صلاح الراعي وإصلاح الرعية قراءة في عهد الإمام علي (علیه السلام) إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه)

هوية الکتاب

صلاح الراعي وإصلاح الرعية قراءة في عهد الإمام علي (علیه السلام) إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه)

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 9789933582173 1737 لسنة 2017 م مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.

ISBN 978-933-582- 17-3

رقم تصنيف BP38.09.A4 K4 2017 :LC. المؤلف الشخصي: الخفاجي، عبد الزهرة جاسم. العنوان: صلاح الراعي وإصلاح الرعية: قراءة في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه). بیان المسؤولية: تأليف الدكتور عبد الزهرة جاسم الخفاجي، تقديم السيد نبيل الحسيني الكربلائي. بيانات الطبعة: الطبعة الأولى. بيانات النشر:

کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1438 ه = 2017 م.

ص: 1

اشارة

ISBN 978-933-582- 17-3 رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 9789933582173 1737 لسنة 2017 م مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.

رقم تصنيف BP38.09.A4 K4 2017 :LC. المؤلف الشخصي: الخفاجي، عبد الزهرة جاسم. العنوان: صلاح الراعي وإصلاح الرعية: قراءة في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه). بیان المسؤولية: تأليف الدكتور عبد الزهرة جاسم الخفاجي، تقديم السيد نبيل الحسيني الكربلائي. بيانات الطبعة: الطبعة الأولى. بيانات النشر:

کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1438 ه = 2017 م.

الوصف المادي: 129 صفحة. سلسلة النشر: دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) وحدة العلوم الاجتماعية؛ 8 - مؤسسة علوم نهج البلاغة. تبصرة عامة: تبصرة ببيلوغرافية: الكتاب يتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 111-125). تبصرة محتويات: موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 359 - 406 هجرياً - نهج البلاغة، عهد مالك الأشتر. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - أحاديث. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - رسائل. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - سياسته وحكومته. موضوع شخصي: مالك بن الحارث الأشتر النخعي، توفي 39 للهجرة - نقد و تفسیر. مصطلح موضوعي: التاريخ الإسلامي - عصر صدر الإسلام. مصطلح موضوعي: الإسلام والدولة. مصطلح موضوعي: الشيعة والدولة. مصطلح موضوعي: نظام الحكم في الإسلام. مصطلح موضوعی زمنی: عصر صدر الإسلام - الأحوال الاجتماعية. مؤلف إضافي: الحسني، نبيل قدوري حسن، 1965 م، مقدم. مؤلف إضافي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 359-406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر. عنوان إضافي: نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر.

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) وحدة العلوم الاجتماعية (8) صلاح الراعي واصلاح الرعية قراءة في عهد الإمام علي (علیه السلام) إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه) تأليف م. د. عبد الزهرة جاسم الخفاجي

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1438 ه - 2017 م العراق - كربلاء المقدسة - شارع السدرة مجاور مقام علي الأكبر مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع الألكتروني: www.inahj.org الإيميل: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة:

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (عليهم السلام أجمعين).

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لَحديث الثقلين «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

ص: 5

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) لمالك الأشتر (عليه الرحمة والرضوان) إلا أنموذجاً واحداً من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية والتي اكتنزت في متونها الكثير من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.

من هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلاً معرفيا ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره، متّخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية والموسومة ب (سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)، التي ستصدر بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية

ص: 6

بتلك الدراسات العلمية والتي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

والبحث الموسوم ب (صلاح الراعي وإصلاح الرعية قراءة في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) واحد من بين هذه الدراسات التي اهتمت بالحقل الاجتماعي الذي زخر به العهد الشريف فبيّن أن العلاقة الإصلاحية لا تقتصر على الرعية بل تبدأ بالراعي وتنتهي بالرعية بنسب محددة وأسس ثابتة.

فجزى الله الباحث كل خير فقد بذل جهده وعلى الله أجره والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 7

ص: 8

المقدمة:

الحمد لله حمد الشاکرین والشكر لله شكر الذاکرین والصلاة وأتم التسليم على خاتم النبيين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وبعد.

شهدت الفترة التي سبقت خلافة الامام علي (عليه السلام) مزيجاً من الفتن واضطراباً في أنظمة الحكم التي اعتمدت القوة والقسوة للتوسع و تثبيت حكمها کما اعتمدت مبدأ الأَثَرَة في توزيع الفيء بخلاف ما كان عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله). إذ حصل ابتعاد عن نهج النبوة، وحصلت أوضاع لم يكن أكثر الصحابة يحبذونها ويرضون عنها، وقد بلغ الانحراف أوجَّه في حکم عثمان لأن بطانة قد التفت حوله من أقربائه، الذين كانوا محل ثقته، وهؤلاء أساؤوا استغلال ثقة لو لم

ص: 9

الحاكم بهم، فتلاعبوا بالثروات والمناصب مما سبَّب حالة من الغضب في أوساط من الرعية، انتهى بمقتل عثمان. وفي خِضمِّ هذه المعطيات قبل الإمام علي (عليه السلام) اختيار الأمة له خليفة للمسلمين على أن تكون حريته مطلقة في الإصلاح والتغيير.

إنَّ أهم مايتميز به الإمام علي (عليه السلام) أنه يمتلك أهم عناصر الإصلاح وهما: المبادرة والتصدي كما أنَّه كان يُقرن القول بالفعل وكان منهجه في الإصلاح يقوم على ثنائية (الراعي والرعية): «فَلَیْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِیَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاةِ وَ لَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ إِلَّا بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِیَّةِ» ولذلك كانت أُولى خطواته في إصلاح ما أفسده الذين سبقوه على المستوى الإداري هو التغيير الشامل للولاة وعلى المستوى الاجتماعي هو إلغاء مبدأ الأَثَرَة والعودة إلى مبدأ الأُسوة في توزيع الفيء مخاطباً الناس قائلاً: «فأما هذا الفيء فليس لأحد على أحد فيه أثرة وقد فرغ الله من قسمته فهو مال الله، وانتم عباد الله المسلمون».

ص: 10

وقد وجد الإمام علي (عليه السلام) أنَّ نجاح مشروعه الإصلاحي يتطلَّب ثقافة تدعمه وتشجع الناس على ترك ما اعتادوا عليه من عادات سيئة وتُحصِّنهم من القِوى التي تقف بوجه الإصلاح. فأولى تثقيف الأُمة اهتماماً بالغاً وكان متميزاً بهذا الجانب ويكاد لا يخلو مصدر من مصادر التراث العربي والإسلامي من كلام له (عليه السلام). وقد بادر الشريف الرضي (ت 406 ه) رحمه الله فاختار من هذا الكلام وجَمَعَه في كتاب أسماه نهج البلاغة.

ويُعَدُّ عهده المالك الأشتر (رضي الله عنه) لمّا ولاّه مصر من أهم وأطول کُتُبه (عليه السلام). ومع انّه (عليه السلام) أراد من العهد أن يكون توجيهاً لأحد ولاته في ممارسة ما عُهِد إليه من الأمور وبيّن له الإطار الإسلامي الذي يتكفّل بإرساء حكومة العدل الإلهي، والتأسيس لنظام إداري و حقوقي يبدأ من الحاكم نفسه إلّا أنّ الواقع يفيد شمول هذا العهد لكافّة الأفراد وفي كلّ عصر ومصر. وهذا ما جعله من أهمّ المصادر التي تُستسقى منه المبادئ التي تُنير طريق الولاة في إدارة ما

ص: 11

تَولَّوه، في كلِّ زمان، وفي كلّ مكان.

ما يعانيه المجتمع الإنساني بشكل عام والمجتمع الإسلامي بشكل خاص وما في العراق بشكل اخص فيما يتعلق بولاة الأمور (الرعاة) والمجتمع (الرعية) من سوء إدارة صارت فيه مفردة الفساد تتردد على ألسن الجميع بشكل يؤشر على أنّ الفساد صار ظاهرة تنخر في أركان الإدارة والمجتمع. صارت الحاجة ملحة للعودة الى ذلك المعين الثر لاصلاح ما فسد.

في عهده لمالك الأشتر (رضي الله عنه) قدم الإمام علي (عليه السلام) مشروعا متكاملا لإصلاح الراعي والرعية. رسم فيه اختيار (الراعي) الصالح وما يجب عليه لرعيته ووضع فيه تصورا للرعية ومشكلاتها ووضع الحلول الواقعية لتلك المشكلات.

لقد كُتِبَ الكثير بشان عهد الإمام (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) إلاّ اننا نجد أنّ هذا الأثر الخالد ما زال يرفدنا بما نحتاج إليه كلما دعت الحاجة إلى ذلك وفي مختلف مجالات الحياة. فهو دستور دائم

ص: 12

يستمد ديمومته من فكر الإمام علي (عليه السلام) الذي لم يبلغ احد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما بلغه. يؤكد ذلك قول الامام الحسن (عليه السلام) يوم نعاه للناس: «قَدْ قُبِضَ فِی هَذِهِ اَللَّیْلَةِ رَجُلٌ مَا سَبَقَهُ اَلْأَوَّلُونَ وَ لاَ یُدْرِکُهُ اَلْآخِرُونَ».

وقد خصص هذا البحث لجوانب من عهده لمالك الأشتر (رضي الله عنه) لما فيه من فائدة للإنسانية بشكل عام وما تعانيه أمتنا بشكل خاص وفي هذا البحث محاولة لإعادة قراءة عهد الإمام (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) ودراسة لبعض ما جاء فيه خاصة فيما يتعلق بصلاح الراعي بوصفه يسوس الأمة ومنهج الامام علي (عليه السلام) في اعداده لِيُصلِح عبره الرعية ولذلك جاء البحث تحت عنوان [صلاح الراعي وإصلاح الرعية - قراءة في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه)] وليتحقق الهدف المنشود من البحث فقد جاء في مقدمة وثلاثة مباحث و خاتمة وعلى النحو الآتي:

ص: 13

المقدمة: للتعريف بالبحث

المبحث اول:- مدخل سُلِّط فيه الضوء على عناصر أساسية في البحث هي: مالك الأشتر (رضي الله عنه)، و العهد، وبيان أهمية مصر.

المبحث ثاني:- تعريف الصلاح ومن هو الراعي وتناول بعض ما جاء في العهد عن صلاح الراعي.

المبحث ثالث:- تعريف الإصلاح وبين المقصود بالرعية وإصلاحها عبر ما جاء في العهد.

الخاتمة:- وفيها عَرض ما توصل اليه الباحث.

ص: 14

المدخل:

إنَّ بيان معاني الألفاظ ومدلولاتها من مضانها يُعد من أهم المرتكزات التي تمكن الباحث من تشکیل تصور عام للأفكار التي يطرحها فَتتوضَّح لَديه الخطوط العريضة لموضوع الدراسة كما تساعده على ديمومة التواصل مع موضوعه وفكرته الأساسية لذلك تم تسليط الضوء في هذا المبحث على الألفاظ التي تشكل موضوع البحث وهي:

مالك الأشتر (رضي الله عنه):

هو «مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلّمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة بن سعد بن مالك بن النخع من مذحج»(1).

ص: 15


1- ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع البصري (ت 230 ه) الطبقات الکبری، بیروت، دار صادر، 1957 م، 213/6؛ ابن حجر أحمد بن علي (ت 852 ه) الإصابة في تمييز الصحابة، بيروت - المكتبة العصرية، ط 1-1433 ه، رقم 7660، ص 1312؛ الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 ه) سير أعلاء النبلاء، تحقيق: شعیب الأرنؤوط، بیروت، مؤسسة الرسالة، ط 2 - 1982 م، 4/ 34

إنّ التعرف على شخص مالك الأشتر (رضي الله عنه) ومعرفة أبعاد وخصائص هذه الشخصية تمكننا من الوقوف على سبب اختيار الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) له لتولي إدارة مصر في مثل ذلك الوضع الصعب بدلاً من محمد بن أبي بکر (رضي الله عنه) ولا بد أنّ يكونَ لمالك شخصية جديرة بثقة الإمام علي (عليه السلام) وقد كان كذلك فقد قال فيه عليه السلام: «كان الأشتر لي كما كنت لرسول الله»(1).

ص: 16


1- القمي عباس (ت 1359 ه) سفينة البحار، قم، دار الأسوة، ط 2 - 1416 ه، 388/4؛ ابن شهر آشوب، أبو جعفر محمد بن علي (ت 588 ه) مناقب آل أبي طالب، تحقيق: يوسف البقاعي بيروت، دار الأضواء ط 2، 1412 ه- 291/1؛ ابن أبي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله (ت 656 ه) شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، بیروت، دار احیاء الكتب العربية، ط 2، 1965 م، 15/ 98، العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر (ت 726 ه) خلاصة الأقوال، تحقيق: جواد القیومي، قم، نشر الفقاهة، ط 4، 1431 ه، ص 277

بهذه الكلمات نوَّه أمير المؤمنين (عليه السلام) بِمَقام «مالك بن الحارث النخعي»(1) (رضي الله عنه) عنده. والنَخَعي نسبة إلى النخع(2).

لم يُعرَف الكثير عن مالك قبل الإسلام کما لم تُحدد المصادر التي تناولت سيرته تاريخ ميلاده واكتفت بالقول: «وُلِد قبل الإسلام بقليل.. قبل بعثة النبي بعقدين او مايزيد عن ذلك قليلا»(3) واسلم على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله) ولكن لم يُذكر متى اسلم. فهو وإن عاصر النبي لكنه لم يره أو يسمع حديثه، وقد عُدَّ من التابعيين، وكان صاحب دين وقد

ص: 17


1- سير أعلام النبلاء، 4/ 34
2- النخع: وهي قبيلة يمانية من أكبر بطون بني مذحج، وكانت تسكن في وادي بيشة في اليمن، وقد دخلت في الإسلام ونبغ منها صحابة كبار، وكان أبرزهم مالك بن الحارث الأشتر. علي الكوراني سلسلة القبائل العربية، ج 10
3- الأمين، محسن، أعيان الشيعة، تحقيق حسن الأمين، بیروت، دار التعارف 1983 م، 41/9

ذُكر عند رسول الله (صلى الله عليه واله) فقال فيه: «انه المؤمن حقّاً»(1).

كما كان من الذين قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «عصابة من المؤمنين» الذين شهدوا موت أبي ذر الغفاري(2).

وقد شخص فيه الإمام علي (عليه السلام) هذه الخصلة عندما قال له: «فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَی إِقَامَةِ الدِّینِ وَأَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ الْأَثِیمِ...»(3).

اشتهر (بالأشتر)(4) حتى غلب هذا اللقب على اسمه وقد لحق به هذا اللقب جراء إصابة عينه في معركة اليرموك قرب حمص وهي المعركة التي دارت بين المسلمين والروم سنة (13 ه)، وكان قد برز إلى

ص: 18


1- أعيان الشيعة، 1/ 49
2- شرح النهج، 15/ 99؛ سفينة البحار، 4/ 379
3- سفينة البحار 4/ 384
4- الشَّترَ: انشقاق جفن العين وبه سمي الأشتر النخعي. ابن درید الاشتقاق ص 297

ماهان قائد جيش هرقل «فأخرج ماهان عموده و ضرب به مالكاً على البيضة التي على رأسه فغاصت في جبهة مالك فشترت عينه، فمن ذلك اليوم سمي بالأشتر»(1). کما لقب «بكبش العراق»(2) لأنّه المقدم على جيش الإمام علي (عليه السلام) و حامل رایته.

لم تكن علاقته مع الإمام علي (عليه السلام) مبنية على أسس شخصية وإنما على أساس الإيمان الصادق برسالة الإسلام وبنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وهذا ما عبر عنه مالك (رضي الله عنه) بنفسه قائلا: «فوالله إنا لنعلم أنه ما على ظهر الأرض وصي نبي سواك، وإنّا لنعلم أن الله لا يبعث بعد نبینا (صلى الله عليه وآله) نبياً سواه، وإن طاعتك لفي أعناقنا موصولة بطاعة

ص: 19


1- الواقدي، عمر بن واقد (ت 207 ه) فتوح الشام، تصحیح: عبد اللطيف عبد الرحمن، بیروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1997 م 215/1 ؛ الطبري، محمد بن جریر (ت 310 ه) تاريخ الطبري تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مصر، دار المعارف، ط 2، 74/3
2- المنقري، نصر بن مزاحم (ت 212 ه) وقعة صفين، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، بیروت، دار الجيل، 1990 م، ص 484

نبينا»(1).

وكانت علاقة متميزة فقد ثبت مع الإمام علي (عليه السلام) عندما تخاذل أصحابه عنه وفرّ بعضهم إلى معاوية فخاطبه حينها الإمام (عليه السلام) قائلا: «أنت من آمن الناس عندي و أنصحهم لي وأوثقهم في نفسي إن شاء الله»(2).

