الإمام الحسين (علیه السلام) وفروع الدين

هوية الكتاب

الإمام الحسين (علیه السلام) وفروع الدين

تقريرات بحوث سماحة السید مرتضی الحسیني الشیرازي

المقرر: الشيخ جعفر الفتلاوي

تحقيق: الشيخ عطا شاهين

الطبعة الثانية

1439 ه - 2018 م

منشورات: موسسة التقی الثقافية

النجف الأشرف

009647810001902

m-alshirazi.com

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

الإمام الحسين (علیه السلام) وفروع الدين

تقريرات بحوث سماحة السید مرتضی الحسیني الشیرازي

المقرر: الشيخ جعفر الفتلاوي

تحقيق: الشيخ عطا شاهين

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ

ص: 4

اَللهمَّ كُن لولیَّك الحُجةِ بنِ الحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَیهِ وَ عَلی ابائهِ فی هذهِ السّاعةِ، وَ فی كُلّ ساعَة وَلیّا وَ حافظاً وقائِداً وَ ناصِراً وَ دَلیلاً وَ عَیناً حَتّی تُسكِنَهُ اَرضَكَ طَوعاً وَ تُمَتّعَهُ فیها طَویلاً

ص: 5

ص: 6

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين

إن مباحث:

أ: أصول الدين.

ب: وفروع الدين.

ج: وفقه الدين.

د: وأخلاقيات الدين.

ه: وغايات الدين ومقاصده، إضافة إلى

و:مباحث العلاقة العضوية الجوهرية التكاملية بين مختلف أركان الدين وأصوله وأحكامه ومبادئه وغاياته، تستدعي دراسات علمية معمقة وأخرى جماهيرية مبسطة.

وقد تطرقنا إلى بعض جوانب تلك العناوين الستة بشكل علمي مستوعب في بحوث الخارج وغيرها(1)كما بحث جوانبمنها بلُغة جماهيرية مبسطة موجهة

ص: 7


1- يراجع كتاب (مبادئ الاستنباط ومقاصد الشريعة) وكتاب (فقه الاجتهاد في أصول الدين) وكتاب (الحجة معانيها ومقاصدها) وكتاب (الأوامر المولوية والإرشادية) وكتاب (فقه التعاون على البر والتقوى) وكتاب (نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة واللغة) للسيد المحاضِر.

لعامة المثقفين في بعض الكتب الأخرى والمحاضرات(1).

ويُشكِّل هذا الكتاب (الإمام الحسين (علیه السلام) وفروع الدين) حلقة في سلسلة من المباحث العامة حول العلاقة بين أصول الدين وفروعه، فان من الواضح أن الإمامة هي من أصول المذهب، بل هي من أصول الدين بوجهٍ وبإحدى إطلاقاته(2).

وهذا الجزء هو الجزء الأول في هذا المحور حيث يتركز الحديث فيه حول العلاقة بين الإمام الحسين (علیه السلام) وبعض فروع الدين وهي (الصلاة)و(الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) عسى أن يوفقنا الرب الجليل لتناول علاقته (علیه السلام) مع سائر فروع الدين في أجزاء قادمة باذن الله تعالى، كما ندعوا الله جل اسمه للتوفيق لتغطية كافة الجوانب الأخرى لتلك العناوين المذكورة أعلاه.

وأما الغاية من هذا الكتاب فهي (المعرفة) و(العمل والاقتداء) اما (المعرفة) فالمقصود بها ان يتعرف الناس خاصة أتباع أهل البيت (علیهم السلام) على جوانب من أهداف وغايات النهضة الحسينية المباركة وأن يتعرفوا على بعض كلمات سيد الشهداء (علیه السلام) وأن يتعرفوا أيضاً أكثر فأكثر على معالم فروع الدين وبعض وجوه الحِكَم فيها.

وأما (الاقتداء والتأسي) فان المأمول أن يشكل هذا الكتاب، إلى جوار الكتب

ص: 8


1- وقد صدرت للسيد المحاضر كتب عديدة في هذا الحقل أيضاً ومنها (ملامح العلاقة بين الدولة والشعب) ومنها (المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي) ومنها (استراتيجيات إنتاج الثروة ومكافحة الفقر في منهج الإمام علي عليه السلام) ومنها (نسبية النصوص والمعرفة.. الممكن والممتنع) حيث تناولت كل تلك المباحث على ضوء الآيات والتدبر فيها وعلى ضوء الحديث وفقهه والعقل وأحكامه ومستقلاته.
2- أشار سماحة السيد إلى تعدد إطلاقات (الدين) في كتاب (فقه الاجتهاد في أصول الدين).

