بطاقة تعريف: الحسیني الشیرازي، السیدمحمد، 1307 - 1380.
عنوان واسم المؤلف: شعاع من نورالزهرا علیهاالسلام: مقدمه من فقه الزهرا علیهاالسلام/ السیدمحمد الحسیني الشیرازي.
تفاصيل المنشور: قم : دارالعلم، 1400.
مواصفات المظهر: 56 ص.؛ 5/14×5/21 س م.
ISBN : 978-964-204-639-3
حالة الاستماع: فیپا
لسان : العربية.
ملحوظة: ببليوغرافيا مع ترجمة.
عنوان آخر : مقدمه من فقه الزهرا علیهاالسلام.
موضوع : فاطمه زهرا (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11ق.
موضوع : Fatimah Zahra, The Saint
ترتيب الكونجرس: BP27/2
تصنيف ديوي: 297/973
رقم الببليوغرافيا الوطنية: 8661396
معلومات التسجيلة الببليوغرافية: فیپا
ص: 1
شعاع من نور الزهراء (علیها السلام)
مقدمة من فقه الزهراء(علیها السلام)
-----------------
المرجع الديني الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمة الله)
الناشر: دار العلم
المطبوع: 5000
المطبعة: إحسان
الطبعة: الثانية - 1443ه
إخراج: نهضة الله العظيمي
---------------------------------
شابك 3-639-204-964-978
---------------------------------
النجف الأشرف: مكتبة الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام) للطلب 07826265250
كربلاء المقدسة: شارع الإمام علي(علیه السلام)، مكتبة الإمام الحسين(علیه السلام) التخصصية
مشهد المقدسة: مدرسة الإمام الرضا(علیه السلام)، جهارراه شهدا، شارع بهجت، فرع 5
طهران: شارع انقلاب، شارع 12 فروردين، مجتمع ناشران، الطابق الأرضي، الرقم 16 و 18، دار العلمقم
المقدسة: شارع معلم، دوار روح الله، أول فرع 19، دار العلم
قم المقدسة: شارع معلم، مجتمع ناشران، الطابق الأرضي، الرقم 7، دار العلم
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين، وصلى اللّه على محمّد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين
ص: 3
بسم اللّه الرحمن الرحيم
السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة
السلام عليك أيتها الرضية المرضية
السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية
السلام عليك أيتها الحوراء الإنسية
السلام عليك أيتها التقية النقية
السلام عليك أيتها المحدثة العليمة
السلام عليك أيتها المظلومة المغصوبة
السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة
السلام عليك يا فاطمة بنت رسول اللّه
ورحمة اللّه وبركاته
البلد الأمين: 278؛ مصباح المتهجد 2: 711؛ بحار الأنوار 97: 195
ص: 4
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين، وصلى اللّه على محمّد وآله الطيبين الطاهرين، سيما المحدّثة العليمة، التقيّة النقيّة، الرضيّة المرضيّة، الصدّيقة الكبرى، فاطمة الزهراء صلوات اللّه عليها، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
إن سيدة النساء فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها مجهولةٌ قدراً، ومهضومةٌ حقاً، ولعلّ من مصاديق مجهولية قدرها: عدمَ الاستفادة من كلماتها وخطبها في الفقه، وعدمَ إدراجها ضمن الأدلة أو المؤيّدات التي يُعتمد عليها في استنباط الأحكام الشرعية، ولذلك فقد استعنتُ بالباري جل وعلا في الكتابة حول ذلك(1) رجاءَ
ص: 5
المثوبة، وأداءً لبعض الواجب، واللّه الموفِّق.
والروايات المذكورة في هذا الكتاب بعضها صحيح من حيث السند، وبعضها حسن أو موثّق، وبعضها الآخر وإن لم يطلق عليها ذلك اصطلاحاً - حسب ما جرى عليه علماء الدراية والرجال - إلاّ أن الغالب منها قد ورد في باب المستحبات والآداب، مما يشمله حديث: «من بلغه...»(1)، وغيره.
بالإضافة إلى الشواهد الكثيرة المؤيّدة لها في الآيات والروايات الأُخر، وهي قرينة خارجية، إضافة على قوة المضمون في بعضها - وهي قرينة داخلية - مما يجعل للأحكام المذكورة قوة، بحيث تصلح للاستدلال بها أو لاعتبارها مؤيّداً على الأقل، كماأن بعضها يؤيّد بنحو الملاكات(2).
وقد ذكرنا في بعض المباحث(3)
أن الحجية قد تكون من جهة تمامية السند بمقتضى بناء العقلاء والآيات والروايات، ومنها: قوله(علیه السلام): «لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك في ما يرويه عنا ثقاتنا»(4)، الحديث.
ص: 6
وقد تكون من جهة قوة المتن، مما تكون دليلاً على الورود عنهم(علیهم السلام) وإن لم يكن قوي السند، لبناء العقلاء أيضاً، ولشمول ملاك «ثقاتنا» له(1).
وقد تكون من جهة قوة المؤلّف، في ما كان بناء العقلاء الاعتماد على إسناده أو أفاد الاطمئنان وذلك كالشريف الرضي(رحمة الله)، ونحننرى حجية نهج البلاغة وإن لم يتسلسل إسناد العديد من الخطب والكلمات الواردة فيها، لمجموعة من القرائن الخارجية والداخلية.
وقد تكون من جهة القرائن الخارجية(2)، كما ذكر ذلك العديد من علماء الأصول.
وقد تكون من جهة الشهرة المضمونية، لشمول قوله(علیه السلام): «خذ بما اشتهر بين أصحابك(3)...
فإن المجمع عليه لا ريب فيه»(4).
وربما يُقال بالحجية، أو يتعامل مع الحديث التعامل مع الحجة من حيث ترتيب الآثار أو بعضها - على تفصيل مذكور في الفقه
ص: 7
والأصول - من جهة التسامح في أدلة السنن.
وقد كتبنا حول هذه القاعدةرسالة مستقلة(1)
أدرجناها في شرح الرسائل للشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره).
أما سند حديث الكساء: فقد رواه والدي(رحمة الله) في رسالة مخطوطة له بسند صحيح متصل الإسناد، وكل واحد منهم من الأعلام(2).
وكذلك سند خطبتها عليها الصلاة والسلام، فقد رُويت بما لا يدع للشك مجالاً، كما لا يخفى على من راجع ذلك في مظانِّه، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى.
بالإضافة على انطباق مضمونها مع الآيات والروايات ووجود القرائن الداخلية والخارجية.
ص: 8
ومن نافلة القول في المقام الإشارة إلى أننا لم نقم في هذا الكتاب إلاّ بالإلماع إلى هذا البُعد الفقهي مع شيء موجز من الشرح والتوضيح، وإلاّ فهي صلوات اللّه عليها أعلى وأجلّ من أن أتمكن أنا الفقير العاجز عن ذكر بعض ما يليق بمن دارت على معرفتها القرون الأولى(1)، ومن هي قطب دائرة الإمكان، كما دل على ذلك قوله تعالى في حديث الكساء: «فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها».
فإن مكانتها وعظمتها صلوات اللّه عليها لا يمكن أن يستوعبها أيّ واحد من المخلوقات إلاّالنبي(صلی الله علیه و آله) والوصي(علیه السلام)؛ فإن الضيق لا يمكن أن يحيط بالواسع، وأنى للذرة أن تحيط بالمجرة؟! وأنى للمغرفة أن تستوعب المحيط؟!