وقد شخص فيه الامام علي (عليه السلام) خصالاً قلّما تجتمع لغيره: «كان ممن لا يخاف وهنه ولا سقطته، ولا بطؤه عما الاسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل»(3).

يعزز من هذه الصفات النصح في علاقته مع

ص: 20


1- البحراني، السيد هاشم (ت 1109 ه)، بغية المرام وحجة الخصام تحقيق: علي عاشور، بیروت، مؤسسة التاريخ العربي، ط 1-2001 م 318/4؛ العاملي، جعفر مرتضی، الصحیح من سيرة الإمام علي المركز الإسلامي للدراسات، ط 1 - 2009 م، 26/21
2- سفينة البحار 4/ 379
3- الأميني، عبد الحسين أحمد، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، بيروت - الأعلمي، ط 1 - 1994 م، 9/ 60

الإمام (عليه السلام) فقد قال فيه: «كان رجلا لنا ناصحًا وعلى عدونا شديدا»(1).

لم يكنْ مالك الأشتر (رضي الله عنه) في معزل عن الأحداث التي عصفت بالأمة الإسلامية فقد كان رافضاً للظلم أيّاً كان مصدره وكان معارضاً لسياسة ولاة عثمان المتعسفة فكان رده بليغاً على سعيد بن العاص والي الكوفة يوم قال: «إِنَّمَا السواد بستان لقریش، فَقَالَ له الأشتر: أتجعل مراكز رماحنا وَمَا أفاء الله عَلَيْنَا بستانًا لَك ولقومك؟ والله لو رامه أحد لقرع قرعا يتصأصأ منه»(2).

الأمر الذي ترتب عليه نفي الأشتر (رضي الله عنه) وأصحابه إلى الشام کما کتب إليه عثمان يتوعده: «إني لأراك تضمر شيئًا لو أظهرته لحلّ دمك، وَمَا أظنك منتهیًا حتى تصيبك قارعة لا بقيا بعدها، فَإِذَا أتاك

ص: 21


1- شرح النهج، 6/ 124
2- البلاذري، أحمد بن يحيى (ت 279 ه)، أنساب الأشراف، تحقيق: سهیل زکار وریاض زرکلی، بیروت، دار الفکر، ط 1 - 1996 م، 5/ 925

كتابي هَذَا فسر إِلَى الشام لإفسادك من قبلك وأنك لا تألوهم خبالًا»(1).

ولذلك كان من اشد المعارضين لسياسة عثمان بن عفان و كان من قادة وفد الكوفة إلى عثمان سنة 35 ه(2)، وقد دعاه عثمان لمعرفة ما يريد الناس قائلاً له: «يا أشتر ما يريد الناس مني؟ قال: ثلاثاً ليس لك من إحداهنّ بدٌ، قَالَ: مَا هُنّ؟ قَالَ: يخيّرونك بين أن تخلع لهم أمرهم فتقول: هذا أمرکم فاختاروا له من شئتم، وبين أن تقصّ من نفسك فإن أبيت هاتين فإنّ القوم قاتلوك قال: أما من إحداهنّ بدٌ؟ قال: لا»(3). وانتهت الأحداث بمقتل عثمان.

بعد مقتل عثمان بن عفان تهافت الناس على الإمام علي (عليه السلام) يطلبون مبايعته، فامتنع قائلاً لهم: دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه

ص: 22


1- م. ن
2- تاريخ الطبري، 4/ 349
3- طبقات ابن سعد، 3/ 273

وألوان، لا تقومُ له القلوب، ولا تثبتُ عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامَتْ، والمحجة قد تنکَّرتْ، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل، وعتب العاتب...»(1).

ولكن بعد إصرارهم على مبايعته قبلها (عليه السلام) و کان قبوله مشروطاً فقد قال (عليه السلام): «إنَّکُمْ قَدِ اخْتَلَفتُمْ إلَیَّ وأتَیْتُمْ، وإنّی قائِلٌ لَکُمْ قَوْلاً إنْ قَبِلْتُموهُ قَبِلْتُ أمْرَکُمْ، وإلّا فَلا حاجَهَ لی فیهِ»(2).

قالوا: ما قلت قبلناه إنْ شاء الله فجاء فصعد المنبر فاجتمع الناس إليه فقال: إني قد كنت کارها لأمركم فأبيتم إلّا أنْ أكون علیکم إلّا وإنه ليس لي أمر دونكم إلّا أن مفاتيح مالكم معي ألا وإنه ليس لي أنْ آخذ منه

ص: 23


1- الصالح، صبحي، نهج البلاغة، القاهرة، دار الكتاب المصري، ط 4، 2004 م، ص 136
2- العسكري، مرتضیم، عالم المدرستين، القاهرة، مكتبة مدبولي، ط 5، 1993 م، 1/ 142؛ المتقي الهندي، علاء الدين علي (ت 975 ه) کنز العمال، تصحیح: صفوة السقا، بیروت، مؤسسة الرسالة، ط 5، 1985، ح 2471، 3/ 161

درهما دونكم رضيتم؟. قالوا: نعم. قال: اللّهم اشهد عليهم ثم بايعهم على ذلك(1). فتمت البيعة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة المنوّرة يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين للهجرة.

لاشك إنّ إصرار الإمام علي (عليه السلام) على وضع أمر مال المسلمين بيده أثار شكوك ولاة عثمان الذين سخّروا جهاز الحكم لمصالحهم الخاصّة، وأُثروا ثراءاً فاحشاً ممّا اختلسوه من بيوت المال، ووجوه بني أُميّة وعشائر قريش وأيقنوا أنّ الإمام (عليه السلام) سيصادر الأموال التي منحها لهم عثمان بغير حقّ...

وسرعان ما بدأت المؤامرات تحاك للوقوف بوجه المشروع الإصلاحي للإمام علي (عليه السلام) فكانت بدايتها في مكة المكرمة بقيادة عائشة وطلحة والزبير؛ فنكثوا البيعة وخرجوا إلى البصرة بمن معهم من بني أمية ومَن حولهم. وكانت الأخبار تصل تباعاً إلى الإمام

ص: 24


1- ينظر: تاريخ الطبري، 4/ 428

(عليه السلام) بما دُبِّر في مكة، ثم بخروج عائشة بمن معها.

أمَرَ الإمام (عليه السلام) بأن ينادي في الناس بالتأهب للمسير إلى العراق. فأتاه من یعتذر إليه من الخروج، بحجة أنّ هذه فتنة، أو بأنهم لا يقاتلون مسلماً. وكان لمالك الأشتر (رضي الله عنه) موقف يختلف عن الآخرين إذ لما بلغه نداء الإمام علي (عليه السلام) أسرع إليه وقال له: «يا أمير المؤمنين، إنّا وإن لم نكن من المهاجرين والأنصار، فإنا من التابعين بإحسان. وإنّ القوم وإن كانوا أولى بما سبقونا، فليسوا بأولى بما شركناهم فيه. وهذه بيعة عامة، الخارج منها طاعن مستعتب. فحُضّ هؤلاء الذي يريدون التخلف عنك باللسان، فإن أبوا فأدبهم بالحبس»(1).

ومن هنا صارت مواقف الأشتر (رضي الله عنه) واضحةً جَليَّة المعالم؛ فأصبح جُندياً مخلصاً لأمير

ص: 25


1- الدينوري، أبو حنيفة أحمد بن داود (ت 282 ه) الأخبار الطوال تحقيق: عبد المنعم عامر، القاهرة، دار إحياء الكتاب العربي، ط 1 - 1960 م، ص 143

المؤمنين (عليه السلام)، ولم يفارقه قطٌّ ولازمه في كل معارکه فقد تولى أمر تحشيد الناس في الكوفة بعد أن استأذن الإمام قائلا له: «فإن رأيت جُعلت فداك أن تبعثني في أثرهم فإن أهل الكوفة أحسن لي طاعة وإن قدمت عليهم رجوت أن لا يخالفني أحد منهم»(1). فأذِن له. وكانت مواقفه مشهودة في حرب الجمل، أمّا في صفين فكادت تكون نهايتها على يديه لولا خدعة رفع المصاحف فقد كان على (عدوة فرس) من النصر ولكنه رضي بما رضي به أمير المؤمنين (عليه السلام)(2).

كان معاوية يحسب للأشتر (رضي الله عنه) حسابه. وكان يعده من أخلص أصحاب علي (عليه السلام) فقد عده ضمن الخمسة الذين قنت عليهم وهم: علي والحسن والحسين - عليهم السلام - وعبد الله بن عباس

ص: 26


1- المفيد، أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت 413 ه) الجمل، ط 1 - 1403 ه، ص 135
2- ينظر: المنقري، نصر بن مزاحم (ت 212 ه) وقعة صفين تحقيق: عبد السلام هارون، بیروت، دار الجيل، 1990 م، ص 492

والأشتر ولعنهم»(1)، حتى انه قد ساءه عندما سَمَعَ أخبار إرسال علي (عليه السلام) مالك الأشتر (عليه السلام) لولاية مصر وكان معاوية يعتقد إنَّ الأشتر (رضي الله عنه) لو وصل إلى مصر لم يعد لمعاوية أمل في استمالتها لجانبه لذلك بذل طاقته في منعه من الوصول اليها وقد كان له ذلك على يد رأس أهل الخراج المقيم في (القُلزُم)(2) حيث بعث إليه معاوية كتابا جاء فيه: «إنّ عليا قد بعث بالأشتر إلى مصر وإن کفیتنيه سوغتك خراج ناحيتك ما بقيت، فاحتل في قتله بما قدرت عليه»(3).

فاحتال الدهقان «وحمل إليه طعاما دس في جملته عسلا جعل فيه سما، فلا شربه الأشتر قتله ومات من

ص: 27


1- شرح النهج، 15/ 98
2- القلزم بالضم ثم السكون ثم زای مضمومة وميم مدينة على ساحل بحر اليمن من جهة مصر ينسب البحر إليها. وفي هذا البحر بقرب القلزم غرق فرعون، وبينها وبين مصر ثلاثة أيام (المراصد)
3- المفيد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري (ت 413 ه) الامالي، دار التيار الحدید، 1/ 82

ذلك»(1) عندها «قال عمرو بن العاص: إن لله جنوداً من عسل»(2) وفي رواية ان معاوية هو الذي قال «إن الله جنوداً من عسل»(3) في حين يقول ابن كثير: «فلما بلغ ذلك معاوية وعمراً وأهل الشام قالوا: إن لله جنوداً من عسل»(4).

ولأهمية الأشتر فقد قال معاوية: «كان لعلي ابن ابي طالب يمينان قطعت احداهما يوم صفين - يعني عمار بن یاسر - وقطعت الأخرى اليوم - يعني مالك الاشتر»(5).

ص: 28


1- أمالي المفيد، 1/ 83
2- ابن عساکر، أبو القاسم علي بن الحسن (ت 571 ه) تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: محب الدين العمري، بیروت، دار الفكر، 1995 م، 56/ 386؛ أنساب الأشراف، 3/ 166
3- ياقوت الحموي، شهاب الدين أبي عبدالله (ت 626 ه) معجم البلدان، بیروت، دار صادر، 1956 م، 1/ 454
4- ابن کثیر، أبي الفداء اسماعيل (ت 774 ه) البداية والنهاية، تحقيق: محيي الدين أديب، بیروت، دار بن کثیر، ط 2، 2010 م، 7/ 346
5- الثقفي، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد (ت 283 ه) الغارات، تحقيق: عبد الزهراء الحسيني، بیروت، دار الأضواء، ط 1، 1987 م، ص 169؛ سفينة البحار 4/ 386

لقد صدق ابن أبي الحديد وهو يصف الاشتر (رضي الله عنه): «لله أم قامت عن الأشتر، لو إنّ إنسانا يقسم أن الله تعالى ما خلق في العرب و لا في العجم أشجع منه إلا أستاذه (عليا) عليه السلام لما خشيت عليه الإثم»(1).

ولذلك قال فيه الإمام (عليه السلام) وهو يخاطب أصحابه: «ليت فيكم إثنين مثله بل ليت فيكم مثله واحداً يرى في عدوي مثل رأيه»(2).

وقد أبَّنَه (عليه السلام) قائلا: «للهِ دَرُّ مالك! وما مالك؟! لو کان جَبَلاً لَکَانَ فِنْدا، و لو کَان حجَرٍاً لکان صَلْدا، أمَا وَ اللّٰهِ لیَهُدّنّ موتُك عالَما، و لیُفرِحَنَّ عالَما عَلی مِثلِ مالكٍ فلْتَبَكِ البواكي وهل موجود کمالك»(3).

ص: 29


1- شرح النهج، 1/ 424
2- القمي، عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم (ت 1359 ه) منازل الآخرة، ترجمة: حسين كوراني، سوريا دار التعارف، 1993 م، ص 124
3- الغارات، ص 170

وقال (عليه السلام): «لا أرى مثله بعده أبدا»(1).

ولذلك تتوقف الأقلام في مدح مالك (رضي الله عنه) عند مدح الإمام علياً (عليه السلام) فقد مدحه «ومَدْحُ الإمام أمام كل مَدْح ومن تصدّى للقول بَعْدَه فقد تعرَّض للقدح»(2)

إن في ما تقدم من مشاهد سيرة مالك الأشتر (رضي الله عنه) يعطي صورة عن إنّ الرجل كان من ذوي الحزم والحسم والإعتداد بالرأي لا يتردد إطلاقاً في اتخاذ الإجراء الكامل والحاسم فيما يرى أنّه الصواب وما يجب أنْ يكون. هذه الصفات التي أهلته ليكون مرشحَ الإمام علي (عليه السلام) لإدارة ولاية تعد الأهم بين ولايات الدولة الإسلامية، وعلى وفق منهج كان أنموذجا يتعدى حدود الدولة الإسلامية لو أتيح له التطبيق.

ص: 30


1- الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان (ت 413 ه) الإختصاص، تحقيق: علي أكبر غفاري، بیروت، مؤسسة الأعلمي، ط 1، 2009 م، ص 87
2- سفينة البحار، 4/ 387

عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه):

معنى العهد لغةً:

العَهْدُ: «الوَصِيَّةُ والأَمر قال اللهُ عز وجلّ: «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ».

وكذا قوله تعالى: «وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ».

وقال البيضاويُّ أَي أَمرناهما لكوني التوصيةِ بطريقِ الأمر. وقال شيخُنا: وجعل بعضُهُم العَهْدَ بمعنَی المَوْثِقِ إلا إذا عُدِّيَ بإِلى فهو حينئذٍ بمعنى الوصية»(1).

والعَهْدُ التقدُّم إِلى المرءِ في الشيءِ والعهد الذي يُكتب للولاة وهو مشتق منه»(2).

و«العَهْدُ... عَهِدَ إليه من باب فَهِم أي أوصاه ومنه

ص: 31


1- الزبيدي، محمد بن محمد بن عبد الرزاق (ت 1205 ه) تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: مجموعة من المحققين، بیروت، دار الهداية
2- ابن منظور، لسان العرب، تحقيق: عبد الله علي الكبير وآخرون، القاهرة، دار المعارف

اشتق العَهْدُ الذي يُكتب للولاة»(1).

معنى العهد اصطلاحا:

قال الجرجاني: «العهد: حفظ الشّيء ومراعاته حالًا بعد حال. هذا أصله ثمّ استخدم في الموثق الّذي يلزم مراعاته»(2).

اعتاد الإمام علي (عليه السلام) أن یکتب لولاته أوامر ووصايا يرجعون إليها في إدارة ولاياتهم بالرغم من معرفته الدقيقة لولاته إلاّ أنَّهُ كان حريصا على أنْ يُوجههم الوجهة الصحيحة عبر رسم الخطوط العريضة لما يجب ان تكون عليه سياساتهم في إدارة ولاياتهم «فقد کتبإلى محمد بن أبي بكر (رضي الله عنه) برنامجاً أخلاقياً لتهذيب النفوس وتطهير القلوب وتقوية عنصر التقوى

ص: 32


1- عبد الحميد، محمد محيي الدين، المختار من صحاح اللغة، القاهرة، المكتبة التجارية، ص 361
2- الجرجاني، علي بن محمد (ت 816 ه) معجم التعريفات، تحقيق: محمد صديق المنشاوي، القاهرة، دار الفضيلة، ص 134

في الإنسان»(1). وعهد الإمام علي (عليه السلام) هو كتاب كتبه لمالك الأشتر النخعي عندما قرر أن يوليه على مصر وأعمالها حين اضطرب أمر واليها محمد بن أبي بكر، وقد وصف بأنه أطول عهد كتبه الإمام وأجمعه للمحاسن(2).

