سيدة الإماء عليها السلام

هوية الکتاب

سيدة الإماء عليها السلام

قراءة جديدة في هويتها وسيرتها

تأليف

أحمد سلمان

المتبرع الدیجیتالي : جمعیة المساعدة إمام الزمان (عج) في اصفهان

محرر الكتاب: سيدة نرگس قمي

ص: 1

اشارة

سیدة الإماء علیها السلام

قراءة جدیدة في هویّتها و سیرتها

ص: 2

سیدة الإماء علیها السلام

قراءة جدیدة في هویّتها و سیرتها

تألیف

أحمد سلمان

ص: 3

مصدر الفهرسة : IQ-KaPLI ara IQ-KaPLlrda

رقم تصنیف BP80.N37 S25 2021 LC

المؤلف الشخصي : سلمان احمد - مؤلف.

العنوان : سيدة الإماء عليها السلام : قراءة جديدة في هويتها وسيرتها /

بيان المسؤولية : تأليف احمد سلمان.

بيانات الطبع : الطبعة الاولى.

بيانات النشر : كربلاء العراق : العتبة الحسينية المقدسة قسم الشؤون الدينية، شعبة البحوث والدراسات 2021 / 1442 للهجرة.

الوصف المادي: 98 صفحة ؛ 24 سم.

سلسلة النشر :) العتبة الحسينية المقدسة ؛851)

سلسلة النشر : (قسم الشؤون الدينية، شعبة البحوث والدراسات؛ 102).

تبصرة ببليوجرافية : يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 95-89)

موضوع شخصي : السيدة نرجس، نرجس بنت يشوعا (عليها السلام) – نقد وتفسير.

موضوع شخصي : الحسن العسكري ، الحسن بن علي بن محمد (عليه السلام) الامام الحادي عشر، 260-232 للهجرة - زوجات.

مصطلح موضوعي : الحديث (الشيعة الامامية).

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق)، قسم الشؤون الدينية، شعبة البحوث والدراسات. جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة التصميم والإخراج الفني : علي جبار

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء ،والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين، وبعد:

لاشك أن البحث في أمهات المعصومين علیهم السلام من البحوث المهمة المرتبطة ارتباطا وثيقا بسيرة أهل البيت علیهم السلام فكما وجّه الأعداء أقلامهم المأجورة لتشويه سيرة الأئمة الطاهرين علیهم السلام، فكذلك الأمر بالنسبة لأمهاتهم اللواتي نال سيرتهنّ الشيء الكثير من التحريف و التبديل والتلاعب.

ولعلّ السيدة نرجس علیها السلام أم إمامنا المهدي علیه السلام من اللواتي يحيط غموض كبير بسيرتها، حيث أنّه اختلف في كل ما يتعلّق بشأنها حتّى في حقيقة اسمها،مما جعل بعض المخالفين يلحقونها بعداد الشخصيات المختلقة، بل تجاوز بعضهم حدود الأدب ليصمها بما ينزّه المؤمن لسانه عن ذكره نتيجة بعض الأمور التي نقلت في ما وصلنا من سيرتها.

ص: 5

ومن هنا فإنّ هذا الكتيب هو محاولة منّي لجمع شتات ما نقلته كتب الحديث والتاريخ والسير عن هذه السيدة الطاهرة علیها السلام وفك الغموض الذي أحاط بشخصيتها بحيث يخرج القارىء بصورة واضحة عن حياتها علیها السلام والأهم من هذا دورها في المشروع المهدوي لاسيما في الغيبة الصغرى لصاحب الزمان علیه السلام .

أحمد سلمان

1 جمادة الأوّل 1442ه

ص: 6

تسميتها علیها السلام

اشارة

إذا رجعنا إلى كتب التاريخ والسير والتراجم نجد خلافا كبيرا بينهم في تحديد اسم أم سيدنا ومولانا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه الشریف حيث أطلقت عليها كل هذه الأسماء:

-نرجس.

-سوسن.

-ريحانة.

-صقيل.

-مليكة.

-خمط.

-حكيمة.

-مريم.

وقد جعل بعضهم هذا الاختلاف إشكالا على أصل القضيّة المهدوية حيث ذكر أحد المخالفين هذا الاختلاف تحت باب أسماه "تَنَاقَضَاتِ فِي حَيَاةِ مَهدِيَ الشَّيعَةِ المُنتَظِرَ"(1)قال فيه: من هي أم

ص: 7


1- أسئلة قادت شباب الشيعة إلى الحق 68.

المهدي؟ هل هي جارية اسمها نرجس أم جارية اسمها صقيل أم جارية اسمها مليكة أم جارية اسمها خمط أم جارية اسمها حكيمة أم جارية اسمها ريحانة أم سوسن أم هي حرّة اسمها مريم(1)؟

وقال آخر تعليقا على هذا الاختلاف :وكيف يكون موجودا معروفا وهذا الاختلاف في أمه؟... فتأمّل ركاكة هذا الجواب ومدى التكلّف فيه لعلّه يسعف للخروج من كثير من التناقضات التي تحيط بهذه الشخصيّة (2).

ومن هنا فإنّه لابد لنا من وقفة لبيان حقيقة الأمر:

هل هذه التسميات ثابتة؟

أوّل نقطة نحتاج الوقوف عندها هو مناقشة ثبوت هذه التسميات، إذ لابد من ملاحظة صحة ثبوتها التاريخي لها حيث أن بعض هذه التسميات لا أصل لها البتة!

فمثلا دعوى أنّ من أسمائها "خمط" انفرد به ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان حيث قال: كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ولما توفي أبوه وقد سبق ذكره كان

ص: 8


1- أسئلة قادت شباب الشيعة إلى الحق 68.
2- متى يشرق نورك أيها المنتظر 34.

عمره خمس سنين، واسم أمه خمط وقيل نرجس، والشيعة يقولون إنّه دخل السرداب في دار أبيه وأمه تنظر إليه فلم يعد يخرج إليها، وذلك في سنة خمس وستين ومائتين وعمره يومئذ تسع سنين (1).

وهذا الرجل لا يؤمن على ما ينقله عن العترة الطاهرة وتاريخ الشيعة حيث ثبت بما لا يدع مجالا للشك نصب الرجل وعداؤه لأهل البيت علیهم السلام، ويمكن إثبات هذا الأمر بقرينتين :

الأولى: سر تسميته بابن خلكان هو أن الرجل كان كثير الافتخار بأجداده، فيُكثر من قوله: «كَانَ أَبِيَ، كَان َجَدِيَ كَانَ أَجدَادِي»، فكان يقال له: «خَلَّ كَانَ، وَتَكَّلَمَ عَن نَفسِكَ»، إلى أن أصبحت لقباً له.

وقد نقل ذلك ابن العماد الحنبلي في شذراته عن أحد مشايخه: ومن إفاداته أن لفظ ابن خلكان ضبط على صورة الفعلين خل أمر من التخلية وكان الناقصة قال وسببه أنه كان يكثر قول كان والدي كذا كان جدي كذا كان فلان كذا فقيل له خل كان فغلبت عليه(2).

ولما رجعنا إلى تاريخ الرجل وجدناه برمكي النسب، ومن له اطلاع على التاريخ يعلم يقيناً أن البرامكة كانوا أشد الناس عداوة

ص: 9


1- وفيات الأعيان 176/4.
2- شذرات الذهب 422/8.

للعلويين، إذ كانوا اليد الضاربة للدولة العباسية في أوائل تأسيسها، وسبب اعتماد العباسيين عليهم هو فقدانهم للثقة بالعرب والعجم نظراً لتعاطفهم مع العلويين بسبب خيانة العباسيين للعهد الذي كان مبرم بينهم من إعطاء الخلافة للرضا من آل محمد في حال إسقاطهم لدولة بني أمية، وتفردهم بالحكم دونهم، فكانوا بمثابة السيف الحاد المسلط على أعداء العباسيين وخصوصاً العلويين.

وعليه فهناك عداء تاريخي متجذّر بين البرامكة وبين العلويين، ولا نشكّ أنّ كلام ابن خلكان ناشيء عن هذا.

أن ابن خلكان كان من عشاق يزيد بن معاوية وشعره، إذ أنّه ذكر في ترجمة المرزباني: وهو أوّل من جمع ديوان يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي، واعتنى به، وهو صغير الحجم، يدخل في مقدار ثلاث كراريس، وقد جمعه من بعده جماعة، وزادوا فيه أشياء كثيرة ليست له، وكنت حفظت جميع ديوان يزيد؛ لشدة غرامي به، وذلك في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بمدينة دمشق، وعرفت صحيحه من المنسوب إليه الذي ليس له، وتتبعته حتى ظفرت بصاحب كل أبيات ولولا خوف التطويل لبيَّنت ذلك، وشعر يزيد مع قلته في نهاية

ص: 10

الحسن(1).

وهنا لا بد لنا من طرح عدة تساؤلات:

ماسبب غرام ابن خلكان الشديد بشعر يزيد؟

إن كان حبّه لنفس مضامين الشعر، فهذه طامة تنبىء عن سوء سريرة ابن خلكان، إذ أن شعر يزيد ليس شعراً في ذكر الله، ولا في الثناء على نبيه صلی الله علیه وآله، بل كله فسق و فجور، وليس هناك أفضل من الذهبي في تلخيصه لسيرة يزيد بن معاوية بقوله : وكان ناصبيًّا، فضَّا، غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر ، ويفعل المنكر، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين واختتمها بواقعة الحرة، فمقته الناس، ولم يبارك في عمر ه(2).

وإن كان حبّه لهذا الشعر من أجل حبّه ليزيد نفسه فيكفينا هذا مطعناً في هذا الرجل؛ إذ أنّ حبّ يزيد من أقوى الأدلة على النصب وبغض أهل البيت علیهم السلام، وقد كفانا ابن كثير الدمشقي مؤونة إثبات هذه القضية بقوله: الناس في يزيد بن معاوية أقسام، فمنهم من يحبه ويتولاه، وهم طائفة من أهل الشام من النواصب(3).

ص: 11


1- وفايات الأعيان 354/4 .
2- سير أعلام النبلاء 38/4.
3- البداية والنهاية 256/6

ومن هنا لا نستبعد أن تعداد بعض المؤرّخين لأسمائها هو من باب تمييع القضيّة والتشكيك فيها وما ابن خلكان إلّا مثال على ذلك.

وأيضا دعوى أن اسمها مريم فقد انفرد بهذه التسمية الشهيد الأوّل في دروسه(1) حيث نقل هذه التسمية بصيغة التمريض (قيل) ولم أجد له سلفا سوى ما ذكره الحسين بن حمدان الخصيبي في كتاب الهداية الكبرى حيث قال :وأمه صقيل، وقيل: نرجس، ويقال: سوسن، ويقال: مريم ابنة زيد أخت حسن، ومحمد بن زيد الحسيني الداعي بطبرستان وأنّ التشبيه وقع على الجواري أمهات الأولاد والمشهور والصحيح :نرجس فهذا من دلائله علیه السلام(2).

بل لم أجد من ذكر أنّ للحسن ومحمد الداعيين بطبرستان أختا أصلا لكي يكون هناك زواج ودونك كتب الأنساب بين يديك فقلبهما كيفما شئت لتعلم حقيقة الأمر، فمن أين نثبت وجود هذه الشخصيّة فضلا عن إثبات زواجها من الإمام العسكري علیه السلام !

علما أنّ هذا القول يخالف الأحاديث الكثيرة الصحيحة الصريحة التي سنستعرضها لاحقا من كون الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف هو ابن

ص: 12


1- الدروس 16/2.
2- الهداية الكبرى 328

أمة وأنها سيدة الإماء، ووجه المخالفة أنّ مريم بنت زيد علويّة حرّة لا جارية، فتكون المعارضة صريحة بين الطائفتين.

بل حتى لو لم يكن هناك تعارض في البين ما قبلنا بهذا الخبر لكونها من متفرّدات الحسين بن حمدان الخصيبي زعيم النصيرية في عصره والذي قال فيه النجاشي رحمة الله: الحسين بن حمدان الخصيبي الجنبلاني أبو عبد الله كان فاسد المذهب، له كتب، منها: كتاب الإخوان، كتاب المسائل، كتاب تاريخ الأئمّة، كتاب الرسالة تخليط (1).

كذلك تسميتها ب"مليكة" فإنّها لم ترد إلا في رواية نقلها الشيخ الصدوق رضی الله عنه في كمال الدين عرفت فيها أم الإمام المهدي علیها السلام نفسها بقولها: "أَنَا مَلِيَكَةِ بِنتَ يَشُوعاً بنَ قَيصَر مَلِكَ الرُّوم "(2) ، وثبوت هذه التسمية فرع صحّة هذا الخبر وعليه فسقوط الخبر يقتضي -عدم صحة هذه التسمية.

فبهذا تعلم أن أغلب هذه الأسماء غير ثابتة وبهذا تضيق دائرة الاختلاف على فرض وجودها أصلا.

ص: 13


1- الفهرست 67.
2- كمال الدين 420

هل هي أسماء أم ألقاب؟

يمكن أيضا التشكيك في تعدّد أسمائها من جهة أخرى وهو عدم كون ما ذكر أسماء، إذ يظهر أنّ الرواة والمؤرّخين قد خلطوا أو بين الأسماء والألقاب، فالاسم هو أوّل ما يطلق على الإنسان واللقب هو ما يطلق على الإنسان لإفادة رفعة أو ضعة كما قرّر ذلك أهل اللغة.

ولو نظرنا إلى ما قيل أنّه أسماء فإنّنا نجد احتمالية كونها لقبا واردة جدا، فسوسن وريحانة و نرجس هي أسماء لبعض الأزهار والنباتات التي تعرف إما بجمالها أو بطيب ريحها وهذا يتناسب مع كونها ألقابا لها لا أسماء، بل ورد صريحا ما يدلّ على أنّ بعضها ألقابا، حيث نقل الشيخ الصدوق رضی الله عنه رواية حول سر تلقيبها بصقيل قال : ويقال صقيل ويقال : سوسن إلا أنّه قيل : لسبب الحمل صقيل (1).

من هنا فإنّه لا مانع من هذا التعدّد إذا قلنا أنّ لها اسما واحدا وأكثر من لقب فالممنوع وجود أكثر من اسم لكن لا يوجد أي مانع من تعدّد ألقاب الشخص الواحد، بل من يقرأ كتب التراجم والسير يجد أن هذه سيرة قائمة بين الناس، وبالتالي فالاحتمال الراجح هو أنّ

ص: 14


1- كمال الدين 432

لها اسما واحدا ومجموعة ألقاب عبّر عنها بالأسماء مسامحة.

عقة البيت العلوي:

هناك أمر آخر لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار وهو ما اشتهر به البيت العلوي من عفّة نسائه وشدّة غيرة رجاله على النساء، ومن هنا فلا يتوقع من رجال هذا البيت الحديث عن نسائه بالتفصيل الممل أمام عامة الناس.

ومن هنا نجد اختلافا كبيرا في معرفة زوجات المعصومين علیهم السلام وبناتهم والخلط في أسمائهم وسيرهم كما هو المعروف من خلط المؤرخين بين زينب الكبرى وأم كلثوم بنات أمير المؤمنين علیه السلام، والاختلاف في الفواطم من بنات الإمام الحسين علیه السلام وعددهن وغيرها من الاختلاف الكبير في ضبطهنّ.

ومن ينظر إلى الأخبار الواردة في بيان اسم أم الإمام المهدي علیه السلام نجد أنّها وردت على لسان رجال من خارج البيت العلوي الذين نقطع أن تحديد اسم أم الإمام علیها السلام هو تخمين لا يقين وحدس لا حسّ.

بل يظهر صريحا ذلك من بعض ما روي في تسميتها من وقوع خلط بين أكثر من شخصيّة في بيت الإمام العسكري علیه السلام، فقد روى الصدوق رضی الله عنه قصة عن أبي علي الخيزراني عن جارية له كان أهداها

ص: 15

لأبي محمد علیه السلام فلما أغار جعفر الكذاب على الدار جاءته فارة من جعفر، فتزوّج بها، قال أبو علي :فحدثتني أنها حضرت ولادة السيد علیه السلام، وأنّ اسم أم السيد صقيل، وأن أبا محمد علیه السلام حدثها بما يجري على عياله، فسألته أن يدعوا الله عز وجل لها أن يجعل منيتها قبله، فماتت في حياة أبي محمد علیه السلام وعلى قبرها لوح مكتوب عليه هذا قبر أم محمد (1).

ولا شك أنّ الجارية المقصودة ليست أم الإمام المهدي علیها السلام بل هي امرأة أخرى لعلّها كانت في بيت الإمام العسكري علیه السلام والدليل على ذلك إجماع المؤرّخين على أنّ والدة المهدي علیه السلام قد توفيت بعد الإمام العسكري علیه السلام لا قبله كما سيأتينا ذلك تفصيلا.

ومن هنا فإنّ كلّ تسمية لأمّ الإمام المهدي علیه السلام لا تنتهي إلى أحد من داخل البيت العلوي تبقى محل تأمّل وإشكال.

التعمية المتعمدة:

يبقى احتمال آخر وهو أنّ اختلاف أسمائها هي تعمية متعمدة من قبل الإمام العسكري علیه السلام وبقية البيت العلوي علیهم السلام لحفظ الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف من كيد الأعداء، فكما أخفي حمله وكتم مولده بل حرم

ص: 16


1- كمال الدين 431

النطق باسمه الشريف في تلك الحقبة كما هو صريح النصوص الصحيحة، فما المانع أن تكون أمه علیها السلام قد أخفيت وتعمّد البيت العلوي خلط الأوراق لكي يشتبه الأمر على عامة الناس لكي لا تتخذ السلطة منها وسيلة ضغط على الإمام العسكري علیه السلام .

وقد رجح السيد محمد الصدر رحمة الله هذا الجواب في موسوعته فقال: أنّها رضوان الله عليها عاشت تخطيطا خاصا في تبديل اسمها بين الآونة والأخرى ودعائها بعدة أسماء في وقت واحد وفي أوقات مختلفة، عاشت ذلك منذ أن دخلت هذه العائلة الكريمة لأنّها ستصبح أما للمهدي علیه السلام وسترى المطاردة والاضطهاد من قبل السلطات وستعيش في السجن مدة من الزمن، إذن يجب القيام بهذا المخطط تجاها إمعانا في الحذر وزيادة في التوقي عليها وعلى ابنها ولأجل أن يختلط في ذهن السلطات أن صاحبة أي من هذه الأسماء هي المسجونة وأتي منها هي الحامل وأي منها هي الوالدة وهكذا ... ،حيث يكون المفهوم لدى السلطات كون الأسماء لنساء كثيرات ويغفلون عن احتمال تعدّدها في شخص امرأة واحدة، وهذا الاحتمال الثالث هو بلا شكّ الاحتمال الراجح في أم المهدي علیه السلام(1).

ولعلّ هذا ما يرمي إليه المحدّث النوري رضی الله عنه بعد نقله لخبر

ص: 17


1- موسوعة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف 244/1.

يثبت تعدّد أسمائها ثم سأله الراوي عن أمّ صاحب الأمر علیه السلام، قال : أمّه مليكة التي يقال لها بعض الأيام سوسن، وفي بعضها ريحانة، وكان صقيل ونرجس أيضاً من أسمائها؛ ومن هذا الخبر يتبين وجه الاختلاف في اسمها سلام الله عليها فهي تسمّى بجميع هذه الأسماء الخمسة(1).

عجبا لكم!

العجب ممّن يشكل على الشيعة بهذا الإشكال ويعتبره تناقضا ومسقطا للعقيدة المهدويّة كيف يغفل عن كون هذا الإشكال واردا عندهم بما هو أشدّ وأعظم من الإشكال المتقدّم:

فأعظم رواة كتب أهل السنة والجماعة هو أبو هريرة الذي روى بحسب نقل إحصائيّة ابن حزم الظاهري 5374 حديثا (2)، قد اختلف في اسمه اختلافا شنيعا حيث قال النووي: أبو هريرة رضی الله عنه راوي الحديث هو أول من كنى بهذه الكنية قيل كان له هرة يلعب بها في صغره فكني بها واختلف في اسمه واسم أبيه على نحو ثلاثين قولا أشهرها وأصحها انه عبد الرحمن بن صخر وبه قطع جماعات من أهل

ص: 18


1- النجم الثاقب 135/1.
2- جوامع السيرة 275.

هذا الفن(1).

وقال ابن عبد البر: اختلفوا في اسم أبي هريرة ، واسم أبيه اختلافا كثيرا ، لا يحاط به ولا يضبط في الجاهلية والإسلام، فقال خليفة : ويقال اسم أبي هريرة عبد الله بن عامر، ويقال برير بن عشرقة ، ويقال سكين بن ،دومة، وقال أحمد بن زهير: سمعت أبي يقول : اسم أبي هريرة عبد الله ابن عبد شمس، ويقال : عامر ، وقال : سمعت أحمد بن حنبل يقول: اسم أبي هريرة عبد الله بن عبد شمس ویقال: عبد نهم بن عامر، ويقال: عبد غنم، ويقال سكين، وذكر محمد بن يحيى الذهلي، عن أحمد بن حنبل مثله سواء، وقال عباس، سمعت يحيى بن معين يقول : اسم أبي هريرة عبد شمس، وقال أبو نعيم: اسم أبي هريرة عبد شمس، وروى سفيان بن حصين عن الزهري، عن المحرر بن أبي هريرة ، قال : اسم أبي هريرة عبد عمرو بن عبد غنم، وقال أبو حفص الفلاس: أصح شيء عندنا في اسم أبي هريرة عبد عمرو بن عبد غنم، وقال ابن الجارود: اسم أبي هريرة کردوس وروى الفضل بن موسى السيناني عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة عبد شمس، من الأزد، من دوس، وذكر أبو حاتم الرازي، عن الأوسي، عن ابن لهيعة ، قال : اسم

ص: 19


1- المجموع 266/1.