كما قالوا بالنسبة إلى استحالة إدراكنا للّه سبحانه؛ لأن اللامتناهي يستحيل أن يحيط به المتناهي المحدود أو يدرك كنهه، ولا شك أنهم(علیهم السلام) ليسوا كاللّه سبحانه في اللاتناهي واللامحدودية إلاّ أنه
ص: 9
لا شك أنهم(علیهم السلام) أوسع من الناس الضيقين، بما قد يُلغي النسبة بين الطرفين ويجعلها أبعد من نسبة القطرة إلى المحيطات، وقد «سميت فاطمة؛ لأن الخلق فُطموا عن معرفتها» كما في الحديث الشريف(1).
فإنها عليها الصلاة والسلام أفضل من الأنبياء كافة(2)باستثناء الرسول(صلی الله علیه و آله) كما دلت على ذلك أدلة متعددة، وسيأتي ذلك.
وهي عليها الصلاة والسلام حُجّة على كل أولادها الأئمة الطاهرين(علیهم السلام) وهم(علیهم السلام) أفضل من الأنبياء والملائكة(علیهم السلام) كافة، ولذا قال الإمام العسكري(علیه السلام): «وهي حجة علينا»(3)، وقال الإمام الحجة(عجل الله تعالی فرجه الشریف): «وفي ابنة رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) لي أسوةٌ حسنة»(4)،
وقد قال الإمام الحسين(علیه السلام): «أُمي خيرٌ مني»(5).
ولها(علیها السلام) الولاية التكوينية بتفويض اللّه سبحانه لها، كتفويضه الولاية لهم(علیهم السلام).أما كونها(علیها السلام) كسائرهم(علیهم السلام) في حجية قولها وفعلها وتقريرها، فمما قام عليه الإجماع، بالإضافة إلى الأدلة الثلاثة الأُخر،
ص: 10
وسنذكر شيئاً من الأدلة على ما لهم(علیهم السلام) من الولاية التكوينية والتشريعية، كما نشير إلى بعض مصاديقها حسب ما ذكرناه في كتاب البيع من الفقه(1).
إن الصديقة الطاهرة(علیها السلام) كسائر المعصومين(علیهم السلام) لها الولاية التكوينية والتشريعية، وهي صلوات اللّه عليها وكذلك سائر أهل البيت(علیهم السلام) قد جعلهم اللّه الوسائط في خلق العالم، والعلة الغائية له(2)،
كما أنهاوأنهم(علیهم السلام) سبب لطف اللّه تعالى وإفاضته على العالم، واستمرار قيام العالم بها(علیها السلام) وبهم(علیهم السلام)، وقد صُرح بذلك في الأدلة الشرعية(3)، فلولاهم لساخت الأرض(4)، وكونهم(علیهم السلام) سبب القيام، كما أن الجاذبية والقوة الطاردة أو العناصر الأربعة سبب القيام المادي بحيث لولاها لساخت الأرض وانهدم العالم.
ص: 11
وكونهم(علیهم السلام) واسطة الفيض كما في حديث الكساء(1) وغيره، وأنه لولاهم لم يجر فيض اللّه سبحانه على هذا العالم القائم فرضاً.
كما أنها صلوات اللّه عليها تعلم الغيب كسائر المعصومين(علیهم السلام) حسب مشيئته سبحانه.
ولها ولهم(علیهم السلام) الولايات التكوينية، ومعناها: إن زمام العالم بأيديهم(علیهم السلام)، ومنهم فاطمة سلام اللّه عليها حسب جعل اللّه سبحانه، كما أن زمام الإماتة بيد عزرائيل، فلهم(علیهم السلام) التصرف فيه إيجاداً وإعداماً.
لكن من الواضح أن قلوبهم(علیهم السلام) أوعية مشيئة اللّه تعالى(2)، فكما منح اللّه سبحانه القدرة للإنسان على الأفعال الاختيارية، منحهم(علیهم السلام) القدرة على التصرف في الكون.
وما نذكره يشمل كل المعصومين(علیهم السلام)، فإن كل الصلاحيات التي كانت للأنبياء(علیهم السلام) ثابتةللمعصومين(علیهم السلام) أيضاً؛ لأنهم أفضل منهم(علیهم السلام) وفاطمة صلوات اللّه عليها أفضل من جميع الأنبياء(علیهم السلام) إلاّ الرسول(صلی الله علیه و آله)؛ لأنها سلام اللّه عليها بضعة منه(3)، لا البضعة
ص: 12
المادية فقط، بل المعنوية أيضاً؛ إذ لا يترتب على المادية تلك الآثار التي رتبها الرسول(صلی الله علیه و آله) عليها، وإذا كان(صلی الله علیه و آله) أفضل جميع الأنبياء(علیهم السلام) فبضعته(علیها السلام) كذلك، فتأمل.
وهناك روايات عديدة يمكن القول بأنها متواترة ولو إجمالاً، ومحتفة بالقرائن المعتبرة تدل على أفضليتها صلوات اللّه عليها من جميع الأنبياء(علیهم السلام) إلاّ الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله) وهي على طوائف:فمنها: ما دل على كون طاعتها(علیها السلام) مفروضة على جميع الخلائق والأنبياء(علیهم السلام).
فعن أبي جعفر الباقر(علیه السلام): «ولقد كانت(علیها السلام) مفروضة الطاعة على جميع من خلق اللّه من الجن والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة...»(1).
ومنها: ما دل على اطلاع اللّه تعالى على الخلق واختيارهم.
فقد قال الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله) لعلي(علیه السلام): «إن اللّه عزوجل أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين، ثم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين، ثم اطلع الثالثة فاختار الأئمة من وُلدِك على رجال العالمين، ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين»(2)، مع ملاحظة وحدة السياق معه(صلی الله علیه و آله) مما يفيد
ص: 13
عمومية الأفضلية من كل الأنبياء(علیهم السلام)، وبضميمه ما دل على أنها(علیها السلام) أفضل من أبنائها(علیهم السلام).
وفي كمال الدين: «... ثم اطلع إلى الأرض اطلاعة ثالثة فاختاركِ وولديكِ...»(1).
ونظيره قوله تعالى: «... يا محمد، إني خلقتك وخلقتُ علياً وفاطمة والحسن والحسين من سنخ نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرضين، فمن قبلهما كان عندي من المؤمنين...»(2)،
ووحدة السياق معه(صلی الله علیه و آله) والإطلاق يفيد المطلوب.
ومنها: ما دل بالصراحة على الأفضلية، مثلاً قوله(صلی الله علیه و آله): «ما تكاملت النبوة لنبي حتى أقر بفضلها ومحبتها»(3)،
فتأمل.وكذلك الأحاديث الدالة على أنه لولا أن اللّه تعالى خلق أمير المؤمنين(علیه السلام) لم يكن لفاطمة(علیها السلام) كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه، وهي عديدة(4).
ومنها: ما يدل بالالتزام على الأفضلية، مثل:
ص: 14
فمثلاً قال رسول اللّه(صلی الله علیه و آله): «ليلة عُرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً: لا إله إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه، علي حبيب اللّه، والحسن والحسين صفوة اللّه، فاطمة خيرة اللّه، على باغضهم لعنة اللّه»(1).
وقال(صلی الله علیه و آله): «أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين كنا في سرادق العرش نسبح اللّه، فسبحت الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق اللّه عزوجل آدم بألفي عام، فلماخلق اللّه عزوجل آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له ولم يؤمروا بالسجود إلاّ لأجلنا...»(2).
وقال(صلی الله علیه و آله): «لما خلق اللّه إبراهيم كشف له عن بصره فنظر في جانب العرش نوراً فقال: إلهي وسيدي ما هذا النور؟
قال: يا إبراهيم، هذا نور محمّد صفوتي.
قال: إلهي وسيدي وأرى نوراً إلى جانبه؟
قال: يا إبراهيم، هذا نور علي ناصر ديني.
