التعايش السلمي دراسة في المأثور عن الإمام علي (علیه السلام) في عهده لمالك الأشتر(رضی لله عنه)

هوية الکتاب

التعايش السلمي

دراسة في المأثور عن الإمام علي (علیه السلام)

في عهده لمالك الأشتر(رضی لله عنه)

سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر(رضی لله عنه)

وحدة الدراسات الاجتماعية

التعايش السلمي

دراسة في المأثور عن الإمام علي (علیه السلام)

في عهده لمالك الأشتر(رضی لله عنه)

تأليف م. د. محمد عباس الجيلاوي

إصدار

موسسة علوم نهج البلاغة

فی العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 4217 لسنة 2017

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر(رضی لله عنه)

وحدة الدراسات الاجتماعية

التعايش السلمي

دراسة في المأثور عن الإمام علي (علیه السلام)

في عهده لمالك الأشتر(رضی لله عنه)

تأليف م. د. محمد عباس الجيلاوي

إصدار

موسسة علوم نهج البلاغة

فی العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

العتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1438ھ - 2017م

رمانة العام

المقدا

العراق - كربلاء المقدسة -مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الألكتروني:

www.inahj.org

الإيميل:

Info@ Inahj.org

تنویه:

إن الاْفکار والاراء المذکورة فی هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها، و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بها أهم والثناء بیا قدم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد و آله الطاهرین.

أما بعد:

فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (عليهم السلام أجمعين).

ص: 5

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لحديث الثقلين «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحية النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) لمالك الأشتر (عليه الرحمة والرضوان) إلا أنموذج واحد من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية، التي اكتنزت في متونها الكثير من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كلَّ الأزمنة.

من هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلا معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي

ص: 6

في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره، متّخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية، التي هي من أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية، وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية وموسومة ب (سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (عليه السلام) المالك الأشتر (رحمه الله)، التي تصدرها المؤسسة بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية، التي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

وكان البحث الموسوم ب(التعايش السلمي

ص: 7

دراسة في المأثور عن الإمام علي (عليه السلام) المالك الأشتر

(رضوان الله عليه)) تحت عنوان الدراسات الاجتماعية، إذ تناول البحث مفهوم التعايش السلمي، وما جاء في العهد العلوي الشريف الى مالك الاشتر من مضامین و مفاهیم تجسد المعنى الحقيقي للتعايش السلمي بين أفراد المجتمع الواحد.

فجزى الله الباحث خير الجزاء فقد بذل جهده وعلى الله أجره، والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

أكد الإسلام مسألة التعايش السلمي بين الناس، وقد وردت في الآيات والروايات و الفقه الإسلامي بحوث مفصلة في هذا الباب. وقد أولى النظام الإسلامي، باله من شمولیه ومبادئ إنسانية، الأقليات الدينية والطوائف غير المسلمة عناية فائقة، وبُني الكيان الاجتماعي على أساس التعايش السلمي وضمان حقوق الجميع.

وفي عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر، يوصي الإمام مالكاً بمحبّة الناس والرأفة

ص: 9

بهم، ولم يفرَّق الإمام (عليه السلام) بين المسلم الذي عبر عنه بالأخ في الدين، وغير المسلم الذي عبّر عنه بالنظير في الخَلق.

وقد كان منهج حُکمه (عليه السلام) امتداداً ذاتياً لمنهج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو يقوم بالعمل الذي قام به (صلى الله عليه وآله وسلم).

وإنَّ سياسته ومنهجه (عليه السلام) في أيام حُكمه إقامة العدل برحابه ومفاهيمه وإماتة الباطل وإحياء سنن الإسلام. فهناك فارق بين سياسته التي قامت على العدل، وبين سياسة خصومه التي عاشت على الأموال والرغبات والأمور الدنيوية الأخرى.

إنَّ هذه الدراسة التي أقدمها إنما هي صفحة من صفحات ذلك النظام الرائع والتعايش

ص: 10

السلمي الذي يملأ النفوس ثقة واطمئناناً بعدله وأصالته وسلامة أهدافه، فقد حوت بنوده على خير الإنسانية وعلى تحقيق آمالها وأحلامها.

وقد حاولت في هذا البحث تسليط الضوء على جانب مهم من خطاب الإمام علي (عليه السلام) الفكري في نهج البلاغة إلى واليه على مصر مالك الأشتر، وهو الدعوة إلى السلم والتعايش السلمي بين أبناء الديانات والمجتمعات المختلفة، وعدم التمييز بين طبقات

المجتمع.

وكان الإمام علي (عليه السلام) أول المؤسسين للدولة المدنية الحديثة التي تكون فيها الحريات مكفولة للجميع، وهم متساوون.

وسبب اختياري للموضوع، هو الحرص على التذكير بالتعايش السلمي في عهد الإمام علي

ص: 11

(عليه السلام) بين أبناء المجتمع آنذاك. ونحن اليوم بحاجة إليها في ظل الظروف التي يمر بها بلدنا الحبيب.

ص: 12

التمهيد: (التعايش السلمي) لغةً واصطلاحاً

التعايش لغةً:

عيش: العَيشُ: الحياةُ، عاشَ يَعِيش عيشاً وعيِشَةً ومَعيشاً ومَعاشاً وعَيشُوشةً(1) .

قال الجوهري (ت 393ھ): كلُّ واحد من قوله مَعاشاً و مَعِیشاً يصلُح أَن يكون مصدراً وأن يكون اسماً مثل مَعابٍ ومَعِيبٍ ومَمالٍ ومَمِيلٍ، وأعاشَه اللهَّ عِيشةً راضية(2) .

السلم لغة:

السَّلمُ والسَّلمُ: يفتح و یکسر ويذكر ويؤنث.

والسَّلَامُ و السَّلمُ السَّلمُ: الصلح(3) . قال تعالى:

ص: 13


1- ابن منظور، لسان العرب، 321/9، مادة: (عيش)
2- الجوهري، الصحاح، 3/ 1013، مادة: (عيش)
3- الراغب الأصفهاني، مفردات الفاظ القرآن، 623، مادة: (سلم)

«وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا»(1) .

والسَّلَامُ فی الأصل السَّلَامَهُ. یقال سَلِمَ یَسْلَمُ سَلَامَهً وسَلَاماً. ومنه قیل للجنّه دارُ السَّلامِ ، لأنها دار السلامه من الآفات.

والسَّلَمُ والسَّلامُ: كالسَّلمِ. والسَّلمُ: الُمسَالِمُ.

تقول: أَنا سِلمٍ لَمِن سالَمني.

وتَسالُموا: تصالحوا. والسَّلَمُ : الاستِسلامُ.

والتسَّالُمُ: التَّصاُلُح. وَالُمسالهَ: الُمصالحة.

والسَّلامُ : الاستِسلامُ، وحكي السَّلمُ والسَّلمُ

الاستِسلامُ وضد الحرب.

والإسلامُ والاستِسلامُ: الانقياد. والإِسلامُ من الشريعة: إِظهار الخضوع وإِظهار الشريعة

یاد

ص: 14


1- سورة النساء، الآية 94

والتزام ما أَتى به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبذلك يُحقَنُ الدم ويُستَدفَعُ المكروه(1) .

التعايش السلمي اصطلاحاً:

يعني التعايش: الاشتراك في الحياة على الألفة والمودة والمحبة من خلال العيش المتبادل مع المخالفين القائم على المسالمة والمهادنة.

والعيش: معناه الحياة، وهو العيش على هذه الأرض منذ نزول أبينا آدم (عليه السلام) إلى يوم الساعة من دون تفريق بين بني البشر.

والسلمي: وصف مؤكد لطبيعة التعايش، وهذا فرض أنَّ هناك تعايشاً غير سلمي.

ولم ترد لفظة التعايش والتسامح في القرآن

ص: 15


1- ينظر: ابن منظور، لسان العرب، 291/12 - 296، مادة: (سلم)

الكريم و السنة النبوية.

والقرآن الكريم يبين أنه لا حرج على المسلم أن يحيا في ظل التعايش السلمي بينه وبين أي إنسانٍ مخالف له في دينه ومعتقده، مالم یُظَاهِر الطرف الآخر المسلم بالعداوة والتحريض، أو الإساءة والخيانة.

والإسلام لا يوصي بمبدأ التعايش السلمي فحسب؛ بل تخطّاه إلى أبعد من ذلك، فحث المسلمين على إقامة وشائج الصداقة والمحبّة مع الشعوب غير المسلمة. قال تعالى:

«لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»(1) .

