة إيصال الإسلام إلى غير المسلمين وهدايتهم إليه.

رسالة الإسلام رسالة عالمية

وفي التاريخ نرى أن الرسول(صلی الله علیه و آله) لم يحصر نفسه، ولم يحبس دينه على جماعة خاصة، ولا على بلد خاص، ولا على قوم خاصّين، وإنما سعى سعياً حثيثاً، وجدّ اجتهاداً كبيراً في أن يهدي الناس كافة، من أيّ

ص: 73


1- سورة القصص، الآية: 43.
2- سورة الأنبياء، الآية: 107.
3- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 1: 7.

قوم ولغة كانوا، وفي أيّ بلد ومنطقة سكنوا.

إنه(صلی الله علیه و آله) عندما كان في مكة المكرمة كان يلتقي بالناس أيام الموسم حيث كان الناس يتقاطرون على بيت اللّه الحرام من كل صوب وجهة، وكان يعرض عليهم الإسلام، ويقرأ على مسامعهم القرآن الحكيم.

وعندما هاجر(صلی الله علیه و آله) إلى المدينة، كاتب جميع الملوك، وراسل كل رؤساء العالم في ذلك اليوم وبلغهم الإسلام، ودعاهمإليه، كما وأمر(صلی الله علیه و آله) بإجازة الوفود الذين يفدون للمدينة للالتقاء به(صلی الله علیه و آله) فتقاطرت عليه الوفود من كل أطراف الدنيا، حتى سمي ذلك العام: عام الوفود.

ونحن المسلمين أمرنا اللّه تعالى بأن نقتدي برسوله(صلی الله علیه و آله) في كل شيء، ومنها هداية الناس إلى الإسلام، وخاصة في هذا اليوم، الذي اتسعت فيه شبكة الارتباطات، وسهل التعرف فيه لكل منّا على الآخرين، وأصبح العالم كبيت واحد، وأفراده كأفراد أسرة واحدة، وهذا مما يثقل مسؤوليتنا، ويعظم واجبنا وتكليفنا، ويحتم علينا أن نستفيد من كل هذه الوسائل والإمكانات لهداية الناس، كل الناس إلى الإسلام.

تحرك المسلمين لهداية الغربيين

مثلاً: هناك في الغرب بعض الحريات النسبية التي تساعد على أداء هذه المهمة، فيجب علينا الاستفادة منها فيهداية غير المسلمين إلى الإسلام، ومثالاً على ذلك نذكر: إن جماعة من المسلمين في أمريكا اتفقوا على هداية غير المسلمين إلى الإسلام، وخططوا لذلك خطة

ص: 74

ومنهاجاً، وكان بعض مناهجهم هو: تبليغ السجناء وهدايتهم إلى الإسلام، فكانوا يذهبون إلى السجون ويلتقون بالسجناء فيها ويتحدثون لهم عن الإسلام وعن أحكامه التقدمية وقوانينه الراقية، وحيث إن الإسلام هو دين الفطرة كان له التأثير البالغ على أولئك السجناء، حتى إن كثيراً منهم أسلموا، وقد توسّع هذا الأمر في السجون وكثر عدد المهتدين إلى الإسلام مما أثار حفيظة بعض القساوسة واعترضت كنائسهم على هذا التحرك الإسلامي وقدمت شكوى إلى الرئيس الأمريكي تذكره بخطر الإسلام وانتشاره ومطالبته بالحدّ من نشاطات المسلمين، وتدعوه إلى منعهم من الالتقاء بالسجناء.ونزولاً من الرئيس الأمريكي عند طلب المشتكين، أمر بهيئة ثلاثية للقيام بتحقيق حول الأمر وتقديم نتائج التحقيق إليه، وكانت مهمة هذه اللجنة الثلاثية، التحقيق حول إنه هل تحرك المسلمين على السجون وهداية السجناء إلى الإسلام يهدد أمن أمريكا، ويشكل خطراً على أمنها أم لا؟

فكانت نتائج التحقيق التي قدمتها اللجنة إلى الرئيس ملخصة في: إنه لم يكن تبليغ المسلمين الإسلام في السجون يشكل خطراً على أمن أمريكا أبداً، بل إن له التأثير الكبير في إصلاح نفوس السجناء، ورجوعهم عن العنف والإرهاب إلى الرفق واللين، مما يزيد أمن البلاد واستقراره، ولما قرأ الرئيس تقرير لجنة التحقيق ردّ شكوى الكنيسة والقساوسة وقال في جوابهم: إن الذي يهمنا هو: حفظ الأمن واستقرار الدولة، وتبليغ الإسلام في السجونلا يشكل خطراً على أمننا واستقرارنا.

ص: 75

الإسلام يفتح طريقه بين اليهوديات

وقرأت أخيراً تقريراً في مجلة تصدر وتنشر في الغرب - أرسلها لي بعض الأصدقاء - وكان التقرير يقول: إن بعض النساء اليهوديات في إسرائيل عدلن عن اليهودية إلى الإسلام، فقامت حكومة إسرائيل بالتحقيق معهن، والتحري عن أسباب عدولهن عن اليهودية، والعلل التي من أجلها اعتنقن الإسلام، فكان جوابهن:

لقد طالعنا أحكام الإسلام بالنسبة إلى المرأة وحقوقها، وحققنا في ذلك، فرأينا أن الإسلام يهتم بحقوق المرأة اهتماماً كبيراً ويحترمها احتراماً عظيماً، ويوفّر لها حقوقاً أكثر، ويضمن كرامتها ضماناً أكبر، فللمرأة في الإسلام حقوق لا يعطيها مثلها أي دين ومبدأ آخر، أماالمرأة في غير الإسلام فهي ليست أكثر من متاع تجاري ينتفع به التجار ويستدرّ عبرها الأرباح، أو لعبة تزيينية تتقاذفها اللحظات والنظرات وتتناوشها الهمسات واللمسات، إضافة إلى أنه ليس للنساء في غير الإسلام اطمئنان روحي، ولا أمان جسمي، بينما الإسلام يوفّر للمرأة في ظله كل ذلك، ولهذا تركنا اليهودية واعتنقنا الإسلام.

