ما انکره اعلام اهل السنة الجماعة فیما شجر بین أبی بکر وفاطمة طعمة حصن الكتيبة أنموذجا

هوية الکتاب

ما انکرهُ اعلامُ اهلِ السنةِ الجماعة فیما شجر بین أبی بکر وفاطمة طعمة حصن الكتيبة أنموذجا

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 2834 لسنة 2021 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda| رقم تصنيف BP80.F36 H37 2021 LC المؤلف الشخصي: الحسني، نبيل، 1384 - للهجرة - مؤلف. العنوان: ما أنكره أعلام أهل السنة والجماعة فيما شجر بين أبي بكر وفاطمة طعمة حصن الكتيبة أنموذجا: دراسة بينية في ضوء مقاصدية القرآن والسنة والتاريخ / بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي. بيانات الطبع: الطبعة الاولى.

9789922946595 ISBN

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2021 / 1442 للهجرة. الوصف المادي: 144 صفحة؛ 24 سم. سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 889).

ص: 1

اشارة

9789922946595 ISBN رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 2834 لسنة 2021 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda| رقم تصنيف BP80.F36 H37 2021 LC المؤلف الشخصي: الحسني، نبيل، 1384 - للهجرة - مؤلف. العنوان: ما أنكره أعلام أهل السنة والجماعة فيما شجر بين أبي بكر وفاطمة طعمة حصن الكتيبة أنموذجا: دراسة بينية في ضوء مقاصدية القرآن والسنة والتاريخ / بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي. بيانات الطبع: الطبعة الاولى. بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2021 / 1442 للهجرة. الوصف المادي: 144 صفحة؛ 24 سم. سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 889). سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 194). سلسلة النشر: (سلسلة دراسات في آل علي (علیه السلام)، الصديقة فاطمة الزهراء (علیها السلام)؛ 7). تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 125-140). موضوع شخصي: /1/ فاطمة الزهراء، فاطمة بنت محمد بن عبد الله (علیها السلام)، 8 قبل الهجرة - 11 للهجرة - الخطبة الفدكية/2/ فاطمة الزهراء، فاطمة بنت محمد بن عبد الله (علیها السلام)، 8 قبل الهجرة - 11 للهجرة - المواريث /3/ محمد (صلی الله علیه و آله وسلم)، النبي، 53 قبل الهجرة - 11 للهجرة - سيرة /4/ أبو بكر، عبد الله بن أبي قحافة، 51 قبل الهجرة - 13 للهجرة - نقد و تفسیر /5/ عائشة بنت أبي بكر، 9 قبل الهجرة - 58 للهجرة /6/ الأحاديث الخاصة (إنا معشر الأنبياء لا نورّث) /7/ حصن الكتيبة (خيبر: السعودية) /8/ فدك (السعودية) - حديث /9/ التاريخ الإسلامي - عصر صدر الإسلام، 610-661 ب. العنوان. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق)، مؤسسة علوم نهج البلاغة، جهة مصدرة. تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 2

سلسلة دراسات في آل علي (علیه السلام) (7) الصديقة الطاهرة فاطمة (علیها السلام) (3) ما أنكره أعلام أهل السنة والجماعة فيما شجر بين أبي بكر وفاطمة طعمة حصن الكتيبة أنموذجا: دراسة بينية في ضوء مقاصدية القرآن والسنة والتاريخ تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1442 ه - 2021 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر (عليه السلام) مؤسسة علوم نهج البلاغة الموقع الألكتروني:

www.inahj.org الإيميل: Inahj.org@gmail.com موبایل: 07815016633 - 07728243600

ص: 4

الاهدَاء ألی: باب الله الذي من سلك غيره هلك..

ونور الله الذي لا يطفئ.. وحجة الله الي لا تخفى..

إلى: من يُعز الله به الدين بعد الحصول.. ويُطاع به الحق بعد الأفول..

ویجلی به الظلمة.. ويكشف به الغمة.. ويُؤَمن به البلاد.. ويهدي به العياد..

إلب: مبیر الظالين وداكّ عروش المجرمين والأخذ بحق بضعة السيد المرسلين صلى الله عليه وآله الطاهرين. ولی الله المكرم وابن سيد الأنبياء اطعظم وخاتم الأوصياء، الإمام المنتظر والغائب المشتهر [صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الأئمة المنتجبين وحجج الله على الخلق أجمعين] أهدي كتابي هذا. «يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ» [سورة يوسف / 44].

ص: 5

ص: 6

مقدِّمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

«الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَی مَا أَنْعَمَ، وَ لَهُ الشُّکْرُ عَلَی مَا أَلْهَمَ، وَ الثَّنَاءُ بِمَا قَدَّمَ، مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَأَهَا، وَ سُبُوغِ آلَاءٍ أَسْدَاهَا، وَ تَمَامِ مِنَنٍ وَالاهَا، جَمَّ عَنِ الْإِحْصَاءِ عَدَدُهَا، وَ نَأَی عَنِ الْجَزَاءِ أَمَدُهَا، وَ تَفَاوَتَ عَنِ الْإِدْرَاکِ أَبَدُهَا، وَ نَدَبَهُمْ لِاسْتِزَادَتِهَا بِالشُّکْرِ لِاتِّصَالِهَا، وَ اسْتَحْمَدَ إِلَی الْخَلَائِقِ بِإِجْزَالِهَا، وَ ثَنَّی بِالنَّدْبِ إِلَی أَمْثَالِهَا»(1).

والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الأمجد، والرسولِ المسدَّدِ، أبي القاسم محمَّد، عبدُهُ ورسولُهُ، «اَرْسَلَهُ بالدّینِ المَشْهُورِ وَالْعَلَمِ المأثورِ، وَالکِتابِ المَسطورِ، وَالنُّورِ السّاطِعِ، وَ الضّیاءِ اللاّمِعِ والأمرِ الصّادِعِ، اِزاحَةً للِشّبُهاتِ وَاحْتِجاجاً بِالبَیّناتِ، وَ تَحذِیراً بالآیاتِ وتَخوِیفاً بِالمَثُلات»(2)، وعلى آله وعترته وأهل بيته وثقله الأصغر في أُمَّته، حُجَجِ الله على خلقه، «هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ وَلَجَأُ أَمْرِهِ، وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ وَمَوْئِلُ حُكْمِهِ، وَكُهُوفُ كُتُبِهِ وَجِبَالُ دِينِهِ، بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ»(3).

ص: 7


1- الاحتجاج للطبرسي: خطبة الزهراء (عليها السلام): ج 1 ص 132
2- نهج البلاغة، بشرح محمد عبده، الخطبة الثانية: ج 1 ص 14
3- المصدر نفسه: ج 1 ص 29 - 30

أما بعد:

لم يزل الإنسان في صراع دؤوب مع الثوابت والمتغيرات في القيم الأخلاقية والشرعية على نحو خاص والقيم الإنسانية التي شملت تطور النمو المعرفي للإنسان منذ تاريخ وجوده على الأرض على نحو عام.

وما استشهاد القرآن الكريم والسُنة النبوية بذكر الاحداث والمجريات التي وقعت بين بني الإنسان ابتداءً من ابني آدم (عليه السلام) وانتهاء بهذه الأمة لخير دليل يعزز المناهج العلمية والبحثية في مواكبتها ودراستها للأحداث السابقة بغية الخروج بنتائج جديدة تسهم في بناء المنظومة الفكرية والمعرفية للإنسان وتمكنه أن يتجنب الخسائر في فقدان القيم الإنسانية والأخلاقية والشرعية أو تذويبها عبر اقحام المتغيرات فيها أو تغلغل الآراء الناكرة لها.

وما هذه الدراسة إلا واحدة من الدراسات التي تناولت القيم الإنسانية والأخلاقية والشرعية في قضية حملت معها جملة من الثوابت القيمية التي عكف على دراستها والبحث فيها منذ وقوعها وإلى يومنا هذا العديد من العلماء والباحثين والمحققين وفي مختلف الحقول المعرفية كالفقه والعقيدة واللغة والحديث والتاريخ وغيرها.

وذلك إن ما شجر من الخلاف بين بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) وأبي بكر هو في الأساس يشكل قضية إنسانية وقيميّة، فضلاً عن كونها قضية شرعية وعقدية لم تزل العلامة الفارقة بين شيعة أهل البيت (عليهم السلام) وأهل السُنّة والجماعة؛ والحد الفاصل بين التولي والتبري.

ص: 8

ولذا: فقد استلزم البحث في هذه القضية افراد جملة من العنوانات المستقلة لتكون تباعا لما خلصت اليه هذه الدراسة من نتائج، والموسومة ب:

1- (إرث النبي صلى الله عليه وآله في المذاهب الخمسة بين منع النبوة ودفع فاطمة عليها السلام).

2- (معارضة حديث «لا نورث» للقرآن والسُنّة واللغة).

3- (حرب الكلمة في إقرار الخليفة بحقوق فاطمة (عليها السلام) بين قوله (لا نورث) و (یرثه أهله).

4- (مغالطات المحدّثين والمفسرين في نحلة سيدة نساء العالمين (عليها السلام) سورة الإسراء والروم أنموذجًا).

5- (معارضة خلفاء المسلمين لسُنّة أبي بكر في أموال بضعة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله في ضوء مقاصدية التاريخ والسُنّة).

ودراستها وفق المنهاج العلمية بغية الوصول إلى نتائج معرفية جديدة تسهم في مواكبة الحركة المعرفية والمنظومة الفكرية والقيم الانسانية وذلك لما اكتنزته هذ القضية.

ومن ثم: فالدراسة - التي بين أيدينا - تبحث في محورين أساسين، الأول: تفكيك دعوى ظلامة فاطمة (عليها السلام) إلى عناصرها الاساس، وأنها في الأصل ثلاث دعاوی منفصلة في أحكامها الشرعية والعقدية والاحتجاجية، وهي على النحو الآتي:

ص: 9

1. أموال النبي (صلى الله عليه وآله) والممنوعة عن بضعة النبوة فاطمة (عليها السلام) بحديث «لا نورث» وقد افردنا لهذه الدعوی کتابا مستقلا کما اسلفنا.

2- سهم ذي القربي من الخمس، وقد حجبه ابو بكر عن البضعة النبوية وبعلها وولديها (عليهم السلام) وقد افردنا لها كتابا مستقلا أيضا.

3- نحلة النبي (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام) مما أفاء الله عليه من أرض بني النضير، أي أرض فدك، وبيان ما أنكره أعلام أهل السنة والجماعة في هذه الدعوى عبر تقديم المطالبة بالإرث على المطالبة بفدك، وأن آية ذي القربي مكية، وإنكار السند، وغيرها، وقد أفردنا له كتابًا مستقلا.

والمحور الثاني: تجدد الإنكار من أعلام أهل السُنة والجماعة ورموزها للثوابت الشرعية التي لازمت قضية البضعة (عليها السلام) منذ وقوعها وإلى يومنا هذا، عبر لَيّ عنق النصوص للوصول إلى متغيرات في هذه الثوابت القيمية في القرآن والسُنة واللغة والسيرة؛ کما سیمر في عينة الدراسة، وما بحثنا الموسوم ب (خصومة فاطمة (عليها السلام) عند ابن عثيمين) إلا انموذج لهذا التجدد في الإنكار.

وعليه:

فقد اشتملت الدراسة بفضل الله تعالى و فضل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) على فصلين وتمهيد بالمصطلحات، ومناهج البحث المعتمدة؛ وخاتمة تضمنت نتائج الدراسة، وهي على النحو الآتي:

ص: 10

الفصل الأول: قراءة تاريخية في أسباب الخلاف بين البضعة النبوية (عليها السلام) و أبي بكر وما شجر بينهما ودوافعه، وقد اشتمل على مبحثين و مسائل عدة؛ فكان المبحث الأول: معارضة دعوى الإمساك عما شجر بين الصحابة للقرآن والسُنّة.

وتناول المبحث الثاني: تحديد عائشة لعناصر الخلاف فيما بين بضعة النبوة (عليها السلام) وأبي بكر.

وأما الفصل الثاني: فقد خصص لدراسة ما صادره ابو بکر لطُعمَةِ فاطمة (عليها السلام) من حصن الكتيبة واتباع عمر بن الخطاب له في ذلك، بل وزاد عليه في جملة من الإجراءات، وإنكار أعلام أهل السُنّة والجماعة لهذه الظلامة، عِبرَ التعتيم والتخليط والتغليط والتدليس، حتی طويت بين حوادث ما جرى على البضعة النبوية (عليها السلام) وماشجر بينها وأبي بكر، وانشغال الناس لاسيما طلبة العلم في دعوى فدك أو الارث، واهتمامهم بهما، فكتبوا فيهما ومنذ وقوع التخاصم والتشاجر بينها وبين الشيخين وإلى يومنا هذا، وكأن هذه الحادثة لم تكن، فيا لله ولظلامة فاطمة (عليها السلام)!!.

وقد اشتمل الفصل على مبحثين، الأول: هوية حصن الكتيبة وقيمته الاقتصادية.

والثاني: ما كتمته عائشة من ظلامة فاطمة (عليها السلام) في إمارة أبيها، فقد أظهرته في إمارة عمر بن الخطاب.

ص: 11

وعليه:

فقد اكتنزت ظلامة البضعة النبوية (عليها السلام) العديد من القيم الإنسانية والأخلاقية والشرعية، فأصبحت متجددة في كل زمان و مکان، تسير مع سير الإسلام حتى یرد المسلمون على رسولهم (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة؛ فَنِعمَ الحكم الله، والزعيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

«وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» «وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ».

الثامن عشر من جمادى الآخرلعام 1442 ه الموافق لغرة شباط لعام 2021 من جوار ضريح ريحانة الرسول (صلی الله علیه و آله وسلم) وقرة عين الزهراء البتول كربلاء الطهر والفداء المعلى بضريح سيد الشهداء (علیه السلام) المتشرف بالخدمتين العتبة الحسينية المقدسة وكتاب نهج البلاغة نبيل الحسني الكربلائي

ص: 12

استهلال قال أمير المؤمنين الإمام علي (علیه السلام)، وهو يخاطب رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) فيبثه شكواه وتظلمه بعد أن واری قاطمة (علیها السلام) في ثراها: «وَ سَتُنَبِّئُکَ ابْنَتُکَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِکَ عَلَی هَضْمِهَا فَأَحفِهَا السُّؤَالَ وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ فَکَمْ مِنْ غَلِیلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلَی بَثِّهِ سَبِیلاً وَ سَتَقُولُ وَ یَحْکُمُ اللَّهُ وَ هُوَ خَیْرُ الْحَاکِمِینَ»(1)

ص: 13


1- الكافي للكليني: ج 1 ص 459؛ نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي: الخطبة 202؛ أمالي المفيد: ص 238

ص: 14

التمهید مصطلحات الدراسة وحقولها المعرفیة یشتمل التهدید علی ثلالثة مباحث، تبیّن ما ورد في الدراسة من مصطلحات ارتبطت بموضوعها وعنوانها، فضلاً عن حقولها المعرفیة، وفرضیة الدراسة ونوعها ومناهج البحث المعتمدة وهي علی النحو الآتي:

ص: 15

ص: 16

المبحث الأول المعنى اللغوي والاصطلاحي لمفردات عنوان الدراسة

المسألة الأولى: معنى الإنكار ومفهومه.

قال ابن منظور:

(النُّکْرُ، والنَّکْراءُ: الدَّهاءُ والفِطْنة.

ورجل نَکِرُ، ونکُرٌ ونُکُرُ ومُنْکَرٌ من قوم مَناکِیر: دَاه فَطِنٌ؛ حکاه سیبویه.

والإِنْكارُ: الجُحُودُ.

والنَّكِرَةُ إنكارك الشيء، وهو نقيض المعرفة.

والنَّکِرَرةُ: خلاف المعرفة.

ونَكِرَ الأَمر نَكِيراً وأَنْكَرَه إِنْكاراً ونُکْراً: جهله؛ عن كراع.

قال ابن سيده: والصحيح أَن الإِنكار المصدر والنُّكْر الاسم.

ويقال: أَنْكَرْتُ الشيء وأَنا أُنْكِرُه إِنكاراً ونَكِرْتُه مثله؛ قال الأُعشى:

وأنْکرَتْنِی، وما کانَ الَّذِی نَکِرَتْ *** مِنَ الحوادثِ إلَّا الشَّیْبَ والصَّلَعا

وفي التنزيل العزيز: «نَكِرَهُمْ وأَوْجَسَ منهم خِيفَةَ»، الليث: ولا يستعمل نَکِرَر في غابر ولا أَمْرٍ ولا نهي.

ص: 17

والنَّكارَةُ: الدَّهاء، وكذلك النُّكْرُ، بالضم.

يقال للرجل إذا كان فَطِناً مُنْکَراً: ما أَشدّ نُکْرَه ونَکْرَه أَيضاً، بالفتح؛ وقد نَکُرَ الأَمر، بالضم، أَي: صَعُبَ واشتَدَّ.

وفي حديث أَبي وائل وذكر أَبا موسى فقال: ما كان أَنْکَرَه أي أَدْهاه، من النَّکْرِ، بالضم، وهو الدَّهاءُ والأَمر المُنْكَرُ، والمُناکَرَةُ: المُحارَبَةُ.

و ناکَرَه أَي: قاتَلَه لأَن كل واحد من المتحاربين يُناکِرُ الآخر أَي يُداهِيه ويُخادِعُه.

يقال: فلان یُناکِرُ فلاناً، وبينهما مُناکَرَةٌ أَي مُعاداة وقِتالٌ)(1).

ويتضح من ذلك أن الحقيقة اللغوية ل (الإنكار) و مفهومه، هي: نقيض المعرفة، فينشأ مع الشيء المنكر معاداة وقتال، ومنه النهي عن المنكر في الشريعة، فكان بين الناهي عن المنكر والعامل به محاربة وقتال، فكل منهما يداهي الآخر ويخادعه.

ومن هذه الحقيقة اللغوية ومفهومها تستشف الدراسة مادتها ونتائجها، فقد أنكر أعلام أهل السُنّة والجماعة معرفتهم بظلامة بضعة النبوة (عليها السلام)، وتضافروا على جحد حقوقها، وتصويب فعل أبي بكر فيما شجر بينهما من خصومة، فانكروا حقوقها، ونقضوا جهادها، وغايروا في دعواها، ومنها طعمتها من حصن الكتيبة.

ص: 18


1- لسان العرب: ج 5 ص 233

المسألة الثانية: معنى الاشتجار في اللغة.

تناول اللغويون معنى الاشتجار في معاجمهم، فخلصوا إلى انه مشتق من الشجر، وذلك لتداخل اغصانه وتشابكها مع بعضها ومنه قيل: تشاجر القوم اذا تخاصموا؛ وهو على النحو الآتي:

1- قال الفراهيدي (ت 175 ه):

(يقال لمجتمع الشجر: شجراء و المشجرة: أرض تنبت الشجر الكثير، وقل ما يقال الأرض شجيرة، وماء شجير. وهذه أشجر من هذه أي أكثر شجرا و المشجر ضرب من التصاوير على صفة الشجر.

وقد شجر بينهم أمر وخصومة أي اختلط واختلف، و اشتجر بينهم.

و تشاجر القوم: تنازعوا واختلفوا.

ويقال: سمي الشجر لاختلاف أغصانه ودخول بعضها في بعض، واشتق من تشاجر القوم)(1).

2- وقال ابن فارس (ت 395 ه):

(الشين والجيم والراء أصلان متداخلان يقرب بعضهما من بعض ولا يخلو معناهما من تداخل الشيء بعضه في بعض ومن علو في شيء وارتفاع، فالشجر معروف الواحدة شجرة وهي لا تخلو من ارتفاع وتداخل أغصان، ووادٍ شجر كثير الشجر، ويقال: هذه الأرض أشجر من غيرها أي أكثر شجرا

ص: 19


1- كتاب العين: ج 6 ص 31 - 32

والشجر كل نبت له ساق، قال الله تعالى:

«وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ» [سورة الرحمن / 6].

وشجر بين القوم الأمر إذا اختلف أو اختلفوا وتشاجروا فيه وسمیت مشاجرة لتداخل كلامهم بعضه في بعض واشتجروا تنازعوا.

قال الله سبحانه وتعالى:

«فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» [سورة النساء / 65])(1).

ص: 20


1- معجم مقاییس اللغة: ج 3 ص 246

المبحث الثاني مصطلحات عنوان الدراسة وبيان معناها ومفهومها

المسألة الأولى: معنى السُنَّة ومفهومها.

قبل الوقوف عند النصوص الكاشفة عن نتائج الدراسة فلابد من بیان معنى السُنة ومفهومها، وكذا بيان نشأت مصطلح أهل السُنّة والجماعة ومفهومه وحقيقته، كي يتضح لدى القارئ مواضع البحث وصحة إيراد الشواهد، وكشف الحقائق، لاسيما في عَيّنة الدراسة، وعليه:

أولاً: السُنَّةُ لُغَةً.

قال ابن فارس (ت 395 ه): (سَنَّ: السين والنون أصل واحد مطرد وهو جریان الشيء وإطراده في سهولة والأصل قولهم سننت الماء على وجهي أسنه سنا إذا أرسلته إرسالا ثم اشتق منه رجل مسنون الوجه كأن اللحم قد سن على وجهه والحمأ المسنون من ذلك كأنه قد صب صبا ومما اشتق منه السنة وهي السيرة. وسنة رسول الله عليه السلام سيرته قال الهذلي :

فَلَا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّهٍ أَنْتَ سِرْتَها *** فَأوَّلُ رَاضٍ سُنَّه مَنْ یَسِیرُهَا

وإذا سميت بذلك لأنها تجري جريا. ومن ذلك قولهم امض على سننك وسننك أي وجهك.

ص: 21

وجاءت الريح سنائن إذا جاءت على طريقة واحدة. ثم يحمل على هذا سننت الحديدة أسنها سنا إذا أمررتها على السنان. والسنان هو المسن.

قال الشاعر:

سنان كحد الصلبي النحيض

والسنان للرمح من هذا لأنه مسنون أي محطول محدد وكذلك السناسن وهي أطراف فقار الظهر كأنها سنت سنا؛ ومن الباب سن الإنسان وغيره مشبه بسنان الرمح والسنون ما يستاك به لأنه يسن به الأسنان سنا)(1).

ثانياً: السُنَّةُ اِصطِلاحَاً.

فالسُنَّة: بضم الأول وفتح الثاني مع التشديد في اصطلاح المتشرعة على معنيين:

الأول، هو: قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وفعله وتقريره، بل المطلق من طريقته وهديه (صلى الله عليه وآله وسلم) - وعند الشيعة الإمامية - التابعين لأئمة العترة من أهل البيت (عليهم السلام)، يضاف إلى الرسول قول أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام) وفعلهم وتقريرهم وهدیهم، لأنهم امتداد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلفاؤه حقاً ووارثوه وهم أئمة يهدون إلى الحق وبه یعدلون، وإنهم أئمة معصومون. لا يقولون ولا يعملون إلا على التنزيل والتأويل، وهم معدن علم الله وعلم رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 22


1- معجم مقاییس اللغة: ج 3 ص 60

وأما عند الجمهور وعامة المسلمين المعروفين بأهل السُنّة، يضاف إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) سُنّة الصحابة وسيرتهم ولاسيما الخلفاء منهم، وأن لهم حق التشريع حسب المصالح المرسلة كما في مسألة المتعتين والطلاق البدعي، وتبديل حي على خير العمل ب(الصلاة خير من النوم)، وعشرات من نحو هذه التشريعات.

والثاني: العمل المستحب الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يواظب على العمل به، ويحضّ المؤمنين عليه، وهو دون الواجب وفوق الندب، کالختان والصلاة بالجماعة، وكتحية المسجد، وفعل النوافل المرتبة ولو يأتي بركعتين منها. والمراد من السُنَّة قبال الكتاب: هو المعنى الأول)(1).

ومن تعريفات السُنَّة ما جاء عند الفقهاء بأنّها (العِلمُ الواقع من المعصومِ ولم يَكن فرضًا واجبًا)(2)، وعُرّفت عند المحدثين بأنّها (كلّ ما أثُر عن الرسول (صلی الله علیه و آله وسلم) من قول أو فعل أو تقرير، أو صفةٍ خَلقية، أو خُلقية، أو سيرة، أكان ذلك قبل البعثة، أم بعدها)(3)، وإما عندَ الأصوليين فإنّها (ما صدر عن الرسول محمد (صلی الله علیه و آله وسلم) من الأدلة الشّرعية ممّا ليسَ بمتلو، ولا هو معجز، ولا داخل في المعجز)(4).

ص: 23


1- اجماعیات فقه الشيعة للسيد إسماعيل المرعشي: ج 1، ص 15، ط 2
2- مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني: علي كاشف الغطاء، تحقيق و نشر مؤسسة کاشف الغطاء، مطبعة صبح، بیروت، ط 1، 1435 ه، 1/ 45
3- حجية السنة في الفكر الإسلامي: حيدر حب الله، دار الانتشار العربي، بیروت، ط 1، 1432، ص 34
4- الأحكام في أصول الإحكام: علي بن محمد الامدي، المكتب الإسلامي، طبع مؤسسة النور، ط 2، 1402 ه، 1/ 165

وكذلك بأنها (قولُ المعصوم لفظًا، أو كتابةً، أو إشارة، أو فعله إذا لم يعلم أنَّهُ من خصائصه، کالزّواج بأكثر من أربعة، أو ترکه، کما لو ترك القنوت في صلاة الصّبح، فإنَّ ترکَهُ دليلٌ على عَدَمِ وجوبه، أو تقريرِهِ لما يصدر عن غيره بسكوتٍ أو موافقة، أو استحسانٍ، مع تمكُّنِهِ من الرَّدع)(1).

وقد قسمت السنة على ثلاثةِ أقسام، تتمثل بالآتي:

1- السُنّة القولية: ويقصدُ بها الأحاديث التي تَلفَّظَ بها الرسول (صلی الله علیه و آله وسلم)(2)، نحو قوله (صلی الله علیه و آله وسلم): «إنما الأعمال بالنيات»(3)، (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)(4)، وغيرها من الأحاديث الشريفة.

2- السُنَّة الفعلية: هي كل ما فَعله النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) أو الإمام (علیه السلام) نحو وضوؤه وصَلاته وحُجّته(5).

3- السُنَّة التقريرية: (وهي أن يستحسن، أو يوافق، أو يسكت المعصوم عن إنكارِ فِعلٍ، أو تركِهِ، أو قولٍ صَدَرَ في حُضُورهِ، أو في غَيبتِهِ، وعلم به، ولم يَردَع عنه)(6).

وإما أقسام السُنَّة على أساسٍ علاقتها بالقرآنِ الكريم فأنّها تنقسم إلى:

ص: 24


1- مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني: كاشف الغطاء، 1/ 45
2- المصدر نفسه: 1/ 45
3- جامع أحاديث الشيعة: البروجردي، 1/ 358
4- الكافي: الكليني، 5 / 295 - بحار الأنوار: المجلسي، 22/ 136
5- ينظر: دراسات في علم الدراية: علي اکبر غفاري، نشر جامعة الإمام الصادق (علیه السلام)، مطبعة تابش، طهران، ط 1، 1336 ه، ص 16
6- مصادر الحكم الشرعي، کاشف الغطاء، 1/ 45

1- السُنَّة المؤكدة: وهي التي تأتي موافقة للكتابِ الكريم، نحو (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)(1)، فانّه يوافق قوله تعالى: ««يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا» [سورة النساء / 29].

2- السُنَّة المبينة: وهي (المُوضحة لما أجمله القرآن الكريم، مثل مخصصة للعام أو مقيدة للمطلق، مثل الأحاديث الواردة في بيان عدد ركعات الصلاة ومقدار الزكاة في المال)(2).

3- الشئسُنَّة المؤسسة: وهي (التي تدل على حكم قد سكت عنه القرآن الكريم)(3)، نحو قوله: (صلی الله علیه و آله وسلم) «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(4).

ثالثاً: حجية السُنّة المطهرة.

أما حجية السُنَّة فلا إشكالَ فيها، لأنّها صادرَةٌ عن المعصومِ عن الخطأ، وقد قامت الأدلّة الأربعة على حُجّيتها(5)، وتعدُّ السُنَّة الشرّيفة حجة في التشريع الإسلامي إلى جانبِ القرآنِ الكريم في استنباطِ الأحكام الشرعية، لأنّها وحيٌ مِن الله تعالى، فمَن جحدها فقد کذب بالدين وأنكر القُرآن

ص: 25


1- الخلاف: الطوسي، 3/ 177 - المهذب: عبد العزيز ابن البراج الطرابلسي، تحقيق مؤسسة سید الشهداء، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، د ط، 1406 ه، 1/ 435
2- المدخل إلى الشريعة الإسلامية: كاشف الغطاء، ص 151
3- المصدر نفسه ص 151
4- الخلاف: الطوسي، 4/ 302 - مستند الشيعة: النراقي، 18/ 254
5- ينظر: مصادر الحكم الشرعي: کاشف الغطاء، ص 46

الكريم، إذ أننا لم نعرف أن القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى، إلا من قول النبي محمد (صلی الله علیه و آله وسلم)، فإذا لم يكن قوله حُجّة، فلا أثر للقرآنِ، ولا معنى لجميعِ العبادات والأحكام التي جاءَ تفصيلها من طريق السنة فحجيّة السُنَّة من اکبرِ ضروريات الدّين، ولا خلافَ بين المسلمين في ذلك، بَل هي بديهية لا تُخفي أيضًا على غيرٍ المسلمين(1).

والمَقصود من السُنَّة النّبوية هي سُنة الرّسول محمد (صلی الله علیه و آله وسلم) وأهل بيته (علیهم السلام)، وقد جاءَ في الحديثِ «أنظروا أهل بیت نبیکم فألزمواسمتهم واتبعوا إثرهم، فلن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردي، فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فأنهضوا، ولا تسبقوهم فتضلوا ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا...»(2).

وكانَ الإمام علي (علیه السلام) هو الحافظ لسنّة الرسول (صلی الله علیه و آله وسلم) لأنّ هذا الحفظ لا يمكن أن يَحصل إلا من قبل جهة موثوقة قادرة على تقبّل السُنَّة ووعيها ورعايتها، وقد تواترت الأحاديث عن رسولِ الله (صلی الله علیه و آله وسلم) بأعلميّة الإمام علي (علیه السلام)(3)، وقد أكدَ هذا الأمر الإمامُ علي (علیه السلام) بقوله: «إن هاهنا لعلها جما - وأشار بيده إلى صدره - لو أصبت له حملة، بلی أصبت لقنًا غير مأمون عليه، مستعملا آلة الدين للدنيا، ومستظهرا بنعم الله على عباده، وبحججه على أوليائه، أو منقادا لحملة الحق لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة...»(4).

ص: 26


1- ينظر: تاريخ السنة النبوية: عبد الحمید صائب، مركز الغدير، بيروت، ط 1، 1418 ه، 7
2- بحار الأنوار: المجلسی، 34/ 82
3- ينظر: الإمام علي ومشكلة نظام الحكم: محمد طي، دار الغدير، بیروت، ط 1، 1417 ه، 227
4- بحار الأنوار: المجلسي،23/ 46

فالإمام علي (علیه السلام) بيّنَ في وصيتهِ أنّهُ حامل لعلمِ الرسول (صلی الله علیه و آله وسلم) وسنّته وبيّنَ أن هُناك من يأخذُ هذا العلم عنه بقوله لكميل بن زیاد: «اللهمَّ بلی، لا تخلوا الأرض من قائم لله بحجةِ، إما ظاهرا مشهورا، وإما خائفا مغمورا، لئلا تبطل حجج الله وبيناته.....»(1).