قال: إلهي وسيدي وأرى نوراً ثالثاً يلي النورين؟
قال: يا إبراهيم، هذا نور فاطمة تلي أباها وبعلها...»(3).
ص: 15
فعن الإمام الصادق(علیه السلام) قال رسول اللّه(صلی الله علیه و آله): «خلق نورفاطمة(علیها السلام) قبل أن تخلق الأرض والسماء... خلقها اللّه عزوجل من نوره قبل أن يخلق آدم...»(1).
حيث: «... سمّر(علیه السلام) المسامير كلها في السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير، فضرب بيده إلى مسمار منها فأشرق في يده وأضاء كما يضيء الكوكب الدري في أُفق السماء... »، وكان المسمار الأوّل باسم الرسول(صلی الله علیه و آله) والثاني باسم الإمام علي(علیه السلام) والبقية باسم السيدة الزهراء(علیها السلام) والحسنين(علیهما السلام)، ثم قال(صلی الله علیه و آله): «ولولانا ما سارت السفينة بأهلها»(2).
فمثلاً: ورد عن الإمام الحجة(عجل الله تعالی فرجه الشریف): إن زكريا(علیه السلام) سأل ربه أن يعلمه الأسماء الخمسة، الحديث(3).
وكذلك ما ورد عن الإمام الباقر(علیه السلام) في قوله تعالى: «وَلَقَدۡ
ص: 16
عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ»(1): «كلمات في محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم»(2).
مثل قوله(صلی الله علیه و آله): «... والذي بعثني بالحق إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلاّ صعق، فينادي إليها: أن يا جهنم يقول لكِ الجبار: اسكني بعزي واستقريحتى تجوز فاطمة بنت محمد(صلی الله علیه و آله) إلى الجنان...»(3).
مثل ما دل على أفضليتها(علیها السلام) من الأئمة(علیهم السلام) كقول الإمام الحسين(علیه السلام): «أُمي خير مني»(4)،
وغير ذلك.
وسائر الأئمة(علیهم السلام) أيضاً كذلك، فهم(علیهم السلام) في الأفضلية سواء من هذه الجهة(5)، ويؤيّده روايات مثل صلاة عيسى(علیه السلام) خلف الإمام المهدي(عجل الله تعالی فرجه الشریف)(6).
ص: 17
وقد دل القرآن العظيم علىثبوت الولاية التكوينية لعدة من الأنبياء(علیهم السلام) وغيرهم، فتثبت لها صلوات اللّه عليها ولسائر أهل البيت(علیهم السلام) بطريق أولى: كقصة آصف وعرش بلقيس(1)، وسليمان(علیه السلام) والريح والشياطين وغيرهم(2)، وقصة الجبال والطير مع داوود(علیه السلام)(3)، وقصة عيسى(علیه السلام) وتكلمه في المهد(4)،
وإبرائه الأكمه والأبرص، وإحيائه الموتى، وخلقه الطير(5)،
إلى غيرها مما ورد في القرآن الكريم.
وقد وردت طائفة كبيرة منها في السنة المطهرة.
بل من أطاع اللّه تعالى إطاعة كاملةً يكون قادراً على العديد من ذلك كرامةً، كسلمان(رحمة الله)الذي تكلم مع الميت(6)،
وزينب(علیها السلام) بنت الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) التي أومأت إلى الناس - في سوق الكوفة - فهدأت الأصوات وسكنت الأجراس(7)، وغيرهما.
ص: 18
كما أن الأنبياء والأئمة عليهم الصلاة والسلام يأتون بها معجزة أو خرقاً للعادة، ويطلق على أحدهم الخارق باعتبار خرقه سنن الكون الأوّلية بأمر خالقه سبحانه.
وفي الحديث: «أطعني تكن مثلي»(1)
- على وزن حبر أو فرس - والأوّل معناه اسم المصدر والثاني المصدر من قبيل شِبه وشَبه وحُسن وحَسن.
والمثل يطلق على - وينسب إلى - التابع وعلى المتبوع أو المشابه، مثل: «مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةٖ»(2) وقد يستعمل في المتبوع مثل«وَجَعَلۡنَٰهُ مَثَلا لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ»(3)، فإن معناه الشبه تابعاً أو متبوعاً.
ومن الواضح: إن قدرتهم(علیهم السلام) التكوينية ليست ذاتية من عند أنفسهم، بل هي منحة اللّه تعالى وعطاؤه لهم(علیهم السلام)، ولذا قال سبحانه: «قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي نَفۡعا وَلَا ضَرًّا»(4)، فقدرتهم(علیهم السلام) في طول قدرة اللّه سبحانه وحاصلة بإرادته تعالى، ولذا لا ينافي علمهم(علیهم السلام) بالغيب حسب «إِلَّا مَنِ ٱرۡتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ»(5) عدم علمهم(علیهم السلام) الذاتي حسب قوله سبحانه: «وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَيۡرِ وَمَا
ص: 19
مَسَّنِيَ ٱلسُّوٓءُۚ»(1)، فهما كالشفاعة، لا يملكها أحد بذاته«قُل لِّلَّهِ ٱلشَّفَٰعَةُ جَمِيعاۖ»(2)، وإن ملكها غير واحد فهو بأمره سبحانه «وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ»(3).
فقوله: «تكن مثلي» لا ينافي «فَلَا تَضۡرِبُواْ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَۚ»(4)، و«لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ»(5) ف- «مثلي» طولي لا عرضي، وفي بعض الأمور بقرينة الوضوح، والذيل: «أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء...»(6)،
فإن الخبر يعمّم ويخصّص الموضوع، كالعكس.
أما ما سبق من كونهم(علیهم السلام) بما فيهم فاطمة صلوات اللّه عليها علة غائية للتكوين، فلأدلة ومؤيّدات عديدة، منها: ما ورد من: «ما خلقت سماءً مبنيةً... إلاّ لأجل هؤلاء الخمسة»(7)،
وفي حديث آخر: «لولاك لما خلقت الأفلاك،ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»(8).
ص: 20
ولعل الوجه في ذلك أن عدم خلق الكمال من جميع الحيثيات، مع خلق ما عداه دليل على عدم قدرة الخالق أو بخُله، تعالى عن ذلك علواً كبيراً، فلولاهم(علیهم السلام) كان الخلق على خلاف الحكمة.
وقد ذهب بعض العلماء، إلى كونهم(علیهم السلام) العلة حدوثاً، بمعنى أن الكون منهم ككون الوفاة من عزرائيل، وعن الإمام المهدي(عجل الله تعالی فرجه الشریف): «نحن صنائع ربنا والخلق بعدُ صنائعنا»(1).
ص: 21
ص: 22
ص: 23
وأما كونهم(علیهم السلام) علته(1) بقاءً؛ فلأن البقاء بحاجة إلى استمرار العلة، كالمصباح حيث إن دوامه بحاجة إلى الاتصال المستمر بالقوة الكهربائية، وهم بإرادة اللّه وفي طوله تعالى علةٌ كما أن الكهرباء بإرادته تعالى وفي طوله علة للإنارة.
وقد قيل للصادق(علیه السلام): اللّه بمقدوره أن يخلق الكون الباقي أبداً في أقل من الساعة(2)
فلا عمل له سبحانه بعد ذلك، كما قالت اليهود «يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ»(3) فأجاب - ما معناه -: بأن الكون قائم به سبحانه على سبيل الاستمرار.
فالكون بالنسبة إليه كالصور الذهنية بالنسبة إلينا بحيث إن مجرد
ص: 24
عدم الالتفات يوجب انعدامها، ولذا ورد: «لو لاالحجة لساخت»(1)،
والمراد الانعدام لا الانهدام، فليس من قبيل انهدام الكون إذا فقدت الجاذبية.
