تأويلات اعلام اهل السنة والجماعة في ترك أبي بكر سلاح النبي ومتاعه لفاطمة (علیها السلام)

هوية الکتاب

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 2794 لسنة 2021 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف:

ISBN 978-9922.9466- 1-0

BP76.8 .H38 2021 : LC المؤلف الشخصي: الحسني، نبيل، 1384 - للهجرة - مؤلف.

العنوان: تأويلات اعلام اهل السنة والجماعة في ترك أبي بكر سلاح النبي ومتاعه لفاطمة (علیها السلام) بين التوريث في الأموال والمعيشة ومنعه في الموارد المالية: دراسة وتحليل في قراءة المرتكزات الفكرية والمفاهيمية في ضوء مقاصدية القرآن والسنة لاستكناه قول الامام علي (علیها السلام) وكاشفيته في تضافر الأمة على هضم فاطمة (علیها السلام).

بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2021 / 1442 للهجرة.

الوصف المادي: 175 صفحة؛ 24 سم.

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ISBN 978-9922.9466- 1-0 رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 2794 لسنة 2021 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف:

BP76.8 .H38 2021 : LC المؤلف الشخصي: الحسني، نبيل، 1384 - للهجرة - مؤلف.

العنوان: تأويلات اعلام اهل السنة والجماعة في ترك أبي بكر سلاح النبي ومتاعه لفاطمة (علیها السلام) بين التوريث في الأموال والمعيشة ومنعه في الموارد المالية: دراسة وتحليل في قراءة المرتكزات الفكرية والمفاهيمية في ضوء مقاصدية القرآن والسنة لاستكناه قول الامام علي (علیها السلام) وكاشفيته في تضافر الأمة على هضم فاطمة (علیها السلام).

بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2021 / 1442 للهجرة.

الوصف المادي: 175 صفحة؛ 24 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 920).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 200).

سلسلة النشر: (سلسلة دراسات في آل علي (علیهم السلام)؛ 10، الصديقة فاطمة الزهراء (علیها السلام)؛ 6).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 149 - 169).

موضوع شخصي: محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)، النبي، 53 قبل الهجرة - 11 للهجرة - المال.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء، فاطمة بنت محمد بن عبد الله (علیها السلام)، 8 قبل الهجرة - 11 للهجرة - المواريث.

موضوع شخصي: أبو بكر، عبد الله بن أبي قحافة، 51 قبل الهجرة - 13 للهجرة - الخصومة مع فاطمة (علیها السلام).

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق)، مؤسسة علوم نهج البلاغة، جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 2

سلسلة دراسات في آل علي (علیهم السلام) (10) الصديقة الطاهرة فاطمة (علیها السلام) (6) بین التوريث في الاموال المعيشية ومنعه في الموارد المالية دراسة بینیه في قراءة المرتكزات الفكرية والمفاهیمیة ومقاصدیة القرآن والسنة وحاکمیة الأساق الثقافیة لاستکناه دلالات قول الإمام علي علیهه السلام وکاشفیته في تضافر الأمة علی هضم فاطمة تأليف السید النبیل الحسني الكربلائي اصدار مؤسسة علوم البلاغة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1442 ه - 2021 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر (عليه السلام) مؤسسة علوم نهج البلاغة الموقع الألكتروني:

www.inahj.org الإيميل:

Inahj.org@gmail.com موبایل: 07815016633 - 07728243600

ص: 4

الإهْدَاء إلی..

من خصها الله بالسلام وجعلها حليلة خير الأنام (صلی الله علیه وآله وسلم) إلى..

من أكرمها الله بفاطمة خيرة النسوان وجعل سبطيها إماميّ الإنس والجان إلى..

من أعاضها الله بالنّحْل لما بذلت، والمعنِيّة بالنفل لما آزرت إلى..

من حاربها المشركون، وناصبها المنافقون، وبحنس حقها المسلمون إلى..

سيدتي ومولاتي وجدتي أم المؤمنين خديجة (علیها السلام) وكفى بذالك حسبًا وشافعًا بین یدي ابنتها بضعة التيوة وصفوة الرسالة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).

أهدي كتابي «خادمك وولدك نبيل»

ص: 5

ص: 6

استهلال قال أمير المؤمنين الإمام علي (علیه السلام)، وهو يخاطب رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فيبثه شكواه وتظلمه بعد أن وارى فاطمة (علیهاالسلام) في ثراها:

«وسَتُنْبِنُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ فَکَمْ مِنْ غَلِيلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلَى بَثَّه سَبِيلاً وسَتَقُولُ ويَحْکُمُ اللَّه وهُوَ خَيْرُ الْحَاکِمِينَ»(1)

ص: 7


1- الكافي للكليني: ج 1 ص 459؛ نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي: الخطبة 202؛ أمالي المفيد: ص 238

ص: 8

مقدِّمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم «الحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُكْرُ عَلى ما ألْهَمَ، والثَناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغُ آلاءِ أسْداها، وَتَمامٍ مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الإِحْصاءِ عَدَدُها، وَنَأى عَنِ الجَزاءِ أمَدُها، وَتَفاوَتَ عَنِ الإِدْراكِ أبَدُها، وَنَدَبَهُمْ لاسْتِزادَتِها بِالشكْرِ لاتّصالِها، وَاسْتَحْمَدَ إلى الخَلائِقِ بِإِجْزالِها، وَثنّی بِالنَّدْبِ إلى أمْثالِها»(1).

والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الأمجد، والرسولِ المسدَّدِ، أبي القاسم محمَّد، عبدُهُ ورسولُهُ، «أَرْسَلَه بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ والْعَلَمِ الْمَأْثُورِ، والْكِتَابِ الْمَسْطُورِ، والنُّورِ السَّاطِعِ، والضِّيَاءِ اللَّامِعِ والأَمْرِ الصَّادِعِ، إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ واحْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ، وتَحْذِيراً بِالآيَاتِ وتَخْوِيفاً بِالْمَثُلَاتِ»(2)، وعلى آله وعترته وأهل بيته وثقله الأصغر في أُمَّته، حُجَجِ الله على خلقه، وَ«هُمْ مَوْضِعُ سِرِّه ولَجَأُ أَمْرِه، وعَيْبَةُ عِلْمِه ومَوْئِلُ حُکْمِه، وکُهُوفُ کُتُبِه وجِبَالُ دِينِه، بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِه وأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِه»(3).

ص: 9


1- الاحتجاج للطبرسي: خطبة الزهراء (عليها السلام): ج 1 ص 132
2- نهج البلاغة، بشرح محمد عبده، الخطبة الثانية: ج 1 ص 14
3- المصدر نفسه: ج 1 ص 29 - 30

أمّا بعدُ:

فقد شغلت قضية بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) وما شجر بينها وبين أبي بكر وعمر، حیزا واسعا في التراث الإسلامي، وذلك لنفاذها في العديد من الحقول المعرّفية، كالفقه، والحديث، والتفسير، والكلام، والعقيدة، والرجال، والجرح والتعديل، والتاريخ، والسيرة، فضلا عن حقل الاجتماع، والسياسية، والتربية والأخلاق، وغيرها من المعارف الإسلامية، بل والإنسانية.

وذلك لما ترتب على هذه القضية من أثار متعددة ومستمرة تمثلت في مخاصمتها لأبي بكر وعمر فهجرتها ولم تكلمها حتى لحقت بأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فسجلت بذلك استفهامات متعددة، وإشكالات متنوعة تبحث عن إجابات علمية عبر البحث والدراسة، ولقد منَّ اللهُ علينا بسابق لطفه، وفضله وفضل رسوله (صلى الله عليه واله) بالبحث والتتبع الأقوال أعلام أهل السُنّة والجماعة، واستقرائها ودراستها وتحليلها، في العديد من الحقول المعرفية، فظهر تظافرهم على هضمها (عليها السلام)، فكان مصداقاً لقول أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) بعد أن واری فاطمة (عليها السلام) في روضتها، فأخذ ببث شكواه إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) وتظلمه له بما لاقته بضعته النبوية (عليها السلام)، قائلاً:

«وسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ»(1).

ص: 10


1- الكافي للكليني: ج1 ص 459؛ نهج البلاغة بتحقيق صبحي صالح، الخطبة: 202، ص 320؛ أمالي المفيد: ص 238

فكان مما وفقنا الله أليه ودراسته في هذه الحقول المعرفية:

أولاً: في حقل الحديث النبوي الشريف وعلومه وشروحه، كانت لنا خمس دراسات، وهي على النحو الآتي:

1 - تناولنا دراسة الحديث المزعوم: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة) وتحليله، والموسوم ب: (معارضة حديث لا نورث للقرآن والسُنّة واللغة، دراسة بينية في قراءة المرتكزات الفكرية والمفاهيمية والأنساق الثقافية لأعلام أهل السُنَّة والجماعة).

وخلصت الدراسة إلى أن هذا الحديث معارض للقرآن والسُنّة النبوية واللغة، وأن أعلام أهل السُنّة لا يحتکمون إلى القرآن والسُنّة النبوية واللغة وإنما إلى الأنساق الثقافية والعقدية التي نشئوا عليها، فهم يغالطون ويتأولون النصوص والضوابط والأصول بغية الانتصار لسُنّة الشيخين فقط لاغير.

وتعد هذه الدراسة، ولله الحمد والمنّة، هي الأولى في المكتبة الإسلامية في مجالها ومنهجها وحقولها المعرفية وما خلصت اليه من نتائج.

2 - في شرح صحيح مسلم، لأبن عثيمين الوهابي الناصبي (ت 1421 ه) تطاول على بضعة النبوة وانتهك حرمة الله ورسوله (صلى الله عليه واله) في سبابه وشتمه لبضعة النبوة - والعياذ بالله - لخصومتها أبي بكر، وهجرها له، وغضبها وسخطها عليه، فيقول في شرحه لحديث (لا نورِّث) الوارد في صحيح مسلم:

(نسأل الله أن يعفوا عنها، وإلا فأبو بكر ما استند إلى رأي، وإنما استند الى نص، (لا نورِّث ما تركناه صدقة)، ولكن كما قلت لكم قبل قليل:

ص: 11

عند المخاصمة لا يبقى للإنسان عقل يدرك به مايقول، أو يفعل، أو ما هو الصواب فيه، فنسأل الله أن يعفوا عنها، وعن هجرها خليفة رسول الله)(1).

فعزمنا على دراسة المرتكزات الفكرية والمفاهيمية التي أنتجت هذا التجري على الله ورسوله (صلى الله عليه واله)، والموسومة ب: (خصومة فاطمة (عليها السلام) عند ابن عثيمين قراءة في المرتكزات الفكرية والمفاهيمية في ضوء مقاصدية القرآن والسُنّة، دراسة بينية)، وقد خلصت الدراسة إلى أن أعلام أهل السُنّة والجماعة لم يزل الكثير منهم ناقم على بضعة النبوة (عليها السلام) لأنها الحد الفاصل والكاشف بين الإيمان والنفاق، وبين من هو عدو لله ولرسوله (صلى الله عليه واله) وبين من هو ولي لهما، وأن ظلامتها متجددة في كل زمان ومكان، وما ابن عثيمين إلا أنموذجا لهذا الفكر المرتكز على العداء الله ورسوله وأهل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وكيف لا يكون كذلك وقد نَمت عروقه على سموم ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز.

3 - الدراسة الثالثة، كانت في إقرار أبي بكر بإرث النبي (صلى الله عليه واله)، والموسومة ب: (حرب الكلمة في إقرار الخليفة بحقوق فاطمة (عليها السلام) بين قوله (لا نوَّرث) و (یرثه أهله)، وقد خلصت الدراسة إلى بيان اضطراب أعلام أهل السُنّة في تناقض أقوال أبي بكر بين القول بعدم الإرث في الحديث المزعوم: (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ما تركناه صدقة) وبين

ص: 12


1- شرح صحیح مسلم، کتاب الجهاد والسير: ج 6 ص 74 طباعة ونشر المكتبة الإسلامية - السعودية

قوله وإقراره للبضعة النبوية فاطمة (عليها السلام) بقوله لها: (بل يرثه أهله)، وقد جهد بعض أعلام أهل السُنّة في إيجاد مخرج لرفع هذا التناقض، وغفلوا أن الباطل يضرب بعضه بعضاً لاسيما وأن الحديثان صحيحا السند.

4 - الدراسة الرابعة: تناولت رواية عائشة للحديث المزعوم: (لا نورِّث) في ردها على أزواج النبي (صلى الله عليه واله) وقد طالبنّ أبي بكر بإرثهن، والموسومة ب: [ما شجر بين أزواج النبي (صلى الله عليه واله) وعائشة وأثره في إظهار إرث فاطمة (عليها السلام)]، وقد تناولت الدراسة ما شجر من الخلاف بين أزواج النبي (صلى الله عليه واله) وعائشة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله) وقد أرسلن عثمان بن عفان الى أبي بكر يطالبن بإرثهن من رسول الله (صلى الله عليه واله)، فتصدت لهن عائشة بالمنع ونهرتهن بحديث (لا نورِّث)، وقد رّكزت الدراسة على طرق الحديث واختلافات صيغه الى ثمان صيغ، وتعامل أزواج النبي (صلى الله عليه واله) مع عائشة في مواجهة هذا الحديث المزعوم.

5 - الدراسة الخامسة: وقد تناولنا فيها دراسة ظلامة البضعة النبوية (عليها السلام) عِبْرَ مواردها التي جاءت في الصحيحين لاسيما في حادثة مجيء أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) وعم النبي (صلى الله عليه واله) العباس بن عبد المطلب الى عمر بن الخطاب بعد توليه الحكومة أو الخلافة وهما يطالبانه بحقوقها ومنها إرث النبي (صلى الله عليه واله) وبيانهما لموقفها ورأيهما فيما أقترفه أبو بكر في ظلامة البضعة النبوية (عليها السلام) وقيام البخاري بحذف ذلك من صحيحه وأقدام مسلم النيسابوري على

ص: 13

إظهاره ونشره.

ثانياً: في حقل التفسير والحديث - - أيضاً - كانت لنا دراسة لبيان تضافر المفسرين من أهل السُنّة والجماعة على هضم البضعة النبوية (عليها السلام)، والموسومة ب: (مغالطات المحدثين والمفسرين في نحلة سيدة نساء العالمين (عليها السلام) سورة الإسراء والروم أنموذجاً)؛ وقد رّكزت الدراسة على استقراء مغالطات المحدثين والمفسرين في اختصاص الوحي بنحلة فاطمة (عليها السلام) وأنكارهم لنزول الأمر الإلهي على رسول الله (صلى الله عليه واله) مرتين، الأوّلى في سورة الإسراء، والثانية في سورة الروم، وقد جهد أعلام أهل السُنّة في ردِّ هذه الحقيقة عِبْرَ جملة من المغالطات التي تم بفضل الله ردها وبیان زيفها.

ثالثاً: في حقل التاريخ: كانت لنا ثلاث دراسات تناولت تضافر المؤرخين على هضم فاطمة (عليها السلام)، وهي على النحو الآتي:

1 - الأولى، والموسومة ب: (معارضة خلفاء المسلمين لسُنّة أبي بكر في أموال بضعة سيد المرسلين (صلى الله عليه واله)؛ وقد أظهرت الدراسة معارضة خلفاء المسلمين لما سَنّهُ أبو بكر في أموال بضعة النبوة (عليها السلام) ابتداءً من عمر بن الخطاب وانتهاءً بأخر خليفة لبني العباس، وهو (الراضي) وقد وليَّ الخلافة سنة (322 - 329 ه)، وبذلك يتضح أمران، الأول: وهو علم الخلفاء بزيف حديث (لا نورِّث) وأنه مما تفرد به أبو بكر لفرض الحصار على بيت النبوة (عليهم السلام) ومنعهم من السعي لتحقيق مشروع الخلافة، ولذا منع عنهم الموارد الاقتصادية وترك لهم متاع رسول الله (صلى الله عليه واله) وسلاحه ومقتنياته الشخصية.

ص: 14

والأمر الثاني: تحمل أبي بكر وزر ما عمله الخلفاء في هذه الأموال، وهي سهم الله وسهم رسوله (صلى الله عليه واله) من الفيء، وإرث النبي (صلى الله عليه واله) وهو مجموعة مالية كبيرة فمن رغب بالاطلاع عليها فعليه بمراجعة بحثنا الموسوم ب(تأويلات أعلام أهل السنة بترك أبي بكر متاع النبي (صلى الله عليه واله) وسلاحه لفاطمة (عليها السلام)).

وأموال البضعة النبوية (عليها السلام) في إرثها، ونحلتها، أي أرض فدك، وسهمها من الخمس ضمن سهم ذي القربی، فجميع هذه الأموال التي أنفقها الخلفاء على ملذاتهم وأهوائهم ورغباتهم هي في وزر أبي بكر الذي سنَّ هذه السُنة، وذلك لقول رسول الله (صلى الله عليه واله) الذي أخرجه أحمد في مسنده:

(من سَنَّ سُنَّة ضلال فاتبع عليها كان عليه مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، ومن سَنَّ سُنَّة هدى فاتبع عليها كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء)(1).

2 - الدراسة الثانية: وهي التي بين أيدنا وسنورد لاحقاً بیان فصولها ومباحثها وما خلصت أليه من نتائج.

3 - والدراسة الثالثة، تناولت الكشف عن ظلامة مُغيّبة لم يتم الكشف عنها منذ وقوع ظلامة البضعة (عليها السلام) وإلى أن أذن الله في بيانها عِبْرَ هذه الدراسة والموسومة ب: (ما أنكره أعلام أهل السُنّة والجماعة فيما شجر

ص: 15


1- مسند أحمد: ج 2 ص 505

بين أبي بكر وفاطمة (عليها السلام) طُعمة حصن الكتيبة أنموذجا، دراسة وتحليل في ضوء مقاصدية القرآن والسُنّة والتاريخ)، وقد أظهرت الدراسة أن النبي (صلى الله عليه واله) لما منَّ الله عليه بفتح حصون خيبر الثمانية فكان منها حصن الكتيبة والذي جاءه بخمس الغنيمة والذي يمتاز بالموارد المالية الضخمة فهو يحتوي على أكثر من أربعين ألف نخلة، فضلا عما ينتجه من الشعير والقمح والنوى، وقد كان النبي (صلى الله عليه واله) قد خصص لأهل بيته، أي: (فاطمة وأمير المؤمنين الإمام علي والحسن والحسين)، (عليهم السلام) لكل منهم جزءا مما تنفقه هذه الأرض، وخصص منها لأزواجه وأصحابه بما فيهم أبو بكر وأم رومان زوجة أبي بكر، وغيرهم ممن يفدون على النبي (صلى الله عليه واله) من وجهاء القبائل أو الضيوف أو المحاويج من الناس.

إلا أن أبا بكر قام بمنع هذه الطُعمة عن البضعة النبوية (عليها السلام) بحديثه المزعوم: (لا نورِّث) وأبقى طعمته وطعمة عياله من هذه الأرض وكذا طعمة عمر بن الخطاب وغيرهم فالنبي (صلى الله عليه واله) أمواله تصل إلى هؤلاء، لكنها تمنع وتصادر عن أهل بيته (عليهم السلام)!! فكانت الدراسة الأولى في المكتبة الإسلامية التي تكشف الستار عن هذه الظلامة التي جهد أعلام أهل السُنة والجماعة على أنکارها بل طمسها، ونسوا أن الله لهم بالمرصاد، قال تعالى:

«يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»[التوبة: 32].

ص: 16

رابعاً: في حقل علم الكلام كانت لنا دراسة تناولت تضافر أعلام هذا الحقل المعرفي على هضم فاطمة (عليها السلام)، والموسومة ب: [رد أدعاء الجبائي وابن أبي الحديد المعتزلي بتأخير فاطمة (عليها السلام) دعوى النحل على إرث النبي (صلى الله عليه واله)]؛ وقد تناولت الدراسة مدعی شیخ المعتزلة ورئيس علم الكلام ومؤسس الفرقة الجبائية القاضي أبو علي الجبائي (ت 303 ه)، وتبعه في ذلك قاضي القضاة عبد الجبار الأسد أبادي (ت 415 ه)، وأبن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ه) وقد انضموا إلى جماعة هضم فاطمة (عليها السلام) فقد أدعوا أنها طالبت في بدو أمرها بالإرث فلما ردها أبو بكر بحديث (لا نوَّرث)، أدعت بأن النبي (صلى الله عليه واله) قد نحلها فدك، فسقط بذلك دعوى النحل والإرث، وقد تصدي العلمان الهمامان الشريفان، الشريف المرتضى والسيد حبيب الله الخوئي (عليها رحمة الله ورضوانه) في الرد على هذا المدعى ومرتكزاته عِبْر جمع الدعاوى ونقضها في مراحلها الزمنية منذ القائل الأول ومنشأ هذه الدعوى والشبهة، أي القاضي الجبائي إلى أبن أبي الحديد المعتزلي، وقد منَّ الله علينا بفضله وفضل رسوله (صلى الله عليه واله) بتتبع هذه الشبهة ونقضها وإكمال ماسبقني أليه الشريفان من أبناء البضعة النبوية فاطمة (عليها السلام)، فلله الحمد على فضله وفضل رسوله (صلى الله عليه واله).

خامساً: في حقل الفقه وفقنا الله إلى دراستين، وهما:

1 - الدراسة الأولى كانت دراسة مقارنة والموسومة ب: (إرث النبي صلى الله عليه واله في المذاهب الخمسة بين منع النبوة ودفع فاطمة (عليها السلام)،

ص: 17

تناولنا فيها مبنی منع النبوة للإرث في المذهب الزيدي والمالكي والحنفي والشافعي والحنبلي وإظهار الاختلافات بين الفقهاء في المذهب الواحد، فضلا عن المذاهب الأخرى، فخلصت الدراسة إلى أن الأصل في دعوى فقهاء المذاهب هو منع فاطمة (عليها السلام) من حقوقها وتضافرهم على هضمها، وتشيعهم لأبي بكر وأن كان ذلك فيه معارضة لما درجوا عليه من ضوابط الفقه ومبانیه وقواعده، فالأصل الثابت لدى الفقيه من أهل السُنَّة والجماعة هو الانتصار للخليفة.

ولذا: نتج عنه التخبط والاضطراب في الأحكام، فمنهم من قال بوراثة الأنبياء (عليهم السلام) ولا يمكن أن يخالف النبي (صلى الله عليه واله) القرآن، وأن المنع كان حصرا به لقول أبي بكر (لا نورِّث)!!، ومنهم من قال: بأن النبي (صلى الله عليه واله) يرث ولا يورث، وبعضهم قال بأن النبي (صلى الله عليه واله) يوّرث في الأموال التي ذي بال، ولا يوّرث في الأموال التي ليست ذي بال، واضطربوا أشد الاضطراب في أيجاد مخرج في معارضة حدیث (لا نورِّث) لأصل القاعدة والضابطة التي جرت عليها الفرائض في الإسلام وهي زوال الملكية وانتقالها إلى الوريث، ومن ثم فهل زالت الملكية عن النبي (صلى الله عليه واله) أم أنها لم تزل باقية، فمن قال بالزوال فقد أقرَّ بوجود الورثة، ومن قال بالبقاء فقد أقرَّ ببقاء ملكية النبي (صلى الله عليه واله) ومن ثم يلزم وجود وصي أو متولي على هذه الأموال وقد أجمع أهل السُنّة على نفي الوصية والوصي، والسؤال الأهم:

من يتحمل وزر نهب هذه الأموال وضياعها؟!!

ص: 18

2 - الدراسة الثانية، كانت دراسة مقارنة على المذاهب السبعة والموسومة ب: (مبنی لزوم نفقة أزواج النبي (صلى الله عليه واله) وسكناهن في بيوته في المذاهب السبعة، الإمامي والزيدي والمالكي والحنفي والشافعي والحنبلي والإباضي).

وقد أظهرت الدراسة اضطراب فقهاء أهل السُنّة والجماعة في موارد أربعة، الأول: بين منع النبوة للإرث وبين بقاء أزواج النبي (صلى الله عليه واله) في بيوته وهي بمقتضى حديث (لا نورِّث) أي هذه البيوت النبوية (صدقة) للمسلمين.

المورد الثاني: التعارض بین کون بيوت النبي (صلى الله عليه واله) صدقة للمسلمين وبين جعل القرآن لها توقيفية، فهي وقف عليه (صلى الله عليه واله)!! المورد الثالث: في لزوم النفقة، فمن أين كان ينفق على أمهات المؤمنين وحكم ما ترکه النبي (صلى الله عليه واله) (صدقة) وأين هي النصوص الشرعية في ألزام دوام النفقة والنبي (صلى الله عليه واله) لم يوص؟ المورد الرابع: كيف باعت عائشة بيتها والنبي (صلى الله عليه واله) مدفون فيها، وكيف تصرفت ببیته (صلى الله عليه واله) وهو (لا يورث ما ترکه صدقة)؟!! وعليه:

وبعد هذه البحوث والدراسات التي أنجزت بفضل الله وفضل رسوله (صلى الله عليه واله) والتي كانت تهدف الى تجلي ظلامة بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) في

ص: 19

جميع الحقول المعرفية التي تكونت منها المنظومة الفكرية للمسلمين من أهل السُنّة والجماعة كما أخبر أمير المؤمنين أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) بتضافرهم على هضمها.

وقد اقتضت هذه السلسلة من الدراسات تکرار بعض المباحث أو المسائل في كثير منها، وذلك أن الأمر الجامع بينها هو ظلامة البضعة النبوية (عليها السلام)، ودخول هذه القضية في العديد من الحقول المعرفية - کما أسلفنا - فضلا عما يفرضه منهج البحث، والضرورة الشرعية في إتمام الدراسة وإكمال حيثياتها وإظهار مرتكزاتها الفكرية والمفاهيمية وضمن أحدث المناهج العلمية والمعروفة بالدراسة البينية والمقتضية الولوج في العديد من الحقول المعرفية، بغية الخروج بنتائج جديدة، تسهم في رفد الحركة العلمية والفكرية كي لا يكون الكتاب ناقصا في البيان والاستدلال فنقع في التقصير في إظهار الحق وظلامة البضعة النبوية (عليها السلام) لاسامح الله، فنساله العفو والمغفرة والتسديد، «وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ» [هود: 88].

وبناءً على ما تقدم:

فإنَّ الدراسة التي بين أيدينا والتي تناولت محاولات بعض أعلام أهل السُنّة والجماعة دفع ما وقع من الظلم على بضعة النبوة (عليها السلام) عبر مجموعة من التأويلات التي استندوا إليها في تصويب فعل أبي بكر وشَرْعَنَة ما سَنّهُ في منعها من نحلتها، وإرثها، وسهمها من الفيء، وطُعمتها من حصن الكتيبة.

ص: 20

وقد رّكزت الدراسة على البحث في هذه التأويلات التي عمد أليها المحدثون في منع المعارضة بين مقتضيات حكم منع النبوة للإرث وذلك لمبنى الحديث - المزعوم -: ((لا نورِّث ما تركناه صدقة))، وبين ترك أبي بکر سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومتاعه لفاطمة (عليها السلام) فورثته، ومنعها من الإرث في الموارد المالية والاقتصادية من أموال النبي (صلى الله عليه وآله) فقد صادرها أبو بكر بحجة أن النبي (صلى الله عليها وآله): (لا يوّرث)، ومن ثم نشأت معارضه في الحكم الشرعي بين التوريث وعدمه في أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وقد اشتملت الدراسة على ثلاثة فصول ومجموعة من المباحث والمسائل المتعددة، فكان الفصل الأول قد تضمن مقدمات الدراسة ومناهلها المعرفية ضمن أربعة مباحث، فخصص المبحث الأول: في بيان المعنى اللغوي والاصطلاحي لمفردات عنوان الدراسة، وهي: التأويل، والمرتكز، والفكر، والفهم.

وأما المبحث الثاني: فخصص لبيان معنی مصطلحات العنوان ومفهومه، وهي: معنى السُنّة ومفهومها، ومعنى أهل السُنّة والجماعة ومفهومه، ومعنی المقاصدية ومفهومها، ومعنى النسق الثقافي ومفهومه؛ وأما المبحث الثالث: فكان لبيان مشكلة الدراسة وهدفها، ونوعها، ومناهج البحث، وحقولها المعرفية.

أما الفصل الثاني: فقد خصص لبيان أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنواعها وتعدد مصادرها، وانقسامها إلى أموال معيشية ومالية ذات موارد اقتصادية كبيرة، وأنّ أبا بكر صادر الصنف الثاني لأهميته الاقتصادية،

ص: 21

وقطع الطريق على أل البيت (عليهم السلام) في الاستعانة بهذه الأموال في النهوض بمشروع الخلافة الذي أحيد عنهم في اجتماع السقيفة، ولذا نجده ترك الأموال المعيشية لفاطمة (عليها السلام) فورثتها ولم تطالب بها فيما شجر بينها وبين أبي بكر في إرثها ونحلتها وسهم ذي القربى وطعمتها من حصن الكتيبة.

فظهر بذلك حاكمية النسق الثقافي والعقدي في جميع مفاصل الموروث الفكري لأعلام أهل السُنّة والجماعة، لا سيما فيما تعلق ببضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (عليها السلام) وما ترتب عليه من أثار شرعية في الدنيا والآخرة.

أما مباحث الفصل الثاني: فكانت ثلاثة مباحث، فقد تناول المبحث الأول: بيان تحديد عائشة لعناصر الخلاف فيها بين بضعة النبوة (عليها السلام) وبين أبي بكر.

وأما المبحث الثاني: فكان لبيان أموال رسول الله في المدينة وأنواعها ومصادرها؛ وأما المبحث الثالث: فقد كان لبيان أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) المعيشية وأنواعها من السلاح والأنعام والمتاع ومقتنياته الشخصية.

أما الفصل الثالث: فقد خصص لبيان العلة من امتناع فاطمة (عليه السلام) من المطالبة بالأموال المعيشية ودراسة التأويلات التي أنشأها المحدثون في ترك أبي بكر لأموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) المعيشية

ص: 22

لفاطمة (عليها السلام) وبيان مرتكزاتها الفكرية والمفاهيمية عبر ثلاثة مباحث ومجموعة من المسائل فظهر بذاك حاكمية النسق الثقافي والعقدي في التعامل مع الحديث والحدث وليس حاكمية القرآن والسُنة النبوية والعقل؛ ليتجلى بذاك مصداق قول أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) في تضافر الأمة على هضم بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).

كتب في جوار ضریح ريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله) وقرة عين فاطمة الزهراء البتول (عليها السلام).

الثامن عشر من جمادى الآخر لعام ه الموافق لغرة شباط لعام 2021 من جوار ضريح ريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله) وقرة عين الزهراء البتول، کربلاء الطهر والفداء المعلى بضريح سيد الشهداء (علیه السلام).