ص: 16


1- سورة الممتحنة، الآية 8

فالإسلام يفتح صدره للجميع، ويمد يده للجميع، ويدعو للتعايش السلمي بين جميع الشعوب والأمم. قال تعالى:

«قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ»(1) .

والتعايش السلمي: التعاون بين دول العالم على أساس من التفاهم وتبادل المصالح السياسية والاقتصادية والدينية والعلمية والثقافية.

ويطلق على التعايش السلمي بالمصطلح الحديث: المواطنة والسلم الأهلي.

ومصطلح التعايش: (coexistence) شاع

ص: 17


1- سورة آل عمران، الآية 64

رواجه في العصر الحديث؛ وذلك نتيجة الصراع بين الكتلتين الشرقية والغربية.

ويقال: إنَّ كلاً من الكتلتين: الشرقية والغربية، تدعو إلى التعايش السلمي فيما بينها، وفي الوقت نفسه تتسلح كل منهما، وتتحصن خوفاً من الأخرى(1) .

وتاريخياً يقصد مصطلح التعايش السلمي: نبذ الحرب كوسيلة لحل الخلافات الدولية.

وهو عبارة عن سياسة جاء بها الرئيس السوفيتي خروتشوف سنة 1953 م. ويتمثل التعايش السلمي في محاولة العسکرين تجاوز خلافاتها الايديولوجية والاقتناع بإمكانية وجود نظامين رأسمالي وشيوعي.

ص: 18


1- محمد جواد مغنية، التفسير الكاشف، 1/ 108

ومصطلح التعايش السلمي مصطلح سياسي يعني البديل عن العلاقات العدائية بين الدول ذات النظم الاجتماعية المختلفة، ومع كونه مصطلحاً سياسياً فليس هناك ما يمنع التوسع في استخدامه في ساحة العلاقات الاجتماعية بين أتباع الديانات المختلفة ولاسيما إذا كانوا في دولة واحدة.

والتعايش السلمي لا يقوم فقط بين الدول وإنها بين الشعوب أيضاً، بعضها مع بعض، وبين أبناء الشعب الواحد والمدينة الواحدة وهكذا. فالتعايش هو مجتمعات متكاملة يعيش فيها الناس من مختلف الأعراق والأجناس والأديان منسجمين فيما بينهم، ولا يتطلب أدنى فكرة للتعايش سوى أن يعيش أعضاء هذه الجماعات معاً من دون أن يكفّر بعضهم الآخر، ويقتل أحدهم الآخر.

ص: 19

والتعايش السلمي أيضاً يكون مع المخلوقات الخارجية الأخرى التي تعيش في كواكب أخرى، فعندما استقبل الإمام علي (عليه السلام) دهقان من دهاقين الفرس وهو من المنجمين، فسأل المنجم الإمام (عليه السلام) أسئلة كثيرة، فقال (عليه السلام):

«البارحة سَعَد سَبعُونَ ألفَ عَالم، وَوَلِدَ في كُلّ عالم سَبعُونَ ألفاً»(1) .

إنَّ هذه الأرقام يقصد منها تثبیت فكرة تعدد العوالم وسعة الكون !. لا أحد في العصر الحديث يبدو أنه يمكنه التصديق بأنَّ هذه الملايين من النظم التي تدور حولها المليارات من الكواكب بعضها بقدر الأرض وبعضها أكبر منها بألف مرة ليست مسکونة وخالية من أية مخلوقات

ص: 20


1- الشيخ الطبرسي، الاحتجاج، 1/ 359

!. ولولا هذا الشعور لما أرسلت وكالة الفضاء رسالة بخمسين لغة حية وفيها تراتيل من الكتب الثلاث إلى سكان الكواكب تطلب فيها إليهم عدم مهاجمة الأرض وضرورة التعايش السلمي!(1) .

ومما تقدم نجد: أنَّ التعايش السلمي في ضوء القواعد الإنسانية وفي ضوء مقاصد الإسلام هو عبادة ربانية وضرورة بشرية. وإنَّ البشرية، سواء أكانت مجتمعات أم أفرداً، وسواء أكانوا مختلفين في اللون أم العرق، أو الدين والمذهب، أو الرأي، أو اللغة، أو القومية والحزب لا يمكن أن تستقر ولا يمكن أن تقدم ما لم يسعوا إلى التعايش السلمي واحترام الإنسان بما هو إنسان.

فالإسلام يؤكد احترام كل الناس حتى إذا

ص: 21


1- عالم سبيط النيلي، طور الاستخلاف، 29/1

كانوا كفاراً غير مسلمين؛ لأنَّ الإنسان بما هو إنسان محترم، قال تعالى:

«وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»(1) .

الوالي مالك الأشتر(رضي الله عنه)

هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي، المعروف بالأشتر: أمير، من زعماء العرب وفرسانهم وأكياسهم، ومن كبار الشجعان. وكان رئیس قومه. أدرك الجاهلية والإسلام. سكن الكوفة. وكان له نسل فيها. وشهد اليرموك وذهبت عينه فيها. وشهد يوم الجمل، وأيام صفين مع الإمام علي (عليه السلام). وله شعر جيد، ويعد من الشجعان الأجواد العلماء

ص: 22


1- سورة الإسراء، الآية 70

الفصحاء(1) .

وكان الأشتر من رؤساء الشيعة الموالين لأهل البيت (عليهم السلام).

واعتمد عليه الإمام علي (عليه السلام) وأدخره للمهمات. وقال فيه من جملة ما قال (عليه السلام):

«کَانَ رَجُلاً لَنَا نَاصِحاً وَعَلَى عَدُوَّنَا شَدِیداً نَاقِماً»(2) .

وقال أيضاً (عليه السلام):

«رَحِمَ اللهُ مالِكَاً، فَلَقَد كانَ لي کَما کُنتُ لِرَسُولِ الله صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلهِ وَسَلّم»(3) .

ص: 23


1- ينظر: السمعاني، الأنساب، 5/ 476؛ الزركلي، الأعلام، 259/5
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 19/ 192
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 98/15

وقال أيضاً (عليه السلام):

«مِمَّن لَا يُخَافُ وَهنُهُ ولَا سَقطَتُهُ»(1) .

فكان الأشتر يجمع بين العلم والعقل والإخلاص، زيادة على الشجاعة والفروسية.

وقال (عليه السّلام)، وقد جاءه نعي الأشتر رحمه الله:

«مَالِکٌ ومَا مالِكٌ والله لَو كَانَ جَبَلَاً لَکَانَ فِنداً، أو وَلَو كَانَ حَجَراً لَكَانَ صَلداً، لَا یَرتَقِيهِ الحافِرُ ولَا يُوِفي عَلُيهِ الطَّائِرُ»(2) .

وكانت وفاته سنة سبع وثلاثين هجرية.

والرسالة التي تلقاها مالك الأشتر من الإمام (عليه السلام) حين ولاه على مصر، تعرف بعهد

ص: 24


1- المجلسی، بحار الأنوار، 32/ 414؛ 62/ 176
2- الزمخشري، ربيع الأبرار، 1/ 182

الأشتر. وقد أخذ هذا العهد حظاً كبيراً من اهتمام العلماء العرب وغير العرب قديماً وحديثاً، ومنهم مستشرقون، ونقل المؤلفون وكتاب المقالات كثيراً من فصوله. ولمحمد تقي الحكيم کتاب «حياة مالك الأشتر» تناول فيه حياة مالك.

التعايش السلمي عند الإمام علي (عليه السلام في عهده لمالك الأشتر:

إنَّ عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر: واليه على مصر، بيانٌ يشرح أهداف الحكومة، وبرنامجٌ عملي للحاكم في سياسته وحياته الشخصية.

وإنّ التعايش السلمي الإنساني موضوع مهم يمكن استخراجه من كلام الإمام علي (عليه السلام)، ليصبح وصفة ناجعة للتعامل الحضاري البناء بين مختلف المجتمعات على الرغم من

ص: 25

اختلافاتها، مما يصون هذه المجتمعات المتعددة في الدين أو الثقافة أو السياسة أمام الرؤى المنغلقة والمتطرفة التي لا تريد للعالم مجالا للتعامل والحوار والتعددية، بقدر ما تريده حلبة للصراع الحضاري، فالمتشددون لا يعرفون الاصطياد إلا في المياه العكرة!

وقد سار الإمام علي (عليه السلام) على سيرة أستاذه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فدعا (عليه السلام) لمشروع إنساني قيمي، يقوم على مبادئ، قد جاء بها الإسلام، فكان (الآخر) في منهج الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، هو أخ في الدين أو أخ في الإنسانية، ويذهب أبعد من ذلك، فهو يقبل بالعدو، ويعامله بالحسنی والعطف، والإعراض عن الازدراء به، وسلبه مكانته الاعتبارية. وكان العدل أساس حكم أمير المؤمنين (عليه السلام). فكان عصر الإمام علي

ص: 26

(عليه السلام) عصر الحرية الواسعة.