وما يلاحظ على العهد انه جاء على فقرات تکون بدايتها على صيغة الأمر وهذا يعني أنَّ الإمام علياً (عليه السلام) أراد بذلك إلزام الوالي بتنفيذ ما جاء بالكتاب مشعرا إياه أن هناك عيناً تراقبه و لذلك تكررت عبارات التنبيه والتحذير في فقرات الكتاب. والعهد «نسيج وحده ومنه تعلّم الناس الآداب والقضايا والأحكام والسياسة»(3)

يتبين مما جاء في العهد إن غرض الإمام (عليه السلام) هو إصلاح الحُكم والحاكم وجوهر هذا

ص: 33


1- الشيرازي، ناصر مکارم، نفحات الولاية، إعداد: عبد الرحيم الحمراني، قم، سلیمان زاده، ط 2، 1426 ه، 10/ 280
2- يُنظر: صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 426
3- نفحات الولاية 10/ 281

الإصلاح هو العدل المنصف المعزز بالعفو المبتعد قدر المستطاع عن العقوبة

«ولا تندمن على عفوٍ ولا تبجحن بعقوبة»(1).

والذي عناه الإمام علي (عليه السلام) أن العفو والنصح وتعريف المخطيء بخطئه أفضل في بناء المجتمع السليم من العقوبة. مؤكدا على إنسانية العلاقة بين الراعي والرعية. القائمة على التسامح والرحمة والمواساة مشعرا الوالي أنه تحت عين المراقبة في حركاته وسكناته.

وأهمية هذا العهد أنه: «ناظر لجميع أبعاد وجهات الإدارة والتدبير الأمور الحكومة ويحتوي على أصول ثابتة وقواعد متماسكة لايطر عليها القدم، ولاتبلی أبداً وترسم في مضامينها كافة تفاصيل الحياة السياسية والإدارية في الحكومة الإسلامية»(2).

غير أنَّ العهد لم يصل إلى مصر وإنما «صار إلى

ص: 34


1- شرح نهج البلاغة، 17/ 32
2- نفحات الولاية، 10/ 280

معاوية لمّا سَمَّ الأشتر (رضي الله عنه) ومات قبل وصوله إلى مصر فكان ينظر فيه ويعجب منه»(1).

وقد كانت خسارة للإنسانية لأن الإمام (عليه السلام) أراد من العهد أن يكون خطاباً للحكام مسلمين وغير مسلمين عبر شخص مالك الأشتر (رضي الله عنه) كما أنّ العهد کُتب في زمن هو من أكثر أزمنة الدولة الإسلامية عدلاً للإنسان وإنصافاً لحقوقه؛ لأنه زمان خلافة الإمام علي (عليه السلام).

أهمية مصر:

كانت مصر غنيةً بجندها وثرية بخراجها فقد «جبا عمرو بن العاص مصر لعمر بن الخطاب أثني عشر ألف ألف دينار، فصرفه عنها عثمان بعبد الله بن أبي سرح فجباها أربعة عشر ألف ألف دينار»(2) «واستقر خراج مصر في أيام معاوية على ثلاثة آلاف ألف

ص: 35


1- الغارات، ص 160
2- ابن حوقل، کتاب صورة الأرض، بیروت: مكتبة الحياة، 1992، ص 128 - 129

دینار...»(1) وهو مبلغ كان يغطي العديد من النفقات التي كان يحتاجها معاوية في حربه ضد الإمام علي (عليه السلام)، وفي تثبيت حكمه وشراء الذمم أوكانت مصر في مقدمة الولايات التي انتفضت على عثمان فكان على رأس وفدها إليه «الغافقي بن حرب العكي»(2). وبعد أن تمت البيعة للإمام علي (عليه السلام) دخلت مصر في طاعته فعين قیس بن سعد والياً عليها «وخرج في سبعة من أصحابه حتی أتی مصر وقرأ عليهم کتاباً يعلمهم بمبايعته وطاعته وأنه أميرهم»(3).

وبدخول مصر في طاعة علي (عليه السلام) وانتصاره على الناكثين في البصرة وجد معاوية نفسه بين فكي كمّاشة؛ لذلك حاول استمالة مصر إليه بكل الوسائل فعرض على قيس ان ينقلب على الإمام علي (عليه السلام) «ويعظم قتل عثمان ويطوّقه علیًا،

ص: 36


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، بیروت: دار صادر، د. ت، 2: 233
2- تاريخ الطبري 4/ 348
3- ابن خلدون، عبد الرحمن (ت 808 ه) تاریخ ابن خلدون، بیروت: دار الفكر، 2000، 2/ 623

ويحضّه على البراءة من ذلك ومتابعته على أمره، على أن يوليه العراقين إذا ظفر ولا يعزله، ويولّي من أراد من أهله الحجاز كذلك ويعطيه ما يشاء من الأموال...»(1) لم يفلح معاوية في ماسعى إليه وباءت كل محاولاته بالفشل.

وبعد انصراف الناس من صفين انتظاراً لنتائج التحكيم بايع أهل الشام معاوية خليفة واختلف الناس بالعراق على الإمام علي (عليه السلام) فما كان لمعاوية هم إلاّ مصر فكان يرجو: «أن یکون إذا ظهر عليها ظهر على حرب علي، لِعِظم خراجها، قال: فدعا معاوية من كان معه من قريش.. ومن غيرهم ... فقال لهم: أتدرون لِمَ دعوتكم؟ إني قد دعوتكم لأمر مهم أحب أن يكون الله قد أعان عليه... فقال عمرو بن العاص: أرى والله أمر هذه البلاد الكثير خراجها والكثير عددها وعدد أهلها، أهمك أمرُها، فدعوتنا إذن لتسألنا عن رأينا في ذلك، فإن كنت لذلك دعوتنا، وله

ص: 37


1- المصدر السابق

جمعتنا، فاعزم وأقدم، ونِعم الرأي رأيت! ففي افتتاحها عِزُّكَ وعِز أصحابك، وكبت عدوك وذُلّ أهل الخلاف عليك»(1).

و كانت مصر في نفس عمرو بن العاص لأنه هو الذي فتحها في سنة تسع عشرة من الهجرة في خلافة عمر فكان لعظمها في نفسه و جلالتها في صدره و ما قد عرفه من أموالها و سعة الدنيا لا يستعظم أن يجعلها ثمنا من دِينِه. ولذلك ساوم معاوية عليها فقد قيل «كتب علي إلى عمرو، فأقرأه معاوية وقال: قدتری (ما كتب إلي علي)، فإما أن ترضيني، وإما أن ألحق به، قال: ما تريد؟، قال: مصر، فجعلهاله»(2).

وهكذا فان «عمرو بن العاص بایع معاوية على قتال علي بن أبي طالب (عليه السلام) وإنّ له مصر طعمة مابقي»(3). وقد حاول عدد من الكتاب أن يفندوا

ص: 38


1- تاريخ الطبري، 5/ 98
2- ابن عساکر، 13/ 261
3- الغارات، ص 173

هذا الاتفاق باعتباره لا يليق باصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله)؛ إلاّ أنَّ العقاد قال فيه: «ولو اجتمعت التواريخ قاطبة على نقضه، إن الاتفاق بين الرجلين كان اتفاق مساومة ومعونة على الملك والولاية وإنّ المساومة بينهما كانت على النصيب الذي آل الى كل منهما. ولولاه ما كان بينهما اتفاق»(1).

ولمّا اضطربت مصر على محمّد بن أبي بكر (رضي الله عنه) واشتدت الفتنة فيها كتب إلى الإمام علي (عليه السلام) يخبره بذلك ومما جاء في كتابه: «فإن كان لك في أرض مصر حاجة فامددني بالأموال والرجال» فلما قرأ الإمام (عليه السلام) کتاب محمد ساءه ذلك كثيراً وقال: «ما لمصر إلا أحد الرجلين صاحبنا الذي عزلناه عنها - يعني قیس بن سعد بن عبادة - أو مالك بن الحارث - يعني الأشتر - هذا فانتدب الإمام (عليه السلام) مالكاً وولّاه عليها»(2). وكتب اليهم يعرفهم به

ص: 39


1- العقاد، عباس محمود، شخصيات إسلامية، بیروت، دار الكتاب العربي، 3/ 844
2- أمالي المفيد، 4/ 49

«فقد بعثت إليكم عبداً من عباد الله لا ينام أيّام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء ساعة الرَّوع، أشدُّ على الفجّار من حريق النار، وهو مالك...»(1).

ص: 40


1- صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 411

المبحث الأول: صلاح الراعي

الصلاح لغةً:

من المؤكد إنَّ الصلاح هو الأساس الذي يقوم عليه بناء المجتمع السليم وبغيره لا يمكن للحياة أنّ تستقيم؛ إذ لا يمكن للإنسان أن يعيش سعيداً في مجتمع يسوده الفساد وتكمن أهمية الصلاح في كونه «جامعاً لكل خير وله مراتب غير متناهية ومرتبة الكمال فيه مَرتَبة عُليا ولذا طلبها الأنبياء(1)»(2). ولذلك جاء تعريف الصلاح على أنه نقيض الفساد.

(صَلَحَ) «الصَّادُ وَاللَّامُ وَالحَاءُ أَصلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى

ص: 41


1- يُنظر الآيات: يوسف: 101، الشعراء: 83، النمل: 19، القصص: 27، الصافات: 100
2- الآلوسي، شهاب الدين السيد محمود (ت 1270 ه) روح المعاني، تحقيق: علي عبد الباري عطية، بیروت، دار الكتب العلمية، ط 1 - 1415 ه، 4/ 325

خِلَافِ الفَسَادِ. يُقَالُ: صَلُحَ الشَّيءُ يَصلُحُ صَلَاحًا»(1). وقيل «الصَّلَاح: ضِدُّ الفَسَادِ»(2). وقيل: «الاستقامة و - السَّلامة من العيب»(3).

الصلاح اصطلاحًا:

«هو سلوك طريق الهدى. وقيل هو استقامة الحال على ما يدعو إليه العقل والشرع. والصالح القائم بما عليه من حقوق العباد وحقوق الله تعالى»(4). وعرفه

ص: 42


1- أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفي: 395 ه) معجم مقاییس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، بیروت - دار الفکر، 1979 م، 3/ 303
2- الجوهري، إسماعيل بن حماد (ت 393 ه) تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، بیروت، دار العلم للملايين، ط 2، 1979 م 1/ 383؛ الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر (ت 666 ه) مختار الصحاح، بیروت، مکتبة لبنان، 1989 م، ص 22؛ لسان العرب، 27/ 2479
3- مجمع اللغة العربية المعجم الوسيط، مكتبة الشروق الدولية، ط 4، 2004 م، ص 520
4- أبو البقاء، أيوب بن موسى الحسيني (ت 1094 ه) الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، تحقيق: عدنان درویش - محمد المصري، بيروت - مؤسسة الرسالة، ص 561؛ التهانوي، محمد بن علي ابن القاضي محمد (ت بعد 1158 ه) موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تحقيق: علي دحروج، بیروت - مكتبة لبنان ناشرون، ط 1، 1996 م، 2/ 1093

الالوسي قائلاً: «الصلاح هو عبارة عن الإتيان بما ينبغي، والتحرز عما لا ينبغي»(1).

الراعي: «الوالي.. و كل من ولي أمر قوم فهو راعيهم وهم رعيته»(2).

إنّ ما جاء في عهد الإمام علي (عليه السلام) الى مالك الأشتر (رضي الله عنه) يعكس رؤية الإمام علي (عليه السلام) في كيفية إدارة دفة الحكم، فالإمام (عليه السلام) يؤكد على أهمية البعد الشخصي والصفات الشخصية التي يجب أن تتوفر في من يتصدى للقيادة والتي تلعب دوراً أساسياً في نجاح القائد أو فشله ولذلك جاء العهد شاملا بكل مايتعلق بمؤسسة الحكم مبتدئاً بتحديد مسؤولية الراعي و مبینا خطورة

ص: 43


1- روح المعاني 4/ 203
2- لسان العرب 17/ 1677

منصبه وما يتطلبه من خصائص لابدّ أن يتحلّى بها من يتصدى لمسؤولية هذه الوظيفة وإنَّ ضرورة هذه الخصائص تزداد كلّما كان المنصب مهمًا. ولذلك فإن الإمام علياً (عليه السلام) كان يختار الرجلَ المناسب للمكان المناسب ولم يحدث أنّه اختار من ولاته من لايمتلك المؤهلات الذاتية للحكم التي تحفظ له توازنه في إدارة ما أُوكل إليه من مهمة، كما جاء في قوله (عليه السلام) : «إذا قَويَ الوالي في عمله حرَّكته ولايته على حسب ما هو مرکوز في طبعه من الخير والشر»(1).

وهذا ما كان يتمتع به مالك الأشتر (رضي الله عنه) على حد وصف الإمام علي (عليه السلام) قائلا له: «أما بعد، فانك مَن استَظهِرُ به على إقامة الدين وأقمعُ به نخوة الأثيم، وأسدُّ به ثغر المخوف»(2).

فولاّه مصر وقال له: «ليس لها غيرك، أُخرج رحمك اللهَّ؛ فإني إن لم أو صك اكتفيت برأيك واستعن

ص: 44


1- شرح نهج البلاغة، 20/ 269
2- الغارات: 104، سفينة البحار: 4/ 384

بالله عَلَى مَا أهمك، فاخلط الشدة باللين، وارفق مَا كَانَ الرفق أبلغ، واعتزم بالشدة حين لا يغني عنك إلا الشدة»(1) وحدد له مهام وظيفته في مصر «جباية خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها»(2).

وكان الإمام علي (عليه السلام) يرى أنّ عملية الإصلاح تكاملية بين الراعي والرعية: «فَلَیْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِیَّهُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاةِ وَ لَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ إِلَّا بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِیَّةِ»(3)، وصلاح الوالي يبدأ من إصلاح ذاته وعلى من يريد أن يتولى إدارة غيره أن يبدأ بإدارة نفسه كما جاء في قول الامام علي (عليه السلام): «مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَیْهِ أَنْ فَلْیَبْدَأْ بِتَعْلِیمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِیمِ غَیْرِهِ وَ لْیَکُنْ تَأْدِیبُهُ بِسِیرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِیبِهِ بِلِسَانِهِ»(4).

ص: 45


1- تاريخ الطبري، 5/ 95
2- شرح نهج البلاغة، 17/ 30
3- صبحي الصالح، نهج البلاغة، خطبة 216، ص 333
4- المصدر نفسه، حكمة 73، ص 480

وبهذا الإتجاه جاءت وصاياه وأوامره الى عماله والتي يهدف فيها إلى إصلاح نفس (الراعي) وقد تضمن عهده (عليه السلام) إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه) توجيهات واضحة لبناء شخصية الوالي، فقد أمره فيها بأمور هي على مايبدو أركان صلاح الراعي: «أمره بتقوى الله وإيثار طاعته، واتباع ما أمر به في كتابه: من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها، وأن ينصر الله سبحانه بقلبه ويده ولسانه، فإنه جلّ اسمه قد تكفل بنصر من نصره وإعزاز من أعزه. وأمره أن يكسر نفسه من الشهوات ويزعها عند الجمحات، فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله»(1).

والإمام علي (عليه السلام) عندما يأمر بذلك إنما يريد أن يُخضع - (ذات نفس) - ولاته إلى عملية إصلاح شامل لأنّ النفس هي الميدان الأول للإصلاح وبها يبدأ الإصلاح الحقيقي فالذي يقدر على إصلاح

ص: 46


1- شرح نهج البلاغة، 17/ 30

نفسه يكون على غيرها أقدر وفلاح العبد في الدنيا والآخرة مرتبط بصلاح نفسه فقد قال تعالى: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا»(1).

وهكذا حدد الإمام علي (عليه السلام) أُسس صلاح الوالي: «أن يكون متقياً مطيعاً لله متبعاً لأوامره، ناصراً له تعالى، قامعاً شهوته عن الحرام مانعاً نفسه عن المعاصي»(2). وسيتناولها البحث كما يأتي:

1- أن يكون متقيا مطيعاً لله تعالى:-

التقوى: «من الوقاية، وهي ما يحمي به الإنسان نفسه»(3). وقد وردت (التقوى) في القرآن الكريم بهذا اللفظ في خمس عشرة مرة كما وردت بصور بيانية

ص: 47


1- الشمس: 7-10
2- الراوندي، سعيد بن هبة الله (ت 573 ه) منهاج البراعة، تحقيق: عبد اللطيف الكوهكمري، قم - مطبعة الخيام، 1406 ه، 3/ 169
3- لسان العرب، 15/ 401

أخرى في مواضع عدة(1). ولمفردة التقوى مساحة كبيرة في كلام الإمام علي (عليه السلام) وتكاد لا تخلو منها خطبة من خطبه أو كتاب يوجهه إلى عامل من عماله، وما قاله في التقوى: «التَّقْوَی سِنْخُ الْإِیمَانِ»(2) أي: أصله وأساسه، وقال (عليه السلام): «إِنَّ تَقْوَی اَللَّهِ مِفْتَاحُ سَدَادٍ، وَ ذَخِیرَةُ مَعَادٍ، وَ عِتْقٌ مِنْ کُلِّ مَلَکَةٍ، وَ نَجَاةٌ مِنْ کُلِّ هَلَکَةٍ، بِهَا یَنْجُو اَلْهَارِبُ، وَ تَنْجَحُ اَلْمَطَالِبُ، وَ تُنَالُ اَلرَّغَائِبُ»(3). وفي بيان علامات المتقين ماجاء في قول الله تعالى: «لَّیْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَکُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لَکِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلَآئِکَةِ وَ الْکِتَابِ وَالنَّبِیِّینَ وَ ءَاتَی الْمَالَ عَلَی حُبِّهِ ذَوِی الْقُرْبَی وَ الْیَتَامَی وَ الْمَسَاکِینَ وَ ابْنَ السَّبِیلِ وَ السَّائِلِینَ وَ فِی الرِّقَابِ وَ أَقَامَ الصَّلَاةَ وَ آتَی الزَّکَاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَ الصَّابِرِینَ فِی الْبَأْسَاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِینَ الْبَأْسِ

ص: 48


1- يُنظر: الدبيسي، محمد، التقوى في القرآن الكريم، القاهرة، دار المحدثين، ط 1 - 2008 م، ص 30
2- الكافي، الأصول، 2/ 35
3- صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 351

أُوْلَئِكَ الَّذِینَ صَدَقُواْ وَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ»(1).