وفي دعاء رجب: «فبكم يجبر المهيض، ويشفى المريض، وما تزداد الأرحام وما تغيض»(2)،
إلى غير ذلك مما دل على هذه المراتب الثلاثة في الولاية التكوينية.
وكذلك لفاطمة صلوات اللّه عليها الولاية التشريعية؛ إذ هم(علیهم السلام) علة التشريع، فإن علة الملازم علةٌ للملازم الآخر، وعلة الملزوم علةٌ للازمه أيضاً، مثل كون علة وجود الكتب المتعددة علة وجود الزوجية أو الفردية التي هي وصف لتلك الكتب؛ إذ التشريع من لوازم التكوين - بالمعنى الأعم - .
إضافةً إلى ما ورد من:«إنهم(علیهم السلام) نور واحد»(3)، وما ورد من: «إن فاطمة(علیها السلام) حجة علينا»(4)، وغير ذلك.
كما أنهم(علیهم السلام) علة فعلية التشريع وبقاء التشريع، حيث إن الدين
ص: 25
باق بصورة أو أخرى، فلا يقال لدين موسى(علیه السلام) مثلاً: لم يبق بقول مطلق؛ إذ جوهر الدين بقي بصورة أخرى في زمن عيسى(علیه السلام)، وزمن الرسول(صلی الله علیه و آله) «قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ»(1).
لا يقال: كيف يجمع بين تشريعهم(علیهم السلام) المستفاد من «ففوض إليه دينه»(2)،
ومِن «المفوض إليه دين اللّه»(3)، ومِن سنة النبي(صلی الله علیه و آله) في قبالفرض اللّه، وبين «مَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ»(4) المراد به الأعم من القول والفعل والتقرير، ولذا ورد «هَٰذَا كِتَٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيۡكُم»(5) فإن كل مظهر نطق، مثل: «يُسَبِّحُ لِلَّهِ»(6) المراد به التكوين أو اللسان أو بُعد آخر لا تدركه عقولنا؟
لأنه يقال: إن قلوبهم(علیهم السلام) أوعية مشيئة اللّه سبحانه، كما أن اللّه ينبت لكن محل إنباته الأرض أو الرحم كما قال: «وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنا»(7).
ص: 26
ثم إن اللّه سبحانه نسب الأمور التكوينية تارة إلى نفسه، وأخرى إليهم(علیهم السلام)، وثالثة إليهما: فمرة قال تعالى: «وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ»(1)، وتارة قالسبحانه: «ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجا مِّمَّا قَضَيۡتَ»(2)، وقال تعالى ثالثة: «رَضُواْ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ»(3)، «سَيُؤۡتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَرَسُولُهُۥٓ»(4) - ماضياً ومستقبلاً - كما استدل بها الصادق(علیه السلام) على أبي حنيفة الذي قال: أشركت باللّه(5).
فمعنى أنهم(علیهم السلام) المكوِّنين بأمره تعالى، وبأنهم(علیهم السلام) مجرى إرادته وأوعية مشيئته، مثل أن عزرائيل(علیه السلام) يُميت بأمره سبحانه وإرادته، وإسرافيل(علیه السلام) ينفخ، وجبرائيل(علیه السلام) ينزل الوحي،وميكائيل(علیه السلام) يقسم الرزق، وهكذا، ومن المعلوم أن المعصومين(علیهم السلام) جميعاً أفضل من الملائكة، ولذا سجدت الملائكة لآدم(علیه السلام)، وهم(علیهم السلام) أفضل من آدم(علیه السلام).
ص: 27
وكشاهد على ما نحن فيه ترى في القرآن الكريم يقول سبحانه تارة: «ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ»(1)، وأخرى: «يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ»(2)، وثالثة: «تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا»(3).
فالثالث(4)
في طول الثاني الذي هو طول اللّه سبحانه.
ثم إنه يدل على ولايتها(علیها السلام) خصوصاً، أو ضمن سائرالمعصومين(علیهم السلام) أدلة كثيرة، وقد سبق أو سيأتي بعضها كدليلٍ أو مؤيّد، منها:
قوله(علیه السلام): «فاطمة حجة اللّه علينا»(5).
و: حديث الكساء، كما سيأتي بيان ذلك.
وقوله(صلی الله علیه و آله): «لولا علي لما كان لفاطمة كفؤ آدم فمن دونه»(6).
وما دل على تساويها(علیها السلام) مع الإمام علي(علیه السلام).
وما دل على الأفضلية من الأنبياء(علیهم السلام)، مع قيام الأدلة على
ص: 28
ثبوت الولاية لهم(علیهم السلام) - على درجات - .
والأولوية القطعية من أمثال: «عبدي أطعني تكن مثلي»(1).
وقوله(علیه السلام): «الخلق بعدُصنائعنا»(2).
و: «فبكم يجبر المهيض ويُشفى المريض وما تزداد الأرحام وما تغيض»(3).
و: «فوّض إليه دينه»(4).
و: «كونهم(علیهم السلام) أوعية لمشيئة اللّه»(5).
و: صدور الخوارق منهم.
و: التوقيع المروي عن صاحب الزمان(عجل الله تعالی فرجه الشریف) كما سيأتي(6).
إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة.
كما يدل على ولايتهم(علیهم السلام) عموماً قوله تعالى: «ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ»(7).
بالإضافة إلى الآيات والرواياتالمتواترات؛ لما قد ثبت من
ص: 29
أنهم(علیهم السلام) نور واحد، وأن لأوّلهم ما لآخرهم كما في الروايات(1)،
وقال سبحانه: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ»(2) الآية، فهم(علیهم السلام) كالنبي(صلی الله علیه و آله) في مرتبة الولاية وإن اختلفوا في مراتب الفضل، فبعد الرسول(صلی الله علیه و آله) عليٌ(علیه السلام) وبعده أو مقارناً له - كما يظهر من جملة من الأحاديث - فاطمة(علیها السلام)، ثم الحسن(علیه السلام)، ثم الحسين(علیه السلام)، ثم القائم(علیه السلام)، ثم الأئمة الثمانية(علیهم السلام) قبله، كما يظهر من الأحاديث.
وهل المراد الأولوية التكوينية؟(3)
أو في صورة التدافع؟ أو أن له(صلی الله علیه و آله) سلطة فوق سلطة الإنسان، كما في سلطة اللّه تعالى على السيد المسلّط على العبد؟ أو الحكومة؟ أو الثلاثة الأخيرة؟ أو الخمسة جميعاً؛ لجامع السلطوية، فليس من استعمال اللفظ في أكثر من معنى؟
احتمالات، وإن كان بعضها أقرب.
ص: 30
نعم، إذا كان أولى بمعنى التفضيل العرفي، يكون الثاني فقط، لكنه خلاف الظاهر حيث الاحتفاف بالقرائن الداخلية والخارجية، فتأمل.
والظاهر أن لهم(علیهم السلام) سلطة الهدم، كما لهم سلطة البناء، من قبيل الزوج الذي له سلطة النكاح والطلاق، أو الشركة حيثالعقد الجائز للشريك كلاهما(1)،
بخلاف مثل البيع اللازم حيث البناء فقط، ومثل ثالثٍ جُعِلَ الخيار بيده حيث له الهدم فقط.
فكما أنه سبحانه له حق طلاق نساء الناس أو تزويجهنّ ولو بدون رغبتهم، كذلك لهم(علیهم السلام) هذا الحق خلافةً منه تعالى، لكن من الواضح أنهم(علیهم السلام) في طوله سبحانه، وأنهم(علیهم السلام) أوعية مشيئته(2) كما تقدم، وإن كانوا(علیهم السلام) لا يقومون بإعمال أمثال هذه القدرة عادةً، كما سيأتي.