فهذه الرواية تؤكد على أن ((الغرض الدّاعي إلى بعثة النّبي (صلی الله علیه و آله وسلم) داع إلى وجود إمام يخلفُ النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) عامة سماته، سوى ما دلّ القرآن على انحصارهِ به ککونِه نبيا رسولا وصاحب شريعة))(2)، فخلفاء النبي في سنتهِ (صلی الله علیه و آله وسلم) هم الإمام علي وعترته (علیهم السلام)، إذ يقول (صلی الله علیه و آله وسلم): ((لا يزالُ أمر أمّتي صالحًا حتى يمضي إثنا عشر خلیفة كلهم من قریش»(3).

المسألة الثانية: معنى مصطلح أهل السنة والجماعة ومفهومه.

أولًا: تباين الأقوال في معنى المصطلح:

تباينت الأقوال في نشأت مصطلح (أهل السُنّة والجماعة) ومفهومه ودلالته عند جمهور المسلمين ولم تتفق أقوالهم على معنی جامع مانع، سوى أنهم في مقابل أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، فكانت أقوالهم على النحو الآتي:

ص: 27


1- تحف العقول عن آل الرسول (عليهم السلام): أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم ط 2، 1404 ه، 71
2- محاضرات في الإلهيات: جعفر السبحاني، نشر مؤسسة الصادق (عليه السلام)، ط 10، 11426 ه، 361
3- مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب، 1/ 250؛ بحار الأنوار: المجلسي، 36/ 289

1- قال محمد الكثيري:

أن ل ((السُنّة)) في الاصطلاح مفهومين أو معنيين: الأول ما يقابل البدعة أو ما ليس له أساس في الشرع. الثاني: قول الرسول وفعله وتقريره. أما قولنا ((أهل السُنّة)) فيه إضافة ((لأهل)) أي أصحاب أو أتباع أو المقتدون بسُنّة الرسول [صلى الله عليه واله] من فعل وقول وتقرير. وسمي رواة الحديث وطالبيه بعلماء السُنّة أو السُنّن، أو جامعي السُنة. ومن خالف السُنة سقط في البدعة أو الابتداع في دين الله ما ليس منه؛ لكن مصطلح ((أهل السُنّة)) سيعرف تطورا في المفهوم، حيث ستتعدد مصادیقه. فأهل السُنة أو أصحاب الحديث والأثر سيقابلهم أهل الرأي.

وعندما ظهرت المدارس اللغوية والفقهية والكلامية فيما بعد انقسمت إلى اتجاهين اثنين، (الرأي والقياس، وأصحاب الحدیث والأثر). تیار یعتبر الرأي والقياس ويعتمده فيما يصل إليه من نتائج، وتيار يقدم الحديث أو النص ولا يتركه إلى غيره. وظهر عند كلا التيارين إفراط وتفریط. لقد أطلق مصطلح ((أهل السُّنة)) قبل ظهور الأشعري على جميع المحدثين ولم يكن يعني لدى أصحابه والملقبين به، سوى أنهم أصحاب الحديث النبوي، رواته وجامعوه والمدافعون عنه والعاملين بمضمونه. کما اختص جماعة آخرون بهذا اللقب کعبد الله بن سعيد الكلاب وأبو العباس أحمد بن عبد الرحمن القلانسي والحارث بن أسد المحاسبي. وذلك لقيامهم بالرد على عقائد المعتزلة وتفنيد آرائهم. وقد كون هؤلاء الثلاثة وبالخصوص ابن کلاب مدرسة فكرية في العقائد، سيكون لها أبلغ الأثر في مدرسة الأشعري الكلامية والتي سترث عنها لقب ((أهل السُنة)).

ص: 28

کما سيعرف هذا اللقب مفهوما اصطلاحيا جديدا لا يحيد عنه ابتداء من القرن الرابع الهجري وإلى الآن. يقول أحمد أمين: سمي الأشعري وأتباعه والماتريدي وأتباعه ب ((أهل السُنُّة)) وقد استعملت كلمة ((أهل)) بدل النسبة فقالوا: أهل السنة أي السنيين ... وسمي المعتزلة أنفسهم أهل العدل والتوحيد، وسمي المبتدعة أهل الأهواء.

والسنة في ((أهل السُنة)) تحتمل أحد معنيين: إما أن تكون السُنة بمعنی الطريقة أي أن أهل السُنة اتبعوا طريقة الصحابة والتابعين في تسليمهم بالمتشابهات من غير خوض دقيق في معانيها. بل تركوا علمها إلى الله، وإما أن تكون السُنة بمعنى الحديث. أي أنهم يؤمنون بصحيح الحديث ويقرونه من غير تحرز كثير وتأویل کثیر کما يفعل المعتزلة ... واسم أهل السُنة كان يطلق على جماعة قبل الأشعري والماتريدي. وقد حكي لنا أن جماعة كان يطلق عليها ((أهل السُنّة)) وكانت تناهض المعتزلة قبل الأشعري. ولما جاء الأشعري وتعلم على المعتزلة، اطلع أيضا على مذهب ((أهل السُنّة)) وتردد كثيرا في أي الفريقين أصح ثم أعلن انضمامه إلى ((أهل السُنّة)) وخروجه على المعتزلة.

وأهل السُنّة الذين سبقوا الأشعري هم کما ذكرنا مدرسة ابن کلاب ومناصريها أبو العباس القلانسي والمحاسبي، فهم الذين اشتهروا بالرد على المعتزلة. وأطلق الباحثون عليهم لقب ((أوائل أهل السُنّة)) وعليه فإن لقب ((أهل السُنّة)) قد عرف فعلا تطورا في مفهومه الاصطلاحي وانطباقه.

ص: 29

فلم يعد ((یعني: أصحاب الحدیث والأثر)) ومن حدا حدوهم بالتحديد، ولكنه أصبح يختص بمجموعة من العلماء قد لا يكونون ممن يشتغل بعلوم الحديث ويقفون عندها. بل من اشتغلوا بالكلام والرد على المعتزلة(1).

2- قال سفر الحولي:

(إن مصطلح أهل السُنّة والجماعة يطلق ويراد به معنيان:

أ- المعنى الأعم: وهو ما يقابل الشيعة فيقال: المنتسبون للإسلام قسمان: أهل السُنة والشيعة، مثلما عنون ابن تيمية في كتابه في الرد على الرافضي (منهاج السُنّة) وفيه بيَّنَ هذين المعنيين، وصرّح أن ما ذهبت إليه الطوائف المبتدعة من أهل السُنة بالمعنى الأخص.

وهذا المعنى يدخل فيه كل من سوى الشيعة كالأشاعرة، لا سيما والأشاعرة فيما يتعلق بموضوع الصحابة والخلفاء متفقون مع أهل السُنة، وهي نقطة الاتفاق المنهجية الوحيدة.

ب- المعنى الأخص: وهو ما يقابل المبتدعة وأهل الأهواء، وهو الأكثر استعمالا وعليه كتب الجرح والتعديل، فإذا قالوا عن الرجل أنه صاحب سُنّة أو كان سُنيا أو من أهل السُنة ونحوها، فالمراد أنه ليس من إحدى الطوائف البدعية كالخوارج والمعتزلة والشيعة، وليس صاحب کلام وهوی.

وهذا المعنى لا يدخل فيه الأشاعرة أبدا، بل هم خارجون عنه وقد نص الإمام أحمد وابن المديني على أن من خاض في شيء من علم الكلام لا يعتبر

ص: 30


1- السلفية بين أهل السنة والامامية: ص 57 - 58

من أهل السُنة وإن أصاب بكلامه السُنة حتى يدع الجدل ويسلم للنصوص، فلم يشترطوا موافقة السُنة فحسب، بل التلقي والاستمداد منها، فمن تلقي من السُنة فهو من أهلها وإن أخطأ، ومن تلقى من غيرها فقد أخطأ وإن وافقها في النتيجة؛ الأشاعرة تلقوا واستمدوا من غير السُنة ولم يوافقوها في النتائج فكيف يكون من أهلها)(1).

3- قال محمد باکریم:

(معنی أهل السُنّة: أهل الشيء، هم أخص الناس به، يقال في اللغة: أهل الرجل: أخص الناس به وأهل البيت سكانه، وأهل الإسلام من يدين به، وأهل المذهب من يدين به.

فمعنى أهل السُنّة؛ أي: أخص الناس بها وأكثرهم تمسكا بها واتباعالها قولا وعملا واعتقادا.

وهذا اللفظ أصبح مصطلحا يطلق ويراد به أحد معنيين:

المعنى الأول:

معنی عام يدخل فيه جميع المنتسبين إلى الإسلام على الرافضة؛ فيقال: هذا رافضي، وهذا سُني، وهذا هو اصطلاح العامة؛ لأن الرافضة هم المشهورون عندهم بمخالفة السُنّة فجمهور العامة لا تعرف ضد السُنّي إلا الرافضي؛ فإذا قال أحدهم: أنا سُني فإنما؛ معناه: لست رافضيا وقد ورد عن بعض السلف ما يشير إلى هذا المعنى فقد قيل لسفيان الثوري: يا أبا عبد الله! وما موافقة

ص: 31


1- منهاج الأشاعرة في العقيدة: ص 7

السُنّة؟ قال: تقدمة الشيخين أبي بكر وعمر، فالسُني عنده من قدمها على غيرهما في الخلافة والفضل، ومن لم يقدمها فليس بسُني، ولم يؤخرهما عن مرتبتها إلا الرافضة.

المعنى الثاني:

معنی أخص وأضيق من المعنى العام، ويراد به أهل السُنّة المحضة الخالصة من البدع، ويخرج به سائر أهل الأهواء والبدع، کالخوارج والجهمية والمرجئة، والشيعة وغيرهم من أهل البدع.

يبين ابن تيمية معنى لفظ ((أهل السُنّة)) فيقول: فلفظ ((أهل السُنّة)) يراد به من أثبت خلافة الثلاثة، فيدخل في ذلك - أي: في لفظ أهل السُنّة - جميع الطوائف إلا الرافضة، وقد يراد به: أهل الحديث والسُنّة المحضة؛ فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول: (القرآن غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة، ويثبت القدر، وغير ذلك من الأمور المعروفة عند أهل الحديث والسُنّة).

ومن خالف شيئا من ذلك عد من أصحاب البدع، ولم يكن سنیا، بذا حكم إمام أهل السُنّة دون منازع الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عليه؛ حيث قال في مقدمة كتاب ((السُنّة)): (هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر، وأهل السُنّة المتمسكين بعروتها المعروفين بها المقتدي بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه [واله] وسلم إلى يومنا هذا، وأدركت عليها من علماء الحجاز والشام وغيرهما عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو

ص: 32

طعن فيها أو عاب قائلها؛ فهو مخالف مبتدع وخارج عن الجماعة زایل عن منهج السنة وسبيل الحق))(1).

4- قال ابن عثيمين وقد سأله السائل:

(هناك من ينكر استعمال مصطلح أهل السُنّة والجماعة، ويقول: نقول: السلفيين أو السلف؛ لأن في ذلك إدخالا للأشاعرة والماتريدية في هذا المصطلح؟

فقال: من الخطأ أن ندخل أهل البدع مهما كانت بدعتهم في الاسم المطلق لأهل السُنّة والجماعة، فإن أهل السُنّة والجماعة لا يدخل فيهم من خالف السلف فيما هم عليه، وفيما خالفهم فيه، فمثلا: إذا كان هذا الرجل ينكر من صفات الله وأسمائه ما ينكره فهو ليس من أهل السُنّة والجماعة فيما أنكره، وإن كان منهم في أمور أخرى؛ لأن أهل السُنّة والجماعة يرون أن الإنسان قد يجتمع فيه بدعة وسُنة، كفر أصغر وإیمان، فهذا الرجل الذي خالف السلف في صفات الله نقول: هو ليس من أهل السُنّة والجماعة في صفات الله، وإن كان منهم في أعمال أخرى، كالمسائل الفقهية مثلا، فنحن نمنع أصلا أن يكون صاحب بدعة من أهل السُنّة في بدعته، وحينئذ نسلم من هذا الإشكال الذي أدى إلى تضارب آراء العلماء.

فالذي نرى أن أهل البدع في بدعهم ليسوا من أهل السُنّة والجماعة؛ لأن هذه البدعة ليس عليها أهل السُنّة والجماعة وكيف يكون من أهل السُنّة

ص: 33


1- وسطية أهل السنة بين الفرق: ج 1 ص 50؛ انظر: منهاج السنة 3/ 444 - 484، (ط. جامعة الإمام بتحقيق د. محمد رشاد سالم)

والجماعة وهو مخالف لهم؟!! السائل: وهل مصطلح أهل السُنّة والجماعة يستعمل للسلفيين أم لا؟ الجواب: أبدا، لا حاجة لذلك؛ لأن أهل السُنّة والجماعة حقيقة هم من كانوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه [واله] وسلم وأصحابه، ولهذا فسر النبي صلى الله عليه [واله] وسلم الفرقة الناجية بأنهم من كانوا على مثل ما كان عليه هو وأصحابه.

السائل: - كمثال - نجعل النووي وابن حجر من غير أهل السُنة والجماعة؟ الشيخ: فيما يذهبان إليه في الأسماء والصفات ليسا من أهل السُنّة والجماعة.

السائل: بالإطلاق ليسا من أهل السُنّة والجماعة؟ الشيخ: لا نطلق، ولهذا أنا قلت لك: إن من خالف السلف في صفات الله لا يعطي الاسم المطلق بأنه من أهل السُنّة والجماعة، بل يقيد يقال: هو من أهل السُنّة والجماعة في طريقته الفقهية مثلا، أما في طريقته البدعية فليس من أهل السُنّة والجماعة)(1).

ثانياً: اضطراب المفهوم ومناقضته للحقيقة الشرعية:

من الواضح جداً أن هناك أراء مختلفة في بيان مصطلح أهل السُنّة والجماعة، بل من الواضح جداً التطرف الفكري في بعض هذه الأقوال، كقولهم في معنی السُنّة: (معنی عام يدخل فيه جميع المنتسبين إلى الإسلام على الرافضة)!! والرافضة يشهدون الشهادتين ويؤدون الفرائض الخمسة ويحجون ويصومون ویزکون ويخمسون؛ لكنهم يمتازون عن بقية المسلمين في التولي والتبري، فهم يوالون عترة النبي (صلى الله عليه واله) ويبرئون ممن ظلمهم.

ص: 34


1- لقاء الباب المفتوح: ج 8 ص 29

وكقول ابن عثيمين في اخراجه الحافظين النووي وابن حجر من أهل السُنّة والجماعة وأنهم أهل بدعة، محاولاً دفع هذا التطرف الفكري والمغالطة في المفهوم فجعلها سنتان في الفقه والعقيدة، وحصره المجسمة - والعياذ بالله - في أنهم أهل السُنّة والجماعة، وأنّ الفرقة الناجية هم من كانوا على مثل ما كان عليه [صلى الله عيه واله] هو وأصحابه.

وفي هذا المفهوم تقع المشكلة، وذلك أن جميع المسلمين يرجعون الى سُنّة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بمقتضى النسبة، أي نسبة السُنّة إليه (صلى الله عليه واله) لكن السؤال المطروح: هل كان أصحابه على منهاجه وطريقته وهديه، أم أنهم «أجتهدوا» - کما یزعمون - في سُنّته، فمنهم من أصاب ومنهم من أخطأ فنال كل منهم أجره، القاتل منهم والمقتول!! بل فيهم من جاهر بمعصية الله ورسوله (صلى الله عليه واله وسلم)، بل بدل السُنّة النبوية وأحدث فيها وابتدع - کما یروي البخاري، ومسلم، وأحمد - وما الدراسة التي بين ايدينا إلا أنموذجاً مما وقع من الظلم للشريعة وبضعة النبوة فاطمة (علیها السلام).

إلا أن اقرار ابن تيمية بان أهل السُنّة «من أقروا بخلافة أبي بكر وعمر وتفضيلهما على سائر الصحابة» فهو الأمر الجامع الذي دار في فلكه معنی الجماعة، ليكون بإزاء من أقرَّ بخلافة أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) وتفضيله على سائر الصحابة، ورفض خلافة أبي بكر وبيعته فسماهم بالرافضة، ولأجل ذلك عنوّن منهاجه - الأموي - في الرد على العلامة الفقيه ابن المطهر الحلي (عليه الرحمة والرضوان) فوَسَمَهُ بالرافضي، لكونه دان الله

ص: 35

بحب الإمام علي و مشایعته فقها وعقيدة، ورفض بيعة أبي بكر هذه البيعة التي وصفها صاحبه عمر بن الخطاب بأنها كانت فلتة (ولكن الله وقی شرها)، كما أخرجه البخاري(1).

وعليه:

لم يكن المصطلح إلا للتميز بين من أتبع أهل البيت (عليهم السلام) وتشيع لهم ووالاهم فقها وعقيدة، وبين من أتبع أبي وبكر وعمر وتشيع لها واتبع سنتهما فقها وعقيدة، فكان الخلفاء من بني أمية وبني العباس وأئمة المذاهب الفقهية والمدارس العقدية تبعا لها، فسارت سُنّة الشيخين بموازات سُنّة النبي (صلى الله عليه واله)، بل غلّبت عليها.

ولعل أيرادنا للشواهد في بيان هذه الحقيقة يخرجنا عن منهاج الدراسة وعنوانها، فيكفي في ذاك ما لقيه الأعمش(2) من الحرب لروايته حديثا في

ص: 36


1- صحيح البخاري، کتاب المحاربين: ج 8 ص 29
2- ترجم له الذهبي، قائلاً: (سليمان بن مهران، ع. الأعمش الإمام أبو محمد الأسدي مولاهم الكاهلي الكوفي الحافظ المقرئ أحد الأئمة الأعلام. يقال ولد بقرية من عمل طبرستان يقال لها أمه، وذلك في سنة إحدى وستين، وقد رأي أنس بن مالك ورآه يصلي ولم يثبت أنه سمع منه مع أن أنساً لما توفي كان للأعمش نیف وثلاثون سنة، وكان يمكنه السماع من جماعة من الصحابة. وقد روي عن عبد الله بن أبي أوفي و أبي وائل وزيد بن وهب وأبي عمرو الشيباني و خثيمة بن عبد الرحمن وإبراهيم النخعي وجاهد وأبي صالح وسالم بن أبي الجعد وأبي حازم الأشجعي والشعبي وهلال بن يساف و يحيى بن وثاب و أبي الضحی وسعيد بن جبير وخلق كثير من كبار التابعين. حدث عنه أمم لا يحصون منهم الحكم بن عتيبة وأبو إسحاق السبيعي وهما من شيوخه وشعبة) والسفيانان و جریر وشعبة والسفیانان و جریر بن حازم وجریر بن عبد الحميد وزائدة وأبو معاوية ووكيع وحفص بن غياث وأبو أسامة وعبد الله بن موسی و جعفر بن عون والخريبي وابن المبارك وابن نمير وعبد الحميد الحماني وعبد الواحد بن زياد وعلي بن مسهر و عیسی بن يونس ومحمد بن بشر وابن فضيل ويحيى القطان ويحيى بن عيسى الرملي ويعلي بن عبيد وأبو نعيم. قال ابن المديني: له نحو من ألف وثلاثمائة حديث. وقال ابن عيينة: كان الأعمش أقرأهم لكتاب الله و أحفظهم للحديث وأعلمهم بالفرائض. وقال أبو حفص الفلاس: كان يسمى المصحفمن صدقه. وقال يحيى القطان: هو علامة الإسلام. وقال وكيع: بقي الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى. وقال الخريبي: ما خلف الأعمش أعبد منه، وكان رضي الله عنه صاحب سنة. وقد قرأ الأعمش القرآن على يحيى بن وثاب عن قراءته على أصحاب ابن وسعود. قرأ عليه جماعة منهم حمزة الزيات. وكان مع جلالته في العلم والفضل صاحب ملح ومزاح، قيل إنه جاءه أصحاب الحديث يوماً فخرج فقال: لولا أن في منزلي من هو أبغض إلي منكم ما خرجت إليكم. رواها وكيع عنه. وقد سأله داود الحائك: ما تقول يا أبا محمد في الصلاة خلف الحائك فقال: لا بأس بها على غير وضوء، قيل في شهادة الحائك قال: تقبل مع عدلين. قال ابن عيينة: سبق الأعمش أصحابه بخصال: كان أقرأهم لكتاب الله وأحفظهم للحديث وأعلمهم بالفرائض. وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان ثقة ثبتاً کان محدث الكوفة في زمانه، ويقال: ظهر له أربعة آلاف حدیث، لم يكن له كتاب و كان يقرأ القرآن رأساً فيه وكان فصيحاً وكان أبوه مهران من سبي الديلم. قال وكان الأعمش عسراً سيئ الخلق وكان لا يلحن حرفاً وكان عالماً بالفرائض. قال وكان فيه تشيع. كذا قال، وليس هذا بصحيح عنه بلى، كان صاحب سُنة). (تاریخ الاسلام: ج 9 ص 162 - 163)

الإمام علي (عليه السلام)، فقد لاقى من معاصريه من أهل السُنّة والجماعة حربا مستعرة!! وذلك أنه حدّثَ الناس بقول الإمام علي عليه السلام: «أنا قسيم النار».

ص: 37

والعلة في هذه الحرب يكشفها عیسی بن يونس فيقول:

(ما رأيت الأعمش خضع إلا مرّة واحدة، فانه حدثنا بهذا الحديث، قال علي (عليه السلام):

«أنا قسيم النار».

فبلغ ذلك أهل السُنّة فجاؤوا أليه فقالوا: اتحدث بأحاديث تقوي بها الروافضة والزيدية والشيعة؟

فقال: سمعته فحدثت به.

فقالوا: فكل شيء سمعته تحدث به؟!! قال: فرأيته خضع ذلك اليوم)(1).

والحديث لا يحتاج إلى مزيد من البيان في ممارسة التعتيم والتضليل والإخفاء والإقصاء لثقل النبي (صلى الله عليه واله) الأصغر في أمته، ونبذ أمره (صلى الله عليه واله) فيهم، وكأنهم صمّوا وعمّوا عن قوله:

«ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» فحث على كتاب الله ورَّغَبَ فيه، ثم قال: «وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذکرکم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»(2).

بل، أنّ أهل السُنّة والجماعة قد تعاهدت على تغيّر سُنّته (صلى الله عليه

ص: 38


1- ضعفاء العقيلي: ج 3 ص 416؛ لسان الميزان لابن حجر: ج 3 ص 247
2- صحيح مسلم باب: من فضائل علي (عليه السلام): ج 7 ص 123

وآله) أذا عملت بها شيعة أهل بيته (عليهم السلام)، وما قول ابن تيمية عن ذاك ببعيد، أذ يقول في حكم السُنّة النبوية في تسطيح القبور والنهي عن تسنيمها:

(ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء الى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعارا لهم، فأنّه وإن لم يكن الترك واجبا لذلك، لكن في اظهار ذلك مشابهة لهم، فلا تميز السُنّي من الرافضي)(1).

وقال الرافعي: (التسنيم أفضل مخالفة لشعار الروافض)(2).

وقد رَدَّ الحافظ النووي على هذا التحامل على الشيعة الرافضة واتخاذه شعارا في ترك الواجبات والسُنّن النبوية فيقول: (ورد الجمهور على ابن ابي هريرة في دعواه أن التسنيم أفضل لكون التسطيح شعار الرافضة. فلا يضر موافقة الرافضي لنا في ذلك ولو كانت موافقتهم لنا سببا لترك ما وافقوا فيه، لتركنا واجبات وسننا كثيرة)(3).

بل إنّ الحقيقة الثابتة: أنّ أهل السُنّة والجماعة تركوا سُنّة النبي (صلى الله عليه واله) من مقدمات العبادات الى خواتيم المعاملات، ومن التوحيد فليس كمثله شيء الى سقي الناس بيد علي (عليه السلام) على الحوض في المعاد، وذلك لموافقتها الرافضة.

ص: 39


1- منهاج السنة: ج 2 ص 143
2- فتح العزيز ج 5 ص 224
3- المجموع: ج 5 ص 269

أذن:

إنّ القول، بأن معنى أهل السُنّة: هم المتمسكون بسنة النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، هو محض إفتراء على سُنّة رسول الله (صلى الله عليه واله) وشريعته، فقد اشتكت السُنّة إلى صاحبها وآنت مما أفتُريَّ عليها وغُیَّرَ وبُدَّلَ فيها، وحسبك منه ما أخرجه البخاري عن شكوى النبي (صلى الله عليه واله) فيما أحدثه بعض أصحابه وبدلوا في سُنّته وشريعته، وأنهم «لم يزالوا مرتدین على أعاقبهم منذ فارقتهم»(1). وأن منهم من يساق الى النار، فيقول النبي (صلى الله عليه واله)، وهو ينظر أليهم متعجباً - واللفظ لمسلم النيسابوري -:

«یا رب هؤلاء من أصحابي؟ فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟!!(2) فيرد (صلى الله عليه واله) قائلا: «سحقا سحقا لمن بدل بعدي»(3).

ومن ثم، فإن القول بارتداد بعض الصحابة وأنهم أحدثوا وبدلوا في سُنّته وشريعته (صلى الله عليه واله) ليس من أقوال الشيعة الرافضة، كما يتهمهم ابن تيمية وأشياخه؛ بل هو ما أخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد، وغيرهم من أصحاب السُنّن والمسانید و الصحاح والمصنَّفات والمعاجم والمستدرکات عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فهو من كشف حقيقة كثير من أصحابه، قائلاً:

«فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم»(4).

ص: 40


1- صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق: ج 4 ص 110
2- صحیح مسلم، باب: استحباب أطالة الغرة والتحجيل: ج 1 ص 150
3- صحيح البخاری، کتاب الفتن: ج 8 ص 87؛ صحیح مسلم، باب: أثبات الحوض: ج 7 ص 66؛ مسند أحمد، حديث أبي مالك: ج 5 ص 333
4- صحيح البخاری، کتاب الرقاق: ج 7 ص 309

فتبرأ منهم، ومما فعلوا، وأحدثوا من بعده، فيقول فيهم - واللفظ للبخاري -:

«كما قال البعد الصالح:

«وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» [سورة المائدة / 117 - 118](1)».

فأي سُنّة هذه التي يدعون أنهم أهلها، وأين النجاة وكثير من السلف يساقون إلى النّار؟!

المسألة الثالثة: معنى المقاصدية ومفهومها.

للوصول إلى معنى القصدية ومفهومها فلا بد من الرجوع إلى تعريفها في اللغة والاصطلاح وما ذكره البلاغيون من استعمالات ودلالات و معنی للقصد في كتبهم.

ومن ثم لنقف عند مقاصدية قول ابن عثيمين في بضعة النبوة فاطمة (عليها السلام) وما نتج عنه من شبهات عقدية، وهو كالآتي:

أولاً: معنى القصد والمقاصدية في اللغة.

إن المستفاد من معنی مفردة (قصد) في اللغة، هو إصابة المعنى في اللفظ والوصول إليه.

ص: 41


1- صحيح البخاری، کتاب الرقاق: ج 7 ص 195

قال الفراهيدي:

(القصد: استقامة الطريق، والقصد في المعيشة أن لا تسرف ولا تقتر؛ وقد جاء في الحديث: ماعال مقتصد، ولا يعيل)(1).

وقال ابن فارس (ت 395 ه):

قصد: القاف، والصاد، والدال؛ أصول ثلاثة يدل أحدهما على إتيان شيء وأمه، والأخر على كسر وانکسار، والآخر على اكتناز في الشيء؛ فالأصل: قصدته قصداً و مقصداً.

ومن الباب: أقصد السهم إذا أصابه فقتل مكانه وكأنه قيل ذلك لأنه لم يحد عنه)(2).

وهذا يكشف عن دلالة القصد في النص: أي إصابة المعنى الذي عناه منتج النص كما يصيب السهم الهدف ويصل إليه:

(فأقصدها سهمي وقد كان قبلها *** لأمثالها من نسوة الحي قانصاً)(3)

وفي الأصل الثالث الذي ذكره ابن فارس يحدد وظيفة القصد في اللفظ، أي أن النص يكون متمثلاً ومكتنزاً للمعاني والدلالات فتكون وظيفة المتلقي اخراج هذه المعاني التي اكتنزها اللفظ.

ص: 42


1- كتاب العين: ج 5 ص 54
2- معجم مقاییس اللغة: ج 5 ص 95
3- المصدر نفسه: ج 5 ص 95

ولذا قيل : (الناقة القصيدة: المكتنزة الممتلئة لحماً.

قال الأعشى:

قطعت وصاحبي سرح كناز *** كركن الرعن ذعلبة قصيد

ولذا سميت القصدية من الشعر قصيدة لتقصيد أبياتها، ولا تكون أبياتها إلا تامة الأبنية)(1).

وأظهر أبو هلال العسكري (ت 395 ه):

(إنَّ المعنى: القصد الذي يقع به القول على وجه، وقد يكون معنى الكلام في اللغة ما تعلق به القصد.

وقيل: إنَّ المعنى هو القصد، ما يقصد إليه من القول، فجعل المعنى: القصد لأنه مصدر)(2).

وقد كان لابن جني بيان موفق في تحديد موقع اللفظ وأصله، أي (القصد) في كلام العرب وهو: الاعتزام، والتوجه، والنهود، والنهوض، نحو الشيء على اعتدال كان ذلك أو جور.

هذا أصله في الحقيقة وإن كان قد يخص في بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل، ألا ترى وإنك تقصد الجور تارة کما تقصد العدل أخرى، فالاعتزام والتوجه شامل لها جميعاً)(3).

ص: 43


1- معجم مقاییس اللغة: ج 5 ص 96
2- الفروق اللغوية: ص 505
3- لسان العرب، ابن منظور ج 3 ص 355

وهذا يرشد إلى أنَّ القصد يراد به في الأصل في كلام العرب حينما تتم المقارنة مع النظرية التداولية وتحديداً في معيار المقصدية هو التوجه بالمعنی والنهوض به نحو الشيء الذي عناه منتج النص مرتكزاً على الاعتدال في توجيه المعني بغية إحراز التفاعل مع المتلقي.

ثانياً: القصد والمقاصدية في الاصطلاح.

يمكن الوقوف على معنى القصدية في الاصطلاح عبر المفاهيم التي تناولت اللفظ في بعض العلوم، فالقصدية في الفلسفة هي:

(اتجاه الذهن نحو موضوع معين وإدراكه له ويسمى القصد الأول، وتفكيره في هذا الادراك سمي القصد الثاني)(1).

في حين عرَّفها علماء الظاهراتية (الفينومينولوجيا): هي مبدأ كل معرفة، تعني: أنَّ المعنى يتكون من خلال الفهم الذاتي والشعور القصدي الآتي بإزائه)(2).

ثالثاً: مفهوم مقاصدية القرآن والسُنّة.

حينما كان القرآن والسُنة النبوية المصدرين الأساسين للشريعة فإن مقاصد الشريعة هي في مفهومها قريبة من مقاصد القرآن والسنة إن لم يكن المفهومان

ص: 44


1- معجم المصطلحات في اللغة والادب، تأليف مجدي وهبة وكامل المهندس: ص 288، ط 2 مكتبة لبنان
2- هي مدرسة فلسفية تعتمد على الخبرة الحسية للظواهر كنقطة بداية (أي ما تمثله هذه الظاهرة في خبراتنا الواعية) ثم تنطلق من هذه الخبرة لتحليل هذه الظاهرة واساس معرفتنا بها. للمزيد ينظر: ويكيبيديا العربية، علم الظواهر

متلازمين في المعنى والدلالة، والغاية.

ولذا فقد ذهب البعض إلى تعريف مقاصد القرآن والسنة ب (الامر باکتساب المصالح وأسبابها والزجر عن اكتساب المفاسد وأسبابها؛ والتعريف يلمح للمقصد العام للاسلام بأنه جلب للمصالح ودرء للمفاسد)(1).