المتشرف بالخدمتين العتبة الحُسينيّة المقدسة وكتاب نهج البلاغة «نبيل الحسني الكربلائي»

ص: 23

ص: 24

الفصل الأول: مصطلحات الدراسة ومناهلها المعرفية

ص: 25

ص: 26

المبحث الأول: المعنى اللغوي والاصطلاحي لمفردات عنوان الدراسة

أشتمل عنوان الدراسة على جملة من المفردات التي يلزم بيان حقيقتها اللغوية ومفهومها الذي أخذت منه الدراسة وجهتها وحقولها المعرفية في بیان ظلامة البضعة النبوية فاطمة (عليها السلام)، وهي على النحو الآتي:

المسألة الأولى: معنى التأويل، والمرتكز، والفكر، والفهم في اللغة

والاصطلاح.

أولاً: معنى التأويل ومفهومه.

تناول أهل اللغة معنی مفردة (تأويل) في معاجمهم اللغوية فظهر أنّ معناها هو: الرجوع إلى الشيء، وقد جمع ابن منظور أقوالهم وبيّنَ معنى المفردة، فقال:

(أوّل: الأَولُ: الرجوع.

آل الشيءُ يَؤُول أَولاً ومآلاً: رَجَع.

وأَوَّل إِليه الشيءَ: رَجَعَه.

وأُلْتُ عن الشيء: ارتددت.

وفي الحديث: ((من صام الدهر فلا صام ولا آل)) أَي لا رجع إلى خير، والأَوْلُ الرجوع.

ص: 27

وأَوَّلَ الكلامَ وتَأَوَّله: دَبَّره وقدَّره، وأوَّله وتَأَوَّله: فَسَّره.

وفي حديث ابن عباس: ((اللهم فَقِّهه في الدين وعَلِّمه التَّأْويل))؛ قال ابن الأَثير: هو من آلَ الشيءُ يَؤُول إلى كذا أَي رَجَع وصار إِليه، والمراد بالتأْويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأَصلي إلى ما يَحتاج إلى دليل لولاه ما تُرِك ظاهرُ اللفظ؛ ومنه حديث عائشة: كان النبي، [صلى الله عليه وآله]، يكثر أَن يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) يَتَأَوَّل القرآنَ، تعني أَنه مأْخوذ من قوله تعالى : «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ».

وفي حديث الزهري قال: قلت لعُروة ما بالُ عائشةَ تُتِمُّ في السَّفَر یعني الصلاة؟ قال: تأَوَّلت کما تأَوَّل عثمانُ؛ أراد بتأْويل عشان ما روي عنه أَنه أَتَمَّ الصلاة بمكة في الحج، وذلك أَنه نوى الإِقامة بها.

وأَما التأْويل فهو تفعيل من أَوَّل يُؤَوِّل تأويلا وثلاثيه آل يؤول أي رجع وعاد .

وسئل أبو العباس أحمد بن يحيى عن التأويل فقال: التأْويل والمعنى والتفسير واحد.

قال أَبو منصور: يقال أُلْتُ الشيءَ أَؤُوله إِذا جمعته و أَصلحته فكان التأْويل جمع معاني ألفاظ أَشکَلَت بلفظ واضح لا إشكال فيه.

وقال بعض العرب: أَوَّل الله عليك أمرَك أي جَمَعَه، وإِذا دَعَوا عليه قالوا: لا أَوَّل الله عليك شَمْلَك.

ويقال في الدعاء للمُضِلِّ: أَوَّل الله عليك، أَي رَدَّ عليك ضالَّتك وجَمَعها لك.

ص: 28

ويقال: تَأَوَّلت في فلان الأَجْرَ إِذا تَحَرَّيته وطلبته.

الليث: التأَوُّل والتأْويل تفسير الكلام الذي تختلف معانيه ولا يصح إِلَّا ببيان غير لفظه؛ وأَنشد:

نحن ضَرَبْناكم على تنزيله فاليَوْمَ نَضْرِبْكُم على تَأْويلِه وقال أَبو عبيد في قوله: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ»، قال: التأْويل المَرجِع والمَصير مأْخوذ من آل يؤول إلى كذا أَي صار إِليه.

وأَوَّلته: صَيَّرته إِليه.

الجوهري: التأْويل تفسير ما يؤول إِليه الشيء، وقد أَوّلته تأْويلاً وتأَوّلته بمعنى؛ ومنه قول الأَعْشَى:

على أَنها كانت، تَأَوُّلُ حُبِّها تَأَوُّلُ رِبْعِيِّ السِّقاب، فأَصْحَبا قال أَبو عبيدة: تَأَوُّلُ حُبِّها، أَي تفسيره ومرجعه أَي أَن حبها كان صغيراً في قلبه فلم يَزَلْ يثبت حتى أَصْحَب فصار قَدیماً كهذا السَّقْب الصغير لم يزل یَشِبُّ حتى صار كبيراً مثل أُمه وصار له ابن يصحبه)(1).

وعليه:

يستفاد من بيان أهل اللغة أن التأويل لا ينحصر في تفسير الكلام وإرجاعه إلى حقيقته ومراده، وأنما كذلك الفعل، ومنه قول العرب: أَوَّل الله عليك

ص: 29


1- لسان العرب لابن منظور: ج 11 ص 32 - 33

أَمرَك أَي جَمَعَه، وإِذا دَعَوا عليه قالوا: لا أَوَّل الله عليك شَمْلَك.

ويقال في الدعاء للمُضِلِّ: أَوَّل الله عليك، أَي رَدَّ عليك ضالَّتك وجَمَعها لك.

ويقال: تَأَوَّلت في فلان الأَجْرَ إِذا تَحَرَّيته وطلبته.

ومنه تأول بعض أعلام أهل السُنّة والجماعة ترك أبي بكر لأموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) المعيشية لفاطمة (عليها السلام) ومصادرته الأموال ذات الموارد المالية والاقتصادية كالحوائط السبعة، وأرض وادي القرى، وسوق مهروز، وحصن الكتيبة، وحصنا الوطيح والسلالم؛ بتأویلات عدة معارضة للقرآن والسُنّة النبوية، کما سیمر بیانه عِبر الدراسة، أنشاء الله تعالى.

ثانياً: معنى المرتكز ومفهومه.

قال ابن منظور في بيان معنى المرتكز:

(رکز: الرَّکْزُ: غَرْزُكَ شيئاً منتصباً كالرمح ونحوه تَرْکُزُه رَكْزاً في مَرْکَزِه، وقد رَکَزَه یَرْکُزُه ویَرْکِزُه رَكْزاً ورَکَّزَه: غَرَزَه في الأَرض؛ أَنشد ثعلب:

وأَشْطانُ الرِّماحِ مُرَكَّزاتٌ وحَوْمُ النَّعْمِ والحَلَقُ الحُلُولُ والمَراکِزُ: منابت الأسنان.

ومَرْكَزُ الجُنْدِ: الموضع الذي أُمروا أَن یلزموه وأُمروا أَن لا یَبرَحُوه.

ومَرْکَزُ الرجل: موضعُه.

ص: 30

يقال: أَخَلَّ فلانٌ بِمَرْکَزِه.

وارْتَكَزْتُ على القوس إِذا وضعت سِیَتَها بالأَرض ثم اعتمدت عليها.

ومَرْكَزُ الدائرة: وَسَطُها.

والمُرْتَکِزُ الساقِ من يلبس النبات: الذي طار عنه الورق.

والمُرْتَکِزُ من یابس الحشيش: أَن تری ساقاً وقد تطاير عنها ورقها وأَغصانها.

ورَكَزَ الحَرُّ السَّفا یَرْکُزه رَکْزاً: أَثبته في الأَرض؛ قال الأَخطل:

فلما تَلَوَّى في جَحافِلِه السَّفا وأَوْجَعَه مَرْکُوزُه وذَوابِلُه وما رأَيت له رِكْزَةَ عَقْلٍ أي ثَباتَ عقل.

قال الفراء: سمعت بعض بني أَسد يقول: كلمت فلاناً فما رأَيت له رِکْزَةً؛ يريد ليس بثابت العقل.

وقال أَحمد بن خالد: الرِّکازُ جمع، والواحدة رِکْزَةٌ، كأَنه رُکِزَ في الأَرض رَکْزاً، وقد جاءَ في مسند أَحمد بن حنبل في بعض طرق هذا الحديث: وفي الرَّكائزِ الخُمْسُ، كأَنها جمع رَکِيزَة أَو رِکازَۃٍ)(1).

ويستفاد مما تقدم أن معنى المرتكز الفكري ومفهومه، هو: ما يغرز في الذهن من الأشياء الواردة عليه فيثبت عليه العقل؛ فأن ورد على الذهن أمراً وغرز فيه، سار العقل عليه، ومن ثم تنشأ المغالطة؛ ومثاله ما ورد على ذهن

ص: 31


1- لسان العرب: ج 5 ص 355 - 563

المحدثين والمفسرين من أن سورة الإسراء مكية وغرزه في الذهن وجعله المركز فسار العقل على أن فدك لا علاقة لها بقوله تعالى: (وآتي ذي القربى حقه).

ثالثاً: معنى الفكر ومفهومه.

ورد معنی مفردة (الفكر) في المعاجم اللغوية، على النحو الآتي:

1 - قال الجوهري (ت 393 ه) في بيان معنى الفكر: (التفكير، التأمل، والاسم الفكر، والفكرة، والمصدر الفكر بالفتح، ويقال: ليس لي في (هذا الأمر فكر، أي ليس لي فيه حاجة، ورجل فكير: أي كثير التفكير)(1).

2 - وقال ابن فارس (ت 395 ه): (الفاء والكاف والراء، تردد (القلب في الشيء، يقال: تفكر إذا ردد قلبه معتبراً)(2).

3 - قال ابن سيده (ت 458 ه): (الفكرة: إعمال الخطار في الشيء (والجمع فكّر)(3).

4 - وقال الفيروز آبادي (ت 817 ه): (الفكر بالكسر، وبفتح: إعمال (النظر في الشيء كالفكرة والفكري بكسر هما والجمع أفكار)(4).

أقول: ويمكن أن نستخلص من هذه التعاريف، أن الفكر هو إشغال القلب، أي العقل في التأمل عبر النظر في الشيء.

ص: 32


1- الصحاح للجوهري: ج 2، ص 783
2- معجم مقاییس اللغة لابن فارس: ج 4، ص 446
3- المخصص لابن سيدة: السفر الثالث عشر: 745
4- القاموس المحيط: ج 2، ص 111

رابعاً: معنى الفكر في الاصطلاح.

أما معنى المفردة في الاصطلاح فقد جاءت:

1 - قال شيخ الطائفة الطوسي (عليه الرحمة والرضوان) (ت 460ه):

(والفكر هو التأمل في الشيء المفكرة فيه، والتمثيل بينه وبين غيره، وبهذا يتميز من سائر الأعراض من الأداة والاعتقاد وليس في المتعلقات بأغيارها شيء يتعلق بكون الشيء على صفة أو ليس عليها غير النظر - والنظر هو الفكر -)(1).

2 - وقال الجرجاني (ت 811 ه):

(إعمال النظر والتأمل في مجموعة من المعارف لغرض الوصول إلى معرفة جديدة، وهو بهذا عملية يقوم بها العقل أو الذهن بواسطة الربط بين: (المدركات أو المحسوسات واستخراج معانٍ غائبة عن النظر المباشر)(2).

3 - وقيل هو:

(حركة النفس نحو المبادئ والرجوع عنها إلى المطالب)(3).

4 - وقيل أيضاً:

(حركة النفي في المعقولات بخلافها في المحسوسات فإنَّها تخييل لا فكري)(4).

ص: 33


1- الاقتصاد للشيخ الطوسي: ص 94
2- التعريفات للجرجاني: 55
3- معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية لمحمود عبد الرحمن: ج 3، ص 52
4- المصدر نفسه

5 - وقيل:

(إعمال العقل بالمعلوم للوصول إلى المجهول)(1).

6 - ويقول جميل صليبا:

(إنَّ الفكر يطلق على الفعل الذي تقوم به النفس عند حركتها في المعقولات أو يطلق على المعقولات نفسها؛ فإذا أطلق على فعل النفس دل على حركتها الذاتية وهي النظر والتأمل، وإذا أطلق على المعقولات دل على: (المفهوم الذي تفكر فيه النفس)(2).

أقول: ويمكن أن نستخرج من هذه التعريفات:

إنّ الفكر اصطلاحاً هو التأمل والنظر في أمرٍ ما بقصد الوصول إلى معلومة جديدة وتكون معرفة حول الشيء المفكر فيه.

المسألة الثانية: معنى الفهم ومفهومه في اللغة والاصطلاح والفرق بينه وبين العلم.

أولاً: الفهم لغة.

1 ۔ قال الفراهيدي (ت 175 ه): (فهم: فهمت الشيء، فَهْماً وفِهْماً: عرفته وعقلته، وفهمت فلانا وافهمته:

ص: 34


1- معجم لغة الفقهاء، لمحمد قلعجی: ص 349
2- المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والانجليزية واللاتينية، جميل صليبا: ج 2، ص 156، دار الكتاب اللبناني

عرفته. ورجل فهم: سريع الفهم)(1).

2 - قال ابن منظور (ت 711 ه):

(الفهم: معرفتك الشيء بالقلب.

فَهِمَه فَهْما وفَهَماً وفهامة: عِلمَه؛ وفهمت الشيء: عقلته وعَرفته)(2).

ثانياً: معنى الفهم في الاصطلاح.

جاء معنی مفردة (الفهم) في الاصطلاح، بمعنى:

(تصور المعنى من لفظ المخاطب أو المتكلم أو من عبارة الكتاب) والتفهيم: إيصال المعنى إلى فهم السامع بواسطة اللفظ)(3).

ثالثاً: الفرق بين الفهم والعلم.

ذكر أبو هلال العسكري (ت 395 ه) فرقا بين أن يكون المرء قد فهم الشيء وبين أن يكون قد علم فقال:

(أن الفهم، هو: العلم بمعاني الكلام عند سماعه خاصة؛ ولهذا يقال: فلان سيء الفهم، إذا كان بطيء العلم، بمعنی: ما يسمع، ولذلك كان الأعجمي لا يفهم كلام العربي، ولا يجوز أن يوصف الله بالفهم لأنه عالم بكل شيء على ما

ص: 35


1- كتاب العين للفراهيدي: ج 4 ص 61
2- لسان العرب: ج 12 ص 459
3- معجم المصطلحات والالفاظ الفقهية، محمد عبد الرحمن: ج 1 ص 481؛ معجم لغة الفقهاء، محمد قلعجي: ص 350

هو به فيما لم يزل، وقال بعضهم: لا يستعمل الفهم إلا في الكلام ألا ترى أنك تقول: فهمت كلامه؛ ولا تقول: فهمت ذهابه ومجيئه کما تقول علمت ذلك.

وقال أبو أحمد بن أبي سلمة رحمه الله: الفهم يكون في الكلام، وغيره من البيان الإشارة ألا ترى أنك تقول فهمت ما قلت وفهمت ما أشرت به إلي.

قال الشيخ أبو هلال رحمه الله: الأصل هو الذي تقدم وإنما استعمل الفهم في الإشارة لان الإشارة تجري مجرى الكلام في الدلالة على المعنى)(1).

وقيل: الفهم: تصور المعنى من لفظ المخاطب، وقيل: إدراك خفي، دقيق، فهو أخص من العلم، لان العلم نفس الادراك سواء كان خفياً أو جلياً، ولهذا قال سبحانه في قصة داود وسليمان (عليها السلام): «فَفَهَّمْنَاهَا سُلَیْمَانَ وَکُلاً آَتيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا»، خص الفهم بسليمان، وعمم العلم لداود وسليمان)(2).

وعليه:

فأن الوصول إلى فهم النصوص القرآنية في سهم ذي القربى، وأرض فدك، وأموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهما صحيحا يتفق مع ما جاءت به الشريعة الإلهية يحتاج إلى الإنصاف في فيما يقرأه الإنسان والتجرد من النسق الثقافي الذي ورثه عن محيطه الذي نشأ فيه وبنی معارفه عليه.

ص: 36


1- الفروق اللغوية: ص 414
2- المصدر نفسه

المبحث الثاني: مصطلحات عنوان الدراسة وبيان معناها ومفهومها

المسألة الأولى: معنى السُنَّة ومفهومها.

قبل الوقوف عند النصوص الكاشفة عن نتائج الدراسة فلابد من بیان معنى السُنّة ومفهومها، وكذا بيان نشأت مصطلح أهل السُنّة والجماعة ومفهومه وحقيقته، كي يتضح لدى القارئ مواضع البحث وصحة إيراد الشواهد، وكشف الحقائق، لاسيما في عَيّنة الدراسة، وعليه:

أولاً: السُنَّةُ لُغَةً.

قال ابن فارس (ت 395 ه): (سَنَّ: السين والنون أصل واحد مطرد وهو جریان الشيء وإطراده في سهولة والأصل قولهم سننت الماء على وجهي أسنه سنا إذا أرسلته إرسالا ثم اشتق منه رجل مسنون الوجه كأن اللحم قد سن على وجهه والحمأ المسنون من ذلك كأنه قد صب صبا ومما اشتق منه السنة وهي السيرة. وسنة رسول الله (عليه السلام) سيرته قال الهذلي:

فَلا تَجْزَ عَنْ مِنْ سُنَّةٍ أَنْتَ سِرْتَها فَأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيُرها وإذا سميت بذلك لأنها تجري جريا. ومن ذلك قولهم امض على سننك وسننك أي وجهك.

ص: 37

وجاءت الريح سنائن إذا جاءت على طريقة واحدة. ثم يحمل على هذا سننت الحديدة أسنها سنا إذا أمررتها على السنان. والسنان هو المسن.

قال الشاعر:

سنان كحد الصلبي النحيض والسنان للرمح من هذا لأنه مسنون أي ممطول محدد وكذلك السناسن وهي أطراف فقار الظهر كأنها سنت سنا؛ ومن الباب سن الإنسان وغيره مشبه بسنان الرمح والسنون ما يستاك به لأنه يسن به الأسنان سنا)(1).

ثانياً: السُنَّةُ اصْطِلاحَاً.

فالسُنَّة: بضم الأول وفتح الثاني مع التشديد في اصطلاح المتشرعة على معنيين:

الأول، هو: قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وفعله وتقريره، بل المطلق من طريقته وهديه (صلى الله عليه وآله وسلم) - وعند الشيعة الإمامية - التابعين لأئمة العترة من أهل البيت (عليهم السلام)، يضاف إلى الرسول قول أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام) وفعلهم وتقريرهم وهدیهم، لأنهم امتداد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلفاؤه حقاً ووارثوه وهم أئمة يهدون إلى الحق وبه یعدلون، وإنهم أئمة معصومون. لا يقولون ولا يعملون إلا على التنزيل والتأويل، وهم معدن علم الله وعلم رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 38


1- معجم مقاییس اللغة: ج 3 ص 60

وأما عند الجمهور وعامة المسلمين المعروفين بأهل السُنّة، يضاف إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) سُنّة الصحابة وسيرتهم ولاسيما الخلفاء منهم، وأن لهم حق التشريع حسب المصالح المرسلة كما في مسألة المتعتين والطلاق البدعي، وتبديل حي على خير العمل ب(الصلاة خير من النوم)، وعشرات من نحو هذه التشريعات.

والثاني: العمل المستحب الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يواظب على العمل به، ويحضّ المؤمنين عليه، وهو دون الواجب وفوق الندب، کالختان والصلاة بالجماعة، وكتحية المسجد، وفعل النوافل المرتبة ولو يأتي بركعتين منها. والمراد من السُنَّة قبال الكتاب: هو المعنى الأول)(1).

ومن تعريفات السُنَّة ما جاء عند الفقهاء بأنّها (العِلْمُ الواقع من المعصومِ ولم يَكن فرضًا واجبًا)(2)، وعُرّفت عند المحدثين بأنهّا (كلّ ما أثُر عن الرسول (صلى الله عليه وآله) من قول أو فعل أو تقرير، أو صفةٍ خَلقية، أو خُلقية، أو سيرة، أكان ذلك قبل البعثة، أم بعدها)(3)، وإما عندَ الأصوليين فإنهّا (ما صدر عن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) من الأدلة الشّرعية ممّا ليسَ بمتلو، ولا هو معجز، ولا داخل في المعجز)(4).

ص: 39


1- اجماعیات فقه الشيعة للسيد إسماعيل المرعشي: ج 1، ص 15، ط 2
2- مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني: علي كاشف الغطاء، تحقيق ونشر مؤسسة کاشف الغطاء، مطبعة صبح، بیروت، ط 1، 1435 ه، 1 / 45
3- حجية السنة في الفكر الإسلامي: حيدر حب الله، دار الانتشار العربي، بیروت، ط 1، 1432 ه، ص 34
4- الأحكام في أصول الإحكام: علي بن محمد الامدي، المكتب الإسلامي، طبع مؤسسة النور، ط 2، 1402 ه، 1 / 190

وكذلك بأنّها (قولُ المعصوم لفظًا، أو كتابةً، أو إشارة، أو فعله إذا لم يعلم أنَّهُ من خصائصه، كالزّواج بأكثر من أربعة، أو ترکه، کما لو ترك القنوت في صلاة الصّبح، فإنَّ ترکَهُ دليلٌ على عَدَمِ وجوبه، أو تقريرِهِ لما يصدر عن غيره بسكوتٍ أو موافقة، أو استحسانٍ، مع تمكُّنِهِ من الرَّدْع)(1).

وقد قسمت السنة على ثلاثةِ أقسام، تتمثل بالآتي:

1- السُنّة القولية: ويقصدُ بها الأحاديث التي تَلفَّظَ بها الرسول (صلى الله عليه وآله)(2)، نحو قوله (صلى الله عليه وآله): «إنما الأعمال بالنيات»(3)، «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»(4)، وغيرها من الأحاديث الشريفة.

2 - السُنّة الفعلية: هي كل ما فَعله النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) نحو وضوؤه وصَلاته وحُجّته(5).

3 - السُنَّة التقريرية: (وهي أنْ يستحسن، أو يوافق، أو يسكت المعصوم عن إنكارِ فِعْلٍ، أو تركِهِ، أو قولٍ صَدَرَ في حُضُورِهِ، أو في غَيبتِهِ، وعلم به، ولم يَرْدَعْ عنه)(6).

وإما أقسام السُنَّة على أساسِ علاقتها بالقرآن الكريم فأنّها تنقسم إلى:

ص: 40


1- مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني: کاشف الغطاء، 1 / 45
2- المصدر نفسه: 1 / 45
3- جامع أحاديث الشيعة: البروجردي، 1 / 358
4- الكافي: الكليني، 5 / 295؛ بحار الأنوار: المجلسي، 22 / 136
5- ينظر: دراسات في علم الدراية: علي اکبر غفاري، نشر جامعة الإمام الصادق (عليه السلام)، مطبعة تابش، طهران، ط 1، 1336 ه، ص 16
6- مصادر الحكم الشرعي، کاشف الغطاء، 1 / 45

1 - السُنَّة المؤكدة: وهي التي تأتي موافقة للكتابِ الكريم، نحو (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)(1)، فانّه يوافق قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا» [سورة النساء / 29].

2 - السُنَّة المبينة: وهي (المُوضحة لما أجمله القرآن الكريم، مثل مخصصة للعام أو مقيدة للمطلق، مثل الأحاديث الواردة في بيان عدد ركعات الصلاة ومقدار الزكاة في المال)(2).

3 - السُنَّة المؤسسة: وهي (التي تدل على حكم قد سكت عنه القرآن الكريم)(3)، نحو قوله: (صلى الله عليه و آله) «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(4).

ثالثاً: حجية السُنَة المطهرة.

أما حجية السُنَّة فلا إشكالَ فيها، لأنّها صادرَةٌ عن المعصومِ عن الخطأ، وقد قامت الأدلّة الأربعة على حُجّيتها(5)، وتعدُّ السُنَّة الشرّيفة حجة في التشريع الإسلامي إلى جانبِ القرآنِ الكريم في استنباطِ الأحكام الشرعية، لأنّها وحيٌ مِن الله تعالى، فمَن جحدها فقد کذب بالدين وأنكر القُرآن الكريم، إذ أننا لم نعرف أن القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى، إلا من قول النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، فإذا لم يكن قوله حُجّة، فلا أثر للقرآنِ، ولا

ص: 41


1- الخلاف: الطوسي، 3 / 177؛ المهذب: عبد العزيز ابن البراج الطرابلسي: 1 / 435
2- المدخل إلى الشريعة الإسلامية: كاشف الغطاء، ص 151
3- المصدر نفسه: ص 151
4- الخلاف: الطوسي، 4 / 302؛ مستند الشيعة، النراقي: 18 / 254
5- ينظر: مصادر الحكم الشرعي؛ كاشف الغطاء: ص 46

معنی لجميعِ العبادات والأحكام التي جاء تفصيلها من طريقِ السنة فحجيّة السُنَّة من اكبرِ ضروريات الدّين، ولا خلافَ بين المسلمين في ذلك، بَل هي بديهية لا تُخفى أيضًا على غيرِ المسلمين(1).

والمَقصود من السُنَّة النّبوية هي سُنة الرّسول محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، وقد جاءَ في الحديثِ «أنظروا أهل بیت نبیکم فألزموا سمتهم واتبعوا إثرهم، فلن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردی، فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فأنهضوا، ولا تسبقوهم فتضلوا ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا...»(2).

وكانَ الإمامُ علي (عليه السلام) هو الحافظ لسنّة الرسول (صلى الله عليه وآله) لأنّ هذا الحفظ لا يمكن أن يَحصل إلا من قبل جهة موثوقة قادرة على تقبّل السُنَّة ووعيها ورعايتها، وقد تواترت الأحاديث عن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) بأعلميّة الإمام علي (عليه السلام)(3)، وقد أكدَ هذا الأمر الإمامُ علي (عليه السلام) بقوله: «إن هاهنا لعلما جما - وأشار بيده إلى صدره - لو أصبت له حملة، بل أصبت لقنًا غير مأمون عليه، مستعملا آلة الدين للدنيا، ومستظهرا بنعم الله على عباده، وبحججه على أوليائه، أو منقادا لحملة الحق لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة...»(4).

ص: 42


1- ينظر: تاريخ السنة النبوية: عبد الحميد صائب، مركز الغدیر، بیروت، ط 1، 1418 ه، 7
2- بحار الأنوار: المجلسي، 34 / 82
3- ينظر: الإمام علي ومشكلة نظام الحكم، محمد طي: 227
4- بحار الأنوار: المجلسي،23 / 46

فالإمام علي (عليه السلام) بيّنَ في وصيتهِ أنّهُ حامل لعلمِ الرسول (صلى الله عليه وآله) وسنّته وبيّنَ أن هُناك من يأخذُ هذا العلم عنه بقوله لكميل بن زیاد: «اللهمَّ بلى، لا تخلوا الأرض من قائم الله بحجةِ، إما ظاهرا مشهورا، وإما خائفا مغمورا، لئلا تبطل حجج الله وبيناته.....»(1).

فهذه الرواية تؤكد على أن ((الغرض الدّاعي إلى بعثة النّبي (صلى الله عليه وآله) داع إلى وجود إمام يخلفُ النبي (صلى الله عليه وآله) عامة سماته، سوی ما دلّ القرآن على انحصارهِ به ککونهِ نبيا رسولا وصاحب شريعة))(2)، فخلفاء النبي في سنتهِ (صلى الله عليه وآله) هم الإمام علي وعترته (عليهم السلام)، إذ يقول (صلى الله عليه وآله): «لا يزالُ أمر أمّتي صالحًا حتى يمضي إثنا عشر خليفة كلهم من قریش»(3).

المسألة الثانية: معنى مصطلح أهل السنة والجماعة ومفهومه.

أولاً: تباين الأقوال في معنى المصطلح:

تباينت الأقوال في نشأت مصطلح (أهل السُنَّة والجماعة) ومفهومه ودلالته عند جمهور المسلمين ولم تتفق أقوالهم على معنی جامع مانع، سوى أنهم في مقابل أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، فكانت أقوالهم على النحو الآتي:

ص: 43


1- تحف العقول عن آل الرسول (عليهم السلام): أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم ط 2، 1404 ه، 71
2- محاضرات في الإلهيات: جعفر السبحاني، نشر مؤسسة الصادق (عليه السلام)، ط 10، 1426 ه، 361
3- مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب، 1 / 250؛ بحار الأنوار: المجلسي، 36 / 289

1 - قال محمد الكثيري:

(أن ل((السُنةّ)) في الاصطلاح مفهومين أو معنيين: الأول ما يقابل البدعة أو ما ليس له أساس في الشرع. الثاني: قول الرسول وفعله وتقريره. أما قولنا ((أهل السُنّة)) فيه إضافة ((لأهل)) أي أصحاب أو أتباع أو المقتدون بسُنّة الرسول [صلى الله عليه واله] من فعل وقول وتقرير. وسمي رواة الحديث وطالبيه بعلماء السُنّة أو السُنّنْ، أو جامعي السُنة. ومن خالف السُنة سقط في البدعة أو الابتداع في دين الله ما ليس منه؛ لكن مصطلح ((أهل السُنّة)) سيعرف تطورا في المفهوم، حيث ستتعدد مصادیقه. فأهل السُنة أو أصحاب الحديث والأثر سيقابلهم أهل الرأي.

وعندما ظهرت المدارس اللغوية والفقهية والكلامية فيما بعد انقسمت إلى اتجاهين اثنين، (الرأي والقياس، وأصحاب الحديث والأثر). تیار یعتبر الرأي والقياس ويعتمده فيما يصل إليه من نتائج، وتيار يقدم الحديث أو النص ولا يتركه إلى غيره. وظهر عند کلا التيارين إفراط وتفریط. لقد أطلق مصطلح ((أهل السُّة)) قبل ظهور الأشعري على جميع المحدثين ولم يكن يعني لدى أصحابه والملقبين به، سوى أنهم أصحاب الحديث النبوي، رواته وجامعوه والمدافعون عنه والعاملين بمضمونه. کما اختص جماعة آخرون بهذا اللقب کعبد الله بن سعيد الكلاب وأبو العباس أحمد بن عبد الرحمن القلانسي والحارث بن أسد المحاسبي. وذلك لقيامهم بالرد على عقائد المعتزلة وتفنيد آرائهم. وقد كون هؤلاء الثلاثة وبالخصوص ابن کلاب مدرسة فكرية في العقائد، سيكون لها أبلغ الأثر في مدرسة الأشعري الكلامية والتي سترث

ص: 44

عنها لقب ((أهل السُنة)).

کما سيعرف هذا اللقب مفهوما اصطلاحيا جديدا لا يحيد عنه ابتداء من القرن الرابع الهجري وإلى الآن. يقول أحمد أمين: سمي الأشعري وأتباعه والماتريدي وأتباعه ب((أهل السُنُّة)) وقد استعملت كلمة ((أهل)) بدل النسبة فقالوا: أهل السنة أي السنيين... وسمي المعتزلة أنفسهم أهل العدل والتوحيد، وسمي المبتدعة أهل الأهواء.