أبي هريرة كردوس بن عامر ، وذكر البخاري عن ابن أبي الأسود قال :اسم أبي هريرة عبد شمس، ويقال عبد نهم، أو عبد عمرو، قال أبو عمر :محال أن يكون اسمه في الإسلام عبد شمس، أو عبد عمرو، أو عبد غنم، أو عبد نهم ، وهذا إن كان شيء منه فإنما كان في الجاهلية وأما في الإسلام فاسمه عبد الله أو عبد الرحمن، والله أعلم، على أنه اختلف في ذلك أيضا اختلافا كثيرا(1) .

خاتمة :

إنّ ما تقدّم من أجوبة من شأنها قلع إشكال اختلاف الشيعة في اسم أم الإمام المهدي علیها السلام من جذوره ولا يبقي له عين ولا أثر، يبقى الكلام في ترجيح ما هو اسمها الصحيح الثابت لها وهو ما لا يمكن الجزم بأحدها لما تبين لك من الوجوه المتقدّمة، لكن يمكننا أن نرجّح کونه (نرجس) لكثرة دورانه في الروايات الواردة عنهم علیهم السلام.

ومن أهم النصوص التي يتمسّك بها ما نقله صاحب عيون المعجزات :وقرأت في كتاب الوصايا وغيره بأنّ جماعة من الشيوخ العلماء منهم عسلان الكلابي وموسى بن أحمد الفزاري وأحمد بن

جعفر ومحمد بأسانيدهم أنّ حكيمة بنت أبي جعفر عمة أبي محمد علیها السلام

ص: 20


1- الاستيعاب 1786/4

يوما وكنت ادعو الله له أن يرزقه ولدا ، فدعوت له كما كنت ادعو فقال: يا عمّة أما أنّه يولد في هذه الليلة، وكانت ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين المولود الذي كنا نتوقعه فاجعلي افطارك عندنا وكانت ليلة الجمعة، قالت حكيمة ممن يكون هذا المولود يا سيدي؟ فقال علیه السلام : من نرجس (1).

وهذا الخبر يدل على أنّ اسمها الخاص الذي كانت تنادى به في داخل البيت العلوي هو (نرجس)، علما أنّ تعبير المصنّف ب(وقرأت في كتاب الوصايا وغيره) يدلّ على أنّ هذا الخبر كان متداولا في كتب الأصحاب، ويكفينا الكتاب الذي ذكر اسمه وهو كتاب (الوصايا) للشلمغاني(2) المقتول سنة 322 ه والذي كان أيام استقامته مقربا من سفراء صاحب العصر والزمان علیه السلام وكفى بهذا شاهدا على ما رجّحناه.

وترجيحنا لهذا الاسم لا يعني إلغاء باقي الأسماء لما تقدّم من احتمال كونها ألقابا لها أو أنها أضيفت لها للتعمية عليها وحمايتها من جور السلطان كما سيأتيك مفصلا ، ولا مانع من الجمع بين كل هذه الأجوبة إذ ليست من باب مانعة الجمع.

ص: 21


1- عيون المعجزات 128 .
2- قال النجاشي في الفهرست 378 أبو جعفر المعروف بابن أبي العزاقر ، كان متقدما في أصحابنا، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الرديئة حتى خرجت فيه ،توقيعات فأخذه السلطان وقتله وصلبه.

ص: 22

قصّتها علیها السلام

اشارة

من أهم الأمور المرتبطة بأم الإمام المهدي علیها السلام هو كيفية وصولها لبيت العصمة، حيث يرتبط هذا البحث ببينا أصلها وحقيقة وهويتها كما يترتب عليه إثبات أو نفى لكثير من الأمور الأخرى.

رواية قدومها من البلاد الروم:

إنّ أهمّ وثيقة في المقام هي الرواية التي نقلها الشيخ الصدوق رضی الله عنه في كمال الدين والتي تضمّنت القصّة المفصلة لوالدة الإمام المهدي علیها السلام وكل ما يرتبط بحياتها :

قال الشيخ الصدوق رضی الله عنه : حدثنا محمد بن علي بن حاتم النوفلي، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي، قال: حدثنا أحمد بن طاهر القمي، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن بحر الشيباني قال : وردت كربلاء سنة ست وثمانين ومائتين، قال: وزرت قبر غریب رسول الله صلی الله علیه وآله ثم انكفأت إلى مدينة السلام متوجها إلى مقابر قريش في وقت قد تضرمت الهواجر وتوقدت السمائم، فلما وصلت منها إلى مشهد الكاظم علیه السلام واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة المحفوفة بحدائق الغفران أكببت عليها

ص: 23

بعبرات متقاطرة، وزفرات متتابعة وقد حجب الدمع طرفي عن النظر فلما رقأت العبرة وانقطع النحيب فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه، وتقوس منكباه، وثفنت جبهته وراحتاه، وهو يقول لآخر معه عند القبر: يا ابن أخي لقد نال عمّك شرفا بما حمله السيدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم التي لم يحمل مثلها إلّا سلمان، وقد أشرف عمّك على استكمال المدّة وانقضاء العمر، وليس يجد في أهل الولاية رجلا يفضي إليه بسره قلت: يا نفس لا يزال العناء والمشقة ينالان منك بأتعابي الخف والحافر في طلب العلم، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدل على علم جسيم وأثر عظيم، فقلت: أيها الشيخ ومن السيدان؟ قال: النجمان المغيّبان في الثرى بسر من رأى، فقلت: إنّي أقسم بالموالاة وشرف محلّ هذين السيّدين من الإمامة والوراثة إنّي خاطب علمهما، وطالب آثارهما، وباذل من نفسي الأيمان المؤكدة على حفظ أسرارهما، قال: إن كنت صادقا فيما تقول فأحضر ما صحبک من الآثار عن نقلة أخبارهم، فلمّا فتّش الكتب وتصفّح الروايات منها، قال: صدقت أنا بشر بن سليمان النخاس من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد علیهما السلام وجارهما بسر من رأى، قلت : فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما، قال: كان مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري علیهما السلام فقهني في أمر الرقيق

ص: 24

فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلا بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتى كملت معرفتي فيه فأحسنت الفرق فيما بين الحلال والحرام،فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رآى وقد مضى هوي من اللیل إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعا فإذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمد علیهما السلام يدعوني إليه، فلبست ثيابي ودخلت عليه فرأيته يحدث ابنه أبا محمد وأخته حكيمة من وراء الستر، فلما جلست قال: يا بشر إنك من ولد الأنصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت وإنّي مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها شأو الشيعة في الموالاة بها بسر أطلعك عليه وأنفذك في ابتياع أمة، فكتب كتابا ملصقا بخط رومي ولغة رومية، وطبع عليه بخاتمه ، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا، فقال: خذها وتوجه بها إلى بغداد، وأحضر معبر الفرات ضحوة كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وبرزن الجواري منها فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس وشراذم من فتيان ،العراق، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرتين صفيقتين، تمتنع من السفور ولمس المعترض، والانقياد لمن يحاول لمسها ويشغل نظره،

ص: 25

بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها النخاس فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنّها تقول: وا هتك ستراه ، فيقول بعض المبتاعين: علي بثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول بالعربية : لو برزت في زي سليمان وعلى مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك، فيقول النخاس: فما الحيلة ولابد من بيعك، فتقول الجارية :وما العجلة ولابد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى أمانته وديانته، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس، وقل له: إنّ معي كتابا ملصقا لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي، ووصف فيه كرمه ووفاه ونبله وسخاءه فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ، ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك؛ قال بشر بن سليمان النخاس: فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن علیه السلام في أمر الجارية، فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاء شدي ، وقالت لعمر بن يزيد النخاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة المغلظة أنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحه في ثمنها حتى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي علیه السلام من الدنانير في الشستقة الصفراء، فاستوفاه مني وتسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتى أخرجت

ص: 26

كتاب مولاها علیه السلام من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدها وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها فقلت تعجبا منها أتلثمين كتابا ولا تعرفين صاحبه؟ قالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولدا الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون، أنبئك العجب العجيب: إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين ومن القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف وأبرز من بهو ملكه عرشا مسوغا من أصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة فلما صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكفا ونشرت أسفار الإنجيل، تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، وتقوضت الأعمدة، فانهارت إلى القرار، وخرّ الصاعد من العرش مغشيا عليه، فتغيّرت ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدي: أيها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني، فتطيّر جدّي من ذلك تطيّرا شديدا، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان،

ص: 27

وأحضروا أخا هذا المدبّر العاثر المنكوس، جده لأزوّج ج منه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأول، وتفرّق الناس، وقام جدي قيصر مغتمّا ودخل قصره وأرخيت الستور، فأريت في تلك الليلة كأنّ المسيح والشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي ونصبوا فيه منبرا يباري السماء علوا وارتفاعا في الموضع الذي كان جدّي نصب فيه عرشه فدخل عليهم محمد صلی الله علیه وآله مع فتية وعدة من بنيه فيقوم إليه المسيح فيعتنقه، فيقول: يا روح الله إنّي جئتك خاطبا من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى أبي محمد صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلى شمعون فقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله صلی الله علیه وآله قال: قد فعلت، فصعد ذلك المنبر وخطب محمد صلی الله علیه و آله، وزوّجني وشهد المسيح علیه السلام وشهد بنو محمد صلی الله علیه وآله والحواريون، فلما استيقظت من نومي أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدي مخافة القتل، فكنت أسرها في نفسي ولا أبديها لهم، وضرب صدري بمحبّة أبي محمد علیه السلام حتى امتنعت من الطعام والشراب وضعفت نفسي ودق شخصي ومرضت مرضا شديدا، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلّا أحضره جدي وسأله عن دوائي، فلما برح به اليأس قال: يا قرة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فأزودكها في

ص: 28

هذه الدنيا؟ فقلت: يا جدي أرى أبواب الفرج علي مغلقة، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككت عنهم الأغلال وتصدّقت عليهم ومننتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح وأمه لي عافية وشفاء، فلمّا فعل ذلك جدي تجلّدت في إظهار الصحة في بدني وتناولت يسيرا من الطعام، فسر بذلك جدّي وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم، فرأيت أيضا بعد أربع ليال كأن سيدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف وصيفة من وصائف الجنان، فتقول لي مريم :هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمد علیه السلام فأتعلق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد من زيارتي، فقالت لي سيدة النساء عليها السلام: إن ابني أبا محمد لا يزورك وأنت مشركة بالله وعلى مذهب النصارى، وهذه أختي مريم تبرأ إلى تعالى من دينك فإن ملت إلى رضا الله عز وجل ورضا المسيح ومريم عنک وزيارة أبي محمد إياك، فتقولي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن - أبي محمدا رسول الله، فلما تكلّمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء إلى صدرها فطيبت لي نفسي، وقالت: الآن توقعي زيارة أبي محمد إيّاك فإنّي منفذه إليك، فانتبهت وأنا أقول: واشوقاه إلى لقاء أبي محمد، فلما كانت الليلة، القابلة جاءني أبو محمد علیه السلام في منامي فرأيته كأني أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك؟ قال: ما كان

ص: 29

تأخيري عنك إلّا لشركك، وإذ قد أسلمت فإنّي زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية؛ قال بشر : فقلت لها: وكيف وقعت في الأسر؟ فقالت: أخبرني أبو محمد ليلة من الليالي أنّ جدّك سيسرب جيوشا إلى قتال المسلمين يوم كذا ثم يتبعهم، فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت وما شعر أحد بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك، وذلك باطلاعي إياك عليه ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته، وقلت نرجس فقال: اسم الجواري، فقلت: العجب إنّك رومية ولسانك عربي؟ قالت: بلغ من ولوع جدّي وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمان له في الاختلاف إلي، فكانت تقصدني صباحا ومساء وتفيدني العربية حتى استمر عليها لساني واستقام؛ قال بشر : فلما انكفأت بها إلى سر من رأى، دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري علیه السلام ، فقال لها: كيف أراك الله عزّ ، الإسلام وذلّ النصرانية، وشرف أهل بيت محمد صلی الله علیه وآله ؟ قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به مني؟ قال: فإنّي أريد أن أكرمك فأيما أحب إليك عشرة آلاف درهم؟ أم بشرى لك فيها شرف

ص: 30

الأبد؟ قالت بل البشرى ، قال علیه السلام: فأبشري بولد يملك الدنيا شرقا وغربا ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، قالت: ممّن؟ قال علیه السلام: ممّن خطبك رسول الله صلی الله علیه وآله له من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية؟ قالت من المسيح ووصيه، قال:

فممّن زوجك المسيح ووصيه؟ قالت من ابنك أبي محمد، قال: فهل تعرفينه؟ قالت :وهل خلوت ليلة من زيارته إياي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيدة النساء أمه؟ فقال أبو الحسن علیه السلام : يا كافور ادع لي أختي حكيمة، فلما دخلت عليه، قال علیه السلام لها: هاهيه فاعتنقتها طويلا وسرت بها كثيرا، فقال لها مولانا :يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن فإنّها زوجة أبي محمد وأم القائم علیه السلام(1)

وقد نقلها من جاء بعد الصدوق

-الشيخ الطوسي رضی الله عنه في كتاب الغيبة(2) .

-الطبري الصغير رضی الله عنه في دلائل الإمامة(3).

-الفتال النيسابوري رضی الله عنه في روضة الواعظين(4).

ص: 31


1- كمال الدين 433 .
2- كتاب الغيبة 208.
3- دلائل الإمامة 489
4- روضة الواعظين 252

-ابن شهر آشوب رضی الله عنه في المناقب(1).

وأصبح هذا الخبر من زمن الصدوق رضی الله عنه بمثابة الرواية الرسميّة لقضية أم الإمام المهدي علیها السلام وهذا ما يستدعي الوقوف طويلا عندها والبحث في تفاصيلها الكثيرة.

وقفة سندية مع الخبر:

عند ملاحظة سند هذا الخبر نجد أنّ فيه بعض الأمور التي تقتضي الخدشة فيه وهي:

أولا : إنّ الراوي لهذه الحادثة هو (أبو الحسين محمد بن بحر الشيباني)، وبغضّ النظر في الوقت الحالي عن تقييمنا للرجل، إلّا أنّ الغريب فعلا هو أنّ الشيخ الصدوق المتوفى سنة 381ه قد نقل عنه الخبر بثلاثة وسائط : ( محمد بن علي بن حاتم النوفلي قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي قال : حدثنا أحمد بن طاهر القمي ...)(2) وفي المقابل نجد أنّ الشيخ الطوسي المولود سنة 385ه والمتوفى سنة 460 ه قد نقل عنه نفس الخبر لكن بواسطتين فقط: (أخبرني جماعة ، عن أبي المفضل الشيباني،...)(3)!

ص: 32


1- مناقب آل أبي طالب 538/3
2- كمال الدين 433.
3- كتاب الغيبة 208.

والذي يزيد الأمر غرابة هو ما نقله الطبري الصغير في دلائل الإمامة حيث قال:(حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني سنة خمس وثمانين وثلاثمائة،قال:حدثنا أبو الحسين محمد بن بحر الرهني الشيباني، قال: وردت كربلاء سنة ست وثمانين ومائتين) (1)، فاللقاء حصل سنة 286 ه، والذي روى القصة عن صاحب اللقاء حدّث بها سنة 385 ه أي بعد 100 سنة.

وهذه الهوّة الزمانية الكبيرة تؤكد وجود وسائط ساقطة في السند الذي نقله الشيخ الطوسي و الطبري الصغير رضوان الله عليهما، وبهذا يكون نقل الشيخ الصدوق رضی الله عنه أدق وأضبط.

وهنا تكمن المشكلة، وهي أنّنا نجهل هويّة هؤلاء الذين نقلوا هذه القصة عن (محمد بن بحر الشيباني) وحتّى الذين ذكرهم الشيخ الصدوق في سنده (أحمد بن عيسى الوشاء، أحمد بن طاهر القمي) فإنّهما مهملان في كتب الرجال والتراجم ولا يوجد لهما أي ترجمة عن وجود توثيق لهما، فالطريق إلى صاحب القصّة إمّا ضعيف لوجود مجاهيل فيه أو مرسل لوجود وسائط ساقطة وغير معروفة لدينا.

ثانيا: إنّ مدار هذه القصّة على (بشر بن سليمان النخّاس )

ص: 33


1- دلائل الإمامة 489

والذي عرّف نفسه في الرواية بأنّه من نسل أبي أيوب الأنصاري، وهذا الرجل لا يوجد له ذكر لا في كتب التاريخ ولا الرجال ولا التراجم البتة.

بل حتى راوي الخبر( محمد بن بحر الشيباني )لم يكن يعرفه أو سمع به من قبل، إنّما عرفه بعد أن عرّف بنفسه وصدق كلامه، فلا طريق لنا لمعرفة هذا الرجل إلا بتعريفه لنفسه في هذه الرواية!

والذي يزيد استغرابنا أنّه وصف نفسه بأوصاف عظيمة جدا، حيث يقول عن نفسه: (يا ابن أخي لقد نال عمّك شرفا بما حمله السيدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم التي لم يحمل مثلها إلا سلمان )فهل يكون أحد في أصحاب الأئمة علیهم السلام مثل سلمان المحمدي ولا يعرف عنه أحد شيئا؟!

بل نجد أنه ذكر أمرا آخر عرّف به نفسه وهو أنّه من نسل أبي أيوب الأنصاري حيث قال: (صدقت أنا بشر بن سليمان النخاس من ولد أبي أيوب الأنصاري)، وقد نص المؤرّخون على أنّ أبا أيوب الأنصاري لا عقب له، حيث قال ابن سعد في طبقاته: وكان لأبي أيوب من الولد عبد الرحمن وأمه أم حسن بنت زيد بن ثابت بن الضحاك

ص: 34

من بني مالك بن النجار وقد انقرض ولده فلا نعلم له عقبا(1).

فصحة هذه القصّة متوقفة على مدى معرفتنا وتصديقنا لهذا الشخص، هذا على فرض صدق من نقل القصة، وإلّا فمن المحتمل أنّه شخصيّة وهمية لا وجود لها نسجها خيال القصاص وأذاعوها بين الناس.

ثالثا: نأتي الآن إلى المصدر الرئيسي للقصة، فلو استقرأنا الكتب الروائيّة فإنّنا نجد أنّ للقصّة طريقين:

-طريق الشيخ الصدوق رضی الله عنه وهو: محمد بن علي بن حاتم النوفلي قال:حدثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي قال: حدثنا أحمد بن طاهر القمي قال حدثنا أبو الحسين محمد بن بحر الشيباني :..(2).

-طريق الشيخ الطوسي رضی الله عنه وهو: جماعة، عن أبي المفضل الشيباني، عن أبي الحسين محمد بن بحر بن سهل الشيباني الرهني...(3).

والظاهر أنّ كلا الطريقين هما لأحد كتب (محمد بن بحر

ص: 35


1- الطبقات الكبرى 484/3.
2- كمال الدين 417.
3- الغيبة 208.

الرهني)، يشهد على ذلك أنّ الشيخ الصدوق رضی الله عنه قد نقل عنه رواية في كمال الدين: حدثنا محمد بن علي حاتم النوفلي المعروف بالكرماني قال :حدثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي قال : حدثنا أحمد بن طاهر القمي قال: حدثنا محمد بن بحر بن سهل الشيباني قال: أخبرنا علي بن الحارث، عن سعيد ابن منصور الجواشني قال أخبرنا أحمد بن علي البديلي قال: أخبرنا أبي، عن سدير الصيرفي قال : دخلت أنا والمفضل بن عمر...(1).

ونفس هذه الرواية نقلها الشيخ الطوسي بسنده الأول الذي ذكرناه:أخبرني جماعة،عن أبي المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن بن المطلب رحمة الله قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن بحر بن سهل الشيباني الرهني قال أخبرنا علي بن الحارث، عن سعد بن المنصور الجواشني قال أخبرنا أحمد بن علي البديلي قال : أخبرني أبي،عن سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر...(2).

وعليه فلا بد من تحقيق حال هذا الرجل الذي يعتبر مدار هذه القصّة وقطب رحاها بل كان طرفا فيها، إذ أنّه هو الوحيد الذي التقى ب(بشر النخّاس )وعرّفه ما جرى بينه وبين الإمامين العسكريين علیهما السلام

ص: 36


1- كمال الدين 352
2- الغيبة 208.

والسيدة الطاهرة نرجس علیها السلام.

قال النجاشي رحمة الله في الفهرست :محمد بن بحر الرهني أبو الحسين الشيباني ساكن نرماشير من أرض كرمان ، قال بعض أصحابنا: إنّه كان في مذهبه ارتفاع وحديثه قريب من السلامة، ولا أدري من أين قيل ذلك؛ له كتب منها: كتاب البدع، كتاب البقاع كتاب التقوى، كتاب الاتباع وترك المراء في القرآن كتاب البرهان كتاب الأول والعشرة ، كتاب المتعة، كتاب القلائد فيه كلام على مسائل الخلاف التي بيننا وبين المخالفين؛ قال لنا أبو العباس أحمد بن علي بن العباس بن نوح:حدثنا محمد بن بحر بسائر كتبه ورواياته(1).

وكلام الشيخ يثبت أنّ الرجل كان موضع التهمة بالغلو من بعض الأصحاب، ولعل تعبيره ببعض الأصحاب إشارة لابن الغضائري الذي قال في حقّه: ضعيف في مذهبه ارتفاع(2).

إلّا أنّ الشيخ رحمة الله دافع عنه بقوله (وحديثه قريب من السلامة ولا أدري من أين قيل ذلك؟)، وقد استظهر بعضهم من هذه العبارة توثيق النجاشي، لكن يمكن أن يجاب بأمور:

ص: 37


1- الفهرست 384.
2- خلاصة الأقوال 397.

أولا : إنّ دفاع النجاشي رحمة الله عن (الرهني) مبني على الحدس لا الحسّ، فهذا التعبير (حديثه قريب من السلامة) يدلّ على أن رفض تهمته بالغلو مردّه إلى تقييم رواياته لا إلى مخالطة الرجل مباشرة أو النقل عن الذين عاشروه .