وجاء في آخر هذا التقرير: أن الحكومة الإسرائيلية قلقة جداً في انتشار الإسلام بين اليهود في إسرائيل.

استنتاج

ومن هذين المطلبين يظهر بوضوح: إن الإسلام على ما أنزله اللّه تعالى في الكتاب، وبيّنه الرسول(صلی الله علیه و آله) والأئمة المعصومين من أهل

ص: 76

بيته(علیهم السلام) في السنّة، لو تعرف عليه الناس وعلموا به، لأثر أثراً كبيراً في أعماقهم، ولحوّلهم إليه،ولجعلهم يؤمنون به، ويسلّمون له تسليماً.

وهذا مما يضاعف مسؤولياتنا تجاه الإسلام، وتجاه نشره.

وعليه: فلابدّ لنا اليوم من الاهتمام الأكثر بتبليغ الإسلام وإيصاله إلى كل الناس وفي كل المعمورة.

ولنكن على اطمئنان من مخارج تبليغنا، ووثوق من تأثير عملنا هذا، فإنه سوف يأتي بنتائجه الطيبة، وثمراته اليانعة، حين يدخل الناس في دين اللّه أفواجاً، ويسعدوا في دنياهم وآخرتهم.

من أساليب التبليغ

وإن من الأمور التي تساعد على وصول الإسلام إلى كل الناس وانتشاره في الأرض هو: الطبع والنشر، فإن طبع الكتب في هذا المجال ونشرها في مقادير كبيرة وكميات عالية، وبألسنة مختلفة، له تأثير كبير في هداية الناس إلى الإسلام، وتوفقهم لاعتناقه.كما إن تأسيس منظمة عالمية لها شعب في كافة بلدان العالم، وفروع في كل مناطق الدنيا، تقوم في كل فروعها وشعبها بإقامة مؤتمرات حول الإسلام وإلقاء محاضرات قوية وصائبة فيها، وفتح مراكز للحوار الحرّ، والمناظرات الأمينة والمسؤولة حول أحكام الإسلام وقوانينه الحكيمة، واستخدام كل وسائل الإعلام الحديثة ك(الإنترنت)، وغيرها في إيصالها وإبلاغها إلى الناس، له تأثير كبير أيضاً في هداية الناس إلى الإسلام.

ص: 77

كما إن علينا أن نعرّف الناس الواجهة الحقيقية للأمويين والعباسيين والعثمانيين ومن أشبههم، ونطلعهم على إن الإسلام كان في معزل عنهم وبريئاً منهم ومن تصرفاتهم، كما إن الرسول(صلی الله علیه و آله) اليوم هو في معزل عن حكام البلاد الإسلامية وحكومتها، وإن اشتهرت بالإسلامية كما اشتهرت تلك، وبريئاً منها ومن تصرفاتها، فإنها اليوم تتشدّق بالإسلام، ولكنها تحت غطاء هذا الاسم المقدس، كم جنوا من جناية؟ وكم أجرموا من إجرام؟ إنهم يفسدون في الأرض ويجنون على البلاد والعباد ويجعلونه على حساب الإسلام، وهذا هو ذنب لا يغفر، لأنه تشويه للإسلام الحنيف، وتمويه لمعالمه الناصعة.

والمدقق في الأمور يرى أن هذه الحكومات كأنها قد جاءت باسم الإسلام لأداء هذه المهمة الخطيرة، مهمة: تشويه الإسلام وتنفير الناس عنه، وإلاّ فلماذا ينسبون تخلفاتهم المخزية، وجناياتهم البربرية، إلى الإسلام مع أن الإسلام بريء منها أشد البراءة؟

وكيف كان: فإنه يجب علينا القيام بالتبليغ، واتباع كل أساليبه، والتعريف بالإسلام على صورته التي أنزلها اللّه فيكتابه، وبلّغها رسوله(صلی الله علیه و آله)، وعرّفها الأئمة المعصومون من أهل البيت(علیهم السلام) إلى الناس، وعند ذاك سوف نرى الاستقبال الواسع من الناس للإسلام، والدخول فيه، والاهتداء بنوره، ونيل السعادة بسببه.

الحوزات العلمية ومهمتها

ومن المواضيع المهمة التي ينبغي التوجه إليها والاهتمام بها: هو

ص: 78

فيما يخص الحوزات العلمية المتواجدة في النجف الأشرف، وكربلاء المقدسة، وقم المشرفة، ومشهد المبجلّة، وأصفهان وغيرها من البلاد الإسلامية، فإن عليها جميعاً الاهتمام بأمر التبليغ والمبلغين.

كما إن على رجال الدين السفر إلى أقصى المعمورة، وكل أطراف الأرض، لتبليغ الإسلام فيها، وهداية الناس إليه.

وهناك إحصائيات تقول: إن للبابا يوحنا الثاني - قائدالمسيحيين الكاثوليك - في أفريقيا وحدها مليون وخمس مائة ألف مؤسّسة تبشيرية، تبلّغ للمسيحية وتدعو الناس إليه، إضافة إلى أن هناك أربعة ملايين ومائة ألف مبلغ مسيحي بين راهب وراهبة يعملون تحت إشراف البابا بالأمور التبشيرية، ويدعون الناس في مختلف أنحاء العالم إلى المسيحية.

وبالمقارنة بين عدد مبلّغيهم ومؤسساتهم التبشيرية، مع عدد مبلغينا ومؤسساتنا التبليغية يظهر الفرق شاسعاً وكبيراً، ويتضح لنا ضرورة اهتمام الحوزات العلمية ورجال الدين الأفاضل بمهمة التبليغ، ووجوب درج مسألة التبليغ والمبلغين في رأس قائمة أعمال الحوزات، وفي مقدمة اهتمام رجال الدين.

المؤسسات والجمعيات الخيرية

اشارة

ومن المواضيع المهمة التي يجب على المسلمين الانتباهإليه، والاهتمام به: هو متابعة الوضع المأساوي للمسلمين في كل العالم، ودراسة مأساتهم المدمرة، والمطالبة بحقهم في كل المنظمات

ص: 79

والمؤسسات الحقوقية، وإبلاغ مظلوميتهم إلى سمع الأحرار من الناس، وصوتهم إلى آذان كل من له وجدان وضمير.