والسنة في ((أهل السُنة)) تحتمل أحد معنيين: إما أن تكون السُنة بمعنی الطريقة أي أن أهل السُنة اتبعوا طريقة الصحابة والتابعين في تسليمهم بالمتشابهات من غير خوض دقيق في معانيها. بل تركوا علمها إلى الله، وإما أن تكون السُنة بمعنى الحديث. أي أنهم يؤمنون بصحيح الحديث ويقرونه من غير تحرز كثير وتأويل كثير كما يفعل المعتزلة... واسم أهل السُنة كان يطلق على جماعة قبل الأشعري والماتريدي. وقد حكي لنا أن جماعة كان يطلق عليها ((أهل السُنّة)) وكانت تناهض المعتزلة قبل الأشعري. ولما جاء الأشعري وتعلم على المعتزلة، اطلع أيضا على مذهب ((أهل السُنّة)) وتردد كثيرا في أي الفريقين أصح ثم أعلن انضمامه إلى ((أهل السُنّة)) وخروجه على المعتزلة.

وأهل السُنّة الذين سبقوا الأشعري هم کما ذکرنا مدرسة ابن کلاب ومناصريها أبو العباس القلانسي والمحاسبي، فهم الذين اشتهروا بالرد على المعتزلة. وأطلق الباحثون عليهم لقب ((أوائل أهل السُنّة)) وعليه فإن لقب ((أهل السُنّة)) قد عرف فعلا تطورا في مفهومه الاصطلاحي وانطباقه.

ص: 45

فلم يعد ((یعني: أصحاب الحدیث والأثر)) ومن حدا حدوهم بالتحديد، ولكنه أصبح يختص بمجموعة من العلماء قد لا يكونون ممن يشتغل بعلوم الحديث ويقفون عندها. بل ممن اشتغلوا بالكلام والرد على المعتزلة(1).

2 - قال سفر الحولي:

(إن مصطلح أهل السُنّة والجماعة يطلق ويراد به معنيان:

أ - المعنى الأعم: وهو ما يقابل الشيعة فيقال: المنتسبون للإسلام قسان: أهل السُنة والشيعة، مثلما عنون ابن تيمية في كتابه في الرد على الرافضي (منهاج السُنّة) وفيه بيَّنَ هذين المعنيين، وصرّح أن ما ذهبت إليه الطوائف المبتدعة من أهل السُنة بالمعنى الأخص.

وهذا المعنى يدخل فيه كل من سوى الشيعة كالأشاعرة، لا سيما والأشاعرة فيما يتعلق بموضوع الصحابة والخلفاء متفقون مع أهل السُنة، وهي نقطة الاتفاق المنهجية الوحيدة.

ب - المعنى الأخص: وهو ما يقابل المبتدعة وأهل الأهواء، وهو الأكثر استعمالا وعليه كتب الجرح والتعديل، فإذا قالوا عن الرجل أنه صاحب سُنّة أو كان سُنيا أو من أهل السُنة ونحوها، فالمراد أنه ليس من إحدى الطوائف البدعية كالخوارج والمعتزلة والشيعة، وليس صاحب کلام وهوی.

وهذا المعنى لا يدخل فيه الأشاعرة أبدا، بل هم خارجون عنه وقد نص الإمام أحمد وابن المديني على أن من خاض في شيء من علم الكلام لا يعتبر

ص: 46


1- السلفية بين أهل السنة والأمامية: ص 57 - 58

من أهل السُنة وإن أصاب بكلامه السُنة حتى يدع الجدل ويسلم للنصوص، فلم يشترطوا موافقة السُنة فحسب، بل التلقي والاستمداد منها، فمن تلقي من السُنة فهو من أهلها وإن أخطأ، ومن تلقى من غيرها فقد أخطأ وإن وافقها في النتيجة؛ الأشاعرة تلقوا واستمدوا من غير السُنة ولم يوافقوها في النتائج فكيف يكون من أهلها)(1).

3 - قال محمد باکریم:

(معنی أهل السُنّة: أهل الشيء، هم أخص الناس به، يقال في اللغة: أهل الرجل: أخص الناس به وأهل البيت سكانه، وأهل الإسلام من يدين به، وأهل المذهب من يدين به.

فمعنى أهل السُنّة؛ أي: أخص الناس بها وأكثرهم تمسكا بها واتباعا لها قولا وعملا واعتقادا.

وهذا اللفظ أصبح مصطلحا يطلق ويراد به أحد معنيين:

المعنى الأول:

معنی عام يدخل فيه جميع المنتسبين إلى الإسلام عدى الرافضة؛ فيقال: هذا رافضي، وهذا سُني، وهذا هو اصطلاح العامة؛ لأن الرافضة هم المشهورون عندهم بمخالفة السُنّة فجمهور العامة لا تعرف ضد السُنّي إلا الرافضي؛ فإذا قال أحدهم: أنا سُني فإنما؛ معناه: لست رافضيا وقد ورد عن بعض السلف ما يشير إلى هذا المعنى فقد قيل لسفيان الثوري: يا أبا عبد الله! وما موافقة

ص: 47


1- منهاج الأشاعرة في العقيدة: ص 7

السُنّة؟ قال: تقدمة الشيخين أبي بكر وعمر، فالسُني عنده من قدمها على غير هما في الخلافة والفضل، ومن لم يقدمها فليس بسُني، ولم يؤخرهما عن مرتبتها إلا الرافضة.

المعنى الثاني:

معنی أخص وأضيق من المعنى العام، ويراد به أهل السُنّة المحضة الخالصة من البدع، ويخرج به سائر أهل الأهواء والبدع، کالخوارج والجهمية والمرجئة، والشيعة وغيرهم من أهل البدع.

يبين ابن تيمية معنی لفظ ((أهل السُنّة)) فيقول: فلفظ ((أهل السُنّة)) يراد به من أثبت خلافة الثلاثة، فيدخل في ذلك - أي: في لفظ أهل السُنّة - جميع الطوائف إلا الرافضة، وقد يراد به: أهل الحديث والسُنّة المحضة؛ فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول: (القرآن غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة، ويثبت القدر، وغير ذلك من الأمور المعروفة عند أهل الحديث والسُنّة).

ومن خالف شيئا من ذلك عد من أصحاب البدع، ولم یکن سنیا، بذا حكم إمام أهل السُنّة دون منازع الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عليه؛ حيث قال في مقدمة كتاب ((السُنّة)): (هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر، وأهل السُنّة المتمسكين بعروتها المعروفين بها المقتدي بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه [واله] وسلم إلى يومنا هذا، وأدركت عليها من علماء الحجاز والشام وغيرهما عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها؛ فهو مخالف مبتدع وخارج عن الجماعة زايل عن

ص: 48

منهج السنة وسبيل الحق))(1).

4 - قال ابن عثيمين وقد سأله السائل:

(هناك من ينكر استعمال مصطلح أهل السُنّة والجماعة، ويقول: نقول: السلفيين أو السلف؛ لأن في ذلك إدخالا للأشاعرة والماتريدية في هذا المصطلح؟ فقال: من الخطأ أن ندخل أهل البدع مهما كانت بدعتهم في الاسم المطلق ل أهل السُنّة والجماعة، فإن أهل السُنّة والجماعة لا يدخل فيهم من خالف السلف فيها هم عليه، وفيما خالفهم فيه، فمثلا: إذا كان هذا الرجل ينكر من صفات الله وأسمائه ماينكره فهو ليس من أهل السُنّة والجماعة فيما أنكره، وإن كان منهم في أمور أخرى؛ لأن أهل السُنّة والجماعة يرون أن الإنسان قد يجتمع فيه بدعة وسُنة، كفر أصغر وإیمان، فهذا الرجل الذي خالف السلف في صفات الله نقول: هو ليس من أهل السُنّة والجماعة في صفات الله، وإن كان منهم في أعمال أخرى، كالمسائل الفقهية مثلا، فنحن نمنع أصلا أن يكون صاحب بدعة من أهل السُنّة في بدعته، وحينئذ نسلم من هذا الإشكال الذي أدى إلى تضارب آراء العلماء.

فالذي نرى أن أهل البدع في بدعهم ليسوا من أهل السُنّة والجماعة؛ لأن هذه البدعة ليس عليها أهل السُنّة والجماعة وكيف يكون من أهل السُنّة والجماعة وهو مخالف لهم؟!! السائل: وهل مصطلح أهل السُنّة والجماعة يستعمل للسلفيين أم لا؟ الجواب: أبدا، لا حاجة لذلك؛ لأن أهل السُنّة

ص: 49


1- وسطية أهل السنة بين الفرق : ج 1 ص 50؛ انظر: منهاج السنة 3 / 444 - 484، (ط. جامعة الإمام بتحقيق د. محمد رشاد سالم

والجماعة حقيقة هم من كانوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه [واله] وسلم وأصحابه، ولهذا فسر النبي صلى الله عليه [واله] وسلم الفرقة الناجية بأنهم من كانوا على مثل ما كان عليه هو وأصحابه.

السائل: - كمثال - نجعل النووي وابن حجر من غير أهل السُنّة والجماعة؟ الشيخ: فيما يذهبان إليه في الأسماء والصفات ليسا من أهل السُنّة والجماعة.

السائل: بالإطلاق ليسا من أهل السُنّة والجماعة؟ الشيخ: لا نطلق، ولهذا أنا قلت لك: إن من خالف السلف في صفات الله لا يعطي الاسم المطلق بأنه من أهل السُنّة والجماعة، بل يقيد يقال: هو من أهل السُنّة والجماعة في طريقته الفقهية مثلا، أما في طريقته البدعية فليس من أهل السُنّة والجماعة)(1).

ثانيًا: اضطراب المفهوم ومناقضته للحقيقة الشرعية:

من الواضح جداً أن هناك أراء مختلفة في بيان مصطلح أهل السُنّة والجماعة، بل من الواضح جداً التطرف الفكري في بعض هذه الأقوال، كقولهم في معنی السُنّة: (معنی عام يدخل فيه جميع المنتسبين إلى الإسلام عدى الرافضة)!! والرافضة يشهدون الشهادتين ويؤدون الفرائض الخمسة ويحجون ويصومون ویزکون ويخمسون؛ لكنهم يمتازون عن بقية المسلمين في التولي والتبري، فهم يوالون عترة النبي (صلى الله عليه واله) ويبرئون ممن ظلمهم.

وكقول ابن عثيمين في اخراجه الحافظين النووي وابن حجر من أهل السُنّة والجماعة وأنهم أهل بدعة، محاولاً دفع هذا التطرف الفكري والمغالطة

ص: 50


1- لقاء الباب المفتوح: ج 8 ص 29

في المفهوم فجعلها سنتان في الفقه والعقيدة، وحصره المجسمة - والعياذ بالله - في أنهم أهل السُنّة والجماعة، وأنّ الفرقة الناجية هم من كانوا على مثل ما كان عليه [صلى الله عليه واله] هو وأصحابه.

وفي هذا المفهوم تقع المشكلة، وذلك أن جميع المسلمين يرجعون إلى سُنّة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بمقتضى النسبة، أي نسبة السُنّة إليه (صلى الله عليه واله) لكن السؤال المطروح: هل كان أصحابه على منهاجه وطريقته وهديّه، أم أنهم «أجتهدوا» - كما يزعمون - في سُنّته، فمنهم من أصاب ومنهم من أخطأ فنال كل منهم أجره، القاتل منهم والمقتول!! بل فيهم من جاهر بمعصية الله ورسوله (صلى الله عليه واله وسلم)، بل بدل السُنّة النبوية وأحدث فيها وابتدع - کما یروي البخاري، ومسلم، وأحمد - وما الدراسة التي بين ايدينا إلا أنموذجاً مما وقع من الظلم للشريعة وبضعة النبوة فاطمة (عليها السلام).

إلا أن اقرار ابن تيمية بان أهل السُنّة «من أقروا بخلافة أبي بكر وعمر وتفضيلهما على سائر الصحابة» فهو الأمر الجامع الذي دار في فلکه معنی الجماعة، ليكون بإزاء من أقرَّ بخلافة أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) وتفضيله على سائر الصحابة، ورفض خلافة أبي بكر وبيعته فسماهم بالرافضة، ولإجل ذلك عنوّن منهاجه - الأموي - في الرد على العلامة الفقيه ابن المطهر الحلي (عليه الرحمة والرضوان) فَوَسَمَهُ بالرافضي، لكونه دان الله بحب الإمام علي ومشایعته فقها وعقيدة، ورفض بيعة أبي بكر هذه البيعة التي وصفها صاحبه عمر بن الخطاب بأنها كانت فلتة (ولكن الله وقی شرها)، كما أخرجه البخاري(1).

ص: 51


1- صحيح البخاري، کتاب المحاربين: ج 8 ص 29

وعليه:

لم يكن المصطلح إلا للتميز بين من أتبع أهل البيت (عليهم السلام) وتشيع لهم ووالاهم فقها وعقيدة، وبين من أتبع أبي وبكر وعمر وتشيع لهما واتبع سنتها فقها وعقيدة، فكان الخلفاء من بني أمية وبني العباس وأئمة المذاهب الفقهية والمدارس العقدية تبعا لها، فسارت شنة الشيخين بموازات سُنّة النبي (صلى الله عليه واله)، بل غلّبت عليها.

ولعل أيرادنا للشواهد في بيان هذه الحقيقة يخرجنا عن منهاج الدراسة وعنوانها، فيكفي في ذاك ما لقيه الأعمش(1)من الحرب لروايته حديثا في

ص: 52


1- ترجم له الذهبي، قائلًا: (سلیمان بن مهران، ع. الأعمش الإمام أبو محمد الأسدي مولاهم الكاهلي الكوفي الحافظ المقرئ أحد الأئمة الأعلام. يقال ولد بقرية من عمل طبرستان يقال لها أمه، وذلك في سنة إحدى وستين، وقد رأي أنس بن مالك ورآه يصلي ولم يثبت أنه سمع منه مع أن أنساً لما توفي كان للأعمش نیف وثلاثون سنة، وكان يمكنه السماع من جماعة من الصحابة. وقد روي عن عبد الله بن أبي أوفي وأبي وائل وزيد بن وهب وأبي عمرو الشيباني و خثيمة بن عبد الرحمن وإبراهيم النخعي وجاهد وأبي صالح وسالم بن أبي الجعد وأبي حازم الأشجعي والشعبي وهلال بن يساف ويحيى بن وثاب وأبي الضحى وسعيد بن جبير وخلق كثير من كبار التابعين. حدث عنه أمم لا يحصون منهم الحكم بن عتيبة وأبو إسحاق السبيعي وهما من شيوخه وشعبة) والسفيانان و جریر وشعبة والسفیانان وجریر بن حازم وجریر بن عبد الحميد وزائدة وأبو معاوية ووكيع وحفص بن غياث وأبو أسامة وعبد الله بن موسی و جعفر بن عون والخريبي وابن المبارك وابن نمير وعبد الحميد الحماني وعبد الواحد بن زياد وعلي بن مسهر وعیسی بن يونس ومحمد بن بشر وابن فضيل ويحيى القطان ویحیی بن عیسی الرملي ويعلى بن عبيد و أبو نعيم. قال ابن المديني: له نحو من ألف وثلاثمائة حديث. وقال ابن عيينة: كان الأعمش أقرأهم الكتاب الله وأحفظهم للحديث وأعلمهم بالفرائض. وقال أبو حفص الفلاس: كان يسمى المصحفمن صدقه. وقال يحيى القطان: هو علامة الإسلام. وقال وكيع: بقي الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى. وقال الخريبي: ما خلف الأعمش أعبد منه، وكان رضي الله عنه صاحب سنة. وقد قرأ الأعمش القرآن على يحيى بن وثاب عن قراءته على أصحاب ابن وسعود. قرأ عليه جماعة منهم حمزة الزيات. وكان مع جلالته في العلم والفضل صاحب ملح ومزاح، قيل إنه جاءه أصحاب الحديث يوماً فخرج فقال: لولا أن في منزلي من هو أبغض إلي منكم ما خرجت إليكم. رواها وكيع عنه. وقد سأله داود الحائك: ما تقول يا أبا محمد في الصلاة خلف الحائك فقال: لا بأس بها على غير وضوء، قيل في شهادة الحائك قال: تقبل مع عدلين. قال ابن عيينة: سبق الأعمش أصحابه بخصال: كان أقرأهم لكتاب الله وأحفظهم للحديث وأعلمهم بالفرائض. وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان ثقة ثبتاً كان محدث الكوفة في زمانه، ويقال: ظهر له أربعة آلاف حدیث، لم يكن له كتاب وكان يقرأ القرآن رأساً فيه وكان فصيحاً وكان أبوه مهران من سبي الديلم. قال وكان الأعمش عسراً سيئ الخلق وكان لا يلحن حرفاً وكان عالماً بالفرائض. قال وكان فيه تشيع. كذا قال، وليس هذا بصحيح عنه بلى، كان صاحب سُنة). (تاريخ الإسلام: ج 9 ص 162 - 163)

الإمام علي (عليه السلام)، فقد لاقى من معاصريه من أهل السُنّة والجماعة حربا مستعرة!! وذلك أنه حدّثَ الناس بقول الإمام علي عليه السلام: «أنا قسيم النار».

والعلة في هذه الحرب يكشفها عیسی بن يونس فيقول:

(ما رأيت الأعمش خضع إلا مرّة واحدة، فانه حدثنا بهذا الحديث، قال علي [عليه السلام ]:

ص: 53

«أنا قسيم النار».

فبلغ ذلك أهل السُنّة فجاؤوا أليه فقالوا: اتحدث بأحادیث تقوي بها الروافضة والزيدية والشيعة؟ فقال: سمعته فحدثت به.

فقالوا: فكل شيء سمعته تحدث به؟!! قال: فرأيته خضع ذلك اليوم)(1).

والحديث لا يحتاج إلى مزيد من البيان في ممارسة التعتيم والتضليل والإخفاء والإقصاء لثقل النبي (صلى الله عليه واله) الأصغر في أمته، ونبذ أمره (صلى الله عليه واله) فيهم، وكأنهم صمّوا وعمّوا عن قوله:

«ألا أيها الناس فإنما أنا بشر یوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» فحث على كتاب الله ورَّغَبَ فيه، ثم قال: «وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»(2).

بل، أنّ أهل السُنّة والجماعة قد تعاهدت على تغيّر سُنّته (صلى الله عليه وآله) أذا عملت بها شيعة أهل بيته (عليهم السلام)، وما قول ابن تيمية عن ذاك ببعيد، أذ يقول في حكم السُنّة النبوية في تسطيح القبور والنهي عن تسنيمها:

(ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء الى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعارا لهم، فأنّه وإنْ لم يكن الترك واجبا لذلك، لكن في اظهار ذلك مشابهة

ص: 54


1- ضعفاء العقيلي: ج 3 ص 416؛ لسان الميزان لابن حجر: ج 3 ص 247
2- صحيح مسلم باب: من فضائل علي (عليه السلام): ج 7 ص 123

لهم، فلا تميز السُنّي من الرافضي)(1).

وقال الرافعي: (التسنيم أفضل مخالفة لشعار الروافض)(2).

وقد رَدَّ الحافظ النووي على هذا التحامل على الشيعة الرافضة واتخاذه شعارا في ترك الواجبات والسُنّن النبوية فيقول: (ورد الجمهور على ابن ابي هريرة في دعواه أن التسنيم أفضل لكون التسطيح شعار الرافضة. فلا يضر موافقة الرافضي لنا في ذلك ولو كانت موافقتهم لنا سببا لترك ما وافقوا فيه، لتركنا واجبات وسننا كثيرة)(3).

بل إنّ الحقيقة الثابتة: أنّ أهل السُنّة والجماعة تركوا سُنّة النبي (صلى الله عليه واله) من مقدمات العبادات الى خواتيم المعاملات، ومن التوحيد فليس كمثله شيء الى سقي الناس بيد علي (عليه السلام) على الحوض في المعاد، وذلك لموافقتها الرافضة.

أذن:

إنّ القول، بأن معنى أهل السُنّة: هم المتمسكون بسنة النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، هو محض إفتراء على سُنّة رسول الله (صلى الله عليه واله) وشريعته، فقد اشتكت السُنّة إلى صاحبها وآنت مما أفْتُريَّ عليها وغُيَّرَ وبُدَّلَ فيها، وحسبك منه ما اخرجه البخاري عن شكوى النبي (صلى الله عليه واله) فيما أحدثه بعض أصحابه وبدلوا في سُنّته وشريعته، وأنهم «لم يزالوا مرتدین

ص: 55


1- منهاج السنة: ج 2 ص 143
2- فتح العزيز ج 5 ص 224
3- المجموع: ج 5 ص 269

على أعاقبهم منذ فارقتهم»(1). وأن منهم من يساق إلى النار، فيقول النبي (صلى الله عليه واله)، وهو ينظر أليهم متعجباً - واللفظ لمسلم النيسابوري -:

«یا رب هؤلاء من أصحابي؟ فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟!!(2)فيرد (صلى الله عليه واله) قائلا: «سحقا سحقا لمن بدل بعدي»(3).

ومن ثم: فإن القول بارتداد بعض الصحابة وأنهم أحدثوا وبدلوا في سُنّته وشريعته (صلى الله عليه واله) ليس من أقوال الشيعة الرافضة، كما يتهمهم ابن تيمية وأشياخه؛ بل هو ما أخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد، وغيرهم من أصحاب السُنّن والمسانيد والصحاح والمصنَّفات والمعاجم والمستدركات عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهو من كشف حقيقة كثير من أصحابه، قائلاً:

«فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم»(4).

فتبرأ منهم، ومما فعلوا، وأحدثوا من بعده، فيقول فيهم - واللفظ للبخاري -:

«كما قال البعد الصالح:

«وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ

ص: 56


1- صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق: ج 4 ص 110
2- صحیح مسلم، باب: استحباب أطالة الغرة والتحجيل: ج 1 ص 150
3- صحيح البخاری، کتاب الفتن: ج 8 ص 87؛ صحیح مسلم، باب: أثبات الحوض: ج 7 ص 66، مسند أحمد، حديث أبي مالك: ج 5 ص 333
4- صحيح البخاري، کتاب الرقاق: ج 7 ص 309

الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» [سورة المائدة / 117 - 118](1)».

فأي سُنّة هذه التي يدعون أنهم أهلها، وأين النجاة وكثير من السلف يساقون إلى النّار؟! المسألة الثالثة: معنى المقاصدية ومفهومها.

للوصول إلى معنى القصدية ومفهومها فلا بد من الرجوع إلى تعريفها في اللغة والاصطلاح وما ذكره البلاغيون من استعمالات ودلالات ومعنی للقصد في كتبهم.

ومن ثم لنقف عند مقاصدية قول ابن عثيمين في بضعة النبوة فاطمة (عليها السلام) وما نتج عنها من شبهات عقدية، وهو كالآتي:

أولاً: معنى القصد والمقاصدية في اللغة.

إن المستفاد من معنی مفردة (قصد) في اللغة، هو إصابة المعنى في اللفظ والوصول إليه.

قال الفراهيدي:

(القصد: استقامة الطريق، والقصد في المعيشة أن لا تسرف ولا تقتر؛ وقد جاء في الحديث: ما عال مقتصد، ولا يعيل)(2).

ص: 57


1- صحيح البخاري، کتاب الرقاق: ج 7 ص 190
2- کتاب العين: ج 5 ص 54

وقال ابن فارس (ت 395 ه):

(قصد: القاف، والصاد، والدال؛ أصول ثلاثة يدل أحدهما على إتيان شيء وأمه، والأخر على كسر وانکسار، والآخر على اكتناز في الشيء؛ فالأصل: قصدته قصداً ومقصداً.

ومن الباب: أقصد السهم إذا أصابه فقتل مكانه وكأنه قيل ذلك لأنه لم يحد عنه)(1).

وهذا يكشف عن دلالة القصد في النص: أي إصابة المعنى الذي عناه منتج النص کما يصيب السهم الهدف ويصل إليه:

(فأقصدها سهمي وقد كان قبلها لأمثالها من نسوة الحي قانصاً)(2) وفي الأصل الثالث الذي ذكره ابن فارس يحدد وظيفة القصد في اللفظ، أي أن النص يكون متمثلاً ومكتنزاً للمعاني والدلالات فتكون وظيفة المتلقي اخراج هذه المعاني التي اكتنزها اللفظ.

ولذا قيل: (الناقة القصيدة: المكتنزة الممتلئة لحماً.

قال الأعشى:

قطعت وصاحبي سرح كناز کركن الرعن ذعلبة قصيد

ص: 58


1- معجم مقاییس اللغة: ج 5 ص 95
2- المصدر نفسه: ج 5 ص 95

ولذا سميت القصدية من الشعر قصيدة لتقصيد أبياتها، ولا تكون أبياتها إلا تامة الأبنية)(1).

وأظهر أبو هلال العسكري (ت 395 ه):

(إنَّ المعنى: القصد الذي يقع به القول على وجه، وقد يكون معنى الكلام في اللغة ما تعلق به القصد.

وقيل: إنَّ المعنى هو القصد، مايقصد إليه من القول، فجعل المعنی: القصد لأنه مصدر)(2).

وقد كان لابن جني بیان موفق في تحديد موقع اللفظ وأصله، أي (القصد) في كلام العرب وهو: الاعتزام، والتوجه، والنهود، والنهوض، نحو الشيء على اعتدال كان ذلك أو جور.

هذا اصله في الحقيقة وإن كان قد يخص في بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل، ألا ترى وإنك تقصد الجور تارة کما تقصد العدل أخرى، فالاعتزام والتوجه شامل لها جميعاً)(3).

وهذا يرشد إلى أنَّ القصد يراد به في الأصل في كلام العرب حينما تتم المقارنة مع النظرية التداولية وتحديداً في معيار المقصدية هو التوجه بالمعنی والنهوض به نحو الشيء الذي عناه منتج النص مرتكزاً على الاعتدال في

ص: 59


1- معجم مقاییس اللغة: ج 5 ص 96
2- الفروق اللغوية: ص 505
3- لسان العرب، ابن منظور ج 3 ص 355

توجيه المعنی بغية إحراز التفاعل مع المتلقي.

ثانياً: القصد والمقاصدية في الاصطلاح.

يمكن الوقوف على معنى القصدية في الاصطلاح عبر المفاهيم التي تناولت اللفظ في بعض العلوم، فالقصدية في الفلسفة هي:

(اتجاه الذهن نحو موضوع معين وإدراكه له ويسمى القصد الأول، وتفكيره في هذا الادراك سمي القصد الثاني)(1).

في حين عرَّفها علماء الظاهراتية (الفينومينولوجيا): هي مبدأ كل معرفة، تعني: أنَّ المعنى يتكون من خلال الفهم الذاتي والشعور القصدي الآتي بإزائه)(2).

ثالثاً: مفهوم مقاصدية القرآن والسُنّة.

حينما كان القرآن والسُنة النبوية المصدرين الأساسين للشريعة فإن مقاصد الشريعة هي في مفهومها قريبة من مقاصد القرآن والسنة إن لم يكن المفهومان متلازمين في المعنى والدلالة، والغاية.

ولذا فقد ذهب البعض إلى تعريف مقاصد القرآن والسنة ب (الامر

ص: 60


1- معجم المصطلحات في اللغة والادب، تأليف مجدي وهبة وكامل المهندس: ص 288، ط 2 مكتبة لبنان
2- هي مدرسة فلسفية تعتمد على الخبرة الحسية للظواهر كنقطة بداية (أي ما تمثله هذه الظاهرة في خبراتنا الواعية) ثم تنطلق من هذه الخبرة لتحليل هذه الظاهرة واساس معرفتنا بها. للمزيد ينظر: ويكيبيديا العربية، علم الظواهر

باكتساب المصالح وأسبابها والزجر عن اكتساب المفاسد وأسبابها؛ والتعريف يلمح للمقصد العام للاسلام بأنه جلب للمصالح ودرء للمفاسد)(1).

وقد اختلفت الأقوال في تحديد اقسام مقاصد القرآن، فكانت على النحو الآتي:

1 - قال السيوطي (ت 911 ه)، وقد جعلها أربعة مقاصد:

إن مقاصد القرآن في اربعة علوم قامت بها الأديان، علم الأصول ومداره على معرفة الله وصفاته ومعرفة النبوات ومعرفة المعاد؛ وعلم العبادات؛ وعلم السلوك وهو حمل النفس على الآداب الشرعية وعلم القصص وهو الاطلاع على اخبار الأمم السالفة، وقد نبه عزوجل في سورة الفاتحة على جميع مقاصد القرآن(2).

2 - قال محمد صدر الدين الشيرازي (ت 1050 ه)، وقد جعلها ستة مقاصد وسماها ايضا بالاصول المهمة:

(فأولها معرفة الحق الأول وصفاته وأفعاله، وثانيها معرفة الصراط المستقيم ودرجات الصعود إلى اللهَّ وكيفية السلوك عليه وعدم الانحراف عنه. وثالثها معرفة المعاد والمرجع إليه وأحوال الواصلين إليه وإلى دار رحمته وكرامته وأحوال المبعدين عنه والمعذبين في دار غضبه وسجن عذابه وهو علم المعاد والإيمان باليوم الآخر.

ص: 61


1- مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين، د. عیسی بو عكاز، كلية العلوم الاسلامية - جامعة باتنة، مجلة الاحياء، العدد 20 - لسنة 2017
2- الأتقان في علوم القرآن: ج 2 ص 284

وأما الثلاثة الأخيرة فأحدها معرفة المبعوثين من عند اللهَّ لدعوة الخلق ونجاة النفوس عن حبس الجحيم وسوقهم إلى اللهَّ وهم قواد سفر الآخرة ورؤساء القوافل والمقصود منه الترغيب إلى الآخرة والتشويق إلى اللهَّ وثانيها حكاية أقوال الجاحدين وكشف فضائحهم وتسفيه عقولهم في غوايتهم وضلالتهم وتحريم طريق الهلاك والمقصود فيه التحذير عن طريق الباطل والتثبت على الطريق المستقيم.

وثالثها تعليم عمارة المنازل والمراحل إلى اللهَّ والعبودية وكيفية أخذ الزاد والاستعداد برياضة المركب وعلف الدابة لسفر المعاد والمقصود منه كيفية معاملة الإنسان مع أعيان هذه الدنيا التي بعضها داخلة فيه النفس وقواها الشهرية والغضبية برياضتها وإصلاحها حتى لا يكون جموحا بل رائضة حمولة يصلح للركوب في السفر إلى الآخرة والذهاب إلى الرب تعالی کما في قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه السلام:

«إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ» وهذا العلم يسمى تهذيب الأخلاق. وبعضها خارجة إما مجتمعة في منزل واحد كالوالد والولد والأهل والخدم ويسمى تدبير المنزل أو في مدينة واحدة أو أكثر ويسمى علم السياسة وأحكام الشريعة كالقصاص والديات والأقضية والحكومات وغيرها فهذه ستة أقسام من مقاصد القرآن)(1).

3 - قال الفيض الكاشاني (ت 1091 ه):

إنّ مقاصد القرآن الكريم ترجع عند التحقيق إلى ثلاثة معان: معرفة الله

ص: 62


1- اسرار الآيات: ص 21 - 22

ومعرفة السعادة والشقاوة الاخرويتين والعلم بما يوصل إلى السعادة ويبعد عن الشقاوة(1).

