حرب الكلمة في اقرار الخليفة بحقوق فاطمة (عليها السلام) بين قوله (لانورث) و(يرثه أهله)

هوية الکتاب

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 2739 لسنة 2021 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP80.F36 H382 2021 : LC المؤلف الشخصي: الحسني، نبيل، 1384 - للهجرة - مؤلف.

ISBN 978-9922.9466-3

العنوان: حرب الكلمة في اقرار الخليفة بحقوق فاطمة (عليها السلام) بين قوله (لانورث) و(يرثه أهله): دراسة بينية في قراءة المرتكزات الفكرية والمفاهيمية والانساق الثقافية.

بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2021 / 1442 للهجرة.

الوصف المادي: 128 صفحة؛ 24 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 927).

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ISBN 978-9922.9466-3 رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 2739 لسنة 2021 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP80.F36 H382 2021 : LC المؤلف الشخصي: الحسني، نبيل، 1384 - للهجرة - مؤلف.

العنوان: حرب الكلمة في اقرار الخليفة بحقوق فاطمة (عليها السلام) بين قوله (لانورث) و(يرثه أهله): دراسة بينية في قراءة المرتكزات الفكرية والمفاهيمية والانساق الثقافية.

بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2021 / 1442 للهجرة.

الوصف المادي: 128 صفحة؛ 24 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 927).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 203).

سلسلة النشر: (سلسلة دراسات في آل علي (علیهم السلام)؛ 13، الصديقة فاطمة الزهراء (علیها السلام)؛ 9). تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 115 - 124).

موضوع شخصي: محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)، النبي، 53 قبل الهجرة - 11 للهجرة - المال.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء، فاطمة بنت محمد بن عبد الله (علیها السلام)، 8 قبل الهجرة - 11 للهجرة - المواريث.

موضوع شخصي: أبو بكر، عبد الله بن أبي قحافة، 51 قبل الهجرة - 13 للهجرة - الخصومة مع فاطمة (علیها السلام).

موضوع شخصي: عائشة بنت أبي بكر، 9 قبل الهجرة - 58 للهجرة. مصطلح موضوعي: حديث (معاشر الأنبياء لا نورِّث..) -- شبهات وردود. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق)، مؤسسة علوم نهج البلاغة، جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 2

سلسلة دراسات في آل علي (علیهم السلام) (13) الصديقة الطاهرة فاطمة (علیها السلام) (9) تأليف السيد نبیل الحسني الکربلائي اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1442 ه - 2021 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر (عليه السلام) مؤسسة علوم نهج البلاغة الموقع الألكتروني:

www.inahj.org الإيميل:

Inahj.org@gmail.com موبایل: 07815019933 - 07728263600

ص: 4

الإهْدَاء إلى:

أم الوفاء والإباء والشهامة وعطر دلال أهل الجود والأخوة والكرامة..

إلی:

من ولدتها التحول من العرب والمختارة من بيوت العز والرفعة والادب..

إلی:

حليلة الوصي وقرة عين الولى والسائرة على تهج بضعة سيد اطرسلين (صلی الله علیه وآله وسلم)..

إلى:

أم البنين الأربعة اطستشهدين بين يدي أبي عبد الله الحسين (علیهم السلام)..

إلی:

أم العباس وكفى به فخرًا وملجئا ومتوسلًا إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)..

أهدي كتابي «خادمکم نبيل»

ص: 5

ص: 6

مقدّمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم «اَلْحَمْدُلِلَّهِ عَلی ما اَنْعَمَ، وَلَهُ الشُّکْرُ عَلی ما ألْهَمَ، وَ الثَّناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ اِبْتَدَاَها، وَسُبُوغِ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامِ مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الْإِحْصاءِ عَدَدُها، وَنَأی عَنِ الْجَزاءِ أمَدُها، وَتَفاوَتَ عَنِ الْإِدْراكِ أَبَدُها، وَنَدَبَهُمْ لاِسْتِزادَتِها بِالشُّکْرِ لاِتِّصالِها، وَاسْتَحْمَدَ إلَی الْخَلائِقِ بِإِجْزالِها، وَثَنّی بِالنَّدْبِ إلی أمْثالِها»(1).

والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الأمجد، والرسول المسدَّدِ، أبي القاسم محمَّد، عبدُهُ ورسولُهُ، «اَرْسَلَهُ بِالدِّینِ الْمَشْهُورِ وَالْعَلَمِ الْمَأْثُورِ، وَالْکِتابِ الْمَسْطُورِ، وَالنُّورِ السَّاطِعِ، وَالضِّیَاءِ اللَّامِعِ والأَمْرِ الصَّادِعِ، إِزَاحَةً للِشُّبُهَاتِ وَاحْتِجَاجاً بِالْبَیّناتِ وَتَحْذِیراً بِالآیَاتِ وتَخْوِیفاً بِالْمَثُلَاتِ»(2)، وعلى آله وعترته وأهل بيته وثقله الأصغر في أُمَّته، حُجَجِ الله على خلقه، وَ«هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ وَلَجَأُ أَمْرِهِ، وَعَیْبَةُ عِلْمِهِ وَمَوْئِلُ حُکْمِهِ، وَکُهُوفُ کُتُبِهِ وَجِبَالُ دِینِهِ، بِهِمْ أَقَامَ اِنْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَأَذْهَبَ اِرْتِعَادَ فَرَائِصِهِ.»(3).

ص: 7


1- الاحتجاج للطبرسي: خطبة الزهراء (عليها السلام): ج 1 ص 132
2- نهج البلاغة، بشرح محمد عبده، الخطبة الثانية : ج 1 ص 14
3- المصدر نفسه: ج 1 ص 29 - 30

أمّا بعدُ:

تُعَدّ الكلمة من أهم الوسائل المؤثرة في التغير وعلى كافة مجالات الحياة لاسيما في الظلامات وإظهار الحقوق وتعريت الخصوم، ومما لا ريب فيه فإن أول الحقوق وسنامها هو التوحيد وأول الظلامات عدم النطق والإقرار به.

ليليه في الرتبة التصديق بما جاء من عنده سبحانه من بعث للأنبياء (عليهم السلام) وما کُلفوا به والتسليم لأمره ونهيه، فكان المدار في ذلك هي: الكلمة.

فسمية الشريعة بكلام الله، وسمي الأنبياء بكلمة الله، قال تعالى:

«أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»[البقرة: 75].

وقال سبحانه:

«إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ» [النساء: 1].

من هنا:

خاضت بضعة النبوة وصفوة الرسالة صراعها مع خصمها في حرب الكلمة فانتزعت الإقرار بمظلومیتها ليضاف إلى حججها التي ألقَتها في مسجد أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وهو ما تناولته الدراسة التي بين أيدينا فقد تَكَشّفت هذه الحقيقة عِبرَ مباحثها ومسائلها التي تناولت أثار الكلمة، وأنّها أمض من ضرب السيوف في انتزاع هذه الحقوق التي تضافر أعلام أهل السنة والجماعة على نكرانها

ص: 8

في العديد من الحقول المعرفية التي وضعوا في ساحاتها مرتكزات أفكارهم وسقوها من مداد أقلامهم فأداروا في جوانبها مغالطاتهم وزعروا في قلبها شبهاتهم وتأويلاتهم استنصارا لمن يوالون ودفاعاً عما يعتقدون.

ولقد منَّ اللهُ علينا بسابق لطفه، وفضله وفضل رسوله (صلى الله عليه واله) بالبحث والدراسة في هذه الحقول المعرفية، وتتبع أقوال أعلام أهل السُنّة والجماعة، واستقرائها وتحليلها، فظهر تظافرهم على هضمها (عليها السلام)، فكان مصداقاً لقول أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) بعد أن واری فاطمة (عليها السلام) في روضتها، فأخذ ببث شكواه إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) وتظلمه له بما لاقته بضعته النبوية (عليها السلام)، قائلاً:

«وَسَتُنَبِّئُ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَی هَضْمِهَا، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ، وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ»(1).

فكان مما وفقنا الله أليه ودراسته في هذه الحقول المعرفية:

أولاً: في حقل الحديث النبوي الشريف وعلومه وشروحه، كانت لنا خمس دراسات، وهي على النحو الآتي:

1 - الدراسة الأولى: تناولنا عِبْرها دراسة الحديث المزعوم: (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ما تركناه صدقة) وتحليله، والموسوم ب(معارضة حديث لانورَّث للقرآن والسُنّة واللغة، دراسة بينية في قراءة المرتكزات الفكرية

ص: 9


1- الكافي للكليني: ج 1 ص 459؛ نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح، الخطبة: 202، ص 320؛ أمالي المفيد: ص 238

والمفاهيمية والأنساق الثقافية لأعلام أهل السُنَّة والجماعة).

وخلصت الدراسة إلى أن هذا الحديث معارض للقرآن والسُنّة النبوية واللغة، وأن أعلام أهل السُنّة لا يحتكمون الى القرآن والسُنّة النبوية واللغة وإنما إلى الأنساق الثقافية والعقدية التي نشئوا عليها، فهم يغالطون ويتأولون النصوص والضوابط والأصول بغية الانتصار لسُنّة الشيخين فقط لا غير.

وتعد هذه الدراسة، ولله الحمد والمنّة، هي الأولى في المكتبة الإسلامية في مجالها ومنهجها وحقولها المعرفية وما خلصت إليه من نتائج.

2 - الدراسة الثاني: كانت في شرح صحيح مسلم، لأبن عثيمين الوهابي الناصبي (المتوفی 1421 ه) تطاول على بضعة النبوة وانتهك حرمة الله ورسوله (صلى الله عليه واله) في سبابه وشتمه لبضعة النبوة - والعياذ بالله - لخصومتها أبي بكر، وهجرها له، وغضبها وسخطها عليه، فيقول في شرحه لحديث (لا نورِّث) الوارد في صحيح مسلم:

(نسأل الله أن يعفوا عنها، وإلا فأبو بكر ما استند إلى رأي، وإنما استند الى نص، (لا نورِّث ما تركناه صدقة)، ولكن كما قلت لكم قبل قليل:

عند المخاصمة لا يبقى للإنسان عقل يدرك به مايقول، أو يفعل، أو ما هو الصواب فيه، فنسأل الله أن يعفوا عنها، وعن هجرها خليفة رسول الله)(1).

فعزمنا على دراسة المرتكزات الفكرية والمفاهيمية التي أنتجت هذا التجري على الله ورسوله (صلى الله عليه واله)، والموسومة ب: (خصومة فاطمة (عليها

ص: 10


1- الهامش: شرح صحیح مسلم، کتاب الجهاد والسير: ج 6 ص 74 ط ونشر المكتبة الإسلامية - السعودية

السلام) عند ابن عثيمين قراءة في المرتكزات الفكرية والمفاهيمية في ضوء مقاصدية القرآن والسُنّة، دراسة بينية)، وقد خلصت الدراسة إلى أن أعلام أهل السُنّة والجماعة لم يزل الكثير منهم ناقم على بضعة النبوة (عليها السلام) لأنها الحد الفاصل والكاشف بين الإيمان والنفاق، وبين من هو عدو لله ولرسوله (صلى الله عليه واله) وبين من هو ولي لهما، وأن ظلامتها متجددة في كل زمان ومكان، وما ابن عثيمين إلا أنموذجا لهذا الفكر المرتكز على العداء لله ورسوله وأهل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وكيف لا يكون كذلك وقد نَمت عروقه على سموم ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز.

3 - الدراسة الثالثة، وهي التي بين أيدينا، وقد خلصت الى بيان اضطراب أعلام أهل السُنّة في تناقض أقوال أبي بكر بين القول بعدم الإرث في الحديث المزعوم: (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ما تركناه صدقة) وبين قوله وإقراره للبضعة النبوية فاطمة (عليها السلام) بقوله لها: (بل يرثه أهله)، وقد جهد بعض أعلام أهل السُنّة في إيجاد مخرج لرفع هذا التناقض، وغفلوا أن الباطل يضرب بعضه بعضاً لا سيما وأن الحديثان صحيحا السند.

4 - الدراسة الرابعة: تناولت رواية عائشة للحديث المزعوم: (لا نورِّث) في ردها على أزواج النبي (صلى الله عليه واله) وقد طالبنّ أبي بكر بإرثهن، والموسومة ب: [ما شجر بين أزواج النبي (صلى الله عليه واله) وعائشة وأثره في إظهار إرث فاطمة (عليها السلام)]؛ وقد تناولت الدراسة ما شجر من الخلاف بين أزواج النبي (صلى الله عليه واله) وعائشة بعد وفاة النبي (صلى

ص: 11

الله عليه واله) وقد أرسلن عثمان بن عفان الى أبي بكر يطالبن بإرثهن من رسول الله (صلى الله عليه واله)، فتصدت لهن عائشة بالمنع ونهرتهن بحديث (لا نورِّث)، وقد رّكزت الدراسة على طرق الحديث واختلافات صيّغه الى ثمان صيغ، وتعامل أزواج النبي (صلى الله عليه واله) مع عائشة في مواجهة هذا الحديث المزعوم.

5 - الدراسة الخامسة: وقد تناولنا فيها دراسة ظلامة البضعة النبوية عليها السلام) عِبْرَ مواردها التي جاءت في الصحيحين لا سيما في حادثة مجيء أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) وعم النبي (صلى الله عليه واله) العباس بن عبد المطلب الى عمر بن الخطاب بعد توليه الحكومة أو الخلافة وهما يطالبانه بحقوقها ومنها إرث النبي (صلى الله عليه واله) وبيانهما لموقفها ورأيهما فيما أقترفه أبو بكر في ظلامة البضعة النبوية (عليها السلام) وقيام البخاري بحذف ذلك من صحيحه وأقدام مسلم النيسابوري على إظهاره ونشره، والموسومة: (ما كتمه البخاري في ظلامة فاطمة (عليها السلام) وأظهره مسلم النيسابوري، تخاصم الإمام علي والعباس بن عبد المطلب أنموذجاً دراسة بينية في قراءة المرتكزات الفكرية والمفاهيمية في ضوء مقاصدية القران والسُنّة وحاكمية الأنساق الثقافية).

ثانياً: في حقل التفسير والحديث - أيضاً - كانت لنا دراسة لبيان تضافر المفسرين من أهل السُنّة والجماعة على هضم البضعة النبوية (عليها السلام)، والموسومة ب: (مغالطات المحدثين والمفسرين في نحلة سيدة نساء العالمين (عليها السلام) سورة الإسراء والروم أنموذجاً)؛ وقد رّكزت الدراسة على

ص: 12

استقراء مغالطات المحدثين والمفسرين في اختصاص الوحي بنحلة فاطمة (عليها السلام) وأنكارهم لنزول الأمر الإلهي على رسول الله (صلى الله عليه واله) مرتين، الأوّلى في سورة الإسراء، والثانية في سورة الروم، وقد جهد أعلام أهل السُنّة في ردِّ هذه الحقيقة عِبْرَ جملة من المغالطات التي تم بفضل الله ردها وبيان زيفها.

ثالثاً: في حقل التاريخ: كانت لنا ثلاث دراسات تناولت تضافر المؤرخين على هضم فاطمة (عليها السلام)، وهي على النحو الآتي:

1 - الدراسة الأولى: والموسومة ب: (معارضة خلفاء المسلمين لسُنّة أبي بكر في أموال بضعة سيد المرسلين (صلى الله عليه واله)، وقد أظهرت الدراسة معارضة خلفاء المسلمين لما سَنّهُ أبو بكر في أموال بضعة النبوة (عليها السلام) ابتداءً من عمر بن الخطاب وانتهاءً بأخر خليفة لبني العباس، وهو (الراضي) وقد وليَّ الخلافة سنة (322 - 329 ه)، وبذلك يتضح أمران، الأول: وهو علم الخلفاء بزيف حديث (لا نورِّث) وأنه مما تفرد به أبو بكر الفرض الحصار على بيت النبوة (عليهم السلام) ومنعهم من السعي لتحقيق مشروع الخلافة، ولذا منع عنهم الموارد الاقتصادية وترك هم متاع رسول الله (صلى الله عليه واله) وسلاحه ومقتنياته الشخصية.

والأمر الثاني: تحمل أبي بكر وزر ماعمله الخلفاء في هذه الأموال، وهي سهم الله وسهم رسوله (صلى الله عليه واله) من الفيء، وإرث النبي (صلى الله عليه واله) وهو مجموعة مالية كبيرة فمن رغب بالاطلاع عليها فعليه بمراجعة بحثنا الموسوم ب (تأويلات أعلام أهل السنة بترك أبي بكر متاع

ص: 13

النبي (صلى الله عليه واله وسلاحه لفاطمة (عليها السلام).

وأموال البضعة النبوية (عليها السلام) في إرثها، ونحلتها، أي أرض فدك، وسهمها من الخمس ضمن سهم ذي القربی، فجميع هذه الأموال التي أنفقها الخلفاء على ملذاتهم وأهوائهم ورغباتهم هي في وزر أبي بكر الذي سنَّ هذه السُنة، وذلك لقول رسول الله (صلى الله عليه واله) الذي أخرجه أحمد في مسنده:

«من سَنَّ سُنَّة ضلال فاتبع عليها كان عليه مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، ومن سُنَّ سُنَّة هدى فاتبع عليها كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء»(1).

2 - الدراسة الثانية: تناولت جانباً مهما وهو الكشف عن حجم أموال رسول الله (صلى الله عليه واله) ونوعها وما كانت تمثله من قيمة اقتصادية كبيرة، الموسومة ب: (تأويلات أعلام أهل السُنة والجماعة في ترك أبي بکر متاع النبي (صلى الله عليه واله) وسلاحه لفاطمة (عليها السلام) بين التوريث في الأموال المعيشية ومنعه في المراد الاقتصادية)؛ وقد خلصت الدراسة إلى بیان اضطراب أعلام أهل السنة في ترك الخليفة لمتاع رسول الله (صلى الله عليه واله) لفاطمة (عليها السلام) ومصادرته للموارد المالية والاقتصادية کالبساتين السبعة في المدينة، والحصون الثلاثة، وسوق مهروز، وثلث وادي القرى، وغيرها، فثبت عِبْر هذه الدراسة أن أول من أبطل صحة الحديث المزعوم وبان كذبه هو أبو بكر وذلك بترکه متاع رسوله الله (صلى الله عليه

ص: 14


1- مسند أحمد: ج 2 ص 505

واله) فأما أنه يوّرث فهذا يقتضي عدم المساس بأمواله وإما أنه لا يوّرث ويلزم حجب جميع أمواله (صلى الله عليه واله).

3 - الدراسة الثالثة: تناولت الكشف عن ظلامة مُغيّبة لم يتم الكشف عنها منذ وقوع ظلامة البضعة (عليها السلام) والى أن أذن الله في بيانها عِبْرَ هذه الدراسة والموسومة ب:

(ما أنكره أعلام أهل السُنّة والجماعة فيما شجر بين أبي بكر وفاطمة (عليها السلام) طُعمة حصن الكتيبة أنموذجا، دراسة وتحليل في ضوء مقاصدية القرآن والسُنّة والتاريخ)، وقد أظهرت الدراسة أن النبي (صلى الله عليه واله) لما منَّ الله عليه بفتح حصون خيبر الثمانية فكان منها حصن الكتيبة والذي جاءه بخمس الغنيمة والذي يمتاز بالموارد المالية الضخمة فهو يحتوي على أكثر من أربعين ألف نخلة، فضلا عما ينتجه من الشعير والقمح والنوى، وقد كان النبي (صلى الله عليه واله) قد خصص لأهل بيته، أي: (فاطمة وأمير المؤمنين الإمام علي والحسن والحسين)، (عليهم السلام) لكل منهم جزءا مما تنفقه هذه الأرض، وخصص منها لأزواجه وأصحابه بما فيهم أبو بكر وأم رومان زوجة أبي بكر، وغيرهم ممن يفدون على النبي (صلى الله عليه واله) من وجهاء القبائل أو الضيوف أو المحاويج من الناس.

إلا أن أبا بكر قام بمنع هذه الطُعمة عن البضعة النبوية (عليها السلام) بحديثه المزعوم: (لا نورِّث) وأبقى طعمته وطعمة عياله من هذه الأرض وكذا طعمة عمر بن الخطاب وغيرهم فالنبي (صلى الله عليه واله) أمواله تصل الى هؤلاء، لكنها تمنع وتصادر عن أهل بيته (عليهم السلام)!!

ص: 15

فكانت الدراسة الأولى في المكتبة الإسلامية التي تكشف الستار عن هذه الظلامة التي جهد أعلام أهل السُنة والجماعة على أنكارها بل طمسها، ونسوا أن الله لهم بالمرصاد، قال تعالى:

«يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» [التوبة: 32].

رابعاً: في حقل علم الكلام كانت لنا دراسة تناولت تضافر أعلام هذا الحقل المعرفي على هضم فاطمة (عليها السلام)، والموسومة ب: [رد أدعاء الجبائي وابن أبي الحديد المعتزلي بتأخير فاطمة (عليها السلام) دعوى النحل على إرث النبي (صلى الله عليه واله)]؛ وقد تناولت الدراسة مدعی شیخ المعتزلة ورئيس علم الكلام ومؤسس الفرقة الجبائية القاضي أبو علي الجبائي (المتوفي سنة 303 ه)، وتبعه في ذلك قاضي القضاة عبد الجبار الأسد أبادي (ت 415 ه)، وأبن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ه) وقد انضموا إلى جماعة هضم فاطمة (عليها السلام) فقد أدعوا أنها طالبت في بدو أمرها بالإرث فلما ردها أبو بكر بحديث (لا نوَّرث)، أدعت بأن النبي (صلى الله عليه واله) قد نحلها فدك، فسقط بذلك دعوى النحل والإرث، وقد تصدی العلمان الهامان الشريفان، الشريف المرتضى والسيد حبيب الله الخوئي (عليهما رحمة الله ورضوانه) في الرد على هذا المدعى ومرتكزاته عِبْر جمع الدعاوی ونقضها في مراحلها الزمنية منذ القائل الأول ومنشأ هذه الدعوى والشبهة، أي القاضي الجبائي الى أبن أبي الحديد المعتزلي، وقد منَّ الله علينا بفضله وفضل رسوله (صلى الله عليه واله) بتتبع هذه الشبهة ونقضها وإكمال ما سبقني أليه

ص: 16

الشريفان من أبناء البضعة النبوية فاطمة (عليها السلام)، فلله الحمد على فضله وفضل رسوله (صلى الله عليه واله).