وهذا بحاجة إلى تأسيس منظمات ومؤسسات، وأحزاب وتجمعات حقوقية، وجمعيات خيرية نشطة، تعمل على نطاق واسع، وبشكل مكثّف، وبصورة متواصلة، وعلى كل الأصعدة، لتستطيع من إيصال مظلومية المسلمين في كل المجالات: السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، وغيرها إلى كل العالم والمطالبة بحقوقهم، ومن تقديم الإسعافات الأولية والحاجات الضرورية إليهم.قال رسول اللّه(صلی الله علیه و آله): «يد اللّه على الجماعة»(1)،

فإن كل عمل كثرت عليه الأيدي سهل وهان، ومن المعلوم، أن المشكلات الكبيرة والكثيرة التي ابتلي بها المسلمون اليوم، لا يمكن لفرد واحد، ولا لأفراد قليلين حلّها وتجاوزها والغلبة عليها.

بل لابدّ من جمعيات خيرية ومؤسسات إصلاحية، في كل ثغر ومكان، وفي كل مدينة وقرية، والتنسيق فيما بينهم، والعمل على هدف واحد، ووتيرة واحدة، حتى يستطيعوا من إنجاز بعض مهامهم الإنسانية العظيمة، التي من جملتها: إيصال مظلومية المسلمين إلى كل العالم، ومساعدة الفقراء والمعوزين منهم، وتزويج العزاب منهم شباناً وشابات، وتأسيس المكتبات العامة ومحلات بيعالكتب، وإنشاء مراكز ثقافية وتعليمية وغير ذلك.

ص: 80


1- الفصول المختارة: 237.

على المسلمين استعادة مؤسّساتهم

وفي بعض التقارير: إن في أمريكا وحدها، مليوناً ومائتين وخمسين ألفاً من المؤسّسات الاجتماعية والسياسية وغيرها، باسم مختلف الجمعيات، والهيئات، والأحزاب، والمنظمات، وغير ذلك، وهي تعمل جميعاً وعلى كل الأصعدة، وفي جميع المجالات: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية لحل مشاكلهم وتطور بلادهم.

وهذا أمر لابدّ منه في البلاد الإسلامية، فإن المسلمين الأوائل كانوا هم أساس هذه المؤسسات والجمعيات الخيرية، وعلى المسلمين اليوم جميعاً الاهتمام به، وتأسيس كل هذه المؤسسات والجمعيات، واستعادتها في حياتهم، ليحلوا بها مشاكل المسلمين، ويقدموا لهم الخدمات الإنسانية اللائقة بهم.

الإمام الحسين(علیه السلام) والشعائر الحسينية

اشارة

ومن المواضيع المهمة جداً، ولعلّه هو أهم المواضيع كلها، موضوع استشهاد الإمام الحسين(علیه السلام) والشعائر الحسينية، فلقد صرّح في هذا المجال أحد القساوسة الكبار قائلاً: لو كان لنا نحن المسيحيين الإمام الحسين لاستطعنا أن ننصّر العالم كله تحت رايته.

وهذا التعبير إن دل على شيء، فإنه يدل على مدى فاعلية قضية الإمام

ص: 81

الحسين(علیه السلام) والشعائر الحسينية في النفوس، وتأثيرها على الأرواح والقلوب، وقدرتها على استعطاف الناس واستهواء الجماهير.

وهذا التعبير هو تعبير عن الحقيقة والواقع، فإن قضية الإمام الحسين(علیه السلام) والشعائر الحسينية هي كذلك في الواقع الخارجي، بل أكثر من ذلك، وقد تلمّس هذا القسّالواقع الخارجي وتحسّسه بقلبه ومشاعره ثم فاه بهذه الكلمة وصرّح بهذا التعبير، فإن صاحب هذا التعبير لم يكن إنساناً مسلماً حتى يتهم بالغلو وجرّ النار إلى قرصه، ولا إنساناً جاهلاً حتى يقذف بأنه كلام إنسان جاهل لا يعرف الموازين، بل هو كلام قسّ من قساوسة المسيحيين متعصب ومتحمس للمسيحية والمسيح(علیه السلام)، ألا ترى أن المسيح(علیه السلام) الذي يقول اللّه تعالى عنه: «وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ»(1) كيف يفترض المسيحيون له مظلومية واهية، ويمثلون مظلوميته في شعار (الصليب) ويملئون كل العالم بشعارهم هذا؟

نعم علينا أن نعرِّف عظمة الإمام الحسين(علیه السلام) ومظلوميته، وأهمية الشعائر الحسينية، ونؤدي حقها الواجب عليناتجاهها، وأن لا نكون بالنسبة إليها أقل مما هو عليه المسيحيون بالنسبة إلى السيد المسيح(علیه السلام).

الحداد على الإمام الحسين(علیه السلام)

نعم علينا أن نهتم بكل ما يرتبط بالإمام الحسين(علیه السلام)، ويرتبط بالشعائر الحسينية ارتباطاً ما، من ارتداء الملابس السود، وتغطية الجدران والشوارع والبيوت والمساجد والحسينيات وغيرها بالسواد،

ص: 82


1- سورة النساء، الآية: 157.

ورفع الأعلام السود فيها علامة للحزن والحداد على الإمام الحسين(علیه السلام)، إلى إقامة المجالس، ومختلف مواكب العزاء، مما قد تعارف بين الناس من الشعائر الحسينية.

بل وأكثر من ذلك، علينا أن نسعى في تعميم هذه الشعائر في كل العالم وعبر كل وسائل البث المتطورة، والإعلام الجديد والحديث، كيف لا نسعى لذلك وفي الزيادة: «اقيمت لك الماتم في أعلى عليين ولطمت عليك الحور العين وبكت السماء وسكانها والجنان وخزانها...»(1).