ثم إن التفويض التكويني إليهم(علیهم السلام) هو بالمعنى الذي ذكرناه، ودل عليه النص مثل: «في ما إليكم التفويض وعليكم التعويض»(3)
ص: 31
والإجماع.والتشريعي أيضاً كما ذكرناه، ودل عليه: «المفوض إليه دين اللّه»(1)، و«أنَّ اللّه أدَّب نبيه بآدابه ففوّض إليه دينه»(2)،
إلى غيرها من الروايات المتواترة.
وفي قباله تفويضان باطلان:
الأوّل: عزل اللّه سبحانه عن أيّ شيء، وإنما يكون كمن أشغل مصنعاً وفوضه إلى آخر واعتزل هو عن العمل إطلاقاً، وهذا يخالفه النص والإجماع، بل الكتاب والعقل أيضاً.
الثاني: تفويض الأمور وتركها وسائر الكون لا إلى أحد، بأن يكون اللّه سبحانه قد خلق الكون وهو يدور بنفسه، كمن يشغل مصنعاً ويتركه يدور بدون قيام أحد مقامه، وهذا هو الذي قالته اليهود مما ذكره سبحانه: «وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْۘ»(3).
وهذا التفويض الباطل بالمعنىالثاني هو نقطة النقيض لفكرة الجبر التي تقول: إن اللّه سبحانه يفعل كل شيء، بينما الأوّل بمعنى أنه تعالى لا يفعل أيّ شيء، والحقيقة أنه أمر بين الأمرين(4)،
ص: 32
فالآلات منه سبحانه والعمل من الإنسان ولذا يُثاب ويُعاقب.
ولما سبق من أن اللّه سبحانه جعل بيدهم(علیهم السلام) الكون، تصدر منهم(علیهم السلام) الخوارق معجزة وكرامة، بما أنهم أوعية مشيئة اللّه تعالى، وكذلك ما سبق من أنه تعالى فوض إليهم(علیهم السلام) التشريع كما ورد: «المفوَّض إليه دين اللّه»(1).
والأوّل يشمل: الهدم والبناء، كإماتة الإمام الرضا(علیه السلام) الساحر(2)،
وإحياء عيسى(علیه السلام)الأموات(3)،
والتبديل والتحويل، قال سبحانه: «فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا»(4)، ومن سنة اللّه جعله تعالى التكوين والتشريع بأيديهم(علیهم السلام) وذلك كأن يجعل الشام عراقاً وبالعكس، وكأن يجعل الرجل امرأة وبالعكس، كما في قصة الإمام الحسن(علیه السلام)(5).
ص: 33
ولم نجد تصرفهم(علیهم السلام) في التشريع، وإن كان لهم صلاحية ذلك، ولعلّ السبب في ذلك أن لا يتخذ الحكّام ذلك ذريعةً للتصرف في الأحكام، وبالرغم من ذلك ترى الحكّام قد تصرفوا في أحكام اللّهتعالى كما في المتعتين(1)،
وكما في صلاة التمام في عرفات(2) وغير ذلك، فكيف بما إذا كانوا يرون الرسول(صلی الله علیه و آله) يفعل ذلك، ولذا قالوا باستحباب البول في المزبلة لكذب نسبوه إلى النبي(صلی الله علیه و آله)(3).
ومما تقدم ثبتت الولاية بمعانيها السبعة: كونهم(علیهم السلام) للتكوين علة، وطريقاً كطريقية عزرائيل للموت، وأنه قائم بهم(علیهم السلام)، وكذلك التشريع: علة، وطريقاً، وقياماً، بإضافة أن لهم(علیهم السلام) الحكومة، حيث لا تلازم بين الأخير وسائر أقسام التشريع.
ويؤيد ذلك - بل يدل عليه - التوقيع المروي عن صاحب الزمانأرواحنا فداه في دعائه:
ص: 34
«أسألك بما نطق فيهم من مشيتك، فجعلتهم معادن لكلماتك، وأركاناً لتوحيدك وآياتك، ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان، يعرفك بها من عرفك، لا فرق بينك وبينها إلاّ أنهم عبادك وخلقك، فتقها ورقتها بيدك، بدؤها منك وعودها إليك، أعضاد وأشهاد، ومناة وأذواد، وحفظة ورواد، فبهم ملأت سماءك وأرضك حتى ظهر أن لا إله إلاّ أنت»(1)، إلى آخر الدعاء.
و«مُناة»: - على وزن دُعاة جمع داعي - من منى اللّه تعالى فلاناً بخير، أي أعطاه له.
و«أذواد»: - جمع ذائد، كأصحاب جمع صاحب - من ذاد بمعنى طرد، فالمعنى: من ينال خيراً أو يطرد عن شيء لا يكون إلاّ بهم(علیهم السلام) لا علة بل فعلية.
وملأ السماء والأرض: كالشمس تملأ الكون وإن كان جسمها الظاهرصغيراً.
ولعلّ سرّ ورود الزيارة الجامعة والدعاءين لرجب عنهم(علیهم السلام) لبيان الطريق الوسط بين مادية الخلفاء الذين استهتروا فيها، وإفراط المتصوفة القائلين بوحدة الوجود أو الموجود في تلك الأزمنة المتأخرة.
ص: 35
ومن الواضح أن ظهور (لا إله إلاّ اللّه) بسببهم(علیهم السلام) من جهة امتلاء العالم بالشرك الوثني أو المسيحي أو اليهودي، بل والعامة القائلين بالتجسيم ونحوه، وقد قال علي(علیه السلام): «فمن وصف اللّه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزّأه»(1)،
الحديث.
ولا يخفي أن ما ذكرناه في الجملة، يظهر من مئات الآيات والروايات مما ذكر في مباحث أصول الدين، فراجع.
ثم إنهم(علیهم السلام) وهم أموات كالأحياء من جهة التكوين وجهة التشريع؛ لإطلاق الأدلة، إلاّ في الأمر السابع الذي هو فعلية الحكومة.
لا يقال: إنهم(علیهم السلام) كيف يتصرفون في التكوين وهم أموات؟
لأنه يقال: أوّلاً: لا موت(2) لهم(علیهم السلام) فإنهم «أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ»(3) وإنما بدّلوا الملبس، بل كل حي إذا مات كان كذلك، فقد خلقهم للبقاء لا للفناء، وقد قال الرسول(صلی الله علیه و آله) - لمن اعترض عليه حينما خاطب قتلى المشركين يوم بدر - : «ما أنت بأسمع
ص: 36
منهم»(1)،
وفي الزيارة: «وأنك حي»(2)، إلى غيرذلك.
وثانياً: على فرض كونهم(علیهم السلام) أمواتاً ما المانع من أن يعطي اللّه سبحانه للميت الحياة، كالرزق والشفاء وغير ذلك(3)؟!
وفي القرآن الحكيم: «وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ كُلَّ شَيۡءٍ حَيٍّۚ»(4)، ومن المعلوم أن الماء بالمعنى المتعارف ليس حياً فإن اللّه تعالى هو علة العلل، ولا فرق عنده في الإحياء بسببٍ بين أن يكون حياً أو ميتاً.
وفي آية أخرى: «يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ»(5)، وفي بقرة بني إسرائيل المذبوحة أنها سبّبت حياة المقتول(6)، كما سبّب أثر الرسولحياة عجل السامري(7)،
وكذلك رش الماء على الذين خرجوا من
ص: 37
ديارهم وهم ألوف فماتوا فعادوا أحياءً في قصة إرميا(1)،
المذكورات في القرآن الكريم.