وفيما نقل عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: لأهل التقوى علامات يُعرفون بها: صدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وقلّة الفخر والبخل، وصلة الأرحام، ورحمة الضعفاء، وقلّة المؤاتاة للنساء، وبذل المعروف، وحسن الخلق، وسعة الحلم، واتّباع العلم فيما يقرّب إلى الله عزّ وجلّ»(2) والتقوى کما فسرها الإمام الصادق (عليه السلام) «ان لايفقدك الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك»(3) فالتقوى إذن: «قوة روحية تتولد من

ص: 49


1- البقرة: 177
2- الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي (ت 381 ه)، کتاب الخصال، صححه: علي أكبر الغفاري، قم، الحوزة العلمية لخصال، باب الاثني عشر، ص 483، النيشابوري، محمد بن الفتال (ت 508 ه) روضة الواعظين، تحقيق غلام حسين المجيدي، قم - مطبعة نكارش، ط 1، 1423 م، 2/ 383
3- الحر العاملي، محمد بن الحسن (ت 1104 ه) وسائل الشيعة، تحقيق: مؤسسة آل البيت، قم، مطبعة مهر، ط 2، 1414 ه، ح 20381، 15/ 239؛ الثعلبي، أبو اسحق أحمد (ت 427 ه) الكشف والبيان، تحقيق: محمد بن عاشور، بیروت، دار احیاء التراث العربي، ط 1 - 2002 م، 1/ 144

التمرين العملي الذي يحصل من الحذر المعقول من الذنوب»(1). فهي حالة في الانسان تنمو بالمتابعة الفكرية والتربية الروحية، ولذلك كان الإمام علي (عليه السلام) ينمي التقوى في المجتمع عبر الخطب والرسائل ومتابعة تنفيذ مايطرحه بنفسه وعبر جهاز رقابي واسع.

ولم تزل التقوى دعوة جميع الأنبياء إلى الأمم التي بُعثوا إليها فكانت هدفا تسعى الرسالات السماوية الى تحقيقها في نفوس الناس كما في قوله تعالى: «وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا»(2).

ص: 50


1- المطهري، مرتضي، في رحاب نهج البلاغة، بيروت - الدار الإسلامية، ط 1 - 1992 م، ص 136؛ الحائري، أيوب، قبسات من نهج البلاغة، ص 8
2- النساء: 131

فالتقوى اذن «شریعة عامة لجميع الأمم الم يلحقها نسخ ولا تبدیل، بل هي وصية الله في الأولين والآخرين»(1). والتقوى تنتهي بصاحبها إلى الجنة كما يقول الإمام علي (عليه السلام): «أَلاَ وَ إِنَّ اَلتَّقْوَی مَطَایَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَیْهَا أَهْلُهَا، وَ أُعْطُوا أَزِمَّتَهَا، فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ»(2).

وبين (عليه السلام) أهمية التقوى في الحياة الدنيا وعاقبة المتقين في الآخرة فقال: «فَإِنَّ اَلتَّقْوَی فِی اَلْیَوْمِ الْحِرْزِ وَ اَلْجُنَّةُ، وَ فِی غَدٍ اَلطَّرِیقُ إِلَی اَلْجَنَّةِ»(3).

ويخلص الطباطبائي في تفسيره للآية الكريمة: «لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(4).

ص: 51


1- الرازي، محمد فخر الدين (ت 604 ه) تفسير الفخر الرازي، بيروت - دار الفكر، ط 1، 1981 م، 11/ 71
2- صبحي الصالح، نهج البلاغة، خ 16، ص 58
3- صبحي الصالح، نهج البلاغة، خ 189، ص 284
4- المائدة: 93

إلى القول: «وأما تكرار التقوى ثلاث مرات، وتقييد المراتب الثلاث جميعاً به فهو لتأكيد الإشارة إلى وجوب مقارنة المراتب جميعاً للتقوى الواقعي من غير غرض آخر غير ديني، وقد مر في بعض المباحث: أن التقوى ليس مقاماً خاصاً دینیاً بل هو حالة روحية تجامع جميع المقامات المعنوية أي لكل مقام معنوي تقوی خاص يختص به»(1)

وقَرَنَ الإمام علي (عليه السلام) التقوى بالطاعة لله تعالى فقال: (وإيثار طاعته) على أن تُؤثَر هذه الطاعة عمّا سواها فمن وصيته لأحد عماله: «واعمل بطاعة الله فيها ولاك منها»(2)، كما عدّ أنَّ طاعة الله وطاعة الإمام من فعل المتقين؛ فقد كتب إلى سعد بن مسعود واليه على المدائن: «..وأطعت ربك، وأرضيت إمامك فِعلُ المُبِرِّ النقي النجيب»(3).

ص: 52


1- الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بیروت مؤسسة الإعلمي، طا 1997، 6/ 128
2- تاريخ اليعقوبي 2/ 109
3- م. ن 2/ 104

2- أن يكون متبعاً لأوامر الله تعالى:

«واتباع ما أمر به في كتابه: من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها»(1).

ولاشكَ أنّ أمر الإمام علي (عليه السلام) لمالك (رضي الله عنه) ولكل الولاة باتباع فرائض الله تعالى، لكي تكون حياتهم امتداداً لتلك الفرائض وتعبيراً عن عبوديتهم لله تعالى وتطبيقاً لما في تلك الفرائض من مفاهيم الإستعانة بالله والثقة به. وهنا يرسم الإمام علي (عليه السلام) لولاته طريق العلاقة بالله تعالى، ليكون الوالي على صلة دائمة مع الله تعالى فيتجنب الزلل أو الانحراف عن طريق الحق عبر استشعاره المستمر بوجود الرقيب معه.

وقد بين رسول الله (صلى الله عليه و آله) أهمية أداء الفرائض: «قال إن الله تعالى يقول: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب

ص: 53


1- شرح نهج البلاغة، 17/ 30

إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي حتی أحبه)»(1).

کما بين الإمام علي (عليه السلام) المقصود بالفرائض فقال: «أما ما فرضه الله سبحانه في كتابه فدعائم الإسلام، وهي خمس دعائم: وعلى هذه الفرائض الخمس بُني الإسلام، فجعل سبحانه لكل فريضة من هذه الفرائض أربعة حدود لا يسع أحدا جهلها، أولها الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج ثم الولاية، وهي خاتمتها والجامعة لجميع الفرائض والسنن»(2).

وقد اعتبر أداء الفرائض من أفضل العبادات فقال: «لا عبادة كأداء الفرائض»(3).

ومن كلام للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بين فيه ما أراد الله تعالى بفرض الفرائض يقول به: «إن

ص: 54


1- ابن رجب، زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن (ت 795 ه) جامع العلوم والحكم، تعليق ماهر یاسین، بیروت، دار ابن کثیر، ط 1 - 2008، ح 38، ص 770
2- وسائل الشيعة، ج 35، 1/ 28
3- صبحي الصالح، حكم 113، ص 488

الله بمنه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم بل برحمة منه لا إله إلا هو عليكم ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدور کم وليمحص ما في قلوبكم لتسابقوا إلى رحمة الله ولتتفاضل منازلكم في جنته ففرض علیکم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية»(1).

وأداء الراعي لفرائض الله هو بمثابة الإعداد المعنوي له.

وأهم الفرائض المُقَرِّبة إلى الله تعالى، عدل الراعي في رعيته كما جاء في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن أحب العباد إلى الله يوم القيامة وأدناهم إليه مجلس إمام عادل»(2).

ص: 55


1- المامقاني، عبد الله (ت 1351 ه) تنقیح المقال في علم الرجال، تحقيق: محيي الدين المامقاني، قم، مؤسسة آل البيت، ط 1 - 1423 ه، 4/ 163
2- الترمذي، محمد بن عیسی (ت 279 ه) سنن الترمذي، تحقيق: احمد محمد شاكر وآخرون، مصر، مصطفى البابي الحلبي، ط 2 - 1975 م ح 1329، 3/ 10

ومن المؤكد إنّ الأنموذج الأمثل بالعدل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الإمام علي (عليه السلام) اويكفي أن نسوق مثلاً لأهمية العدل عند الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ما جاء في كلام ابن الأثير المؤرّخ المعروف في وصف عدالة الإمام (عليه السلام): «إنّ زهده وعدله لا يمكن استقصاؤهما، وماذا يقول القائل في عدل خليفةٍ يجد في مالٍ جاءه من أصفهان رغيفاً فيقسِّمه أجزاءاً كما قسّم المال، ويجعل على كل جزء جزءاً، ويساوي بين الناس في العطاء، ويأخذ كأحدهم»(1).

3- أن يكون ناصراً لله تعالى:

«وأن ينصر الله سبحانه بقلبه ويده ولسانه، فإنه جلّ أسمه قد تكفل بنصر من نصره وإعزاز من أعزه»(2).

يؤكد الإمام (عليه السلام) إنّ على الراعي أن (ينصر الله سبحانه بقلبه ويده ولسانه) فالقلب يحيا بذكر الله

ص: 56


1- محسن الأمين، أعيان الشيعة، 1/ 348
2- شرح نهج البلاغة، 17/ 30

لقول الله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»(1).

وأهمية القلب تكمن في كونه المتصرف في الإنسان ومنه يكتسب الاستقامة أو سواها فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أَلاَ وَ إِنَّ فِی اَلْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ اَلْجَسَدُ کُلُّهُ، وَ إِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ اَلْجَسَدُ کُلُّهُ أَلاَ وَ هِیَ اَلْقَلْبُ»(2). وقد تعهد الله تعالى نصِر من نَصَرَه في قوله: «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ یَنْصُرْکُمْ وَیُثَبِّتْ أَقْدَامَکُمْ»(3).

وهذا وعد من الله تعالى والله لا يخلف وعده. وقد بين الله تعالى صفات من يستحقون النصر؛ فقال: «وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا

ص: 57


1- الرعد: 28
2- البخاري، محمد بن اسماعیل (ت 256 ه) صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر، دار طوق النجاة، ط 1 - 1422 ه، کتاب الإيمان، ح 52، 1/ 20
3- محمد: 7

عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ»(1).

وفي نصر الله تعالى صلاح الراعي کما جاء في قول الراغب:» والنصر من الله معونة الأنبياء والأولياء وصالحي العباد بما يؤدي إلى صلاحهم عاجلاً أو آجلاً وذلك تارة يكون من خارج بمن يقيضه الله فيعيّنه وتارة من داخل بأن يقوي قلب الأنبياء أو الأولياء أو يلقي الرعب في قلوب الأعداء»(2)

4- أن يكون قامعاً شهوته عن الحرام:

«وأمره أن يكسر نفسه من الشهوات ويزعها عند الجمحات، فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله»(3).

يعد اجتناب محارم الله تعالى ركناً من أركان العقل، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اجْتَنَبَ مَحَارِمَ

ص: 58


1- الحج: 40، 41
2- اللحجي، عبد الله بن سعيد محمد (ت 1410 ه) منتهى السؤل، جدة، دار المنهاج 4/ 442
3- شرح نهج البلاغة، 17/ 30

اللهَّ وَأَدِّ فَرَائِضَ اللهَّ تَكُن عَاقِلا»(1)، وكان الإمامُ عليٌّ (عليه السلام) حريصاً على تربية أتباعه على الكفّ عن المحارم فمن وصية له لإبنه الحسن (عليهما السلام): «.. و لاورع کالكف عن محارم الله»(2).

«وشح بنفسك عما لا يحل لك»، الإنسان مجبول على حب الشهوات: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ»(3).

ولكن الإمام علي (عليه السلام) پرید من عامله أن يكون ضنينًا بنفسه لا يعطيها المفاتن الدنيا بلا حساب

ص: 59


1- الهيثمي، نور الدين علي بن سليمان (ت 807 ه) بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، تحقيق: حسين احمد صالح، السعودية، الجامعة الإسلامية، ط 1 - 1992 م، ح 829، 2/ 809
2- القبانجي، السيد حسن، مسند الامام علي (عليه السلام)، تحقيق: طاهر السلامي، بیروت، مؤسسة الأعلمي، ط 1 - 2000 م، 4/ 475
3- آل عمران: 14

ولا حدود، وذلك بترويضها، والتضييق عليها فيما تحب من الحلال، حتى يتمكن منها وتنقاد اليه فيما ينهاها عن الحرام. وقد رسم الإمام علي (عليه السلام) منهجًا لترويض النفس فقال: «وَایْمُ اللّهِ - یَمِیناً أَسْتَثْنِی فِیهَا بِمَشِیئَهِ اللّهِ - لَأَرُوضَنَّ نَفْسِی رِیَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَی الْقُرْصِ إِذَا قَدَرْتُ عَلَیْهِ مَطْعُوماً، وَتَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً) وَلَأَدَعَنَّ مُقْلَتِی کَعَیْنِ مَاءٍ، نَضَبَ مَعِینُهَا، مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا»(1).

إنّ من أصعب ما یُبتلى الانسان به هو ابتلاؤه بنفسه ويتحدد مستقبل الإنسان في دنياه أو في الآخرة على مدى نجاحه في هذا الامتحان. فقد قال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى»(2).

وقد اعتبر النبي (صلى الله عليه وآله) منازعة النفس هواها هو الجهاد الأكبر فقد روي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام): «إنّ رسول الله (صلى الله

ص: 60


1- صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 419
2- النازعات: 40

عليه وآله) بعث سريّة، فلمّا رجعوا، قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل: یا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ فقال: جهاد النفس، ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): «افضل الجهاد من جاهد نفسه بين جنبيه)»(1).

وفي حديث للإمام علي (عليه السلام) يقول: «أشجع الناس من غلب هواه»(2).

ويرى (عليه السلام): «أنّ صلاح النفس مجاهدة الهوى»(3) ويحذر من شهوات النفس ويعتبرها مفتاحاً لمعصية الله تعالى فيقول: «مَا مِنْ مَعْصِیَةِ اللَّهِ شَیْءٌ إِلاَّ یَأْتِی فِی شَهْوَةٍ. فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً نَزَعَ عَنْ شَهْوَتِهِ، وَ قَمَعَ هَوَی نَفْسِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ النَّفْسَ أَبْعَدُ شَیْءٍ مَنْزِعاً، وَ إِنَّهَا لاَ

ص: 61


1- الحر العاملي (ت 1104 ه) وسائل الشيعة، تحقيق: مؤسسة آل البيت، قم، مؤسسة آل البيت، ط 2، 1414 ه، ح 20216، 15/ 130
2- الصدوق (ت 381 ه) معاني الأخبار تصحیح: علي اکبر الغفاري قم - مؤسسة النشر الإسلامي 1379 ه ص 195
3- الريشهري، محمد، میزان الحكمة، قم، دار الحدیث، ط 1، 1422 ه، ح 20503، 10/ 4399

تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَی مَعْصِیَةٍ فِی هَوًی»(1). وكسر النفس عن الشهوات هي دعوة الى التعفف «إذ من المستحيل أن يكون عفیفاً متی استرسل مع شهواته»(2) ويعرف ضبط النفس ومنعها من الاسترسال وراء رغباتها عند فلاسفة الأخلاق ب (الاعتدال) وعرف أرسطو الاعتدال بأنه: «الوسط القيم في كل مايتعلق باللذات»(3) في حين إنّ عدم الاعتدال یعني: «افراطاً في اللذات وأَنَّه مذموم»(4).