مع المنبر الحسيني

إذن: فعلينا أن نبذل جهدنا في إقامة الشعائر الحسينية بشكل أحسن، وبصورة أكبر، وبشمولية أوسع، وأن نعتني بمجالس العزاء والمنبر الحسيني عناية كبرى، ونرفع من كمّها وكيفها باستمرار ودوام، وذلك بأن نقيم المجالس إقامة حسنة، وأن نراعي فيها الكيفية المطلوبة لدى الناس، وخاصة ما يفيد الشباب والناشئة، وأن ندعو الخطباء البارعين، والمبلغين الحسينيين المبرزين، لإدارة المنبر والخطابة في الناس، وإلقاء المحاضرات المفيدة والقوية عليهم، متضمنة متطلبات العصر، وملبّية لحاجيات المجتمع، ومتفاعلة مع النفوس والقلوب، والأفكاروالعواطف.

فإن في سيرة أهل البيت(علیهم السلام) وسنة رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) وكتاب اللّه عزّ

ص: 83


1- المزار الكبير لابن المشهدي: 506.

وجلّ ما يروي العطشان الضامي ويشبع السغبان الجائع.

إن فيها الدنيا والآخرة، والعقل والعاطفة، والقوة والمنطق، والميزان والحكمة، والسلم والسلام، والتعاون والتعاطف، والألفة والمحبة، والتقدم والرقي، والرفعة والازدهار.

وبكلمة واحدة فيها كل ما يحتاجه الإنسان في مسيرته الإنسانية، ورحلته التكاملية وحياته اليومية، من سلامة روحه وجسمه، وسعادة حياته، ورغد عيشه، وأمن سفره وحضره، وصلاح دنياه وآخرته.

لكن على الخطيب البارع، والمبلّغ الجامع، أن يستخرج كل هذه الكنوز والدفائن، ويتعرف على ما يتطلبه المجتمع وما يحتاج إليه، ثم يطرح شيئاً من ذلك الكنز على ساحة الأفكار والآراء، وفي معرض الأسماع والأبصار ما ليأخذه منها كل واحد منهم حاجته، وليقتطف من ثمارها ما يعجبه، وبذلك نكون قد أدّينا واجب المجلس، وقمنا بمسؤولية المنبر، ولصار هذا سبباً لالتفاف الناس حول المجلس والمنبر، واعتنائهم بهما أكثر فأكثر.

مجالس العزاء وآثارها الطيبة

وإني لأتذكر جيداً مجالس كربلاء المقدسة ومنابرها الحسينية، فقد كان يقام فيها وفي كل ليلة - أحياناً - ما يقرب من مائتي مجلس، وإن الناس الذين كانوا يحضرون في تلك المجالس، ويتربّون على مائدة الإمام الحسين(علیه السلام) المعنوية والفكرية، والدينية والعقائدية، أصبحوا فيما بعد منمؤسّسي الحسينيات والمساجد والمكتبات والهيئات

ص: 84

والمؤسسات الخيرية في كل مكان حلّوا ونزلوا.

إذن: فلابدّ لنا من الاعتقاد بأن إقامة مجالس العزاء على الإمام الحسين(علیه السلام) والشعائر الحسينية، إضافة إلى الأجر والثواب الجزيل الذي فيه، يكون مفيداً لنا في إصلاح دنيانا، ومفيداً لنا في إصلاح آخرتنا.

في ضيافة الإمام الحسين(علیه السلام)

وهنا لا بأس بذكر قصة اتفقت في مدينة قم المقدسة، وذلك قبل عدة أعوام لنعرف شيئاً من فوائد هذه المجالس الحسينية.

إن أحد علماء طهران ممن كان يهتم كثيراً بمجالس الإمام الحسين(علیه السلام) ويتحمّس للشعائر الحسينية، ويشجّع الآخرين على تأسيس المجالس والمواكب وإقامة هذه الشعائر، كان قدأوصى إلى أولاده بأن يدفنوه في كربلاء المقدسة حين ما مات.

فلما توفي هذا العالم وأراد أولاده العمل بوصيته، صادفهم الاختلاف الموجود بين إيران والعراق، وغلق الحدود المصطنعة فيما بينهم، بحيث لم يسمح لأحد الذهاب إلى العتبات المقدسة في العراق، ولا إلى دفن موتاهم هناك، فتشاور الأولاد فيما بينهم في قصة دفن أبيهم، وقالوا: بما أنا لم نقدر على تنفيذ وصية والدنا، فعلينا أن ندفنه في بلد مقدس آخر عند جوار واحد من أهل البيت(علیهم السلام)، فإما أن ندفنه في مشهد الإمام الرضا(علیه السلام) في خراسان، أو في جوار مرقد السيدة فاطمة المعصومة(علیها السلام) في مدينة قم.

ص: 85

وبعد التشاور اتفق رأيهم على أن يدفنوه في قم المقدسة، وذلك لأنه أقرب إلى طهران، ويمكنهم زيارته والحضور على قبره للفاتحة أكثر مما لو دفنوه في غيرها. فجاءوا بجثمان أبيهم ذلك العالم الحسيني إلى قم ودفنوه في إحدى مقابرها.

ومن المتعارف لدى الناس أنهم يزورون موتاهم ويحضرون على قبورهم لقراء الفاتحة على أرواحهم في اليوم الثالث من موتهم، وكذلك في اليوم السابع من وفاتهم، وهذا المتعارف مأخوذ من الروايات، ففي الروايات على ما في كتاب (لئالي الأخبار) وغيره من مصادر الحديث: أن روح الميت بعد مفارقته للجسد، يعود إلى زيارة الجسد في القبر عدّة مرات، في اليوم الثالث، وفي اليوم الخامس - وهذا اليوم لم يتعارف فيه زيارة الموتى عند الناس - وفي اليوم السابع(1).

والظاهر أن عودة الروح إلى الجسم في القبر هو على نحو الشعاع مما يلائم عالم البرزخ، وليس عودة حقيقية كما في عالم الدنيا أو عالم الآخرة والقيامة(2)، فيقف على جسده ويرى ما حلّ به من التفسخ والتفكك، فيعز عليه ذلك ويتأثر بشدة لأنه كان مدة من الزمن مرافقاً له، فيخاطبه: أنت الذي لم تكن تتحمل أن يجلس التراب أو الذباب على وجهك وخدك، فكيف استسلمت لهذا البلاء؟ فهلا كنت قد أعددت لنفسك في الدنيا ما يدفع عنك في هذا اليوم هذه المكاره والشدائد؟

ص: 86


1- انظر لئالي الأخبار 4: 251.
2- انظر كتاب (موسوعة الفقه) المدخل، كتاب العقائد، للإمام الشيرازي(رحمة الله).