ثانيا: الظاهر أنّ كتب (الرهني) لم تكن متداولة في بغداد ويشهد بذلك قول شيخ الطائفة رضی الله عنه:( وله نحو من خمسمائة مصنف ورسالة، وكتبه ،موجودة أكثرها موجود بخراسان)(1)؛ فهذا النقل يجعلنا نشكّ في فعليّة اطلاع النجاشي على تراث الرجل لكي يتسنّى له تبرئته ممّا نسب إليه.

ثالثا: عندنا شهادة حسيّة تبيّن لنا حقيقة هذا الرجل وهو ما ذكره الكشّي رضی الله عنه في رجاله: قال أبو عمر ومحمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي: وحدثني أبو الحسن محمد بن بحر الكرماني الرهني الترماشيري قال: وكان من الغلاة الحنقين(2).

وقال في مورد آخر :محمد بن بحر هذا غال ، وفضالة ليس من رجال يعقوب، وهذا الحديث مزاد فيه مغيّر عن وجهه(3).

ص: 38


1- الفهرست 208
2- اختیار معرفة الرجال 362/1
3- اختیار معرفة الرجال 363/1

وهذه الشهادة دليل مهمّ يثبت لنا أنّ الرجال من الغلاة، بل بتعبير الكشي رحمة الله من الحنقين منهم، والأمر الآخر الأهم هو أن ظاهر كلامه ينبيء الرجل كان يستحل التلاعب بالروايات بالزيادة والنقيصة.

وعندنا نص آخر من شأنه أن يكون مؤيّدا يعرفنا لما تقدّم من حال الرجل، وهو ما نقله ياقوت الحموي في معجم الأدباء عن ابن شهر آشوب قدس الله روحه :كان لقنا حافظا يذاكر بثمانية آلاف حديث غير أنه كثر حفظه وتتبع الغرائب فعمر ومن طلب غرائب الحديث كذب(1).

وهذه الشهادة لها واقع محسوس يمكن درکه بسبر روایات الرجل وتقييمها، حيث أنّ جلّ ما وصل بين أيدينا من روايات (محمد بن بحر الرهني) في كتب الخاصة هي محل إشكال واستغراب:

فمن رواياته ما نقله الكشي رحمة الله: عن فضيل الرسان ، قال : قيل لأبي عبد الله علیه السلام أن زرارة يدعي أنه أخذ عليك الاستطاعة؟ قال: لهم عقرا كيف أصنع بهم، وهذا المرادي بين يدي وقد أريته وهو أعمى بين السماء والأرض فشك وأضمر أنّي ،ساحر، فقلت: اللهم لو لم

ص: 39


1- معجم الأدباء 31/18.

تكن جهنم إلّا اسكرجة لوسعها آل أعين بن سنسن، قيل: فحمران؟ قال حمران ليس منهم (1).

وهذه الرواية واضحة البطلان، ففيها الطعن الشديد على خيرة أصحاب الأئمة عليهم السلام ( أبي بصير المرادي) و (آل أعين) بل والشهادة عليهم أنهم من أهل النار!!!

واقتبس الشيخ الصدوق رضوان الله عليه مقاطع طويلة من كتاب الرهني المسمى (من قول مفضلوا الأنبياء والرسل والأئمة والحجج صلوات الله عليهم أجمعين على الملائكة) ثم عقب عليها بما يدلّ على توقفه رحمة الله في روايات الرجل، قال في علل الشرائع :قال مصنف هذا الكتاب: إنما أردت أن تكون هذه الحكاية في هذا الكتاب ، وليس قولي في إبليس انه كان من الملائكة ، بل كان من الجن إلّا أنه كان يعبد الله بين الملائكة، وهاروت و ماروت ملكان وليس قولي فيهما قول أهل الحشو ، بل كانا عندي معصومين ومعنى هذه الآية: «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ »إنما هو، واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ، وعلى ما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ، وقد أخرجت في ذلك خبرا مسندا في

ص: 40


1- اختیار معرفة الرجال 362/1.

كتاب عيون أخبار الرضا علیه السلام(1).

وكلامه رضی الله عنه صريح في أنّ الرجل من الحشوية، وأنّ ما يذكره مخالف للأخبار المسندة عن أهل البيت علیهم السلام.

والرواية الأخرى التى نقلها عنه الصدوق رضی الله عنه في كتاب كمال الدين(2)، هي رواية طويلة ذكرت لقاء سعد بن عبد الله الأشعري رضی الله عنه بالإمام العسكري علیه السلام وابنه الحجة علیه السلام ، وقد أطبق المتقدمون والمتأخرون على ردّها، حتى قال النجاشي رحمة الله: ولقي مولانا أبا محمد علیه السلام ، ورأيت بعض أصحابنا يضعفون لقاءه لأبي محمد علیه السلام ويقولون هذه حكاية موضوعة عليه (3) .

وعلّق السيد الخوئي قدس سره على الرواية في معجمه بقوله: حكاية لقاء سعد أبا محمد علیه السلام، رواها الصدوق في كمال الدين الباب في ذكر من شاهد القائم - عجل الله تعالى فرجه الشريف - ورآه وكلمه الحديث 22، عن محمد بن علي بن محمد بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي قال : حدثنا أحمد بن طاهر القمي، قال : حدثنا محمد بن بحر بن سهل

ص: 41


1- علل الشرائع 20/1.
2- كمال الدين 454.
3- الفهرست 177

الشيباني، قال:....؛ وهذه الرواية ضعيفة السند جدا فإن محمد بن بحر بن سهل الشيباني لم يوثق وهو متهم بالغلو، وغيره من رجال سند الرواية مجاهيل، على أنها قد اشتملت على أمرين لا يمكن

تصديقهما(1).

ولا تسلم تقريبا من رواياته إلّا خبر ندبة الإمام الصادق علیه السلام لولده المهدي علیه السلام الذي رواه الشيخ الصدوق رضی الله عنه في كمال الدين (2) وشيخ الطائفة الطوسي رضی الله عنه في الغيبة (3).

ومن هنا نعلم أنّ هذا الرجل كان متهما بالغلو في أوساط الشيعة، وأنه لم يكن ضبطا بل كان ينقل كل شيء ويتتبع الغرائب كما تقدّم، والذي يظهر أنّ كتبه كانت متداولة بين الغلاة ولذلك فلا يبعد أنهم تلاعبوا بها وحرّفوا فيها.

وبهذا يتبيّن لك أنّ سند هذا الخبر معلول من أوّله لآخره ، ونعم ما قاله السيد الخوئي قدس سره تعليقا على نفس هذا السند في رواية أخرى: وهذه الرواية ضعيفة السند جدا فإن محمد بن بحر بن سهل الشيباني

ص: 42


1- معجم رجال الحديث 82/9
2- كمال الدين 352
3- الغيبة 167.

لم يوثق وهو متهم بالغلو، وغيره من رجال سند الرواية مجاهيل(1).

وقفة مع متن الخبر:

لا تنتهي الإشكالات على هذا الخبر في الجانب السندي فقط بل تشمل متنه حيث نجد أنّه قد تضمن أمورا من شأنه توهين الخبر والمنع من الركون إليه :

الأمر الأوّل: أن نرجساً علیها السلام عرفت نفسها في هذا الخبر بأنّها (مليكة بنت يوشع بن قيصر الروم )أي أنها حفيدة ملك الروم في ذلك الزمن وكان عمرها 13 سنة ، ومن هنا فإنّه يمكننا بالربط بين هذه الخيوط تحديد شخصيّة جدّها إمبراطور الروم :

فبحسب الرواية فإنّ هذه الأحداث حصلت في حياة الإمام الهادي علیه السلام تقريبا قبل سنة 254ه، فلو قمنا بتحويل هذا التاريخ الهجري إلى التاريخ الميلادي سيكون إطار الأحداث ما قبل سنة 868م، وبالرجوع إلى تاريخ الدولة البيزنطية وإلى أسماء أباطرتها، نجد أنّ الشخص المقصود هو :ميخائيل الثالث الذي حكم من 842م إلى 867م.

وهذا الإمبراطور لا يمكن أن يكون هو المقصود إذ أن والده

ص: 43


1- معجم رجال الحديث 82/9

المسمّى ثيوفيلوس توفّي في سنة 842م ، وكان هو صغيرا لا يصلح للحكم، فتولّت أمه أمور البلاد نيابة عنه قال ابن كثير وفيها - 227ه توفي ملك الروم توفيل بن ميخائيل، وكان مدة ملكه ثنتي عشرة سنة، فملكت الروم بعده امرأته تدورة، وكان ابنها ميخائيل بن توفيل صغيرا(1).

فمن كان في سنة 227ه صغيرًا لا يمكنه الحكم، كيف يصبح جداً بعد أقل من 25 سنة، بل له حفيدة تبلغ من العمر 13 سنة؟

والأمر الآخر هو ما ذكر في الرواية من أنّه أراد تزويج حفيدته (مليكة) من أحد أبناء إخوته (إنّ جدي قيصر -أراد أن يزوّجني من ابن أخيه)، والحال أنّ الملك توفيل أو ثيوفيلوس لم يكن له أبناء إلا ميخائيل الذي كان صغيرا جدا! ولو كان له أبناء أصغر منه لرجعنا للإشكال الأوّل وهو إمكانية وجود أبناء في سن الزواج لهذا الأخ المزعوم؟

فلا يوجد إمبراطور للروم بهذه المواصفات المذكورة في هذه الرواية في تلك الفترة الزمنية.

نعم، احتمل بعضهم (2)أنّ المقصود ليس امبراطور الروم بل

ص: 44


1- البداية والنهاية 326/10
2- عادل الهادي الحسني في كتابه السيدة نرجس سليلة الامبراطورية البيزنطية.

وزيره والمدير الفعلي لشؤون الحكم وهو بارداس الذي لقب بالفعل بقيصر كما ذكرت كتب التاريخ ذلك(1)، إلّا أنّ هذا الاحتمال يسقط بملاحظة ما ورد في متن الرواية من تعريف نرجس علیها السلام بأنها : ( مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم) إذ التعبير بالملك يقطع المجال أمام صرف قيصر إلى برادس الذي لم يكن ملكا في يوم من الأيام بل كان تحت الإمبراطور ميخائيل الثالث، بل يفتح المجال أمام احتمال آخر وهو أنّ واضع هذه الرواية لم يكن يميّز بين الملك والقيصر ومن هنا توهّم أنّ بارداس كان ملك للروم.

الأمر الثاني: لو تنزّلنا وقبلنا بوجود هذا الإمبراطور، فإنّه تبقى عندنا مشكلة أخرى: وهي أنّ الرواية تحدّثت عن حرب حصلت بين المسلمين والروم: (أخبرني أبو محمد ليلة من الليالي أنّ جدّك سيسرب جيوشا إلى قتال المسلمين يوم كذا، ثم يتبعهم).

ولو رجعنا إلى كتب التاريخ فإنّنا لا نجد قتالا حصل بين الطرفين في تلك الحقبة، بل نقل التاريخ حصول صفقة فداء للأسرى بين المسلمين والروم في عصره، قال غريغريوس الملطي: في سنة إحدى وثلثين ومائتين كان الفداء بين المسلمين والروم على يد خاقان خادم الرشيد، واجتمع المسلمون على نهر اللامس على مسيرة يوم من

ص: 45


1- قصة الحضارة 163/14.

طرسوس، وأمر الواثق خاقان خادم الرشيد أن يمتحن أسارى المسلمين فمن قال: القرآن مخلوق وأنّ الله لا يرى في الآخرة فودي به وأعطي دينارا، ومن لم يقل ذلك ترك في أيدي الروم، فلمّا كان في يوم عاشوراء أتت الروم ومن معهم من الأسارى، وكان الأمر بين الطائفتين فكان المسلمون يطلقون الأسير فيطلق الروم أسيرا فيلتقيان في وسط الجسر، فإذا وصل الأسير إلى المسلمين كبّروا وإذا وصل الرومي إلى الروم صاحوا : (كرياليسون) حتى فرغوا فكان عدّة أسارى المسلمين أربعة آلاف وأربعمائة وستين نفسا والنساء والصبيان ثمانمائة، وأهل ذمة المسلمين مائة نفس(1).

وهذا يدلّ على أنّ عصر -ميخائيل الثالث كان عصر - سلام ومهادنة بين الطرفين، والحروب الطاحنة التي تشير إليها الرواية كانت في عهد والده ثيوفيلوس بن ميخائيل وتجدّد القتال في عهد من جاء بعد ميخائيل الثالث، أما في الفترة التي يفترض فيها حصول الحرب وهي الممتدة من 250 إلى 254، فلم أجد نقلا تاريخيا يثبت حصول مثل قتال بين الروم والمسلمين، ولا أظنّ أنّ حربا مثل هذه يعرض المؤرّخون عن حكايتها إذ كلّ مقتضيات النقل موجودة.

ص: 46


1- تاريخ مختصر الدول 142.

وقد احتمل بعضهم (1)أنّ الحرب المقصودة هي التي وقعت في سنة 249ه بين المسلمين والروم والتي وثّق ابن كثير بعض أحداثها إذ يقول: ثم دخلت سنة تسع وأربعين ومائتين في يوم الجمعة للنصف من رجب التقى جمع من المسلمين وخلق من الروم بالقرب من ملطية، فاقتتلوا قتالاً شديداً، قتل من الفريقين خلق كثير، وقتل أمير المسلمين عمر بن عبيد الله بن الأقطع، وقتل معه ألفا رجل من المسلمين، وكذلك قتل علي بن يحيى الأرمني، وكان أميرا في طائفة من المسلمين أيضا، فإنا لله وإنا إليه راجعون وقد كان هذان الأميران من أكبر أنصار الإسلام(2).

إلّا أنّ هناك ما يفسد هذا الاحتمال وهي تفاصيل هذه المعركة التي نقلها الطبري في تاريخ حيث قال: فمما كان فيها من ذلك غزو جعفر بن دينار الصائفة، فافتتح حصنا ومطامير، واستأذنه عمر بن عبيد الله الأقطع في المصير إلى ناحية من بلاد الروم، فأذن له، فسار ومعه خلق كثير من أهل ملطية، فلقيه الملك في جمع من الروم عظيم بموضع، يقال له أرز من مرج الأسقف، فحاربه بمن معه محاربة شديدة، قتل فيها خلق كثير من الفريقين، ثم أحاطت به الروم وهم

ص: 47


1- الشيخ حسين المرهون في كتابه الأميرة المقدسة
2- البداية والنهاية 6/11.

خمسون ألفا، فقتل عمر وألفا رجل من المسلمين، وذلك في يوم الجمعة للنصف من رجب(1).

والمهم في هذا النص هو أنّ الروم قد هزموا المسلمين بعد أن أحاطوا بهم من كل جانب بل وقتلوا قادتهم وعادة الحروب أن يسبي المنتصر المنهزم لا العكس، فكيف تسبى هذه المرأة الرومية مع أنّ جيش بلادها هو المنتصر على جيوش المسلمين الذين أبيدوا كما يظهر من النصين !

الأمر الثالث :ورد في الرواية أنها روميّة وأنّ الذي اشتراها هو الإمام الهادي علیه السلام وأنه اشتراها لابنه الإمام العسكري علیه السلام بل وبلّغها بأنها ستكون أم الإمام المهدي علیه السلام ، وكل هذه الجزئيات تخالف ما ورد من طوائف أخرى من الروايات المتعدّدة المخارج تخالف ما تقدّم مخالفة صريحة :

-فعندنا طائفة من الروايات تدلّ على أنّها نوبيّة.

-وطائفة أخرى تدلّ على أنّها ولدت في البيت العلوي.

-وأخرى تدلّ على أنها كان ملكا الحكيمة علیها السلام.

-وأخرى تدلّ على أنّ حكيمة وهبتها للإمام العسكري علیه السلام

ص: 48


1- تاريخ الطبري 261/9

فهل من المنطق أن تردّ كلّ هذه الروايات على تعدد مصادرها وكثرة طرقها واختلاف مخارجها لأجل رواية (الرهني) التي فيها ما فيها من الضعف والوهن؟!

نكتفي بهذه الأمور الثلاثة وإن كانت هناك نقاط أخرى يمكن الخدشة فيها، لكن أعرضنا عنها لكي لا يطول المقام ويتحوّل كل الكتاب إلى مناقشة لهذه الرواية دون غيرها.

الحكم النهائي على الرواية:

بناء على ما تقدّم فإنّ رواية قدوم أم الإمام المهدي علیه السلام من بلاد الروم تعاني من عدة مشاكل في السند والمتن تمنع من الاعتماد عليها والركون إليها، بل الذي أكاد أجزم به أنّ هذه القصة هي من نسج خيال تيّار الغلو في ذلك الزمن، ومن يقرأ الأدبيات الفارسية كالقصص والأساطير التي نسجت حول شخصية (ملحمة شيرين وفرهاد) يجد تقاربا كبيرا بين القصّتين مما يوحي بأنّ الواضع كان في بيئة فارسية، وهذا ما يتناسب مع ما نقلناه سابقا حول البيئة التي عاش فيها (الرهني) وانتشار كتبه بخراسان.

ومن يقرأ بعض فقرات الخبر لا يشك في ذلك (ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه فما أخذها القرار حتى أخرجت

ص: 49

كتاب مولاها علیه السلام من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدها وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها / جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك / هل خلوت ليلة من زيارته إياي)، فإنّ هذه التعابير تتلاءم كثيرا مع القصص الغرامية المنتشرة في الأدب الفارسي(1).

والعجيب أنّه قد رويت قصة مطابقة لها في كيفية وصول شاه زنان بنت يزدجرد للإمام الحسين علیه السلام نقلها العلامة المجلسي - رضی الله عنه في بحاره: ويروى أنها ماتت في نفاسها به، وإنّما اختارت الحسين علیه السلام لأنها رأت فاطمة علیها السلام وأسلمت قبل أن يأخذها عسكر المسلمين، ولها قصة وهي أنّها قالت: رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين كأنّ محمدا رسول الله صلی الله علیه وآله دخل دارنا وقعد مع الحسين علیه السلام وخطبني له وزوّجني منه، فلما أصبحت كان ذلك يؤثر في قلبي وما كان لي خاطر غير هذا، فلما كان في الليلة الثانية رأيت فاطمة بنت محمد صلی الله علیه وآله قد أتتني وعرضت علي الإسلام فأسلمت ثم قالت: إنّ الغلبة تكون للمسلمين، وإنّك تصلين عن قريب إلى ابني الحسين سالمة لا يصيبك بسوء أحد قالت: وكان من الحال أني خرجت إلى المدينة ما مس يدي

ص: 50


1- لقد نقل في ترجمة الرهني ما يدل على اهتمامه بالأدب، فقد ذكر ابن حجر في لسان الميزان 89/5: (كان قويا في الأدب واللغة)؛ وهذا ما يتناسب مع النفس الأدبي للرواية والتي شحنت من أولها إلى آخرها بالسجع والعبارات الأدبية الراقية التي لا يمكن أن تصدر إلا من أديب مفوه وهذا ما يقوّي كون هذا الخبر من قصص هذا الأديب.

انسان(1)!

دفع وهم:

قد يعترض بأنّ الشيخ الصدوق رضی الله عنه قد نقلها في كتابه واعتمد عليها، فكيف يحكم عليها بأنها من نسج الوضاع أو الغلاة؟

والجواب:

أولا: لا يوجد أي دليل على أنّ الشيخ الصدوق قد تحرّى الصحة في كتابه (كمال الدين وتمام النعمة) واعتمد على خصوص الأخبار المعتبرة، وما ذكره بعضهم من أنّ اسم الباب (ما روى في نرجس أم القائم عليهما السلام واسمها مليكة بنت يشوعا بن قيصر الملك) كاشف عن اعتماده على الخبر غير تام لاحتمال كون التبويب من النساخ كما هو معلوم عند أهل هذا الفن.

ثانيا: تقدّم أن الشيخ الصدوق رضی الله عنه قد انتقد مرويات هذا الرجل وأنه من الحشوية، حيث قال في علل الشرائع: قال مصنف هذا الكتاب: إنما أردت أن تكون هذه الحكاية في هذا الكتاب ، وليس قولي في إبليس انه كان من الملائكة ، بل كان من الجن إلا أنه كان

ص: 51


1- بحار الأنوار 11/46.

يعبد الله بين الملائكة، وهاروت وماروت ملكان، وليس قولي فيهما قول أهل الحشو، بل كانا عندي معصومين ومعنى هذه الآية: ( وَاَتبَعُوا مَا تَتلُوَا الشَّياطَينَ عَلِىَّ مَلِكَ سُلَيمَان ) إنما هو واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وعلى ما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ،وقد أخرجت في ذلك خبرا مسندا في كتاب عيون أخبار الرضا علیه السلام(1).

فكيف يمكن أن يعتمد عليه؟

ثالثا: الأهم من كل ما تقدّم أنّ الشيخ الصدوق رضی الله عنه قد روى روايات متعارضة في حق السيدة الطاهرة علیهاالسلام ، ولا يمكن أن يكون معتقدا بصحتها بأجمعها.

فرواية (الرهني)تدلّ على أنّ الإمام العسكري علیه السلام كان يعرف بأمر نرجس علیها السلام منذ البداية واشتراها له أبوه الإمام الهادي علیه السلام لأجل هذا الأمر، وفي المقابل عندنا رواية أخرى بعدها بوريقات تذكر قصة أخرى:

فقد روى الصدوق رضی الله عنه في كمال الدين بسنده عن حكيمة علیها السلام:

كانت لي جارية يقال لها: نرجس فزارني ابن أخي فأقبل يحدق النظر

ص: 52


1- علل الشرائع 20/1.

