النهضة الحسينية دراسة في الاسباب و البواعث

هوية الکتاب

العتبة العباسية المقدسة

قسم الشؤون الفکرية و الثقافية

النَهْضَةُ الحُسَينية

دراسة في الاسباب و البواعث

الشيخ جبار الفريجي

اصدارات

معهد تراث الأنبياء عليهم السلام للدراسات الحَوزَويَة الالكترونية

ص: 1

اشارة

العتبة العباسية المقدسة

قسم الشؤون الفکرية و الثقافية

www.alkafeel.net

info@alkafeel.net

nashra@alkafeel.net

كربلاء المقدسة

ص.ب (233)

هاتف: 322600، داخلي: 175-163

الكتاب: النهضة الحسينية دراسة في الاسباب والبواعث.

تأليف :الشيخ جبار الفريجي

الناشر : قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، معهد تراث الأنبياء للدراسات

الحوزوية الإلكترونية.

الاخراج الطباعي: علاء سعيد الاسدي.

المطبعة: دار الكفيل للطباعة والنشر.

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 500

جمادى الأولى 1442ه- - كانون الاول 2020م

ص: 2

مقدمة الجامعة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد و آله الطيبين.قال تعالی ﴿االَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى باللهِ حَسِيبًا﴾.

سورة الاحزاب (39)

إن من أهم الأهداف الأساسية لثورة الإمام الحسين علیه السلام- بالإضافة إلى هدف الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإتمام الحجة على الناس، وكونها ثورة رافضة للاستسلام والخضوع للجبابرة والطغاة والسلطات الغاشمة في ذلك العصر - هو هدف تجسيد المعنى الحقيقي للتبليغ والتعريف بالإسلام وحقيقته الناصعة. وكلنا يعلم الدور العظيم الذي تجسّد على أيدي بنات رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم في إظهار حقيقة الثورة الحسينية وإيصال صوتها وأهدافها وغاياتها إلى جميع البشرية، بعد أن تصوّر المعسكر الأموي أنّه استطاع خنق الصوت الحسيني والقضاء عليه في طفّ كربلاء.

وانطلاقاً من هذا الهدف السامي لهذه الثورة العظيمة، التي كانت وما زالت تمدُّ الإنسانية بكل قيم الإباء والعطاء، ولأجل بناء جيلٍ من المبلغات يستطعنَ تجسيد أهداف ثورة الإمام الحسين علیه السلام في خطابهنّ التبليغي والإرشادي، وعلى أسس علمية رصينة بعيدة عن الارتجال، وحسب منهج مُعَدّ من قبل أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف؛ طرحنا فكرة إنشاء جامعة أم البنين عليها السلام الإلكترونية النسوية، والتي كان أحد أقسامها : قسم إعداد المبلغات، بعد نجاح مشروع معهد تراث الأنبياء عليهم السلام

ص: 3

للدراسات الحوزوية الإلكترونية، حيث رأينا ولمسنا الإقبال المتزايد على الدراسة الحوزوية الإلكترونية من قِبَل الشباب المؤمن الطموح في الكثير من أقطار الأرض، بعد أنْ كان الحاجز الأساسي بينهم وبين الوصول إلى منابع ومناهل المعرفة في النجف الأشرف هو البعد المكاني، فكسرنا هذا الحاجز من خلال الدراسة الإلكترونية؛ لننقل هذه التجربة إلى إنشاء جامعة تخصصية لإعداد المبلغات الرساليات، وتكون مدة الدراسة فيها أربع سنوات، ثلاث سنوات منها دراسية تخصصية، والسنة الرابعة تطبيق عملي للخطابة والتبليغ داخل وخارج العراق.

وتكمن رؤيتنا المستقبلية في إعداد وتمكين جيل من المبلغات الرساليات، اللاتي يملكْن القدرة على إيصال المعلومة الدينية الصحيحة، بأسلوب رصين ومتحضر، يتناسب مع قيمة المنبر الحسيني وعقلية المتلقي العصري.

ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف، عملنا على توفير مناهج دراسية رصينة لتعليم المبلغات فن الخطابة المقنع والمؤثر، ورفدهنَّ بالمعلومة التاريخية الدقيقة والمنهج الديني العلمي المبسّط، ودعم هذه المناهج بالتجربة العملية لتكون المبلغة قادرة على رفع الوعي العام في المجتمع الإسلامي.

وفي الحقيقة، فنحن نهدف من ذلك إلى تحقيق عدة أهداف، خلاصتها:

1 -رفع الوعي العام في المجتمع الإسلامي بأهداف ومبادئ الثورة الحسينية وأسبابها ونتائجها، عن طريق حث المبلغات على تقديمها بأسلوب علمي وعصري دون الاعتماد بشكل كلي على الجانب الرثائي من الثورة.

2 - الحفاظ على قيمة ومستوى المعلومة المقدمة في المنبر الحسيني النسوي، عن طريق تخليصه من الخرافات والمعلومات غير الدقيقة، التي تقدم غالباً بسبب السهو أو الجهل بالمعلومة الصحيحة من قبل المبلغة .

ص: 4

3- مواجهة الأسلوب الخطابي المؤثر للتيارات الفكرية المنحرفة، عن طريق رفع مستوى الثقافة العامة للمبلغات، وتدريبهن على فن الخطابة المقنع والمؤثر.

4- رفع مستوى الجانب الفقهي والعقائدي لدى المجتمع النسوي عن طريق الاستفادة من دور المبلغة وأهمية وتأثير المنبر الحسيني في المجتمع.

في كل ذلك اعتمدنا على مناهج علمية رصينة في علوم الفقه والكلام والنحو والمنطق والأخلاق والخطابة والتاريخ.

اعتمادُنا أولاً وآخراً على الباري جل وعلا أن يوفقنا لإتمام هذا المشروع، ونستمد اللطف من أهل بيت العصمة ( صلوات الله عليهم) أن يكونوا شفعاءنا إلى الباري جل وعلا في ذلك، مشفِّعين في ذلك كله المولى أبا الفضل العباس بن أبي طالب عليهم السلام، الذي كنا ولا نزال ننهل من بركاته نسأل الله تعالى ان يمن علينا برضاه، وأن يوفقنا لنكون خداماً لمذهب أهل البيت عليهم السلام .

إدارة الجامعة

ص: 5

ص: 6

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد المصطفى

وآله الطيبين الطاهرين.

الحديث عن نهضة الامام الحسين علیه السلام متعدد الجوانب والابعاد، ومن الجوانب المهمة التي لها آثارها هو البحث عن اسباب النهضة الحسينية وبواعثها، وفي العصور السابقة كان الحديث عن اسباب النهضة الحسينية يقع في تضاعيف كلام العلماء والباحثين، وفي ثنايا الحديث عن نهضة الامام الحسين علیه السلام التي انتهت باستشهاده ومَنْ معه، سواء كان ذلك من خلال الحديث عن سيرة الامام الحسين علیه السلام، أم من خلال الحديث عن مقتله علیه السلام وما يرتبط به من ابحاث، والمهم أنّهم لم يتناولوا هذا الموضوع بشكلٍ مباشر ومستقل، ولكنْ في العصر الحاضر أهتم العلماء والباحثون بتحديد وتشخيص اسباب نهضة الامام الحسين علیه السلام وبواعثها، ونتج عن ذلك بعض البحوث، التي اعرب الباحثون فيها عن رأيهم في هذه المسألة.

وهذه البحوث التي بين يدي القارئ الكريم هي عبارة عن مجموعة من المحاضرات التي اُلقيت على طالبات جامعة السيدة ام البنين عليها السلام الالكترونية، التابعة للعتبة العباسية المقدسة، ومحورها يدور حول اسباب نهضة الامام الحسين علیه السلام، وتمخض عن ذلك أنْ اجتمع عندي مجموعة من البحوث ترتبط بهذا الموضوع، وهي الماثلة بين يدي القارئ الكريم.

وقد وقع البحث في هذا الموضوع في مبحث تمهيدي، وعّدة فصول، تكفل

ص: 7

الحديث في المبحث التمهيدي عن تحديد بعض المفردات، وتشخيص منهج البحث في هذا الموضوع، وتسليط الضوء بشكلٍ مختصرٍ على أهم النظريات في هذه المسألة، وأمّا الفصول فالحديث فيها عن اسباب النهضة الحسينية المباركة وبواعثها .

جبار محارب الفريجي

النجف الاشرف، 3 شعبان 1440ه-

ص: 8

مبحث تمهيدي

الكلام في هذا المبحث التمهيدي يقع في عدّة مطالب.

المطلب الأوّل: في تحديد بعض المفردات.

1 - السبب :

السبب في اللغة: الحبل، وسمّي كلّ ما يتوصل به الى شيء سبباً، وجمعه اسباب (1)(1).

وفي الاصطلاح: يطلق السبب على ما يبعث الفاعل على الفعل، ويقال له بهذا المعنى العلّة الغائية(2)(2)، وهي «التي يكون وجود الشيء لاجلها، كالجلوس على السرير،

فهي الغاية التي من أجلها وجد» (3)(3)، والغاية تتأخر في حصول الوجود على المعلول، إلا أنّها تتقدم سائر العلل في أنّ لها وجوداً في النفس، فالمحرّك الأوّل في كلّ شيء هو الغاية (4)(4) .

ويطلق على السبب الباعث، فإنّ الباعث« ما يحمل على الفعل، كالباعث على الثورة، والباعث على التنظيم، ويطلق على كلّ سبب عقلي يحدث فعلاً ارادياً، أو ينزع الى احداثه، أو على كلّ حالةٍ ذهنيةٍ تغلب فيها العناصر العقلية على العناصر الانفعالية» (5)(5) .

ص: 9


1- الراغب الأصفهاني، مفردات الفاظ القرآن، 307 ، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، 102.
2- ابو البقاء الكفوي، الكليات، 424 .
3- جميل صليبا، المعجم الفلسفي، 96/2 .
4- انظر: جميل صليبا، المعجم الفلسفي، 96/2 .
5- جميل صليبا، المعجم الفلسفي، 196/1.

وتجدر الاشارة الى أنّ الباعث يفترق عن الدافع - مع أنّهما يشتركان في السببية والحمل على الفعل والعلّية والمحرّكية، فإنّ «الدافع هو المحرّك... ومعنى الدافع لا ينفصل عن معنى الحركة... فالدافع إذن مبدأ الفعل والتغير »(1)(1) - في أنّ الباعث يتميز - باشتماله على تقدير موضوعي للمواقف، باعتبار أنّ اسباب الفعل عقلية، أمّا الدافع فيتميز باشتماله على عناصر ذاتية، كالرغبات والعواطف والاهواء، فالاسباب إذا كانت قلبية سمّيت بالدوافع(2)(2).

وعلى ضوء ما تقدّم فاسباب النهضة الحسينية في واقعها هي علل غائية للنهضة، وهي في نفس الوقت بواعث للنهضة، وهي في نفس الوقت أهداف للنهضة، فإنّ الاهداف هي الأمور التي سعت النهضة لتحقيقها، فهي وإنْ كانت متأخرة بحسب الوجود الخارجي إلا أنّها متقدّمة في التصور (3)(3).

2- النهضة :

النهضة في اللغة: النون والهاء والضاد أصل يدلّ على حركة في علو(4) (4)، والنهضة:

الطاقة والقوة(5) (5)، وهي البراح من الموضع والقيام به (6)(6).

ونهض نهضاً ونهوضًا عن مكانه أرتفع عنه، وعلى عدوّه أسرع إليه، وأيضاً: للأمر

ص: 10


1- المصدر نفسه، 557/1
2- انظر: جميل صليبا، المعجم الفلسفي، 558/1 .
3- وبهذا اللحاظ لا داعي لفرز الاسباب عن الاهداف.
4- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 5 / 363.
5- الزبيدي، تاج العروس، 456/10 .
6- ابن منظور، لسان العرب، 456/6 .

قام واستعد (1) (1)، والناهض : هو الطائر الذي وَفُرَ جناحاه وتهيأ للنهوض والطيران(2)(2).

وفي الإصطلاح: «النهضة تعني الانبعاث والتجديد من جديد، فالنهضة تعني عملية التجديد والنهوض والخلق... سواءً على مستوى السياسة أو الدين أو الآداب أو الفلسفة أو غير ذلك»(3)(3)، و«النهضة قيام جماعة أو فرد بما يقتضيه نظام الشرع أو المصلحة العامة كالحركة التي قام بها الحسين بن علي عليهما السلامر » ( 4 ) (4).

وينبغي أنْ يستخدم مصطلح (النهضة) بدلاً من مصطلح (الثورة)، ولأجل استيضاح هذه القضية ينبغي توضيح مصطلح الثورة لكي يتضح الحال.

الثورة :

في اللغة: عبارة عن الثوران والهياج، فيقال: انتظر حتى تسكن هذه الثورة، وهي: الهياج والوثوب العنيف ضد واقع معين أو حالة يراد تغييرها أو تحطيمها، والثائر : هو الشخص الغضبان، ويقال للشخص الغضبان : أهيج(5) (5).

وفي الاصطلاح: يوجد لها أكثر من تعريف، حيث عرّفها بعضهم بأنّ الثورات:

«إنفجارات شبه بربرية خارجة عن السيطرة » (6)(6).

وعرّفها بعض آخر بأنّها:« تغيرات فجائية موجّهة ضد الحكّام المستبدين، وتهدف

ص: 11


1- الفيروزآبادي، القاموس المحيط، 605 ، الفيومي، المصباح المنير، 628 .
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 364/5.
3- مفيد الزبيدي، موسوعة تاريخ أوربا الحديث المعاصر، 399/2.
4- هبة الدين الشهرستاني، نهضة الحسين، 9.
5- ابن منظور، لسان العرب، 4 / 8 .
6- عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، 1 / 870.

إلى إقامة حكم ديمقراطي حرّ » (1)(1) .

ومن خلال المعنى اللغوي للنهضة تتضح حركية النهضة وفاعليتها في الأشياء، سواء على الصعيد الفكري والنفسي أم المادي، وفي كلا المعنيين يوجد انتقال من حالٍ إلى حالٍ آخر، وتغيير في الهيئة والموضوع، وتحرّك للحواس واستحضار للطاقات والقوة، ويتضح أيضاً أنّ النهوض يرادف القيام، فهناك تطابق بين المعنى اللغوي للنهضة مع المعنى الاصطلاحي.

أضف إلى ذلك: «إنّ مفهوم الثورة في أدبيات العلوم السياسية ليس هو تغيير الوضع والنظام القائم فحسب، وإنّما هو وبنفس الوقت اعتراف بذلك الوضع والنظام، ثمّ تأتي الثورة عليه، وحاشا للإمام الحسين علیه السلام أنْ يعترف بالنظام الأموي، حيث قال علیه السلام للوليد :« يا أمير إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق ... ومثلي لا يبايع مثله» (2)(2) ، فنهضة الإمام الحسين علیه السلام كانت امتداداً لنهضة جده صلی الله علیه و آله وسلم، الذي جاء بتغيير عام وشامل للوضع القائم »(3)(3).

ولعلّ هذا يكفي لأنْ يكون سبباً وداعياً لاستخدام مصطلح النهضة بدلاً من مصطلح الثورة.

المطلب الثاني : منهج البحث في النهضة الحسينية.

ينبغي إذا أردنا انْ نقدّم أسباباً منطقية للنهضة الحسينية علينا أنْ نعتمد المنهج المناسب للبحث في هذا الموضوع، فيلزم اعتماد قواعد وأساليب أستخراج الأهداف في الظواهر الإجتماعية، خاصّة في مثل النهضة الحسينية التي اكتسبت طابعاً تاريخياً،

ص: 12


1- عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، 1/ 875.
2- ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، 10.
3- عدنان الياسري، أخلاق النهضة ونهضة الأخلاق في زيارة الأربعين، 21.

فإنّ نهضة الامام الحسين علیه السلام تمثل ظاهرة وحدثاً تأريخياً مهماً(1)(1) ، وقد انضوت في الدائرة السلوكية لشخصية عظيمة كالإمام الحسين علیه السلام ، مع الأخذ بنظر الاعتبار الفرضيات التي تمثّل الأصول الموضوعية والمسلّم بها لمثل هكذا بحث .

وهذه الأصول والقواعد تفرض علينا أنْ نأخذ بنظر الاعتبار في البحث جميع الأبعاد والزوايا، وأنْ لا تكون نظرتنا نظرة أحادية البعد.

وعلى ضوء ذلك يمكن استخراج أهداف النهضة الحسينية من خلال اعتماد المنهج التكاملي في البحث، ويعني «استخدام اكثر من منهج في البحث بحيث تتكامل ما بينها في وضع وتطبيق مستلزمات البحث.

ويقسّم المنهج التكاملي على قسمين، هما:

1- المنهج التكاملي العام.

2- المنهج التكاملي الخاص.

ويفرّق بينهما في :

-أنّ المنهج التكاملي العام هو الذي يستخدم في علم من العلوم.

والمنهج التكاملي الخاصّ هو الذي يستخدم في بحث مسألة أو قضية من علم ما » (2)(2).

وبعبارة اخرى إنّ قوام هذا المنهج هو التعدد في المنهج، وتعدد المنهج قد يكون بالنسبة لمسائل متعددة من علم واحد، فيمكن أنْ يكون هناك «علم واحد يعتمد مناهج

ص: 13


1- الحدث التاريخي: عبارة عن أفكار أو ظواهر تتحرك في إطار الزمن وتتواصل فتخلد. محمد جواد رحمتي، مناهج البحث الحديث للدراسات الدينية، 192.
2- عبد الهادي الفضلي، أصول البحث، 67 .

متعددة تبعاً لتنوّع مسائله، فعلم الكلام مثلاً... ينطوي على مسائل مختلفة، وهو يفيد بالتالي من مناهج مختلفة في معالجة مسائله، يحاول الكلام الكلاسيكي التدليل على وجود الله من خلال البرهان المنطقي، بينما يعتمد الاتجاه التأريخي في مسائل النبوة الخاصّة، ويلجأ في مسائل الامامة الخاصّة الى الادلة الدينية... والادوات التأريخية، كما يوظّف مناهج اخرى في سوى ذلك من المسائل، أمّا في علم الكلام الجديد فقد استوعبت ظاهرة المناهج المتعددة نطاقاً أوسع بكثير، ويتسم علم الاصول كذلك بتعدد المناهج وفق المفهوم ذاته»(1) (1).

وقد يكون «تعدد المنهج في معالجة المسألة الواحدة، حيث يجري احياناً معالجة مسألة واحدة من خلال مناهج متنوعة » (2)(2)، كما في علم التفسير، فقد تكوّنت مدارس تفسيرية متنوعة، نتيجة لتنوّع الاتجاهات الادبية والروائية أو التفسير بالرواية والمأثور بنحو عام، والاتجاه الفلسفي والكلامي والعرفاني والفقهي والعلمي، وقد ادّى تعدد المناهج والمدارس الى ظهور تفسيرات متنوعة (3)(3).

وفي موضوع البحث، وهو ما يرتبط باسباب النهضة الحسينية، يكون تعدد المنهج بتعدد المسائل، بحيث يعتمد منهج معين في بحث مسألة معينة، ويعتمد منهج آخر في بحث مسألة اخرى، وهكذا يتعدد المنهج بتعدد المسائل، فإنّ حركة الامام الحسين علیه السلام

لها بعدان رئیسان:

الأوّل: كلامي، بلحاظ أنّ الامام الحسين علیه السلام امام معصوم يتحرّك على اساس منصب الامامة الالهية الذي يتمتع به، فهناك أهداف عامّة للامامة لها اثرها في حركة

ص: 14


1- احد فرامرز قراملكي، مناهج البحث في الدراسات الدينية، 386 .
2- احد فرامرز قراملكي، مناهج البحث في الدراسات الدينية، 386 .
3- احد فرامرز قراملكي، مناهج البحث في الدراسات الدينية، 374.

الامام الحسين علیه السلام كما في مثل السعي لأجل حفظ الدين وصيانته من الاضمحلال والانحراف، وتطبيق الدين وأحكامه وتحققه.

الثاني: تأريخي، بلحاظ تحركاته علیه السلام ، وأقواله، وخطبه، والاحداث التأريخية التي

واكبت النهضة الحسينية من اليوم الأوّل.

وعلى هذا الاساس يمكن اعتماد المناهج التالية في تشخيص اسباب النهضة

الحسنة الخالدة:

1 - المنهج التأريخي: و«هُوَ الذي نقوم فيه باسترداد الماضي تبعاً لما تركه مِنْ آثار، أياً كان نوع هذه الآثار» (1) (1)، ف-«البحث التأريخي يستلزم الرجوع إلى الماضي لتعقّب الظاهرة والوقوف على تفسيرها»(2)(2) ، ومن أهم مقوّمات هَذَا المنهج هو جمع المادة التأريخية

وفحصها وتفسيرها المتفرع على التتبع والاستقراء والتعقب والبحث والتنقيب.

ومجال استخدام هذا المنهج هُوَ التراث، الذي يعني: «ما ورثناه عَنْ آبائنا مِنْ عقيدة، وثقافة، وقيم، وآداب، وفنون، وصناعات، وسائر المنجزات الأُخرى المعنوية والمادّية، ويشتمل كَذَلِكَ على الوحي الإلهي (القُرآن والسنة) »(3)(3).

وتجدر الاشارة الى أنّ َهُنَاك ثلاثة اتجاهات عامّة ورئيسة في مجال قراءة التراث،

وهي:

الاتجاه الأوّل: يدعو الى الأخذ بكلّ ما في التراث، واعتبار كلّ ما خلّفه الماضون

تراثاً مفيداً يجب الأخذ بكلّ ما فيه .

ص: 15


1- عبدالرحمن بدوي، مناهج البحث العلمي، 19.
2- جمال محمد أبو شنب، قواعد البحث العلمي والاجتماعي، 116
3- أكرم العمري، التراث والمعاصرة، 26 .

والثاني : يدعو الى ترك كلّ ما هو قديم.

والثالث: يدعو الى غربلة التراث من كلّ ما علق به، وتحسين طريقة الأخذ منه، مع تجاوز الطريقة الحرفية في فهم النصوص وتفسيرها، والابتعاد عن دائرة التقديس لكلّ

ما في التراث (1)(1).

2 - المنهج النقلي: و«هُوَ طريقة دراسة النصوص المنقولة.

ويقوم على العناصر العامّة التالية:

1- توثيق إسناد النصّ إلى قائله، بمعنى التأكّد مِنْ صحّة صدور النصّ مِنْ قائله ...

2- التحقق مِنْ سلامة النصّ، بمعنى التأكّد مِنْ أنّ النصّ لم يدخله التحريف أو

التصحيف أو الزيادة أو النقص أو ما إلى هَذِهِ ...

3- فهم مدلول النصّ .

ويتأتى هَذَا بالرجوع إلى الوسائل والأدوات العلمية المقرّر استخدامها لذلك، وتعرف في ضوء المنهج الخاصّ بحقله المعرفي كعلم أصول الفقه بالنسبة إلى معرفة مداليل النصوص الفقهية مِنْ آيات وروايات.

ومجال استخدام هذا المنهج كلّ معرفةٍ مصدرها النقل»(2)(2).

3- المنهج التتبعي: إِنَّ قوام المنهج التتبعي هُوَ عملية الاستقصاء، فَإِنَّ هَذَا المنهج وَهَذِهِ الطريقة مِنْ البحث «تعتمد على استقصاء الظواهر النفسية في فرد أو مجموعة أفراد

للوقوف مِنْ تسلسلها على مدى التغيير الذي يحدث ... » (3)(3)، وعليه فَهَذَا المنهج يرجع

ص: 16


1- انظر :ليث العتّابي، الأدوات المعرفية، 145 - 151 .
2- عبد الهادي الفضلي، أصول البحث، 57 .
3- انظر: محمد تقي المدرسي، المنطق الإسلامي أصوله ومناهجه، 480 .

في روحه وحقيقته وواقعه إلى المنهج الاستقرائي، أو لا أقل مِنْ اعتماده على الاستقراء.

4 - المنهج المقارن هُوَ «مقابلة الأحداث والآراء بعضها ببعض لكشف ما بينها مِنْ وجوه شبه أو علاقة» (1) (1)، أو هُوَ «المنهج الذي يقارن بين الصور المختلفة لصنف مِنْ الظواهر، أو نوع مِنْ الموجودات، أو عضو مِنْ الأعضاء ، أو وظيفة مِنْ الوظائف (2)(2).

«والمقارنة والموازنة مِنْ العلوم الإنسانية بمثابة الملاحظة والتجربة مِنْ العلوم

الطبيعية»(3)(3)، فالمنهج المقارن: الطريقة التي يتبعها الباحث في الموازنة بين الأشياء.

يقول ابن خلدون - في معرض حديثه عَنْ الباحث في التأريخ - :« يحتاج صاحب هَذَا الفن إلى العلم بقواعد السياسة وطبائع الموجودات، واختلاف الأُمم والبقاع والأمصار في السير والأخلاق والعوائد، والنحل والمذاهب وسائر الأحوال، والإحاطة بالحاضر مِنْ ذَلِكَ، ومماثلة ما بينه وبين الغائب مِنْ الوفاق والخلاف... وتعليل المتفق منها

والمختلف» (4) (4).

هذه ابرز المناهج التي يمكن اعتمادها في البحث عن اسباب النهضة الحسينية

المباركة، ولعلّ هناك مناهج اخرى يمكن توظيفها في هذا المجال.

المطلب الثالث: النظريات في نوع النهضة الحسينية بلحاظ اسبابها.

اشارة

أختلفت كلمات المفكرين والعلماء والباحثين في نوع النهضة الحسينية، بلحاظ أسبابها وموجباتها، حيث إنّ هناك سؤالاً يطرح بقوة وحاصله: إلى أيّ نوعٍ من أنواع الحركات السياسية الإجتماعية تنتمي النهضة الحسينية؟.

ص: 17


1- عبد الهادي الفضلي، أصول البحث، 68 .
2- جميل صليبا، المعجم الفلسفي، 406/2 .
3- عبد الهادي الفضلي، أصول البحث، 68 .
4- المقدّمة، 28 .

فهل هي تورية مدمرة؟،أو دفاعية؟ أو هي اصلاحية إنمائية؟ ، و أنها إنّما حدثت فقط لأجل القيام بالواجب وأداء الأمر الإلهي؟.

وقبل أنْ نذكر ابرز النظريات في هذا المجال تجدر الاشارة الى شيءٍ مهم، وهو ضرورة التمييز بين الباعث ونتيجته، فيمكن أنْ تكون هناك بواعث وأهداف لحقيقةٍ ما لها أحكامها وخصائصها، وهناك نتائج وآثار تترتب على تلك الحقيقة، وعدم التمييز بين الباعث ونتيجته يؤدي الى تعميم أحكام وخصائص الباعث والسبب الى النتيجة أو بالعكس.

وعلى هذا الاساس يمكن التأمل في عدّ بعض الأمور كاسباب للنهضة الحسينية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

1 - الكمالات المعنوية والأجر والثواب الذي يتمتع به الموالون لأهل البيت عليهم السلام ، من خلال إقامة العزاء والبكاء على الامام الحسين علیه السلام، وإحياء الشعائر الحسينية واقامتها.

2 - الشفاعة للأمة وغفران الذنوب، وأنّ شهادة الامام الحسين علیه السلام كانت كفارة لذنوب جميع المذنبين.

وعلى ايّ حالٍ قد وجدت نظريات متعددة في مجال تفسير النهضة الحسينية بلحاظ

اسبابها (1)(1)، نعرض أهم تلك النظريات وأبرزها بنحو الاختصار:

ص: 18


1- لأجل الاطلاع على تلك النظريات مع نسبتها الى اصحابها انظر: موسوعة الامام الحسين علیه السلام 351/2 - 373 ، علي إلهام، نموذج ثورة عاشوراء، 683 - 709، بحث مطبوع ضمن كتاب (نهضة عاشوراء دراسات كلامية فقهية سياسية)، لمجموعة من الباحثين.

1- نظرية الثورة لأجل إقامة الدولة .

يرى بعض العلماء والباحثين (1)(1) أنّ الهدف الذي يتصدر قائمة أهداف الإمام الحسين علیه السلام ساهم في نهضته، والباعث الحقيقي لها ، هو تدمير نظام حكومة بني أمية السلطانية، وهدّ بنائها، ثمّ إقامة دولة الحقّ، حيث كانت الظروف والارضية متوفرة ومهيئة لقيام الثورة، فإنّ اسقاط النظام السياسي الاموي بحسب الشواهد التاريخية كان ممكناً الى حدّ

بعيد.

وقد استدل أصحاب هذه النظرية على صحّتها بأنّ عوامل انتصار النهضة كانت متوفرة وحاضرة ، وابرز تلك العوامل:

1 - تذمر الناس وسخطهم عامّة، والباقي من أصحاب النبي صلی الله علیه و آله وسلم له خاصّة من حكومة

بني أمية.

2 - الضعف المتزايد وعدم الثبات من الناحية السياسية في الحكومة الأموية بعد موت معاوية، بسبب عدم توفر الكفاءة والجدارة، بالإضافة إلى كون يزيد حديث العهد بالخلافة ولا خبرة لديه.

3- انتشار الفساد والانحراف في رأس نظام الخلافة، خاصّة في شخص يزيد.

4 - استعداد الرأي العام للمسلمين وتقبله في أكثر نقاط العالم الإسلامي لفكرة تولي الإمام الحسين علیه السلام زمام أمور الخلافة كشيعة العراق واليمن والحجاز وغيرهم من المسلمين.

-5 - دعوة شيعة العراق الإمام الحسين علیه السلام للقدوم إليهم، فإنّ الامام الحسين علیه السلام

ص: 19


1- منهم : السيد المرتضى رحمه الله علیه، في تنزيه الانبياء ، 270 ، 272 ، والشيخ نعمت الله صالحي نجف آبادي، في الشهيد الخالد الحسين بن علي علیه السلام ، 47 ، 133، 159 .

وجد في دعوة أهل الكوفة وبيعتهم له، قوة حاضرة يمكن الاعتماد عليها في النهوض ضد الحكم الأموي.

فالامام الحسين علیه السلام بلحاظ هذه الأمور كان من واجبه أنْ يثور ويتحرّك ضد النظام الاموي الظالم نظراً لما يتصف به الامام علیه السلام من كونه انساناً ثورياً ومن اباة الضيم، لأجل اسقاط نظام الحكم الاموي، وبالتالي تأسيس حكومة قائمة على اساس العدالة الاجتماعية (1)(1).

وتوجد بعض الشواهد على هذه النظرية، منها ما ورد في بعض اقوال وخطب الامام الحسين علیه السلام،من مضامين تدلّ على أنّ قيامه كان يهدف الى اسقاط نظام الحكم الاموي الفاسد، ومن ذلك ما جاء في خطبته في جيش الحر بن يزيد الرياحي حين اعترض طريق الامام علیه السلام،حيث قال علیه السلام:« ايها الناس، إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال: «مَنْ رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أنْ يدخله مدخله»، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن واظهروا الفساد...، وانا أحقّ مَنْ غيّر ...»(2)(2).

فمن خلال هذا النصّ نفهم :

1 - إنّ الامام علیه السلام يريد النهوض واسقاط حكومة بني امية، حيث إنّ الامام علیه السلام قدّم التصدي العملي لمواجهة السلطان الجائر والظالم المستحل لحرم الله والناكث لعهد الله ...

على المواجهة الكلامية.

ص: 20


1- نعمت الله صالحي نجف آبادي، الشهيد الخالد الحسين بن علي علیه السلام، 72 - 78.
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 403/5 .

2- في قوله علیه السلام«انا أحقِّ مَنْ غَيّر» اعلان صريح بأنّ الامام علیه السلام يرى نفسه أجدر الناس بغيير الوضع القائم.

2- النظرية الاصلاحية :

يرى البعض أنّ إصلاح الدين وبناء الحكومة هو المحور الأساسي لنهضة الامام الحسين علیه السلام، وأنّ طلب الإصلاح والإحياء هو جوهرها وأساسها (1)(1) .

والمقصود من الإصلاح الديني هو العمل على تقويم ما يتمّ ترويجه في المجتمع بعنوان أنّه من الدين، وما يرجع إليه الناس في مقام العمل، ويشوبه الكثير من الأمور التي ليست من الدين أساساً، إذ هناك جماعات يقومون بترويج البدع في الدين، لكي يعمل الناس بتلك العقائد والخرافات الخاطئة بسبب جهلهم، وبالتالي الاستفادة من تلك العقائد الدينية الخاطئة عند الناس، وتوظيفها لصالح النظام الاموي.

والمقصود من إصلاح بنية الحكومة هو أنّ النظام السياسي غير قادر على إنجاز وظائفه بالنحو المطلوب، خصوصاً إذا كان ذلك مقصوداً - كما هو المفروض .

ومن الواضح أنّ المصلح الديني أو السياسي عند رؤيته الأحوال غير المستقرة سوف يقدم على تطهير هيكل الدين والنظام السياسي من الشوائب، ويعمل على تنظيم الفكر والسلوك السياسي للناس والحكام.

ويعتقد أصحاب هذه النظرية أنّ هذه المسألة وردت عدّة مرات في أحاديث الإمام الحسين علیه السلام عند التعريف بنهضته، وأنّ هدف هذه النهضة هو إصلاح الدين وإحياء

ص: 21


1- ممن تبنى هذه النظرية ابوالفضل سلطان محمدي، الاسباب والعوامل السياسية والاجتماعية لثورة عاشوراء، 547 ، بحث مطبوع ضمن كتاب ( نهضة عاشوراء دراسات كلامية فقهية سياسية) لمجموعة من الباحثين.

سنة النبي صلی الله علیه و آله وسلم هو تطبيق الحدود وإيجاد الأمن السياسي والاجتماعي بين الناس.

منها على سبيل المثال: ما جاء في وصيته علیه السلام لاخيه محمد بن الحنفية: «... وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجتُ لطلب الاصلاح في أمة جدي صلی الله علیه و آله وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وابي علي بن ابي طالب ... » (1)(1).

وما ورد في رسالة جوابيه له علیه السلام لأهل الكوفة: «اللهم إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكنْ لنري المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك ... » (2)(2).

ويمكن أنْ يقال إنّ هذه النظرية تبتني على رؤية أنّ المحافظة على الدين وأحكامه من الاضمحلال والزوال، وصيانته من التحريف هي من ابرز واجبات الامام علیه السلام، فمن البديهي أنْ تلقي مثل هذه الأمور بظلالها على سلوكيات الامام الحسين علیه السلام وأقواله وأفكاره، وتكون سبباً لنهضته المباركة.

3- نظرية الدفاع (القيام الاحترازي) :

يعتقد أتباع هذه النظرية أنّ يزيد بن معاوية كان بحاجة إلى غطاء ومبرر منطقي من أجل تحصين وتثبيت سلطته، وكان يشعر بأنّه إذا أخذ البيعة من الامام الحسين علیه السلام لن يواجه مشاكل في إعمال حكمه وتطبيقها، وفي هذه الصورة سيخضع الآخرون له أيضاً، وسيمنع بذلك من حصول حركات احتجاجية من الإمام علیه السلام أو من غيره، من

ص: 22


1- المجلسي، بحار الانوار، 319/44.
2- الحراني، تحف العقول عن آل الرسول، 170 - 171 .

المعارضين لحكمه في المستقبل.

ومن هذا المنطلق وضع بنو أمية معتمدين على قدرتهم الغالبة الامام الحسين علیه السلامأمام طريقين: إمّا الاستسلام للحكومة مع مبايعته لها، أو الاستشهاد.

ومن الواضح أنّ استسلام الإمام الحسين علیه السلام ومبايعته لهم يعني قبوله بالحكم الوراثي، وإمضائه فساد بني أمية وجرائمهم، وإقراره على إبادة دين الله تعالى وسنن نبيه صلی الله علیه و آله وسلم، والتي لم تكن من مصلحة الإسلام ولا المسلمين، ولم تكن مقبولة عند الإمام الحسين علیه السلام.

وعليه فلم يبقَ امام الامام الحسين علیه السلام إلا وسيلة واحدة، وهي الإقدام على حركة نهضوية تفضح نوايا بني أمية الخبيثة، وتكشف كفرهم وصورتهم الحقيقية أمام الناس، وبالتالي تحرّك في العقلاء الغيرة والحمية للنهوض إلى القتال والدفاع عن دين الله وسنة نبیه صلی الله علیه و آله وسلم.

وبدأ الإمام الحسين علیه السلام نهضته ودفاعه عن دين الله وسنة نبيه صلى الله عليه و آله و سلم بالامتناع عن بيعة

يزيد علناً، وقد بادر الإمام علیه السلام قبل أنْ يتجه إلى الكوفة إلى اتخاذ إجراءات من شأنها أنْ توقظ الناس وتنبههم إلى مقاصد بني أمية وأهدافهم الخبيثة.

ومن جملة الإجراءات:

خروج الإمام علیه السلام إلى مكة، ثمّ إلى العراق، وإلقاء محاضرات كثيرة في أماكن مختلفة أمام جماعات مختلفة من الناس، وإرسال الرسائل إلى أطراف البلاد الإسلامية، ومقابلة قبائل و شخصيات مسلمة بارزة والتفاوض معهم.

ص: 23

4- نظرية التعبد (التكليف) :

ويطلق عليها ايضاً نظرية (الشهادة التكليفية ) (1)(1) ، ويرى اصحاب هذه النظرية أنّ نهضة عاشوراء قامت على أساس أمر تعبدي كان الإمام الحسين علیه السلام مكلّفاً به، بمعنى أنّ الإمام الحسين علیه السلام كان بصدد تنفيذ مهمة إلهية عيّنها الله تعالى له من قبلُ، واختصه بها، فنهضة الامام الحسين علیه السلام هي تكليف شخصي وأمر خاصّ (2)(2).

فنهضة عاشوراء - بناءً على هذه النظرية - لم تكن مبنية على أساس المعادلات السياسية والاجتماعية، ولا يمكن تحليلها على أساس ذلك، بل هي مجرد مهمة إلهية مختصة فقط بالامام الحسين علیه السلام ، ولا يمكن اعتبارها نموذجاً عاماً لجميع الناس في كلّ العصور، وإنّما هي حالة استثنائية.

الخلاصة : تعتبر نهضة الإمام الحسين علیه السلام أمراً تعبدياً، بمعنى تنفيذ الأمر الإلهي- بداعي الامتثال لإرادة الله تعالى، وكسب رضاه، حتى لو لم يكن الفاعل عالماً بمصلحة هذا الأمر واسراره الخفية.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الإمام الحسين علیه السلام معصوم، وهو عالم بجميع الأحكام والأوامر الإلهية، وبناءً على ذلك فعندما يكلّفه الله تعالى بأمرٍ ما فلن يكون هذا الأمر

ص: 24


1- محمد الري شهري، موسوعة الامام الحسين، 351/2 . ويظهر من السيد ابن طاووس رحمه الله علیه ذهابه الى هذه النظرية ، حيث قال رحمه الله علیه ما نصّه : «لعلّ بعض مَنْ لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة يعتقد أنّ الله لا يتعبّد بمثل هذه الحالة، اما سمع في القرآن الصادق أنّه تعبد قوماً بقتل أنفسهم، فقال تعالى:﴿ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ﴾ ...». الملهوف على قتلى الطفوف، .100 . البقرة: 54. وقال رحمه الله علیه: «والذي تحققناه أنّ الحسين علیه السلام كان عالماً بما انتهت حاله إليه، وكان تكليفه ما اعتمد عليه» . الملهوف على قتلى الطفوف، 99 .
2- يظهر ذلك من : الشيخ محمد حسن النجفي، في جواهر الكلام ، 296/21 ، والسيد محمد سعيد الحكيم، في فاجعة الطف، 14، 26 ، 47 .

خارجاً عن دائرة علمه أصلاً، كما أنّه لا يتصور في حقّه علیه السلام أنْ يأتي بعمل كنهضته المباركة ولم يكن مأموراً بذلك.

وهناك بعض النصوص التي تدّل على هذه النظرية، نذكر منها :

1 - ما روي عن الامام الصادق علیه السلام من أنّ كلّ امامٍ عليه مسؤولية: «... فلمّا توفي الحسن علیه السلام ومضى، فتح الحسين علیه السلام الخاتم الثالث، فوجد فيها أنْ قاتل فاقتل وتُقتل، واخرج باقوامٍ للشهادة لا شهادة لهم إلا معك ...»(1) (1).

2 - الرواية التي تروي لنا رؤيا الامام الحسين علیه السلام والتي ذكرها لاخيه محمد بن الحنفية، عندما سأله عن سبب خروجه عاجلاً، حيث قال علیه السلام: «أتاني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال : يا حسين اخرج، فإنّ الله قد شاء أنْ يراك قتيلاً» (2)(2).

3- ما روي عن ابي جعفر الباقرعلیه السلام،« ... قال له حمران، جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن ابي طالب والحسن والحسين علیهم السلام، وخروجهم وقيامهم بدين الله ~ ، وماُ أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا؟، فقال ابو جعفر علیهم السلام : يا حمران إنّ الله تبارك وتعالى قد كان قدّر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار، ثمّ أجراه، فبتقدّم علم ذلك إليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قام علي والحسن والحسين عليهم السلام، وبعلم صمت مَنْ صمت منّا ... » (3)(3).

منا...»

5- نظرية طلب الشهادة.

المقصود هنا أنّ النتائج المطلوبة لا تتحقق إلا بشهادته علیه السلام، فكان الامام يطلب

ص: 25


1- الكليني، الكافي، 279/1، حدا ، النعماني، الغيبة، 52 ، حد3 ، المجلسي، بحار الانوار، 209/36، حد 9 .
2- ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 128 ، المجلسي، بحار الانوار ، 364/44 .
3- الكليني، الكافي، 262/1، حد 4 .

الشهادة من خلال نهضته، لكي تحيى الأمة والدين وشريعة جديده المصطفى صلى الله عليه وآله و سلم.

فالامام« الحسين علیه السلام وجد نفسه مقتولاً إذا لم يبايع، ومقتولاً إذا بايع، لكّنه إنْ بايع اشترى مع قتله قتل مجده، وقتل آثار جدّه، أمّا إذا لم يبايع فإنّما هي قتلة واحدة تحيى بها آماله، وشعائر الدين والشرف المؤبد » (1)(1) .

ويعتقد اصحاب هذه النظرية أنّ اصلاح مظاهر الفساد الديني والاجتماعي لا يمكن إلا عن طريق شهادة الامام الحسين علیه السلام، وعلى يد شخص مثل يزيد.