ويرى الإمام علي (عليه السلام) في التقوى ترويضاً للنفس على كبح الشهوات والوصول إلى ضفة الأمان؛ فتحدث عن نفسه قائلاً: «وَإِنَّمَا هِیَ نَفْسِی أُرُوضُهَا بِالتَّقْوَی لِتَأتِیَ آمِنَهً یَوْمَ الْخَوْفِ الأکْبَرِ، وَتَثْبُتَ عَلَی جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ»(5)

ص: 62


1- صبحي الصالح، نهج البلاغة، خ 176، ص 251
2- الفكیكي، توفيق، الراعي والرعية، بغداد، مطبعة اسد، 1962 م، ص 62
3- ارسطوطاليس، علم الاخلاق، نقله الى العربية: أحمد لطفي السيد، القاهرة، دار الكتب المصرية، 1924 م، ص 316
4- م. ن ص 321
5- صبحي الصالح، خ 45، ص 417

5- أن يكون مانع نفسه عن المعاصي:

«فليكن أحب الذخائر اليك العمل الصالح». يؤكد الإمام علي (عليه السلام) في صلاح الراعي على العمل الصالح ويوصي مالكاً بان يكون أحب ما يكتنزه في حياته، لان العمل الصالح إذا اجتمع مع الإيمان في شخص نفذ حب ذلك الشخص إلى قلوب الناس وحظي بالقبول في أوساط رعيته إن كان راعيا، لقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا»(1).

وخير من جسد الإيمان المقرون بالعمل الصالح هو الإمام علي (عليه السلام) ولذلك يذهب المفسرون إلى أنّ هذه الآية قد نزلت بحقه(2).

وبين (عليه السلام) مقومات العمل الصالح للإنسان قائلاً:

ص: 63


1- مریم: 96
2- ينظر: التستري، نور الله الحسيني المرعشي (ت 1019 م) أحقاق الحق و ازهاق الباطل 3/ 85

«فاملك هواك». وفي اللغة: «الهَوى مقصوراً: هَوَى النَّفس، وإِذا أَضفته إِليك قلت هَوايَ، والهَوى: العِشق يكون في مداخل الخير والشر، والهَوِيُّ: المَهوِيُّ، وهَوى النفسِ: إِرادتها والجمع الأَهواء»(1).

وقال الراغب: «الهوى: ميل النفس إلى الشهوة، ويقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة وقيل: سمي بذلك؛ لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية وفي الآخرة إلى الهاوية، والهوي: سقوط من علو إلى سفل»(2).

في الاصطلاح: الهوى «میلان النفس إلى ما تستلذه من الشهوات من غير داعية الشر»(3). أما المراد باتباع الهوى في الاصطلاح الشرعي «فهو السير وراء ما تهوى النفس وتشتهي أو النزول على حكم العاطفة من غير

ص: 64


1- لسان العرب، مادة: ه وی 51/ 4728
2- الراغب، أبو القاسم الحسين بن محمد (ت 502 ه) المفردات في غريب القرآن، تحقيق: محمد سيد كيلاني، بیروت، دار المعرفة، ص 548
3- لتعریفات، علي بن محمد بن علي الجرجاني، 1/ 320، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1405 ه، تحقيق: إبراهيم الأبياري

تحكيم العقل أو الرجوع إلى شرع أو تقدير لعاقبة»(1).

والهوى واحد من أهم نوازع الإنسان الداخلية التي تلعب دوراً كبيراً في إفساد حياة الإنسان فتكون حائلاً بينه وبين الهداية. ولايعني نهي الإسلام الإنسان عن اتباع الهوى، أنه أراد حرمانه من التمتع بالملذات أو منعه من إشباع غرائزه؛ في «الناس أبناء الدنيا ولا يلام الرجل على حب أمه»(2). وإنما أراد له أن يمتلك إرادته في التحكم برغباته وميوله حتى يستطيع توجيهها في الطريق السليم دون أن يطلق لها العنان فتصبح مدمرة بدل أن تكون نافعة له وللجميع وقد أشار الله تعالى لما يترتب على اتباع الهوى فقال تعالى: «وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ..»(3).

وتحكّم الإنسان في هواه يؤكد لديه صفة الإنسانية لأن الذي يَملِکَهُ هواه لا يختلف عن الحيوان لقوله

ص: 65


1- محمد نوح، آفات على الطريق 1/ 192
2- صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 529
3- المؤمنون: 71

تعالى: «أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا»(1).

فالهوى حجاب بين المرء والواقع ومن يملکه هواه لا يرى الأمور إلا بما يتناسب مع رغباته وإن كان ذلك يخالف الواقع وبذلك فإنّه يغيب عقل الإنسان ويفسده بإبعاده عن الواقع. وقد بين الامام علي (عليه السلام) دور الهوى في تغييب العقل في مناسبات عدة فقال: «العقل صاحب جيش الرحمن والهوى قائد جيش الشيطان والنفس متجاذبة بينهما فايهما غلب كانت في حیزه»(2) و «سبب فساد العقل الهوى»(3) ويبين (عليه السلام) أثر الهوى على العقل فيقول: «لاعقل مع

ص: 66


1- الفرقان: 43، 44
2- الآمدي، ناصح الدين أبو الفتح عبد الوحد (ت 550 ه) غُرَر الحِکَم و دُرَر الكَلِم، تدقيق: عبد الحسن دهيني، بیروت، دار الهادي، ط 1 - 1992 م، ص 48
3- م. ن. ص 226

هوى»(1).

فاتباع الراعي هواه يعني وجود والٍ يدير الأمور بغیر عقل. ويربط الإمام (عليه السلام) بين العدل وعوامل النفس كالهوى والعاطفة فيقول: «أما بعد فإن الوالي إذا اختلف هواه منعه ذلك كثيراً من العدل فليكن أمر الناس عندك في الحق سواءاً، فإنّه ليس في الجور عوض عن العدل فاجتنب ما تنكر أمثاله»(2).

وكان أكثر ما يخشاه الإمام علي (عليه السلام) اتباع الانسان هواه فقد قال: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم إثنان، اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق»(3).

واتباع الهوى يعمي البصيرة وهو واحد من المهلكات التي أشار إليها رسول الله (صلى الله عليه واله) بقوله: «ثلاث مهلکات: شحٌّ مطاع وهوى متبع

ص: 67


1- م. ن. ص 430
2- صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 449
3- شرح النهج، 1/ 218

واعجاب المرء بنفسه» وقد أشار الله تعالى إلى خطورة اهواء النفس بقوله تعالى: «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ»(1).

مما تقدم فإنَّ الإمام عليّاً (عليه السلام) أراد أن يربي ولاته على الفضيلة وأن يعمل كل واحد منهم لخدمة رعيته، أن يكونوا أحراراً لاتستعبدهم الشهوات، ولا يتحكم فيهم الهوى فينحرفوا عن جادة الحق وأن يخلصوا العبادة لله وحده مع أنه لم يطلب منهم ترك الدنيا وإنما أمرهم أن يأخذوها برفق بالطريقة التي تجمعها بالآخرة. وقد ضرب لهم من نفسه اُنموذجاً مع علمه أنّ أحداً لا يستطيع أن يبلغ مبلغه حتى وإن كان من أصحابه فقال يحثهم على الاقتداء به: «أَلَا وَإِنَّ إِمَامَکُمْ قَدِ اکْتَفَی مِنْ دُنْیَاهُ بِطِمْرَیْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَیْهِ، أَلَا وَإِنَّکُمْ لَاتَقْدِرُونَ عَلَی ذَلِکَ، وَلَکِنْ أَعِینُونِی بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ، وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ فَوَ اللّهِ مَا کَنَزْتُ مِنْ دُنْیَاکُمْ تِبْراً، وَلَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً، وَلَا أَعْدَدْتُ لِبَالِی ثَوْبِی طِمْراً»(2).

ص: 68


1- محمد: 14
2- صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 417

المبحث الثاني: إصلاح الرعية

الإصلاح لغةً:

«إصلاح مشتق من الفعل أصلَحَ صَلَّحَ صَلُحَ... والإِصلاح نقيض الإِفساد... وأَصلَح الشيء بعد فساده أقامه»(1) وأَصلَحه: «ضِدّ أَفسَدَه وقد أَصلَحَ الشیِّءَ بعدَ فَساده»(2) وفي معجم مقاییس اللغة: «استَصلَحَ الشيء ضِدَّ استَفسَدَ»(3) وجاء في مختار الصحاح: «أصلَحَ: أعادَ شيئاً إلى حالة حسنة وأزال ما فيه من فساد»(4). والإصلاح هو الإتيان بالصلاح کما قال صاحب المصباح المنير: « أَصلَحَ: أتي بالصَلاح وهو

ص: 69


1- لسان العرب، 27/ 2479
2- تاج العروس، 6/ 548
3- تاج العروس، 6/ 548
4- معجم مقاییس اللغة، ص 303. (4) مختار الصحاح، ص 37

الخير والصواب(1).

يتبين مما سبق ذكره من تعريفات (للإصلاح) أنه يعني من الناحية اللغوية إزالة الفساد.

الإصلاح اصطلاحاً:

يختلف معنى الإصلاح باختلاف مورد مادة (أصلَحَ) في القرآن الكريم، فقد ذَكَرَت التفاسير تعريفات للإصلاح حسب المقام الذي ذُکِرت فيه، فورد بمعانٍ عدة، منها: محو التباغض بين المتخاصمين:

من ذلك قوله تعالى: «وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(2).

وما يقابل الفساد كما في قوله تعالى: «وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ

ص: 70


1- الفيومي، أحمد بن محمد بن علي المقري (ت 770 ه) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، مصر، مکتبة محمد عبد الواحد بك ط 1، 1322 ه، ص 132
2- البقرة: 224

اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»(1).

وقوله تعالى: «فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ»(2).

ومايقابل السيئة كقوله تعالى: «وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(3).

وتوفيق الله لعباده لعمل الصَّالحات من ذلك قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا»(4)، وقوله: «سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ»(5).

کما عرَّفَه صاحب مجالس التذكير بأنه: «إرجاع الشيء إلى حالة اعتداله بإزالة ماطرأ عليه من فساد»(6)

ص: 71


1- الأعراف: 56
2- يونس: 81
3- التوبة: 102
4- الأحزاب: 71
5- محمد: 5
6- ابن باديس، عبد الحميد محمد الصنهاجي (ت 1359 ه) في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، تحقيق: احمد شمس الدين، بیروت، دار الكتب العلمية، ط 1 - 1416 ه، ص 73

وفي روح المعاني: «انه الإستقامة على التوبة ولعله مُندرِجٌ على التوبة ومكمل لها»(1).

يتبين من التعريفات السابقة ان اللغويين عرفوا الإصلاح بنقيضه على قاعدة تعريف الشيء بضده کما في قول المتنبي(2):

«وَنَذِيمُهم وبِهم عرفنا فَضلَهُ *** وَبِضِدِّ تتميَّزُ الأشياء»

وفي الوقت الذي لا يحتاج فيه الإفساد إلى مجهود كبير وكثرة في التفكير؛ فإن الإصلاح يتطلب جهدا كبيرا وتفكيراً عميقأً وإعداداً يعتمد على حجم الإصلاح المراد إجراءه. وبناءً على ذلك فإنّ سهولة الإفساد يقابلها صعوبة الإصلاح.

ص: 72


1- روح المعاني 7/ 482
2- البرقوقي، عبد الرحمن (ت 1944 ه) شرح دیوان المتنبي، القاهرة، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ص 119

والصلاح والإصلاح يشتركان بإزالة الفساد وكلاهما يحقق للإنسان مرضاة الله تعالى، والصلاح يعني تحقيق الاستقامة في ذات الشخص، في حين إنّ الإصلاح يتعدى صلاح نفسه إلى غيره إذ إن الهمزة فيه للتعدية إلى مفعول واحد والأصل صَلُحَ اللازم. ويمكن القول: لا إصلاح بدون صلاح، وبدون العودة إلى الذات وبدون تغيير ما بالنفوس فقد قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»(1)

الرعية:

تعريف الرعية لغة: «أصل الرعي حفظ الحيوان إما بغذائه الحافظ لحياته أو بجذب العدو عنه ثم جعل للحفظ والسياسة كما في قوله تعالى: «فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا»(2).

أي ما حافظوا عليها حق المحافظة»(3) والرعية:

ص: 73


1- الرعد: 11
2- الحدید: 27
3- تاج العروس 28/ 165

«العامة»(1) وفي المصباح المنير الرعية: «عامة الناس الذين عليهم راع يدير أمرهم ويرعى مصالحهم»(2) الرعي يعني: «حفظ الغير لمصلحة»(3)

ومن ذلك فإن الرعية «كل من شمله حفظ الراعي ونظره»(4). فالناس راع وهو السائس ومرعي وهو المسوس.

وبعد أن تعرفنا على منهج الإمام علي (عليه السلام) في الوصول ب (الراعي) إلى مستوى الصلاح نعرّج على الطرف الثاني في العملية الإدارية وهم (الرعية) فقد كان الإمام علي (عليه السلام) يسعی لبناء مجتمع متكامل يرتقي إلى مستويات متقدمة من الرفاهية والنزاهة والأمان بتطبيق الصيغة الإسلامية الصحيحة وهو في اهتمامه بالرعية إنما يستمد ذلك من

ص: 74


1- مختار ص 128؛ لسان العرب 17/ 167
2- المصباح المنير ص 356
3- الكليات ص 484
4- لسان العرب 17/ 1678

رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث يضع الاهتمام بالناس بمستوى أداء الفرائض فيقول: «أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض»(1).

وقد كان منهج الإمام علي (عليه السلام) في إصلاح الرعية يقوم على ثنائية (الواجبات والحقوق) أي تعريف رعيته بما عليهم من واجبات وبيان مالهم من حقوق على رعاتهم ضمن دائرة الشرع وفي إطار مصلحة الوطن والمواطن فيقول (عليه السلام): «أيَّها الناس إنّ لي عليكم حقاً، ولكم علىَّ حق، فأما حقكم علي النصيحة لكم وتوفير فیئکم و کفایتکم فلیس من حق الحاكم أن ينام ليلته وفي وطنه معوز واحد، وعلي تعليمكم كي لا تجهلوا، أمّا حقي عليكم الطاعة حين آمركم والوفاء لي ولوطنکم»(2).

ومن الجدير بالذكر في هذا الموقف، إنّ الإمام علياً

ص: 75


1- الكافي: الكليني، محمد بن يعقوب (ت 329 ه) أصول الكافي، بیروت، منشورات الفجر، ط 1 - 2007 م، 2/ 117
2- شرح نهج البلاغة، 2/ 189 - 190

(عليه السلام) قد سبق وبقرون عديدة الأمم التي ما فتئت تكيل الاتهام للإسلام، وتصفه بالتخلف التي تبهرنا بحضارتها، فهي لم تكن تعي دور الرعية في الإصلاح فعلى سبيل المثال لا الحصر يقول غوستاف لوبون (1861 م - 1931 م)(1) إنّ الجماعة (الرعية) لم تكن صاحبة الدور الفاعل في رسم الأحداث التاريخية «ولم يكن لرأي الجموع وزن يُذكر بل لم يكن له قيمة في الغالب»(2) ويعزو رسم الأحداث إلى مايدور بين ملوكها ولكن مع تطور الزمن تبدل الأمر؛ فصارت «الغلبة لصوت الجماعات فهو الذي يرسم للملوك خططهم»(3) مما يشير إلى فهم متأخر لدور الرعية في إحداث الإصلاح، في حين أن ما ورد في عهد الامام

ص: 76


1- هو طبيب ومؤرخ فرنسي، عمل في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، كتب في علم الآثار وعلم الانثروبولوجيا، وعني بالحضارة الشرقية. من أشهر آثاره: حضارة العرب وحضارات الهند
2- لوبون، غوستاف (ت 1931 م) روح الاجتماع، ترجمة: أحمد فتحي زغلول، مصر - دار الجماهير، 1909 م، ص 12
3- م. ن

علي (عليه السلام) يؤكد على أهمية دور الرعية في صناعة الأحداث فأولاه اهتماماً وقد كان منهجه (عليه السلام) في إصلاح الرعية يتوزع على محاور عدة منها:

أولاً: علاقة الراعي بالرعية

في هذا الميدان قد خصص الإمام علي (عليه السلام) الجزء الأكبر من عهده إلى الأشتر (رضي الله عنه) بما اشتمل عليه من أوامر ونصائح لرسم العلاقة بين الراعي والرعية بما يضمن إصلاح الرعية ومنها:

1- حسن التعامل:

تدرج الإمام علي (عليه السلام) في صلاح الراعي مبتدئاً بترتیب علاقة الراعي بالله تعالى ثم علاقته بنفسه لينتهي به إلى ترتيب علاقته برعيته، والتعامل مع الرعية أمرٌ في غاية الأهمية؛ لأنه مهمة وواجب الراعي، وتكمن أهميته في أنّ الرعية تشمل جميع البشر ضمن حدود رعايته وقد يكون منهم المسلم وغير المسلم، وكل من هؤلاء يحتاج معاملة حسب مقتضى الحال. ويأتي في مقدمة ما يجب أن يتحلى به الراعي هو حسن

ص: 77

التعامل حيث وصف الله تعالى رسوله الكريم (صلى الله عليه واله) في قوله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»(1).