إليها، فقلت له: يا سيدي لعلك هويتها فأرسلها إليك؟ فقال لها: لا يا عمة ولكنّي أتعجب منها فقلت :وما أعجبك منها؟ فقال علیه السلام: سيخرج منها ولد كريم على الله عز وجل الذي يملأ الله به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جوراً وظلماً، فقلت: فأرسلها إليك يا سيدي؟ فقال: استأذني في ذلك أبي علیه السلام، قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن علیه السلام ، فسلمت وجلست فبدأني علیه السلام وقال: يا حكيمة، ابعثي نرجس إلى ابني أبي محمد قالت: فقلت: يا سيدي على هذا قصدتك على أن أستأذنك في ذلك، فقال لي: يا مباركة إنّ الله تبارك وتعالى أحب أن يشركك الأجر ويجعل لك في الخير نصيبا، قالت حكيمة فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزينتها ووهبتها لأبي محمد علیه السلام(1).

والرواية صريحة في أنّ الجارية هي لحكيمة لا للإمام الهادي علیه السلام ويشهد بذلك قولها( كانت لي جارية يقال لها :نرجس) والأصرح منه قولها (ووهبتها لأبي محمد علیه السلام)وهذه تعارض رواية ( محمد بن بحر الرهني )بل وتسقطها رأسا، فلو كان الصدوق رضی الله عنه معتقداً بصحة الخبر الأول لما روى مثل هذا الخبر الذي يكذبه، أو علق بما يرفع التنافي بين الخبرين.

ص: 53


1- كمال الدين 426.

ص: 54

أصلها علیها السلام

اشارة

من الأمور التي تحتاج منا وقفة مطوّلة هو البحث عن أصل هذه السيدة الطاهرة علیها السلام، حيث اختلفت نسبتها إلى أربعة مناطق مختلفة وهي:

-روميّة.

-سنديّة.

-مغربيّة.

-نوبية.

وسنناقش هذه النسب تباعا في هذا الفصل :

أنها علیها السلام رومية:

تبين لك من الفصل السابق سقوط الخبر الطويل في قصة وصول السيدة الطاهرة علیها السلام إلى بيت العصمة والطهارة ، وهذا ما يفتح الباب أمام سؤال آخر لا يقل أهمي ة عن سابقه وهو: هل كانت أمّ الإمام علیه السلام روميّة بالفعل أم لا؟

ص: 55

بسقوط رواية ابن بحر المتقدّمة يسقط أشهر دليل على روميّتها،إلا أنه توجد بعض الأمور الأخرى التي استدلّ لها على كونها كذلك واعتبرت بمثابة الشواهد على صحة الرواية المزبورة، وهي:

ما روي عن الفضل بن شاذان رضی الله عنه في كتابه إثبات الرجعة:حدثنا محمد بن عبد الجبار، قال: قلت لسيدي الحسن بن علي :يا ابن رسول الله -جعلني الله فداك - أحب أن أعلم من الإمام وحجة الله على عباده من بعدك ؟ قال علیه السلام : إن الإمام والحجة بعدي ابني سمي رسول الله صلی الله علیه وآله ، وكنيه، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه؛ قال:ممن هو يا ابن رسول الله؟ قال: من ابنة ابن قيصر ملك الروم، إلا أنه سيوله فيغيب عن الناس غيبة طويلة، ثم يظهر ويقتل الدجال، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، فلا يحل لأحد أن يسمّيه باسمه أو يكنيه بكنيته قبل خروجه صلوات الله عليه(1).

والرواية صريحة الدلالة في أنّ أم الإمام المهدي علیه السلام هي ابنة ابن قيصر ملك الروم فلا كلام فيها من هذه الجهة، وإنّما الكلام في البحث الصدوري لهذه الرواية حيث توجد عدة أمور تمنعنا من الاعتماد عليها والركون إليها :

ص: 56


1- مجلة تراثنا 212/15

أوّلا : إنّ كتاب" إثبات الرجعة" للفضل بن شاذان النيشابوري لم يصل إلينا فيما وصلنا من كتب وإنّما وصلتنا بعض أحاديثه مفرّقة في بعض مصنّفات الأصحاب، وهذا الحديث قد نقله الحر العاملي رحمة الله في "إثبات الهداة "(1)والميرلوحي الأصفهاني رحمة الله في "كفاية المهتدي"(2) والكلام كل الكلام في النسخة الواصلة إليهما من هذا الكتاب إذ يظهر للمتبع الخبير عدم شهرة الكتاب قبل القرن الحادي عشر إذ لم ينقل تقريبا أحد عنه، أضف إلى هذا أن الحر العاملي رحمة الله قد صرّح بأنّ النسخة التي وصلت له كانت "وجادة"، قال: هذا ما وجدناه منقولا من رسالة إثبات الرجعة للفضل بن شاذان بخط بعض فضلاء المحدثين(3).

وكذلك الميرلوحي الذي لا نعرف أي شيء عن نسخته الواصلة إليه سوى ما ذكره من حيازته لنسخة من كتاب "الغيبة" دون أن يذكر طريقة تحصيلها أو أي تفاصيل مفيدة في المقام، ومن هنا فإنّ أوّل مشكلة تواجهنا هي عدم الوثوق بصحة النسخة التي نقل منها هذا الخبر.

ص: 57


1- إثبات الهداة 196/5.
2- مختصر كفاية المهتدي 108.
3- مخطوطة إثبات الرجعة الموجودة في المكتبة الرضوية.

ثانيا: إنّ ممّا يضعف الوثوق بهذه النسخة هو عدم مطابقتها مع أحاديث الفضل بن شاذان رضی الله عنه الموجودة في الكتب الأخرى، وهذا ما يجعلنا أمام سؤال مشروع وهو: إذا كانت هذه النسخة هي للكتاب المعروف بين المتقدمين فلماذا لا نجد هذه الروايات في كتبهم رغم كثرة نقلهم عن الفضل بن شاذان رضی الله عنه ؟

بل العجيب أنّ روايات هذه النسخة متقنة وأسانيدها في غاية الصحة والاعتبار، فهل من المعقول أن يعرض عنها كبار محدّثي الطائفة وينقلون كتبا أقلّ علوّا في الإسناد وأدنى صحة؟

ثالثا: الأمر الأخير هو نفس هذه الرواية التي يستدلّ بها على قضيّة أتم الإمام المهدي علیه السلام ، فإنّها من رواية محمد بن عبد الجبار كما تبين لك، وقد قلبت كتب الحديث والرجال والتراجم فلم أجد أيّ رواية للفضل عن" محمد بن عبد الجبار"، وهذا ما يجعلنا نشك أكثر في صحة النسخة الموجودة بين أيدينا!

فإذن لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية للعلل المتقدّمة...

ما روي من زيارة للسيدة الطاهرة نرجس علیها السلام والتي فيها: السلام على والدة الامام والمودعة أسرار الملك العلا ، والحاملة لأشرف الأنام، السلام عليك أيتها الصديقة المرضية، السلام عليك

ص: 58

يا شبيهة أم موسى وابنة حواري عيسى السلام عليك أيتها التقيّة النقيّة، السلام عليك أيتها الرضيّة المرضيّة، السلام عليك أيتها المنعوتة في الإنجيل المخطوبة من روح الله الأمين، ومن رغب في وصلتها محمد سيد المرسلين،و المستودعة أسرار رب العالمين،السلام عليك وعلى آبائك الحواريين، السلام عليك وعلى بعلك وولدك، السلام عليك وعلى روحك وبدنك الطاهر(1).

وقد كفانا المشهدي رحمة الله مؤونة إطالة المناقشة في هذه الزيارة حيث قال في مطلعها: زيارة أم القائم علیهما السلام أملاها علي رجل من البحرين سمعته يزور بها(2) ؛ وهذا نص في أنّ الزيارة ليست مأثورة عن أحد أحد من المعصومين علیهم السلام بل هي من إنشاء رجل مجهول نسبه الشيخ المشهدي رحمة الله إلى بلاد البحرين، ولعلّه صاغ هذه الزيارة على الرواية المشهورة كما يحصل اليوم من نظم بعض الزيارات لبعض أبناء المعصومين علیهم السلام البناء على روايات وردت فيهم.

بهذا يتبيّن لك أنّه لا دليل على كون أمّ الإمام المهدي علیها السلام كانت ،روميّة، فكلّ ما تمسكوا به لا يصل أن يستدل به على هذه الدعوى والتي أصبحت أشهر من نار على علم، وكما يقال: ربّ مشهور لا

ص: 59


1- المزار 660.
2- المزار 660.

أصل له.

أنها علیها السلام سندية:

حاول بعضهم نسبة أم الإمام المهدي علیها السلام إلى بلاد السند واستدلّ على ذلك بما رواه الحسين بن حمدان الخصيبي بأسانيده عن حكيمة بنت الجواد علیه السلام أنها تدخل على أبي محمد علیه السلام فتدعو له أن يرزقه الله ولدا، وأنّها قالت: دخلت عليه فقلت له كما كنت أقول ودعوت له كما كنت أدعو فقال : يا عمة، أما الذي تدعين إلى الله أن يرزقنيه يولد في هذه الليلة - وكانت ليلة الجمعة لثمان ليال خلت من شهر شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين من الهجرة -فاجعلي إفطارك عندنا، فقالت: يا سيدي ما يكون هذا الولد العظيم؟ قال: إلى نرجس يا عمة، قالت: يا سيدي ما في جواريك أحبّ إلي منها، فقمت ودخلت عليها ففعلت كما كانت تفعله فخاطبتني بالسندية فخاطبتها بمثلها، وانكببت على يديها فقبلتها، فقالت: فديتك فقلت لها: بل أنا فداءك وجميع العالمين، فأنكرت ذلك منّي، فقلت: تنكرين ما فعلت فان الله سيهب لك بهذه الليلة سيدا في الدنيا والآخرة وهو فرج المؤمنين فاستحيت مني(1).

ص: 60


1- الهداية الكبرى 355

وموضع الشاهد فيها هو قولها (ففعلت كما كانت تفعله فخاطبتني بالسنديّة) إذ يفهم من هذا المقطع أن لسانها علیهما السلام هو لسان سندي، وهذا ما يقرب كونها من بلاد السند .

ويمكن مناقشة هذا الاستدلال بأمور:

الأوّل: نقل الشيخ الصدوق رضی الله عنه وشيخ الطائفة الطوسي رضی الله عنه هذه الرواية خالية من هذه العبارة التي هي موضع الشاهد، وبالتالي فإننا أمام زيادة في تفرّد بها (الخصيبي) دون غيره، وقد تقرّر في أنّ الزيادة لا تقبل إلّا إذا كانت من ثقة ضبط ولم يكن لها معارض وكل هذا مفقود في المقام.

فالخصيبي قد طعن فيه كل من ترجم له بفساد مذهبه ووجود تخليط في كتبه(1)، بل يكفي المتتبع الخبير المقارنة بين رواياته وبين روايات الثقات الأثبات ليرى التفاوت الكبير.

الثاني: إنّ هذه الفقرة تحديدا خلت منها جل مخطوطات الكتاب كما نص على ذلك بعض محققيه(2)، وبمراجعة بعض المخطوطات المتوفّرة بين أيدينا تبيّن أنّ كلمة (بالسندية) مصحفة من كلمة (بالسيادة)، وهذا ما يدلّ عليه سياق الكلام بل ما تدلّ عليه

ص: 61


1- النجاشي في الفهرست 67.
2- شوقي الحداد في تحقيقه على كتاب الهداية الكبرى للخصيبي.

رواية الشيخ الصدوق والطوسي والتي فيها : فلما سلمت وجلست جاءت تنزع خفي وقالت لي: يا سيدتي وسيدة أهلي كيف أمسيت؟ فقلت: بل أنت سيدتي وسيدة أهلي، قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمة؟ قالت: فقلت لها: يا بنية إن الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيدا في الدنيا والآخرة قالت :فخجلت واستحت(1).

فالمراد من (خاطبتني بالسيادة) أنّها قالت للسيدة حكيمة علیها السلام "يا سيدتي" فأجابتها بمثلها أي قالت لها: "أنت سيدتي وسيدة أهلي" كما هو مبين في نص الحديث، بل يكفي أن ننظر لنفس خبر (الخصيبي) لنعلم أن السياق يدلّ على هذا المعنى.

الثالث: لو سلّمنا بوجود هذا اللفظ فإنّه لا ملازمة بين التكلم بالسندية وبين كون الإنسان سنديًا إذ ربّما يكون قد تعلم اللسان من هنا أو من هناك، ويكفيك أنّ الخبر قد أشار إلى تكلّم حكيمة بنت الجواد علیها السلام بالسنديّة، فهل يلتزم المستدل بأنّها سنديّة؟

فلا يمكن التمسّك بهذه الرواية لا من جهة ثبوت اللفظ ولا من جهة دلالته وعليه فلا دليل على أنها علیهما السلام سندية.

ص: 62


1- كمال الدين 424.

أنها علیها السلام مغربية:

ذكر بعض المعاصرين (1)حفظهم الله وجود احتمال يقضي- بكون السيدة نرجس علیها السلام من بلاد المغرب، قال الظاهر أن كلمة سوداء في نسخة النعماني زائدة حيث اتفقت الروايات على أن أم المهدي علیه السلام رومية أو مغربية، وليست سوداء(2).

وقد بحث في كتب الخاصة عن رواية تشير إلى هذا المعنى فلم أظفر بشيء، ثم انتقلت إلى كتب العامة فلم أجد فيها ما يدل على ما ذكره الشيخ حفظه الله (3) ، وغاية ما وقعت عليه هو وجود بعض الأخبار عندهم تفید خروج الامام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف من بلاد المغرب.

وقد نقل هذا الرأي القرطبي صاحب التذكرة إذ يقول: تقدم من حديث أم سلمة وأبي هريرة أن المهدي يبايع بين الركن والمقام وظاهر أنه لم يبايع وليس كذلك، فإنه روي من حديث ابن مسعود وغيره من الصحابة أنه يخرج في آخر الزمان من المغرب الأقصى يمشي النصر بين يديه أربعين ميلاً راياته بيض وصفر فيها رقوم فيها اسم

ص: 63


1- الشيخ علي الكوراني العاملي أدام الله فوائده.
2- معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف 239/3.
3- حاولت اواصل كثيرا مع الشيخ الكوراني حفظه الله إلّا أنّني لم أتمكن من ذلك خصوصا بعد مرضه الأخير.

الله الأعظم مكتوب: فلا تهزم له راية، وقيام هذه الرايات وانبعاثها من ساحل البحر بموضع يقال له ماسنة من قبل المغرب(1).

ولو قبلنا هذه الأحاديث فإنّ خروجه علیه السلام من المغرب لا يعني أنّ أمّه مغربيّة.

أنها علیها السلام نوبية:

بقي بحث كونها علیها السلام نوبية حيث يمكن إقامة الدليل على هذه النسبة بعدة طوائف من الروايات بعضها بمثابة الدليل التام الصريح على المدعى، والبعض الآخر هي مؤيّدات للموضوع:

أمّا الدليل فهو ما رواه الشيخ الكليني رضی الله عنه في الكافي :عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد القاساني جميعا، عن زكريا بن يحيى بن النعمان الصير في...قال علي بن جعفر: فقمت فمصصت ريق أبي جعفر علیه السلام ثم قالت له : أشهد أنك إمامي عند الله، فبكى الرضا علیه السلام ، ثم قال : يا عم ! ألم تسمع أبي وهو يقول: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: بأبي ابن خيرة الإماء ابن النوبية الطيبة الفم المنتجبة الرحم ويلهم لعن الله الأعيبس وذريته صاحب الفتنة، ويقتلهم سنين وشهورا وأياما يسومهم خسفا ويسقيهم كأسا مصبرة، وهو الطريد الشريد الموتور

ص: 64


1- التذكرة 1206 .

بأبيه وجده صاحب الغيبة، يقال: مات أو هلك، أي واد سلك؟! أفيكون هذا يا عمّ إلّا مني، فقلت: صدقت جعلت فداك(1).

وموضع الشاهد في الخبر هو قوله: "بأبي ابن خيرة الإماء ابن النوبية"، حيث أنّ الحديث هنا ليس حول الإمام الجواد علیه السلام بل حول الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف بقرينة قوله : " وهو الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده صاحب الغيبة"، وهذه الصفات خاصة بخاتم الأوصياء ولا يمكن حملها على غيره.

كذلك التعبير ب"خيرة الإماء" فإنّه قد ورد في روايات أخرى في حق أمّ الإمام المهدي علیه السلام دون غيرها، فقد روي عن أمير المؤمنين علیه السلام: بأبي ابن خير الإماء - يعني القائم علیه السلام من ولده علیه السلام- ، يسومهم خسفا، ويسقيهم بكأس مصبرة، ولا يعطيهم إلا السيف هرجا(2).

ومن هنا فإنّ المولى المازندراني رحمة الله ذهب إلى أنّ الأمة النوبية هي أمّ الصاحب عجّل الله فرجه حيث قال تعليقا على الحديث: قوله (ابن خيرة الإماء )المراد به صاحب الزمان علیه السلام لا محمد بن علي الجواد لأن ضمير هو في قوله «وهو الطريد »راجع إلى الابن وهو بيان لحال الصاحب قطعا، قوله ( ابن النوبية ) النوبة بالضم بلاد واسعة للسودان

ص: 65


1- الكافي 322/1.
2- الغيبة 234.

بجنب الصعيد ومنها بلاد الحبشة، والنوبة أيضاً جبل من السودان والنسبة إليها نوبي ونوبية(1).

وقد ذهب العلّامة المجلسي - رحمة الله إلى أن المقصود هو الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف اله إلا أن نسبته للنوبية هي نسبة مجازيّة، فالأمة النوبية هي أمّ الإمام الجواد علیه السلام وبالتالي هي أم للإمام المهدي علیه السلام بالواسطة، قال: والمراد بابن خيرة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف والمراد بخيرة الإماء أم الجواد علیه السلام فإنّها أمه بواسطة لأنّ أمّه بلا واسطة كانت بنت قيصر- ولم تكن نوبيّة (2).

وكلامه رضی الله عنه مخالف لظاهر النص فإنّ إسناد الشيء بالواسطة هو نحو من أنحاء المجاز الذي يفتقر إلى القرينة لرفع اليد عن الظاهر، فإن قيل أنّ العلامة المجلسي رضی الله عنه قد ذكر قرينته على ذلك وهو ما دلّ على أنّ أم الإمام المهدي علیها السلام روميّة قلنا إنّ ما دلّ على كونها روميّة قد تمت مناقشته بحيث لا يمكن اعتماده كقرينة للتصرف في ظاهر النص.

نعم، قد يشكل على هذا الاستدلال بأنّ موضع الشاهد في الرواية محل إشكال إذ إنّ الشيخ المفيد رضی الله عنه قد روى هذا الخبر في كتاب

ص: 66


1- شرح أصول الكافي 212/6.
2- مرآة العقول 381/3

الإرشاد مع تفاوت في اللفظ يغيّر المعنى تمام حيث قال :أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه وعلي بن محمد القاساني جميعا عن زكريا بن يحي بن النعمان قال: سمعت علي بن جعفر بن محمد يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال في حديثه: لقد نصر الله أبا الحسن الرضا علیه السلام لما بغى عليه إخوته وعمومته ، وذكر حديثا طويلا حتى انتهى إلى قوله : فقمت وقبضت على يد أبي جعفر محمد بن علي الرضا علیه السلام وقلت له: أشهد أنك إمام عند الله، فبكى الرضا علیه هالسلام ثم قال: "يا

عم، ألم تسمع أبي وهو يقول: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيبة، يكون من ولده الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده، صاحب الغيبة، فيقال: مات أو هلك أي واد سلك؟" فقلت: صدقت جعلت فداك(1) .

فهذا النقل يبيّن أنّ ابن النوبية هو الإمام الجواد علیه السلام أما الطريد الشريد صاحب الغيبة فهو ابنه المهدي علیه السلام وبالتالي يحسم النزاع في الرواية المتقدمة فلا تصلح دليلا على المدّعى!

والجواب هو أنّ هذا النقل لا يصلح لضرب الرواية المتقدمة وذلك لأنّ الشيخ المفيد رضی الله عنه قد نص على أنه نقل الرواية عن كتاب

ص: 67


1- الإرشاد 275/2

الكافي للكليني رضی الله عنه كما يظهر ذلك من السند وبمراجعة كل مخطوطات الكافي الواصلة إلينا فإنّنا لم نجد أي اختلاف بينها بل كلّها متطابقة على النقل المتقدّم للرواية، والذي يظهر أنّ السبب في اختلاف النقل هو أنّ الشيخ المفيد رضی الله عنه قد نقل الرواية بالمعنى لا باللفظ يشهد على ذلك قوله: وذكر حديثا طويلا حتى انتهى إلى قول...(1).

أَمَّا الطَّائِفَةِ المُؤَيَّدَة فمنها ما ورد من أنّ الإمام المهدي علیه السلام هو ابن (أمة سوداء)، والروايات في هذا الباب كثيرة:

فمنها ما رواه النعماني رضی الله عنه في غيبته: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدثنا محمد بن المفضل بن قيس بن رمانة الأشعري وسعدان بن إسحاق بن سعيد وأحمد بن الحسين بن عبد الملك ومحمد بن الحسن القطواني، قالوا جميعا:حدثنا الحسن بن محبوب الزراد، عن هشام بن سالم، عن يزيد الكناسي، قال: سمعت أبا جعفر الباقر علیه السلام يقول : إنّ صاحب هذا الأمر فيه شبه من يوسف ابن أمة سوداء، يصلح الله له أمره في ليلة(2).

والخبر يشير إلى حقيقة واحدة وهي أنّ أمّ صاحب الأمر علیه السلام

ص: 68


1- الإرشاد 275/2
2- الغيبة 166.

ستكون أمة سوداء، وهذا الأمر هو بمثابة المعارض الصريح للرواية التي تشير بأنّها روميّة إذ لم نسمع أنّ في الروم سودا، كما أنّها تعطينا تصوّرا مبدئيًا عن بلاد هذه المرأة العظيمة إذ كان مصدر العبيد السود في تلك الأزمان القارة الإفريقية وتحديدا بلاد الحبشة وبلاد النوبة أي مثلث السودان وأثيوبيا وإريتريا.