وكانت الحرية الواسعة أشبه شيء بالحريات التي منحها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للناس في بداية الإسلام، فكان يعيش في المدينة المنورة بجنب المسلمين: المشركون، واليهود والنصارى، والمنافقون، مختلطين في دورهم وأسواقهم يتعاملون ويمارسون حرياتهم المتبادلة في ظل الإسلام.

وانَّ الرجوع إلى سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) يكشف لنا عن كمٍ هائلٍ من الوصایا والوقائع التي تحقق لنا تواصلاً ناجحاً مع الآخرين، والالتزام بتلك الوصايا كفيل بتحقيق تعامل فعال مع الناس، فعملية التعایش تبدأ من نظرة الانسان إلى نفسه وتقييمها، ومدى نجاحه في إقرار حالة التعايش الداخلي مع ذاته، فالذي

ص: 27

ينظر إلى نفسه نظرة إيجابية مطلقة أو سلبية مطلقة، ويقيم الآخر بأنه سلبي أو إيجابي بصورة مطلقة، لا يمكنه أن يتعايش مع الآخر، وكذلك المتعثر في التعايش مع ذاته في محاكاته وحواراته مع الذات للخروج بتوازن بين الإرادات الداخلية المتباينة كالعقل والعاطفة والضمير والنفس وما إلى ذلك، فيكون ذا شخصية بعيدة عن التوازن والاعتدال والوسطية، وهذا مما يبعد الإنسان عن التعايش، فالتعايش يبدأ من دائرة الذات ويمتد ليؤثر، ويتأثر بجميع دوائر التعايش. يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز:

«وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ»(1) .

ص: 28


1- سورة الروم، الآية 22

فالأصل الانساني واحد، والجميع مکرمونی والاختلاف والتنوّع والتعدّد في اللغات والألوان من آیاته ومعجزاته للعالم. وإذا كانت التعددية من آیاته سبحانه وتعالى، وهي الأصل في الحياة؛ فما هو الطريق للتعامل بين مكونات التعددية؟ قال تعالى:

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير»(1) .

بعد تأكيد التعددية يحدد الله عزَّوجلَّ معیار التفاضل بالتقوى الذي هو عليم خبير بها، ويشير إلى مقدمة من مقدمات التعايش، وهو التعارف بين مكونات نسيج الأسرة العالمية الواحدة.

ص: 29


1- سورة الحجرات، الآية 13

والتعارف عادة يمهّد للتفاهم، والتقارب والتعاون والتعايش، وإنَّ الآثار الخطيرة للمعرفة الخاطئة أو الناقصة عن الآخر باتت معروفة، ولذلك يؤكد المصلحون ضرورة تجاوزها، ومعالجتها لدعم التعايش، لدفعه نحو التعاون، كما في قوله تعالى:

«وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ»(1) .

وفي الحديث الشريف عن الرسول الأكرم

صلى الله عليه وآله وسلم):

«خَيرُ النّاسِ مَن نَفَعَ النّاسَ»(2) .

فالتعددية هي الأصل، وهي آية، واختبار، وتنافس، واستباق الخيرات في وقت واحد قال

ص: 30


1- سورة المائدة، الآية 2
2- الريشهري، میزان الحكمة، 1/ 845

تعالى:

«لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»(1) .

فالإسلام يصحّح النظرة إلى الذات أولآً، وإلى الآخر ثانياً، وإلى التعددية ثالثاً، ويزرع متطلبات التعایش رابعا، فيعالج التحجيم والتضخيم سواء أفي النظرة إلى الذات أم إلى الآخر، بالإشارة إلى وحدة الأصل الانساني، وتكريم الإنسان با هو إنسان إلى جانب نفيه للغرور والتعصب وما شابه ذلك من معوّقات الاتصال والتعارف والإسلام لم يحترم حرية الآخرين فحسب؛ بل يسمح للآخر بتطبيق قوانينه في بيئته وضمن

ص: 31


1- سورة المائدة، الآية 48

المجتمع أو النظام الإسلامي وقاعدتا الالزام والإمضاء في الفقه الإسلامي خير دليل على ذلك، وفي الأحلاف والاتفاقيات التي عقدها وطبقها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) على الصعيدين الخارجي والداخلي ما هي إلا أكبر وأرقى أنواع التسامح المطروحة هذه الأيام مع بداية الألفية الثالثة.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنَّ الإسلام يكرّسُ كل متطلبات ودعائم التعايش وما ينعشه ويضمنه بصورة مستديمة مثل: القسط، والعدل، والإنصاف، والعفو، والصفح، وإحقاق الحق، ونفي الظلم، وحسن الظن وما إلى ذلك، قال الله تعالى :

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا

ص: 32

اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»(1) .

يقول الإمام (عليه السلام) في عهده المالك الأشتر لما ولاه مصر وأعمالها حين اضطرب أمر محمد بن أبي بكر، وهو أطول عهد وأجمع كتبه للمحاسن:

«وأَشعِر قَلبَكَ الرَّحمَةَ للرَّعِیَّةٍ، والمَحَّبةَ لُهم والُّلطفَ بِهِم، وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيهِم سَبعُاً ضَارِياً تَغتَنِمُ أَكلَهُم، فَانَّهُم صِنفَانِ إِمَّا أځٌ لَكَ فِي الدَّينّ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الخلقِ»(2) .

وكأنه لضمان التعايش بين الرعية، لا يكتفي بمجرد التزام الراعي الرحمة والمحبة واللطف في التعامل مع رعيته.

ص: 33


1- سورة المائدة، الآية 8
2- ابن میثم البحراني، شرح نهج البلاغة، 5/ 136

اذن: فما هو المطلوب؟ وما هو البديل؟ إنَّ المطلوب هو الانطلاق من الذات، والانطلاق من القلب، لتبدأ بزراعة الحب والرحمة واللطف، حتى يتحول ذلك الحب الذي يسع جميع مكونات النسيج الاجتماعي إلى ملکه.

ويشير الإمام (عليه السلام) إلى عدم جدوى كل ما تقدّم ما لم يعزّز بتكريس حقوق الرعية، ويتحاشى الإضرار بها، وبمكوّناتها المختلفة بقوله:

«ولَا تَكُونَنَّ عَلَيهِم سَبُعاً ضَارِياً، تَغتَنِم أَكلَهُم»(1) .

أي لا تضر الناس ولا تهضم حقوقهم.

ثمَّ يؤكد (عليه السلام) العفو والصفح لخلق الأرضية الخصبة للتسامح والتعايش بقوله:

ص: 34


1- ابن شعبة الحراني، تحف العقول، 127

«يَفرُطُ مِنهُمُ الزَّلَلُ وتَعرِضُ لُهمُ العِلَلُ، ويُؤتَى عَلَى أيدِيهِم في العمَدِ والخطَأ، فَأَعطِهِم مِن عَفوِكَ وصَفحِكً ... ولَا تندَمَنَّ عَلَى عَفوٍ ولَا تَبجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ»(1) .

(يَفرُطُ): أي يسبق. (مِنهُمُ): أي من الناس.

(الزَّلَلُ): وتَعرِضُ لَهُمُ العِلَلُ: أي علة الأعمال السيئة. «ويُؤتَى عَلَى أيدِيهِم في العمَدِ والخطَأ»: أي طبيعة الإنسان. «فَأَعطِهِم مِن عَفوِكَ وصَفحِكً ... ولَا تندَمَنَّ عَلَى عَفوٍ»؛ إذ العفو أحسن عاقبة من الانتقام. «ولَا تَبجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ»: أي لا تفرحن بسبب ما عاقبت به أحداً، فإنَّ العقوبة شرّ عاقبة مهما كانت حقاً. وعلى الانسان أن لا يعتدي ويسيء إلى أخيه الإنسان بشيء، وأن ينصفه من نفسه، ويكون عونا له على ظالمه سواء أكان على

ص: 35


1- محمد جواد مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 48

دينه أم على دين الشيطان. قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) لشيعته:

«أَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهلِهَا وإِن كَانُوا مَجُوسِيّاً»(1).

وقال له أحد أصحابه وأتباعه: وَقَعَ لِي مَالٌ عِندَّ يَهودِيٍّ، فَاکَابَرَنِي عَلَيه وحَلَفَ، ثُمَ وَقَعَ لَه عِندِي مَالیُ فَهَل آُخَذَه مَکَانَ مَالِيَ الَّذِي أخَذَه وأجحَدُه وأحلِف عَلَيه، کَمَا صَنَعَ. فَقَالَ الإمامُ الصادق (عليه السلام):

«إِن خَانَكَ فَلَا تَخُنه، ولَا تَدخُل فِيمَا عِبتَه عليه»(2) .