ولذا لم تكن قصة البقرة مثلاً مجرد سرد تاريخ، بل لعبر، منها: أن اللّه سبحانه يحيي الميت من الميت، كما لم تكن آية النجوى(2) مجرد قصة منسوخة، بل لإفادة أن الناس - عادة - يقومون بأداء العبادات التيتتعلق بالجوارح، أما إذا وصل الأمر إلى المال ظهر عمق إيمانهم، فلا يقال: ما فائدة الآية المذكورة تتلى إلاّ فضيلة علي(علیه السلام).
ثم إن رفعة المعصوم(علیه السلام) أمر جوهري كرفعة الذهب على التراب، وقد دلت على ذلك الأدلة الأربعة.
والمراد بدلالة العقل: الدليل الإنِّي حيث يكشف أعمالهم عن
ص: 38
ذلك، واللِّمّي بالنسبة إلى الكبرى حيث إن القدرة المطلقة بدون محذور في الخلق يعطي خلق الأرفع أيضاً.
نعم، الانطباق على الأشخاص الخاصين - أي الصغرى - نقلي، قال سبحانه: «تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ»(1)، وقال تعالى: «ٱنظُرۡ كَيۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ»(2)، وقالسبحانه: «وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ»(3)، إلى غيرها من الآيات والروايات المتواترة، وقد دلت على ذلك الكرامات الخاصة أيضاً.
ولا يستشكل بأنه لو كان(4)
خَلَق زيداً أو عمرواً مثلهم لكان يستحق الدرجات الرفيعة؛ لوضوح أنه يلزم في الحكمة خلق كل مهية ممكنة لا محذور في خلقها، وإلاّ لزم العجز أو الجهل أو الخبث، تعالى عن ذلك علواً كبيراً(5).
نعم، ما في ذاته محذور عدم القابلية كخلق المتناقضين مثل أن يخلق شيئاً واحداً نملةً وفيلاً، أو زوجاً وفرداً، أو وجوداً وعدماً، أو ما هو خلاف المصلحة، لا يكون الأوّل للاستحالة الذاتية والثاني للاستحالة العرضية؛ إذ القبيح محال على الحكيم تعالى.
ص: 39
ثم إن القرآن الحكيم ذكر الأسوة برسول اللّه(صلی الله علیه و آله)(1)، وفي كلام علي(علیه السلام): «فتأسى متأسٍّ بنبيه وإلاّ فلا يأمن الهلكة»(2)، وفي الزيارات قد ورد التأسي بالأئمة(علیهم السلام) حجج اللّه تعالى، هذا في ما لم يكن من مناصبهم ومختصاتهم.
والظاهر أنه(صلی الله علیه و آله) تتوفر لديه وفي حيطته أمور ستة:
1. الأحكام الأوّلية: قولاً أو فعلاً أو تقريراً، كوجوب الصلاة وحرمة الخمر إلى سائر الأحكام التكليفية والوضعية، والمراد بها أعم مما ذكر، ومن مثل الصيام في الحضر والإفطار في السفر، فإن الثاني وإن كان ربما يقال له الحكم الثانوي باعتبار أن التشريع أوّلاً وبالذات هو الصيام، إلاّ أنهأيضاً حكم أوّلي باعتبار أن المكلف مخير بينهما، فهما موضوعان عرضيان.
2. الأحكام الثانوية: وهي الطولية، مثل أحكام الاضطرار ونحوها، والرسول(صلی الله علیه و آله) أسوة فيهما، كل في مورده، فقد اضطر الرسول(صلی الله علیه و آله) إلى الدخول إلى مكة بقوة السلاح، وإلى الصلاة جالساً في مرضه وهذا من مختصاته، كما أنه(صلی الله علیه و آله) لم يعمل حسب
ص: 40
«ما لا يعلمون»(1)،
وما «أخطأوا»، و«ما سهوا»، و«ما نسوا»؛ لأنه(صلی الله علیه و آله) منزه عنها.
أما إنه هل عَمِلَ حَسَب «ما أُكرهوا» بنفسه الشريفة(صلی الله علیه و آله)؟ فلم أجده.
والعامة يقولون: بالسهو والنسيان فيه(صلی الله علیه و آله) لكن إجماع الشيعة على خلاف ذلك، وكذلك العقل والنقل.3. الأمور العامة: كشرائه(صلی الله علیه و آله) ناقة، أو زواجه(صلی الله علیه و آله) من ثيّب عمرها كذا، وأكله(صلی الله علیه و آله) وشربه كذا، فإنه لا يلزم الاقتداء به(صلی الله علیه و آله) هاهنا بحيث إن التارك لا يأمن الهلكة.
نعم، إن عمله(صلی الله علیه و آله) يدل على الجواز، وقول بعض العامة القائلين باللزوم - ولذا قال بوجوب البول في المزبلة ولو في السنة مرة - باطل البناء والمبنى، ولذا لا يقولون بمثل ذلك في ما نسبوا إليه من حمله زوجته ونظرها إلى الطبالين(2)،
وهذا أيضاً باطل عندنا مفترىً عليه(صلی الله علیه و آله).
4. الحكوميات: التي هي عبارة عن تطبيقه(صلی الله علیه و آله) كبرى المصلحة على صغرى خارجية في شؤون الناس، كنصب أسامة أميراً، أو فلاناً والياً على البحرين، أوما أشبه ذلك، فإنه لا يجب على
ص: 41
علي(علیه السلام) في زمان حكومته أن يفعل ذلك بعينه، وإن فرض أن المنصوب بقي على العدالة.
5. التصرفات الولائية بالمعنى الأعم: فإنها وإن كانت جائزة له(صلی الله علیه و آله) خلافة عن اللّه سبحانه إلاّ أنا لم نجد أنه(صلی الله علیه و آله) عمل بها، كجعل حر عبداً أو عكسه، أو إبطال زواج أو جعله، أو إبطال ملك أو عكسه، إلى ما أشبه ذلك.
وروي تهديد علي(علیه السلام)(1) جعل الأحرار عبيداً في قصة طغيان الفرات(2)،
كما لم نجد مثل هذا التصرف عن الأئمة عليهم الصلاة والسلام.
وما ذكره بعضهم من قصة سمرة(3) وأن القلع كان بالولاية محل نظر، بل هو جائز حتى للفقيهحيث يلجؤه الأمر إلى ذلك، كما بيناه في الأصول(4) فإنه حكم قضائي في أمثال هذا التنازع.
6. الاختصاصات: كزواجه(صلی الله علیه و آله) أكثر من أربع، وغيره مما ذكره الشرائع(5) والجواهر(6)
وغيرهما في باب النكاح، وهي خاصة
ص: 42
به(صلی الله علیه و آله) وإن كان ربما يوجد نحو منه في بعض المعصومين(علیهم السلام) مثل: حرمة زواج علي(علیه السلام) امرأة مادامت فاطمة سلام اللّه عليها في بيته مما يكون من مختصات فاطمة سلام اللّه عليها وحرمة أن يخاطب غير علي(علیه السلام) بإمرة المؤمنين مما كان من خصائصه، وما يظهر من اختصاص بعض الأحكام بالإمام المهدي(عجل الله تعالی فرجه الشریف)، كما يظهر من بعض الأخبار.
ثم إنهم(علیهم السلام) ومنهم فاطمة صلوات اللّه عليها يحيطون علماً وقدرةً - بإذن اللّه تعالى - بالكائنات جميعاً إلاّ ما استثني(1)،
وقد تقدم في الزيارة الرجبية ما يدل على ذلك، كما في جملة من الأحاديث: «يعلمون ما كان وما يكون وما هو كائن»(2)، فإنه ليس بمحال عقلاً، ويشبه ذلك في الماديات الهواء والحرارة والجاذبية وغيرها، كما أن عزرائيل(علیه السلام) يحيط علماً وقدرةً في بُعْد الإماتة بكل إنسان، بل بالملائكة أيضاً، كما ورد في الأحاديث.