إنّ الامام الحسين علیه السلام أعلن أمام تلك الحشود من الحجاج التي قدمت من جميع اطراف الاقاليم الاسلامية، أنّه متوجه الى الموت: «خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة» (2)(2)، في حين أنّ الشخص الذي يريد أنْ يقوم بحركة سياسية لا يصّرح بمثل هذه التصريحات، بل يقول: سنضرب، ونقتل، وننتصر، وسنواجه العدو ونقضي عليه(3)(3).

6- النظرية الشمولية :

ترى هذه النظرية أنّ نهضة الإمام الحسين علیه السلام تعتمد على مسائل وأسباب مختلفة، لا يمكن الوصول إلى تحليل مناسب للنهضة دون التوجه إليها .

ص: 26


1- هبة الدين الشهرستاني، نهضة الحسين، 42 .
2- ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 126 .
3- علي شريعتي، حسين وارث آدم، 123 - 124 ، القسم الثاني. وانظر الصفحات: 43، 47، 60 . وصرّح برأيه حيث قال:« إنّي أعتقد أنّ الحسين لم يقم من أجل ادانة يزيد واقامة حكم رسمي مقابل الحكم القائم، وذلك لأنّ جميع القرائن والعلل والعوامل كانت واضحة لديه كما هي واضحة لدينا اليوم ونحن نقرأ تأريخه، وهي جميعاً تشهد بأنّ الحسين لن ينتصر عسكرياً مع ما عنده من قوات ومعدات.... ».القسم الثاني، 26 - 27 .

إنَّ حادثة كربلاء هي عبارة عن سيرة الإمام المعصوم العملية، ومن الواضح أنّ المعصوم علیه السلام هو وارث الأنبياء عليهم السلام ومظهر الدين، فحادثة كربلاء تشتمل على أبعاد ومراحل متعددة، وكلّ مَنْ يعمل على تحقيقها والبحث فيها يراها بصورة مختلفة ويفسّرها على أساس هذه الرؤية، وعلى هذا الأساس فليس من الصائب استعراض هذه النهضة الدينية الإصلاحية في إطار فرضية ذات سبب واحد.

ومن هذا المنطلق فالنهضة الحسينية - في الوقت ذاته - هي نهضة، وعملية إصلاحية، وأداء للواجب، وإلقاء للمسؤولية على المجتمع، وفضح للحكومة وتدمير لها أيضاً.

إنَّ الإمام الحسين علیه السلام كان يسعى لإصلاح الفكر والتفكر، وفي صدد تغيير البنية الإجتماعية أيضاً، فنهضته علیه السلام كانت سياسية واجتماعية وثقافية في الوقت نفسه، وكانت من أجل إسقاط الحكومة الأموية، وكانت لأجل تشكيل حكومة دينية عادلة.

وللإمام الحسين علیه السلام في كلّ هدفٍ من هذه الأهداف كلام، وله علیه السلام في كلّ جهة منها

رسالة واضحة.

والنظرية التي يمكن أنْ تكون تفسيراً صحيحاً لهذه النهضة العظيمة، ويتمّ من خلالها التوجه إلى جميع عوامل النهضة وأسبابها وأهدافها، والإجراءات التي قام بها علیه السلام هي هذه النظرية ذات العوامل المتعددة، والتي تسمّى بالنظرية التوفيقية(1)(1)، ونظرية الجمع(2)(2).

ص: 27


1- علي إلهام، نموذج ثورة عاشوراء، 700 .بحث مطبوع ضمن كتاب ( نهضة عاشوراء دراسات كلامية فقهية سياسية )لمجموعة من الباحثين.
2- محمد الري شهري، موسوعة الامام الحسين علیه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ، 2/ 363.

استنتاج النظرية الشمولية من خطابات الإمام الحسين علیه السلام.

هذا ويمكن من خلال كلمات الإمام الحسين علیه السلام استنتاج عناوين متعددة، تمثل تلك العناوين الاهداف والبواعث الأساسية لنهضة الإمام الحسين علیه السلام، وهي مثل إرساء العدالة الاجتماعية، والدفاع عن الحقوق والقوانين الإلهية التي استخف بها نظام الحكم الاموي، ومحاربة الحكومة الجائرة، وبدعة حكم يزيد على المسلمين، ومكافحة الانحلال والمفاسد الأخلاقية، ومعالجة سيطرة الدنيا على عقول الناس وأعمالهم، التي ترتب عليها زوال الفضائل، وسيطرة الرذائل، وإفراغ الدين من محتواه وبقاء المظهر الخارجي له.

هذه العناوين وغيرها تمثّل اسباباً منطقية لنهضة الامام الحسين علیه السلام، وسوف يأتي الحديث مفصلاً عن هذه العناوين في محلّه المناسب.

وبعد أنْ عرفنا مما سبق أنّ الأجدر في تفسير بواعث النهضة الحسينية وأسبابها وعواملها على ضوء النظرية الشمولية، نشرع الآن في ذكر الاسباب الرئيسة لنهضة الإمام الحسين علیه السلام بشكل تفصيلي، مع تسليط الأضواء على ما يرتبط بتلك العوامل من مقدّمات ومقارنات وظروف وملابسات.

ولكنْ قبل الحديث عن أسباب النهضة تجدر الإشارة إلى شيءٍ، وهو أنّ المتتبع يجد من خلال النظر والتحقيق في تاريخ الحياة البشرية والسنة الإلهية أنّ المجتمعات إذا ابتليت بازمات فكرية وثقافية وعقائدية، فلابدّ أنْ يتبعها اضطرابات سياسية واجتماعية واقتصادية، وعند ذلك يظهر الأنبياء والمصلحون بأمر من الله تعالى لهداية الأمم ونجاة البشرية كافة.

لقد تمّ إرسال النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم لكي ينقذ المجتمع الانساني في عصره، وينقله إلى

ص: 28

صعيد نور الدين الإلهي، ويمهد الطريق لهداية المجتمع وتكامله بواسطة عرض أحكام الإسلام وأوامره، ثمّ تطبيقها.

وعلى هذا الأساس حصلت نهضة الإمام الحسين علیه السلام، التي راعت قوانين العالم الإسلامي، من اجل إصلاح المجتمع الاسلامي، وذلك حتى تكون نهضته منهجاً يقتدى به في كّل زمانٍ ومكان.

إنّ كلّ مصلحٍ عندما يريد القيام بعملية إصلاحية عليه أنْ يراعي عند قيامه وضوح الفكرة المطلوبة لديه عن مصير المجتمع مقابل الوضعية الموجودة فيه، وأنْ يرى النواقص والإشكالات الموجودة، بأنْ يتعرف عليها في البداية، ثمّ يبحث عن طرق معالجتها وإصلاحها .

إنَّ جميع المعطيات تشير إلى أنّه كلما ابتعدنا عن عصر النبي صلی الله علیه و آله وسلم ابتعدنا أيضاً عن حقيقة الإسلام وقيمه المعنوية، واقتربنا أكثر من عصر الجاهلية، ولم يبقَ للإسلام ما يقيه، حيث سيطرت عليه تلك الحالة الجاهلية، وحاصرته الاضطرابات الفكرية والثقافية والاخلاقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية من كلّ جهةٍ.

ومن جانب آخر لقد تمسّك الحكام الأمويون بمقعد الخلافة، وحكموا باسم الدين والإسلام، واطلقوا العنان لاهوائهم في كلّ الأمور، وعانت الأمة منهم أنواع الظلم والقهر ، وسادت المجتمع الإسلامي أجواء الفساد والفوضى والهلاك.

في هكذا ظروف ماذا ستكون ردة فعل المعصوم؟ ، وكيف سيتصرف من أجل تخليص الناس من هذا الشر المحيط ؟، وما هي الوسائل التي سوف يستعملها في ذلك؟، ولايّ شيءٍ سيعطي الأولوية؟.

لقد كانت نهضة الإمام الحسين علیه السلام جواباً عن جميع هذه الأسئلة.

ص: 29

إنّ الاستقراء وتتبع الاحداث والروايات والواقع السائد في تلك الفترة الزمنية وما سبقها من احداث ومواقف يفرز أنّ هناك اسباباً كثيرة للنهضة الحسينية، وتلك الاسباب لها ظروفها الموضوعية، والحديث عن كلّ سببٍ من تلك الاسباب يتطلب البحث عن جوانب عدّة ترتبط به، فلأجل الاحاطة باطراف الموضوع يكون الحديث عن كلّ سببٍ في فصل مستقل.

اسئلة المبحث التمهيدي :

1 - ما المراد من السبب؟ .

2- ما الفرق بين الباعث والدافع ؟.

3- ما المقصود بمصطلح (النهضة)، ومصطلح (الثورة)، ولماذا رجحنا الأوّل مع ما قام به الإمام الحسين علیه السلام؟ .

4 - ماذا يعني المنهج التكاملي؟.

5 - اي المناهج أقرب في تشخيص اسباب النهضة الحسينية، ولماذا ؟.

6 - عدد النظريات في تفسير النهضة الحسينية ؟ .

ص: 30

الفصل الأوّل: التخطيط الإلهى للواقعة.

اشارة

توجد كثير من النصوص الشريفة تدلّ على أنّ الله تعالى قد عهد إلى الإمام الحسين علیه السلام عن طريق النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنْ يقوم بتنفيذ مشروع نهضوي، ينتهي باستشهاده واستشهاد مَنْ معه، وأنّ جميع ما حدث من مآسٍ وفجائع قد اخبر به النبي صلی الله علیه و آله وسلم.

وكان للإمام الحسين علیه السلام الدور المتميز في تنفيذ هذا المشروع العظيم وفاعليته وتحقيق أهدافه السامية، نظراً لما يتمتع به الإمام الحسين علیه السلام من مؤهلات ذاتية وشخصية.

والنصوص الشريفة الواردة في هذا المجال والتي تدلّ على أنّ التخطيط لنهضة كربلاء كان إلهياً على طوائف، فبعضها يتحدث عن استشهاد الامام الحسين علیه السلام ومقتله،

وبعضها يتحدث عن بعض الخصوصيات التي تحيط بتلك الواقعة العظيمة، مثل زمان استشهاده علیه السلام، والارض التي يقتل فيها، واسم قاتله.

والحديث عن هذه الاخبار وما يرتبط بتحديد خصوصيات الواقعة يقع في خمسة مباحث :

ص: 31

ص: 32

المبحث الأوّل : النصوص الدالة على التخطيط الإلهي للنهضة.

ورد في بعض النصوص الشريفة التصريح بأنّ نهضة الإمام الحسين علیه السلام قد خُطط لها إلهياً، نذكر من ذلك :

1 - ما رواه ضريس الكناسي عن الإمام الباقر علیه السلام، قال : «... قال له حمران: جعلتُ فداك أرأيت ما كان من أمر قيام عليّ بن ابي طالب والحسن والحسين عليهم السلام، وخروجهم وقيامهم بدين الله ، وما أُصيبوا من قتلِ الطواغيت إياهم والظفرِِ بهم حتى قتلوا وغلبوا ؟.

فقال أبو جعفر علیه السلام: يا حمران إنّ الله تبارك وتعالى قد كان قدّر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار، ثمّ أجراه، فبتقدّم علم ذلك إليهم من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قام عليّ والحسن والحسين علیهم السلام، وبعلمٍ صمتَ مَنْ صمتَ منّا ... »(1)(1) .

2 - ما روي عن الصادق علیه السلام أنّه قال: «إنّ الله ~ أنّه قال: «إنّ الله ~ أنزل على نبيه صلی الله علیه و آله وسلم كتاباً قبل وفاته، فقال : يا محمد هذه وصيتك إلى النُّجَبَة من أهلك... فدفعه النبي صلی الله علیه و آله وسلم إلى أمير المؤمنين ، وأمره أنْ يفكّ خاتماً منه ويعمل بما فيه، ففكّ أمير المؤمنين علیهم السلام خاتماً وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى ابنه الحسن علیهم السلام ففكّ خاتماً وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى الحسين علیهم السلام، ففكّ خاتماً، فوجد فيه أنْ أخرج بقومٍ الى الشهادة، فلا شهادة لهم إلا معك، وأشرِِ نفسك الله ،

ص: 33


1- الكليني، الكافي، 262/1 ، 281 .

ففعل، ثمّ دفعه إلى علي بن الحسين... (1)(1) .

و«العلّ الخواتيم كانت متفرقة في مطاوي الكتاب بحيث كلما نشرت طائفة من مطاويه أنتهى النشر إلى خاتم يمنع من نشر ما بعدها من المطاوي إلا أنْ يفض الخاتم» (2)(2).

والمراد من قوله علیه السلام «أشر نفسك» أي بعها ببذلها في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تُقتل لله وطلباً لرضائه، حيث« يقال للبيع الشراء وللشراء البيع، وذلك بحسب ما يُتصوّر من الثمن والمثمن، وعلى هذا قوله: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ﴾ (3) (3)،وقال علیه السلام: «لا يبيعنّ أحدكم على بيع أخيه » (4)(4)، أي لا يشتري على شراه...»(5) (5).

ص: 34


1- الكليني، الكافي، 1 / 280 .
2- المجلسي، مرآة العقول، 3/ 191.
3- يوسف : 20 .
4- البخاري، الجامع الصحيح، كتاب البيوع، با/ 58 ،
5- الراغب الأصفهاني ، مفردات الفاط القرآن، 99.

المبحث الثاني: النصوص التي تتحدث عن استشهاده عليه السلام.

إنّ النصوص التي تتحدث عن استشهاد الامام الحسين علیه السلام بعضها ورد عن النبي الله صلی الله علیه و آله وسلم، وبعضها عن أمير المؤمنين علیه السلام، وثالثة عن الامام الحسن علیه السلام، واستيفاء ذكر

هذه الاحاديث يقع في ثلاثة مطالب :

المطلب الأوّل: النصوص الواردة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم.

وهي كثيرة نذكر منها ما يلي:

1- عن الرضا، عن آبائه، عن علي بن الحسين علیهم السلام قال:« حدثتني أسماء بنت عمیس الخثعمية قالت: «قبلت (1) (1)جدتك فاطمة بنت رسول الله بالحسن والحسين...

قالت أسماء: فلّما ولدت فاطمة الحسين عليها السلام نفستها به فجاءني النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال: هلم ابني يا أسماء ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء، ففعل به كما فعل بالحسن، قالت: وبكى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ثمّ قال : إنّه سيكون لك حديث ! اللهم العن قاتله، لا تعلمي فاطمة بذلك.

قالت أسماء: فلمّا كان في يوم سابعه جاءني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: هلمي ابني فأتيته به: ففعل به كما فعل بالحسن، وعقّ عنه كما عقّ عن الحسن كبشاً أملح، وأعطى القابلة

ص: 35


1- القابلة، وهى المرأة التى تأخذ الولد عند الولادة. الراغب الاصفهاني، مفردات الفاط القرآن، 540.

الورك ورجلاً، وحلق رأسه، وتصدق بوزن الشعر ورقاً، وخلّق رأسه بالخلوق، وقال:

إنّ الدم من فعل الجاهلية (1)(1) ، قالت : ثمّ وضعه في حجره ، ثمّ قال: يا أبا عبدالله عزيز علّي، ثم بكى.

فقلت: بأبي أنت وأمي فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأوّل فما هو ؟، قال: أبكي على ابني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني امية لعنهم الله لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة،يقتله رجل يثلم الدين، ويكفر بالله العظيم... »(2) (2).

2 - عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: مَنْ سرّه أنْ يحيا حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل جنّة عدن منزلي، ويمسك قضيباً غرسه ربي ، ثمّ قال له: كن فكان، فليتولّ علي بن أبي طالب، وليأتم بالأوصياء من ولده، فانّهم عترتي، خلقوا من طينتي، إلى الله أشكوا أعداءهم من امتي المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، وأيم الله ليقتلنّ ابني بعدي الحسين، لا أنا لهم الله شفاعتي»(3)(3) .

3- عن أبي عبد الله علیه السلام قال:« كان الحسين بن علي عليهما السلام ذات يوم في حجر النبي صلی الله علیه و آله وسلم يلاعبه ويضاحكه، فقالت عائشة : يا رسول الله ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي؟، فقال لها: ويلك وكيف لا اُحبّه ولا اُعجب به، وهو ثمرة فؤادي، وقرة عيني، أما إنّ امتي ستقتله، فمَنْ زاره بعد وفاته كتب الله له حجّة من حججي...»(4)(4).

ص: 36


1- حيث كانوا في الجاهلية إذا ذبحوا العقيقة لطخوا رأس الغلام بدم الشاة. روى ابو داود في سننه باسناده عن عبدالله بن بريدة قال: سمعت ابي بريدة يقول: «كنّا في الجاهلية إذا وُلد لاحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلمّا جاء الله بالاسلام كنّا نذبح شاة، ونحلق رأسه، ونلطخه بزعفران». سنن ابي داود 455 ، باب العقيقة، حد 2843 .
2- المجلسي، بحار الأنوار، 44 / 250، حد1 .
3- المصدر نفسه، 257/44، حد6
4- ابن قولويه، كامل الزيارات، 67 ، المجلسي، بحار الانوار، 260/44، حد 12 .

4- عن أبي جعفر علیه السلام قال:« كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إذا دخل الحسين علیه السلام اجتذبه إليه، ثمّ يقول لأمير المؤمنين علیه السلام : أمسكه، ثمّ يقع عليه فيقبله ويبكي، فيقول: يا أبه لِمَ تبكي؟، فيقول: يا بني أقبّل موضع السيوف منك وأبكي، قال : يا أبه واُقتل؟، قال: إي والله وأبوك وأخوك وأنت، قال: يا أبه فمصارعنا شتّى؟ قال: نعم، يا بني، قال: فمَنْ يزورنا من امتك؟، قال: لا يزورني ويزور أباك وأخاك وأنت إلا الصديقون من امتي»(1) (1).

المطلب الثاني: النصوص الواردة عن أمير المؤمنين علیه السلام .

قد تحدث أمير المؤمنين علیه السلام عن استشهاد الامام الحسين علیه السلام في اكثر من مناسبة، وفي

اوقات متفرقة، ومن تلك الاخبار :

1۔ عن ابن عباس قال: «كنتُ مع أمير المؤمنين علیه السلام في خرجته إلى صفين، فلما نزل بنينوى، وهو بشط الفرات، قال بأعلا صوته : يا ابن عباس أتعرف هذا الموضع ؟، قلتُ له: ما أعرفه يا أمير المؤمنين، فقال علیه السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي.

قال: فبكى طويلاً حتى اخضلّت لحيته، وسالت الدموع على صدره، وبكينا معاً، وهو يقول: أوه أوه مالي ولآل أبي سفيان؟، مالي ولآل حرب حزب الشيطان؟، وأولياء الكفر ؟ صبراً يا أبا عبد الله فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم.

ثمّ دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة، فصلّى ما شاء الله أنْ يصلّي، ثمّ ذكر نحو كلامه الأوّل إلا أنّه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة، ثمّ انتبه فقال: يا ابن عباس فقلتُ : ها أناذا، فقال: ألا اُحدّثك بما رأيتُ في منامي آنفاً عند رقدتي؟، فقلتُ: نامت عيناك ورأيتَ خيراً يا أمير المؤمنين.

ص: 37


1- المجلسي، بحار الانوار، 261/44، حد14 .

قال: رأيتُ كأني برجال قد نزلوا من السماء معهم أعلام بيض، قد تقلّدوا سيوفهم وهي بيض تلمع، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطّة، ثمّ رأيتُ كأنّ هذه النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض تضطرب بدم عبيط ، وكأنّي بالحسين فرخي ومضغتي ومخي قد غرق فيه يستغيث فيه فلا يغاث، وكأنّ الرجال البيض قد نزلوا من المساء ينادونه ويقولون: صبراً آل الرسول، فانّكم تقتلون على أيدي شرار الناس، وهذه الجنّة يا أبا عبدالله إليك مشتاقة، ثمّ يعزّونني ويقولون: يا أبا الحسن أبشر، فقد أقر الله به عينك يوم يقوم الناس لربّ العالمين.

ثمّ انتبهتُ هكذا، والذي نفس عليّ بيده، لقد حدّثني الصادق المصدق أبو القاسم صلی الله علیه و آله وسلم أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا، وهذه أرض كرب وبلاء، يدفن فيها الحسين علیه السلام وسبعة عشر رجلاً من ولدي وولد فاطمة، وإنّها لفي السماوات معروفة، تذكر أرض كرب وبلاء، كما تذكر بقعةالحرمين، وبقعة بيت المقدس...» (1)(1).

2- ما روي عن إسماعيل بن زياد أنّه قال: «إنّ عليا علیه السلام قال للبراء بن عازب ذات يوم: يا براء يقتل ابني الحسين وأنت حيٌّ لا تنصره، فلمّا قتل الحسين علیه السلام كان البراء بن عازب يقول: صدق والله عليّ بن أبي طالب، قتل الحسين ولم أنصره، ثمّ يُظهر على ذلك الحسرة والندم» (2)(2).

3- ما رواه جابر، عن أبي عبد الله علیه السلام أنّه قال: «قال عليّ للحسين: يا أبا عبدالله أسوة أنت قدماً ، فقال : جعلتُ فداك ما حالي؟ ، قال : علمت ما جهلوا، وسينتفع عالم بما علم، يا بنيّ اسمع وأبصر من قبل أنْ يأتيك، فوالذي نفسي بيده ليسفكنّ بنو أمية دمك، ثمّ لا يزيلونك عن دينك، ولا ينسونك ذكر ربّك، فقال الحسين علیه السلام : والذي نفسي بيده

ص: 38


1- المجلسي، بحار الأنوار، 252/44، حد2 .
2- المجلسي، بحار الأنوار، 44 / 262، حد18.

حسبي ، وأقررتُ بما أنزل الله ، وأصدّق نبيّ الله، ولا اُكذب قول أبي » (1)(1).

المطلب الثالث : النصوص الواردة عن الامام الحسن علیه السلام.

1 - روى الشيخ الصدوق رحمه الله علیه، ت: 381ه، باسناده عن المفضل بن عمر عن الامام جعفر الصادق علیه السلام أنّه قال: «إنّ الحسين بن علي بن ابي طالب عليهما السلام دخل يوماً الى الحسن علیه السلام، فلمّا نظر إليه بكى، فقال له: ما يبكيك يا ابا عبدالله ؟، قال : أبكي لِما يُصنع بك، فقال له الحسن علیه السلام: إنّ الذي يؤتى إلي سمّ يدسّ إلي فأقتل به، ولكنْ لا يوم كيومك يا ابا عبدالله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدّعون أنّهم من أمة جدّنا محمد صلی الله علیه و آله وسلم، وينتحلون دين الاسلام ،فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك،وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء دماً ... » (2)(2).

2- وروى السيد ابن طاووس، ت: 664ه-، باسناده الى محمد بن عمر،قال: سمعتُ ابي عمر بن علي بن ابي طالب علیه السلام يحدّث اخوالي آل عقيل، قال: لما امتنع اخي الحسين علیه السلام عن البيعة ليزيد بالمدينة، دخلتُ عليه فوجدته خالياً، فقلتُ له: جعلتُ فداك يا ابا عبدالله حدّثني أخوك ابو محمد الحسن علیه السلام عن ابيه، ثمّ سبقتني الدمعة وعلا شهيقي، فضمّني إليه وقال: حدّثك أنّي مقتول؟ ، فقلتُ: حوشيت يا ابن رسول الله، فقال: سألتك بحقّ ابيك بقتلي خبّرك؟ ، فقلت : نعم ... (3)(3).

ص: 39


1- ابن قولويه، كامل الزيارات، 71 ، المجلسي، بحار الانوار، 262/44، حد17 .
2- امالي الصدوق، 92 ، المجلس الرابع والعشرين، حد3.
3- الملهوف على قتلى الطفوف، 99 - 100 .

ص: 40

المبحث الثالث: الروايات التي تتحدث عن بعض الخصوصيات.

هناك روايات تحدد المكان الذي يقتل فيه الامام الحسين علیه السلام وزمان مقتله، وأنّ قاتله يزيد، مع ذكر بعض مَنْ يشارك في ذلك، نذكر من ذلك:

تحديد مكان استشهاده علیه السلام.

روى السيد ابن طاووس صلی الله علیه و آله وسلم ، ت : 664 ه« ... لّما أتى على الامام الحسين علیه السلام سنتان من مولده خرج النبي صلى الله عليه و آله و سلم في سفرٍ له، فوقف في بعض الطريق، فاسترجع ودمعت عيناه.

فسُئل عن ذلك، فقال : هذا جبرئيل يخبرني عن ارضٍ بشط الفرات يقال لها كربلاء،يقتل بها ولدي الحسين بن فاطمة ... » (1)(1).

و «كان النبي صلی الله علیه و آله وسلم قد أخبر أنّه يقتل بارض العراق بالطف بكربلاء، وأتاه جبرئيل علیه السلامبتربة الأرض التي يقتل بها، فشمها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وأعطاها أم سلمة وقال لها: إذا تحوّلت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قتل» (2)(2)، فقد روى الشيخ المفيد رحمه الله علیه، ت: 413 ه-، عن ام سلمة، أنّها قالت:« خرج رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من عندنا ذات ليلة فغاب عنّا طويلاً، ثمّ جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة، فقلت: يا رسول الله مالي أراك شَعِثاً مغبراً ؟،فقال: اُسري بي في هذا الوقت الى موضعٍ من العراق يقال له كربلاء،فاُريتُ فيه مصرع

ص: 41


1- الملهوف على قتلى الطفوف، 93
2- الصفدي، الوافي بالوفيات، 263/12 .

الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي، فلم أزل ألقط دماءهم فها هي في يدي، وبسطها إلي فقال: خذيها واحتفظي بها ... » (1) (1).

تحديد زمان استشهاده علیه السلام.

1 - روي مسنداً عن أم سلمة قالت : «قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: يقتل الحسين على رأس

ستين سنة من مهاجري» (2) (2).

2- روى الشيخ الصدوق رحمه الله علیه، ت: 381ه- ، باسناده عن ميثم التمار أنّه قال: «والله لتقتلنّ هذه الأمة ابن نبيها في المحرم لعشر يمضين منه، وليتخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة، وإنّ ذلك لكائن، قد سبق في علم الله تعالى ذكره، اعلم ذلك بعهدٍ عهده إلي مولاي امير المؤمنين صلوات الله عليه ... (3) (3).

تحديد اسم يزيد.

روي أنّ ملكاً من الملائكة اشتاق لرؤية النبي صلی الله علیه و آله وسلم فاستأذن ربه بالنزول إلى الأرض لزيارته... فأوحى الله تعالى إليه: «أيها الملك أخبر محمداً أنّ رجلاً من أمته اسمه يزيد يقتل فرخه الطاهر بن الطاهرة، نظيرة البتول مريم بنت عمران»(4)(4).

وقد ورد ذكر الأرض التي يقتل فيها الإمام الحسين علیه السلام ، واسم يزيد في حديث عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، حيث كان صلی الله علیه و آله وسلم في سفر فوقف في بعض الطريق فاسترجع ودمعت عيناه.

فسُئل عن ذلك، فقال صلی الله علیه و آله وسلم: «هذا جبرئيل يخبرني عن ارضٍ بشط الفرات يقال لها

ص: 42


1- الارشاد، 2/ 130 .
2- المتقي الهندي، كنز العمال، 59/12 .
3- امالي الصدوق، 100 ، المجلس السابع والعشرون، حد1.
4- المجلسي، بحار الأنوار، 314/45.

كربلاء، يقتل بها ولدي الحسين بن فاطمة.

فقيل له: مَنْ يقتله يا رسول الله ؟ .

فقال صلی الله علیه و آله وسلم: رجل اسمه يزيد، وكأنّي انظر الى مصرعه ومدفنه»(1)(1).

وروي عنه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال: «يزيد لا بارك الله في يزيد الطعان اللعان، أما إنّه نعي إلي

حبيبي وسُخيلي حسين أتيت بتربته ورأيت قاتله ...» (2)(2) .

تحديد اسم عمر بن سعد.

1 - قال الشيخ المفيد رحمه الله علیه، ت: 413 ه- : روى عبدالله بن شريك العامري، قال: كنتُ اسمع أصحاب علي علیه السلام إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون: هذا قاتل الحسين بن علي علیه السلام، وذلك قبل قتله بزمانٍ (3)(3).

2- روي أنّ عمر بن سعد قال للإمام الحسين علیه السلام: يا أبا عبدالله إنّ قِبلنَا ناساً سفهاء، يزعمون أنّي أقتلك.

فقال له الإمام الحسين علیه السلام: إنّهم ليسوا بسفهاء ولكنهم حلماء، أما إنّه يُقرّ عيني أنْ لا تأكل بُرَّ العراق بعدي إلا قليلاً (4)(4).

ولكثرة ما ورد في هذا الموضوع من روايات تشير إلى أحداث واقعة كربلاء وتفاصيلها، وما يجري على الحسين علیه السلام وأهل بيته وأصحابه، كان الكثير من المسلمين يترقبون وقوع الحادثة وينتظرونها ، ويتحدثون عن تفاصيلها، ومن ذلك :

ص: 43


1- ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 93 .
2- المتقي الهندي، كنز العمال، 59/12 .
3- الارشاد، 2 / 131 - 132 ، المجلسي، بحار الأنوار، 263/44، حد19.
4- المفيد، الارشاد، 2 / 132 ، المجلسي، بحار الانوار، 263/44 حد 20 .

1 - قال العريان بن الهيثم : كان أبي يقيم في البادية، فينزل قريباً من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين علیه السلام، فكنا فیه معرکة الحسین علیه السلام،فکنّا لا نبدو إلا وجدنا رجلاً من بني أسد هناك، فقال ابي:أراك ملازماً هذا المكان، قال: بلغني أنّ حسيناً يقتل هاهنا ، فأنا أخرج لعلّي أصادفه فاُقتل معه.

فلما قُتل الحسين علیه السلام، قال أبي: انطلقوا ننظر هل الأسدي فيمَنْ قتل؟، فأتينا المعركة، فطوّفنا، فإذا الأسدي مقتول (1) (1).

2- قال ميثم التمار للمختار بن أبي عبيدة الثقفي، وهما في حبس ابن زياد، قبل قتل الإمام الحسين علیه السلام: إنّك تُفلِت وتخرج ثائراً بدم الحسين علیه السلام، فتقتل هذا الجبار الذي نحن في سجنه والذي يريد قتلنا، وتطأ بقدميك على وجنتيه (2)(2).

ص: 44


1- ابن عساکر، تاریخ دمشق، 217/14 .
2- المجلسي، بحار الأنوار، 353/45.

المبحث الرابع: النصوص الواردة عن الإمام الحسين عليه السلام.

جاء في أكثر من كلام للإمام الحسين علیه السلام يشير فيه إلى المصير الذي ينتظره، حيث صرّح علیه السلام في أكثر من مناسبة بأنّه سوف يقتل، وأنّ عياله سوف تسبی، نذكر من ذلك :

1- خطبته لما عزم على الخروج من مكة إلى العراق، حيث قام خطيباً فقال علیه السلام: «الحمد لله ما شاء الله ولا قوة إلا بالله وصلّى الله على رسوله وسلّم، خط الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني الى اسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطعها ذئاب الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً، وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم...» (1) (1).

2 - ما جاء في محادثته مع أخيه محمد بن الحنفية حينما أراد علیه السلام الخروج من مكة الى العراق، حيث سأله عن سبب خروجه عاجلاً ، فقال علیه السلام : «أتاني رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فارقتك، فقال: يا حسين أخرج، فإنّ الله قد شاء أنْ يراك قتيلاً»، وحينما سأله عن معنى حمله للنساء معه، أجابه ب«أنّ الله قد شاء أنْ يراهنّ سبايا» (2) (2).

3- ما قاله علیه السلام حينما وصل الثعلبية (3)(3) ، وقد رقد وقت الظهيرة، فقال بعد أنْ استيقظ :

ص: 45


1- ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 126 .
2- ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 128 .
3- الثعلبية من منازل طريق مكة من الكوفة بعد الشقوق، وقبل الخزيمية، وسمّيت بذلك لأنّ ثعلبة بن عمرو أقام بها، وقيل سمّيت بالثعلبية لأنّ أوّل مَنْ حفرها ونزلها هو ثعلبة بن دودان بن أسد،

«قد رأيت هاتفاً يقول : أنتم تسيرون والمنايا تسير بكم الى الجنّة» (1) (1).

4- وعن الإمام علي بن الحسين علیه السلام قال:« خرجنا مع الحسين علیه السلام فما نزل منزلاً ولا ارتحل منه إلا ذكر يحيى بن زكريا وقتله، وقال يوماً: ومن هوان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريا أُهدي إلى بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل»(2)(2) .

فسمّيت باسمه. ياقوت الحموي، معجم البلدان، 11/3 .

ص: 46


1- ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 131.
2- المفيد، الإرشاد، 132/2 .

المبحث الخامس: علم الإمام عليه السلام بالغيب.

توجد أكثر من حقيقة في نهضة الإمام الحسين علیه السلام لا ينبغي تجاهلها، وغض النظر عنها، والذي يهمنا في محلّ البحث منها هي علم الإمام الحسين علیه السلام بشهادته.

وردت روايات كثيرة صدرت عن النبي الاعظم صلی الله علیه و آله وسلم، وأمير المؤمنين علیه السلام، والحسن علیه السلام، وعن الحسين علیه السلام نفسه، تدلّ على أنَّ الإمام الحسين علیه السلام سيكون شهيداً، وتتحدث عن المصير الذي ينتظره ، وتعرضت بعض تلك الروايات إلى مكان استشهاده، وبعض الخصوصيات التي ترتبط بذلك، وقد تقدّم ذكر بعض الروايات في هذا المجال في المباحث المتقدّمة من هذا الفصل (1)(1).

وهذه الروايات التي تتحدث عن واقعة كربلاء، وما يجري فيها على الإمام الحسين علیه السلام، قبل وقوع الحادثة، بل قبل ولادة الإمام الحسين (2)(2)، قد بلغت من الكثرة إلى حدٍّ يطمئن معه من صدورها، بل لا مجال للشكّ في صدورها، لا أقلّ أنَّ أصل وقوع الحادثة وشهادة الإمام الحسين علیه السلام في كربلاء قدر متيقن من تلك الأخبار ، ولو لم يحصل

ص: 47


1- انظر تفاصيل الروايات الواردة في هذا المجال في موسوعة الإمام الحسين علیه السلام ، 2/ 263 - 337، حيث هناك استقصاء للروايات الواردة في هذا المجال.
2- حيث ورد في الدعاء المروي عن الإمام العسكري علیه السلام، الذي يقرأ في اليوم الثالث من شعبان، في ذكرى ميلاد الإمام الحسين علیه السلام:« اللهم إنّي اسألك بحقّ المولود في هذا اليوم، الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته، بكته السماء ومَنْ فيها، والأرض ومَنْ عليها، ولّما يطأ لابتيها...». المجلسي، بحار الأنوار ، 347/98 .

الاطمئنان بالنسبة إلى بعض التفاصيل.

وهنا سؤال يطرح نفسه، وهو كيف علم الامام علیه السلام بهذه القضية، أليس هذا من علم الغيب، فهل يعلم الامام علیه السلام الغيب ؟ .

وفي الجواب نقول: إِنَّ الله تعالى منح بعض عباده شيئاً من علم الغيب (1)(1)، قال تعالى: ﴿ما كَانَ اللهُ لِیَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ

اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء ﴾(2)(2)، وقال جلّ شأنه: ﴿عَالُمِ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ى إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ﴾ (3)(3).

وقال عزّ وجلّ: ﴿وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ...﴾(4)(4)، فالنبي عیسی علیه السلام كما يخبر القرآن الكريم أنّه يخبر الناس بما يدخرون في بيوتهم وما يأكلون، وهذا واضح في الأخبار عن الغيب.

وقال جلّ شأنه: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا ﴾ (5) (5)، وقال تبارك وتعالى: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ (6)(6) .

ص: 48


1- «الغيب : خلاف الشهادة، وينطبق على ما لا يقع عليه الحس». محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، 1/ 45. تجدر الاشارة الى أنّ مسألة علم الامام بالغيب من المسائل الكلامية التي تبحث في علم الكلام، والحديث هنا فقط عن ما يرتبط بنهضة الإمام الحسين علیه السلام، من علمه بما سيجري فيها من احداث، وفي حدود ذلك. لأجل التوسع أكثر في مسألة علم الإمام يمكن مراجعة: صراط الحق للشيخ محمد آصف المحسني، 345/3 - 387 .
2- آل عمران: 179
3- الجن : 26 - 27 .
4- آل عمران: 49 .
5- هود: 49
6- يوسف : 102 .

إنَّ الأئمة عليهم السلام هم ورثة علم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فالنبي صلی الله علیه و آله وسلم باعتباره أعلم من جميع الأنبياء والمرسلين كان واجداً لأكمل واعلى مراتب علم الغيب، فالأئمة علیهم السلام أيضاً كانوا كذلك.

وقد دلّت نصوص كثيرة على أنَّ أهل البيت علیهم السلام ورثة علم النبي صلی الله علیه و آله وسلم، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

أ- عن حريز عن ابي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال :« سئل علي علیه السلام عن علم النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال: علم النبي علم جميع النبيين، وعلم ما كان وعلم ما هو كائن إلى قيام الساعة.

ثمّ قال علیه السلام: والذي نفسي بيده إنّي لأعلم علم النبي صلی الله علیه و آله و سلم و علم ما كان وعلم ما هو كائن في ما بيني وبين قيام الساعة » (1)(1).

ب - ما عن ضريس الكناسي، قال: كنتُ عند أبي عبدالله الصادق علیه السلام، وعنده أبو بصير، فقال أبو عبدالله علیه السلام : «إنَّ داود ورث علم الأنبياء، وإنّ سليمان ورث داود، وإنَّ محمداً صلی الله علیه و آله وسلم ورث سليمان، وإنّا ورثنا محمداً صلی الله علیه و آله وسلم ، وإنّ عندنا صحف إبراهيم وألواح

موسى...» (2) (2).

ج - عن سيف التمار قال: كنّا مع أبي عبدالله علیه السلام جماعة من الشيعة في الحجر، فقال علیه السلام : «... ورب الكعبة - ثلاث مرات - لو كنتُ بين موسى والخضر لأخبرتهما أنّي أعلم منهما، ولأنبأتهما بما ليس في ايديهما؛ لأنَّ موسى والخضر أُعطيا علم ما كان، ولم يعطيا علم ما هو كائن، فورثناه من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وراثة »(3)(3).

ص: 49


1- الصفار، بصائر الدرجات، 1 / 240 ، حد1 .
2- الكليني، الكافي، 1/ 225، حد 4 .
3- الصفار، بصائر الدرجات، 243/1 ، حد1 ، الكليني، الكافي، 1 / 260 ، حد1 .

د_ ما قاله الإمام الرضا علیه السلام في جواب عمرو بن هدّاب حينما نفى علم الغيب عن الأئمة، بحجّة أنَّ الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، حيث قال علیه السلام: «أوليس الله يقول: ﴿عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ...﴾ (1)(1)، فرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عند الله مرتضى، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما شاء من غيبه، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة... » (2)(2).

ونضيف الى ذلك ما ورد في أنّ الإمام يعلم بما يجري عليه، حيث ورد في هذا المجال ما رواه أبو بصير عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال: «أيّ إمامٍ لا يعلم ما يصيبه، وإلى ما يصير، فليس ذلك بحجّة الله على خلقه» (3)(3) .

اسئلة الفصل الأوّل:

1- ما أهم الشواهد التي تدل على أنّ الامام الحسين علیه السلام نهض لاسقاط النظام الاموي المستبد واقامة حكومة اسلامية عادلة؟.

2 - كيف تفسر علم الامام علیه السلام بالغيب ؟ .

3- اذكر حديثاً شريفاً يدل على أنّ النهضة الحسينية مخطط لها إلهياً؟.

4 - هل ورد ما يدل على تحديد اسم قاتل الامام الحسين علیه السلام في الروايات؟.

5- اذكر رواية تحدد مكان استشهاد الامام الحسين علیه السلام .

ص: 50


1- الجن: 27 .
2- المجلسي، بحار الأنوار، 49 / 75، حد1 .
3- الكليني، الكافي، 258/1 ، كتاب الحجّة ، باب أنّ الأئمة علیهم السلام يعلمون متى يموتون، حد1.

الفصل الثاني: عدم البيعة ليزيد

اشارة

إنَّ الذي يتقلّد ادارة شؤون المسلمين، ويكون إماماً لهم، يلزم أنْ تتوفر فيه شروط، قد جاءت الاشارة إليها في بعض كلام لأمير المؤمنين علیه السلام :« .... وقد علمتم أنّه لا ينبغي أنْ يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نَهمّتُه (1)(1)، ولا الجاهل فيضلّهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف(2)(2) للدول فيتخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع (3)(3)، ولا المعطّل للسنة فيُهلِك الأمة» (4) (4).

ص: 51


1- النهمة : نهم في الشيء بلغ همته فيه، وإفراط الشهوة والمبالغة في الحرص. الفيومي، المصباح المنير، 628
2- الحيف: الميل في الحكم والجنوح الى احد الجانبين. الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، .194
3- المقاطع: الحدود التي عينها الله لها . صبحي الصالح، شرح نهج البلاغة ، 248 .
4- نهج البلاغة - بشرح صبحي الصالح ، 247 - 248 ، الكلام: 131 .

وايضاً جاءت الاشارة الى ذلك في كتاب الامام الحسين علیه السلام الى أهل الكوفة:

«... فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحقّ، الحابس نفسه على ذلك لله . . . » (1)(1) .

ومن المعلوم من سيرة يزيد بن معاوية عدم تمتعه بهذه الصفات، بل اتصافه باضدادها - كما ستأتي الاشارة الى ذلك في المبحث الأوّل من هذا الفصل، وعليه فلا يصلح أن يكون خليفة للمسلمين، ومن هنا كان أحد الأسباب الرئيسة لنهضة عاشوراء هو طلب المبايعة ليزيد بن معاوية ابتداءً، ثمّ امتناع الإمام الحسين علیه السلام عن البيعة، فقد حاول يزيد واتباعه أنْ يقطعوا الطريق على الإمام الحسين علیه السلام من خلال

أمره والي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بأخذ البيعة من الإمام الحسين علیه السلام.