خامساً: في حقل الفقه، كانت لنا دراستان، وهما:

1 - الدراسة الأولى: كانت دراسة مقارنة والموسومة ب: (إرث النبي صلى الله عليه وآله في المذاهب الخمسة بين منع النبوة ودفع فاطمة (عليها السلام)، تناولنا فيها مبنی منع النبوة للإرث في المذهب الزيدي والمالكي والحنفي والشافعي والحنبلي وإظهار الاختلافات بين الفقهاء في المذهب الواحد، فضلا عن المذاهب الأخرى، فخلصت الدراسة إلى أن الأصل في دعوى فقهاء المذاهب هو منع فاطمة (عليها السلام) من حقوقها وتضافرهم على هضمها، وتشيعهم لأبي بكر وأن كان ذلك فيه معارضة لما درجوا عليه من ضوابط الفقه و مبانیه وقواعده، فالأصل الثابت لدى الفقيه من أهل السُنّة والجماعة هو الانتصار للخليفة.

ولذا: نتج عنه التخبط والاضطراب في الأحكام، فمنهم من قال بوراثة الأنبياء (عليهم السلام) ولا يمكن أن يخالف النبي (صلى الله عليه واله) القرآن، وأن المنع كان حصرا به لقول أبي بكر (لا نورِّث)!! ومنهم من قال: بأن النبي (صلى الله عليه واله) يرث ولا يورث، وبعضهم قال بأن النبي (صلى الله عليه واله) يوّرث في الأموال التي ذي بال، ولا يوّرث في الأموال التي ليست ذي بال، واضطربوا أشد الاضطراب في أيجاد مخرج في معارضة حدیث (لا نورِّث) لأصل القاعدة والضابطة التي جرت عليها الفرائض في الإسلام وهي زوال الملكية وانتقالها إلى الوريث، ومن ثم فهل زالت الملكية

ص: 17

عن النبي (صلى الله عليه واله) أم أنها لم تزل باقية، فمن قال بالزوال فقد أقرَّ بوجود الورثة، ومن قال بالبقاء فقد أقرَّ ببقاء ملكية النبي (صلى الله عليه واله) ومن ثم يلزم وجود وصي أو متولي على هذه الأموال وقد أجمع أهل السُنّة على نفي الوصية والوصي، والسؤال الأهم:

من يتحمل وزر نهب هذه الأموال وضياعها؟! 2 - الدراسة الثانية: كانت دراسة مقارنة على المذاهب السبعة والموسومة ب: (مبنی لزوم نفقة أزواج النبي (صلى الله عليه واله) وسكناهن في بيوته في المذاهب السبعة، الزيدي، والمالكي، والحنفي، والشافعي، والحنبلي، والظاهري، والإباضي).

وقد أظهرت الدراسة اضطراب فقهاء أهل السُنّة والجماعة في موارد أربعة، الأول: بين منع النبوة للإرث وبين بقاء أزواج النبي (صلى الله عليه واله) في بيوته وهي بمقتضى حديث (لا نورِّث) أي هذه البيوت النبوية (صدقة) للمسلمين.

المورد الثاني: التعارض بین کون بيوت النبي (صلى الله عليه واله) صدقة للمسلمين وبين جعل القرآن لها توقيفية، فهي وقف عليه (صلى الله عليه واله)!! المورد الثالث: في لزوم النفقة، فمن أين كان ينفق على أمهات المؤمنين وحكم ما تركه النبي (صلى الله عليه واله) (صدقة) وأين هي النصوص الشرعية في ألزام دوام النفقة والنبي (صلى الله عليه واله) لم يوص؟ المورد الرابع: كيف باعت عائشة بيتها والنبي (صلى الله عليه وآله) مدفون فيها، وكيف تصرفت ببیته (صلى الله عليه وآله) وهو (لا يورث ما تركه صدقة)؟!

ص: 18

والمرتكزة على دراسة مبنى الحكم الذي استند إليه فقهاء أهل السنة والجماعة في لزوم نفقة أزواج النبي (صلى الله عليه واله) وسكناهنَّ في بيوته بعد وفاته، وسنورد لاحقاً بیان فصولها ومباحثها.

وعليه:

وبعد هذه البحوث والدراسات التي أنجزت بفضل الله وفضل رسوله (صلى الله عليه واله) والتي كانت تهدف إلى تجلي ظلامة بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) في جميع الحقول المعرفية التي تكونت منها المنظومة الفكرية للمسلمين من أهل السُنّة والجماعة كما أخبر أمير المؤمنين أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) بتضافرهم على هضمها.

فقد اقتضت هذه السلسلة من الدراسات تکرار بعض المباحث أو المسائل في العديد منها، وذلك أن الأمر الجامع بينها هو ظلامة البضعة النبوية (عليها السلام)، ودخول هذه القضية في العديد من الحقول المعرفية - كما أسلفنا ۔ فضلا عما يفرضه منهج البحث، والضرورة الشرعية في إتمام الدراسة وإكمال حيثياتها وإظهار مرتكزاتها الفكرية والمفاهيمية وضمن أحدث المناهج العلمية والمعروفة بالدراسة البينية والمقتضية الولوج في العديد من الحقول المعرفية، بغية الخروج بنتائج جديدة، تسهم في رفد الحركة العلمية والفكرية كي لا يكون الكتاب ناقصا في البيان والاستدلال فنقع في التقصير في إظهار الحق وظلامة البضعة النبوية (عليها السلام)، لا سامح الله، فنساله العفو والمغفرة والتسديد، «وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ» [هود: 88].

ص: 19

ومن ثمّ: فقد اشتملت الدراسة على فصلين، الأول: في مقدمات الدراسة ومناهلها المعرفية ضمن مجموعة من المباحث.

فكان المبحث الأول في معنى مصطلح (حرب الكلمة) في اللغة وبيان مفهومه ودلالته عِبرَ ورود مفردة (حرب) و (كلمة) في القرآن ضمن جملة من الآيات وكاشفية استعمالاتهما.

أما المبحث الثاني: فكان في معنى الفكر في اللغة والاصطلاح؛ والمبحث الثالث: في معنى الفهم في اللغة الاصطلاح والفرق بين الفهم والعلم؛ والمبحث الرابع: في معنى مصطلح (النسق الثقافي) ومفهومه؛ والمبحث الخامس في مشكلة الدراسة ونوعها وحقولها المعرفية ومناهج البحث.

وأما الفصل الثاني: فقد خصص لبيان الوسيلة التي اتخذتها بضعة النبوة (عليها السلام) في انتزاع الإقرار من أبي بكر في وراثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عِبرَ التناقض بين قوله: (لا يورث) و (يرثه أهله).

وقد أشتمل الفصل على أربعة مباحث، خصصت لمطالب الدراسة فكان المبحث الأول في بيان (تحديد عائشة لعناصر الخلاف فيما شجر بين فاطمة (عليها السلام) وأبي بكر وأنّها أول من أنكر وغاير في الدعوى).

وكان المبحث الثاني، في بيان (الأصول التي قامت عليها المواريث في القرآن ومعارضتها لحديث (لا نورِّث).

وخصص المبحث الثالث لبيان: (انتزاع فاطمة (عليها السلام) الإقرار من أبي بكر بأن النبي (صلى الله عليه وآله): يرثه أهله).

ص: 20

وخصص المبحث الرابع لبيان: (تناقض أقوال أبي بكر بين قوله: (لا نورِّث) و (يرثه أهله) ومحاولة أعلام أهل السٌنّة والجماعة رفع هذا التناقض)؟! وعليه:

فقد اكتنزت ظلامة البضعة النبوية (عليها السلام) العديد من القيم الإنسانية والأخلاقية والشرعية فأصبحت متجددة في كل زمان ومكان، تسير مع سير الإسلام حتى یرد المسلمون على رسولهم (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة؛ فَنِعْمَ الحكم الله، والزعيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» «وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ».

السابع والعشرون / شهر شعبان المعظم / لعام 1442 ه الموافق 10 / نیسان - ابريل / 2021 م من جوار ضریح ريحانة الرسول (صلی الله علیه وآله) و قرة عين الزهراء البتول (علیها السلام) کربلاء الطهر والفداء المعلى بضريح سيد الشهداء (علیه السلام) الراجي لفضل الله وفضل رسوله (صلی الله علیه وآله وسلم) والمتشرّف بالخدمتين العتبة الحسينية المقدسة وكتاب نهج البلاغة «نبيل الحسني الكربلائي»

ص: 21

ص: 22

الفصل الأول: مصطلحات الدراسة ومناهلها المعرفية

يشتمل الفصل على بيان ما ورد في الدراسة من مصطلحات ارتبطت بموضوعها وعنوانها، فضلاً عن حقولها المعرفية، وفرضية الدراسة ونوعها ومناهج البحث المعتمدة.

ص: 23

ص: 24

المبحث الأول: معنى مصطلح (حرب الكلمة) ومفهومه

يتكون معنی المصطلح من دلالة متركبة من مفردة (الحرب) ومفردة (الكلمة) ومعناهما في اللغة وبيان مفهومهما عِبرَ العرض القرآني لكل منهما.

المسالة الأولى: معنى مفردة (حرب) ومفهومها اللغوي ودلالتها القرآنية.

أولاً: معناها اللغوي.

تناول اللغويون معنى المفردة في معاجمهم اللغوية، فخلصوا إلى أن معنی (حَرَبَ)، هو: انتزاع مال الرجل وسلبه فلا يبقي له شيئا.

قال ابن منظور (ت 711 ه):

(الحَرْب نَقِيضُ السِّلم، أُنثى، وأَصلُها الصِّفةُ كأَنها مُقاتَلَةٌ حَرْبٌ، وتصغيرها حُرَیْبٌ بغير هاءٍ.

ورجُلٌ حَرْبٌ ومِحْرَبٌ، بكسر الميم، ومِحْرابٌ: شَديدُ الحَرْبِ، شُجاعٌ؛ وقيل: مِحْرَبٌ ومِحْرابٌ: صاحب حَرْبٍ.

وقوم مِحْرَبةٌ ورجُل مِحْرَبٌ أَيٌ محارِبٌ لعَدُوِّه.

وفي حديث عليّ، [عليه السلام]: فابعثْ عليهم رجُلاً مِحْرَباً، أَي مَعْرُوفاً بالحَرْب، عارِفاً بها، والميم مكسورة، وهو من أَبْنية المُبالغة، كالمِعْطاءِ، من العَطاءِ.

ص: 25

وفي حديث ابن عباس، قال في عليّ، [عليه السلام]: ما رأَيتُ مِحْرَباً مِثلَه.

وأَنا حَرْبٌ لمن حارَبَني أَي عَدوّ. والحَرَب بالتحريك: أَن يُسْلَبَ الرجل ماله.

حَرَبَه یَحْرُبه به إذا أَخذ ماله، فهو مَحْرُوبٌ وحَرِيبٌ، مِن قوم حَرْبی وحُرَباءَ، الأَخيرة على التشبيه بالفاعل، كما حكاه سيبويه، مِن قولهم قَتِيلٌ وقُتَلاءُ.

وحَرِيبتُه: ماله الذي سُلِبَه، لا يُسَمَّى بذلك إلَّا بعدما يُسْلَبُه.

وقيل: حَرِيبةُ الرجل: ماله الذي يَعِيشُ به.

تقول: حَرَبَه یَحْرُبُه حَرَباً، مثل طَلَبَه یَطْلُبه طَلَباً، إذا أَخذَ مالَه وتركه بلا شيءٍ.

والحَرَبُ، بالتحريك: نَهْبُ مالِ الإِنسانِ، وترْكُه لا شيءَ له)(1).

ثانياً: مفهومها ودلالتها القرآنية.

لقد وردت مفردة (حرب) في القران في آيات عدة تكشف عن مفهومها الواسع ودلالاتها الكثيرة: کالعداء، وتغير الأحكام، والفساد، وأخذ أموال الناس بالباطل، والقتال، فكان منها:

1 - «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ» [التوبة: 107].

ص: 26


1- لسان العرب: ج 1 ص 303 - 304

2 - «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ» [المائدة: 33] 3 - «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ٭ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ»[البقرة: 278 - 279] 4 - «وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» [المائدة: 64].

5 - «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٭ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ ٭ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» [الأنفال: 55 - 57].

6 - «فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ» [محمد: 47].

ص: 27

المسألة الثانية: معنى مفردة (كلمة) ومفهومها اللغوي ودلالتها القرآنية.

أولاً: معنى مفردة (الكلمة) في اللغة.

تناول اللغويون معنى المفردة في معاجمهم اللغوية، فخلصوا إلى أن معنی (الكلمة): ما كان مكتفيا بنفسه وهو الجملة، وذلك أَن الكلمة الواحدة لا تُشجِي ولا تُحْزِنُ ولا تَتملَّك قلب السامع، وإنما ذلك فيما طال من الكلام وأَمْتَع سامِعِيه لعُذوبة مُسْتَمَعِه ورِقَّة حواشيه.

قال ابن منظور في استقرائه لأقوال علماء اللغة، قال:

(ابن سيده: الكلام القَوْل، معروف، وقيل: الكلام ما كان مُكْتَفِياً بنفسه وهو الجملة، والقول ما لم يكن مكتفياً بنفسه، وهو الجُزْء من الجملة؛ قال سیبویه: اعلم أَن قُلْت إنما وقعت في الكلام على أَن يُحكى بها ما كان كلاماً لا قولاً، ومِن أَدلّ الدليل على الفرق بين الكلام والقول إجماعُ الناس على أَن يقولوا القُرآن كلام الله ولا يقولوا القرآن قول الله، وذلك أَنّ هذا موضع ضيِّق متحجر لا يمكن تحريفه ولا يسوغ تبدیل شيء من حروفه، فَعُبِّر لذلك عنه بالكلام الذي لا يكون إلا أَصواتاً تامة مفيدة؛ قال أبو الحسن: ثم إنهم قد يتوسعون فيضعون كل واحد منهما موضع الآخر؛ ومما يدل على أَن الكلام هو الجمل المتركبة في الحقيقة قول كثيِّر:

لَوْ يَسْمَعُونَ كما سمِعتُ كلامَها خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعاً وسُجُودا فمعلوم أَن الكلمة الواحدة لا تُشجِي ولا تُحْزِنُ ولا تَتملَّك قلب السامع، وإنما ذلك فيما طال من الكلام وأَمْتَع سامِعِيه لعُذوبة مُسْتَمَعِه ورِقَّة حواشيه،

ص: 28

وقد قال سيبويه: هذا باب أَقل ما يكون عليه الكلم، فذكر هناك حرف العطف وفاءه ولام الابتداء وهمزة الاستفهام وغير ذلك مما هو على حرف واحد، وسمى كل واحدة من ذلك كلمة.

الجوهري: الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير، والکَلِمُ لا يكون أقل من ثلاث كلمات لأَنه جمع كلمة مثل نَبِقة ونَبِق، ولهذا قال سيبويه: هذا باب علم ما الكلِمُ من العربية، ولم يقل ما الكلام لأنه أَراد نفس ثلاثة أَشياء: الاسم والفِعْل والحَرف، فجاء بما لا يكون إلا جمعاً وترك ما يمكن أن يقع على الواحد والجماعة، وتميم تقول: هي کِلْمة، بكسر الكاف، وحكى الفراء فيها ثلاث لُغات: كَلِمة وكِلْمة وكَلْمة، مثل کَبِدٍ وكِبْدٍ وكَبْدٍ، ووَرِقٍ ووِرْقٍ ووَرْقٍ، وقد يستعمل الكلام في غير الإِنسان؛ قال:

فَصَبَّحَتْ، والطَّيْرُ لَمْ تَكَلَّمِ جابِيةً حُفَّتْ بِسَيْلٍ مُفْعَمِ وكأَنّ الكلام في هذا الاتساع إنما هو محمول على القول، أَلا ترى إلى قلة الكلام هنا وكثرة القول؟ والكِلْمَة: لغةٌ تَمیمِيَّةٌ، والكَلِمة: اللفظة، حجازيةٌ، وجمعها کَلِمٌ، تذكر وتؤنث؛ يقال: هو الكَلِمُ وهي الكَلِمُ)(1).

ثانياً: مفهومها ودلالتها القرآنية.

لقد وردت مفردة (كلمة) في القران في آيات عدة تكشف عن مفهومها الواسع ودلالاتها الكثيرة، فمنها ما دلَّ على أن الكلمة هم الأنبياء أو الشريعة أو القضاء أو التوحيد أو نتائج الأمور وعواقبها أو الفساد أو الإمامة، وغير

ص: 29


1- لسان العرب: ج 12 ص 522 - 523

ذلك من الدلالات، فمنها على سبيل الاستشهاد لا الاستقصاء:

1 - في دلالتها على أن الأنبياء هم كلمة الله عزوجل، قال تعالى: «إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ» [آل عمران: 45] .

2 - في دلالتها على الشريعة، قال تعالى:

«فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ» [آل عمران: 39].

3 - في دلالتها على القضاء، قال تعالى:

«وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» [الأنعام: 19].

وقوله عزّ وجل: «وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ» [الأعراف: 137].

وقوله سبحانه: «وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» [يونس: 19].

وقوله تعالى: «كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ» [يونس: 33] وقوله سبحانه: «إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ

ص: 30

لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» [هود: 119] 4 - وفي دلالتها على الخير والشر والصلاح والفساد، قال تعالى:

«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ٭ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ٭ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ٭ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ» [إبراهيم: 26 - 27].

وقوله سبحانه: «مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا» [الكهف: 5].

5 - وفي دلالتها على الإمامة، قال تعالى:

«وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» [الزخرف: 28].

6 - وفي دلالتها على النفاق وحال المنافقين، قال تعالى:

«يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِير» [التوبة: 74].

ونستنتج من هذا البيان أن البضعة النبوية (عليها السلام) قد حُرُبَت فَسُلِبَ مالها كله، أي أرث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونِحلتها

ص: 31

وطُعمَتُها من حصن الكتيبة، وسهم ذي القربى، أي سلب جميع حقوقها، فلم يبق لها شيء، عِبرَ عدّة من الوسائل التي أقدمت عليها السلطة، وأنها (عليها السلام) في حَرَبَ الكلمة استطاعت أن تنتزع الإقرار بوراثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

فأشجت النفوس المؤمنة، وتملّكت القلوب السليمة، وأَمْتَع كلامها سامِعِيه لعُذوبة مُسْتَمَعِه ورِقَّة حواشيه، وأَرَّقَ مخالفيها وصَدّعَ معانديها وألزم مخاصیمها، وحَسبُك منه ما ختمت به خطابها مع خصمها في مسجد أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم):

«أفي كتاب اللهَّ أن ترث یا ابن أبي قحافة أباك ولا أرث أبي!؟ لقد جئت شيئا فريّا، فدونكها مخطومة، مرحولة، تلقاك يوم حشرك فَنعْمَ الحَكم الله والزعيم محمّد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولكلّ نبأ مستقرّ وسوف تعلمون من يأتيه عذاب مقيم.

قال: ثمّ التفتت إلى قبر أبيها فتمثّلت بقول هند بنت أمامة:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة لوكنت شاهدها لم تكثر الخطب أبدت رجال لنانجوی صدورهم لمّا قضيت وحالت دونك الترب تجهّمتنا رجال واستخفّ بنا إذ غبت عنّا فنحن اليوم مغتصب»(1)

ص: 32


1- شرح الأخبار للقاضي المغربي: ج 3 ص 37؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 1 ص 139 ؛ الطرائف في معرفة في مذاهب الطوائف لابن طاووس، ص 265؛ شرح نهج البلاغة لابن میثم البحراني: ج 5 ص 105 واللفظ له

المبحث الثاني: معنى الفكر في اللغة والاصطلاح

المسألة الأولى: الفكر لغة.

ورد معنی مفردة الفكر في المعاجم اللغوية، على النحو الآتي:

1 - قال الجوهري (ت 393 ه) في بيان معنى الفكر: (التفكير، التأمل، والاسم الفكر، والفكرة، والمصدر الفَكر بالفتح، ويقال: ليس لي في (هذا الأمر فَكْر، أي ليس لي فيه حاجة، ورجل فكير: أي كثير التفكير)(1).

2 - وقال ابن فارس (ت 395 ه): (الفاء والكاف والراء، تردد (القلب في الشيء، يقال: تفكر إذا ردد قلبه معتبراً)(2).

3 - قال ابن سيده (ت 458 ه): (الفكرة: إعمال الخاطر في الشيء (والجمع فِکَرٌ)(3).

4 - وقال الفيروز آبادي (ت 817 ه): (الفكر بالكسر، وبفتح: إعمال (النظر في الشيء كالفكرة والفكري بكسر هما والجمع أفكار)(4).

ص: 33


1- الصحاح للجوهري: ج 2، ص 783
2- معجم مقاییس اللغة لأبن فارس: ج 4، ص 446
3- المخصص لأبن سيده: السفر الثالث عشر: ص 745
4- القاموس المحيط : ج 2 ص 111

أقول:

ويمكن أن نستخلص من هذه التعاريف، أن الفكر هو: إشغال القلب، أي العقل في التأمل عِبْرَ النظر في الشيء.

المسألة الثانية: الفكر أصطلاحاً.

أما معنى المفردة في الاصطلاح فقد جاءت:

1 - قال شيخ الطائفة الطوسي (عليه الرحمة والرضوان) (ت 460ه):

(والفكر هو التأمل في الشيء المفكر فيه، والتمثيل بينه وبين غيره، وبهذا يتميز من سائر الأعراض من الإرادة والاعتقاد، وليس في المتعلقات بأغيارها شيء يتعلق بكون الشيء على صفة أو ليس عليها غير النظر)(1).