وتأتي الرأفة والرحمة في مقدمة حسن التعامل حيث قال تعالى: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»(2).

كذلك كان الإمام علي (عليه السلام) وهو ابن مدرسة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتعامل مع رعيته على أساس من الرحمة والأخوة؛ فاذا كانت الرعية تخشى ظلم حكامها فإن الإمام علي (عليه السلام) على غير ذلك، إذ كان هو من يخشى أن يَظلمَ رعیته کما عبر عن ذلك في خطبته قائلا: «وَلَقَدْ أَصْبَحَتِ الْأُمَمُ تَخَافُ

ص: 78


1- آل عمران: 159
2- التوبة: 128

ظُلْمَ رُعَاتِها وَ أَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِیَّتی»(1).

وفي هذا الإطار کانت وصاياه لولاته وعماله؛ ففي عهده لمحمد بن أبي بكر حين ولاه مصر يوصيه: «فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ وَأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ وَآسِ بَیْنَهُمْ فِی اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ حَتَّی لَا یَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِی حَیْفِكَ لَهُمْ وَلَا یَیْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ عَلَیْهِمْ»(2)، والإمام علي (عليه السلام) وهو يستمد مفهوم السلطة من المفهوم القرآني والنبوي، نجده يدفع الكثير من توجيهاته ونصائحه في كيفية التعامل مع الرعية مؤكداً على أنَّ: «حسن السياسة يستديم الرياسة»(3) وأنَّ: «رأس السياسة استعمال الرفق»(4).

ص: 79


1- صبحي الصالح، نهج البلاغة خطبة 97، ص 141
2- م. ن. ص، 383
3- الريشهري، محمد، میزان الحكمة، قم، دار الحديث، ط 1، 1422 ه، 4/ 1838
4- الواسطي، كافي الدين أبي الحسن (ق 6 ه) عيون الحكم والمواعظ تحقيق: حسين الحسني، قم، دار الحديث، ط 1، د. ت، ص 263

وكما أنَّ: «حسن السياسة قوام الرعية»(1)؛ فإنَّ: «مَن حَسُنَت سیاستُه وجبت إطاعته»(2).

ولم يقتصر بوصيته لمالك الاشتر (رضي الله عنه): «وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ»(3). بالرحمة لأهل مصر فقط وإنما أراد هذه الرحمة أن تفيض على الإنسانية جميعا منطلقا (عليه السلام) من وحدة الخلق فهو خير من يعلم بما يريد الله تعالى في قوله: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(4).

ص: 80


1- م. ن. ص 227
2- غرر الحکم، ص 341
3- شرح النهج، 17/ 32
4- الحجرات: 13

ما يعنيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين يقول: «يا أيُّها النَّاس: إنَّ رَبَكُم وَاحِد، و إنَّ أبَاکُم وَاحِد، ألا لا فَضْلَ لِعَرَبي عَلى عجمي ولا عَجمِي عَلى عَرَبي، و لا لأحمَر على أسوَد ولا لأسوَد على أحمَر إلا بالتَّقوى»(1) و «أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ»(2).

وبناءاً على ذلك كان الناس من وجهة نظر الإمام علي (عليه السلام) صنفين: «إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الخَلْقِ»(3)، ومن منظار المساواة ولكي يضمن التعايش بين الراعي ورعيته لم يكتف (عليه السلام) من الراعي بأن يتصف بالرحمة والمحبة وإنما أمره بالتجاوز عن الخطأ والزلل؛ فقد يخطأ الإنسان

ص: 81


1- الغدیر، 6/ 225، الألباني، أبو عبد الحمن محمد ناصر الدين (ت 1420 ه) سلسلة الأحاديث الصحيحة، الرياض، مكتبة المعارف، ط 1، 1996 م، ح 3700، 6/ 449
2- أبو داود، سلیمان بن الأشعث (ت 275 ه) سنن أبي داود، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بیروت، المكتبة العصرية، ح 5119 4/ 331
3- شرح نهج البلاغة، 17/ 30

والخطأ صفة ملازمة له على حد قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ کُلَّ بنی آدَمَ خَطّاءٌ، وَخَیرُ الخَطّائینَ التَّوّابُونَ»(1) فلابد من الصفح عن المسيء والعفو عن المخطئ و التماس العذر لهم فإنَّ: «أَعْرَفُ اَلنَّاسِ بِاللَّهِ أَعْذَرُهُمْ لِلنَّاسِ وَ إِنْ لَمْ یَجِدْ لَهُمْ عُذْراً»(2) وفي مقابل ذلك فإنَّ: «شر الناس من لا يقبل العذر ولايقيل الذنب»(3) وإن من النتائج المترتبة على الإحسان تسهیل مهمة الوالي كما جاء في قول الإمام علي (عليه السلام): «أَحْسِنْ إِلَی اَلْمُسِیءِ تَمْلِکْهُ»(4).

وهكذا فقد وضع (عليه السلام) أساسا رسم فيه طريقا واضحة المعالم بعيدة عن اللبس في العلاقة بين الراعي والرعية.

ص: 82


1- ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن یزید (ت 273 ه) سنن ابن ماجة، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بیروت، دار احیاء الكتب العربية، ح 4251، 2/ 1420
2- غرر الحكم رقم 242، ص 111
3- غرر الحکم، ص 234
4- غرر الحكم رقم 2، ص 76

2- خيلاء السلطة:

ثم ينتهي (عليه السلام) الى ما يصيب الراعي من خيلاء الغرور جراء امتیازات السلطة فيأمره بان يتذکر سلطة الله تعالى وعظم ملکه وقدرته الواسعة. «وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فإن ذلك يطامن إليك من طماحك، ويكف عنك من غربك، ويفي إليك بما عزب عنك من عقلك إياك ومساماة الله في عظمته والتشبه به في جبروته، فإن الله يذل كل جبار ويهين كل محتال»(1).

ولعل أوضح صورة لعدالة السلطة هو التواضع وتعد السلطة من بين دواعي الغرور القوية؛ لأنها تبعث في نفوس المتسلطين الزهو والغرور فيتيهون على الناس تكبرا وإذلالا وأنجع علاج لهذه الظاهرة كما يراه الإمام علي (عليه السلام) هو العودة إلى الله تعالى والتفكر في عظمته كي يعرف الوالي قدر نفسه و يدرك

ص: 83


1- شرح النهج، 17/ 33

أنّ ما يختال به من جاه منحته إياه السلطة انما هو نعمة من الله تعالى أنعم به عليه.

ونجد من المفيد أن نقارن بين سلطة رسم معالمها الإمام علي (عليه السلام) مستمدة من القرآن الكريم وتعاليم الرسالة الإسلامية وبين سلطة رسمت معالمها الفلسفات الحديثة التي تستند إلى الواقع كما يقول أصحابها وكيفية تعاملها مع الجماهير (الرعية) ففي الوقت الذي يأمر فيه الإمام علي (عليه السلام) الأشتر (رضي الله عنه): «وَلَاتَکُونَنَّ عَلَیهِمْ سَبُعاً ضَارِیاً تَغْتَنِمُ أَکْلَهُمْ»(1)، فإنّ ميكافيلي ينصح أميره أن «يتصرف كالحيوان فهو يقلد الثعلب والأسد»(2). كما ينصحه بالتظاهر بالصفات الطيبة «أن يبدو رحیماً وفياً حلو الصفات صادقاً، متدیناً»(3) أمام من يراه ويسمعه ويؤكد ميكافيلي على التظاهر بالتدين فيقول: «وهذه الصفة

ص: 84


1- م. ن
2- میکافيلي، كتاب الأمير، ترجمة: أكرم مؤمن، مكتبة ابن سينا، ص 89
3- م. ن

الأخيرة ضرورية جداً لأن الناس يحكمون على مايرونه بأعينهم وليس على ما یدرکونه... وفي كافة أعمال البشر - وخاصة الأمراء - فإنَّ الغاية تُبَرِّر الوسيلة»(1) حيث صور مكيافيلى سلطة الأمير بأنها منقطعة الصلة عن أي قواعد أخلاقية وأطلق مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) ورأى أن السلطة دائما قاسية وغاشمة وظالمة ومستَغِلَّة وأن هذا من حقها ولو لم تفعل ذلك لاستضعفتها الجماهير وسحقتها. وعبر هذه المقارنة يصبح بالإمكان أن نحكمَ على أيِّ سلطة وخاصة تلك التي توصف بالاسلامية على أي المنهجين تحكم.

3- حلم الراعي:

ومن صلاح الراعي في تعامله مع الرعية أن لا يكون سريع الغضب شديد البطش بل أن يكون حليماً حکیماً ولذلك يأمر الإمام علي (عليه السلام) مالكاً (رضي الله عنه) قائلا: «أَملك حمية أنفك وسورة حدك،

ص: 85


1- م. ن. ص 91

وَسَطْوَةَ يَدِكَ وَغَرْبَ لِسَانِكَ»(1)، فالغضب الخارج عن سيطرة النفس يؤدي إلى الهلكة وقد حذر من هذه النهاية فقال: «إنكم إن أطعتم سورة الغضب أوردتم نهاية العطب»(2) وعلى الإنسان بشكل عام والراعي بصورة خاصة أن يتحرس مما يؤدي به الى الغضب وأن يتجنب الانفعال ذلك «إنَّ الغَضَبَ مِن الشّیطانِ وإنَّ الشیطانَ خُلِقَ مِن النارِ وإنّما تُطفَأُ النارُ بالماءِ فإذا غَضِبَ أحَدُکم فَلْیَتَوَضَّأْ»(3) والغضب يعني فقدان العقل؛ لأنَّ «من لم يملك غضبه لم يملك عقله»(4).

ولذلك فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينصح من يغلبه الغضب أن يرجع إلى الله تعالى فيقول: «فإذا غضبت فأُقعد وتفكر في قدرة الرب على العباد وحلمه عنهم، وإذا قيل لك إتق الله فانبذ غضبك وراجع

ص: 86


1- شرح النهج، 17/ 113
2- غرر الحکم، رقم 16 ص 149
3- سنن أبي داوود، ح 4784، 4/ 249
4- میزان الحكمة، 2/ 501

حلمك»(1).

ولم يترك الإمام علي (عليه السلام) أمر الغضب دون أن يضعَ له حلولاً تتضمن علاجه ومما وَصّى به الإمام علي (عليه السلام) قائلا: «داووا الغضب بالصمت والشهوة بالعقل»(2). وإذا ما تناولنا الغضب من زاوية السلطة فإنّ «أعظم الناس سلطاناً على نفسه من قمع غضبه وآفات شهوته»(3). ومن زاوية القوة فإنّ الإنسان القوي ليس الذي يمتلك القوة الجسدية وإنّما يمتلك القوة في السيطرة على نفسه عند انفجار غضبه کما قال رسول الله (صلى الله عليه واله): «لَیْسَ الشَّدِیدُ بِالصَّرْعَةِ، إِنَّمَا اَلشَّدِیدُ اَلَّذِی یَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»(4).

ص: 87


1- تحف العقول، ص 14
2- غرر الحکم، رقم 13 ص 204
3- میزان الحكمة، 2/ 150
4- البخاري، محمد بن إسماعيل (ت 256 ه) صحیح البخاري تحقيق: محمد زهير بن ناصر، ط 1، 1422 ه، ح 2114، 8/ 28؛ مسلم بن الحجاج (ت 261 ه)، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بیروت، دار احياء التراث العربي، ح 2609، 4/ 2014

ثانياً: علاقات الرعية مع بعضها (طبقات الرعية)

ورِث الإمام علي (عليه السلام) تركة ثقيلة من خلافة عثمان التي وإن حاول المودودي ان يجَمِّلها لكنه وصفها بأنها سياسة «غير مريحة للناس»(1) وما أن بويع (عليه السلام) بالخلافة حتى أعلن عن هدفه من قبولها قائلاً: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ یَکُنِ الَّذِی کَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِی سُلْطَانٍ وَلَا الْتِمَاسَ شَیْءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ وَلکِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِینِكَ وَنُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِی بِلَادِكَ فَیَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ»(2).

ومن المعالجات التي وضعها الإمام علي (عليه السلام) لتطبيق منهجه الإصلاحي أنَّه وضع هيكلاً صنَّف فيه الرعية إلى طبقات و بين أهمية كل طبقة وكيفية التعامل معها بما يصلحها؛ فقد جاء في عهده لمالك

ص: 88


1- المودودي، أبو الأعلى، الخلافة والملك، تعريب : أحمد المدرس، الكويت، دار القلم، ط 1، 1978 م، ص 69
2- صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 189

الأشتر (رضي الله عنه): «واعلَم أنَّ الرَّعية طَبَقَات لا يَصلُحُ بَعضَها إلا بِبعضٍ، ولا غِنى بِبعضِها عَن بَعضِ. فَمِنْها جُنودُ الله، ومِنْها کِتابُ العَامَّة والخاصَّة، ومِنْها قُضاةُ العَدْل، ومِنْها عُمّالُ الإنْصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة»(1).

إنّ هذا التقسيم لايعني تمييز طبقة على حساب طبقة فالطبقات في كلام الإمام علي بمعنى «فئات اجتماعية، ولم تكن في ذلك الحين قد تضمنت معناها الذي تعنيه الآن»(2). وإنّما هو تقسيم لغرض التعامل مع كل طبقة بما يناسبها ويتفق مع حاجتها للإصلاح لأنَّ مايصلح لطبقة قد لا يصلح للأُخرى ولم یکن ترتيب الطبقات الذي ورد في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) على أساس

ص: 89


1- شرح نهج البلاغة، 17/ 48
2- شمس الدين، محمد مهدي، دراسات في نهج البلاغة، بيروت، دار الزهراء، ط 2 - 1972 م، ص 29

قیمتها الاجتماعية وإنما كان على أساس أهمية الخدمة التي تقدمها للمجتمع.

وفي دراسته لموضوع الطبقات في عهد الإمام علي (عليه السلام) قسم محمد مهدي شمس الدين الطبقات الى مجموعتين:

المجموعة الأولى:

طبقات افترض الإمام علي (عليه السلام) وجودها وتحدث عنها كأهل الخراج والتجار والصناع والمعدمين.

1- أهل الخراج:

كان الإمام علي (عليه السلام) يَحمل عماله على ممارسة الحكم الذي يقوم من أجل الرعية. فيتحدث عن أهمية أهل الخراج والمراد بهم (الزُرّاع)؛ ذلك لأن الخراج هو ضريبة الأرض ومصدر التمويل الرئيس إن لم يكن المصدر الوحيد الذي يُمول احتياجات الدولة المالية سواء أكانت كانت رواتب الجند أم إعانة

ص: 90

أصحاب الحاجة من بقية المجتمع(1).

وكان اقتصاد مصر آنذاك يقوم على القطاع الزراعي مما يعني أنّ ازدهار النشاط الاقتصادي يتوقف على طبقة (اهل الخراج) ولذلك يؤكد الإمام علي (عليه السلام على الاهتمام بالخراج بما يصلح أهله فيقول لمالك (رضي الله عنه): «وَتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ فَإِنَّ فِي صَلاَحِهِ وَصَلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ وَلاَ صَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ کُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ»(2).

إنّ سياسة الإمام علي (عليه السلام) في الخراج تهدف إلى إصلاح الزراعه بالشكل الذي يقود إلى إصلاح طبقات المجتمع الأخرى.

وكان (عليه السلام) يكتب إلى أمراء الأجناد فيقول: «أنشدكم الله في فلاحي الأرض أن يظلموا

ص: 91


1- ينظر: م. ن
2- شرح نهج البلاغة، 17/ 70

قبلكم»(1) فإصلاح أهل الخَراج (الزراع) يعتمد على مقدار مایؤخذ منهم كخراج ومن ثَمَّ فإن صلاح الرعيه يعتمد على صلاح أهل الخراج لأن «النَّاسَ کُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ»(2).

حتى جباية الخراج كان الامام علي (عليه السلام) يراعي فيها صلاح الرعية فيؤكد على جباة الخراج قائلا: «إذا قدمت عليهم فلا تبيعن لهم كسوة شتاء ولا صيفا ولا رزقا يأكلونه ولا دابة يعملون عليها ولا تضر بن أحدا منهم سوطا واحدا في درهم ولا تقمه على رجله في طلب درهم ولا تبع لأحد منهم عرضا في شيء من الخراج فإنا إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو»(3). ولم يكتف (عليه السلام) بالوصية وإنما يتبعها بتذكير الجباة بمخافة الله ثم يهددهم بالعزل إن لم ينفذوا ما أمرهم به:

ص: 92


1- الحميري، عبد الله بن جعفر القمي (ت 300 ه) قرب الاسناد، تحقيق: مؤسسة آل البيت، قم، مهر، ط 1، 1413 ه، ص 138
2- شرح نهج البلاغة، 17/ 70
3- أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم (ت 183 ه) كتاب الخراج، بیروت، دار المعرفة، 1979 م، ص 16

«فَإِنْ أَنْتَ خَالَفْتَ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ يَأْخُذُكَ اللهَّ بِهِ دُونِي وَإِنْ بَلَغَنِي عَنْكَ خِلافَ ذَلِكَ عَزَلْتُكَ...»(1).