4 - قال الألوسي (ت 1650 ه): أن مقاصد القرآن العظيم لا تنحصر في الأمر والنهي بل هو مشتمل على مقاصد أخرى كأحوال المبدأ والمعاد ومن هنا قيل: لعل الأقرب أن يقال إن مقاصد القرآن، التوحيد والأحكام الشرعية وأحوال المعاد، والتوحيد عبارة عن تخصيص الله تعالى بالعبادة وهو الذي دعا إليه الأنبياء عليهم السلام أولاً بالذات، والتخصيص إنما يحصل بنفي عبادة غيره تعالى وعبادة الله عز وجل، إذ التخصيص له جزآن: النفي عن الغير والإثبات للمخصص به، فصارت المقاصد بهذا الاعتبار أربعة؛ وقيل: إن مقاصد القرآن صفاته تعالى والنبوات والأحكام والمواعظ(2).

رابعاً: المقاصدية في التراث البلاغي.

يتضح اهتمام البلاغيين العرب في تتبع قصد منتج النص عبر اهتمامهم بالمعنى وفهم كلام القائل وقدرته على افهام السامع وهو ما يعنيه اللسانيون في دراستهم لمعياري القصدية والمقبولية.

فقد أظهر أبو هلال العسكري (ت: 395 ه) مفهوم القصدية في بيانه لمفهوم مفردة المعنى ودلالتها فيقول:

ص: 63


1- الوافي: ج 1 ص 669
2- تفسير الآلوسي: ج 3 ص 250

(المعنى هو القصد الذي يقع به القول على وجه دون وجه فيكون معنی الكلام ما تعلق به القصد)(1).

ثم يأتي بمثل في بيان حقيقة القصد ومراده فيقول:

(والكلام لا يترتب في الإخبار والاستخبار وغير ذلك إلا بالقصد، فلو قال قائل: (محمد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -) ویرید جعفر بن محمد بن جعفر كان ذلك باطلاً)(2).

ثم يأتي إلى بيان الغرض الذي أراده منتج النص في خطابه، فيقول:

(والغرض هو المقصود بالقول أو الفعل بإضمار مقدمة)(3).

وبين السبب في تسميته بالغرض (تشبيهاً بالغرض الذي يقصده الرامي بسهمه وهو الهدف)(4).

وتظهر مفاهيم العملية التواصلية في التراث البلاغي من خلال تعريفهم للبيان کما جاء عن الجاحظ (ت 255 ه) والقيرواني (ت 463 ه)، والظاهر أن القيرواني نقل هذا التعريف عن الجاحظ، فيقول:

(والبيان اسم جامع بكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجب حتى يفضي السامع إلى حقيقته ويهجم على محصوله كائناً ما كان ذلك البيان

ص: 64


1- الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري: ص 504
2- المصدر نفسه
3- المصدر نفسه
4- المصدر نفسه

من أي جنس كان ذلك الدليل لأن مدار الأمر والغاية التي اليها يجري القائل والسامع إنما هو الفهم والإفهام، فبأي شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعني فذاك هو البيان في ذلك الموضع)(1).

ويظهر مدار العملية التواصلية في معياري القصدية والمقبولية في قوله:

(والغاية التي يجري اليها القائل والسامع إنما هو الفهم والإفهام، ومن ثم يكون الخطاب التواصلي بين الناس ثمرة وهي (البيان).

ويتجلى اعتماد البلغاء والشعراء القصدية في بيانهم للمعنى المنظور والموزون في الشعر، قال ابن جني:

(سمي قصيداً لأنه قصد واعتمد)(2).

وقال الجوهري: (سمي قصيداً لأن قائله احتفل له فنقحه باللفظ الجيد والمعنى المختار وأصله من القصيد)(3).

وقيل (سمي الشعر التام قصيداً لأن قائله جعل من باله فقصدله قصداً ولم يحتسّه على ما خطر بباله وجرى على لسانه، بل روی فیه خاطره واجتهد في تجويده ولم يقتضبه اقتضاباً فهو فعيل من القصد، وهو الأُم)(4).

إن مفهوم القصدية في التراث النقدي والبلاغي كان حاضراً في مظهرين رئيسيين:

ص: 65


1- البيان والتبيين: ص 55؛ زهر الآداب للقيرواني: ج 1 ص 149
2- لسان العرب: ج 3 ص 354
3- المصدر نفسه
4- المصدر نفسه

أولها: النية؛ حيث سمي الشعر التام قصيداً لأن قائله جعله من باله فقصد له قصدًا؛ إضافة إلى تعريفهم للشعر بأنه بعد النية على أربعة أشياء، وهي:

اللفظ، والوزن، والمعنى، والقافية، فهذا هو حد الشعر لأن من الكلام ما كان موزوناً مقفّى وليس بشعر لعدم القصد والنية، بل اشترط بعضهم في الشعر أن يكون أكثر من بيت احترازاً عما يقع في سطر واحد بوزن الشعر دون القصد.

اما المفهوم الثاني للقصد: فيتمثل في المصطلحات التي استعملها القدامی للدلالة على المراد من النص او الكلام، مثل: المعنى، والغرض، والهدف، والحاجة، والغاية التي يريد أن يبلغ اليها المتكلم، بل لعل تعريفهم للبلاغة يتضمن جانباً من القصدية، حيث ينشطرون لتحقق بلاغة النص او الكلام وضوح القصد للسامع)(1).

وبناءً عليه:

فقد اقتضت الدراسة البحث في مقاصد النص الوارد عن المحدثين والمفسرين في نِحْلَة بضعة النبوة (عليها السلام) ومدی توافقه مع القرآن والسُنّة.

ص: 66


1- القصدية والمقبولية في التراث النقدي والدرس اللساني، د. اياد نجيب عبد الله، و أ. ميلود مصطفی عاشور: ص 353، مجلة جامعة المدينة العالمية، العدد السابع عشر - يوليو - 2016 م

المبحث الثالث: مشكلة الدراسة ونوعها وحقولها المعرفية ومناهج البحث

المسألة الأولى: مشكلة الدراسة وهدفها.

أولا: مشكلة الدراسة.

تفترض الدراسة أن تدوین العلوم والمعارف الإسلامية الذي تاخر إلى منتصف القرن الثاني للهجرة النبوية کما روى الذهبي في تذكرة الحفاظ، وبأمر من خلفاء بني العباس واکراههم لحملة العلم على الكتابة وتدوین العلوم لاسيما التفسير والحديث، وهو ما رواه ابن شهاب الزهري.

إلاّ أن هذه المعارف کانت قد كتبت في ظل الحكومات التي تعاقبت في ادراة شؤون الحكم ومصالح المسلمين الحياتية فتحكمت فيها بقدر ما استطاعت بما يتناسب مع الحفاظ على السلطان والسلّطنة أو الأمير والإمارة لكن ذلك لم يكن حاجبا عن تدوين العديد من الحقائق والمعارف الإسلامية وخاصة علم التفسير إذ يعد مادة خصبة للوصول إلى كثير من الحقائق والمفاهيم والمرتكزات التي شكلت المكوّن المعرفي والعقدي للمسلم.

وعليه: تسعى الدراسة عِبرَ مجموعة من المباحث إلى بيان ملابسات قضية ظلامة بضعة النبوة (عليها السلام) وذلك بما نسخته أيدي المؤرخين والمحدثين والمفسرين والفقهاء وبيان مغالطاتهم في ظلامة البضعة (عليها

ص: 67

السلام) وتصویب فعل أبي بكر في منعه لجميع حقوقها ومصادرة إرثها من أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات الموارد الاقتصادية والمالية لا سیما نحلتها الفدكية، وتركه للأموال المعيشية والحياتية والمقتنيات الشخصية لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، على الرغم من أن المؤرخين والمحدثين والمفسرين والفقهاء من أهل السُنّة والجماعة لم يقصدوا إظهار هذه الظلامة فكانت من أهم الأسس التي تقاطعت مع هيكل الخلافة وسُنّة الشيخين.

ومن ثم فقد أظهرت هذه التأويلات بل والمغالطات ظلامة البضعة النبوية (عليها السلام) فيما سَنّهُ أبو بكر في حقوقها المتعددة في نحلتها، وميراثها من أبيها (صلى الله عليه وآله) وطُعمَتها من حصن الكتيبة، وسهمها من ذي القربی؛ فبدا ما سَنّهُ أبو بكر في هذه الحقوق معارضا لما جاء به القرآن والسُنّة النبوية.

ثانياً: هدف الدراسة.

تكمن غاية الدراسة وهدفها ضمن مجموعة من النقاط وهي على النحو الآتي:

1 - إنّ وظيفة الباحث والدارس اليوم هو أعادة قراءة الموروث الإسلامي ضمن منظومة التحليل العلمي والمعرفي المرتكزة على القراءة المتأنية والمنصفة دون الخروج عن ثوابت القرآن والعترة النبوية (عليهم السلام) وهما الثقلان اللذان أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتمسك بهما لضمان عدم الانحراف عن الحق.

ص: 68

2 - الإثراء المعرفي في كشف الحقائق العلمية وأثره في تصحيح الموروث الثقافي والفكري.

3 - التأصيل لمنهج المزواجة المعرفية والبينية بغية الخروج بنتائج متجدده للعلوم الانسانية.

4 - محاولة تصحيح مسار الأنساق الثقافية المكبلة للرؤية العلمية المرتكزة على تحرر الذهن من الاضغان وازدراء الأديان فما زال الكثير من المسلمين وبفعل هذه الأنساق الثقافية يزدرؤون مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ومن سار بهديهم فكيف ببقية الأديان والمذاهب والفرق والثقافات العالمية.

5 - إنّ عينة الدراسة - التي بين أيدينا - وغيرها، مما وفقنا الله تعالى لكتابته، لا تستهدف أي شخص بذاته وانما الحقيقة ومقدماتها ونتائجها وإن كانت مريرة على الآخر.

وقد اعتمدتُ في هذا المنهج على هدي أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) حينما توجه اليه الحرث بن حوط الليثي قائلا:

(أترى أن طلحة والزبير، وعائشة اجتمعوا على باطل؟ فقال علي (عليه السلام): يا حار أنت ملبوس عليك، إن الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، وبإعمال الظن، أعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله)(1).

ص: 69


1- أنساب الأشراف للبلاذري: ج 2 ص 274؛ البيان والتبيان للجاحظ: ص 491؛ تاریخ اليعقوبي: ج 2 ص 210

المسألة الثالثة: حقول الدراسة.

استلزمت الدراسة الولوج إلى حقول معرفية ومناهل علمية عدة، فكان منها: الحديث النبوي، والتفسير، والسيرة، والأخلاق، والتاريخ الإسلامي، والعقيدة، والرجال، والجرح والتعديل، والفقه، وغيرها کما سمیر بیانه اثناء الدراسة.

المسألة الرابعة: مناهج البحث.

اعتمدت في هذه الدراسة على ثلاثة مناهج بحثية، وهي: المنهج الاستقرائي، والمنهج الوصفي، والمنهج التحليلي وذلك لدراسة المعطيات التاريخية، والروائية، والعقدية، والثقافية، عبر استنطاق النصوص، والأحداث، والمظاهر والبواطن للمواقف بغية الوصول إلى نتائج وكشوفات معرفية جديدة تسهم في إصلاح الإنسان والمجتمع والرجوع به إلى هويته القرآنية والنبوية والتمسك بالثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته (عليهم السلام).

فلم ولن يضل من تمسك بهما حتی یردا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحوض؛ عهد معهود من الله لنبيه المصطفی (صلى الله عليه وآله) ومن أبی وأعرض عن ذلك فلن يضر الله عزّ وجل شيئًا، وليقف القارئ على حقيقة ما لحق بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (عليها السلام) من الظلم والأذى منذ أن توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) والى يومنا هذا.

ص: 70

الفصل الثاني: أموال رسول اللَّه (صلی الله علیه وآله وسلم) ونوعها وما صادره أبو بكر وما ترکه منها

ص: 71

ص: 72

المبحث الأول: أموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) في المدينة التي صادرها أبو بكر وهي ذات الموارد الاقتصادية والمالية

المسالة الأولى: الحوائط السبعة، (أرض العوالي التي كانت لمخيريق

اليهودي).

وهذه الأرض مكونة من سبعة بساتين عامرة، ومليئة بالنخيل والأشجار، فضلاً عن زراعتها بكثير من الحاصلات الموسمية كالخضار.

وقد جاءت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وانتقلت إليه عِبَر وصية أوصى بها المالك لهذه الحوائط السبعة، أي (مخيريق اليهودي) وقد نص على انتقالها أهل السيّر، فمما قالوا:

1 - قال ابن إسحاق (ت 150 ه) وهو أول من صنّفَ السيرة النبوية:

(وكان من حديث مخريق، وكان حبراً عالماً، وكان رجلاً غنياً كثير الأموال من النخيل، وكان يعرف رسول الله [صلى الله عليه آله] بصفته، وما يجد في علمه، وغلب عليه إلف دينه، فلم يزل على ذلك، حتى إذا كان يوم أحد، وكان يوم أحد يوم السبت، قال:

يا معشر يهود، والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد علیكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم، ثم أخذ سلاحه، فخرج حتى أتی رسول الله [صلى الله عليه وآله] (وأصحابه) بأحد، وعهد إلى من وراءه من قومه:

ص: 73

إن قتلت هذا اليوم، فأموالي لمحمد [صلى الله عليه وآله] يصنع فيها ما أراه الله، فلا اقتتل الناس قاتل حتى قتل، فكان رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم - فيما بلغني - يقول:

«مخيريق خير يهود».

وقبض رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم أمواله، فعامة صدقات رسول الله [صلى الله عليه وآله] بالمدينة منها)(1).

2 - روی ابن أبي شبة النميري في تاريخ المدينة، أسماء هذه الحوائط السبعة، وسبب تسميتها بهذه الأسماء، فقال: (عن ابن شهاب الزهري، قال: کانت صدقات رسول الله [صلى الله عليه وآله] أموالاً لمخيريق اليهودي، قال عبد العزيز: بلغني أنه كان - - أي مخريق من بقايا بني قينقاع - وأوصى مخريق بأمواله للنبي [صلى الله عليه وآله]، وشهد أحداً فقتل بها، فقال رسول الله [صلى الله عليه وآله ]:

«مخيريق سابق اليهود، وسلمان سابق الفرس، وبلال سابق الحبشة».

وأسماء أموال مخيريق التي صارت للنبي [صلى الله عليه وآله]: الدلال، وبرقة، والأعواف، والصافية، والمشيب، وحسني، ومشربة أم إبراهيم.

فأما الصافية والبرقة والدلال والمنيب، فمجاورات بأعلى السورين من خلف قصر مروان بن الحكم، فيسقيها مهزور.

ص: 74


1- السيرة النبوية لابن هشام: ج 2، ص 362؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 1، ص 501؛ تاريخ المدينة لابن شبة: ج 1، ص 173؛ الأحكام السلطانية للماوردی: ص 169

وأما مشربة أم إبراهيم فيسقيها مهزور، فإذا خلفت بیت مدراس اليهود، فحيث مال أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة الأسدي، فمشربة أم إبراهيم إلى جنبه، وإنما سمیت (مشربة أم إبراهيم) لان أم إبراهيم من رسول الله [صلى الله عليه وآله] ولدته فيها، وتعلقت حين ضربها المخاض بخشبة من خشب تلك المشربة، فتلك الخشبة اليوم معروفة في المشربة.

وأما حسنی فیسقيها مهزور وهي من ناحية القف.

وأما الأعواف فيسقيها أيضا مهزور، وهي أموال بني محمم.

- قال أبو غسان: وقد اختلف في الصدقات، فقال: بعض الناس هي أموال قريظة والنضير.

- فحدثني عبد العزيز بن عمران، عن أبان بن محمد البجلي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كانت (الدلال) لامرأة من بني النضير، وكان لها سلمان الفارسي، فكاتبته على أن يحييها لها ثم هو حر، فأعلم ذلك النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم، فخرج إليها فجلس على فقير، ثم جعل يحمل إليه الودي فيضعه بيده، فيما عدت منها ودية أن أطلعت. قال: ثم أفاءها الله على رسوله [صلى الله عليه وآله].

قال: والذي تظاهر عندنا أنها من أموال النضير، ومما يدل على ذلك أن مهزورا يسقيها، ولم يزل يسمع أنه لا يسقي إلا أموال بني النضير.

- قال: وقد سمعنا بعض أهل العلم يقول: إن برقة والميثب للزبير بن باطا، وهما اللتان غرس سلمان، وهما مما أفاء الله من أموال بني قريظة

ص: 75

ويقال: كانت (الدلال) من أموال بني ثعلبة من اليهود، و(حسنی) من أموالهم، و (مشربة أم إبراهيم) من أموال بني قريظة، و (الأعراف) کانت لخنافة اليهودي من بني قريظة، والله أعلم أي ذلك الحق، وقد كتبناه على وجهه کما سمعنا )(1).

المسالة الثانية: أرضه من أموال بني النضير.

قال الماوردي:

(وهي أول أرض أفاءها الله على رسوله (صلى الله عليه وآله) فأجلاهم عنها وكف عن دمائهم وجعل ما حملته الإبل من أموالهم إلاّ السلاح، فخرجوا بما استقلت أبلهم إلى خيبر والشام وخلصت أرضهم كلها لرسول الله (صلى الله عليه و آله) إلاّ ما كان ليمين بن عمير وأبي سعد بن وهب فإنهما أسلما قبل الظفر، فأحرز لها إسلامها ثم قسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما سوى الأرضين من أموالهم على المهاجرين الأولين دون الأنصار إلاّ سهل بن حنیف وأبا دجانة سماك بن خرشة فإنها ذكرا فقرا فأعطاهما وحبس الأرضين على نفسه فكانت من صدقاته حيث يشاء وينفق منها على أزواجه، ثم سلمها عمر ابن الخطاب إلى العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب عليه السلام)(2).

ص: 76


1- تاريخ المدينة لابن شبة النميري: ج 1، ص 173 - 175؛ أنساب الأشراف للبلاذري: ج 1، ص 518
2- الأحكام السلطانية للماوردي: ص 169

المسالة الثالثة: ثلاثة حصون من خيبر: (الوطيح والسلالم والكتيبة).

أولاً: إنّ حصن الوطيح والسلالم جاءتاه (صلی الله علیه وآله وسلم) صلحاً فهما مما أفاء الله عليه.

كانت خيبر من الأماكن التي استملكها اليهود وبنوا فيها مجموعة من الحصون بلغ عددها ثمانية حصون كانوا يتحصنون بها من كل عدو.

ولما فتح الله تعالى عليه خيبر جاءته ثلاثة منها سلماً وصلحاً، وفي ذلك يقول الماوردي:

((وَكَانَتْ ثَمَانِيَةَ حُصُونٍ: نَاعِمَ وَالْقُمُوصَ وَشَقَّ وَالنَّطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ وَالْوَطيحَ وَالسَّلالِم وَحِصْنَ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، وَكَانَ أَوَّلَ حِصْنٍ فَتَحَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّی اللَّه عَلَيْهِ -وآله- وَسَلَّمَ مِنْهَا نَاعِمٌ وَعَنْهُ قُتِلَ مَحمْودُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخُو مُحمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَالثَّانِی الْقُمُوصُ وَهُوَ حِصْنُ ابْنِ أَبِی الَحقِيقِ، وَمِنْ سَبْيِهِ (اصْطَفَى رَسُولُ اللَّه صَلَّی اللَّه عَلَيْهِ - وآله - وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَكَانَتْ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِی الَحقِيقِ فَأَعْتَقَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّی اللَّه عَلَيْهِ - وآله - وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا).

ثُمَّ حِصْنَ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ وَكَانَ أَعْظَمَ حُصُونِ خَيْبَر وَأَكْثَرَهَا مَالاً وَطَعَامًا وَحَيَوَانًا، ثُمَّ شَقَّ وَالنَّطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ فَهَذِهِ الُحصُونُ السِّتَّةُ فُتِحَتْ عَنْوَةً، ثُمَّ افْتَتَحَ الْوَطْيحَ وَالسَّلالِمَ وَهِيَ آخِرُ فُتُوحِ خَيْبَرَ صُلْحًا بَعْدَ أَنْ حَاصَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَة لَيْلَةَ فَسَألَوهُ أنَ يَسِيرَ بِهمِ وَيْحقِنَ لَهُم دمِاءَهُمْ فَفَعَلَ ذَلكِ، وَمَلَكَ مِنْ هَذِه الْحصُونِ الثمَّانيِةَ ثَلاثَةَ حُصُونٍ الْكَتِيبَةَ وَالْوَطيحَ وَالسَّلالِم: أَمَّا الْكَتِيبَةُ فَأَخَذَهَا بِخُمُسِ الْغَنِيمَةِ.

ص: 77

وَأَمَّا الْوَطيحُ وَالسَّلالِم فَهُمَا مِّما أَفَاءَ اللَّه عَلَيْهِ؛ لأنهُ فَتَحَهَا صُلْحًا، فَصَارَتْ هَذِهِ الُحصُونُ الثَّلاثَةُ بِالْفَيْءِ وَالْخمُسِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّه صَلَّی اللَّه عَلَيْهِ - وآله - وَسَلَّمَ فَتَصَدَّقَ بِها وَكَانَتْ مِنْ صَدَقَاتِهِ.

وَقَسَّمَ الْخمْسَةَ الْبَاقِيَةَ بَيْن الْغَانِمِينَ وَفِی جُملَتِهَا وَادِي خَيْبَر وَوَادِي السَّريرِ وَوَادِي حَاضِر عَلَی ثَمَانيِةَ عَشَر سَهْمًا، وَكَانَتْ عِدَّةُ مَنْ قُسِمَتْ عَلَيْهِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَهُمْ أَهْلُ الُحدَيْبِيَةِ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ خَيْبَر وَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَلَم يَغِبْ عَنْهَا إلاّ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللِّه قَسَمَ لَهُ كَسَهْمِ مَنْ حَضَرهَا، وَكَانَ فِيهِمْ مِائَتَا فَارِسٍ أَعْطَاهُمْ سِتَّمِائَةِ سَهْمٍ، وَأَلْفٌ وَمِائَتَا سَهْمٍ لألفٍ وَمِائَتَيْ رَجُلٍ، فَكَانَتْ سِهَامُ جَميعِهِمْ أَلْفًا وَثَمَانِماِئَةِ سَهْمٍ، أَعْطَى لِكُلِّ مِائَةٍ سَهْمًا فَلِذَلِكَ صَارَتْ خَيْبَر مَقْسُومَةً عَلَی ثَمَانِيَةَ عَشَر سَهْمًا))(1).

ثانياً: القيمة الاقتصادية لحصن الكتيبة الذي جاء للنبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بخمس

الغنيمة.

امتاز حصن الكتيبة عن بقية حصون خيبر بكثرة وارداته الزراعية لاسيما في الغلات الثلاثة (التمر والشعير والقمح) فضلا عما وجد فيها من أموال اليهود وقد عرّف الكثير ممن كتب عن حصون خيبر ما تنتجه هذه الأرض بما يلي:

2 - قيمتها الاقتصادية في النخيل.

قال ابن وهب، قلت لمالك:

(وما الكتيبة؟ قال:

ص: 78


1- الأحكام السلطانية: ص 170

من أرض خيبر، وهي أربعون ألف عذق)(1).

ويراد بالعذق هو النخلة(2)كناية عنها، أي: أن هذه الأرض كانت تحتوي على أربعين ألف نخلة، ومما لا شك فيه أن ذلك يشكل مساحة كبيرة من الأرض، فضلاً عن قيمتها الاقتصادية، وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) يستعين بها على نوائبه وينفق على أهل بيته (عليهم السلام) وأزواجه نفقة سنتهم، فضلاً عن اعانته للكثير من اصحابه لاسيما بني عبد المطلب فقد كانت فيهم الحاجة اكثر فأعطاهم اكثر من غيرهم(3)، کما سیمر بیانه لاحقاً.

2 - ما تنتجه الأرض من الشعير.

إن ما تنتجه أرض حصن الكتيبة من الشعير هو اكثر من ألفي وسق، وهو ماتم جمعه من الأوساق التي أطعمها النبي (صلى الله عليه وآله) لفاطمة وعلي (عليها السلام) وبني هاشم وبني عبد المطلب أزواجه وأصحابه وذلك ضمن الأعداد التي ذكرها ابن هشام في السيرة النبوية،(4)في حين ذكر الواقدي: بأن ما يحصد من الشعير ثلاثة آلاف صاع نصفها للنبي (صلى الله عليه وآله)(5).

أما قيمة الوسق فهي:

ص: 79


1- سنن أبي داود: ج 2 ص 409؛ السُنن الكبرى للبيهقي: ج 6 ص 318؛ عون المعبود للعظیم آبادي: ج 8 ص 175؛ الاستذكار لابن عبد البر: ج 7 ص 37؛ نصب الراية للزيلعي: ج 4 ص 252؛ إمتاع الأسماع للمقريزي: ج 9 ص 281؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 3 ص 382
2- السيرة النبوية لابن كثير: ج 3 ص 383
3- السيرة النبوية لابن هشام: ج 3 ص 810
4- السيرة النبوية: ج 3 ص 811 - 812
5- المغازي: ج 2 ص 693

(كل وسق: ستون صاعاً، وكل صاع تسعة أرطال بالعراقي)(1)، فيكون مبلغه خمسمائة وأربعين رطلاً، علماً أن الرطل المدني أزيد في الوزن من الرطل العراقي(2).

وقد قدّر العلامة الحلي (عليه الرحمة والرضوان) عبر التحقيق لا التقريب وبالرجوع إلى الروايات الشريفة عن العترة النبوية (عليهم السلام) أن قيمة الرطل العراقي، هي: (مائة درهم، وثمانية وعشرون درهماً، واربعة أسباع درهم، وهو تسعون مثقالاً، والمثقال: درهم وثلاثة أسباع درهم.

وقد روى الشيخ الطوسي عن سليمان بن حفص المروزيّ عن أبي الحسن (عليه السلام):

إنّ الصاع خمسة أمداد، والمدّ، وزن مائتين وثمانية دراهم، والدرهم وزن ستة دوانيق، والدانق: ستّ حبّات، والحبّة: وزن حبتين من شعير من أوسط الحبّ، لا من صغاره ولا من كباره)(3).

3 - ما تنتجه الأرض من القمح.

يظهر من الروايات أن ما تنتجه أرض حصن الكتيبة من القمح أقل بكثير مما تنتجه من الشعير، فقد ذكر ابن هشام عدد الأوساق التي أطعمها النبي (صلى الله عليه وآله) بضعته فاطمة والإمام عليًا (عليهم السلام) ونساءه

ص: 80


1- النهاية في مجرد الفقه للشيخ الطوسي: 178
2- غنية النزوع لابن زهرة الحلبي: ص 47
3- منتهی المطلب: ج 8 ص 194

وغيرهم، فكانت: ثلاثمائة وثلاثون وسقًا(1).

4 - ما يجمع منها من نوى التمر.

اعتاد العرب لاسيما أهل المدينة على جمع نوى التمر والانتفاع منه في مصادر الحاجة إلى النار في الطهي والتدفئة وغيرها، ومن ثم يشكل مصدراً مالياً لأهل المدينة، فكان مقدار ما يتم جمعه من نوى تمحور حصن الكتيبة وحدها هو ألف صاع، وكان يخصص نصفه لرسول الله (صلى الله عليه وآله)(2)؛ وذلك لما تم الاتفاق عليه بينه وبين اليهود في بقائهم في حصونهم الثلاثة الكتيبة و الوطيح والسلالم، وهي مما أفاء الله تعالى عليه، فكانت الكتيبة من خمس الغنيمة، والوطيح والسلالم من الفيء - کما مرَّ بیانه -.

وإن هذا الناتج من التمر والشعير والقمح والنوى أعاد تقسيمه عمر بن الخطاب بعد توليه الأمارة، کما سیمر بیانه.

5 - ما وجد في حصن الكتيبة من السلاح.

روى المقريزي (ت 825 ه) ما وجد في حصن الكتيبة من السلاح، فقال: (فوجد خمسمائة قوس عربية، ومائة درع، وأربعمائة سيف، وألف رمح)(3).

وتشكل هذه الأسلحة مورداً اقتصادياً آخر يضاف إلى ما تنتجه الأرض من حاصلات زراعية أساسية.

ص: 81


1- السيرة النبوية: ج 2 ص 813
2- المغازي: ج 2 ص 693
3- إمتاع الأساع: ج 1 ص 315

والسؤال المطروح:

كيف لا تشكل هذه القيمة الاقتصادية والموارد المالية حافزاً للسلطة بوضع يدها عليها بحجة أن النبي (صلى الله عليه وآله) (لا يورّث)!! وقد منَّ الله تعالى علينا بفضله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله) فله الحمد أولاً وآخراً بأفراد دراسة مستقلة عن هذه الظلامة والموسومة ب(ما أنكره أعلام أهل السُنّة والجماعة فيما شجر بين أبي بكر وفاطمة (عليها السلام) طعمة حصن الكتيبة أنموذجاً)(1).

المسالة الرابعة: أرض فدك وقيمتها الاقتصادية.

(كان النبي صلى الله عليه وآله لما فتح خیبر جاءه أهل فدك فصالحوه بسفارة محيصة بن مسعود على أن لهم نصف أرضهم ونخلهم يعاملهم عليه، ولهم النصف الآخر، فصار النصف منها من صدقاته معاملة مع أهلها بالنصف من ثمرتها والنصف الآخر خالصاً لهم إلى أن أجلاهم عمر بن الخطاب فيمن أجلاه من أهل الذمة عن الحجاز، فقوّم فدك ودفع إليهم نصف القيمة فبلغ ذلك ستين ألف درهم، وكان الذي قوّمها مالك بن التيهان وسهل بن أبي حتمة وزيد بن ثابت، فصار نصفها من صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونصفها الآخر لكافة المسلمين، ومصرف النصفين الآن سواء)(2).

ص: 82


1- إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة، العتبة الحسينية المقدسة، ط 1، دار الوارث، کربلاء المقدسة، لسنة 1442 ه - 2021 م
2- الأحكام السلطانية: ص 170؛ تركة النبي صلى الله عليه وآله لحماد بن إسحاق: ص 79

أولاً: التعريف بفدك.

عرفت فدك في اللغة وغيرها كمعجم البلدان بأنها:

1 - فدك، بالتحريك: وآخره کان؛ قال ابن دريد: فدكت القطن تفديكاً إذا نفشته؛ وفدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل: ثلاثة(1)، أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه و آله في سنة سبع صلحاً(2).

2 - وقال ابن منظور: فدك قرية بخيبر، وقيل بناحية الحجاز فيها عين ونخل أفاءها الله على نبيه صلى الله عليه وآله(3).

3 - وقال الطريحي: فدك،بفتحتين، قرية من قرى اليهود بينها وبين مدينة النبي صلى الله عليه وآله يومان وبينها وبينها خيبر دون مرحلة(4).

4 - وجاء في المنجد قوله: فدك، واحة في الحجاز قرب خیبر، كان أهلها من المزارعين اليهود اشتهرت بتمرها وقمحها، أرسل النبي صلى الله عليه وآله علياً لمحاربتهم ثم صالحهم على نصف أملاكهم سنة 7 ه / 628 م(5).