وقد أرسل يزيد رسالة إلى الوليد والي المدينة، وتضمنت الرسالة كلاماً شديد اللهجة، حيث جاء فيها :

1 - «أمّا بعد، فخذ حسيناً... بالبيعة أخذاً ليست فيه رخصة» (2)(2) .

2 -أمّا بعد، فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة ثانياً على أهل المدينة بتوكيد منك عليهم.... ،وليكن مع جوابك إليّ رأس الحسين بن علي»(3)(3). وفي نقل آخر: «إنْ أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه» (4) (4).

لقد أمر يزيد عامله على المدينة أنْ يأخذ البيعة من الامام الحسين علیه السلام أخذاً شديداً لا هوادة فيه، وكان طلب يزيد من الامام علیه السلام أنْ يستسلم له بلا قيد أو شرط، وأنْ يعترف

ص: 52


1- المجلسي، بحار الانوار، 334/44 - 335، حد2 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 338/5.
3- ابن اعثم، الفتوح، 18/5 .
4- ابن طاووس، الملهوف، 96 ، المجلسي، بحار الأنوار، 324/44.

له بأنّه خليفة المسلمين، وأمير المؤمنين، وأنّه الحاكم الشرعي للمسلمين، من دون حجة وبرهان، بل كان معتمداً في ذلك على منطق القوة والسيف، وهذا الاجراء في الحقيقة يكشف عن سوء تدبير يزيد وسفاهة سياسته وتهوره في التعامل .

وعلى أيّ حالٍ فالإمام الحسين علیه السلام أمتنع عن بيعة يزيد بن معاوية، ولذلك خرج من المدينة متوجهاً إلى مكة المكرمة ، فكان «مصير الحسين الى مكة فراراً من بيعة يزيد » (1)(1).

ولأجل الاحاطة باطراف هذا الموضوع ينبغي أوّلاً أنْ نتحدث عن الاسباب التي دعت الامام الحسين علیه السلام للامتناع من بيعة يزيد، ثمّ عن عواقب وآثار بيعة الامام علیه السلام ليزيد لو فرض مبايعته علیه السلام له ، وقبل هذا وذاك ينبغي أنْ نطلع على مفهوم وحقيقة البيعة التي كان يزيد بن معاوية يريدها من الامام الحسين علیه السلام ، فالحديث في هذا الموضوع يقع

في تمهيد ومبحثين.

ص: 53


1- ابن كثير، البداية والنهاية، 179/8

ص: 54

تمهيد: في مفهوم البيعة

البيعة في اللغة:« البيعة الصفقة على إيجاب البيع ... وتطلق ايضاً على المبايعة والطاعة ... » (1) (1)،« وبايع السلطان إذا تضمن بذل الطاعة له بما رضخ له، ويقال لذلك بيعة ومبايعة، وقوله تعالى: ﴿فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ﴾ (2) (2)، إشارة الى بيعة الرضوان المذكورة في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ (3)(3) ، والى ما ذُكر في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِين أَنفُسَهُمْ﴾ (4)(4)...»(5)(5).

البيعة في الاصطلاح : يظهر أنْ « لا اصطلاح خاصّ للبيعة في الشرع والفقه، بل قد استعملت فيهما بمعناها اللغوي، وهي تكون تارةً من المرؤوسين لغرض إنشاء الولاية واعطائها ابتداءً لمن أرادوا ولايته، كان متعلّقها ولاية صالحة سائغة أو باطلة جائرة، كبيعة خلفاء الجور، فإذا عقد أهل قرية البيعة لامير أمّروه لتصدي أمورهم فبايعوه عليه، حصلت البيعة، وترتب عليها أحكامها الثابتة لطرفي المعاقدة...

ثمّ إنّ البيعة ... من المعاقدات والمعاهدات العقلائية اللازمة، وهي بطبعها تصلح للوفاء وللنقض، نظير العهد والنذر ، ومن أحكامها وجوب الوفاء وحرمة النقض،

ص: 55


1- الفيومي، المصباح المنير، 69/1.
2- التوبة: 111 .
3- الفتح: 18 .
4- التوبة: 111 .
5- الراغب الأصفهاني، مفردات الفاظ القرآن، 100 .

لأدلة الوفاء بالعقود والشروط... »(1) (1).

وتجدر الاشارة الى أنّ إمامة المعصوم - (النبي صلی الله علیه و آله وسلم، والأئمة علیهم السلام) - و ولايته تثبت بالنصّ والجعل، ولا تتوقف على البيعة والانتخاب عند علماء الإمامية (2)(2)، بل ذلك من ضرورات المذهب (3)(3).

نعم، المعروف بين علماء الإمامية هو أنّ أثر البيعة للمعصوم من قبل المسلمين هو توكيد الطاعة وتوثيق الولاية، وليست البيعة ملزمة للطاعة، ولا هي منشأ وسبب للولاية ( 4 ) (4).

والبيعة لها انواع كثيرة بلحاظ الشخص المبايَع، وبلحاظ الأمر المبايع عليه(5)(5)، ومنها بيعة الخلافة بمعنى أنْ يعترف الُمبايع بخلافة الخليفة الجديد، ويعلن عن تأييده له، وعبّر عن دعمه ونصرته له (6)(6) ، وهذه البيعة هي التي أرادها يزيد بن معاوية من الامام الحسين علیه السلام، فكان يريد من الامام علیه السلام أنْ يعترف به خليفة بنحو رسمي (V) (7).

ص: 56


1- علي المشكيني، مصطلحات الفقه، 117 - 118 .
2- العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء ، 9 / 398، م / 237 .
3- كاظم الحائري، ولاية الأمر في عصر الغيبة، 179 .
4- موسوعة الفقه الاسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت علیهم السلام ، 23/ 343.
5- انظر: موسوعة الفقه الاسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت علیهم السلام البلاد، 351/23، نعمت الله صالحي نجف آبادي، الشهيد الخالد الحسين بن علي علیه السلام، 100 - 101 ، ابو الفضل سلطان محمدي، الاسباب والعوامل السياسية الاجتماعية لثورة عاشوراء ، 557 ، بحث مطبوع ضمن كتاب (نهضة عاشوراء دراسات كلامية فقهية سياسية) لمجموعة من الباحثين.
6- نعمت الله صالحي نجف آبادي ،الشهيد الخالد الحسين بن علي علیه السلام، 101، ابوالفضل سلطان محمدي ،الاسباب والعوامل السياسية الاجتماعية لثورة عاشوراء، 557 ، بحث مطبوع ضمن كتاب (نهضة عاشوراء دراسات كلامية فقهية سياسية ) لمجموعة من الباحثين.
7- ابوالفضل سلطان محمدي، الاسباب والعوامل السياسية الاجتماعية لثورة عاشوراء، 557، بحث مطبوع ضمن كتاب (نهضة عاشوراء دراسات كلامية فقهية سياسية) لمجموعة من الباحثين.

ولو فُرضَ أنَّ الإمام الحسين علیه السلام بايع تلك البيعة لكان ملزماً بطاعة أوامر حكومة يزيد، ويترتب على ذلك أنّه سيلتزم قهراً بالآثار التي تنتج عن القرارات التي تصدر من الخليفة، والتي كان من جملتها سبّ علي علیه السلام.

الخلاصة: إنَّ البيعة التي كان يزيد بن معاوية يطلبها من الإمام الحسين علیه السلامهي بيعة الخلافة.

ص: 57

ص: 58

المبحث الأوّل :

أسباب امتناع الإمام الحسين عليه السلام عن البيعة .

هناك عدّة أسباب دعت الإمام الحسين علیه السلام إلى رفض بيعة يزيد بن معاوية، وبالتالي أصبح أمتناعه علیه السلام من البيعة من أسباب النهضة الحسينية المباركة.

وفيما يلي نذكر ثلاثة أسباب، وهي المهم منها:

1- تعارض خلافة يزيد مع ميثاق صلح الإمام الحسن علیه السلام .

إنّ من جملة بنود الصلح الذي جرى بين الإمام الحسن علیه السلام ومعاوية بن أبي سفيان، هو أنْ يكون الأمر للحسن من بعد معاوية (1) (1)، فإنْ حدث به حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية أنْ يعهد به إلى أحد (2) (2).

ويؤيد هذه القضية - أنّ ميثاق صلح الامام الحسن علیه السلام يُعدّ من أحد الأسباب التي دعت الإمام الحسين علیه السلام إلى رفض بيعة يزيد- أنّ الوليد بن عتبة حينما أرسل رسوله ليدعو إليه الإمام الحسين علیه السلام، لأخذ البيعة منه، كان الإمام علیه السلام وعبد الله بن الزبير في المسجد، فلمّا دعاهم الرسول «أقبل عبدالله بن الزبير على الحسين بن علي، وقال: يا أبا عبدالله إنَّ هذه ساعة لم يكن الوليد بن عتبة يجلس فيها للناس، وإنّي قد أنكرتُ ذلك وبعثه في هذه الساعة إلينا ودعاءه إيانا لمثل هذا الوقت، أترى في أيّ طلبنا ؟.

ص: 59


1- ابن قتيبة الدينوري، الامامة والسياسة ، 1 / 140 ، البلاذري، انساب الاشراف، 286/3 .
2- ابن المهنا، عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب، 46 .

فقال له الحسين : إذاً أخبرك أبا بكر، إنّي أظن بأنّ معاوية قد مات...

فقال له ابن الزبير : فأعلم يا ابن علي أنّ ذلك كذلك، فما ترى أنْ تصنع إنْ دعيت إلى بيعة يزيد أبا عبدالله ؟ .

قال علیه السلام: أصنع أنّي لا أبايع له أبداً؛ لأنَّ الأمر إنّما كان لي من بعد أخي الحسن، فصنع معاوية ما صنع ،وحلف لأخي الحسن أنّه لا يجعل الخلافة لأحده من بعده من ولده، وأنْ يردها إلىَّ إنْ كنتُ حياً ... » (1) (1).

2 - عدم أهلية يزيد لتولي الخلافة، وفقدان شروطها فيه.

يعتبر من أهم الأسباب التي دعت الإمام الحسين علیه السلام إلى الامتناع عن بيعة يزيد بن معاوية هو خصوصيات يزيد بن معاوية الأخلاقية، فلم يكن يزيد مؤهلاً لتقمص منصب الخلافة، الذي له أهميته الواضحة، بل كان الفسق والفجور والرذيلةمن الصفات الظاهرة والبادية عليه.

ويمكن رصد بعض خصائصه الأخلاقية من خلال النقل التأريخي:

- فيزيد يشرب الخمر، ويتعدى حكم الكتاب الكريم ، ولم يكن له حظ من المعرفة الدينية (2) (2).

- وكان يتصف بالغلظة والشدة والقسوة، فضلاً عن عدم امتلاكه حظاً من اللياقة السياسية.(3)(3).

وكان ماجناً، فكان شرب الخمر من الأمور الواضحة في خصوصيات يزيد، وكان

ص: 60


1- ابن أعثم، الفتوح، 12/5 .
2- الذهبي، سیر اعلام النبلاء، 4 / 40 .
3- الذهبي، سير اعلام النبلاء، 37/4 .

ينشد الشعر أحياناً في وصف الخمر، وفي بعض الأحيان ينشد الشعر في بيان حقيقة عقيدته الشركية والمنحرفة و الكافرة (1) (1).

- كان منغمساً في أنواع اللهو واللعب والملذات ، فكان من عاداته القبيحة سماع الغناء، فكان فاسقاً (2)(2) .

- وله تعلّق شديد بتربية الحيوانات، حيث قام بتربية قرد من القرود وتعليمه، وكناه بابي قيس، وكانت بينه وبين هذا القرد علاقة قوية، فألبسه الحرير والديباج والزبرجد، وجعله يحضر في مجالس شربه، وأشركه في سباقات الخيل (3)(3)، وكان يزيد «صاحب الديكة والفهود والقردة »(4) (4).

وكان إطلاع أهل المدينة على هذه الخصال القبيحة عند يزيد هو الباعث لهم للقيام ضده، والنهوض بثورة عارمة ضد حكمه، حيث ورد أنّ عبد الله حنظلة (5) (5)، ذهب إلى الشام مع مجموعة من الأشخاص نيابة عن أهل المدينة، وبعد عودته عبّر عمّا شاهده من القبائح عند يزيد، بقوله: والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أنْ نُرمى بالحجارة من

ص: 61


1- ابن الجوزي تذكرة الخواص، 300 - 302.
2- ابن خلدون، المقدّمة، 143، 145 .
3- عبد الرزاق المقرم، مقتل الحسين علیه السلام، 13 ، عن امالي الزجاج ، 45 ، طبعة مصر، المكتبة المحمودية، وانظر: مرتضى المطهري، الملحمة الحسينية، 3 /133 - 134 .
4- المعتزلي ، شرح نهج البلاغة، 15/ 178 .
5- عبدالله حنظلة بن ابي عامر الانصاري، يقال له ابن الغسيل، لأنّ اباه حنظلة قتل يوم احد شهيداً، وهو المعروف بغسيل الملائكة، كان خيراً فاضلاً مقدماً في الانصار، وفد على يزيد بن معاوية، فرأى منه ما لا يصلح، وبعد رجوعه سأله الناس عمّا ورائه ،فقال : اتيتكم من عند رجل والله لو لم أجد إلا بني هؤلاء الجاهدته بهم، فخلع يزيد، وبايعه الانصار، قتل يوم الحرة، سنة 63 ه-. ابن حجر العسقلاني، الاصابة في تمييز الصحابة ،299/2 ، ابن عبدالبر، الاستيعاب في اسماء الاصحاب- المطبوع بهامش الاصابة، 2/ 286 - 287 .

السماء، رجل ينكح الامهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليتُ فيه بلاءً حسناً(1)(1).

وقد اشار الإمام الحسين علیه السلام إلى صفات يزيد المذمومة، وقبائح أخلاقه التي لا يصلح معها لتولي أمور المسلمين، في أكثر من مناسبة، نذكر منها :

أ - عندما أراد معاوية أنْ يأخذ البيعة ليزيد من أهل المدينة فأخذ يمجده ويعظمه، وهنا ردَّ الإمام الحسين عليه السلام بقوله : «... فهمت ما ذكرتَه عن يزيد من اكتماله وسياسته لأمة محمد، تريد أنْ توهم الناس في يزيد، كأنّك تصف محجوباً ،أو تنعت غائباً، أو تُخبِرعمّا كان ممّا احتويته بعلمٍ خاصّ، وقد دلَّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبق لأترابهن، والقيان ذوات المعازف وضروب الملاهي، تجده ناصراً » (2) (2).

ب - لّما دعاه الوليد بن عتبة المبايعة يزيد، قال علیه السلام في جملة ما قال: «إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق ليس له هذه المنزلة، ومثلي لا يبايع مثله ... (3)(3) .

وقد ذهب الكثير من علماء أهل السنة إلى فسق يزيد، بل ذهب بعضهم الى كفره، استناداً إلى أفعاله الشنيعة وسلوكياته المنحرفة (4)(4) .

ص: 62


1- سبط بن الجوزي، تذكرة الخواص، 298 .
2- ابن قتيبة الدينوري، الامامة والسياسية، 1 / 160 - 161 .
3- ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 97، المجلسي، بحار الأنوار، 225/44، وانظر: الفتوح لابن اعثم الكوفي ، 13/5 ، مقتل الحسين للخوارزمي، 183/1 .
4- وبهذا الصدد قال الآلوسي، ت: 1270ه- - بعد أنْ نقل ما جزم به جماعة من العلماء بكفر يزيد-.: «الذي يغلب على ظني أنّ الخبيث لم يكن مصدقاً برسالة النبي صلی الله علیه و آله وسلم وأنّ مجموع ما فعل مع أهل حرم

3 - عدم شرعية حكومة يزيد.

إنَّ البيعة لشخص فرع مشروعية حكمه، فإذا لم يكن حكمه مشروعاً فبيعته منتفية من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

أمَّا كيف أنّ حكم يزيد ليس مشروعاً فذلك باعتبار أنّ محور شرعية الحكومة هو الإمامة والتنصيب الإلهي، كما يرتبط قوام الإمامة بشخص الإمام أيضاً، وبالتالي تنشأ شرعية الحكومة وعدم شرعيتها وعدلها وجورها بشكل أساسي من أوصاف الإمام والحاكم الإسلامي وتصرفاته .

وقد ورد في الامالي للشيخ الصدوق رحمه الله علیه، بسنده عن الإمام الصادق علیه السلام، عن أبيه عن جده زین العابدين علیهم السلام:« بعث الوليد بن عتبة إلى الحسين بن علي عليهما السلام فقال : إنّ

أمير المؤمنين أمرك أنْ تبايع له، فقال الحسين علیه السلام: قد علمتَ أنّا أهل بيت الكرامة ومعدن الرسالة وأعلام الحقّ الذي أودعه الله قلوبنا...

إلى أنْ قال علیه السلام: ولقد سمعتُ جدي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «إنّ الخلافة محرَّمة على ولد أبي سفيان»، وكيف أبايع أهلَ بيتٍ قد قال فيهم رسول الله هذا » (1)(1).

الله تعالى وأهل حرم نبيه عليه الصلاة والسلام وعترته الطيبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات، وما صدر منه من المخازي ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه، من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر؛ ولا أظن أنّ أمره كان خافياً على أجلّة المسلمين إذ ذاك، ولكنْ كانوا مغلوبين مقهورين لم يسعهم إلا الصبر، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، ولو سلّم أنّ الخبيث كان مسلماً فهو مسلم جمعَ من الكبائر ما لا يحيط به نطاق البيان، وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين، ولو لم يتصوّر أنْ يكون له مثل من الفاسقين، والظاهر أنّه لم يتب، واحتمال توبته أضعف من إيمانه». تفسير روح المعاني، 317/26

318 -

ص: 63


1- الصدوق، الأمالي، 216 ، المجلسي، بحار الأنوار، 312/44.

ص: 64

المبحث الثاني: الآثار التي تترتب على بيعة الإمام الحسين عليه السلام ليزيد.

لو فرض أنّ الإمام الحسين عليه السلام بايع يزيد بن معاوية بالخلافة، فسوف تترتب جملة من الآثار على ذلك، فهناك آثار سياسية واجتماعية ودينية وثقافية متعددة، ويكون لذلك الاجراء آثار لا تحمد عقباها، وحاشا للإمام الحسين عليه السلام أنْ يكون سبباً لتلك الآثار الوخيمة، والتي لها انعكاسات سلبية على الإسلام والمسلمين.

ونشير هنا إلى بعض تلك الآثار :

1- تأييد خلافة يزيد بن معاوية.

إنَّ بيعة الإمام الحسين عليه السلام ليزيد حتى لو كانت بنحو الإكراه تعني التأييد للفكر السياسي الذي أسسه أبو سفيان، لأنّ أبا سفيان طلب من عثمان بن عفان حينما تولى الخلافة أنْ يجعل الخلافة وراثة في بني أمية، إذ قال أبو سفيان في دار عثمان بعد أنْ بويع لعثمان بالخلافة:« يا بني أمية تلقّفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب، ولا جنّة ولا نار، ولا بعث ولا قيامة» (1)(1).

فالإمام الحسين علیه السلام- حتى قبل أنْ يكتشف الناس ماهية يزيد وحقيقته - امتنع عن القبول بولاية العهد ليزيد في أيام معاوية بن أبي سفيان، ثمّ بعد ذلك نجده قد أزداد إصراراً على الرفض حين طلب منه والي المدينة البيعة ليزيد، حيث قال علیه السلام: «مثلي لا

ص: 65


1- المعتزلي، شرح نهج البلاغة ، 53/9 .

يبايع مثله» (1) (1).

2- خطر انهدام الدين الإسلامي .

لقد عملت حكومة بني أمية على هدم الدين في أيام معاوية بن أبي سفيان، وكان خطر هذه الحكومة على الدين الإسلامي جدياً(2)(2)، وكان الإمام الحسين علیه السلام يشعر بهذا الخطر أكثر من أيّ شيءٍ، ويراه أكثر من كلّ شخصٍ آخر.

وبعد هلاك معاوية أرادوا لهذا الهدم أنْ يستمر من خلال تنصيب يزيد خليفة للمسلمين، وكان الامام الحسين علیه السلام يعتبر أنَّ خلافة يزيد آفة وطامة كبرى على الدين الإسلامي، وعلى الرسالة المحمدية، ويكشف الإمام الحسين علیه السلام عن هذه الحقيقة في جوابه لمروان بن الحكم حينما نصحه بالقبول ببيعة يزيد، حيث قال علیه السلام : «على الإسلام السلام، إذ قد بُليت الأمة براعٍ مثل يزيد» (3)(3).

لقد برز الوجه الحقيقي ليزيد بن معاوية واضحاً للجميع بعد استشهاد الإمام الحسين علیه السلام، فبعد أنْ انتشى بغلبته الظاهرية على الإمام الحسين علیه السلام، قام بالكشف عمّا في دخيلة نفسه، من قصده محو الدين والوحي والنبوة، وأعلن نواياه على الملأ، وذلك عبر إنشاد أشعار الكفر والزندقة، عندما كان الرأس الشريف أمامه، حيث راح ينشد:

ص: 66


1- ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 97 ، المجلسي، بحار الأنوار، 325/44.
2- سيأتي الحديث بشيء من التفصيل عن هذه القضية في الفصل الرابع إنْ شاء الله تعالى.
3- ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 98 ، ابن نما، مثير الأحزان، 15، المجلسي، بحار الأنوار، 326/44.

(1) (1).

وأيضًا كشفت العقلية زينب عليها السلام عن هذه الحقيقة - وهي أنّ الهدف الرئيس عند يزيد كان إطفاء شعلة الدين الإسلامي، ومحو أصحاب الرسالة من أهل البيت عليهم السلام عن وجه الأرض - حيث ورد في كلامٍ لها تخاطب فيه يزيد بن معاوية: «فكِدْ كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحونّ ذكرنا ، ولا تميت وحينا» (2) (2).

3۔ محذور القبول بالذلة.

لعّل (3)(3) من آثار مبايعة الإمام علیه السلام ليزيد بن معاوية هو القبول بالذلة، حيث إنَّ ما ورد من تعاليم إسلامية حول عزة نفس المؤمن وتمجيدها يوازيه منع وردع عن الرضا بالمهانة وإذلال النفس، ومن الواضح أنّ بيعة الإمام الحسين علیه السلام ليزيد لن يستتبعها إلا الإهانة وإذلال النفس.

وقد بيّن الإمام علیه السلام في أكثر من مناسبة أنّ بيعته ليزيد تعني الذلة، وأنّ الموت مع الشرف خير من السلامة مع الذل.

- قال علیه السلام يوم العاشر من محرم :« والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار ويمكن أن يقال: إنّ الأئمة السلام كانوا يتصرفون عن بصيرة ودراية في كل واقعة، وعلى حسب ما تقتضيه المصالح الواقعية، نظرا لما يتمتع به الامام من مؤهلات وابرزها العصمة والعلم، وليس على حسب المصالح الظاهرية للناس والرغبات النفسانية، اضف الى ذلك اختلاف الظروف التي تحيط بالامام، فقد يقتضي ظرف امام في عصر شيء يختلف عما يقتضيه عصر وظرف إمام آخر.

ص: 67


1- ابن الجوزي، تذكرة الخواص، 271 ، ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 214 .
2- ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 218 .
3- قلنا (لعلّ) وذلك لأنّه قد يلزم من ذلك الإشكال في تفسير بيعة الأئمة الآخرين علیهم السلام لطغاة زمانهم.

«العبيد» (1)(1).

- قال علیه السلام في إجابته لابن زياد عندما خيّره بين الاستسلام أو القتال: «إِنّ الدَعِيّ ابن الدَعِيّ قد رَكَزَ بين اثنتين: بين السَّلّة والذِلّة ،وهيهات منّا الذِلّة، يأبى اللهُ لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت، وحجورٌ طُهرَتْ ، وأنوفُ حميّة، ونفوس أبية، من أنْ تؤثِرُ طاعةَ اللئامِ على مصارع الكرام...» (2) (2).

-وقال علیه السلام : «إنّي لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا بَرما (3)(3)» (4)(4)

- وقال علیه السلام: «موت في عزّ خير من حياة في ذل»(5)(5).

وعلى أيّ حالٍ أنّ الإمام الحسين علیه السلام بامتناعه عن البيعة ليزيد بن معاوية سوف لن يكتسب حكم يزيد بن معاوية أيّ شرعية، مادام الإمام علیه السلام ممسكاً وممتنعاً عن البيعة، أمّا إذا بايعه فانّه حينئذٍ يكون قد اكسب الغل الجديد الذي طوقت به الأمة الإسلامية صفة قانونية شرعية، وهذا شيء يرفضه الإمام علیه السلام أشدّ الرفض، وقد صدح به في كلماته.

وهنا تساؤل قد يطرح على بساط البحث، وحاصله: إنَّ الأمة قد لمست الظلم والجور ومصادرة الحقوق والحريات في أيام معاوية، وعلى هذا الأساس فالإمام علیه السلام إذا بايع يزيد سوف لا تتغير نظرة الناس إلى الحكم الأموي من حيث كونه ظالماً.

والجواب: هناك فرق كبير بين موقفين للإمام علیه السلام، لهما الأثر العظيم على حياة الأمة ووجودها، والموقفان هما:

ص: 68


1- المفيد، الإرشاد، 2/ 98
2- ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 156 .
3- البرم :الضجر والملالة. الفيروزآبادي، القاموس المحيط، 996 ، الفيومي، المصباح المنير ، 45 .
4- الاربلي، كشف الغمة، 32/2
5- المجلسي، بحار الأنوار، 192/44، حد4 .

الموقف الأوّل: أنْ يبايع الإمام علیه السلام يزيد بن معاوية.

ومن آثار هذا الموقف أنّ الأمة عليها أنْ تخضع لحكم بني أمية الظالم، وترى أنّه حكم شرعي لا يجوز تغييره والخروج عليه.

الموقف الثاني: رفض البيعة.

ومن آثار هذا الموقف أنّ الأمة وإنْ فرضت عليها الظروف أن ترضخ لحكم بني أمية الظالم، ولكنها تعلم أنّه حكم بغير حقّ، ويجب أنْ يزول.

ومن الواضح أنَّ الأمة في الحالة الأولى سوف يسودها تصور أنّ الواقع المؤلم والحياة التعسة التي تعيشها، وأنّ التشريد والجوع والحرمان والذل هو قدرها الذي لا مفرّ لها منه، وهو مصيرها المحتوم الذي لابدّ أنْ تصير إليه، وحينئذٍ لا يبقى أي أمل في تغيير الأوضاع يلوح في الأفق، ويضمحل كلُّ أملٍ في النهضة من أجل تغيير ذلك الواقع.

وبالتالي تستسلم الأمة إلى جلادها وتنقاد له، وتدعمه في ظلمه، بدل أنْ تثور وتنهض ضده، وحينذٍ يصار إلى الرضا بما هو كائن؛ لأنّه ينبغي أنْ يكون.

أمَّا حين تخضع الأمة وهي تعلم أنّ الحاكم لاحقّ له، فحينئذٍ يبقى الأمل في التغيير حياً نابضاً، وتبقى الثورة مشتعلة في النفوس، وحينئذٍ يكون للثائرين مجال للعمل؛ لأنَّ الأرضية مهيئة ومعدّة للنهضة.

والشخص الذي يستطيع أنْ ينهض بهذه المهمة وهذا الدور الخطير ليس هو إلا الإمام الحسين علیه السلام وحده، فهو الذي نهض بهذا الدور، وكان نتيجة ذلك نهضته المباركة التي كانت قدره المحتوم.

نعم، كان هناك مَنْ أبى أنْ يبايع يزيد، كما هو الحال بالنسبة إلى عبدالله بن الزبير، لكنْ لم يكن لاؤلئك منزلة عند المسلمين، كما هي منزلة الإمام الحسين علیه السلام، وعلو شأنه

ص: 69

بينهم .

فمثلاً عبدالله بن عمر فهو سرعان ما سلّم للأمر وقال: «إذا بايع الناس بايعت»، ثمّ تقدّم الى الوليد بن عتبة فبايعه (1)(1).

وعبدالله بن الزبير كان الناس يكرهونه، ويتهمونه في رفضه للبيعة بأنّه يريد الأمر لنفسه، فلم تكن دوافعه في رفضه للبيعة تنطلق من رفضه لتسلط الامويين وانحرافهم، فلم تكن دوافعه دينية خالصة، وإنّما كان يدفعه الطمع في الخلافة، والناس كانوا لا يرونه أهلاً لذلك.

وإذا أردنا أنْ نستكشف منزلة الإمام الحسين علیه السلام عند المسلمين، ومركزه في نفوسهم في ذلك الوقت، فالشواهد كثيرة جداً، نذكر منها:

1- ما ذكره ابن كثير، في البداية والنهاية من أنَّ الامام الحسين علیه السلام وابن الزبير لّما خرجا من المدينة إلى مكة، وأقاما بها «عكف الناس على الحسين يفدون إليه ويقدمون عليه ويجلسون حواليه ويستمعون كلامه حين سمعوا بموت معاوية وخلافة يزيد، وأمّا ابن الزبير فانّه لزم مصلاه عند الكعبة، وجعل يتردد في غضون ذلك إلى الحسين في جملة الناس، ولا يمكنه أنْ يتحرّك بشيء مما فى نفسه مع وجود الحسين، لما يعلم من تعظيم الناس له، وتقديمهم إياه عليه... بل الناس إنّما ميلهم إلى الحسين، لأنّه السيد الكبير، وابن بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فليس على وجه الأرض يومئذٍ احد يساميه ولا يساويه»(2)(2)، فهذا النقل التاريخي يبيّن أن أنظار الناس اتجهت إلى الإمام الحسين علیه السلام وحده،وانقطعوا إليه.

ص: 70


1- الطبري، تأريخ الرسل والملوك، 5 / 342 - 343.
2- البداية والنهاية، 151/8 .

2- قال أبو الفرج الأصفهاني، ت: 356ه-: «إنّ عبدالله بن الزبير لم يكن شيء أثقل عليه من مكان الحسين بالحجاز، ولا أحبّ إليه من خروجه إلى العراق، طمعاً في الوثوب بالحجاز، وعلماً منه بأنّ ذلك لا يتم له إلا بعد خروج الحسين»(1)(1)، فكان الامام علیه السلام «أثقل خلق الله على ابن الزبير، قد عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه ولا يتابعونه ابداً مادام الحسين علیه السلام في البلد، وأنّ حسيناً أعظم في أعينهم وأنفسهم منه،وأطوع في الناس منه»(2)(2).

4- كان عبد الله بن الزبير في مكة« يأتي الحسين ويجلس إليه، وقد ثقلت وطأة الحسين على ابن الزبير، لأنّ أهل الحجاز لا يبايعونه مادام الحسين بالبلد، ولا يتهيأ له ما يطلب منهم مع وجود الحسين »(3)(3).

ه - قال عبدالله بن عباس للإمام الحسين علیه السلام وهو يحاوره في الخروج الى العراق:« لقد أقررتَ عين ابن الزبير بتخليتك إياه والحجاز، والخروج منها، وهو اليوم لا ينظر إليه أحد معك» (4)(4) .

كلّ هذا يكشف عن مدى تعلّق جماهير المسلمين بالإمام الحسين علیه السلام، باعتباره رجل المرحلة، ولو قدّر أنّ الإمام الحسين علیه السلام بايع يزيد بن معاوية لم يكن لابن الزبير وأمثاله وزن في المعارضة؛ لأنّهم حينئذٍ لا يجدون أنصاراً، كما هو الحال بالنسبة للإمام الحسين علیه السلام.

الخلاصة : إنَّ الإمام الحسين علیه السلام وجد نفسه وجهاً لوجه امام دوره التاريخي، وما

ص: 71


1- مقاتل الطالبيين، 72.
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 351/5، المفيد، الإرشاد، 36/2.
3- ابن الصباغ المالكي، الفصول المهمة في معرفة الأئمة، 2/ 786.
4- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، الطبري، 5/ 384 .

خُطط له من مصير يتحتم عليه أنْ يصنعه لنفسه، وعند ذلك أعلن الإمام علیه السلام عن نهضته التي أصبحت منهجاً للمصلحين فيما بعد، وزرعت في نفس الإمة القدرة على المطالبة بالحقوق وتغيير الواقع المأساوي.

اسئلة الفصل الثاني:

1 - ما هي الشروط اللازمة لتقلد ادارة شؤون المسلمين وامامتهم؟.

2 - ما المقصود من البيعة؟.

3- ما أهم اسباب امتناع الامام الحسين علیه السلام عن البيعة ليزيد ؟ .

4 - اذكر أهم الخصائص التي جعلت الملعون يزيد غير مؤهل للخلافة والسلطة؟.

5- ما ابرز الآثار التي تترتب على بيعة الامام الحسين علیه السلام ليزيد لو فرض تحققها؟.

ص: 72

الفصل الثالث: دعوة أهل الكوفة

اشارة

تُعدّ دعوة أهل الكوفة للإمام الحسين علیه السلام من عوامل نهضة الإمام الحسين علیه السلام، وقد صرّح كثير من المؤرخين والمحققين والباحثين بأهمية وتأثير هذا العامل في نهضة الإمام الحسين علیه السلام، منهم على سبيل المثال لا الحصر: السيد علي بن الحسين المرتضى رحمه الله علیه،ت: 436ه-، في كتابه (تنزيه الأنبياء) (1) (1)، وابن خلدون، ت: 808ه- ، في مقدّمته (2)(2).

ولأجل تسليط الضوء على هذا السبب، ودوره في نهضة الإمام الحسين علیه السلام

ص: 73


1- تنزيه الأنبياء، 270 . قال رحمه الله علیه: «قد كانت المكاتبة من وجوه أهل الكوفة وأشرافها وقرّائها، تقدّمت إليه علیه السلام في أيام معاوية وبعد الصلح الواقع بينه وبين الحسن علیه السلام فدفعهم وقال في الجواب ما وجب، ثمّ كاتبوه بعد وفاة الحسن علیه السلام ومعاوية باق فوعدهم ومنّاهم ، وكانت أيام معاوية صعبة لا يطمع في مثلها. فلمّا مضى معاوية أعادوا المكاتبة، وبذلوا الطاعة، وكرروا الطلب والرغبة، ورأى علیه السلام من قوتهم على مَنْ كان يليهم في الحال من قبل يزيد، وتشحّنهم عليه وضعفه عنهم، ما قوّى في ظنه أنّ المسير هو الواجب تعين عليه ما فعله من الاجتهاد والتسبّب ....».
2- المقدّمة، 145 .

يتحتم علينا أنْ نبحث في جملة من الموضوعات ذات العلاقة بهذا العامل، وأهم تلك الموضوعات وأبرزها ثلاثة مواضيع، وهي: خلفيات دعوة أهل الكوفة، وموقف الإمام الحسين علیه السلام تجاه دعوة أهل الكوفة، والأسباب التي دعت أهل الكوفة لنقض البيعة للإمام الحسين علیه السلام.

واستيفاء البحث في هذه المواضيع يقع في ثلاثة مباحث:

ص: 74

المبحث الأول : خلفيات دعوة أهل الكوفة ومراحلها .

إنَّ دعوة أهل الكوفة الإمام الحسين علیه السلام لكي يتصدّى لمنصب الحكم، وقيادة الأمة الإسلامية ومواجهة بني أمية، ليست وليدة لتلك الساعة التي بعثوا فيها رسلهم إلى الإمام الحسين علیه السلام، وإنّما يعود إلى خلفيات وعهود طويلة، ترجع في تأريخها إلى اليوم الذي وقع فيه صلح الإمام الحسن علیه السلام مع معاوية بن أبي سفيان.

ويمكن ضبط دعوة أهل الكوفة للإمام الحسين علیه السلام لأجل النهضة والتصدي السلام للحكم الأموي من خلال ثلاث مراحل تأريخية لها أسبابها الموضوعية.

المرحلة الاولى : ما بعد صلح الإمام الحسن علیه السلام.

إنّ بعض الشيعة من أهل الكوفة كان رأيهم على خلاف صلح الإمام الحسن علیه السلام،فكانوا ضد الصلح منذ يومه الأوّل، وعلى أثر ذلك طلبوا من الإمام الحسين علیه السلام أنْ يقود المواجهة ضد معاوية بن أبي سفيان، إلا أنَّ الإمام الحسين علیه السلام رفض تلك الدعوة، وأكّد على الالتزام بصلح الإمام الحسن علیه السلام، وممّا ورد في هذا المجال:

1 - إنّ حجر بن عدي دخل على الامام الحسين علیه السلام- بعد أنْ تحدث مع الامام الحسن علیه السلام، وكان كارهاً للصلح - فقال له : «يا اباعبدالله شريتم العز بالذل، وقبلتم القليل بترك الكثير ، أطعني اليوم واعصني سائر الدهر، دع رأي الحسن علیه السلام وأجمع شيعتك، ثمّ ادْعُ قيس بن سعد بن عبادة وابعثه في الرجال، وأخرج أنا في الخيل فلا

ص: 75

يشعر ابن هند إلا ونحن معه في عسكره فنضاربه حتى يحكم الله بيننا وبينه وهو خير الحاكمين...

فقال الحسين علیه السلام: إنّا قد بايعنا وليس الى ما ذكرت سبيل» (1)(1).

2 - لما بايع الامام الحسن علیه السلام معاوية ومضى، تلاقت الشيعة بإظهار الحسرة والندم على ترك القتال والإذعان بالبيعة، فخرجت إليه جماعة منهم فخطّؤوه في الصلح، وعرضوا له بنقض ذلك، فأباه وأجابهم بخلاف ما أرادوه عليه.

ثمّ إنّهم أتوا الحسين علیه السلام، وأخبروه بما ردَّ عليهم، فقال : «قد كان صلح وكانت بيعة كنتُ لها كارهاً ، فانتظروا مادام هذا الرجل - معاوية - حياً، فإنْ يهلك نظرنا ونظرتم» (2)(2).

3- كان سليمان بن صرد الخزاعي غائباً عن الكوفة حينما تمّ الصلح مع معاوية، فدخل على الامام الحسن علیه السلام وعرض عليه أنْ يحارب معاوية، فلم يستجب الامام علیه السلام لذلك، ثمّ خرج فدخل على الامام الحسين علیه السلام فعرض عليه ما عرضه على الامام الحسن علیه السلام، وأخبره بما رد عليه الامام الحسن علیه السلام، فقال الامام علیه السلام : «ليكن كلّ رجل منكم حلساً من أحلاس بيته، مادام معاوية حياً، فإنّها بيعة كنت والله لها كارهاً، فإنْ هلك معاوية نظرنا ونظرتم، ورأينا ورأيتم»(3)(3).

المرحلة الثانية: ما بعد استشهاد الإمام الحسن علیه السلام.

بعد أنْ استشهد الإمام الحسن علیه السلام تحركت الشيعة على مختلف المستويات يعلنون

ص: 76


1- البلاذري، انساب الاشراف، 3/ 365 - 366 .
2- البلاذري، انساب الاشراف، 364/3 .
3- ابن قتيبة الدينوري، الامامة والسياسة، 1/ 142 .

نصرتهم ووقوفهم الى جانب الامام الحسين علیه السلام، ويبدون استعدادهم للنهوض ضد معاوية بن ابي سفيان.

ومن ذلك أنّ المسيب بن نجبة الفزاري ومعه مجموعة من الشيعة قدموا إلى الإمام الحسين علیه السلام فدعوه الى خلع معاوية، وقالوا: قد علمنا رأيك ورأي أخيك.

فقال علیه السلام:« إني أرجو أنْ يعطي الله أخي على نيته في حبّه الكفَّ، وأنْ يعطيني على نيتي في حبّي جهاد الظالمين» (1)(1).

ومن ذلك ايضاً أنّ الشيعة ومعهم بنو جعدة بن هبيرة بن ابي وهب المخزومي أجتمعوا بعد استشهاد الامام الحسن علیه السلام في دار سليمان بن صرد، فكتبوا الى الحسين علیه السلام كتاباً بالتعزية،وقالوا في كتابهم : إنّ الله قد جعل فيك أعظم الخلف ممن مضى، ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك، المحزونة بحزنك، المسرورة بسرورك، المنتظرة لأمرك.

فكتب علیه السلام إليهم: «إنّي لأرجو أنْ يكون رأي أخي رحمه الله في الموادعة ورأيي في جهاد الظلمة رشداً وسداداً، فالصقوا بالأرض، واخفوا الشخص، واكتموا الهوى واحترسوا من الأظناء مادام ابن هند حياً، فإنْ يحدث به حدث وأنا حي يأتكم رأيي إنْ شاء الله » (2) (2).

وعلى ايّ حال فالامام علیه السلام أمر شيعته بالسكوت إلى حين موت معاوية بن أبي سفيان، وفي هذه المرحلة لم يقطع الإمام الحسين علیه السلام علاقته وتواصله مع أهل الكوفة، فكان على تواصل مستمر، مع مراعاة المحافظة على الشيعة من بطش معاوية، ومما يشهد لذلك هو أنّ تواصل الشيعة مع الامام الحسين علیه السلام خصوصاً أهل الكوفة كان ظاهرة

ص: 77


1- الذهبي، سير أعلام النبلاء، 3/ 294 .
2- البلاذري، أنساب الأشراف، 366/3، المفيد، الارشاد في معرفة حجج الله على العباد، 32.

واضحة وبارزة للعيان، الى الحد الذي لفت انتباه السلطة، الأمر الذي جعل الوليد بن عتبة يصدر أمراً بمنعهم من زيارة الامام علیه السلام ، وقد ردّ الامام علیه السلام على الوليد مخاطباً إياه بقوله: «يا ظالماً لنفسه، عاصياً لربّه، علام تحول بيني وبين قوم عرفوا من حقّي ما جهلته أنت وعمك ؟ » (1) (1).

ومن جانب الامام كان يستثمر الفرص والمناسبات لكي يلتقي بقواعده وشيعته، ومن ذلك المؤتمر الذي عقده الامام الحسين علیه السلام مع سبعمائة رجل من الصحابة والتابعين في مكة قبل موت معاوية بسنة، وجاء في حديثه علیه السلام مع الحضور: «إنّ الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإنّي أريد أنْ أسألكم عن شيء، فإنْ صدقتُ فصدقوني، وإنْ كذبت فكذبوني، أسمعوا مقالتي، وأكتبوا قولي، ثمّ ارجعوا الى أمصاركم وقبائلكم ، فمَنْ أمنتم من الناس ووثقتم به فادعوهم الى ما تعلمون من حقّنا، فإنّي أتخوف أنْ يدرس هذا الأمر، ويذهب الحقّ ويُغلب، والله متم نوره ولو كره الكافرون... » (2)(2).