2 - وقال الجرجاني (ت 811 ه):

(إعمال النظر والتأمل في مجموعة من المعارف لغرض الوصول إلى معرفة جديدة، وهو بهذا عملية يقوم بها العقل أو الذهن بواسطة الربط بين: (المدركات أو المحسوسات واستخراج معانٍ غائبة عن النظر المباشر)(2).

3 - وقيل هو:

(حركة النفس نحو المبادئ والرجوع عنها إلى المطالب)(3).

ص: 34


1- الاقتصاد للشيخ الطوسي: ص 94
2- التعريفات للجرجاني: 55
3- معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية لمحمود عبد الرحمن: ج 3، ص 52

4 - وقيل أيضاً:

(فكر في الشيء يفكر كضرب، فكرا: أعمل عقله فيه ليفهم جوانبه وحقيقته، قال أبو البقاء: الفكر: حركة النفس نحو المبادئ والرجوع عنها إلى المطالب، قال الشيخ زکریا: الفكر: حركة النفس في المعقولات بخلافها في المحسوسات فإنها تخييل لا فكر)(1).

5 - وقيل: (إعمال العقل بالمعلوم للوصول إلى المجهول)(2).

6 - ويقول جميل صليبا:

(إنَّ الفكر يطلق على الفعل الذي تقوم به النفس عند حركتها في المعقولات أو يطلق على المعقولات نفسها؛ فإذا أطلق على فعل النفس دل على حركتها الذاتية وهي النظر والتأمل، وإذا أطلق على المعقولات دل على:

(المفهوم الذي تفكر فيه النفس)(3).

أقول: ويمكن أن نستخلص من هذه التعريفات:

إنّ الفكر اصطلاحاً، هو: التأمل والنظر في أمرٍ ما بقصد الوصول إلى معلومة جديدة وتكوين معرفة حول الشيء المفَّكر فيه.

ص: 35


1- معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية لمحمود عبد الرحمن: ج 3، ص 52
2- معجم لغة الفقهاء، لمحمد قلعجی: ص 349
3- المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والانجليزية واللاتينية، جميل صليبا: ج 2، ص 156، دار الكتاب اللبناني

ص: 36

المبحث الثالث: معنى الفهم في اللغة والاصطلاح

مما ورد في الدراسة هو البحث في المرتكزات المفاهيمية لابن عثيمين في خصومة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) والتي انتجت هذه الفتوى والرأي بأنها -والعياذ بالله - كانت (لا تعقل...)!! ولذا:

لا بد من الرجوع إلى أهل الاختصاص في اللغة والاصطلاح لمعرفة معنی الفهم ودلالته كي تصل إلى جذور هذه الفتوى التي أطلقها ابن عثيمين.

المسألة الأولى: الفهم لغة.

1 - قال الفراهيدي (ت 175 ه):

(فهم: فهمت الشيء، فَهْماً وفِهْماً: عرفته وعقلته، وفهمت فلانا وأفهمته: عرفته. ورجل فهم: سريع الفهم)(1).

2 - قال ابن منظور (ت 711 ه):

(الفهم: معرفتك الشيء بالقلب. فَهِمَه فَهْما وفَهَماً وفهامة: عِلمَه؛ وفهمت الشيء: عقلته وعَرفته)(2).

ص: 37


1- كتاب العين، للفراهيدي: ج 4 ص 61
2- لسان العرب: ج 12 ص 459

المسألة الثانية: الفهم اصطلاحاً.

جاء معنی مفردة (الفهم) في الاصطلاح، بمعنی:

(تصور المعنى من لفظ المخاطب أو المتكلم أو من عبارة الكتاب).

والتفهيم: إيصال المعنى الى فهم السامع بواسطة اللفظ)(1).

المسألة الثالثة: الفرق بين الفهم والعلم.

ذكر أبو هلال العسكري (ت 395ه) فرقا بين أن يكون المرء قد فهم الشيء وبين أن يكون قد علم، فقال:

(إنَّ الفهم، هو: العلم بمعاني الكلام عند سماعه خاصة؛ ولهذا يقال: فلان سيء الفهم، إذا كان بطيء العلم، بمعنى: ما يسمع، ولذلك كان الأعجمي لا يفهم كلام العربي، ولا يجوز أن يوصف الله بالفهم لأنه عالم بكل شيء على ما هو به فيما لم يزل، وقال بعضهم: لا يستعمل الفهم إلا في الكلام، ألا ترى أنك تقول: فهمت كلامه؛ ولا تقول: فهمت ذهابه ومجيئه کما تقول علمت ذلك.

وقال أبو أحمد بن أبي سلمة: الفهم يكون في الكلام، وغيره من البيان كالإشارة ألا ترى أنّك تقول فهمت ما قلت وفهمت ما أشرت به إلي.

قال الشيخ أبو هلال: الأصل هو الذي تقدم وإنما استعمل الفهم في الإشارة لأن الإشارة تجري مجرى الكلام في الدلالة على المعنى)(2).

ص: 38


1- معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، محمد عبد الرحمن: ج 1 ص 481؛ معجم لغة الفقهاء، محمد قلعجي: ص 350
2- الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري: ص 414

وقيل: الفهم. تصور المعنى من لفظ المخاطب، وقيل: إدراك خفي، دقيق، فهو أخص من العلم، لأن العلم نفس الإدراك سواء كان خفياً أو جلياً، ولهذا قال سبحانه في قصة داود وسليمان (عليها السلام):

«فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا».

خص الفهم بسليمان، وعمم العلم لداود وسلیهان)(1).

وعليه:

فإن الوصول إلى فهم النصوص القرآنية والنبوية لاسيما في موضوع الدراسة أي حقوق البضعة النبوية فاطمة (عليها السلام) في سهم ذي القربى، ونحلتها في أرض فدك، وإرثها في أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهما صحيحا يتفق مع ما جاءت به الشريعة الإلهية ولا يتعارض معها، يحتاج إلى الإنصاف فيما يقرأه الإنسان وإحكام الشريعة والعقل، والتجرد من النسق الثقافي الذي ورثه عن محيطه الذي نشأ فيه وبنی معارفه عليه.

ص: 39


1- الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري: ص 414

ص: 40

المبحث الرابع: معنی مصطلح (النسق الثقافي) ومفهومه

إنّ المتتبع لمجريات الأحداث التي رافقت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أيامه الأخيرة وقبل الالتحاق بركب الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) إلى رياض الجنة؛ يجد أن أول الأنساق تجلياً في الأمة لا سيما في النسق العقدي قد ظهر تأسياً وتأصيلاً فيما يعرف في الصحاح والسُنن، وغيرها، برزية يوم الخميس(1).

فمنذ ذلك اليوم ومن لحظة إطلاق بعض الصحابة (وفيهم عمر بن الخطاب)(2)صفة (الهجر) على سيد الخلق (صلى الله عليه وآله وسلم) بدأت مرحلة جديدة في الفكر والعقيدة والثقافة.

ولعل بكاء ابن عباس إلى درجة (أن دمعه بل الحصى) ليغني العاقل المنصف بمدى أثر هذا النسق العقدي والثقافي في الأمة، لا سيما الرعيل الأول، وهم أهل خير القرون - کما وصفهم الحديث -.

وعليه:

يلزم الوقوف عند معنى النسق في اللغة، وعند أهل الاختصاص في العلوم الاجتماعية، كي نقف على كوامن هذا الإنكار لأعلام أهل السُنَّة والجماعة لما أثبته النصوص القرآنية في التوارث بين الأنبياء (عليهم السلام)، مع الأخذ

ص: 41


1- صحيح البخاري، باب: دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ج 4 ص 15
2- المصدر السابق، کتاب المرض: ج 7 ص 9

بالحسبان أن من آليات الإنكار ليّ عنق النصوص وتغيير معناها ودلالتها؛ فضلاً عن التصريح - من البعض - بخصومة بضعة النبوة (صلوات الله عليها وأبيها وبعلها وبنيها)؛ ومن ثم فإن معنی المصطلح، هو على النحو الآتي:

المسألة الأولى: معنى النسق في اللغة.

إنّ المستفاد من كلام أهل اللغة، إن النسق، هو: انتظام الأشياء وتتابعها على السواء، فكانت على طريق واحد لتشابهها سواء كانت مادية أو فكرية أو ثقافية.

قال ابن منظور:

(النسق من كل شيء: ما كان على طريقة نظام واحد؛ عام في الأشياء، وقد نسقتهُ تنسيقاً)(1).

وقال ابن سيده: (نسق الشيء ينسقه نسقاً؛ ونَسقَةُ نَظَمهُ على السواء، وتنسق هو تناسق، والاسم: النسق؛ وقد انتسقت هذه الأشياء بعضها إلى بعض، أي: تنسقت.

والنحويون يسمون حرف العطف حروف النسق لأن الشيء عطفت عليه شيئاً بعده جرى مجرى واحداً؛ ويقال: ناسق بين الأمرين، أي تابع بينهما)(2).

المسألة الثانية: معنى النسق في العلوم الاجتماعية.

تناول المختصون في العلوم الاجتماعية مصطلح (النسق الثقافي) بجملة من

ص: 42


1- لسان العرب: ج 10 ص 353، مادة: نَسَقَ
2- لسان العرب: ج 10 ص 325

التعريفات التي يتضح عبرها أثر النسق في تكوين نظام تفاعلي فيما بين أفراد المجموعة الواحدة، ترطبهم علاقات مرتكزة على مجموعة من القيم والمعايير التي يؤمن بها أفراد هذه المجموعة؛ لِتُنَظِّم معها سلوكياتهم وتوجهاتهم الفكرية والحياتية:

ومن هذه التعريفات:

1 - عرّفه (تالکوت بارسونز)، بأنّه: (نظام يتطور على أفراد مفتعلين، تتحدد علاقتهم بعواطفهم وأدوارهم التي تنبع من الرموز المشتركة والمقررة ثقافياً في إطار هذا النسق، وعلى نحو يغدو معه مفهوم النسق أوسع من مفهوم البناء الاجتماعي).

وأشار بارسنونز في كتابه (بنية الفعل الاجتماعي) إلى أنَّ: (النسق يرتكز على معايير وقيم تتشكل مع الفاعلين الآخرين جزءًا من بنية الفاعلين، وهدف كل فاعل هو الحصول على أقصى درجة من الإشباع، وإذا ما دخل الفاعل في تفاعل مع آخرين وحصل في ذلك الإشباع فذلك مدعاة لتكرار التفاعل)(1).

2 - وقال أ. د جمال مجناح:

(يمكننا أن نعد النسق الثقافي باعتباره أحد أنواع الأنساق الاجتماعية بأنه: مجموعة من العلاقات المترابطة، لما لها من مرونة ومرجعية دلالية خاصة)(2).

ص: 43


1- ينظر، جماليات التحليل الثقافي، يوسف علیمات: 40؛ النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، إيان کریب: 71
2- الأنساق الثقافية المضمرة، لجمال مجناح: ص 1

3 - وعُرّفَ النسق في أبسط معانيه العلائقية أو الارتباط أو التساند، (حينما تؤثر مجموعة وحدات وظيفية بعضها في بعض فإنه يمكن القول إنها تؤلف نسقاً)(1).

4 - ويعد (ليفي شتراوس) من أوائل الذي نقلوا مصطلح (النسق) الى الحقل الثقافي في دراسته (الأنثروبولوجيا البنيوية عام 1957) مؤكداً على وجود کلي أو شامل وعالمي سابق عن الأنساق أو الأنظمة الفردية للنصوص؛ فظاهرة اللغة والثقافة ذات طبيعة واحدة الثقافة(2).

5 - ويتكون النسق من مجموعة من العناصر أو الأجزاء التي يرتبط بعضها ببعض مع وجود متميز أو مميزات بين كل عنصر وآخر، واعتمادًا على هذا التحديد يمكن استخلاص عدة خصائص للنسق:

أ - إن كل شيء مكوّن من عناصر مشتركة ومختلفة فهو نسق.

ب - له بنية ظاهرية وداخلية.

ج - له حدود مستقرة بعض الاستقرار يتعرف عليها الباحثون. د - قبوله من المجتمع، لأنه يؤدي وظيفة لا يؤديها نسق آخر.

فيستطيع مفهوم النسق الوفاء بكثير من متطلبات التحليل الوظيفي، ولعل أهمها أنه يمكننا على مستوى التجريد عن التعرف على النشاطات المختلفة والخصائص المتميزة للمجتمع ككل(3).

ص: 44


1- النسق الثقافي في الكتابة لعبد الرحمن عبد الدايم: ص 15 جامعة مولودي - الجزائر
2- الأنساق الثقافية المضمرة، جمال مجناح: ص 2
3- النسق الثقافي في الكتابة، عبد الرحمن عبد الدايم، ص 40 جامعة مولودي كلية الآداب؛ الجزائر

ومن ثم فالنسق الثقافي هو: مجموعة آليات معرفية وفكرية لفئة اجتماعية ما أو لأيديولوجيا مترابطة ومتمايزة ومتفاعلة تخص المعارف والفنون والأخلاق والمعتقدات واللغة وغيرها من أنساق المجتمع، وتتصف بالمرونة في الانتقال بين الأفراد والجماعات والأجيال، فضلاً عن أنه سريع التأثير في الخطابات الاجتماعية(1).

وعليه:

فإنّ الرجوع الى موقف أعلام أهل السُنَّة والجماعة فيما شجر بين بضعة النبوة فاطمة (عليها السلام) وأبي بکر سواء كان في حقل اللغة أو الفقه أو الحديث أو السيرة والتاريخ أو العقيدة، نجدهم يسيرون ضمن نسق ثقافي واحد، يتبعون في ذلك آليات معرفية وفكرية لفئة ما، وبالتحديد لفئة الخلفاء أو لأيديولوجيا مترابطة ومتمایزة ومتفاعلة تختص بالخليفة والخلافة.

وفي مظاهر متعددة كمظهر تفضيل الشيخين على عامة الصحابة، وتفضيل المهاجرين على الأنصار والسابقين الأولين على من أسلم بعد الفتح، وتفضيل عائشة على بقية أمهات المؤمنين.

أو مظهر الإعذار فيما بدا من مساوئهم واجتهاداتهم؛ أو مظهر عموم الصحبة وإكسائها من شأنية النبي (صلى الله عليه وآله) فقيل: صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتعظيمها حتى طغت في تفاعلها ونسقها العقدي والثقافي على أهل بيته (صلى الله عليه وآله) فتجد المسلم ومن سار في إطار

ص: 45


1- الأنساق الثقافية المضمرة، جمال مجناح: ص 2

منظومة سُنّة الشيخين والجماعة يهاب الصحابي ويجله في نفسه ويعظمه دون أن يلتفت الى وجوب مودة الآل (عليهم السلام) وتقديمهم على عامة الخلق.

ولعل أدنى مظاهر النسق الثقافي لأعلام أهل السُنَّة والجماعة هو اجتنابهم ذكر الآل عند الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو إعراضهم عن إيراد لفظ السلام عند ذكر أهل بيت النبوة (عليهم السلام) ومساواتهم بالترضي مع غيرهم ممن صحب النبي (صلى الله عليه وآله) أو الفرار من السلام عند ذكرهم أمير المؤمنين الإمام عليًا (عليه الصلاة والسلام) الى لفظ (کرّم الله وجهه)؛ على الرغم من إقرار أئمة الفقه في جميع المذاهب الإسلامية بتعلق قبول صلاة الفريضة والنافلة بذكر الصلاة على (الآل)، (عليهم السلام).

وعليه:

فإن النسق الثقافي الذي سار في إطاره أعلام أهل السُنَّة والجماعة منذ وقوع الحدث أي ما شجر بين البضعة النبوية (عليها السلام) وأبي بكر هو الانتصار للخليفة وإنكار ما أثبتته النصوص القرآنية والنبوية أو إيراد ما يعارضه من الاجتهادات والشبهات وغيرها - کما سیمر بیانه - فكان من ضرورات الدراسة التوقف في النسق الثقافي الذي خضع له أعلام أهل السُنَّة والجماعة وساروا في كنفه وأحلوا بفنائه.

ص: 46

المبحث الخامس: مشكلة الدراسة ونوعها وحقولها المعرفية ومناهج البحث

المسألة الأولى: مشكلة الدراسة والغاية منها وهدفها.

أولاً: مشكلة الدراسة.

تفترض الدراسة أن الإنسان في صراعه يلجئ إلى الحرب ويَعدّ لها عدّتها التي تتناسب مع متطلبات النصر، وأن الكلمة أداة فتاكة في الحرب الفكرية التي يخوضها الإنسان في الدفاع عن حقوقه وبيان مظلومیته وانتزاعها من خصمه وإن لم يقبضها بيده.

وهو ما سعت إليه بضعة النبوة فاطمة (عليها السلام) في حرب الكلمة لانتزاع حقها وتعرية خصمها وإقراره بظلمها دون الحاجة إلى وسائل الحرب التقليدية من رباط الخيل وقرع الأسنة.

وذلك عِبرَ أنتزاع التناقض في أقوال أبي بكر بين قوله في الحديث المزعوم: (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ما تركناه صدقة)، وبين قوله لها (عليها السلام) في حرب الكلمة التي خاضتها معه: (بل يرثه أهله).

ومن ثم: فقد شكل هذا القول أداة لتقويض حديث (لا نورِّث) والذي يعد العمود الفقري لهيكل سُنّة الشيخين في التعامل مع عترة النبوة (عليهم السلام) على نحو العموم، وبضعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على

ص: 47

نحو الخصوص، فضلا عن كونه أحد الأسس التي قام عليها المكوّن الفكري والعقدي لأهل السُنّة والجماعة.

ومن ثم فقد جهد أعلام أهل السُنّة والجماعة ومنذ تاريخ صدور الحديث والى يومنا هذا في الدفاع عنه ونفي علله ونکارته ومعارضته للقران والسُنّة النبوية واللغة بل والتاريخ الإسلامي(1).

وعليه: فقد سعت الدراسة وعِبرَ حقولها المعرفية ومباحثها إلى بيان معارضة الحديث للشريعة ومصادر التشريع فضلا عن بيانها عن أفتقار القائلين به للحجة بإزاء القرآن والسُنّة واللغة، فضلا عن فقدانهم المنهج العلمي في الدفاع عنه وتكبهلم بالأنساق الثقافية والعقدية التي نشئوا عليها.

ثانياً: هدف الدراسة.

تكمن غاية الدراسة وهدفها ضمن مجموعة من النقاط وهي على النحو الآتي:

1 - إنّ وظيفة الباحث والدارس اليوم هو أعادة قراءة الموروث الإسلامي ضمن منظومة التحليل العلمي والمعرفي المرتكزة على القراءة المتأنية والمنصفة دون الخروج عن ثوابت القرآن والعترة النبوية (عليهم السلام) وهما الثقلان اللذان أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتمسك بهما لضمان عدم الانحراف عن الحق.

ص: 48


1- ينظر: معارضة حديث (لا نورّث) للقرآن والسُنّة واللغة، للمؤلف، إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة، العتبة الحسينية المقدسة، ط 1: دار الوارث کربلاء 2021

2 - الإثراء المعرفي في كشف الحقائق العلمية وأثره في تصحيح الموروث الثقافي والفكري.

3 - التأصيل لمنهج المزواجة المعرفية والبينية بغية الخروج بنتائج متجدده للعلوم الإنسانية.

4 - محاولة تصحيح مسار الأنساق الثقافية المكبلة للرؤية العلمية المرتكزة على تحرر الذهن من الأضغان وازدراء الأديان فما زال الكثير من المسلمين وبفعل هذه الأنساق الثقافية يزدرؤون مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ومن سار بهديهم فكيف ببقية الأديان والمذاهب والفرق؛ أو الثقافات العالمية.

5 - إنّ عينة الدراسة - التي بين أيدينا - وغيرها، مما وفقنا الله تعالى لكتابته، لا تستهدف أي شخص بذاته وإنما الحقيقة ومقدماتها ونتائجها وأن كانت مريرة على الآخر.

وقد اعتمدتُ في هذا المنهج على هدي أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) حينما توجه أليه الحرث بن حوط الليثي قائلا:

(أترى أن طلحة والزبير، وعائشة اجتمعوا على باطل؟ فقال علي (عليه السلام): يا حار أنت ملبوس عليك، إن الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، وبإعمال الظن، أعرف الحق تعرف أهله، وأعرف الباطل تعرف أهله)(1).

ص: 49


1- أنساب الأشراف للبلاذري: ج 2 ص 274؛ البيان والتبيان للجاحظ: ص 491؛ تاریخ اليعقوبي: ج 2 ص 210

المسألة الثانية: تعريف الدراسة البينية.

اعتمدنا في هذه الدراسة على أهم الطرق العلمية في بناء النتائج المعرفية والفكرية؛ إذ تعد الدراسات البينية من أهم ما توصلت إليه المناهج العلمية في طرق جمع المعلومة وإعادة بلورتها في نتاج معرفي جديد يرتكز على الممازجة بين الحقول المعرفية.

المتعددة للوصول إلى نتاج معرفي وفكري جديد يمكن الباحثين والدارسين من فهم مادة البحث سواء أكانت هذه المادة البحثية هي الإنسان وما يصدر عنه أو ما يختلج في مکنون نفسه ضمن العلوم الإنسانية أم ما أرتبط بالعلوم الأساسية أو التطبيقية.

وذلك أن الهدف من الدراسات البينية هو (تعظيم الاستفادة من التوجهات الفكرية للتخصصات المشاركة وتحقيق الإبداع في طرق التفكير والتكامل المعرفة وليس وحدتها)(1).

مما يحقق أيضا (تكامل المعارف الإنسانية على اختلاف مجالاتها لتظهر علوم وكشوف جديدة نافعة للبشرية)(2).