نعم هذه عادة متعارفة وعليه قامت الأدلة.وأسرة هذا العالم وأولاده كبقية الناس زاروا قبر أبيهم في اليوم السابع من وفاته حسب المتعارف، لكن الذي فاجأهم هو: أنهم رأوا جماعة غرباء لم يعرفوهم، قد جلسوا حول قبر والدهم، كجلوس أسرة الميت على قبر ميتهم، وقد اشتغلوا بقراءة الفاتحة وتوزيع الحلوى والفواكه على روح الميت، فتقدم أولاد ذلك العالم إلى أولئك الجالسين حول قبر والدهم وسألوهم قائلين: هل إنكم اشتبهتم حيث جلستم على هذا القبر؟

قالوا: لا.

قالوا: هل تعرفون صاحب هذا القبر معرفة صداقة أو قرابة أو جوار أو غير ذلك مما جعلكم من أجله تجلسون على قبره؟

قالوا: لا، ليست بيننا وبينه أية نسبة ولا صداقة ولا جوار.قالوا: فما هو سبب جلوسكم على قبره مع أنه ميتنا وليس بميتكم؟

قالوا، وهم يخاطبون أولاد العالم المتوفى: ما نسبتكم أنتم مع صاحب هذا القبر؟

قالوا: نحن أولاده وأسرته.

قالوا: إن لنا في ذلك قصة:

كان لنا والد توفي قبل اثني عشر عاماً وقد دفناه في هذه المقبرة، وحيث أنه لم يكن ملتزماً في دينه أيام الدنيا، كان معذباً في برزخه وقبره، ولذا كلما رأيناه في المنام وزرناه في عالم الرؤيا طيلة هذه السنوات، رأيناه في حالة يرثى له من الشدة والعذاب، إلى قبل ليلتين،

ص: 87

فقد رأيناه في المنام وهو بحالة جيدة ومرضية، يتوسط بستاناً جميلاً، فيه أنواع الفواكه والطيور، محفوفاً بالأشجار، تجري من تحتها العيون والأنهار، فتعجبنا من ذلك وسألناه عن حاله وعن تغيّرأوضاعه بعد مرور اثني عشر عاماً، ورجوناه أن يخبرنا عن سببه، وإنه هل كان السبب الخيرات التي كنا نبعثها على روحه، أو شيء آخر؟

فأجاب قائلاً: إن الخيرات كانت مفيدة ومؤثرة، لكن الذي سبب نجاتنا، وهيأ لنا هذه النعم، وعفى اللّه عن سيئاتنا التي ارتكبناها في الدنيا هو موت أحد العلماء ودفنه في هذه المقبرة، وأشار إلى هذا القبر الذي نحن الآن جلوس عنده. ثم قال: فمن اليوم الذي دفن هذا العالم هنا، رفع اللّه عنا العذاب ببركة الإمام الحسين(علیه السلام)، فإنه(علیه السلام) جاء إلى زيارة هذا العالم، وعندما دخل هذه المقبرة أمر اللّه برفع العذاب عن جميع أهل هذه المقبرة المدفونين فيها احتراماً لقدوم الإمام الحسين(علیه السلام)، وأجّل حسابنا إلى يوم القيامة.

ثم أضافوا قائلين: ونحن لمّا عرفناه بأن صاحب هذا القبرقد صار سبباً لرفع العذاب عن أبينا، أقبلنا إلى زيارته وقراءة الفاتحة على روحه تقديراً وشكراً له على ذلك.

الإمام الحسين(علیه السلام) يكافئ معزّيه

وفي هذا الباب قصص أخرى كثيرة، وكلها تؤكد على أن من يقوم ولو بخدمة بسيطة في مجالس الإمام الحسين(علیه السلام) وفي إقامة الشعائر الحسينية، فإنها تقع مقبولة ومقدرة عند سيد شباب أهل الجنة الإمام

ص: 88

الحسين(علیه السلام)، وإنه يكافئ عليها، لأن اللّه تعالى أعطى الإمام الحسين(علیه السلام) ذلك وخوّله في المكافأة، فخدمة الإمام الحسين(علیه السلام) مفيدة للدنيا والآخرة.

نعم، إن واقعة كربلاء وقصة عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين(علیه السلام) يلزم أن تبقى حية وفاعلة، وحياتها وبقاؤها يكون بسبب المجالس والمنابر والشعائر الحسينية، ولذا ترى الحكومات الظالمة في البلاد الإسلامية وحتىالتي تدعي الإسلام منها، تحارب الشعائر الحسينية خوفاً من الإطاحة بعرشها، وكثيراً ما تحاربها للقضاء على أصل الواقعة ودفن آثارها، ليصفى لها حكمها ويسلم لها عرشها.

الشعائر الحسينية وعزاء التطبير

ولأجل أن نعرف مدى أهمية الشعائر الحسينية ومجالس عزاء الإمام الحسين(علیه السلام)، لا بأس بالإشارة إلى هذه القصة التي اتفقت لي مع جماعة من شيعة الهند في قم المقدسة، وذلك قبل سنتين تقريباً، والقصة كالتالي:

زارني جماعة من مسلمي الهند قبل سنتين وكانوا جميعاً من الشباب والكملين الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والثلاثين والخامسة والأربعين سنة تقريباً، فسألتهم عن سبب مجيئهم إلى قم المقدسة.

فقالوا: جئنا للزيارة ونحن في طريقنا إلى العراق لزيارة الإمام الحسين(علیه السلام) وسائر الأعتاب المقدسة فيها.قلت: جيد جداً، وفقكم اللّه تعالى لذلك وتقبل منكم، ثم قلت لهم:

ص: 89

ولأي سبب جئتم لزيارتي؟

قالوا: سمعنا باسمك في الهند، فجئنا لنتعرف عليك من قريب.