وقد تعرّض الإمام علي (عليه السّلام) في هذا الفصل من عهده للأشتر لبيان روابطه مع رعيته والمسوسين له من العامة والخاصّة.

ص: 36


1- الشيخ الكليني، الكافي، 5/ 133
2- الشيخ الطوسي، الاستبصار، 52/3

ورابطته أنه والٍ على النّاس وبيده القدرة والأمر والنهي مع كلّ أحد، وقد بينّها في أمور منها:

1. أن يكون ملء قلبه المحبة واللطف والرّحمة للرعية كافّة.

2. عدم استغلال سلطته وقدرته عليهم فيصير ذئباً يغتنم أكلهم؛ لأنَّ رعاياه، إمّا إخوانه في الدين وهم المسلمون، وإما

إخوانه في الإنسانية وهم الذّمي والمعاهد.

3. الصفح عن خطاياهم والعفو عن ذنوبهم النقصان التربية، ونبّهه على أنَّ نسبتهم إليه کنسبته إلى الوالي الآمر عليه وفوقه أيضاً هو الله تعالى، فينبغي الصفح عنهم، وأنه يرجو الصفح عنه من الوالي الأمر وفوقه من اللهَّ تعالى القادر، وبيّن أنَّ تعذيب

ص: 37

عباد الله تعالى بمنزلة الحرب مع الله الذي الا قدرة تجاه عقوبته، ولا غنى عن عفوه ورحمته.

أمره برعاية الإنصاف مع اللهَّ تعالى وخلقه، سواء بالنسبة إلى نفسه أو أهله أو من هواه من رعيته، فلا يهضم حق الله و حق أحد من عباده الرعاية هؤلاء فإنه ظلم والله تعالى خصم للظالم، ومن خاصمه اللهَّ تعالى أدحض حجته وكان الله حرباً حتّى يتوب والظلم يوجب تغيير النعم وسلب الإمارة والحكم.

أمره برعاية ما هو أفضل في أداء الحقّ وما هو أعمّ لجميع الرّعيّة في اجراء العدل وماهو أجمع الرضا الرعية في تمشية الأمور وإن كان يوجب سخط الخاصّة من أرباب النفوذ وأصحاب المقامات السّامية، وعلَّل ذلك بأنّ غضب عامّة

ص: 38

الرّعية وعدم رضاهم عن وضعهم يوجب الثورة والبلوى ولا يقدر الخاصة مهما كانوا مخلصين للحكومة وجادين في نصرتها المقاومة تجاه سيول الثائرين وأهل البلوى(1) .

وهكذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعامل ويوصي لأفضل عماله وخير صحابته بحسن معاملة الرعية؛ لأنَّ التمييز الذي كان قبل الإسلام بين بني البشر قد ألغاه الله تعالى وقد وضح ذلك في آيات قرآنية عديدة، وكذلك ألغاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أحاديث شريفة، ثمَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله:

«إمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدَّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الخلقِ».

فقد كانت الرومان تعتقد- فلسفياً . أنَّ العنصر

ص: 39


1- ينظر : الخوئي، منهاج البراعة، 179/2 / 185

الأبيض غير العنصر الأسود جنساً ودماً و خلقة. فالدم الذي يجري في عروق الإنسان الأبيض يختلف عن الذي يجري في عروق الأسود وكأنها خلقا من أصلين متباينين.

وقد خلق الأسود لكي يخدم الأبيض. فوجوده لوجوده، على غرار سائر الحيوانات والنباتات والأحجار. فالإنسان الكريم هو الأبيض ! أما الأسود فهو مخلوق لخدمة الأبيض! فهو عبد له في أصل خلقته، وللإنسان الأبيض أن يستغل الإنسان الأسود أينما وجده أو عثر عليه، فهو ملك له وهو مالکه وفق القانون.

تلك كانت نظرة الأمم المتمدنة - أمثال الرومان والفرس واليونان وغيرهم - إلى الجنس الأسود إطلاقا. لذلك كان النخاسون يغيرون على المناطق الأفريقية لصيد الإنسان الأسود

ص: 40

زرافات وأفراداً، يحملونهم في السفن ويأتون بهم إلى الأسواق فيبيعونهم کا تباع الأغنام والمواشي؛ بل وبصورة أفجع!

وكانت الموالي تعامل العبيد معاملة سيئة، يستغلون منافعهم ومواردهم ويفرضون عليهم الإتاوات الثقيلة، ويكلفونهم ما لا يطيقون، أو يعبثون بأرواحهم غاية التفريح وترويح النفس كأداة صامتة يعمل صاحبها بها ما شاء!

جاء الإسلام - والعالم منهمك في مهاوي الغي والفساد - جاء ليضع حداً لتلك المظالم، ونهاية للعبث والفساد، وليوقظ العقل البشري الذي أخذه السبات العميق منذ مدة سحيقة، ولينير درب الحياة من جديد فتنتهي الأمم عن غيها وجهلها، وتهتدى إلى سبل الصلاح، والسلام، والعلم، والعدل، والإنصاف: سبيل

ص: 41

الإنسانية الفاضلة !(1) .

سئل السيد جعفر العاملي عن الوحدة الإسلامية، أهي وحدة سياسية أم أوسع من ذلك ؟ فأجاب: إنَّ المقصود بالوحدة هو: الوحدة الإنسانية(2) : بمعنى أن نتعامل مع الآخرين على أساس أنهم: (إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدَّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الخَلقِ).

فالناس كلهم على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأديانهم وعقائدهم وانتماءاتهم أخوة في أصل واحد، أو رابط واحد وهو رابط الإنسانية، فجميعنا بلا استثناء أخوة في الإنسانية والبشرية، أي كلنا من أب واحد وأم واحدة، وهما آدم وحواء، فهذه الأخوة أخوة إنسانية، وهي

ص: 42


1- الشهيد الثاني، الروضة البهية، 226/6
2- ينظر : مختصر مفید، 291/10

مهمة وضرورية لبقاء الحياة البشرية في سلام وأمان ووئام وراحة واستقرار، والعيش سلمياً بصورة اعتيادية. ولو لم تبق هذه الأخوة لم يبق أي رابط يربط بين الناس على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم ودياناتهم وعقائدهم، فهي رابطة عالمية ينبغي الذود عنها، والدفاع في سبيل بقائها، وعلى أساسها قامت المنظمات الدولية والإنسانية للدفاع عن حقوق الإنسان في كافة المجالات، وعلى أساسها منعت حروب وأوقفت، وعلى أساسها شكلت محاكم دولية، وعلى أساسها استقلت دول، وتفككت دول أخرى، كل ذلك من أجل الحفاظ على حقوق الإنسان، وإن كنا نجهل المصالح السياسية والأطماع الدولية في كثير من المجالات.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي عنان قد عَلق قبل سنوات عدة على مقولة

ص: 43

الإمام علي (عليه السلام): (يا مالك إنَّ الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، فقال: (هذه العبارة يجب أن تعلق على كل المنظمات، وهي عبارة يجب أن تنشدها البشرية). وبعد أشهر اقترح عنان أن تكون هناك مداولة قانونية حول كتاب الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر. وبعد مدارسات طويلة طرحت اللجنة القانونية في الأمم المتحدة سؤالآ، هل هذا العهد (الكتاب) يرشح للتصويت ؟ ثم رُشَّح للتصويت، وصوتت عليه الدول لیکون أحد مصادر التشريع الدولي(1) .

قوله (عليه السلام) لمالك في التعايش السلمي وتفضيل السلم على القتال:

قال (عليه السلام) لمالك:

ص: 44


1- ينظر : ستار الجودة، موقع كتابات ستار الجودة، 1 - 2

«ولا تَدفَعَنَّ صُلحاً دَعاکَ إلَیهِ عَدُوُّکَ وللّهِ ِ فیهِ رِضاً؛فَإِنَّ فِی الصُّلحِ دَعَهً لِجُنودِکَ،وراحَهً مِن هُمومِکَ،وأَمناً لِبِلادِکَ»(1) .