5 - قال عبدا لله بن خميس: (إن ارض فدك وردت ضمن الأماكن التي أحتلها الملك البابلي نیوبثد الذي حكم في القرن السادس قبل الميلاد من عام

ص: 83


1- أي ما يقارب مائة وأربعين كيلومترا عن المدينة
2- معجم البلدان للحموي: ج 4، ص 238
3- لسان العرب: مادة (فدك)، ج 10، 473
4- مجمع البحرين للطريحي : ج 5، ص 283، بتحقيق أحمد الحسيني
5- المنجد في الاعلام: ص 407، الطبعة الحادية والعشرون

556 إلى عام 539(1).

6 - وتعرف حالياً ضمن المخطط البلدي لمحافظة الحنّاكية في السعودية ضمن أودية المحرّة الشرقية، أودية الحويط (يديع) والحائط وهو الإسم الجديد الذي سميت به فدك في الوقت المعاصر(2).

ثانياً: قيمتها الاقتصادية.

تكشف الأقوال السابقة بأن أرض فدك كانت مكونة من قرية كبيرة قديماً وحديثاً وأنها عرفت بخصوبة أرضها وعذوبة مائها وذلك لوجود عين ماء فوارة فيها، مما أكسبها هذه الخصوبة والجودة في المحصول الزراعي المتمثل بأهم مادتين غذائيتين وهما التمر والحنطة.

ولقد قدر عدد نخيل فدك بعدد نخيل الكوفة في القرن السادس عشر(3)،وقدر عدد نخيلها قبل ستين عاماً بعشرين ألف نخلة(4).

أما مقدار قیمتها الاقتصادية في زمن عمر بن الخطاب، فقد قيمها مالك بن التيهان وسهل بن أبي حثمة وزيد بن ثابت ب(ستين ألف درهم)(5)، في حين كان مقدار واردها الزراعي في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) ب(مائة ألف درهم)(6).

ص: 84


1- معجم أودية الجزيرة لعبد الله بن خميس: ج 2، ص 316
2- فدك في الماضي والحاضر لعبد الله اليوسف: ص 14
3- نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 16، ص 210
4- معجم معالم الحجاز لعاتق البلادي: ج 2، ص 206، ط دار مكة المكرمة، الطبعة الأولى
5- الأحكام السلطانية للماوردي: ص 170
6- لسان العرب لابن منظور: ج 10، ص 473؛ معجم ما استعجم: ج 4، ص 239

مما يعطيها ثقلاً استراتيجيا ممثلاً في قيمتها الإنتاجية وقوتها الدفاعية لمن يمتلكها في مواجهة خصومه.

وعليه: كيف لا تندفع السلطة الجديدة بحبسها ومنعها من أن تكون بید فاطمة وعلي (عليهما السلام) وهم الخصوم الأساسيون لهذه السلطة كما يعتقد أهلها.

وقد نحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه الأرض لفاطمة (عليها السلام) قبل وفاته بأمر من الله تعالى في قوله تعالى: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» [الإسراء / 26] وقوله سبحانه: «فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» [الروم / 38] وقد من الله علينا بفضله و فضل رسوله (صلى الله عليه وآله) فله الحمد أولاً وآخراً بإفراد دراسة مستقلة حول هذه الظلامة، والموسومة ب (مغالطات المحدثين والمفسرين في نحلة سيدة نساء العالمين (عليها السلام)، سورة الإسراء والروم أنموذجًا)(1).

المسالة الخامسة: الثلث من أرض وادي القرى.

وهو وادٍ بين المدينة والشام، ما بين تيماء وخيبر، وسمي بوادي القرى: لأن الوادي من أوله إلى آخره مكون من عدة قرى، يقع قسمٌ منها على طريق حاج الشام وكان يسكنها اليهود.

وهذه الأرض كانت مقسمة إلى ثلاثة أثلاث فثلثها الأول كان لبني عذرة، وثلثها الثاني والثالث كان لليهود، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله

ص: 85


1- إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة، العتبة الحسينية المقدسة، ط 1 دار الوارث، کربلاء المقدسة، لسنة 1442 ه - 2021 م

على نصفه، فصارت أثلاثاً: ثلثها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو من صدقاته، وثلثها لبني عذرة، إلى أن أجلاهم عمر بن الخطاب، وقومت في زمانه فكانت قيمتها تسعين ألف دينار)(1).

المسالة السادسة: موضع سوق بالمدينة يقال له: مهروذ أو مهروز

فهذا حجم أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير المنقولة وجميعها كانت في المدينة؛ وقد قام أبو بكر بحبسها ومصادرتها وجعلها في ميزانية الحكومة الجديدة وجميعها من حق فاطمة (عليها السلام) تحت عنوان إرثها من أبيها (صلى الله عليه وآله) فجعلها أبو بكر وعمر صدقة كي تخرج من يدي بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

سعياً منهما بسد المنافذ على علي وفاطمة (عليها السلام) من التمكن في إنفاق درهم واحد في المطالبة بحق علي (عليه السلام) في خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله فيستعين به کما استعان رسول الله صلى الله عليه وآله بمال خديجة في قيام الإسلام(2).

ص: 86


1- الأحكام السلطانية: ص 170
2- المزيد من الاطلاع ينظر: خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة للمؤلف: ج 1 ص 117 - 138، ط 1، مؤسسة الأعلمي بيروت، إصدار قسم الشؤون الفكرية، العتبة الحسينية المقدسة

المبحث الثاني: أموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) من الأنعام والسلاح والمتاع التي تركها أبو بكر فورثتها فاطمة (علیها السلام)

إنّ من المسائل التي يحار فيها الفقيه قبل الباحث هو التعارض في فعل أبي بكر بأموال النبي (صلى الله عليه وآله) فبيّن منعهاعن فاطمة فهو: (لا يورّث) ما تركه صدقة، وبين أنه يورّث! فورثت فاطمة (عليها السلام) أمواله من الخيل والنوق، والبغلتين وسلاحه، ولباسه، وفرشه وغيرها؛ ما خلا بعضها مما جعله النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام).

وعليه:

لماذا لم تعمل فيها السلطة والخلافة مثل ما عملت بأموال النبي (صلى الله عليه وآله) بالمدينة وأرض خیبر کما مرّ بيانه في المسألة السابقة؟!! والتي حددتها عائشة بثلاثة عناصر فقط، وجوابه فيما يلي:

المسالة الأولى: أموال رسول الله (صلی الله علیه وآله) من الأنعام والسلاح والمتاع.

تنوعت أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الدواب کاخیل، والنوق، والشياه، والبغال، فكانت على النحو الآتي:

أولاً: عدد خيل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وأسمائها.

أختلف المؤرخون وكتّاب السيرة النبوية في عدد خیل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأسمائها.

ص: 87

فقال العيني(1): (كان الرسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعة وعشرون فرساً، منها سبعة متفق عليها وهي:

1 - السكب(2): اشتراه من إعرابي من بني فزارة، وهو أول فرس ملکه، وأول فرس غزا عليه وكان کمیتاً(3).

2 - المرتجز(4): اشتراه من إعرابي من بني مرة وكان أبيض.

وقد شهد له في شرائه خزيمة بن ثابت وقد جعل رسول الله (صلى الله

ص: 88


1- محمود بن أحمد بن موسی بن أحمد العينتابي، الحلبي ثم القاهري، الحنفي، المعروف بالصيني، فقيه، أصولي، مفسّر، محدث مؤرخ لغوي نحوي، بياني، ناظم، عروضي، فصیح باللغتين العربية والتركية، ولد في درب کیکين، في 17 رمضان ونشأ بعینتاب وحفظ القرآن وتفقه على والده وغيره ورحل إلى حلب، ثم إلى القاهرة وولي حسبة القاهري كذا مرة، وولي التدريس ووظائف دینية، وقاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية، له تصانیف کثيرة منها عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري، وعقد الجمان في تاريخ أهل الزمان وغيرها؛ ينظر: (معجم المؤلفين - عمر رضا کحالة: ج 12، 150)
2- السكب: سكبت الماء سكبا، أي صببته وماء مسكوب، أي يجري على وجه الأرض من غير حفر. الصحيح للجوهري: ج 1، ص 148. والسكب من الخيل: الجواد، كثير العدو أو الذريع. تاج العروس للزبيدي: ج 2 ص 79. وقال الثعالبي: إذا كان الفرس خفيف الجري سريعه فهو فيض وسكب، سمي بفيض الماء و اسکابه وبه سمي أحد أفراس النبي (صلى الله علیه و آله). ينظر: (فقه اللغة للثعالبي: ص 195)
3- الكمي والكميت: هو الشجاع الجريء. ينظر: (تاج العروس للزبيدي: ج 20، 133 - 134)
4- المرتجز: سمي بذلك لحسن صهيله كأنه بصهيله ينشد شعر الرجز الذي هو طيبه؛ ينظر: (نیل الأوطار للشوكاني: ج 5، ص 271. بحار الأنوار: ج 16، ص 98)

عليه وآله) شهادته بشهادتين(1).

وكان المرتجز بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ولقد خرج يقاتل عليه في حرب صفين وبيده حربة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو متقلّد سيفَه ذا الفقار(2).

3 - لزار(3)، وقد أهداه له المقوقس(4).

4 - اللحيف(5): أهداه له ربيعة بن أبي البراء(6).

ص: 89


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهر: ج 1، ص 146. تركة النبي (صلى الله عليه وآله) لحاد بن زید البغدادي: ص 96 بتحقيق أكرم العمري؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 1، ص 490؛ أُسد الغابة: لابن الأثير: ج 1، ص 30، المعارف لابن قتيبة: ص 149
2- کتاب التوحيد للشيخ الصدوق: ص 368؛ مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للمير جهاني: ج 3، ص 58؛ البحار للمجلسي: ج 5، ص 113
3- اللز: لزوم الشيء بالشيء وإلزامه به، بمنزلة لزاز البيت؛ (تاج العروس للزبيدي : ج 8، ص 141 - 143)
4- المقوقس: هو ملك الإسكندرية وقد أهدى هذا الفرس لرسول الله (صلى الله عليه وآله) مع جارية اسمها ماريا القبطية وقد تزوج بها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) فكانت إحدى زوجاته التسع وقد ولدت له ولده إبراهيم الذي توفي ولم يكمل رضاعة؛ ينظر: تفسير الثعلبي: ج 9، ص 344. الطبقات الكبرى لابن سعد، ج 8، ص 214. أسد الغابة الابن الأثير: ج 4، ص 268؛ الإصابة لابن حجر: ج 5، ص 517؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ج 3، ص 163
5- لحف: التحقت بالثوب تغطيت به، واللحاف : اسم ما يلتحف به؛ (الصحاح للجوهري: ج 4، ص 1426). وقيل: سمي باللحيف لأنه كان كالملتحف بعرفه؛ (المناقب لابن شهر: ج 1، ص 146؛ مقدمة فتح الباري لابن حجر: ص 178
6- المناقب لابن شهر آشوب: ج 1، ص 146؛ تهذيب الكمال للمزي: ج 1، ص 210؛ الوافي بالوافيات للصفدي: ج 1، ص 90

5 - الظرب(1): أهداه له فروة بن عمرو(2)،(3) عامل البلقاء لقيصر الروم.

6 - الورد(4): أهداه له تميم الداري(5).(6) 7 - البحر: فقد ذكر القاضي عياض(7) أنه اشتراه من تجار قدموا من

ص: 90


1- الظرب: ككتف: ما نتأمن الحجارة وحد طرفه، وسمي فرس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ب ((الظرب)) لكبره أو لسمنه أو لقوته وصلابته تشبيهاً له بالجبيل؛ (تاج العروس للزبيدي: ج 2، ص 194 - 196)
2- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 1، ص 281
3- فروة بن عمرو بن الناقدة الجذامي ثم النفاثي كتب إسلامه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وكان موضعه بعان من أرض فلسطين وكان عاملاً للروم على فلسطين وما حولها وعلى ما يليه من العرب. (الاستیعاب لابن عبد البر: ج 3، ص 1259)
4- الورد من كل شجرة: نوعها، وقد غلب على نوع الحوجم وهو الأحمر المعروف الذي واحدته وردة، والورد من الخيل بين الكميت والأشقر سمي به للونه؛ (تاج العروس: للزبيدي: ج 5، ص 308 - 313)
5- تركة النبي (صلى الله عليه و آله) لحماد بن زید البغدادي: ص 98
6- هو تمیم احمد بن أوس احمد بن خارجة ينسب إلى الدار وهو بطن من لخم يكنى أبا رقية بابنة اله تسمى رقية لم يولد له غيرها كان نصرانياً وكان إسلامه في سنة تسع من الهجرة، وكان يسكن المدينة ثم انتقل منها إلى الشام بعد مقتل عثمان وقبره بيت جبرين من بلاد فلسطين. راجع في ذلك: الطبقات لابن سعد: ج 7، ص 407. الاستیعاب لابن عبد البر: ج 1، ص 186، برقم 837. الإصابة لابن حجر: ج 1، ص 186. تهذيب التهذيب : ج 1، ص 511، برقم 951
7- القاضي أبو الفضل عياض بن موسی بن عیاض بن عمرو بن موسی بن عياض اليحصبي السبتي المالكي، الأندلسي. وكان القاضي أبو الفضل إمام وقته في الحديث وعلومه؛ بالنحو واللغة وكلام العرب وأنسابهم، وصنف التصانيف المفيدة منها الشفا، مشارق الأنوار، والمدارك، وإكمال شرح مسلم للبخاري؛ (معجم المطبوعات العربية اليان سرکیس: ج 2، ص 1397). وقال الحافظ الذهبي عنه: (صنف التصانيف التي سارت بها الركبان واشتهر اسمه وبعد صيته، قال ابن بشکوال: هو من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم استقصی بصيته مدة طويلة حمدت سيرته فيها ثم نقل منها إلى قضاء غرناطة فلم تظلل مدته فيها وقدم علينا قرطبة فأخذنا منه). ينظر: (تذكرة الحافظ للذهبي: ج 4، ص 1305؛ الأعلام للزركلي: ج 5، ص 99؛ وفيات الأعيان لابن خلکان: ج 3، ص 483؛ الوافي بالوفيات للصفدي: ج 4، ص 206)

اليمين)(1).

وذكر ابن سعد: (أن عدد خيول النبي (صلى الله عليه وآله) كان ستة خيول)(2).

وعند ابن عساکر: كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة أفراس(3). وعدها البغدادي: (بأربعة أفراس)(4). واقتصر الشيخ الصدوق على ذكر: اثنين فقط(5).

فضلاً عن ذلك:

فقد وفقنا الله تعالى بلطفه وسابق فضله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله) إلى اثبات حقيقة أن من بين هذه الخيول هو فرسه (الحيزوم) الذي نزل عليه جبرائیل (عليه السلام) في ثلاثة آلالف من الملائكة، في معركة بدر الكبرى فأعطاه النبي (صلى الله عليه وآله) لوصية الإمام علي (عليه السلام) وخليفته في أمته مع بقية سلاحه(6).

ص: 91


1- عمدة القاري للعيني: ج 13، ص 182
2- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 1، ص 489
3- تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر: ج 4، ص 22
4- کتاب المنمق لمحمد بن حبيب البغدادي: ص 406
5- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ، ص 229
6- لمزيد من الأطلاع ينظر: اليحموم، فرس جبرائیل (عليه السلام) في عاشوراء، للمؤلف

ثانياً: عدد نوق رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) واسمائها.

لم يتعرض كثير من المؤرخين إلى بيان أسماء نوق النبي (صلى الله عليه وآله) وعددها في حديثهم عن أرثه، ولم تذكرها عائشة فيما شجر بين البضعة النبوية (عليها السلام) وبين أبي بكر - كما أسلفنا - إلا أن الرواية التي أخرجها الحر العاملي (رحمه الله) عن الإمام الرضا (عليه السلام) قد نصت على أن عدد ها: (أربعون ناقة)، وهي على النحو الآتي:

1 . أخرج الحر العاملي (ت 1104 ه) عن الحسن الوشاء عن الرضا (عليه السلام)، أنه قال:

(سألت مولانا أبا الحسن علي بن موسی الرضا (عليه السلام):

هل خلّف رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير فدك شيئاً؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام):

(إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلف حيطاً بالمدينة صدقة، خلف ستة أفراس، ثلاث نوق (العضباء، والصهباء، والدیباج)؛ وبغلتين (الشهباء، والدلدل)، وحماره اليعفور، وشاتين حلوبتين وأربعين ناقة حلوبا...)(1).

2 - وذكر اليعقوبي (ت 284 ه) أسماء ثلاثة نوق، فقال:

(وكانت له - (صلى الله عليه و آله) - ناقة يقال لها: القصوى، وناقة يقال لها العضباء، وناقة يقال لها: الجذعاء)(2).

ص: 92


1- وسائل الشيعة: ج 26 ص 103
2- تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 88

وقد ورد ذکر ناقته (صلى الله عليه وآله) (العضباء) في موارد عدة في كتب الحديث والفقه وذلك انه (صلى الله عليه وآله) كان يخرج عليها في مناسبات عدة، منها:

أ - أنه كان يخطب الناس عليها يوم النحر، وبمنى(1).

ب - أنّها كانت لا تسبق(2).

ج - إنه حمل عليها صفية بنت حيي لما أصطفاها لنفسه (صلى الله عليه وآله) فدخل معها المدينة(3).

3 - وروی حماد بن إسحاق (ت 267 ه) قائلاً:

(وكانت لقائح رسول الله [صلى الله عليه وآله] التي أغار عليها القوم بالغابة قد بلغت عشرين لقحة، وكانت التي يعيش بها آل محمد [صلى الله عليه وآله] یراح عليها كل ليلة بقربتين عظيمتين من لبن)(4).

4 - روى البلاذري (ت 279 ه)، قائلاً:

(فلن يرعين بالجهاء، وكان السبع يرعين بذي الجدر.

ويقال: إن سعداً أهدى إحدى الثلاث، وأنه أتباع الاثنين بالمدينة، وكانت التي أهداها سعد تدعی: مهرة، وكانت من نعم بني عقيل؛ وكانت الأثنتان

ص: 93


1- مسند أحمد: ج 5 ص 7
2- صحيح البخاري: ج 3 ص 220
3- صحیح مسلم: ج 4 ص 147
4- تركة النبي (صلى الله علیه و آله): ص 108

تدعيان: الرّياء والشقراء؛ فكان الثلاث يحلبن ويسرح إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بألبانهن كل ليلة؛ وكن غزارة)(1). وروى أيضاً، عن أبي رافع، عن أبيه، قال:

(كان يراح على أهل رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل ليلة بقربتين عظيمتين من اللبن کانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ وكانت في لقاحه عدة لهن غزر، - [تسمی] -:

الحنّاء، والسمراء، والعريس، والسعدية، والبغوم، واليسيرة؛ وقال بعض المدينين:

وَهَبَ البغوم لسودة(2)؛ وكانت الغزيرة لأم سلمة، وكانت السمراء لعائشة)(3).

ثالثاً: عدد الماعز والشياه التي كانت لرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وأسمائها.

1 - في عدد الماعز وأسمائها:

روی حماد بن أسحاق (ت 267 ه) في بيان عدد الماعز التي للنبي (صلى الله عليه وآله) و أسمائهن، فقال:

(عن عبد الله بن الحصين، قال:

كانت للنبي (صلى الله عليه وآله) منائح ترعى بأحد، وتروح كل ليلة على

ص: 94


1- أنساب الأشراف: ج 1 ص 512
2- المصدر نفسه: ج 1 ص 513
3- المصدر نفسه

بيته، في البيت الذي يدور فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسماهن:

إبراهيم بن عتبة بن غزوان، قال:

کن سبع منائح: عجوة، وزمزم، وسقيا، وبركة، وورسة، وأطلال، وأطراف)(1).

2 - عدد الشياه. أما عدد الشياه فكانت اثنتان، وهو ما ورد في الرواية التي اخرجها الحر العاملي (رحمه الله)، عن الإمام الرضا (عليه السلام)(2) والتي مرّ ذكرها آنفاً.

رابعًا: البغلتان اللتان كانتا لرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وحماره وأسمائها.

كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بغلتان، وحمار، وقد جاءته هدية، وقد اختلف المؤرخون فيمن أهداها للنبي (صلى الله عليه وآله) وهي على النحو الآتي:

1 - روی الحر العاملي (رحمه الله) عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه، قال:

(«إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلّف حيطان بالمدينة صدقة...» إلى أن يقول: «وبغلتين الشهباء والدلدل، وحماره اليعفور»)(3).

2 - روی اسحاق بن حماد، عن الزهري، قال:

ص: 95


1- تركة النبي (صلى الله علیه و آله) لحمد بن إسحاق: ص 106
2- وسائل الشيعة: ج 26، ص 103
3- المصدر نفسه

(كانت بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، (دلدل) من هدية فروة بن عمرو الجذامي).

3 - وروي: (أنها أول بغلة ركبت في الإسلام، أهداها المقوقس، وأهدی معها حماراً يقال له: عفير أو يعفور؛ وأن البغلة بقت إلى زمان معاوية)(1).

4 - روى المقريزي (ت 845 ه)، قائلاً:

(والذي يظهر أنه كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاث بغلات، واحدة بعث بها المقوقس، وأخرى من هدية فروة بن عمرو والجذامي، ثم البناني، عامل الروم على فلسطين؛ وبغلة وهبها لأبي بكر.

وقيل : كانت له ست بغلات)(2).

5 - روی ابن شهر آشوب المازندراني (ت 588 ه) في سبب تسميتها ب (دلدل) فقال:

(لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لما أنهزم المسلمون يوم حنين قال: (دلدل) فوضعت بطنها على الأرض، فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) حفنة من تراب فرمي بها في وجوههم؛ (فقال: «حم لا يبصرون» فانهزم القوم)(3).

فقيل له: ألا تركب الخيل وطلابك كثير؟ فقال:

«الخيل للطلب والهرب؛ ولست أطلب مدبراً، ولا أنصرف عن مقبل» وفي رواية:

ص: 96


1- تركة النبي (صلى الله عليه وآله): ج 1 ص 511؛ تاریخ الطبري: ج 2 ص 422
2- إمتاع الأسماع : ج 7 ص 220
3- مجمع الزوائد للهيثمي: ج 6 ص 183؛ المعجم الأوسط للطبراني: ج 4 ص 202

«لا أكر على من فر، ولا أفت ممن كرَّ، والبغلة ترجيني»، أي: تكفيني)(1).

6 - وكان أول من مات من الدواب، الحمار يعفور، وهو ما رواه الشيخ الكليني (رحمه الله)، والسهيلي (ت 581 ه)، ثم البغلة (دلدل)، وهي على النحو الآتي:

أ - فقد روى الكليني، عن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام)، أنه قال:

(أن أول شيء من الدواب توفي عفیر ساعة قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) قطع خطامه ثم مرَّ ميركض حتی أتی بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها فكانت قبره)(2).

ب - وروى السهيلي: (وأما اليعفور فطرح نفسه في بئر يوم مات النبي (صلى الله عليه وآله) فمات؛ وانه كلّم رسول الله (صلى الله عليه وآله)(3).

وقد روي عن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام): إنه كلّم النبي (صلى الله عليه وآله)(4).

ج - وفي موت بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) (دلدل)، فقد روی المشغري (ت 664 ه) عن جابر، قال:

ص: 97


1- مناقب آل أبي طالب: ج 3 ص 84
2- الكافي: ج 1 ص 237، ح 9
3- الروض الُأنف: ج 3، ص 84
4- الكافي للكليني: ج 1 ص 327؛ علل الشرائع للصدوق: ج 1 ص 167

(سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن دلدل بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى من صارت بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) فأني لم أسمع لها بذكر؟ فقال (عليه السلام):

«إنه لما أنصرف الحسن والحسين (عليهما السلام) من دفن أمير المؤمنين لم يجداها، وأنها فقدت مع وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام)، قلت:

جعلت فداك، فهل يدري أين توجهت؟ قال:

(هي في روضة من رياض الجنة مع ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) العضباء يرعيان حتی توافيا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام)»(1).

المسالة الثالثة: سلاح رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم).

من الأموال التي خلفها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته، هي سلاحه، وقد ورد ذكرها في الكثير من كتب التاريخ والسيرة، فكانت على النحو الآتي:

1 - روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) (ت 381 ه)، قائلاً.

(كان (صلى الله عليه وآله) يلبس من القلانس اليمنية، والبيضاء؟، والمضربة ذات الأُذنين في الحرب، وكانت له عنزة يتكئ عليها ويخرجها في العيدين فيخطب بها، وكان له قضيب يقال له الممشوق، وكان له فسطاط

ص: 98


1- الدر النظيم: ص 424

يسمى الكن؛ وكانت له قصعة تسمى المنبعة، وكان له قعب يسمى الري.

وكان له سيفان، يقال لأحدهما: ذو الفقار، وللآخر: العون، وكان له سینان آخران، يقال لأحدهما: المخذم، وللآخر الرسوم.

وكان له عمامة تسمى السحاب، وكانت له درع تسمى الفضول لها ثلاث حلقات فضة، حلقه بين يديها وحلقتان خلفها، وكانت له راية تسمى العقاب، وكان له لواء يسمى المعلوم، وكان له مغفر يقال له: الأسعد)(1).

2 - روى البلاذري (ت 279 ه) قائلاً:

(قدم رسول الله المدينة في الهجرة بسيف كان لأبيه مأثور؛ وكانت درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) (ذات الفضول) لسعد بن عبادة، فأرسل بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين سار إلى بدر، وأرسل إليه معها بسيف يقال له العضب فشهد بهما وقعة بدر؛ وغنمه الله عز وجل ذا الفقار يوم بدر.

وعن أبي سعيد بن المعلي الأنصاري، قال:

أصاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف، سيفا قلعيا، وسيفا يدعى بتارا، وسيفا يدعى الحذف وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث علياً على الفلس، صنم طيءّ فوجده مقلدا سيفين يقال لها مخذوم ورسوب، وهما سيفان كان للحارث ابن أبي شمر الغساني يتقلدهما عني يمينه وعن شماله.

ص: 99


1- الأمالي للصدوق: ص 129 - 130

وأصاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من سلاح بني قينقاع ثلاثة أرماح، وثلاث قسي: قوس أسمها الروحاء، وقوس من شوحط وتسمى البيضاء، وقوس من نبع تسمى الصفراء، وصارت إليه يومئذ درعان من سلاحهم درع يقال له: السعدية، ودرع تدعى فضة.

وقال بعضهم: كانت ذات الفضول والسعدية لعكين القينقاعي، وكانت فضه من هدية سعد بن عبادة؛ وأصاب من سلاحهم مغفراً موشحاً.

قال الواقدي، عن أبي سعيد بن المعلي الأنصاري:

كانت للنبي (صلى الله عليه وآله) قوس تدعى الكتوم من نبع کسرت يوم أحد فأخذها قتادة بن النعمان، وكان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) مغفر يقال له: ذو السيوف، ورمح يقال له المثنونی، وقصة، وجعبة يقال لها الكافور، وترس يقال له الزلوق)(1).

المسألة الرابعة: لباس رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ومتاعه وفراشه.

مما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الأموال: لباسه، ومتاعه، وفراشه، وخاتمه وغيرها من مقتنياته الشخصية، وهي على النحو الآتي:

1 - أخرج البخاري (ت 256 ه) في صحيحيه وقد عَنْوَّنَهُ ب: (باب ما ذکر من درع النبي [صلى الله عليه وآله] وعصاه، وسيفه، وقدحه، و خاتمه، وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك، مما لم يذكر قسمته، ومن شعره، ونعله، وآنيته، مماتبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته)، فقال:

ص: 100


1- أنساب الأشراف: ج 1 ص 521 - 525

(حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثني أبي عن ثامة، عن أنس: أن أبا بكر لما استخلف بعثه إلى البحرين وكتب له هذا الكتاب و ختمه بخاتم النبي [صلى الله عليه وآله]، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر محمد [صلى الله عليه وآله] سطر، ورسول سطر، والله سطر.

حدثني عبد الله ابن محمد، حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي، حدثنا عیسی بن طهمان، قال: أخرج إلينا أنس نعلين جرداوین، لها قبالان، فحدثني ثابت البناني بعد عن أنس، انهما نعلا النبي [صلى الله عليه وآله].

حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا أيوب عن حميد بن هلال، عن أبي بردة، قال: أخرجت ألينا عائشة كساء ملبدا، وقالت: في هذا نزع روح النبي [صلى الله عليه وآله].

وزاد سليمان عن حميد، عن أبي بردة، قال: أخرجت ألينا عائشة إزارا غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من هذه التي يدعونها الملبدة.

حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن عاصم، عن ابن سیرین، عن أنس بن مالك: إنّ قدح النبي [صلى الله عليه وآله] أنكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة.

قال عاصم: رأيت القدح وشربت فيه)(1). وأخرج في باب: (قول النبي [صلى الله عليه وآله] لا ينقش على نقش خاتمه).

ص: 101


1- صحيح البخاري، کتاب دعاء النبي (صلى الله عليه وآله): ج 4 ص 47 - 48

حدثنا مسدد، حدثنا حماد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله [صلى الله عليه وآله] اتخذ خاتما من فضة، ونقش فيه محمد رسول الله، وقال:

«إني اتخذت خاتما من ورق ونقشت فيه محمد رسول الله فلا ينقشن أحد على نقشه».

واخرج في باب: (هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر).

حدثني محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثني أبي عن ثمامة، عن أنس، إنّ أبا بكر لما استخلف کتب له، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر، محمد سطر، ورسول سطر، واللله سطر.

قال أبو عبد الله: وزادني احمد، حدثنا الأنصاري، قال: حدثني أبي، عن ثمامة، عن أنس، قال: كان خاتم النبي [صلى الله عليه وآله] في يده، وفي يد أبي بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبي بكر، فلما كان عثمان جلس على بئر أريس، قال: فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط، قال:

فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فننزح البئر فلم نجده)(1).

2 - أخرج الترمذي (ت 279 ه) في الشمائل في صفة لباس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخفه ونعله وعامته ودرعه، وغيرها من شمائله (صلى الله عليه وآله)، وهي على النحو الآتي:

ص: 102


1- صحيح البخاری، کتاب اللباس: ج 7 ص 54

أ - أي في صفة لباس رسول الله (صلى الله عليه وآله): فقد أخرج الترمذي (عن أم سلمة قالت:

«كان أحب الثياب إلى رسول الله [صلى الله عليه وآله] القميص».

ب - في صفة خف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال:

(عن ابن بريدة عن أبيه: «أن النجاشي أهدى للنبي [صلى الله عليه وآله] خفين أسودين ساذجين فلبسها ثم توضأ ومسح عليهما».

ج - في صفة نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال:

(عن ابن عباس قال: «كان لنعل رسول الله [صلى الله عليه وآله] قبالان مثني شراكهما».

د - في صفة سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال:

(عن أنس قال: «كانت قبيعة سيف رسول الله [صلى الله عليه وآله] من فضة».