والعجيب من بعض المعاصرين(1) إنكاره لوجود لفظ سوداء في الرواية حيث قال: الظاهر أن كلمة سوداء في نسخة النعماني زائدة حيث اتفقت الروايات على أنّ أم المهدي علیه السلام روميّة أو مغربية وليست سوداء(2).

وهذا الكلام يدفع بأمور:

أولا: إنّ كل نسخ كتاب "الغيبة" للنعماني متطابقة على نقل الرواية بلفظ (أمة سوداء)ولم نجد نسخة واحدة قد سقطت منها لفظة (سوداء)، وبالتالي فما ذكره صاحب الإشكال لا يعدو كونه

تخمينا لا واقع له.

ثانيا : صرّح النعماني رضی الله عنه في نهاية الباب لما يدلّ على تسليمه بصحة هذه الطائفة من الروايات التي تذكر بصراحة أنها علیها السلام أمة

ص: 69


1- الشيخ علي الكوراني العاملي أدام الله فوائده.
2- معجم أحاديث الإمام المهدي 239/3. معجم أحاديث الإمام المهدي 239/3.

سوداء حيث قال: فاعتبروا يا أولي الأبصار الناظرة بنور الهدى والقلوب السليمة من العمى المشرقة بالإيمان والضياء بهذا القول قول الإمامين الباقر والصادق علیهما السلام في الغيبة وما في القائم علیه السلام من سنن الأنبياء علیهم السلام من الاستتار والخوف، وأنه ابن أمة سوداء يصلح الله له أمره في ليلة(1).

وهذا ما يؤكد لنا صحة لفظة (سوداء) في هذه الرواية بما لا يدع مجالا للشك.

ثالثا : لقد وردت هذه الرواية في مصدر آخر وبسند آخر، فقد روى الشيخ الصدوق رضی الله عنه في كماله، قال: حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس رضی الله عنه قال: حدثنا أبو عمرو الكشي -قال: حدثنا محمد بن مسعود قال: حدثنا علي بن محمد القمي، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي أحمد الأزدي، عن ضريس الكناسي قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : إنّ صاحب هذا الأمر فيه سنة من يوسف ابن أمة سوداء، يصلح الله عزوجل أمره في ليلة واحدة(2).

وهذا الخبر يقطع النزاع في هذه الطائفة من الروايات بحيث لا

ص: 70


1- الغيبة 168.
2- كمال الدين 329.

يبقى مجال للشك في أنّ الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف كان ابن أمة سوداء، وهذا ما يؤكّد صحة الرواية المتقدّمة من أنها علیها السلام امرأة من بلاد النوبة.

ومن الأخبار المؤيدة ما ورد من أنّ الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف كان أسمر اللون:

فقد روى الشيخ الطوسي رضی الله عنه في غيبته بسنده عن جابر الجعفي عن أبي جعفرعلیه السلام قال : المهدي رجل من ولد فاطمة وهو رجل آدم (1).

وروى السيد ابن طاووس رضی الله عنه بسنده عن الإمام الكاظم علیه السلام : ذلك المهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله قال بابي المنبدح البطن المقرون الحاجبين أحمش الساقين بعيد ما بين المنكبين أسمر اللون يعتاده مع سمرته صفرة من سهر الليل بابي من ليله يرعى النجوم ساجدا وراكعا بابي من لا يأخذه في الله لومة لائم مصباح الدجى بابي القائم بأمر الله(2).

بل ورد في وصف من رآه التأكيد على سمرة لونه، ففي خبر أبي الاديان: فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفنا فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما هم

ص: 71


1- الغيبة 187.
2- فلاح السائل 200.

بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ برداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي ، فتأخر جعفر، وقد أربد وجهه واصفر (1).

وليس المقصود من السمرة في الأحاديث السحنة العربية المعهودة إذ إنّ هذه الصفة متعارفة بين العرب، بل يقصد بذلك سمرة خاصة خصوصا مع التعبير عنه بأنّه آدم والأدمة هي شدة السمرة كما هو معروف في كتب اللغة.

وهذه الطائفة ليست دليلا مستقلا كما قدّمنا بل هي مؤيّدة لما سبق إذ الأنسب بمن كانت أمه نوبيّة أن يكون هذا لونه بخلاف من كانت أمه روميّة فإنّ لون بشرته سيكون أقرب للبياض إن لم يكن

كذلك بالفعل.

ويمكن التأييد برواية يعقوب الضراب والتي تشعر بوجود خالة للإمام المهدي علیه السلام سمراء اللون، فقد روى الشيخ الطوسي رضی الله عنه في غيبته بسنده عن يعقوب بن يوسف الضراب الغساني - في منصرفه من إصفهان - قال: حججت في سنة إحدى وثمانين ومائتين وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلدنا، فلما قدمنا مكة تقدم بعضهم فاكترى

ص: 72


1- كمال الدين 475

لنا دارا في زقاق بين سوق الليل وهي دار خديجة علیها السلام تسمى دار الرضا علیه السلام وفيها عجوز سمراء فسألتها - لما وقفت على أنها دار الرضا علیه السلام- ما تكونين من أصحاب هذه الدار؟ ولم سمیت دار الرضا؟ فقالت: أنا من مواليهم وهذه دار الرضا علي بن موسى علیهما السلام أسكنيها الحسن بن علی علیهما السلام فإني كنت من خدمه، فلما سمعت ذلك منها آنست بها وأسررت الأمر عن رفقائي المخالفين، فكنت إذا انصرفت من الطواف بالليل أنام معهم في رواق في الدار ونغلق الباب ونلقي خلف الباب حجرا كبيرا كنا ندير خلف الباب، فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنا فيه شبيها بضوء المشعل، ورأيت الباب قد انفتح ولا أرى أحدا فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلا ربعة أسمر إلى الصفرة ما هو قليل اللحم، في وجهه سجادة عليه قميصان وإزار رقيق قد تقنع به وفي رجله نعل طاق فصعد إلى الغرفة في الدار حيث كانت العجوز تسكن..... فلما رأيت هذه الأسباب ضرب على قلبي ووقعت في قلبي فتنة فتلطفت العجوز وأحببت أن أقف على خبر الرجل، فقلت لها : يا فلانة إني أحب أن أسألك وأفاوضك من غير حضور من معي فلا أقدر عليه فأنا أحب إذا رأيتني في الدار وحدي أن تنزلي إلي لأسألك عن أمر ، فقالت لي مسرعة: وأنا أريد أن أسر إليك شيئا فلم يتهيأ لي ذلك من أجل من معك، فقلت ما أردت أن تقولي؟ فقالت:

ص: 73

يقول لك- ولم تذكر أحدا - لا تخاشن أصحابك وشركاءك ولا تلاحهم، فإنهم أعداؤك ودارهم فقلت لها :من يقول؟ فقالت :أنا أقول، فلم أجسر لما دخل قلبي من الهيبة أن أراجعها، فقلت أي أصحابي تعنين؟ فظننت أنها تعني رفقائي الذين كانوا حجاجا معي قالت :شركاؤك الذين في بلدك وفي الدار معك، وكان جرى بيني وبين الذين معي في الدار عنت في الدين، فسعوا بي حتى هربت واستترت بذلك السبب فوقفت على أنها عنت أولئك، فقلت لها: ما تكونين أنت من الرضا؟ فقالت كنت خادمة للحسن بن علي علیهما السلام فلما استيقنت ذلك قلت: الأسألنها عن الغائب علیه السلام، فقلت: بالله عليك رأيته بعينك، فقالت: يا أخي لم أره بعيني فإنّي خرجت وأختي حبلى وبشرني الحسن بن علي علیهما السلام بأني سوف أراه في آخر عمري، وقال لي: تكونين له كما كنت لي(1).

فقولها:(يا أخي لم أره بعيني فإنّي خرجت وأختي حبلى) مشعر بأنّ هذه الأخت هي أم الإمام المهدي علیه السلام، إذ كيف تكون إمرأة أجنبية حبلى في بيت الإمام العسكري علیه السلام ؟ وما علاقة حملها بسؤال يعقوب الضراب حول الغائب علیه السلام ؟!

فبهذه الطوائف المختلفة من الروايات يمكن الإطمئنان بأن

ص: 74


1- الغيبة 273

أم مولانا الإمام المهدي علیها السلام هي أمة سوداء من بلاد النوبة.

النتيجة النهائية:

إنّ مقتضى ما تقدّم من مناقشة للأدلة المختلفة فإنّ المرجّح هو كون أمّ الإمام المهدي علیها السلام أمة من بلاد النوبة، بل ما تقدّم يعطينا دليل إضافي على عدم صحة الرواية التي قدمنا ذكرها والتي ثبت لك يقينا مخالفتها للأحاديث الكثيرة عن أهل بيت العصمة علیهم السلام .

وبالتالي فيمكن أن نترقى في ما ذكرناه في أوّل هذا الباب وندعي قيام الدليل على عدم كون أم الإمام المهدي علیه السلام رومية كما اشتهر وشاع بين الناس في هذه الأعصار، ومن هنا فإنّ سؤالا آخر سيفرضه علينا البحث وهو: كيف وصلت هذه النوبية الطاهرة علیها السلام إلى بيت أهل العصمة والطهارة علیهم السلام؟!

ص: 75

ص: 76

كيف وصلت علیها السلام إلى بيت العصمة؟

الأمر الآخر الذي يترتب عليه سقوط رواية (الرهني) المتقدمة هو كون أم الإمام المهدي علیها السلام قد وصلت إلى بيت العصمة بعد رحلة سبي طويلة جدا، وبالتالي فإنّ الكلام الآن لابد أن ينصب حول جواب هذا السؤال الذي أضحى بمثابة فراغ في سيرته علیها السلام وهو: كيف

وصلت هذه الطاهرة إلى البيت العلوي؟

هل كانت مملوكة للإمام الهادي علیه السلام؟

أهمّ نقطة يمكن أن ننطلق بها في بحث هذه الجزئية هو بحث من هو مالك أمّ الإمام المهدي علیه السلام بعد الفراغ من كونها أمة مملوكة كما نطقت بذلك الروايات الكثيرة، وقد نصت رواية (الرهني) التي تم الحديث عنها على أنّ الذي اشتراها هو الإمام الهادي علیه السلام ، في حين أنها تعارض طائفة أخرى من الروايات أخرى تنص صراحة على أنها كانت ملكا الحكيمة بنت الإمام الجواد علیه السلام:

فقد نقل الشيخ الصدوق رضی الله عنه رواية طويلة عن حكيمة علیها السلام تجيب فيها عمّن سألها عن الحجّة علیه السلام : يا مولاتي هل كان للحسن علیه السلام ولد؟ فتبسمت ثم قالت: إذا لم يكن للحسن علیه السلام عقب فمن الحجة

ص: 77

من بعده وقد أخبرتك أنه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين علیهما السلام فقلت يا سيدتي حدثيني بولادة مولاي وغيبته علیه السلام قالت: نعم كانت لي جارية، يقال لها: نرجس فزارني ابن أخي فأقبل يحدق النظر إليها، فقلت له : يا سيدي لعلك هويتها فأرسلها إليك؟ فقال لها : لا يا عمة ولكني أتعجب منها، فقلت: وما أعجبك منها؟ فقال علیه السلام : سيخرج منها ولد كريم على الله عز وجل الذي يملأ الله به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، فقلت: فأرسلها إليك يا سيدي؟ فقال: استأذني في ذلك علیه السلام ، قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن علیه السلام فسلمت وجلست فبدأني علیه السلام ، وقال :يا حكيمة ابعثي نرجس إلى ابني أبي محمد قالت: فقلت يا سيدي على هذا قصدتك على أن أستأذنك في ذلك، فقال لي: يا مباركة إن الله تبارك وتعالى أحبّ أن يشركك الأجر ويجعل لك في الخير نصيبا، قالت حكيمة : فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزينتها ووهبتها لأبي محمد علیه السلام وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أياما ، ثم مضى إلى والده علیه السلام ووجهت بها معه(1).

وروى الشيخ الطوسي رضی الله عنه هذا الخبر مرسلا: وروي أنّ بعض أخوات أبي الحسن علیه السلام كانت لها جارية ربتها تسمى نرجس فلما

ص: 78


1- كمال الدين 426.

كبرت دخل أبو محمد علیه السلام فنظر إليها فقالت له: أراك يا سيدي تنظر إليها؟ فقال : إني ما نظرت إليها إلا متعجبا، أما إن المولود الكريم على الله تعالى يكون منها ثم أمرها أن تستأذن أبا الحسن علیه السلام في دفعها إليه ففعلت فأمرها بذلك(1).

وقد يشكل على هذه الرواية بأمرين:

- أولهما ما تضمنته من نظر الإمام العسكري علیه السلام النرجس علیها السلام إذ كيف يتصوّر صدور مثل هذا الأمر من الإمام علیه السلام؟

-ثانيهما: معارضة هذه الرواية لما ورد في الأخبار الأخرى الصحيحة من جهل حكيمة علیها السلام بهوية أم علیها السلام.

ويمكن دفع الإشكالين بالتالي:

أمّا الأوّل فيمكن دفعه بملاحظة أن نرجسا علیها السلام كانت أمة لا حرّة، ومن المعلوم أنّ الأمة يجوز أن ينظر إليها الإنسان بل أن يلمسها ويواقعها إذا كان بإذن مالكها، فكذلك الأمر هنا إذ يظهر من السياق رضا المالكة بذلك الأمر غاية ما في الأمر أنّه لم يصرح به لفظا لكونه من الأمور البديهيّة إذ لا يمكن أن يصدر مثل هذا من فضلاء الناس فضلا عن شخصيّة بحجة الإمام العسكري علیه السلام .

ص: 79


1- الغيبة 244.

ونعم ما أجاب به السيد محمد الصدر رحمة الله إذ قال: ويأتي الجواب واضحاً بسيطاً وهو أنه نظر إليها بإذن مالكتها، والمالك إذا أذن لشخص في النظر إلى مملوكته جاز للمأذون له النظر شرعاً في حدود إذن المالك، وهذا وإن لم يذكر في الرواية إلّا أنّه أخذ مفروض التحقق في الرواية للتسالم الواضح في المجتمع المسلم على عدم جواز النظر إلى مملوكة الغير إلا بإذنه، لذا كان من الواضح في ذهن الراوي أنّ السامع المسلم سوف يفهم تلقائيا وجود الإذن في النظر ومن هنا أهمله من سرده من لفظ الرواية (1).

أمّا الإشكال الثاني، فالجواب عليه موجود في نفس هذه الرواية إذ موضع الشاهد فيها هو سؤال حكيمة علیها السلام عن هوية أم المهدي علیه السلام حيث لازم السؤال هو الجهل بها، إلّا أنّ سبب هذا الاستفسار هو عدم ظهور آثار الحمل عليها كما نصت هي بنفسها على ذلك، فكان سؤالها من باب التأكد ورفع التعجب.

فقد ورد فيها : فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس فصحت بالجارية وقلت: ناوليني ثيابي لانصرف فقال علیه السلام: لا يا عمتا بيتي الليلة عندنا فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عز وجل الذي يحيى الله عز وجل به الأرض بعد موتها ، فقلت :ممن يا سيدي

ص: 80


1- موسوعة الإمام المهدي 260/1

ولست أرى بنرجس شيئا من أثر الحبل؟ فقال: من نرجس لا من غيرها، قالت: فوثبت إليها فقلبتها ظهرا لبطن فلم أر بها أثر حبل فعدت إليه علیه السلام فأخبرته بما فعلت، فتبسم ثم قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل لان مثلها مثل أم موسى علیه السلام لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها ، لان فرعون كان يشق بطون الحالي في طلب موسى علیه السلام ، وهذا نظير موسى(1).

نعم، يبقى الكلام في سند هذه الرواية واشتمالها على مجاهيل بحيث لا يمكن الركون إليها، إلا أنّ هذا الأمر يمكن دفعه بملاحظة الأخبار الأخرى التي ستأتي ستأتيك تباعا:

فقد روی صاحب دلائل الإمامة وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، قال: حدثني أبي رضی الله عنه، قال : حدثنا أبو علي محمد بن همام ، قال : حدثنا جعفر بن محمد، قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن أبي نعيم، عن محمد بن القاسم العلوي، قال: دخلنا جماعة من العلوية على حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى علیهم السلام، فقالت: جئتم تسألونني عن ميلاد ولي الله؟ قلنا: بلى والله قالت: كان عندي البارحة وأخبرني بذلك، وَإِنَّه كَانَت عَندِيَ صَبيَةَ يَقَالَ لَهَا نَرجِسَ وَكَنتَ أربِيَهَا

ص: 81


1- كمال الدين 427

مِن بَينَ الجَّوارِيَ، وَلَا يَلِيَ تَربِيَتَها غَيرِيَ(1) .

ونقل صاحب إثبات الوصيّة خبرا آخرا بأسانيد مختلفة يدلّ على نفس المضمون :وروى جماعة من الشيوخ العلماء :منهم علان الكلابي، وموسى بن محمد الغازي وأحمد بن جعفر بأسانيدهم، أنّ حكيمة بنت أبي جعفرعلیه السلام عمة أبي محمد علیه السلام كانت تدخل إلى أبي محمد علیه السلام فتدعو له أن يرزقه الله ولدا، وأنّها قالت: دخلت عليه يوما فدعوت له كما كنت أدعو، فقال لي: يا عمّة، أما أنّه يولد لي في هذه الليلة وكانت ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين المولود الذي كنا نتوقعه فاجعلي افطارك عندنا، وكانت ليلة الجمعة فقلت له : ممّن يكون هذا المولود يا سيدي، قال: من جاريتك نرجس(2)

وهذه الرواية صريحة جدا في كونها جارية لحكيمة علیها السلام والأهم من هذا إشارة صاحب" إثبات الوصيّة" إلى استفاضة هذا الخبر ممّا يعني وجود روايات أخرى في المقام، وهذا ما يجعلنا نسلّما بما رواه الخصيبي في هدايته حيث لم يكتف بذكر استفاضة الخبر بل نقله مفصلا مع ذكر أسانيده كاملة، قال: حدثني هارون بن مسلم بن

ص: 82


1- دلائل الإمامة 499
2- إثبات الوصية 272

سعدان ،البصري، ومحمد بن أحمد بن مطهر البغدادي، وأحمد بن إسحاق وسهل بن زياد الآدمي، وعبد الله بن جعفر الحميري، وأحمد بن أبي عبد الله البرقي، وصالح بن محمد الهمداني، وجعفر بن إبراهيم بن نوح، وداود بن عامر الأشعري القمي، وأحمد بن محمد الخصيبي، وإبراهيم بن الخصيب، ومحمد بن علي البشري، ومحمد بن عبد الله اليقطيني البغدادي، وأحمد بن محمد النيسابوري، وأحمد بن عبد الله بن مهران الأنباري ، وأحمد بن محمد الصيرفي، وعلي بن بلال، ومحمد بن أبي الصهباني، وإسحاق بن إسماعيل النيسابوري، وعلي بن عبيد الله الحسني، ومحمد بن إسماعيل الحسيني، وأبو الحسين محمد بن يحيى الفارسي، وأحمد بن سندول ، والعباس اللبان وعلي بن صالح وعبد الحميد الحميد بن محمد، ومحمد بن يحيى الخرقي، ومحمد بن علي بن عبيد الله الحسني، وابن عاصم الكوفي، وأحمد بن محمد الحجال وعسكر مولى أبي جعفر التاسع، والزيان مولى الرضى، وحمزة مولى أبي جعفر التاسع، وعيسى بن مهدي الجوهري، والحسن بن إبراهيم، وأحمد بن إسماعيل، ومحمد بن ميمون الخراساني، ومحمد بن خلف وأحمد بن حسان وعلي بن أحمد الصائغ، والحسن بن مسعود الفراتي وأحمد بن حيان العجلي، والحسن بن مالك، وأحمد بن محمد بن أبي قرنة، وجعفر بن أحمد القصير البصري، وعلي بن الصابوني، وأبو

ص: 83

الحسن علي بن بشر، والحسن البلخي، وأحمد بن صالح ، والحسين بن عتاب، وعبد الله بن عبد الباري، وأحمد بن داود القمي، ومحمد بن عبد الله، وطالب بن حاتم بن طالب، والحسن بن محمد بن مسعود بن سعد، وأحمد بن ماران، وأبو بكر الصفار، ومحمد بن موسى القمي وعتاب بن محمد الديلمي، وأحمد بن مالك القمي ، وأبو بكر الجواري، وعبد الله جميعا وشتى كانوا بأجمعهم مجاورين الإمامين عن سيدنا أبي الحسن وأبي محمد ععلیهما السلام ... قال أبو محمد علیه السلام : إنِّي أَدخَلَت عَمَاتِيَ فِي دَارِيَ فَرَأَيتَ جَارِيَة مِنَ جَوارَيهَنَ قَد زِيّنَتَ تَسمّى نَرجِس فنظرت إليها نظرا أطلته، فقالت عمتي حكيمة أراك يا سيدي تنظر إلى هذه الجارية نظرا شديدا فقلت يا عمّة ما نظري إليها إلّا أتعجب مما الله فيها منإإرادته وخيرته، فقالت: يا سيدي أحسبك تريدها، قلت: بلى فأمرتها تستأذن لي أبي علي بن محمد علیه السلام في تسليمها إلي ففعلت فأمرها بذلك، فجاءتني بها؛ قال الحسين بن حمدان حدثني من زاد في أسماء من حدثني من هؤلاء الرجال الذين أسميهم وهم غيلان الكلابي، وموسى بن محمد الرازي، وأحمد بن جعفر الطوسي عن حكيمة ابنة محمد بن علي الرضا علیهم السلام.. (1)

ص: 84


1- الهداية الكبرى 353.

ولدت في بيتها:

بالرجوع إلى أقدم المصادر الموجودة عندنا فإنّنا نجد أنفسنا أمام حقيقة أخرى واضحة وجليّة وهي أنّ أمّ الإمام المهدي علیها السلام قد ولدت في البيت العلوي وتحديدا في بيت حكيمة علیها السلام لا أنّها اشتريت من سوق النخاسة، يدل على ذلك:

ما ذكره صاحب كتاب "إثبات الوصيّة": روى لنا الثقات من مشايخنا أنّ بعض أخوات أبي الحسن علي بن محمد علیه السلام كانت لها جارية ولدت في بيتها وربتها تسمّى نرجس(1).