يعدّ هذا الكلام تأسیساً لخطابه الفكري (عليه السلام) في تفضيل السلم على الحرب. ولا يكتفي الإمام (عليه السلام) بتأسيس الخطاب فحسب؛ بل يفكّر أيضاً في ديمومته فيزيد في الكتاب نفسه:

«وَإِنْ عَقَدْتَ بَیْنَکَ وَبَیْنَ عَدُوِّکَ عُقْدَهً، أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْکَ ذِمَّهً، فَحُطْ عَهْدَکَ بِالْوَفَاءِ، وَارْعَ ذِمَّتَکَ بِالْأَمَانَهِ، وَاجْعَلْ نَفْسَکَ جُنَّهً دُونَ مَا أَعْطَیْتَ، فَإِنَّهُ لَیْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَیْ ءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَیْهِ اجْتِماعاً، مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ، وَتَشَتُّتِ

ص: 45


1- القاضي النعمان المغربي، دعائم الإسلام، 1/ 397

آرَائِهِمْ، مِنْ تَعْظِیمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ»(1) .

لم يكن الإمام (عليه السلام) ممن يعشقون الحرب؛ بل كانت الحرب من المحظورات التي تبيحها الضرورات، فالحرب - بدمارها وقتلها للإنسان أي إنسان، وهو إما أخ لنا في الدين أو نظير لنا في الخلق ، لا تشكل خيار الإمام (عليه السلام) الأول؛ بل هي خياره الأخير، فهو يؤخّر الحرب طمعاً في هداية الناس وتجنباً للقتال وحقناً للدماء:

«فَوَ اَللَّهِ مَا أُبَالِی دَخَلْتُ إِلَی اَلْمَوْتِ أَوْ خَرَجَ اَلْمَوْتُ إِلَیَّ وَ أَمَّا قَوْلُکُمْ شَکّاً فِی أَهْلِ اَلشَّامِ فَوَ اَللَّهِ مَا دَفَعْتُ اَلْحَرْبَ یَوْماً إِلاَّ وَ أَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِی طَائِفَهٌ فَتَهْتَدِیَ بِی وَ تَعْشُوَ إِلَی ضَوْئِی وَ ذَلِکَ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَی ضَلاَلِهَا وَ إِنْ کَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا»(2) .

ص: 46


1- ابن میثم البحراني، شرح نهج البلاغة، 174/5
2- قطب الدين الراوندي، منهاج البراعة، 1/ 271

لا شك في أنَّ تفضيل هداية الأعداء ومعايشتهم على خوض القتال معهم فكرة متجذّرة في الخطاب القرآني العام، فيأمر الله سبحانه وتعالى موسى وهارون (عليهما السلام) بالذهاب إلى فرعون:

«اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى»(1) .

وللقول الليّن أو الحوار. إذا أردنا ترهين المصطلح. مكانة رفيعة في الخطاب القرآني الذي انبني عليه الخطاب العَلوي، فهذان الخطابان المؤسّسان على التذكر والخشية أمام الله سبحانه وتعالى كفيلان بسدّ الطريق أمام الطغيان الذي يؤسس للحرب والدمار، بعد أن أغلق جميع الأبواب أمام الحوار والتعددية والتعايش، وهذا

ص: 47


1- سورة طه، الآية 43 | 44

ما يشهد عليه التاريخ الإنساني بجميع طغاته.

فللتعايش مكانة مرموقة ليس في الديانة الإسلامية فحسب؛ بل في العلاقات التي تحكم بين الديانات السماوية أيضاً، فليس التبشير بظهور نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) في الكتب السماوية التي نُزّلت قبل القرآن الكريم إلا برهاناً قاطعاً على النزعة التعايشية المنفتحة التي تحكم تلك العلاقات، وأنَّ المكانة المهمة التي تحتلها قصص الأنبياء السابقين في النص القرآني دليلٌ على هذا التعايش، وتعايش النصوص وهي منظومة من العلامات التي يهتدي بها الإنسان دليلٌ على تعايش الرسول والمرسَل إليه، لا سيما وأنَّ مُرسِل هذه النصوص واحدٌ، وهو الله سبحانه وتعالى.

ويسبح النص العلوي بوصفه منبثقاً من

ص: 48

النص القرآني في هذا الفلك التعايشي، فنرى أنَّ ذکر موسی و عیسی (عليهما السلام) يدخل في نسيج ضفائر نص نهج البلاغة.

«وإنْ شئتَ قلتُ في عيسى بنِ مريمَ (علیه السّلام)، فقد كان يتوسَّدُ الحجرَ، ويلبسُ الخشِنَ، ويأكلُ الجشِبَ، وكان إدامُه الجوعَ، وسراجُهُ بالليلِ القمرَ، وظلالُهُ في الشتاءِ مشارقَ الأرضِ ومغاربَها، وفاكهتُهُ وريحانُهُ ما تنبتُ الأرضُ للبهائمِ، ولم تكنْ له زوجةٌ تفتنُه، ولا ولدٌ يحزنُه، ولا مالٌ يلفتُه، ولا طمعٌ يذلُّه، دابَّتُه رجلاه، وخادمُهُ يداه»(1) .

لا شك في أنَّ هذه الصورة التي يرسمها الإمام (عليه السلام) لعیسی بن مریم (عليه السلام) تتواشج مع مدلول النص الإنجيلي

ص: 49


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 229/9

حين يقول على لسان السيد المسيح: «ما أصعب دخول الأنبياء إلى ملكوت الله ! فمرور الجمل في ثقب الإبرة أسهل من دخول الغنيّ إلى ملکوت الله». وإن دلّ هذا التواشج الدلالي على شيء فيدلّ على عقلية الإمام (عليه السلام) المنفتحة تجاه الآخر المسيحي ونصّه المقدّس(1) .

ويتراءى لنا أنَّ هذا الانفتاح النصي بحاجة إلى انفتاح في التأويل، وهذا الانفتاح يحتاج قبل كلّ شيء إلى عقلية منفتحة لدى المتلقي، ولا يحصل هذا الانفتاح إلا عبر التعايش السلمي مع الآخر بكيانه المستقل، وهذا يحتاج إلى نظرة تعددية لدى المتلقي أيّاً كانت ديانته.

ونكتشف من خلال فك شفرات هذه الفقرة من النصّ العلوي ومقارنته بالنص الإنجيلي أنَّ

ص: 50


1- ينظر : محمد أديبي، السلم والتعايش الإنساني، 2

الإمام (عليه السلام) يركز على التعايش السلمي البناء مع الآخر، ولا نحصل على هذه الحصيلة الدلالية إلا من خلال الحفر في أعماق النصّ، کہا رأينا، وليس الاكتفاء بقشوره، أي إنَّ النصّ العلوي . وكذلك النصّ القرآني - لا يذكر الأنبياء السابقين (عليهم السلام) لنعتبر بقصصهم فحسب؛ بل يريد أن يؤسّس من خلال هذه العلاقة التناصية لخطاب فكريًّ منفتح حيَّ - وكل حيًّ منفتحٌ - ليأتسي به كلّ من يقتدي بالإمام (عليه السلام)، فيحترم الآخر وينفتح عليه، ليكون التعايش السلمي معه خيارنا الأول والأهم في الحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية على المستويين المحلي والعالمي.

يجب الانتباه إلى أنَّ التركيز على التعايش السلمي وتفضيل السلم على القتال في الخطاب العلوي لا يعني أن نغط في نوم الغفلة العميق؛ ص: 51

علينا دائماً أن نكون على أهبة الاستعداد لمواجهة الأخطار التي يمكن أن تكون لنا بالمرصاد.

ونرى كيف أنَّ الإمام (عليه السلام) يطالب الأشتر النخعي بأخذ الحذر كله:

«وَلَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكِ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ»(1) .

لا شك في أنَّ أخذ الحذر من العدو أو كلّ من بإمكانه أن يشكل خطراً للمسلمين يتطلب تضامناً حقيقياً بينهم، ليصبحوا أقوياء يستطيعون الرهان على السلام والتعايش مع الآخر؛ لأن سلام الأقوياء يشكل خياراً أنسب في عالم لا نستطيع أن نعيش فيه حياة كريمة لمجرد النوايا الطيبة، وتكشف لنا تجارب تاريخية على مستوى

ص: 52


1- ابن میثم البحراني، شرح نهج البلاغة، 5/ 174

العلاقات الدولية مثل الحرب الباردة، أنَّ السلام والتعايش في أدنى درجاتها يمكن أن يتحققا من خلال موازنة الخوف من الآخر، ولاشك في أنَّ هذا اللون من السلام والتعايش أفضل بكثير من الصراع والحرب(1) .