وقد قال اللّه سبحانه في إبراهيم(علیه السلام): «وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ»(3).
ص: 43
وفي يعقوب(علیه السلام): «وَلَمَّا فَصَلَتِٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ»(1).
وهم(علیهم السلام) أفضل من الملائكة والأنبياء(علیهم السلام)، كما دلت على ذلك النصوص وإجماعنا، وقد سبق الإشارة إلى ذلك.
وفي رسول الإسلام(صلی الله علیه و آله) قال اللّه تعالى: «إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدا وَمُبَشِّرا وَنَذِيرا * وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجا مُّنِيرا»(2) فإطلاق الشاهد(3) وقرينية إطلاق الصفات الأخرى يدل على العموم، ومن المعلوم أن الشاهد لا يكون إلاّ من حضر.
وقال سبحانه: «وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدا»(4)، ويؤيّده قوله تعالى بعد ذلك: «يَوۡمَئِذٖ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوۡ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضُ وَلَا يَكۡتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثا»(5).وفي الروايات: «لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات»(6)،
فإذا كان لبني آدم هذه القدرة - لولا المنع - فأهل البيت(علیهم السلام) أولى.
ص: 44
وتقول في تشهد الصلاة: «السلام عليك أيها النبي» وفيه ظهور الحضور، وفي الحديث: «نزهونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم»(1)،
حيث إن جماعة اتخذوهم(علیهم السلام) آلهة فنهوا عن ذلك، أما بَعد الألوهية ففيهم(علیهم السلام) كل خير، والتي منها عموم العلم والقدرة، وفي جملة من زيارات الحسين(علیه السلام)، كما في بعض فقرات الزيارة الجامعة دلالة على ذلك.
وما ورد من إبلاغ الملَك السلام إلى رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) لا ينافي ما تقدم، فهو كإبلاغ الملَكصحيفة الأعمال إليه سبحانه، وسؤالهم(علیهم السلام) عن أشياء كسؤال اللّه في قوله تعالى: «وَمَا تِلۡكَ بِيَمِينِكَ يَٰمُوسَىٰ»(2)، إلى غير ذلك، مما لا يخفى على من راجع الروايات المتواترة.
ثم الظاهر أن علمهم(علیهم السلام) الغيبي لا يؤثر في سلوكهم العملي:
فالحسن(علیه السلام) يشرب السم مع أنه لم يكن مجبوراً، والرسول(صلی الله علیه و آله) مضغ اللحم المسموم الذي أثر فيه، وأخيراً انتهى إلى الموت، وعلي(علیه السلام) كان يعلم بوقت موته، ومع ذلك خرج إلى المسجد مع
ص: 45
إمكانه أن يستنيب في صلاة الجماعة ذلك اليوم، أو يستصحب معه حراساً، أو يسجن ابن ملجم، أو يخرجه منالمسجد، أو يجعل عليه حراساً، أو ما أشبه ذلك.
أما القول بأنهم(علیهم السلام) لا يعلمون عند نزول الموت، أو أنهم مضطرون كما في دس هارون والمأمون السمّ إلى الإمامين الكاظم والرضا(علیهما السلام) أو ما أشبه ذلك من الأجوبة، فليست بمقنعة وخلاف ظاهر الأدلة.
بل لو كان العلم الغيبي يؤثر لما بكى الرسول(صلی الله علیه و آله) لفقد ولده إبراهيم، ولما بكى الحسين(علیه السلام) لفقد أولاده وأصحابه، مع أنهم(علیهم السلام) يعلمون بل ويرون انتقالهم إلى جنات النعيم، هل يبكي أحدنا لذهاب ولده إلى مكان حسن جداً وهو يراه عين اليقين؟ بل لم يكن يعقوب(علیه السلام) يبكي من فراق يوسف(علیه السلام) وهو يعلم أنه حي وسيرجع إليه بعد مدة ملكاً.
لا يقال: حتى على فرض موت يوسف(علیه السلام) فلماذا هذا البكاءمن يعقوب(علیه السلام) حتى ابيضت عيناه وخيف عليه أن يكون حَرضاً أو يكون من الهالكين؟
لأنه يقال: كما أن العيون والشمس منبع الماء والنور، كذلك جعل اللّه سبحانه للمعنويات منابع، فيعقوب(علیه السلام) منبع العاطفة ليتأس الناس به ويستمدونها منه، ولولا ذلك لم يكن لهم ما
ص: 46
يتأسون به.
فعلمهم الغيبي صلوات اللّه عليهم أجمعين لا يؤثر في عواطفهم الإنسانية كي يكونوا أسوة، وإلاّ لقال الناس أن علياً(علیه السلام) كان يخوض الحروب لعلمه بأنه لا يُقتل ونحن لا نعلم ذلك.
بل ميثم التمار جاء إلى الكوفة وقد كان يتمكن من الفرار من مكة إلى موضع لا يصله سلطان ابن زياد، إلى غيرها من الأمثلة الكثيرة.
وكذلك حال القدرة الغيبية؛ إذ لا يستعملونها إلاّ حال الإعجاز، فلقد كانوا قادرين على رفع الضيق عنهم وعن المؤمنين،فهم(علیهم السلام) - ولا مناقشة في المثال - كوكيل الإنسان الغني لا يتصرف في أمواله إلاّ بإذن الموكّل وإن كان قادراً على التصرف، واللّه سبحانه العالم.
ص: 47
وقد أشرنا أن إلى الأحكام التي ذكرت في الكتاب(1) مما يستفاد من كلماتها(علیها السلام) إنما ذكرناها بإيجاز، دون التطرق لمختلف الأدلة والأقوال وشبه ذلك، وإلاّ فالتفصيل يحتاج إلى مجلدات ضخمة، حسب قولهم(علیهم السلام): «علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع»(2)،
ولعلّ اللّه سبحانه يوفّق بعض مواليها(علیها السلام) من الفقهاء كي يتشرف بتفصيل ذلك، وهو المستعان.
ولا يخفى أن الأحكام التي استفدناها قد تستخرج استناداً إلى الدلالة المطابقية أو التضمنية أو الالتزامية، وقديتم استخراجها استناداً إلى دلالة الاقتضاء(3)، وربما الدلالة العرفية أيضاً، وإن لم
ص: 48
تكن من الأربع المذكورة. وربما كان الحكم أو العلم به منشأ لتعليل أو توضيح بعض كلماتها(علیها السلام)(1).
وقد استطردنا أحياناً إلى ذكر بعض الأمور الأُخَر، بالإضافة إلىالاعتقاديات وفلسفة الأحكام والأحكام الخمسة.
وهذا الكتاب يتطرق غالباً للحديث عما يستنبط من أقوالها(علیها السلام)، أما فعلها وتقريرها: فبحاجة إلى كتاب ضخم ويكفي أن نشير هنا إشارة عابرة إلى بعض النماذج من فعلها وسيرتها(علیها السلام).
ففي سيرة وحياة الزهراء(علیها السلام) مواضع كثيرة للتعلّم، إذا تعلمها المسلمون بل البشرية سعدوا في الدنيا قبل الآخرة وأسعدوا
ص: 49
الآخرين، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
زواجها الميمون، حيث زوّجها الرسول(صلی الله علیه و آله) في أوّل بلوغها(علیها السلام)(1).
وكذلك إذا زُوّجت البنات في أوائل البلوغ سعدن، وانقطعتإلى حد بعيد جذور الفساد في المجتمع؛ إذ معنى زواجهنّ في ذلك السن زواج الأولاد الذكور أيضاً في سن البلوغ، فلا ترغب النفس أو تهم بالحرام.