وقد اختلفت الأقوال في تحديد اقسام مقاصد القرآن، فكانت على النحو الآتي:

1- قال السيوطي (ت 911 ه)، وقد جعلها أربعة مقاصد:

إن مقاصد القرآن في اربعة علوم قامت بها الأديان، علم الأصول ومداره على معرفة الله وصفاته ومعرفة النبوات ومعرفة المعاد؛ وعلم العبادات؛ وعلم السلوك وهو حمل النفس على الآداب الشرعية وعلم القصص وهو الاطلاع على اخبار الأمم السالفة، وقد نبه عز وجل في سورة الفاتحة على جميع مقاصد القرآن(2).

2- قال محمد صدر الدين الشيرازي (ت 1050 ه)، وقد جعلها ستة مقاصد وسماها ايضا بالاصول المهمة:

(فأولها معرفة الحق الأول وصفاته وأفعاله، وثانيها معرفة الصراط المستقيم ودرجات الصعود إلى الله وكيفية السلوك عليه وعدم الانحراف عنه. وثالثها معرفة المعاد والمرجع إليه وأحوال الواصلين إليه وإلى دار رحمته وكرامته

ص: 45


1- مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين، د. عیسی بوعكاز، كلية العلوم الاسلامية - جامعة باتنة، مجلة الأحياء، العدد 20 - لسنة 2017
2- الاتقان في علوم القرآن: ج 2 ص 284

وأحوال المبعدين عنه والمعذبين في دار غضبه وسجن عذابه وهو علم المعاد والإيمان باليوم الآخر.

وأما الثلاثة الأخيرة فأحدها معرفة المبعوثين من عند الله لدعوة الخلق ونجاة النفوس عن حبس الجحيم وسوقهم إلى الله وهم قواد سفر الآخرة ورؤساء القوافل والمقصود منه الترغيب إلى الآخرة والتشويق إلى الله وثانيها حكاية أقوال الجاحدين وكشف فضائحهم وتسفيه عقولهم في غوايتهم وضلالتهم وتحرميهم طريق الهلاك والمقصود فيه التحذير عن طريق الباطل والتثبت على الطريق المستقيم.

وثالثها تعليم عمارة المنازل والمراحل إلى الله والعبودية وكيفية أخذ الزاد والاستعداد برياضة المركب وعلف الدابة لسفر المعاد والمقصود منه كيفية معاملة الإنسان مع أعيان هذه الدنيا التي بعضها داخلة فيه النفس وقواها الشهرية والغضبية برياضتها وإصلاحها حتى لا يكون جموحا بل رائضة حمولة يصلح للركوب في السفر إلى الآخرة والذهاب إلى الرب تعالی کما في قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه السلام:

«إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ» وهذا العلم يسمى تهذيب الأخلاق. وبعضها خارجة إما مجتمعة في منزل واحد كالوالد والولد والأهل والخدم ويسمى تدبير المنزل أو في مدينة واحدة أو أكثر ويسمى علم السياسة وأحكام الشريعة كالقصاص والديات والأقضية والحكومات وغيرها فهذه ستة أقسام من مقاصد القرآن)(1).

ص: 46


1- اسرار الآيات: ص 21 - 22

3- قال الفيض الكاشاني (ت 1091 ه):

إنّ مقاصد القرآن الكريم ترجع عند التحقيق إلى ثلاثة معان: معرفة الله ومعرفة السعادة والشقاوة الاخرويتين والعلم بما يوصل إلى السعادة ويبعد عن الشقاوة(1).

4- قال الألوسي (ت 1650 ه):

أن مقاصد القرآن العظيم لا تنحصر في الأمر والنهي بل هو مشتمل على مقاصد أخرى كأحوال المبدأ والمعاد ومن هنا قيل: لعل الأقرب أن يقال إن مقاصد القرآن، التوحيد والأحكام الشرعية وأحوال المعاد، والتوحيد عبارة عن تخصيص الله تعالى بالعبادة وهو الذي دعا إليه الأنبياء عليهم السلام أولاً بالذات، والتخصيص إنما يحصل بنفي عبادة غيره تعالى وعبادة الله عز وجل، إذ التخصيص له جزآن: النفي عن الغير والإثبات للمخصص به، فصارت المقاصد بهذا الاعتبار أربعة؛ وقيل: إن مقاصد القرآن صفاته تعالى والنبوات والأحكام والمواعظ(2).

رابعاً: المقاصدية في التراث البلاغي.

يتضح اهتمام البلاغيين العرب في تتبع قصد منتج النص عبر اهتمامهم بالمعنى وفهم كلام القائل وقدرته على افهام السامع وهو ما يعنيه اللسانيون في دراستهم لمعياري القصدية والمقبولية.

ص: 47


1- الوافي: ج 8 ص 669
2- تفسير الآلوسي: ج 30 ص 250

فقد أظهر أبو هلال العسكري (ت: 395 ه) مفهوم القصدية في بيانه المفهوم مفردة المعنى ودلالتها فيقول:

(المعنى هو القصد الذي يقع به القول على وجه دون وجه فيكون معنی الكلام ما تعلق به القصد)(1).

ثم يأتي بمثل في بيان حقيقة القصد ومراده فيقول:

(والكلام لا يترتب في الإخبار والاستخبار وغير ذلك إلا بالقصد، فلو قال قائل: (محمد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -) ویرید جعفر بن محمد بن جعفر كان ذلك باطلاً)(2).

ثم يأتي إلى بيان الغرض الذي أراده منتج النص في خطابه، فيقول:

(والغرض هو المقصود بالقول أو الفعل بإضمار مقدمة)(3).

وبين السبب في تسميته بالغرض (تشبيهاً بالغرض الذي يقصده الرامي بسهمه وهو الهدف)(4).

وتظهر مفاهيم العملية التواصلية في التراث البلاغي من خلال تعريفهم للبيان کما جاء عن الجاحظ (ت 255 ه) والقيرواني (ت 453 ه)، والظاهر أن القيرواني نقل هذا التعريف عن الجاحظ، فيقول:

ص: 48


1- الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري: ص 504
2- المصدر نفسه
3- المصدر نفسه
4- المصدر نفسه

(والبيان اسم جامع بكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجب حتى يفضي السامع إلى حقيقته ويهجم على محصوله كائناً ما كان ذلك البيان من أي جنس كان ذلك الدليل لأن مدار الأمر والغاية التي اليها يجري القائل والسامع إنما هو الفهم والإفهام، فبأي شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعني فذاك هو البيان في ذلك الموضع)(1).

ويظهر مدار العملية التواصلية في معياري القصدية والمقبولية في قوله:

(والغاية التي يجري اليها القائل والسامع إنما هو الفهم والإفهام، ومن ثم يكون الخطاب التواصلي بين الناس ثمرة وهي (البيان).

ويتجلى اعتماد البلغاء والشعراء القصدية في بيانهم للمعنى المنظور والموزون في الشعر، قال ابن جني:

(سمي قصيداً لأنه قصد واعتمد)(2).

وقال الجوهري : (سمي قصيداً لأن قائله احتفل له فنقحه باللفظ الجيد والمعنى المختار وأصله من القصيد)(3).

وقيل (سمي الشعر التام قصيداً لأن قائله جعل من باله فقصد له قصداً ولم يحتسّه على ما خطر بباله وجرى على لسانه، بل روی فیه خاطره واجتهد في تجويده ولم يقتضبه اقتضاب فهو فعيل من القصد، وهو الأُم)(4).

ص: 49


1- البيان والتبيين: ص 55؛ زهر الآداب للقيرواني: ج 1 ص 149
2- لسان العرب: ج 3 ص 354
3- المصدر نفسه
4- المصدر نفسه

إن مفهوم القصدية في التراث النقدي والبلاغي كان حاضراً في مظهرين رئيسيين:

أولهما: النية؛ حيث سمي الشعر التام قصيداً لأن قائله جعله من باله فقصد له قصدًا؛ إضافة إلى تعريفهم للشعر بأنه بعد النية على أربعة أشياء، وهي:

اللفظ، والوزن، والمعنى، والقافية، فهذا هو حد الشعر لأن من الكلام ما كان موزوناً مقفّى وليس بشعر لعدم القصد والنية، بل اشترط بعضهم في الشعر أن يكون أكثر من بيت احترازاً عما يقع في سطر واحد بوزن الشعر دون القصد.

اما المفهوم الثاني للقصد: فيتمثل في المصطلحات التي استعملها القدامی للدلالة على المراد من النص او الكلام، مثل: المعنى، والغرض، والهدف، والحاجة، والغاية التي يريد أن يبلغ اليها المتكلم، بل لعل تعريفهم للبلاغة يتضمن جانباً من القصدية، حيث ينشطرون لتحقق بلاغة النص او الكلام وضوح القصد للسامع)(1).

المسألة الرابعة: مفهوم مقاصدية التاريخ.

أولاً: المعنى اللغوي للتاريخ:

وردت لفظة (التاريخ) في كتب اللغة بمعنى: الوقت.

قال ابن دريد: «ورَّخت الكتاب وأرخته، ومتى أرِّخ كتابك، ووُرِّخ أي متی کتب»(2).

ص: 50


1- القصدية والمقبولية في التراث النقدي والدرس اللساني، د. اياد نجيب عبد الله، و أ. ميلود مصطفی عاشور: ص 353، مجلة جامعة المدينة العالمية، العدد السابع عشر - يوليو - 2016 م
2- جمهرة اللغة لابن درید: ج 2، ص 266

وقال ابن منظور:

«التاريخ والتوريخ: تعريف الوقت، أرَّخ الكتاب ليوم كذا: وقّته»(1).

وقال الجواليقي:

«إنّ اللفظة ليست عربية محضة وإنّ المسلمين أخذوها من أهل الكتاب»(2).

وقيل: «إنها عربية. وقيل: هي أكدية وبابلية ووردت بصيغة (أرخ) (أرخا) (أرخو) (ورخو)، وتعني (القمر) (الهلال) (الشهر) (أول الشهر)»(3).

ثانياً: موضوع التاريخ: «التاريخ هو الماضي الحاضر

يدور مدار التاريخ حول الحادثة التي وقعت في الماضي، ولأن هذه الحادثة موضع اهتمام الإنسان سواء أكان هدفه منها الرواية والنقل لأبناء زمانه والأجيال اللاحقة أم الاعتبار والتحليل والتأسيس لحياة أفضل تتجنب عوامل السقوط والانهيار.

ولذا، قالوا: «إنّ التاريخ هو الماضي الحاضر، أي: أن مجموع عوارض الماضي حاضرة بأخبارها (آثارها) وفحص تلك الأخبار عملية تنجز دائما في الحاضر، والتاريخ حاضر بمعنيين:

ص: 51


1- لسان العرب لابن منظور: مادة أرخ
2- المعرب: باب التاء، ص 137
3- دراسة مصادر السيرة النبوية لسامي البدري: ص 21

أولاً: بشواهده، وثانياً: في ذهن المؤرخ»(1).

أي: من خلال الشاهدة التاريخية تكوّن في ذهن المؤرخ تاریخ متجدد، ولذا فهو حاضر معه فأصبح يدور بين مقارنة الماضي بالحاضر والحاضر بالماضي.

من هنا:

كانت معرفة الماضي نسبية وعملية، فهي نسبية لأنها تستجيب لمتطلبات الوضع القائم؛ وهي عملية لأنها تجيب عن أسئلة حالية. ومنهما أي من المعرفة النسبية والعملية كان موضوع التاريخ هو: «التاريخ هو الماضي الحاضر».

في حين ذهب البعض إلى ان مقولة «التاريخ هو الماضي الحاضر»، تعني: (أن الماضي التاريخي هو عالم ذهني، يستنبط في كل لحظة من الآثار القائمة.

أو بعبارة أخرى: موضوع التاريخ هو الماضي الذي هو حاضر، المقصود هنا ليس تمام الماضي، وإنما الماضي التاريخي، أو ما سميناه بالتاريخ المحفوظ؛ فهل يمكن أن يكون غير حاضر في الذهن، في الكلام، في الأشياء ... الخ)(2).

ينتج عن هذا التحليل: (أن الكلام على أحوال الماضي هو نوع من المشاهدة، إذ لم يبق من الماضي إلا الأخبار الدالة عليه والمعاصرة لنا؛ إن التاريخ هو مجال الاستنباط، إذ المؤرخ يحمل في ذهنه كل الأخبار عن الماضي المحفوظ فيستطيع أن يقارن بينها ويستخلص منها قوانين وعبرا، خلاصة

ص: 52


1- مفهوم التاريخ لعبد الله العروي: ص 38
2- المصدر نفسه ص 39

بديهية قال بها جلّ المؤرخين القدامى الذين جعلوا من التاريخ مدرسة أخلاق وسیاسة)(1).

إذن: موضوع التاريخ هو استخلاص القوانين والعبر من أحداث و آثار الماضي، وهو بهذا يكون، - أي التاريخ - مدرسة الأخلاق والسياسة.

ثالثاً: مقاصدية التاريخ:

إنّ مقاصد التاريخ هي عينها موضوعه في استخلاص القوانين والعبر من أحداث الماضي وآثاره على الإنسان والمجتمع فهو أسير هذه الحوادث ومجرياتها وأثارها التي شكلت بمجموعها هويته الثقافية ونسبته إليها.

فإذا ألحقت بها العقيدة كمرتكز هذه الثقافة والهوية كما في النسبة إلى تاريخ الإسلام فحينها يصبح مفهوم الثواب والعقاب من أسس هذا المكوّن المعرفي للإنسان المسلم.

ومنه عينة الدراسة التي بين أيدينا وكاشفيتها عن خصوصية الشخصية الإسلامية ورموزها، لا سيما بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) وما لحقها من الظلم في مصادرة السلطة لأموالها وحقوقها في الإرث، والنحل، أي أرض فدك، وسهمها من الخمس في ذي القربی، وطُعمتها من حصن الكتيبة.

فضلا عن تضافر أعلام أهل السُنّة والجماعة منذ وقوع الحدث والى يومنا هذا بالتضافر على هضمها عبر الإنكار، والتضليل، والتعتيم على ظلامتها،

ص: 53


1- مفهوم التاريخ لعبد الله العروي: ص 39

وتصويب فعل خصمها وشرعنته، كي تضمحل هذه القضية الإنسانية والشرعية من صفحات التاريخ؛ ولكنّهم غفلوا عن:

إنّ التاريخ هو الماضي الحاضر بكل أثاره ومقاصده.

ص: 54

المبحث الثالث مشكلة الدراسة وهدفها وحقولها المعرفية ونوعها ومناهج البحث المعتمدة

المسألة الأولى: مشكلة الدراسة وهدفها.

أولاً: مشكلة الدراسة.

إنّ موقف أعلام أهل السُنّة والجماعة مما شجر بين بضعة النبوة فاطمة (عليها السلام) وأبي بكر في الحقول المعرفية المتعددة كاللغة، والفقه، والحديث، والسيرة؛ يقدم کاشفية دقيقة عن انقياد أهل السُنّة والجماعة إلى سُنّة الشيخين ومنظومة الخلافة السياسية منذ وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى يومنا هذا، وأن أي تعارض لسُنّة الشيخين مع القرآن والسُنّة النبوية واللغة والسيرة يتم أنكاره أو تأويله أو الطعن فيه، وذلك الحاكمية الموروث الثقافي والعقدي لسُنّة الشيخين وما أثبته أنساق الخلافة الأموية والعباسية فأصبح منظومة فكرية مستقلة لا تتسق مع منظومة القرآن والعترة النبوية؛ ومن ثم: تسعى الدراسة إلى إظهار حق البضعة النبوية (عليها السلام) عبر الاحتكام إلى القرآن والسُنّة النبوية والتاريخ فيما شجر بينها وبين أبي بكر، ومنه سهمها من حصن الكتيبة التي أنكره أعلام أهل السُنة والجماعة.

ص: 55

ثانياً: هدف الدراسة.

تكمن غاية الدراسة وهدفها ضمن مجموعة من النقاط وهي على النحو الآتي:

1- إنّ وظيفة الباحث والدارس اليوم هو أعادة قراءة الموروث الإسلامي ضمن منظومة التحليل العلمي والمعرفي المرتكزة على القراءة المتأنية والمنصفة دون الخروج عن ثوابت القرآن والعترة النبوية (عليهم السلام) وهما الثقلان اللذان أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتمسك بهما لضمان عدم الانحراف عن الحق.

2- الإثراء المعرفي في كشف الحقائق العلمية وأثره في تصحيح الموروث الثقافي والفكري.

3- التأصيل لمنهج المزواجة المعرفية والبينية بغية الخروج بنتائج متجدده للعلوم الإنسانية.

4- محاولة تصحيح مسار الأنساق الثقافية المكبلة للرؤية العلمية المرتكزة على تحرر الذهن من الأضغان وازدراء الأديان فما زال الكثير من المسلمين وبفعل هذه الأنساق الثقافية يزدرؤون مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ومن سار بهديهم فكيف ببقية الأديان والمذاهب والفرق والثقافات العالمية.

5- إنّ عينة الدراسة - التي بين أيدينا - وغيرها، مما وفقنا الله تعالى لكتابته، لا تستهدف أي شخص بذاته وإنما الحقيقة ومقدماتها ونتائجها وأن كانت مريرة على الآخر.

ص: 56

وقد اعتمدتُّ في هذا المنهج على هدي أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) حينما توجه اليه الحرث بن حوط الليثي قائلا:

(أترى أن طلحة والزبير، وعائشة اجتمعوا على باطل؟ فقال علي (عليه السلام): يا حار(1) أنت ملبوس عليك، إن الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، وبإعمال الظن، أعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله)(2).

المسألة الثانية: معنى الدراسة البينية.

اعتمدنا في هذا المشروع البحثي أهم الطرق العلمية في بناء النتائج المعرفية والفكرية وذلك عبر الدراسات البينة، إذ تعد من أهم ما توصلت إليه المناهج العلمية في طرق جمع المعلومة وإعادة بلورتها في نتاج معرفي جديد يرتكز على الممازجة والمزاوجة بين الحقول المعرفية المتعددة للوصول إلى نتاج معرفي وفكري جديد یُمکّن الباحثين والدارسين من فهم مادة البحث سواء أكانت هذه المادة الإنسان وما يصدر عنه أم ما يختلج في مكنون نفسه ضمن العلوم الإنسانية، أم ما ارتبط بالعلوم الأساسية والتطبيقية والاجتماعية.

إذ تهدف الدراسات البينية إلى (تعظيم الاستفادة من التوجهات الفكرية للتخصصات المشاركة، وتحقيق الإبداع في طرق التفكير والتكامل في المعرفة وليس وحدتها)(3).

ص: 57


1- هكذا وردت في أنساب الأشراف؛ وفي تاريخ اليعقوبي وردت بلفظ: ياحارث
2- أنساب الأشراف للبلاذري: ج 2 ص 274؛ البيان والتبيان للجاحظ: ص 491؛ تاریخ اليعقوبي: ج 2 ص 210
3- تزاوج الاختصاصات: ثراء معرفي و معني، نجيب عبد الواحد؛ 3 يونيو 2017؛ الدراسات البينية / التعليم العالي

مما يحقق أيضًا (تكامل المعارف الإنسانية على اختلاف مجالاتها لتظهر علوم وكشوف جديدة نافعة للبشرية)(1). وهذا ما توصلت إليه الدراسة في إظهارها لمعارف و حقائق جديدة حددت مسار النسق الثقافي والعقدي الأعلام أهل السُنّة والجماعة فيما شجر بين بضعة النبوة (عليها السلام) وأبي بکر ضمن آليات عدة كان من أبرزها إنكارهم لما أثبتته النصوص القرآنية والنبوية في أحقية فاطمة (عليها السلام) فيما طالبت به؛ فضلاً عن لَيّ عنق هذه النصوص بغية إجادتها عن جادة الحق والصواب، أو عبر التجاهر بخصومة فاطمة (عليها السلام) ونعتها والعياذ بالله بنعوت أوجعت قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآذته.

المسألة الثالثة: الحقول المعرفية للدراسة.

استلزمت الدراسة الولوج إلى حقول معرفية ومناهل علمية عدة، هي على النحو الآتي:

الحديث الشريف، والتفسير، والسيرة النبوية، والتاريخ الإسلامي، والعقيدة، والتراجم، والفقه، وغيرها کما سمير بيانه أثناء الدراسة.

المسألة الرابعة: مناهج البحث المعتمدة في الدراسة.

اعتمدت هذه الدراسة ثلاثة مناهج بحثية، وهي: المنهج الاستقرائي، والمنهج الوصفي، والمنهج التحليلي وذلك لدراسة المعطيات التاريخية،

ص: 58


1- صحيفة المدينة، يوم الاثنين 28 شوال 1440 - 1 يوليو 2019 م

والروائية، والعقدية، والثقافية، عبر استنطاق النصوص، والأحداث، والمظاهر والبواطن للمواقف بغية الوصول إلى نتائج وكشوفات معرفية جديدة تسهم في إصلاح الإنسان والمجتمع والرجوع به إلى هويته القرآنية والنبوية والتمسك بالثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته (عليهم السلام).

فلم ولن يضل من تمسك بهما حتى يردا الحوض؛ عهد معهود من الله لنبيه المصطفی (صلى الله عليه وآله وسلم) ولن يضر الله شيئاً من كفر من الناس وكان في شك مريب.

قال تعالى: «وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ * أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ» [سورة إبراهيم / 9].

وليقف القارئ على حقيقة ما لحق بضعة النبوة وصفوة الرسالة (عليها السلام) من الظلم والأذى منذ أن توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى يومنا هذا.

منهجية

ص: 59

ص: 60

الفصل الأول قراءة تاريخیة في أسباب الخلاف بين البضعة النبوية (علیها السلام) وأبي بكن وما شجر بينهما ودوافعه.

ص: 61

ص: 62

يُعد حدث السقيفة الحاضنة الخصبة لما وقع في الإسلام من متغيرات في الفكر والعقيدة والفقه، لتتبلور بعدها حاکمية سنُة الشيخين على مفردات منظومة السُنّة والجماعة.

ابتداءً من إطلاق مصطلح (أهل السُنة والجماعة) وانتهاءً بتعدد المذاهب الفقهية والفرق العقدية والتيارات الفكرية، حتى إذا جئنا إلى حاكمية جديدة بعد انهيار الخلافة العثمانية، ممثلة بتدويل المنظومة الإسلامية إلى ممالك وإمارات ودول وأنظمة وحركات وأحزاب وجماعات، تستظل جميعها تحت مظلة السياسة وتغليب المصلحة المنحصرة في بقاء المملكة أو الدولة أو النظام او الحركة أو الحزب وآلية تدعيمها ونشرها وبسطها على الآخر ضمن اطر عدة، فكان إطار (الشرعية) هو الغالب عليها وإن اختلفت المفاهيم والمرجعيات المصطلح (الشرعية).

ومن ثم:

فإن الأصل في منح الأفعال والمتغيرات التي حدثت في الإسلام صفة (الشرعية) كانت من حاکمية سُنة الشيخين على أهل السُنة والجماعة لاسيما ما شجر بين بضعة النبوة (عليها السلام) وأبي بكر، فصوّب فعله وإن خالف القرآن والسُنّة واللغة والسيرة والتاريخ؛ فقد دوّن المؤرخون مخالفة الخلفاء الذين جاؤوا من بعد أبي بكر لما سنّه في مخاصمة البضعة النبوية بمنعها نحلتها أرض فدك، وطعمتها من حصن الكتيبة، وإرثها من مال رسول الله (صلى

ص: 63

الله عليه وآله وسلم)، وسهم ذي القربی؛ فكانت لهم أفعالهم وآراؤهم التي غایروا فيها جميعهم سُنة أبي بكر في هذه الأموال ولم يأخذوا منها سوى منعه أبناء فاطمة (عليها السلام) وإنفاقهم لهذه الموارد المالية الأربعة على شؤونهم الخاصة، مما استلزم تخصیص دراسة مستقلة، والموسومة ب: (معارضة خلفاء المسلمين لسُنة أبي بكر في أموال بضعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله).

وعليه:

لابد من القراءة التاريخية لما شجر بين البضعة النبوية (عليها السلام) وأبي بكر. وهو ما سنتناوله تباعًا في المباحث الآتية:

ص: 64

المبحث الأول معارضة دعوى الإمساك عمّا شَجَرَ بين الصحابة للقران الكريم والسُنّة

إنّ أول ما يواجه هذه الدراسة هو (دعوى الإمساك عمّا شَجَرَ بين الصحابة)؛ وذلك أنها من رحم ما أنكره علماء أهل السُنّة والجماعة على الكثير مما أثبته القرآن الكريم والسُنّة، فأوكل الأمر فيه إلى نظرية اجتهاد الصحابة وإثابة المخطئ منهم ومنحه أجرا واحدا، ومنح المصيب أجران؛ ومن ثم: فهي وسيلة أخرى للإنكار على ما أثبتته الشريعة التي جاء بها المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).

بمعنى آخر:

إن مما ينكره علماء أهل السُنّة والجماعة على كثير من الأحاديث النبوية الشريفة مع ثبوت سنده وصحته هو نابع من دعوى الإمساك عمّا شَجَرَ بين الصحابة؛ وذلك لدفع المسلم - ولاسيما طلبة العلم - إلى الانقياد لما سَنّهُه أرباب السلطة ووعاظ السلاطين في تدعيم الخلافة والخليفة، كما سیمر بیانه في أول القائلين بدعوى الإمساك.

ومن ثَمَّ:

حجب المعرفة عن المسلمين وعن أهم فترة زمنية من عمر الإسلام، ولاسيما الخلافة (الراشدة) وما جرى عبرها من أحداث أسست و أصلت

ص: 65

لمنظومتين فکريتين، هما منظومة القرآن والعترة النبوية، ومنظومة سُنة الشيخين، فأبعد القران بقاعدة أنّ السُنّة تنسخ القران، فسار الشيعة الإمامية في إطار المنظومة الأولى، وسار جمهور العامة والجماعة في إطار المنظومة الثانية.

فكان من بين أهم القواعد لدى أهل السُنّة والجماعة هو (دعوی الإمساك عمّا شَجَرَ بين الصحابة)؛ كي لا يطّلع أحد من أتباع هذه المنظومة الفكرية على أصول الشيعة الإمامية وأدلّتهم وآرائهم، فيتضح التفاوت في مرجعيات أهل السُنّة والجماعة وأهل القرآن والعترة النبوية (عليهم السلام).

فشتّان بين قاعدة (أنّ السُنّة تنسخ القرآن الكريم)(1) في مرجعيات منظومة أهل السُنّة والجماعة، وبين قاعدة (العرض على القرآن الكريم)(2) (فما وافق كتاب الله عز وجل فخذوه، وما خالف كتاب الله فردّوه)(3) في مرجعيات الشيعة الإمامية.

ص: 66


1- شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين: ج 2 ص 6 ط / دار ابن الجوزي - السعودية / لسنة 1421 ه
2- الشيخ الكافي (رحمه الله) في اول كتاب الكافي؛ خطبة الكتاب: ج 1 ص 8 قائلاً: ((اعلم يا أخي! أنه لا يسع أحد يتميز شيء مما اختلفت الرواية فيه عن العلماء (عليهم السلام) برأيه إلّا ما أطلقه العالم (عليه السلام) [أي الإمام موسی بن جعفر عليه السلام) بقوله: ((أعرضوهما على كتاب الله عز وجل...))
3- الكافي: ج 1 ص 69؛ وانظر في هذه القاعدة: أحمد بن محمد البرقي (ت 274 ه) في المحاسن: ج 1 ص 226؛ الحميري القمي (ت 304) في قرب الإسناد: ص 92؛ الشيخ الصدوق (ت 381 ه) في الأمالي: ص 449 وغيرها

ومن ثَمَّ:

لا يمكن لأي باحث أن يدرس علّة ما أنكره علماء السُنّة والجماعة فيما شَجَرَ بين البضعة النبوية (عليها السلام) وخليفة المسلمين إلّا عبر معرفة ما شَجَرَ بينهما، ولا يمكن لهذه المعرفة أن تتحقق ما لم يتم دراسة هذه الدعوى وعرضها على القرآن والسُنّة النبوية، وذلك لكونها العائق الأول الذي يقف أمام البحث والدراسة، فضلاً عن معرفة آثارها السلبية على المسلم في الدنيا والآخرة؛ وهي على النحو الآتي:

المسألة الأولى: معنى الاشتجار في اللغة.

تناول اللغويون معنى الاشتجار في معاجمهم، فخلصوا إلى أنّه مشتق من الشَّجر؛ وذلك لتداخل أغصانه وتشباكها مع بعضها، ومنه قيل: تشاجر القوم إذا تخاصموا؛ وهو على النحو الآتي:

1- قال الفراهيدي (ت 175 ه):

(يقال لمجتمع الشَّجر: شجراء و المَشجَرَة: أرض تنبت الشجر الكثير، وقَلَّ ما يقال: الأرض شَجيرة، وماء شجير. وهذه أشجر من هذه أي أكثر شجرًا... والمُشَجَّر ضرب من التصاوير على صفة الشجر. وقد شَجَرَ بينهم أمر وخصومة، أي اختلط واختلف، و اشتجر بينهم.

وتشاجر القوم: تنازعوا واختلفوا.

ويقال: سُمّي الشجر لاختلاف أغصانه ودخول بعضها في بعض، واشتق

ص: 67

من تشاجر القوم)(1).

2- وقال ابن فارس (ت 395 ه):

الشين والجيم والراء أصلان متداخلان، يقرُب بعضهما من بعض، ولا يخلو معناهما من تداخل الشيء بعضه في بعض، ومن علوّ في شيء وارتفاع... فالشجر معروف، الواحدة شجرة، وهي لا تخلو من ارتفاع وتداخل أغصان. ووادٍ شَجِر: كثير الشجر، ويقال: هذه الأرض أشجر من غيرها، أي أكثر شجرًا، والشجر كلُّ نبتٍ له ساق، قال الله تعالى: «وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ» [سورة الرحمن / 6].

وشجر بين القوم الأمر، إذا اختلف أو اختلفوا وتشاجروا فيه، وسميت مشاجرةً، لتداخل كلامهم بعضه في بعض. واشتجروا: تنازعوا.

قال الله سبحانه وتعالى:

«فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» [سورة النساء / 65](2).

المسألة الثانية: معارضة دعوى الإمساك عمّا شَجَرَ بين الصحابة للسُنّة النبوية.

آثرنا تقديم السُنّة النبوية على القرآن؛ وذلك لقاعدة الإلزام، أي: لإلزام أهل السُنّة والجماعة أنفسهم بحاكمية السُنّة على القرآن، بل نسخها له، کما مرَّ بیانه آنفاً.

ص: 68


1- كتاب العين: ج 6 ص 31 - 32
2- معجم مقاییس اللغة: 3/ 246

ولذا:

تناولنا البحث في السُنّة ودراسة هذه الدعوى ومدى مشروعيتها في السُنّة التي ينادي بها المخالفون لمنهج العترة النبوية (عليهم السلام)، فكانت على النحو الآتي:

1- إنّ دعوى الإمساك عمّا شَجَرَ بين الصحابة ترتكز بحسب المنظّرين لها على حفظ الأمة من التنازع والفرقة، وإن منزلة أحدهم، أي الصحابة لا تدُرك، ولو أنفق أحد المسلمين مثل جبل أُحُد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم(1)، وإنّ اسم الصحبة يشمل الجميع(2)، وإن ما ذكره علماء الأثر والحديث والتفسير من أهل السُنّة والجماعة أنفسهم وثبتت صحته في الصحابة يلزم حمله على أن بعضه کذب، أو زيد فيه، أو أُنقص منه، أو غيّر من وجهه الصحيح، وأمّا ما ثبت عنهم من المساوئ، فهم مجتهدون فيما أساؤوا وإن وقعت منهم الكبائر، كقتل النفس المحرّمة حرقا بالنار، أو الزنا، أو شرب الخمر والنبيذ، أو أكل أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أموال المسلمين، فهذا وغيره يلزم حمله على كونهم اجتهدوا فيه، وهم مأجورون ومثابون!!

«سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا» [سورة الإسراء / 43].

«أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ» [سورة المؤمنون / 115].

ص: 69


1- عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وآله]: «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصفيه». صحيح البخاري، باب مناقب المهاجرين: ج 4 ص 195
2- فتاوى السبكي: ج 2 ص 574

«فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» [سورة المؤمنون / 116].