ويرى الإمام (عليه السلام) في الوحدة رمزاًللقوة وفي الفرقة رمزاً للضعف:

«فَانظُرُوا كَيفَ كَانُوا حَيثُ كَانَتِ الأَملَاءُ مُجتَمِعَةً وَ الأَهوَاءُ مُؤتَلِفَةً وَ القُلُوبُ مُعتَدِلَةً وَ الأيَديِ مُتَرَادِفَةً وَ السّيُوفُ مُتَنَاصِرَةً وَ البَصَائِرُ نَافِذَةً وَ العَزَائِمُ وَاحِدَةً أَ لَم يَكُونُوا أَربَاباً فِي أَقطَارِ الأَرَضِينَ وَ مُلُوكاً عَلَي رِقَابِ العَالَمِينَ فَانظُرُوا إِلَي مَا صَارُوا إِلَيهِ فِي آخِرِ أُمُورِهِم حِينَ وَقَعَتِ الفُرقَةُ وَ تَشَتّتَتِ الأُلفَةُ وَ اختَلَفَتِ الكَلِمَةُ

ص: 53


1- ينظر : محمد أديبي، السلم والتعايش الإنساني، 3

وَ الأَفئِدَةُ وَ تَشَعّبُوا مُختَلِفِينَ وَ تَفَرّقُوا مُتَحَارِبِينَ وَ قَد خَلَعَ اللّهُ عَنهُم لِبَاسَ كَرَامَتِهِ وَ سَلَبَهُم غَضَارَةَ نِعمَتِهِ وَ بقَيِ َ قَصَصُ أَخبَارِهِم فِيكُم عِبَراً لِلمُعتَبِرِينَ»(1) .

ماذا نجني من السلام والتعايش السلمي؟:

يقول الإمام (عليه السلام) في كتابه لمالك الأشتر:

«فَإِنَّ فِی الصُّلْحِ دَعَهً لِجُنُودِک، وَ رَاحَهً مِنْ هُمُومِکَ وَ أَمْناً لِبِلاَدِک»(2).

إذا وسّعنا مدلول (الجنود) و(الهموم) و(الأمن) ليشمل كل الطاقات التي من المفترض أن تقوم بالتنمية الدائمة الشاملة في كلّ مجتمع من المجتمعات البشرية، فنستطيع أن نستوعب

ص: 54


1- الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 3/ 212
2- ابن میثم البحراني، شرح نهج البلاغة، 5/ 174

مدلول كلام الإمام (عليه السلام)، فنری کیف كان الإمام (عليه السلام) يؤمن بأثر السلام في تنمية الطاقات المختلفة التي يمتلكها المجتمع ليستخدمها في تطويره في مختلف الميادين؛ وذلك بعيداً عن الهموم والمشاكل التي تواجهها كثير من المجتمعات المسلمة التي كانت عليها أن تقتدي بكلام الإمام (عليه السلام)، وتجتاز العقبات التي سدّت طريق التقدم والتنمية أمام هذه المجتمعات. وتوفير الفرص للقيام بعملية الإصلاح في المجتمع، وهناك فائدة أخرى للسلام يضع الإمام إصبعه عليها، فيقول ردّاً على الذين سألوه:لِمَ جَعَلتَ بَيَنَكَ وبَينَهُم أجَلًا فِي التَّحكِيمِ.

يقول (عليه السلام):|

«إِنّمَا فَعَلتُ ذَلِكَ لِيَتَبَيّنَ الجَاهِلُ وَ يَتَثَبّتَ العَالِمُ وَ لَعَلّ اللّهَ أَن يُصلِحَ فِي هَذِهِ الهُدنَةِ أَمرَ هَذِهِ الأُمّةِ وَ لَا تُؤخَذَ بِأَكظَامِهَا فَتَعجَلَ عَن تَبَيّنِّ

ص: 55

الحَقّ وَ تَنقَادَ لِأَوّلِ الغيَ»(1) .

إذا كانت في الهدنة التي أعقبت الحرب مع العدو فرصة للإصلاح وإخماد نيران الأحقاد والعودة إلى الرشد وسواء السبيل، فمن البديهي أنَّ يكون للسلام والتعايش مثل هذه الإنجازات في علاقاتنا المحلية والإقليمية والدولية.

إنَّ التعاضد والتضامن في وجه الأخطار التي تهدد المجتمعات المتعايشة المسالمة من الثمار التي تجنيه هذه المجتمعات من السلام والتعايش، ونرى ذلك في النص العلوي حين نستنطق ضفيرة من ضفائر هذا النص، فيذكر الإمام (عليه السلام) في حلف يعقده بین ربيعة واليمن أنها تصبحان (يداً واحدة) ومن ذوي (دعوة واحدة)، أي السلام والتعايش يبرزان القواسم

(1) .

ص: 56


1- الشيخ الطوسي، الاحتجاج، 1/ 279

المشتركة بين هاتين الطائفتين من الناس لتنتج عنها قوة واحدة تحمي الطرفين المسالمين.

وغني عن الذكر أننا حين نقوم بترهين هذا الجزء من الخطاب العلوي علينا أنَّ ننتبه إلى أن المجتمعات المعاصرة ليست مثل (المجتمعين) اللذين عقد الإمام (عليه السلام) بينها الهدنة، فالمجتمعات المعاصرة أكثر تعقيدا وتعددية، الأمر الذي يجعلنا نحترم الآخر بخصوصياته الثقافية وبكيانه المستقل، حتى ولو كان هذا الآخر من يشترك معنا في الديانة واللغة وما شابهها من القواسم المشتركة.

إنّ الإمام (عليه السلام) خاض كثيراً من الحروب الطاحنة التي فرضها عليه أعداء الإسلام ومعارضوه، الأمر الذي أجبره اليخصص معظم طاقاته الجسدية والفكرية

ص: 57

للتعامل مع هذه الأحداث، ولا شك في أنَّ ذلك تمَّ بالفعل على حساب الفضاء النصي الذي خصه خطابه السلمي التعايشي في نصوصه التي نجدها بين أيدينا، ولا شك أيضاً في أنَّ هذا التقلص في الفضاء النصي لا يعني أبداً الضآلة في القيمة الدلالية لخطابه المسالم. زيادة على ذلك إننا نستغرب من تعامل الإمام (عليه السلام) السلمي في أحيان كثيرة، فيتوقع كثير منّا نقيضه حين نقوم بعملية إعادة خلق الواقع التاريخي. ولا يخوض الإمام (عليه السلام) غار الحرب على السلطة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان يعامل بمرونة من كان يعامله بعنف.

والدعوة التي دعا إليها الإمام (عليه السلام) هي دعوة السلم والتعايش السلمي بين أبناء الديانات والمجتمعات المختلفة، وقد رأينا كيف

ص: 58

أنَّ الخطاب العلوي هو خطاب منفتح يناشد حياة مفعمة بالتعايش والسلام، وتراءى لنا ذلك من خلال استنطاق بعض طبقات النص في نهج البلاغة، مع ذلك فإننا نعتقد أنَّ هذا النصَّ نصَّ تعددِي يحتمل قراءات متعددة، غير أنَّ ذلك لا يمنعنا، ونحن نحاول تقديم قراءة لهذا النصّ، أنَّ نقول إن: خطابٌ الإمام (عليه السلام) الفكري خطاب مؤسسٌ على التعايش السلمي، على الرغم من ضآلة الفضاء النصي الذي يحتله هذا الخطاب الفكري بالمقارنة إلى الفضاء المخصّص بها يمكن أن نسميه الخطاب القتالي في نهج البلاغة.

وينبني الخطاب العلوي المسالم هذا على الدعوة إلى السلام والحفاظ عليه، كما ينبني على الإشادة بالأنبياء السابقين (عليهم السلام)، وأشرنا إلى ذلك من خلال ذكر النص العلوي

ص: 59

للسيد المسيح (عليه السلام)، مما يكشف عن علاقة حوار وتناصّ بين نصي نهج البلاغة والإنجيل، الأمر الذي يدعو المتلقي إلى حياة مؤسّسة على الحوار والتعددية واحترام الآخر بخصوصياته الثقافية والحضارية التي تتمثل في الكيان المستقل لكل مجتمع من المجتمعات، والاعتراف بهذا الكيان حجر أساس للحوار والتعددية فالتعايش(1) .

حقوق الرعية لجميع الشرائح والأديان:

أخرج الكليني (ت 329ه) في (الكافي) بسنده عن رجل من ثقيف، وكان من عال أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: استعملني علي بن أبي طالب على بانقيا وسواد من سواد الكوفة، فقال (عليه السلام) لي:

ص: 60


1- ينظر : محمد أديبي، السلم والتعايش الإنساني، 1 - 5

«إِیَّاکَ اَنْ تَضْرِبَ مُسْلِماً أَوْ یَهُودِیّاً أَوْ نَصْرَانِیّاً فِی دِرْهَمِ خَرَاجٍ أَوْ تَبِیعَ دَابَّهَ عَلَی دِرْهَمٍ فَإِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُ اَلْعَفْوَ»(1) .