المرحلة الثالثة : ما بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان.

بعد أنْ سمع شيعة الكوفة بخبر وفاة معاوية وعلموا بانّ الإمام الحسين علیه السلام أعلن رفضه لبيعة يزيد، وأنّه توجّه إلى مكة المكرمة، اجتمعوا فيما بينهم، وطرحوا مسألة دعوة الإمام الحسين علیه السلام إلى الكوفة.

حيث ذكر المؤرخون أنّ الشيعة اجتمعوا في دار سليمان بن صرد الخزاعي، فلما تكاملوا في منزله قام فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلى الله عليه و آله وسلم وعلى أهل بيته، ثمّ ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام فترحم عليه، وذكر مناقبه الشريفة، ثمّ

ص: 78


1- البلاذري، أنساب الأشراف، 369/3.
2- سليم بن قيس الهلالي، كتاب سليم بن قيس الهلالي،788/2 -789

قال:

يا معشر الشيعة إنّكم قد علمتم بأنَّ معاوية قد صار إلى ربه، وقَدِمَ على عمله، وسيجزيه الله تبارك وتعالى بما قدّم من خير أو شر ، وقد قعد في موضعه ابنه يزيد - زاده الله خزياً، وهذا الحسين بن علي عليهما السلام قد خالفه، وصار إلى مكة خائفاً طاغية آل أبي سفيان، وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله، وقد أحتاج إلى نصرتكم اليوم، فإنْ كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا إليه، وإنْ خفتم الوهنَ والفشل فلا تغرُّوا الرجل من نفسه.

فقال القوم: بل ننصره ونقاتل عدوه، ونقتل أنفسنا دونه حتى ينال حاجته، فأخذ عليهم سليمان بن صرد بذلك ميثاقاً وعهداً أنّهم لا يغدرون ولا ينكثون.

ثمّ قال: أكتبوا إليه الآن كتاباً من جماعتكم أنّكم له كما ذكرتم، وسلوه القدوم عليكم، قالوا: أفلا تكفينا أنت الكتاب إليه؟ ، قال : لا ، بل يكتب جماعتكم.

فكتب القوم إلى الحسين بن علي عليه السلام : «بسم الله الرحمن الرحيم، للحسين بن علي عليهما السلام ، من سليمان بن صُرَد، والمسيب بن نجبة، ورفاعة بن شداد، وحبيب بن مظاهر، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة:

سلام عليك، فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو .

أمّا بعد، فالحمد لله الذي قَصَمَ عدوك الجبار العنيد، الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمّر عليها بغير رضى منها، ثمّ قتل خِيارَها واستبقى أشرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبُعداً له كما بَعُدَت ثمود.

إنّه ليس علينا إمام، فأقبل لعلّ الله عزوجل أنْ يجمعنا بك على الحقّ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نُجتمّعُ معه في جمعةٍ، ولا نخرجُ معه إلى عيدٍ، ولو قد بلغنا أنّك أقبلت

ص: 79

إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إنْ شاء الله» (1)(1).

ثمّ سرحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني وعبدالله بن والٍ، ووجّهوا بهما إلى الحسين بن علي علیه السلام، حتى قدما عليه علیه السلام بمكة، لعشر مضين من شهر رمضان.

فقرأ الحسين علیه السلام الكتاب أهل الكوفة فسكت، ولم يجبهم بشيء.

ثمّ قَدِمَ عليه بعد ذلك قيس بن مُسهِر الصيداوي وعبد الرحمن بن عبدالله الأرحبي وعمارة بن عبيد السلولي وعبدالله بن وآلٍ التميمي، ومعهم نحو من مائة وخمسين صحيفة وكتاب، ثمّ أخذت تتواتر الكتب عليه من رجلين وثلاثة وأربعة يسألونه القدوم عليهم ، والحسين علیه السلام يتأنّى في أمره فلا يجيبهم بشيء، حتى اجتمع عنده اثنا عشر ألف كتاب (2)(2).

ثمّ قَدِمَ عليه بعد ذلك هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي بكتاب، وهو آخر ما ورد على الحسين علیه السلام من أهل الكوفة.

ونصّ الكتاب:« بسم الله الرحمن الرحيم، للحسين بن علي أمير المؤمنين من شيعته وشيعة أبيه، أمّا بعد فحيهلا فإنّ الناس منتظرون لا رأي لهم في غيرك، فالعجل العجل يا بن بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، قد اخضرّت الجنّات، وأينعت الثمار، وأعشبَت الأرضُ، وأورقت الأشجار، فاقدم إذا شئت، فإنّما تقدمُ الى جندِ لك مُجنّدٍ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من قبلك» (3)(3).

ص: 80


1- المفيد، الارشاد في معرفة حجج الله على العباد، 37 ، الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 352/5، ابن اعثم، الفتوح، 27/5 - 28 ، ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 103 - 104 .
2- ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 105 .
3- ابن اعثم، الفتوح، 29/5 ، المفيد، الارشاد في معرفة حجج الله على العباد، 38، ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 106 .

فقال الحسين لیه السلام لهاني وسعيد بن عبد الله الحنفي، خبّراني مَنْ اجتمع على هذا الكتاب الذي ورد عليّ معكما ؟ .

فقالا: يا أمير المؤمنين، اجتمع عليه شَبَثُ بنُ ربعي، وحجار بن أبجر، ويزيد بن الحارث، ويزيد بن رويم، وعروة بن قيس، وعمرو بن الحجاج، ومحمد بن عمير بن عطارد.

عند ذلك قام الحسين علیه السلام فتطهر وصلّى ركعتين بين الركن والمقام، ثمّ انفتل من صلاته وسأل ربه الخير فيما كتب إليه أهل الكوفة، ثمّ جمع الرسل فقال لهم : إنّي رأيتُ جدي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في منامي، وقد أمرني بأمرٍ وأنا ماضٍ لأمره، فعَزمَ الله لي بالخير، إنّه وليُّ ذلك والقادر عليه إنْ شاء الله تعالى(1)(1).

ص: 81


1- ابن اعثم، الفتوح، 30/5 ، ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 106 - 107 .

ص: 82

المبحث الثاني: موقف الإمام الحسين عليه السلام تجاه دعوة الكوفيين.

إنّ موقف الامام الحسين عليه السلام تجاه دعوة أهل الكوفة يتحدد على اساس المسؤولية المنوطة بمنصب الإمامة، فموقفه عليه السلام مبني على اساس كون الامام حافظاً للشريعة من التحريف والتبديل، ورعاية شؤون الأمة ،ومصالحها، وعلى هذا الاساس ومن هذا المنطلق ينبغي على الامام عليه السلام أنْ يستجيب لدعوة أهل الكوفة، طالما أنّهم لم ينكثوا العهد والميثاق بعد، وماداموا ثابتين عليه حتى يتمّ حجّته عليهم.

ومن هنا دعا عليه السلام بمسلم بن عقيل وأطلعه على الحال، وقرر أنْ يرسله إليهم ليتأكّد من نياتهم ويقف على صدق ما جاءت به كتبهم، ويتأكّد من ثباتهم على دعوتهم، فكتب عليه السلام إليهم جواباً على كتبهم ، يعدهم بالوصول إليهم، وأرسل مسلم بن عقيل بالكتاب لينظر ما كتبوا به إليه، فإنْ كان حقّاً خرجنا إليهم.

وجاء في كتابه عليه السلام الى أهل الكوفة:« بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين ،سلام عليكم، أمّا بعد فإنّ هانيء بن هانيء وسعيد بن عبدالله قدما عليّ بكتبكم فكانا آخرَ مَنْ قَدِمَ عليّ من عندكم، وقد فهمت الذي قد قصصتُم وذكرتُم ولستُ أُقصّر عمّا أحببتم، وقد بعثتُ إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل بن أبي طالب . ، وقد أمرتُه أنْ يكتب إليّ بحالكم ورأيكم ورأي ذوي الحِجى والفضل منكم، وهو متوجّه إلى ما قبلكُم إنْ شاء الله تعالى والسلام، ولا قوّة إلا بالله، فإنْ كنتم على ما قَدِمَت به رسلُكم وقرأتُ في كُتبكم فقوموا مع ابن عمي وبايعوه وانصروه

ص: 83

ولا تخذلوه، فلعمري ليس الإمام العادل بالكتاب والعادل بالقسط كالذي يحكمُ بغير الحقّ ولا يهدي ولا يهتدي، جمعنا الله وإياكم على الهدى، وألزمنا وإياكم كلمة التقوى، إنّه لطيفٌ لما يشاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركات»(1)(1).

ثمّ طوى الكتاب وختمه ، ودفع الكتاب الى مسلم بن عقيل، وقال له: إنّي موجهك إلى أهل الكوفة وهذه كتبهم إليّ، وسيقضي الله من أمرك ما يحبّ ويرضى، وأنا أرجو أنْ أكون أنا وأنت في درجة الشهداء، فامضِ على بركة الله حتى تدخل الكوفة، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها، وادع الناس إلى طاعتي واخذلهم عن آل أبي سفيان، فإنْ رأيت الناس مجتمعين على بيعتي فعجّل لي بالخبر حتى أعملَ على حسبِ ذلك إنْ شاء الله تعالى، ثمّ عانقه الحسين علیه السلام وودعه وبكيا جميعا (2)(2).

إنّ الإمام علیه السلام أرسل مسلم بن عقيل إلى أهل الكوفة ليتأكد من ثباتهم على دعوتهم وبيعتهم، ولكي يتحقق من حقيقة أوضاع الكوفة، فكان تحرّك الإمام علیه السلام مبنياً على التقرير الذي أرسله مسلم بن عقيل بأنّ ظروف الكوفة إيجابية ومساعدة.

وكتب مسلم بن عقيل بعد أنْ استقر بالكوفة إلى الإمام الحسين علیه السلام قبل أنْ يُقتل بسبع وعشرين ليلة كتاباً جاء فيه:

«أمَّا بعدُ ، فإنّ الرائد (3)(3) لا يَكذِبُ أهلَه ، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشرألفاً، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي، فإنّ الناس كلَّهم معك، وليس لهم في آلِ معاوية رأي

ص: 84


1- ابن اعثم ،الفتوح 30/5 - 31 ، الطبري، تاريخ الرسل والملوك ، 353/5، المفيد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 39 ، الخورزمي ، مقتل الحسين عليه السلام، 1 / 195.
2- المفيد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، 39، ابن اعثم، الفتوح، 31/5 .
3- الرائد : الذي يُرسل في التماس النجعة وطلب الكلأ ، ومن أمثال العرب (الرائد لا يكذب أهله) ،يضرب مثلاً للذي لا يكذب إذا حدّث. ابن منظور، لسان العرب، 187/3

ولا هوى، والسلام» (1)(1).

الخلاصة: إنّ تحرّك الإمام الحسين علیه السلام تجاه الكوفة كان مبنياً على التقرير الذي أرسله إليه مسلم بن عقيل، الذي كان مفاده أنّ ظروف الكوفة إيجابية ومساعدة على حركة الإمام علیه السلام تجاه الكوفة.

هذا هو موموقف الإمام الحسين علیه السلام من دعوة أهل الكوفة، فقد استجاب علیه السلام لدعوتهم، وتصدى لمساعدتهم في الخلاص من ظلم وجور بني امية، وكان قد عارضه وجوه أهل مكة والمدينة، نذكر من ذلك على سبيل المثال:

1 - عبدالله بن عباس، حيث كان من المخالفين لقبول الإمام علیه السلام دعوة أهل الكوفة، وكان ينطلق في موقفه هذا من مراعاته للمصالح الظاهرية، والتي من جملتها حفظ نفس الإمام علیه السلام من الأحداث الخطرة، وقد جاء في مخاطبته للإمام علیه السلام: «إنّي اتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال ، إنّ أهل العراق قوم غدر، فلا تقربنّهم، أقم بهذا البلد فإنّك سيد أهل الحجاز، فإنْ كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فلينفوا عدوهم، ثمّ أقدم عليهم» (2) (2).

2- محمد بن الحنفية، حيث روي أنّ محمد بن الحنفية جاء إلى الامام الحسين علیه السلام في الليلة التي أراد الإمام الخروج في صبيحتها عن مكة ، فقال له: «يا أخي إنّ أهل الكوفة مَنْ قد عرفت غدرهم بابيك واخيك، وقد خفتُ أنْ يكون حالك كحال مَنْ مضى، فإِنْ رأيت أنْ تقيم فإنّك أعزّ مَنْ بالحرم وأمنعه» (3)(3).

3- عبد الله بن عمر بن الخطاب فإنّه أشار على الإمام علیه السلام بأنْ يصالح يزيد (4)(4).

ص: 85


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك ، 375/5 ابن نما، مثير الأحزان، 32.
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 383/5.
3- ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 127 - 128 .
4- ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 102.

ص: 86

المبحث الثالث: أسباب نقض أهل الكوفة للبيعة.

هناك أسباب مختلفة وعوامل متعددة أدّت إلى عدم ثبات أهل الكوفة على البيعة والعهد، وبالتالي نقضهم للبيعة.

ومن أهم وأبرز تلك الأسباب:

1-انعدام التنظيم لأنصار الإمام علیه السلام.

يُعدّ من خصوصيات أهل الكوفة هو عدم تقبلهم للنظام، ولذلك فإنّ أنصار الإمام الحسين علیه السلام كانوا هم أيضاً يفتقرون إلى تنظيمات خاصّة (1)(1).

ومن روافد هذه الخصوصية هو أنّ أكثر أنصار الإمام علیه السلام كان تابعاً لزعيم القبيلة، بسبب سيادة النظام القبلي في الكوفة، ولذلك فانّ الأهالي لم يكن بإمكانهم أنْ يتخذوا القرارات في حالة اعتزال رئيس القبيلة أو اعتقاله أو خيانته.

وقد لعب هذا العامل دوراً بارزاً في تخاذل الناس عن نصرة مسلم بن عقيل، فإنّ مسلم لّما حاصر قصر الامارة بجيشه «أشرف أمراء القبائل الذين عند عبيدالله في القصر، فأشاروا الى قومهم الذين مع مسلم بالانصراف، وتهددوهم وتوعدوهم، وأخرج عبيد الله بعض الامراء وأمرهم أنْ يركبوا في الكوفة يخذلون الناس عن مسلم

ص: 87


1- محمد الريشهري، موسوعة الإمام الحسين علیه السلام، 442/3 .

بن عقيل، ففعلوا ذلك ... » (1)(1) .

أضف إلى ذلك - افتقار أنصار الإمام علیه السلام إلى التنظيم - ضعف الإمكانيات المالية والتجهيزات العسكرية، فإنّ هذا له دور في ذلك الفشل.

2- الحرص على الدنيا.

يُعدّ الحرص على الدنيا وحبّ المال النبع والعين الذي تستقي منه العديد من الانحرافات الاجتماعية التي أغرقت الكثير من الأمم ، فالإنسان إذا كان ضعيف الإرادة تجده يبيع دينه بالدنيا عند أدنى أختبار .

وقد استفاد عبيد الله بن زياد في قمعه لأهل الكوفة ومواجهته لنهضة الإمام الحسين علیه السلام من هذه الأدوات بأفضل وجهٍ ممكن ، فاشترى العديد من كبار القبائل وزعمائها وأشرافها بالدرهم والدينار، وجعلهم يقفون إلى جانبه، وبالتالي استطاع أنْ يعبّئهم لمحاربة الإمام علیه السلام، حيث ورد في خطبة ابن زياد في الكوفة: «أيها الناس إنّكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون، وهذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة محمود الطريقة محسناً إلى الرعية... وقد زادكم في أرزاقكم مائة مائة، وأمرني أنْ أوفرها عليكم» (2) (2).

وإلى جانب هذا الترغيب استعمل ابن زياد أسلوب الترهيب لأجل قلب جوّ الكوفة السياسي والاجتماعي.

فنلاحظ ماذا قال ابن زياد في أوّل خطبة له بعد دخوله الكوفة، حيث نودي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال مخاطباً الأهالي:

ص: 88


1- ابن كثير، البداية والنهاية، 182/8 .
2- المجلسي، بحار الأنوار، 384/44 - 385

«... أمّا بعد فإنّ أمير المؤمنين - اصلحه الله - ولّاني مصركم وثغركم، وأمرني بانصاف مظلومكم ، وإعطاء محرومكم، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، وبالشدّة على مريبكم وعاصيكم، وأنا متبع فيكم أمره، ومنفّذ فيكم عهده، فأنا لمحسنكم ومطيعكم كالوالد البرّ، وسوطي وسيفي على مَنْ ترك أمري، وخالف عهدي، فليبق أمرؤٌ على نفسه ... » (1)(1).

إنّ هذه الخصلة - الحرص على الدنيا - من أقبح الخصال وهي تنبئ عن دنائة أهل الدنيا في أنحنائهم امام أدنى متاع زائل من الدنيا واستهتارهم بالدين.

وقد أشار الإمام الحسين علیه السلام إلى ذم هذه الخصلة، وأنّها من دواعي الانحراف، حيث جاء في كلامه علیه السلام مع الفرزدق، الذي أخبر الامام علیه السلام عن أحوال الكوفة، وأنّ قلوب الناس معه، والسيوف مع بني أمية ، قال علیه السلام: «الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على السنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديانون»(2)(2).

وقد وردت الإشارة صريحاً إلى الحالة التي كان عليها أهل الكوفة، حيث إنّهم تقبلوا ذلك الواقع، وانقادوا إلى ابن زياد، حيث إنّ الإمام علیه السلام قد سأل مجمع بن عبد الله العائذي - وكان قد ألتقى به في الطريق - عن أحداث الكوفة، فاجابه:

«أمّا اشراف الناس فقد أُعظمت رِشَوَتُهم، ومُلئِتَ غرائزهم، يُستمال ودّهم، ويستخلص به نصيحتهم، فهم إلبٌ واحد عليك، وأمّا سائر الناس بعد فإنّ افئدتهم تهوي إليك، وسيوفهم غداً مشهورة عليك» (3)(3).

ص: 89


1- الطبري، تاريخ الأمم والملوك ، 5 / 358 - 359 .
2- المجلسي، بحار الانوار ، 383/44 ، الاربلي، كشف الغمة، 32/2.
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك ، 405/5 ، البلاذري، انساب الأشراف، 382/3

3-اعتقال عدد من كبار أنصار الإمام علیه السلام.

من السياسة التي اتبعها عبيدالله ابن زياد في الكوفة هي أنّه أقدم على الاعتقال المؤقت الجماعة من كبار أنصار الإمام علیه السلام.

ومن أهم الشخصيات المؤثرة التي أودعها عبيدالله بن زياد السجن:

أ- المختار بن أبي عبيدة الثقفي (1)(1).

ب - عبدالله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وأمه هند بنت أبي

سفيان بن حرب (2) (2).

4- العنف والقتل.

من الأدوات التي مارسها ابن زياد في الكوفة هي القمع والقتل، حيث روي أنّ ابن زیاد« لما دخل قصر الإمارة وأصبح جمع الناس وقال وأرعد وأبرق وقتل وفتك وسفك وانتهك » (3)(3)، وأنّه أمسك جماعة من أهل الكوفة فقتلهم في الساعة (4)(4).

وقد كان من أبرز الذين قتلهم ابن زياد هو هاني بن عروة، وكان سيداً في قومه، وأحد زعماء أنصار الإمام علیه السلام، وقد اعتقله ابن زياد وقتله بعد ممارسة أشد أنواع التعذيب بحقّه(5) (5).

ص: 90


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 570/5 ، 381.
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك ، 381/5 ، المجلسي، بحار الانوار ، 353/45. انظر ترجمته: الزهري، الطبقات الكبرى ، 347/4 ، البلاذري، انساب الاشراف، 402/4 - 403 . وفي البداية والنهاية «عبد الله بن نوفل بن الحارث »، 182/8 .
3- كمال الدين الشافعي، مطالب السؤول، 72/2.
4- ابن الصباغ المالكي، الفصول المهمة في معرفة الأئمة، 2/ 791.
5- الطبري، تاريخ الرسل والملوك ، 367/5 ، 379 ، ابن كثير، البداية والنهاية، 181/8 .

5- الدعاية السياسية عند بني أمية والاعلام المضلل.

استخدم بنوامية فنون ومهارات دعائية وتبليغية متنوعة استمرت طيلة حكمهم، استطاعوا من خلالها أنْ يتسلطوا على أفكار الناس وعقائدهم وآرائهم الدينية والسياسية، وحكموهم من خلال تخدير الرأي العام.

ومن تلك الفنون والأساليب: وضع الحديث، واغتيال أفراد أهل البيت علیه السلام وكبار شيعتهم، واصطناع شخصيات وهمية، واختراع الفضائل لأسرة بني أمية.

وايضاً تمسّكوا ببعض الأصول التي من شأنها توطيد سلطانهم، منها: لزوم حفظ جماعة المسلمين، ومنها: اعتبار أيّ نوعٍ من المخالفة أو الاعتراض على الحكومة الأموية الجائرة خروجاً على الإمام المفترض الطاعة.

إنَّ جميع تلك الأساليب استخدمها بنو امية في التبليغ والإعلام ليكتسبوا الشرعية الدينية والسياسية، حتى لو كانت كاذبة، وبالتالي ليمتلكوا حجّة في معاقبة المخالفين لهم والتنكيل بهم .

ومن جملة تلك الأساليب التي كانت من أسباب تخاذل أهل الكوفة، ونقض بيعتهم للإمام علیه السلام هو استغلال الدعاية والإعلام عبر الوجوه الدينية المقبولة اجتماعياً، من قبيل شريح القاضي، حيث كانت من العوامل التي لها تأثير في تفريق الناس عن مسلم بن عقيل، وكان له الأثر البالغ في نجاة عبيد الله بن زياد من حصار أهل الكوفة، ثمّ في تأليب الناس على الإمام الحسين علیه السلام.

وفي الحقيقة إنّ الإعلام الكاذب لبني أمية كان نشطاً إلى الحد الذي وصف فيه الإمام زين العابدين علیه السلام الجيش الذي خرجَ لقتال الإمام الحسين علیه السلام بقوله علیه السلام: «ازدلف

ص: 91

إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنّهم من هذه الأمة كلُّ يتقرّبُ إلى الله عزّ وجلّ بدمه» (1)(1).

اسئلة الفصل الثالث:

1 - اذكر مراحل دعوة أهل الكوفة الامام الحسين علیه السلام؟ .

2- على أي اساس تحدد موقف الامام الحسين علیه السلام تجاه دعوة اهل الكوفة؟.

3- ما اسباب تراجع اغلب المجتمع الكوفي عن بيعته للامام الحسين علیه السلام؟ .

ص: 92


1- المجلسي، بحار الأنوار، 298/44 .

الفصل الرابع: قيادة الأمة واصلاح أمرها ومواجهة الانحراف.

اشارة

ص: 93

ص: 94

مطلب تمهيدي

ينبغي قبل الخوض في هذا الموضوع أنْ نتعرض الى أمرين مهمين، لا بأس بالحديث عنهما، تمهيداً للبحث في هذا الموضوع، حيث إنّ لهما ارتباطاً وثيقاً في اعتبار الاصلاح ومواجهة الانحراف سبباً من اسباب النهضة الحسينية المباركة، وهما حقيقة دعوة الانبياء، والبعد الاجتماعي في النهضة الحسينية، والحديث عن هذين الأمرين يقع في مقامين:

المقام الأوّل: حقيقة دعوة الأنبياء عليهم السلام .

إنّ حركة الانبياء حركة واحدة مستمرة في التاريخ والانسانية، حركة رسالتها التاريخية انقاذ الانسان وتكامله، وتحقيق العدل والمساواة، وفي مقابل هذه الحركة تقف القوى المستبدة المعادية للدين والقيم، فيصدون عن سبيل الله، ويعملون على استعباد الناس واذلالهم واستضعافهم، وفي نفس الوقت يدعونهم الى طاعتهم وعبوديتهم وتعظيمهم، ويجبرون الناس على طاعتهم والتسليم لهم.

ومن هنا وقف الطغاة في وجه رسالات الله تعالى، ومنعوا من تحقيق التوحيد الخالص لله تعالى والعدالة والحرية، حيث عارض الطغاة المتجبرون دعوة الأنبياء لتوحيد الخالق ووقفوا بوجههم ، وحاولوا صدّهم وحرفهم عن ذلك بشتى الوسائل، ولو بالاغراء من خلال منحهم المال أو السلطة، ولكنّ الأنبياء علیهم السلام رفضوا ذلك،

وعانوا ما عانوا، وواجهوا ما واجهوا ،في سبيل الدعوة إلى الله تعالى.

ص: 95

والقضية في هذه الناحية واضحة، فالقرآن الكريم يعرض سيرة الانبياء وما واجهوه من معارضة باساليب متعددة، ولا بأس بذكر شواهد من كتاب الله تعالى للاستئناس بها :

1 - حركة إبراهيم علیه السلام الاصلاحية، ومواجهة النمرود لها، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ* إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِى أَنتُمَ لَها عَاكِفُونَ* قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ* قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ* قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ* قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ* وَتَاللَّهَّ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ* فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لُهمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ* ، قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلَهِتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمينَ* قَالُوا سَمِعْنَا فَتَى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ* قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ* قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآهِتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ *فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالُمِونَ* ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ* قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهَ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَكُمْ وَلَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ* قَالُوا حَرَّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ* قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ* وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾ (1)(1).

2- موسى علیه السلام مع فرعون، قال تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ *فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ * قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ ما جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ

ص: 96


1- الانبياء : 51 - 70 .

وَمَا نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ* وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ۚ*فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لُهمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ* فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَّ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ* وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ *فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَيْهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِِ وَإِنَّهُ لَنَ الْمُسْرِفِينَ* وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهَّ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهَّ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ* وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ* وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا الطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيهَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ* وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لَمِنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ (1) (1).

3۔ شعیب علیه السلام مع قومه، قال تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَّ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهِ غَيْرُهُ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرِ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطِ* وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمَكْیَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ *بَقِيَّتُ اللَّهَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بحَفِيظٍ* قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ تَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الحَلِيمُ الرَّشِيدُ*قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ

ص: 97


1- یونس: 88 - 92 .

رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهَّ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ* وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدِ*وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ* قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزِ* قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهَّ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِبًا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ *وَيَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ* وَلَّما جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ* كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لَمِدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾ (1) (1). وينبغي أنْ يكون واضحاً أنّ دعوة الانبياء لا تقتصر على مجرد الإيمان القلبي بوجود إلهٍ واحدٍ، فإنّ هذا لا يشكّل خطراً على كيان الطغاة، فإنّ الأنبياء إذا كانوا يدعون الناس إلى الإيمان القلبي بوجود الله تعالى والاعتقاد بوحدانيته، وإقناع الناس بالتواجد في دور العبادة لممارسة بعض الطقوس العبادية، وطلب حاجاتهم منه تعالى، فلا موجب ولا داعي لرفض هذه الدعوة من قبل الطواغيت والمستكبرين، وبالتالي إعلان الحرب ضدهم، فلو كانت حدود دعوة الأنبياء بهذا الشكل لكان بإمكان الطواغيت والظلمة أنْ يستجيبوا إلى دعوة الأنبياء ، مادامت لا تطلب من الإنسان غير الإيمان بالله، وفيما عدا ذلك فالناس أحرار في اتباع مَنْ أرادوا، والتسليم له والخضوع لمشيئته وأحكامه، وفي هذه المجالات لا تعارض بين الأنبياء والطواغيت، وبالتالي لا داعي للمواجهة والحرب بين الطرفين.

إنَّ دعوة الأنبياء إذا تحددت بهذه الحدود فيكون المجال أمام الطواغيت مفتوحاً

ص: 98


1- هود: 84-95 .

في أنْ يتحكموا في مقاليد أمور الناس السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وفي نفس الوقت يمارس الأنبياء وظيفتهم بين جدران دور العبادة في الصلاة والدعاء وعمل الخيرات.

بل إنّ دعوة الأنبياء تتجاوز حدود الإيمان القلبي، بحيث تشكّل تلك الدعوة خطراً على كيان الطغاة، الأمر الذي دعاهم إلى مواجهة الأنبياء إلى حدّ تصفيتهم الجسدية، فإنَّ حقيقة دعوة الأنبياء وأهداف الدعوة ليست مجرد الاعتقاد القلبي بوجود الله تعالى، فلم تكن دعوتهم مقصورة على مجرد الدعوة لتوحيد الذات، بل كانت دعوة للتوحيد في العبادة، والتوحيد في الطاعة، فالعبادة يلزم أنْ تكون الله وحده، والطاعة لله وحده، ومَنْ يأمر الله بطاعته والانقياد له.

إنَّ توحيد الطاعة يقود الناس إلى الحرية والمساواة ويدعو لها، قال تعالى:﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤفَكُونَ* اللهُ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ* وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الحَمْدُ للهَّ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ (1) (1).

إنَّ هدف الأنبياء هو إخراج الناس من عبادة غير الله تعالى إلى طاعة الله، وتحرير عقولهم وإرادتهم من اغلال العبودية والاوهام والتقاليد الباطلة، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِّ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِِ لَا إِِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِّ وَرَسُولِهِ النَّبِيِِّ الأُمِّيَِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِّ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِّعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾(2)(2)، ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الُأمِّيَّ الَّذِي یِجَدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ

ص: 99


1- العنكبوت: 61 - 63 .
2- الاعراف: 158 .

وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لُهمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (1)(1).

إنَّ دعوة الأنبياء هذه تؤدي لا محالة إلى سلب صفات الله تعالى من الطغات الذين أرادوا أنْ يلصقوها بأنفسهم، مع أنّهم يعرفون ما في أنفسهم من ضعف وقلّة حيلة، بالقياس إلى ما تعنيه تلك الصفات على وجه الحقيقية، فدعوة الأنبياء تبدأ بالتوحيد، ودعوة الناس إلى التفكير، للوصول إلى هذا الأصل، ثمّ بالعمل والفعل والتفاعل الخلقي والاجتماعي.

إنّ الاعتقاد بهذه العقيدة واتباع قوانينها هو المنطلق الأساسي لسعادة البشرية، وهو الأساس في سير الإنسان نحو التقدم والكمال، وإذا قدّر أنّ الإيمان بهذه العقيدة لم يكن بشكله الصحيح، ولم يكن مستحكماً كما ينبغي، فإنَّ الناس المغلوبين على أمرهم سوف يسلّمون باتصاف الجبارين بتلك الصفات، وبالتالي سينتهون إلى تسليم أمرهم إليهم، والخضوع لمشيئتهم، وبالتالي الذلة والعبودية، ومصادرة الحقوق والحريات، والاضطهاد والظلم.

وليس هذا الواقع المرّ إلا نتيجة طبيعية للطاعة العمياء لأولئك الطغاة: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (2) (2).

نستنتج من خلال ما تقدم أنّ دعوة الأنبياء إلى توحيد الله تعالى، والإيمان به عز وجل، وتوحيده في الصفات، والإيمان بأنَّ إرادة الله حاكمة على كلّ إرادةٍ غيرها، هذه الدعوة

ص: 100


1- الأعراف: 157 .
2- البقرة : 257 .

تستلزم سحب البساط من تحت أقدام الطغاة ،ونزع سلطانهم وولايتهم على الناس، حيث إنَّ الأنبياء الذين يحملون رسالات الله تعالى هم حكام على الناس بالحقّ، حكومة تنطوي على ولاية مطلقة : ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ،﴾ (1)(1)، تلك الولاية التي استحقوها بعد أنْ أصبحوا مسلمين لله تعالى في فكرهم، وإرادتهم، وجميع قواهم الذاتية، «بعد أنْ شرطتَ عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشر طوا لك ذلك وعلمتَ منهم الوفاء به ... » (2)(2) .

ويأتي بعد الأنبياء دور مَنْ استخلفوه بأمر الله تعالى، ليكمل تلك المسيرة، وهو الإمام المعصوم، ف-«ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، والدائن بدين الحقّ، والحابس نفسه على ذات الله» (3)(3).

ولا يصحّ بحالٍ من الاحوال أنْ تكون هذه الحكومة بيد الطواغيت والجبابرة، الذين يصفون أنفسهم باسم الملك أو المالك أو مالك الرقاب.

إنَّ هذا هو السرّ في مواجهة الأنبياء والمصلحين من قبل الطغاة، فكانت هناك حركتان متضادتان على طول التأريخ ، وفي كلّ زمانٍ ومكان، فيتواجه الحقّ والباطل، العدل والظلم ، التوحيد والشرك، الايمان والكفر ، خط وحركة يمثلها: هابيل وابراهيم وموسى وعلي عليهم السلام، ويقابله الخط الآخر المواجه الذي يمثله : قابيل والنمرود وفرعون ومعاوية، ثمّ الحسين علیه السلام ویزید.

ص: 101


1- الاحزاب: 6 .
2- عباس القمي، مفاتيح الجنان ، 606، مقطع من دعاء الندبة.
3- مقطع من رسالة الامام الحسين علیه السلام، التي ارسلها الى أهل الكوفة. الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 353/5 ، المفيد، الارشاد، 39/2

المقام الثاني : البعد الاجتماعي في نهضة الإمام الحسين علیه السلام.

إنَّ نهضة الإمام الحسين علیه السلام ذات مغزى اجتماعي واضح، حيث إنّ العنصر الإجتماعي شديد البروز والظهور فيها، فالإمام الحسين علیه السلام إنّما نهض من أجل الامة الاسلامية والشعب المسلم، حيث إنّ الحكم الأموي قد اضطهد المسلمين، وفرّق وحدتهم، وصادر حرياتهم، ونهب أموالهم، وصرفها في ملذاته، الحكم الأموي الذي شرّد ذوي العقيدة السياسية التي لا تنسجم مع سياسة البيت الأموي، وتتبعهم وقتلهم تحت كلّ حجرٍ ومدر، وقطع عنهم الأرزاق وصادر أموالهم، حيث عمل على تقويض الحس الإنساني في الشعب المسلم، وعمل على قتل كلّ نزعةٍ إلى التحرر بواسطة التخدير الديني الكاذب.

كلّ هذا الانحطاط أراد الإمام الحسين علیه السلام أنْ ينهض ضدّه؛ لأجل إصلاح الواقع المأساوي الذي تعيشه الأمة، والنهوض بها، لتطبيق تعاليم الاسلام، وتحقيق أهداف البعثة النبوية المباركة.

وهنا قضية يجدر الالتفات إليها، وهي أنّا حينما نقول إنّ من أسباب النهضة الحسينية هو إصلاح المجتمع، فهذا يعني أنَّ هناك شيئاً اسمه المجتمع. والسؤال: هل فعلاً المجتمع له وجود؛ لأنَّ إصلاح المجتمع فرع وجود المجتمع، إذ الحكم فرع ثبوت الموضوع؟.

والجواب: هناك نظرية تقول إنَّ الاصالة للفرد، وهو أنا وأنت، وهي وأنتِ، فالأصالة والوجود للفرد، وأمّا المجتمع فليس له تأصل، وإنّما هو مجموعة أفراد ننتزع منها وصف المجتمع.

وعلى هذا الأساس فليس للمجتمع حقّ، بحيث يكون الفرد مسؤولاً عنه، وملزماً

ص: 102

بتأدية ذلك الحقّ للمجتمع ، ومن تلك الحقوق هو إصلاح المجتمع، ومحاولة تقويمه، وإنّما الحقّ للفرد، فالوجود للفرد الذي يتكلّم ويمشي ويأكل، ولا وجود للمجتمع، لأننا نحن أطلقنا هذه الكلمة على مجموعة من الأفراد مجتمعة في مكان واحد.

وتقابل هذه النظرية نظرية تعاكسها، حيث تقول إنَّ الحقّ للمجتمع والتكليف للأفراد، وليس للأفراد إلا العمل بتكليفهم، فهم مكلّفون، والمجتمع هو صاحب الحقّ والهيمنة، ولذلك أصحاب هذه النظرية قاموا بإلغاء الملكية الفردية، فهذا من أحد الأحكام التي رتبوها على هذه النظرة للمجتمع والفرد.

أمّا النظرية الإسلامية في هذا المجال فهي تحكم بخطأ كلتا النظريتين، إذ تقول إنّ المجتمع له وجود، فله حقّ على الفرد، والفرد له وجود، فله حقّ على المجتمع، فالأصالة للإثنين معاً، والحقّ بينهما متبادل.

وهذه النظرية هي الأقرب للتصديق، وإذا أردنا أنْ نثبت واقعية هذه النظرية فينبغي إقامة الدليل على أنّ كلاً من الفرد والمجتمع له تأصل ووجود، وإذا كان الأمر كذلك فالحقّ بينهما متبادل، نظراً لما يكتسبه أحدهما من الآخر.

إنَّ القرآن الكريم يصرّح بأنَّ المجتمع له شخصيته، وليس الفرد فقط، فالقرآن يحدد للمجتمع عمراً، فكيف يحدد له عمراً ، إذا لم يكن له وجود ، قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾(1)(1)، فالمجتمع يمرّ بحالات متفاوتة من الصحّة والمرض، والسعادة والشقاء، والسقوط والارتقاء.

وإذا كان الأمر كذلك فالمجتمع يتحمل جزءً من أعباء المسؤولية، كما أنَّ الفرد عليه مسؤولية تجاه المجتمع، فإنَّ مثل أفراد المجتمع كمثل أعضاء الجسم الواحد، فإذا

ص: 103


1- الأعراف: 34 .

ما أُصيب أحد الأعضاء بالمرض فليس لبقية الأعضاء الاعتراض على تلفها وموتها.

ولذلك نجد الترابط العميق بين أفراد المجتمع، فإذا ما سعد المجتمع يسعد الفرد، وإذا ما شقى يشقى، فالاتصال بين أفراد المجتمع في هذا العالم مستمر، وكلّهم شركاء في السراء والضراء، ولا امتياز إلا في ذلك العالم، إذ يقول عز وجل: ﴿وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا المُجْرِمُونَ﴾ (1) (1).

والقوانين العلمية في العالم المعاصر تؤكّد هذه الحقيقة، وهي أنّه إذا فسدت شريحة من الشرائح الاجتماعية فإنَّ هذا الفساد يسري إلى بقية الشرائح، ويعم البلاء كافة أفراد المجتمع، حيث يجرف معه الصحيح والسقيم، والغث والسمين، ويحترق الأخضر واليابس، ويعتبر عذاباً إلهياً للمستحقين، وربما له تتمة في الآخرة، ويعتبر مصيبة وبلاء لغير المستحقين، لكنهم يؤجرون عليه في الآخرة.

الخلاصة : بما أنَّ المجتمع له وجود وتركيب ووحدة ومسير وخط وتكامل وعمر وحياة وموت، ولا يمكن أنْ لا تكون له هذه الأشياء، فله حقوق حينئذٍ، ولذلك نجد أنَّ الإمام الحسين علیه السلام هب لإصلاح المجتمع، حينها استنجد المجتمع به علیه السلام .

وقد كشف الامام الحسين علیه السلام النقاب عن واحد من أهم بواعث نهضته المباركة، وذلك في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية، حيث جاء فيها: «إنّي لم أَخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنّما خرجتُ لطلب النجاح والإصلاح في أمة جدي محمد، أريد أنْ آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر ... ،فمَنْ قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومَنْ ردَّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ، ويحكم بيني وبينهم بالحقّ، وهو خير الحاكمين »(2)(2)، فالإصلاح في أمة جده المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم هو هدفه علیه السلام

ص: 104


1- یس:59.
2- ابن اعثم الكوفي، الفتوح، 21/5 .

المباركة.

ويوجد شيء جاء في وصيته علیه السلام يجدر الالتفات إليه ، وهو قوله علیه السلام: «فمَنْ قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ» ، فالإمام علیه السلام لم يقل : فمَنْ قبلني لشرفي ومنزلتي في المسلمين، وقرابتي من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وما إلى ذلك من عناوين، وإنّما أشار علیه السلام إلى أنّ قبوله يكون بقبول الحقّ، فهو علیه السلام يمثّل الحقّ، وهو علیه السلام داعٍ من دعاته، وحينما يقبل الناس داعي الحقّ، فإنّما يقبلونه لما يحمله إليهم من الحقّ والخير، وليس لنفسه.

وفي كلماته علیه السلام هذه تعال وتسام عن التفاخر القبلي، الذي كان رأس مال كلّ زعيم سياسي أو ديني في عصره علیه السلام.

ومما ينبغي الالتفات إليه أنَّ المغزى الاجتماعي للنهضة لم يكن مدركاً من قبل الإمام الحسين علیه السلام وحده ، وإنّما المسلمون أنفسهم كانوا يحسون ويشعرون بضرورة العمل على تطوير واقعهم السيء إلى واقع أحسن، فهذه الحقيقة أدركها الكثير من المسلمين، وكانوا بحاجة إلى القائد الحقيقي لينهض بهم نهضة إصلاحية عارمة.

وهذا الإدراك من قبل المسلمين كان من ابرز مظاهره هو أنّهم كتبوا إلى الإمام الحسين علیه السلام يطلبون منه القدوم إلى العراق؛ لأجل إصلاح واقعهم المأساوي، الذي وصلوا إليه بسبب السياسة المنحرفة، التي عمل عليها الحكم الأموي.

إنَّ الذين كتبوا للإمام الحسين علیه السلام لم يكونوا أفراداً معدودين، وإنّما كانوا كثيرين جداً، حيث إنّ الكتب التي وصلت إلى الإمام الحسين علیه السلام في نوب متفرقة قد بلغت اثني عشر ألف كتاب(1)(1).

ويمكن أنْ نكوّن فكرة صحيحة عن ضخامة عدد الكتب التي دعت الامام

ص: 105


1- ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 105 .

الحسين علیه السلام إلى النهضة، من خلال ما ذكره المؤرخون، من أنّ الإمام الحسين علیه السلام حينما لقي الحر بن يزيد، كان من جملة ما حصل هو أنّ الامام علیه السلام قال للحر ومَنْ معه: «أمّا بعد، أيها الناس، فإنّكم إنْ تتقوا وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى الله، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وإنْ أنتم كرهتمونا، وجهلتم حقّنا، وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم، وقدِمَت به عليَّ رسلكم، انصرفت عنكم» .