2- إنّ أول من وضع المنهج والسبيل لنجاة المسلمين من الفرقة والضلال، هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك عن طريق بيانه وتعريفه لما سیشجر بين الصحابة، إذ نبّه إلى وجود فرقة باغية، وأعطى الدليل لأصحابه وأمته جميعاً فيما التشخيص فيما سيقع بينهم، فقال لعمار بن یاسر (رضوان الله تعالى عليه):

«تقتلك الفئة الباغية»(1).

فنجی من نجى من الصحابة من الضلال والهلاك، بفضل هذه الدعوى النبوية في تشخيص ومعرفة ما شَجَرَ بينهم؛ وإلّا لو كانت دعوى الإمساك عمّا شَجَرَ بينهم هي دعوة للنجاة كما يدعي أصحابها، للزم من نبي الأمة (صلى الله عليه وآله وسلم)،ن يمسك عن البيان فيما سيقع بينهم؛ وذلك لما يفرضه عليه تكليفه الشرعي في الإنذار والصدع بما يؤمر، فضلًا عن كونها مسألة عُقلائية وفطرية؛ فما من إنسان عاقل يعلم بوجود مخاطر على أهله وأبنائه وأصحابه ثم يسكت عنها ولا ينبهّم إليها ويحذرهم منها.

3- إن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان شديد الخوف عليهم من الفتن، وإن من صحابته من سيكون أشد على أمته من الدجال وفتنته،

ص: 70


1- صحیح مسلم، باب: لا تقوم الساعة: ج 8 ص 186، سنن الترمذي: ج 5 ص 333؛ مسند أحمد: ج 5 ص 306

فكان يحذّرهم من ذلك، فعن حذيفة، قال:

(کنّا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال:

«لَفِتنةُ بعضكم أخوفُ من فتنة الدجّال، إنها ليست من فتنةٍ صغيرة ولا كبيرةٍ إلّا تتَّضِعُ لفتنة الدجال، فمن نجا من فتنةِ ما قبلها نجا منها...»)(1).

والحديث لا يحتاج إلى شرح وبیان، فهو صريح في تحذير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و خوفه على الصحابة أنفسهم، وعلى من يأتي بعدهم من أمته إلى آخر الزمان، لينجيهم من فتنة بعض الصحابة، هذه الفتنة التي ستدوم إلى آخر الزمان، وأن الوسيلة الوحيدة للنجاة من فتنة الدجال هي النجاة من فتنة بعض الصحابة لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«فمن نجا من فتنة ما قبلها»، أي من نجا من الفتنة الواقعة قبل فتنة الدجال، فالنتيجة (نجا منها)، أي من فتنة الدجال؛ وذلك للملازمة بين فتنة بعض الصحابة وفتنة الدجال.

في حين نجد أن الدعوى إلى الإمساك عمّا شَجَرَ بين الصحابة تريد للمسلمين الهلاك والضلال والوقوع في الفتنة، وهي مخالفة صريحة لسُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و تجرّؤٌ على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين.

ص: 71


1- رواه ابن حبان في صحيحه: ج 15 ص 218؛ وأحمد في مسنده بلفظ آخر: ج 5 ص 389، والهيثمي في مجمع الزوائد: ج 7 ص 335، وكذا رواه في موارد الظمان: ج 6 ص 157، والمتقي الهندي في کنز العمال: ج 14 ص 322

4- إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أوصى الصحابة أن يبلغوا الأمة الشاهد منهم والغائب، حتى يأمن عليهم من الفتنة والاقتتال بينهم؛ فقد جمعهم في حجة الوداع أو حجة البلاغ - کما یروي عبد الرحمن بن أبي بکر، عن أبيه - وخاطبهم، قائلاً:

(أتدرون أي يوم هذا)؟ قلنا:

الله ورسوله أعلم؛ فسكت حتى ظننا أنه سیسمیه، قال:

(أليس يوم النَّحر)؟ قلنا: بلى، قال:

(أيُّ شهر هذا)؟ قلنا:

الله ورسوله أعلم؛ فسكت حتى ظننا أنه سیسمیه بغير اسمه، فقال:

(أليس ذو الحجة)؟ قلنا: بلى، قال: (أي بلد هذا)؟ قلنا:

الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سیسمیه بغير اسمه، قال:

(أليست بالبلدة الحرام)؟ قلنا: بلى، قال:

(فإنَّ دماءكم، وأموالكم، علیکم حرام، كحُرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلَّغت؟).

قالوا: نعم، قال:

(اللّهم اشهد، فليبلّغ الشاهد الغائب، فَرُبَّ مُبَلِّغ أوعى من سامع، فلا

ص: 72

ترجعوا بعدي كُفارا يضربُ بعضُكم رقاب بعض)(1).

فالنبي (صلى الله عليه وآله) يأمر الصحابة والتابعين، والتابعين لهم، بالإبلاغ عن خطورة عقيدة التكفير بين الصحابة، وأنه سيقتل بعضهم بعضاً، وأنَّ الأمة لم ولن تنجوا من الهلاك والضلال بالسير خلف القاتل، فقد حذّرهم أشد التحذير من هذه العقيدة والاجتهادات في الدماء والأموال والأعراض من بعده (صلى الله عليه وآله)، كما هو واقع المسلمين قديما وحديثًا؛ إلّا أنّ أصحاب هذه الدعوى أي: الإمساك عمّا شَجَرَ بين الصحابة يدعون بخلاف دعوة النبي (صلى الله عليه وآله)؛ ممّا سيؤدي إلى هلاك المسلمين.

5. إن هذه الدعوى تستلزم حذف كثيرٍ مما أورده أصحاب الصحاح والسُنن والمسانيد والمستدركات والتواريخ والتفاسير؛ وذلك لأنها ستروي النصوص والأحداث في بيان حال الصحابة وما شَجَرَ بينهم.

6- إنّ جُلَّ ما اعتمد عليه أصحاب هذه الدعوى هو اجتهادات ما أنزل الله بها من سلطان، هدفها استتباب الملك للخليفة، وحفظ كيان السلاطين؛ وكيف لا وهم ولاة أمورهم.

فمن أوائل القائلين بهذه الدعوى عمر بن عبد العزيز، حينما سئل عن القتال الذي حصل بين الصحابة، فقال: (تلك دماء طهّر الله يدي منها، أفلا أطهّر منها لساني)(2).

ص: 73


1- صحيح البخاري، باب رمي الجمار: ج 27 ص 191 - 192
2- عقيدة أهل السُنّة والجماعة (رسالة دكتوراه)، للطالب ناصر بن علي عائض حسن الشيخ، مكتبة الرشد بالرياض، ط 3 لعام 1421 ه 2000 م، ج 2 ص 732

فكانت مقاصدية هذه الدعوى وهدفها: كف الألسن عن الأسباب والكيفية التي أوصلته إلى الخلافة، فلو أطلق عمر بن عبد العزيز الألسن للحديث، والعقول للتفكير، لرفضه الناس، فتلك الخلافة جاءت إليه بسفك دماء الصحابة الطاهرة، كعمار بن یاسر، وغيره، الذين قتلتهم خلافة بني أبيه معاوية وبنيه، ومروان وبنيه، فلولاهم لم تصل الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز الأموي، أو إلى بنيه وبني عمومته، فكيف لا يطهر لسانه من بيان من هي الفئة الباغية، والتي أجلسته في مجلس الخلافة؟!!

ثم مروراً بقول ابن تيمية في العقيدة الواسطية التي تناول فيها بزعمه أنها عقيدة أهل السُنّة والجماعة، فيقول فيما شَجَرَ بين الصحابة:

(ويمسكون عمّا شَجَرَ بين الصحابة، ويقولون إن هذه الآثار المروية في مساويهم، منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص، وغيّر من وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون: إمّا مجتهدون مصیبون، وإما مجتهدون مخطئون)(1).

ولعل هذا القول هو الأتم فيما قيل في هذه الدعوى، ونقول:

1- إنّ ما يهمّنا في هذه الفتوى التيميّة هو إقراره بوجود مساوئ لهم، ومن ثم سقط الاقتداء بهم، فكيف بأخذ الشريعة عنهم؟!

2- إقراره: بوجود تلاعب كبير جدًّا فيما روي أو صنّف في حياة الصحابة، فإن الذي (كذب في مساوئهم، أو زيد فيها، أو نقص منها، أو غيّر من وجهتها)

ص: 74


1- شرح العقيدة الواسطية، لابن تيمية بشرح ابن عثيمين: ج 2 ص 285 - 287 ط دار ابن الجوزي / السعودية، ط 6 لسنة 1421 ه

هو يكذب ايضاً في فضائلهم، فيزيد فيها، أو ينقّص منها، أو يغيّر فيها.

ومن ثم: نحن بحاجة ماسة، بل حاجة شرعية إلى تنقية التراث بعد البحث فيه ودراسته، وهذا لا يمكن أن يتم من دون الدخول فيما شَجَرَ بين الصحابة.

3- إقراره: بأنهم (مجتهدون)، وهذا يكشف عن اختلافهم في الأصول والفروع والعقيدة، فكلٌ منهم له فهمه للنصوص القرآنية والنبوية، ومن ثم يلزم الدخول فيما شَجَرَ بينهم لمعرفة اجتهاداتهم، فيما لو جاز لهم الاجتهاد من الأساس، فكثير منها كان مقابل النص الشرعي حيث لا اجتهاد أصلاً؛ بل إنّ صاحبه متجرّء على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) متقوّل، عليهما، محدّث، مبتدع، ومصيره إلى النار بنص القرآن والسُنّة، قال تعالى:

«يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ» [سورة التوبة / 74].

وقد أخرج البخاري ومسلم عنه (صلى الله عليه وآله):

«انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم»(1).

ص: 75


1- صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق: ج 4 ص 110

4- السؤال المهم: ما هو تكليف المسلم لو تبع اجتهاد من أخطأ منهم؟ وكيف تجتمع الأمة وتأمن من الاختلاف والفرقة وهي تسير خلف اجتهاد خاطئ؟ كيف سيحلّون ما أحلّ الله ويحرمون ما حرّم وهم مخطئون؟ وكيف تحصن الدماء والأعراض والأموال؟

5- بل إن السؤال الأهم مَن الذي سيُحدد أن هذا الصحابي كان اجتهاده صحيحاً، وأن الآخر كان اجتهاده خاطئاً؟ فمن هو الحاكم الفاصل بين الصواب والخطأ، والحق والباطل، والهداية والضلال، والجنة والنار؟!!

وما ذنب المسلم حينما يأخذ باجتهاد الصحابة الذين أخطؤوا أو أضلّوا، ليتبعهم يوم القيامة، وهو ينظر إليهم ينادون بسياط من نار ذات الشمال إلى جهنم، كما أخبر النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) عن هؤلاء الصحابة الذين اجتهدوا فأخطؤوا، فيقول:

(ليرِدَنّ عليّ الحوض رجال ممن صَحِبني ورآني، فإذا رُفِعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني، فلأقولن: أصحابي أصحابي؟!!

فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)(1).

وقال: (إنَّهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)(2). (أقول سحقاً سحقاً(3) لمن غير بعدي)(4).

ص: 76


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 5 ص 48 حديث أبي بكرة
2- صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق: ج 4 ص 110
3- قال الحافظ ابن حجر (ت 852 ه) في فتح الباري وهو يحاول صرف الانظار
4- صحيح البخاري، کتاب الرقاق: ج 7 ص 208

وفي لفظ آخر أخرجه البخاري عن أبي هريرة، عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال:

(بينا أنا قائم(1) فإذا زُمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال:

هَلُم، فقلت: أين؟ قال:

إلى النار والله، قلت:

وما شأنهم؟! قال:

إنَّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل همل النَّعَمِ)(2).

ولقد حاول الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه) صرف الأنظار عن قصدية الحديث الشريف في اختصاصه بارتداد بعض الصحابة وما أحدثوه في الإسلام وبدلوا من بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، فيورد عدة أقوال، قائلاً:

(ذُكر - الحديث عن أبي عبد الله البخاري عن قبيصة قال: هم الذي ارتدّوا على عهد أبي بكر، فقاتلهم أبو بكر، يعني حتى قتلوا وماتوا على الكفر، وقد وصله الإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة؛ وقال الخطّابي:

ص: 77


1- أي: قائم على الحوض يوم القيامة
2- صحيح البخاری، کتاب الرقاق: ج 7 ص 209

لم يرتد من الصحابة أحد، وإنما ارتدَّ قوم من جفاة الأعراب، ممن لا نصرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المشهورين، ويدّل قوله: (أُصيحابي) بالتصغير على قلّة عددهم.

وقال غيره، قيل: هو على ظاهره من الكفر والمراد بأمّتي، أمة الدعوى لا أمة الإجابة، ورجح بقوله في حديث أبي هريرة فأقول: (بُعدًا هم وسحقا)، ويؤيّده كونهم خفي عليه حالهم، ولو كانوا من أمة الإجابة لعرف حالهم، بكون أعمالهم تعرض عليه؛ وهذا يردّه قوله في حديث أنس: (حتى إذا عرفتهم)، وكذا في حديث أبي هريرة.

وقال ابن التين: يحتمل أن يكونوا منافقين، أو من مرتكبي الكبائر؛ وقيل: هم قوم من جفاة الأعراب دخلوا في الإسلام رغبة ورهبة.

وقال الداودي: لا يمتنع دخول أصحاب الكبائر والبدع في ذلك.

وقال النووي: قيل: هم المنافقون والمرتدون، فيجوز أن يحشروا بالغرّة والتحجيل، لكونهم من جملة الأمة، فيناديهم من أجل السيماء التي عليهم، فيقال: (إنّهم بدَّلوا بعدك)، أي لم يموتوا على ظاهر ما فرقتهم عليه. قال عياض وغيره: وعلى هذا فتذهب عنهم الغرة والتحجيل ويطفأ نورهم.

وقيل: لا يلزم أن تكون عليهم السيماء، بل يناديهم لما كان يعرف من إسلامهم.

وقيل: هم أصحاب الكبائر والبدع الذين ماتوا على الإسلام وعلى هذا فلا يقطع بدخول هؤلاء النار؛ لجواز أن يُذادوا عن الحوض، أولا عقوبة لهم

ص: 78

ثم يرحموا، ولا يمتنع أن يكون لهم غرة وتحجيل، فعرفهم بالسيماء، سواء كانوا في زمنه أو بعده.

ورجّح عيّاض والباجي وغيرهما ما قال قبيصة راوي الخبر: إنَّهم من ارتدّ بعده (صلى الله عليه - وآله - وسلم) ولا يلزم من معرفته لهم أن يكون عليهم السيماء؛ لأنها كرامة يظهر بها عمل المسلم، والمرتد قد حبط عمله، فقد يكون عرفهم بأعيانهم لا بصفتهم، باعتبار ما كانوا عليه قبل ارتدادهم، ولا يبعد أن يدخل في ذلك أيضا من كان في زمنه من المنافقين، وسيأتي في حديث الشفاعة، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فدلّ على أنهم يُحشرون مع المؤمنين، فيعرف أعيانهم، ولو لم يكن لهم تلك السيماء، فمن عرف صورته ناداه مستصحبا لحاله التي فارقه عليها في الدنيا.

وأما دخول أصحاب البدع في ذلك، فاستُبعد؛ لتعبيره في الخبر بقوله: (أصحابي)، وأصحاب البدع إنما حدّثوا بعده، وأجيب بحمل الصحبة على المعنى الأعم واستبعد أيضا أنّه لا يقال للمسلم، ولو كان مبتدعًا: (سُحقًا). وأجيب: بأنه لا يمتنع أن يقال ذلك لمن علم أنّه قُضي عليه بالتعذيب على معصية، ثم ينجو بالشفاعة، فيكون قوله: (سحقا) تسليما لأمر الله مع بقاء الرجاء، وكذا القول في أصحاب الكبائر.

وقال البيضاوي: ليس قوله: (مرتدین) نصًّا في كونهم ارتدّوا عن الاسلام، بل يحتمل ذلك، ويحتمل أن يراد أنهم عصاة المؤمنين المرتدّون عن الاستقامة، يبدلون الأعمال الصالحة بالسيئة انتهى.

ص: 79

وقد أخرج أبو يعلى بسند حسن، عن أبي سعيد، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر حديثًا، فقال:

(يا أيها الناس إنّي فرطکم على الحوض، فإذا جئتم قال رجل: يا رسول الله أنا فلان ابن فلان، وقال آخر: أنا فلان ابن فلان، فأقول: أما النسب فقد عرفته، ولعلكم أحدثتم بعدي وارتددتم). ولأحمد والبزار نحوه من حدیث جابر)(1).

أقول:

1- مما لا شك فيه أن ابن حجر العسقلاني وأسلافه والتابعين له يبذلون قصارى جهدهم في صرف الأحاديث النبوية إلى غير وجهتها، وحيدها عن جادة الحق، فكيف يقرون بانقلاب بعض الصحابة، و (أنّهم لم يزالوا مرتدین مذ فارقهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

2- إن من الواضح جدا مقدار الارباك الذي أحدثته هذه الأحاديث، فحار فيها أعلام السنة والجماعة في مجالات بائسة للإنكار، فيما أقرته السنة النبوية من التعريف والبيان لحال بعض الصحابة وما غيروه وأحدثوه وابتدعوه في شريعة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).

3- كأن ابن حجر أراد الخروج من عنق الزجاجة فاستقرأ أقوال أعلام أهل الجماعة؛ كي يلقي بتبعات الحديث الشرعية في عنق القارئ، ولذا ختم حديثه بما أخرجه أبو يعلى بسند حسن لحديث الحوض الذي لا يقبل التاویل

ص: 80


1- ينظر: فتح الباري: ج 11 ص 333 - 334

في ذود بعض الصحابة الذين بدّلوا في الإسلام.

4- كيف يصح أن المراد من الحديث هم الذين امتنعوا من دفع الزكاة لأبي بكر، والنبي (صلى الله عليه وآله) يعرّفهم للناس بقوله: (رجال ممن صحبني ورآني) وقوله: (فلا قولن: ربِّ، أصحابي، أصحابي)؟ ولو كانوا أهل البدع من أمته، أو أنهم أمة الدعوة، وليس أمة الإجابة، أي الصحابة الذين عاصروه واستجابوا للإسلام، أو الجفاة من العرب، أو أهل الكبائر وغيرها، للزم أن يقول: أمتي، أو العرب، ولم ينطق (صلى الله عليه وآله وسلم) بلفظ: أصحابي).

5- وما نصنع بقوله (صلى الله عليه وآله): (فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل همل النعم)؛ أي من الصحابة؟ وذلك أنه لو أراد الأمة، لاقتضى اللفظ في الحديث أن یکون: (منها) وهذا أمر لا يخفى على من لديه ادنی معرفة بلغة العرب.

ولا شك في أن هؤلاء القلة القليلة الذين خلصت من الارتداد، ومن السوق إلى النار، هم أولئك الصحابة الذين اجتهدوا بالتمسك بكتاب الله وعترته أهل بيته (عليهم السلام).

إلّا أن مشكلة ابن تيمية أنه لم يخبر المسلمين الذين اتخذوه شیخاً هم بمصير الصحابة الذين اجتهدوا فأخطؤوا، ولم يُعرّف بهم، على الرغم من إقراره بخطئهم؛ ولم يخبرهم أيضاً بحال من يقتدي بهم، وأنّه سيذاد عن الحوض، ويساق مع إمامه إلى النار، وذلك لقوله تعالى:

ص: 81

«يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا * وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا» [سورة الإسراء/ 71 - 72].

ولأن ابن تيمية وابن القيم وغيرهم قد عموا وصموا عن هذه الآية وغيرها وعن الأحاديث النبوية، فهم في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا.

وبناءً على ما تقدّم:

فإن هذه الدعوى لم يلتزم القائلون بها أنفسهم، وكذلك الداعون إليها؛ وذلك لأنهم يدركون أنها دعوة مخالفة للقرآن والسُنّة النبوية وسيرة علماء الأمة الذين صدّقوا الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أنفسهم، فلم يخونوا الأمانة، ولم يكتموا آيات الله عن الناس، ولم يدلسوا في دينهم، فبيّنوا حقيقة ما شَجَرَ بين الصحابة ولاسيما خصومة بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها).

المسألة الثالثة: معارضة دعوى الإمساك عمّا شَجَرَ بين الصحابة للقرآن الكريم.

يعرض القرآن الكريم جملة من الآيات المباركة التي تؤصل لعناوين فقهية وعقدية فيما شَجَرَ بين الصحابة، بل: وما شَجَرَ بينه (صلى الله عليه وآله) وبعض أزواجه، والمجال لا يسع لتتبعها جميعاً، ولذا سنورد منها شاهدين، وهما:

ص: 82

الشاهد الأول: احتكام الصحابة إلى النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) فيما شجر بينهم دليله الإيمان به.

إنّ أول أمر يعرضه القرآن الكريم هو الدعوى المغايرة والمعاكسة لمقتضی الإمساك ومفهومه ودلالته، وذلك عبر طرحه لمسألة نشوء الخلافات والمشاجرات فيما بين الصحابة في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنها:

قال عز وجل:

«فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» [سورة النساء / 65].

فالآية تحدد جملة من المسائل عن أهل (خير القرون) وتكشف عن حالهم واحوالهم ومستوى علاقتهم برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمنها:

1- إن الله عز وجل يقسّم أنّهم لا يؤمنون إلّا بشروط ثلاثة، وهي:

أ- أن يحكِّموا رسوله (صلى الله عليه وآله) في هذه الخلافات والمشاجرات والنزاعات التي تقع فيما بينهم.

ب- ألّا يجدوا في أنفسهم حرجاً فيما يقضي به النبي (صلى الله عليه و آله وسلم) بينهم، فمن وقع عليه الحكم والعقوبة يلزم به أن يخرج الحرج من نفسه، فلا يميل بهذا الحكم إلى النزعات النفسية التي اعتاد عليها أهل الجزيرة في وضع الأحساب والأنساب فوق الاعتبارات الشرعية.

ج- أن يسلِّموا لما يحكم به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يعترضوا على حكمه، وذلك أن حكمه حكم الله عزّ وجل.

ص: 83

2- إذا كان هذا حال الصحابة في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكيف يكون حالهم من بعده؛ بل: من يقضي بينهم ويحل خلافاتهم؟

ومن ثم: تُقدِّم الآية المباركة صورة عن تغلغل الخلافات والمشاجرات فيما بين الصحابة في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنَّهم بحاجة إليه لفض هذه المشاجرات وحلِّها وإعطاء الأحكام الشرعية فيها.

ومن هنا نسأل:

كيف للمسلم أن يتعلّم هذه الأحكام الشرعية في الخلافات والنزاعات والمشاجرات التي وقعت بين الصحابة؛ وبعض أهل السُنّة والجماعة يدعو إلى (وجوب الإمساك عمّا شَجَرَ بين الصحابة)(1)؟ لا شك في أنّها دعوة إلى رفض الشريعة وأحكامها.

الشاهد الثاني: القرآن يسُنُّ الرجوع إلى معرفة ما شجر بين النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) وبعض أزواجه.

في المورد الثاني يقدِّم القرآن الكريم انموذجاً آخر من العلاقة التي يشوبها الخلاف، ولكن هذا الشاهد أشد أثراً مما شَجَرَ بين الصحابة؛ وذلك أنّه كان بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعض أزواجه، وبيان أن الله تعالى هو الحاكم الذي يقضي لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو المتكفل بجميع شؤون حبيبه وسیّد أنبيائه ورسله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو على النّحو الآتي:

ص: 84


1- شرح العقيدة الواسطية، لابن عثيمين: ج 2 ص 285 - 287

قال عزّ وجل:

«وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا» [سورة التحريم / 3 - 5].

فالآيات المباركة تقتضي أن يتعرف المسلم على شأنية نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأزواجه، وهو أوجب على المسلم من التعرّف على حياة الصحابة؛ وذلك لما يترتب على هذه المعرفة من إيمان بالله واليوم الآخر.

وهذا يوجب رفع المانع والحاجز عن هذه المعرفة، وذلك أنها وسيلة إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، وتعارض ما يؤدي إلى الجهل والضلال، ولاسيما عبر دعوى (الإمساك عمّا شَجَرَ بين الصحابة)، أو آليات إنکار ما ثبتت صحته في السنة النبوية، كالتصريح بنكارة الحديث، أو إيراد ما هو ما مغایر للحقائق والوقائع؛ بغية الوصول إلى تضليل المسلم وصرف ذهنه إلى ما تعاهد عليه القوم في خلافهم لمنظومة القرآن الكريم والعترة النبوية (عليهم السلام)، بحجة الحفاظ على السُنّة النبوية.

ويكون هذا دون التصريح بأي سُنّة يتمسكون، ولا لأيّها يدعون أو عليها يحافظون؟! وذلك أن السُنّة النبوية وفي بيانها للآيات المباركة فيما شَجَرَ بين

ص: 85

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعض أزواجه تُعَرّفُ المسلم، وتُظهر له الحقائق، وتحفظ له إيمانه بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) واليوم الآخر، ولا تُحَرّم عليه الدخول في ميدان حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا توجب عليه الإمساك عن معرفة حياة من آمن به نبيًّا ورسولاً من الله تعالى (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولذا:

كان بيان السُنّة النبوية لمعنى الآيات ومرادها وحقائقها على النحو الآتي:

1- روى البخاري في صحيحه مصرِّحاً عن الزوجتين اللتين ورد ذكرهما في الآيات المباركة من سورة التحريم، فقال عن ابن عباس، قال:

(أردت أن أسأل عمر ، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فما أتممت كلامي حتى قال: عائشة وحفصة).

2- وذكر البخاري أيضاً سبب نزول الآيات المباركة التي حملت معها هذا التحذير الشديد والإنذار والوعيد من الله تعالى لعائشة وحفصة، وبيَّن السبب في خلافهما مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى لسان صاحبة الحدث، أي عائشة، فإنها قالت:

(إن النبي [صلى الله عليه وآله] كان يمكث عند زینب ابنة جحش، ويشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة، أن أيتنا دخل عليها النبي

ص: 86

[صلى الله عليه وآله] فلتقل: إني لأجد منك ريح مغافير(1)، أكلت مغافير، فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك؟! فقال:

«لا بل شربت عسلاً عند زینب بنت جحش ولن أعود له»؛ فنزلت:

«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ» إلى «إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ: لعائشة وحفصة؛ «وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا» لقوله: «بل شربت عسلاً»)(2).

3- إن أول من وقع في شباك دعوى الإمساك عمّا شَجَرَ بين الصحابة وأهل خير القرون هو ابن تيمية، وذلك حينما أفتى في هذه الآية، أي في قوله تعالى:

«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ» [سورة التحريم / 1] فأمسك عن قراءة ما شَجَرَ بين النبي (صلى الله عليه وآله) وعائشة وحفصة، وترك تتبع السُنّة في مسألة التحريم، فرد عليه قاضي القضاة الشافعي، الحافظ السبكي (ت 683 ه) فقال:

(وفي مسألة التحريم أقوال كثيرة للعلماء، وأكثرهم على أنه ليس بيمين على الإطلاق، فلا يدخل في الآية الكريمة إلّا في الحكم، لا في الاسم الحقيقي، هذا على قول من يوجب الكفارة لكونه تحریماً، وأمّا من لم يقل بذلك، فيقول: الكفارة ليمين بالله تعالى اقترنت بالتحريم.

ص: 87


1- (المغافير) أو (المغاثير) صمغ ينضحه شَجَرَ يسمى (الحرفط)، وهو من فصيلة الشوكيات، له رائحة كريهة ومذاق حلو، تأكله النحل، فيصيب رائحته الكريهة العسل فيفسده. ينظر: (غريب الحديث لابن قتيبة الدينوري): ج 1 ص 98
2- صحيح البخاري، کتاب الطلاق: ج 6 ص 167

وقد قال هذا المبتدع - أي ابن تيمية -:

من قال بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حلف مع الكفارة، فقد قال ما لم يقله أحد؛ وقد روى البيقهي، بإسناده إلى عائشة، قالت:

إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من نسائه، فجعل الحلال حراماً، وجعل في اليمين الكفارة؛ وروى أبو داود مرسلا، عن قتادة، قال:

(كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت حفصة، فدخلت فرأت معه، فقالت: في بيتي وفي يومي؟ فقال:

«اسكتي فوالله لا أقربها، وهي علي حرام».

وقد روى البيهقي مرسلا أيضا، عن مسروق، أنه قال:

(إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حلف لحفصة أن لا يقرب أمته، وقال:

«هي علي حرام».

فنزلت الكفارة يمينه، وأمر أن لا يحرِّم ما أحلَّ الله له).

وأما قصة العسل، وهي أشهر في سبب نزول الآية، فروى البيهقي: أن عبيد بن عمير، قال: سمعت عائشة تخبر:

(أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان يمكث عند زینت بنت جحش ويشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة، أيتنا دخل عليها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؛ فدخل على إحداهما، فقالت ذلك له؟ فقال:

ص: 88

«بل شربت عسلًا عند زینب، ولن أعود له».

فنزلت: «لم تحرِّم ما أحلَّ الله لك» إلى: «أن تتوبا إلى الله» لعائشة وحفصة، (وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) لقوله: (بل شربت عسلا).

قال البيهقي: رواه البخاري في الصحيح، عن الحسن بن محمد؛ ورواه مسلم عن محمد بن حاتم، كلاهما عن حجاج؛ قال البخاري:

وقال إبراهيم بن موسى، عن هشام بن يوسف، عن ابن جريح عن عطاء، في هذا الحديث:

(ولن أعود له، وقد حلفت، فلا تخبري بذلك أحدا).

قال ابن عبد البر: وقد روي عن ابن عباس، في تأويل قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ»:

«والله لا أشرب العسل بعدها».

فإذا كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد حلف بالله، فالكفارة لليمين بالله، وهذا معنى قول عائشة، فجعل الحلال حراما، وجعل في اليمين الكفارة، فلم تكن الكفارة إلا في اليمين بالله تعالى، ولا يحتاج إلى الجواب عن الآية، والله أعلم)(1).

ص: 89


1- ص 40 - 41 الدرة المضيئة في الرد على ابن تيمية، للحافظ أبي الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الكبير، نشر القدسي - دمشق الشام - مطبعة الترقي عام 1347 ه وهي عن نسخ الأستاذ الشيخ محمد زاهد الكوثري والنشر الالكتروني: مكتبة التراث الإسلامي في فيس بوك http\\archiver.orp

ومن ثَمَّ:

لا يمكن لأي عالم أو فقيه أو باحث أو متعلِّم أو قارئ أن يطلع على معارف الإسلام، وما أوجبته الشريعة أو حرَّمته أو نهت عنه أو حثت عليه ورغبت فيه، ما لم يكن عبر قراءة حياة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) وأصحابه وما شَجَرَ بينهم؛ ولاسيما فيما شَجَرَ بين بيت النبوة، وثقل الأمة، وسفينة نجاتها، وباب حطتها، وأساس دينها، وبين الصحابة.

وإن سنام هذه المعرفة، وقطب رحاها، هو معرفة ما شَجَرَ بين البضعة النبوية وأبي بكر؛ وذلك أن ما شَجَرَ بين الإمام علي (عليه السلام) والصحابة تأوّل فيه المتأولون، وطعن فيه المنافقون، وأوغل فيه القاسطون والمبغضون، وذلك عبر حصرهم ما شَجَرَ بينه (عليه الصلاة والسلام) وبينهم على الخلافة - والعياذ بالله - فذهبوا إلى أن لا نصَّ نبوي لعلي (عليه السلام) في الخلافة ولا وصية.