2- التجار والصنّاع

ثم ينتقل (عليه السلام) إلى فئة التجار وهي طبقة مهمة من طبقات المجتمع لها أثرها الكبير على المجتمع كله، وأيُّ اضطراب يصيب هذه الطبقة ينعكس على استقرار المجتمع؛ لأنها هي التي تتحكم بتوفير السلع وحركتها بين الناس، فإذا ماصلحت هذه الطبقة صلحت أحوال الرعية، ويكمل عمل التجار طبقة الصناع فالتجارة والصناعة على علاقة مهمة ببعضهما وفي صلاحهما يترفه المجتمع ولأهمية هاتين الطبقتين يوصي بهما (عليه السلام) فيقول لمالك (رضي الله عنه): «ثم استوصِ بالتجار وذوي الصناعات وأوصِ بهم خیراً»(2).

والإمام علي (عليه السلام) يقسم التجار على

ص: 93


1- م. ن
2- شرح نهج البلاغة، 17/ 83

قسمين: تاجر مقيم في بلده، وآخر متنقل بين البلدان، ومع أنّه (عليه السلام) يصفهم بقوله: «سلم لا تخاف بائقته، وصلح لا تخشى غائلته»(1)، لكنه يَحُذِّر من خطر هذه الفئة فيما لو أصابها الإنحراف؛ لأن انحرافها يؤدي إلى اضطراب أمر الرعية سواء أفي التحكم بعرض السلعة واحتكارها أم التلاعب بأسعار السلع، والموازين والمكاييل فيقول: «واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقا فاحشا، و شحا قبيحا، واحتكارا للمنافع، وتحكما في البياعات، وذلك باب مضرّة للعامّة، وعيب على الولاة»(2)، فيوجهه إلى كيفية التعامل مع هذا الانحراف کي تصلح الأمور قائلاً: «فَامْنَعْ مِنَ اَلاِحْتِکَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّی اَللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ) مَنَعَ مِنْهُ وَ لْیَکُنِ الْبَیْعُ بَیْعاً سَمْحاً بِمَوَازِینِ عَدْلٍ وَاسِعاً لاَ یُجْحَفُ بِالْفَرِیقَیْنِ مِنَ اَلْبَائِعِ وَ اَلْمُبْتَاعِ»(3). ويأمره بمحاسبة من

ص: 94


1- بن حمدون، محمد بن الحسن بن محمد بن علي (ت 562 ه) التذكرة الحمدونية، بیروت، دار صادر، ط 1، 1417 ه، 1/ 323
2- م. ن
3- شرح شرح نهج البلاغة، 17/ 83

يخالف ذلك فيقول: «فَمَنْ قَارَفَ حُکْرَةً بَعْدَ نَهْیِكَ إِیَّاهُ فَنَکِّلْ وَ عَاقِبْهُ فِی غَیْرِ إِسْرَافٍ»(1).

هكذا كان الإمام علي (عليه السلام) يتعامل مع عناصر اقتصاد الأمة، ويهِّيء كل السبل التي تجعل هذه العناصر في خدمة الرعية.

3- الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ والْمَسْكَنَةِ

حظيت هذه الطبقة باهتمام الإمام علي (عليه السلام) أكثر من غيرها من طبقات المجتمع الأخرى، لأنها تشكل القسم الأكبر من الرعية لا في عهد الإمام علي (رضي الله عنه)؛ فحسب وإنما في كل زمان ومكان. وكانت وصيته للأشتر (رضي الله عنه): «الله الله فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى»(2) وقد وَصَفَ من يقع تحت عنوان هذه الطبقة ب «الذين لا حيلة لهم»(3) وعرَّفهم قائلاً:

ص: 95


1- م. ن
2- شرح نهج البلاغة، 17/ 85
3- م. ن

«مِنَ الْمَسَاکِينِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَ الزَّمْنَ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً»(1).

ويؤكد الإمام علي (عليه السلام) على الولاة مباشرة هذه الطبقة بأنفسهم، وعلى الوالي أن يتولى بنفسه تنفيذ ما يترتب لها من حقوق في مختلف المجالات، فعلى المستوى المعاشي بين مصادر تخصیصاتهم المالية «وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ، وَقِسْماً مِنْ غَلاَّتِ صَوَافِي الإسْلاَمِ فِي کُلِّ بَلَد»(2)، ولم يكتفِ بالجانب الإقتصادي وإنما أهتم بالجانب المعنوي فقد أمَرَ واليه أن يخصص جزءاً من وقته يتفرغ فيه لهم شخصياً للإلتقاء بهم والجلوس معهم مذكراً إياه أنّ مايقوم به هو من باب التواضع لله «وَاجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ»(3).

ص: 96


1- م. ن
2- م. ن
3- شرح نهج البلاغة، ص 87

لاشك أنَّ معاملة الإمام علي (عليه السلام) لهذه الطبقة بهذه المعاملة يُعَدُّ بمثابة إصلاح لها. فقد جنبها الكفر لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «کاد الفقر ان يكون كفراً»(1) وعندما يكون الفقر «أشدَّ من القَتل»(2) وإنّ «القبر خير من الفقر»(3) فإنّه يتحول إلى عامل يؤدي إلى الانحراف وقد شَخَّصَ الإمام علي (عليه السلام) ما ينتج عن الفقر من خصال فقال: «من ابتلي بالفقر فقد ابتلي بأربع خصال، بالضعف في يقينه والنقصان في عقله والدقة في دينه وقلة الحياء في وجهه فنعوذ بالله من الفقر»(4) وإنّ من يحمل هذه الصفات لايكون بمقدوره أن «یکون فاضلا، وإنّ من اللغو أنّ يوعظ بالوعد والوعيد والترغيب والترهيب، وإنّ

ص: 97


1- المتقي الهندي، علاء الدين علي (ت 975 ه) کنز العمال، تصحیح: صفوة السقا، بیروت، مؤسسة الرسالة، ط 5، 1985، ح 16682، 6/ 492
2- میزان الحكمة، ح 15991، 8/ 3229
3- م. ن، ح 15993، 8/ 3229
4- القبانجي، مصدر سابق، 9/ 308

إنسانا كهذا ينقلب کافرا بالقيم والفضائل. وإنّ معدته الخاوية وجسده المعذب ومجتمعه الكافر بإنسانيته المتنكر له وشعوره بالاستغلال وميسم الضعة الذي يلاحقه أنی کان، هذه كلها تجعله لصّاً وسفاحاً وعدوًا للإنسانية التي لم تعترف له بحقه في الحياة الكريمة»(1). وعلى ضوء ما تقدم، علينا أن نتصور مجتمعاً تتصاعد فيه نسب الفقر كم سيكون مستوى الانحراف فيه؟.

المجموعة الثانية:

طبقات لم يفترض وجودها إنما تكلم (عليه السلام) في كيفية إنشائها وتكوينها، وهي: الجند، وكتّاب العامة والخاصة، وقضاة العدل، وعمال الإنصاف والرفق. وهذه المجموعة هي التي تدير المجتمع وتشرف على تصريف شؤونه ومن ثم يتعلق بها مصير المجتمع، ولكونها إرثاً من الحكم السابق، فهي تعاني من الفساد لذلك أولاها الإمام علي (عليه السلام) اهتماماً لإعادة

ص: 98


1- محمد مهدي شمس الدين، مصدر سابق، ص 390

بنائها من جديد.(1)ولذلك وضع الإمام علي (عليه السلام) منهاجاً متكاملاً في تغيير بنية كل طبقة منها.

1- الجنود:

ولأهمية دور الجند في حماية أمن البلاد في الداخل والخارج «فالجنود بإذن الله حصون الرعية، وزين الولاة، وعز الدين، وسبل الأمن، وليس تقوم الرعية إلا بهم»(2)، فقد أعاد الإمام بناء المؤسسة العسكرية مؤكداً على أهمية الولاء لله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) کما جاء في أمره المالك (رضي الله عنه): «فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك»(3) وينتقل إلى المؤهلات الشخصية للجندي والتي تنعكس آثارها على الرعية فيختار: «أنقاهم جيباً، وأفضلهم حلماً، ممن يبطئ عن الغضب، ويستريح إلى العذر، ويرأف بالضعفاء

ص: 99


1- يُنظر: م. ن، ص 57
2- شرح نهج البلاغة، 17/ 49
3- شرح نهج البلاغة، 17/ 51

وينبو على الأقوياء. وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف»(1). ثم يضع معايير تزكيته في تربيته ونشأته: «ثم الصق بذوي الأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة»(2). وبعد أن يطمئن (عليه السلام) إلى صلاح الجندي بما يحقق مصلحة الرعية يضع المواصفات التي تتطلبها الجندية حيث يرى الإمام علي (عليه السلام) أنّ الجندي يجب أن يكون من «أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة، فإنهم جماع من الكرم، وشعب من العرف»(3).

2- كتّاب العامة والخاصة:

وهم الموظفون في جهاز الدولة الذين يتولون كتابة مايصدر عن الولاة من توجيهات وأوامر وقرارات تتعلق بأمور الدولة والرعية ولأهمية هذه الفئة في كونها حلقة الوصل بين الراعي والرعية فقد أولاها (عليه

ص: 100


1- م. ن
2- م. ن
3- م. ن

السلام) أهمية أكد فيها على اختيار الأصلح «ثم أنظر في حال كتابك فولِّ على أمورك خيرهم، واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك وأسرارك بأجمعهم لوجود صالح الأخلاق»(1).

وإصلاح هذه الفئة يقوم على: الإختيار السليم ممن يُشهَد له بالتجربة وتكنُّ له الرعية احتراماً وله أثر في الأُمة حسن «ثم لا يكنُّ اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك و حسن الظن منك، فإن الرجال يتعرفون لفراسات الولاة بتصنعهم وحسن خدمتهم، وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شيء. ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثراً، وأعرفهم بالأمانة وجهاً»(2)، أي إنّ اختيارهم يجب أن لا يخضع للرغبات الشخصية، وهنا يؤكد الإمام علي (عليه السلام) على مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب، وبذلك يكون قد اجتث أهم أدوات الفساد

ص: 101


1- م. ن. ص 75
2- م. ن

الإداري، والإجتماعي المتمثلة بالمحسوبية والوساطة، الإقامة مجتمع صالح خال من واقع الفساد الإداري، الذي تعاني منه المجتمعات بسبب سوء إدارة التوظيف.

3- طبقة القضاة:

فإن الإمام علياً (عليه السلام) عندما يتحدث عنها، إنما يتحدث بصفته اقضى المسلمين لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) مخاطباً أصحابه: «أقضاکم علي»(1)، وفي قول آخر «أقضى أمتي علي»(2). و «عن عمر: أقضانا علي»(3) وفي كلام للإمام الباقر (عليه السلام) يصف قضاء الإمام علي (عليه السلام): «ليس

ص: 102


1- السخاوي، محمد عبد الرحمن (ت 902 ه) المقاصد الحسنة، تحقيق: محمد عثمان الخشن، بیروت، دار الكتاب العربي، ط 1، 1958 م، ح 142، ص 134
2- م. ن. ص 135
3- ابن شبة، عمر بن شبة بن عبيدة (ت 262 ه) تاريخ المدينة، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، 1399 ه، 2/ 706؛ ابن حجر، أحمد بن علي (ت 852 ه) فتح الباري، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة السلفية، 8/ 67

أحد يقضي بقضاء يصيب في الحق إلّا مفتاحه قضاء علي». وفي اختياره للقضاة يؤكد (عليه السلام) على المزايا الخلقية الكريمة التي يجب أن يتحلى بها القاضي فيأمر مالك الأشتر (رضي الله عنه) قائلاً: «ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفئ إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم. ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء. وأولئك قليل»(1).

ولم يكتف الإمام (عليه السلام) بخُلِق القاضي بل أراد أن يحمي حُسن سير القضاء وضمان حقوق الخصوم وهم من الرعية وعدم الإضرار بهم من خلال نزاهة القاضي بحمايته من نفسه والتي قد تدفعه إلى

ص: 103


1- شرح نهج البلاغة، 17/ 58

التعسف باستعمال سلطته؛ فوضع له امتیازاتٍ و حقوقاً تجنبه ذلك فيقول (عليه السلام): «ثم أكثر تعاهد قضائه، وافسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك. فانظر في ذلك نظراً بليغاً»(1). ثم يعود الإمام علي (عليه السلام) ليذكر بالإنحراف الذي أصاب مسيرة الأمة الإسلامية في عهد من سبقه مما أوجب الإصلاح فيقول في إشارة إلى قضاة عثمان وولاته حيث كانوا لا يقضون بالحق بل يتحكم فيهم الهوى: «فإن هذا الدين قد كان أسيراً في أيدي الأشرار يُعمل فيه بالهوى، وتُطلب به الدنيا»(2).

فإصلاح القضاء هو الطريق لإصلاح البلاد من الفساد.

ص: 104


1- م. ن. 17/ 59
2- م. ن. 17/ 60

4- طبقة الولاة:

فما أن تسلم زمام الأمور حتی بادر إلى إعفاء ولاة عثمان على أقاليم الدولة حتى أنّه رفض إقتراح إبقاء معاوية على الشام إلى أن يستقر له الحكم ثم ينحيه فيما بعد، وكان سبب التغيير هو سوء سيرة ولاة عثمان؛ لأنه عينهم بغير وجه حق؛ فكانوا فيما ارتكبوه من ظلم للرعية وعدم درایتهم بالسياسة وأصول الحكم، من بين أهم أسباب ثورة الأمصار عليه التي انتهت بمقتله، الأمر الذي دعا الإمام علياً (عليه السلام) أن يبدأ مشروعه الإصلاحي بتغييرهم معللاً ذلك بقوله: «... وَلَکِنَّنِی آسَی أَنْ یَلِیَ أَمْرَ هذِهِ الْأُمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وَفُجَّارُهَا، فَیَتَّخِذُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلاً، وَعِبَادَهُ خَوَلاً، وَالصَّالِحِینَ حَرْباً، وَالْفَاسِقِینَ حِزْباً، فَإِنَّ مِنْهُمُ الَّذِی قَدْ شَرِبَ فِیکُمُ الْحَرَامَ، وَجُلِدَ حَدّاً فِی الْإِسْلَامِ، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ یُسْلِمْ حَتَّی رُضِخَتْ لَهُ عَلَی الْإِسْلَامِ الرَّضَائِخُ»(1).

ص: 105


1- صبحي الصالح، نهج البلاغة - الرسالة 62، ص 452

حتی ابن تيمية لم يستطع أن يخفي مثالب خلافة عثمان وخاصة في تقريبه لعشيرته فيقول: «ونحن لا ننكر أنّ عثمان - رضي الله عنه - كان يحب بني أمية، وكان يواليهم ويعطيهم أموالا كثيرة»(1).

وكان منهج الإمام علي (عليه السلام) في عملية تغيير الولاة كما جاء في عهده المالك الاشتر (رضي الله عنه): «استعملهم اختباراً ثمّ تفقّد أعمالهم وأبعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم»(2) وكان (عليه السلام) شديداً في محاسبتهم، فقد كتب إلى زياد بن أبيه: «وإنّي أُقسم بالله قسماً صادقاً، لئن بلغني أنّك خنت من فيء المسلمين شيئاً صغيراً أو كبيراً، لأشدنّ عليك شدّة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر، ضئيل الأمر»(3).

وقد بين الإمام علي (عليه السلام) أثر الوالي على إصلاح الرعية في قوله: «وقد علمتم أنه لا ينبغي أن

ص: 106


1- ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، منهاج السنة النبوية، تحقيق: محمد رشاد سالم، ط 1، 1986 م، 6/ 356
2- شرح نهج البلاغة، 17/ 68
3- صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 377

يكون الوالي على الفروج، والدماء، والمغانم، والأحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيُهلك الأمة»(1).

وكان (عليه السلام) يرى أنه «لا يقيم أمر الله سبحانه إلا من لا يصانع ولا يضارع ولا يتبع المطامع»(2).

ولم يقف عند الاختبار بل كان (عليه السلام) يُمعن في مراقبة ولاته ففي كتابه إلى مالك بن كعب: «أخرج في طائفة من أصحابك حتّى تمرّ بأرض كورة السواد(3)، فتسأل عن عمّالي، وتنظر في سيرتهم فيما بين

ص: 107


1- م. ن. ص. 189
2- م. ن. ص 488
3- السواد: أراضي وقرى العراق وضياعها، سمّي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار، معجم البلدان 3/ 272

دجلة والعذيب(1)، ثمّ ارجع إلى البهقباذات(2) فتولّ معونتها، واعمل بطاعة الله فيما ولاّك منها. واعلم أنّ كلّ عمل ابن آدم محفوظ عليه مجزيّ به، فاصنع خيراً صنع الله بنا وبك خيراً، وأعلمني الصدق فيما صنعت والسلام»(3).