وهذا ما سعت إلى تحقيقه الدراسة عبر الممازجة بين الحقول المعرفية المتعددة بغية الوصول إلى نتائج جديدة في قضية بلغت من الأهمية بمكان ما جعلها متجددة في البحث والدراسة ألا وهي ظلامة بضعة النبوة وصفوة

ص: 50


1- تزاوج الاختصاصات، نجيب عبد الواحد؛ 3 يونيو 2017؛ الدراسات البينية التعليم العالي
2- صحيفة المدينة، يوم الاثنين، 28 شوال - 1 يوليو 2019

الرسالة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها)؛ وما عينة الدراسة التي بين ايدينا إلا شاهد متجدد في أروقت الفكر وحقوله المعرفية لاسيما الحقل العقدي الذي عليه قيام العلاقة مع الله تعالى ورسوله الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).

المسألة الثالثة: حقول الدراسة المعرفية.

استلزمت الدراسة الولوج إلى حقول معرفية ومناهل علمية عدة، وهي على النحو الآتي:

الحديث النبوي، والتفسير، والسيرة، والتاريخ الإسلامي، والعقيدة، والرجال، والجرح والتعديل، وغيرها کما سمیر بیانه أثناء الدراسة.

المسألة الرابعة: مناهج البحث.

اعتمدت في هذه الدراسة على ثلاثة مناهج بحثية، وهي: المنهج الاستقرائي، والمنهج الوصفي، والمنهج التحليلي وذلك لدراسة المعطيات التاريخية، والروائية، والعقدية، والثقافية، عبر استنطاق النصوص، والأحداث، والمظاهر والبواطن للمواقف بغية الوصول إلى نتائج وكشوفات معرفية جديدة تسهم في أصلاح الإنسان والمجتمع والرجوع به إلى هويته القرآنية والنبوية والتمسك بالثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته (عليهم السلام).

فلم ولن يضل من تمسك بهما حتى یردا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند الحوض ؛ عهد معهود من الله لنبيه المصطفی (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن أبی وأعرض عن ذلك فلن يضر الله عزّ وجل.

ص: 51

قال تعالى: «وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ * أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ» [إبراهيم: 9] وليقف القارئ على حقية ما لحق بضعة النبوة وصفوة الرسالة من الظلم والأذى منذ أن توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والى يومنا هذا.

ص: 52

الفصل الثاني: كيف استطاعت فاطمة (علیها السلام) أن تنتزع التناقض في أقوال أبي بكر؟ وما هو رأي أعلام أهل السُنّة

والجماعة في هذا التناقض؟

ص: 53

ص: 54

المبحث الأول: تحديد عائشة لعناصر الخلاف فيما شجر بين فاطمة (علیها السلام) وأبي بكر، وأنّها أول من أنكر وغاير في الدعوى

ممّا لا ريب فيه أن عائشة كان لها الأثر الكبير في كشف عناصر الخلاف والخصومة فيما شَجَرَ بين أبيها وبضعة النبوة (عليها السلام)؛ وذلك لكونها ممن عایش هذه الأحداث عن كثب؛ فضلا عن موقعها في الموروث الإسلامي من كونها زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وابنة قطب الرحى فيما شَجَرَ بين أبيها وفاطمة (عليها السلام)، وتلاقف البخاري ومسلم وغير هما لحديثها، فَبِمَ تحدَّثت؟ وأي شيء أنكرت؟ ولأیّها تكتَّمت؟ هذا ما سنتناوله في هذا المبحث.

المسألة الأولى: إنّ عائشة هي أول من جمع العناوين الشرعية الثلاثة: (الإرث، والنِحَل، وسهم ذي القربي) في عنوان واحد بعد أبيها، وتكتمت على أموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم).

تكشف الرواية التاريخية التي أخرجها محمد بن إسماعيل البخاري(1)، ومسلم النيسابوري(2)في صحيحها، واحمد في مسنده(3)وغيرهم(4)، عن عروة، عن عائشة، محددات الخلاف بين البضعة النبوية (عليها السلام)

ص: 55


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين: ج 4 ص 120
2- صحیح مسلم باب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا نورِّث ج 5 ص 143
3- مسند أحمد: ج 1 ص 6
4- سنن أبي داوود: ج 2 ص 23؛ السقيفة وفدك، للجوهري: ص 107؛ السنن الكبرى، للبيهقي: ج 6 ص 300

وأبي بكر في الموارد المالية الثلاثة التي كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمنعها أبو بكر عن فاطمة (عليها السلام) بقوله: «لا نورِّث».

غير أنَّ الرواية على لسان عائشة لم تكشف عن جميع أموال النبي (صلى الله عليه وآله)، بل تحدَّثت عن عناوين هذه الموارد بألفاظ ثلاثة (أمواله في المدينة، وأرض فدك، وسهم ذي القربی).

وهو ما جاء في قولها:

(إن فاطمة [عليها السلام] أرسلت إلى أبي بكر تسأله میراثها من رسول الله (صلى الله عليه و[وآله] وسلم) وهي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة، وفدك، وما بقي من خمس خیبر).

فقال أبو بكر:

إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال:

«لا نورِّث ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال».

وإني والله لا أغيّر شيئاً من صدقات رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.

فأبی أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت من ذلك على أبي بكر وهجرته، فلم تکلّمه حتى توفيت)(1). ومن ثم فإنّ عائشة هي أول من جمع العناوين الشرعية الثلاثة، بعد أبيها فينل شجر بين فاطمة (عليها السلام) وأبي بكر.

ص: 56


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين : ج 4، ص 210

أي: (إرث النبي (صلى الله عليه وآله)، ونحلة فاطمة (عليها السلام)، وسهم ذي القربی) وعلى اختلاف أصولها وأحكامها في عنوان واحد وهو الإرث؛ وهو ما بدا في قولها:

(إن فاطمة - عليها السلام - أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها).

المسألة الثانية: إنّ أموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

أولاً: أمواله (صلی الله علیه وآله وسلم) في المدينة.

وهو ما كتمت عائشة بيانه والتعريف به، فكان على النحو الآتي:

1 - الحوائط السبعة وتسمى بأرض العوالي، وهي بساتين كانت لمخیریق اليهودي، وقد وهبها للنبي (صلى الله عليه وآله) بعد أن هداه الله للإسلام(1).

2 - أرضه (صلى الله عليه وآله) من أموال بني النضير، وهي مما أفاء الله عليه(2).

3 - ثلاثة حصون من أرض خيبر جاءته صلحا، وهي (حصن الكتيبة، وقد أخذها بخمس الغنيمة، والوطيح، والسلالم، وهما مما أفاء الله عليه صلى الله عليه وآله)(3).

ص: 57


1- السيرة النبوية، لابن هشام: ج 2 ص 362؛ الطبقات، لابن سعد: ج 1 ص 501؛ تاریخ المدينة، لابن شبة: ج 1 ص 173
2- الأحكام السلطانية، للماوردي: ص 169
3- المصدر نفسه: ص 170

4 - الثلث من أرض وادي القرى، وهو وادٍ بين المدينة والشام، وقد جاءه صلحا مما أفاء الله تعالى عليه(1).

5 - موضع سوق بالمدينة، يقال له: مهروز، أو مهروذ.

فهذه أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة التي صادرها أبو بکر ومنعها عن فاطمة (عليها السلام)، وهي إرثها.

ثانيًا: أرض فدك.

وهي نحلة النبي (صلى الله عليه وآله) لفاطمة بأمر الله عزّ شأنه(2)، وقد وفّقني الله لإفراد عنوان مستقل عن هذه الظلامة، وسم بعنوان: (مغالطات المحدثين والمفسرين في نحلة سيدة نساء العالمين (عليها السلام))(3).

ثالثاً: خمس خيبر.

ويراد منه سهم الله وسهم رسوله (صلى الله عليه وآله) من المغانم.

رابعاً: أما ما أنكرته عائشة وتكتَّمت عليه.

فقد كان طُعْمَة فاطمة (عليها السلام) من حصن الكتيبة، ومقدارها:

ص: 58


1- الأحكام السلطانية، للماوردي: ص 170
2- الكافي للكليني: ج 1 ص 542 - 543؛ تفسير القرآن للمفيد: ص 326؛ المقنعة، للمفيد: ص 289؛ تهذیب الأحکام، للطوسي: ج 4 ص 148؛ مسند أبي يعلى الموصلي: ج 2 ص 334؛ فتح القدير، للشوكاني: ص 224؛ شواهد التنزیل، للحسكاني: ج 1 ص 238 - 442
3- اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة، ط 1 - دار الوارث، لسنة 2021 م - کربلاء المقدسة

1 - مائتا وسق من التمر، برواية ابن هشام(1).

2 - وأما برواية الواقدي، فقد خصّها النبي (صلى الله عليه و آله وسلم) والإمام علي (عليها السلام) بثلاثمائة وسق من التمر والشعير، لها من الشعير مائتا وسق(2).

3 - ومن القمح خصّها النبي (صلى الله عليه وآله) بخمسة وثمانين وسقا(3).

فهذه الأموال جاءت فاطمة (عليها السلام) تطالب بها السلطة الحاكمة وذلك بعد حبسها ومصادرتها وجعلها من ضمن أموالها، والدليل على ذلك: هو مطالبة فاطمة (عليها السلام) بها، فلو لم يصادرها أبو بكر، ويحبسها عن فاطمة (عليها السلام)، بكونها الوريث لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وصاحبة أرض فدك، وسهم ذي القربی، لما جاءت تطالب بحقّها منه.

خامساً: أموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) المعيشية.

فهي تنقسم إلى عدة أنواع، وهي على النحو الآتي:

1 - دوابه: من الخيل، والنوق، والماعز، والبغلتين، والحمار.

2 - سلاحه: من السيوف، والدروع، والأقواس، والقلانس.

3 - أثاثه: من الفراش، والقدور، والصحون، والأريكة، والسرير، والوسادة، وغيرها.

4 - مقتنيات شخصية: كالمرآة، والمخضب، والمقص، والمقراض، والمكحل.

ص: 59


1- السيرة النبوية، لابن هشام: ج 3 ص 810 - 813
2- المغازي، للواقدي: ج 2 ص 693
3- السيرة النبوية، لابن هشام: ج 3 ص 813

5 - ملابسه: من القمصان، والعمائم، والجبب، والمآزر، وغيرها.

فهذه الأموال إما منهوبة، أو مغصوبة، أو متروكة من قبل السلطة لفاطمة (عليها السلام)، وهو مما بسطنا القول فيه في كتابنا الموسوم: (معارضة حدیث لا نورِّث للقرآن والسُنّة واللغة)(1).

المسألة الثالثة: إطلاق اسم جديد وعنوان تشريعي على هذه الأموال.

إن الهدف من إطلاق اسم جديد على هذه الأموال هو تمكين السلطة من مصادرتها لحسابها، كي تتصرف فيها ما تشاء، فسميت ب(صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) أي: نفي الملكية الخاصة عن فاطمة وولديها (عليهم السلام) لهذه الأموال إلى الملكية العامة والمقيّدة ضمن مسمّى عنوان التولية عبر سلطان الخلافة، فتُنفق بحسب ما تراه السلطة التي وضعت يدها على هذه الأموال.

ولذلك: نجد في كتب التاريخ والسيرة وغيرها أنّ هذه الأموال تسمی بصدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كي يضيع معها أي حق لفاطمة (عليها السلام)، يمكن أن يلتفت إليه المسلمون فيما بعد وعلى مرور الزمن.

المسألة الرابعة: إن أبا بكر كان يدرك جيداً أن هذه الأموال هي مما يستعين به آل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) على مؤونتهم وما يتبعه من أثار أذى فاطمة (علیها السلام).

وذلك أن الله تعالى قد حرّم عليهم الصدقة، وأباح لهم الخمس، وما ورثته فاطمة من أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) مما أفاء الله تعالى عليه.

ص: 60


1- إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة، ط 1 - دار الوارث، لسنة 2021 م / كربلاء المقدسة

ومن ثَمَّ:

أصبح آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بين مطرقة حرمة الصدقات، إذ لا يجوز لهم أكل الصدقة، وبين حبس الخمس، فبأي شيء يستعين مسكينهم وفقيرهم ويتيمهم؟! فكان ذلك حصاراً على آل محمد (صلى الله عليه وآله)، ولكن بعنوان شرّعته الخلافة.

وإن قيام أبي بكر بحرمان فاطمة (عليها السلام) من حقوقها؛ بمصادرة ارثها، ونحلتها، ومنع الخمس عنها، نتج عنه غضبها على أبي بكر، فلم تکلّمه حتى انتقلت إلى بارئها، لتشكو إليه ما نزل بها من الظلم، وقد ثبت في الصحاح عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال:

«فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ منِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي»(1).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلّم):

«فإنَّما هِيَ بضْعَةٌ مِنِّي يُريبُنِي مَا أَرَابَهَا ويُؤذِينِي مَا آذَاهَا»(2).

وقال عزّ وجل في محكم كتابه:

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا»[سورة الأحزاب: 57].

ص: 61


1- صحيح البخاري، مناقب المهاجرين والأنصار: ج 4 ص 210
2- صحيح البخاری، کتاب النکاح: ج 6 ص 158

ص: 62

المبحث الثاني: الأصول التي قامت عليها المواريث في القرآن ومعارضتها لحديث (لا نورِّث)

لقد كفتنا بضعة النبوة وصفوة الرسالة (عليها السلام) ببيان مخالفة أبي بكر للقرآن بمنع میراث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحبسه عنها، فكان احتجاجها بمحكم التنزيل في ثبوت الإرث، وهو على النحو الآتي:

قالت (صلوات الله وسلامه عليها) في خطبتها الاحتجاجية(1)في مسجد

ص: 63


1- هذه الخطبة الشريفة والتي تسمى ب(الخطبة الفدكية) وإن كان البعض ينكر سندها أو متنها؛ وذلك لكشفها مجريات ما وقع من الظلم على عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لاسيما بضعته التي خاصمها أبو بكر فألدّ في خصامها، إلا أنها تضمنت أصول الشريعة في ثبوت إرث النبي (صلى الله عليه واله)، وذلك عِبْر بيان عموم القرآن وخاصه في الإرث، ومطلقه ومقيده، وموانعه وحواجبه. وعليه: فلا اعتبار في قول من أنكرها أو نسبها إلى أبي العيناء في محاولة بائسة لإشغال القارئ أو السامع في صحة الخطبة ونسبتها، وتطبيق قواعد الجرح والتعديل على رواتها؛ إذ كيف يروق لمن تحزب للخلافة أن يرويها أو يحدث الناس بها؛ ومن ثم فلا مهرب من حججها وبراهينها التي تأخذ بالأعناق. ولعل الاستشهاد بقول ابن طيفور (المتوفي 380 ه) والشريف المرتضى (المتوفي 436 ه) فيه الكفاية عن کشف تلك المحاولات الدؤوبة والبائسة في حجب ظلامة البضعة النبوية (عليها السلام)؛ فأنى للغربال حجب عين الشمس وقد ثبت في الصحيحين أنها (عليها السلام) ماتت وهي واجدة وغاضبة وساخطة على من ظلمها وسن ذلك في أمة أبيها (صلى الله علیه و آله وسلم)؛ ومنه ظلمها بحجب احتجاجها ومحاربة خطابها؛ وفي ذلك يقول حفيدها زيد الشهيد ابن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قيل له: (أن هؤلاء يزعمون أنّه مصنوع، وأنه كلام أبي العيناء، لأن الكلام منسوق البلاغة؟ فقال: رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن أباءهم ويعلمونه أولادهم، وقد حدثني به أبي عن جدي يبلغ به فاطمة (عليها السلام) على هذه الحكاية، ورواه مشايخ الشيعة وتدارسوه بينهم قبل أن يولد جدي أبو العيناء، وقد حدثت الحسين بن علوان عن عطية العوفي، أنه سمع عبد الله بن الحسن ذكر عن أبيه هذا. ثم قال زيد الشهيد: وكيف ينكر من هذا كلام فاطمة (عليها السلام) وهم يروون من کلام عائشة عند موت أبيها ما هو أعجب من كلام فاطمة (عليها السلام) فيحققونه لولا عداوتهم لنا أهل البيت). ينظر: الشافي في الإمامة للشريف الرضي: ج 4 ص 77؛ بلاغات النساء لأبن طيفور: ص 12

أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في جمع من المهاجرين والأنصار، وفيهم أبو بكر، وقد توجَّهت إليه:

«یا بن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فریاً! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول:

«وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)» [النمل / 16].

وقال فيما اقتص من خبر یحیی بن زکریا، إذ قال:

«فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا» [مريم / 5 - 6].

وقال:

«وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ»[الأنفال/ 75] وقال:

«يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ»[النساء / 11].

ص: 64

«إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» [البقرة / 180] وزعمتم: أن لا حظوة لي، ولا أرث من أبي، ولا رحم بيننا؛ أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم هل تقولون: إنّ أهل ملتين لا يتوارثان؟ أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ فدونکها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقر، وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه، ويحل عليه عذاب مقيم)(1).

ولقد اَحتجت بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله عليها) بالأصول القرآنية في ثبوت میراثها ضمن هذا البيان، وهي على النحو الآتي:

الأصل الأول: إنّ أحكام الشريعة تجري على النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قبل أن تجري على أمته.

إنَّ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) تجري عليه أحكام الشريعة في أوامرها ونواهيها؛ بل: أنه المعني الأول في تأدية الفرائض والواجبات، كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والجهاد، وغيرها من الفرائض ومنها الإرث، فلا فرق في انعقاد ذمة المسلم وذمته (صلى الله عليه وآله وسلم) في الإرث أو غيره من أحكام الشريعة.

ص: 65


1- الاحتجاج للطبرسي: ج 1 ص 139؛ شرح الأخبار للقاضي المغربي: ج 3 ص 37؛ الشافي في الإمامة للمرتضى: ج 4 ص 70

بل: إنّ الله عز وجل قد شدد عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) وحذّره، بل وهدده فيا لو تقوّل على الله عز وجل بغير ما لم يقله سبحانه، فقال عز وجل:

«وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ» [سورة الحاقة / 44 - 47].

وهذا التحذير والتشديد والتهديد کاشف عن خطورة الحكم الشرعي والامتثال له وحفظه وصونه، ومن ثَمَّ: لو كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو المستثنى من أحكام الإرث في شريعة الإسلام لوجب عليه أن يخبر المخصوصين بالإرث ويطلعهم على حقوقهم وتكاليفهم الشرعية كي لا يقعوا في الإثم، فضلاً عن إلزام الشريعة المقدسة له بإبراء ذمته من ورثته.

أما أن يتركهم دون بيان فهذا خلاف تكليفه الشرعي، ومحال وقوعه منه (صلى الله عليه وآله وسلم) فنعوذ بالله من ذلك؛ ونبرأ إليه من القائلين والمعتقدین به.

وعليه: لو كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (لا يورِّث)!! لكان أول العالمين بهذا الحكم الشرعي هي ابنته البضعة النبوية فاطمة (عليها السلام) وأزواجه، وعمه العباس بن عبد المطلب، ووصيه وخليفته من بعده وأخوه علي بن أبي طالب (عليه السلام).

أمّا أنّ جميع هؤلاء ليس لديهم علم بأنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يورِّث)! فتأتي فاطمة (عليها السلام) تطالب أبا بكر الذي حجر أموال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصادرها؛ وتأتي أزواجه (صلى الله عليه وآله

ص: 66

وسلم) تطالب أبا بكر بإرثها(1)ويأتي عمه العباس مع الإمام علي (عليه السلام) يطالبان بإرثها من عمر بن الخطاب(2)؛ ويقع التخاصم والتشاجر فيما بينهم، ويُحار الصحابة في أمرهم!! فهذا ما لا يعقله إلا إمرؤٌ ضرب الله على عقله وقلبه، فأصمّه وأعماه وأكمّه.

«أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا» [الفرقان / 44].

ولذا:

اَحتجت البضعة النبوية (عليها السلام) بآيات الأحكام في فريضة الإرث التي شرّعها الله في الإسلام، فكانت هذه الآيات، على النحو الآتي:

1 - قال عزَّ وجلَّ:

«وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ» [الأنفال / 75].

2 - وقال سبحانه:

«يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» [النساء / 11].

3 - وقال عزَّ وجلَّ:

«إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» [البقرة / 180].

ص: 67


1- الموطأ لمالك بن أنس، باب: ما جاء في تركة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ج 2 ص 993
2- صحیح مسلم، باب حكم الفيء: ج 5 ص 152

فهذه النصوص القرآنية وضعت الأصل في الفرائض التي تعلقت بالأموال، وما يترتب عليه من إنفاذ حقوق نسب الدم والوالدية وعُلقة الزوجية؛ والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) سواء في ذلك مع المسلمين بنص القرآن الكريم.

لكن السلطة الجديدة ممثلة بأبي بكر منعت هذا الأصل الشرعي وعارضته.

الأصل الثاني: إنّ النبوة غير مانعة للإرث ومعطلة للشريعة.

في الدفاع عن شريعة الله تعالى تحتج بضعة النبوة وصفوة الرسالة (عليها الصلاة والسلام) بالأصل الثاني من أصول فريضة الإرث وثبوتها في القرآن، وهو أنّ النبوة غير حاجبة لهذه الفريضة وغير معطلة لها، وهو ما جاء في قوله تعالى:

«وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ» [النمل / 16].

وفي خبر نبيه يحيي (عليه السلام) قال عز وجل:

«فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ٭ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» [مريم / 5 - 6].

ومن ثم فكونها بنت سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) لها الحق في أن ترث أموال أبيها كما ورث سليمان أموال داوود، وورث يحيي أموال زکریا؛ والحال يجري مجراه في حياة جميع الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام).