قلت: طيب، جئتم أهلاً وسهلاً، ثم التفت إليهم وسألتهم: هل أنتم شيعة، أو من أبناء العامة؟ وذلك لأن من المتعارف عند أبناء العامة زيارة الإمام الحسين(علیه السلام) أيضاً، فإني لما كنت في كربلاء المقدسة كنت أرى أن أبناء العامة أيضاً يأتون إلى كربلاء ويزورون الإمام الحسين(علیه السلام)، لأن الإمام الحسين هو سيد شباب أهل الجنة(1)، كما قال في حقه جده رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)، وأبناء العامة يعترفون بذلك(2).فقالوا: نحن شيعة إن شاء اللّه تعالى؟

قلت: هل إنكم تنحدرون عن أصل شيعي، أو إنكم تشيعتم ولم يكن أحد من والديكم شيعة؟

فقالوا: لا، لم ننحدر من أصل شيعي، بل كنا من الهندوس وغير ذلك، ثم اخترنا التشيع وأصبحنا شيعة...

قلت: وما السبب في تشيعكم، ولماذا صرتم شيعة؟

فقالوا: نحن من بلاد متفرقة في الهند، فبعضنا من بمباي، وبعضنا من فيض آباد، وبعضنا من لكنهو وكلكته وغير ذلك، فبلادنا مختلفة، ولكن عامل تشيعنا واحد، فإن السبب الذي دعانا إلى أن نترك دين آبائنا، ونختار الإسلام ديناً، والتشيع مذهباً، هو: الإمام الحسين(علیه السلام).

ص: 90


1- الأمالي للشيخ الصدوق: 115.
2- انظر الكامل للجرجاني 2: 119؛ سير أعلام النبلاء 3: 282؛ الكامل في التاريخ 4: 62.

قلت: وكيف كان الإمام الحسين(علیه السلام) سبباً لهدايتكم جميعاً؟

قالوا: إن سبب هدايتنا ما رأيناه من موضوعين يرتبطان بالامام الحسين(علیه السلام)، أولهما: التطبير على الإمام الحسين(علیه السلام) فإن كثيراً من الناس غير المسلمين في بلادنا يسلمون ويشيعون على أثر مواكب التطبير.

قلت: وكيف كان عزاء التطبير على الإمام الحسين(علیه السلام) سبباً لهدايتكم؟

فقالوا: نحن كلنا من الطبقة المثقفة، بين مهندس وطبيب، ومحام، وأستاذ، وغير ذلك، وكل منّا يعلم بأن من يجرح إصبعه ويسيل منه شيء من الدم، عليه أن يضمد إصبعه ويداويه أسبوعاً كاملاً أحياناً، وعليه أن لا يقربه من الماء، وأن يحميه من كثير من الأمور، حتى يندمل جرح الإصبع، بينما نرى هؤلاء المطبّرين الذي جرحوا رؤوسهم بالقامات والسيوف باسم الإمام الحسين(علیه السلام) وشدخوا هاماتهمبها من أجله، نراهم وقد سالت الدماء من جراحات رأسهم وانفلاق هاماتهم، وغرقت بذلك ملابسهم وأكفانهم، ومع ذلك وبعد انتهاء عزاء التطبير، يذهبون إلى الحمامات ويغسلون رؤوسهم على ما بها من الجراحات الكثيرة بالماء فقط، ثم يأتون إلى صلاة الظهر والعصر فيصلونها جماعة، ثم يشتغلون بعد ذلك باللطم على الإمام الحسين(علیه السلام) والمشاركة في سائر الشعائر الحسينية، ويحضرون في المجالس، من دون أيّ معاناة أو مشكلة، أو أذى، حتى كأنه لم يكن منهم شيء من ذلك الذي كان من

ص: 91

سيلان الدم ومن الجراحات الكثيرة، أ فلا يكون ذلك معجزة من معجزات الإمام الحسين(علیه السلام)، وهذا هو الموضوع الأول الذي سبب هدايتنا وتشيعنا.

ثم قالوا: أن الموضوع الثاني الذي سبب هدايتنا إلىالإسلام، وأوجب تشرفنا بمذهب التشيع هو: عزاء الدخول في النار في يوم عاشوراء باسم الإمام الحسين(علیه السلام)، وهذا العزاء متعارف في بلاد الهند والباكستان وبعض بلاد أفريقيا.

قالوا: إنا رأينا بأم أعيننا مواكب المعزين رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، كيف يهتفون (يا حسين يا حسين) ويدخلون في نار لا يمكننا الاقتراب منها من شدة حرارتها وهم حفاة، ويتجاوزونها دون أن يحسّوا بألم النار ناهيك عن احتراق أرجلهم بها، أو احتراق جواربهم مثلاً؟

ثم أضافوا قائلين: هذان الموضوعان المرتبطان بالإمام الحسين(علیه السلام) سبب هدايتنا إلى دين جده فصرنا مسلمين، وإلى مذهب أهل البيت(علیهم السلام) فصرنا شيعة معتقدين بهم(علیهم السلام) وها نحن عازمين إلى زيارة الإمام الحسين(علیه السلام) في كربلاء المقدسة.

تقرير الإمام كاشف الغطاء(رحمة الله) عن عزاء التطبير

يقول الإمام كاشف الغطاء(رحمة الله): إني شاهدت في النجف الأشرف مواكب عزاء التطبير على الإمام الحسين(علیه السلام) في يوم عاشوراء مدة ستين عاماً، فلم أر حتى إنساناً واحداً طيلة هذه الأعوام يتضّرر من ذلك، أو يصيبه أذى.