ه - في صفة عمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال:

(عن جابر قال ((دخل النبي [صلى الله عليه وآله] مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء)).

وعن ابن عباس: ((أن النبي [صلى الله عليه وآله] خطب الناس وعليه عمامة دسماء))(1).

ص: 103


1- الشمائل المحمدية للترمذي: ص 42 - 69

3 - روی ابن شهر آشوب المازندراني (ت 588 ه) في بيان مقتنياته (صلى الله عليه وآله) ولباسه، فقال: (وكان له قدح مضبب بثلاث ضبات فضة، وتور من حجارة، يقال له: المخضب، وقدح من زجاج، ومغتسل من صفر، وقطيفة، وقصعة، وخاتم فضة نقش محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

واهدي له النجاشي خفين أسودين ساذجين فلبسها؛ وقالت عائشة: كان فراش النبي (صلى الله عليه وآله) الذي يرقد فيه من آدم حشوه ليف.

وكانت ملحفته مصبوغة بورس أو زعفران؛ وكان يلبس يوم الجمعة بردة الأحمر، ويعتم بالسحاب، ودخل مكة يوم الفتح عليه عامة سوداء، وكانت له ربعة فيها مشط عاج ومكحلة، ومقراض وسواك، - ومرآة -.

ويقال: ترك يوم مات عشرة أثواب، ثوب حبرة، وأزاراً عمانياً، وثوبين صحاريين، وقمصيا سحولياً، وجبة يمنية، وكساء أبيض، وقلانس صغار الاطئة ثلاثاً أو أربعاً، وإزارا طوله ثلاثة أشبار.

وتوفي في أزار غليظ من هذه اليمانية؛ وكساء يدعى بالملبدة؛ وكان له سرير أعطاه أسعد بن زرارة، وكان منبره ثلاثة مراقي من الطرفاء)(1).

4 - روی ابن سيد الناس (ت 734 ه)، قائلاً:

(وكان له محجن قدر ذراع أو أكثر يمشي ويركب به ويعلقه بين يديه على بعيره، وكان له مخصرة تسمى العرجون، وقدح يسمى الريان، وآخر مضبب يقدر أكثر من نصف المد، فيه ثلاث ضبات من فضة.

ص: 104


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام): ج 1 ص 147

وحلقة كانت للسفر، وثالث من زجاج، كان له ثور من حجارة يقال له المخضب يتوضأ فيه، وكان له مخضب من نحاس يكون فيه الحناء، وركوة تسمى الصادرة، ومغسل من صفر، وربعة اسكندرانية من هدية المقوقس يجعل فيها مشطاً من عاج، ومكحلة، ومقراظاً ومسواكاً، ومرآة.

وكانت له أربعة أزواج خفاف أصابها من خيبر، ونعلان سبتيتان، وصف ساذج أسود من هدية النجاشي، وقصعة، سرير، وقطيفة؛ وقد اختلفت الروايات في صفة الخاتم.

وقال ابن فارس: ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) یوم مات ثوبي حبرة وأزارا عمانياً، وثوبين صحاريين، و قمیصاً صحارياً، وآخر سحولياً، وجبه يمانية، وكساء أبيض، وقلانس صغاراً لاطئة ثلاثاً أو أربعاً، وأزار طوله خمسة أشبار، وخميصه، وملحفة مورسة؛ وكان يلبس يوم الجمعة برده الأحمر ويعتم.

وكان له (صلى الله عليه وآله) عمامة يعتم بها يقال لها: السحاب وهبها العلي (عليه السلام)، وعمامة سوداء ويلبس يوم الجمعة ثوباً غير ثيابه المعتادة كل يوم، ولا يخرج يوم الجمعة الا معتماً بعمامة يرسلها بين كتفيه ويديرها ويغرزها؛ وكان له رداء مربع وكان له فراش من آدم حشوه ليف، وكساء أحمر، وكساء من شعر، وكساء أسود، ومنديل يمسح به وجهه، وكان له سرير ينام عليه قوائمه من ساج)(1).

ص: 105


1- السيرة النبوية (عيون الأثر) لابن سيد الناس : ج 2 ص 406 - 407

وعليه:

فهذه أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الأنعام والسلاح والمتاع المتضمن لباسه، وفراشه، ومقتنياته الشخصية التي خلّفها بعد وفاته، فإلى أين ذهبت!! ولماذا لم تطالب بها البضعة النبوية فاطمة (عليها السلام) حينهما أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) کما أخبرت عائشة؟!!

ص: 106

الفصل الثالث: علة امتناع فاطمة [علیها السلام] عن المطالبة بأموال رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] من الأنعام والسلاح والمتاع!

ص: 107

ص: 108

المبحث الأول: مصادرة أبي بكر لأموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ذات الموارد الاقتصادية دون المعيشية

إنّ القراءة التاريخية للحدث ومجرياته، أي ما شجر بين البضعة النبوية (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) وبين أبي بكر، ترشد إلى أمور عدة، وهي على النحو الآتي:

المسألة الأولى: انقسام أموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) إلى صنفين.

إنّ أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت تنقسم إلى صنفين، الأول: مالية واقتصادية تدر الأموال عليه في حياته ضمن موارد ثلاثة، والأخرى: استهلاكية ومعيشية، وهي على النحو الآتي:

أولاً: أمواله (صلی الله علیه وآله وسلم) ذات الموارد المالية والاقتصادية.

أ - المورد الأول:

أمواله (صلى الله عليه وآله) في المدينة التي جاءته من محيريق اليهودي، وهي: (الحوائط السبعة، أي البساتين السبعة: الدلال، والبرقة، والأعراف، والصافية، والمثيب، وحسني، ومشربة أم أبراهيم) ب - المورد الثاني:

أمواله التي جاءته مما أفاء الله تعالى عليه من الخمس، وهي على النحو الآتي:

ص: 109

1 - (أرضه من أموال بني النضير وهي أول أرض أفائها الله عليه) وثلاثة حصون من خيبر وقد ملكها من حصونهم الثانية، وهي: (الكتيبة، والوطيح والسلالم) فأما الكتيبة فأخذها بخمس الغنيمة، وأما الوطيح والسلالم فهما مما أفاء الله عليه، لأنه فتحها صلحاً فصارت هذه الحصون الثلاثة بالفيء الخمس، فتصدق بها وكانت من صدقاته).

1 - (أرض فدك) وقد جاءته صلحاً لما فتح خيبر، فقد جاءه أهلها وصالحوه عليها.

2 - (الثلث من أرض وادي القرى) الذي كان يسكنه اليهود، وقد صالحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ثلث أرض الوادي الذي يضم مجموعة قرى.

3 - (مهروز) وهو موضع سوق بالمدينة، وقيل: وادي بني قريظة بالحجاز.

ج - المورد الثالث:

سهم الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وذي القربي من الخمس، فهذه الأسهم الثلاثة كانت بيده، يعطي أهل بيته (عليهم السلام) وبني هاشم سهمهم، وهو الذي خصص لذي القربى، ويتصدق بسهم الله وسهمه (صلى الله عليه وآله) فيما يراه من مصالح الأمة.

ثانيًا: أمواله (صلی الله علیه وآله وسلم) الاستهلاكية والمعيشية.

وهي ما كان يحتاج إليه من الأموال التي يستعين بها على المعيشة الفردية والأسرية، ويُقرء منها الضيف، ويعطي السائل والمحتاج؛ وهذه الأموال مكونه من:

ص: 110

1 - الدواب، وهي: الخيل، والنوق، والماعز، والشياه، والبغلتين، والحار.

2 - السلاح، وهو: السيوف، والدروع، والرماح، والقلانس، والخوذ. والاقواس.

3 - المتاع البيتي، وهي: الفرش، والصحون، والقدور، والقداح، والقصعة، والضباب الفضية، والمخضبين، والركوة، والمغسل، وغيرها مما مر ذكره.

4 - الملابس، وهي: عشرة أثواب.

5 - المقتنيات الشخصية، وهي: مشط عاج، ومكحلة، ومقراض، وسواك، ومرآة، وغيرها.

6 - بيوته، وهي التي بناها واسكن فيها أزواجه، وكان عددها تسع حجر، والتي أوقفها القرآن عليه، بقوله عز وجل:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ» [سورة الأحزاب / 53].

المسألة الثانية: إنّ الصنف الأول من هذه الأموال منعه أبوبكر عن البضعة النبوية (علیها السلام) وصادره منها وترك الصنف الثاني.

إنّ أبا بكر قام بمصادرة الموارد الثلاثة التي كانت تدر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأموال فطالبته بضعة النبوة (عليها السلام) بها، فلم يعطها شيئاً، فقد صادرها منها ومنعها عنها بقوله: (لا نورِّث ما تركناه صدقة) وهو ما نصت عليه عائشة بقولها:

ص: 111

(وكانت فاطمة [عليها السلام] تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خيبر، وفدك، وصدقته بالمدينة؛ فأبی أبو بكر عليها ذلك)(1).

أما الصنف الثاني من أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أي: ما كان للمعيشة من الخيل والنوق وغيرها فلم تطالب به فاطمة (عليه السلام)، وذلك أنه خارج محل الخلاف فيما بينها (عليها السلام) وبين أبي بكر، فقد تركه أبو بكر ولم يقر به، وهو أمر يثير العديد من الاستفهامات، منها:

1 - لماذا تركه أبو بكر ولم يصادره وحبسه عن البضعة النبوية (عليها السلام) وهو تحت عنوان أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن ثم فهي: صدقة، وذلك بعلة أنه (صلى الله عليه وآله): (لا يورث)؟!! 2 - هل كان أبو بكر يرى أن أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعضها يورث وبعضها لا يورث؟!! 3 - أم إنّ ما كان يدر الأموال ويعد مورداً اقتصادیاً مهما وحيوياً هو المخصوص بعنوان الصدقة، والذي لا يعد موردا مالياً واقتصادياً كالدواب، ولباسه، وسلاحه وغيرها، هو خارج عن عنوان الصدقة؛ ومن ثم فلفاطمة (عليها السلام) أن ترثه في هذه الأموال حصراً؛ وترث أزواجه (صلى الله عليه وآله) بيوته بدليل قيام بعضهنَّ ببيع بيوته (صلى الله عليه وآله) لمعاوية؟!! - کما سیمر بیانه -.

ص: 112


1- صحیح مسلم: ج 5 ص 155؛ صحيح البخاري: ج 4 ص 42

4 - أفهل كان المقصود هو الحصول على هذه الموارد المالية، أم فرض الحصار على البضعة النبوية وبعلها وبنيها (عليهم السلام)؟!! بدلیل منع أبي بكر لسهم ذي القربى عنهم، واخراج عامل فاطمة و وكيلها على أرض فدك على الرغم من أنها قبضتها من أبيها (صلى الله عليه وآله) في حياته ومنع عنها طُعمتها من حصن الكتيبة؟!!

ص: 113

ص: 114

المبحث الثاني: محاولة أعلام أهل السُنّة ترميم فعل أبي بكر وتصويبه بمصادرته الموارد المالية من فاطمة (علیها السلام) دون المعيشية وتأويلاتهم في ذلك

إنّ مما لا ريب فيه أن يقوم أعلام أهل السُنّة والجماعة بترمیم فعل أبي بكر في محاولة لتصويب هذه الأفعال لاسيما ما شجر بينه وبين بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).

وهي حقيقة لا يمكن لهم إنكارها، بل لطالما صرحوا بها - کما سیمر - عِبْر الدراسة، ومنها دفاعهم عن فعله في مصادرة أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات الموارد الاقتصادية والمالية وتركه لأمواله المعيشية من الأثاث والخيل والإبل والسلاح والمقتنيات الشخصية، فعللوا هذا الفعل بجملة من التأويلات، وهي على النحو الآتي:

المسألة الأولى: تأويل القاضي عياض (ت 544 ه) والحافظ النووي (ت 702 ه) لمصادرة أبي بكر الموارد المالية من فاطمة (علیها السلام) دون المعيشية.

قال الحافظ النووي في شرحه على صحيح مسلم: (قال القاضي عياض: وقد تأول قوم طلب فاطمة [عليها السلام] میراثها من أبيها [صلى الله عليه وآله] على أنها تأولت الحديث إن كان بلغها قوله [صلى الله عليه وآله]: لا نورِّث على الأموال التي لها بال، فهي التي لا تورث، لا مايتركون من

ص: 115

طعام وأثاث وسلاح، وهذا التأويل خلاف ما ذهب إليه أبو بكر وعمر وسائر الصحابة)(1)!! وقد أعقب العيني (ت 855 ه) قول القاضي عياض، بتتمة يبين فيها رد القاضي على هذا التأويل إلا أنّ الحافظ النووي حذفه لإنه وجد فيها مشكلة كبيرة، وهي مصادرة أبي بكر لجميع حقوق البضعة النبوية فاطمة (عليها السلام) وليس أموال النبي (صلى الله عليه وآله) الاقتصادية فقط، والتي صنّفها القاضي ب(التي لها بال)، فكان تتمة قوله:

(قال: وهذا التأويل يرده قوله: «مما أفاء الله عليه»، وقوله: (ما ترك من خیبر، وفدك، وصدقته بالمدينة).

وقيل: إنّ طلبها [عليها السلام] لذلك كان قبل أن تسمع الحديث الذي دَلَّ على خصوصية سيدنا رسول الله [صلى الله عليه وآله]، بذلك وكانت متمسكة بآية الوصية: «وإن كانت واحدة فلها النصف» [النساء / 11].

أقول:

1 - لم يكشف القاضي عياض عن هوية أولئك الذين تأولوا طلب فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) وكذا سكت عنه الحافظ النووي والعيني!! ليتسنى معرفة المجال المعرفي لهذا التأويل أهو في التفسير أو الفقه أو العقيدة، فمباني الحكم في المجالات المعرفية مختلف.

2 - إن من البداهة أن يلحظ القارئ الاضطراب في قول القاضي عياض

ص: 116


1- شرح صحیح مسلم للنووي: ج 12 ص 73

بين أن قوما تأولوا، وبين أن فاطمة (عليها السلام) هي التي تأولت.

3 - قوله: (إن كان بلغها قوله: لانورِّث) هو في غاية المناقضة والتغليط!! وذلك لو كان بلغها قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) المزعوم: «لا نورِّث» لم تكن لتطالب أبي بكر بالإرث وذلك لإنتفاء السبب، فمعاذ الله أن تكون بضعة النبوة (عليها السلام) قد سمعت أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «لا نورِّث «، ثم تطالب أبي بكر بأموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) و تُنشئ الخصومة فيما بينها، فيتبعها جملة من الأثار الشرعية منذ وقوعها والى يوم القيامة، فأي تغلیط هذا؟!! 4 - إنَّ ما شجر بين بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) لم يكن محصوراً في دعوى الإرث فقط، وإنما في دعاوی أربعة، (الإرث، والنحل أي أرض فدك، وسهم ذي القربی، وطُعمتها من حصن الكتيبة) والذي أنكرته عائشة وأعلام أهل السُنّة والجماعة، والذي دلَّ عليه قولها: (وما بقي من سهم خيبر) فخلط أعلام أهل السُنّة بينه وبين سهم ذي القربى، في حين أن هذا السهم نافذ في فريضة الخمس وليس بخيبر فقط.

وعلى فرض أنها (عليها السلام) قد بلغها الحديث المزعوم: «لا نورِّث» فهو لا مدخلية له في بقية الدعاوى الثلاثة التي طالبت بها بضعة النبوة (عليها السلام)، وهي لم تزل قائمة فيما بينها وبين أبي بكر، فنِعْمَ الحكم الله والزعيم محمد (صلى الله عليه وآله)، «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»، [الشعراء: 227]؛ ومن ثم سقط القول بانها تأولت الحديث.

ص: 117

5 - أما قوله: (لا نورِّث على الأموال التي لها بال، فهي التي لا تورث، لا ما يتركون من طعام وأثاث وسلاح)!! فهي محاولة بائسة وسقيمة وعليلة وذلك أنه يخلوا من الضابطة التي عليها المواريث في المذاهب الفقهية التي يتعبد بها المسلمون اليوم، أي: زوال الملكية لجميع ما يمتلكه الميت ما لم يكن تخصیص منه في الوصية؛ فجميع الأموال التي يتركها الميت سواء التي لها بال أو التي ليس لها بال في الحكم سواء.

6 - أما العلة في هذا التأويل والترميم لفعل أبي بكر في ظلامة البضعة النبوية (عليها السلام) فهو لقيام أبي بكر بمصادرة الموارد المالية التي كانت تدر المال على رسول الله (صلى الله عليه وآله) - والتي مرّ بيانها مفصلا آنفا - ومنعها عن أهل البيت (عليهم السلام) لاسيما وأن هذه الأموال تعد من أهم الأسس التي يمكن أن يستعين بها أهل البيت (عليهم السلام) في استرجاع حق الخلافة المغصوب في سقيفة بني ساعدة، وهو أمر لم يكن ليغفل عنه أبو بكر وعمر بن الخطاب وأشياعها من الصحابة، وهو القائل يوم السقيفة:

(من ذا ينازعنا سلطان محمد [صلى الله علیه و آله] وإمارته)(1) وحسبك في بيان العلة في مصادرة أبو بكر للموارد الاقتصادية والمالية التي تركها رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون المعيشية - أي قطع الطريق على أهل البيت (عليهم السلام) في الاستعانة بهذه الأموال على أخذ حق الخلافة -، هو قول أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) في شقشقته التي هدرت ولم تستقر إلا في يوم الوقوف بين يدي الله عزوجل،

ص: 118


1- تاريخ الطبري: ج 2 ص 457؛ نهاية الأرب للنووي: ج 19 ص 34

ليكون (عليه السلام):

((أوّل من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة))(1) - كما أخرج البخاري -، أما بیانه (عليه السلام) للعلة التي كانت وراء مصادرة أبي بكر للموارد الاقتصادية من أموال رسول الله (صلى الله عليه و آله) دون المعيشية، فيقول:

«أما والله لو وجدت أعوانا لقاتلتهم».

وقوله أيضا بعد بيعة الناس له حين توجه إلى البصرة:

«أما والله لولا حضور الناصر ولزوم الحجة وما أخذ الله على أوليائه ألا يقروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنیاکم عندي أهون من عفطة عنز».

فَبيَّنَ (عليه السلام) أنه إنما قاتل من قاتل لوجود الأنصار والأعوان على قتال من بغى، وتركه قتال قوم آخرين لفقدان الناصر؛ أو أنه لو قاتلهم لربما أدى ذلك إلى بوار الإسلام وإلى ارتداد الناس، وهو ما جاء في قوله:

«أما والله لولا قرب عهد الناس بالكفر لجاهدتهم».

فأما جهاده باللسان وبیان مظلومیته فيما أقدم عليه أهل السقيفة وما صادره أبو بكر بقوة السلطة فقد جاهر به (عليه السلام) في مقام بعد مقام، ألا ترى إلى، قوله (عليه السلام):

ص: 119


1- صحيح البخاري، باب : قصة غزوة بدر: ج 5 ص 6

«لم أزل مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله»، وقوله:

«اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم منعوني حقي وغصبوني إرثي».

وفي رواية أخرى:

«اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم ظلموني [في] الحجر والمدر...».

وقوله في خطبته المعروفة بالشقشقية:

«أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحي ينحدر عني السيل ولا يرقى إلىَّ الطير...» إلى آخر الخطبة، صریح بالإنكار لما فعله أبو بكر وأشياعه، والتظلم من الحق وأنه (عليه السلام) قد کشف عن العلة التي من أجلها صادر أبو بكر أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الاقتصادية والمالية وهي فرض الحصار على بيت النبوة (عليهم السلام)، وقطع الطريق على أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) لأخذ حقه المغصوب.

7 - أما قول القاضي عياض: (وهذا التأويل خلاف ما ذهب إليه أبو بكر وعمر وسائر الصحابة)!! فهو عليل وسقيم أيضاً، وذلك لما يلي:

أ - فهو صريح في التدليس والتمويه على ما خلّف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أموال معيشية - کما مرَّ بيانه - لكن القاضي عياض، وكذا الحافظ النووي لم يجرئا على أنكارها فحاولا إيجاد مخرج لتصويب فعل أبي بكر، متجاهلين ظلامة بضعة النبوة وصفوة الرسالة (عليها السلام) ومتضافرین على هضمها كما أخبر بذلك أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) في شكواه لرسول الله (صلى الله عليه وآله):

ص: 120

«وَسَتُنَبّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ»!! ب - إنّ ادعائه بأن (هذا التأويل خلاف ما ذهب إليه أبو بكر وعمر وسائر الصحابة) فهو لا يثبت أمام النصوص والوقائع التاريخية، فقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما حديث عائشة الذي تحدد فيه ما طالبت به فاطمة (عليها السلام) وهي أمور ثلاثة: أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة، وأرض فدك، وما بقي من خمس خیبر، ولم تطالب بسلاح أبيها (صلى الله عليه وآله)، وأنعامه، ومتاعه، ومقتنياته الشخصية؛ وذلك لترك أبي بكر لها فهي (غير ذا بال) ولم تشكل موردا ماليا واقتصادياً مهماً.

ج - أما قوله (سائر الصحابة) فهو تدليس على القارئ وتضليل متعمد تحكمت به الأنساق الثقافية التي نشئ عليها القاضي عياض والحافظ النووي، وإلا فقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما مطالبات العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) المتكررة من أبي بكر وعمر لهذه الأموال والموارد الاقتصادية التي تمت مصادرتها دون الأموال المعيشية، ومن ثم فلا صحة لهذا الادعاء بان سائر الصحابة متفقون على أمتناع التوريث في جميع ما تركه النبي (صلى الله عليه وآله) إلا أن يكون العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) ليسا من الصحابة في نظر القاضي عياض والحافظ النووي؟! 8 - أما ما حذفه الحافظ النووي من قول القاضي عياض وأورده الحافظ العيني، فقال:

ص: 121

(وهذا التأويل يرده قوله: ((مما أفاء الله عليه))، وقوله: (مما ترك من خیبر، وفدك، وصدقته بالمدينة).

وقيل: إنّ طلبها [عليها السلام] لذلك كان قبل أن تسمع الحديث الذي دَلَّ على خصوصية سيدنا رسول الله [صلى الله عليه وآله]، بذلك وكانت متمسكة بآية الوصية: «وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ» [النساء / 11]).

فسببه - أي: رده لهذا التأويل - هو لدفع التعارض في فعل ابي بكر بين مصادرته لأموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات الموارد المالية والقيمة الاقتصادية وبين تركه للأموال المعيشية من سلاح النبي (صلى الله عليه و آله) وأنعامه ومتاعه ومقتنياته الشخصية، فقد ذكر القاضي عياض تنوع هذه الأموال ومصادرها بقوله: (مما ترك من خيبر، وفدك، وصدقته بالمدينة).

فهي إما مما أفاء الله عليه وفيها سهم الله وسهمه (صلى الله عليه وآله)، وأما جاءته صلحا من حصون خيبر، ومنها الحوائط السبعة في المدينة، وأرض وادي القرى، وسوق مهروز، مما أوصى به محيريق اليهودي، ومنها ما جاءه بخمس الغنيمة، أي حصن الكتيبة وهو صدقته (صلى الله عليه وآله) في المدينة، ومن حصن الكتيبة ووارداته الزراعية كان يعين النبي (صلى الله عليه وآله) نسائه والوفود التي تقدم عليه، ويعيل المحاويج من أصحابه.

ولقد منَّ الله علينا من فضله و فضل رسوله (صلى الله عليه وآله) بإفراد بحث مستقل حول هذه الظلامة التي لحقت بالبضعة النبوية (عليها

ص: 122

السلام)، والموسوم ب(ما أنكره أعلام أهل السنة والجماعة فيما شجر بين أبي بکر وفاطمة (عليها السلام) طعمة حصن الكتيبة أنموذجا)(1).

وعليه:

فقد أراد القاضي عياض رد التأويل الأول والقائل ب: (لا نورِّث على الأموال التي لها بال، فهي التي لا تورث، لا ما يتركون من طعام وأثاث وسلاح، وهذا التأويل خلاف ما ذهب إليه أبو بكر وعمر وسائر الصحابة)(2).

فأوقع نفسه بکشف هذه الحقيقة، أي مصادرة أبي بكر للموارد الاقتصادية المتعددة وتركه الأموال المعيشية، ولذا فقد حذفه الحافظ النووي في شرحه لصحيح مسلم

المسألة الثانية: تأويل ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه) في مطالبة

العباس بن عبد المطلب والإمام علي (علیه السلام) بإرث النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بانه يوّرث ببعض ماله دون بعض!! لم يجد المحدثون والمفسرون وفقهاء أهل السُنّة والجماعة وشراح البخاري ومسلم غير الهروب إلى جملة من الأقوال التي زادت في وهن حدیث «لا نورِّث» ونقضه، فمنها:

1 - قال ابن حجر العسقلاني: (إن كلا من علي وفاطمة والعباس اعتقد أن

ص: 123


1- إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة، العتبة الحسينية المقدسة، ط 1، دار الوارث، کربلاء المقدسة، 1442 ه - 2021 م
2- شرح صحیح مسلم للنووي: ج 12 ص 73

عموم قوله: «لا نورِّث» مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض)(1)؟! وتغافل إنّ هذا التأويل، أي: (أنهم اعتقدوا) دلالة ظنية يجري حكمها في أبي بكر وعمر، فها اعتقدا أيضاً أن النبي (صلى الله عليه وآله): لا يورث.

2 - إنَّ إصرار بضعة النبوة وصفوة الرسالة (عليها السلام) مع ما لها من الشأنية القرآنية والنبوية، وكذا حال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام)، والعباس بن عبد المطلب وهو صاحب العصبة كما أقره فقهاء أهل الجماعة، على المطالبة بالإرث لم يكن عن اعتقادهم بان النبي يورث في بضع أمواله ولا يورث في بعض کیا توهم ابن حجر، بل وغالط في قوله.

وذلك أن حصول الإرث في بعض أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينقض دعوى أن الأنبياء لا تورث، وذلك لعموم الحكم في: «ما تركنا» فجميع ما ترکه النبي (صلى الله عليه وآله) و بمقتضى الحديث هو: «صدقة».

فكيف يطالب هؤلاء (عليهم السلام) بما هو حرام لكونه صدقة للمسلمين والعياذ بالله؟!! وهنا ثمة أسئلة:

أ - كيف يرد هذا التعارض بين الإطلاق في عدم «الإرث» وبين التقييد بانه (صلى الله عليه وآله): (يورث بعض ماله)؟!

ص: 124


1- فتح الباري لابن حجر: ج 6 ص 145؛ تحفة الأحوذي للمباركفوري: ج 5 ص 194؛ عون المعبود للعظیم آبادي: ج 8 ص 131؛ نیل الاوطار للشوكاني: ج 6 ص 197؛ إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري للقسطلاني: ج 5 ص 195

ب - من الذي سيتولى الفرز والتحديد في هذه الأموال التي تركها النبي (صلى الله عليه وآله) فيقول هذا النوع من المال للورثة وهذا ما ليس للورثة، فما هي الضابطة الشرعية في هذا التصنيف والتقسيم.

ج - إنّ هذا التصنيف في أموال النبي (صلى الله عليه وآله)، أي: أنّ منها ما يوَّرث وما لا يوَّرث، يقتضي رفع المانع وهو ما يعتقده أهل السُنّة والجماعة بنفي الوصية عنه (صلى الله عليه وآله).

فإمّا أنه أوصى في أمواله وحدد الوصي من بعده، فجاء الورثة وهم أبنته وبضعته فاطمة (عليها السلام)، وعمه العباس إلى أبي بكر لتولية الإمارة، وكما حدثت به عائشة، ومجيء أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) والعباس بن عبد المطلب إلى عمر بن الخطاب بعد أن تولى الإمارة للمطالبة بالإرث، كما يقول ابن الخطاب:

(فجئتما تطلب میراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول الله [صلى الله عليه وآله]: «ما نورث ما ترکنا صدقة»، فرأيتماه کاذبًا، آثما، غادرًا، خائنًا)(1)!! وبما أنّ هذا المانع لم يزل قائما في عقيدة أهل السُنّة والجماعة، أي نفي الوصية والوصي (عليه السلام) فأن القول بأن النبي (صلى الله عليه وآله) يوّرث في بعض أمواله يتعارض فقهًا وعقيدة لدى أهل السُنّة والجماعة؛ فضلا عن اتهامه لآل البيت (عليهم السلام) والعياذ بالله .

ص: 125


1- صحيح مسلم باب: حكم الفيء: ج 5 ص 152

المسألة الثالثة: تأويل ابن المنير الاسكندري (ت 683 ه) في أخذ أبي بكر

الخاتم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو لا يوّرث.

إنَّ ممّن تعرض لهذه المسألة من أعلام أهل السُنّة والجماعة هو ابن المنير الاسكندري المصري محاولا حل الإشكال فيها، ودفع المعارضة فيهما بين أن النبوة مانعة للإرث ومقتضى الحكم بالعموم، أي امتناع تحقق زوال الملكية في جميع ما ترکه النبي (صلى الله عليه وآله) من أموال سواء كانت (ذا بال) کالأراضي، والحقول الزراعية، والبساتين، والحصون الخيبرية وغيرها، مما يشكل قيمة اقتصادية كبيرة وموردا مالياً مُهِماً.

أو التي ليست (ذا بال) کالأموال المعيشية من الأنعام، والمتاع، والسلاح، والمقتنيات الشخصية، فجميع ما ترکه النبي (صلى الله عليه وآله) باقٍ على ملكيته غير زائل عنه، ولا يحق لأحد من الناس أخذه، سواء كانوا من أهله أو الغرباء عنه (صلى الله عليه وآله) كأبي بكر وعمر والصحابة، وذلك لمقتضى الحكم في قوله:

«نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ما تركناه صدقة».

ومن ثم: فبأي وجه شرعي يمتلك أبو بكر خاتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويمتلك غيره من الصحابة مقتنياته الشخصية، والأنبياء لا توّرث؟!! ولذا فممن حاول ترميم فعل أبي بكر في أخذه مال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابن المنير في كشف المتواري على تراجم أبواب محمد بن إسماعيل البخاري في كتابه الصحيح، فقال:

ص: 126

(باب ما ذكر من درع النبي [صلى الله علیه و آله]، وعصاه وسيفه، وقدحه، وخاتمه، وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم تذكر قسمته، ومن شعره، ونعله، وآنيته، مما يتبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته).

فيه [أي، في الباب عن] أنس: إن أبا بكر لما استخلفه بعثه إلى البحرين، وكتب له هذا الكتاب و ختمه بخاتم النبي [صلى الله عليه وآله] وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر.

وفيه [عن] أنس: إنه أخرج نعلين جرداوين لهما قبالان، وهما نعلا النبي [صلى الله عليه و آله].

وفيه [عن] أبو بردة: أخرجت إلينا عائشة كساء ملبدا. وقالت:

في هذا نزع روح - النبي [صلى الله عليه وآله] -. وقال مرة: أخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساء ملبدا.

وفيه [عن] أنس: إن قدح النبي [صلى الله عليه وآله] انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة.