قامت حكومة الإمام (عليه السلام العادلة في ارجاء الدولة الإسلامية على الروابط الحسنة مع جميع الأديان، فقد كان الإمام (عليه السلام) سمحاً دائماً يؤمن بحرية العقيدة ومبدأ التعايش السلمي بين معتنقي المبادئ المختلفة، ويعد أهل الكتاب متساويين مع المسلمين في الحقوق والواجبات بطريقة أو بأخرى.

وجاء في كتاب (تهذیب الأحکام): إنَّ الإمام علياً (عليه السلام) كان يمشي في سكك الكوفة، فنظر إلى رجل يستعطي الناس، فوجه الإمام (عليه السلام) السؤال إلى من حوله من الناس

ص: 61


1- الشيخ الكليني، الكافي، 3/ 590

قائلاً:

«مَا هَذا؟».

فقالوا: إنه نصراني کبر وشاخ ولم يقدر على العمل، وليس له مال يستعيش به، فيكتنف الناس. فقال الإمام (عليه السلام) في غضب:

«اسْتَعْمَلْتُمُوهُ حَتَّی إِذَا کَبِرَ وَ عَجَزَ مَنَعْتُمُوهُ- أَنْفِقُوا عَلَیْهِ مِنْ بَیْتِ الْمَالِ»(1) .

فجعل الإمام (عليه السلام) لذاك النصراني من بيت مال المسلمين مرتباً خاصاً ليعيش به حتى يأتيه الموت.

الحقوق عند الإمام علي (عليه السلام) كاملة وللجميع، من دون تمييز، والضمان الاجتماعي

ص: 62


1- الشيخ الطوسي، تهذیب الأحکام، 6/ 293؛ الفيض الكاشاني، الوافي، 10/ 446

من بيت المال عام يشمل كل الناس، فالحاجة لابدّ أن تسدّ مع حفظ الكرامة الانسانية.

أليس التمييز عدوّاً للتعايش؟ ألا يكون التعايش - إن وجد - هشّاً مع الحاجة والفقر والخوف من المستقبل وإهدار الكرامة الإنسانية السدّ العَوَز؟.

والإمام (عليه السلام) يوصي مالك بالضمان

في قوله:

«ثُمَّ اللهَ اللهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ، مِنَ الْمَسَاکِينِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَ الزَّمْنَى، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً، وَاحْفَظ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَکَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ، وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِکِ، وَقِسْماً مِنْ غَلاَّتِ صَوَافِي الاْسْلاَمِ فِي کُلِّ بَلَد، فَإِنَّ لِلاْقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلاَدْنَى، وَکُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ؛ وَلاَ يَشْغَلَنَّکَ عَنْهُمْ بَطَرٌ،

ص: 63

فَإِنَّکَ لاَ تُعْذَرُ»(1) .

يقول الإمام (عليه السلام) لمالك:

«اللهَ اللهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ»:

أي لا سبيل لهم لإدارة أمورهم. «مِنَ المَساكيِن»: والمسكين هو الذي أسكنه الفقر من الحركة. «والمحتَاجِينَ»: جمع محتاج هو صاحب الحاجة. «وأهلِ البؤسَی»: أي شديدي ذوي الفقر. «والزمَّنی»: أي ذوي الأمراض والعاهات التي تمنع عن العمل. «فَإنَّ فِي هَذِه الطَّبَقَةِ قَانِعاً»: أي سائلا. «ومُعتَرّا»: أي متعرّضاً للعطاء بلا سؤال. « واحفظ الله ما استحفظک من حقه فیهم، واجعل لهم قسماً من بیت مالک، وقسماً من غلات صوافی الإسلام فی کل بلد، فان…الإسلام في كل بلد،

ص: 64


1- ابن شعبة الحراني، تحف العقول، 161

للأقصی منهم مثل الذی للأدنی»: أي لا يكون تمييز في ذلك الضمان بين المركز والمحيط أو بين العاصمة والمحافظات أو بين المدينة والأرياف.

«ولَا يَشغَلَنَّكَ عَنهُم بَطٌَر»: أي طغيان الملك والنعمة. «فَإِنَّكَ لا تُعذَرُ»: أي لا يقبل الله تعالى ولا الناس عذرك.

تعرّض (عليه السلام) في هذا الفصل من عهده المبارك لبيان طبقات النّاس والرّعيةّ وأثبت اللرّعية طبقات سبعة وليس المقصود من ذلك إثبات نظام الطبقات وتأييده فإنَّ نظام الطبقات مخالف للعدل والديمقراطية الحاكمة بتساوي الرعية في الحقوق.

فالبشر في تحوّله الاجتماعي شُرَع من نظام القبيلة والأسرة المبني على أنَّ الحكم المطلق ثابت الرئيس القبيلة وأبي الأسرة يحكم على الأفراد با

ص: 65

شاء يعزّ من شاء ويذلّ من شاء، فلا حياة للفرد إلا في ضمن القبيلة ويشترك معها في الخيرات والشرور على ما يراه صاحب الأسرة ورئيس القبيلة، وهذا أدني نظام اجتماعي وصل إليه البشر في تكامله الاجتماعي وانتقاله من الغاب إلى الصحراء، وقد ظل البشر في هذا النظام آلاف من السنين يسكن في ظل بيوت من الشعر أو الجلد وينتقل من کور إلى کور. وقد تحولت أمم من هذا النظام إلى نظام مدني أرقی قبل آلاف من السنين فقد ذكر بعضهم اکتشاف آثار المدنية في مصر من قبل خمسة عشر ألف عام وفي الصّين إلى ما قبل ذلك بآلاف من السنين، ثمّ ازدهرت المدنية في ما بين النّهرین وضواحي إيران وفارس وظلت قبائل أوربا وإفريقيا برابرة تعيش تحت الخيام إلى هذه العصور الأخيرة إلا ما ظهرت من المدنية في اليونان وبعض ضواحي البحر

ص: 66

الأبيض وجزرها.

فنظام الطبقات يحصل للأمم بعد التحوّل من النظام القبلي ومرجعه إلى الأخذ بالحسبان الامتيازات بين الأفراد والأصناف ويبتنى على التبعيض في الحقوق العامّة، كما شاع الآن في أفريقيا الجنوبية؛ إذ إنَّ الجنس الأبيض وهم الأسرة الحاكمة في البلاد يمتازون عن السودان وهم أكثر سكان البلاد الأصليين بحقوق واسعة، فنظام الطبقات يخالف التساوي والتآخي بين الأفراد والتساوي في الحقوق کا نادی به الإسلام. وقد تعلق العرب بالنظام الطبقي والأخذ بالحسبان الامتياز من وجوه شتی: منها عدم تزويج بناتهم من غير العرب، وعدم تزويج القبائل بعضها من بعض، وقد اهتمّ النبيّ (صلَّى اللهَّ عليه وآله وسلم) بمحو النظام الطبقي وإلغاء هذه الامتيازات المتوهمّة بكلّ ما أتي من جهد.

ص: 67

ومقصوده (عليه السّلام) من قوله: (واعلم أنَّ للرّعيّة طبقات) ليس اثبات الطبقات بهذا المعنى؛ بل بیان اختلاف الرّعيّة في ما تتصدی له من شؤون الحياة البشريّة؛ إذ إنَّ الإنسان مدني بالطبع يحتاج إلى أمور كثيرة في معاشه من المأكل والملبس والمسكن ولا يقدر فرد واحد؛ بل أفراد على إدارة كلّ هذه الأمور فلا بدّ وأن تنقسم الرّعيّة بحسب مشاغلها إلى طبقات ويتصدى كل طبقة لشأني من الشؤون وشغلٍ من المشاغل، ثم يتبادل حاصل أعمالهم بعضهم مع بعض حتى يتم أمر معيشتهم ويكمل حوائج حياتهم وجعل الرعية سبع طبقات.

وقد بيّن (عليه السّلام) في نظم طبقات الرّعيّة أنه لا محلّ للعاطل، ومن لا يعمل عملاً يفيد المجتمع الحيّ البشري. ومما ترى بين الامّة من جماعات لا يتصدّون إلى هذه المشاغل

ص: 68

ولكنهم ربما يعيشون أرغد عيش بين الرّعيّة فهم كاللَّصوص.

ثمّ بيّن (عليه السلام) الموقع الاجتماعي لكلّ من هذه الطبقات واحتياج بعضها إلى بعض في إدارة شؤون الحياة وإدامتها.