وقيمة هذا النقل تكمن في أمور:

أوّلا:أنّ المسعودي توفي سنة 346ه أي بعد أقل من 100 سنة من مولد الصاحب عجل الله فرجه، وأدرك الغيبة الصغرى، بل كان يعيش ببغداد حيث تواجد السفراء قدس الله أرواحهم الطاهرة وعليه فنقله سيكون أوثق وأدق من نقل مثل الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي وغيرهم لتأخرهم الزماني وبعد بعضهم المكاني(2).

ص: 85


1- إثبات الوصية 272.
2- المشهور نسبة الكتاب للمسعودي صاحب مروج الذهب إلّا أنّ بعض المحققين قد شكك في صحة هذه النسبة حيث ذهب إلى أنه كتاب (الأوصياء) للشلمغاني، فبناء على الرأي المشهور القائل بنسبة الكتاب للمسعودي فقد تبيّن لك القيمة العلميّة للرواية، أمّا بناء على نسبة الكتاب للشلمغاني فإنّ القيمة العلميّة للرواية ستكون أكثر لكونه قد ألف في زمن الغيبة الصغرى من شخص قریب من السفراء.

ثانيا: نقل هذه القضية بواسطة واحدة ولم يكتف بهذا أشار إلى استفاضة النقل، إذ أنّه عبّرب (مشايخنا) أي أن أقلهم ثلاثة أشخاص، ولاشك أنّ طبقة مشايخ المسعودي قد أدركوا هذه الحادثة

وشهدوها.

ثالثا: الأهم ممّا تقدّم أنّه وثّق واسطته في النقل ولم يسكت عنهم، فهم وإن كانت أعيانهم مجهولة بالنسبة إلينا، إلّا أنّ حالهم معلوم بناء على توثيق المسعودي لهم.

ما ذكره صاحب كتاب "عيون المعجزات" حيث نقل نفس الرواية مع تفاوت مفيد في المقام، قال في صفحة 127 :قرأت في كتب كثيرة بروايات كثيرة صحيحة أنّه كان الحكيمة بنت أبي جعفر محمد بن علي علیه السلام جارية ولدت في بيتها وربّتها، وكانت تسمّى نرجس فلمّا كبرت دخل أبو محمد فنظر إليها، فقالت له عمّته حكيمة: أراك يا سيدي تنظر إليها ، فقال علیه السلام : إني ما نظرت إليها متعجبا، أما أن المولود الكريم على الله يكون منها، ثم أمرها ان تستأذن أبا الحسن أباه علیه السلام في دفعها إليه فقلت: فأمرها بذلك(1).

وهذا النقل أضاف على ما تقدّم أمرين:

ص: 86


1- عيون المعجزات 127

أوّلا: أنّ المحدّث حسين بن عبد الوهاب رحمة الله المعاصر للشريف المرتضى رضی الله عنه نص على صحة الروايات التي نقلت هذا المضمون وهو ولادة نرجس علیها السلام في بيت حكيمة، وسواء قلنا أنّ مراده الصحة بلحاظ وثاقة الرواة أو بلحاظة الوثوق في المروي، فإنّ هذا

المقدار يكفي للإثبات التاريخي .

ثانيا: أنّه نصّ على استفاضة الخبر في كتب الأصحاب حيث قال:(قرأت في كتب كثيرة)، وهذا يدلّ على أنّ القضية كانت مشهورة وكانت مثبتتة في كتب الأصحاب التي وقعت بين يديه.

فبالجمع بين هاذين النقلين نصل إلى أنّ ولادة أمّ الإمام المهدي علیها السلام في بيت السيدة نرجس كانت أمرا مشهورا ومعروفا ومستفيضا بين الأصحاب في الغيبة الصغرى.

قرائن أخرى:

من الأمور التي يمكن الاستناد إليها لترجيح ما قلناه هو مناسبته لحال أم الإمام علیها السلام إذ إنّ تعطينا تصوّرا يليق بشأنها:

-ولدت على الإسلام.

- تربت في بيت الوحي

-أدبتها حكيمة بنت الجواد علیها السلام.

ص: 87

-لم يمسسها رجل ولم تنكشف على أحد من قبل.

بخلاف رواية الرهني التي لو قبلنا بها فإنّنا سنقع أمام عدة أمور قد لا تناسب شأن الإمامة:

-ولدت على الشرك

-تربت في بلاط طاغية

-تملكها نخاس

-حديثة عهد بالإسلام

فهل تتناسب هذه الأمور مع أم خاتم الأوصياء علیه السلام الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا؟

واكتملت الصورة:

تبين لك ممّا تقدّم أنّ أمّ الإمام المهدي علیها السلام هي جارية نوبية ولدت في بيت حكيمة بنت الإمام الجواد علیها السلام وتولّت هي تربيتها وتأديبها إلى أن وهبتها للإمام العسكري علیه السلام - بناء على طلب منه- في حياة أبيه الإمام الهادي علیه السلام، ولم يعلم أحد بحملها سوى في الليلة

الأخيرة والتي بزغ فيها نور الله في أرضه.

وبعد هذا العرض يكون قد اتضح لك أيضا سقوط رواية (الرهني)التي ناقشناها في الفصول السابقة والتي تخالف كل هذه

ص: 88

الروايات الصحيحة الصريحة بحيث يمكن أن نقطع بكونها من تأليف القصاصين في ذلك الزمان.

ص: 89

ص: 90

مقامها عند أهل البيت علیهم السلام

لا شكّ أنّ لأمهات المعصومين علیهم السلام مكانة ومقاما خاصا عند الله جلّ جلاله، فقد اصطفاهنّ لحمل حججه على عباده وأمنائه في بلاده ومثل هذه الأمانة لا تكون إلا لمن خلص وأخلص فاستخلصه الله واجتباه عن بقيّة خلقه.

وفي هذا الفصل سنذكر كيف تحدّث أهل البيت علیهم السلام عن أمّ قائهمهم علیه السلام :

ما ورد عن رسول الله علیه السلام:

روى ثقة الإسلام الكليني رضی الله عنه بسنده: قال رسول الله صلی الله علیه وآله :بأبي ابن خيرة الإماء ابن النوبية الطيبة الفم، المنتجبة الرحم، ويلهم لعن الله الأعيبس وذريته، صاحب الفتنة، ويقتلهم سنين وشهورا وأياما يسومهم خسفا ويسقيهم كأسا مصبرة، وهو الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده صاحب الغيبة، يقال: مات أو هلك، أي واد

ص: 91

سلك؟! أفيكون هذا يا عمّ إلّا مني، فقلت: صدقت جعلت فداك(1).

ما ورد عن أمير المؤمنين علیه السلام:

روى النعماني في غيبته بسنده عن الحارث الأعور الهمداني، قال أمير المؤمنين علیه السلام بأبي ابن خير الإماء - يعني القائم علیه السلام من ولده - يسومهم خسفا ويسقيهم بكأس مصبّرة، ولا يعطيهم إلا السيف هرجا، فعند ذلك تتمنى فجرة قريش لو أن لها مفاداة من الدنيا وما فيها ليغفر لها لا نكف عنهم حتى يرضى الله(2).

وفي خبر آخر نقله الجوهري مسندا عن ابن أبي جحيفة السوائي - من سواءة بن عامر - والحرث بن عبد الله الحارثي الهمداني والحرث بن شرب كل حدثنا أنّهم كانوا عند علي بن أبي طالب علیه السلام فكان إذا قبل ابنه الحسن علیه السلام يقول: مرحبا يا بن رسول الله صلی الله علیه وآله، وإذا أقبل الحسين يقول :بأبي أنت وأمي يا أبا ابن خير الإماء، فقيل له: يا أمير المؤمنين ما بالك تقول هذا للحسن وتقول هذا للحسين ؟ ومن ابن خيرة الإماء؟ فقال: ذلك الفقيد الطريد الشريد: محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي

ص: 92


1- الكافي 322/1.
2- الغيبة 234.

بن الحسين علیه السلام هذا ووضع يده على رأس الحسين علیه السلام(1).

ما ورد عن الإمام الحسن علیه السلام:

روى الشيخ الصدوق رضی الله عنه بسنده: لما صالح الحسن بن علي علیهما السلام معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس، فلامه بعضهم على بيعته، فقال علیه السلام : ويحكم ما تدرون ما عملت والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت... أما علمتم أنه ما منا أحد إلّا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي روح عيسى بن مريم علیه السلام خلفه، فإن الله عز وجل يخفي ولادته، ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة ، ذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدير (2).

ما ورد عن الإمام الباقر علیه السلام:

روى الشيخ الطوسي رضی الله عنه في غيبته :عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين علیه السلام

ص: 93


1- مقتضب الأثر 31.
2- كمال الدين 316.

فقال : أخبرني عن المهدي ما اسمه؟ فقال:أما اسمه فإن حبيبي إلي أن لا أحدث باسمه حتى يبعثه الله، قال: فأخبرني عن صفته؟ قال:هو شاب ،مربوع، حسن الوجه حسن الشعر، يسيل شعره على منكبيه ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء(1).

وقد رروي في خبر آخر عنه علیه السلام تأكيده أنّ المقصودة بهذا الحديث هي أم المهدي علیها السلام، حيث روى النعماني بسنده إلى عبد الرحيم القصير، قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام : قول أمير المؤمنين علیه السلام : "بأبي ابن خيرة الإماء" أهي فاطمة علیها السلام ؟ فقال : إن فاطمة علیها السلام خيرة الحرائر، ذاك المبدح بطنه المشرب حمرة، رحم الله فلانا(2).

ما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام:

روى الشيخ الصدوق رضی الله عنه بسنده عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله يقول : إنّ سنن الأنبياء علیهم السلام بما وقع بهم من الغيبات حادثة في القائم منا أهل البيت حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، قال أبو بصير: فقلت: يا ابن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟ فقال: يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سيدة الإماء، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون ثم يظهره الله عز وجل

ص: 94


1- الغيبة 470.
2- الغيبة 233.

فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها، وينزل روح الله عيسى بن مريم علیه السلام فيصل خلفه وشرق الأرض بنور ربها، ولا تبقى في الأرض بقعة عبد فيها غير الله عز وجل إلا عبد الله فيها، ويكون الدين كله الله ولو كره المشركون(1).

ما وره عن الإمام الكاظم علیه السلام:

روى الشيخ الصدوق رضی الله عنه بسنده عن أبي أحمد محمد بن زياد الأزدي قال: سألت سيدي موسى بن جعفر علیه السلام عن قول الله عز وجل: «وَأَسْبَعَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً» ، فقال علیه السلام النعمة الظاهرة الإمام الظاهر والباطنة الامام الغائب، فقلت له: ويكون في الأئمة من يغيب؟ قال: نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه، ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو العلقي عشر مناء يسهل الله له كل عسير، ويذلل له كل صعبه ويظهر له كتور الأرض، ويقرب له كل بعيد، و بییر به كل جبار عنيد ويهلك على يده كل شيطان مريد، ذلك ابن سيدة الإماء الذي تخفى على الناس ولادته، ولا عمل لهم قسميه حق يظهره الله عز وجل فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلماً.

ص: 95


1- کل الحین 248.

ونقل المحدّث النوري عن عن يونس بن عبد الرحمن قال: دخلت على موسى بن جعفر علیهما السلام، فقلت: يا بن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال: أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملؤها عدلا كما ملئت جورا، هو الخامس من ولدي إلى أن قال: وهو الثاني عشر منا يسهل الله تعالى له كل عسر، ويذلل له كل صعب، ويظهر له كنوز الأرض، و يقرب عليه كل بعيد، ويبير به كل جبار عنيد، ويهلك على يده كل شيطان مريد، ذلك ابن سيدة الإماء، الذي تخفى على الناس ولادته، ولا يحل لهم تسميته، حتى يظهره ه الله، فيملا به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما(1).

ما ورد عن الإمام الرضا علیه السلام:

روى الشيخ الصدوق رضی الله عنه بسنده :عن الحسين بن خالد قال: قال علي بن موسى الرضا علیهما السلام: لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له، إن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية، فقيل له: يا ابن رسول الله إلى متى؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا فقيل له: يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال الرابع من ولدي

ص: 96


1- مستدرك الوسائل 282/12

ابن سيدة الإماء، يطهر الله به الأرض من كل جور، ويقدسها من كل ظلم(1).

ما ورد عن حكيمة بنت الجواد علیها السلام:

نختم بما ورد عن السيدة الطاهرة حكيمة علیها السلام التي نقلت لنا ما حدث في بيت الإمام العسكري علیه السلام، حيث صدرت منها أمور تبيّن لنا مكانة أم الإمام المهدي علیه السلام عند العترة الطاهرة:

فقد ورد في رواية الصدوق رضی الله عنه التي سبق نقلها عنها علیها السلام: قالت: بعث إلي أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام فقال: يا عمة اجعلي إفطارك هذه الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان فإن الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة وهو حجته في أرضه، قالت: فقلت له ومن أمه؟ قال لي: نرجس، قلت له: جعلني الله فداك ما بها أثر ، فقال : هو ما أقول لك ، قالت : فجئت ، فلما سلمت وجلست جاءت تنزع خفي وقالت لي: يا سيدتي وسيدة أهلي كيف أمسيت؟ فقلت: بل أنت سيدتي وسيدة أهلي، قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمة؟ قالت: فقلت لها : يا بنية إن الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيدا في الدنيا والآخرة قالت: فخجلت

ص: 97


1- كمال الدين 371.

واستحت(1).

وفي لفظ آخر قالت حكيمة : فمضى أبو الحسن علیه السلام وجلس أبو محمد علیه السلام مكان والده وكنت أزوره كما كنت أزور والده فجاءتني نرجس يوما تخلع خفي، فقالت يا مولاتي ناوليني خفك، فقلت: بَل أَنتَ سَيِّدَتِيَ وَمَوَلَاتِيَ وَاللهَ لَا أَدفَعَ إِلَيكَ خَفِيَ لِتَخلِعَيهِ وَلَا لِتَخدِمَينِي بَل أَنَا أَخدَمِكَ عَلِىَ بَصَرِيَ(2).

زبدة المقال:

اشارة

إنّ ملاحظة الروايات المتقدّمة تجعلنا نصل إلى هذه الاستنتاجات المهمة التي يمكن تلخيصها في هذه النقاط:

أولا: لم يرد في حق إمرأة من أهل البيت علیهم السلام مثل هذا الكم الهائل من الروايات المادحة إلا سيدة نساء فاطمة الزهراء علیهما السلام التي لا تدانيها أي إمرأة من النساء، فرغم جلالة قدر بقيّة نساء أهل بيت النبوّة إلّا أننا لم نجد فيهنّ مثل هذا العدد من الروايات، وهذه الكثرة بمثابة المنبه الكمّي الذي يعطينا انطباعا حول اهتمام أهل بيت النبوّة بهذه المرأة الطاهرة علیهما السلام.

ص: 98


1- كمال الدين 424.
2- كمال الدين 427

ثانيا: إنّ الروايات المتقدّمة قد ركزت على صفة واحدة وهي كونها خير الإماء أو سيدة الإماء على اختلاف التعابير، وتكرار هذا الوصف من أكثر من إمام مع اختلاف أزمانهم ظاهر في إطلاق الخيرية بالنسبة إليها، فهي أفضل من كلّ أمة مطلقا، فكما أنّ الزهراء علیهما السلام هي سيدة نساء العالمين، فنرجس علیهما السلام هي سيدة إماء العالمين بما يشمل كلّ الإماء حتى هاجر أم إسماعيل علیها السلام.

ثالثا: إنّ الأوصاف التي ذكرها النبي المصطفى صلی الله علیه وآله في حقها تجعلنا نقف طويلا عند هذه الشخصيّة فهي:

-الطيبة الفم

-المنتجبة الرحم.

وهاتان الصفتان تشيران إلى أهم مزيّة تميّز عن سائر النساء إذ ليس المقصود من طيب الفم هو كون المرأة "رشوفا" فهذه صفة تشترك فيها كثير من النساء بل الظاهر هو ما أشار إليه المولى المازندراني رضی الله عنه من كون المقصود هو:خلوصه من كلمة اللغو والشرك(1)، وليس المقصود من انتجاب الرحم كونها ولودا بل الظاهر أنّ المراد هو انتجاب رحمها واختياره من الله لهذه المهمة العظيمة.

ص: 99


1- شرح أصول الكافي 212/6.

وبهذا يتبيّن لك لماذا عبّرت حكيمة علیها السلام عن نرجس علیها السلام بسيدتي وسيّدة أهلي، إذ قد فهمت هذه الجليلة علیها السلام من الأحاديث التي سمعتها من المعصومين علیهم السلام عظمة هذه المرأة عند الله ورفعة مقامها بحيث فضلت على كبار نساء أهل بيت العصمة علیهم السلام، ومن هنا نجد أن هذه العلوية بنت الإمام وأخت الإمام وعمّة الإمام تنحني لتقبيل يد هذه الأمة الطاهرة التي رفع الله شأنها في الدنيا والآخرة، ولعلّ هناك كثيرا من الروايات الأخرى التي لم تصلنا والتي تبيّن عظمة شأنها علیها السلام.

ص: 100

وفاتها علیها السلام

بقي الكلام في أهم وأخطر بحث يمكن أن تطرق له في هذا الكتاب وهو مصيرها علیها السلام بعد ولادتها لصاحب العصر والزمان علیه السلام، فعادة يغفل عن هذا الموضوع نتيجة تداخل الأحداث المهمّة المرتبطة بحياة الإمامين الهمامين علیهما السلام.

والسؤال هو ما الذي جرى بعد ذلك:

وفاتها في حياة الإمام العسكري علیه السلام :

ذهب بعضهم إلى أنّ السيدة الطاهرة علیه السلام قد توفيت في حياة الإمام العسكري علیه السلام، وقد استند إلى رواية ذكرها الشيخ الصدوق رضی الله عنه في كمال الدين قال: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضی الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثني أبو علي الخيزراني عن جارية له كان أهداها لأبي محمد علیه السلام فلما أغار جعفر الكذاب على الدار جاءته فارة من جعفر، فتزوج بها، قال أبو علي :فحدثتني أنها حضرت ولادة السيد علیه السلام، وأن اسم أم السيد صقيل، وأن أبا محمد علیه السلام حدثها بما يجري على عياله، فسألته أن يدعوا الله عز وجل لها أن

ص: 101

يجعل منيّتها قبله، فماتت في حياة أبي محمد علیه السلام و على قبرها لوح مكتوب عليه هذا قبر أم محمد (1).

أقول: من الصعب جدا البناء على هذه الرواية والاستناد عليها في مثل هذه القضيّة والسبب في ذلك أمور :

الأوّل: جهالة (أبي على الخيزراني )إذ لا ذكر لهذا الرجل في كتاب التراجم والفهارس والتاريخ فهو بالنسبة إلينا مجهول العين والحال وليست له رواية في كتب الأصحاب سوى هذه الرواية التي هي محل الإشكال.

الثاني: جهالة هذه الجارية التي تحدّث عنها الخيزراني فقد زعمت أنّها حضرت الولادة وسمعت ما يدور بين الإمام العسكري علیه السلام وأمّ الإمام المهدي علیها السلام وحضورها عند غارة جعفر الكذاب وتمكّنها من الفرار...كلّ هذه الأمور تقتضي معروفيتها عند الخواص بل حتى عند السلطة التي كانت قد جعلت رقابة خاصة على كل نساء بيت الإمام علیه السلام كما سيأتينا مفصلا.

الثالث: لو تجاوزنا هذه الإشكالات فإنّنا نبقى أمام إشكالية أخرى أعمق وهو احتمال أن ترويج هذه القصة كان الغرض منه

ص: 102


1- كمال الدين 431

التغطية على أمّ الإمام المهدي علیها السلام وحمايتها من كيد الأعادي إذ ستأتيك الأخبار الكثيرة على أنّها كانت حيّة بعد شهادة الإمام العسكري علیه السلام وكانت لها مواجهة مع السلطة، ومثل هذا الخبر لا يصلح لمعارضة ما سيأتي من تسالم بين الطائفة حول حياتها وبالتالي فالأولى هو حمله على أنّ ما أخبر به الخيزراني هو للتغطية على السيدة الطاهرة نرجس علیها السلام.

بقاؤها بعد وفاة الإمام العسكري علیه السلام:

وهو أمر شبه متسالم بين الطائفة بل بين المؤرّخين إذ ذكروا أحداث ما بعد رحيل الإمام العسكري علیه السلام وما جرى عليها من مصائب علیها السلام وأرسلوها إرسال المسلّمات ويكفينا أن نذكر ما نقله النجاشي رحمة الله في ترجمة محمد بن علي بن حمزة العباسي حيث قال: محمد بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب علیه السلام أبو عبد الله، ثقة، عين في الحديث، صحيح له رواية عن أبي الحسن وأبي محمد علیهما السلام، واتصال مكاتبة، وفي داره حصلت أم صاحب الأمر علیه السلام بعد وفاة الحسن علیه السلام(1)

وكلامه صريح في أنها علیها السلام قد امتد عمرها بعد الإمام العسكري

ص: 103


1- الفهرست 248

علیه السلام بل وحصلت أحداث استوجبت انتقالها لبيت هذا العلوي الثقة حماية لها.