ص: 92

هذا كلام الإمام كاشف الغطاء(رحمة الله)، وأنا أضيف إليه: إنني أيضاً رأيت مواكب عزاء التطبير ستين عاماً في كربلاء المقدسة وفي النجف الأشرف معاً وفي غيرهما من البلاد، ومع ذلك لم أر إنساناً واحداً يتأذى من التطبير، أو يتضرر به، بل على العكس من ذلك، فقد رأيت كثيراً من اللذين يطبرون مواساة للإمام الحسين(علیه السلام) في يوم عاشوراء وبهم أمراض مختلفة قد برؤوا من أمراضهم ببركة الإمام الحسين(علیه السلام)، وببركة ما أمر به النبي(صلی الله علیه و آله) من الحجامة على الرأس وسمّاها: المنقذة والمنجية، لأنها تنقذ من الموت وتنجيالإنسان منه(1)،

وقد ثبت في علم الطب: أن كثيراً من الأمراض تكون بسبب كثافة الدم وغلظته أو تخثّره، والحجامة بالرأس تدفعه، والتطبير على الإمام الحسين(علیه السلام) يكون في موضع الحجامة، فيجتمع ما أمر به النبي(صلی الله علیه و آله) مع ما يحبه(صلی الله علیه و آله) من المواساة لسبطه الشهيد الإمام الحسين(علیه السلام) زائداً إلى معجزة الإمام الحسين(علیه السلام) وعنايته لمن يواسونه في مصيبته، فينتج السلامة والهداية معاً.

الاشتراك في الشعائر توفيق إلهي

إن على المسلمين رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، شباباً وشيباً، أن يشتركوا كيف ما أمكنهم في مجالس الإمام الحسين(علیه السلام) ويهتموا بإقامة الشعائر الحسينية، وذلك لأن في واقعة كربلاء، وفاجعة الطف، كان قد اشترك إلى جانب الإمام الحسين(علیه السلام): الرجال والنساء والأطفال

ص: 93


1- انظر معاني الأخبار: 247.

والرضعان والشباب والشيوخ، مثل حبيب بن مظاهر الأسدي ومسلم بن عوسجة وغيرهم، وفي الحديث: ليبك الرجال على رجال الطف بكربلاء، وليبك النساء على نسائهم(1).

ولعل هذا لأجل أن النساء يدركن مصائب النساء أكثر من غيرهن، كما أن الرجال يدركون مصائب الرجال أكثر مما يدركه غيرهم، وهذا لا ينافي أن يبكي كل من الرجال والنساء على مصائب كل الرجال والنساء لواقعة الطف معاً، كما كانت سيرة الأئمة المعصومين(علیه السلام) جارية على ذلك.

ومعلوم أن للبكاء على الإمام الحسين(علیه السلام) أجراً جزيلاًوثواباً كبيراً، وفي الخبر: «من بكى، أو أبكى، أو تباكى، فله الجنة»(2).

ودخول الجنة يكون في البكاء على الإمام الحسين(علیه السلام) أو الإبكاء له أو التباكي عليه، مع شروطه طبعاً، ومن جملة شروطه: انسجام الباكي مع الإمام الحسين(علیه السلام) وتطبيق نفسه مع أهدافه الإنسانية الرفيعة، وذلك مثل أن نقول: الماء مطهّر، فإن الماء يكون مطهراً لكن بشروطه، فاليد التي انجمد عليها النجاسة، وتصلب عليها الدم مثلاً، لا تقبل التطهير مهما صب الماء عليها، بل لابدّ من إزالة النجاسة وغسل الدم أولاً ثم صب الماء على اليد فذلك الوقت يكون الماء مطهراً لها، وهكذا البكاء

ص: 94


1- انظر بحار الأنوار 44: 293، عن رسول اللّه(صلی الله علیه و آله): «يا فاطمة، إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجددون العزاء جيلاً بعد جيل في كل سنة...».
2- انظر بحار الأنوار 44: 288.

على الإمام الحسين(علیه السلام).نسأل اللّه تعالى أن يوفقنا جميعاً لأن نصلح دنيانا وآخرتنا في ظل تعاليم رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) وأهل بيته الطاهرين(علیهم السلام)، وأن يجعلنا من السعداء في الدنيا والآخرة.

اللّهم وفقنا لما تحب وترضى، وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

ص: 95

ص: 96

فهرس المصادر

1. القرآن الكريم.

2. نهج البلاغة، جَمَعَه الشريف الرضي، ت406ه ق، تحقيق صبحي صالح، هجرت، قم المقدسة، 1414ه ق.

3. إثبات الهداة، الشيخ الحر العاملي، ت1104ه ق، أعلمي، بيروت، 1425ه ق.

4. الأخبار الطوال، ابن قتيبة الدينوري، ت276ه ق، دار إحياء الكتب العربي، منشورات شريف الرضي، القاهرة، 1960م.

5. الإختصاص، الشيخ المفيد، ت413ه ق، مؤتمر ألفية الشيخ المفيد، قم المقدسة، 1413ه ق.

6. إرشاد القلوب، حسن بن محمد الديلمي، ت841ه ق، الشريف الرضي، قم المقدسة، 1412ه ق.

7. إعلام الورى، الشيخ فضل بن حسن الطبرسي، ت548ه ق، إسلامية، طهران، 1390ه ق.

8. الأمالي، إسماعيل بن القاسم القالي، ت356ه ق، منشورات المكتب الإسلامي.

9. الأمالي، الشيخ الصدوق، ت381ه ق، كتابچي، طهران، 1376ه ش.

ص: 97

10. الأمالي، الشيخ الطوسي، ت460ه ق، دار الثقافة، قم المقدسة، 1414ه ق.

11. الإمامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري، ت276ه ق، انتشارات شريف الرضي، قم المقدسة، 1413ه ق.

12. بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ت1110ه ق، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1403ه ق.

13. البداية والنهاية، ابن كثير، ت774ه ق، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1408ه ق.

14. تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ت القرن 4ه ق، جامعة المدرسين، قم المقدسة، 1404ه ق.

15. تفسير البيضاوي، عبد اللّه بن عمر البيضاوي، ت682ه ق، دار الفكر، بيروت.

16. تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام)، ورّام بن أبي فراس، ت605ه ق، مكتبة الفقيه، قم المقدسة، 1410ه ق.

17. تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ت460ه ق، دارالكتب الإسلامية، طهران، 1407ه ق.

18. روضة الواعظين، ابن فتال النيشابوري، ت508ه ق، انتشارات رضي، قم المقدسة، 1375ه ش.

19. سعد السعود، السيد ابن طاووس، ت664ه ق، دار الذخائر، قم المقدسة.

ص: 98

20. سير أعلام النبلاء، الذهبي، ت748ه ق، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1413ه ق.

21. شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي النجفي، ت1411ه ق، مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم المقدسة.

22. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي، ت656ه ق، مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم المقدسة، 1404ه ق.

23. الصراط المستقيم، علي بن محمد العاملي النباطي، ت877ه ق، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، 1384ه ق.

24. عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور، ت ما يقارب 880ه ق، دار سيد الشهداء(علیه السلام)، قم المقدسة، 1405ه ق.

25. عيون أخبار الرضا(علیه السلام)، الشيخ الصدوق، ت381ه ق، نشر جهان، طهران، 1378ه ق.

26. الفصول المختارة، الشيخ المفيد، ت413ه ق، مؤتمر ألفية الشيخ المفيد، قم المقدسة، 1413ه ق.

27. الفضائل، ابن شاذان القمي، ت حدد 600ه ق، رضي، قم المقدسة، 1363ه ش.

28. الكافي، الشيخ الكليني، ت329ه ق، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1407ه ق.

29. كامل الزيارات، ابن قولويه، ت367ه ق، دار المرتضوية، النجف الأشرف، 1356ه ش.

ص: 99

30.الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ت630ه ق، دار1. صادر - دار بيروت، 1386ه ق.

31. الكامل، عبد اللّه بن عدي الجرجاني، ت365ه ق، دار الفكر، بيروت، 1409ه ق.

32. كشف الغمة، علي بن عيسى الإربلي، ت692ه ق، بني هاشمي، تبريز، 1381ه ق.

33. لئالي الأخبار، محمد نبي بن أحمد التويسركاني، ت1321ه ق، مکتبة العلامة، قم المقدسة، 1415ه ق.

34. مثير الأحزان، ابن نما الحلي، ت645ه ق، مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف، قم المقدسة، 1406ه ق.

35. المزار الكبير، ابن المشهدي، ت610ه ق، جامعة المدرسين، قم المقدسة، 1419ه ق.

36. مستدرك الوسائل، الشيخ حسين النوري، ت1320ه ق، مؤسسة آل البيت(علیهم السلام)، قم المقدسة، 1408ه ق.

37. المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب(علیه السلام)، محمد بن جرير بن رستم الطبري، ت326ه ق، كوشانپور، قم المقدسة، 1415ه ق.

38. مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ت460ه ق، مؤسسة فقه الشيعة، بيروت، 1411ه ق.

39. معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ت381ه ق، جامعة المدرسين، قم المقدسة، 1403ه ق.

ص: 100

40. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ت381ه ق، جامعة المدرسين، قم المقدسة، 1413ه ق.

41. مناقب آل أبي طالب(علیهم السلام)، ابن شهر آشوب، ت588ه ق، علامة، قم المقدسة، 1379ه ق.

42. نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، حسين بن محمد الحلواني، ت القرن 5ه ق، مدرسة الإمام ا لمهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف ، قم المقدسة، 1408ه ق.

43. هداية الأمة، الشيخ الحر العاملي، ت1104ه ق، آستانة الرضوية المقدسة، مشهد المقدس، 1414ه ق.

ص: 101

فهرس المحتويات

رؤى عن نهضة الإمام الحسين(علیه السلام)

ثورة الإمام الحسين(علیه السلام) وأهدافها..... 7

العلم بالشهادة... 9

العالم الإسلامي ومشاكله الحاضرة.. 14

1- الأمة الواحدة..... 15

2- الأخوة الإسلامية.... 17

3- الحرية الإسلامية... 20

4- الشورى الإسلامية... 22

كيفية التطبيق.... 23

الشعائر الحسينية... 25

الإمام الحسين(علیه السلام) مصباح الهدى

المقدمة... 31

مصيبة الحسين(علیه السلام)... 34

محرّم شهر الحسين(علیه السلام)... 35

أبعاد الشعائر الدينية.... 35

البُعد الأول.... 35

البُعد الثاني..... 35

البُعد الثالث..... 38

ص: 101

اليقظة الإسلامية..... 39

والبرامج هي كالتالي.... 40

الهدف الرئيسي للإمام الحسين(علیه السلام).... 42

منهج اللاعنف..... 43

أصول الثورة..... 46

ملامح الحكومة الإسلامية المرتقبة.. 48

حكومة الشعب... 48

التعددية... 49

الكفاءات... 51

تقدّم البلاد.... 52

استرجاع البلاد الضائعة..... 52

الإخلاص في العمل..... 53

عاشوراء والقرآن المهجور

المحرم وواجبنا تجاهه..... 60

تطبيق القوانين الإسلامية... 60

آية الحريات الإسلامية.... 61

آية الأخوة الإيمانية..... 62

شواهد ونماذج.... 64

آية الأمة الواحدة.... 66

رفع الحواجز النفسية... 66

إلغاء الحدود الجغرافية... 67

رفض الجواز والجنسية... 67

تطبيق سائر القوانين الإسلامية.... 68

ص: 101

قانون الشورى..... 68

قانون حيازة المباحات... 70

قانون السبق... 71

هداية غير المسلمين إلى الإسلام.... 72

رسالة الإسلام رسالة عالمية..... 73

تحرك المسلمين لهداية الغربيين 74

الإسلام يفتح طريقه بين اليهوديات... 76

استنتاج.... 76

من أساليب التبليغ..... 77

الحوزات العلمية ومهمتها..... 78

المؤسسات والجمعيات الخيرية..... 79

على المسلمين استعادة مؤسّساتهم... 81

الإمام الحسين(علیه السلام) والشعائر الحسينية 81

الحداد على الإمام الحسين(علیه السلام)..... 82

مع المنبر الحسيني... 83

مجالس العزاء وآثارها الطيبة... 84

في ضيافة الإمام الحسين(علیه السلام).... 85

الإمام الحسين(علیه السلام) يكافئ معزّيه.... 88

الشعائر الحسينية وعزاء التطبير... 89

تقرير الإمام كاشف الغطاء(رحمة الله) عن عزاء التطبير... 92

الاشتراك في الشعائر توفيق إلهي 93

فهرس المصادر.... 97

فهرس المحتويات ... 102

ص: 101

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.