وعليه:

فإن ما اَدعاه أبو بكر بالحديث المزعوم: (لا نورِّث ما تركناه صدقة)!! معارض للقرآن ومعطل للفريضة؛ ومخل - والعياذ بالله - بشخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 68

الأصل الثالث: لا تقييد في القرآن يخرج النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) من الحكم.

تنتقل البضعة النبوية (عليها السلام) من الاحتجاج بالنصوص القرآنية في إثبات فريضة الإرث والتأصيل لعنوانها وحكمها، الى بيان خاصية جديدة لمبنى الحكم، وهو المطلق والمقيد، كقوله تعالى:

«وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ» فهذا مطلق في العدل والفاسق، وقوله:

«وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» مقيد بالعدالة، فيبني المطلق عليه؛ ومن ثم يتم الأخذ بشهادة العادل حصراً، وهنا: في قولها (عليها السلام):

«أفخصّكم الله بآية أخرج أبي منها» تستفهمهم عن المقيد في الإرث الذي أخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منه؟! ولو بآية واحدة من فريضة الإرث، وأنّه لا يورِّث درهماً ولا ديناراً، وإن ترك مالاً فهو صدقة؟! أم أن قول عمر بن الخطاب لما حضر عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمعه يقول:

«هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده»، فيرد عليه، قائلاً:

(إن النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا کتاب الله )!!(1)لا ينفع الاحتجاج به في خصومة فاطمة (عليها السلام) فأين (حسبنا کتاب الله)!! لماذا لم يرجعوا إليه!! أم أن كتاب الله يحتسب إليه بمقتضيات المصلحة وبما تهوى الأنفس؟!

ص: 69


1- صحيح البخاري، باب: قول المريض: قوموا عني: ج 7 ص 9

قال تعالى:

«أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ» [البقرة / 87].

والنتيجة:

«سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا» [الأعراف / 146] ولذلك:

نجد أنّ البضعة النبوية (صلوات الله وسلامه عليها) تطالبهم مستفهمة عن التقييد في الحكم ليبنى عليه المطلق في آيات الإرث التي احتجت بها ابتداءً، وقد ألزمتهم بما ألزموا به أنفسهم من قولهم: (حَسْبُنا کِتاب الله)! فهل فيه آية قيدت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دون أُمّته بعدم الإرث!! فأين هم من كتاب الله!! وابن الخطاب يقول للصحابة: (عندكم القرآن)؟!

الأصل الرابع: لا تخصیص في القرآن يمنع النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) من الإرث.

یرشدنا النص إلى أصل جديد في مباني الأحكام وهو الخاص والعام، فضلا عن كونه أحد أُسس علوم القرآن، ومن ثم: أين التخصيص في القرآن بحجب إرث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من عموم الحكم؟ كقوله تعالى: «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ»؛ فهذا کتاب

ص: 70

الله، فأين التخصيص بمنع فاطمة (عليها السلام) من عموم أحكام الإرث إن كان أبو بكر وعمر والصحابة أعلم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وباب مدينة علم النبوة، ووصيه في أمته، وخليفته فيهم، وحجته عليهم؟! ولذا: تسألهم فاطمة (عليها السلام) عن هذا الأصل، قائلة: «أفخصَّکُم الله بآيةٍ أخرج أبي منها...

أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟!».

الأصل الخامس: اختلاف الملة منتف بينهما (صلوات الله عليهما).

بعد عرض الحجج والبراهين القرآنية في ثبوت انتقال أموال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الى ابنته فاطمة (عليها السلام) بقي أمر أخير، وهو اختلاف الملّة والكفر - والعياذ بالله - فهل كانت بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله عليها) على ملّة أخرى غير التي عليها أبوها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتحجب أمواله من الإرث؟!! فخاطبتهم متسائلة: «أم هل تقولون إن أهل ملّتين لا يتوارثان، أوَلستُ أنا وأبي من أهل ملةٍ واحدة؟!».

وعليه:

فهذه الأموال قد أحاطت بفريضة الإرث وتعلقها في ذمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وثبوت انتقالها إلى وريثه فاطمة (عليها السلام)، وإنّ منعها من هذا الحق مخالف للقرآن، ولما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 71

ص: 72

المبحث الثالث انتزاع فاطمة (علیها السلام) الإقرار من أبي بكر بأن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم): يرثه أهله

بعد أن قامت بضعة النبوة (صلوات الله وسلامه عليها) بالاحتجاج على أبي بكر والدفاع عن حقها الشرعي في نحلتها في الاحتجاج الأول، وفي أموال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الاحتجاج الثاني، فامتنع من إعطائها شيئاً؛ اتجهت بعد ذلك إلى المطالبة بحقها بسهم ذي القربى لتنتزع من أبي بكر التعارض والتناقض في أقواله، وذلك أن سهم ذي القربى لا يمكن منعه بحجة أن الأنبياء (لا يورثون)، ولذا فقد استدرجته بضعة النبوة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها بنيها) من حيث لا يعلم ورمته بكلمته التي أطلقها المنع حقوقها، فأقرَّ أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يرثه أهله!!.

وقد جاءت هذه الحقيقية في عدة روایات فحاول أعلام أهل السُنّة والجماعة رفع التعارض فيما بينها وبين حديث: (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث) فبائت هذه المحاولات بالفشل، وذلك أن الحديث قد ورد صحیح السند في أحد طرقه التي أخرجها إمام الحنابلة وغيره، وهو ما سنتناوله في مسائل هذا المبحث - إن شاء الله تعالى -.

ص: 73

المسألة الأولى: رواية أنس بن مالك ودلالتها

(1) ودلالتها.

أولاً: نص الرواية

روی این شبة النميري (ت 262 ه) والجوهري (ت 323 ه) وابن أبي

ص: 74


1- أنس بن مالك: أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زید بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري، النجاري، نزيل البصرة. صاحب رسول الله [صلى الله عليه وآله]، وخادمه. وقرابته من النساء، وتلميذه، وتبعه، وآخر أصحابه، موتا. وأحد المكثرين من الرواية عنه صح عنه أنه قال قدم النبي [صلى الله عليه وآله] المدينة وأنا بن عشر سنين وأن أمه أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زید بن حرام أتت به النبي [صلى الله عليه وآله] لما قدم فقالت له هذا أنس غلام يخدمك فقبله وأن النبي [صلى الله عليه وآله] كناه أبا حمزة ببقلة كان يجتنبها ومازحه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له يا ذا الأذنين وقال محمد بن عبد الله الأنصاري خرج أنس مع رسول الله [صلى الله عليه و آله] إلى بدر وهو غلام يخدمه أخبرني أبي عن مولى لأنس أنه قال لأنس أشهدت بدرا قال وأين أغيب عن بدر لا أم لك قلت وإنما لم يذكروه في البدريين لأنه لم يكن في سن من يقاتل. خدم رسول الله [صلى الله عليه و آله] عشر سنين، مدة مقامه بالمدينة. روی عن: النبي [صلى الله عليه و آله]، وعن أبي بن كعب، وأسيد ابن حضير، وجرير بن عبد الله البجلي، وزيد بن أرقم فيما كتب إليه، وزيد ابن ثابت، و أبي طلحة زید بن سهل الأنصاري، وسلمان الفارسي، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن رواحة، وعبد الله بن عباس، عبد الله بن عثمان، ومعاذ بن جبل، وأبي ذر الغفاري، وفاطمة الزهراء [عليها السلام] بنت رسول الله [صلى الله عليه وآله] وغيرهم. روى عنه: أبان بن صالح، وأبان بن أبي عياش، وإبراهيم بن ميسرة، و أزهر بن راشد. وابن أخيه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وأبو أمامة أسعد بن سهل بن حنيف، وإسماعيل بن عبد الرحمان السدي، وإسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، وأشعث بن عبد الله بن جابر الحداني، وأعين الخوارزمي وغيرهم. مات سنة ثلاث وتسعين وفيها أرخه المدائني وخليفة وزاد وله مائة وثلاث سنين. ينظر: الإصابة في معرفة الصحابة، ابن حجر: ج 1، ص 276؛ تهذيب الكمال للمزي: ج 3، ص 353؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 3، ص 396

الحديد المعتزلي (ت 656 ه) والمجلسي (ت 1111 ه) عن أنس بن مالك: إن فاطمة أتت أبا بكر فقالت:

(لقد علمت الذي ظلمتنا [طلقنا](1) عنه من الصدقات أهل البيت، وما أفاء الله علينا من الغنائم، ثم في القرآن من حق ذي القربی - ثم قرأت عليه:

«وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(2).

«وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(3).

«مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(4).

فقال لها أبو بكر:

ص: 75


1- هكذا وردت في تاريخ المدينة لابن شبة: ج 1 ص 209، وفي السقيفة وفدك للجوهري ص 117، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 16 ص 230، وبحار الأنوار للمجلسي: ج 29 ص 383: (الذي ظلمتنا)
2- سورة الأنفال، الآية: 41
3- سورة الحشر، الآية: 6
4- سورة الحشر، الآية: 7

بأبي أنت وأمي ووالد ولدك، وعلى السمع والبصر كتاب الله وحق رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] وحق قرابته، وأنا أقرأ من كتاب الله الذي تقرئين، ولم يبلغ علمي فيه أن الذي قرأ رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] هذا السهم كله من الخمس يجري بجماعته عليهم. قالت:

أفلك هو وأقربائك؟ قال: لا، وأنت عندي أمينة مصدقة، فإن كان رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] عهد إليك عهدا، أو وعدك موعدا أوجب لك حقا صدقتك وسلمته إليك؟.

قالت:

لم يعهد إلي في ذلك بشيء إلا ما أنزل الله تبارك وتعالى فيه القرآن، أن رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] حين أنزل عليه ذلك فقال:

«أبشروا آل محمد، فقد جاءكم الغني».

قال أبو بكر:

صدقت فلكم الغنى، ولم يبلغ علمي فيه ولا هذه الآية إلى أن يسلم هذا السهم كله كاملا، ولكن الغنى الذي يغنيكم ويفضل عنكم، وهذا عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهما فاسأليهم عن ذلك، فانظري هل يوافق على ذلك أحد منهم؟ فانصرفت إلى عمر، فذكرت له مثل الذي ذكرت لأبي بكر بقصته وحدوده،

ص: 76

فقال لها مثل الذي كان راجعها به أبو بكر، فعجبت فاطمة، وظنت أنهما قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه)(1).

ثانياً: دلالة الرواية:

1 - إنّ القراءة التاريخية لما شجر بين بيت النبوة (عليهم السلام) وبين أبي بكر وعمر تنص على أنهم اجتمعوا على ذلك والأمر لا يحتاج إلى تدليل، فقد فرضت السقيفة وسلطان الخلافة أموراً أعظم من اتفاقهم واجتماعهم على ظلم آل البيت (عليهم السلام) ألا وهو ظلم الشريعة التي جاء بها سيد الخلق (صلى الله عليه وآله)، وتعطيل حدودها لاسيما فيما فرضه الله على الأمة من حقوق لآل محمد (صلى الله عليه وآله).

2 - إن شأنية البضعة النبوية (عليها السلام) لتحول دون هذا التصوير الذي تنقله الرواية في دورانها على الصحابة لتسألهم عن شريعة أبيها (صلی الله عليه وآله وسلم)، لاسيما عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح والأمر مناط بمن جلس في مجلس الخلافة وبيده السلطة، فضلا عن ذلك أفهل منعها عمر وأبو عبيدة حقوقها أم أبو بكر؟ 3 - إننا وعلى فرض أنها (عليها السلام) ذهبت إلى عمر، فيما ذاك إلا لإلقاء الحجة، واستظهار اجتماعهما على كلمة واحدة، وهو ما صرّحت به الرواية بلفظ : (فعجبت فاطمة، وظنت أنها قد تذاكر ذلك واجتمعا عليه).

ص: 77


1- تاريخ المدينة لابن شبة: ج 1 ص 92 - 210؛ السقيفة وفدك للجوهري ص 117 - 118، شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 16 ص 230؛ بحار الأنوار: ج 29 ص 383

4. إنّ مدار البحث في الرواية كان في حق سهم ذي القربي الذي فرضه الله لآل محمد (صلى الله عليه وآله) وليس في فرضية الأرض أو النحل، ومن ثمّ فقد جهدت السلطة على سلب جميع الموارد المالية، کیا سیمر بيانه إن شاء الله .

المسألة الثانية: رواية أم هانئ ودلالتها

(1) ودلالتها.

ومما جاء أيضاً في دفاع بضعة النبوة فاطمة (عليها السلام) عن شريعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واحتجاجها على أبي بكر، ما روي عن أم هاني والذي يعاضد أصل الموضوع، أي ما رواه أنس بن مالك وإتمام

ص: 78


1- أم هانئ: أم هاني الهاشمية، واسمها فاختة، ابنة أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وأمها: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، تزوجها هبيرة، وأطعمها رسول الله (صلى الله عليه و آله) في خيبر أربعين وسقًا. روت عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أسلمت عام الفتح بمكة وهرب زوجها إلى نجران، أخرج لها البخاري وأبو داود، وغيرهما عن رسول الله (صلى الله علیه و آله) روى عنها: مولاها أبو صالح بادام في سنن الترمذي والنسائي، وابن ابنها جعدة المخزومي في سنن الترمذي والنسائي، وعامر الشبعي في سنن الترمذي، وعبد الله بن الحارث بن نوفل في صحيح مسلم، وأبو داود، والنسائي. وقيل: عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل في سنن النسائي، وعبد الله بن عباس في سنن أبي داوود، والنسائي، وعبد الرحمن بن أبي ليلي في البخاري وسملم وأبو داوود، والنسائي وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح، وكريب مولى بن عباس، ومجاهد، ومحمد بن عقبة بن أبي مالك، وبان إبنها هارون المخزومي، وابن إبنها يحيى بن جعدة المخزومي، وأبو مرة مولاها، وقيل: مولى أخيها عقيل ابن أبي طالب (عليه السلام)، وهي شقيقة أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام). واختلفوا في سنة وفاة أم هانئ، فبعضهم يرى أنها ماتت قبل واقعة الطف، وبعضهم يرى أنها عاشت بعد ذلك وهي التي تمثلت بقول الشاعر: وإن قتيل الطف من آل هاشم *** أذلّ رقابً من قريش فذلّت

حديثه، فكلا الحديثين يوثقان لحدث واحد وقضية واحدة، وما طعن ابن كثير في متن الحديث أو الألباني في سنده إلا محاولة بائسة في التعتيم على التناقض في أقوال أبي بكر وانتصار بضعة النبوة (عليها السلام) في حرب الكلمة کما سیمر بيانه إن شاء الله.

أولاً: نص الرواية.

أخرج ابن سعد (ت: 230 ه) والبلاذري (ت: 279 ه) وابن شبة النمري (ت: 292 ه) وغيرهم، عن أم هانئ، أنها قالت:

(إن فاطمة قالت لأبي بكر:

«من يرثك إذا مت»؟ قال: ولدي وأهلي؟ قالت:

«فما لك ورثت النبي دوننا»؟ ، فقال:

يا بنت رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] إني والله ما ورثت أباك أرضًا، ولا ذهبًا، ولا فضةً، ولا غلامًا، ولا مالًا، قالت:

«فسهم الله الذي جعله الله لنا وصافيتنا التي بيدك»؟ فقال: إنّي سمعت رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] يقول:

«إنما هي طعمة أطعمنيها الله فإذا أَمَتُ كان بين المسلمين»(1).

ص: 79


1- طبقات ابن سعد: ج 2 ص 314؛ أنساب الأشراف: ج 1 ص 519؛ تاريخ المدينة: ج 1 ص 198؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج 5 ص 309

ثانياً: دلالة الرواية.

1 - تبدأ بضعة النبوة وصفوة الرسالة (عليها السلام) في حرب الكلمة مع أبي بكر بإلقاء الحجة على خصما لتعطيله الحكم الشرعي في الفرائض بقولها: (من يرثك إذا مت)؟!! فكان جوابه ظاهرا بسريان الحكم الشرعي في المواريث، ومن ثمة كيف تمنع فاطمة (عليها السلام) من حقها الذي أقرّته الشريعة للوارث إذا مات المورّث؟ 2 - تنتقل بعد ذلك (عليها السلام) أي بعد أخذ الإقرار بسريان الحكم في المواريث إلى إلجاء خصمها لبيان العنوان الشرعي الذي مكنّه من وراثة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دون أهله وولده !! فلم يستطع البيان؛ وذلك لعدم وجود حکم شرعي يجيز له وضع اليد على أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنفى أن يكون هو الوارث قائلا: (يا بنت رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] إني والله ما ورثت أباك أرضًا، ولا ذهبًا، ولا فضةً، ولا غلامًا، ولا مالًا).

ومن ثمّ: فلا عنوان شرعي لديه في أخذ هذه الأموال، التي مرَّ ذكرها وبيانها.

3 - تنتقل (عليها السلام) في حرب الكلمة إلى تجريد خصمها من الحجة في وضع يده على بقية حقوقها، أي نحلتها التي أسمتهاب (صافيتنا) وسهم ذي القربى، وهما عنوانان شرعیان مختلفان عن عنوان الإرث.

ص: 80

وهنا تسجل بضعة النبوة وصفوة الرسالة (عليها السلام) قضيتين، الأولى عدم معرفة خصمها بأحكام الشريعة عِبرَ جمعه للعناوين المختلفة في مورد واحد ومن ثمّ لم يهتدِ إلى معرفته، فمرة يجعله في الإرث، ومرة في الصدقة، ومرة في أموال المسلمين وأخرى بيد من يلي الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومرة بعنوان التولية على هذه الأموال، وهو ما صرّح به عمر بن الخطاب لما جاءه أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) والعباس بن عبد المطلب يطالبانه بحقوقهما التي صادرها أبو بكر وتبعه هو أيضا في نهجه، قائلا لهما:

(فجئتها تطلب میراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر: قال رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]:

«ما نورِّث ما ترکنا صدقة».

فرأيتماه کاذبا آثما غادرا خائنا، والله يعلم أنه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] وولي أبي بكر فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا)(1).

فلم ميهتدي الشيخان السبيل للخروج من هذه المعضلة بوجه أقرته الشريعة.

وأما القضية الثانية التي سجلتها (عليه السلام)، هنا: إنّها هي المقصودة في هذه الحرب، فان كان الأنبياء (عليهم السلام) على فرض صحة قول أبي

ص: 81


1- صحیح مسلم: ج 5 ص 152

بکر (لا يورثون)، فما بال سهم ذي القربی، ونحلتها، وطُعْمَتها من حصن الكتيبة فيصادرها أبو بكر وعمر؟!!

المسألة الثالثة: رواية أبو الطفيل

(1).

ص: 82


1- أبو الطفيل: عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحيش بن حیان، بن سعد بن ليث؛ ولد عام أحد، وأدرك من حياة رسول الله [صلى الله عليه وآله] ثماني سنين. نزل الكوفة، ثمّ أقام بمكة حتى مات، وهو آخر من مات في أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وآله]، مات سنة اثنين ومائة وقد بلغ التسعين عامًا، صحبِ الإمام عليّا (عليه السلام) وكان متشيعًا ويفضلّه على أبي بكر وعمر وعثمان، وكان فاضلًا عاقلًا، فصيحًا شاعرًا، حاضر الجواب. شهد المشاهد مع علي - عليه السّلام وكان من مخلصي أنصاره. روي أنّه تقدم أمام الخيل يوم صفّين وهو يقول: طاعنوا وضاربوا ، ثمّ حمل وهو يقول: قد صابرتْ في حربها كنانة ***والله يَجزيها به جنانه من أُفرغَ الصبُر علیه زانه *** أو غلب الجبنُ علیه شانه أو كفَر الله فقد أهانه *** غداً یَعَضّ من عصی بنانه وقدم أبو الطفيل يوماً على معاوية، فقال له: كيف وَجْدُك على خلِيكَ أبي الحسن؟ قال: کوجْد أمّ موسی علی موسی، و أشكو إلى اللهَّ التقصير. وقال له معاوية: كنتَ فيمن حصر عثمان؟ قال: لا، ولكنّي كنت فيمن حضره. قال: فما منعك من نصره؟ قال: وأنت فما منعك من نصره إذ تربصت به ریب المنون، وكنت مع أهل الشام، وكلَّهم تابع لك فيما تريد. فقال له معاوية: أوما تری طلبي لدمه نصرة له؟ قال: بلى، ولكنّك كما قال أخو جعفر: لا أُلفينك بعد الموت تندبني *** وفي حياتي ما زودتني زادا وكان أبو الطفيل قد خرج مع المختار وحارب قتلة الإمام الحسين - عليه السّلام ثمّ أفلت بعد مقتل المختار. ترجم له سماحة المرجع السيد الخوئي (عليه الرحمة والرضوان) في معجمه، فقال: (عدّه الشيخ الطوسي - من - أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأخرى في أصحاب علي (عليه السلام)، وثالثة في أصحاب الحسن (عليه السلام)، ورابعة في أصحاب السجاد (عليه السلام)، وعدّه البرقي من خواص أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) حدّث عن: الإمام علي (عليه السلام)، ومعاذ بن جبل، وأبي بكر، و ابن مسعود، وعمر وغيرهم. حدّث عنه: حبيب بن أبي ثابت، والزهري و أبو الزبير المكي وآخرون. وله في (الخلاف فتوی واحدة وهي: الجدّة ترث وابنها (ابن الميت) حي. ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء، ج 1، ص 142؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 618؛ وسير أعلام النبلاء للذهبي: ج 4، ص 467. معجم رجال الحدیث: ج 10، ص 321

أولاً: نص الرواية.