والأهم من كلام النجاشي رحمة الله هو ما نقله الشيخ الصدوق رضی الله عنه في كمال الدين من حضورها علیها السلام وفاة الإمام العسكري علیه السلام وبقائها بعده، حيث قال: ووجدت مثبتا في بعض الكتب المصنّفة في التواريخ ولم أسمعه إلا عن محمد بن الحسين بن عباد أنه قال: مات أبو محمد الحسن بن على علیهما السلام يوم جمعة مع صلاة الغداة، وكان في تلك الليلة قد كتب بيده كتبا كثيرة إلى المدينة، وذلك في شهر ربيع الأول لثمان خلون منه سنة ستين ومائتين من الهجرة، ولم يحضره في ذلك الوقت إلّا صقيل الجارية، وعقيد الخادم ومن علم الله عز وجل غيرهما، قال عقيد: فدعا بماء قد أغلي بالمصطكي فجئنا به إليه فقال: أبدأ بالصلاة هيئوني فجئنا به وبسطنا في حجره المنديل فأخذ من صقيل الماء فغسل به وجهه وذراعيه مرة مرة ومسح على رأسه وقدميه مسحا وصلّى صلاة الصبح على فراشه وأخذ القدح ليشرب فأقبل القدح يضرب ثناياه ويده ترتعد فأخذت صقيل القدح من يده ومضى من ساعته صلوات الله عليه ودفن في داره بسر- من رأى إلى جانب أبيه صلوات الله عليهما فصار إلى كرامة الله جل جلاله وقد

ص: 104

کمل عمره تسعا وعشرين سنة(1).

وتكمن قيمة كلامه في جانبين :

الجانب الأوّل نصّه على شهرة هذا النص في الكتب التاريخية المتقدّمة عليه أي في زمن الغيبة الصغرى كما هو معلوم، بالإضافة إلى سماعه الحادثة من محمد بن الحسين بن عباد.

الجانب الثاني هو أنّ الشيخ الصدوق رضی الله عنه هو الناقل لخبر الخيزراني المتضمّن موتها علیها السلام في حياة الإمام العسكري علیه السلام وهذا يمنع من دعوى تبنّيه للخبر الأوّل فيسقط ما ادعاه بعضهم من كونه مرجّحا لنظرية موتها ودفنها علیها السلام مبكراً.

أضف إلى ما تقدّم الأحداث الكثيرة التي أثبتها المؤرخون والتي ذكرت ما جرى عليها علیها السلام بعد رحيل الإمام العسكري علیه السلام والتي تنفي بالملازمة وفاتها المبكرة.

زبدة المقال:

المشهور الذي لا مرية فيه هو بقاء السيدة نرجس علیها السلام حيّة بعد وفاة الإمام العسكري علیه السلام، ووجود رواية واحدة تخالف هذا المشهور التاريخي لا يضر به ولو كانت معتبرة ، فكيف وحال الرواية المخالفة

ص: 105


1- كمال الدين 474.

كما تبين لك؟!

ص: 106

جهادها علیها السلام

بعد أن ثبت بقاء أم مولانا الإمام المهدي علیها السلام بعد الإمام العسكري علیه السلام، نأتي إلى أهم جانب في حياة هذه الطاهرة علیها السلام وهو جهادها في الغيبة الصغرى وحفظها لإمام زمانها علیه السلام .

ولبيان حقيقة ما جرى لابد أن نستعرض الأحداث من بدایتها.

شهادة الإمام العسكري علیه السلام:

أوّل حديث مهم هو شهادة الإمام العسكري علیه السلام بسم الغدر العباسي حيث أنها علیها السلام كانت معه في لحظاته الأخيرة كما في رواية الشيخ الصدوق رضی الله عنه : مات أبو محمد الحسن بن علي علیهما السلام يوم جمعة مع صلاة الغداة، وكان في تلك الليلة قد كتب بيده كتبا كثيرة إلى المدينة، وذلك في شهر ربيع الأول لثمان خلون منه سنة ستين ومائتين من الهجرة، ولم يحضره في ذلك الوقت إلّا صقيل الجارية، وعقيد الخادم ومن علم الله عز وجل غيرهما، قال عقيد فدعا بماء قد أغلي بالمصطكي فجئنا به إليه فقال: أبدء بالصلاة هيئوني فجئنا به وبسطنا

ص: 107

في حجره المنديل فأخذ من صقيل الماء فغسل به وجهه وذراعيه مرة مرة ومسح على رأسه وقدميه مسحا وصلى صلاة الصبح على فراشه وأخذ القدح ليشرب فأقبل القدح يضرب ثناياه ويده ترتعد فأخذت صقيل القدح من يده، ومضى من ساعته صلوات الله عليه ودفن في داره بسر من رأى إلى جانب أبيه صلوات الله عليهما فصار إلى كرامة الله جل جلاله وقد كمل عمره تسعا وعشرين سنة(1).

والمهمّ في هذه الرواية أنّها ذكرت عدم وجود غيرها علیها السلام بجوار مولانا الإمام العسكري علیه السلام سوى "عقيد الخادم" والإمام المهدي علیه السلام وهذا ما يؤكد شدّة قربها من الإمام العسكري علیها السلام دون غيرها من النساء من أهل بيته بل يوحي لأنّ الإمام علیها السلام بصدد إعدادها لمهمة أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها، يشهد على ذلك أن الإمام علیه السلام كان عالما بوفاته ولذلك أبعد أغلب أهل الدار حتى أمه ولم يبق إلّا السيدة نرجس علیها السلام.

فقد روى صاحب" إثبات الوصية "عن أحمد بن مصقلة قال: دخلت على أبي محمد علیه السلام فقال لي: يا أحمد ما كان حالكم فيما كان الناس فيه من الشك والارتياب؟ فقلت: لما ورد الكتاب بخبر مولد سيدنا علیه السلام لم يبق منا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلا قال

ص: 108


1- كمال الدين 474.

بالحق، قال علیه السلام : أما علمتم أنّ الأرض لا تخلوا من حجة الله ثم أمر أبو محمد علیه السلام والدته بالحج في سنة تسع وخمسين ومائتين وعرفها ما يناله في سنة ستين، ثم سلّم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إلى القائم الصاحب علیه السلام، وخرجت أم أبي محمد علیه السلام إلى مكة، وقبض أبو محمد علیه السلام في شهر ربيع الآخر سنة ستين ومائتين ودفن بسر -من رأى إلى جانب أبيه أبي الحسن علیه السلام وكان من مولده إلى وقت مصيبته علیه السلام تسع وعشرون سنة(1).

خطة الانقلاب العبّاسية:

لا يمكن فهم ما جرى في تلك الحقبة دون معرفة ما صنعه جعفر الكذاب ببيت الإمام والعصمة، حيث يظهر أنّه كان على علاقة وطيدة بالبلاط العباسي في ذلك الزمن، وكان يمهد بالتعاون معهم إلى السيطرة على مقاليد الإمامة وتسنّم الزعامة العامة للشيعة في ذلك الزمن.

وقد بدأ العمل على الانقلاب من حياة الإمام العسكري علیه السلام حيث أشارت بعض الكتب التاريخية إلى نشوء تيار كامل موال الجعفر الكذاب، وقد وثّق القاضي النعمان وجود هذا التيار بقوله: فقال قوم

ص: 109


1- إثبات الوصية 217.

منهم بولاية جعفر بن على، وأنكروا إمامة الحسن في حياته، وقالوا: قد امتحناه فلم نجد عنده علما، ولما أن مات ولم يدع ولدا احتجوا بعد ذلك، وقالوا: لا يكون الإمام إماما إلا وله خلف وعقب(1).

وقد كانت اللحظة المناسبة للاستحواذ على الزعامة بادعاء الإمامة هي وفاة الإمام العسكري علیه السلام إذ لم يكن له ولد ظاهر بحيث يتصدّى للإمامة من بعد وبالتالي فإنّ الغلبة ستكون للتيار الذي قال بإمامة جعفر الكذاب حيث أنّ عدم وجود العقب دليل على بطلان إمامة العسكري علیه السلام !

ومن هنا كان الإعلان الرسمي لتصدّي جعفر الكذاب للإمامة هو صلاته على أخيه الإمام العسكري علیه السلام، ولكن حصل مالم يكن في الحسبان حيث ظهر الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف وأفسد هذا المشهد عندما تقدّم وصلّى على أبيه وكشف الأمر أمام الناس.

فقد روى الشيخ الصدوق رضی الله عنه عن أبي الأديان خبرا طويلا فيه: وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي علیه السلام فإذا أنا بالواعية في داره وإذا به على المغتسل وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة من حوله

ص: 110


1- شرح الأخبار 312/3.

يعزّونه ويهنّونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الامام فقد بطلت الإمامة، لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور، فتقدمت فعزّيت وهنّيت فلم يسألني عن شيء، ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفّن أخوك فقم وصلّ علي، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمّان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة، فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفّنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلمّا هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة بشعره قطط بأسنانه تفليج، فجبذ برداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي، فتأخر جعفر وقد أربد وجهه واصفر؛ فتقدّم الصبي وصلّى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه علیهما السلام ثم قال: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك، فدفعتها إليه، فقلت في نفسي-: هذه بينتان بقي الهميان، ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه؟ فقال: والله ما رأيته قط ولا أعرفه، فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي علیهما السلام فعرفوا موته فقالوا: فمن نعزّي؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي، فسلّموا عليه وعزّوه وهنّوه وقالوا: إن معنا كتبا ومالا، فتقول ممن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منا أن نعلم

ص: 111

الغيب؟ قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان وفلان وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطلية، فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجّه بك لأخذ ذلك هو الإمام (1).

المواجهة مع الكذاب:

سقطت الخطة العبّاسية بظهور هذا الغلام للإمام العسكري علیه السلام والذي كان أمره مخفيا على عامة الناس، فما كان من جعفر الكذاب إلّا أن بادر بإبلاغ ولي نعمته المعتمد العبّاسي بهذا الأمر بل وحرّضه على التخلّص من الغلام ومن هنا كانت الغارة الأولى على بيت الإمام العسكري علیه السلام.

نقل الشيخ الصدوق رضی الله عنه: فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية فطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حبلا بها لتغطي حال الصبي فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، والحمد لله رب العالمين(2).

وفي نص آخر: قدمت أم أبي محمد علیه السلام من المدينة واسمها

ص: 112


1- كمال الدين 476.
2- كمال الدين 476.

"حديث" حين اتصل بها الخبر إلى سر من رأى فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر ومطالبته إياها بميراثه وسعايته بها إلى السلطان وكشفه ما أمر الله عز وجل بستره، فادعت عند ذلك صقيل أنها حامل فحملت إلى دار المعتمد فجعل نساء المعتمد وخدمه ، ونساء الموفق وخدمه، ونساء القاضي ابن أبي الشوارب يتعاهدن أمرها في كل وقت، ويراعون إلى أن دهمهم أمر الصفار وموت عبيد الله بن يحيى بن خاقان بغتة ،وخروجهم من سر من رأى وأمر صاحب الزنج بالبصرة وغير ذلك فشغلهم ذلك عنها(1).

وهنا تظهر أوّل مهمّة حقيقية قامت بها هذه السيدة الطاهرة علیها السلام فحين كبست بيت بني العباس بيتها واعتقلوها ادعت أن في بطنها حمل، وذلك لأمرين:

أوّلهما إخفاء أمر الغلام الذي يريد زبانية بني العباس الخلاص منه إذ من الصعب أن يصدّقوا رواية جعفر الكذاب بوجود ولد للإمام العسكري علیه السلام مع كل الرقابة المشدّدة التي كانت قد ضربت على ذلك البيت.

ثانيهما عدم ترك المجال الجعفر الكذاب ليتم له أمر الإمامة

ص: 113


1- كمال الدين 474.

فمع عدم وجود ولد للإمام العسكري علیه السلام فإنّ الجميع سيقبل دعواه دون أي فحص أو تأمّل، أمّا مع وجود مدع آخر فإنّ الأمر سيكون مختلفا إذ سيسعى الجميع للفحص وكشف حقيقة الأمر وهذا ما لا يصبّ في مصلحة جعفر الكذاب فهو رجل قد تعود على الفسق والفجور وسينكشف أمره سريعا.

وبحسب هذا النص فإنّ مدّة سجنها امتدت إلى ما بعد وفاة الله بن يحيى بن خاقان الذي توفي كما ذكر المؤرخون سنة 263ه وبالتالي تكون قد قضت 3 سنوات في سجن بني العبّاس!

بل ورد ما يدلّ على استمرار الحبس لأكثر من هذه المدة حيث نقل ابن حزم في فصله نصّا يفيد بأنّ السجن دام سبع سنوات، قال: ادعت الحمل بعد الحسن بن علي سيدها فوقف ميراثه لذلك سبع سنين ونازعهل في لك أخوه جعفر ابن علي وتعصب لها جماعة من أرباب الدولة وتعصب الجعفر آخرون ثم انفش ذلك الحمل وبطل أخذ الميراث جعفر أخوه وكان موت الحسن هذا سنة ستين ومائتين(1).

فترة التخفّي:

اشارة

يظهر أن خروج السيدة نرجس علیها السلام لم يكن بإرادة البلاط

ص: 114


1- الفصل في الملل والنحل 477

العباسي، بل لعل الأمر كان هروبا من سجنهم كما يلوح من العبارات التي نقلها الشيخ الصدوق رضی الله عنه مثل (فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم/ فشغلهم ذلك عنها )خصوصا وأن ابن حزم أشار إلى وجود متعاونين معها من داخل البلاط العباسي إذ يقول: وتعصب لها جماعة من أرباب الدولة(1).

وقد أشارت نصوص الشيخ الصدوق رضی الله عنه إلى الظروف التي ساهمت في تمكنها من الهرب حيث نقل مجموعة من الاحداث السيسيّة اجسيمة التي أثرت على قوة الدولة العباسية و سيطرتها على زمام الأمور والتي منها:

-اشتداد ثورة الزنج

-قيام ليث بن يعقوب الصفار

-موت عبيد الله بن یحی بن الخاقان

ومن هنا دخلت هذه السيدة الطاهرة علیها السلام في مرحلة التخفّي خوفا من الاعتقال ولهذا لم ترجع إلى بيت الإمام العسكري علیه السلام بل كان قدرها أن تجول في الأرض هربا من عيون العباسيين، وقد ورد ما يدلّ على حالها في هذه الفترة:

ص: 115


1- الفصل في الملل والنحل 477.

فقد روى الشيخ الكليني رضی الله عنه بسنده عن أحمد بن إسحاق قوله : محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك -الاسم-، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلّل ولا أحرّم، ولكن عنه علیه السلام، فإنّ الأمر عند السلطان، أنّ أبا محمد مضى ولم يخلف ولدا وقسم ميراثه وأخذه من لا حق له فيه، وهوذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرّف إليهم أو ينيلهم شيئا، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك(1).

فالذي يظهر أنّ جعفر الكذاب قد تملّك كلّ ميراث أخيه الإمام العسكري علیه السلام بحيث لم يبق لأسرته الكريمة أي موضع يستقرون فيه، وبالتالي فبعد خروج السيدة الطاهرة نرجس علیها السلام من سجنها لم ترجع لبيتها بل بدأت التنقل بين بيوت كبار الشيعة في العراق.

البيت الأوّل الذي استقرت فيه الطاهرة علیها السلام هو بيت محمد بن علي بن حمزة العبّاسي حيث ترجم له النجاشي رضی الله عنه في فهرسته وأشار إلى بقائها علیها السلام في بيته فقال: محمد بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب علیه السلام أبو عبد الله، ثقة، عين في الحديث صحيح الاعتقاد، له رواية عن أبي الحسن وأبي محمد علیهما السلام

ص: 116


1- الكافي 330/1.

واتصال مكاتبة، وفي داره حصلت أم صاحب الأمر علیه السلام بعد وفاة الحسن علیه السلام(1).

وقد نقل المؤرّخون في ترجمته أنه توفي في سنة 287ه، منهم المرزباني الذي ترجم له بقوله: شاعر راوية عالم يروي كثيراً من أخبار أهله وبني عمه ولقي جماعة من شيوخنا وحدثونا عنه، وتوفي سنة سبع وثمانين ومائتين(2).

والظاهر أنها علیها السلام قد خرجت من هذا البيت بعد وفاة صاحبه رضی الله عنه ولعله لعدم وجود من يقوم بكفالتها خصوصا وأنها مطاردة من السلطات العبّاسية، والذي يثبت هذا هو أنّ ابن حزم قد نقل أنّها علیها السلام قد اعتقلت بعد نيف وعشرين سنة من موت سيدها أي بالضرورة قبل سنة 290 ه بل قبل 289 ه لكونها اعتقلت في أيام المعتضد والذي مات في هذا التاريخ، وكان اعتقالها في بيت الحسن بن جعفر النوبختى الكاتب العباسي المعروف (3).

فبالجمع بين هذه الأمور يمكن أن نستنتج أن السيدة نرجس علیها السلام قد خرجت من بيت محمد بن علي بن حمزة رضی الله عنه وانتقلت إلى

ص: 117


1- الفهرست 248.
2- معجم الشعراء 453.
3- الفصل في الملل والنحل 77/4.

بيت النوبختي وبقيت فيه قرابة السنة أو أكثر بقليل ثم اعتقلت منه وسجنت للمرة الثانية.

إلى السجن العباسي!

كما تبين لك ممّا تقدّم فإنّ السيدة الطاهرة نرجس علیها السلام قد سجنت للمرّة الثانية، وقد نقل لنا ابن حزم نتفا من أحداث هذا السجن حيث قال في فصله :

وزادت فتنة الروافض بصقيل هذه ودعواها إلى أن حبسها المعتضد بعد نيف وعشرين سنة من موت سيدها وقد عيّر بها أنّها في منزل الحسن بن جعفر النوبختي الكاتب فوجدت فيه وحملت إلى قصر- المعتضد فبقيت هنالك إلى أن ماتت في القصر في أيام المقتدر(1).

وهذا النص فيه عدة نقاط جديرة بالوقوف عندها:

الأوّل: أنّ السيدة الطاهرة علیها السلام قد استقر بها المقام ببيت الحسن بن جعفر النوبختي الذي كان كاتبا عند العبّاسيين ولا نستبعد أنّ هذا التدبير كان من جهة السفير الثالث الحسين بن روح النوبختي رضی الله عنه الذي كان في تلك الأيام يعمل تحت إمرة السفير الثاني محمد بن عثمان العمري رضی الله عنه، فقد كان من بني نوبخت وكان يعمل مرتديا

ص: 118


1- الفصل في الملل والنحل 77/4

رداء التقيّة بحيث كانت محلّ ثقة عند الجميع.

الثاني: يظهر أنّ معرفة العباسيين بمكان السيدة نرجس علیها السلام كان عن طريق وشاية حصلت في البلاط العباسي، يفهم ذلك من قوله (وقد عيّر بها أنّها في منزل الحسن بن جعفر النوبختي الكاتب فوجدت فيه)، فتعبيره ب"فوجدت فيه" كاشف عن جهلهم المسبق بوجودها هنا،

ولم ينقل لنا التاريخ مصير النوبختي.

الثالث: الأمر المهم هنا هو نوع السجن الذي سجنت فيه هذه المرّة، إذ نقل لنا ابن حزم أنّها سجنت في قصر الخليفة لا في سجن عامة الناس( فيه وحملت إلى قصر المعتضد فبقيت هنالك)، وهذا

يكشف عن خطورة القضيّة المهدويّة في نظر العباسيين في تلك الأيام وحرصهم على إجهاض المشروع المهدوي.

الرابع: يمكن من خلال هذا النص أيضا تحديد مدة سجنها، فقد تقدّم من النصوص السابقة أنّ بداية سجنها كان بين سنة 287 و 288ه، وبقيت في هذا السجن إلى أن ماتت في أيام المقتدر الذي تولّى الخلافة سنة 295ه، فيكون الحد الأدنى للمدة التي سجنتها 7 سنوات فإنّا لله وإنا إليه راجعون!

ص: 119

لماذا هذا السجن؟

يبقى الكلام في صدر كلام ابن حزم وهو قوله (وزادت فتنة الرافضة بصقيل هذه ودعواها) إذ يظهر أنّه كانت لها حركة في الأوساط الشيعيّة في تلك الفترة أي بعد أكثر من 20 سنة من شهادة الإمام العسكري علیه السلام، وهذا ما يجعلنا أمام سؤال محير فعلا وهو: ماذا كان دورها علیها السلام في هذه الفترة؟

وهنا عندنا ثلاثة احتمالات:

أوّلها هو أنّ السيدة نرجس علیها السلام كانت قد هربت من سجن العباسيين في الأحداث التي تم ذكرها سابقا وبقيت على قائمة المطلوبين لدى السلطات، وقد جدّوا في طلبها في زمن في الخليفة المعتضد بسبب تشدّده في أمر أهل البيت علیهم السلام وشيعتهم(1) ، ولعلّ تركيزهم على هذه السيدة الطاهرة هو من باب جعلها ورقة الضغط على الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف لكي يسهل اعتقاله.

ثانيها: أن تكون السيدة نرجس علیها السلام قد غابت عن الساحة العامة طيلة هذه الفترة الطويلة، ورجعت إلى واجهة الأحداث نتيجة حصول أحداث قادحة مثل كثرة مدعي السفارة في زمن محمد بن

ص: 120


1- أعيان الشيعة 37/5.

عثمان العمري رضی الله عنه بحيث كان في ظهورها وإظهارها التأييد له تقوية لجانبه ضدّ المدّعين وجمعا لكلمة شيعة أهل البيت علیهم السلام .

ثالثها: هو أنّها لم تختف أصلا عن واجهة الأحداث بل كان لها نشاط ستري تقوم بها خلف الكواليس إذ لا نمنع من كونها حلقة وصل بين الإمام علیه السلام وبين غيره من الناس حتّى ولو كان الحديث عن مثل العمري وابنه !

نعم لا دليل عندنا على الاحتمال الأول والثاني ولكن هناك قرائن قد تكون مرجّحة للاحتمال الثالث، فبقراءة النصوص الموجودة بين أيدينا نجد أنّنا أمام شبكة نسائية سريّة ذات نشاط بالغ الأهمية موازية للنشاط السفراء الأربعة:

فمن هؤلاء حكيمة عمّة الإمام العسكري علیهما السلام والتي كانت تقوم بتثبيت وجود خلف لابن أخيها علیه لسلام ولذلك كان يقصدها كلّ شاك ومرتاب في الأمر، وقد تقدّم ذكر شيء من رواياتها وأخبارها فلا حاجة للتكرار.