فقال له الحر بن يزيد: إنّا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكُر.

فقال الامام الحسين علیه السلام: يا عُقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليَّ، فأخرج خُرجَين مملوئين صُحُفاً، فنشرها بين أيديهم...»(1)(1).

ومن خلال هذه الحادثة يمكن أنْ نستخلص أكثر من حقيقة:

1- ضخامة الكتب التي وصلت الإمام الحسين علیه السلام، والتي يدعونه فيها إلى النهضة، ويعدونه فيها بالنصر والاتباع.

2 - إنّ تلك الكتب الكثيرة لم تكن من افراد معدودين، وإنّما كانت من الرجل والاثنين والأربعة والعشرة.

3- كثرة تلك الكتب يرصد حجم المعانات التي كان المجتمع الاسلامي يعيشها في ظل الحكم الاموي الجائر.

وبالتالي فنحن لسنا أمام حركة فردية، وإنّما هناك حركة جماعية جماهيرية، قام بها المجتمع الاسلامي، أو الكثرة الساحقة من هذا المجتمع.

ص: 106


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك ، 402/5 ، البلاذري، انساب الأشراف، 78/5

ويمكن تحري العامل الاجتماعي في نفس الكتب التي أُرسلت إلى الإمام الحسين علیه السلام، حيث يبرز فيها العامل الاجتماعي بوضوح كبير، فسياسة الإرهاب والتجويع هي التي حملت أولئك الناس على النهضة، وكان الإمام الحسين علیه السلام هو الشخصية الوحيدة في ذلك الوقت التي يمكن أنْ تتزعم نهضة بهذا الحجم، إذ لم يكن في الزعماء المسلمين زعيم غيره يتجاوب مع آلام الشعب وآماله ومطامحه.

ومن باب المثال لهذه الحقيقة نقرأ بعض الفقرات من بعض الكتب التي وردت للإمام علیه السلام،« ... أمّا بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمّر عليها بغير رضاً منها، ثمّ قتل خيارَها، واستبقى شرارها، وجعل مال الله دُولةً بين جبابرتها وأغنيائها، فُبعداً له كما بعدتْ ثمود، إنّه ليس علينا إمام، فأقبل لعلّ الله أنْ يجمعنا بك على الحقّ ... » (1) (1).

الخلاصة: إنَّ البعد الاجتماعي واضح في النهضة الحسينية المباركة، وأنَّ الإمام علیه السلام نهض بالأمر لأجل تولي قيادة الأمة لأجل اصلاح أمرها، بعد أنْ حصل انحراف في جسد الأمة الاسلامية، بسبب سياسة الحكم الأموي، ذلك الانحراف الذي بات يهدد كيان الأمة والوجود الإسلامي برمته.

وبعد اتضاح هذين الأمرين في هذا المطلب التمهيدي نعود للحديث عن السبب الرابع من اسباب النهضة الحسينية المباركة، وهو الاصلاح ومواجهة الانحراف، ولأجل الإحاطة بجوانب هذا السبب المهم من أسباب النهضة الحسينية، لابدّ من بحث عدّة مواضيع، وأهم المواضيع :

الأوّل: الانحراف الذي حصل في أيام معاوية، والذي يُراد له أنْ يستمر من خلال

ص: 107


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 352/5.

تولي يزيد بن معاوية، فنتحدث عن ابرز مظاهر الانحراف .

الثاني : طلب السلطة من قبل الإمام الحسين علیه السلام، وماهية تلك السلطة وحقيقتها، ومشروعية طلبها، والسعي إليها.

الثالث: الاسباب التي لاجلها لم يخرج الإمام الحسين علیه السلام على معاوية، وينهض بالأمر في أيام معاوية.

ولأجل الاحاطة باطراف هذه الموضوعات الثلاثة يقع الحديث عنها في ثلاثة مباحث .

ص: 108

المبحث الأوّل :

أنواع الانحراف الذي حصل في أيام معاوية.

إنَّ مظاهر الانحراف التي حصلت في أيام معاوية كثيرة جداً، وكان رائد تلك الانحرافات هو معاوية نفسه، فهناك انواع من الانحراف التي مارسها معاوية بن ابي سفيان، تلك الانحرافات التي يُراد لها أنْ تستمر من خلال تولي يزيد بن معاوية، ويمكن في هذا المجال أنْ نذكر بعض مظاهر الانحراف التي حصلت.

وقبل أنْ نتحدث في هذا الموضوع يجدر بنا أنْ نشير الى بعض ما صدر عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم

في حقّ معاوية، وعليه فالحديث في هذا المبحث يقع في تمهيد وعدّة مطالب.

تمهيد : في التعرف على معاوية بن ابي سفيان من خلال حديث النبي صلی الله علیه و آله وسلم.

لقد تحدث النبي صلی الله علیه و آله وسلم عن معاوية بن ابي سفيان في أكثر من مناسبة، ويظهر من أحاديث كثيرة عنه صلی الله علیه و آله وسلم أنَّ معاوية بن ابي سفيان كان في زمرة المنافقين، وأنّه لم يسلم إسلاماً حقيقياً.

ولذلك فهذا عمار بن ياسر - الذي قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم في حقّه: «إنّ عماراً مُلئ إيماناً إلى مشاشه» (1) (1)، ويروى« إنّ عماراً مُلئ إيماناً إلى أخمص قدميه » (2)(2)، «مَنْ عادى عماراً عاداه

ص: 109


1- ابن عبد البر، الاستيعاب - المطبوع بهامش الاصابة في تمييز الصحابة، 478/2 ، ابن حجر العسقلاني، الاصابة في تمييز الصحابة، 512/2 .
2- ابن عبد البر، الاستيعاب - المطبوع بهامش الاصابة في تمييز الصحابة، 478/2 .

الله، ومَنْ أبغض عماراً أبغضه الله » (1) (1)، « ما لقريش والعمار، فهو يدعوهم إلى الجنة، وهم يدعونه إلى النار، قاتله وسالبه في النار» (2)(2)، «تقتل عماراً الفئة الباغية»(3)(3) - يصف لنا معاوية وحزبه يوم صفين، حيث سأله رجل بقوله : يا أبا اليقظان ألم يقل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قاتلوا الناس حتى يسلموا فإذا أسلموا عصموا في دمائهم وأموالهم؟!، قال: بلى، ولكنْ والله ما أسلموا، ولكنْ استسلموا، وأسرّوا الكفر حتى وجدوا عليه اعواناً (4) (4).

إنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم- من باب الحذر المسبق - تصدى لبيان حقيقة معاوية بن أبي سفيان،

وتنبيه المسلمين الى خطره على الإسلام ،وتحذيرهم منه، حيث تحدث صلی الله علیه و آله وسلم عن شخصية معاوية، وبعض صفاته، وأرشد صلی الله علیه و آله وسلم المسلمين الى الحكم المناسب له، وكيفية التعامل معه، حيث وردت روايات كثيرة عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في حقّه تبيّن خطورته وانحرافه وعدم أهليته لقيادة الأمة، ولسنا الآن في مقام استقصاء الاحاديث الواردة في هذا المجال، وإنّما نذكر بعضاً منها على سبيل المثال، وليس من باب الحصر، فمن تلك الاحاديث:

1- معاوية ملعون.

نظر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى أبي سفيان، وهو راكب على جمل، ومعاوية وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق، فلمّا نظر إليهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال : «لعن الله الراكب والقائد

ص: 110


1- ابن حجر العسقلاني، الاصابة في تمييز الصحابة، 512/2 ، النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 291/3 .
2- المنقري، وقعة صفين، 173 .
3- المنقري، وقعة صفين، 167، 169 ، 173 ، الزهري، الطبقات الكبرى، 134/3، ابن عبد البر، الاستيعاب - المطبوع بهامش الاصابة في تمييز الصحابة، 2 / 481 ، المعتزلي، شرح نهج البلاغة،177/15، ابن حجر العسقلاني، الاصابة في تمييز الصحابة، 512/2
4- حسن فرحان المالكي، مثالب معاوية بن ابي سفيان بالأسانيد الصحيحة ، 176 - 177 ، عن تاريخ ابن ابي خيثمة، 991/2

والسائق» (1) (1)، وعن البراء بن عازب أنّه قال: أقبل ابوسفيان ومعه معاوية، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: «اللهم العن التابع والمتبوع ، اللهم عليك بالأقيعس»، فقال ابن البراء لأبيه: من الأقيعس؟ ، قال معاوية(2)(2)، وعن نصر بن عاصم الليثي عن ابيه، قال: أتيتُ مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، والناس يقولون : نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فقلت ما هنا؟، قالوا: معاوية قام الساعة فأخذ بيد ابي سفيان، فخرجا من المسجد، فقال رسول الله :« لعن الله التابع والمتبوع، رب يوم لامتي من معاوية ذي الاستاه»، قالوا: يعني

الكبير العجز (3)(3).

فمن خلال لعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم لهم نستكشف أنّهم ارتكبوا ذنباً عظيماً استحقوا عليه اللعنة.

2- النبي صلى الله عليه و آله وسلم يأمر بقتل معاوية.

ورد عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال: «إذا رأيتم معاوية على منبري فأقتلوه» (4)(4)، فالنبي صلی الله علیه و آله وسلم

في هذا الحديث الشريف يلفت نظر المسلمين إلى خطر معاوية على الإسلام، ولذلك أمر بقتله إذا صعد منبر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، وهذا - صعوده المنبر، وكونه يخطب عليه - كناية عن تسلّمه السلطة ومقاليد أمور المسلمين.

3- معاوية يحشر على غير ملّة الاسلام.

ورد عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال:« يطلع من هذا الفج رجل من أمتي يحشر على غير

ص: 111


1- المعتزلي ، شرح نهج البلاغة، 6 / 289، 15/ 175 .
2- المنقري، وقعة صفين، 218.
3- المعتزلي ، شرح نهج البلاغة ، 79/4 .
4- المعتزلي ، شرح نهج البلاغة ، 176/15 ، ابن كثير، البداية والنهاية، 164/8 .

ملتي»، فطلع معاوية (1) (1)، وقال صلی الله علیه و آله وسلم: «يموت معاوية على غير الاسلام»(2)(2).

4 - معاوية في تابوت من نار.

حيث قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم في حقّه: «إنّ معاوية في تابوت من نار في أسفل درك من جهنم، ينادي: يا حنان يا منان، فيقال له: ﴿الآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِين﴾ (3)(3) » (4) (4).

5-معاوية فرعون هذه الأمة.

ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «لكلّ أمةٍ فرعون، وفرعون هذه الأمة معاوية بن أبي سفیان »(5) (5)، وإذا أردنا أنْ نقارن بين معاوية وفرعون نجد أنَّ هناك مشتركات، وهناك أموراً أفترق فيها معاوية، فبعض الأشياء قد فعلها معاوية، ولم يتمكن حتى فرعون نفسه من فعلها.

أمّا المشتركات فيمكن تجسّدها في:

أ - أنّهما طاغيتان.

ب - العلو في الأرض.

ج - جعل أهلها شيعاً.

د - الفتك بالصالحين.

ص: 112


1- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 176/15 .
2- المنقري، وقعة صفين، 217.
3- یونس: 91 .
4- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 176/15 .
5- حسن فرحان المالكي، حديث معاوية فرعون هذه الأمة، 12. عن المنتخب من علل الخلال، 32/1

وأمّا الأمور التي أفترق فيها معاوية فهي:

أ- معاوية استطاع أنْ يحرّف دين النبي صلی الله علیه و آله وسلم، أمّا فرعون فلم يتمكن من تحريف دين

موسی علیه السلام.

ب - استطاع معاوية أنْ يعمل على وضع شرعية ظلم وينسبها إلى رب العالمين، حيث استطاع من خلال تحريف النصوص من جهة، ووضع أخرى من جهة ثانية، أنْ يلبس ظلمه وانحرافه بلباس الشرعية والمشروعية، فمعاوية وضع شريعة وعقيدة لا زال المسلمون يدفعون ثمنها إلى يومنا الحاضر، كالتشبيه والإرجاء و الجبر ...، أمّا فرعون فلم يستطع أنْ يعمل على وضع شرعية ظلم ينسبها إلى الله تعالى.

وعلى هذا الأساس فإنّ معاوية تفوق على فرعون، ولهذا ورد عن الصحابي عبدالله بن عمر بن الخطاب قوله في حقّ معاوية:« ما بين تابوت معاوية وتابوت فرعون إلا درجة، وما انخفضت تلك الدرجة إلا أنّه قال: أنا ربكم الأعلى» ( 1) (1).

6 - النبي صلی الله علیه و آله وسلم ينهى النساء عن التزوج من معاوية.

ورد أنّ امرأة جاءت إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم تستشيره في الزواج من معاوية الذي تقدم

لخطبتها ، فمنعها النبي صلی الله علیه و آله وسلم وقال لها : « لا تتزوجي به فإنّه صعلوك» (2)(2).

وبعد هذا التمهيد نعود للحديث عن صلب الموضوع، وهو مظاهر الانحراف الذي حصل في أيام معاوية بن أبي سفيان، والذي يُراد له أنْ يستمر من خلال تنصيب يزيد بن معاوية خليفة على المسلمين، وتوليه إدارة شؤون المسلمين.

ص: 113


1- المنقري، وقعة صفين، 218 .
2- باقر شريف القرشي، المآسي المروعة لأمير المؤمنين وشيعته، 40 .

فما هي أبرز مظاهر الانحراف؟ .

إنَّ مظاهر الانحراف التي حصلت من معاوية بن أبي سفيان في ايام حكمه متعددة وكثيرة، حتى قيل في حقّه« أنّه كان ملحداً لا يعتقد بالنبوة»(1)(1)، يمكن الحديث عنها من خلال الشواهد التاريخية التي تؤكد ذلك، فإنَّ معاوية بعد أنْ أستولى على السلطة واستتبت له الأمور، وظّف قدرات الإسلام المعنوية والمادية لصالح حكمه، وتثبيت أركانه وإرساء قواعده، كلّ ذلك لأجل تأسيس دولة أموية تتولّى قيادة المسلمين، وتتحكم في الإسلام لصالحها وصالح أصولها الجاهلية.

وقد أحكم معاوية بناء تلك الدولة، وأرسى أركانها بالترغيب والترهيب، والإعلام الكاذب والتثقيف المنحرف، وإثارة العصبية والنعرات الجاهلية، فكانت المعايير العامّة في إعلان الولاء والتأييد.

وها هو معاوية يوضح ذلك في وصيته لابنه يزيد، حيث قال له في مرضه الذي توفي فيه: «يا بنى إنّي قد كفيتك الرحلة والترحال، ووطأت لك الأشياء، وذللت لك الأعداء، وأخضعت لك أعناق العرب، وجمعت لك من جمع واحد، وإنّي لا أتخوف أنْ ينازعك هذا الأمر الذي استتب لك إلا أربعة نفر من قريش: الحسين بن علي، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر...»(2)(2).

وعلى ايّ حالٍ مظاهر الانحراف متعددة، نتعرض لبعضها من باب المثال، وليس الحصر، وذلك من خلال المطالب التالية:

ص: 114


1- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 5 / 129 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 322/5.

المطلب الأوّل: عداء معاوية للنبي صلی الله علیه و آله وسلم وللإسلام.

لقد تجسد عداء معاوية بن ابي سفيان للنبي صلی الله علیه و آله وسلم وللاسلام من خلال افعاله

وسلوكياته، فتارةً يعلن بعدائه للنبي صلی الله علیه و آله وسلم، واخرى يخالف أحكام الشريعة الاسلامية،

وثالثة يبتدع في الدين.

فقد تجسد عداؤه للنبي صلی الله علیه و آله وسلم في كلامه مع المغيرة بن شعبة، حيث ورد أنَّ المغيرة بن شعبة قال لمعاوية : إنّك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرتَ عدلاً، وبسطتَ خيراً، فانّك قد كبرت، ولو نظرتَ إلى أخوتك من بني هاشم، فوصلتَ أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإنَّ ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه.

فقال له: هيهات هيهات ! أيّ ذكرٍ أرجو بقاءه؟! ، ملك اخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما عدا أنْ هلك حتى هلك ذكره، إلا أنْ يقول قائل : أبو بكر. ثم ملك أخو عدي، فاجتهد وشمر عشر سنين، فما عدا أنْ هلك حتى هلك ذكره، إلا أنْ يقول قائل : عمر.

وإنّ ابن أبي كبشة (1)(1) ليصاح به كلّ يوم خمس مرات: أشهد أنْ محمداً رسول الله، فأيّ عملٍ يبقى، وأيّ ذكرٍ يدوم بعد هذا لا أباً لك؟!، لا والله إلا دفناً دفناً (2)(2). ومن الامثلة التي تدلّ على أنّ معاوية قد خالف الشريعة وابتدع في الدين، نذكر

ص: 115


1- ذُكر في هذه الكنية للنبي صلی الله علیه و آله وسلم اكثر من احتمال، منها: إنّ ابا كبشة هو كنية لزهرة الذي هو جد ابي امنة أم النبي صلی الله علیه و آله وسلم، فامنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، فابو كبشة هو احد اجداد النبي صلی الله علیه و آله وسلم من قبل أمه، ومنها: إنّ والد حليمة السعدية مرضعة النبي صلی الله علیه و آله وسلم أو جدها كان يكنى بذلك، ومنها: إنّ حليمة السعدية مرضعة النبي صلی الله علیه و آله وسلم كان لها بنت تسمّى كبشة، فكان زوجها الذي هو ابو النبي صلی الله علیه و آله وسلم من الرضاعة يكنى بتلك البنت، ومنها: إنّ ابا ام جده عبدالمطلب كان يدعى ابا كبشة. الحلبي الشافعي، السيرة الحلبية، 1 / 305 - 306.
2- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 5/ 130 .

منها على سبيل المثال، وليس الحصر :

أ- معاوية استلحق زياد بن سمية المولود على فراش عبد ثقيف بشهادة أبي مريم السلولي بزنا أبي سفيان بسمية، حيث تمّ إلحاق زياد بابي سفيان من قبل معاوية(1) (1)، فمعاوية أوّل مَنْ استلحق في الاسلام(2)(2).

وفي هذا الفعل مخالفة صريحة لسنة النبي صلی الله علیه و آله وسلم المتفق عليها بين المسلمين، حيث قال:

«الولد للفراش وللعاهر الحَجَر » (3)(3).

وبهذه المناسبة لا بأس بالحديث عن قاعدة الفراش بشيءٍ من الاختصار، لكي تتضح مخالفة معاوية لاحكام الاسلام.

إنّ قاعدة الفراش من القواعد الفقهية المشهورة، ويعتبر هذا الحديث من أهم مستندات هذه القاعدة.

قال المحقق البجنوردي رحمه الله علیه، ت: 1396ه- - في مقام البحث عن اعتبار الحديث وصدوره- :« ولا ينبغي البحث عن صدور هذا الحديث الشريف عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، لأنَّ صدوره قطعي، وذلك من جهة أنَّ إلحاق معاوية زياد بن سمية بابي سفيان صار سبباً لاشتهار هذا الحديث بين المحدثين والمؤرخين، إذ هذه القضية العجيبة التي كانت خلاف نصّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وقعت في زمان وجود جمع كثير من الصحابة الكرام، وأنكروا كلّهم هذا الأمر على معاوية، لما سمعوا من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هذا النصّ الصريح،

ص: 116


1- المعتزلي،شرح نهج البلاغة،187/16،المسعودي،مروج الذهب،14/3.
2- العسكري، الأوائل، 167 .
3- البخاري، الجامع الصحيح ، 3/ 5 ، كتاب البيوع، 187 ، كتاب الوصايا، 96/5 ، كتاب المغازي، القشيري، الجامع الصحيح، 4 /171 ، كتاب الرضاع ،الحر العاملي، وسائل الشيعة، 169/21، با / 56 ، من ابواب نكاح العبيد والاماء، حد1 ، المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 15 / 177 .

ولذلك أشتهر ونقله المحدثون وأغلب المؤرخين ... » (1)(1) .

معنى القاعدة ومفادها:

واستيضاح معنى القاعدة يتوقف على بيان المفردات الواردة في الحديث الشريف.

1- (الفراش) :

توجد عدّة تفسيرات للفقهاء في هذا المجال، والقدر المتيقن من المراد من المفردة في الحديث الشريف هو أنَّ الفراش كناية عن مَنْ له حقّ المضاجعة شرعاً مع المرأة وأنْ يلامسها، فيشمل الزوج والمالك.

وبعبارة أخرى: الفراش هنا عنوان يطلق على الزوجية الشرعية بين المتناكحين، وهو الأصل في انتساب الولد، فإذا وقع الشكّ في انتساب الولد لاحتمال الزنا أو لاحتمال بقاء النطفة من الزوج السابق ينسب الولد إلى الشخص الذي يولد في فراشه، ويثبت النسب للولد المشكوك النسب (2) (2).

2 - (العاهر) :

أصل العهر إتيان الرجل المرأة ليلاً للفجور بها ، ثمّ غلب على الزنا، فيطلق العاهر على الزاني (3)(3).

3-(الحَجَر) :

المراد من الحَجَر هو كناية عن الخيبة والحرمان، بمعنى أنّ العاهر لا شيء له في الولد، فعبّر عن ذلك بالحَجَر، أي له من ذلك ما لاحظ فيه، ولا انتفاع به، كما لا ينتفع

ص: 117


1- القواعد الفقهية، 22/4 - 23 .
2- محمد كاظم المصطفوي، مائة قاعدة فقهية، 184 .
3- عباس الزارعي، القواعد الفقهية، 4 / 268 .

بالحجر في أكثر الأحوال، كأنّه يريد أنّ له من دعواه الخيبة والحرمان، كما يقول القائل لغيره إذا أراد هذا المعنى : ليس لك من هذا الأمر إلا الحجر (1)(1) .

فالحاصل بعد بيان مفردات الحديث الشريف، هو أنّ مفاد القاعدة أنَّ كلّ ولدٍ شكّ في كونه للزاني وغيره يكون لغير الزاني، فيما إذا كان تولده من مائه في رحم مَنْ يفترشها ممكناً، بأنْ جاء الولد بعد الزواج بفترة تزيد على الستة أشهر، وأمّا الزاني فليس له فيه حظ ونصيب (2)(2).

ب - أنّ معاوية أوّل مَنْ قدّم الخطبة في صلاة العيد على الركعتين (3) (3).

ج - معاوية أوّل مَنْ أحدث الأذان والاقامة في صلاة العيد (4)(4).

د - معاوية يلبس الحرير ويشرب في آنية الذهب والفضة، حتى أنكر عليه الصحابي ابوالدرداء، حيث قال له: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول : إنّ الشارب فيهما ليُجرْجِر في جوفه نار جهنم، فقال معاوية: أمّا أنا فلا أرى بذلك بأساً (5) (5).

ه - سبي نساء المسلمين.

معاوية يرسل بسر بن أرطاة ليغير على الحرمين واليمن، فأغار على همدان وسبى

ص: 118


1- الشريف الرضي، المجازات النبوية، 139 .
2- عباس الزارعي، القواعد الفقهية، 4 / 270
3- عبد الرزاق الصنعاني، المصنف، 3 / 284 ، كتاب صلاة العيدين،، باب أوّل مَنْ خطب ثمّ صلىّ، حد 5646 . وقيل إنّ أوّل مَنْ فعل ذلك عثمان بن عفان، حد 5647 . وقيل أنّ عمر بن الخطاب سبقهم إلى ذلك، حد 5644 .
4- ابن ابي شيبة، المصنف، 75/2 ، کتاب صلاة العيدين، حد 11 ، الشوكاني، نيل الأوطار، 364/3، عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري، 282/6 ، تحفة الاحوذي في شرح صحيح الترمذي، 62/3 .
5- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 5/ 130 .

نساءهم، فكنّ أوّل نساء مسبيات في الإسلام(1)(1).

وعن ابي رباب وصاحب له أنّهما سمعا ابا ذر رضی الله عنهُ يدعو ويتعوذ في صلاة صلاها، أطال قيامها وركوعها وسجودها، قال فسألناه ممَّ تعوذت وفيم دعوت؟، فقال: تعوذتُ من يوم البلاء ويوم العورة. قلنا: وما ذاك؟، قال: أمّا يوم البلاء فتلتقي فئتان من المسلمين فيقتل بعضهم بعضاً، وأمّا يوم العورة فإنّ نساء من المسلمات ليسبين، فيكشف عن سوقهن، فأيتهن كانت أعظم ساقاً اشتريت على عظم ساقها، فدعوتُ الله أنْ لا يدركني هذا الزمان، ولعلّكما تدركانه.

قال: فقتل عثمان، ثمّ أرسل معاوية بسر بن أرطأة إلى اليمن، فسبى نساء مسلمات، فأقمن في السوق (2)(2).

وفي حرب صفين نذر معاوية أنْ يسبي نساء ربيعة ويقتل المقاتلة، فقال في ذلك خالد بن المعمر :

(3) (3)

المطلب الثاني: إرهاب المسلمين الآمنين وقتلهم.

لقد اتبع معاوية سياسة الإرهاب مع كلّ مَنْ لا يتفق معه في الهوى السياسي من

ص: 119


1- ابن عبد البر، الاستيعاب - بهامش الاصابة في تمييز الصحابة ، 1 / 154 في ترجمة يسرين ارطاة ،البلاذري، انساب الاشراف، 212/3 ، ابن حجر، اسد الغابة، 1 / 180 ، الصفدي، الوافي بالوفيات، 81/10.
2- ابن عبد البر، الاستيعاب - بهامش الاصابة - 1 / 161 ، في ترجمة بسر بن ارطأة الصفدي، الوافي بالوفيات،81/10 - 82، ترجمة بسر بن ارطأة.
3- نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 294 .

المسلمين، وإطلالة قصيرة على تاريخ تلك الفترة من تاريخ المسلمين تثبت هذه الدعوى.

1- قال سفيان بن عوف الغامدي - وهو أحد قواد معاوية العسكريين -: «دعاني معاوية فقال: إنّي باعثك في جيشٍ كثيف ذي أداة وجلادة، فالزم لي جانب الفرات، حتى تمرّ بهيت فتقطعها، فإنْ وجدت بها جنداً فأغر عليهم، وإلا فأمض حتى تغير على الانبار، فإنْ لم تجد بها جنداً فامض حتى توغل في المدائن... إنّ هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترعب قلوبهم، وتفرح كلّ مَنْ له فينا هوى منهم، وتدعو إلينا كلّ مَنْ خاف الدوائر ، فاقتل مَنْ لقيته ممن ليس هو على مثل رأيك، وأخرب كلّ ما مررتَ به من القرى، وأحرب الاموال، فإنّ حرب الأموال شبيه بالقتل، وهو أوجع للقلب»(1)(1).

وفعلاً سار الجيش لا يلوي على شيءٍ حتى انتهى إلى هيت، فلم يجد بها أحداً، فانعطف نحو الأنبار، فوجد بها مسلحة للإمام علیه السلام، تضم مائتي رجل، عليهم اشرس بن حسان البكري، فتلاكم الفريقان، وقُتل أشرس مع ثلاثين رجلاً من أصحابه، ثمّ نهبوا ما في الانبار من الأموال، وقفلوا راجعين إلى سيدهم معاوية، وهم في أقصى الفرح ، لما احرزوه من النصر والنهب للأموال (2)(2).

2- ودعا معاوية بالضحاك بن قيس الفهري، وأمره بالتوجه ناحية الكوفة، وقال له: مَنْ وجدته من الإعراب في طاعة علي فأغر عليه، فاقبل الضحاك فنهب الأموال، وقتل مَنْ لقي من الأعراب، حتى مرَّ بالثعلبية، فأغار على الحاجّ، فأخذ أمتعتهم، ثمّ أقبل فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الهذلي، وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقتله في طريق الحاجّ عند القطقطانة، وقتل معه ناساً من أصحابه(3)(3).

ص: 120


1- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 2/ 85 - 86 .
2- ابن الأثير، الكامل في التاريخ ، 189/3 .
3- المعتزلي ، شرح نهج البلاغة، 2/ 116 - 117.

3- واستدعى معاوية بسر بن أرطاة، فبعثه في ثلاثة آلاف إلى الحجاز واليمن، وقال له: سر حتى تمرّ بالمدينة فاطرد الناس، وأخف مَنْ مررت به، وأنهب أموال كلّ مَنْ أصبتَ له مالاً ممن لم يكن دخل في طاعتنا، فإذا دخلت المدينة فأرهم أنّك تريد انفسهم، واخبرهم أنْ لا براءة لهم عندك، ولا عذر ،حتى إذا ظنوا أنّكَ موقع بهم عنهم ...، وأرهب الناس عنك فيما بين المدينة ومكة وأجعلها شردات(1)(1). فسار بسر وأغار على المدينة ومكة فقتل ثلاثين ألفاً عدا مَنْ أحرق بالنار (2)(2).

4- وأرسل معاوية النعمان بن بشير الأنصاري في ألف جندي، لغزو عين التمر، وإشاعة الرعب والخوف في أهلها (3)(3).

ونكتفي بهذا القدر من الإرهاب الذي يرصد لنا حجم الانحراف والتمرد على القيم والمبادئ، الذي كان يمارسه معاوية بن أبي سفيان ضد المسلمين الآمنين عموماً،وكان جميع ذلك أيام خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، فكان معاوية يستغل انشغال الإمام علیه السلام بحرب الخوارج وغير ذلك.

وكان أمير المؤمنين علیه السلام يتأسف على تلك الافعال الشنيعة، حيث قال علیه السلام : «ولقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة، والاخرى المعاهدة، فينتزع حجلها وقُلبها (4)(4) وقلائدها ورعثها (5)(5) .

ثمّ انصرفوا وافرين ما نالَ رجلًا منهم كلم(6) (6)، ولا

ص: 121


1- المعتزلي، شرح نهج البلاغة ، 2 / 7 ، المسعودي، مروج الذهب، 3/ 25 .
2- المعتزلي ، شرح نهج البلاغة، 1 / 340، 17/2 .
3- باقر شريف القرشي، المآسي المروعة للإمام علي وشيعته، 150.
4- قُلب - بالضم - سوار من فضة غير ملوى، مستعار من (قُلْبِ) النخلة - وهو الجمار - لبياضه . الفيومي، المصباح المنير، 512
5- الرعث: القرط، وترعثت المرأة: تقرطت. الفيروزآبادي، القاموس المحيط، 169 .
6- الكَلم - بالفتح- : الجرح.

أُريق لهم دم، فلو أنّ امراً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان ملوماً، بل كان به عندي جديراً» (1)(1).

المطلب الثالث: اضطهاد الشيعة.

جاء في بند من بنود صلح الإمام الحسن مع معاوية بن أبي سفيان: إنَّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله، في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأنْ يؤمّن الأسود والأحمر ، وأنْ يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم، و وأنْ لا يتبع أحداً بما مضى، وأنْ لا يأخذ أهل العراق باحنة، وأنْ لا ينال أحداً من شيعة علي بمكروه، وأنّ أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وأنْ لا يتعقب عليهم شيئاً، ولا يتعرض لاحدٍ منهم بسوء، ويوصل إلى كلّ ذي حقٍّ حقّه (2)(2).

ويشير الإمام الحسن علیه السلام إلى أهمية هذه البنود التي تهدف إلى حفظ شيعة أمير المؤمنين علیه السلام، حيث قال علیه السلام أكثر من مرة في سبيل إفهام شيعته حيثيات صلحه معاوية: «ما تدرون ما عملتُ، والله الذي عملتُ خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت» (3)(3).

وقال علیه السلام لسليمان بن صرد الخزاعي وهو أحد رؤساء شيعته في الكوفة: «انّي لم أرد بما رأيتم إلا حقن دمائكم، واصلاح ذات بينكم» (4) (4) .

ص: 122


1- نهج البلاغة - بشرح الدكتور صبحي الصالح ، 59 .
2- انظر بنود الصلح في: البلاذري، انساب الاشراف، 287/5 ، المفيد، الإرشاد، 14/2، الاصفهاني، مقاتل الطالبيين، 43 ، المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 16 / 44 ، المجلسي، بحار الأنوار، 44 / 65 ، الدينوري، الإمامة والسياسة ، 200 ، الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5/ 160 .
3- المجلسي، بحار الانوار، 19/44.
4- ابن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسة، 1/ 141.

وجاء في خطابه علیه السلام بعد الصلح: «إنَّ الله هداكم بجدي محمد صلی الله علیه و آله وسلم

، فأنقذكم به من الضلالة، ورفعكم به من الجهالة... فرأيتُ أنْ أُسالم معاوية، وأضع الحرب بيني وبينه... ورأيتُ أنّ حقن الدماء خير من سفكها، ولم أُرد بذلك إلا صلاحكم وبقاءكم، وإنْ أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين»(1) (1).

ولكنْ معاوية لم يلتزم بذلك، حيث إنّه بعد أنْ تمّ الصلح خطب في الناس فقال:« يا أهل الكوفة، أتروني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحجّ، وقد علمتُ أنّكم تصلّون وتزكون وتحجون، ولكنني قاتلتكم لأتأمّر عليكم وعلى رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا إنّ كلَّ مال أو دمٍ أصيب في هذه الفتنة فمطلول(2)(2)، وكلَّ شرطٍ

شرطته فتحت قدميّ هاتين ...» (3) (3).

وفي فترة حكمه جهد معاوية في ظلم الشيعة وارهاقهم، وقد عانت الشيعة في عهده من الاضطهاد ما لا يمكن وصفه لقسوته، وكان أشدّهم بلاءً، وأعظمهم محنة وشقاء شيعة الكوفة، فقد استعمل عليهم معاوية الإرهابي المجرم أخاه اللاشرعي زياد بن أبيه، فأشاع فيهم القتل والاعدام، وقتلهم تحت كلّ حجرٍ ومدر، وقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل عيونهم وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم عن العراق فلم يبق بها معروف

ص: 123


1- المجلسي، بحار الانوار، 66/44. وفي الامامة والسياسة ، 1 / 141: «إنّ الله هدى أولكم بأوّلنا، وحقن دماءكم بآخرنا... وقد سالمتُ معاوية، وبايعته فبايعوه، وإنْ أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين، وأشار الى معاوية».
2- المطل : التسويف بالعدة والدين، فمطله بديْنه مطلًا إذا سوفه بوعد الوفاء مرة بعد اخرى، ومطول مبالغة. الفيروزآبادي، القاموس المحيط، 976 ، الفيومي، المصباح المنير، 575 .
3- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 16 / 15 ، البلاذري، انساب الاشراف، 289/3 ، وعبارته: «ثمّ قام معاوية فخطب الناس، فقال في خطبته: ألا إنّي شرطتُ في الفتنة شروطاً أردتُ بها الألفة ووضع الحرب، ألا وإنّها تحت قدمي». وقال الاصفهاني في مقاتل الطالبيين ، 45: «ألا إنّ كلّ شيء اعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا افي به».

منهم(1) (1).

وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق:« ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة» (2)(2) ، وكتب أيضاً إلى عماله: «أنظروا مَنْ قامت عليه البينة أنّه يجب علياً وأهل

بيته، فامحوه من الديوان، واسقطوا عطائه ورزقه»، ثمّ شفع ذلك بنسخة أخرى: «مَنْ أتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به واهدموا داره»(3)(3).

وقد نصّ المؤرخون على أنَّ هذا الإرهاب بلغ حداً «حتى إنّ الرجل ليقال له:

زنديق أو كافر أحبّ إليه من أنْ يقال شيعة علي علیه السلام»(4) (4).

وتحدث الإمام الباقر علیه السلام عن حجم الظلم وعظيم المحن التي لاقاها الشيعة في عهد الطاغية معاوية بن ابي سفيان، حيث قال علیه السلام: «وقُتلت شيعتنا بكلّ بلدةٍ، وقُطعت الأيدي والأرجل على الظنّة، وكان مَنْ يُذكر بحبنا والانقطاع إلينا سُجن، أو نُهب ماله، أو هُدمت داره» (5) (5).

وكان نتيجة تلك الجهود التي بذلها معاوية وعماله أنْ قتل كثير من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام وخلص شيعته، منهم رشيد الهجري، وجويرية بن مسهر، حيث قتلهما ثمّ صلبهما زیاد بن ابيه (6) (6)، والصحابيان الجليلان: عمرو بن الحمق الخزاعي، وحجر بن عدي، وغيرهما الكثير.

ص: 124


1- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 44/11 .
2- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 44/11 .
3- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 11 / 45 .
4- ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 44/11 .
5- باقر القرشي، حياة الإمام الحسن علیه السلام ، 349/2 .
6- المفيد، الارشاد في معرفة حجج الله على العباد، 1/ 322، 326.

وهذا معاوية يعترف بجريمته الكبرى في أقدامه على قتل الصحابي الورع التقي حُجْر بن عدي، حيث يقول حينما حضرته الوفاة:« يومي منك يا حُجْر يوم طويل» (1)(1).

وقال الحسن البصري في حقّ معاوية :« أربع خصال كنّ في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها (يعني الخلافة) بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذو والفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكّیراً خمیراً يلبس الحرير ويرضب بالطنابیر، وادعاؤه زياداً، وقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحَجَر ، وقتله حجراً ، ويل له من حُجْر وأصحاب حُجْر (مرتين) . » (2)(2).

المطلب الرابع : سب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ولعنه.

من الانحراف الواضح هو أنْ يتخذ معاوية لعن أمير المؤمنين علیه السلام سنة في الدين، فمعاوية بعد الصلح قفل راجعاً إلى الشام، فخطب في الناس وقال لهم: أيها الناس، إنَّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال لي : إنّك ستلي الخلافة من بعدي، فاختر الأرض المقدسة - يعني الشام - فإنّ فيها الإبدال، وقد اخترتكم فالعنوا أبا تراب. فأخذ الناس في لعنه وانتقاصه، واتخذ ذلك سنة جارية.

وكان معاوية يختم خطابه بهذه الكلمات: «اللهم إنّ أبا تراب ألحد في دينك، وصدَّ عن سبيلك، فالعنه لعناً وبيلاً، وعذبه عذاباً أليماً » (3) (3)، ويصر على هذه البدعة الى أنْ يصل الى مراده الذي صرّح به، وهو «حتى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر

ص: 125


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 257/5 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 279/5 .
3- المعتزلي ، شرح نهج البلاغة ، 57/4 .

له ذاكر فضلاً» (1) (1).

ولّما ولي الأمر عمر بن عبد العزيز اسقط اللعن من الخطب(2)(2)، وجعل مكانه قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَّ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾(3)(3)، قال عمرو بن شعيب: ويل للأمة، رفعت الجمعة، وتركت اللعنة، وذهبت السنة (4)(4) .

وعلى أيّ حالٍ جعل معاوية سب أمير المؤمنين علیه السلام جزءً من صلاة الجمعة، وتبعه

ص: 126


1- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 57/4 .
2- ذكر ابن ابي الحديد المعتزلي أنّ السبب الذي جعل عمر بن عبد العزيز يترك لعن علي علیه السلام ، هو أنّ عمر قال: «كنتُ غلاماً أقرأ القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود، فمرَّ بي يوماً وأنا ألعب مع الصبيان، ونحن نلعن علياً، فكره ذلك ودخل المسجد، فتركتُ الصبيان وجئت إليه لأدرس عليه وردي، فلما رآني قام فصلى وأطال في الصلاة شبه المعرض عني حتى أحسستُ منه بذلك، فلما انفتل من صلاته كلح في وجهي، فقلتُ له: ما بال الشيخ؟ ، فقال لي: يا بني أنت اللاعن علياً منذ اليوم؟، قلتُ: نعم، قال: فمتى علمتَ أنّ الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم!، فقلتُ: يا أبت، وهل كان علي من أهل بدر! ، فقال ويحك ! وهل كانت بدر كلّها إلا له!، فقلتُ لا أعود، فقال: الله أنّك لا تعود!، قلتُ: نعم فلم ألعنه بعدها. ثمّ كنتُ أحضر تحت منبر المدينة، وأبي يخطب يوم الجمعة - وهو حينئذٍ أمير المدينة - فكنتُ أسمع أبي يمر في خطبه تهدر شقاشقه، حتى يأتي إلى لعن علي علیه السلام فيجمجم ، ويعرض له من الفهاهة والحصر ما الله عالم به، فكنتُ أعجب من ذلك، فقلتُ له يوماً يا أبت أنت أفصح الناس وأخطبهم، فما بالي أراك أفصح خطيب يوم حفلك، حتى إذا مررتَ بلعن هذا الرجل صرت ألكن عليّا!، فقال: يا بني، إنّ مَنْ ترى تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم، لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم يتبعنا منهم أحد. فوقرت كلمته في صدري مع ما كان قاله لي معلمي أيام صغري، فأعطيتُ الله عهداً، لئن كان لي في هذا الأمر نصيب لأغيرنه، فلما منّ الله علي بالخلافة أسقطت ذلك، وجعلتُ مكانه: ﴿إِنَّ اَللَّهَّ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبِي وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، وكتب به إلى الآفاق فصار سنة ». شرح نهج البلاغة، 4 / 58 - 59 . النحل: 90 .
3- النحل: 90 .
4- ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، 3/ 223 .

على ذلك ولاته، حتى بلغ بهم الحال أنّهم إذا نسوا اللعن قضوه، وبنوا مسجداً للعن، سمّوه مسجد الذكر (1)(1).

وذكر الحافظ السيوطي أنّه كان في أيام بني أمية أكثر من سبعين ألف منبر يُلعن عليها علي بن ابي طالب علیه السلام بما سنه لهم معاوية من ذلك (2)(2).

ونختم حديثنا عن هذه المفردة من انحراف معاوية بما ورد من أنّ سعد بن أبي وقاص مع انحرافه عن أمير المؤمنين علیه السلام ووقوفه في نظام الشورى إلى جانب عثمان، ولما بويع الإمام علیه السلام بالخلافة لم يبايعه، إلا أنّه لما سمع معاوية يسب الإمام علیه السلام في دار الندوة قال له: يا معاوية أجلستني على سريرك، ثمّ شرعتَ في سبّ علي، والله لأنْ يكونَ فَيَّ خصلة واحدة من خصال كانت لعلي أحبّ من أنْ يكون لي ما طلعت عليه الشمس، والله لأنْ يكون رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال لي ما قال له يوم خيبر : «الأعطين الراية غداً رجلاً يحبهُ الله ورسوله، ويحبُ الله ورسوله، ليس بفرار ، يفتح الله على يديه»، أحبّ لي من أنْ يكون ما طلعت عليه الشمس، والله لئن يكون رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال لي ما قال له في غزوة تبوك : «ألا ترضى أنْ تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبي بعدي»، أحبّ من أنْ يكون لي ما طلعت عليه الشمس، وأيم الله ما دخلتُ لك داراً ما بقيت.