ونسجوا القول وأسرفوا في ترميم مشروع السقيفة وخلافة أبي بكر، عبر صلاته بالمسلمين في مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(1)، أو بتأميره على الحجيج في السنة التاسعة من الهجرة(2)، أو بسد الأبواب إلا خوختة(3)، أو بيعة أهل السقيفة، وإن لم يتحقق الإجماع بغياب الإمام علي (عليه السلام)

ص: 90


1- السُنَّة، للخلال: ج 2 ص 301 برقم 365، ط الراية
2- شرح صحیح مسلم لابن عثيمين، کتاب الجهاد والسير: ج 6 ص 74، ط 7 المكتبة الاسلامية
3- المصدر نفسه

وبني هاشم وشيخ الأنصار سعد بن عبادة، وكثير من الصحابة، وغيرها؛ لكن: هذه المجريات وما جرى فيها للعلماء من اتباع منظومة القرآن والعترة (عليهم السلام) من ردود و طعون، منذ وقوع أحداث السقيفة والى يومنا هذا تدور رحاها في أصل الخلافة، فهل هي بالجعل الإلهي أو التعيين الرباني؛ أو بالنص أو الشورى أو بيعة أهل الحل والعقد أو بالسطوة والسيف والغلبة؟

أمّا ما شَجَرَ بين بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) وأبي بكر، فتدور رحاه في القيم الإنسانية والأخلاقية والشرعية، وهو ما لم يجتمع في غيرها من المسائل، وذلك أنها تكتنز في مفرداتها:

1- شأنية القرآن الكريم في أحكام الإرث، وسهم ذي القربى، والهبة.

2- شأنية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقوقه الشخصية، وحرمته بأبنائه وأهل بيته، وأمواله، وهباته، وحقّه في نبوته على أمته وحرمتها.

3- شأنية فاطمة (عليها السلام) في سيادتها على نساء الأمة ونساء العالمين، وأن الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها، وأن ما يؤذيها يؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن الله تعالى لعن في محكم كتابه من يؤذي رسوله، فقال عز وجل:

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا» [سورة الأحزاب / 57].

4- فضلاً عن شأنية القيم الأخلاقية في التعامل مع المرأة، وحفظ العهود، وصيانة الحرمات، وإكرام ذي المروءات وغيرها.

ص: 91

ولذلك: نجد أن تعامل أعلام أهل السُنّة والجماعة فيما شَجَرَ بين البضعة النبوية وأبي بكر ارتكز على أمور ثلاثة:

الأول: إنکار ما أثبتته الأصول اللغوية، والنصوص القرآنية، والنبوية، والتاريخية في حق بضعة النبوة وصفوة الرسالة في ارثها ونحلتها وسهمها من الفيء، أي سهم ذي القربى، أو طعمتها من حصن الكتيبة.

الثاني: الدعوة إلى الإمساك عمّا شَجَرَ بين الصحابة لقطع الطريق على المسلم في معرفة علة إفتراق الأمة إلى مسارين مختلفين وتشظيها إلى ثلاثة وسبعين فرقة.

الثالث: التعرض للبضعة النبوية ونعتها - والعياذ بالله - بالعديد من الأقوال السيئة، كقولهم:

1- (عند المخاصمة لا يبقى للإنسان عقل يدرك به ما يقول، أو يفعل، أو ما هو الصواب فيه، فنسأل الله أن يعفو عنها، وعن هجرها خليفة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم)(1).

2- أو (انحراف مزاج رضاها)(2).

3- أو (أنها طالبت بفدك فلم تستطع إثبات مدعاها، فعدلت إلى الإرث)(3).

ص: 92


1- شرح صحیح مسلم لابن عثيمين، کتاب الجهاد والسير: ص 74 ط المكتبة الإسلامية - السعودية؛ وللمزيد من الاطلاع ينظر: خصومة فاطمة (عليها السلام) في فكر ابن عثيمين في ضوء مقاصدية القرآن والسنة واللغة، للمؤلف
2- تفسير الآلوسي: ج 4 ص 220
3- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ج 16 ص 269

4- أو (أنها تلتمس من أبي بكر مال المسلمين)(1).

5- أو (أنها تبحث عن عمل لزوجها من خليفة المسلمين عبر أرض فدك)(2).

6- أو (أنها لم تكن تعلم أن الأنبياء لا يورثون، فلما أخبرها أبو بكر، وشرط لها أن يعمل بفدك ما كان يعمل النبي (صلى الله عليه وآله)، فاسترضاها فرضیت)(3)، وغيرها.

وهو تعامل ليس بالجديد في جرأته وتجريه على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام)، ويحاكي منهج من أصَّل لحرب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته؛ فقد زخرت به کتب المخالفين لعترة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)؛ فضلاً عن النزعة في معادات القيم الأخلاقية والشرعية والإنسانية، والتي تلزم الإنسان في أدنی مراتبها التحدث بأدب في محضر أسياده وأُولي النعمة والفضل عليه، وكيف يعرف الأدب من هو ناقم على بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال تعالى:

«وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ» [سورة التوبة / 74].

ص: 93


1- نیل الأوطار، للشوكاني: ج 6 ص 197
2- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ج 16 ص 269؛ نيل الأوطار للشوكاني: ج 6 ص 197
3- تفسير الألوسي: ج 4 ص 117 - 220

ومن ثَمَّ نسأل:

ما أسباب الخصومة بين بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) وأبي بكر، ومتى بدأ الإنكار ومن أول من قام به؟

ص: 94

المبحث الثاني تحديد عائشة لعناصر الخلاف فيما شجر بين فاطمة (علیها السلام) وأبي بكر وأنّها أول من أنكر وغاير في الدعوى

ممّا لا ريب فيه أن عائشة كان لها الأثر الكبير في كشف عناصر الخلاف والخصومة فيما شَجَرَ بين أبيها وبضعة النبوة (عليها السلام)؛ وذلك لكونها ممن عايش هذه الأحداث عن كثب؛ فضلا عن موقعها في الموروث الإسلامي من كونها زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وابنة قطب الرحى فيما شَجَرَ بين أبيها وفاطمة (عليها السلام)، وتلاقف البخاري ومسلم وغيرهما لحديثها، فبم تحدَّثت، وأي شيء أنكرت، ولأیِّها تكتَّمت؟ هذا ما سنتناوله في هذا المبحث والذي يليه، وهو على النحو الآتي:

المسألة الأولى: إنّ عائشة هي أول من جمع العناوين الشرعية الثلاثة، بعد أبيها وتكتمت على أموال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم).

تكشف الرواية التاريخية التي أخرجها محمد بن إسماعيل البخاري(1)، ومسلم النيسابوري(2) في صحيحهما، واحمد في مسنده(3) وغيرهم(4)، عن

ص: 95


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين: ج 4 ص 120
2- صحيح مسلم باب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا نورث ج 5 ص 143
3- مسند أحمد: ج 1 ص 6
4- سنن أبي داوود: ج 2 ص 23؛ السقيفة وفدك، للجوهري: ص 107؛ السنن الكبرى، للبيهقي: ج 6 ص 300

عروة، عن عائشة، محددات الخلاف بين البضعة النبوية (عليها السلام) وأبي بكر في الموارد المالية الثلاثة التي كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمنعها أبو بكر عن فاطمة (عليها السلام) بقوله: «لا نورِّث».

غير أنَّ الرواية على لسان عائشة لم تكشف عن جميع أموال النبي (صلى الله عليه وآله)، بل تحدَّثت عن عناوين هذه الموارد بألفاظ ثلاثة (أمواله في المدينة، وأرض فدك، وسهم ذي القربی).

وهو ما جاء في قولها:

(إن فاطمة [عليها السلام] أرسلت إلى أبي بكر تسأله میراثها من رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وآله وسلم) وهي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة، وفدك، وما بقي من خمس خیبر).

فقال أبو بكر:

إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال:

«لا نورِّث ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال».

وإني والله لا أغيّر شيئاً من صدقات رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.

فأبی أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت من ذلك على أبي بكر وهجرته، فلم تکلّمه حتى توفيت)(1). ومن ثم فإن عائشة هي أول

ص: 96


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين: ج 4، ص 210

من جمع العناوين الشرعية الثلاثة، بعد أبيها فينل شجر بين فاطمة (عليها السلام) وأبي بكر.

أي: (إرث النبي (صلى الله عليه وآله)، ونحلة فاطمة (عليها السلام)، وسهم ذي القربی) وعلى اختلاف أصولها وأحكامها في عنوان واحد وهو الأرث؛ وهو ما بدا في قولها:

(إن فاطمة - عليها السلام - أرسلت إلى أبي بكر تسأله میراثها).

المسألة الثانية: إنّ أموال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

أولاً - أمواله (صلی الله علیه و آله وسلم) في المدينة.

وهو ما كتمت عائشة بيانه والتعريف به، فكان على النحو الآتي:

1- الحوائط السبعة وتسمى بأرض العوالي، وهي بساتين كانت لمخيريق اليهودي، وقد وهبها للنبي (صلى الله عليه وآله) بعد أن هداه الله للإسلام(1).

2- أرضه (صلى الله عليه وآله) من أموال بني النضير، وهي مما أفاء الله عليه(2).

3- ثلاثة حصون من أرض خیبر جاءته صلحا، وهي (حصن الكتيبة، وقد أخذها بخمس الغنيمة، والوطيح، والسلام، وهما مما أفاء الله عليه

ص: 97


1- السيرة النبوية، لابن هشام: ج 2 ص 362؛ الطبقات، لابن سعد: ج 1 ص 501؛ تاریخ المدينة، لابن شبة: ج 1 ص 173
2- الأحكام السلطانية، للاوردی: ص 169

صلى الله عليه وآله)(1).

4- الثلث من أرض وادي القرى، وهو واد بين المدينة والشام، وقد جاءه صلحا مما أفاء الله تعالى عليه(2).

5- موضع سوق بالمدينة، يقال له: مهروز، أو مهروذ.

فهذه أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة التي صادرها أبو بکر ومنعها عن فاطمة (عليها السلام)، وهي إرثها.

ثانيًا - أرض فدك.

وهي نحلة النبي (صلى الله عليه وآله) لفاطمة بأمر الله عزّ شأنه(3)، وقد وفّقني الله لإفراد عنوان مستقل عن هذه الظلامة، والموسوم ب: (مغالطات المحدثين والمفسرين في نحلة سيدة نساء العالمين (عليها السلام) سورة الإسراء والروم أنموذجًا)(4).

ثالثًا - خمس خيبر.

ويراد منه سهم الله و سهم رسوله (صلى الله عليه وآله) من المغانم.

ص: 98


1- الأحكام السلطانية، للماوردي: ص 170
2- المصدر نفسه
3- الكافي للكليني: ج 1 ص 542 - 543؛ تفسير القرآن للمفيد: ص 326؛ المقنعة، للمفيد: ص 289؛ تهذیب الأحکام، للطوسي: ج 4 ص 148؛ مسند أبي يعلى الموصلي: ج 2 ص 334؛ فتح القدير، للشوكاني: ص 224؛ شواهد التنزيل، للحسكاني: ج 1 ص 238 - 442
4- اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة، ط 1 - دار الوارث، لسنة 2021 م - کربلاء المقدسة

رابعاً - أما ما أنكرته عائشة وتكتَّمت عليه.

فقد كان طُعمَة فاطمة (عليها السلام) من حصن الكتيبة، ومقدارها:

1- مائتا وسق من التمر، برواية ابن هشام(1).

2- وأما برواية الواقدي، فقد خصّها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي (عليهما السلام) بثلاثمائة وسق من التمر والشعير، لها من الشعير مائتا وسق(2).

3- ومن القمح خصّها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بخمسة وثمانين وسقا(3).

فهذه الأموال جاءت فاطمة (عليها السلام) تطالب بها السلطة الحاكمة وذلك بعد حبسها ومصادرتها وجعلها من ضمن أموالها، والدليل على ذلك: هو مطالبة فاطمة (عليها السلام) بها، فلو لم يصادرها أبو بكر، ويحبسها عن فاطمة (عليها السلام)، بكونها الوريث لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وصاحبة أرض فدك، وسهم ذي القربی، لما جاءت تطالب بحقّها منه.

خامسا - أما أموال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) المعيشية.

فهي تنقسم إلى عدة أنواع، وهي على النحو الآتي:

1- دوابه: من الخيل، والنوق، والماعز، والبغلتين، والحمار.

ص: 99


1- السيرة النبوية، لابن هشام: ج 3 ص 810 - 813
2- المغازي، للواقدي: ج 2 ص 693
3- السيرة النبوية، لابن هشام: ج 3 ص 813

2- سلاحه: من السيوف، والدروع، والأقواس، والقلانس.

3- أثاثه: من الفراش، والقدور، والصحون، والاريكة، والسرير، والوسادة، وغيرها.

4- مقتنيات شخصية: كالمرآة، والمخضب، والمقص، والمقراض، والمكحل.

5- ملابسه: من القمصان، والعمائم، والجبب، والمآزر، وغيرها.

فهذه الأموال إما منهوبة، أو مغصوبة، أو متروكة من قبل السلطة لفاطمة (عليها السلام)، وهو مما بسطنا القول فيه في كتابنا الموسوم: (تأويلات أعلام أهل السُنّة والجماعة في ترك أبي بکر سِلام النبي ومتاعه لفاطمة (عليها السلام) بين التوريث في الأموال المعيشية ومنعه في الموارد المالية)(1).

المسألة الثالثة: إطلاق اسم جديد وعنوان تشريعي على هذه الأموال.

إن الهدف من إطلاق اسم جديد على هذه الأموال هو تمكين السلطة من مصادرتها لحسابها، كي تتصرف فيها ما تشاء، فسميت ب(صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) أي: نفي الملكية الخاصة عن فاطمة وولديها (عليهم السلام) لهذه الأموال إلى الملكية العامة والمقيّدة ضمن مسمّى عنوان التولية عبر سلطان الخلافة، فتُنفق بحسب ما تراه السلطة التي وضعت يدها على هذه الأموال.

ص: 100


1- اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة، ط 1 - دار الوارث، لسنة 2021 م / كربلاء المقدسة

ولذلك نجد في كتب التاريخ والسيرة وغيرها أنّ هذه الأموال تسمى بصدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كي يضيع معها أي حق لفاطمة (عليها السلام)، يمكن أن يلتفت إليه المسلمون فيما بعد وعلى مرور الزمن.

المسألة الرابعة: إن أبا بكر كان يدرك جيدًا أن هذه الأموال هي مما يستعين به آل محمد (صلی الله علیه و آله وسلم) على مؤونتهم ومايتبعه من آثار أذى فاطمة (علیها السلام)

وذلك أن الله تعالى قد حرّم عليهم الصدقة، وأباح لهم الخمس، وما ورثته فاطمة من أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) مما أفاء الله تعالى عليه.

ومن ثَمَّ:

أصبح آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بين مطرقة حرمة الصدقات، إذ لا يجوز لهم أكل الصدقة، وبين حبس الخمس، فبأي شيء يستعين مسكينهم وفقيرهم ويتيمهم؟!

فكان ذلك حصاراً على آل محمد (صلى الله عليه وآله)، ولكن بعنوان شرعته الخلافة.

وإن قيام أبي بكر بحرمان فاطمة (عليها السلام) من حقوقها؛ بمصادرة ارثها، ونحلتها، ومنع الخمس عنها، نتج عنه غضبها على أبي بكر، فلم تکلّمه حتى انتقلت إلى بارئها، لتشكو إليه ما نزل بها من الظلم، وقد ثبت في الصحاح عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال:

ص: 101

فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَن أَغْضَبَهاَ أَغْضَبَنِی»(1).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

« فإنَّما هِيَ بَضْعَهٌ مِنِّی یُرِیبُنِی مَا أَرَابَهَا وَ یُؤْذِینِی مَا آذَاهَا»(2).

وقال عزّ وجل في محكم كتابه:

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا» [سورة الأحزاب / 57].

ص: 102


1- صحيح البخاري، مناقب المهاجرين والأنصار: ج 4 ص 210
2- صحيح البخاری، کتاب النکاح: ج 6 ص 158

الفصل الثاني مصادرة أبي بكن لطُعمَة فاطمة (عليها السلام) من من حصن الکتیبة

ص: 103

تناولت العديد من المصادر حصن الكتيبة(1)، وأظهرت قيمته الإقتصادية، وكيفية تعامل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مع هذه الموارد، لكنها تغافلت عن ظلامة فاطمة (عليها السلام).

ص: 104


1- للمزيد من الاطلاع ينظر في ذلك: السيرة النبوية لابن هشام: ج 3 ص 810 - 813؛ غزوات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لابن سعد: ص 106 - 108؛ شرح السير للسرخسي: ج 1 ص 278 و ص 282؛ و ج 3 ص 1008؛ تاریخ دمشق لابن عساکر: ج 3 ص 221، وج 46 ص 17، وج 70 ص 23؛ معجم البلدان للحموي: ج 2 ص 338 و ص 409 وص 41، و ج 4 ص 37؛ مغازي الواقدي: ج 2 ص 636، و ص 648، و ص 669، و ص 670، و ص 674، و ص 679، و ص 700، و ص 821، و ص 822؛ تاریخ المدينة لابن شبة: ج 1 ص 187؛ فتوح البلدان للبلاذري: ج 1 ص 28 - 32؛ المنتظم في تاريخ الأمم لابن الجوزي: ج 3 ص 294، الكامل لابن الأثير: ج 2 ص 224؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج 4 ص 230؛ تاریخ ابن خلدون: ج 2 ص 293؛ إمتاع الاسماع للمقريزي: ج 1 ص 314، و ص 315، و ص 323؛ و ج 9 ص 232، و ص 281، و ص 295؛ و ج 13 ص 153؛ دلائل النبوة للبيهقي: ج 4 ص 225 - 226؛ الاكتفاء للكلاعي: ج 1 ص 488؛ عیون الاثر لابن سيد الناس: ج 2 ص 142 و ص 144؛ المبسوط للسرخسي: ج 15 ص 3 - 4؛ الأحكام السلطانية للماوردي: ص 170- 171؛ سنن أبي داوود: ج 2 ص 37؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 6 ص 317؛ عون المعبود للعظيم أبادي: ج 8 ص 172، و ص 175؛ مسند ابن راهنوية: ج 1 ص 20؛ الاستذكار لابن عبد البر: ج 7 ص 37 - 38؛ التمهيد لابن عبد البر: ج 6 ص 446 - 447؛ نصب الراية للزيلعي: ج 4 ص 253؛ اضواء البيان للشقنيطي: ج 2 ص 68؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 1 ص 245، و ج 2 ص 106، و ص 108، وج 5 ص 389 - 391؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 3 ص 382 - 383؛ سبيل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: ج 5 ص 137، و ج 5 ص 141، و ص 142، و ص 152 السيرة الحلبية: ج 2 ص 497؛ الاموال لابن زنجوية: ص 188؛ الروض الانف للسهيلي: ج 7 ص 127 وص 130 الصحیح من سيرة النبي (صلى الله عليه و آله وسلم) للسيد جعفر مرتضى العاملي: ج 17 ص 70، و ص 210، و ص 218 - 220، و ج 18 ص 172 - 175 ، و ص 179 - 186، و ج 27 ص297؛ المحسن السبط للسيد مهدي الخرسان: ص 367، مکاتیب الرسول (صلى الله عليه و آله وسلم) للحمدي: ج 1 ص 296، و ج 3 ص 634 - 629

فكثيرة هي الظلامات التي نزلت على قلب بضعة النبوة وصفوة الرسالة، بل قلب النبي (صلى الله عليه وآله) وروحه التي بين جنبيه، ولعل قول امير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) وهو يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله) لما واری فاطمة (عليها السلام) الثرى فيه الكفاية عن كشف ما هو مستور عن المسلمين و محجوب في ظلامة بضعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، ومنها مصادرة طعمتها (عليها السلام) من حصن الكتيبة، فهذه الحقيقة والظلامة العظيمة، تم التعتيم عليها وإنكارها وإن كنت من قبل ممن تشرف في خدمة هذا القول لأمير المؤمنين (عليه السلام) في بحثي الموسوم ب: (فاطمة في نهج البلاغة مقاربة تداولية في قصدية النص ومقبوليته واستكناه دلالاته)، إلا أني لم أوفق حينها للبحث في هذه الظلامة وبيانها للناس، ولعل مرد ذلك إلى مكنون النص الشريف، فهو مما أحار العقول في الوصول إلى مقاصدية قوله (عليه الصلاة والسلام):

«سَرْعَانَ مَا فَرَّقَ بَیْنَنَا وَإِلَی الله أَشْکُو وَسَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَی هَضْمِهَا فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ(1) وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ فَکَمْ مِنْ غَلِیلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلَی بَثِّهِ سَبِیلًا وَسَتَقُولُ وَیَحْکُمُ الله وَهُوَ خَیْرُ الْحاکِمِینَ...»(2).

فكان من مقاصدية تضافر الأمة، هو: تضافر أعلام أهل السُنة والجماعة على هضمها حقها، وهو ما تَكَشَّفَ عبر هذه الدراسة في بيان ما أنكروه من حقها فيما شجر بينها وأبي بكر، فكان من أعظم ما أنكروه هو التكتم المطبق

ص: 105


1- الهضم: الظلم والغضب، واخفاء السؤال: استقصاؤه
2- الكافي للكليني: ج 1 ص 459

على مصادرة أبي بكر لطغمة فاطمة (عليها السلام) من حصن الكتيبة التي خصها بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد فتح حصون خيبر من السنة السابعة للهجرة النبوية.

فيا لله ولما جرى لفاطمة منذ ان قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى ظهور ولدها مهدي هذه الأمة (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه المعصومين)، الذي يملئ الأرض قسطا وعدلا كما مُلئت ظلما وجورا.

وعليه:

فقد استلزم البحث في كشف هذه الحقيقة والظلامة العظيمة الرجوع إلى المصادر السّيريّة والتاريخية والحديثية ودراستها دراسة متأنية ملتمسا فضل الله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله) في الوصول اليها وذلك عبر مجموعة من المباحث والمسائل، فكانت على النحو الآتي:

ص: 106

المبحث الأول هوية حصن الكتيبة وقيمته الأقتصادية

المسألة الأولى: هوية حصن الكتيبة.

تناول العديد من الأعلام لاسيما المؤرخون التعريف بحصن الكتيبة عبر حديثهم عن غزوة خيبر وذلك لكونه أحد حصونهم، وممن عرّفه.

1- ابن سعد (ت 230 ه).

قال في بيان مجريات هذه الغزوة:

(ثم غزوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خیبر في جمادي الأولى سنة سبع من مهاجره وهي على ثمانية برد من المدينة قالوا أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أصحابه بالتهيؤ لغزوة خيبر ويجلب من حوله یغزون معه، فقال:

«لا يخرجن معنا إلا راغب في الجهاد».

وشق ذلك على من بقي بالمدينة من اليهود فخرج واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وأخرج معه أم سلمة زوجته، فلما نزل بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس وأصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم وغدوا إلى أعمالهم معهم المساحي والكرازین والمكاتل، فلما نظروا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالوا:

محمد والخميس، يعنون بالخميس الجيش، فولوا هاربين إلى حصونهم، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:

ص: 107

«الله أكبر خربت خیبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين».

ووعظ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس، وفرق بينهم الرايات ولم يكن الرايات إلا يوم خيبر، إنما كانت الألوية، فكانت راية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) السوداء من برد لعائشة تدعى العقاب، ولواؤه أبيض ودفعه إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة، وكان شعارهم: يا منصور أمت، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المشركين وقاتلوه أشد القتال وقتلوا من أصحابه عدة، وقتل منهم جماعة كثيرة وفتحها حصنا حصنا، وهي حصون ذوات عدد، منها النطاة ومنها حصن الصعب بن معاذ، وحصن ناعم، وحصن قلعة الزبير، والشق وبه حصون، منها حصن أبي، وحصن النزار، وحصون الكتيبة، منها القموص والوطيح وسلالم، وهو حصن بني أبي الحقيق، وأخذ كنز آل أبي الحقيق الذي كان في مسك الجمل، وكانوا قد غيبوه في خربة، فدل الله رسوله عليه فاستخرجه، وقتل منهم ثلاثة وتسعين رجلا من اليهود، منهم الحارث أبو زينب ومرحب وأسير وياسر وعامر وكنانة بن أبي الحقيق وأخوه)(1).

2- الحموي (ت 626 ه).

قال الحموي في معجمة في التعريف بحصن الكتيبة مبتدءاً بهوية خيبر، فقال:

(خیبر: الموضع المذكور في غزاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي ناحية على ثمانية برد من المدينة لمن يريد الشام، يطلق هذا الاسم

ص: 108


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2 ص 106

على الولاية وتشتمل هذه الولاية على سبعة حصون ومزارع و نخل کثیر، وأسماء حصونها: حصن ناعم وعنده قتل مسعود بن مسلمة ألقيت عليه رحی، والقموص حصن أبي الحقيق، وحصن الشق، وحصن النطاة، وحصن السلالم، وحصن الوطيح، وحصن الكتيبة.

وأما لفظ خيبر، فهو بلسان اليهود: الحصن؛ ولكون هذه البقعة تشتمل على هذه الحصون سمیت خیابر، وقد فتحها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، في سنة سبع للهجرة وقيل: سنة ثمان)(1).

وفي بيانه وتعريفه لحصن الكتيبة، قال:

(كتيبة: بالفتح ثم الكسر، وياء ساكنة، وباء موحدة، قال أبو زيد: كتبت السقاء أكتبه کتبا إذا خرزته، وكتبت البغلة أكتبها كتبا إذا خرزت حياها بحلقة حديد أو صفر تضم شفري حياها، وكتبت الناقة تكتيبا إذا خرزت أخلافها، وكتبت الكتائب إذا عبأتها، وكل هذا قريب بعضه من بعض وإنما هو جمعك بين الشيئين ومن ذلك سميت الكتيبة القطعة من الجيش لأنها اجتمعت: وهو حصن من حصون خيبر، لما قسمت خیبر کان القسم على نطاة والشق والكتيبة، فكانت نطاة والشق في سهام المسلمين وكانت الكتيبة خمس الله وسهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسهم ذوي القربی واليتامى والمساكين وطعم أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، وطعم رجال مشوا بين رسول الله وبين أهل فدك بالصلح)(2).

ص: 109


1- معجم البلدان: ج 2 ص 409
2- المصدر نفسه: ج 4 ص 437

المسألة الثانية: قيمة حصن الكتيبة الاقتصادية.

امتاز حصن الكتيبة عن بقية حصون خيبر بكثرة وارداته الزراعية لاسيما في الغلات الثلاثة (التمر والشعير والقمح) فضلا عما وجد فيها من اموال اليهود وقد عرف الكثير ممن كتب عن حصون خيبر ما تنتجه هذه الأرض بما يلي:

أولاً - قيمتها الاقتصادية في النخيل.

قال ابن وهب، قلت لمالك:

(وما الكتيبة؟

قال: من أرض خيبر، وهي أربعون ألف عذق)(1).

ويراد بالعذق هو النخلة(2) كناية عنها، أي: أن هذه الأرض كانت تحتوي على اربعين ألف نخلة، ومما لا شك فيه أن ذلك يشكل مساحة كبيرة من الأرض، فضلًا عن قيمتها الاقتصادية، وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يستعين بها على نوائبه وينفق على أهل بيته (عليهم السلام) وأزواجه نفقة سنتهم، فضلاً عن اعانته للكثير من اصحابه لاسيما بني عبد المطلب فقد كانت فيهم الحاجة اكثر فأعطاهم اكثر من غيرهم(3)، كما سیمر بیانه لاحقاً.

ص: 110


1- سنن أبي داود: ج 2 ص 409؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 6 ص 318؛ عون المعبود للعظیم آبادي: ج 8 ص 175؛ الاستذكار لابن عبد البر: ج 7 ص 37؛ نصب الراية للزيلعي: ج 4 ص 252؛ امتاع الاسراع للمقريزي: ج 9 ص 281؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 3 ص 382
2- السيرة النبوية لابن كثير: ج 3 ص 383
3- السيرة النبوية لابن هشام: ج 3 ص 810

ثانياً - ما تنتجه الأرض من الشعير.

إن ما تنتجه أرض حصن الكتيبة من الشعير هو اكثر من ألفي وسق، وهو ما تم جمعه من الأوساق التي أطعمها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة وعلي (عليها السلام) وبني هاشم وبني عبد المطلب وأزواجه وأصحابه وذلك ضمن الأعداد التي ذكرها ابن هشام في السيرة النبوية،(1) في حين ذكر الواقدي: بأن ما يحصد من الشعير ثلاثة آلاف صاع نصفها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(2).

أما قيمة الوسق فهي:

(كل وسق: ستون صاعاً، وكل صاع تسعة أرطال بالعراقي)(3)، فيكون مبلغه خمسمائة وأربعين رطلاً، علماً أن الرطل المدني أزيد في الوزن من الرطل العراقي(4).

وقد قدّر العلامة الحلي (عليه الرحمة والرضوان) عبر التحقيق لا التقريب وبالرجوع إلى الروايات الشريفة عن العترة النبوية (عليهم السلام) أن قيمة الرطل العراقي، هي: (مائة درهم، وثمانية وعشرون درهماً، واربعة أسباع درهم، وهو تسعون مثقالاً، والمثقال: درهم وثلاثة أسباع درهم.

وقد روى الشيخ الطوسي عن سليمان بن حفص المروزيّ عن أبي الحسن (عليه السلام):

ص: 111


1- السيرة النبوية: ج 3 ص 811 - 812
2- المغازي: ج 2 ص 693
3- النهاية في مجرد الفقه للشيخ الطوسي: 178
4- غنية النزوع لابن زهرة الحلبي: ص 47

إنّ الصاع خمسة أمداد، والمدّ، وزن مائتين وثمانية دراهم، والدرهم وزن ستة دوانيق، والدانق: ستّ حبّات، والحبّة: وزن حبتين من شعير من أوسط الحبّ، لا من صغاره ولا من كباره)(1).

ثالثاً - ما تنتجه الأرض من القمح.

يظهر من الروايات أن ما تنتجه أرض حصن الكتيبة من القمح أقل بكثير مما تنتجه من الشعير، فقد ذكر ابن هشام عدد الأوساق التي اطعمها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بضعته فاطمة والإمام عليّا (عليهم السلام) ونساءه وغيرهم، فكانت: ثلاثمائة وثلاثون وسقاً(2).

رابعاً - ما يجمع منها من نوى التمر.

اعتاد العرب لاسيما أهل المدينة على جمع نوى التمر والانتفاع منه في مصادر الحاجة إلى النار في الطهي والتدفئة وغيرها، ومن ثم يشكل مصدراً مالياً لأهل المدينة، فكان مقدار ما يتم جمعه من نوى تمحور حصن الكتيبة وحدها هو ألف صاع، وكان يخصص نصفه لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(3)؛ وذلك لما تم الاتفاق عليه بينه وبين اليهود في بقائهم في حصونهم الثلاثة الكتيبة و الوطيح والسلالم وهي مما أفاء الله تعالى عليه، فكانت الكتيبة من خمس الغنيمة والوطيح والسلالم من الفيء - کما مرَّ بیانه -.

ص: 112


1- منتهى المطلب: ج 8 ص 194
2- السيرة النبوية: ج 2 ص 813
3- المغازي: ج 2 ص 693

وان هذا الناتج من التمر والشعير والقمح والنوى أعاد تقسيمه عمر بن الخطاب بعد توليه الامارة، کما سیمر بیانه مفصلاً في مباحث الدراسة.

خامساً - ما وجد في حصن الكتيبة من السلاح.

روى المقريزي (ت 825 ه) ما وجد في حصن الكتيبة من السلاح، فقال: (فوجد خمسمائة قوس عربية، ومائة درع، واربعمائة سيف، وألف رمح)(1).

وتشكل هذه الأسلحة مورداً اقتصادياً آخر يضاف إلى ما تنتجه الأرض من حاصلات زراعية اساسية.

والسؤال المطروح:

کیف لا تشكل هذه القيمة الاقتصادية والموارد المالية حافزاً للسلطة بوضع يدها عليها بحجة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يورث!!