أخرج أحمد بن حنبل (ت 241 ه) وابن شبة النميري (ت 262 ه)، وابن كثير (ت 774 ه) والعيني (ت 855 ه) والألباني (ت 1420 ه)، واللفظ لأحمد بن حنبل:

(عن الوليد بن جميع(1)، عن أبي الطفيل، قال:

(لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أرسلت فاطمة إلى أبي بكر:

«أنت ورثت رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] أم أهله»؟! فقال: لا، بل أهله!!! قالت: «فأين سهم رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]»؟ فقال أبو بكر: أني سمعت رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]، يقول:

ص: 83


1- الوليد بن جميع: الوليد بن عبد الله بن جميع الزهري: وثقة ابن معين، والعجلي، وقال أحمد وأبو زرعة: ليس به بأس وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال الحاكم: لو لم يذكره مسلم في صحيحه لكان أولى. وقال الفلاس: كان يحيى لا يحدثنا عنه، فلا كان قبل موته بقليل أخذتها من على الصائغ فحدثني بها وكانت ستة أحاديث. الميزان ج 4، ص 337؛ التاريخ الكبیر، ج 8، ص 146

«إنّ الله عز وجل إذا أطعم نبياً طعمة ثم قبضه جعله للذي يقوم من بعده فرأيت أن أرده على المسلمين».

فقالت: «فأنت وما سعت من رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]»)(1).

ثانياً: دلالة الرواية.

1 - تكشف الرواية عن منهج بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) في انتزاع حقوقها من أبي بكر في حرب الكلمة عبر احتجاجها بأصل الميراث الذي أقرته الشريعة وكما أسلفنا في دلالة حديث أم هانئ، فهذا الميراث الذي نفاه أبو بكر عِبر حديثه المزعوم المعارض للقران والسُنّة النبوية واللغة، وهو ما أثبتناه بفضل الله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بحثنا الموسوم ب: (معارضة حديث نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث للقرآن والسُنّة واللغة، دراسة بينية في المرتكزات الفكرية والمفاهيمية لأعلام أهل السُنّة والجماعة).

فهذا الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ضمن عنوان واحد وهو الميراث، قد عارضه أبو بكر في جوابه لسؤال بضعة النبوة وصفوة الرسالة (عليها السلام) لما سألته:

«أنت ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أم أهله»؟ ولأن الوضع الطبيعي بين الناس وما أقرته الشريعة المقدسة في التوارث

ص: 84


1- منسد احمد: ج 1 ص 44 تاريخ المدينة للنميري: ج1 ص 198؛ البداية والنهاية لابن کثیر ج 5 ص 310؛ عمدة القاري: ج 15 ص 20؛ أرواء الغليل: ج 5 ص 76

فيما بين الأحياء والأموات، كان جوابه بمقتضيات سؤالها (عليها السلام):

(لا بل، أهله)!! 2 - إن هذه الرواية قد كشفت أيضا عن إتباع بضعة النبوة (عليها السلام) منهج الاستدراج الذي أظهره القرآن في آيات عدة، كقوله تعالى:

«وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ کَیْدِي مَتِینٌ»(1).

فقد كشفت عن هذا التعارض والتناقض فيما قاله أبو بكر؛ فهل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (يورث) أم (لا يورث)، وهل له ورثة أم ليس له ورثة؟!! سؤال سکت عنه أغلب أهل السُنّة والجماعة، والتفت إليه نزر قليل كأحاد هذه الأحاديث التي قالها أبو بكر وسَنّها في الإسلام، ومن هؤلاء الجوهري (ت 323 ه)، وابن عبد البر (ت 463 ه)، والمعتزلي (ت 656 ه)، والذهبي (ت 748 ه)، وابن كثير (ت 7754 ه)، والألباني (ت 1422 ه).

فقد التفتوا إلى هذا التناقض والتعارض في أقوال أبي بكر لاسيما وأنّ حديث أنس بن مالك، وأبي الطفيل لا يمكن الطعن بها سنداً و متناً، ولذا: سکت عنها أهل أعلام أهل السُنّة والجماعة.

أما كيف دافع هؤلاء الأعلام عن هذا التناقض في أقوال أبي بكر؟ هذا ما سنتناوله في المبحث القادم.

ص: 85


1- سورة الاعراف، الآية 182 - 183

ص: 86

المبحث الرابع: محاولات أعلام أهل السُنّة والجماعة رفع التناقض في أقوال أبي بكر بين قوله: (لا نورِّث) و (يرثه أهله) وبيان

فشل هذه المحاولات تناول بعض أعلام أهل السُنّة والجماعة هذا التناقض والتعارض في أقوال أبي بكر في محاولة لإقناع المتلقي في قبول هذا التناقض، لا سيما طلبة العلم الذين توجهوا لدراسة حياة خليفة المسلمين؛ أو لمحاولة فهم ما وقع من الخلاف والتخاصم بينه وبين بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها وهي تحمل كل هذه الحرمة والقدسية والمنزلة التي شرعها القرآن والسنة النبوية.

وعليه:

فقد شَکَلَّ هذا التناقض في أقوال أبي بكر بين قوله: (لا نورِّث)، وبين قوله: (يرثه أهله) معضلة كبيرة تحتاج إلى الرد والدفاع عن موقفه في خصومته البضعة النبوة (عليها السلام) و تصویب فعله بأي شكل من أشكال الاعتذار أو الالتفاف أو التَكَهّن.

إلا أن هذه المحاولات والإجابات التي قام بها هؤلاء الأعلام كانت كزبد البحر الذي يذهب جفاءً، وذلك لعدم منفعته للقائلين به، فكيف ينتفع منه الناس، وقد قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام):

ص: 87

«أَلا وإِنَّه مَنْ لَا يَنْفَعُه الْحَقُّ یَضَرُّه الْبَاطِلُ، ومَنْ لَا يَسْتَقِيمُ بِه الْهُدَی یَجُرَّبِه الضَّلَالُ إِلَى الرَّدَى»(1).

إلا أن أسهب هذه الردود واكثرها دفاعاً كانت للحافظ ابن کثیر، أما بقية الأقوال فكانت مختصرة، بل وكاشفة عن حيرة أصحابها، وذلك لصحة سند الرواية.

المسألة الأولى: محاولة الجوهري في رد التناقض بين أقوال أبي بكر.

قال الجوهري بعد أن أورد الحديث:

(في هذا الحديث عجب!!، لإنها قالت له: أنت ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أم أهله؟ قال: بل أهله.

وهذا تصريح بأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) موروث يرثه أهله، وهو خلاف قوله: لانورِّث، وأيضاً فأنه يدل على أن أبا بكر استنبط من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

(إن الله أطعم نبياً طعمة أن يجري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند وفاته مجرى ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ أو يكون فهم أنه عني بذلك النبي (صلى الله علیه و آله) المنكر لفظاً نفسه، کما فهم من قوله في خطبته:

«إن عبداً خيره الله بين الدنيا وما عند ربه فاختار ما عند ربه»، فقال أبو بكر: بل نفديك بأنفسنا)(2).

ص: 88


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح، الخطبة: 28 ن ص 71
2- السقيفة وفدك: ص 109

أقول:

1 - إنّ هذا القول نقله ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة بتمامه ولم يضف عليه شيئاً، أي أنّه قد تبنى قول الجوهري في الدفاع عن أبي بكر وتبرير هذا التعارض في أقواله وانعكاسه على ظهور ظلامة البضعة النبوية ( عليها السلام).

2 - لا شك أن هذا الحديث من الأعاجيب !! كما أقر به المعتزلي أيضا، أما سبب العجب فيه فمرده إلى أمور:

أ - التعارض في أقوال أبي بكر.

ب - إن النبي (صلى الله عليه وآله) موروث يرثه أهله.

ج - إنّ أبا بكر كان يستنبط الأحكام من عند نفسه بحسب فهمه كعدم التوارث بين الأنبياء، وكونه متوليا على أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولما حاججته بضعة النبوة (عليها السلام) لبيان مخالفته للقرآن وسُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رفض بل أخذته العزة في رأيه، فلما حانته الوفاة ندم على ذلك، کیا سیمر بیانه لاحقا.

المسألة الثانية: محاولة ابن عبد البر في رد التناقض بين أقوال أبي بكر.

قال ابن عبد البر: (فإن قيل: ما معنى قول أبي بكر لفاطمة: بل ورثه أهله، يعني رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]، وهو يقول: «لا نورِّث ما تركناه صدقة»؟ قيل له:

ص: 89

معناه على تصحيح الحديثين، أنه لو تخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئاً، وإنْ كان لم يتخلف شيئاً يورث!! لأن ما تخلف صدقة راجعة في منافع المسلمين من الكراع والسلاح وغيرها، فأي شيء يرث عنه أهله وهو لم يخلف شيئاً.

فان قيل: فما معنى قول أبي بكر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

«إذا اطعم الله نبيا طعمة ثم قبضه جعل للذي يقوم بعده»؟ قيل له: اللام في قوله: (للذي) لیست لام الملك وإنما هي بمعنى (إلى) كما قال الله عز وجل: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا» أي هدانا إلى هذا، ألا ترى إلى قوله: «وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».

ومثله قوله عز وجل: «بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا»، معناه أوحى إليها، فكأنه قال جعله إلى الذي بعده يقوم فيه بما يجب على حسب ما قدمناه ذکره، والأحاديث الصحاح ولسان العرب كل ذلك يدل على ما ذكرنا)(1).

أقول:

1 - يبتدأ ابن عبدالبر في محاولته للدفاع عن أبي بكر ودفع التناقض في أقواله وتصويب فعله، بمقدمة قاتلة وناسفة لما تلاها من القول، وذلك التوهينه الحديثين معاً والتشكيك في صحتهما، فيقول ابتداءً: (معناه على تصحيح الحديثين)، فهو محتار أو مجازف فيما سيقول لاحقاً، فإما أن حديث (لا نورِّث ما تركناه صدقة) غير صحيح !! والحديث الآخر (يرثه أهله) هو

ص: 90


1- التمهيد: ج 8 ص 169

الصحيح لكي يدفع التناقض فيما بين الحديثين.

أو أن الحديث الأول: (لا نورِّث) صحيح، والثاني (يرثه أهله) غير صحيح، ومن ثم فالحقيقة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يرثه أهله، لكن أبا بكر منع فاطمة (عليها السلام) حقها وظلمها فاتت وهي واجدة عليه کما ثبت في الصحيح الذي أخرجه جل أئمة الحديث.

2 - ولإن ابن عبد البر لا يمكن له بأي حال الطعن في سند الحديثين، ومن ثم لا يمكن أيضا بأي حال من الأحوال أي يدفع عن أبي بكر هذا التناقض في أقواله فقد لجئ في نهاية المطاف إلى الظن والاعتماد على التمثيل والتشبيه في المعاني فاستخدم (كأنّه) مرتين، ومن ثم: فقوله دلالة ظنية لا تصمد أمام حجية القطع بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يرثه أهله؛ وأن التناقض مازال قائما في الحديثين ولا يمكن دفعه مع صحة سندیهما.

3 - أما قوله: (أنه لو تخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئاً، وإن كان لم يتخلف شيئاً يورث!! لأن ما تخلف صدقة راجعة في منافع المسلمين من الكراع والسلاح وغيرها فأي شيء يرث عنه أهله وهو لم يخلف شيئاً).

فهو مردود جملة وتفصيلا، فقد أفادت النصوص بتكذيب هذا القول والمدعي الذي ادعاه ابن عبد البر، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة في مجيء بضعة النبوة (عليها السلام) إلى أبي بكر تطالبه بميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو ما جاء في قولها:

ص: 91

(أن فاطمة [عليها السلام] أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه و[وآله] وسلم) وهي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة، وفدك، وما بقي من خمس خیبر)؛ والذي مرَّ بيانه في المبحث الأول من هذا الفصل.

فضلا عن إخراجها، أي البخاري ومسلم لحديثها في مجيء بضعة النبوة فاطمة (عليها السلام) وعم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) العباس بن عبد المطلب إلى أبي بكر للمطالبة بمیراث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ومجيء أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) والعباس بن عبد المطلب إلى عمر بن الخطاب للمطالبة بإرث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

والسؤال المطروح:

لو كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يورّث شيئا كما يدعي ابن عبد البر فلماذا يصر الإمام علي وبضعة النبوة (عليهما السلام) وعم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو صاحب العصبة كما يدعون على المطالبة بهذه الأموال وهي لا وجود لها أو أنها صدقة للمسلمين، افترى يطالب بيت النبوة (عليهم السلام) الذين نص القران على طهارتهم بالمال الحرام -والعياذ بالله - ؟!! 4 - أما قوله: (فكأنّه جعله إلى الذي بعده) مستنداً في ذلك إلى معنى اللام بانها (إلى)، ومستشهداً ببعض الآيات الكريمة للدلالة على رأيه.

فهو ما زاد الطين بلة، وأثبت ظلامة بضعة النبوة وصفوة الرسالة

ص: 92

(صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها)، وذلك:

أ - إنّه خلاف الظاهر الذي عليه أهل السُنّة والجماعة، في تلك الخلفاء لأموال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه جرت سيرتهم منذ أن تولى أبي بكر السلطة والى أخر خلفاء المسلمين وملوكهم وسلاطينهم، وقد بسطنا القول فيه في بحثنا الموسوم ب: (معارضة خلفاء المسلمين لسُنّة أبي بكر في أموال بضعة سید المرسلين في ضوء مقاصدية التاريخ والسُنّة)، وقد قال الزركشي في أصول الفقه:

(الظاهر دلیل شرعي يجب اتباعه والعمل به، بدليل إجماع الصحابة على العمل بظواهر الألفاظ، وهو ضروري في الشرع کالعمل بأخبار الآحاد، وإلا لتعطلت غالب الأحكام فإن النصوص معوزة جدا، كما أن الأخبار المتواترة قليلة جدا)(1).

وقال أيضا: (قال ابن برهان وهو أنفع كتب الأصول وأجلها: ولم يزل الزال إلا بالتأويل الفاسد)(2)، وهو ما وقع فيه ابن عبد البر في تأويله الفاسد للدفاع عن أبي بكر ودفع التناقض في أقواله.

ب - إذا كان حكم اللام في الحديث بمعنى (إلى) كما يدعي ابن عبد البر، فهل يقتضي ذلك زوال الملكية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أم بقائها؟ فان كانت الملكية زائلة فهذا يقتضي تخصيص جديد في الشريعة يتم عِبره تغير عنوان سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عنوان جديد لزوال الملكية والتخصيص.

ص: 93


1- البحر المحيط في أصول الفقه: ج 3 ص 25
2- المصدر نفسه

واذا كانت الملكية ثابته والتخصيص ملازم له (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذا يكشف عن انتهاك حرمة الشريعة ونهب سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ج - إنّ حكم الإطلاق الذي جعله أبو بكر في الأنبياء بقوله: (إن الله إذا أطعم نبيا طعمة) لم يرد عليه دليل في القرآن أو السُنّة، أفهل كان جميع الأنبياء (عليهم السلام) قد خصهم الله بالأنفال و جعل لهم سها من الغنائم، أم هو من خصوصیاته (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! 5 - إن قول أبي بكر: (جعله للذي يقوم من بعده)، يطرح استفهاماً لن يجب عليه ابن عبد البر، ولم ولن يجيب عليه أحد من أعلام أهل السُنّة والجماعة، ولا أي أحد ممن شایع أبي بكر وتحزب له، وهو:

من الذي جعل أبي بكر يقوم مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!! کما يقول ابن عبد البر (فكأنه جعله إلى الذي بعده )؟! فالإجابة عليه واحدة من ثلاثة لا رابع لهنَّ:

أ - إما أن الله تعالى هو الذي جعل أبي بكر بعد رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفوض إليه أن يتصرف بها أطعم به نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ب - وإما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي جعل أبي بكر من بعده وأوصاه بما أطعمه الله تعالى، وعين له ذلك وغيره من شؤونه وأجاز له التصرف بهذه الأموال سواء ما جاءته هبة أو مما أفاء الله عليه وأطعمه كحصن الكتيبة وأرض فدك وحصن الشق والنطاة، أو مما أوجف

ص: 94

عليه بخيل وركاب کاخمس وسهم ذي القربی؟ ج - وإما أن السقيفة التي حضرها أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن عبادة وبعض رجالات الأوس والخزرج، فجرت فيها الصراعات والمنازعات والوعد والوعيد والتهديد بالقتل لبعضهم بعضاً، ولينتهي الصراع والنزال بينهم بيعة الأوس نفاسة في الخزرج و تفويت الفرصة عليهم في زعامة المدينة، فبايعوا أبي بكر ثم بايعه عمر بن الخطاب، ثم ليساق الصحابة في اليوم الثاني إلى البيعة العامة، فيقادون إلى المسجد بالضرب بأعمدة الخشب، ويساقون كما يساق الأسرى ليبايعوا أبي بكر، فيرتقي أبو بكر المنبر، فيحذّر وينذر الناس والصحابة مخافة أن تسوّل لهم نفوسهم بالاعتراض أو الممانعة أو مطالبته بالعمل بسُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو أمر ثبتت صحته عنه، فقد أخرجه شیخ البخاري في مصنّفه عنه، أنه قال:

(فتظنون أني أعمل فيكم سُنّة رسول الله صلى الله عليه [واله] وسلم إذًا لا أقوم لها، إن رسول الله صلى الله عليه [واله] وسلم كان يعصم بالوحي، وكان معه ملك، وإنّ لي شيطانًا يعتريني، فإذا غضبت فاجتنبوني، لا أوثر في أشعاركم ولا أبشاركم)(1).

ولقد وفقنا الله تعالى ورزقنا من فضله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فله الحمد دائما وأبدا، لبسط القول في دراسة هذه الأحداث وكشف ملابساتها، وما جهد أرباب السلطة في إخفائه وتدليسه وكتمه، في بحثنا الموسوم ب(وفاة رسول الله وموضع قبره وروضته بين اختلاف

ص: 95


1- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: 11 / 336

أصحابه واستملاك أزواجه، فتم الكشف عن حقائق مهمة، منها: أن القبر النبوي في بيت عائشة قبر وهمي ومختلق، وأن قبر أبي بكر وعمر خارج حدود المسجد النبوي).

ومن ثم:

فالسؤال المطروح: من الذي جعله بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) کي يبيح له التصرف بهذه الأموال العائدة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ لا شك ولا ريب أنها السقيفة، ولو كان الجاعل لموضع الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) هو الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وليس السقيفة لأقام أنصار أبي بكر وأشياعه الدنيا وأقعدوها، ولما اضطر ابن عبد البر أو غيره لهذا التخبط في الإجابة.

بل: ولا أحتاج أبو بكر نفسه إلى خروج بضعة النبوة وصفوة الرسالة أليه أو إلى الصحابة لتحاججه با فرض الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لها من حقوق، هذه الحقوق التي تضافر على نهبها الخلفاء والسلاطين والأمراء.

المسألة الثالثة: محاولة الذهبي في رد التناقض بين أقوال أبي بكر.

إنّ من الأعلام الذين دافعوا عن هذا التناقض في أقوال أبي بكر، هو الحافظ شمس الدين الذهبي، فقد قال بعد أن أورد الحديث:

ص: 96

(رواه أحمد في مسنده، وهو منکر، وأنكر ما فيه قول: (لا، بل أهله)(1).

أقول:

أ - أما قوله: (رواه أحمد في مسنده)، فهو تصريح بصحة الحديث، ولأنه صحيح ولا يمكن الطعن فيه، فقد اكتفى الذهبي بقوله: (وهو منکر).

ب - لم يشأ الذهبي، بل لم يجرئ على نسب ما هو منكر في السند، فأحال نکرانه إلى الجزء المهم من الحديث والذي يكشف التناقض في أقوال أبي بكر، فكان أنکاره دليل على هذا التناقض، وذلك أنه لفت انتباه القارئ إلى الإقرار بوراثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لاسيما وأن الذهبي قد عُرِف عنه التتبّع في الأسانید والمتون؛ لكنه عجز هنا عن رفع هذا التناقض، لتظهر بذلك ظلامة بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).

المسألة الرابعة: محاولة ابن كثير في رد التناقض بين أقوال أبي بكر.

أما ابن كثير فقد حاول جاهداً بكل ما أوتي من قوة في الانتفاضة لأبي بكر ورفع هذا التناقض في أقواله، ودفع وقوع هذا التجرؤ والظلم على بضعة النبوة (عليها السلام) فزاد الأمر سوءاً وظلماً واشترك في خصومة فاطمة (عليها السلام)!! ولذا:

فقد أنتفض ابن كثير على هذا الحديث، قائلاً:

ص: 97


1- تاريخ الإسلام: ج 3 ص 23

(ففي لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة، ولعله رويّ بمعنی ما فهمه بعض الرواة، وفيهم من فيه تشيع فليعلم ذلك، وأحسن ما فيه قولها، [عليها السلام]:

«أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم».

وهذا هو الصواب والمظنون بها، واللائق بأمرها وسيادتها، وعلمها، ودينها، [عليها السلام]، وكأنها سألته بعد هذا أن يجعل زوجها ناظراً على هذه الصدقة، فلم يجبها إلى ذلك لما قدمنا هنا، فتعتبت عليه بسبب ذلك، وهي امرأة من بنات آدم تأسف کما يأسفون، وليست بواجبة العصمة مع وجود نص رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، ومخالفة أبي بكر، وقد روينا عن أبي بكر: أنه ترضا فاطمة وتلابنها قبل موتها فرضیت رضي الله عنها)(1).

أقول:

اشتمل قول ابن كثير على العديد من التناقضات والشبهات والأحكام الشخصية الخاضعة للهوى والأنساق الثقافية في الموروث الفكري والعقدي الخصوم فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) وهي كالاتي:

1 - أما قوله: (في لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة)، فإنّ هذه الغرابة والنكارة هي من جهة تصريح أبي بكر: بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (يرثه

ص: 98


1- البداية ولانهاية: ج 5 ص 310؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 4 ص 574؛ أرواء الغليل للألباني: ج 5 ص 77

أهله) وهو نقيض قوله سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة).