وقد رأينا جملة من العشائر في البلاد الإسلامية تجري على ذلك، وبذلك تشذ الجريمة وتتضاءل أرقامها إلى ما يقارب الصفر، بخلاف ما لو لم يتبع هذا المنهج حيث تتصاعد تصاعداً كبيراً، وذلك يؤدي إلى الأمراض والعُقَد النفسية والتوترات العصبية وهدم العوائل وكثرة المشاكل، إلى غيرها.
كما أن في الجهاز البسيط لزواجها صلوات اللّه عليها أكبر الدرس لتخفيف المهور والقناعة بالميسور، وقد قال(صلی الله علیه و آله): «أفضل نساء أمتي أصبحهن وجهاً(2)وأقلهن مهراً»(3)،
وقال(صلی الله علیه و آله):
ص: 50
«القناعة مال لا ينفد»(1)، وعن علي(علیه السلام): «لا كنز أغنى من القناعة»(2).
وذلك من أسرار السعادة وتحرّك الشباب بشكل أكثر جدية نحو الأمام، فإن الزوجين يتعاونان على التقدم في الحياة - بعد الزواج - إلى الأمام، وربما يكون ذلك مما يوضح بعض السر في قوله تعالى: «إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ»(3)، بينما غلاء المهور وتعقيد مقدمات وبرامج الزواج وزيادة التشريفات يوجب التأخير في الزواج، أو يؤدي بالكثير إلى البقاء عزاباً وعوانس مدى الحياة بما يستلزم ذلك من أضرار وأخطار.
وكذلك إدارتها صلوات اللّه عليهالشؤون البيت، حيث فُوِّضت إليها الأمور الداخلية، والخارجية إلى علي(علیه السلام)(4)؛ فإنها توجب الراحة النفسية والصحة الجسدية؛ إذ إن الأعمال الشاقة - وإن كانت مقرونة بالتعب والنصب - توجب الصحة والسلامة، بينما الراحة والدعة تؤديان إلى مختلف الأمراض.
ومما يؤيّد هذا المعنى هو أن التاريخ - حسب الاستقراء الناقص -
ص: 51
لم يسجل لها صلوات اللّه عليها تمرضاً إلاّ مرة واحدة(1).
أما مرضها الأخير فهو وليد الصدمة التي تعرضت لها بين الحائط والباب والتي انتهت إلى شهادتها ووفاتها صلوات اللّه عليها.
ولعلّه لأجل تعليم الأمة علىالكدح والعمل لم يمنحها الرسول(صلی الله علیه و آله) خادمةً عندما طلبت منه ذلك، مع أنه(صلی الله علیه و آله) الكريم الرؤوف(2)،
وذلك حتى تكون(علیها السلام) أُسوة في العمل بنفسها لنساء المسلمين، وربما كان طلبها(علیها السلام) وعدم تلبيته(صلی الله علیه و آله) بمجمله تعليماً.
أما حصولها(علیها السلام) على فضة(3)
فهو مما دعت إليه الضرورة، حيث تراكمت عليها الأعمال اليدوية الشاقة من الطحن والخبز والغسل وغير ذلك، بالإضافة إلى أطفالها الصغار وضرورة الاهتمام بشؤونهم، إلى جانب أن النساء كن يرجعن إليها في كثير من شؤونهن ومسائلهن(4)،
ثم نجد بعدحصولها على فضة أن النبي(صلی الله علیه و آله) قد قسم العمل بينهما، يوماً لها ويوماً لفضة - كما في
ص: 52
النص(1)-
وهذا أيضاً بالإضافة إلى كونه تعليماً للأُمة على مشاطرة من هم أدنى منزلة في الهموم والمهام، يتضمن تأكيداً للالتزام بالعمل والكد والكدح رغم وجود البديل.
والجدير بالذكر أن فضة كانت متزوجة ذات أسرة، وقد يظهر هذا من خبر قراءتها للقرآن في سفرة الحج وتلقي أولادها لها في المنزل(2)، كما هو شأن الإسلام حيث لا يدع بنتاً بلا زواج، حتى قال سلمان المحمّدي(رحمة الله) وهو حاكم في المدائن عندما تزوج امرأة هناك فوجد عندها بنتاً - من زوجها السابق - غير متزوجة: سمعت رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) يقول - ما مضمونه -: لو لم تزوج البنتفي الدار فزنت كان عقاب الزنا على أهل الدار(3).
أما طحنها(علیها السلام) وعجنها وخبزها وطبخها وغزلها وغسل الملابس
ص: 53
ورعاية الأولاد، وقيامها بإنجاز العشرات من الحاجات البيتية بنفسها صلوات اللّه عليها أو بمساعدة فضة، ففي كل ذلك تعليم لكيفية سلوك الزوجة في الحياة الزوجية.
ولو راج مثل ذلك في بيوتنا فهل بعد ذلك كنا نحتاج إلى استيراد كل شيء من الغرب والشرق حتى اللحم وغيره من الأوّليات والضروريات؟
كما أن قولها(علیها السلام) لعلي(علیهالسلام): «ما عهدتني كاذبة ولا خائنة»(1)، تعليم لكيفية سلوك الزوجات مع الأزواج، وإلاّ فعلي(علیه السلام) كان يعلم ذلك.
وهكذا نجد في عدم دخول النبي(صلی الله علیه و آله) دارها لما رأى ستراً على الباب(2)
تعليماً آخر لنا، ولعلّ الزهراء(علیها السلام) تعمدت وضع الستر حتى تكون مدعاة للتعليم؛ كي لا ترفل النساء في النعيم، بينما كثير من الناس يعانون شظف العيش، وقد قال(صلی الله علیه و آله): «ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع»(3).
إلى غير ذلك من النقاط المشرقة في سيرتها(علیها السلام) الوضاءة، وكلها عِبَر وبرامج تربوية ومناهج للسعادة الدنيوية والأخروية.
ص: 54
وفي الختام نشير إلى أننا قد قسمنا الكتاب إلى ثلاثة فصول:
الأوّل: أحكام مستفادة من حديث الكساء.
الثاني: أحكام مستفادة من الخطبة الشريفة(1).
الثالث: أحكام مستفادة من سائر ما روي عنها(علیها السلام).
واللّه المسؤول أن يقرنه برضاه، وأن ينفع به إنه قريب مجيب.
والحمد للّه أوّلاً وأخراً وظاهراً وباطناً.
محمّد الشيرازي
قم المقدسة
1414ه
ص: 55
المقدمة.. 5
لمحة عن عظمة الزهراء(علیها السلام). 9
الولاية التكوينية والتشريعية و..... 11
الولايات التكوينية للأنبياء والصالحين(علیهم السلام) 18
العلة للحدوث والبقاء.. 21
الولاية التشريعية.. 25
الأمر بين الأمرين في التشريع.. 26
من الأدلة على ولايتهم(علیهم السلام). 28
ماذا تعني الأولوية؟.. 30
سلطة الهدم والبناء.. 31
من معاني التفويض.. 31
عود على بدء.. 33
بين التصرُّف والصلاحية.. 34
التوقيع الشريف.. 34
لا فرق بين حياتهم ومماتهم(علیهم السلام). 36
رفعة منزلتهم(علیهم السلام) ذاتية.. 38
مجالات ستة للرسول(صلی الله علیه و آله). 40
شمولية علمهم وقدراتهم(علیهم السلام). 43
بين العلم الغيبي والسلوك العملي.. 45
الأحكام المستفادة.. 48
دروسٌ من سيرتها(علیها السلام). 49
وفي الختام.. 55
فهرس المحتويات 56
ص: 56