فأجابه معاوية من دبره، لا من فمه، ثمّ نهض سعد مغضباً (3) (3).

المطلب الخامس : وضع الحديث.

من مظاهر الانحراف البارزة التي حصلت في ايام معاوية بن ابي سفيان، وبتوجيه ورعاية منه ، هو وضع الحديث على لسان بعض مَنْ صحب النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، ونسبه إلى رسول

ص: 127


1- باقر شريف القرشي، حياة الإمام الحسن علیه السلام، 342/2 .
2- محمد بن عقيل العلوي، النصائح الكافية لمن يتولى معاوية، 104.
3- المسعودي، مروج الذهب، 20/3 .

الله صلی الله علیه و آله وسلم له كذباً وزوراً.

ومن المعروف لدى عامة المسلمين أنّ الأمويين اعتنقوا الإسلام مرغمين، بعد أنْ عجزوا عن مواجهة النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وقد استطاعوا الوصول إلى السلطة بغير حقّ.

وقد حاول معاوية أنْ يغيّر الحقائق، وأنْ يتغلّب على هذا الشعور العام، ولكنْ من خلال الدين، وفي نفس الوقت أراد التوصل إلى تحطيم ما لاعدائه من سلطان روحي على المسلمين عن هذا الطريق أيضاً.

وقد برع معاوية في هذا الميدان كلَّ البراعة، وقد واتته الظروف وساعدته على تنفيذ مشروعه، فبلغ منه أقصى ما يرجو .

والطريق الذي سلكه من الدين نفسه هو وضع الحديث، وذلك من خلال بعض مَنْ يسمّى بالصحابة.

وإليك نماذج من ذلك:

1- الأحاديث الموضوعة في فضائل معاوية ومدحه.

حيث روي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم احاديث مكذوبة في حقّ معاوية، ما يجعله في مرتبة

القديس، نذكر منها على سبيل المثال: «أئتمن الله على وحيه جبرئيل في السماء، ومحمدصلی الله علیه و آله وسلم في الارض، ومعاوية بن ابي سفيان» (1) (1)، أنَّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم ناول معاوية سهمًا وقال له: «خذ هذا السهم حتى تلقاني به في الجنّة» (2)(2).

ص: 128


1- ابن الجوزي كتاب الموضوعات، 331/1.
2- ابن الجوزي، كتاب الموضوعات، 1/ 332.

2- الأحاديث في حقّ عثمان.

ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي، ت : 655ه- أنّ معاوية« كتب إلى عماله... أنْ انظروا مَنْ قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم، وأكتبوا إليَّ بكلّ ما يروي كلّ رجلٍ منهم، واسم أبيه وعشيرته.

ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كلّ مصرٍ، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه، فلبثوا بذلك حيناً» (1)(1).

فكان نتيجة هذه الجهود أنْ ظهرت أحاديث كثيرة في مدح عثمان بن عفان وغيره، ومن تلك الأحاديث على سبيل المثال:

أ - ما رواه أبو هريرة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال: «إنّكم تلقون بعدي اختلافاً وفتنة، فقال له قائل من الناس: فمَنْ لنا يا رسول الله؟ ،قال: عليكم بالأمين وأصحابه، وهو يشير إلى عثمان بذلك» (2) (2).

ب - وأنّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: «إنّ الله لعلّه يقمصك قميصاً، فإنْ أرادك أحد على خلعه

فلا تخلعه» (3) (3).

ج - وأنّه صلی الله علیه و آله وسلم قال: «إنّ لكلّ نبي خليلاً، وخليلي عثمان، وهو وليه في الدنيا

ص: 129


1- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 11 / 44 - 45 .
2- احمد بن حنبل، المسند، 244/2، حد 8522.
3- ابن كثير، البداية والنهاية، 227/7 ، حوادث سنة 35ه-.

والآخرة» (1)(1).

ثمّ كتب معاوية إلى عماله: «إنَّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصرٍ وفي كلّ وجهٍ وناحيةٍ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين...

فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها ... فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة ...» (2)(2)، ومن هنا ف- «إنَّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقرباً إليهم، بما يظنون أنّهم يرغمون به أنوف بني هاشم»(3)(3).

3- الأحاديث في ذم أمير المؤمنين علیه السلام وكلّ مَنْ عارض سياسة معاوية.

قال ابن أبي الحديد المعتزلي، ت: 655ه- : «ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي(4)(4) أنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي علیه السلام، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهمأبو هريرة وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير» (5) (5).

ص: 130


1- هاشم معروف الحسني، الموضوعات في الآثار والاخبار، 369.
2- المعتزلي ،شرح نهج البلاغة ، 45/11 .
3- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 46/11 .
4- ابوجعفر محمد بن عبدالله الاسكافي، كان عالماً فاضلا، له سبعون كتاباً في الكلام، كان الاسكافي خياطاً، وكان عمه وامه يمنعانه من الاختلاف في طلب العلم، ويأمرانه بلزوم الكسب، فضمّه جعفر بن حرب الى نفسه، وكان يبعث الى أمه كلّ شهر عشرين در هماً حتى بلغ ما بلغ، توفي سنة 240ه-. ابن المرتضى ، طبقات المعتزلة ، 78 .
5- المعتزلي ، شرح نهج البلاغة، 4/ 63

فقد استغل معاوية هؤلاء الأشخاص في سبيل إيجاد تبرير ديني لسلطان بني أمية، أو على الأقل لكبح الجماهير عن النهضة برادع داخلي هو الدين نفسه، بالإضافة إلى عوامل أخرى استخدمها بهذا الاتجاه، من قبيل: التجويع والإرهاب والانشقاق القبلي التي تُعدّ عوامل خارجية.

فجاء في كتاب معاوية إلى عماله: «أنْ برئت الذمّة ممن روى شيئاً في فضل أبي تراب وأهل بيته...»(1)(1).

وقد تمخض عن تلك الجهود التي بذلها معاوية ما وضعه سمرة بن جندب، حيث بذل له اربعمائة ألف درهم على أنْ يروي أنّ هذه الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصام * وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ (2)(2)، قد نزلت في علي بن أبي طالب علیه السلام، وأنَّ الآية الكريمة: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضاتِ الله ... ﴾(3) (3)، نزلت في عبد الرحمن بن ملجم، فروى ذلك(4)(4) .

وفي ختام الحديث عن مسألة وضع الحديث نذكر كلاماً للإمام الباقر علیه السلام،يصف فيه تلك الحقبة الزمنية، وما حدث فيها من وضع الحديث:

«ثمّ لم نزل - أهل البيت- تُستذل وتستضام، ونُقصى ونُمتهن، ونُحرم ونُقتل ونُخاف، ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا، ووجدَ الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً، يتقربون به إلى أوليائهم، وقضاة السوء، وعمال السوء في كلّ بلدة، فحدّثوهم

ص: 131


1- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 44/11 .
2- البقرة: 204 - 205 .
3- البقرة : 207 .
4- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 73/4 .

بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنّا مالم نقله، وما لم نفعله، ليبغضونا إلى الناس.

وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن علیه السلام... وحتى صار الرجل الذي يُذكر بالخير - ولعلّه يكون ورعاً صدوقاً - يحدّث بأحاديث عظيمة عجيبة، من تفضيل بعض مَنْ قد سلف من الولاة، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها، ولا كانت ولا وقعت، وهو يحسب أنّها حقّ، لكثرة مَنْ قد رواها ممن لم يُعرف بكذب، ولا بقلّة ورع» (1)(1).

الخلاصة : إنَّ معاوية بن ابي سفيان كان يدرك أهمية وضع الحديث في مواجهة فكر أهل البيت عليهم السلام وحركتهم الرسالية، فإنَّ مقاومة الدين بالدين أشدّ تأثيراً عليه، وصداً من مقاومته بالأساليب غير الدينية، ولذلك حاول تأكيد تلك الحركة وتركيزها، وحمل الناس على الإكثار من وضع الحديث في الاتجاه المذكور، خصوصاً مع وجود الأرضية الصالحة لذلك، المتجسدة في كثرة الفتوح في تلك العهود، وتدهور الأوضاع بعد ذلك، وهذا انحراف خطير على الإسلام .

المطلب السادس: العمل على تخدير الناس واماتة الروح النهضوية في الأمة.

ذكرنا فيما تقدم أنّ معاوية استخدم أسلوباً خبيثاً لأجل فرض سلطته واكسابها طابع الشرعية، وذلك من خلال استغلال بعض الذين يصدق عليهم عنوان الصحابة، في وضع أحاديث كاذبة، من شأَنها كسب الجمهور من جهة، ومواجهة المخالفين لمعاوية من جهة ثانية.

وهنا أيضاً حاول من خلال توظيف بعض الأفكار بعد إلباسها طابع الدينية والمشروعية أنْ يكبح جماح الجماهير الثائرة والحركات التحررية، وبالتالي السيطرة على الأمة واخضاعها له بسهولة ويسر.

ص: 132


1- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 11 / 43 - 44 .

ويمكن أنْ نذكر في هذا المجال ثلاثة أفكار، لها أثرها الفاعل في تمرير مخططات معاوية الرامية لتحقيق أهدافه وأطماعه، والافكار هي:

الاولى: إنّ النهضة على الظلم والسعي نحو إقامة نظام عادل والخروج على السلطان أمر مخالف للدين.

ولأجل ترسيخ هذه الفكرة حاول معاوية أنْ يبرز بعض الأحاديث التي تدعو إلى الصبر على الظلم والجوع والإرهاب؛ لأنَّ استنكار ذلك مخالف للدين، وقد استجاب له المأجورون من وعاظ السلاطين والمحدثين المأجورين، فقد سارعوا إلى بث السموم في قلوب الجماهير المسلمة وعقولها، وبذلك يلجمونها عن التذمر والنهضة بلجام ينسبونه إلى الدين، والدين منه بريء، ويقعدون بها عن الاحتجاج على سياسة التعسف والظلم، ويحجزونها عن محاولة تحسين حياتها.

والأحاديث التي نُسبت للنبي صلی الله علیه و آله وسلم في هذا الاتجاه كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال:

1 - عن عبدالله بن عمر أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال: «إنّها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها»، قالوا: فماذا تأمرنا يا رسول الله؟، قال: «تؤدّون الحقّ الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم»(1) (1).

2 - وعن عبدالله بن عباس عنه صلی الله علیه و آله وسلم:« مَنْ كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنّه ليس

احد مَنْ الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية» (2)(2) .

3- وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم: «إنّه ستكون هنات وهنات فمَنْ أراد أَنْ يفرّق أمر هذه الأمة

ص: 133


1- القشيري، الجامع الصحيح، 2 / 133 ، باب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء الأوّل فالأوّل، البخاري، الجامع الصحيح، 87/8 ، باب قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم سترون بعدي أموراً تنكرونها.
2- القشيري، الجامع الصحيح، 136/2 ، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن، البخاري، الجامع الصحيح، 87/8 .كتاب الفتن.

وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً مَنْ كان» (1)(1).

وقد وظّف معاوية مثل هذه الاحاديث لتمرير مخططاته وتنفيذ سياساته، ولذلك يقول: «الأرض لله، وأنا خليفة الله، فما أخذتُ فلي، وما تركته للناس فبفضلٍ مني» (2)(2).

وعلى أي حال إنّ الاحاديث الموضوعة في هذا الاتجاه واضحة الاختلاق والدس، فهي تتنافى مع واحد من مبادئ الدين الاسلامي المهمة، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونذكر شاهداً واحداً على كذبها :

1 - روي عن الصحابي عبدالله بن مسعود أنّه روى عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم، أنّه قال: «ستكون

بعدي إثرة وأمور تنكرونها ، قالوا: يا رسول الله كيف تأمر مَنْ أدرك منّا ذلك ؟، قال صلی الله علیه و آله وسلم: تؤدون الحقّ الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم» (3)(3).

2- روي عن الصحابي ابي ذر أنّه قال: أوصاني خليلي رسول الله أن صلی الله علیه و آله وسلم أسمع

وأطيع وإنْ كان عبداً مجدّع الاطراف(4)(4) .

فإذا كان هذا المضمون صحيحاً فالاحرى بهذين الصحابيين الجليلين الالتزام به قبل غيرهما، ولا معنى لاعتراضهما على سياسة الحكام ، الأمر الذي عرضهما الى التنكيل والتعذيب، فالصحابي عبدالله بن مسعود يعترض على سياسة الخليفة المالية، فأمر الخليفة بحمله من الكوفة الى المدينة، فلمّا قدم المدينة، دخل المسجد والخليفة على المنبر يخطب، فأمر بأنْ يُخرج من المسجد أخراجاً عنيفاً، فحمله غلام لعثمان حتى ضرب به

ص: 134


1- القشيري، الجامع الصحيح، 2 / 136 ، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، ابن حنبل، المسند، 261/4
2- البلاذري، أنساب الأشرف، 27/5 ، المسعودي، مروج الذهب، 53/3 .
3- القشيري، الجامع الصحيح، 133/2 ، باب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء الأوّل فالأوّل.
4- القشيري، الجامع الصحيح، 1/ 259 ، باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها.

الارض خارج المسجد، فكسر ضلعاً من اضلاعه، ثمّ حرمه من عطاءه ثلاث سنين الى أنْ مات (1)(1) ، وأمّا ابوذر الغفاري فقد واجه الانحراف ووقف بوجه معاوية، حتى كتب معاوية الى عثمان : إنْ كان لك حاجة في الشام فأرسل الى ابي ذر، فقد أوغر قلوب الناس، فكتب عثمان يأمره بحمله إليه، فحمله على قتب تحته مسح، حتى تقرّحت فخذاه، وفي المدينة أخذ ابوذر يأمر عثمان بالمعروف وينهاه عن المنكر ، حتى ضاق به، فنفاه الخليفة الى الربذة، فمات بها غريباً مظلوماً (2)(2) .

الخلاصة: إنّ الأحاديث التي تدعو إلى الصبر على الظلم والجوع والإرهاب ومصادرة الحقوق والحريات يشهد الواقع بوضعها وكذبها (3)(3).

الثانية: فكرة الإرجاء.

وملخص هذه الفكرة هي أنَّ الإيمان عمل قلبي خالص لا يحتاج إلى التعبير عنه بفعل من الأفعال، فيكفي الإنسان أنْ يكون مؤمناً بقلبه ليعصمه الإسلام، وتكون له حرمة، فلا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة (4) (4).

والسبب الذي جعل الأمويين يلتجأون الى تبني هذه الفكرة هو أنّهم كانوا يواجهون تيارين:

الأوّل: الشيعة، حيث يرون أنَّ الأمويين قتلة غاصبين لتراث النبي صلی الله علیه و آله وسلم.

ص: 135


1- ابوهلال العسكري الاوائل، 129 ، ،البلاذري، انساب الاشراف، 147/6 ، المرتضى، الشافي في الإمامة ، 282/4 .
2- ابوهلال العسكري، الاوائل، 132 - 133 .
3- الغريب أنّ السيد شرف الدين رحمه الله علیه يدعي صحّة الاخبار الواردة في هذا المجال وتواترها، وذكر رحمه الله علیه أنّ أهل البيت عليهم السلام صبروا عملاً بهذه الأوامر. فلاحظ: النص والاجتهاد، 380 - 381.
4- معجم المصطلحات الكلامية، اعداد: قسم الكلام والحكمة الاسلاميين التابع لمجمع البحوث الاسلامية، 87/1

الثاني: الخوارج، حيث يرون الأمويين كفرة، تجب الثورة عليهم وازاحتهم عن الحكم.

وكان كلّ واحدٍ من هذين التيارين يقدّم بين يدي دعواه حججاً دينية، لا يملك الأمويون ما يقابها، فلذلك أنشأوا هذه الفكرة، وبالتالي أوجدوا مَنْ يتبناها ويلتمس لها الدليل والحجّة لمواجهة الشيعة والخوارج في ميدان النضال السياسي الديني.

وقد احتضن الأمويون هذه الفرقة، وكانوا يعطفون على قادتها، وفي المقابل كانوا يضطهدون كلّ دعوة دينية لا تلائمهم.

ومن النتائج المنطقية لهذه الفكرة:

1 - إنَّ الأمويين مؤمنون مهما ارتكبوا من كبائر، وموبقات، وقتل، ومصادرة حقوق، بل حتى لو تلفظوا بالكفر.

2- إنَّ الأمويين من خلال هذه الفكرة حاولوا تخدير الأمة، وصرفها عن الاستجابة لدعاة الثورة والنهضة على الأمويين.

وذكر ابن أبي الحديد المعتزلي، ت: 655ه- أنَّ معاوية كان يتظاهر بالجبر والإرجاء، وأنَّ المعتزلة كفروه لذلك (1) (1).

الثالثة : فكرة الجبر.

الجبر: يعني «إجبار لله تعالى عباده على ما يفعلون، خيراً كان أو شراً، حسناً كان أو قبيحاً، دون أنْ يكون للعبد إرادة واختيار الرفض والإمتناع، ويرى الجبرية الجبر مذهباً يرى أصحابه أنّ كلّ ما يحدث للإنسان قُدّر عليه أزلاً، فهو مسير لا مخير»(2)(2)، فالإنسان

ص: 136


1- شرح نهج البلاغة ، 1 / 340 .
2- مرتضى العسكري، المصطلحات الاسلامية، 148 .

مكتوف الأيدي في مصيره ومسيره وسلوكه وأفعاله، وأنّ الله تعالى هو خالق أفعال العباد، فهو الذي كتب على الإنسان أنْ يقتل فلاناً، وأنَّ فلاناً يرتكب تلك الفاحشة.

وقد قامت السلطة الاموية ونشأت وارتقت على هذا المبدأ، الذي اسسه معاوية بن ابي سفيان لاجل تمرير سياساته، وتبرير افعاله(1) (1).

قال أبو هلال العسكري: «إنَّ معاوية أوّل مَنْ زعم أنّ الله يريد أفعال العباد كلّها»(2)(2)، وذكر ابن أبي الحديد المعتزلي، ت : 655ه- ، أنّ معاوية كان يتظاهر بالجبر والإرجاء، وأنّ المعتزلة كفروه لذلك، فهو مطعون في دينه، ويرمى بالزندقة، لما رووا عنه من الالحاد والتعرض لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم(3)(3) ، وقال ابن المرتضى: إنّ رأي المجبرة ومذهبهم حدث في ايام معاوية وملوك بني مروان، ومستند في حدوثه لهم، وقد عظمت به الفتنة (4)(4)

لقد اعتمد الأمويون هذه الفكرة لأكثر من غرض:

أ- اخماد الثورات.

ب - تخدير المجتمع من القيام في وجه السلطة، حتى يتسنى لهم بذلك السلطة والحكومة عليه.

ج - استقرار عرشهم وحكمهم .

د - التفرغ للملذات الدنيوية.

ص: 137


1- لعّل هذه الفكرة لها جذور اسبق من ذلك، فهذا عمر بن الخطاب يوظف هذه الفكرة للدفاع عن هزيمته يوم حنين، حيث ذكر الواقدي أنّ ام الحارث الانصارية رأت عمر بن الخطاب في حال الهزيمة والفرار من أرض المعركة ، فقالت له: ما هذا؟ ،فقال عمر: أمر الله . المغازي، 904/2 .
2- الأوائل، 251 .
3- شرح نهج البلاغة ، 1 / 340 .
4- طبقات المعتزلة، 6 ، البحر الزخار ، 39/1 .

إنَّ الأمويين كانوا يشعرون بخطر العقيدة التي تقول إنّ الإنسان هو الذي يختار نوع السلوك والعمل الذي يمارسه في حياته، وليس هو مجبوراً على شيء، وإذا كان حراً فهو مسؤول عن أفعاله؛ لأنَّ كلّ حريةٍ تستتبع حتماً المسؤولية.

ولذلك حاول الأمويون أنْ يوجدوا عقيدة مضادة لهذه العقيدة، وقد وجدوا أنّ عقيدة الجبر هي التي تلائمهم في الميدان السياسي؛ لأنّها توحي إلى الناس بأنّ وجود الأمويين وتصرفاتهم مهما كانت شاذة وظالمة ليست سوى قدر مرسوم من الله تعالى، لا يمكن تغييره، ولا تبديله، وعليه فلا جدوى من الثورة عليهم، والنهوض ضدهم(1)(1) .

وكشاهد تأريخي وتطبيقاً لهذه الفكرة في سلوك معاوية بن أبي سفيان، ومحاولته لتفعيلها خارجاً وتوظيفها لتمرير سياساته العدوانية ومخططاته الشيطانية:

ص: 138


1- لقد واجه أهل البيت علیهم السلام فكرة الجبر، ووقفوا بوجهها، ومما ورد عنهم علیهم السلام في هذا المجال: ما روي عن الامام الصادق علیه السلام أنّ قال: «لا جبر ولا تفويض ولكنْ أمر بين أمرين»، فقيل: وما أمر بين أمرين؟ ، قال علیه السلام مثل ذلك:« رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته، فتركته، ففعل تلك المعصية، فليس حيث لا يقبل منك فتركته، كنتَ أنت الذي أمرته بالمعصية». الكليني، الكافي، 160/1، حد 13 . ومنها: أنّ رجلاً قال لابي عبدالله علیه السلام: جعلت فداك أجبر الله العباد على المعاصي؟، فقال: الله أعدل من أنْ يجبرهم على المعاصي ثمّ يعذبهم عليها، فقال له: جعلتُ فداك ففوّض الله الى العباد؟، فقال : لو فوّض إليهم لم يحصرهم بالأمر والنهي.... الكليني، الكافي، 1/ 159، حد11. ومنها: ما جاء في جواب الامام الكاظم علیه السلام عن سؤال لابي حنيفة، حيث سأله : ممّن المعصية؟، فقال علیه السلام: لا تخلو من ثلاثة: إمّا أنْ تكون من الله عزوجل، وليست منه، فلا ينبغي للكريم أنْ يعذّب عبده بما لم يكتسبه، وإمّا أنْ تكون من الله عزوجل ومن العبد، فلا ينبغي للشريك القوي أنْ يظلم الشريك الضعيف، وإمّا أنْ تكون من العبد وهي منه، فإنْ عاقبه الله فبذنبه، وإنْ عفا عنه فبكرمه وجوده. المجلسي، بحار الانوار، 4/5، حد 2 . ومنها: ما روي عن الامام الهادي علیه السلام، حيث سئل عن أفعال العباد، فقيل له : هل هي مخلوقة لله تعالى؟ ، فقال علیه السلام: «لو كان خالقاً لها لما تبرّأ منها، وقد قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم، وإنّما تبرّأ من شركهم وقبائحهم». المجلسي، بحار الانوار، 20/5، حد 29 . التوبة: 3.

1- أنّه لما أراد تنصيب ابنه يزيد خليفة للمسلمين، وكان المجتمع يعلم ما هو يزيد، ومنهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، الذي اعترض على معاوية، فأجابه معاوية بقوله:« إنِّي أحذرك أنْ تشق عصا المسلمين، وتسعى في تفريق ملئهم، وأنْ تسفك دماءهم، وإنّ أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء، وليس للعباد خيرة من أمرهم» (1) (1).

وبهذا المنطق ايضاً أجاب معاوية ام المؤمنين عائشة، عندما نازعته في هذا الاستخلاف، حيث قال لها :« إنّ أمر يزيد قضاء من القضاء، وليس للعباد الخيرة من أمرهم» (2)(2).

2 - حينما ارسل معاوية بسر بن ابي أرطأة الى المدينة ومكة والحجاز، وفعل اللعين ما فعل، وبعد عودته قال لمعاوية : أحمد الله أنّي سرت في هذا الجيش أقتل عدوك ذاهباً جائياً لم ينكب رجل منهم نكبة، فقال له معاوية : الله قد فعل ذلك لا أنت (3)(3).

3۔ خطب معاوية يوماً فقال: إنّ اللهَّ تعالى يقول: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزَائِنُه وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (4)(4)، فعلام تلومونني إذا قصرتُ في عطاياكم؟، فقال له الأحنف: وإنّا واللهَّ لا نلومك على ما في خزائن اللهَّ، ولكنْ على ما أنزله اللهَّ من خزائنه فجعلته في خزائنك حلت بيننا وبينه (5) (5).

هذه ثلاثة أفكار جعلها معاوية خصوصاً وبنو أمية عموماً ذريعة ليرتكبوا أفظع

ص: 139


1- الدينوري، الامامة والسياسة، 1/ 161 - 162 .
2- الدينوري، الامامة والسياسة، 1 / 158 .
3- المعتزلي شرح نهج البلاغة، 17/2 .
4- الحجر: 21 .
5- حبيب الله الخوئي، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، 293/18 .

الجرائم وأبشعها، فقتلوا الصحابة، وهتكوا الحرمات، وأباحوا المحظورات(1)(1).

ص: 140


1- لقد أعتمد بنو امية على فكرة الجبر في تشييد ملكهم، فمارسوا أشدّ أنواع التنكيل والارهاب والقمع بكلّ مَنْ يخالف هذه الفكرة، ومن ذلك - على سبيل المثال - غيلان الدمشقي الذي أخذ ينشر فكرة الاختيار في دمشق، فأمر هشام بن عبدالملك بصلبه على باب دمشق، بعد أنْ أمر بقطع يديه ورجليه سنة 125ه-. الطبري، تأريخ الرسل والملوك، 516/5، بن المرتضى، طبقات المعتزلة، 25. وهكذا معبد الجهني الذي كان يقول بنفي الجبر ، فقتله الحجاج بن يوسف الثقفي، وقيل إنّ الذي تولى قتله صلباً هو عبد الملك بن مروان نفسه. ابن الاثير، الكامل في التأريخ ، 456/4 .

المبحث الثاني: حقيقة طلب السلطة من قبل الإمام الحسين عليه السلام ومشروعيتها

إنَّ السلطة الأموية قد انحرفت في سلوكها ، فأصبح واضحاً لكلّ أحدٍ خروجها عن تعاليم الدين الاسلامي، وظلمها وطغيانها وتمردها على القيم، وتحريفها للدين وتضييع معالمه.

وكان هناك ثلة من المسلمين من ذوي الدين ينظرون إلى ذلك الواقع المرير، ويصبرون تجاهه على مضض، وكان الذي يشغل بالهم هو تغيير ذلك الواقع بتغيير تلك السلطة المنحرفة.

فكان الإصلاح في نظهر أولئك المؤمنين منحصراً بتغيير السلطة، وجعل الخلافة في موضعها المناسب لها، كسلطة دينية ترعى الدين وتعاليمه، وترعى شؤون المسلمين، وإصلاح أمرهم .

والشخص المؤهل للتصدي لذلك، والمرشح الأوفر حضاً هو الإمام الحسين علیه السلام ، نظراً لما يمتلك من مقام ديني ، وقرابة من النبي صلی الله علیه و آله وسلم.

وقد ترجم أولئك المؤمنون هذا التفكير إلى واقع عملي، فسعوا إلى ذلك من مكاتبة الإمام الحسين علیه السلام بعد موت معاوية، حيث كانوا يرون أنّ في موت معاوية فرصة لا ينبغي تضييعها، وقد استجاب الإمام الحسين علیه السلام لتلك الدعوة، بعد أنْ امتنع من البيعة ليزيد، وأعلن عن ذلك.

ص: 141

وهنا نريد أنْ نسلّط الضوء على حقيقة طلب السلطة من قبل الإمام الحسين علیه السلام من جهة، ومشروعيتها من جهة ثانية، فالحديث يقع في مطلبين.

المطلب الأوّل: حقيقة طلب السلطة.

إنَّ السلطة والإمامة في نظر أهل البيت علیهم السلام هي تكليف وليس تشريفاً، ومسؤولية وليس مغنماً ، فكانوا ينظرون إليها بنحو الطريقية وليس بنحو الموضوعية.

ويمكن تحري ذلك من خلال أقوال الأئمة عليهم السلام وأفعالهم.

فهذا أمير المؤمنين علیه السلام يكشف النقاب عن حقيقة السلطة، وبيان منهجه فيها، في خطبه، وكلماته، وأفعاله، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

1 - «... إنّما انا رجل منكم، لي ما لكم وعليَّ ما عليكم...، وإنّي حاملكم على منهج نبيكم صلی الله علیه و آله وسلم، ومنفّذ فيكم ما أُمِرت به، إنْ استقمتم لي ...»(1) (1).

2- «الذليل عندي عزيز حتى أخذ الحقّ له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحقّ منه»(2)(2).

3-ما قاله علیه السلام حين ضغط عليه المسلمون لأجل قبول بيعتهم له بالخلافة: «دعوني والتمسوا غيري، فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وإنّ الآفاق قد أغامت، والمحجّة قد تنكّرت، وأعلموا أنّي إنْ أجبتكم ركبتُ بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل، وعتب العاتب...» (3) (3).

4 - « ... أيّها رجل استجاب لله وللرسول فصدّق ملتنا، ودخل في ديننا، واستقبل

ص: 142


1- المعتزلي، شرح نهج البلاغة ، 36/7 .
2- نهج البلاغة - شرح الدكتور صبحي الصالح، 77 ، الخطبة: 37.
3- نهج البلاغة - شرح الدكتور صبحي الصالح، 172 ، الخطبة: 92 .

قبلتنا، فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده، فانتم عباد الله، والمال مال الله، يقسّم بينكم بالسوية، لا فضل فيه لأحد على أحد ... » (1)(1).

5-« ... فأمّا هذا الفيء فليس لأحد على أحد فيه أثرة، وقد فرغ الله ~ من قسمته، فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون، وهذا كتاب الله به أقررنا، وعليه شهدنا، وله أسلمنا، وعهد نبينا بين أظهرنا، فسلّموا - رحمكم الله - فمن لم يرض بهذا فليتولّ كيف

شاء» (2) (2).

6 - ما قاله علیه السلام لابن عباس حينما كان متوجهاً إلى البصرة، وقد نزل بالربذة، واجتمع بعض الحجاج هناك ليسمعوا من كلام أمير المؤمنين علیه السلام، وكان في خيمته، فدخل عليه ابن عباس ليخبره بذلك، فوجده يخصف نعلاً، وبعد فراغه علیه السلام من ذلك، ضمها إلى صاحبتها، ثمّ قال علیه السلام لابن عباس : قوّمْها. فاجابة ابن عباس: بأنّها ليس لها قيمة، قال علیه السلام: على ذاك. قال ابن عباس: كسرُ درهم. عند ذلك قال علیه السلام: «والله لهما أحبُّ إليَّ من أمركم هذا، إلا أنْ أقيم حقّاً أو أدفع باطلاً...»(3) (3).

وأمّا الإمام الحسين علیه السلام فلم يخرج عن منهج النبي صلی الله علیه و آله وسلم وأمير المؤمنين علیه السلام في هذه المسألة، وقد أشار علیه السلام إلى هدفه من السلطة، ومنهجه في التعاطي معها، في أكثر من كلامٍ له علیه السلام، وفي أكثر من مناسبة، نذكر ذلك:

1 - ما ذكره علیه السلام في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية:« ... إنّي لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أنْ أمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب عليهما السلام ، فمَنْ قبلني بقبول

ص: 143


1- المعتزلي، شرح نهج البلاغة ، 37/7.
2- ابن شعبة الحراني، تحف العقول، 129 ، المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 39/7 .
3- المفيد، الإرشاد، 247/1 .

الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومَنْ ردَّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ، وهو خير الحاكمين» (1)(1). فالإصلاح في أمة جده صلی الله علیه و آله وسلم هو هدفه علیه السلام من النهضة.

2- ما قاله علیه السلام في خطبته في أصحابه وأصحاب الحرب بن يزيد الرياحي: «أيها الناس، إنَّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: مَنْ رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لُحرَم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الله أنْ يدخله مُدخَله، ألا وأنَّ هؤلاء لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وأنا أحقّ مَنْ غيرّ ...» (2)(2).

3-ما ورد في رسالته علیه السلام إلى أهل الكوفة، حينما أرسل إليهم مسلم بن عقيل علیه السلام:

«... فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، والدائن بدين الحقّ، والحابس نفسه على ذات الله . . . » (3)(3).

4- ما ورد في كتابه علیه السلام إلى أهل البصرة: «... إنَّ الله اصطفى محمداً صلی الله علیه و آله وسلم على خلقه، وأكرمه بنبوته... وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه، وورثته وأحقّ الناس بمقامه في الناس... وقد بعثتُ رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلی الله علیه و آله وسلم، فإنَّ السنة قد أُميتت، وإنَّ البدعة قد أحييت، وإنْ تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد ... » (4)(4) .

5- ما رواه ابن شعبه الحراني رحمه الله علیه عنه علیه السلام من أنّه قال: «... اللهم إنّك تعلم أنّه لم

ص: 144


1- المجلسي، بحار الأنوار، 329/44.
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 403/5 .
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك ، 353/5 ، المفيد، الارشاد، 2/ 39.
4- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 357/5.

یکن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكنْ لِنُرِيَ المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلمون من عبادك، ويُعمل بفرائضك وسننك وأحكامك، فإنّكم إنْ لم تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيكم، وحسبنا الله وعليه توكلنا، وإليه أنبنا وإليه المصير» (1)(1) .

ومن خلال ما تقدم يتضح أنّ السلطة في نظر الامام الحسين علیه السلام وسيلة لتطبيق الشريعة الاسلامية، فإذا قدّر أنّ الظروف كانت تساعد على امتلاك زمام السلطة فحينئذ يجب على الامام تأمين تلك الوسيلة للوصول الى الهدف المنشود.

المطلب الثاني : مشروعية طلب السلطة.

إنَّ من شؤون الإمامة بيان الدين الإلهي وتطبيق شريعة سيد المرسلين صلی الله علیه و آله وسلم، والمحافظة على الدين من الاضمحلال والزوال، وصونه من التحريف، والإمام هو القائم بذلك، ومن هنا كانت الخلافة الإسلامية حقّ للإمام المعصوم(2)(2)، فإنَّ من وظائف الإمام ومسؤولياته هي القيام بتلك الأمور ، فإنَّ الإمامة «رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الاشخاص نيابة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم» (3)(3) .

ومن الواضح أنّ قيام الامام بوظائفه بشكلٍ تام، من حيث تطبيق أحكام الاسلام وتحكيم قوانينه في جميع مرافق الحياة، ومكافئة المحسنين ومعاقبة المجرمين، وجباية الضرائب الاسلامية، وصرفها في مواردها، ونشر الثقافة والوعي، كل ذلك لا يتسنى للامام إلا إذا كان زمام السلطة بيده، فإذا كانت السلطة بيده فحينئذ يستطيع الامام أنْ

ص: 145


1- تحف العقول، 170 .
2- تجدر الاشارة الى أنّ إمامة الإمام الحسين علیه السلام - وهكذا جميع الأئمة المعصومين علیهم السلام- قد ثبتت بالأدلة النقلية والعقلية.
3- العلامة الحلي، الباب الحادي عشر - بشرح المقداد السيوري، 105.

يقوم بوظائفه، وبالتالي يقود الأمة نحو الرقي والتكامل المادي والمعنوي.

ومن هذا المنطلق كانت حركة الإمام الحسين علیه السلام ونهضته المباركة، فإنَّ نهضة الإمام الحسين علیه السلام لا يمكن تحليلها بمعزل عن هذه الشؤون والمسؤوليات الملقات على عاتق الإمام الحسين علیه السلام، إذ أنَّ تلك الشؤون والمسؤوليات تلقي بظلالها على جميع سلوكيات الإمام علیه السلام وأقواله وأفكاره.

أضف الى ذلك توافر الظروف المناسبة لإعادة الحق إلى أهله، وممارسة الإمام دوره الطبيعي في إدارة شؤون الأمة في أمور الدين والدنيا.

إنَّ الإمام الحسين علیه السلام لم يكن أمامه خيار آخر غير خيار النهضة، فإنّ الإنحراف الذي مارسه بنو أمية وصل إلى حدٍّ لا يمكن السكوت عليه.

لقد ذكرنا في المبحث الأوّل من هذا الفصل بعض موارد الانحراف التي حصلت، وهنا نقول: إنَّ النظام الأموي عمل على ترويج أحاديث مكذوبة، ونسبتها إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم،مفادها وجوب طاعة أولي الأمر وإنْ جاروا واظلموا واظهروا الفسوق والمعاصي واستأثروا بالفيْ وعبثوا في مقدرات الناس، وتمردوا على القيم والمبادئ والأعراف الصحيحة ، فلا يجوز الخروج عليهم، مع ما هم عليه من الإنحراف، وشقّ عصا الطاعة، بل يجب على الأمة أداء حقّهم دون مطالبتهم بالحقّ الذي عليهم، وإنّما وظيفة الأمة هي

الصبر والاحتساب.

وهذا المبدأ إذا استطاع بنو أمية تأسيسه وتجذيره فهو يعني نسف الإسلام واقتلاعه من جذوره، وتمرير مخططاتهم الرامية لإعادة الأمة إلى الجاهلية.

ولا يوجد طريق لحماية الرسالة الإلهية التي هي من وظيفة الإمام، وشؤون الإمامة، وإيقاظ الأمة، وانتشالها من الخطر المحدق بها، إلا أنْ ينهض شخص بحجم الإمام

ص: 146

الحسين علیه السلام، تثق الأمة به، وبمعرفته التامّة بمبادئ الإسلام، وسنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم،وتطبيقه لقيم الخير والفضيلة كسلوك عملي، فيعلن من خلال نهضته أنّ ما يروجّه النظام الأموي من وجوب طاعة السلطان الجائر ليس من الإسلام في شيء.

ولا يمكن صد التيار الأموي، والوقوف بوجهه ،من خلال مجرد التكذيب بالقول، وأنَّ ما يروج له الأمويون هو كذب محض وافتراء، وذلك لأنَّ النظام الأموي كان بيده مقدرات الأمة كلّها، وقد سخّر كلّ الطاقات والامكانات المتاحة له، كنظام قائم يمتلك مقومات التضليل، من إعلام ودعاية وعمال وأعوان؛ لأجل الوصول إلى أهدافه الخبيثة، ومن جانب آخر يمتلك وسائل الإغراء والانحلال، وإشاعة الفاحشة التي وظفها لأجل التحلل من كلّ القسيم الأخلاقية النبيلة، التي حرص الإسلام على تجذيرها، والعمل وفق ضوابطها.

وفي مقابل هذه الامكانات الضخمة فإنّ الإمام الحسين علیه السلام مهما بذل من جهد فهو لا يمتلك الوسائل التي يمتلكها بنو أمية، حيث إنّ زمام أمور الأمة بيدهم، وخزائن الأمة في قبضتهم، فالزكوات والخراج وموارد الأمة تجبى لهم ، فلهم أنْ يعطوا مَنْ شاءوا ويمنعوا مَنْ شاءوا، فالأمويون كانوا يمتلكون منابع القوة التي من خلالها يستطيعون تمرير مخططاتهم ومآربهم الخبيثة.

والشخص المؤهل للنهوض بوجه هذا النظام الجائر هو الإمام الحسين علیه السلام، فهو الذي يمتلك مقومات القائد الحقيقي للأمة المسلمة، وقد أشار الإمام الحسين علیه السلام إلى احقيته بالخلافة، وقيادة الأمة في أكثر من مناسبة :

1 - «أمّا بعد فإنَّ الله اصطفى محمداً صلی الله علیه و آله وسلم على خلقه، وأكرمه بنبوته، واختاره لرسالته،

ثمّ قبضه إليه، وقد نصح لعباده، وبلّغ ما أُرسل به صلی الله علیه و آله وسلم، وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه،

ص: 147

وورثته وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قوُمنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، ونحن أعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المُستحق علينا ممّن تولاه ...»(1)(1) .

2 - ما قاله علیه السلام للوليد بن عتبة والي المدينة، حينما أراد أنْ يأخذ البيعة منه علیه السلام اليزيد:« أيها الأمير إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلَّ الرحمة، وبنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شاربُ خمر، قاتلُ النفس المحترمة، معلن بالفسق، مثلي لا يبايع مثله ، ولكنْ نصبح وتصبحون وننتظر وتنتظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة» (2)(2).

ما قاله علیه السلام في خطبته التي ألقاها على أصحابه والجيش الذي كان مع الحر بن يزيد الرياحي: «... أيها الناس، فانّكم إنْ تتقوا وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان... » (3)(3).

وكان المجتمع الإسلامي بما فيهم الولاة يعرفون منزلة الإمام الحسين علیه السلام، ومكانته المعنوية، وتأثيرها في النفوس، ومن باب المثال نذكر في هذا المجال بعض ما يدلّ على هذه الحقيقة الواضحة :

1 - ما قاله الوليد بن عتبة والي المدينة لمروان بن الحكم، حينما ورد خبر موت معاوية، وقد أمره يزيد بأخذ البيعة من الامام الحسين علیه السلام، وقد أستشار الوليد مروان في الأمر، فأشار عليه بأخذ البيعة من الامام، وإذا أمتنع فعليه أنْ يحبس الإمام، أو يضرب عنقه، حيث أجابه: «ويحك يا مروان عن كلامك هذا، وأحسن القول في ابن فاطمة، فإنّه بقية

ص: 148


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 357/5.
2- ابن أعثم الكوفي ،الفتوح 14/5 ، ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 98 .
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 402/5 .

ولد النبيين» (1)(1).

وحينما أمتنع الامام علیه السلام من البيعة عاب مروان بن الحكم على الوليد عدم تشدده في أخذ البيعة من الإمام الحسين علیهالسلام، فقال الوليد: «وبخْ غيرك يا مروان، إنّك أخترتَ لي التي فيها هلاك ديني، والله ما أحبُّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه، من مال الدنيا وملكها، وأنّي قتلتُ حسيناً، سبحان الله ! أقتل حسيناً أنْ قال: لا أبايع؛ والله إنّي لا أظن امرأَ يُحاسبُ بدم حسين إلا وهو خفيف الميزان عند الله يوم القيامة»(2)(2).