أو لعل وجه الغرابة عند ابن كثير والنكارة راجعة إلى عقيدته في إمامة أبي بكر، وأنه صائب في خصومته لبضعة النبوة (عليها السلام) فكيف يلين لها الآن.

أو لعل جهة النكارة والغرابة أنّ قوله (يرث أهله) كان صادمًا لابن کثیر، غريب على قلبه فأنكره.

2 - أما قوله: (لعله روي بمعنی ما فهمه بعض الرواة، وفيهم من فيه التشيع فليعلم ذلك).

فنقول:

أ - فليعلم ذلك، أنّ (لعل) تفيد الظن، وما يغني الظن من الحق شيئاً، وأنه دلالة ظنية بائسة وخاسرة أمام حجية القطع بقول أبي بكر: (بل يرثه أهله)، وليس بها فهمه الراوي.

ب - إنّ القدح ببعض الرواة على قاعدة: (ما فهمه) لم يقل بها أحد من علماء الجرح والتعديل أو أئمة الحديث أو التفسير فإن ذلك يجر إلى القدح بما لا حصر له من الأحاديث.

ج - إنّ قوله في بعض الرواة: (من فيه التشيع)، ليس بقادح بالحديث فقد ملئ رواة الشيعة أسانيد الصحاح والمسانيد والمستدركات التي أخذ منها أعلام أهل السُنّة والجماعة دينهم وعقيدتهم، ومن ثم فهذا يلزم ابن کثیر وغيره ممن تكبل بالأنساق الثقافية بتغيير فكره ودينه وعقيدته لكون ما نقل

ص: 99

إليه في الصحاح كان في أسانيدها رواة يتشيعون لعترة نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم).

3 - أما قوله: (وأحسن مافيه قولها: «أنت وما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)»، وهذا هو الصواب).

فتقول:

أ - إنّ الصواب الذي يعتقده ابن کثیر محصور في التسليم لما يقوله أبو بكر، وليس لما تقوله بضعة النبوة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).

ب - أما كونه (أحسن ما في الحديث) فلانه أظهر تفويضها الأمر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو يتولى ما نسبه أبو بكر إليه من الأقوال، فضلاً عن أنها بحكمتها وحنكتها استطاعت أن تنتزع منه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يورثه أهله.

ومن ثم: فلا حاجة بعد ذلك للإطالة في الحديث معه فقد أخذت غايتها، فهذا هو الصواب.

3 - أما قوله: (والمظنون بها، واللائق بأمرها وسيادتها، وعلمها، ودينها) فانه يتنافى مع مهادنتها للبطال - والعياذ بالله -، بل: يفرض عليها أن تدافع عن شريعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و تجادل بالحق خصمها، فخرجت إليه بعد أن أرسلت في بدو أمرها - كما أخبرت عائشة - تسأله عن نحلتها و میراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و سهم ذي القربی وطُعْمتها من حصن الكتيبة.

ص: 100

مما استلزم أن تخرج إلى مسجد أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) فتكلمه في محضر من المهاجرين والأنصار وجمع من الناس.

وهذا يكشف عن صمودها وصبرها وجهادها في دفاعها عن حقها تدريجياً إلى أن اضطرتها أحكام أبو بكر - بعد أن يأست منه - إلى مواجهة الصحابة من المهاجرين والأنصار، فألقت خطبتها الاحتجاجية فيهم.

4 - قوله (وكأنها سألته بعد هذا أن يجعل زوجها ناظراً على هذه الأرض، فلم يجبها إلى ذلك)!! فنقول:

أنّ هذا مما نسجه خیال ابن كثير! فراح يمني به نفسه أن تكون بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) تلتمس من أبي بكر بن أبي قحافة أن يجعل أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه)، نفس المصطفی (صلی الله عليه و آله وسلم) ووصيه والمجعول من الله ورسوله في خلافة أمته، وشيخ الأبطح وسنام عزها (ناطراً) في أرض فدك التي وهبها الله إجلالاً لفاطمة (سلام الله علیها)!! فأن كان ابن كثير لا يؤمن بذلك ولا يعتقده؛ فأن بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله وسلامه عليها) هي تؤمن بذلك وتلقى الله به، ومعاذ الله أن تخالف دينها وشريعة أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك هو: (المظنون بها، واللائق بأمرها وسيادتها، وعلمها، ودينها). وليس في طلبها لأبي بكر والعياذ بالله مما يقولون.

ص: 101

ولذا، فالسؤال المطروح:

منذ متی: احتاج آل محمد إلى معونة أحدٍ من الناس، أو كان همهم الدنيا التي هي عند ابن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) أهون من ذرات التراب، وهو القائل (عليه السلام) للصحابة والناس أجمعين لما عرضت عليه الخلافة:

«ولأَلْفَيْتُمْ دُنْیَاکُمْ هَذِه أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ»؟!(1) 5 - أما قوله: (فتعتبت عليه بسبب ذلك، وهي امرأة من بنات أدم تأسف کما يأسفون) فنقول:

أ - يبدو أن ابن کثیر کان يتحدث عن إحدى بناته التي تأسف کما بأسف بنات آدم وهي تبحث عن عمل لزوجها، وليس عن بضعة النبوة وصفوة الرسالة، وسيدة نساء العالمين، (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها)، التي ارتبطت مشاعرها بمشاعر سيد الخلق أجمعين (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو القائل في هذه المشاعر من الرضا والغضب والتأسف والانبساط والأذى، وبألفاظ متعددة وأسانيد صحيحة أخرجها أئمة الحديث الذين يؤمن بهم ابن کثیر، فمنها:

«بضعة مني فمن أغضبها أغضبني»(2).

ص: 102


1- رسائل الشريف المرتضى: ج 2 ص 113
2- صحيح البخاري: ج 4 ص 2010 و ص 212، ج 6 ص 158

«وإنّ فاطمة بضعة مني واني أكره أن يسوءها»(1).

«فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها»(2).

ب - ثم ما هذا التناقض والتزلف والتملق؟!! فمرة هي تتصرف بما يليق بها وسيادتها وعلمها ودينها حينما يتعلق الأمر بأبي بكر، ومرة هي تبحث عن عمل لزوجها وتأسف لجلوسه بدون عمل، فما هذا التدليس والجهل المركب، وكيف سيهتدي القارئ إلى معرفة حقيقة فعل أبي بكر في مال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأقواله، فهل هو: (لا يورث) أم أنه: (يرثه أهله)؟! 6 - أما قوله: (وليست بواجبة العصمة مع وجود نص رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) و مخافة أبي بكر)!! فنقول:

أ - أما كونها واجبة العصمة فيكفي في ذاك ما جاء به القرآن والسُنّة، فأما القرآن، فقوله عزّ وجل:

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [الأحزاب: 33] ويكفي في ذلك أن معنى الرجس هو كل شيء قذر، وليس هناك أقذر من الذنب(3).

ص: 103


1- صحيح البخاري: ج 4 ص 2010 و ص 212، ج 6 ص 158
2- المصدر نفسه
3- لسان العرب:ج 6 ص 94

ومما جاء في تفسيرها:

(وذلك لأن الكفر والمعاصي نجاسة للأرواح، فإن النجاسة إنها كانت نجاسة لأنها شيء يراد نفيه وإزالته وتبعيده، والكفر والمعاصي كذلك، فكانت نجاسات روحانية، وكما أن إزالة النجاسات الجسمانية تسمى طهارة فكذلك إزالة هذه العقائد الفاسدة والأخلاق الباطلة تسمى طهارة، ولهذا التأويل قال الله تعالى:

«إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ» فجعل رأيهم نجاسة، وقال:

«وإِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [الأحزاب: 33] فجعل براءتهم عن المعاصي طهارة لهم، وقال في حق عیسی (عليه السلام):

«إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا» [آل عمران: 55] فجعل خلاصه عن طعنهم وعن تصرفهم فيه تطهيراً له)(1).

وأما السُنّة فيكفي منها حديث البضعة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي أخرجه البخاري وغيره، وقطعاً أنها لا تقع في فعل أو قول مخالف لشريعة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فان أي مخالفة ستؤذي الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) - والعياذ بالله - وهذا يلزم أنها معصومة، وليس كما يدعي ابن کثیر نافياً عنها العصمة؛ ولذا: فحجتنا في وجوب عصمتها القرآن والسُنّة وليس الأهواء والضغائن لآل بیت رسول

ص: 104


1- تفسير الفخر الرازي: ج 11 ص 177

الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ب - أما وجود النص الذي ادعاه ابن کثیر، أي: (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ما تركناه صدقة)؛ فهو بين النفي والإثبات عند أبي بكر نفسه!! فإما أنه قال: (لا نورِّث) أو (بل يرثه أهله)؟! ج - أما قوله (ومخالفة أبي بكر) فهنا موضع الجرح، وأصل الخصومة بين فاطمة (عليها السلام) وبين أبي بكر منذ أن خرجت تطالبه بحقها الشرعي وليس (لوجود نص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) کما يقول ابن كثير، فهذه الأحاديث النبوية والنصوص الشريفة لم تكن تنال الأهمية من أبي بکر کما تصور ابن کثیر، فقد جمعها أبو بكر وحرقها كما تروي ابنته عائشة:

(جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه [واله] وسلم وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلب كثيرا!! قالت: فغمني، فقلت:

أتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟! فلما أصبح قال:

أي بنية، هَلُمِّي الأحاديث التي عندك. فجئته بها، فدعا بنار فحرقها، فقلت: لم أحرقتها؟! قال: خشيت أن أموت وهي عندي، فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت ولم یکن کیا حدثني فأكون قد نقلت ذاك)(1).

7 - أما قوله (أنه ترضا فاطمة وتلاینها قبل موتها فرضیت)!!!

ص: 105


1- تذكرة الحفاظ للذهبي: ج 1 ص 5، الرياض النضرة للمحب الطبري: ج 1 ص 200

فنقول:

أ - إنّ مقدمة قول ابن كثير تنفي خاتمته، فإما أنها (عليها السلام) انصرفت وهي غاضبة على أبي بكر فهو الثابت المقطوع بصحته، لأنه منع حقها في إرث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونحلتها في فدك، وسهمها من الخمس فماتت وهي واجدة عليه وعلى عمر بن الخطاب كما يروي البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة.

ب - وأما أنها (عليها السلام) انصرفت وهي راضية، فقالت:

«أنت وما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)» والذي صوّبه ابن كثير وأثنی به على فاطمة (عليها السلام) وأنها عالمة وسيدة ومتدينة، فهو من الأوهام التي عجز ابن كثير وغيره عن أثباته فضلا عن تعارضه مع الصحيح في غضبها وهجرها لأبي بكر وعمر حتى ذهبت إلى ربها صابرة محتسبة شهيدة.

ج - لكن الأمر الذي لا يمكن حجبه بغربال: إنها (عليها الصلاة والسلام) غاضبة على من ظلمها أكان أبو بكر وعمر أو غيرهما أو من رضا بفعالهما واحب عملها لا سيما وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«المرء مع من أحب»(1).

ولو كان أبو بكر (ترضاها وتلاینها) قبل موتها، فبماذا يفسر ابن کثیر ندم أبي بكر وشكواه قبل موته من قيامه باقتحام بيت فاطمة (عليها السلام) و تفتیشه؟!.

ص: 106


1- علل الشرایع للصدوق: ج 1 ص 140؛ مسند أحمد: ج 1 ص 392

وبماذا يفسر هجرتها له، فلم تکلمه حتى لحقت بأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غاضبة وواجدة و محتسبه، وصدى قولها يقرّع الأسماع، لو كانوا يسمعون:

«فدونکها مخطومة، مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون، ولكل نیا مستقر، وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه، ويحل عليه عذاب مقيم»(1).

وهم يدركون، بل: ويوقنون أن من آذاها فقد آذی رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن آذاه فقد آذى الله جل شأنه، ولقد صدح القرآن بحكم من آذى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) في آناء الليل وأطراف النهار، فقال عزّ وجل:

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا» [الأحزاب: 57].

وعليه:

فقد كان فعلها (عليها الصلاة والسلام) قد أدى إلى انتزاع الإقرار من أبي بكر بظلمها وندمه على ما فعل، لاسيما في أمر الهجوم على بيت النبوة، وحرقه، وضربها على يدها ووجهها، وكسر ضلعها، وإجهاض ولدها المحسن؛ فضلاً عن منع أرثها، ومصادرة نحلتها، وقطع سهمها من طعمة حصن الكتيبة، وحبس سهم ذي القربى عنها وعن ولدها الإمامين الحسن

ص: 107


1- الاحتجاج للطبرسي: ج 1 ص 139؛ شرح الأخبار للقاضي المغربي: ج 3 ص 37؛ بلاغات النساء لابن طيفور: ص 14؛ التذكرة الحمدونية لابن حمدون:ج 6 ص 257؛ جواهر المناقب للباعوني الدمشقي: ج 1 ص 161

والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

ومن ثمَّ:

فقد حفظ التاريخ لنا هذه اللحظات التي كشف فيها أبو بكر حقيقة ما جرى، وقد قيل في علم القانون والقضاء: (إن الاعتراف سيد الأدلة) أو (الإقرار سید الأدلة)؛ إذ يُعد الاعتراف: كأحدق أدلة الإثبات الجنائي، وذلك لإقرار الفاعل على نفسه بما فعل لا سيما إذا كان الفاعل بعيداً عن الضغوط والتهديد، بل: كان إقراره في حالة الندم والتأسف على ما اقترفته يداه.

فقد روى الطبراني، وابن جرير الطبري، والذهبي، وابن عساکر، والمسعودي، وغيرهم عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أنه قال:

(إنّ عبد الرحمن بن عوف، دخل على أبي بكر في مرضه الذي قبض فيه، فرآه مفيقاً، فقال عبد الرحمن: أصبحت والحمد لله بارئا(1).

فقال له أبو بكر: أتراه؟، قال عبد الرحمن: نعم، قال: إني على ذلك لشدید الوجع، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي، لأني وليت(2) أمركم خيركم في نفسي، وكلكم ورم من ذلك أنفه، يريد أن يكون الأمر دونه، ثم رأيتم الدنيا مقبلة، ولما تقبل وهي مقبلة، حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج(3)، وتأملون الاضطجاع على الصوف الأذربي کما يألم

ص: 108


1- بارئا: سليما معافي
2- الولاية: المسؤولية والنصرة والقيام بالأمر
3- الديباج: هو الثّياب المتخذة من الإبريسم أي الحرير الرقيق

أحدكم اليوم أن ينام على شوك السعدان(1).

والله لأن يقدم أحدكم، فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض(2) غمرة الدنيا، وأنتم أول ضال بالناس غدا، تصفونهم عن الطريق يمينا وشمالا، یا هادي الطريق، إنما هو الفجر أو البحر.

قال عبد الرحمن: فقلت له: خفض عليك رحمك فإن هذا يهيضك على ما بك، إنما الناس في أمرك بين رجلين، إما رجل رأى ما رأيت فهو معك، وإما رجل خالفك، فهو يشير عليك برأيه، وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت إلا الخير، وإن كنت لصالحا مصلحا، فسكت.

ثم قال: مع أنك، والحمد لله ما تأسى على شيء من الدنيا، فقال: أجل إني لا آسی(3) من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني تركتهن، وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن، وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم).

أما اللاتي وددت أني تركتهن، فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة عن شيء، وإن كانوا قد أغلقوا على الحرب، وودت أني لم أكن حرقت الفجاءة السلمي، ليتني قتلته سريحا، أو خليته نجيحا، ولم أحرقه بالنار، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة، كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين، عمر بن الخطاب أو أبي عبيدة بن الجراح، فكان أحدهما أميراً، وكنت أنا وزیراً.

ص: 109


1- السعدان: نبت ذو شوك، وهو من جيّد مراعي الإبل تسمن عليه
2- خاض الشيء: دخله ومشى فيه
3- آسی: أحزن

وأما اللاتي تركتهن، فوددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس الكندي أسيراً، كنت ضربت عنقه، فإنه يخيل إلى أنه لن يرى شراً إلا أعان عليه، ووددت أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة، فإن ظفر المسلمون، ظفروا، وإن هزموا کنت بصدد لقاء أو مدد، ووددت أني إذ وجهت خالداً إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فكنت قد بسطت يدي كلتيها في سبيل الله.

وأما اللاتي وددت أني كنت سألت عنهن رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، فوددت أني سألت رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) لمن هذا الأمر، فلا ينازعه أحد، ووددت أني كنت سألته: هل للأنصار في هذا الأمر شيء؟ ووددت أني كنت سألته عن ميراث ابنة الأخ والعمة، فإن في نفسي منها شيئاً)(1).

ولكن مع كل هذا الأسى والندم، والإقرار، والاعتراف الصريح بجريمة

ص: 110


1- الأموال لابن زنجويه: ج 1، ص 387، حدیث 364؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 1، ص62؛ الاكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي: ص 174؛ الخصائل للصدوق: ص 172؛ تاریخ الطبري: ج 2، ص 353، ط دار الكتب العلمية؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ج 3، ص 118؛ تاریخ ابن عساکر: ج 30، ص 18؛ العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي: ج 2، ص 78؛ مروج الذهب للمسعودي: ج 1، ص 290، ط دار القلم؛ اعجاز القرآن للباقلاني: ج 1، ص 138 - 139، ولم يورد کشف بيت فاطمة عليها السلام؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2، ص 47؛ سمط النجوم العوالي للعاصمي: ج 1، ص 443، ط المطبعة السلفية بالقاهرة؛ البحار للمجلسي: ج 30، ص 123؛ ضعفاء العقيلي: ج 3، ص 43؛ میزان الاعتدال للذهبي: ج 5، ص 13؛ لسان الميزان لابن حجر: ج 4، ص 189؛ الأحاديث المختارة للمقدسي: ج 1، ص 89؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 5، ص 203؛ نهج الحق: ص 265

کشف بیت فاطمة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) واقتحامه وحرقه وهو بيت سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) بید أولئك المسلمين الذين قادهم خليفتهم عمر بن الخطاب!!! وهو ما أخرجه ابن ابي شيبة الكوفي(1)؛ وابن أبي عاصم(2) وغيرهم(3) سواء من نقل تهدید عمر بن الخطاب بحرق بيت النبوة بمن فيه، أو الذين حذفوا التهديد(4).

يبقى الكثير من أعلام أهل السُنّة والجماعة قد تضافر على هضم فاطمة (عليها السلام) کما أخبر بذلك أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام):

«إِنَّا لِلَّه وإِنَّا إِلَيْه راجِعُونَ»، فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ وأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ، أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ وأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ، إِلَى أَنْ يَخْتَارَ اللهَّ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مُقِيمٌ، وسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا، فَأَخْفِهَا السُّؤَالَ واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ، هَذَا ولَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ ولَمْ يَخْلُ مِنْكَ الذِّكْرُ، والسَّلَامُ عَلَيْکُمَا سَلَامَ مُوَدِّعٍ لَا قَالٍ ولَا سَئِمٍ، فَإِن أَنْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ، وإِنْ أُقِمْ فَلَا سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللهَّ الصَّابِرِينَ»(5).

ص: 111


1- المصنّف: ج 8 ص 572 بتحقيق سعيد اللحام
2- المذكر والتذكير والذكر: ص 91، ط المنار دار الرياض
3- السقيفة وفدك للجوهري: ص 40؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 2 ص 445 کنز العمال للمتقي الهندي: ج 5 ص 651؛ جامع الأحاديث للسيوطي: ج 26 ص 395؛ مجلة البحوث الإسلامية، تصدر عن الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد: ج 82 ص 317، السعودية
4- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 3 ص 975؛ الوافي بالوفيات للصفدي: ج 17 ص 197؛ نهاية الإرب للنويري: ج 19 ص 60؛ فضائل الصحابة لابن حنبل: ج 1 ص 364
5- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح، الخطبة: 202، ص 320

المسألة الخامسة: محاولة الألباني في رد التناقض بين أقوال أبي بكر.

حاول الألباني ردّ التناقض في أقوال أبي بكر فاعقب الحديث بقوله:

(بأسناد حسن، رجاله ثقات، رجال مسلم غير أن ابن جميع، وهو عبد الله بن الوليد بن جميع، ضعفه بعضهم من قبل حفظه حتى قال على تساهله لو لم يذكره مسلم في صحيحه لكان أولى؛ وقال الحافظ في التقريب: (صدوق، بهم، ورمي بالتشيع)(1).

أقول:

1. کون ابن جميع (رحمه الله) شيعياً لا يضر في حسن الحديث ووثاقته وصلاح الاحتجاج به، بل: أن تشیعه دليل صدقه، فضلا عن كاشفته لتحسس النواصب والمخالفين لعترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وممن يتشیع هم ويودهم ويأخذ بهديهم.

كونه من رجال مسلم ومشهود له بالوثاقة وبالصدق ليقطع الطريق على من قال بضعف حفظه فهي محالو یائسة وبائسة لرد التناقض في أقوال أبي بكر بين قوله (لا نورّث) وإقراره ب: (يرثه أهله).

إذن:

لم يكن في هذا الحديث الصحيح: (بل يرثه أهله)، خلل ولا (نكارة) کما يقول الذهبي، وإنما لان فيه من الرواة الذين لا يروق له ذكرهم ولا لغيره

ص: 112


1- أرواء الغليل: ج 5 ص 76

من أعلام أهل السُنّة والجماعة، وهو ما صرّح به ابن کثیر، بقوله:

(في لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة، ولعله روي بمعنی ما فهمه بعض الرواة، وفيهم من فيه تشيع فليعلم ذلك).

نعم: فليعلم ذلك أن الحاكمية في منهاج أهل السُنّة والجماعة هي الأنساق الثقافية والتعصب للمورث العقدي وليس القران والسُنّة النبوية والعقل.

«يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ».