ص: 113


1- إمتاع الأسماع: ج 1 ص 315

ص: 114

المبحث الثاني ما أنكرته عائشة لطُعمَة فاطمة (علیها السلام) من حصن الكتيبة وكتمته في إمارة أبيها فقد أظهرته في إمارة عمر بن الخطاب

إنّ القراءة التحليلية لسيرة عمر بن الخطاب منذ توليه الإمارة لاسيما وهو المصطلح المحبب إليه - کما سیمر - أي: الإمارة، يكشف عن نهجه الخاص الذي أوغله في جميع مفاصل الحياة فكان عهده وإمارته هو الاساس الذي سار عليه أهل السنة والجماعة وإلى يوم وقوف الناس بين يدي الله عز وجل.

ومما لا ريب فيه أن عمر بن الخطاب جمع بين مقتضيات السلطنة والإمارة والملك وبين مقتضيات عنوان الخلافة الاسلامية، فمهد هذا النهج لقيام الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية، فتجدهم في القصور الفاخرة، وبين احضان الجواري المختلفة في الأعراق والالوان، إلى العجز في التخير بينهن، فضلاً عن تعدد أصناف الأطُعمَة والأشربة إلى العجز في القدرة على الهضم، فضلاً عن سطوة درة عمر، إلى سيف معاوية، وسجون بني العباس.

فهذا وغيره في مظاهر السلطنة والإمارة المكسوة بأستار الخلافة التي احتار في التفريق بينهما ابن الخطاب، فيسئل بعض الصحابة عن حاله:

(والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟! فإن کنت ملكاً فهذا عظيم)(1)!!

ضاع الكثير من الحقائق وتكتم على الكثير، وأنكر الكثير أيضًا.

ص: 115


1- انساب الاشراف، ج 10 ص 360

ولعل تتبع هذه المظاهر يخرجنا عن عنوان الكتاب ومنهجه(1) إلا أننا نشير هنا إلى أن عمر بن الخطاب قد غيّر فيما سُنّهُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خیبر، لاسيما حصن الكتيبة والوطيح والسلالم ووادي القرى، وأبقى ما سَنهُ أبو بكر في خصومته لبضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (عليها السلام) في الإرث والنِحلة أي فدك، وطُعمَتها من حصن الكتيبة، أي ما فرض لها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأسهم والأوساق مما تنتجه أرض حصن الكتيبة، وهو غير ما خصها (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأرض في نحلتها من فدك، فيا لله ولظلامة فاطمة (عليها السلام)!! فكان الوصول إلى هذه الاجراءات والكشف عن هذه الحقيقة والظلامة، على النحو الآتي:

المسألة الأولى: ما سَنّهُ النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) في إطعام أهل بيته (علیهم السلام) ونسائه وبعض أصحابه من حصن الكتيبة.

أولاً - رواية محمد بن إسحاق (ت 151 ه) مصنّف السيرة النبوية الأول.

قال ابن اسحاق في بيان سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أموال خیبر:

(إنّ المقاسم كانت على أموال خيبر على - حصن - الشق والنطاة في أموال المسلمين، وكانت الكتيبة خمس الله، وسهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسهم ذوي القربی، واليتامى والمساكين، وطعم أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وطعم رجال مشوا بين أهل فدك بالصلح، منهم محيصة بن

ص: 116


1- لمزيد من الاطلاع، ينظر: الأمن الفكري في نهج البلاغة، للمؤلف؛ إغتيال التوحيد في ضوء النظرية الوظيفية والانثروبولوجيا العقدية، للمؤلف

مسعود أعطاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منها ثلاثين وسقاً شعيراً، وثلاثين وسقاً تمراً)(1).

فكانت الكتيبة مما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فصارت في صدقاته)(2).

دلالات الرواية:

1- تظهر الرواية الآلية التي اتبعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حصون خيبر الثمانية والتي انضوت تحت عنوان (أموال خيبر) ويراد بها هذه الأراضي وما تنتج من غلات، اي: الشعير والقمح والتمر.

فقسّم منها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حصن الشق والنطاة للمسلمين، وجعل حصن الكتيبة له (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك أن هذا الحصن جاء إليه بخمس الغنيمة - کما مرّ بیانه سابقاً -.

وكان ينفق منه نفقة أزواجه وهو ما عبرَّ عنه ابن إسحاق بلفظ (طُعمَ) ومنه خصص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سهم فاطمة وبعلها وولديها (عليهم السلام)، وهو غير (سهم ذي القربى) الذي جعله الله تعالى في المغانم.

وأما المساكين واليتامى وابن السبيل فقد اختلف فيه الفقهاء في المذاهب الإسلامية، فقد قال فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) هم من آل محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) ای مساکینهم و أيتامهم وابن السبيل منهم).

ص: 117


1- تاريخ المدينة لابن شبة النميري: ج 1 ص 187
2- السيرة النبوية لابن هشام الحميري: ج 3 ص 810

وقال أهل السنة والجماعة: عامة المسلمين، ولا ريب أن مرّدَ ذلك إلى ما سَنّهُ أبو بكر وعمر في مصادرة حقوق آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنها طُعمَة حصن الكتيبة، عَيّنَة الدراسة التي بين أيدينا.

وفي ذلك يقول العلامة ابن المطهر الحلي (ت 726 ه)، (عليه الرحمة والرضوان):

(المراد باليتامى والمساكين وأبناء السبيل في آية الخمس)(1): من اتصف بهذه الصفات من آل رسول الله صلى الله عليه وآله، وهم ولد عبد المطلب بن هاشم - وهم الآن أولاد أبي طالب - والعباس والحارث وأبي لهب خاصة دون غيرهم، عند عامة علمائنا، لأنه عوض عن الزكاة، فيصرف إلى من منع منها.

ولقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ««ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل»(2) منا خاصة»(3).

وقال الشافعي: سهم ذي القربی لقرابة النبي عليه السلام، وهم أولاد هاشم وآل المطلب(4).

وقال أبو حنيفة: إنه لآل هاشم خاصة(5)، مع اتفاقهما على أن اليتامى والمساكين وأبناء السبيل غير مختص بالقرابة، بل هو عام في المسلمين(6). وأطبق الجمهور

ص: 118


1- لأنفال:، الآية: 41
2- سورة الحشر، الآية: 7
3- الكافي 1: 453/ 1
4- المهذب للشيرازي 2: 248
5- أحكام القرآن، للجصاص: 3/ 64، التفسير الكبير، للرازي: 15/ 166
6- الأم: 4/ 147، المهذب للشيرازي: 2/ 248، المغني: 7/ 306 و 307، الشرح الكبير: 10/ 493 و 494، والاختيار لتعليل المختار: 4/ 207

كافة على تشريك الأصناف الثلاثة من المسلمين في الأسهم الثلاثة(1))(2).

2- أما قول ابن إسحاق: (فكانت الكتيبة مما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصارت في صدقاته) فیراد به ما سنّه ابو بكر في أموال النبي (صلى الله عليه وآله) و مصادرتها ضمن عنوان الصدقة بناءً على الحديث المزعوم (لا نورث ما ترکنا صدقة).

وعليه:

فتمام ارض حصن الكتيبة هو من حق بضعة النبوة فاطمة (عليها السلام) وذلك لزوال الملكية وانتقالها إليها بموت النبي (صلى الله عليه وآله) ولها حق التصرف بهذه الارض وغلاتها فإن شاءت أن تعطي من أعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أوساق التمر والشعير كان ذلك تفضلا منها عليهم؛ وإن شاءت أن تمسك عنهم ذلك أمسكت ولا يحق لأحد أن يطالبها بشيء.

أما ما يتعلق في حاصل الارض فذاك مرده إلى تكليفها (عليها السلام) فيما أقرته الشريعة من الزكاة والخمس؛ ومن ثم يكون أخذ هذه الأوساق من التمر والشعير دون مأذونية منها (عليها السلام) في محل الغصب، سوی من كتب لهم النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك.

أما القول - به مجازا - ببقاء ملكية ارض حصن الكتيبة على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيكون تمام التصرف فيها بيد الإمام المجعول من الله في خلافة

ص: 119


1- الأم: 4/ 147، المهذب للشيرازي: 2/ 248، المغني: 77/ 306 و 307 الشرح الكبير: 10/ 493 و 494، الاختيار لتعليل المختار: 4/ 207
2- تذكرة الفقهاء: ج 5 ص 433

نبيه (صلى الله عليه وآله) وليس عبر سقيفة بني ساعدة وما جرى فيها من الصراع بين المهاجرين والأنصار على السلطان والإمارة، كقول أبي بكر:

(نحن الأمراء وأنتم الوزراء) واعتراض الأنصار عليه وعلى لسان الحباب بن المنذر:

(لا والله لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير)(1).

وانتفاضة ابن الخطاب على الأنصار، بقوله مهددا لهم:

(من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته)(2).

ومن ثمّ يكون قبض هذه الارض وما تنتجه غصبيا وذلك لكونها خارج مأذونية الإمام المجعول من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

من هنا: نجد الإمام امير المؤمنين يسأل عن مجريات السقيفة وذلك لانشغاله بمصاب وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومراسیم تجهيزه في غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فيقول (عليه السلام):

(«ما قالت الأنصار؟» قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير، قال (عليه السلام):

«فهلا احتجتم عليهم بأن رسول الله أوصى أن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم».

ص: 120


1- صحيح البخاري: باب مناقب المهاجرين والأنصار، ج 4 ص 194
2- تاريخ الطبري: ج 2 ص 457

قالوا: وما في ذاك من الحجة عليهم؟ قال (عليه السلام):

«لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصية بهم»؛ ثم قال (عليه السلام): «فماذا قالت قریش؟».

قالوا: احتجت بأنها شجرة الرسول (صلى الله عليه وآله)، قال (عليه السلام):

«احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة»)(1).

ثانيا - رواية بشير بن يسار، التي أخرجها عمر بن شبة.

قال بشير بن يسار:

(لما أفاء الله على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) خیبر قسمها على ستة وثلاثين سهماً، جمع كل سهم مائة سهم، وعزل نصفها لنوائبه وما ينزل به، وقسم القسم الباقي بين المسلمين، فما قسم بين المسلمين: الشق ونطاة وما حيز معهما، وكانت فيما وقف الوطيح والكتيبة والسلالم وما حيز معهنّ، فلما صارت الأموال بيد النبي (صلى الله عليه و آله وسلم)، والمسلمون لم يكن لهم من العمال ما يكفي عمل الارض فدفعها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليهود ويعملونها على نصف ما خرج منها.

فلم يزل كذلك على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأبي بكر، حتی کان عمر، وكثر العمل في أيدي المسلمين وقووا على عمل الأرض، فأجلى عمر اليهود إلى الشام، وقسم المال بين المسلمين إلى اليوم)(2).

ص: 121


1- نهج البلاغة: الخطبة 67، ج 1 ص 216 بشرح محمد عبده
2- تاريخ المدينة: ج 1 ص 188؛ فتوح البلدان للبلاذري: ج 1 ص 28

دلالات الرواية:

تكشف الرواية عن جملة أمور، منها:

1- إنّ عدد الأسهم التي جعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هي ألف وستة وثلاثون سهماً ثم قسمها على مئة وجعل على رأس المئة اسماً لأحد أصحابه.

وقد ذكر الماوردي (ت 450 ه) أن: (سهام جميعهم ألفاً وثمانمائة سهم، أعطى لكل مائة سهماً، فلذلك صارت خیبر مقسومة على ثمانية عشر سهماً)(1).

2- إن السبب الذي جعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقاسم بیهود خيبر على النصف مما تنتجه أراضيهم هو لعدم معرفتهم بالزراعة وذلك أن أهل مكة لا علم لهم بها لاشتغالهم بالرعي والتجارة، فأرض مكة كما وصفها نبي الله إبراهيم (عليه السلام) في قوله تعالى:

«رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» [سورة إبراهيم / 37].

ولذا: جعلهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حصون خيبر ليعملوا في تخريص النخيل، أي: إصلاحها وتلقيحها ورعايتها، فضلا عما تنتجه الأرض من الزرع، على أن لهم نصف ما تنتج.

ص: 122


1- الاحکام السلطانية: ص 170

3- إن الاسهم التي قسمها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت تخص الأرض وما تنتجه وليس کما تكتم عليه أعلام أهل السُنّة في حصر الأسهم بما تنتجه نخيلهم وزرعهم من الشعير فكان رؤساء هذه الاسهم يملكون هذه الأراضي في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحياة أبي بكر إلى أن جاء عمر بن الخطاب فبدأ بإجراءات جديدة، وهو ما صرّحت به الرواية، بلفظ:

(فلم يزل كذلك على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر، حتى كان عمر وكثر العمال في أيدي المسلمين، وقووا على عمل الأرض، فأجلى عمر اليهود إلى الشام، وقسم المال بين المسلمين إلى اليوم).

فكان هذا التقسيم الجديد هو الكاشف عن ظلامة فاطمة (عليها السلام) في طعمتها من حصن الكتيبة، فتكتمه أعلام أهل السُنّة (الى هذا اليوم)!!

ثالثا - رواية ابن هشام عن ابن إسحاق في بيان طُعمّة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم).

قال ابن اسحاق (ت 151 ه):

(و قُسمت خيبر على أهل الحديبية: من شهد خيبر، ومن غاب عنها، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، فقسم له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كسهم من حضرها، وكان وادياها، وادي السرير، ووادي خاص، وهما اللذان قسمت عليهما خیبر، وكانت نطاة والشق ثمانية عشر سهما، نطاة من ذلك خمسة أسهم، والشق ثلاثة عشر سهما، وقسمت الشق ونطاة على ألف سهم، وثمان مئة سهم.

ص: 123

وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) ألف سهم وثمان مئة سهم، برجالهم وخيلهم، الرجال أربع عشرة مئة، والخيل مئتا فرس، فكان لكل فرس سهمان، ولفارسه سهم، وكان لكل راجل سهم، فكان لكل سهم رأس جمع إليه مئة رجل، فكانت ثمانية عشر سهما جمع.

قال ابن هشام: وفي يوم خيبر عرب رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) العربي من الخيل، وهجن الهجين.

قال ابن إسحاق: فكان علي بن أبي طالب - عليه السلام- رأسا، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وعاصم بن عدي، أخو بني العجلان، وأسيد بن حضير، وسهم الحارث بن الخزرج، وسهم ناعم، وسهم بني بياضة، وسهم بني عبيد، وسهم بي حرام من بني سلمة وعبيد السهام.

قال ابن هشام: وإنما قيل له عبيد السهام لما اشتری من السهام يوم خيبر، وهو عبيد بن أوس، أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك ابن الأوس.

قال ابن إسحاق: وسهم ساعدة، وسهم غفار وأسلم، وسهم النجار، وسهم حارثة، وسهم أوس. فكان أول سهم خرج من خيبر بنطاة سهم الزبير بن العوام، وهو الجوع، وتابعه السرير، ثم كان الثاني سهم بیاضة، ثم كان الثالث سهم أسيد، ثم كان الرابع سهم بني الحارث بن الخزرج، ثم

ص: 124

كان الخامس سهم ناعم لبني عوف بن الخزرج ومزينة وشركائهم، وفيه قتل محمود بن مسلمة، فهذه نطاة.

ثم هبطوا إلى الشق، فكان أول سهم خرج منه سهم عاصم بن عدي، أخي بني العجلان، ومعه كان سهم رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، ثم سهم عبد الرحمن بن عوف، ثم سهم ساعدة، ثم سهم النجار، ثم سهم علي بن أبي طالب (رضوان الله عليه)، ثم سهم طلحة بن عبيد الله، ثم سهم غفار وأسلم، ثم سهم عمر بن الخطاب، ثم سهما سلمة بن عبيد وبني حرام، ثم سهم حارثة، ثم سهم عبيد السهام، ثم سهم أوس، وهو سهم اللفيف، جمعت إليه جهينة ومن حضر خيبر من سائر العرب، وكان حذوه سهم رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، الذي كان أصابه في سهم عاصم بن عدي.

ثم قسم رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) الكتيبة - وهي وادٍ خاص - بين قرابته وبين نسائه، وبين رجال من المسلمين ونساء أعطاهم منها، فقسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة - عليها السلام - ابنته مئتي وسق، ولعلي بن أبي طالب - عليه السلام - مئة وسق.

ولأسامة بن زيد مئتي وسق، وخمسين وسقا من نوى، ولعائشة أم المؤمنين مئتي وسق، ولأبي بكر بن أبي قحافة مئة وسق، ولعقيل بن أبي طالب مئة وسق وأربعين وسقا، ولبني جعفر خمسين وسقا، ولربيعة بن الحارث مئة وسق، وللصلت بن مخرمة وابنيه مئة وسق، للصلت منها أربعون وسقا، ولأبي نبقة خمسين وسقا، ولركانة بن عبد یزید خمسين وسقا، ولقيس بن محرمة ثلاثين وسقا.

ص: 125

ولأبي القاسم بن مخرمة أربعين وسقا، ولبنات عبيدة بن الحارث وابنة الحصين بن الحارث مئة وسق، ولبني عبيد بن عبد یزید ستين وسقا، ولابن أوس بن مخرمة ثلاثين وسقا، ولمسطح بن أثاثه وابن إلياس خمسين وسقا، ولأم رميثة أربعين وسقا، ولنعيم بن هند ثلاثين وسقا، ولبحينة بنت الحارث ثلاثين وسقا، ولعجير بن عبد یزید ثلاثين وسقا، ولأم حكيم [بنت الزبين بن عبد المطلب] ثلاثين وسقا.

ولجمانة بنت أبي طالب ثلاثين وسقا، ولأم الأرقم خمسين وسقا، ولعبد الرحمن بن أبي بكر أربعين وسقا، ولحمنة بنت جحش ثلاثين وسقا، ولأم الزبير أربعين وسقا، ولضباعة بنت الزبير أربعين وسقا، ولابن أبي خنیس ثلاثين وسقا، ولأم طالب أربعين وسقا، ولأبي بصرة عشرين وسقا، ولنميلة الكلبي خمسين وسقا، ولعبد الله بن وهب وابنيه تسعين وسقا، لابنيه منها أربعين وسقا، ولأم حبيب بنت جحش ثلاثين وسقا، ولملك بن عبدة ثلاثين وسقا، ولنسائه (صلى الله عليه وآله وسلم) سبع مئة وسق.

قال ابن هشام: قمح وشعير وتمر ونوى وغير ذلك، قسمه على قدر حاجتهم وكانت الحاجة في بني عبد المطلب أكثر، ولهذا أعطاهم أكثر)(1).

دلالات الرواية:

تكشف الرواية عن جملة أمور، منها:

ص: 126


1- السيرة النبوية لابن هشام: ج 3 ص 810 - 813

1. إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدأ بتقسیم (وادي السرير ووادي خاص، وهما اللذان قسمت عليها خیبر).

ثم انتقل إلى حصن النطاة، ثم إلى الشق، ثم إلى الكتيبة.

2- يتّضح إنّ تقسيمه لحصن الكتيبة كان بين قرابته وبين نسائه، وبين رجال من المسلمين، ونساء اعطاهم منها، وأعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة ابنته (عليها السلام) مئتي وسق، ولعلي بن أبي طالب (عليه السلام) مئة وسق.

ويدل ذلك على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أول ما بدأ بفاطمة (عليها السلام) ثم الإمام علي (عليه السلام).

3- إنّ ممن شملهم عطاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عائشة وأبوها فكان نصيبها مئتي وسق ونصيب أبيها مئة، إلا أن ذلك غير صحيح فقد ختم ابن هشام الرواية بقوله:

(ولنسائه سبع مئة وسق) أي أن جميع نسائه (صلى الله عليه وآله وسلم) بما فيهنّ عائشة اعطاهن هذا المقدار، أي: أنّ القسمة جرت على عددهن فكنّ في هذا الوقت سبع نساء ليكون نصيبهم بالتساوي، وإلا من المحال أن يفرّق بينهن في العطاء فيعطي احداهن اكثر من الأخرى مما يدفعهن إلى التخاصم والتشاجر.

وعليه: يكون نصيب عائشة كبقية ازواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 127

والسؤال المطروح:

1- أين حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المزعوم: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما ترکنا صدقة) لماذا لم يجرِ حكمه على عائشة وغيرها ممن ذكرهم ابن اسحاق، ولماذا تغافل عنه أبي بكر وقد قبض بيده مائة وسق من تمر حصن الكتيبة، أم أن حدیث لانورث لا يجري إلا على بضعة النبوة وبعلها وبنيها (عليهم السلام)؟!!

2- لماذا تكتم أعلام أهل السُنّة على ذلك وكأنهم صموا وعموا فلم نعثر لهم على تأويل أو بيان أو شرح سوى ما أفاده محمد أبو زهرة (ت 1394 ه) بقوله في بيان بقاء هذه الأموال بید نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي اجراءات عمر الجديدة:

(فكان هذا استحقاقاً ابتداءً لا وراثة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم))(1).

وتغافل عن استحقاق بضعة النبوة فاطمة (عليه السلام) من هذه الاموال المسلوبة - کما سیمر بیانه لاحقا -.

رابعا - رواية ابن هشام في تخصيص نصيب فاطمة (علیها السلام) من قمح أرض الكتيبة.

وقد جاء ذلك جلياً فيما عهد به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى نسائه وبضعته فاطمة (عليها السلام) وغيره وهو على النحو الآتي:

ص: 128


1- خاتم النبيين: ج 3 ص 787

روی ابن هشام ضمن عنوان: ذكر ما أعطى محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نساءه من قمح خیبر:

(قسم لهنّ مائة وسق وثمانين وسقاً، ولفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خمسة وثمانين وسقاً، ولأسامة بن زيد أربعين وسقاً، وللمقداد بن الاسود خمسة عشر وسقاً، ولأم رميثة خمسة أوسق، شهد عثمان وعباس، وكُتِب)(1).

وتدل الرواية:

1- اختلاف نصيبهن هنا، فقد اختص بالقمح، مما يكشف عن أن القسمة في حصن الكتيبة كانت على مراحل فيما تنتجه من التمر والشعير والقمح وهي التي غيّر فيها عمر بن الخطاب.

2- إنّ القسمة الثانية كانت تختص ببعض الأفراد وفي القمح حصرا، وهو ما عنون له ابن هشام في سيرته وهو ما دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكتب لهنّ بذلك ويشهد هذا الكتاب بشاهدين وهما عثمان بن عفان والعباس بن عبد المطلب، فكان هذا الأمر أحد الأسباب التي دعته للمجيء إلى عمر بن الخطاب يطالبه بحقوق فاطمة (عليها السلام) بعد ان قام بحبسها عن أبنائها (عليهم السلام).

ولذا: نجد عمر بن الخطاب قد خيّر نساء النبي (صلى الله عليه وآله) بين الأوساق والأرض والماء، کما سیمر بیانه.

ص: 129


1- السيرة النبوية: ج 3 ص 813

خامسا - رواية الواقدي في تخصيص النبي (بصلی الله علیه و آله وسلم) طُعمَة الكتيبة.

قال الواقدي (ت 207 ه):

(أطعم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كل امرأة من نسائه ثمانين وسقاً تمراً وعشرين وسقاً شعيراً، وللعباس بن عبد المطلب مائتي وسق، ولفاطمة وعلي (عليهما السلام) من الشعير والتمر ثلاثمائة وسق، والشعير من ذلك خمسة وثمانين وسقاً، لفاطمة من ذلك مائتا وسق.

ولأسامة بن زيد مائة وخمسون منها أربعون شعيراً و خمسون وسقاً نویً ولأم رمثة بنت عمر بن هاشم بن المطلب خمسة أوساق شعير وللمقداد بن عمرو خمسة عشر وسقاً شعيرا)(1).

دلالات الرواية:

أ- تكشف الرواية عن أن حصة بضعة النبوة فاطمة (عليها السلام) ونصيبها من أرض حصن الكتيبة مائتا وسق من التمر، ومن الشعير لها مائتان، ولعلي (عليه السلام) خمسة وثمانين وسقاً من الشعير، ومائة وسق من التمر.

ب- إن نصيب العباس بن عبد المطلب عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أرض حصن الكتيبة مائتا وسق من التمر والشعير دون الإشارة إلى عدد كل منهما.

ص: 130


1- المغازي للواقدي: ج 2 ص 693

المسألة الثانية: تحديد عمر بن الخطاب لوقت مجيء العباس بن عبد المطلب والإمام علي (علیه السلام) بعد توليه الحكم بسنتين يكشف عن مصادرة الشيخين سهم حصن الكتيبة من فاطمة (علیها السلام).

إنّ مما يلاحظ فيما أخرجه البخاري ومسلم من التغيير في أقوال عمر بن الخطاب في الحذف والانكار أو الاظهار والبيان هو قوله - في البخاري -:

(فكنت أنا ولي أبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي...)(1).

ويدل اللفظ على جملة من الأمور التي لم يتعرض لها أعلام أهل السُنة فكان سكوتهم انكاراً لما أخرجه البخاري وحذفه مسلم النيسابوري وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وأحمد، وغيرهم ممن تصدوا لرواية الحديث والأثار عن الصحابة، وهي على النحو الآتي:

1- إن عمر بن الخطاب يُقدّم للصحابة لاسيما العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين (عليه السلام) الرؤية الشرعية التي شرّعها لنفسه في التصرف بما خصَّ الله تعالى به نبيه الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، أي فيما أفاء عليه من أهل القرى.

محاولاً بذاك تقديم عنوان جدید بإزاء عنوان الوصاية، أي: أن الذي يحق له التصرف بأموال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الوصي الذي عيَّنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولأن أصحاب السقيفة تنكروا للوصية حيناً، ومنعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الكتابة لها حيناً آخر في ردهم عليه

ص: 131


1- صحيح البخاري، باب: دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإسلام: ج 4 ص 44

بقولهم: ((يهجر)) -والعياذ بالله -، فضلاً عما صرّح به عمر بن الخطاب في منعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الكتابة في الوصية، فيقول:

(لما مرض النبي (صلى الله عليه وآله )، قال:

«أدعوا لي بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده ابداً»، فكرهنا ذلك أشد الكراهة!! ثم قال:

«أدعوا لي بصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً؟!»

فقال النسوة من وراء الستر: ألا تسمعون مايقول رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]؟!! فقلت: إنكن صواحبات يوسف إذ مرض رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] عصر تن أعینکن، وإذا صح ركبتن عنقه، فقال رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]:

«أحزنتني، فإنهنَّ خير منكم»)(1).

فإن كل ذلك يكشف عن إصراره على منح نفسه التولية، ومن ثمَّ التصرف بأموال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فضلاً عن إكساء ما فعله أبو بکر بهذه الصفة، وهو ما كشفه مسلم النيسابوري وحذفه البخاري، وذلك أنه اتبع قوله في كونه ولي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وولي أبي بکر، قائلاً لهما: (فوجدتماني كاذبا، آثماً، غادرا، خائنا) أي: في كونه الولي(2).

ص: 132


1- المعجم الأوسط للطبراني: ج 5 ص 288؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9 ص 34؛ جامع الأحاديث للسيوطي: ج 2 ص 101
2- صحیح مسلم، باب: حكم الفيء: ج 5 ص 152

2- إنّ هذا التخليط في الحكم الشرعي بين التولية والوصاية دفعه إلى الوقوع في إظهار إثبات إرث النبي (صلى الله عليه و آله وسلم) و ظلامة بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) عبر رده على العباس بن عبد المطلب و أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد أن جاءا إليه يطالبانه بحقهما.

3- إنّ تحديد عمر لوقت مجيئهما للمطالبة بحقهما، أي: بعد مرور سنتين على حكمه والذي عبرَّ عنه (بإمارتي) متغافلاً عن لفظ الخلافة وتصريحه بأنه أمير وليس بخليفة، وهو أمر لطالما كان يصرّح به كقوله يوم السقيفة: (من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته)!!(1).

يكشف عن استفهامات كثيرة، منها:

أ- إما أن عمر بن الخطاب قدغير في هذه الأموال النبوية فكان ذلك دافعا لهما في المطالبة بحقوقهما، وحقوق بني هاشم، وبني عبد المطلب، وهو ما أثبتته النصوص وکما سیمر بیانه.

ب- وإما أن العباس بن عبد المطلب جاء بعد أن وجد انفراجاً في العلاقة بين أهل البيت (عليهم السلام) وابن الخطاب بعد مرور سنتين من حكمه وإمارته، وهو احتمال غير وارد، فقد أثبتت النصوص دوام المخاصمة بين أهل البيت (عليهم السلام) وابن الخطاب.

ص: 133


1- تاريخ الطبري: ج 2 ص 457، نهاية الأرب للنويري: ج 19 ص 34؛ جمهرة خطب العرب لاحمد زكي صفوت: ج 1 ص 176

ج. أو أن بعض بني هاشم طلبوا منهما التحرك لاسترداد حقوقهما، ومنها سهم ذي القربی.

وعليه:

فقد أظهرت النصوص أن الدافع هو تغيير عمر بن الخطاب لما سَنّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لاسيما في أرض حصن الكتيبة.

أما سهم ذي القربی، فلم يبدِ ابن الخطاب فيهما تغيراً ملحوظاً سوی محاولته إعطاء بعض بني هاشم من سهم ذي القربی، فأنكر عليه عبد الله بن عباس، فلم يقبضوا منه شيئاً، وهي على النحو الآتي:

أولا - تغيير عمرها سنَّه النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) في أسهم حصن الشق والنطاة.

روى الواقدي وغيره في بيان اجراءات عمر في خيبر لماعزم على اخراج اليهود منها، فقال:

(إن عمر بن الخطاب سمى الرؤساء، ثم جزأوا الشق والنطاة فجزأوها على ثمانية عشر سهماً، جعلوا ثمانية عشر بعرة فألقين في العين جميعاً، ولكل رأس علامةٌ في بعرته، فإذا خرجت أول بعرة قيل سهم فلان وسهم فلان.

وكان في الشق ثلاثة عشر سهماً وفي النطاة خمسة أسهم. حدثني بذلك حکیم بن محمد من آل محرمة عن أبيه. فكان أول سهم خرج في النطاة سهم الزبير بن العوام ثم سهم بیاضة يقال:

إن رأسه فروة بن عمرو ثم سهم أسيد بن حضير ثم سهم الحارث بن

ص: 134

الخزرج يقال: رأسه عبد الله بن رواحة ثم سهم ناعم يهودي. ثم ضربوا في الشق فقال عمر بن الخطاب: یا عاصم بن عدي إنك رجلٌ محدود فسهم رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] مع سهمك. فخرج سهم عاصم أول سهم في الشق.

ويقال: إنه سهم النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] كان في بني بياضة والثبت أنه كان مع عاصم بن عدي. ثم خرج سهم علي [عليه السلام] على أثر سهم عاصم، ثم سهم عبد الرحمن بن عوف ثم سهم طلحة بن عبيد الله ثم سهم بني ساعدة.

يقال: رأسهم سعد بن عبادة ثم سهم بني النجار ثم سهم بني حارثة بن الحارث ثم سهم أسلم وغفار يقال: رأسهم بريدة بن الحصيب ثم سهما سلمة جميعاً ثم سهم عبيد السهام ثم سهم عبيد ثم سهم أوس صار لعمر بن الخطاب)(1)

ثانيا - تغيير عمر سُنّة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) في توريث من أطعمهم من حصن الكتيبة.

مثلما قام عمر بن الخطاب بتغيير ما سَنّه النبي (صلى الله عليه و آله) في تقسیم حصن الشق والنطاة، قام كذلك بتغيير سُنّته في طُعمَة حصن الكتيبة، فقد قام بحبس طُعمَة من يموت من المطعمين على الرغم من علمه بأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يورث طُعمَة الشخص اذا مات أبنائه ولم يحبسها عنهم، إلا أن عمر لما تولى الإمارة حبس طُعمَة من يموت؛ وفي ذلك يقول الواقدي:

ص: 135


1- مغازي الواقدي: ج 2، ص 712

(ولي عمر بن الخطاب قبض طُعمَة كل من مات ولم يورثه، فقبض طُعمَة زید بن حارثة، وقبض طُعمَة جعفر بن أبي طالب وكلمه فيه علي بن أبي طالب [عليه السلام] فأبی.