وفيه [عن] علي بن حسين [عليهما السلام]: إنّه لقي المسوّر بن مخرمة حين قدموا المدينة من عند يزيد مقتل الحسين بن علي [عليهما السلام]، فقال المسوّر: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ فقلت له: لا. فقال: هل أنت معطی سیف النبي [صلى الله عليه [وآله] وسلم]، فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وأيم الله لئن أعطيتنيه لأتخلص إليه أبدا حتى تبلغ نفسي، إن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة [عليها السلام]، فسمعت

ص: 127

النبي [صلى الله عليه وآله] يخطب الناس في ذلك على منبره، وأنا يومئذ محتلم، فقال:

«إن فاطمة مني، وأنا أخاف أن تفتن في دينها». إلى قوله: «والله لا تجتمع ابنة رسول الله وابنة عدو الله أبدا».

وفيه [عن] ابن الحنفية: قال: لو كان علي ذاكرا عثمان، ذكره يوم جاء أناس فشكوا إليه سعاة عثمان، فقال لي علي: ((اذهب إلى عثمان فأخبره أنها صدقة رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم] فمر سعاتك يعملون بها))، فأتيته بها. فقال: أغنها عنا.

فأتيت بها عليا فأخبرته، فقال: ((ضعها حيث أخذتها)).

وقال ابن الحنفية أيضا: أرسلني أبي، «خذ هذا الكتاب فاذهب به إلى عثمان، فإن فيه أمر النبي [صلى الله عليه وآله] بالصدقة».

قلت، [القول لابن المنير]: وجه دخول الترجمة وأحاديثها في الفقه تحقيق أنّه [صلى الله عليه وآله] لم يوّرث، وأن آلاته بقيت عند من وصلت إليه للتبرك، ولو كانت میراثا لاقتسمها ورثته)(1).

أقول:

لقد طرح ابن المنير العديد من الاستفهامات حول ما أخرجه البخاري في صحيحة ضمن الباب الذي عنوّنَهُ ب: (ما ذكر من درع النبي [صلى الله عليه

ص: 128


1- المتواري على تراجم أبواب البخاري: ج 1 ص 188 - 189 تحقيق صلاح الدين مقبول أحمد، ط مکتبة المعلا - الكويت

وآله]، وعصاه وسيفه، وقدحه، و خاتمه، وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم تذكر قسمته، ومن شعره، ونعله، وآنيته، مما يتبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته).

بل: إنّ أول أمر يثير التساؤل هو عنوّنَة البخاري لهذا الباب بهذا العنوان الفقهي، فقد أدرك البخاري أن هذه الأموال وبمقتضى الحكم في قول النبي (صلى الله عليه وآله) - المزعوم-: «لا نورِّث ما تركناه صدقة» والذي منع به أبو بكر جميع حقوق بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (عليها السلام) هو معارض لما قام به أبو بكر من أخذ خاتم النبي (صلى الله عليه وآله) وكذا أخذ أنس النعاله، وأخذ عائشة لكسائه (صلى الله عليه وآله).

ولذا: نجد البخاري يلتجئ إلى تصدير الباب بعنوان فقهي لدفع هذه المعارضة، فيقول: (مما يتبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته) [صلى الله عليه وآله] وقد تنّبه إليه ابن المنير فأعقبه بقوله: (وجه دخول الترجمة وأحاديثها في الفقه، تحقيق أنّه [صلى الله عليه وآله] لم يوّرث، وأن آلاته بقيت عند من وصلت إليه للتبرك؛ ولو كانت میراثا لاقتسمها ورثته).

ولكنه قد غفل عن الورطة التي أوقع نفسه فيها، کا وقع من قبله البخاري، وهي على النحو الآتي:

1 - إنّ البخاري أثبت هذه الحقيقة والظلامة التي لحقت ببضعة النبوة وصفوة الرسالة (عليها السلام) بل قد لحقت بالنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) فقد أخذ ماله دون وجه حق، وأنّ أبا بكر قد صادر الموارد الاقتصادية والمالية وترك الأموال المعيشية فهي بين يدي الناس منهوبة.

ص: 129

2 - كيف حصل أبو بكر على خاتم النبي (صلى الله عليه وآله) وهو لا يورث؟!! فقد أثار هذا الفعل ثمة أسئلة، وهي:

أ - إمّا أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أعطاه خاتمه قبل الوفاة، وهذا ما لم تثبته رواية قط.

ب - إمّا أنّ عائشة بنت أبي بكر قد كلمت النبي (صلى الله عليه وآله) فأخذته منه في حياته لتعطيه إلى أبيها، وهذا لم تثبت به رواية أيضاً.

ج - وإمّا أنها أخذته دون علم النبي (صلى الله عليه وآله) في أيام مرضه الذي توفي فيه، أو أن أبا بكر أخذه في هذا الوقت، أو أن أحد من الصحابة أنتزعه من يد النبي (صلى الله عليه وآله) وهو محموم فأعطاه إلى أبي بكر، لا سيما وأن هناك ما يعاضده من الروايات الصحيحة التي أخرجها البخاري ومسلم وأحمد، ومنها قول عائشة:

(لددناه [صلى الله عليه وآله] في مرضه، فجعل يشير إلينا: أنْ لا تَلُدُّوني، فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق، قال:

«أَلَمْ أَنْهَكُمْ أنْ تَلُدُّوني»؟! قلنا: كراهية المريض للدواء، فقال: «لا يبقى أحدٌ في البيتِ إلا لُدَّ»، وأنا أنظر إلاَّ العباس فإنه لم يشهد کم)(1).

ص: 130


1- صحيح البخاري، باب: مرض النبي (صلى الله عليه وآله): ج 5 ص 143؛ صحیح مسلم، باب: التداوي بالعود: ج 7 ص 24؛ احمد من حديث عائشة: ص 53

وهذا الإقرار من عائشة بلُدَّ النبي (صلى الله عليه وآله)، أي سكب الدواء في فمه(1) وهو في مرضه (فلما أفاق) أمر بلُدّ كل من كان في البيت إلاّ عمه العباس بن عبد المطلب، وذلك لكونه لم يكن حاضراً في هذا الوقت الذي عزمت فيه عائشة مع غيرها لا سيما وأنها قد تكتمت عنهم، يرشد إلى أمكانية أخذ خاتم النبي (صلى الله عليه وآله) من يده قبل أن يفيق من مرضه؛ ومن ثم ليظهر في يد أبي بكر بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله).

فضلا عن إقرارها بمعصية أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بأن لا يلدوه، بل إن إصرارهم على معصيته - والعياذ بالله - وتعمد إيذائه باللُدّ يجعل أمر أخذ خاتمه (صلى الله عليه وآله) وسرقته مما لا شك فيه.

د - وإمّا أن الخاتم قد سقط من يده (صلى الله عليه وآله) فعثر عليه بعد وفاته فأخذه أبو بكر، وهو محال لسببين، الأول: إن يغفل عنه النبي (صلى الله عليه وآله) وهو ما يستن به، فمحال أن لا يلتفت إلى فقده، فضلا عن ذلك فان أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) هو من تولى تغسيل النبي (صلى الله عليه وآله) ومحال أن يغفل عن فقدان الخاتم من يده.

والسبب الثاني: ما ثبت في الصحيحين من مخاطبة النبي (صلى الله عليه وآله) الصحابة في الساعات الأخيرة من عمره الشريف وطلبه أليهم أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده، فقد أخرج البخاري في الصحيح

ص: 131


1- قال أهل اللغة: اللدود، بفتح اللام، هو الدواء الذي يصبّ في أحد جانبي فم المريض ویسفا أو يدخل هناك بأصبع وغيرها، ويحنك به ويقال منه: لددته ألده، و حکی الجوهري أيضا: ألددته رباعيا والتددت أنا، قال الجوهري: ويقال للدود لديد أيضا

عن (عن ابن عباس، أنه قال: يوم الخميس، وما يوم الخميس؟!! ثم بکی حتی خضب دمعه الحصباء، فقال اشتد برسول الله [صلى الله عليه وآله] وجعه يوم الخميس، فقال: «ائتوني بكتاب، أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدًا».

فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا هجر رسول الله [صلى الله عليه وآله] قال:

«دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه»(1).

ومِن ثَمَّ: فأن الأمر القطعي الذي يكشف عن وصول خاتم النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أبي بكر هو أخذه منه اثناء مرضه، وهو لم يفق منه، واشغاله بأمر اللُدّ.

ومهما يكن من أمر فلا يجوز لأبي بكر أخذ خاتم النبي (صلى الله عليه وآله) وهو (لا يورث) وأن جميع ما ترکه (صدقة). وإلا يصبح منعه بضعة النبوة فاطمة (عليها السلام) من أموال أبيها (صلى الله عليه وآله) تجرياً على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

3 - إنّ حيازة أنس بن مالك لنعل النبي (صلى الله عليه وآله) وكذا حيازة عائشة لبرده، هو مخالف لحكم أن الأنبياء لا يورثون، فضلا عن ذلك فأن السؤال المطروح من أين حصلا على أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن أجاز لها أخذها وهي صدقة.

ص: 132


1- صحيح البخاري، باب: دعاء النبي (صلى الله عليه و آله) ج 4 ص 31؛ صحیح مسلم: ج 1 ص 129

4 - إنّ وجود سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند الإمام الحسين الشهيد، ومن ثم عند ولده الإمام علي زين العابدین (عليها السلام) يدل على أن أبا بكر قد صادر الموارد الاقتصادية والمالية وترك المعيشية ومنها سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله).

5 - أما محاولة ابن المنير دفع المعارضة بين الحكم بمنع النبوة للإرث وبين أخذ أبو بكر وعائشة وأنس لمتاع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودفعها بعنوان فقهي آخر، وهو (تبرك الصحابة) بأموال النبي (صلى الله عليه وآله) فهو أمر محدث، وكل محدث بدعة و كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وذلك لما يلي:

أ - إن هذه الأموال النبوية وبمقتضى الحكم في قوله: (لا نورِّث ما تركناه صدقة) يلزم أن ترجع هذه الأموال إلى المسلمين وأن التصرف بها يلزم حصول المؤذونية منهم، وأن أخذ أبو بكر خاتم النبي (صلى الله عليه وآله) دون أذن من المسلمين فهو في محل الحرمة، وكذا حال أخذ أنس النعل النبي (صلى الله عليه وآله)، وأخذ عائشة لكسائه.

ب - إنّ مقتضى كون هذه الأموال صدقة عامة للمسلمين يستلزم وجود متولي أو وصي أو قيّوم عليها، وذلك منتف عند أهل السُنّة والجماعة فلا متولي ولا وصي ولا قيّوم على أموال النبي (صلى الله عليه وآله) عندهم.

وقد أخرج البخاري، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: ذكر عند عائشة أن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أوصى إلى علي [عليه السلام]؟ فقالت: من قاله؟!! لقد رأيت النبي (صلى الله عليه وآله] وأن المسندته إلى صدري، فدعا بالطست فانخنث، فمات، فيا شعرت، فكيف أوصى إلى علي؟!).

ص: 133

وأخرج ايضاً: عن طلحة، قال: سألت عبد الله بن أبي أوفي، أوصى النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم)؟ فقال: لا، فقلت: كيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بها؟! قال: أوصى بكتاب الله)(1).

ج - وأما أن النبي (صلى الله عليه وآله) يوّرث، ولا صحة للحديث المزعوم: «لا نوّرث ما تركناه صدقة» فتكون أمواله من حق الورثة، وفي هذه الحالة فان ما أخرجه البخاري عن أنس، قال: كان خاتم النبي (صلى الله عليه [وآله]وسلم] في يده، وفي يد أبي بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبي بكر، فلا كان عثمان جلس على بئر أريس، قال: فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط، قال:

فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فننزح البئر فلم نجده)(2).

يكون أخذهم لخاتم النبي (صلى الله عليه وآله) غصبياً، لأنه من حق الورثة، وكذا تكون عائشة وأنس بأخذهما أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وعليه:

لا يكون التبرك بما هو في أصله غصبياً أو مسروقاً أو منهوباً من بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) والورثة.

ص: 134


1- صحيح البخاري: باب مرض النبي (صلى الله عليه وآله): ج 5 ص 144
2- صحیح البخاری، کتاب اللباس: ج 7 ص 34

المسألة الرابعة: تأويل الحافظ العيني (ت 855 ه) وأبن التين التونسي (ت 611 ه) وأبن بطال (ت 449 ه) بمصادرة الموارد المالية من فاطمة (علیها السلام) دون المعيشية.

وممن سعى لتأويل، بل ولترميم هذا الإعلال والمعارضة في فعل أبي بكر بمصادرته أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي كانت (ذا بال) هو الحافظ العيني، وابن التين التونسي، وأبن بطال في شروحهم على صحيح البخاري فنقل عنهم العيني قولهم بعد أن أورد قول القاضي عياض، فقال:

(قال ابن التين: حكى ابن بطال، أن طائفة من الشيعة تزعم أنه لا يوّرث، قالوا: ولم تطالب فاطمة [عليها السلام] بالميراث، وإنما طالبت بأن النبي [صلى الله عليه وآله] نحلها من غير علم أبي بكر، وأنكر هذا، وقالوا: ما ثبت أنه [صلى الله عليه وآله] نحلها شيئاً ولا أنها طالبت به. فإن قلت: رووا أن فاطمة [عليها السلام] طلبت فدك، وذكرت أن رسول الله، صلى الله عليه وآله] أقطعها إياها وشهد علي، [عليه السلام]، على ذلك فلم يقبل أبا بكر شهادته، لأنه زوجها).

فأعقبه الحافظ العيني بقوله:

(قلت: هذا لا أصل له ولا يثبت به رواية أنها أدعت ذلك، وإنما هو أمر مفتعل لا يثبت)(1).

ص: 135


1- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري: ج 15 ص 20

أقول:

الحمد لله الذي جعل الباطل يضرب بعضه بعضا لإظهار ظلامة بضعة النبوة (عليها السلام) ومنها هذا التغليط والتدليس والإنكار الذي ورد في قول ابن بطال وابن التين والعيني، وهو على النحو الآتي:

1 - فأما قوله: (إنّ طائفة من الشيعة تزعم أنه لا يورث، قالوا: ولم تطالب فاطمة بالميراث، وإنما طالبت بأن النبي [صلى الله عليه وآله] نحلها من غير علم أبي بكر، وأنكر هذا).

فهو يصرخ بالتدليس والافتراء على الشيعة آناء الليل وأطراف النهار وذلك أن الشيعة متمسكون بالثقلين كتاب الله وعترة نبيهم (صلى الله عليه وآله) وكلاهما ينصان على التوارث بين الأنبياء (عليهم السلام) و ظلامة بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها)، ولم يقل أحد من الشيعة بأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يوّرث، إلا أن يتعبد لله بغير دين عترة محمد (صلى الله عليه وآله). وبهذا لن ولم يصدق عليه أنه شيعي لهم.

2 - أما علم أبي بكر، فهو غاية التغليط ومنتهاه، أفهل يشترط تحقق علمه في صحة فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! والعياذ بالله من الضلال والتجري على رسول الله (صلى الله عليه وآله).

أم أن علمه ينفي حق البضعة النبوية (عليها السلام) أم أنه يدفع عنه ما أقترفه في ظلمها وإيذائها، مما دفعها إلى الدعاء عليه خلف كل صلاة تصليها

ص: 136

وهجره فلم تکلمه غاضبة ومحتسبة حتى لحقت بأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلم يؤذن بها وقد دفنها أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) لیلاً کما صرّح به البخاري عن عائشة(1).

3 - أما قوله: (وقالوا: ما ثبت أنه [صلى الله عليه وآله] نحلها شيئاً ولا أنها طالبت به. فإن قلت: رووا أن فاطمة طلبت فدك، وذكرت أن رسول الله، [صلى الله عليه وآله] أقطعها إياها وشهد علي، رضي الله تعالى عنه، على ذلك فلم يقبل أبا بكر شهادته، لأنه زوجها).

فهو لم يختلف عن سابقه في افترائه وتدليسه على الشريعة قبل الشيعة، فمنذ أن منع أبو بكر حقوق بضعة النبوة (عليها السلام) وردّه لها، وجهادها في استرجاع حقوقها من السلطة حتى مضت إلى ربها شهيدة صابرة محتسبة، وشیعتها ينادون بهذه الظلامة فكفّرهم أعلام أهل السُنّة بذلك، ولعل أهون ما قيل فيهم سب الصحابة، وذلك لموالاتهم بضعة النبوة والبراءة ممن ظلمها.

4 - أما قول الحافظ العيني: (قلت: هذا لا أصل له ولا يثبت به رواية أنها ادَّعت ذلك، وإنما هو أمر مفتعل لا يثبت).

فهو يكفينا الرد، فقد أنقلب على ذاته وموروثه الفكري والعقدي والتاريخي والحديثي، وكأنه بهذا الحديث لم يقرأ من تراث المسلمين شيئا لاسيما المذهب الذي يتعبد به، والعقيدة التي شرب منها.

ص: 137


1- صحيح البخاري، باب: عزوة خيبر: ج 5 ص 83

بل: وأن هذه الأقوال تثبت حقيقة حاکمية الأنساق الثقافية والعقدية على أقوال أعلام أهل السُنّة والجماعة في التعامل مع ظلامة بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها)، وليس المنهج العلمي والحجة البينة والدليل والبرهان.

وحسبنا من هذه الحقيقة ونتائجها ما أخبرت به بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (عليها السلام) في خطبتها الاحتجاجية التي ألقتها في مسجد أبيها (صلى الله عليه وآله) بمحضر المهاجرين والأنصار وفيهم أبو بكر وعمر، فمما قالت:

«أيها المسلمون أغلب على إرثي؟ يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا إرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهور کم؟ إذ يقول: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ» [النمل / 16 ] وقال: فيما اقتص من خبر یحیی بن زکریا إذ قال: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» [مريم / 6].

وقال: «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ» [الأنفال / 75] وقال: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» [النساء / 11] وقال: «إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» [البقرة / 180] وزعمتم: أن لا حظوة(1) لي ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بأية أخرج أبي منها؟ أم هل تقولون: إن أهل ملتين لا يتوارثان؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص

ص: 138


1- الحظوة: المكانة

القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ فدونكها مخطومة مرحولة(1) تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ثم رمت بطرفها نحو الأنصار، فقالت:

يا معشر النقيبة وأعضاد الملة(2) وحضنة الإسلام، ماهذه الغميزة في حقي(3) والسنة عن ظلامتي(4)؟ أما كان رسول الله صلى الله عليه وآله أبي يقول (المرء يحفظ في ولده)؟ سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة(5) و لكم طاقة بما أحاول، وقوة على ما أطلب وأزاول، أتقولون مات محمد صلى الله عليه وآله؟ فخطب جليل: استوسع وهنه واستنهر فتقه(6) وانفتق رتقه، واظلمت الأرض لغيبته وکسفت الشمس والقمر، وانتشرت النجوم لمصيبته، وأكدت(7) الآمال، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، ولا بائقة(8) عاجلة، أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه، في أفنيتكم، وفي مساكم، ومصبحكم، يهتف

ص: 139


1- مخطومة : من الخطام بالكسر وهو: كل ما يدخل في أنف البعير ليقاد به والرحل بالفتح: هو للناقة كالسرج للفرس
2- النقيبة: الفتية
3- الغميزة: - بفتح الغين المعجمة والزاي - ضعفة في العمل
4- السنة بالكسر: النوم الخفيف
5- إهالة: بكسر الهمزة الدسم. وسرعان ذا إهالة مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشئ قبل وقته
6- وهنه الوهن: الخرق، واستنهر: اتسع
7- أكدت: قل خيرها
8- بائقة: داهية

في أفنيتكم هتافا، وصراخا، وتلاوة، وألحانا، ولقبله ماحل بأنبياء الله ورسله، حکم فصل، وقضاء حتم: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» [آل عمران: 144] أيها بني قيلة(1) أأهضم تراث أبي؟ وأنتم بمرأى مني ومسمع، ومنتدى(2) ومجمع تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذوو العدد والعدة، والأداة والقوة وعندكم السلاح والجنة(3) توافیکم الدعوة فلا تجيبون، وتأتیکم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت.

قاتلتم العرب، وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الأمم، وكافحتم البهم، الانبرح أو تبرحون(4) نأمركم فتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودر حلب الأيام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين(5) فأنی حزتم بعد البيان؟ وأسررتم بعد الإعلان؟ ونكصتم بعد الإقدام؟ وأشركتم بعد الإيمان؟ بؤسا لقوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم، وهموا بإخراج الرسول، وهم بدؤوکم أول مرة، أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن کنتم مؤمنين.

ص: 140


1- بنو قيله : قبيلتا الأنصار : الأوس والخزرج
2- المنتدى المجلس
3- الجنة بالضم: ما استترت به من السلاح
4- لا نبرح: لا نزال
5- استوسق: اجتمع

ألا وقد أری أن قد أخلدتم إلى الخفض(1) وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة(2) ونجوتم بالضيق من السعة، فمججتم ما وعيتم ودسعتم الذي تسوغتم(3) فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حمید.

ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة التي خامرتكم(4) والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القناة(5) وبثة الصدر، وتقدمة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة(6) الظهر نقبة الخف(7) باقية العار، موسومة بغضب الجبار، وشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون وسيعلم الذين ظلموا أي مقلب ينقلبون. وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون»(8).

ص: 141


1- أخلدتم: ملتم. والخفض: السعة والخصب و اللين
2- الدعة: الراحة والسكون
3- الدسع: القى وتسوغ الشراب شربه بسهولة
4- الجذلة: ترك النصر، خامرتکم خالطتكم
5- الخور: الضعف، والقناة الرمح. والمراد من ضعف القناة هنا ضعف النفس عن الصبر على الشدة
6- فاحتقبوها: أي احملوها على ظهوركم ودبر البعير أصابته الدبرة بالتحريك وهي جراحة تحدث من الرحل
7- نقب خف البعير رق وتثقب
8- الاحتجاج للطبرسی ج 1 ص 140 - 141؛ شرح الاخبار للقاضي النعمان المغربي: ج 3 ص 39 - 37؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 16 ص 211 - 212؛ بلاغات النساء لابن طیفور: ص 13 - 14؛ التذكرة الحمدونية لابن حمدون: ج 6 ص 256 - 257

ص: 142

نتائج الدراسة

خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج، وهي على النحو الآتي:

أولا: لم تزل قضية بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (عليها السلام) أحد مكونات الفكر الإسلامي بمختلف المدارس والمناهل المعرفية، والمشارب العقدية، فبين الإقرار بحقها فيما طالبت به أبا بكر، وبين تصویب قراره بمنعها، (فأبى أن يعطيها شيئا) تدور رحى التولي والتبري إلى يوم وقوف الخلق بين يدي الله عز وجل.

وذلك للملازمة بين رضاها ورضا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورضاه برضا الله تعالى، وآذاها بأذاه، وأذاه (صلى الله عليه وآله) بأذى الله عز وجل، وقد قال عزّ شأنه في محكم كتابه:

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا»[سورة الأحزاب / 57].

وقد ثبت في الصحيحين أنها (عليها السلام) غضبت على أبي بكر وعمر فهجرتهما ولم تكلمها حتى ماتت، ولحقت بربها وأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فكيف لا تكون هذه القضية أحد مكونات الفكر الإسلامي؟ ثانياً: إن هذه القضية تعد مکنزا للعديد من القيم الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية في بيان مظاهر الفضائل والرذائل في العدل والظلم وتوابعهما.

ص: 143

ثالثاً: إنّ ما جهد عليه أعلام أهل السُنّة والجماعة ومنذ افتراق المسلمين بحدث السقيفة التي اجتمع فيها الأنصار والمهاجرون فأظهروا الإنكار في الوصية والخلافة الشرعية المجعولة من الله تعالى وبتعيين رسوله (صلى الله عليه وآله) منذ الأيام الأولى للبعثة في الإنذار لعشيرته الاقربين فصدع (صلى الله عليه وآله) بما أمره الله وبلّغ وعيّنَ الوزير والخليفة والوصي.

إلى بلاغه في حجة البلاغ، التي أنكروا سمتها وصفتها، فقيل: حجة الوداع، إلى طلبه (صلى الله عليه وآله) الدواة والقرطاس ليكتب لهم كتابا لن يضلوا من بعده، فأنكروا عليه أشد الإنكار، وقالوا: أنّه (يهجر).

إلى ظلامة فاطمة (عليها السلام) وما سَنّهُ الشيخان في ظلمها، وتضافر من شايعهما وآزرهما على ظلمها فجهدوا في الإنكار بما لا يتصوره العقل، فحار في نكرانهم اللبيب، وسلّم لهم القريب من سنخهم، وأعرض عنهم كل ذي قلب سلیم، فكان مما أنكروا:

1 - أن يكون بينها خلاف وخصام فقالوا: (وهذا لا أصل له ولا يثبت به رواية أنها ادعت ذلك، وإنما هو أمر مفتعل)!! 2 - وأنكروا أن تكون قد غضبت على الشيخين فلم تكلمها حتى ماتت شهيدة.

3 - أو إنها غضبت، ولكن أنكروا دوام غضبها عليها، فقد تر ضياها فرضيت عنها.

4 - وأنكروا أنها (عليها السلام) طالبت بالنِحْلَة في بادئ أمرها، فلما ردها أبو بكر بحديث (لا نورِّث) طالبت بفدك إرثا كي يبطلوا بذلك حجتها.

ص: 144

5 - وأنكروا أن تكون الأنبياء (عليهم السلام) تورث المال والعقار وإن نص القرآن على توريث الأنبياء وذلك أن السُنّة - عندهم - تنسخ القرآن.

6 - وأنكروا أن يكون الوحي قد نزل بأمر النبي (صلى الله عليه وآله) في إعطائها ونحلها فدكا، في سورة الإسراء والروم.

7 - وأنكروا عليها سهم ذي القربي فهو الذي يلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يضعه فيما يشاء.

8 - وأنكروا تفريق العناوين الشرعية الثلاثة (الإرث، والنحلة، والخمس) وجعلها في عنوان واحد وهو الإرث، ثم أنكروا فقالوا: صدقات رسول الله (صلى عليه واله وسلم).

9 - وأنكروا مصادرة أبي بكر لطعمتها من حصن الكتيبة وإمضاء ابن الخطاب لهذا المنع وتآزروا على هذا الإنكار، فطورا يكون بالتعتيم المطبق، وطورا بالسكوت المغلق، وطورا بالنفي، وأخرى بالحذف، أو التغليط، أو التخليط، أو التدليس، أو التعتيم، أو التضليل.

ومن ثم: لم يزل أعلام أهل السُنَّة والجماعة ينكرون وینکرون حتى اشتکی الإنكار إلى الرب الجبار، وتبرئ اليه مما أنكروا في ظلامة بضعة النبوة وصفوة الرسالة، فيا لله ولظلامة فاطمة!!! رابعاً: قد أثبتت الدراسة أن أعلام أهل السُنّة والجماعة قد تضافروا على هضم بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (عليها السلام)، وهو ما ظهر جلياً في قول أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) عند مواراته فاطمة

ص: 145

الثرى بجوار رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو يخاطبه، قائلا:

«وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك علي وعلى هضمها حقها، فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا وستقول، ويحكم الله وهو خير الحاكمين»(1).

خامسًا: إن هذه الدراسة قد كشفت للقارئ الكريم وللباحثين مقدار أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنواعها وتعدد مصادرها، وانقسامها إلى أموال معيشية ومالية ذات موارد اقتصادية كبيرة، وأن أبا بكر صادر الصنف الثاني لأهميته الاقتصادية، وقطع الطريق على أل البيت (عليهم السلام) في الاستعانة بهذه الأموال في النهوض بمشروع الخلافة الذي أحيد عنهم في اجتماع السقيفة، ولذا نجده ترك الأموال المعيشية لفاطمة (عليها السلام) فورثتها ولم تطالب بها فيما شجر بينها وبين أبي بكر في إرثها ونحلتها وسهم ذي القربى وطعمتها من حصن الكتيبة.

فظهر بذلك حاكمية النسق الثقافي والعقدي في جميع مفاصل الموروث الفكري لأعلام أهل السُنّة والجماعة، لا سيما فيما تعلق ببضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (عليها السلام) وما ترتب عليه من أثار شرعية في الدنيا والآخرة.

وخير ما نختم به الكتاب ذكر الصلاة على محمد وآل محمد، فنقول:

اللهم صل على بضعة نبيك وصفوة حبيبك وقرة عينه ما شرقت شمس وأفلت، وتعاقب الليل والنهار، وصل على بعلها وحليلها وليك المعظّم،

ص: 146


1- الأمالي للشيخ المفيد: ص 282؛ نهج البلاغة: ج 2 ص 182 بشرح محمد عبده

ووصي رسولك المقدم على الخلق أجمعين، والمصطفى من الأنبياء والمرسلين، والمختار بعلم على الخلق أجمعين.

وصل على ولديها الحسن والحسين، حججك على خلقك، وصفوتك من نور نبيك، وأمنائك على شريعتك.

وصل على أولادها أئمة الهدى وأعلام التقي، علي بن الحسين السجاد، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسی بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسی الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، والحجة بن الحسن المهدي المنتظر لإقامة العدل، وهدم الجور، وإحياء السُنة، وإماتة البدعة.

ف: «هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وعِمَادُ الْيَقِينِ، إِلَيْهِمْ یَفِيءُ الْغَالِي وبِهِمْ يُلْحَقُ التَّاليِ، ولَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَةِ، وفِيهِمُ الْوَصِیَّةُ والْوِرَاثَةُ».

اللهم إنا نصلي على رسولك بما صلى عليه أخوه ووصيه وخليفته في أمته أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام):

«اللهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ ودَاعِمَ الْمَسْمُوکَاتِ وجَابِلَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا شَقِيِّهَا وسَعِيدِهَا اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَواتِكَ ونَوَامِيَ بَرَکَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسُولِكَ الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ والْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ والْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ والدَّافِعِ جَيْشَاتِ الأَبَاطِيلِ والدَّامِغِ صَوْلَاتِ الأَضَالِيلِ کَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ ولَا وَاه فِي عَزْمٍ وَاعِياً لِوَحْیِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ حَتَّى أَوْرَی قَبَسَ الْقَابِسِ وأَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلخَابِطِ وهُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ

ص: 147

خَوْضَاتِ الْفِتَنِ والآثَامِ وأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الأَعْلَامِ ونَیِّرَاتِ الأَحْكَامِ فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأمُونُ وخَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ وشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ وبَعِیثُكَ بِالْحَقِّ ورُسُولَكَ إلى الْخَلْقِ. اللهُمَّ افْسَحْ لَهُ مَفْسَحاً فِي ظِلِّكَ واجْزِه مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ اللهُمَّ وأَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَه وأَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَه وأَتْمِمْ لَه نُورَه واجْزِه مِنِ ابْتِعَاثِكَ لَه مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ مَرْضِيَّ الْمَقَالَةِ ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ وخُطْبَةٍ فَضْلٍ اللهُمَّ اجْمَعْ بَیْنَنَا وبَيْنَه فِي بَرْدِ الْعَيْشِ و قَرَارِ النِّعْمَةِ ومُنَى الشَّهَوَاتِ وأَهْوَاءِ اللَّذَّاتِ ورَخَاءِ الدَّعَةِ ومُنْتَهَى الطُّمَأْنِينَةِ وتُحَفِ الْكَرَامَةِ».