ثمًّ بعد ذلك لا يخلو المجتمع مهما كان صحيحاً ومنظَّماً وعادلا من وجود ذوی العاهات والعجزة والأشياخ الَّذين لا يقدرون على العمل، فهذه الطبقة كالقشر من الشجرة فكما أنّه لا يمكن وجود شجرة سالمة مثمرة من دون قشر، لا يمكن وجود مجتمع خال من هذه الطبقة السفلى، فمنهم من أدّى خدمته أيام شبابه ودوران صحته ثم عرضه الهرم أو اعترضه السقم فتعذر له العمل، فلا بدّ من رعايته بتحمّل مؤنته، ومنهم من حرم من القوّة لعاهة عرضته فلا بدّ

ص: 69

من حفظ حرمته ورعاية كرامته، وهم الَّذين يحقّ رفدهم ومعونتهم وتهيئة وسائل معیشتهم وتسع رحمة اللهَّ تعالى كلّ هذه الطبقات السبعة ولكل منهم على الوالي حقّ الرعاية والمحافظة بقدر ما يصلحه(1) .

ص: 70


1- ينظر : الخوئی، منهاج البراعة، 20/ 190 - 201

الخاتمة:

خلص البحث إلى ما يأتي:

1. التعايش السلمي مصطلح معاصر معناه القبول بالآخر المختلف إيديولوجياً ودينياً وعرقياً.

2. بات واضحاً ما مرَّ في البحث أنَّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) سعى إلى وضع أسس ودعائم الدولة المتحضرة التي تقوم على احترام حقوق الإنسان واحترام إنسانية الإنسان، وقد سعی الإمام (عليه السلام) سعياً حثيثاً إلى ذلك، الأمر الذي كلّفه حياته الشريفة؛ إذ عاداه مجتمعه الذي تعوّد على نظام الطبقية. ويحق لنا نحن المسلمين الفخر والاعتزاز ونحن ننظر إلى باني الدولة العصرية قد

ص: 71

نادي بالشعارات التي ينادون بها اليوم ودعا لها وعمل على تحقيقها، فيما يسمونه اليوم: حرية، ديمقراطية، فهم الآخر، الحوار مع الآخر، التعايش السلمي.

3. واليوم، لا تزال الفرصة سانحة، بإمكان عالم اليوم المليء بالحروب والدمار واغتصاب الحقوق العودة إلى ذلك النهج النيّر، نهج الإمام علي (عليه السلام)، فهو يكفينا لإقامة الدولة الصالحة والعصرية المتحضرة، وكذا العودة إلى كتابه إلى واليه على مصر الشهيد مالك الأشتر رضوان الله عليه، لننهل من ذلك المعين العذب، وهو يوصي عامله بأدق الأمور وفي شتّى میادین إدارة الدولة.

4. تبين من الدراسة أنّ الخطاب العلوي

ص: 72

خطاب مؤسّس على التعايش السلمي وإعطاء الأولوية للسلام واحترام الآخر، على الرغم مما يكشفه لنا التاريخ من الحروب والصراعات التي خاضها الإمام (عليه السلام) طيلة حياته المباركة قبل تصديه للسلطة السياسية وبعده.

***

ص: 73

المصادر والمراجع:

- خير ما نبتدئ به القرآن الكريم.

المصادر:

الجوهري، إسماعيل بن حماد (ت 393ه):

1- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور العطار، (دار العلم للملايين، بیروت، 1407 ه).

ابن أبي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله

المدائني المعتزلي (ت 656ه):

2- شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم،

دار إحياء الكتب العلمية، بيروت، 1378 ه).

الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل (ت 502ه):

3- مفردات ألفاظ القرآن، تحقیق صفوان عدنان داوودي، (منشورات طليعة النور، قم، 1627 ه).

الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمد بن عمر الخوارزمي (ت 538ه):

ص: 74

4- ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، تحقیق عبد الأمير مهنا، (مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت، 1612ه).

السمعاني، أبو سعيد عبد الكريم بن محمد التميمي المروزي (ت 592 ه):

5- الأنساب، تقدیم و تعليق عبد الله عمر البارودي، (دار الجنان، بيروت ، 1408ه).

ابن شعبة الحراني، أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين الحلبي (ت القرن4 ه):

6- تحف العقول عن آل الرسول (تحفة العقول)، تحقيق علي أكبر غفاري، (مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1404ه).

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي بن أحمد الجبعي العاملي (ت 965ه):

7- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، تحقيق السيد محمد الكلانتر، (مطبعة أمير، قم، 1389 ه). الشيخ الطبرسي، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي

ص: 75

طالب (ت 548ه):

8- الاحتجاج، تحقيق محمد باقر الخرسان، (مطبعة النعمان، النجف الأشرف، 1389 ه).

الشيخ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن (ت 460ه):

9- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، تحقيق حسن الموسوي الخرسان، (مطبعة خورشيد، الناشر دار الكتب الاسلامية، طهران، 1390 ه).

10- تهذیب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد رضوان الله عليه، حققه وعلق عليه السيد حسن الموسوي الخرسان، (مطبعة خورشید، طهران، 1390 ه).

الفيض الكاشاني، محمد حسن (ت 1091ه):

11 - الوافي، تحقيق ضياء الدين الحسيني، (الناشر مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام، أصفهان، 1406ه).

القاضي النعمان بن محمد التميمي المغربي (ت 363ه):

12- دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا

ص: 76

والأحكام عن أهل البيت رسول الله عليه وعليهم أفضل السلام، تحقیق آصف بن علي أصغر، (دار المعارف القاهرة 1383 ه).

قطب الدين الراوندي، سعيد بن هبة الله (ت 573ه):

13 - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تحقيق السيد عبد اللطيف الكوكهمري، (مطبعة الخيام، قم، 1406ه).

الشيخ الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الرازي (ت 328ه):

14- الكافي، تحقيق علي أكبر الغفاري، (دار الكتب الإسلامية، طهران، 1388 ه).

المجلسي، محمد باقر (ت 1111 ه):

15- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، (مؤسسة الوفاء، بیروت، 1903 ه).

ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مکرم الإفريقي المصري (ت 711ه):

16- لسان العرب، (نشر أدب الحوزة، قم، 1405ه).

ص: 77

ابن میثم البحراني، کمال الدین میثم بن علي بن میثم البحراني (ت 679ه):

17- شرح نهج البلاغة، عنى بتصحيحه عدّة من الأفاضل وقُوبِلَ بعِدة نُسَخ مَوثوقٌ بها، (الناشر مرکز النشر مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1408ه).

المراجع:

السيد جعفر مرتضى العاملي:

18 - مختصر مفيد (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)،

مطبعة المركز الإسلامي للدراسات، بیروت، 1326ه).

الخوئي، العلامة المحقق الحاج میرزا حبیب الله الهاشمي الخوئي (ت 1324 ه.):

19 - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تحقيق السيد إبراهيم الميانجي، (منشورات دار الهجرة، قم، 1603ه).

الريشهري، محمد:

20 - القيادة في الإسلام، تعريب علي الأسدي، (دار

ص: 78

الحدیث، قم، دت).

21- میزان الحکمة، دار الحدیث، قم، 1416ه). الزركلي، خير الدين (ت 1410ه):

الأعلام، (دار العلم للملايين، بيروت، 1980 م).

الشيرازي، محمد الحسيني (ت 1922 ه):

22- توضيح نهج البلاغة، (دار تراث الشيعة، طهران، دت).

عالم سبيط النيلي:

23 - طور الاستخلاف (الطور الهدوی)، (الناشر المركز النيلي للدراسات القصدية، 1434ه). محمد جواد مغنية (ت 1400 ه):

24 - التفسير الكاشف، (دار العلم للملايين، بيروت، 1981م)

25- في ظلال نهج البلاغة، (مطبعة ستار، إيران، 1627ه).

مواقع الانترنت:

ستار الجودة:

ص: 79

26- موقع كتابات ستار الجودة.

www.kitabat.com.

محمّد أديبي مهر وید الله ملايري:

27- السلم والتعايش الإنساني من منظار نهج البلاغة.

(موقع نهج البلاغة). arabic.balaghah.net/content

ص: 80

المحتويات

مقدمة المؤسسة ...5

مقدمة ...9

التمهيد: (التعايش السلمي) لغةً واصطلاحاً:..13

التعايش لغة: ...13

السلم لغةً: ... 13

التعايش السلمی اصطلاحا: ...15

الوالي مالك الأشتر(رضی لله عنه ): ...22

التعايش السلمي عند الإمام علي (علیه السلام) في عهده المالك الأشتر: ...25

قوله (علیه السلام) لمالك في التعايش السلمي وتفضيل السلم على القتال : ...45

ماذا نجني من السلام والتعايش السلمي: ... 54

حقوق الرعية لجميع الشرائح والأديان: ...60

الخاتمة: ....71

المصادر والمراجع: ...74

المصادر :...74

المراجع: ...78

مواقع الانترنت: ...79

ص: 81

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.