وقبض طُعمَة صفية بنت عبد المطلب، فكلمه الزبير في ذلك حتى غالظه فأبى عليه برده، فلما ألح عليه قال: أعطيك بعضه.

قال الزبير: لا والله، لا تخلف تمرةً واحدةً تحبسها عني! فأبی عمر تسليمه کله إليه. قال الزبير: لا آخذه إلا جميعاً! فأبی عمر، وأبی أن يرد على المهاجرين.

وقبض طُعمَة فاطمة [عليها السلام] فكلم فيها فأبى أن يفعل.

وكان يجيز لأزواج رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] ما صنعن، فماتت زینب بنت جحش في خلافته، فخلى بين ورثتها وبين تلك الطُعمَة، وأجاز ما صنعن فيه، من بيع أو هبة، وورث ذلك كل من ورثهن، ولم يفعل بغيرهن.

وأبى أن يجيز بيع من باع تلك الطُعمَة، وقال: هذا شيء لا يعرف إذا مات المطعم بطل حقه، فكيف يجوز بيعه، إلا أزواج رسول الله [صلى الله عليه و آله وسلم] فإنه أجاز ما صنعن.

فلما ولي عثمان كلم في تلك الطُعمَة، فرد على أسامة، ولم يرد على غيره. فكلمه الزبير في طُعمَة صفية أمه، فأبی یرده، وقال:

أنا حاضرك حين تكلم عمر، وعمر يأبى عليك، يقول: خذ بعضه، فأنا

ص: 136

أعطيك بعضه الذي عرض عليك عمر، أنا أعطيك الثلثين، وأحتبس الثلث. فقال الزبير: لا والله لا تمرة واحدة، حتى تسلمه كله أو تحتبسه)(1).

وقد شكلت هذه الإجراءات كاشفا عن علة مجيء الإمام علي (عليه السلام) والعباس بن عبد المطلب إلى عمر بن الخطاب بعد توليه الامارة بسنتين، كما اخرجه مسلم النيسابوري، فضلا عن کاشفیته لظلم البضعة النبوية في حبس أبي بكر لطعمتها من حصن الكتيبة، وتبعه في ذلك عمر بن الخطاب؛ وهو ما سيمر بیانه بمزيد من الشواهد والأدلة في المسألة القادمة، ولذا: نجد ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه)، يقول بعد تتبعه لحديث مجيء الإمام علي (عليه السلام) والعباس إلى عمر:

(ولم يتعرض أحد من الشراح لبيان ذلك!! وفي ذلك اشكال شديد وهو إن أصل القصة صريح في أن العباس وعليا قد علما بأنه (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال: لا نورث؛ فان كانا سمعاه من النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) فكيف يطلبانه من أبي بكر، وإن كانا سمعاه من أبي بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك، فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر؟!

والذي يظهر والله أعلم حمل الأمر في ذلك على ما تقدم في الحديث الذي قبله في حق فاطمة وإن كلا من علي وفاطمة والعباس اعتقد أن عموم قوله (لا نورث) مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض)(2)!!

ص: 137


1- مغازي الواقدي: ج 2 ص 689
2- فتح الباري: ج 1 ص 145

أقول:

بل إن حديث ابن حجر زاد الإشكال اشکالاً وإنكارًا و معارضةً للقرآن والسُنّة(1).

وعليه: فلقد كان مجيئها لرفع الظلم الذي وقع على آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما فرض أبو بكر من اجراءات، فكان مجيئهما إلقاءً للحجة وإتمامًا لما طالبت به بضعة النبوة فاطمة (عليها السلام)؛ ومنه طُعمَتها من حصن الكتيبة.

المسألة الثالثة: ما كشفته عائشة وعبد الله بن عمر في مصادرة أبي بكر لطُعمَة فاطمة (علیها السلام).

إنّ قراءة النصوص التاريخية في اجراءات عمر بن الخطاب في حصن الكتيبة، تكشف عن ما أنكرته عائشة فيما شجر بين ابيها وبين بضعة النبوة (عليها السلام) وأن ما تكتمت عليه في إمارة أبيها، بقولها: (وما بقي من سهم خيبر) أظهرته في إمارة ابن الخطاب.

وذلك: إن هذه الاجراءات حرکت لسانها ولسان عبد الله بن عمر لبيان حال طُعمَة حصن الكتيبة وما خصص منه لأزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعض أصحابه فكان حالهم في هذه الأرض على خلاف ما سَنّهُ النبي (صلى الله عليه وآله) لاسيما طُعمَة البضعة النبوية (عليها السلام) والعباس بن عبد المطلب، وهي على النحو الآتي:

ص: 138


1- ولقد بسطنا القول فيه في بحثنا الموسوم ب (ما كتمه البخاري في ظلامة فاطمة (علیه السلام) و أظهره مسلم النيسابوري في ضوء مقاصدية القرآن والسُنّة)، اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة، ط 1 دار الوارث، لسنة 2021 م / كربلاء المقدسة

أولا - إن هذه الأوساق يراد منها دوام الطُعمَة التي تنتجها أرض حصن الكتيبة وقد ورَثها النبي (صلی الله علیه و آۀه وسلم).

ومما يدل عليه:

1- إن ورثة المقداد بن عمرو، باعوا حصتهم إلى معاوية بآلاف الدراهم.

فقد روى الواقدي، قائلاً: (حدثني موسی بن يعقوب عن عمته، عن أمها، قالت:

بعنا طُعمَة المقداد بن عمرو من خيبر خمسة عشر وسقاً شعيراً من معاوية بن أبي سفيان بمائة ألف درهم)(1).

وتنص الرواية على التمليك وانتقاله إلى الورثة من الآباء إلى الأبناء إلى الأحفاد، وهم الذي باعوا حصتهم إلى معاوية بهذا المبلغ الباهض.

ومما لا ريب ولا شبهة فيه، بل من القطع أن معاوية لم يكن يبحث عن الشعير في المدينة لعدم وجوده في الشام على سعتها، وفرض سلطانه عليها وعلى غيرها من أرض السواد في العراق وغيرها، ومن ثم ليدفع مقابله مئة ألف درهم.

بل: لم يكن طعامه من الشعير، إلا إذا كان قد وصف له الحكماء والأطباء الشعير ليسد شبع بطنه وذلك لدعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه - وهو ما أخرجه مسلم في صحيحه - بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

ص: 139


1- المغازي: ج 2 ص 694

«لا أشبع الله بطنه»(1)!!

وقد وصف الزمخشري (ت 538 ه) حال معاوية وما لحقه من دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقول:

(كان معاوية من أَنهَم الناس؛ كان يأكل حتى يتسطح، ثم يقول: يا غلام ارفع فوالله ما شبعت ولكن مللت؛ وكان يأكل في اليوم سبع أكلات، آخرهم بعد العصر وعظامهنّ فيها ثریدة عظيمة في جفنة على وجهها عشرة أمنان من البصل)(2).

وعليه:

لم يكن هدف معاوية وغايته في شراء أوساق الشعير الخمسة عشر من أحفاد المقداد بن عمرو، إلا ليكون في مظهر أهل الشام أنه مما شمله عطاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من حصن الكتيبة، وليتم توريثه لولده يزيد ويضمن دوام طُعمَة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبني أمية.

فضلا عن سعيه لإثبات مدعاه بأنه ممن يستحق سهم ذوي القربى وهي أمنية في نفوس بني أمية كشفها ذهاب عثمان بن عفان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد اعطاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بني هاشم وبني المطلب سهمهم من خيبر، طالباً منه ذلك.

وفي هذه الحقيقة يحدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب، قال، قال جبیر بن مطعم:

ص: 140


1- صحیح مسلم، باب: ذم ذو الوجهين، ج 8 ص 27
2- ربيع الابرار: ج 3 ص 212

(لما قسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سهم ذي القربی بخيبر من بني هاشم وبني المطلب مشيت أنا وعثمان بن عفان حتى دخلنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلنا: یا رسول الله هؤلاء اخواننا من بني المطلب، إنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة أعطيتهم وتركتنا؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«إنّ بني المطلب لم يفارقوني في الجاهلية والاسلام، دخلوا معنا الشعب، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيءٌ واحد) وشبك بين أصابعه»)(1).

ولذا:

فقد اخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الحديث بني أمية من بني هاشم وبني المطلب، وأظهر أنهم لصقاء بهم، ومن ثم كيف لا يبذل معاوية مائة ألف درهم في شراء طُعمَة المقداد بن عمرو من ورثته؟!!

2- توريث النبي (صلى الله عليه وآله) أسامة طُعمَة أبيه زید بن حارثة.

ومما يدل على دوام طُعمَة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن الشيخين خالفا سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو ما رواه الواقدي (ت 207 ه)، قائلاً:

(وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أطعم زید بن حارثة طُعمَة من خيبر لم يكن له بها کتاب، فلما توفي زيد جعلها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

ص: 141


1- مغازي الواقدي: ج 2 ص 696؛ صحيح البخاري، باب: المناقب، ج 4 ص 155

لأسامة بن زيد، وكلّم أسامة بن زید عمر وعثمان في طُعمَة أبيه، فأبی)(1).

3- توريث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من يموت أو يقتل من المطعمين.

قال الواقدي: (وكان من مات من المطعمين أو قتل في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر فإنه يرثه تلك الطُعمَة من ورث ماله)(2).

وتثبت هذه النصوص إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ورّث ابناء المطعمين حصصهم من حصن الكتيبة وان ما قام به عمر بن الخطاب كان مخالفة صريحة لما سَنّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لاسيما فيما خصصهُ لبضعته فاطمة (عليها السلام).

4- توريث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للرهاوين طعمتهم.

قال ابن سعد: (قدم خمسة عشر رجلاً من الرهاويين، وهم حي من مذحج على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سنة عشر فنزلوا دار رملة بنت الحارث فأتاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتحدث عندهم طويلاً، وأهدوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هدايا منها فرس يقال له (المرواح...، فأوصى لهم بجاد مائة وسق بخيبر في الكتيبة جارية عليهم، وكتب لهم كتاباً، فباعوا ذلك في زمن معاوية(3).

ص: 142


1- مغازي الواقدي: ج 2 ص 699
2- المصدر نفسه
3- مکاتیب رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) الأحمدي الميانجي: ج 1 ص 296

ثانياً - رواية عبد الله بن عمر وكاشفيتها عن ظلامة البضعة النبوية (علیه السلام).

الرواية الأولى:

روی ابن شبة النميري (ت 262 ه) عن عبد الله بن عمر، قال:

(لمّا أراد عمر اخراج اليهود من خيبر، أمر الناس أن يركبوا فيقسم على السهمين، فأرسل إلى أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن من أحب منكنّ أن أقسم لها نخلاً تخرصها بمائة وسق فيكون لها أصلها وأرضها وماؤها، ومن الزرع مزرعة خرص عشرين وسقاً، فعلنا، ومن أحب أن يقر لها الذي هي كما هو فعلنا)(1).

وتكشف الرواية عن جملة دلائل فيما سَنّهُ الشيخان في ظلامة البضعة النبوية (عليها السلام) وهي على النحو الآتي:

1- إن قوله لأزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (من أحب منكنّ أن أقسم لها) يكشف عن منهاجه في تغيير معالم السنة النبوية في هذه الأموال وما حدده لهن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته

2- إنّ هذا المنهاج هو مغایر أيضاً لما سَنّه أبو بكر، فقد ترك الأسهم والأوساق على حالها سوى ما لفاطمة (عليها السلام) فقد صادره مع بقية أموالها في النحلة والإرث وسهم ذي القربی، فتكتمت عليه أعلام أهل السنة وأنكروا ظهوره وكشفه للناس.

ص: 143


1- تاريخ المدينة: ج 1 ص 185

3- يدل قوله: (فيكون لها أصلها، وأرضها، وماؤها، من الزرع، مزرعة عشرين وسقاً فعلنا) عن تمليكه أرض حصن الكتيبة لازواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو خروج لما جاء به القرآن في تمليك الأرض للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما أفاء الله عليه من أهل القرى، والمغانم والصوافي، لاسيما وان حصن الكتيبة جاءه بخمس الغنيمة کما مرَّ بيانه، وهو توقيفي عليه كبيوته.

والسؤال المطروح:

بأي شريعة أفتى عمر بن الخطاب في توزيع أرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على من يشاء من الناس؟!

4- مما لا ريب فيه أن عمر بن الخطاب قد لجأ إلى تخيرهنَّ كي يضمن سکوت بعض منهنّ عن اجراءاته في أموال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وليس لكونهنّ أزواجه، وذلك إن الاصل في حفظ الحرمات وتعظيمها هي حرمة الشريعة وحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاذا كانت الاجراءات كاشفة عن التغيير في الشريعة وهتك حرمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يبقى حينها الاخيار أسكاتهنّ لما يمثلنّ من حضور في بعض نفوس الناس، وقد تحدث التاريخ عن آثار صوت عائشة في حربها مع عثمان بن عفان، وأمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام).

5- أما قوله: (ومن أحب أن يقر لها الذي هي لها كما هو فعلنا) دليل آخر يقرُ عبره ابن الخطاب عن منهجه في تغيير ما سَنّهُ النبي (صلى الله عليه وآله

ص: 144

وسلم) في حصن الكتيبة، ومنه ما خصصه لبضعته فاطمة (عليها السلام) وبني هاشم وبني المطلب الذين منع عنهم طعمتهم، في حين نجده يقتطع الاراضي من اموال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعثمان بن عفان وغیرہ کا سیمر لاحقا.

الرواية الثانية:

أما كيف استقبل أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا العرض من عمر، فجوابه عند ولده عبد الله، فيقول:

(لما ولي عمر، قسمة خيبر، فخيّر أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمنهنَّ من اختار الأرض و المال، أو يضمن لهن الاوساق كل عام، فاختلفن عليه، فمنهنّ من اختار الأرض والأموال، ومنهنّ من اختار الأوساق كل عام، فكانت عائشة وحفصه من اختار الأرض والمال)(1).

أما دلالات الرواية وكاشفيتها عن ظلامة فاطمة (عليها السلام) فهي على النحو الآتي:

1- إن سبب اختلاف ازواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على تخيير عمر بن الخطاب هو تمسك معظمهن بما سَنّهُ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهنّ، وذلك لإدراكهن أن ذلك فيه مخالفة للسُنّة النبوية، فضلاً عن الوقوع في دائرة قبض المال المغصوب وما يترتب عليه من آثار في الدنيا والآخرة.

ص: 145


1- تاريخ المدينة لابن شبة: ج 1 ص 184؛ مغازي الواقدي: ج 2 ص 720؛ مسند أحمد: ج 2 ص 22؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 6 ص 116

2- إن التي اختارت الأرض والماء هي عائشة وحفصة، وهما المرأتان اللتان نزل فيهما قوله تعالى في سورة التحريم بالتظاهر على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد دلَّ هذا الفعل منهما على تظاهر هما عليه حياً وميتاً.

فقد أخرج البخاري عن ابن عباس، قال:

(أردت أن اسأل عمر، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فما أتممت کلامي، حتى قال: عائشة وحفصة)(1).

وإن قوله تعالى:

«إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا» [سورة التحريم / 4] يدل على انهما باختيارهما أرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد موته لم تتوبا إلى الله تعالى.

3- إن هذا الفعل يؤصل لما توصلت إليه الدراسة في أن عائشة أول من تكتم على ظلامة فاطمة (عليها السلام) في إمارة أبيها، وأن إجراءات عمر هي التي حركت لسانها في كشف هذه الظلامة؛ ومما يدل عليه في ثالثًا.

ثالثاً - ثناء عائشة على عمر لإعطائها الأرض والماء من حصن الكتيبة.

يروي الواقدي بعد ایراده لخبر تخيّر عمر أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، واختيار عائشة وحفصة للأرض والماء، أنها أثنت عليه بعد موته في إمارة معاوية بن أبي سفيان، وذلك بعد أن شاهدت مروان بن الحكم والياً

ص: 146


1- صحيح البخاري: كتاب التفسیر، سورة التحريم: ج 6 ص 70

على المدينة، وتحكمه في أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحلة فاطمة (عليها السلام) وسهم ذي القربى وطُعمَة حصن الكتيبة.

فما كان من عائشة وهي تنظر إلى من لعنه رسوله الله (صلى الله عليه وآله) وأبيه الحكم بن العاص وطردهما من المدينة يتحكم في هذه الأموال، إلا أن تثني على عمر بن الخطاب الذي كان يكرمها، ويفضلها على بقية أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لاسيما في حصن الكتيبة، فقالت بعد أن ترحمت عليه:

(خيرني فيما صنع، خيرني في الأرض والماء، وفي الطُعمَة، فاخترت الأرض والماء فهنَّ في يديَّ وأهل الطعم مرة ينقصهم مروان، ومرة لا يعطيهم شيئاً، ومرة يعطيهم)(1).

ويدل قولها على جملة أمور:

1- إن علة ثنائها وترحمها على ابن الخطاب عائد إلى انتفاعها من هذا التقسيم الذي أحدثه عمر، وليس إلى حسن صنيعه فيما غير من سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد نالت الارض والماء وما تنتجه من تمر وشعير وقمح.

2- إن ما وقع من الظلم على أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اللاتي رفضن خیار عمر بن الخطاب في تغييره لسُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عائد في تبعاته على ابن الخطاب فهو الذي غيرّ ما سَنَّهُ النبي لهنّ، ولو لم يحدث هذا لما وقع ظلم مروان بن الحكم عليهن.

ص: 147


1- المغازي للواقدي: ج 2 ص 720

3- إذا كان هذا حال أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! فكيف یکون حال أهل بيته (عليهم السلام) وبني هاشم وبني عبد المطلب، ومروان شديد العداء لهم؟!

4- إن ما كتمته عائشة فيما شجر بين أبيها وبضعة النبوة (عليها السلام)، وذلك في قولها:

(إن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة، وفدك، وما بقي من خمس خیبر)(1).

فجمعت حقوقها الثلاثة في عنوان الإرث بقولها: (تسأله ميراثها) وأخفت طُعمَتها من حصن الكتيبة بقولها: (وما بقي من خمس خیبر)، قد أظهرته دون أن تدرك، فأطلقت لسانها في الترحم على ابن الخطاب، وذلك لتنعمها بما تنتجه أرض حصن الكتيبة التي أخذتها دون حق من أرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما تنتجه من التمر والقمح والشعير.

فأين الحديث المزعوم: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ماترکنا صدقة)!! أتكون الصدقة مما يتحكم به عمر بن الخطاب فيقسمه بين احبابه کعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وعائشة، وحفصة، وغيرهم، ويمنع عن بضعة النبوة (عليها السلام)، والعباس بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب، وصفية بنت عبد المطلب وغيرهم؟!

ص: 148


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين: ج 4 ص 210

رابعاً - إنّ من أهداف إجراءات عمربن الخطاب في حصن الكتيبة فرض الحصار على آل محمد (صلی الله علیه و آله وسلم).

إنّ مما لا ريب فيه إن هذه الاجراءات التي أقدم عليها عمر بن الخطاب كان دافعها مجموعة من الأهداف ومنها اخراج اليهود الذي روّج له وعاظ السلاطين، بعلة لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، أو لأنهم سحروا يد ولده عبد الله، أو لقتلهم أحد المسلمين، أو لغيرها من الأسباب والأهداف المرتبطة بعلاقته مع اليهود خاصة دون النصارى الذين يعد وجودهم هو دينًا موازيًا لوجود دين الاسلام في جزيرة العرب، فلماذا يتركهم عمر ويخرج اليهود إلى أرض الشام؟!

وعليه:

فإن من جملة الأهداف التي كانت وراء هذه الإجراءات هو فرض الحصار على آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكأن التاريخ يعيد نفسه ومنهاجه في فرض الجوع والحصار عليهم مرتين.

الأولى: كانت في شعب أبي طالب حينما اتحدت كلمة المشركين في مكة على حصار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبني هاشم قاطبة، من آمن منهم، ومن لم يؤمن، وإلى جنبهم من آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما خرجوا إلّا بخسارتين عظيمتين، وهما فقده (صلى الله عليه وآله وسلم) لسنديه وناصریه عمه ابو طالب وخديجة (عليهما السلام).

فسمي هذا المصاب والعام الذي رحلا فيه إلى جوار ربهما بعام الحزن.

ص: 149

والثانية: لما تولى ابو بكر وعمر الإمارة على المسلمين، فقد شرع أبو بكر بفرض الحصار على آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لفاطمة (عليها السلام):

(انما يأكل آل محمد من هذا المال)(1).

ليتصدق عليهم من الزكاة وما يخرج من اوساخ اموال الناس وهي محرمة عليهم؛ ومنع عنها طعمتها، ونحلتها، وإرثها، وسهم ذي القربی.

ومنع عمر بن الخطاب عنهم ما أقره صاحبه، وزاد عليه أن منع العباس بن عبد المطلب من طعمته، وكذا من مات من بني هاشم وبني المطلب، بعلة أن من مات من المطعمين سقط حقه، لكنه يخالف هذا القول والحجة، ليتضح أن الهدف فرض الحصار على آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبني هاشم وبني عبد المطلب ومما يدل عليه:

روي الواقدي، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أبيه، قال:

(لما توفي أبو بكر كان ولده وورثته يأخذون طعمته من خيبر مائة وسق في خلافة عمر وعثمان إلى زمن عبد الملك أو بعد، فقطع)(2).

2- روی ابن هشام (ت 218 ه) في السيرة، والواقدي في المغازي، قولهما:

(وكان ما قسم عمر بن الخطاب من وادي القرى، لعثمان بن عفان خطر، ولعبد الرحمن بن عوف خطر، ولعمر بن أبي سلمة خطر، ولعامر بن أبي ربيعة خطر، ولعمرو بن سراقة خطر، ولأشیم خطر.

ص: 150


1- صحيح البخاري، کتاب المهاجرين والأنصار ج 4 ص 210
2- المغازي: ج 2 ص 699

قال ابن هشام: الخطر: النصيب. يقال: أخطر لي فلان خطرا)(1).

وعليه:

فثمة أسئلة تفرضها الدراسة بعد هذا العرض، وهي على النحو الآتي:

أين حديث لا نورث؟!

وأين مبدأ أن النبوة مانعة للإرث؟!

وأين أهل السُنة، وسُنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وشريعته هذا حالها؟!

وأين أموال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسهم الله وسهم رسوله؟!

وأين «أذكركم الله أهل بيتي»، وأهل بيته هذا حالهم؟!

فيا لله ولظلامة فاطمة (عليها السلام).

ص: 151


1- السيرة النبوية: ج 3 ص 817 - 818؛ المغازي الواقدي: ج 2 ص 721

ص: 152

نتائج الدراسة

خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج، وهي على النحو الآتي:

أولا - لم تزل قضية بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (علیها السلام) أحد مكونات الفكر الإسلامي بمختلف المدارس والمناهل المعرفية، والمشارب العقدية، فبين الإقرار بحقها فيما طالبت به أبا بكر، وبين تصویب قراره بمنعها، (فأبى أن يعطيها شيئا) تدور رحى التولي والتبري إلى يوم وقوف الخلق بين يدي الله عز وجل.

وذلك للملازمة بين رضاها ورضا رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)، ورضاه برضا الله تعالى، وآذاها بأذاه، وأذاه (صلی الله علیه و آله وسلم) بأذى الله عز وجل، وقد قال عزّ شأنه في محكم كتابه: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا» [سورة الأحزاب / 57].

وقد ثبت في الصحيحين أنها (علیها السلام) غضبت على أبي بكر وعمر فهجرتهما ولم تكلمهما حتى ماتت، ولحقت بربها وأبيها رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم).

فكيف لا تكون هذه القضية أحد مكونات الفكر الإسلامي؟

ثانياً - إن هذه القضية تعد مکنزا للعديد من القيم الانسانية والاجتماعية والأخلاقية في بيان مظاهر الفضائل والرذائل في العدل والظلم وتوابعهما.

ثالثاً - إنّ ما جهد عليه أعلام أهل السُنة والجماعة ومنذ افتراق المسلمين بحدث السقيفة التي اجتمع فيها الأنصار والمهاجرون فأظهروا الإنكار في

ص: 153

الوصية والخلافة الشرعية المجعولة من الله تعالى وبتعيين رسوله (صلی الله علیه و آله وسلم) منذ الأيام الأولى للبعثة في الإنذار لعشيرته الأقربين فصدع (صلی الله علیه و آله وسلم) بما أمره الله وبلغ وعيّنَ الوزير والخليفة والوصي.

إلى بلاغه في حجة البلاغ، التي أنكروا سمتها وصفتها، فقيل: حجة الوداع، إلى طلبه (صلی الله علیه و آله وسلم) الدواة والقرطاس ليكتب لهم كتابا لا يضلوا من بعده، فأنكروا عليه أشد الإنكار، وقالوا: أنّه (يهجر).

إلى ظلامة فاطمة (علیها السلام) وما سنه الشيخان في ظلمها، ومن شايعهما وآزرهما فجهدوا في الإنكار بما لا يتصوره العقل، فحار في نكرانهم اللبيب، وسلّم لهم القريب من سنخهم، وأعرض عنهم كل ذي قلب سلیم، فكان مما أنكروا:

1- أن يكون بينهما خلاف وخصام فقالوا: (وهذا لا أصل له ولا يثبت به رواية أنها ادعت ذلك، وإنما هو أمر مفتعل)!!

2- وأنكروا أن تكون قد غضبت على الشيخين فلم تكلمهما حتى ماتت شهيدة.

3- أو إنها غضبت ولكن أنكروا دوام غضبها عليهما، فقد ترضياها فرضیت عنهما.

4- وأنكروا أنها طالبت بالنِحلة في بادئ أمرها، فلما ردها أبو بكر بحديث (لانورِّث) طالبت بفدك إرثًا كي يبطلوا بذلك حجتها.

5- وأنكروا أن تكون الأنبياء تورث المال والعقار وإن نص القرآن على توريث الأنبياء وذلك أن السنة - عندهم - تنسخ القرآن.

ص: 154

6- وأنكروا أن يكون النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) قد نحلها فدکا.

7- وأنكروا عليها سهم ذي القربى فهو للذي يلي رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) يضعه فيما يشاء.

8- وأنكروا تفريق العناوين الشرعية الثلاثة (الإرث والنحلة والخمس) وجعلها في عنوان واحد وهو الإرث، ثم أنكروا فقالوا: صدقات رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم).

رابعاً - وأنكروا مصادرة أبي بكر لطعمتها من حصن الكتيبة وإمضاء ابن الخطاب لهذا المنع وتآزروا على هذا الإنكار، فطورا يكون بالتعتيم المطبق، وطورا بالسكوت المغلق، وطورا بالنفي، وأخرى بالحذف، أو التغليط، أو التخليط، أو التدليس، أو التعتيم، أو التضليل، وهو ما ظهر جليا عبر عیّنة الدراسة وموضعها، أي: حصن الكتيبة.

ومن ثم: لم يزل أعلام أهل السنة والجماعة ينكرون وینکرون حتى اشتكى الإنكار إلى الرب الجبار، وتبرئ اليه مما أنكروا في ظلامة بضعة النبوة وصفوة الرسالة، فيا لله ولظلامة فاطمة!!!

وخير ما نختم به الكتاب ذكر الصلاة على محمد وآل محمد، فنقول:

اللهم صل على بضعة نبيك وصفوة حبيبك وقرة عينه ما شرقت شمس وأفلت، وتعاقب الليل والنهار، وصل على بعلها وحليلها وليك المعظّم، ووصي رسولك المقدم على الخلق أجمعين، والمصطفى من الانبياء والمرسلين، والمختار بعلم على الخلق أجمعين.

ص: 155

وصل على ولديها الحسن والحسين، حججك على خلقك، وصفوتك من نور نبيك، وأمنائك على شريعتك.

وصل على أولادها أئمة الهدى وأعلام النقي، علي بن الحسين السجاد، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسی بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسی الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، والحجة بن الحسن المهدي، المنتظر لإقامة العدل، وهدم الجور، وإحياء السُنة، وإماتة البدعة.

ف: «هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَعِمَادُ الْيَقِينِ، إِلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالِي وَبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي، وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ، وَفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوِرَاثَة».

اللهم إنا نصلي على رسولك بما صلى عليه أخوه ووصيه وخليفته في أمته أمير المؤمنين الإمام علي (علیه السلام):

«اللهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ وَدَاعِمَ الْمَسْمُوكَاتِ وَجَابِلَ الْقُلُوبِ عَلىَ فِطْرَتِهَا شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ وَنَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلىَ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ وَالْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ وَالدَّافِعِ جَيْشَاتِ الأَبَاطِيلِ وَالدَّامِغِ صَوْلاتِ الأَضَالِيلِ كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِك غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ وَلا وَاهٍ فِي عَزْمٍ وَاعِياً لِوَحْيِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ الْقَابِسِ وَأَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ وَهُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ وَالآثَامِ وَأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الأَعْلامِ وَنَيِّرَاتِ الأَحْكَامِ فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ وَخَازِنُ عِلْمِكَ الْمخْزُونِ وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ وَبَعِيثُكَ بِالْحَقِّ وَرَسُولُكَ

ص: 156

إِلَى الْخَلْقِ. اَللَّهُمَّ اِفْسَحْ لَهُ مَفْسَحاً فِی ظِلِّكَ وَ اِجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ اَلْخَیْرِ مِنْ فَضْلِكَ اَللَّهُمَّ وَ أَعْلِ عَلَی بِنَاءِ اَلْبَانِینَ بِنَاءَهُ وَ أَکْرِمْ لَدَیْکكَ مَنْزِلَتَهُ وَ أَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ وَ اِجْزِهِ مِنِ اِبْتِعَاثِكَ لَهُ مَقْبُولَ اَلشَّهَادَهِ مَرْضِیَّ اَلْمَقَالَةِ ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ وَ خُطْبَةٍ فَصْلٍ اَللَّهُمَّ اِجْمَعْ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُ فِی بَرْدِ اَلْعَیْشِ وَ قَرَارِ اَلنِّعْمَهِ وَ مُنَی اَلشَّهَوَاتِ وَ أَهْوَاءِ اَللَّذَّاتِ وَ رَخَاءِ اَلدَّعَةِ وَ مُنْتَهَی اَلطُّمَأْنِینَةِ وَ تُحَفِ اَلْکَرَامَة».

تم بحمد الله وسابق لطفه وفضله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)

ص: 157

ص: 158

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم.

1. الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي، (ت: 911 ه)، تحقيق: سعيد المندوب، ط 1، 1416 - 1996 م، المطبعة: لبنان - دار الفكر.

2. اجماعیات فقه الشيعة وأحوط الأقوال من أحكام الشريعة، السيد إسماعيل المرعشي، مؤسسة المنار.

3. الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، (ت: 548 ه)، تح: تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان، 1386 - 1966 م، الناشر: دار النعان للطباعة والنشر - النجف الأشرف.

4. الأحكام السلطانية والولايات الدينية، علي بن محمد البغدادي الماوردي (ت 450 ه)، طبعك شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده - دار التعاون لسنة 1386 ه، 1966 م، ط 2، القاهرة - مصر.

5. الأحكام في أصول الإحكام: علي بن محمد الامدي، المكتب الإسلامي، طبع مؤسسة النور، ط 2، 1402 ه.

6. إرث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المذاهب الخمسة بين منع النبوة ودفع فاطمة (عليها السلام)، السيد نبيل الحسني، مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة، دار الوارث - كربلاء المقدسة، ط 1، 2021 م.

ص: 159

7. إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري، أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري، أبو العباس، شهاب الدين، المحقق: محمد عبد العزيز الخالدي، 1416 - 1996.