ص: 108


1- العذيب: ماء لبني تميم، وهو أوّل ماء يلقاه الإنسان بالبادية إذا سار من قادسية الكوفة يريد مكّة (تقویم البلدان 79)
2- بهقباذ: من أعمال سقي الفرات (معجم البلدان 1/ 516)
3- اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب (ت 284 ه) تاريخ اليعقوبي، تحقيق: عبد الأمير مهنا، بیروت، شركة الأعلمي، ط 1، 2010 م، 2/ 109

الخاتمة:

تعد العلاقة السليمة بين الراعي والرعية، القائمة على معيار القرب من الله سبحانه وتعالى، من أفضل أساليب الإدارة التي ترتقي بالأمة إلى افضل مستويات الحياة.

وإنّ معيار الإمام علي (عليه السلام) في هذا المجال كانت قائمة على ثنائية الراعي والرعية فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية.

ولذا أكد الإمام علي (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر (رضي الله عنه) على اختيار الراعي ممن تتحقق فيه الموالاة والإخلاص، ووضع له برنامجاً لتقويم شخصه أساسه التقوى ورضا الله، ثم بين له ما يتوجب

ص: 109

عليه القيام به لتستقيم له الرعية، مُعزِزاً ذلك برقابة دائمة تضمن سلامة التنفيذ وتصحح المسار في الوقت المناسب ثم العقوبة لمن يتمادي في الخطأ، والعزل عن الوظيفة.

وفيما يتعلق بالرعية فإنّه (عليه السلام) يؤكد على (استقامة الرعية) وتتحقق هذه الاستقامة عبر تثقيف يرتكز على بيان ما للرعية من حقوق على الدولة وما عليها من واجبات. ولا يتحقق الإصلاح برفع الشعارات وإنَّما أساس نجاح عملية الإصلاح هو أن يمتلك (الرعاة) روح المبادرة والتصدي وأن يقرن القول بالفعل.

وما أحوجنا اليوم ونحن نعاني من أزمات في مختلف الميادين ولاسيما الاجتماعية الناجمة عن الخلل الإداري إن نرجع إلى فكر الإمام علي (عليه السلام) وأن نتبناه عملاً قبل القول كي نستطيع أن نعيد الأمور إلى نصابها. وفي عهد الإمام (عليه السلام) لمالك (رضي الله عنه) ما يكفي لتحقيق ذلك.

ص: 110

قائمة المصادر والمراجع

القرآن الكريم

1- أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفي: 395 ه) معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، بيروت - دار الفكر، 1979 م.

2- أرسطوطاليس، علم الاخلاق، نقله إلى العربية: أحمد لطفي السيد، القاهرة - دار الكتب المصرية، 1924 م.

3- الألباني، أبو عبد الحمن محمد ناصر الدين (ت 1420 ه) سلسلة الاحاديث الصحيحة، الرياض - مكتبة المعارف، ط 1 - 1996 م.

ص: 111

4- الآمدي، ناصح الدين أبو الفتح عبد الوحد (ت 550 ه) غُرَر الحِكَم ودُرَر الكَلِم، تدقيق: عبد الحسن دهيني، بيروت - دار الهادي، ط 1- 1992 م.

5- الأمين، محسن، أعيان الشيعة، تحقيق حسن الأمين، بيروت - دار التعارف، 1983 م.

6- الأميني، عبد الحسين أحمد، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، بيروت - الاعلمي، ط 1 - 1994 م.

7- ابن باديس، عبد الحميد محمد الصنهاجي (ت 1359 ه) في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، تحقيق: أحمد شمس الدين، بيروت - دار الكتب العلمية، ط 1 - 1416 ه.

8- البحراني، السيد هاشم (ت 1109 ه)، بغية المرام وحجة الخصام، تحقيق: علي عاشور، بيروت - مؤسسة التاريخ العربي، ط 1 - 2001 م.

9- البخاري، محمد بن إسماعيل (ت 256 ه) صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر، دار طوق النجاة، ط 1 - 1422 ه.

ص: 112

10- البرقوقي، عبد الرحمن (ت 1944 ه) شرح ديوان المتنبي، القاهرة - مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة.

11- أبوالبقاء، أيوب بن موسى الحسيني (ت 1094 ه) الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، تحقيق: عدنان درويش - محمد المصري، بيروت - مؤسسة الرسالة.

12- البلاذري، أحمد بن يحيى (ت 279 ه)، أنساب الأشراف، تحقيق: سهيل زكار ورياض زركلي، بیروت، دار الفكر، ط 1-1996م.

13- الترمذي، محمد بن عیسی (ت 279 ه) سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، مصر - مصطفى البابي الحلبي، ط 2 - 1975 م.

14- التستري، نور الله الحسيني المرعشي (ت 1019 م) إحقاق الحق وإزهاق الباطل.

15- التهانوي، محمد بن علي ابن القاضي محمد (ت بعد 1158 ه) موسوعة كشاف اصطلاحات

ص: 113

الفنون والعلوم، تحقيق: علي دحروج، بيروت - مكتبة لبنان ناشرون، ط 1 - 1996 م.

16- ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، منهاج السنة النبوية، تحقيق: محمد رشاد سالم، ط 1 - 1986 م.

17- الثعلبي، أبو اسحق أحمد (ت 427 ه) الكشف والبيان، تحقيق: محمد بن عاشور، بيروت - دار إحياء التراث العربي، ط 1 - 2002 م.

18- الثقفي، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد (ت 283 ه) الغارات، تحقيق: عبد الزهراء الحسيني، بيروت - دار الأضواء، ط 1 - 1987 م.

19- الجرجاني، علي بن محمد (ت 816 ه) معجم التعريفات، تحقيق: محمد صديق المنشاوي، القاهرة - دار الفضيلة.

25- الجوهري، إسماعيل بن حماد (ت 393 ه) تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبد غفور عطار، بیروت - دار العلم للملايين، ط 2 - 1979 م.

21- الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر،

ص: 114

أحمد بن علي العسقلاني (ت 852 ه)، بیروت - المكتبة العصرية، ط 1 - 1433 ه.

22- فتح الباري، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة السلفية.

23- ابن أبي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله (ت 656 ه) شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت - دار إحياء الكتب العربية، ط 2 - 1965 م.

24- الحر العاملي، محمد بن الحسن (ت 1104 ه) وسائل الشيعة، تحقيق: مؤسسة آل البيت، قم - مطبعة - مهر، ط 2 - 1414 ه.

25- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر (ت 726 ه) خلاصة الأقوال، تحقيق: جواد القيومي، قم - نشر الفقاهة، ط - 1431 ه.

26- ابن حمدون، محمد بن الحسن بن محمد بن علي (ت 562 ه) التذكرة الحمدونية، بيروت - دار صادر، ط 1 - 1417 ه.

وهو

ص: 115

27- الحميري، عبد الله بن جعفر القمي (ت 300 ه) قرب الإسناد، تحقيق: مؤسسة آل البيت، قم - مهر، ط 1 - 1413 ه.

28- ابن حوقل، كتاب صورة الأرض، بیروت: مكتبة الحياة، 1992.

29- ابن خلدون، عبد الرحمن (ت 808 ه) تاریخ ابن خلدون، بیروت: دار الفكر، 2000.

30- أبو داود، سليمان بن الأشعث (ت 275 ه) سنن أبي داود، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت - المكتبة العصرية.

31- الدبيسي، محمد، التقوى في القرآن الكريم، القاهرة - دار المحدثين، ط 1 - 2008 م.

32- الدينوري، أبو حنيفة أحمد بن داود (ت 282 ه) الأخبار الطوال، تحقيق: عبد المنعم عامر، القاهرة - دار إحياء الكتاب العربي، ط 1 - 1960 م.

33- الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 ه) سير إعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرنؤوط،

ص: 116

بيروت - مؤسسة الرسالة، ط 2 - 1982 م.

34- الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر (ت 666 ه) مختار الصحاح، بيروت - مكتبة لبنان، 1989 م.

35- الرازي، محمد فخر الدين (ت 604 ه) تفسير الفخر الرازي، بيروت - دار الفكر، ط 1 - 1981 م.

36- الراغب، أبو القاسم الحسين بن محمد (ت 502 ه) المفردات في غريب القرآن، تحقيق: محمد سيد كيلاني، بيروت - دار المعرفة.

37- الراوندي، سعيد بن هبة الله (ت 573 ه) منهاج البراعة، تحقيق: عبد اللطيف الكوهكمري، قم - مطبعة الخيام، 1406 ه.

38- ابن رجب، زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن (ت 795 ه) جامع العلوم والحكم، تعليق ماهر یاسین، بیروت - دار ابن كثير، ط 1 - 2008.

39- الريشهري، محمد، میزان الحكمة، قم - دار الحديث، ط 1 - 1422 ه.

ص: 117

40- الزبيدي، محمد بن محمد بن عبد الرزاق (ت 1205 ه) تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: مجموعة من المحققين، بيروت - دار الهداية.

41- السخاوي، محمد عبد الرحمن (ت 902 ه) المقاصد الحسنة، تحقيق: محمد عثمان الخشن، بيروت - دار الكتاب العربي، ط 1 - 1958 م.

42- ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع البصري (ت 230 ه)، الطبقات الکبری، بیروت، دار صادر، 1957 م.

43- ابن شبة، عمر بن شبة بن عبيدة (ت 262 ه) تاريخ المدينة، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، 1399 ه.

44- شمس الدين، محمد مهدي، دراسات في نهج البلاغة، بيروت - دار الزهراء، ط 2 - 1972 م.

45- ابن شهر اشوب، أبو جعفر محمد بن علي (ت 588 ه) مناقب آل أبي طالب، تحقيق: يوسف

ص: 118

البقاعي، بيروت - دار الأضواء، ط 2 - 1412 ه.

46- الشيرازي، ناصر مکارم، نفحات الولاية، إعداد: عبد الرحيم الحمراني، قم - سلیمان زاده، ط 2 - 1426 ه.

47- الصالح، صبحي، نهج البلاغة، القاهرة - دار الكتاب المصري، ط 4 - 2004 م.

48- معاني الأخبار، الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي (ت 381 ه)، تصحیح: علي أكبر الغفاري، قم - مؤسسة النشر الإسلامي، 1379 ه.

49- كتاب الخصال، صححه: علي أكبر الغفاري، قم - الحوزة العلمية.

50- الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت مؤسسة الإعلمي، ط 1 - 1997، 6/ 128.

51- الطبري، محمد بن جریر (ت 310 ه) تاریخ الطبري، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مصر - دار المعارف، ط 2.

ص: 119

52- العاملي، جعفر مرتضی، الصحیح من سيرة الإمام علي، المركز الإسلامي للدراسات، ط 1 - 2009 م.

53- عبد الحميد، محمد محيي الدين، المختار من صحاح اللغة، القاهرة - المكتبة التجارية.

54- ابن عساکر، أبو القاسم علي بن الحسن (ت 571 ه) تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: محب الدين العمري، بيروت - دار الفكر، 1995 م.

55- العسكري، مرتضی، معالم المدرستين، القاهرة - مكتبة مدبولي، ط 5 - 1993 م.

56- المتقي الهندي، علاء الدين علي (ت 975 ه) کنز العمال، تصحیح: صفوة السقا، بيروت - مؤسسة الرسالة، ط 5 - 1985.

57- العقاد، عباس محمود، شخصيات إسلامية، بيروت - دار الكتاب العربي.

58- الفكيكي، توفيق، الراعي والرعية، بغداد - مطبعة أسد، 1962 م.

ص: 120

59- الفيومي، أحمد بن محمد بن علي المقري (ت 770 ه) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، مصر - مكتبة محمد عبد الواحد بك، ط 1 - 1322 ه.

60- القبانجي، السيد حسن، مسند الإمام علي، تحقیق: طاهر السلامي، بيروت - مؤسسة الأعلمي، ط 1 - 2000 م.

61- القمي، عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم (ت 1359 ه): منازل الاخرة، ترجمة: حسين كوراني، سوریا دار التعارف، 1993 م.

62- سفينة البحار، قم - دار الاسوة، ط 2 - 1416 ه.

63- الكافي: الكليني، محمد بن يعقوب (ت 329 ه) أصول الكافي، بيروت - منشورات الفجر، ط 1 - 2007 م.

64- ابن كثير، أبي الفداء إسماعيل (ت 774 ه) البداية والنهاية، تحقيق: محيي الدين أديب، بیروت

ص: 121

- دار بن كثير، ط 2 - 2010 م.

65- اللحجي، عبد الله بن سعيد محمد (ت 1410 ه) منتهى السؤول، جدة - دار المنهاج.

66- لوبون، غوستاف (ت 1931 م) روح الإجتماع، ترجمة: أحمد فتحي زغلول، مصر- دار الجماهير، 1909 م.

67- ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد (ت 273 ه) سنن ابن ماجة، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت - دار إحياء الكتب العربية.

68- المامقاني، عبد الله (ت 1351 ه) تنقیح المقال في علم الرجال، تحقيق: محيي الدين المامقاني، قم - مؤسسة آل البيت، ط 1- 1423 ه.

69- المتقي الهندي، علاء الدين علي (ت 975 ه) کنز العمال، تصحیح: صفوة السقا، بيروت - مؤسسة الرسالة، ط 5 - 1985.

70- مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، مكتبة الشروق الدولية، ط 4 - 2004 م.

ص: 122

71- محمد نوح، آفات على الطريق.

72- مسلم بن الحجاج (ت 261 ه)، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت - دار احياء التراث العربي.

73- مطهري، مرتضي، في رحاب نهج البلاغة، بيروت - الدار الإسلامية، ط 1 - 1992 م.

74- الحائري، أيوب، قبسات من نهج البلاغة.

75- الآمالي، الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري (ت 413 ه)، دار التيار الجديد.

76- الجمل، ط 1 - 1403 ه.

77- الإختصاص، تحقيق: علي أكبر غفاري، بيروت - مؤسسة الأعلمي، ط 1 - 2009 م.

78- ابن منظور، لسان العرب، تحقيق: عبد الله علي الكبير وآخرون، القاهرة - دار المعارف.

79- المنقري، نصر بن مزاحم (ت 212 ه) وقعة صفين، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، بيروت - دار الجيل، 1990 م.

ص: 123

80- المودودي، أبو الأعلى، الخلافة والملك، تعريب: أحمد المدرسة الكويت - دار القلم، ط 1 - 1978 م.

81- ميكافيلي، كتاب الأمير، ترجمة: أكرم مؤمن، مكتبة ابن سينا.

82- النيشابوري، محمد بن الفتال (ت 508 ه) روضة الواعظین، تحقيق غلام حسين المجيدي، قم - مطبعة نكارش، ط 1 - 1423 م.

83- هيثمي، نور الدين علي بن سليمان (ت 807 ه) بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، تحقيق: حسين أحمد صالح، السعودية - الجامعة الإسلامية، ط 1- 1992 م.

84- الواسطي، كافي الدين أبي الحسن (ق 6 ه) عيون الحكم والمواعظ، تحقيق: حسين الحسني، قم - دار الحديث، ط 1 - د. ت.

85- الواقدي، عمر بن واقد (ت 207 ه) فتوح الشام، تصحیح: عبد اللطيف عبد الرحمن، بيروت

ص: 124

- دار الكتب العلمية، ط 1 - 1997 م.

86- الألوسي، شهاب الدين السيد محمود (ت 1270 ه) روح المعاني، تحقيق: علي عبد الباري عطية، بيروت - دار الكتب العلمية، ط 1 - 1415 ه.

87- ياقوت الحموي، شهاب الدين أبي عبدالله (ت 626 ه) معجم البلدان، بیروت - دار صادر، 1956 م.

88- اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب (ت 284 ه) تاريخ اليعقوبي، تحقيق: عبد الأمير مهنا، بیروت - شركة الأعلمي، ط 1 - 2010 م.

89- أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم (ت 183 ه) كتاب الخراج، بيروت - دار المعرفة، 1979 م.

ص: 125

المحتويات

مقدمة المؤسسة:...5

المقدمة:...9

المدخل:...15

عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضی الله عنه):...31

المبحث الأول: صلاح الراعي...41

الصلاح لغةً:...41

الصلاح اصطلاحًا:...42

المبحث الثاني: إصلاح الرعية...69

الإصلاح لغةً:...69

الإصلاح اصطلاحًا:...70

الرعية:...73

الخاتمة:...109

قائمة المصادر والمراجع...111

ص: 126

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.