ومن هؤلاء أم أبي محمد علیهما السلام جدة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف والتي نصت الروايات صريحا على وجود دور لها في الغيبة الصغرى، فقد نقل الشيح الصدوق رضی الله عنه بسنده عن أحمد بن إبراهيم قال: دخلت على حكيمة

ص: 121

بنت محمد بن علي الرضا أخت أبي الحسن العسكري علیهم السلام في سنة اثنين وثمانين بالمدينة، فكلمتها من وراء الحجاب وسألتها عن دينها فسمّت لي من تأتم به، ثم قالت فلان بن الحسن علیه السلام فسمته، فقلت لها: جعلني الله فداك معاينة أو خبرا ؟ فقالت : خبرا عن أبي محمد علیه السلام كتب به إلى أمه، فقلت لها: فأين المولود ؟ فقالت: مستور، فقلت: فإلى من تفزع الشيعة؟ فقالت: إلى الجدّة أم أبي محمد علیه السلام فقلت لها: أقتدي بمن وصيّته إلى المرأة؟ فقالت: اقتداء بالحسين بن علي بن أبي طالب علیهما السلام إن الحسين بن علي علیهما السلام أوصى إلى أخته زينب بنت علي بن أبي طالب علیه السلام في الظاهر، وكان ما يخرج عن علي بن الحسين من علم ينسب إلي زينب بنت على تسترا على علي بن الحسين(1).

ومن هؤلاء العجوز التي يظهر أنّها كانت خالة الإمام المنتظر علیه السلام، فقد روى الشيخ رضی الله عنه في الغيبة بسنده عن يعقوب بن يوسف الضراب الغساني - في منصرفه من إصفهان - قال : حججت في سنة إحدى وثمانين ومائتين وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلدنا، فلما قدمنا مكة تقدم بعضهم فاكترى لنا دارا في زقاق بين سوق الليل وهي دار خديجة علیها السلام تسمى دار الرضا علیه السلام، وفيها عجوز سمراء فسألتها: لما وقفت على أنها دار الرضا علیه السلام ما تكونين من أصحاب

ص: 122


1- كمال الدين 501.

هذه الدار؟ ولم سميت دار الرضا؟ فقالت :أنا من مواليهم وهذه دار الرضا علي بن موسى علیهما السلام ، أسكنيها الحسن بن علي علیهما السلام فإنّي كنت من خدمه؛ فلما سمعت ذلك منها آنست بها وأسررت الأمر عن رفقائي المخالفين، فكنت إذا انصرفت من الطواف بالليل أنام معهم في رواق في الدار، ونغلق الباب ونلقي خلف الباب حجرا كبيرا كنا ندير خلف الباب، فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنا فيه شبيها بضوء المشعل، ورأيت الباب قد انفتح ولا أرى أحدا فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلا ربعة أسمر إلى الصفرة ما هو قليل اللحم، في وجهه سجادة عليه قميصان وإزار رقيق قد تقنّع به وفي رجله نعل طاق فصعد إلى الغرفة في الدار حيث كانت العجوز تسكن، وكانت تقول لنا: إنّ في الغرفة ابنة لا تدع أحدا يصعد إليها، فكنت أرى الضوء الذي رأيته يضيء في الرواق على الدرجة عند صعود الرجل إلى الغرفة التي يصعدها، ثم أراه في الغرفة من غير أن أرى السراج بعينه.... فلما رأيت هذه الأسباب ضرب على قلبي ووقعت في قلبي فتنة فتلطفت العجوز وأحببت أن أقف على خبر الرجل، فقلت لها: يا فلانة إني أحب أن أسألك وأفاوضك من غير حضور من معي فلا أقدر عليه، فأنا أحب إذا رأيتني في الدار وحدي أن تنزلي إلي لأسألك عن أمر ، فقالت لي مسرعة: وأنا أريد أن أسر إليك شيئا فلم يتهيأ لي

ص: 123

ذلك من أجل من معك، فقلت ما أردت أن تقولي؟ فقالت: يقول لك - ولم تذكر أحدا - لا تخاشن أصحابك وشركاءك ولا تلاحهم، فإنهم أعداؤك ودارهم فقلت لها: من يقول ؟ فقالت أنا أقول، فلم أجسر لما دخل قلبي من الهيبة أن أراجعها، فقلت أي أصحابي تعنين؟ فظننت أنها تعني رفقائي الذين كانوا حجاجا معي قالت: شركاؤك الذين في بلدك وفي الدار معك، وكان جرى بيني وبين الذين معي في الدار عنت في الدين فسعوا بي حتى هربت واستترت بذلك السبب فوقفت على أنها عنت أولئك، فقلت لها ما تكونين أنت من الرضا؟ فقالت كنت خادمة للحسن بن علي علیهما السلام، فلما استيقنت ذلك قلت: لأسألتها عن الغائب علیه السلام، فقلت : بالله عليك رأيته بعينك، فقالت: يا أخي لم أره بعيني فإني خرجت وأختي حبلى وبشرني الحسن بن علي علیهما السلام بأني سوف أراه في آخر عمري، وقال لي : تكونين له كما كنت لي، ...وكنت أفتح الباب وأخرج على أثر الضوء وأنا أراه - أعني الضوء - ولا أرى أحد حتى يدخل المسجد، وأرى جماعة من الرجال من بلدان شتى يأتون باب هذه الدار، فبعضهم يدفعون إلى العجوز رقاعا معهم، ورأيت العجوز قد دفعت إليهم كذلك الرقاع فيكلمونها وتكلمهم ولا أفهم عنهم، ورأيت منهم في منصرفنا جماعة في طريقي إلى أن قدمت

ص: 124

بغداد(1).

والذي يظهر من مجموع النصوص أنّ العمري وابنه كانا معروفين بارتباطهما بالعترة الطاهرة خصوصا وأنّ جعفر الكذاب قد باح بكل أسرار شبكة الوكلاء التي كانت تحت يد الإمام العسكري علیه السلام فكان البدل هو إيجاد شبكة أخرى للوكلاء يمكن أن تكون حلقة وصل مع بقية القواعد الشعبيّة فكان دور النسوة وعلى رأسهم السيدة الطاهرة نرجس علیهما السلام و أحتمل كثيرا أنّ الوشاية بها كانت من أحد الوكلاء المنقلبين على محمد بن عثمان العمري الذين كان محل ثقة عند الجميع ولكن للأسف الشديد لا توجد عندنا معطيات كافية.

نعم قد يكون عندنا ما يؤيّد هذا التحليل وهو اختيار السفير الثالث الحسين بن روح النوبختي حيث نقل الشيخ الطوسي رضی الله عنه أنّه لم يكن يعرف بأي خصوصيّة بين وكلاء الناحية المقدسة:

فقد روى رضی الله عنه بسنده عن جعفر بن أحمد بن متيل: كان محمد بن عثمان أبو جعفر العمري رضی الله عنه له من يتصرف له ببغداد نحو من عشرة أنفس وأبو القاسم بن روح رضی الله عنه فيهم، وكلهم كانوا أخص به من أبي القاسم بن روح حتى أنه كان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب

ص: 125


1- كمال الدين 273

ينجزه على يد غيره لما لم يكن له تلك الخصوصية، فلما كان وقت مضي أبي جعفر رضی الله عنه وقع الاختيار عليه وكانت الوصية إليه(1).

وقال: قال مشايخنا :كنا لا نشك أنه إن كانت كائنة من أمر أبي جعفر لا يقوم مقامه إلا جعفر بن أحمد بن متيل أو أبوه لما رأينا من الخصوصية به وكثرة كينونته في منزله، حتى بلغ أنه كان في آخر عمره لا يأكل طعاما إلّا ما أصلح في منزل جعفر بن أحمد بن متيل وأبيه بسبب وقع له،و كان طعامه الذي يأكله في منزل جعفر وأبيه، وكان أصحابنا لا يشكّون إن كانت حادثة لم تكن الوصيّة إلّا إليه من الخصوصية به، فلما كان عند ذلك ووقع الاختيار على أبي القاسم سلّموا ولم ينكروا، وكانوا معه وبين يديه كما کانوا مع أبي جعفر رضی الله عنه، ولم يزل جعفر بن أحمد بن متيل في جملة أبي القاسم رضی الله عنه وبين يديه كتصرفه بين يدي أبي جعفر العمري إلى أن مات رضی الله عنه ، فكل من طعن على أبي القاسم فقد طعن على أبي جعفر، وطعن على الحجة صلوات الله عليه(2).

والسبب في اختيار الحسين بن روح في ظل ما قدمناه من تحليل هو عدم اشتهار تشيّع الرجل بين أهل العراق لكونه كان بارعا في

ص: 126


1- الغيبة 369.
2- الغيبة369 .

الاتقاء:

فقد نقل الشيخ الطوسي رضی الله عنه عن أبي عبد الله بن غالب حمو أبي الحسن بن أبي الطيب قال: ما رأيت من هو أعقل من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ولعهدي به يوما في دار ابن يسار، وكان له محل عند السيد والمقتدر عظيم، وكانت العامة أيضا تعظمه، وكان أبو القاسم يحضر تقية وخوفا وعهدي به وقد تناظر ،اثنان، فزعم واحد أن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله صلی الله علیه وآله ثم عمر ثم علي، وقال الآخر: بل علي أفضل من عمر فزاد الكلام بينهما، فقال أبو القاسم رضی الله عنه: الذي اجتمعت الصحابة عليه هو تقديم الصديق ثم بعده الفاروق ثم بعده عثمان ذو النورين ثم على الوصي وأصحاب الحديث على ذلك وهو الصحيح عندنا، فبقي من حضر المجلس متعجبا من هذا القول، وكان العامة الحضور يرفعونه على رؤسهم وكثر الدعاء له

والطعن على من يرميه بالرفض(1).

ونقل عنه رضی الله عنه ما هو أعظم مما تقدّم :بلغ الشيخ أبا القاسم رضی الله عنه أن بوابا كان له على الباب الأول قد لعن معاوية وشتمه، فأمر بطرده وصرفه عن خدمته ، فبقي مدة طويلة يسأل في أمره فلا والله ما

ص: 127


1- الغيبة 384.

رده إلى خدمته، وأخذه بعض الأهل فشغله معه كل ذلك للتقية(1).

فغياب هذا الجهاز النسائي والذي على رأسه السيدة الطاهرة نرجس علیها السلام جعل الوضع يستوجب سفيرا له خصوصيات أخرى أهمها مقبوليته عند جميع الأطراف وعدم كونه محل شك أو ريب عند القواعد الشعبيّة المختلفة.

ص: 128


1- الغيبة 386

خاتمة:

كان للسيدة الطاهرة نرجس علیهاالسلام دور كبير في زمن الغيبة الصغرى إلّا أنّ التاريخ لم ينقل لنا تفاصيل هذا الجهاد العظيم الذي قامت به في تلك الحقبة، وما ذكرناه ليس إلا محاولة جمع النتف التاريخية المبثوثة في الكتب المتفرّقة.

ص: 129

ص: 130

نتائج البحث

بعد هذه الجولة القصيرة في بحر التاريخ والسير يمكن تلخيص أهم النتائج التي وصلنا لها في رؤوس أقلام :

أولا: إنّ اختلاف الروايات الواردة في تسمية أم الأم الإمام المهدي علیه السلام لا يعتبر إشكالات في تحديد هوية هذه المرأة، بل هو أمر يمكن أن يفسر بعدة وجوه تم ذكرها تفصيلا.

ثانيا: لا صحة للقصة المشهورة التي تنص على قدوم السيدة نرجس علیها السلام من بلاد الروم، وقد ذكرنا عدة إشكالات على هذه الرواية سندا ومتنا وبالتالي فلا تبقى لها أي قيمة علمية.

ثالثا: إنّ الروايات الواردة عن العترة الطاهرة علیهم السلام تثبت أن السيدة نرجس علیها السلام كانت جارية نوبية ولدت في بيت السيدة حكيمة علیها السلام وهي التي تولت تربيتها وتأديبها لتكون قرينة للإمام العسكري علیه السلام أما لإمام العصر والزمان علیه السلام.

رابعا امتدت حياة السيدة نرجس علیها السلام بعد الإمام العسكري علیه السلام وقد تعرّضت لصنوف من الاضطهاد العبّاسي حيث سجنت أكثر من مرّة بل ماتت في سجنها في قصر خلفاء بني العباس.

خامسا :يظهر من بعض الإشارات الموجودة في النصوص

ص: 131

التاريخية أنّه كان لها دور كبير في هذه الفترة إلّا أنّ المعلومات المتوفّرة عندنا لا تكشف حقيقة الأمر لقلّة النصوص الواردة في هذا المجال.

هذا ما وصلنا له بعد هذه الجولة ونسأل الله أن نكون قد أعطينا هذه الشخصية العظيمة جزءا من حقها وأن يرزقنا في الدنيا زيارتها وفي الآخرة شفاعتها إنّه حميد مجيد.

ص: 132

مصادر الكتاب

القرآن الكريم.

(أ)

1- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات :محمد بن الحسن بن علي المعروف بالحر العاملي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت ،لبنان، الطبعة الأولى 2004م.

2- الإرشاد لمعرفة حجج الله على العباد:الشيخ محمد بن محمد بن النعمان العكبري المعروف بالشيخ المفيد، مؤسسة أهل البيت علیهم السلام لتحقيق التراث الطبعة الثانية 1993م، بيروت.

3- أسئلة قادت شباب الشيعة إلى الحق: سليمان بن صالح الخراشي إصدار جمعيّة أهل السنّة أنصار آل البيت والأصحاب.

4- الإستيعاب في معرفة الأصحاب: يوسف بن عبد الله بن عبد البر، دار الجيل بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1992.

5-اختيار معرفة الرجال: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان، الطبعة الأولى 2009.

ص: 133

6- إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب علیه السلام: أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي الهذلي، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة الثانية 1988م.

7- أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين العاملي، دار التعارف للمطبوعات بيروت ،لبنان، الطبعة الأولى 1983.

8-الأميرة المقدسة: الشيخ حسين مرهون، بقيّة الله للإنتاج الإعلامي، الطبعة الرابعة 2020م.

(ب)

9- بحار الأنوار الجامعة لدرر الأئمة الأطهار: العلامة محمد باقر المجلسي، دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان.

10 - البداية والنهاية: أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1408

(ت)

11- تاريخ الأمم والملوك : محمد بن جرير الطبري، مؤسسة الأعلمي بيروت لبنان، الطبعة الخامسة 1989م.

12- تاريخ مختصر الدول: غريغريوس بن أهرون الملطي المعروف

ص: 134

بابن العبري دار الشرق بيروت لبنان، الطبعة الثالثة 1992م.

13- تراثنا مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، مؤسسة اطلاعات طهران.

14 - التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة: شمس الدين محمد بن أحمد القرطبي،مكتبة دار المنهاج للنشر -والتوزيع بالرياض، الطبعة الأولى 1425ه.

(ج)

15-جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى لابن حزم :أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي، دار المعارف مصر، تحقيق: إحسان عباس.

(خ)

16- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: العلامة الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى 1417ه،تحقيق: الشيخ جواد القيومي.

ص: 135

(د)

17 - الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة: الشهيد الأوّل محمد بن مكي العاملي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

18- دلائل الإمامة : ابو جعفر محمد بن جرير الطبري الصغير -مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان -الطبعة الثانية 1988.

(ر)

19- روضة الواعظين: الشيخ العلامة محمد بن الفتال النيسابوري، منشورات الرضي قم إيران تحقيق السيد محمد مهدي الخرسان .

(س)

20- السيدة نرجس علیها السلام سليلة الامبراطورية البيزنطية ووالدة منقذ البشريّة: عبد الهادي الحسنى .

21- سير أعلام النبلاء شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، مؤسسة الرسالة بيروت لبنان، الطبعة التاسعة 1993.

ص: 136

(ش)

22- شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار: القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي بقم المقدسة تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي.

23- شرح أصول الكافي: المولى محمد صالح المازندراني، مؤسسة التاريخ العربي، الطبعة الثانية 2008.

24-شذرات الذهب في أخبار من ذهب: أبو الفلاخ عبد الحي ابن العماد الحنبلي، دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان، الطبعة الأولى.

(ط)

25- الطبقات الكبرى: محمد بن سعد بن منيع البغدادي، دار صادر بيروت ،لبنان، الطبعة الأولى 1968.

ص: 137

(ع)

26- علل الشرائع: محمد بن علي بن بابويه الصدوق، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان.

27- عيون المعجزات :الشيخ حسين بن عبد الوهاب، منشورات المطبعة الحيدرية ،بالنجف، الطبعة الأولى 1950م.

(غ)

28-الغیبة:شیخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، مؤسسة المعارف الإسلامية قم المقدّسة، الطبعة الأولى 1411ه.

29- الغيبة: الشيخ الجليل محمد بن ابراهيم بن جعفر بن أبي زينب النعماني،منشورات أنوار الهدى ايران قم، الطبعة الأولى 1422ه، تحقیق فارس حسون .

ص: 138

(ف)

30- الفصل في الملل والأهواء والنحل: أبو محمد علي بن محمد ابن حزم الأندلسي-، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت لبنان، الطبعة الثانية 1975م.

31- فلاح السائل ونجاح المسائل: رضي الدين علي بن موسى بن جعفر ابن طاووس، مرکز انتشارات تحقيق: غلام حسين المجيدي.

32-الفهرست :شیخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم إيران، الطبعة الأولى.

33- الفهرست: أبو العباس أحمد بن علي النجاشي، شركة الأعلمي للمطبوعات بيروت ،لبنان، الطبعة الأولى 1431 .

34 -الفهرست: أبو الفرج محمد بن اسحاق الوراق المعروف بابن ،النديم دار المكتبة العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى.

(ك)

35-الكافي :محمد بن يعقوب الكليني، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 2010.

ص: 139

36 - كمال الدين وتمام النعمة :الشيخ محمد بن علي بن الحسين الصدوق،مؤسّسة النشرالإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة - إيران تحقيق على أكبر غفاري .

(م)

37- متى يشرق نورك أيها المنتظر؟ :عثمان محمد الخميس، اعتنى به عبد الله بن سلمان، الطبعة الأولى 2008م.

38 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: العلامة محمد باقر بن محمد تقى المجلسي-، دار الكتب الإسلامية للنشر -والتوزيع طهران.

39 - مستدرك الوسائل ومستنبط السائل :المحدّث الميرزا حسين النوري الطبرسي، دار الهداية للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الخامسة 1991م.

40 - مقتضب الأثر في النصّ على الأئمة الاثني عشر: أحمد بن عبيد الله بن عيّاش الجوهري مكتبة الطباطبائي المطبعة العلميّة بقم المقدّسة.

41 - المزار: محمد بن جعفر المشهدي، مؤسسة النشر -الإسلامي بقم المقدّسة، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني.

ص: 140

42 - معجم الأدباء: شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي، دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1993م.

43 - معجم رجال الحديث: السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع.

44 معجم الشعراء: محمد بن عمران المرزباني، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الثانية 1982م

45 - مناقب آل أبي طالب :محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف، الطبعة الأولى 1956م.

46 - موسوعة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف : السيد محمد محمد صادق الصدر،

دار المجتبى للطباعة والنشر.

(ن)

47 - النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجّة الغائب: الميرزا حسين النوري الطبرسي، دار الحوراء للطباعة والنشر ترجمة وتحقيق السيد ياسين الموسوي .

(ه)

48 - الهداية الكبرى: أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع بيروت لبنان، الطبعة الرابعة 1991.

ص: 141

(و)

49 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان :أبو العباس أحمد بن محمد بن خلكان طبعة دار صادر بيروت لبنان.

ص: 142

محتويات الكتاب

مقدمة...5

تسميتها علیها السلام...7

هل هذه التسميات ثابتة؟ ...8

هل هي أسماء أم ألقاب؟...14

عفّة البيت العلوي:...15

التعمية المتعمدة: ...16

عجبا لكم!...18

خاتمة ...20

قصتها علیها السلام...23

رواية قدومها من البلاد الروم:...23

وقفة سندية مع الخبر: ...32

وقفة مع متن الخبر: ...43

الحكم النهائي على الرواية: ...49

دفع وهم ...51

أصلها علیها السلام...55

أنها علیها السلام رومية ...55

أنها علیها السلام سندية ...60

ص: 143

أنها علیها السلام المغربيّة ...63

أنها علیها السلام نوبيّة :...64

النتيجة النهائية:...75

كيف وصلت علیها السلام إلى بيت العصمة؟ ...77

هل كانت مملوكة للإمام الهادي علیه السلام؟ ...77

ولدت في بيتها ...85

قرائن أخرى: ...87

واكتملت الصورة: ...88

مقامها عند أهل البيت علیهم السلام...91

ما ورد عن رسول الله علیه السلام...91

ما ورد عن أمير المؤمنين علیه السلام : ...92

ما ورد عن الإمام الحسن علیه السلام:...93

ما ورد عن الإمام الباقر علیه السلام:...93

ما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام...94

ما ورد عن الإمام الكاظم علیه السلام:...95

ما ورد عن الإمام الرضا علیه السلام:...96

ما ورد عن حكيمة بنت الجواد علیها السلام:...97

زبدة المقال :...98

ص: 144

وفاتها علیها السلام...101

وفاتها في حياة الإمام العسكري علیه السلام :...101

بقاؤها بعد وفاة الإمام العسكري علیه السلام :...103

زبدة المقال...105

جهادها علیها السلام...107

شهادة الإمام العسكري علیه السلام :...107

خطة الانقلاب العبّاسية ...109

المواجهة مع الكذاب ...112

فترة التخفّي ...114

إلى السجن العباسي !...118

لماذا هذا السجن؟ ...120

خاتمة :...129

نتائج البحث ...131

مصادر الكتاب ...133

محتويات الكتاب ...143

ص: 145

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.