2 - ما قاله معاوية حينما قرأ رسالة الإمام الحسين علیه السلام- وكانت جواباً عن رسالة لمعاوية - وقد استشار يزيد ابنه وعبد الله بن عمرو بن العاص، فأشارا إليه أنْ يكتب له بما يُصغّر إليه نفسه، فقال معاوية: «أخطأتما، أرأيتما لو أنّي ذهبتُ لعيب عليّ مُحقّاً ما عسيتُ أنْ أقول فيه ؟!... ومتى ما عبتُ رجلاً بما لا يعرفه الناس لم يحفل(3)(3) به صاحبه، ولا يراه الناس شيئاً وكذّبوه، وما عسيتُ أنْ أعيب حسيناً ؟ ! ، ووالله ما أرى للعيب فيه موضعاً ...» (4)(4).

3- ما قاله شبث بن ربعي بعد واقعة الطف الفجيعة - في امارة مصعب بن الزبير- : « لا يعطي الله أهل هذا المصر خيراً أبداً ، ولا يسددهم لرشدٍ، ألا تعجبون أنّا قاتلنا مع علي بن أبي طالب ومع أبنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين، ثمّ عدونا على ابنه وهو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية وابن سمية الزانية، ضلال يا لك من ضلال» (5)(5) .

ص: 149


1- ابن اعثم، الفتوح، 11/5 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك ، 340/5 ، ابن أعثم، الفتوح، 14/5 .
3- يعني (لم يبال به)
4- المجلسي، بحار الانوار، 212/44، حد9 ، البلاذري، انساب الاشراف، 3/ 367. مع اختلاف في بعض الالفاظ
5- الطبري، تاريخ الرسل والملوك ، 437/5 .

هذه ثلاث كلمات صدرت من أعدائه ومخالفيه، فكيف بأوليائه ومحبيه، وعامة المسلمين>

الخلاصة : إنّ الظروف السياسية والأوضاع الاجتماعية كانت تقتضي نهوض الإمام الحسين علیه السلام، ومطالبته بحقّه المغتصب، أضف إلى ذلك مكاتبة أهل الكوفة له علیه السلام، والتوجه إليه لإنقاذهم من الواقع المأساوي الذي عاشوه في ظل حكم الأمويين، وكذلك بملاحظه بنود صلح الإمام الحسن علیه السلام مع معاوية، حيث إنّه يشتمل على أنْ تكون الخلافة للإمام الحسين علیه السلام في حال وفاة الامام الحسن علیه السلام (1)(1).

ص: 150


1- ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 12/5.

المبحث الثالث: في عدم نهوض الامام الحسين عليه السلام في ايام معاوية.

إنّ الامام الحسين عليه السلام قد عاصر معاوية بن ابي سفيان أبيه وأخيه عليهما السلام ، وعاصره بعد أستشهاد اخيه عليه السلام ما يقرب من عشر سنوات، وكان عليه السلام في تلك الفترة وحده مهوى الأفئدة ومحط آمال المعذبين والمشردين والمضطهدين، ولم يترك معاوية خلال تلك المدة من حکمه باباً من أبواب الظلم إلا وانطلق منه ولا منفذاً للتسلّط على الناس إلا وأطل منه فقام بقتل الكثير من الصحابة الصلحاء، وتعذيب وتشريد واضطهاد مئات الألوف، بلا جرم ارتكبوه ولا بيعة نقضوها، وإنّما ذنبهم الأوّل والأخير هو ولائهم لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام .

وهنا سؤال يراود أذهان الكثيرين، وهو لماذا والحالة هذه لم ينهض الامام الحسين عليه السلام ، ويقود الجماهير في عهد معاوية بن ابي سفيان، مع وجود جميع مبررات النهضة، مع الالتفات الى أنّ المبررات التي دفعته عليه السلام الى النهضة على يزيد، ليست هي إلا امتداد لتلك التي كان يمارسها معاوية من قبله.

والجواب عن هذا التساؤل واضح، فإنّ التدقيق ومتابعة الأحداث التي كان المسلمون يعانون منها، وواقع معاوية بن ابي سفيان، والوسائل التي كان يستعملها لتغطية جرائمه، كلّ ذلك يقتضي أنْ لا يبقى لهذا التساؤل ما يبرره، فإنّ النهضة في هكذا ظروف سيكون مصيرها الفشل.

ص: 151

ولاجل الاحاطة باطراف الموضوع نتحدث أوّلاً عن الدور الذي كان يمارسه الامام الحسين عليه السلام في ايام معاوية ، ثمّ نتحدث عن موانع نهوض الامام عليه السلام على معاوية، فالحديث يقع في مطلبين.

المطلب الأوّل: نشاط الامام الحسين عليه السلام في ايام معاوية.

إنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يكن يتهيب الشهادة في ايام معاوية فيما لو كانت تخدم المصلحة العامة ابداً ، فالامام عليه السلام كان يدرك الواقع الذي يعيشه المجتمع الاسلامي عامّة والعراقي خاصّة، من تخاذل وضعف واستسلام للضغوط التي كان يمارسها معاوية بن ابي سفيان، لهذا وغيره مما سيأتي الحديث عنه في المطلب اللاحق آثر الامام عليه السلام التريث في النهضة ، ولكنه عليه السلام من جانب آخر أخذ يعمل على تهيئة المجتمع الإسلامي للنهضة، وتعبئة الجماهير لها، بدل أنْ يحمل على القيام بنهضة ستكون فاشلة في عهد معاوية، وتكون نتائجها لغير صالحه.

وبالفعل لقد اتسعت المعارضة في عهده، وظهرت عليها بوادر التغير والميل إلى العنف والشدة، وبخاصّة بعد أنْ جعل معاوية ولاية العهد لولده الخليع المستهتر، فكان لكلّ حدث من أحداث معاوية صدى مدوياً في أوساط المدينة وخارجها، وقد أخذت الانظار تتجه نحو الإمام الحسين عليه السلام ، من كلّ حدبٍ وصوب، الأمر الذي جعل الأمويين يتحسسون من هذا الواقع، ويتخوفون من نتائجه.

لقد كان الامام عليه السلام في الوقت الذي يعمل فيه لإعداد المجتمع وتعبئته بانتظار اليوم الذي يطمئن فيه بأنّ النهضة قد حان وقتها، كان الامام عليه السلام يمارس فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فكان عليه السلام ينكر ما يصدر من معاوية من أفعالٍ لا تنسجم مع التشريع الإلهي.

ص: 152

ويتجلّى ذلك في مواقف كثيرة، وفي عدة أفعال، نذكر منها:

1 - ما ورد في رسالة كتبها عليه السلام كجواب على رسالة كان قد أرسلها إليه معاوية بن أبي سفيان، حيث جاء فيها: «أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر أنّه قد بلغك عني أمور أنت لي عنها راغب، وأنا بغيرها عندك جدير ، فانّ الحسنات لا يهدي لها، ولا يسدد إليها إلا الله .

وأمّا ما ذكرت أنّه انتهى إليك عني، فانّه إنّما رقاه إليك الملاقون المشاؤن بالنميم، وما أُريد لك حرباً ولا عليك خلافاً، وأيم الله إنّي لخائف لله في ترك ذلك، وما أظن الله راضياً بترك ذلك، ولا عاذراً بدون الاعذار فيه إليك، وفي اولئك القاسطين الملحدين حزب الظلمة، وأولياء الشياطين.

ألستَ القاتل حُجراً أخا كندة، والمصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع، ولا يخافون في الله لومة لائم، ثمّ قتلتهم ظلماً وعدواناً، من بعد ما كنتَ أعطيتهم الأيمان المغلظة، والمواثيق المؤكّدة، ولا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم، ولا بإحنة تجدها في نفسك.

أو لستَ قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم العبد الصالح الذي أبلته

العبادة، فنحل جسمه، وصفرت لونه، بعد ما أمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائراً لنزل إليك من رأس الجبل، ثمّ قتلته جرأة على ربك، واستخفافاً بذلك العهد.

أو لستَ المدعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف، فزعمتَ أنّه ابن أبيك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «الولد للفراش وللعاهر الحجر» فتركتَ سنة رسول الله تعمداً، وتبعت هواك بغير هدى من الله، ثمّ سلطته على العراقين: يقطع أيدي المسلمين وأرجلهم، ويسمل أعينهم، ويصلبهم على جذوع النخل، كأنّك لستَ من هذه الامة،

ص: 153

وليسوا منك.

أولستَ صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنّهم كانوا على دين علي صلوات الله عليه، فكتبتَ إليه أنْ: اقتل كلّ مَنْ كان على دين علي، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك، ودين علي علیه السلام والله الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك، وبه جلستَ مجلسك الذي جلستَ، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين (1)(1).

وقلتَ فيما قلتَ:« انظر لنفسك ولدينك ولامة محمد، واتق شقّ عصا هذه الامة وأنْ تردهم إلى فتنة»، وإنّي لا أعلم فتنة أعظم على هذه الامة من ولايتك عليها، ولا أعلم نظراً لنفسي ولديني ولامة محمد صلی الله علیه و آله وسلم علينا أفضل من أنْ اجاهدك، فانْ فعلتُ فانّه قربة إلى الله، وإنْ تركته فانّي أستغفر الله لذنبي، وأسأله توفيقه لإرشاد أمري.

وقلتَ فيما قلتَ« إنّي إنْ أنكرتك تنكرني وإنْ أكدك تكدني» فكدني ما بدا لك، فانّي أرجو أنْ لا يضرني كيدك فيّ، وأنْ لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك، لأنّك قد ركبتَ جهلك، وتحرصتَ على نقض عهدك، ولعمري ما وفيتَ بشرط، ولقد نقضتَ عهدك بقتلك هؤلاء النفر، الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق، فقتلتهم من غير أنْ يكونوا قاتلوا وقتلوا ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا، وتعظيمهم حقّنا، فقتلتهم مخافة أمر لعلّك لو لم تقتلهم متَّ قبل أنْ يفعلوا أو ماتوا قبل أنْ يدركوا.

فأبشر يا معاوية بالقصاص، واستيقن بالحساب، واعلم أنّ الله تعالى كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وليس الله بناس لأخذك بالظنّة، وقتلك أولياءه على التهم، ونفيك أولياءه من دورهم إلى دار الغربة، وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام حدث: يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب، لا أعلمك إلا وقد خسرتَ نفسك، وبترتَ دينك،

ص: 154


1- يعنى ما في قوله تعالى : ﴿لإيلَافِ قُرَيْش إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشَّتَاءِ وَالصَّيْف ﴾. قريش : 1 - 2 .

وغششتَ رعيتك، وأخزيتَ أمانتك، وسمعتَ مقالة السفيه الجاهل، وأخفتَ الورع التقي لأجلهم والسلام ... » (1) (1).

2- ما قاله علیه السلام حينما طلب منه معاوية البيعة ليزيد، حيث جاء في كلامه علیه السلام:

«... هيهات هيهات يا معاوية: فضح الصبح فحمة الدجى، وبهرت الشمس أنوار السرج، ولقد فضّلت حتى أفرطتَ، واستأثرتَ حتى أجحفتَ، ومنعت حتى محلتَ، وجزتَ حتى جاوزتَ، ما بذلتَ لذي حقٍّ من اسم حقّه بنصيبٍ، حتى أخذ الشيطان حظه الاوفر، ونصيبه الاكمل.

وفهمتُ ما ذكرته عن يزيد من اكتماله، وسياسته لامة محمد، تريد أنْ توهم الناس في يزيد، كأنّك تصف محجوباً، أو تنعتَ غائباً، أو تخبر عمّا كان مما احتويته بعلمٍ خاصٍّ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيها أخذ فيه، من استقرائه الكلاب المهارشة (2)(2) عند التهارش، والحمام السبق لاترابهن ، والقيان (3)(3) ذوات المعازف، وضرب الملاهي، تجده باصراً.

ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أنْ تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه، فو الله ما برحتَ تقدح باطلاً في جور، وحنقاً في ظلم، حتى ملات الاسقية(4)(4)، وما بينك وبين الموت إلا غمضة، فتقدم على عمل محفوظ، في يوم مشهود، ولات حين

ص: 155


1- المجلسي، بحار الأنوار، 212/44، حد 9 .
2- المهارشة بالكلاب: هو تحريش بعضها على بعض. الفيروزآبادي، القاموس المحيط، 564 .
3- القينة : الأمة البيضاء مغنية كانت أو غير مغنية، وقيل تختص بالمغنية. الفيومي، المصباح المنير، 521.
4- الاسقية: جمع سقاء، والسقاء - ككساء - جلد السخلة يكون للماء واللبن (القربة). الفيروزآبادي، القاموس المحيط ، 1191 . والمراد أنّك تكلمتَ كثيراً حتى ملأت الاوعية من كثرة كلامك.

مناص ... » (1)(1) .

المطلب الثاني: موانع النهوض أيام معاوية.

في أيام معاوية بن أبي سفيان كانت هناك موانع كثيرة تمنع الإمام علیه السلام من القيام بوجه معاوية، فالظروف الموضوعية لم تكن تساعد على النهضة وقيادة حركة جماهيرية ضد الحكم الاموي ، حيث« كانت أيام معاوية صعبة لا يطمع في مثلها»(2)، ويمكن في هذا المجال أن نذكر أبرز الموانع

1- رعاية عهد الإمام الحسن علیه السلام وصلحه مع معاوية.

إنّ الإمام الحسين علیه السلام كان ملتزماً ببنود الصلح الذي عقده الإمام الحسن علیه السلام مع معاوية، فقد ذكر المؤرخون أنّه لما مات الحسن بن علي علیه السلام تحرّكت الشيعة بالعراق، وكتبوا إلى الامام الحسين علیه السلام في خلع معاوية، والبيعة له، فامتنع علیه السلام عليهم، وذكر أنّ بينه وبين معاوية عهداً وعقداً، لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدّة، فإذا مات معاوية نظر في ذلك (3) (2).

وكان معاوية يذكّر الإمام الحسين علیه السلام ببيعته في مناسبات كثيرة، كما جاء ذلك في بعض رسائله إلى الإمام علیه السلام، حيث كتب في بعضها: «أمّا بعد، فقد انتهت إليّ عنك أمور أرغب بك عنها ... ولعمري إنّ مَنْ أعطى صفقة يمينه وعهد الله وميثاقه لحري بالوفاء... » (4)(3).

ص: 156


1- الدينوري، الإمامة والسياسة، 1 / 160 - 161 .
2- المفيد، الارشاد، 2/ 32، المجلسي، بحار الأنوار، 324/44، حد2، والسيوطي، تاريخ الخلفاء، 206.
3- البلاذري، انساب الاشراف، 3/ 367 ، وانظر: الدينوري، الامامة والسياسة، 1/ 154 .

2- الحصار الذي فرضه معاوية على الشيعة، بحيث سلبهم كلّ أنواع النشاط السياسي.

3- أسلوبه في التعامل مع الإمام الحسين علیه السلام، فقد كان معاوية بحسب الظاهر يراعي حرمة الامام الحسين علیه السلام على الدوام، حيث كان يرسل إليه الهدايا والعطايا أمام الناس.

وقد ورد في بعض الأخبار أنَّ معاوية كان يرسل هدايا إلى الإمام علیه السلام، وكان الإمام علیه السلام يأخذها، حيث رواى الشيخ الطوسي رحمة الله علیه، ت: 460ه-، بإسناده عن أبي عبد الله علیه السلام، عن أبيه الباقر علیه السلام:« أنَّ الحسن والحسين عليهما السلام كانا يقبلان جوائز معاوية» (1)(1) ، ف- «كان الحسن والحسين عليهما السلام يأخذان من معاوية الأموال، فلا ينفقان من ذلك على أنفسهما ولا على عيالهما ما تحمله الذبابة بفيها» (2)(2) .

وقبل أنْ ننتقل من هذه النقطة نشير إلى أمرين:

الأوّل: لا ينبغي أنْ يفهم من ذلك أنَّ قبول الإمام علیه السلام الهدايا معاوية يعتبر تأييداً لحكومة معاوية، فإنَّ الإمام علیه السلام لم يسكت عن جرائم معاوية وانحرافه، فكان علیه السلام ينتقد معاوية صراحة.

وقد ورد هذا المعنى في بعض الروايات، كما في رواية قرب الاسناد عن جعفر أبيه الباقر عليهما السلام : « أنَّ الحسن والحسين عليهما السلام كانا يغمِزانِ(3)(3) معاوية، ويقولان فيه، ويقبلان جوائزه» (4)(4) .

ص: 157


1- تهذيب الأحكام، 6 / 337، حد935 .
2- المجلسي، بحار الأنوار، 13/44.
3- أغمزتُ في فلان: إذا عبته وصغّرت من شأنه. الصحاح : 3/ 189، (غمز).
4- الحميري، قرب الاسناد، 92 ، حد308

وفي بعض الأحيان كان الإمام علیه السلام يمتنع من قبول الهدية، كما نقل من أنَّ معاوية لما قدم مكة وصل الإمام الحسين علیه السلام بمالٍ كثير وثياب وافرة وكسوات وافية، فردّ الجميع عليه، ولم يقبله منه (1) (1).

ولعلّ ذلك كان في الحالات التي قد يعتبر فيها قبول هدايا معاوية بمثابة التأييد لحكومته، أو كان عدم قبوله علیه السلام لها يوجه ضربة إلى حكم معاوية.

الثاني: إنَّ ما يرسله معاوية من أموال إلى الإمام الحسين علیه السلام لعلّه من باب وفاء معاوية لما التزمه على نفسه في صلح الإمام الحسن علیه السلام، حيث إنَّ من بنود الصلح هو أنَّ «على معاوية أنْ يحمل إلى الحسين كلّ عامٍ ألفي ألف درهم» (2)(2).

4 - تظاهر معاوية بالتدين.

إنّ معاوية كان في الظاهر وامام العامة يتظاهر بالتدين، فكان يسبغ على أعماله غطاءً دينياً، حتى تنسجم أعماله مع المنصب الذي وصل إليه، وأمّا الأفعال التي لا يمكن التمويه بها على العامة فكان يفعلها بالسر،فکان معاویة یظهر سلوکه عند العامة مظهر

المحافظ على تعاليم الدين، وكلّ ذلك لأجل إسباغ صفة الشرعية على منصبه.

وظهور معاوية عند العامة بهذا الشكل يقتضي أنّ الإمام الحسين علیه السلام لو قاد نهضة عسكرية ضد معاوية، فإنّ هذه النهضة سوف لا يكتب لها النجاح على الصعيد العسكري، نظراً لضعف الإمكانات المادية قياساً مع قوة معاوية.

وهكذا لا يكتب لها النجاح على صعيد الأهداف المرجوة من النهضة، فلا يمكنه

ص: 158


1- الشافعي، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، 2 / 63 ، الاربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمة، 22/2
2- راضي آل ياسين، صلح الحسن ، 266 .

التعبير عن أهدافه الدينية والاجتماعية والإنسانية، وإشعار الناس بواقعهم السيء وكشف حقيقة الحكم الأموي.

والسبب في ذلك هو مسحة الدين التي كان معاوية يحرص على إسباغها على سلوكه وتصرفاته أمام الرأي العام ، وصفة الشرعية التي استطاع أنْ يسبغها على منصبه عند جانب كبير من الرأي العام الإسلامي.

فلو خرج الإمام الحسين علیه السلام في مثل هذه الظروف فأقل ما يمكن أنْ يقال في حقّه من قبل الكثير أنّه طالب ملك وسلطة، وليس بصدد الاصلاح ومواجهة الانحراف.

اسئلة الفصل الرابع:

1 - كيف تفسر الحضور الكبير للعنصر الاجتماعي في نهضة الامام الحسين علیه السلام؟ .

2- ماذا كشفت وصية الامام الحسين علیه السلام لاخيه محمد بن الحنفية من الناحية الاجتماعية؟.

3- ما ابرز مظاهر الانحراف التي حصلت في زمن معاوية بن ابي سفيان؟.

4 - ما أهم المخططات التي قام بها معاوية لتمرير سلطته وطغيانه؟.

5 - ما أهم مصاديق التحريف العقائدي الذي قام به معاوية؟.

ص: 159

ص: 160

الفصل الخامس: إيقاظ الأمة

اشارة

إن قيادة الأمة وادرة شؤونها أمر في غاية الأهمية، نظراً لما يترتب عليه من آثار، فإنّ قرارات القائد إذا كانت خاطئة فإنّها تكلّف الأمة ثمناً باهضاً، ومن هنا ارسل الله الأنبياء، وجعل لهم أوصياء لقيادة الأمة، والسير بها إلى الرقي والكمال.

وفي هذا الصدد يقع الحديث عن هدف الامويين من السلطة، والمنهج الذي أتبعوه لأجل الوصول إلى ذلك، وتسليط الضوء على الخطر الذي كان يحدق بالأمة نتيجة تلك السياسة الممنهجة، الأمر الذي جعل الإمام الحسين علیه السلام ينهض تلك النهضة المباركة من أجل إيقاظ الأمة، وتوجيهها إلى ذلك الخطر، وضرورة القيام بواجبها من جهة، ومن جهة أخرى تسليط الضوء على منهج أهل البيت علیهم السلام في التعامل مع الحاكم المستبد.

وعلى هذا الاساس فالحديث في هذا الفصل يقع في مبحثين.

ص: 161

ص: 162

المبحث الأول : حكومة بني أمية واستعباد الأمة.

إنَّ الله عزوجل أرسل الأنبياء لقيادة الناس إلى الخير والصلاح والفضيلة، ولكي يصلوا بهم إلى بر الأمان، وجعل الأئمة الاثني عشر علیهم السلام امتداداً لنبي الإسلام صلی الله علیه و آله وسلم، لإكمال المشروع الإلهي، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ (1) (1).

وكان من صفات أولئك الأئمة كما جاء في حديث الإمام الصادق علیه السلام : «... الامام هو المنتجب المرتضى، والهادي المنتجى، والقائم المرتجى، اصطفاه الله بذلك....، مطروداً عنه حبائل إبليس وجنوده، مدفوعاً عنه وقوب الغواسق، ونفوث كلّ فاسقٍ، مصروفاً عنه قوارف السوء، مبرءاً من العاهات، محجوباً عن الآفات، معصوماً من الزلات، مصوناً عن الفواحش كلّها، معروفاً بالحلم والبر في يفاعه، منسوباً الى العفاف والعلم والفضل عند انتهائه...» (2) (2).

فالإمام: معصوم، مطهر، قوام بالقسط، أمين، نجيب، وقد قيض الله تعالى الإمام المعصوم ليقود الناس إلى بر الأمان، ويسير فيهم بسيرة الأنبياء، ف-«ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، والدائن بدين الحقّ، والحابس نفسه على ذات الله »(3) (3).

ص: 163


1- الأنبياء: 73 .
2- الكليني، الكافي، 204/1 ، باب في فضل الإمام وصفاته، حد 2 .
3- مقطع من رسالة الامام الحسين علیه السلام، التي ارسلها الى أهل الكوفة. الطبري، تاريخ الرسل والملوك،353/5،المفید،الارشاد،39/2.

وعلى الرغم من تمتع الإمام بهذه الصفات، وأنّ أقواله وأفعاله لا يمكن أنْ يكون للخطأ فيها مجال، ولا للانحراف فيها منفذ، نجد أنّ سياسة الإمام في الرعية لم تقم على الاستبداد واقصاء الآخر وتهميشه، بل كان يهدف الى تحرير رقاب الأمة من كلّ أنواع العبودية، عدا العبودية الله تعالى، فأفراد الأمة متساوون حتى مع شخص الإمام، سواء كان في الجوانب المالية أو غيرها .

وفي هذا المجال نذكر بعض الجوانب التي يمكن أنْ يقع فيها الاستبداد - وهي مثل الجانب المالي والسياسي، ونلاحظ سيرة أمير المؤمنين علیه السلام واقواله التي يمكن تحري منهجه علیه السلام في مثل هذه الجوانب، وكيفية التعاطي معها .

إنّ أمير المؤمنين علیه السلام ينطلق في تعامله مع الغير من مبدأ: الناس« صنفان إمّا اخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق» (1)(1) ، فنراه علیه السلام يحترم حرية الخوارج في تبنيهم لبعض المفاهيم الدينية والسياسية، رغم خطأ تلك الافكار ، فلم ينفعل من تلك الاخطاء،

فيتجاوز علیه السلام عن ذلك، وكانوا يعترضون عليه وهو يتحدث من على المنبر، فيقطعون كلامه، وكان جوابه علیه السلام لهم:« ... إنّ لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد الله أنْ تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء مادامت ايديكم مع ايدينا، ولا نقاتلكم حتى تبدأونا... »(2)(2) ، فهل هناك حرية اكثر من هذه في التعبير عن الرأي.

ولم يقدّر الخوارج تلك الحرية فتمردوا، وقطعوا الطرق، وارهبوا الناس، وأخافوهم، حتى وصل بهم الحال الى أنْ ذبحوا عبدالله بن الخباب - عامل امير المؤمنين علیه السلام على المدائن، وبقروا بطن زوجته التي كانت حاملاً، وقتلوا نساء أُخريات،

ص: 164


1- نهج اللاغة - بشرح الدكتور صبحي الصالح، 590.
2- ابن الاثير، الكامل في التاريخ، 3/ 335.

فاشاعوا الرعب في صفوف الناس الآمنين (1)(1).

هذه الاحداث جعلت أمير المؤمنين علیه السلام يتوجه الى مكان تواجدهم (النهروان)، فبعث إليهم احد اصحابه: الحارث بن مرة العبدي رسولاً للحوار معهم، فلم يستمعوا له وقتلوه ، فدعاهم علیه السلام الى تسليم قطاع الطرق، الذين قتلوا المؤمنين ظلماً وعدواناً ليقتلوا بهم،، فردوا عليه بأنّهم كلّهم قتلوا اصحابه، وكلّهم مستحل لدمائهم، ومشتركون في قتلهم (2) (2).

وعلى أثر ذلك وقعت معركة النهروان، وبعد أنْ حصل ما حصل نجد أمير المومنین علیه السلامیوصي اصحابه بقوله: «لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس مَنْ طلب الحقّ فأخطأه، كمَنْ طلب الباطل فأدركه» (3)(3) .

وفي مجال توزيع الثروات يقول علیه السلام:« ... أيّها رجل استجاب لله وللرسول فصدّق ملتنا، ودخل في ديننا، واستقبل قبلتنا، فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده، فانتم عباد الله، والمال مال الله ، يقسّم بينكم بالسوية، لا فضل فيه لأحد على أحد...»(4)(4)، ويقول علیه السلام ايضاً: «... فأمّا هذا الفيء فليس لأحد على أحد فيه أثرة، وقد فرغ الله عزوجل من قسمته، فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون، وهذا كتاب الله به أقررنا، وعليه شهدنا، وله أسلمنا، وعهد نبينا بين أظهرنا، فسلّموا - رحمكم الله - فمن لم يرض بهذا فليتولّ كيف شاء » ( 5 )(5) .

ص: 165


1- المسعودي، مروج الذهب، 324/2.
2- المسعودي، مروج الذهب، 2 / 324
3- نهج اللاغة - بشرح الدكتور صبحي الصالح ، 96 .
4- المعتزلي، شرح نهج البلاغة ، 37/7
5- ابن شعبة الحراني، تحف العقول، 129 ، المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 39/7.

وقد جسّد علیه السلام ذلك في سلوكه، حيث جاء في محاورته لطلحة والزبير بعد أنْ بايعاه ثمّ كرها بيعته، حيث قال علیه السلام :« ألا تخبر انني أدفعتكما عن حقٍّ وجب لكما فظلمتكما إياه؟ ، قالا: معاذ الله ، قال علیه السلام: فهل استأثرتُ من هذا المال لنفسي بشيء؟، قالا: معاذ الله ، قال علیه السلام: أفوقع حكم أو حقّ لأحد من المسلمين فجهلته أو ضعفتُ عنه ؟، قالا: معاذ الله ، قال علیه السلام: فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتها خلافي؟ ، قالا: خلافك عمر بن الخطاب في القسم، أنّك جعلتَ حقّنا في القسم كحقّ غيرنا، وسويتَ بيننا وبين مَنْ لا يماثلنا فيهما أفاء الله تعالى علينا بأسيافنا ورماحنا، وأوجفنا عليه بخيلنا ورجلنا، وظهرت عليه دعوتنا، وأخذناه قسراً قهراً ممن لا يرى الإسلام إلا كرها، فقال علیه السلام:.... وأمّا القسم والأسوة فإنّ ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء! قد وجدتُ أنا وأنتما رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يحكم بذلك، وكتاب الله ناطق به، وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وأمّا قولكما: جعلتَ فيئنا وما أفاءته سيوفنا ورماحنا، سواء بيننا و بين غيرنا، فقديماً سبق إلى الإسلام قوم ونصروه بسيوفهم ورماحهم، فلم يفضلهم رسول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في القسم ، ولا آثرهم بالسبق، والله سبحانه موف السابق والمجاهد يوم القيامة أعمالهم، وليس لكما والله عندي ولا لغير كما إلا هذا...

وروي أنّهما قالا له وقت البيعة نبايعك على أنا شركاؤك في هذا الأمر ، فقال لهما : لا ولكنكما شريكاي في الفيء، لا أستأثر عليكما، ولا على عبد حبشي مجدع بدرهم فما دونه، لا أنا ولا ولداي هذان» (1)(1).

وروى النضر بن منصور عن عقبة بن علقمة قال: دخلت على علي علیه السلام فإذا بين يديه لبن حامض، آذتني حموضته، وكسر يابسة، فقلت: يا أمير المؤمنين أتأكل مثل هذا؟ ، فقال لي: يا أبا الجنوب، كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يأكل أيبس من هذا، ويلبس أخشن

ص: 166


1- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 7 / 41 - 42 .

من هذا - وأشار إلى ثيابه - فإنْ أنا لم آخذ بما أخذ به خفتُ ألا ألحق به » (1)(1) .

وفي مجال السياسة لم يجبر أمير المؤمنين علیه السلام الذين انحازوا عنه ولم يبايعوه على البيعة، حيث ذكر ابن ابي الحديد المعتزلي أنّ امير المؤمنين علیه السلام« بايعه المسلمون بالمدينة إلا محمد بن مسلمة، وعبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد، وسعد بن أبي وقاص، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت، وعبد الله بن سلام.

فأمر علیه السلام بإحضار عبد الله بن عمر، فقال له: بايع، قال : لا أبايع حتى يبايع جميع الناس، فقال علیه السلام له: فأعطني حميلا ألا تبرح ، قال : ولا أعطيك حميلا، فقال: الأشتر يا أمير المؤمنين إنّ هذا قد أمن سوطك وسيفك، فدعني أضرب عنقه، فقال : لستُ أريد ذلك منه على كره، خلوا سبيله، فلما انصرف قال أمير المؤمنين : لقد كان صغيراً وهو سيئ الخلق، وهو في كبره أسوأ خلقاً.

ثمّ أتى بسعد بن أبي وقاص، فقال علیه السلام له: بايع، فقال: يا أبا الحسن خلني، فإذا لم يبق غيري بايعتك، فوالله لا يأتيك من قبلى أمر تكرهه أبداً، فقال علیه السلام: صدق، خلوا سبيله، ثمّ بعث إلى محمد بن مسلمة فلما أتاه، قال علیه السلام له : بايع، قال: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم رسول أمرني إذا اختلف الناس وصاروا هكذا- وشبك بين أصابعه - أنْ أخرج بسيفي فأضرب به عرض أحد، فإذا تقطع أتيت منزلي فكنت فيه لا أبرحه حتى تأتيني يد خاطية، أو منية قاضية، فقال علیه السلام له: فانطلق إذاً فكن كما أمرت به.

ثمّ بعث إلى أسامة بن زيد، فلما جاء، قال علیه السلام له: بایع، فقال: إنّي مولاك ولا خلاف مني عليك، وستأتيك بيعتي إذا سكن الناس، فأمره بالانصراف، ولم يبعث إلى أحد

ص: 167


1- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 2 / 201.

وقيل له : ألا تبعث إلى حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن سلام، فقال علیه السلام : لا حاجة لنا فيمن له فينا (1) (1).

إلا أنَّ المسيرة انحرفت عن الخط الذي رُسم لها، فبعد رحيل النبي صلى الله عليه و آله وسلم تنصل

المسلمون من بيعتهم لامير المؤمنين علیه السلام في غدير خم، السلام في غدير خم، فتسلّط على الأمة مَنْ لم يكن مؤهلاً لقيادتها، فكان الحكم هدفاً، والتسلط شعاراً لأولئك، وبرز ذلك بشكل واضح الى العيان حينما تسلّم الخلافة عثمان بن عفان، إذ صدر من زعيم التيار المواجه لخط الأنبياء والمصلحين أبو سفيان ما يؤكد ذلك، حيث إنّ أبا سفيان طلب من عثمان بن عفان حينما تولى الخلافة أنْ يجعل الخلافة وراثة في بني أمية، إذ قال أبو سفيان في دار عثمان بعد أنْ بويع له بالخلافة:« يا بني أمية تلقّفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب، ولا جنّة ولا نار، ولا بعث ولا قيامة» (2) (2).

وفي نقل آخر، أو في رواية اخرى ذكر ابن عبد البر« أنّ ابا سفيان دخل على عثمان حين صارت الخلافة إليه فقال قد صارت إليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة وأجعل اوتادها بني أمية فإنّما هو الملك و لا أدري ما جنة ولا نار...»(3) (3).

وفي أيام حكم عثمان يمرّ ابو سفيان بقبر حمزة بن عبدالمطلب، فيضرب القبر برجله، ويقول : يا أبا عمارة إنّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعّبون به (4)(4).

ص: 168


1- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 9/4 .
2- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 9/ 53، 15 / 175 .
3- الاستيعاب في أسماء الاصحاب، 87/4 .قال ابن عبدالبر معقباً على ذلك: «وله اخبار رديئة ذكرها أهل الاخبار ولم أذكرها، وفي بعضها ما يدلّ على أنّه لم يكن اسلامه سالماً» . 87/4 - 88 .
4- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 136/16 .

وقد تبلورت هذه الفكرة على ارض الواقع، حيث كان معاوية عاملاً لعمر بن الخطاب على دمشق والاردن، فلمّا تسلّم عثمان الأمر ضم الى معاوية ولاية حمص وفلسطين والجزيرة، وبذلك مدّ له من أسباب سلطانه الى ابعد مدى مستطاع (1)(1).

وقد حذر النبي صلی الله علیه و آله وسلم من خطر هذا الحكم بقوله: «إذا بلغ بنو العاص ثلاثين اتخذوا الله دولاً وعباد الله خولاً (2)(2)» (3)(3)، وأمير المؤمنين علیه السلام حذر منه ايضاً بقوله علیه السلام :« أما إنّه سيليكم بعدي ولاة لا يرضون منكم بهذا حتى يعذبوكم بالسياط والحديد»(4) (4)، ویخاطب علیه السلام اصحابه يحثهم على قتال القاسطين بقوله : «... فسيروا الى القاسطين، فهم أهم علينا من الخوارج، سيروا الى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين، يتخذهم الناس ارباباً، ويتخذون عباد الله خولاً ومالهم دولاً»(5)(5) .

وقد سار بنو امية بالمسلمين كما سار الفراعنة في بني إسرائيل، إذ كان الفراعنة يذبحون ابناءهم ويستحيون نساءهم، فكان بنو اسرائيل معذبين محبوسين وممنوعين من مغادرة تلك الارض ، وقد ورد على لسان النبي موسى علیه السلام مخاطباً فرعون: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ (6)(6) ، وعلى لسان قوم فرعون: ﴿وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ﴾(7) (7) .

ص: 169


1- محمد مهدي شمس الدين، ثورة الحسين، 40 .
2- الخول: ما أعطاك الله تعالى من النعم والعبيد والاماء، قال تعالى: ﴿وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ ﴾. الفيروزآبادي، القاموس المحيط، 916 . الراغب الاصفهاني : 226. الانعام: 94 .
3- ابن حنبل، المسند، 3/ 80
4- (4) المفيد، الارشاد في معرفة حجج الله على العباد، 3221
5- المسعودي، مروج الذهب، 324/2 .
6- الشعراء: 22 .
7- المؤمنون: 47 .

ويظهر من قوله تعالى حكاية عن لسان الفراعنة: ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ ﴾ (1)(1)، أَنَّ عبودية بني إسرائيل كانت عبارة عن المقهورية التي كانوا مبتلين بها.

وقد أشار أمير المؤمنين علیه السلام إلى محنة بني إسرائيل في خطبته القاصعه: «... اتخذتهم الفراعنة عبيداً فَسَامُوهُمْ سُوءَ العذابِ، وجرَّعوهم الُمَرَارَ، فَلَمْ تَبْرَحِ الحالُ بهم فِي ذُلّ الهلَكَة، وقَهْرِ الْغَلَبَةِ، لا يَجِدُونَ حِيلَةٌ فِي امْتِنَاعٍ، ولا سَبِيلاً إِلَى دِفَاعِ ...» (2)(2).

وقد أشار علیه السلام إلى واقع الأمة من بعده، فبعد أنْ أظهر في خطبة له علیه السلام شيئاً من ملالة قلبه من عصيان أهل العراق ونفاقهم، أخبرهم بالمصير الذي سوف يلاقونه، فسوف يبتلون بالمقهورية تحت حكم بني أمية، حيث قال علیه السلام: «إنّ أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أُمية ... وايْمُ اللهَ لتجِدنَّ بَنِي أُمَيَّةٍ لَكُمْ أَرْبَابَ سُوءٍ بَعدي، كالناب الضروس (3)(3):

تعذم بفيها، وتخبط بيدها، وتزبن (4)(4) برجلها، وتمنع درها(5)(5)، لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعاً لهم، أو غير ضائر بهم ... »(6)(6) .

فالإمام علیه السلام هنا يستخدم مفردة أرباب بدلاً من ولاة، لكي يؤدي المعنى المتقدم، فالربوبية تفيد العبودية والمقهورية.

وكان الأمويون يهدفون من وراء تلك السياسات إلى تحويل المجتمع الإسلامي إلى مملكة لهم، يتصرفون فيها بما يشاؤون، وكيف ما يريدون.

ص: 170


1- الأعراف: 127 .
2- نهج البلاغة - بشرح الدكتور صبحي الصالح، 400 .
3- الناب الضروس: الناقة السيئة ،الخلق، تعض حالبها. الفيروزآبادي، القاموس المحيط، 512 .
4- أي تضرب.
5- أي لبنها.
6- نهج البلاغة - بشرح الدكتور صبحي الصالح، 174.

وعلى ايّ حالٍ قام النظام الأموي على التسلّط والتجبر وتهميش الآخر واقصائه، وإذا لم ينفع قطع العطاء وهدم الدور في كبح جماح الثائرين فالتعذيب والقتل هو المصير.

وهذه السياسة التي أتبعها الأمويون مبنية على استعباد الأمة واسترقاق رقابها، فكان الحاكم الأموي يفعل ما يشاء، ويرى أنّه يتصرف في مملكته، ويرى أنّ الناس عبيد له، وقد عمل معاوية على تربية الأمة على الطاعة العمياء للحاكم، فأراد أنْ يجعل من الناس عبيداً عند بني أمية.

فمعاوية يخطب يوماً فقال: إنّ الله تعالى يقول: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزَّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾(1) (1) ، فعلام تلومونني إذا قصرتُ في عطاياكم؟، فقال له الأحنف: وإنّا واللهَّ لا نلومك على ما في خزائن الله، ولكنْ على ما أنزله اللهَّ من خزائنه فجعلته في خزائنك حلت بيننا وبينه (2)(2) .

وفي يوم كان صعصعة بن صوحان عند معاوية يحمل كتاباً من أمير المؤمنينعلیه السلام، فقال معاوية: الارض الله، وأنا خليفة الله، فما آخذ من مال الله فهو لي، وما تركتُ منه كان جائزاً لي، فقال صعصعة: (3)

وقد وظّف معاوية بن ابي سفيان كلّ الامكانات والطاقات المتاحة له لأجل الوصول الى أهدافه الخبيثة، فقتل الاخيار الذين جهروا بكلمة الحقّ، وواجهوا الظلم وصادر الحريات، ونهب الثروات، وهتك المحرمات (4)(4) .

ص: 171


1- الحجر: 21
2- حبيب الله الخوئي، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، 18/ 293 .
3- (3) المسعودي، مروج الذهب، 41/3 .
4- راجع الفصل الرابع للوقوف علی شيء من ذلك.

وقد كان الأئمة علیهم السلام يستشعرون خطر بني أمية على الإسلام والمسلمين، فكانوا يخشون أنْ تتحول الأمة الإسلامية بمرور الزمن إلى مثل الأمة التي يتحدث عنها القرآن الكريم: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ الله﴾(1) (1).

فالأمة إذا لم تمارس دورها الرقابي، وتقوّم الاعوجاج الذي يحصل في هرم السلطة، فهذا يعني الاستبداد أو التعسف ،وبالتالي استعباد الأمة وتملك رقابها، ومن الواضح أنّ انقياد الأمة الى الطواغيت والحكام المستبدين يشكّل ظلماً وحرماناً للأمة من الحرية، التي هي من أعظم المواهب الالهية.

ولا يقل عن ذلك من حيث الخطورة تعود الأمة على هذا الاستبداد، بحيث يكون أمراً طبيعياً في حياة الأمة، ويراه الناس على أنّه شيء من واقع الاسلام، وأنّ الخروج عليه خروج على المألوف الذي هو من الدين، مع كونه أمراً طارئاً على الاسلام، والاسلام منه براء.

وقد يستغرب البعض كيف يمكن أنْ يعدّ ما هو طارئ واجنبي عن حضارة الاسلام ومبادئه وتشريعاته من صميم الاسلام، ولاجل رفع هذا الاستغراب نذكر مثالاً واحداً من واقع المسلمين، وهو ما حصل حينما تسلّم أمير المؤمنين علیه السلام قيادة أمور المسلمين، فبعد أن أعلن عن منهجه في التعاطي مع الحكم، وأدارة شؤون المسلمين، وتصريحه علیه السلام بأنّه منهج رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وأعتراف المعترضين عليه بذلك، ولكنهم قالوا إنّ هذا المنهج يغاير ما تعودوا عليه، من السيرة التي درج عليها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وهكذا الخليفة الثالث عثمان بن عفان في التعاطي مع هذه القضية، فالامام علیه السلامواجه تركة ثقيلة لابدّ من تصفيتها، وأعادة المياه الى مجاريها.

ص: 172


1- التوبة: 31.