تم بحمد الله وسابق لطفه وفضله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله)

ص: 148

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم 1. الإتقان في علوم القران، السيوطي، (ت: 911 ه)، تحقيق: سعيد المندوب، ط 1، لسنة: 1416 - 1999 م، الناشر: دار الفكر.

2. إجماعیات فقه الشيعة وأحوط الأقوال من أحكام الشريعة، الفقيه المحقق السيد إسماعيل المرعشي، طبع: المؤلف لسنة 1419 ه، 1998 م، ط 2، قم المقدسة - إيران.

3. الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، (ت: 548 ه)، تحقيق: تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان، 1386 - 1999 م، الناشر: دار النعمان للطباعة والنشر - النجف الأشرف.

4. الأحكام السلطانية والولايات الدينية، علي بن محمد البغدادي الماوردي (ت: 450 ه)، طبعك شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده - دار التعاون لسنة 1386 ه، 1999 م، ط 2، القاهرة - مصر.

5. الأحكام في أصول الإحكام: علي بن محمد الآمدي، المكتب الإسلامي، طبع مؤسسة النور، ط 2، 1402 ه.

6. إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري وبهامشه صحيح مسلم بشروح النووي، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني، ط 7،

ص: 149

نشر: دار کتاب العربي، 1323 ه، بيروت.

7. الاستذکار، ابن عبد البر، تحقيق: سالم محمد عطا - محمد علي معوض، ط 1، 2000 م، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت.

8. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي، تحقيق: محمد علي البجاوي، الناشر: دار الجيل، 1412 - 1992.

9. أسد الغابة، ابن الأثير، (ت: 630 ه)، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان.

10. أسرار الآيات، محمد بن إبراهيم صدر الدین شیرازي، الناشر: انجمن إسلامي حکمت و فلسفه إيران.

11. الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي، ابن حجر العسقلاني (ت: 852 ه)، دراسة وتحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، طبع: دار الكتب العلمية، ط 1، بیروت - لبنان، 1415 ه، 1994 م.

12. الأعلام، خير الدين الزركاني، ط 5، دار العلم للملايين، بيروت - لبنان.

13. الاقتصاد، الشيخ الطوسي (ت: 460 ه)، 1400، مطبعة الخيام - قم، الناشر: منشورات مكتبة جامع چهلستون - طهران.

14. الأمالي، الشيخ المفيد (413 ه)، تحقيق: حسين الأستاد ولي - علي أكبر

ص: 150

الغفاري، طبع: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1414 ه، 1993 م، ط 2، بیروت - لبنان.

15. الأمالي، أبو جعفر محمد بن علي الصدوق، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، طبع: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، 1417 ه، 1996 م، قم المقدسة - إيران.

16. الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، أسد حيدر، طبع ونشر مؤسسة دار الكتاب الإسلامي بيروت.

17. الإمام علي ومشكلة نظام الحكم، محمد طي، دار الغدير، بیروت، ط 1، 1617 ه.

18. أمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (ت 845 ه)، تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، طبع و نشر: منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية لسنة 1420 ه)، 1999 م، ط 1، بيروت - لبنان.

19. أنساب الأشراف، البلاذري، (ت: 279 ه)، تحقيق: تحقیق وتعليق: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط 1، 1394 - 1976 م / الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان.

20. بحار الأنوار، العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، ط 2 المصححة، 1403 ه - 1983 م، مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان - صرب.

ص: 151

21. بلاغات النساء لابن طيفور، أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر المعروف ب(ابن طيفور) (ت 280 ه)، طبع: مکتبة بصيرتي لسنة 1402 ه، 1982 م، قم المقدسة - إيران.

22. البيان والتبيين، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، طبع: دار الفکر، بیروت - لبنان.

23. تاج العروس، الزبيدي (ت 1205 ه)، تحقيق: علي شيري، طبع: دار الفكر لسنة 1414 ه، 1994 م، بيروت - لبنان.

24. تاریخ ابن کثیر (البداية والنهاية، ابن کثیر، (ت: 774 ه)، تحقيق: علي شيري، ط 1، لسنة: 1408 - 1988 م، الناشر: دار إحياء التراث العربي، و دار الكتب العلمية، لسنة: 1994 م، بیروت - لبنان.

25. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه)، تحقيق: الدكتور عمر عبد السلام تدمري، طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1407 ه، 1987 م، بیروت - لبنان.

26. تاريخ الشنة النبوية: عبد الحميد صائب، مرکز الغدير، بیروت، ط 1، 1418 ه.

27. تاريخ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، طبع: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

28. تاريخ المدينة (أخبار المدينة المنورة)، ابن شبة أبو زيد، عمر بن شیبه

ص: 152

النميري البصري (ت 262 ه)، طبع : مطبعة قدس لسنة 1410 ه، 1980 م، ط 2، قم المقدسة - إيران.

29. تاريخ اليعقوبي، اليعقوبي، (ت: 286 ه)، الناشر: دار صادر، بیروت - لبنان.

30. تاریخ بغداد وذيوله، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (ت 463 ه)، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1417 ه)، 1997 م، ط 1، بیروت - لبنان.

31. تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر، تحقيق: علي شيري، نشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، سنة الطبع: 1415 ه، بیروت.

32. تحف العقول عن آل الرسول (عليه السلام): أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم ط 2، 1404 ه.

33. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، محمد بن عبد الرحمان المباركفوري (ت 1353 ه)، طبع: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان 34. تذكرة الحفاظ، أبو عبد الله، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قایناز الذهبي (ت 748 ه)، طبع: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان 35. التذكرة الحمدونية، أبو المعالي محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن

ص: 153

حمدون (ت 562 ه)، طبع: دار صادر لسنة 1416 ه)، 1996 م، ط 1، بيروت - لبنان.

36. تركة النبي (صلى الله عليه وآله)، حماد بن إسحاق البغدادي (ت 297 ه)، تحقيق: أكرم ضياء العمري، طبع: دار المعرفة لسنة 1404 ه، 1984 م، ط 1، بيروت - لبنان.؛ 37. تزاوج الاختصاصات، نجيب عبد الواحد؛ 3 يونيو 2017؛ الدراسات البينية التعليم العالي.

38. التعريفات، علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني (ت: 816 ه) المحقق: ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، ط 1، 1403 ه - 1983 م 39. تفسير الألوسي (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني)، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي البغدادي (ت 1270 ه)، تحقيق: محمد حسين العرب، طبع: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1414 ه، 1994 م، ط 1، بيروت - لبنان.

40. تفسير الثعلبي (الكشف والبيان عن تفسير القرآن)، أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (ت 427 ه)، تحقيق: أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: نظير الساعدي، طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1422 ه، 2002 م، بیروت - لبنان.

41. تفسير القرآن الكريم المستخرج من تراث الشيخ المفيد، السيد محمد

ص: 154

علي أيازي، مركز الثقافة والمعارف القرآنية. 42. تهذیب الأحکام، الشيخ الطوسي، (ت: 460 ه)، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، ط 3، 1364 ش، مطبعة: خورشید، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران.

43. تهذيب التهذيب، شهاب الدين أحمد بن علي الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه)، طبع: دار الکتب العلمية لسنة 1415 ه، 1995 م، بیروت - لبنان.

44. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المتقن جمال أبو الحجاج يوسف المزي (ت 742 ه)، تحقيق وضبط وتعليق: الدكتور بشار عواد معروف، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1425 ه، 2004 م، بیروت - لبنان.

45. جامع أحاديث الشيعة، البروجردي، المطبعة العلمية، قم - إيران لسنة 1400 ه.

46. حجية السنة في الفكر الإسلامي: حيدر حب الله، دار الانتشار العربي، بیروت، ط 1، 1432 ه.

47. خديجة بنت خويلد (عليها السلام) أمّة جمعت في امرأة، السيد نبيل قدوري حسن الحسني، نشر: شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية في العتبة الحسينية المقدسة، طبع: مؤسسة الأعلمي لسنة 1432 ه، 2011 م، ط 1، بيروت - لبنان.

ص: 155

48. الخلاف، للشيخ الطوسي، (ت: 460 ه)، تحقيق: المحققون: السيد علي الخراساني، السيد جواد الشهرستاني، الشيخ مهدي نجف المشرف: الشیخ مجتبی العراقي، الطبعة: الجديدة، 1409، المطبعة: مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

49. الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهامیم، يوسف بن أبي حاتم الشامي المشغري العاملي من أعلام القرن السابع، طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة - إيران.

50. دراسات في علم الدراية: علي أكبر غفاري، نشر جامعة الإمام الصادق (ع)، مطبعة تابش، طهران، ط 1، 1336 ه. 51. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تحقيق محمد عبد المعيد ضان، ط الثانية 1392 ه - 1972 م نشر مجلس دائرة المعارف العثمانية - صیدر آباد، الهند.

52. الروض الأُنف، الفقيه المحدث أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي (ت: 581 ه)، طبع دار الفكر لسنة 1409 ه، 1989 م، بیروت - لبنان.

53. زهر الآداب وثمر الألباب، أبو إسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني (ت: 452 ه)، طبع: دار إحياء الكتب العربية لسنة 1372 ه، 1953 م، ط 1، بيروت - لبنان.

ص: 156

54. السقيفة وفدك، الجوهري (ت 323 ه)، تقديم وجمع وتحقيق: الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني، طبع: شركة الكتبي للطباعة والنشر لسنة 1413 ه، 1993 م، ط 2، بيروت - لبنان.

55. السلفية بين أهل السنة والإمامية، السيد محمد الكثيري، الغدير للطباعة والنشر والتوزيع، حارة حريك - بناية البنك اللبناني السويسري.

56. سُنن أبي داوود، الحافظ سلیمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي (ت: 275 ه)، تحقيق: محمد مي الدين عبد الحميد، طبع: دار الفكر، بيروت - لبنان.

57. السنن الكبرى، البيهقي الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت:

458 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1424 ه)، 2003 م، ط 3، بيروت - لبنان.

58. السيرة النبوية (عيون الأثر في فنون المغازي والسير)، ابن سيد الناس (ت: 734 ه)، طبع: مكتبة دار التراث لسنة 1413 ه، 1993 م، المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

59. السيرة النبوية، ابن کثیر، (ت: 774 ه)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، لسنة: 1396 - 1976 م، الناشر: دار المعرفة، بیروت - لبنان. 60. السيرة النبوية، ابن هشام، تحقيق: مصطفى السقا، طبع: مؤسسة علوم القرآن، ط 1، بيروت - لبنان.

61. شذرات الذّهب في أخبار من ذهب، ابن عماد الحنبلي (أبي الفلاح

ص: 157

عبد الحي، (ت: 1089 ه)، ذخائر التراث العربي، دار إحياء الكتاب العربي، بيروت - لبنان، (د. ت).

62. شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، ابو حنيفة، نعمان بن محمد بن منصور بن احمد بن حيون التميمي المغربي المشهور ب(القاضي نعمان المغربي (ت: 363 ه)، تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي، طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1409 ه)، 1988 م، ط 1، قم المقدسة - إيران.

63. شرح صحيح مسلم للنووي، محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي (ت: 676 ه)، طبع: دار القلم، ط 1، بیروت - لبنان.

64. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ه)، تحقيق: محمد ابو الفضل إبراهيم، نشر وطبع: دار إحياء الكتب العربية لسنة 1378 ه، 1959 م، ط 1، بغداد - العراق.

65. الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية، محمد بن عيسى الترمذي صاحب السنن (ت: 279 ه)، طبع: مؤسسة الكتب الثقافية لسنة 1412 ه، 1992 م، ط 1، بیروت - لبنان.

66. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، أبو القاسم عبيد الله بن عبد اللهّ النيسابوري الحنفي (ت: 470 ه)، تحقيق: السيد محمد باقر المحمودي، طبع: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الاسلامي لسنة 1411 ه، 1990 م، ط 1، طهران - إيران.

ص: 158

67. الصحاح، تاج الّلغة وصحاح العربيّة، الجوهري (أبو نصر إسماعیل بن حمّاد)، (ت: 393 ه)، تح: أحمد عبد الغفور عطار، ط 4، دار العلم للملايين، بيروت - لبنان، 1907 ه - 1987 م.

68. صحيح البخاري، أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل بن المغيرة بن البخاري (ت 256 ه)، نشر وطبع: عالم الكتب لسنة 1405 ه، 1985 م، ط 4، بيروت - لبنان.

69. صحيح مسلم، مسلم النيسابوري (ت: 261 ه)، طبع: دار الفكر، بيروت - لبنان.

70. صحيفة المدينة، يوم الاثنين، 28 شوال - 1 يوليو 2019 71. ضعفاء العقلي، العقيلي (ت: 322 ه)، تحقيق: الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1418 ه، 1998 م، ط 2، بيروت - لبنان.

72. الطبقات الکبری، أبو عبد الله، محمد بن سعد بن منيع المعروف بابن سعد (ت: 230 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1410ه، 1990 م، ط 1، بيروت - لبنان.

73. العقد الفريد، أبي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (ت: 328 ه)، طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1403 ه، 1983 م، بیروت - البنان.

74. علل الشرائع، الشيخ الصدوق (أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن

ص: 159

موسی بن بابويه القمي، (ت: 381 ه)، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية، ومطبعتها في النجف الأشرف، 1385 ه - 1966 م.

75. عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، أبو محمد محمود بن أحمد بن موسي بن أحمد بدر الدين العيني الحنفي (ت: 855 ه)، طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1424 ه، 2006 م، ط 1، بیروت - لبنان.

76. عون المعبود، محمد شمس الحق العظيم آبادي، طبع: الكتب العلمية السنة 1415 ه، 1995 م، ط 2، بيروت - لبنان.

77. غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي، (ت: 585 ه)، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف: جعفر السبحاني، ط 1، محرم الحرام 1417.

78. فتح الباري في شرح صحيح البخاري، الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت:

852 ه)، طبع: دار الفكر لسنة 1416 ه، 1999 م، بيروت - لبنان.

79. فتح العزيز شرح الوجيز، الشرح الكبير [وهو شرح لكتاب الوجیز في الفقه الشافعي لأبي حامد الغزالي، (ت: 505 ه)، عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني (ت: 623 ه)، الناشر: دار الفكر.

80. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي بن محمد الشوكاني (1173 - 1250)، الناشر: دار الفکر، بیروت.

81. فدك في الماضي والحاضر، عبد الله اليوسف، طبع: دار الهادي لسنة 1422 ه، 2002 م، ط 1، بيروت - لبنان.

ص: 160

82. الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري، (ت: 395 ه)، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، شوال المکرم 1412، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

83. فقه اللغة وسر العربية، عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت 429 ه)، طبع و نشر: مكتبة الخانجي المدني لسنة 1418 ه، 1998 م، ط 1، القاهرة -- مصر 84. القاموس المحيط، الشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، ط 1، طبع: مؤسسة النوري لسنة 1408 ه، 1987 م، دمشق - سوريا.

85. القصدية والمقبولية في التراث النقدي والدرس اللساني، د. اياد نجيب عبد الله، و أ. ميلود مصطفی عاشور، مجلة جامعة المدينة العالمية، العدد السابع عشر - يوليو - 2016 م.

86. الكافي، الشيخ الكليني، طه، دار الكتب الإسلامية، طهران - إيران لسنة 1409 ه.

87. کتاب التوحيد، الشيخ الصدوق، ط منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية قم - إيران.

88. كتاب العين، الخليل للفراهيدي، ط 2، مؤسسة دار الهجرة، لسنة 1409 ه.

89. کتاب المنمق، محمد بن حبيب البغدادي، (ت: 245 ه)، تحقيق: خورشید أحمد فاروق، المطبعة: نسخة مخطوطة.

ص: 161

90. لسان العرب، ابن منظور، (ت: 711 ه)، (د. ط)، 1405، الناشر: أدب الحوزة.

91. لسان الميزان، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، أبو الفضل شهاب الدين، تحقيق: عبد الفتاح أبي غدة، طبع: مكتبة المطبوعات الإسلامية السنة 1423 ه، 2002 م، ط 1، الاسكندرية - مصر.

92. لقاءات الباب المفتوح، محمد بن صالح العثيمين، إصدارات مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية.

93. المتواري على تراجم أبواب البخاري، تحقيق صلاح الدين مقبول احمد، ط مكتبة المعلا - الكويت.

94. مجمع البحرين، الشيخ الطريحي، (ت: 1085 ه)، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، ط 2، 1408 - 1367 ش، الناشر: مكتب النشر الثقافة الإسلامية.

95. مجمع الزوائد، الهيثمي، (ت: 807 ه)، لسنة: 1408- 1988 م، الناشر:

دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.

96. المجموع، النووي، (ت: 676 ه)، الناشر: دار الفکر، بیروت، 1997 م.

97. محاضرات في الإلهيات: جعفر السبحاني، نشر مؤسسة الصادق (عليه السلام)، ط 10، 1426 ه.

98. المخصص، أبو الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي

ص: 162

المعروف بابن سيده، (ت: 458 ه)، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.

99. المدخل إلى الشريعة الإسلامية، عباس کاشف الغطاء، نشر مؤسسة کاشف الغطاء، مطبعة صبح، بیروت، ط 4، 1436 ه.

100. مرآة الجنان وعبرة اليقظان، أبو محمد، عفيف الدين عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي (ت 768 ه)، وضع الحواشي: خليل المنصور، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1417 ه)، 1997 م، ط 1، بيروت - لبنان.

101. مستند الشيعة، المحقق النراقي، (ت: 1244 ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، ط 1، لسنة: 1415، الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام - قم.

102. مسند الموصلي، أحمد بن علي بن المثنى، أبو يعلى التميمي (ت: 307 ه)، تحقيق: حسین سلیم أسد، طبع: دار المأمون للتراث السنة 1408 ه، 1988 م، دمشق - سوريا. 103. مسند أحمد، وبهامشه منتخب کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، أحمد بن حنبل، (ت: 241 ه)، دار صادر - بيروت.

104. مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني، علي كاشف الغطاء، تحقيق ونشر مؤسسة كاشف الغطاء، مطبعة صبح، بیروت، ط 1، 1435 ه.

105. مصباح البلاغة، محمد حسن بن علي المير جهاني الطباطبائي (ت:

ص: 163

1371 ه)، طبع: مؤسسة التحقيق والنشر المعارف أهل البيت عليهم السلام، قم المقدسة - إيران.

106. المعارف، أبو محمد، عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت: 276 ه)، تحقيق: محمد إسماعيل عبد الله الصاوي، طبع: المطبعة الإسلامية لسنة 1352 ه، 1934 م، ط 1، القاهرة - مصر.

107. معارضة حديث لا نورث للقرآن والسُنّة واللغة، تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي، اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة، ط 1 - دار الوارث، لسنة 2021 م، کربلاء المقدسة.

108. المعجم الأوسط للطبراني، الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (ت 360 ه)، طبع: مكتبة المعارف لسنة 1405 ه)، 1985 م، ط 1، الرياض - المملكة العربية السعودية.

109. معجم البلدان، شهاب الدين أبو عبد الله یاقوت بن عبد الله الرومي الحموي (ت 626 ه)، نشر: دار صادر لسنة 1428 ه)، ط 1، بیروت - لبنان.

110. المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والانجليزية واللاتينية، جميل صليبا: ج 2، دار الكتاب اللبناني.

111. معجم المصطلحات في اللغة والأدب، تأليف مجدي وهبة وكامل المهندس، ط 2 مكتبة لبنان.

112. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، الدكتور محمود عبد الرحمن عبد

ص: 164

المنعم (مدرس أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون - جامعة الأزهر)، طبع: دار الفضيلة، القاهرة - مصر.

113. معجم المطبوعات العربية والمعربة، يوسف بن إليان بن موسی سرکیس (ت: 1351 ه)، الناشر: مطبعة سركيس بمصر، 1346 ه - 1928 م 114. معجم المؤلفين، عمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغني كحالة الدمشق (ت 1408 ه)، طبع: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1414 ه، 1994 م، ط 1، بیروت - لبنان.

115. معجم أودية الجزيرة، عبد الله بن محمد ابن خميس، طبع: مطابع الفرزدق التجارية لسنة 1414 ه، 1994 م، جامعة ميشيغان.

116. معجم لغة الفقهاء، محمد قلعجي، طبع: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1408 ه، 1988 م، ط 2، بيروت - لبنان. 117. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي، أبو عبيد، تحقيق: مصطفى السقا، طبع: عالم الكتب، بیروت - لبنان.

118. معجم معالم الحجاز لعاتق البلادي، ط 1، ط دار مكة المكرمة.

119. معجم مقاییس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زکریا (ت 395 ه)، طبع: دار الفكر لسنة 1399 ه، 1979 م، بیروت - لبنان.

ص: 165

120. المغازي للواقدي، أبو عبد الله محمد بن عمر السهمي الأسلمي المدني المعروف ب(الواقدي) (ت: 207 ه)، تحقيق: د. عمر جرش، طبع: عالم الكتب لسنة 1404 ه، 1984 م، بیروت - لبنان.

121. مقاصد القران الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتاخرین، د. عیسی بو عكاز، كلية العلوم الإسلامية - جامعة باتنة، مجلة الأحياء، العدد 20 - لسنة 2017 122. مقدمة فتح الباري، ابن حجر، ط 1، نشر: دار إحياء التراث العربي، 1408 ه، 1988 م، بیروت.

123. المقنعة، الشيخ المفيد (ت: 413 ه)، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1410 ه)، 1990 م، ط 2، قم المقدسة - إيران.

124. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، (ت: 381 ه)، تح: تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ط 2، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

125. المناقب لابن شهر آشوب، مطبعة المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف - العراق لسنة 1376 ه.

126. منتهى المطلب (ط. ج)، العلامة الحلي، (ت 726 ه)، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، ط 1، لسنة: 1412 ه، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية - إيران - مشهد.

ص: 166

127. المنجد في الأعلام، بولس موترد - لویس معلوف - كرم البستاني، ط 21.

128. منهاج الأشاعرة في العقيدة، الشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي، طبع مکتبة العلم ط 1 القاهرة مصر.

129. منهاج السنة، أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (ت: 728 ه)، تح: محمد رشاد سالم، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط 1، 1406 ه - 1989 م.

130. المهذب: عبد العزيز ابن البراج الطرابلسي، تحقيق مؤسسة سید الشهداء، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، د ط، 1406 ه، 1 / 435.

131. النسق الثقافي في الكتابة، عبد الرحمن عبد الدايم، جامعة مولودي كلية الآداب؛ الجزائر.

132. نصب الراية لأحاديث الهداية، عبد الله بن يوسف أبو محمد الحنفي الزيلعي (ت: 762 ه) تحقیق ومراجعة: محمد یوسف البنوري، الناشر: دار الحديث، مصر، 1357.

133. نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري، (ت: 733 ه)، المطبعة: مطابع گوستاتسوماس وشركاه، الناشر: وزارة الثقافة والارشاد القومي المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر.

134. النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، الشيخ الطوسي، (ت: 460 ه)، الناشر:

ص: 167

انتشارات قدس محمدي - قم.

135. نهج البلاغه، خطب الإمام علي (ع)، (ت 40 ه)، تحقيق: الشيخ محمد عبده، ط 1، لسنة: 1412 - 1370 ش، الناشر: دار الذخائر - قم - إيران.

136. نيل الأوطار من أسرار المنتقى الأخبار، محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت 1250 ه)، تحقيق: أحمد محمد السيد، تخريج الأحاديث: يوسف علي بديوي، طبع: دار الكلم الطيب، دمشق - سوريا.

137. الوافي بالوفیات، صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي (ت: 764 ه)، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، الناشر: دار إحياء التراث - بیروت، 1420 ه - 2000 م.

138. الوافي، الفيض الكاشاني، (ت: 1091 ه)، تح: الأصل ضیاء الدين الحسيني «العلامة» الأصفهاني، ط 1، أول شوال المکرم 1406 ه. ق 19، 3، 65 ه. ش، مط: طباعة أفست نشاط أصفهان، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليّ (ع) العامة - أصفهان 139. وسائل الشيعة (آل البيت عليهم السلام)، الحر العاملي، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط 2، 1414 ه، 1993 م، قم المقدسة - إيران.

140. وسطية أهل السُنّة بين الفرق (رسالة دكتوراه)، محمدبا کریم محمد با

ص: 168

عبد الله، الناشر: دار الراية للنشر والتوزيع، ط 1، 1415 ه - 1994 م.

141. وفيات الأعيان، ابن خلکان، تحقيق: إحسان عباس، نشر : دار الثقافة، بيروت - لبنان 142. ويكيبيديا العربية، مشروع موسوعة إنترنت، 9 يوليو 2003.

143. اليحموم، فرس جبرائیل (عليه السلام) في عاشوراء، السيد نبيل الحسني، طبع: قسم الشؤون الفكرية - العتبة الحسينية المقدسة لسنة 1434 ه، 2012 م، ط 2، کربلاء المقدسة - العراق.

ص: 169

ص: 170

المحتويات

مقدِّمة الكتاب...9

الفصل الأول: مصطلحات الدراسة ومناهلها المعرفية...25

المبحث الأول: المعنى اللغوي والاصطلاحي لمفردات عنوان الدراسة 27

المسألة الأولى: معنى التأويل، والمرتكز، والفكر، والفهم في اللغة والاصطلاح...27

أولاً: معنى التأويل ومفهومه...27

ثانياً: معنى المرتكز ومفہومه...30

ثالثاً: معنى الفكر ومفهومه...32

رابعاً: معنى الفكر في الاصطلاح...33 المسألة الثانية: معنى الفهم ومفهومه في اللغة والاصطلاح والفرق بينه وبين العلم 34

أولاً: الفهم لغة...34

ثانياً: معنى الفهم في الاصطلاح...35 ثالثاً: الفرق بين الفهم والعلم...35 المبحث الثاني: مصطلحات عنوان الدراسة وبيان معناها ومفهومها 37 المسألة الأولى: معنى السُنَّة ومفمومها...37

أولاً: السُنَّةُ لُغَةً...37

ص: 171

ثانياً: السُنَّةُ اصْطِلاحَاً...38

ثالثاً: حجية السُنّة المطهرة...41

المسألة الثانية: معنی مصطلح أهل السنة والجماعة ومفهومه...43

أولًا: تباين الأقوال في معنى المصطلح:...43

ثانيًا: اضطراب المفهوم ومناقضته للحقيقة الشرعية:...50

المسألة الثالثة: معنى المقاصدية ومفهومها...57

أولاً: معنى القصد والمقاصدية في اللغة...57

ثانياً: القصد والمقاصدية في الاصطلاح...60

ثالثاً: مفهوم مقاصدية القرآن والسُنّة...60

المبحث الثالث: مشكلة الدراسة ونوعها وحقولها المعرفية ومناهج البحث 67 المسألة الأولى: مشكلة الدراسة وهدفها...67

أولا: مشكلة الدراسة...67

ثانيًا: هدف الدراسة...68

المسألة الثالثة: حقول الدراسة...70 المسألة الرابعة: مناهج البحث...70 الفصل الثاني: أموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ونوعها وما صادره أبو بكر وما تركه منها...71

ص: 172

المبحث الأول: أموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) في المدينة التي صادرها أبو بكر وهي ذات الموارد الاقتصادية والمالية...73

المسالة الأولى: الحوائط السبعة، (أرض العوالي التي كانت لمخيريق اليهودي)...73

المسالة الثانية: أرضه من أموال بني النضير...76

المسالة الثالثة: ثلاثة حصون من خيبر: (الوطيح والسلالم و الكتيبة)...77

أولاً: إنّ حصن الوطيح والسلالم جاءتاه (صلی الله علیه وآله وسلم) صلحاً فهما مما أفاء الله عليه...77

ثانياً: القيمة الاقتصادية لحصن الكتيبة الذي جاء للنبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بخمس الغنيمة...78

المسالة الرابعة: أرض فدك وقيمتها الاقتصادية...82

أولاً: التعريف بفدك...83

ثانياً: قيمتها الاقتصادية...84

المسالة الخامسة: الثلث من أرض وادي القرى...85

المسالة السادسة: موضع سوق بالمدينة يقال له: مہروذ أو مهروز...86

المبحث الثاني: أموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) من الأنعام والسلاح والمتاع التي تركها أبو بكر فورثتها فاطمة (علیها السلام)...87

المسالة الأولى: أموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) من الأنعام والسلاح والمتاع...87

أولاً: عدد خیل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وأسمائها...87

ثانياً: عدد نوق رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وأسمائها...94

ثالثاً: عدد الماعز والشياه التي كانت لرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وأسمائها...94

رابعًا: البغلتان اللتان كانتا لرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وحماره وأسمائها...95

ص: 173

المسالة الثالثة: سلاح رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)... 98

المسألة الرابعة: لباس رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ومتاعه وفراشه...100

الفصل الثالث: علة امتناع فاطمة (علیها السلام) عن المطالبة بأموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) من الأنعام والسلاح والمتاع!...107

المبحث الأول: مصادرة أبي بكرلأموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ذات الموارد الاقتصادية دون المعيشية...109

المسألة الأولى: انقسام أموال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) إلى صنفين...109

أولًا: أمواله (صلی الله علیه وآله وسلم) ذات الموارد المالية والاقتصادية...109 ثانيًا: أمواله (صلی الله علیه وآله وسلم) الاستهلاكية والمعيشية...110

المسألة الثانية: إن الصنف الأول من هذه الأموال منعه أبو بكر عن البضعة النبوية (علیها السلام) وصادره منها وترك الصنف الثاني...111

المبحث الثاني: محاولة أعلام أهل السُنّة ترميم فعل أبي بكر وتصويبه بمصادرته الموارد المالية من فاطمة (علیها السلام) دون المعيشية وتأويلاتهم في ذلك 115 المسألة الأولى: تأويل القاضي عياض والحافظ النووي لمصادرة أبي بكر الموارد المالية من فاطمة (علیها السلام) دون المعيشية...115

المسألة الثانية: تأويل ابن حجر العسقلاني في مطالبة العباس بن عبد المطلب والإمام علي (علیه السلام) بإرث النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بانه يوّرث ببعض ماله دون بعض!!...123

المسألة الثالثة: تأويل ابن المنير الاسكندري في أخذ أبي بكر لخاتم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو لا يورث...126

ص: 174

المسألة الرابعة: تأويل الحافظ العيني وأبن التين التونسي وأبن بطال بمصادرة الموارد المالية من فاطمة (علیها السلام) دون المعيشية...135

نتائج الدراسة...143

المصادر والمراجع...149

ص: 175

ص: 176

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.