8. الاستذکار، ابن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، (ت: 463 ه)، تحقيق: سالم محمد عطا - محمد علي معوض، ط 1، 2000 م، المطبعة: بيروت - دار الكتب العلمية، الناشر: دار الکتب العلمية.

9. أسرار الآيات، صدر الدين محمد الشيرازي، (ت: 1050 ه)، تحقيق: با مقدمه و تصحیح: محمد خواجوی، محرم الحرام 1402 - آبان 1360 ش، المطبعة: چاپخانه وزارت فرهنگ و آموزش عالی، الناشر: انتشارات انجمن اسلامی حکمت و فلسفه إيران.

10. اضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين بن محمد المختار البكني الشقيطي (ت 1393 ه)، طبع: دار الفكر لسنة 1415 ه، 1995 م، بيروت - لبنان.

11. اغتيال التوحيد في ضوء النظرية الوظيفية والانثروبولوجيا العقدية، السيد نبيل الحسني، مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة، دار الوارث - كربلاء المقدسة، ط 1، 2019 م.

12. الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والثلاثة الخلفاء، سلیمان بن موسى الكلاعي (ت 634 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1420 ه، 2000 م، ط 1، بيروت - لبنان.

ص: 160

13. الأمالي، الشيخ المفيد (413 ه)، تحقيق: حسين الأستاد ولي - علي أكبر الغفاري، طبع: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1414 ه، 1993 م، ط 2، بيروت - لبنان.

14. الأمالي، شيخ الطائفة محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت 460 ه) تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، طبع: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة لسنة 1414 ه، 1993 م، ط 1، قم المقدسة - إيران.

15. الإمام علي ومشكلة نظام الحكم: محمد طي، دار الغدیر، بیروت، ط 1، 1417 ه

16. الإمامة، بتحقيق د. محمد خضر نبها، ط دار الكتب العلمية.

17. امتاع الأسماع، المقريزي، ط 1، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان لسنة 1420 ه.

18. الأمن الفكري في نهج البلاغة، السيد نبيل الحسني، مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة، دار الوارث - كربلاء المقدسة، ط 1، 2018 م.

19. الأموال، حميد بن مخلد زنجوية (ت 251 ه)، تحقيق: الدكتور شاکر ذيب فياض، طبع: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية لسنة 1406 ه، 1986 م، ط 1، الرياض - المملكة العربية السعودية.

20. أنساب الاشراف، أحمد بن يحيى البلاذري (ت 279 ه)، تحقيق: محمود الفردوس العظم، صبحي المارديني، طبع: دار اليقظة العربية لسنة 1417 ه، 1997 م، دمشق - سوريا.

ص: 161

21. البداية والنهاية، ابن کثیر، ط 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان لسنة 1408 ه.

22. المبسوط، أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السَّرَخسِيّ (483 ه 1090 م)، (د. ط)، 1414 ه - 1993 م، الناشر: دار المعرفة - بيروت.

23. البيان والتبيين، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255 ه)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، طبع: دار الفکر، بیروت - لبنان.

24. تأويلات أعلام أهل السنة والجماعة في ترك أبي بکر سلاح النبي (صلى الله عليه واله) ومتاعه لفاطمة (عليها السلام) بين التوريث في الأموال المعيشية ومنعه في الموارد المالية، السيد نبيل الحسني، العتبة الحسينية، ط 1، 1442 ه - 2021 م.

25. تاریخ ابن خلدون، ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون (ت: 808 ه)، طبع: دار الفکر، بیروت - لبنان.

26. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، الحافظ المؤرخ: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، (ت: 748 ه)، تحقيق: الدكتور عمر عبد السلام تدمري، نشر: دار الكتاب العربي، بيروت - الطبعة الثانية، 1409 ه - 1998 م.

27. تاريخ السنة النبوية: عبد الحمید صائب، مركز الغدير، بیروت، ط 1، 1418 ه.

28. تاريخ الطبري، (ت: 310 ه)، ط 4، 1403 - 1983 م، الناشر: مؤسسة

ص: 162

الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان.

29. تاريخ المدينة، ابن شبة النميري، (ت: 262 ه)، تحقيق: فهیم محمد شلتوت، ط 2، 1410 - 1368 ش، المطبعة: القدس - قم، الناشر: دار الفكر - قم - إيران.

30. تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر، (ت: 571 ه) 1415، الناشر: دار الفكر - بيروت - لبنان.

31. تحف العقول عن آل الرسول (عليهم السلام): أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم ط 2، 1404 ه.

32. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، محمد بن عبد الرحمان المباركفوري (ت 1353 ه)، تحقيق: عصام الصبابطي، طبع: دار الحديث السنة 1422 ه، 2001 م، ط 1، القاهرة - مصر.

33. تزاوج الاختصاصات: ثراء معرفي و معني، نجيب عبد الواحد؛ 3 يونيو 2017؛ الدراسات البينية، التعليم العالي.

34. التمهيد، ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري (ت 463 ه)، تحقيق: مصطفى أحمد العلوي، طبع: وزارة عموم الأوقاف، المغرب.

35. جامع الأحاديث (الجامع الصغير وزوائده والجامع الكبير والجامع الأزهر)، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت: 911 ه)، تحقيق: عباس أحمد صقر - أحمد عبد الجواد، إشراف: مكتب البحوث والدراسات في

ص: 163

دار الفكر، طبع: دار الفکر، بیروت - لبنان.

36. جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، أحمد زكي صفوت، المكتبة العلمية، بيروت - لبنان.

37. الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني، علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري الشافعي، (364 - 450 ه)، تحقیق ومراجعة: الشيخ علي محمد معوض - الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1، 1419 ه - 1999 م.

38. حجية السنة في الفكر الإسلامي: حيدر حب الله، دار الانتشار العربي، بیروت، ط 1، 1432 ه.

39. خاتم النبيين، صلى الله عليه وآله وسلم، الشيخ الدكتور محمد أبو زهرة (ت 1316 ه)، طبع: منشورات المكتبة العصرية، صيدا - لبنان.

40. خصومة فاطمة (عليها السلام) عند ابن عثيمين قراءة في المرتكزات الفكرية والمفاهمية في ضوء مقاصدية القرآن والسنة، السيد نبيل الحسني، مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة، دار الوارث - کربلاء المقدسة، ط 1، 2020 م.

41. الخلاف، شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)، (ت: 460 ه)، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين - قم المشرفة، جمادى الآخرة 1407 ه.

42. الدرة المضيئة في الرد على ابن تيمية للحافظ أبي الحسن تقي الدين علي

ص: 164

بن عبد الكافي السبكي الكبير، نشر القدسي - دمشق الشام - مطبعة الترقي عام 1347 ه وهي عن نسخ الأستاذ الشيخ محمد زاهد الكوثري والنشر الالكتروني: مكتبة التراث الإسلامي في فيس بوك. http\\archiver.orp.

43. دراسة مصادر السيرة النبوية، السيد سامي البدري، دار الفقه للطباعة والنشر، ط 1.

44. دراسات في علم الدراية: علي اکبر غفاري، نشر جامعة الإمام الصادق (عليه السلام)، مطبعة تابش، طهران، ط 1، 1336 ه

45. دلائل الإمامة، محمد بن جریر الطبري، (الشيعي)، (ت: ق 4)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - قم، الناشر: مرکز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، ط 1، 1413.

46. دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي (ت 458 ه)، تحقيق: د. عبد المعطي قلعجي طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1408 ه، 1988 م، ط 1، بيروت - لبنان.

47. ربيع الأبرار، ونصوص الأخبار، الزمخشري، (ت: 538 ه)، تحقيق: عبد الأمير مهنا، ط 1، 1412 - 1992 م، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت.

48. الروض الأنف، الفقيه المحدث أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي (ت 581 ه)، طبع دار الفكر لسنة 1409 ه، 1989 م، بیروت - لبنان.

49. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (تفسير الألوسي)،

ص: 165

شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي البغدادي (ت 1270 ه)، تحقيق: محمد حسين العرب، طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1414 ه، 1994 م، ط 1، بيروت - لبنان.

50. زهر الآداب وثمر الألباب، أبو إسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني (ت 452 ه)، طبع: دار إحياء الكتب العربية لسنة 1372 ه، 1953 م، ط 1، بيروت - لبنان.

51. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت 942 ه)، تحقیق وتعليق: الشيخ عادل احمد عبد الموجود، طبع: دار الکتب العلمية لسنة 1414 ه، 1993 م، ط 1، بيروت - لبنان.

52. السقيفة وفدك، الجوهري، (ت: 323 ه)، تحقيق: تقديم وجمع و تحقيق: الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني، ط 2، 14913 - 1993 م، المطبعة والناشر: شركة الكتبي للطباعة والنشر - بيروت - لبنان.

53. السلفية بين أهل السنة والإمامية، السيد محمد الكثيري، الغدير للطباعة والنشر والتوزيع، حارة حريك - بناية البنك اللبناني السويسري، بيروت - لبنان.

54. سنن أبي داود، سلیمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي (ت 275 ه)، تحقيق وتعليق: سعد محمد اللحام، طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، 1410 ه، 1990 م، بیروت - لبنان.

ص: 166

55. سنن الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279 ه)، طبع: دار الحديث، القاهرة - مصر.

56. السنن الكبرى، البيهقي الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت 458 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1424 ه، 2003 م، ط 3، بيروت - لبنان.

57. سير أعلام النبلاء (سير خلفاء الراشدون)، تصنيف: شمس الدين الذهبي (ت 748 ه)، طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1417 ه، 1997 م، ط 1، بيروت - لبنان.

58. السيرة الحلبية، علي بن برهان الدين الحلبي (ت 1044 ه)، طبع: دار المعرفة لسنة 1400 ه، 1980 م، بیروت - لبنان.

59. السيرة النبوية، ابن کثیر، علي بن برهان الدين الحلبي (ت 1044 ه)، طبع: دار المعرفة لسنة 1400 ه، 1980 م، بيروت - لبنان.

60. السيرة النبوية، ابن هشام الحميري، تحقيق: مصطفى السقا، طبع: مؤسسة علوم القرآن، ط 1، بیروت - لبنان.

61. الشافي في الإمامة، الشريف المرتضى (ت 436 ه)، طبع: مؤسسة إسماعيليان لسنة 1410 ه، 1990 م، ط 2، قم المقدسة - إيران.

62. شرح السير الكبير محمد بن الحسن الشيباني - محمد بن أحمد السرخسي، المحقق: محمد حسن محمد حسن الشافعي، الناشر: دار الكتب العلمية، 1417 - 1997.

ص: 167

63. شرح العقيدة الواسطية لابن تيمية بشرح ابن عثيمين، دار ابن الجوزي، السعودية، ط 6 لسنة 1421 ه.

64. شرح صحیح مسلم، ابن عثيمين، ط المكتبة الإسلامية - السعودية.

65. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي، تحقيق: محمد ابو الفضل إبراهيم، نشر: دار إحياء الكتب العربية، 1378 ه، 1959 م، بغداد.

66. الشرح الكبير، ابن قدامة، (ت: 682 ه)، طبعة: جديدة بالأوفست الناشر: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

67. صحيح ابن حبان بترتیب ابن بلبان، علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت 739 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، طبع: مؤسسة الرسالة، 1414 ه، 1993 م، ط 2، بیروت - لبنان.

68. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي (ت 852 ه)، طبع: دار العلوم الإنسانية لسنة 1413 ه، 1993 م، دمشق - سوريا.

69. صحيح مسلم، باب: ط دار الفکر بیروت.

70. الصحيح من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، السيد جعفر مرتضى العاملي، طبع: دار الحديث للطباعة والنشر لسنة 1426 ه، 2005 م، ط، قم المقدسة - إيران.

71. الطبقات الکبری، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع المعروف بابن سعد (ت 230 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، طبع: دار الكتب العلمية

ص: 168

لسنة 1410 ه، 1990 م، ط 1، بیروت - لبنان.

72. عقيدة أهل السنة والجماعة (رسالة دكتوراه)، ناصر بن علي عائض حسن الشيخ، مكتبة الرشد بالرياض، ط 3 لعام 1431 ه - 2000 م.

73. العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، أبو بكر بن العربي المالكي (468-543)، تحقيق: الشيخ محب الدين الخطيب، منشورات مكتبة السنة بالقاهرة لصاحبها شرف حجازي، ط 1، 1405، ط 9، 1412، مكتبة السنة.

74. عون المعبود، محمد شمس الحق العظيم آبادي، طبع: الكتب العلمية السنة 1415 ه، 1995 م، ط 2، بيروت - لبنان.

75. عيون الأثر في فنون المغازي والسير، ابن سيد الناس (ت 734 ه)، طبع: مکتبة دار التراث لسنة 1413 ه، 1993 م، المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

76. غريب الحديث، أبو عبيد، القاسم بن سلام الهروي (224 ه)، طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1396 ه، 1976 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان..

77. غزوات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وسراياه، ابن سعد، (ت: 230 ه)، تحقيق: تقديم: احمد عبد الغفور عطار، 1401 - 1981 م، الناشر: دار بيروت - للطباعة والنشر - بيروت - لبنان.

78. غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع، السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي، تحقيق: الشيخ ابراهيم البهادري، الناشر: مؤسسة الإمام

ص: 169

الصادق عليه السلام للتحقيق والتأليف، ط 1، 1417 ه.

79. فاطمة عليها السلام في نهج البلاغة مقاربة تداولية في قصدية النص ومقبولية واستكناه دلالاته وتحليله السيد نبيل الحسني، مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة، دار الوارث - كربلاء المقدسة، ط 1، 2020 م.

80. فتاوی السبكي، أبو الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي (683 - 756)، الناشر: دار المعارف.

81. فتح الباري، الحافظ أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، تحقيق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، نشر: دار المعرفة، سنة الطبع: 1379 ه، بیروت.

82. فتح العزيز شرح الوجیز، وهو الشرح الكبير لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفي سنة 623 ه، طبع دار الفکر، بیروت لبنان.

83. الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (ت: 1250 ه)، حققه ورتبه: أبو مصعب «محمد صبحي» بن حسن حلاق الناشر: مكتبة الجيل الجديد، صنعاء - اليمن.

84. فتوح البلدان، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البغدادي البلاذري المولود أواخر القرن الثاني الهجري (ت 892 ه)، طبع: دار ابن خلدون لسنة 1418 ه، 1998 م، بیروت - لبنان.

85. الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، (ت: 395 ه)، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، شوال المکرم 1412، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي

ص: 170

التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

86. قرب الاسناد، الشيخ أبو العباس عبد الله الحميري، تحقيق و نشر: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم، ط 1، 1413 ه، المطبعة: مهر - قم.

87. القصدية والمقبولية في التراث النقدي والدرس اللساني، د. اياد نجيب عبد الله، و أ. ميلود مصطفی عاشور، مجلة جامعة المدينة العالمية، العدد السابع عشر - يوليو - 2016 م.

88. الكافي، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي، (328/ 329 ه)، مع تعليقات نافعة مأخوذة من عدة شروح صححه وعلق عليه علي أكبر الغفاري، نهض بمشروعه الشيخ محمد الآخوندي، الناشر: دار الكتب الإسلامية، مرتضى آخوندي، تهران - بازار سلطاني، ط 3، (1388).

89. الكامل في التاريخ، ابن الأثير، دار صادر للطباعة والنشر، دار بیروت للطباعة والنشر، 1385 ه - 1965 م.

90. كتاب العين، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: د. مهدي المخزومي، طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1408 ه، 1987 م، ط 1، بیروت - لبنان.

91. کنز العمال، المتقي الهندي، (ت: 975 ه)، تحقيق: ضبط و تفسیر: الشيخ بكري حياني، تصحیح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، (د. ط)، 1409 - 1989 م، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان.

ص: 171

92. لسان العرب، ابن منظور، (ت: 711 ه)، محرم 1405، الناشر: نشر أدب - قم.

93. لقاء الباب المفتوح، محمد بن صالح بن محمد العثيمين (ت: 1421 ه)، دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية - http://www.islam .web.net

94. مجمع الزوائد للهيثمي، الهيثمي، (ت: 807 ه)، 1408 - 1988 م، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.

95. المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، (ت: 274 ه)، تحقيق: تصحیح و تعليق: السيد جلال الدين الحسيني (المحدث)، 1370 - 1330 ش، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران.

96. محاضرات في الإلهيات: جعفر السبحاني، نشر مؤسسة الصادق (عليه السلام)، ط 10، 1426 ه.

97. المحسن السبط مولود أم سقط، السيد محمد مهدي الخرسان، طبع: مطبعة نقارش - دار دليل ما لسنة 19427 ه، 2007 م، قم المقدسة - إيران.

98. المدخل إلى الشريعة الإسلامية، تاليف عباس كاشف الغطاء، نشر مؤسسة كاشف الغطاء، مطبعة صبح، بیروت، ط 2، 1436 ه.

99. المذكر والتذكير ابن أبي عاصم (ت 287 ه)، تحقيق: خالد بن قاسم الردادي، طبع: دار المنار، 1413 ه، 1993، ط 1، الرياض - المملكة العربية السعودية.

ص: 172

100. المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، إشراف: د يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة، بیروت - لبنان.

101. مسند ابن راهويه، إسحاق بن راهويه الحنظلي المروزي (ت 238 ه)، تحقيق: د. عبد الغفور عبد الحسن البلوشي، طبع: مكتبة الإيمان لسنة 1415 ه، 1995 م، المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

102. مسند ابي داود الطياليسي، سلیمان بن داود أبو داود الفارسي البصري (ت 204 ه)، طبع: دار المعرفة، بیروت - لبنان.

103. مستند الشيعة في أحكام الشريعة، العلامة الفقيه المولى أحمد بن محمد مهدي النراقي، (ت: 1245 ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث - مشهد المقدسة، 1415 ه.

104. مسند الموصلي، أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى التميمي (ت 307 ه)، تحقيق: حسین سلیم أسد، طبع: دار المأمون للتراث السنة 1408 ه، 1988 م، دمشق - سوريا.

105. مسند أحمد بن حنبل وبهامشه منتخب کنز العمال في سنن الأقوال والافعال، احمد بن حنبل، (ت: 241 ه)، دار صادر - بيروت.

106. المصنّف، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 ه)، تحقيق: الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، طبع: المكتب الإسلامي للنشر والتوزيع لسنة 1403 ه، 1983 م، ط 1، بیروت - لبنان.

107. مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني: علي كاشف الغطاء، تحقيق

ص: 173

ونشر مؤسسة كاشف الغطاء، مطبعة صبح، بیروت، ط 1، 1435 ه.

108. معاني الاخبار، أبو جعفر محمد بن علي الصدوق، تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1379 ه، 1959 م، قم المقدسة - إيران.

109. المعجم الأوسط للطبراني، الحافظ أبو القاسم سلیمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (ت 360 ه)، طبع: مكتبة المعارف لسنة 1405 ه، 1985 م، ط 1، الرياض - المملكة العربية السعودية.

110. معجم البلدان، یاقوت الحموي (ت 626 ه)، تحقيق: فرید بن عبد العزيز الجندي عضو لجنة إحياء التراث الإسلامي بالميناء، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1410 ه، 1990 م، ط 1، بيروت - لبنان.

111. معجم المصطلحات في اللغة والادب، تأليف مجدي وهبة وكامل المهندس، ط 2 مكتبة لبنان.

112. معجم مقاییس اللغة، أحمد بن فارس بن زکریا (ابن فارس)، (ت: 395 ه) تح: عبد السلام محمد هارون، 1404، المطبعة والناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي.

113. المجموع شرح المهذب، لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي، (ت: 676 ه)، طبع: دار الفکر بیروت - لبنان.

114. المغازي، أبو عبد الله محمد بن عمر السهمي الأسلمي المدني المعروف ب (الواقدي) (ت 207 ه)، تحقيق: د. عمر جرش، طبع: عالم الكتب السنة

ص: 174

1404 ه، 1984 م، بيروت - لبنان.

115. مغالطات المحدثين والمفسرين في نحلة سيدة نساء العالمين سورة الإسراء والروم أنموذجا، السيد نبيل الحسني، العتبة الحسينية المقدسة، ط 1 السنة 1442 - 2021 م.

116. المغني في أبواب التوحيد والعدل، لقاضي القضاة عبد الجبار الأسد آبادی، دراسة وتحقيق: د. محمد علي نبها، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتاب العربي - بيروت، لبنان.

117. المغني، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي (ت 620 ه)، طبع دار الفكر لسنة 1405 ه، 1985 م، بیروت - لبنان.

118. مفهوم التاريخ، لعبد الله العروي، الطبعة الرابعة، نشر: المركز الثقافي العربي - الدار البيضاء المغرب.

119. مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين، د. عیسی بوعكاز، كلية العلوم الإسلامية جامعة باتنة، مجلة الأحياء، العدد 20 - السنة 2017.

120. مکاتیب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، أحمدي الميانجي، طبع: دار الحديث لسنة 1418 ه، 1998 م، ط 1 مصححة ومنقحة ومزيدة، بيروت - لبنان.

121. المناقب، الموفق بن محمد المكي الخوارزمي، طبع: مؤسسة النشر

ص: 175

الإسلامي لسنة 1435 ه، 2004 م، ط 5، قم المقدسة - إيران.

122. مناقب آل أبي طالب، الإمام الحافظ ابن شهر آشوب مشير الدين أبي عبد الله محمد بن علي بن شهر آشوب ابن أبي نصر بن أبي حبيشي السروي المازندراني، (ت: 588 ه)، قام بتصحيحه وشرحه ومقابلته على عدة نسخ خطية لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، 1376 ه 1956 م.

123. منتخب مسند عبد بن حميد، تحقیق وضبط وتخريج أحاديث: السيد صبحي البدري السامرائي، محمود محمد خليل الصعيدي، طبع: مکتبة النهضة العربية، ط 1، 1408 ه، 1988 م.

126. المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد السبط ابن الجوزي (ت 597 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1412 ه، 1992 م، ط 1، بيروت - لبنان.

125. منتهى المطلب (ط. ق)، العلامة الحلي، (ت: 726)، طبعة حجرية.

1269. منهج الأشاعرة في العقيدة، الشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي، طبع مكتبة العلم ط 1 القاهرة مصر.

127. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، سعید بن هبة الله الراوندي، تح: السيد عبد اللطيف الكوكهمري، نشر: مكتبة آية الله المرعشي العامة - قم، طبع : مطبعة الخيام - قم، 1406 ه.

ص: 176

128. منهاج السنة لابن تيمية الحراني، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، ط: جامعة الإمام - السعودية.

129. المهذب: عبد العزيز ابن البراج الطرابلسي، تحقيق مؤسسة سید الشهداء، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، د ط ، 1406 ه.

130. موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، نور الدين، علي بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق: حسین سلیم أسد الدارني - عبده علي الكوشك، طبع: دار الثقافة العربية لسنة 1411 ه، 1990 م، ط 1، القاهرة - مصر.

131. نصب الراية لأحاديث الهداية، عبد الله بن يوسف أبو محمد الحنفي الزيلعي (ت: 762 ه) تحقیق ومراجعة: محمد یوسف البنوري، الناشر: دار الحديث، مصر، 1357.

132. نهاية الإرب في فنون الأدب، النويري، (ت: 733 ه)، المطبعة: مطابع گوستاتسوماس وشركاه، الناشر: وزارة الثقافة والارشاد القومي المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر.

133. النهاية في مجرد الفقه والفتاوی، أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، (385 - 460ه)، انتشارات قدس محمدي، قم خیابان ارم پاساژ قدس.

134. نهج البلاغة، بتحقيق صبحي الصالح، ط 1، 1412 - 1370 ش، المطبعة: النهضة - قم، الناشر: دار الذخائر - قم - إيران.

135. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخبار شرح منتقى الأخبار، محمد

ص: 177

بن علي بن محمد الشوكاني، (1173 - 1255)، دار الجيل، بیروت، 1973.

136. الوافي، الفيض الكاشاني، (ت: 1091 ه)، تح: الأصل ضياء الدين الحسيني «العلامة» الأصفهاني، ط 1، أول شوال المکرم 1406 ه. ق 19/ 3/ 65 ه. ش، مط: طباعة أفست نشاط أصفهان، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) العامة - أصفهان.

137. وسطية أهل السنة بين الفرق (رسالة دكتوراه)، محمد با کریم محمد با عبد الله، الناشر: دار الراية للنشر والتوزيع الطبعة: الأولى 1415 ه - 1996 م.

138. ويكيبيديا - الموسوعة الحرة، موسوعة إنترنت، 9 يوليو 2003.

139. ينابيع المودة لذوي القربی، سلیمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، (1220 - 1294 ه)، تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني، الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر، المطبعة: أسوة، ط 1، 1416 ه. ق.

ص: 178

المحتويات

مقدّمة الکتاب...7

التمهيد مصطلحات الدراسة وحقولها المعرفية المبحث الأول: المعنى اللغوي والاصطلاحي لمفردات عنوان الدراسة...17

المسألة الأولى: معنى الإنكار ومفهومه...17

المسألة الثانية: معنى الاشتجار في اللغة...19

المبحث الثاني: مصطلحات عنوان الدراسة وبيان معناها ومفهومها...21

المسألة الأولى: معنى السُنَّة ومفهومها...21

أولاً: السُنَّةُ لُغَةً...21

ثانياً: السُنَّةُ اِصطِلاحَاً...22

ثالثاً: حجية السُنّة المطهرة...25

المسألة الثانية: معنى مصطلح أهل السنة والجماعة ومفهومه...27

أولاً: تباين الأقوال في معنى المصطلح...27

ثانياً: اضطراب المفهوم و مناقضته للحقيقة الشرعية...34

المسألة الثالثة: معنى المقاصدية ومفهومها...41

أولاً: معنى القصد والمقاصدية في اللغة...41

ص: 179

ثانياً: القصد والمقاصدية في الاصطلاح...44

ثالثاً: مفهوم مقاصدية القرآن والسُنّة...44

المسألة الرابعة: مفهوم مقاصدية التاريخ...50

أولاً: المعنى اللغوي للتاريخ...50

ثانياً: موضوع التاريخ: «التاريخ هو الماضي الحاضر»...51

ثالثاً: مقاصدية التاريخ...53

المبحث الثالث: مشكلة الدراسة وهدفها وحقولها المعرفية ونوعها ومناهج البحث المعتمدة...55

المسألة الأولى: مشكلة الدراسة وهدفها...55

أولاً: مشكلة الدراسة...55

ثانیاً: هدف الدراسة...56

المسألة الثانية: معنى الدراسة البينية...57

المسألة الثالثة: الحقول المعرفية للدراسة...58

المسألة الرابعة: مناهج البحث المعتمدة في الدراسة...58

الفصل الأول قراءة تاريخية في أسباب الخلاف بين البضعة النبوية علیها السلام وأبي بكر وما شجر بينهما ودوافعه

المبحث الأول: معارضة دعوى الإمساك عما شجر بين الصحابة للقرآن والسُنّة...65

المسألة الأولى: معنى الاشتجار في اللغة...67

المسألة الثانية: معارضة دعوى الإمساك عما شجر بين الصحابة للسُنّة النبوية...68

المسألة الثالثة: معارضة دعوى الإمساك عما شجر بين الصحابة للقرآن...82

ص: 180

الشاهد الأول: احتكام الصحابة إلى النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) فيما شجر بينهم دلیله الإيمان به...83

الشاهد الثاني: القرآن يسُنُّ الرجوع إلى مرفة ما شجر بين النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) وبعض أزواجه...84

المبحث الثاني: تحديد عائشة لعناصر الخلاف فيما شجر بين فاطمة (علیها السلام) وأبي بكر وأنّها أول من أنكر وغاير في الدعوى...95

المسألة الأولى: إنّ عائشة هي أول من جمع العناوين الشرعية الثلاثة، بعد أبيها وتكتمت على أموال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)...95

المسألة الثانية: إنّ أموال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) تنقسم إلى ثلاثة أقسام:...97

أولاً - أمواله (صلی الله علیه و آله وسلم) في المدينة...97

ثانياً - أرض فدك...98

ثالثاً - خمس خیبر...98

رابعا - ما أنكرته عائشة وتكتمت عليه...99

خامسا - أما أموال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) المعيشية...99

المسالة الثالثة: إطلاق اسم جديد وعنوان تشريعي على هذه الأموال...100

المسألة الرابعة: إن أبا بكر كان يدرك جيداً أن هذه الأموال هي مما يستعين به آل محمد (صلی الله علیه و آله وسلم) على مؤونتهم وما يتبعه من آثار أذى فاطمة (علیها السلام)...101

الفصل الثاني مصادرة أبي بكر لطُعمَة فاطمة (علیها السلام) من حصن الكتيبة

المبحث الأول: هوية حصن الكتيبة وقيمته الاقتصادية...107

المسألة الأولى: هوية حصن الكتيبة...107

1- ابن سعد (ت 230 ه)...107

ص: 181

2- الحموي (ت 626 ه)...108

المسألة الثانية: قيمة حصن الكتيبة الاقتصادية...110

أولاً - قيمتها الاقتصادية في النخيل...110

ثانياً - ما تنتجه الأرض من الشعير...11

ثالثاً - ما تنتجه الأرض من القمح...112

رابعاً - ما يجمع منها من نوى التمر...112

خامساً - ما وجد في حصن الكتيبة من السلاح...113

المبحث الثاني: ما أنكرته عائشة لطُعمَة فاطمة (علیها السلام) من حصن الكتيبة وكتمته في إمارة أبيها فقد أظهرته في إمارة عمر بن الخطاب...115

المسألة الأولى: ما سَنّهُ النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) في إطعام أهل بيته (علیهم السلام) ونسائه وبعض أصحابه من حصن الكتيبة...116

أولاً - رواية محمد بن إسحاق (ت 151 ه) مصنّف السيرة النبوية الأول...116

- دلالات الرواية:...117

ثانياً - رواية بشير بن يسار ، التي أخرجها عمر بن شبة...121

- دلالات الرواية:...122

ثالثاً - رواية ابن هشام عن ابن إسحاق في بيان طُعمَة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم)...123

- دلالات الرواية:...126

رابعاً - رواية ابن هشام في تخصيص نصیب فاطمة (علیها السلام) من قمح أرض الكتيبة...128

خامساً - رواية الواقدي في تخصيص النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) طُعمَة الكتيبة...130

- دلالات الرواية:...130

المسألة الثانية: تحديد عمر بن الخطاب لوقت مجيء العباس بن عبد المطلب والإمام علي (علیه السلام) بعد توليه الحكم بسنتين يكشف عن مصادرة الشيخين سهم حصن الكتيبة من فاطمة (علیها السلام)...131

ص: 182

أولا - تغيير عمر لما سنَّه النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) في أسهم حصن الشق والنطاة...134

ثانياً - تغيير عمر سُنّة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) في توريث من أطعمهم من حصن الكتيبة...135

المسألة الثالثة: ما كشفته عائشة وعبد الله بن عمر في مصادرة أبي بكر لطُممَة فاطمة (علیه السلام)...138

أولاً - إن هذه الأوساق يراد منها دوام الطُعمّة التي تنتجها أرض حصن الكتيبة وقد ورّثها النبي (صلی الله علیه و آله وسلم)...139

ثانياً - رواية عبد الله بن عمر وكاشفيتها عن ظلامة البضعة النبوية (علیه السلام)...143

الرواية الأولى:...143

الرواية الثانية:...145

ثالثاً - ثناء عائشة على عمر لإعطائها الأرض والماء من حصن الكتيبة...146

رابعاً - إن من أهداف إجراءات عمر بن الخطاب في حصن الكتيبة فرض الحصار على آل محمد (صلی الله علیه و آله وسلم) وبني هاشم...149

نتائج الدراسة...153

المصادر والمراجع...159

فهرس المحتويات...171

ص: 183

ص: 184

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.