ولنترك الحديث لابن ابي الحديد المعتزلي، يتحدث عن تلك الفترة وما جرى فيها من احداث، حيث ذكر أنّ جماعة من الصحابة أنكروا على أمير المؤمنين علیه السلام حينما أعتمد التسوية بين المسلمين في قسمة الاموال، وبالتالي نقضوا البيعة، والسبب في ذلك هو أنّه«لما ولي عمر الخلافة، وفضّل قوماً على قوم ألفوا ذلك، ونسوا تلك القسمة الأولى(1)(1)،

وطالت أيام عمر وأشربت قلوبهم حبّ المال، وكثرة العطاء.

وأمّا الذين اهتضموا فقنعوا ومرنوا على القناعة، ولم يخطر لأحد من الفريقين له أنّ هذه الحال تنتقض أو تتغير بوجه ما ، فلما ولي عثمان أجرى الأمر على ما كان عمر يجريه، فازداد وثوق القوم بذلك، ومَنْ ألِفَ أمراً أشقّ عليه فراقه، وتغيير العادة فيه، فلما ولي أمير المؤمنين علیه السلام أراد أنْ يردّ الأمر إلى ما كان في أيام رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وأبي بكر، وقد نسي ذلك ورفض وتخلّل بين الزمانين اثنتان وعشرون سنة، فشق ذلك عليهم، وأنكروه وأكبروه، حتى حدث ما حدث من نقض البيعة، ومفارقة الطاعة، والله أمر هو بالغه»(2)(2).

ومن هنا كان من اللازم ايقاظ الأمة وتنبيهها والأخذ بيدها الى طريق استنقاذ حقوقها، وقول كلمتها في مجال تحديد مصيرها ، فجاءت نهضة الإمام الحسين علیه السلام، فإنَّ الإمام علیه السلام أختار هذا الطريق من أجل إيقاظ الأمة لتحمل مسؤوليتها تجاه الإسلام،

والقيام بواجباتها بأكمل وجه، فالإمام الحسين علیه السلام سيد اباة الضيم، وسيد الاحرار، فهو القائل يوم عاشوراء: «ألا وأنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين : بين السلّة والذلة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت، وحجور طهرت، وأنوف حميّة ونفوس ابية، من أنْ تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام» (3)(3).

ص: 173


1- (1) أي التي كانت على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.
2- المعتزلي شرح نهج البلاغة، 42/7 - 43
3- (3) ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 156 .

وقد نادى علیه السلام القوم يوم عاشوراء بقوله علیه السلام:« يا شيعة آل ابي سفيان، إنْ لم يكن

لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا احراراً في دنياكم هذه...»(1)(1)، فأراد علیه السلام أنْ يرشدهم الى الحرية، والخروج من رق العبودية، لكنهم انقادوا تمام الانقياد الى طاغية زمانهم، وسلّموا له مقاليد أمورهم، وكأنّهم عبيد عنده.

ولهذا فالحر بن يزيد الرياحي حينما خرج عن ربقة عبودية آل ابي سفيان، وأدرك شرف الحرية، وقد فاز بالشهادة في ذلك الركب الملكوتي المبارك، قال الامام الحسين علیه السلام مخاطباً إياه: «أنت الحر كما سمّتك أمك، حرّ في الدنيا وحرّ في الآخرة» (2)(2).

إنّ نهضة الإمام الحسين علیه السلام وخاصة مع شخصيته العظيمة وكيفية تضحياته الجذابة، كان لها دور مهم في إيقاظ ضمائر المسلمين، وتربية نفوسهم، الى حد جعلت الكثير منهم يتحولون تحولاً نهضوياً، جاء نتيجة تحولهم الروحي والفكري، بل يمكن أنْ نقول إنّ الحركات الإسلامية المسلحة التي جاءت بعد نهضة الامام الحسين علیه السلام والتي أقضّت مضاجع الحكومات المستبدة، هزّت عروش الظالمين، منذ منتصف القرن الأوّل وحتى القرن الحاضر، وعلى طول البلاد الإسلامية، والتي استطاعت توجيه ضربات قاصمة إلى الحكومات المستبدة الظالمة، واستطاعت أنْ تحفظ مصالح الإسلام والمسلمين ولو نسبيّاً، هي في حقيقتها مظاهر وانعكاسات لنهضة الإمام الحسين علیه السلام، ومدرسته الخالدة، حيث تحققت بيد أناس تربّوا في هذه المدرسة الدامية والمتصدية للظلم والظالمين أو تأثروا بها واستلهموا مبادئهم منها.

ويمكن تلمس مدى تأثير نهضة الامام الحسين علیه السلام على المجتمع الاسلامي في هداية وتنوير الناس، من خلال بعض الاجراءات التي تبناها بعض الطغاة أمثال

ص: 174


1- ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 171.
2- (2) ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، 159 .

المتوكل العباسي، الذي اضطر إلى مواجهة رفات الإمام الحسين علیه السلام، وإعلان الحرب حتى على قبره الشريف، وذلك لتثبيت عروشهم المهزوزة بسبب عمليات المنجذبين لمدرسة سيد الشهداء علیه السلام، حيث إنّ قوة الجذب التي يتمتع بها سيد الشهداء علیه السلام القلوب المحبين والموالين له علیه السلام جعلت من هذا الطاغي وأمثاله يصاب بالهوس والجنون، الأمر الذي حدا بالمتوكل إلى تخريب وهدم القبر الشريف، وحرث تلك الأرض الطاهرة، لإخفاء قبره عن أنظار محبّيه وإبعادهم عنه (1)(1) ، حيث كان القبر الشريف بمثابة شعلة تضيء درب السالكين، وسراجاً منيراً للأحرار والثوّار على مر الأيام وتوالي السنين، ولهذا أمر المتوكل الطاغية بإنزال العقاب القاسي والشديد بكل زائر للقبر الشريف.

اضف الى ذلك التحول العظيم في أفكار وأوضاع الكثير من الجماهير، وفي كثير من الأمكنة والأزمنة، في ضوء نهضة كربلاء الحسين علیه السلام، بحيث إنّها تحركت على خطه النهضوي، فقد سلكت طرقاً متعددة في مواجهة الحكومات الفاسدة المستبدة، ودافعت عن مصالح الأمة الإسلامية.

ص: 175


1- (1) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 185/9 ، المجلسي، بحار الانوار، 397/45.

ص: 176

المبحث الثاني: منهج أهل البيت عليهم السلام في التعاطي مع الحاكم المستبد.

إنّ توظيف السلطة من قبل الحاكم لصالحه يعني مصادرة حقوق الأمة وحرياتاها، والحاكم الظالم المستبد يعمل على قهر الأمة واستعبادها وإخضاعها لرغباته وارادته، بحيث يعمل ما يريد دون رقيب أو معارض.

والأمة في مثل هكذا حال أمامها خياران : إمّا التسليم المطلق لرغبات الحاكم، أو العمل على تقويم الحاكم وتصحيح مسار السلطة، وهذا الطريق له مراتب، وقد يؤدي في نهاية المطاف الى المواجهة .

وقد كان للأئمة عليهم السلام منهج واضح في مواجهة الحاكم الظالم، يهدف الى تعميق الوعي الاسلامي وايقاظ الحس السياسي في الأمة، وفي هذا المجال نحاول أنْ نسلّط الضوء على المنهج والخطوات التي اتبعها الأئمة عليهم السلام، ذلك المنهج الذي له مراتب تتناسب مع الظروف الموضوعية لكلّ مرحلةٍ من مراحل التأريخ، ومن خلال استقراء سيرة الأئمة علیهم السلام في مجال العمل السياسي والكفاح المستمر نستطيع أنْ نحدد المبادئ التي ارتكزت عليها حركتهم الرسالية، وهي كالتالي:

1- تركيز مفهوم العدل وكراهية الظلم.

وردت روايات كثيرة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم و اهل بيته عليهم السلام تشير الى ضرورة بسط العدل ، ونبذ الظلم، والتحذير من خطورته، وقد عمل الأئمة عليهم السلام على تربية الأمة على كراهية

ص: 177

الظلم، وتركيز مفهوم العدل، وبيان واقع الامامة والسياسة، وذلك من خلال توضيح أسس الحكم والسياسة في الاسلام، وخطورة الظلم على حياة الأمة، كلّ ذلك لأجل تنمية الوعي السياسي في الأمة، وتحريك ركودها، وتوجيه الرأي العام الاسلامي نحو التغيير والإصلاح، والدخول في ميدان العمل السياسي، وبالتالي اتخاذها الموقف المناسب من الظالمين.

إنّ ترسيخ هذه الافكار والمبادئ في نفوس الجماهير له أهمية بالغة في ايقاظ الحس السياسي وتعميق الوعي الاسلامي لدى الأمة ، ويمكن تلمّس ذلك من خلال الروايات الصادرة عنهم علیهم السلام، وفي هذا المجال نذكر بعض الروايات التي تتحدث عن السلطة ومسؤولية الحاكم المسلم، ورفض الاسلام للظلم، ودعوته للعدل :

روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال :« عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة، قيام ليلها

وصيام نهارها، وجور ساعة في حكم أشدّ وأعظم عند الله من معاصي ستين سنة»(1)(1)، عنه صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال: «مَنْ أرضى سلطاناً بما يسخط الله خرج من دين الله عزوجل»(2)(2) .

وعن الامام الصادق علیه السلام قال: «العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به، شركاء ثلاثتهم» (3) (3)، وروى أبو بصير قال: دخل رجلان على الامام الصادق علیه السلام في مداراة بينهما ومعاملة، فلمّا أنْ سمع كلامهما قال علیه السلام: «أما أنّه ما ظفر احد بخير مَنْ ظفر بالظلم، أما أنّ المظلوم يأخذ من دين الظالم، أكثر ممّا يأخذ الظالم من مال المظلوم، ثمّ قال علیه السلام: مَنْ يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر إذا فعل به، أما أنّه إنّما يحصد ابن آدم ما يزرع، وليس

ص: 178


1- المجلسي، بحار الانوار، 352/72، حد61 .
2- المجلسي، بحار الانوار، 393/70، حد7.
3- المجلسي، بحار الانوار، 332/72، حد67 .

يحصد أحد من المرّ حلواً، ولا من الحلو مرّاً ، فاصطلح الرجلان قبل أنْ يقوما»(1)(1).

2- المطالبة بالحقّ.

ومن الشواخص التي يمكن ذكرها في هذا المجال، مطالبة أمير المؤمنين علیه السلام بحقّه، فبعد الانقلاب الذي حصل، حيث تمت البيعة لابي بكر، ورسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له لم يدفن بعد، حيث طلبوا منه أنْ يبايع ابا بكر، فأحتج علیهم السلام عليهم بأنّه أحقّ بالأمر منهم، وأنّهم اولى بالبيعة له، حيث قال علیه السلام :« يا معشر المهاجرين، الله الله لا تخرجوا سلطان محمد صلی الله علیه و آله وسلم عن داره وبيته الى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه، فوالله يا معشر المهاجرين، لنحن -أهل البيت - أحقّ بهذا الأمر منكم ...» (2) (2).

ولما لم ينفع هذا الاجراء تحرك علیه السلام ومعه الصديقة الزهراء على الانصار، حيث طرقوا دورهم ودعوهم للنصرة (3)(3).

وروي أنّ هارون الرشيد حينما أراد أنْ يردّ فدكاً للإمام موسى بن جعفر علیه السلام، قال علیه السلام: لا آخذها إلا بحدودها، قال: وما حدودها؟، قال علیه السلام: إنْ حددتها لم تردها، قال: بحقّ جدك إلا فعلت، قال علیه السلام: أمّا الحد الأوّل فعدن، فتغير وجه الرشيد...،قال علیه السلام: والحد الثاني سمرقند، فأربد وجهه ، قال علیه السلام: والحد الثالث افريقية، فاسود وجهه....، قال علیه السلام: والرابع سيف البحر ما يلي الخزر وارمينية، قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء، فتحوّل إلى مجلسي . قال الامام علیه السلام: قد أعلمتك انني إنْ حددتها لم تردها، فعند ذلك عزم على قتله (4)(4) .

ص: 179


1- المجلسي، بحار الانوار، 328/72، حد58 .
2- المعتزلي، شرح نهج البلاغة ، 12/6 .
3- المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 13 .
4- (4) المجلسي، بحار الانوار ، 144/48 .

3-المقاطعة.

تعتبر المقاطعة من أساليب العمل السياسي الذي لجأ إليه الأئمة علیهم السلام، حيث دعوا بشكل صريح الى مقاطعة الظالمين ، وعدم التعاون معهم، حيث ورد عنهم في هذا المجال : «إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الظلمة وأعوانهم، مَنْ لاق لهم دواة، أو ربط لهم كيساً، أو مدّ لهم مدّة قلم، فاحشر وهم معهم»(1) (1).

وكان موقف الأئمة علیهم السلام واضحاً في هذا المجال، حيث قاطعوا الحكام الامويين والعباسيين، ولم يستجيبوا لهم، الأمر الذي جعل الأئمة علیهم السلام يتعرضون الى انواع من الأذى والمطاردة والمراقبة والسجن والتشريد والضغط والارهاب.

ومن باب المثال لتلك المقاطعة، موقف الامام الصادق علیه السلام من الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور الذي عرف بقسوته، وسفكه للدماء وظلمه لذرية الامام علي علیه السلام، فقد ذكر المؤرخون أنّ المنصور كتب إلى الامام الصادق علیه السلام كتاباً يطلب منه مصاحبته، والتقرب منه، فرفض الامام علیه السلام رغم الارهاب وقساوة الظروف، وكان ردّه على المنصور حاسماً، حيث جاء في كتابه علیه السلام:« ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنئك، ولا تراها نقمة فنعزيك بها، فما نصنع عندك ؟!»، فكتب إليه المنصور:« تصحبنا لتنصحنا»، فأجابه علیه السلام: «مَنْ أراد الدنيا لا ينصحك، ومَنْ أراد الآخرة لا يصحبك» (2)(2).

4- المقاومة السياسية.

إنّ المقاومة السياسية لها أثرها البارز وأهميتها في حياة الأمة السياسية، فيما إذا كان هناك حاكم ظالم لا يطبق أحكام الله، ولا يقيم العدل بين الناس، وقد مارس الأئمة عليهم السلام

ص: 180


1- (1) المجلسي، بحار الانوار، 372/75.
2- (2) المجلسي، بحار الانوار، 184/47 .

هذا الدور، فكان كلّ إمام من أئمة أهل البيت عليهم السلام يمارس دور القيادة والزعامة السياسية في عصره، ويشكّل الامام رمز المعارضة في وعي الجماهير ودعاة الإصلاح وقادته، فوجود الإمام كان يجسد كيان المعارضة، ويمنحه الشرعية، وكان خلفاء بني أمية وبني العباس الذين شهد التاريخ بابتعادهم عن الاسلام، وعدم التزامهم به، وغياب العدل تحت سلطتهم، يعرفون مقام أئمة أهل البيت علیهم السلام، وموقعهم في ضمير الأمة ووعيها، وكانوا يعملون للتخلص منهم وإبعاد الرأي العام عنهم بشتى الوسائل، الارهاب، والرشوة، والقتل، والسجون، والمناصب، ولكنهم لم يفلحوا في ذلك ابداً.

5- النهضة وإسناد الثوار وتأييدهم.

إنّ مبدأ النهضة ضد الظالم وعدم اقرار الظلم، مبدأ اسلامي اصيل، وقد أوجب الاسلام فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألزم المسلمين به، فقد ورد عن أبي جعفرعلیه السلام قال : «مَنْ مشى إلى سلطان جائر فأمره بتقوى الله، وخوفه ووعظه، كان له مثل أجر الثقلين من الجن والانس ومثل أعمالهم»(1)(1) .

إنّ سيرة أهل البيت عليهم السلام السياسية وكفاحهم ومعارضتهم لطغاة زمانهم تقتضي أهل كونهم خط معارضة، ودعاة اصلاح وكفاح، وقادة مسيرة السياسة، فقد رفض البيت علیهم السلام مبدأ الوراثة في الحكم، الذي فُرض على الأمة الاسلامية أيام معاوية بن أبي سفيان، وتسلّط ابنه يزيد على رقاب المسلمين، الذي لم يكن مؤهلاً للخلافة، وفاقداً لكلّ شرطٍ من شروطها ، فجرّها إلى الفساد والانحراف مما جعل الامام الحسين علیه السلام يعلن النهضة، ويتوجه إلى العراق، بعد أنْ استقر في مكة نحو أربعة أشهر، وفي كربلاء كانت معركة الطف الخالدة، وشلال الدم المقدس، وشهادة السبط الحسين علیه السلام، ضمير الأمة، وحرّك ركودها بدمه الطاهر ، ودم أهل بيته وصحبه الأبرار، الذي فاق

ص: 181


1- (1) المجلسي، بحار الانوار،375/72 ، حد 30.

عددهم على السبعين شهيداً.

لقد كانت نهضة الامام الحسين علیه السلام أوّل نهضة في الاسلام ضد الحاكم الظالم، وخلع البيعة المزيفة، والتحرّك لاسقاط الحكم الفاسد المخالف لمبادئ الاسلام، في مقابل دعوات الخنوع والاستسلام، وتخدير الرأي العام، من قبل وعاظ السلاطين، الذين كانوا يرفعون شعار الالتزام بالبيعة للظالم ، والوفاء بالعهد له مهما يفعل، متغافلين عن قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ (1)(1)، ومتناسين قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (2)(2).

وقد حدد الامام الحسين الشهيد علیه السلام للأمة منهاج نهضته المباركة ودوافعها بقوله علیه السلام:« إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجتُ لطلب الاصلاح في أمة الجدي صلی الله علیه و آله وسلم،أريد أنْ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وابي علي بن ابي طالب... » (3)(3) .

ثمّ حدد للأمة صفة الإمام، والقائد الذي ينبغي أنْ يقود المسلمين: «فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحقّ، الحابس نفسه على ذلك لله ...»(4)(4) ، وجاء في كتابه إلى زعماء البصرة: «وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلی الله علیه و آله وسلم، فإنَّ السنة قد أُميتت، وإنَّ البدعة قد أحييت، وإنْ تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد...» (5)(5) .

ص: 182


1- (1) هود 113 .
2- (2) المجلسي، بحار الانوار، 297/43 .
3- (3) المجلسي، بحار الانوار، 319/44.
4- (4) المجلسي، بحار الانوار ، 334/44 - 335، حد 2 .
5- (5) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 357/5.

وهكذا جسّد الامام الحسين علیه السلام مشروعية النهضة على الحاكم الظالم، وأعلن مبدأ الكفاح والجهاد المقدس ضده.

وفي سيرة أهل البيت علیهم السلام السياسية نلمس إسنادهم للنهضات التي قام بها بعض العلويين وغيرهم من اتباع أهل البيت علیه السلام، التي استمرت أكثر من قرنين من الزمان في طول البلاد الإسلامية وعرضها بعد نهضة الامام الحسين علیه السلام المباركة.

فكانت نهضة زيد بن الامام زین العابدين علیه السلام، سنة 121ه-، وكانت في عهد الامام الصادق علیه السلام فأيّد تلك النهضة، وفجع علیه السلام بشهادته.

فعن فضيل الرّسّان قال: دخلتُ على أبي عبد الله علیه السلام بعد ما قُتل زيد بن علي، فاُدخلتُ بيتاً جَوْفَ بيت، فقال لي: يا فضيل قُتل عمي زيد؟، قلتُ : جعلتَ فداك، قال: رحمه الله، أما إنّه كان مؤمناً، وكان عارفاً، وكان عالماً، وكان صدوقاً، أما إنّه لو ظفر لوفى، أما إنّه لو ملك لعرف كيف يضعها ...» (1)(1) .

ومن الأمثلة الرائعة لهذا النمط من العمل السياسي هو موقف الإمام الكاظم علیه السلام من الحسين بن علي صاحب ثورة فخ الشهيرة في سنة 169ه-، في المدينة المنورة، فإنّ التصريحات والوثائق التاريخية تشير إلى تأييد الإمام علیه السلام المبدأ الثورة على الحكم الظالم، ووقوفه إلى جانب الثوار وتمازجه معهم، رغم أنّه كان يرى فشل تلك الثورة، نظراً لعدم توفر الظروف الموضوعية الكافية لنجاحها، لذلك خاطب قائد الثورة حين رآه عازماً على الثورة بقوله: «إنّك مقتول فأحد الضراب، فانّ القوم فسّاق، يظهرون إيماناً، ويضمرون نفاقاً وشركاً، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعند الله عزوجل أحتسبكم من عصبة» (2) (2).

ص: 183


1- (1) المجلسي، بحار الانوار، 325/47.
2- (2) الاصفهاني، مقاتل الطالبيين، 298.

وقد كان الحسين يدعو الناس بقوله: «أدعوكم إلى الرضا من آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم، وعلى

أنْ نعمل فيكم بكتاب الله، وسنة نبيه صلی الله علیه و آله وسلم ، والعدل في الرعية ، والقسم بالسوية ...»(1)(1) .

وحين استشهد الحسين وأصحابه وجيء بالرؤوس إلى المتسلطين من رجال الحكم العباسي (إلى موسى والعباس) وقيل للإمام هذا رأس الحسين، قال علیه السلام: «نعم، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، مضى والله مسلماً صالحاً ،صوّاماً آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله» (2)(2) .

وقد أدرك الخليفة العباسي موسى الهادي تأييد الامام الكاظم علیه السلام لنهضة الحسين صاحب معركة فخ، حيث نقل العلامة المجلسي رحمة الله علیه ، ت: 111 ه- موقف الخليفة العباسي،بقوله : «... وأخذ من الطالبيين وجعل ينال منهم، إلى أنْ ذكر موسى بن جعفر علیه السلام فنال منه، قال: والله ما خرج حسين إلا عن أمره، ولا اتّبع الا محبته لأنّه صاحب الوصية في أهل هذا البيت، قتلني الله إنْ أبقيت عليه»(3)(3).

وقد أعلن الامام الجواد علیه السلام موقفه من نهضة الحسين صاحب معركة فخ، بقوله: «لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ»(4) (4).

هذه لعلّها أهم المبادئ التي كانت الاساس في حركة أهل البيت علیهم السلام الرسالية، ولم تذهب تلك الجهود المباركة سدى، وإنّما نشأت اجيال تؤمن بخط أهل البيت عليهم السلام ، الى الحد الذي جعلهم يضحون بالغالي والنفيس من أجل دينهم ومذهبهم.

ص: 184


1- الاصفهاني، مقاتل الطالبيین، 299.
2- (2) الاصفهاني، مقاتل الطالبيين، 302.
3- (3) المجلسي، بحار الانوار ، 151/48 .
4- (4) المجلسي، بحار الانوار، 165/48 .

فهرست المصادر والمراجع

القرآن الكريم كتاب الله عزوجل .

احمد بن يحيى بن جابر البلاذري، ت: 279ه-.

1 - انساب الاشراف، تحقيق: د. سهيل زکار، د. رياض زركلي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة الاولى.

احمد بن حنبل ابو عبدالله الشيباني، ت: 241ه-.

2- المسند، الناشر : مؤسسة قرطبة، القاهرة - مصر، تعليق: شعيب الأرنؤوط . احمد بن اعثم الكوفي، ت : 314ه-.

3- الفتوح، تحقيق: علي شيري ،دار الاضواء، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1411ه - 1991م.

أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، ت: 770ه-.

4 - المصباح المنير، الناشر: مؤسسة دار الهجرة، ط3، مطبعة سرور. أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلکان، ت: 681ه-.

5 - وفيات الأعيان، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، ط 1 : 1417ه - 1997م.

أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت: 852ه-.

6 - الإصابة في تمييز الصحابة، ط 1 ، 1328 ه- ، دار العلوم الحديثة. إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو الفداء.

ص: 185

7- البداية والنهاية، الناشر : مكتبة المعارف، بيروت - لبنان .

احمد بن علي بن الحسين بن علي بن مهنا بن عتبة الداودي الحسني، ت: 828ه-.

8- عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب، الناشر: وزارة الثقافة، عمان - الاردن، الطبعة

الاولى، 1995م.

ابن ابي شيبة الكوفي، ت: 235ه-.

9 - المصنف، تحقيق وتعليق: سعيد اللحام، الطبعة الاولى، جمادى الآخرة، 1409ه- . 1989م.

احد فرامرز قراملكي.

10 - مناهج البحث في الدراسات الدينية، معهد المعارف الحكمية، بيروت - لبنان، ط 1 ، 1425ه- - 2004م.

جعفر بن محمد بن قولويه القمي، ت: 368ه-.

11 - كامل الزيارات، تصحيح وتعليق: بهراد الجعفري، الناشر مكتبة الصدوق، ايران. جواد هبة الدين الحسيني الشهرستاني.

12 - نهضة الحسين، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان . جميل صليبا، الدكتور.

13 - المعجم الفلسفي، الطبعة الاولى، المطبعة: سليمان زاده.

الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، من اعلام القرن الرابع الهجري.

14 - تحف العقول عن آل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وتقديم وتعليق: الشيخ حسين الاعلمي، بيروت - لبنان، 1969م.

ابو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري.

15- الأوائل، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة الاولى، 1407ه-1987م.

ص: 186

الحسين بن محمد بن المفضل ، ابو القاسم الراغب الاصفهاني، ت: 502ه-

16 - مفردات الفاظ القرآن، الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة الاولى، 1431ه- 2010م.

الحسن بن يوسف بن المطهر، العلامة الحلي، ت: 726ه-.

17 - تذكرة الفقهاء، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لاحياء التراث، ستارة - قم، الطبعة الاولى 1419ه-.

18 - الباب الحادي عشر - بشرح الفاضل المقداد السيوري، مؤسسة أهل البيت عليهم السلام ، بيروت - لبنان .

حبيب الله الهاشمي الخوئي، ت: 1324ه-.

19 - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تصحيح وتهذيب: السيد إبراهيم الميانجي،

الطبعة الثانية، المكتبة الاسلامية بطهران، ایران - قم 1396ه- . راضي آل ياسين.

20 - صلح الحسن علیه السلام، دار النرجس للطباعة، العراق - بغداد، ط 4 ، 1432ه- 2011م. سليمان بن الاشعث السجستاني، الحافظ، ت: 275ه- .

21 ۔ سنن ابي داود، ضبطه: محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية، بیروت- لبنان، ط 4 ، 2010م.

سليم بن قيس الهلالي الكوفي، ت: 76ه-.

22 - كتاب سليم بن قيس الهلالي، تحقيق : الشيخ محمد باقر الانصاري، مطبعة نكارش، ایران - قم ، ط 4 ، 1426 ه ق - 1384 ه ش .

صبحي الصالح، الدكتور.

23 - شرح نهج البلاغة، دار الاسوة للطباعة والنشر، ط 5، 1425 ه- . ق، طهران - قم.

ص: 187

عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، ت: 276ه-.

24 - الامامة والسياسة، تحقيق: الدكتور طه محمد الزيني، دار الاندلس للطباعة والنشر

والتوزيع، النجف الاشرف.

علي بن الحسين بن علي المسعودي، ت: 346ه-.

25 - مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الانوار، بيروت - لبنان، الطبعة الاولى.

عبدالرحمن بن علي بن الجوزي، ت: 597ه-.

26- كتاب الموضوعات، خرّج آياته واحاديثه: توفيق حمدان، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 2، 1424ه- - 2002م.

عبدالرزاق الصنعاني، ت: 211ه-.

27 - المصنف، تحقيق: حبيب الرحمن الاعظمي.

علي بن الحسين الشريف المرتضى الموسوي، ت: 436ه-.

28- الشافي في الإمامة، تحقيق وتعليق: السيد عبدالزهرة الحسيني الخطيب، مراجعة: السيد فاضل الميلاني، الناشر: مؤسسة الصادق للطابعة والنشر، ط 2 ، 1410ه- . ق، ایران - طهران.

29 - تنزيه الانبياء، تحقيق: الاستاذ فارس حسون كريم، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت - لبنان الطبعة الاولى ، 1433 ه- 2012م .

علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي.

30 - السيرة الحلبية، نشر المكتبة الاسلامية، بيروت - لبنان.

عبدالله بن جعفر الحميري، من اعلام القرن الثالث الهجري.

31- قرب الاسناد، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لاحياء التراث، بيروت - لبنان ،

ص: 188

الطبعة الاولى، 1413ه- 1993م.

علي بن موسى بن جعفر بن طاووس، ت: 664ه-.

32- الملهوف علی قتلی الطفوف، تحقيق وتقديم : الشيخ فارس تبريزيان، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت - لبنان، 1436ه- - 2015م.

علي بن الحسين بن محمد الاصفهاني، ت: 356ه-.

33 - مقاتل الطالبيين، مطبعة الديواني، العراق - بغداد، 1979م. علي بن عيسى بن ابي الفتح الاربلي.

34۔ كشف الغمة في معرفة الأئمة، تعليق: السيد هاشم الرسولي، نشر : مكتبة بني هاشم، المطبعة العلمية، ايران - قم، 1381 ه- ق .

عبدالرحمن بن محمد بن خلدون، ت: 808ه-.

35- المقدّمة، تحقيق: الاستاذ حجر عاصي، دار مكتبة الهلال، بيروت - لبنان، 1988م.

عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي.

36 - النصّ والاجتهاد، الناشر: دار الاسوة للطباعة والنشر ، ط 4 ، 1427ه. ق ، ایران.

عبدالرزاق الموسوي المقرم، ت: 1391ه .

37 مقتل الحسين علیه السلام، وضع فهارسه: محمد حسين المقرم، مطبعة الآداب، العراق -النجف الاشرف، ط4 ، 1392ه-1972م.

علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي، ابن عساكر، ت: 573ه-.

38- تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: علي شبري ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت - لبنان، 1415ه-.

عبد الحميد بن هبة الله المعتزلي، ت: 656ه-.

39- شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفاضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية،

ص: 189

ط2: 1385 ه- 1965م.

عبد الحسين احمد الاميني النجفي، ت: 1390ه-.

40 - الغدير في الكتاب والسنة والادب، تحقيق مركز الغدير للدراسات الاسلامية، اشراف السيد محمود الهاشمي، الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الاسلامي، ايران - قم، ط 4 ، 1427 ه- - 2006م.

علاء الدين بن علي المتقي بن حسام الدين الهندي، ت: 975ه-.

41 - كنز العمال في سنن الاقوال والافعال، تحقيق: محمود عمر الدمياطي، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط3، 2010م.

عباس علي الزارعي السبزواري.

42 - القواعد الفقهية، مؤسسة النشر الاسلامي، ايران - قم ، الطبعة الاولى، 1432 ه. ق .

عبدالهادي الفضلي، الدكتور.

43 - اصول البحث، المطبعة شريعت، الناشر : ناظرين، ط 1، 1426ه.

عدنان الياسري.

44 - أخلاق النهضة ونهضة الأخلاق في زيارة الأربعين ، ط1، المطبعة: شركة المارد، 1435 ه 2014م ، العراق - النجف الأشرف.

كمال الحيدري.

45 - أئمة أهل البيت علیهم السلام والعلم بالغيب، دار جواد الأئمة علیه السلام للطباعة والنشر

والتوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة الاولى، 1431ه- 2010م.

كاظم الحائري.

46 - ولاية الأمر في عصر الغيبة، مكتبة الكلمة الطيبة، العراق - بغداد، الطبعة الاولى،

ص: 190

1433 ه- 2012م.

محمد بن عمر بن واقد، ت: 207 ه-.

47 - كتاب المغازي، تحقيق: الدكتور مارسدن جونس، نشر دانش اسلامي، رمضان 1405ه.

محمد بن سعد بن منيع الزهري، ت: 230ه-.

48 - الطبقات الكبرى، أعدّ فهارسها: رياض عبدالله عبدالهادي، دار احياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الاولى، 1417ه- 1996م.

محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، ت: 290ه.

49- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد عليهم السلام، تحقيق: مؤسسة الامام المهدي علیه السلام،

ایران - قم ، الطبعة الاولى.

محمد بن يعقوب الكليني، ثقة الإسلام، ت: 329ه.

50 - الأصول من الكافي، تصحيح وتعليق: علي اكبر الغفاري، دار الاضواء، بيروت - لبنان، 1405 ه- 1985م.

محمد بن علي بن بابويه الصدوق، المحدث، ت: 381ه.

51 - امالي الصدوق، تقديم: الشيخ حسين الاعلمي، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات ، بيروت - لبنان، 1430ه - 2009م.

محمد بن اسماعيل بن ابراهيم البخاري الجعفي، ت: 256ه.

52 - الجامع الصحيح، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، 1401ه- 1981م.

محمد بن ابراهيم النعماني، من اعلام القرن الرابع الهجري.

53 - كتاب الغيبة، تحقيق: علي اكبر الغفاري ،مكتبة الصدوق، ايران - طهران.

ص: 191

محمد بن محمد بن النعمان، المفيد، ت: 413ه.

54 - الارشاد في معرفة حجج الله على العباد ،تحقيق، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لتحقيق

التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1431ه . ق .

55 - المسائل العكبرية، تحقيق: علي اكبر الخراساني، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1431ه . ق .

أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، ت: 261ه.

56 - الجامع الصحيح ، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

محمد بن الحسين الشريف الرضي، ت: 406ه-.

57 - المجازات النبوية، تحقيق وشرح: الدكتور طه محمد الزيني، منشورات مكتبة بصيرتي، ايران - قم.

محمد بن طلحة الشافعي، ت: 652ه-.

58 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، تحقيق: ماجد بن احمد العطية، مؤسسة ام القرى للتحقيق والنشر، بيروت - لبنان، الطبعة الاولى، ذو الحجة 1420ه.

محمد بن جعفر بن ابي البقاء هبة الله بن نما الحلي، ت: 645ه.

59- مثير الاحزان، المطبعة الحيدرية، العراق - النجف الاشرف، 1369 ه- 1950 م .

محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، ت: 748ه.

60-سیر اعلام النبلاء، اشرف على التحقيق وخرّج أحاديثه : شعیب الارنؤوط، تحقيق: محمد نعيم العرقوسي ومأمون صاغرجي، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، 1422ه- 2001م، ط 11 .

محمد بن طلحة الشافعي، ت: 652ه.

61 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، تحقيق: ماجد بن احمد العطية، مؤسسة ام

ص: 192

القرى للتحقيق والنشر، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، ذو الحجة 1420ه.

محمد بن علي بن شهر اشوب، ت: 588ه.

62 - مناقب آل ابي طالب، مؤسسة انتشارات علامة، المطبعة العلمية، ايران - قم.

محمود ابو الفضل شهاب الدين الألوسي البغدادي، ت: 1270 ه.

63 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تحقيق وتقديم وتعليق وتصحيح: الشيخ محمد احمد الأمد، والشيخ عمر عبدالسلام السلامي، دار احياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الاولى، 1420ه- 1999م.

محمد بن الحسن الحر العاملي، ت: 1104ه.

64 - وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث، بيروت - لبنان، ط 3، 1429ه- 2008م.

محمد بن عقيل بن عبدالله العلوي، ت: 1350ه.

65 - النصائح الكافية لمن يتولى معاوية، دار الثقافة للطباعة والنشر، ايران - قم، الطبعة الأولى، 1412ه.

محمد حسن البجنوردي.

66 - القواعد الفقهية، تحقيق: مهدي المهريزي، محمد حسين الدرايتي، المطبعة نكارش، ایران - قم، ط 2، 1424 ه . ق .

محمد حسين الطباطبائي.

67 - الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الاعلمي، بيروت - لبنان، ط3، 1393ه- 1973م.

مرتضى المطهري، العلامة.

68 - الملحمة الحسينية، المطبعة فيضية ،ايران، الطبعة الأولى، 1425ه. ق .

ص: 193

محمد كاظم المصطفوي.

69 - مائة قاعدة فقهية، مؤسسة النشر الاسلامي، ايران - قم، 1431 ه . ق، ط8.

نصر بن مزاحم المنقري التميمي، 212ه.

70 - وقعة صفين، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، ط 2 ، 1382ه.

نعمت الله صالحي نجف آبادي، ت: 1427ه.

71- الشهيد الخالد الحسين بن علي علیه السلام، ترجمة وتقديم وتعليق: د. سعد رستم، الانتشار

العربي، بيروت - لبنان، 2013م.

هاشم معروف الحسني.

72 - الموضوعات في الآثار والاخبار، تحقيق: اسامة الساعدي، الطبعة الاولى، 1429ه - 2009م، ایران - قم المقدسة.

ياقوت بن عبدالله الحموي، ت: 626ه ..

73- معجم البلدان، الناشر: دار إحياء التراث العربي، تصحيح: محمد عبدالرحمن المرعشلي، ط 1، 1429ه- 2008م، بيروت - لبنان.

يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبدالبر، ت: 463ه .

74 - الاستيعاب في أسماء الأصحاب - المطبوع بهامش الإصابة، ط 1 ، 1328 ه، دار العلوم الحديثة.

يوسف بن عبدالرحمن الجوزي، ت: 654 ه.

75 - تذكرة الخواص، المطبعة العلمية في النجف الاشرف، 1369ه.

ص: 194

المحتويات

مقدمة الجامعة... 3

المقدمة... 7

مبحث تمهيدي... 9

المطلب الأوّل: في تحديد بعض المفردات... 9

المطلب الثاني: منهج البحث في النهضة الحسينية... 12

المطلب الثالث : النظريات في نوع النهضة الحسينية بلحاظ اسبابها... 17

1 - نظرية الثورة لأجل إقامة الدولة... 19

2 - النظرية الاصلاحية :... 21

3- نظرية الدفاع (القيام الاحترازي):... 22

4 - نظرية التعبد (التكليف):... 24

5 - نظرية طلب الشهادة... 25

6 - النظرية الشمولية:... 26

استنتاج النظرية الشمولية من خطابات الإمام الحسين علیه السلام... 28

الفصل الأوّل

التخطيط الإلهي للواقعة.

النصوص الدالة على التخطيط الإلهي للنهضة... 33

النصوص التي تتحدث عن استشهاده عليه السلام... 35

المطلب الأوّل: النصوص الواردة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم... 35

ص: 195

المطلب الثاني: النصوص الواردة عن أمير المؤمنين علیه السلام... 37

المطلب الثالث: النصوص الواردة عن الامام الحسن علیه السلام... 39

الروايات التي تتحدث عن بعض الخصوصيات... 41

تحديد مكان استشهاده علیه السلام... 41

تحديد زمان استشهاده علیه السلام... 42

تحديد اسم يزيد... 42

تحديد اسم عمر بن سعد... 43

النصوص الواردة عن الإمام الحسين عليه السلام... 45

علم الإمام عليه السلام بالغيب... 47

اسئلة الفصل الأوّل:... 50

الفصل الثاني

عدم البيعة ليزيد

في مفهوم البيعة... 55

أسباب امتناع الإمام الحسين عليه السلام عن البيعة... 59

1 - تعارض خلافة يزيد مع ميثاق صلح الإمام الحسن علیه السلام... 59

2 - عدم أهلية يزيد لتولي الخلافة، وفقدان شروطها فيه... 60

3- عدم شرعية حكومة يزيد... 63

الآثار التي تترتب على بيعة الإمام الحسين عليه السلام ليزيد... 65

1 - تأييد خلافة يزيد بن معاوية... 65

2 - خطر انهدام الدين الإسلامي... 66

3- محذور القبول بالذلة... 67

ص: 196

اسئلة الفصل الثاني:... 72

الفصل الثالث

دعوة أهل الكوفة

خلفيات دعوة أهل الكوفة ومراحلها... 75

المرحلة الاولى: ما بعد صلح الإمام الحسن علیه السلام... 75

المرحلة الثانية: ما بعد استشهاد الإمام الحسن علیه السلام... 76

المرحلة الثالثة: ما بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان... 78

موقف الإمام الحسين عليه السلام تجاه دعوة الكوفيين... 83

أسباب نقض أهل الكوفة للبيعة... 87

1 - انعدام التنظيم الأنصار الإمام علیه السلام... 87

2 - الحرص على الدنيا ... 88

3- اعتقال عدد من كبار أنصار الإمام علیه السلام... 90

4- العنف والقتل ... 90

5 - الدعاية السياسية عند بني أمية والاعلام المضلل... 91

اسئلة الفصل الثالث :... 92

الفصل الرابع

قيادة الأمة واصلاح أمرها ومواجهة الانحراف.

مطلب تمهيدي... 95

المقام الأوّل: حقيقة دعوة الأنبياء عليهم السلام... 95

المقام الثاني : البعد الاجتماعي في نهضة الإمام الحسين علیه السلام... 102

ص: 197

أنواع الانحراف الذي حصل في أيام معاوية... 109

تمهيد: في التعرف على معاوية بن ابي سفيان من خلال حديث... 109

فما هي أبرز مظاهر الانحراف؟... 114

المطلب الأوّل: عداء معاوية للنبي صلی الله علیه و آله وسلم وللإسلام... 115

المطلب الثاني: إرهاب المسلمين الآمنين وقتلهم... 119

المطلب الثالث: اضطهاد الشيعة... 122

المطلب الرابع: سب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ولعنه... 125

المطلب الخامس: وضع الحديث... 127

1 - الأحاديث الموضوعة في فضائل معاوية ومدحه... 128

2 - الأحاديث في حقّ عثمان... 129

3- الأحاديث في ذم أمير المؤمنين علیه السلام وكلّ مَنْ عارض سياسة... 130

المطلب السادس : العمل على تخدير الناس واماتة الروح... 132

حقيقة طلب السلطة من قبل الإمام الحسين عليه السلام ومشروعيتها... 141

المطلب الأوّل : حقيقة طلب السلطة... 142

المطلب الثاني : مشروعية طلب السلطة... 145

في عدم نهوض الامام الحسين عليه السلام في ايام معاوية... 151

المطلب الأوّل : نشاط الامام الحسين عليه السلام في ايام معاوية... 152

المطلب الثاني: موانع النهوض أيام معاوية... 156

اسئلة الفصل الرابع:... 159

ص: 198

الفصل الخامس

إيقاظ الأمة

حكومة بني أمية واستعباد الأمة... 163

منهج أهل البيت عليهم السلام في التعاطي مع الحاكم المستبد... 177

1 - تركيز مفهوم العدل وكراهية الظلم... 177

2 - المطالبة بالحقّ... 179

3-المقاطعة... 180

4 - المقاومة السياسية... 180

5 - النهضة وإسناد الثوار وتأييدهم... 181

فهرست المصادر والمراجع... 185

ص: 199

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.