تم العمل بفضل الله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم). وخير ما نختم به الكتاب ذکر الصلاة على محمد وال محمد، فنقول:

اللّهم صلي على بضعة نبيك وصفوة حبيك وقرة عينه ما شرقت شمس وأفلت، وتعاقب الليل والنهار، وصلي على بعلها وحليلها، وليك المعّظم، ووصي رسولك المقدم على الخلق أجمعين، والمصطفى من الأنبياء والمرسلين، والمختار بعلم على الخلق أجمعين.

اللهم صل على ولديها الحسن والحسين، حججك على خلقك، وصفوتك من نور نبيك، وأمنائك على شريعتك.

اللهم صل على ولدها، أئمة الهدى وأعلام التقي، علي بن الحسين السجاد، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، و موسی بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسی الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، والحجة بن الحسن المهدي المنتظر الإقامة العدل وهدم الجور وإحياء السُنّة وإماتة البدعة.

ص: 113

ف: «هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وعِمَادُ الْيَقِينِ، إِلَيْهِمْ یَفِيءُ الْغَاليِ وبِهِمْ يُلْحَقُ التَّاليِ، ولَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَةِ، وفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ والْوِرَثَهُ».

اللهم إنا نصلي على رسولك بما صلى عليه أخيه ووصيه وخليفته في أمته أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام):

«اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ ودَاعِمَ الْمَسْمُوکَاتِ وجَابِلَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا شَقِیِّهَا وسَعِيدِهَا اجْعَلْ شَرَائِفُ صَلَوَاتِكَ ونَوَامِيَ بَرَکَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسُولِكَ الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ والْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ والْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ والدَّافِعِ جَیْشَاتِ الأَبَاطِيلِ والدَّامِغِ صَوْلَاتِ الأَضَالِيلِ کَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ غَيْرَ نَاکِلٍ عَنْ قُدُمٍ ولَا وَاه فِي عَزْمٍ وَاعِياً لِوَحْیِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ حَتَّى أَوْرَی قَبَسَ الْقَابِسِ وأَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ وهُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ والآثَامِ وأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الأَعْلَامِ ونَیِّرَاتِ الأَحْکَامِ فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ وخَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ وشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ وبَعِیثُكَ بِالْحَقِّ ورَسُولُكَ إِلَى الْخُلْقِ. اللَّهُمَّ افْسَحْ لَه مَفْسَحاً فِي ظِلِّكَ واجْزِه مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ اللَّهُمَّ وأَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَه وأَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَه وأَتْمِمْ لَه نُورَه واجْزِه مِنِ ابْتِعَاثِكَ لَه مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ مَرْضِيَّ الْمَقَالَةِ ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ وخُطْبَةٍ اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا وبَيْنَه فِي بَرْدِ الْعَيْشِ وقَرَارِ النِّعْمَةِ ومُنَى الشَّهَوَاتِ وأَهْوَاءِ اللَّذَّاتِ ورَخَاءِ الدَّعَةِ ومُنْتَهَى الطُّمَأْنِينَةِ وتُحَفِ الْكَرَامَةِ).

والحمد لله رب العالمين على فضله وفضل رسوله (صلی الله علیه وآله وسلم).

ص: 114

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم 1. الأحاديث المختارة، أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد الحنبلي المقدسي، (ت: 643 ه)، تحقيق ومراجعة: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، الناشر: مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، ط 1، 1410.

2. الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، (ت: 548 ه)، تحقيق: تعليق وملاحظات:

السيد محمد باقر الخرسان، 1386 - 1966 م، الناشر: دار النعمان للطباعة والنشر - النجف الأشرف.

3. إرواء الغليل، محمد ناصر الألباني، تحقيق: زهير الشاویش، ط 2، لسنة:

1405 - 1985 م، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان.

4. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي، تحقيق: محمد علي البجاوي، الناشر: دار الجيل، 1412 - 1992.

5. اعجاز القرآن، أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني، تحقيق: أحمد صقر، طبع: دار المعارف، 1382 ه، 1963 م ط 1، القاهرة - مصر.

6. الاقتصاد، الشيخ الطوسي (ت: 460 ه)، 1400، مطبعة الخيام - قم، الناشر: منشورات مكتبة جامع چهلستون - طهران.

7. الاكمال في أسماء الرجال، الخطيب التبريزي، (ت: 741 ه)، تحقيق: أبو

ص: 115

أسد الله بن الحافظ محمد عبد الله الأنصاري، الناشر: مؤسسة أهل البيت (عليهم السلام).

8. الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، أسد حيدر طبع ونشر مؤسسة دار الكتاب الإسلامي بيروت.

9. الأموال، حميد بن مخلد زنجوية (ت: 251 ه)، تحقيق: الدكتور شاکر ذیب فياض، طبع: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية لسنة 1406 ه، 1989 م، ط 1، الرياض - المملكة العربية السعودية.

10. أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى البلاذري (ت: 279 ه)، تحقيق: محمود الفردوس العظم، صبحي المارديني، طبع : دار اليقظة العربية لسنة 1417 ه، 1997 م، دمشق - سوريا.

11.الأنساق الثقافية المضمرة، لجمال مجناح، الجزائر.

12. بحار الأنوار، العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، ط 2 المصححة، 1403 ه - 1983 م، مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان - صرب.

13. البحر المحيط في أصول الفقه، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (ت: 794 ه) الناشر: دار الكتبي، ط 1، 1414ه - 1994 م.

14. البداية والنهاية، الحافظ أبي الفداء ابن کثیر الدمشقي (ت: 774 ه)، طبع: دار الکتب العلمية لسنة 1414 ه، 1994 م، بیروت - لبنان.

15. البيان والتبيان، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت: 255 ه)، تحقيق:

عبد السلام محمد هارون، طبع: دار الفکر، بیروت - لبنان.

ص: 116

16. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (ت: 748 ه)، تحقيق: الدكتور عمر عبد السلام تدمري، طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1407 ه، 1987 م، بيروت - لبنان.

17. تاريخ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، طبع: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

18. تاريخ المدينة (أخبار المدينة المنورة)، ابن شبه أبو زيد عمر بن شیبه النميري البصري (ت: 262 ه)، طبع: مطبعة قدس لسنة 1410 ه، 1980 م، ط 2، قم المقدسة - إيران.

19. تاريخ اليعقوبي، اليعقوبي، (ت: 284 ه)، الناشر: دار صادر، بیروت - لبنان.

20. تاریخ بغداد وذيوله، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (ت 463 ه)، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، طبع: دار الکتب العلمية لسنة 1417 ه، 1997 م، ط 1، بيروت - لبنان.

21. تاريخ مدينة دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (ت: 571 ه)، تحقيق: عمر بن غرامة العمر وي، طبع : دار الفكر للطباعة والنشر التوزيع لسنة 1415 ه، 1995 م، بيروت - لبنان.

22. تذكرة الحافظ، أبو عبد الله، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قایاز الذهبي (ت: 748 ه)، طبع: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.

23. التذكرة الحمدونية، أبو المعالي محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون

ص: 117

(ت: 562 ه)، طبع: دار صادر لسنة 1416 ه، 1996 م، بيروت - لبنان.

24. تزاوج الاختصاصات، نجيب عبد الواحد؛ 3يونيو 2017؛ الدراسات البينية التعليم العالي.

25. التعريفات، علي بن محمد السيد الشريف الجرحاني، المحقق: محمد صديق المنشاوي، الناشر: دار الفضيلة.

26. التفسير الكبير، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن التيمي الرازي الملقب فخر الدين بن حياء الدين الرازي المشتهر بخطيب الري (ت: 606 ه)، تحقيق: حسين بركة الشامي، طبع: مؤسسة دار السلام لسنة 1418 ه، 1997 م، ط 1، لندن.

27. التمهيد، ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري (ت: 463ه)، تحقيق : مصطفى أحمد العلوي، طبع: وزارة عموم الأوقاف، المغرب.

28. جامع الأحاديث (الجامع الصغير وزوائده والجامع الكبير والجامع الأزهر) جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت: 911 ه)، تحقيق: عباس أحمد صقر، أحمد عبد الجواد، إشراف: مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر، طبع: دار الفکر، بیروت - لبنان.

29. جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه السلام)، أبو البرکات محمد بن أحمد الدمشقي الباعوني، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط 1، سنة الطبع: 1416 ه، نشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، قم المقدسة.

30. الخصائل، الشيخ الصدوق، (ت: 381 ه)، تحقيق: تصحيح وتعليق:

علي أكبر الغفاري، 18 ذي القعدة الحرام 1403 - 1392 ش، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

ص: 118

31. رسائل الشريف المرتضى، الشريف المرتضی، ط 1، نشر: دار القرآن الكريم، سنة الطبع: 1405 ه، قم المقدسة.

32. الرياض النضرة، الطبري أحمد بن عبد الله (ت: 694 ه)، طبع: دار المغرب الإسلامي، بيروت - لبنان.

33. السقيفة ووفدك، الجوهري (ت: 323 ه)، تقديم وجمع وتحقيق: الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني، طبع: شركة الكتبي للطباعة والنشر لسنة 1413 ه، 1993 م، ط 2، بيروت - لبنان.

34. سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك المكي العصامي (ت: 1111 ه)، طبع: المكتبة السلفية، القاهرة - مصر.

35. سنن أبي داوود، ابو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق وتعليق:

سعد محمد اللحام، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1410 ه، 1990 م، بيروت.

36. السنن الكبرى، البيهقي الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت:

458 ه)، طبع : دار المعرفة، 1413 ه، 1993 م، بیروت - لبنان.

37. السيرة النبوية، ابن کثیر (ت: 774 ه)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، طبع: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، 1396 ه، 1976 م، بيروت - لبنان.

38. الشافي في الامامة، الشريف المرتضى (ت: 436 ه)، طبع: مؤسسة إسماعيليان، 1410 ه، 1990 م، ط 2، قم المقدسة - إيران.

39. شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن عاد الحنبلي أبي الفلاح عبد الحي، (ت: 1089 ه)، ذخائر التراث العربي، دار إحياء الكتاب العربي،

ص: 119

بيروت - لبنان، (د. ت).

40. مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، محمد عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي اليمني المكي، (ت: 768 ه)، وضع حواشيه: خلیل المنصور، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1، 1417 ه - 1997 م.

41. شرح الاخبار، القاضي النعمان المغربي، (ت: 363ه)، تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي، ط 2 ، لسنة: 1414، الناشر: مؤسسة النشر، قم المشرفة.

42. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 655 ه)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، طبع: دار إحياء الكتب العربية لسنة 1378 ه، 1959 م، ط 1، بغداد - العراق.

43. شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني، (ت: 679 ه)، تحقيق: عني بتصحيحه عدة من الأفاضل وقوبل بعدة نسخ موثوق بها، ط 1، تابستان 1362 ش، المطبعة: چاپخانه دفتر تبلیغات إسلامي، الناشر: مركز النشر مكتب الاعلام الإسلامي - الحوزة العلمية - قم - إيران.

44. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حمّاد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، طبع: دار العلم للملايين، 1410 ه، 1990 م، ط 4، بیروت - لبنان.

45. صحيح البخاري، ابو عبد الله محمد بن اسماعیل بن المغيرة بن البخاري، ط 4، نشر: عالم الكتب، سنة الطبع: 1405 ه، بيروت.

46. صحيح مسلم، مسلم النيسابوري (ت: 261 ه)، طبع: دار الفكر، بيروت - لبنان.

ص: 120

47. صحيفة المدينة، يوم الاثنين، 28 شوال - 1 يوليو 2019 48. ضعفاء العقيلي، العقيلي (ت: 322 ه)، تحقيق: الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، طبع: دار الكتب العلمية، 1418 ه، 1998 م، ط 2، بیروت - لبنان.

49. الطبقات الکبری، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع المعروف بابن سعد (ت: 230 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، طبع: دار الكتب العلمية، 1410 ه، 1990 م، ط 1، بیروت - لبنان.

50. الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، السيد ابن طاووس، ط مطبعة الخيام، قم - إيران.

51. العقد الفريد، أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (ت:

328 ه)، طبع : دار الكتاب العربي، 1403 ه، 1983 م، بیروت - لبنان.

52. علل الشرائع، أبو جعفر محمد بن علي الصدوق رحمه الله، تحقيق: السيد محمد الصادق بحر العلوم، طبع: مؤسسة الأعلمي، 1408 ه، 1987 م، ط 1، بیروت - لبنان.

53. عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، أبو محمد محمود بن أحمد بن موسي بن أحمد بدر الدين العيني الحنفي (ت: 855 ه)، طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1424 ه، 2004 م، ط 1، بيروت - لبنان.

54. الفروق اللغوية، أبي هلال العسكري، (ت: 395 ه)، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، شوال المکرم 1412، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

55. فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني (ت: 241 ه)، تحقيق: وصي الله محمد عباس، طبع: مؤسسة الرسالة لسنة: 1402، 1982 م.

ص: 121

56. القاموس المحيط، الشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، ط 1، طبع: مؤسسة النوري لسنة 1408 ه، 1987 م، دمشق - سوريا.

57. كتاب العين، للفراهيدي، ط 2، مؤسسة دار الهجرة، لسنة 1409 ه.

58. کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي (ت: 975 ه)، ضبط و تفسير: الشيخ بكري حياني، نشر: مؤسسة الرسالة، 1409 ه، 1989 م، بيروت - لبنان.

59. لسان العرب، جمال الدين محمد بن مکرم بن منظور الانصاري المصري، تحقيق: عامر أحمد حیدر، طبع: دار الكتب العلمية، 1424 ه، 2004 م، ط 1، بیروت - لبنان.

60. لسان الميزان، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، أبو الفضل شهاب الدين، تحقيق: عبد الفتاح أبي غدة، طبع: مكتبة المطبوعات الإسلامية، 1423 ه، 2002 م، ط 1، الاسكندرية - مصر.

61. مجلة البحوث الإسلامية، تصدر عن الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، السعودية.

62. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، (ت: 807 ه)، بتحرير الحافظين الجليلين: العراقي وابن جحر، 1408 ه - 1988 م، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

63. المخصص، أبو الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي المعروف بابن سيده (ت: 458 ه)، طبع : دار الفكر، 1398 ه، 1978 م، بيروت - لبنان.

64. المذكر والتذكير والذكر، أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن

ص: 122

الضحاك بن مخلد الشيباني (ت: 287 ه)، تحقيق: یاسر خالد بن قاسم الردادي، الناشر: دار المنار - الرياض، 1413 ه.

65. مروج الذهب ومعادن الجوهر، علي بن الحسين المسعودي (ت: 346 ه)، طبع: دار القلم، بيروت - لبنان.

66. مسند أحمد، احمد بن حنبل، (ت: 241 ه)، الناشر: مؤسسة قرطبة - مصر.

67. المصنّف، ابن ابي شيبة الكوفي، (ت: 335 ه)، تحقيق وتعليق: سعید اللحام، ط 1، جماد الآخرة 1409 - 1989 م، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

68. المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والانجليزية واللاتينية، جميل صليبا، دار الكتاب اللبناني.

69. المعجم الكبير، الطبراني، سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني أبو القاسم (ت: 360 ه)، تحقيق: حمدي السلفي، طبع: مكتبة العلوم والحكم لسنة 1404 ه، 1983 م، الموصل - العراق.

70. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، محمد عبد الرحمن، دار الفضيلة للنشر والتوزيع والتصدير.

71. معجم لغة الفقهاء، محمد قلعجي - حامد صادق قنيبي، الناشر: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، ط 2، 1408 ه - 1988 م.

72. معجم مقاییس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زکریا (ت:

395 ه)، طبع : دار الفكر لسنة 1399 ه، 1979 م، بیروت - لبنان.

73. میزان الاعتدال، الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، طبع: دار المعرفة

ص: 123

للطباعة والنشر لسنة 1382 ه، 1963 م، ط 1، بیروت - لبنان.

74. النسق الثقافي في الكتابة، عبد الرحمن عبد الدايم، جامعة مولودي كلية الآداب؛ الجزائر.

75. نهاية الأرب في فنون الأدب، شهاب الدين، أحمد بن عبد الوهاب النويري (ت: 733 ه)، طبع : مطبعة دار الكتب المصرية لسنة 1374 ه، 1955 م، القاهرة - مصر.

76. نهج البلاغة، بتحقيق صبحي الصالح، ط 1، 1387 ه - 1967 م، بیروت.

77. نهج البلاغة، شرح محمد عبدة، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان.

78. نهج الحق وكشف الصدق، العلامة الحلي، تقديم: السيد رضا الصدر، تعليق: الشيخ عين الله الحسني الأرموي، طبع: مؤسسة الطباعة والنشر دار الهجرة، 1421 ه، 2000 م، قم المقدسة - إيران.

79. الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي (ت:

764 ه)، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، الناشر: دار إحياء التراث - بيروت، 1420 ه - 2000 م.

ص: 124

المحتويات

مقدمة الكتاب...7

الفصل الأول: مصطلحات الدراسة ومناهلها المعرفية...23

المبحث الأول: معنى مصطلح (حرب الكلمة) ومفهومه...25

المسالة الأولى: معنی مفردة (حرب) ومفهومها اللغوي ودلالتها القرآنية...25

أولاً: معناها اللغوي...25

ثانياً: مفهومها ودلالتها القرآنية...26

المسألة الثانية: معنی مفردة (كلمة) ومفهومها اللغوي ودلالتها القرآنية...28

أولاً: معنی مفردة (الكلمة) في اللغة...28

ثانياً: مفهومها ودلالتها القرآنية...29

المبحث الثاني: معنى الفكر في اللغة والاصطلاح...33

المسألة الأولى: الفكر لغة...33

المسألة الثانية: الفكر أصطلاحاً...34

المبحث الثالث: معنى الفهم في اللغة والاصطلاح...37

المسألة الأولى: الفهم لغة...37

المسألة الثانية: الفهم اصطلاحاً...38

المسألة الثالثة: الفرق بين الفهم والعلم...38

ص: 125

المبحث الرابع: معنى مصطلح (النسق الثقافي) ومفهومه...41

المسألة الأولى: معنى النسق في اللغة...42

المسألة الثانية: معنى النسق في العلوم الاجتماعية...42

المبحث الخامس: مشكلة الدراسة ونوعها وحقولها المعرفية ومناهج البحث...47

المسألة الأولى: مشكلة الدراسة والغاية منها وهدفها...47

أولاً: مشكلة الدراسة...47

ثانياً: هدف الدراسة...48

المسألة الثانية: تعريف الدراسة البينية...50

المسألة الثالثة: حقول الدراسة المعرفية...51

المسألة الرابعة: مناهج البحث...51

الفصل الثاني: كيف استطاعت فاطمة (علیها السلام) أن تنتزع التناقض في أقوال أبي بكر؟ وما هو رأي أعلام أهل السُنّة والجماعة في هذا التناقض؟...53

المبحث الأول: تحديد عائشة لعناصر الخلاف فيما شجر بين فاطمة (علیها السلام) وأبي بكر، وأنّها أول من أنكر وغاير في الدعوى...55

المسألة الأولى: إنّ عائشة هي أول من جمع العناوين الشرعية الثلاثة: (الإرث، والنِحَل، وسهم ذي القربی) في عنوان واحد بعد أبيها، وتكتّمت على أموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)...55

المسألة الثانية: إنّ أموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) تنقسم إلى ثلاثة أقسام...57

أولاً: أمواله (صلی الله علیه وآله وسلم) في المدينة...57

ثانيًا: أرض فدك...58

ثالثاً: خمس خیبر...58

ص: 126

رابعاً: أما ما أنكرته عائشة وتكتَّمت عليه...58

خامساً: أموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) المعيشية...59

المسألة الثالثة: إطلاق اسم جدید و عنوان تشریعي على هذه الأموال...60

المسألة الرابعة: إن أبا بكر كان يدرك جيداً أن هذه الأموال هي مما يستعين به آل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) على مؤونتهم وما يتبعه من آثار أذى فاطمة (علیها السلام)...60

المبحث الثاني: الأصول التي قامت عليها المواريث في القرآن ومعارضتها لحديث (لا نورِّث)...63

الأصل الأول: إنّ أحكام الشريعة تجري على النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قبل أن تجري على أمته...65

الأصل الثاني: إنّ النبوة غير مانعة للإرث ومعطلة للشريعة...68

الأصل الثالث: لا تقييد في القرآن يخرج النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) من الحكم...69

الأصل الرابع: لا تخصیص في القرآن يمنع النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) من الإرث...70

الأصل الخامس: اختلاف الملة منتف بينهما (صلوات الله عليهما)...71

المبحث الثالث: انتزاع فاطمة (علیها السلام) الإقرار من أبي بكر بأن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم): يرثه أهله...73

المسألة الأولى: رواية أنس بن مالك ودلالتها...74

أولاً: نص الرواية...74

ثانياً: دلالة الرواية...77

المسألة الثانية: رواية أم هانئ ودلالتها...78

أولاً: نص الرواية...79

ثانياً: دلالة الرواية...80

ص: 127

المسألة الثالثة: رواية أبو الطفيل...82

أولاً: نص الرواية...83

ثانياً: دلالة الرواية...84

المبحث الرابع: محاولات أعلام أهل السٌنّة والجماعة رفع التناقض في أقوال أبي بكر بين قوله: (لا نورِّث) و (يرثه أهله) وبيان فشل هذه المحاولات...87

المسألة الأولى: محاولة الجوهري في رد التناقض بين أقوال أبي بكر...88

المسألة الثانية: محاولة ابن عبد البر في رد التناقض بين أقوال أبي بكر...89

المسألة الثالثة: محاولة الذهبي في رد التناقض بين أقوال أبي بكر...96

المسألة الرابعة: محاولة ابن كثير في رد التناقض بين أقوال أبي بكر...97

المسألة الخامسة: محاولة الألباني في رد التناقض بين أقوال أبي بكر...112

المصادر والمراجع...117

المحتويات...125

ص: 128

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.