الأخرى، حافزاً أقوى للناس للاهتمام الأكبر بالصلاة وسائر فروع الدين وللتمسك الأكبر بالثقلين ووصايهم وأوامرهم ونواهيهم وقد قال رسول الله (صلی الله علیه و آله):

«إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي وَ إِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ».ولقد كانت فصول هذا الكتاب عبارة عن سلسلة محاضرات ألقيت في بعض القنوات الفضائية المباركة، والخطاب فيها موّجه لعامة الناس والمثقفين، ثم قررها فضيلة الشيخ هادي الإسماعيلي (دام عزه) حيث أعاد صياغة ما يحتاج من عباراتها إلى صياغة، نظراً لأن ضرورات النص المكتوب تختلف عن ضرورات النص المنطوق والمحاضرات الارتجالية، وقد راجعتها بعد ذلك مع بعض الإضافات والتشذيب والتهذيب، فجزاه الله وسائر من ساهم في إنجاز هذا الكتاب خير الجزاء.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

ص: 9

ص: 10

الفصل الأول: الإمام الحسين (علیه السلام) التجسيد المتكامل للصلاة

اشارة

ص: 11

ص: 12

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلقه سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

أشهد أنك قد أقمت الصلاة

إننا نقرأ كما يقرأ الملايين من الناس، في زيارة الإمام الحسين (علیه السلام): «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ، وَأَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَطَعْتَ اللَهَ وَرَسُولَهُ»(1).

ولكن لابد من التدبر، والتفكر في مغزى هذه الشهادة، ودلالاتها وأبعادها، ولنبدأ بفقرة «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ»، فإنها تكشف عن العلاقة الجوهرية والتكاملية بين الإمام الحسين (علیه السلام) وبين الصلاة؛ ذلك أن هذه العلاقة هي علاقة بين أسمى معنى مجرّد وهو الصلاة، وبين أسمى مظهر مجسّدوهو الإمام الحسين (علیه السلام).

إنها العلاقة الجوهرية والتكاملية بين سيد الشهداء (علیه السلام) - وهو سيد شباب أهل الجنة، كما قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ

ص: 13


1- مصباح المتهجد: ص720 - 721 دعاء الموقف لعلي بن الحسين (عليه السلام).

الْجَنَّة»(1)، وسبط رسول الله (صلی الله علیه و آله) - وبين الصلاة وهي عمود الدين، ومعراج المؤمن وقربان كل تقي.

فما هي أبعاد هذه العلاقة؟

إنها علاقة سامية إلى أبعد الحدود, يشير إلى بعض أبعادها هذا المقطع الموجود في كثير من الزيارات التي وردت في حق الإمام الحسين (علیه السلام)، حيث يقول الزائر: «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ .. »، فالعلاقة إذن هي في ضلعها الأول علاقة (إقامة الصلاة).

وهناك فرق بين أن يصلي الإنسان - إذ ما أكثر المصلين - وبين أن يقيم الصلاة، إذ ما أقل (المقيميّ الصلاة) كما سيأتي بإذن الله تعالى.

ص: 14


1- من لا يحضره الفقيه: ج4 ص179 باب الوصية من لدن آدم (علیه السلام) ح5404، من لا يحضره الفقيه: ج4 ص420 ومن ألفاظ رسول الله (صلی الله علیه و آله) الموجزة التي لم يسبق إليها ح5920.

أقسام الشهادة

اشارة

لنتوقف قليلاً عند كلمة «أَشْهَدُ»، فهي من الشهادة، والشهادة على أقسام:

القسم الأول: الشهادة العلمية

اشارة

وهذه بدورها تنقسم إلى مراتب ثلاثة:

المرتبة الأولى: الشهادة التعبدية

وبتعبير آخر الشهادة التقليدية الناشئة من التقليد، وذلك بأن نسمع من أهل الخبرة فنعتمد عليهم، فنشهد بمضمون كلامهم. فإن «أَشْهَدُ» تأتي على ضوء قولهم أو خبرتهم، سواءً أ كان ذلك في الدين أم الطب أم غيره.

وبكلمة أخرى:تارة يشهد الإنسان بشيء تعبداً استناداً لقول الغير، فهذه من مراتب وأقسام الشهادة.

المرتبة الثانية: الشهادة العلمية

الناشئة من العلم الحصولي، أو بتعبير آخر: الشهادة الاجتهادية, فان الإنسان ربما يجتهد ويصل إلى الحقيقة بنفسه، فتكون هذه الشهادة العلمية، نابعة من اجتهاده واستكشافه.

المرتبة الثالثة: الشهادة الحضورية

وهنالك مرتبة أعلى، وهي مرتبة الشهادة بالعلم الحضوري، إذ قالوا:ان العلم الحضوري هو حضور المعلوم بنفسه لدى العالم

والمثال على ذلك معلوماتنا نحن البشر، حيث إننا نعلم الأشياء الخارجية كالشجرة مثلاً، فإن العلم بوجود الشجرة الخارجية، هو علم

ص: 15

حصولي، لكن العلم بنفس الصورة الذهنية للشجرة الموجودة في الذهن هو علم حضوري، وليس بصورة أخرى عن هذه الشجرة التي في الذهن وإلا لزم التسلسل كما قالوا(1).

وعندما نخاطب سيد الشهداء (علیه السلام) ب «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ»، فإنه تارة يشهد المؤمن الموالي بهذه الشهادة تعبداً وبشكل تقليدي، فيشهد بأن الإمام الحسين (علیه السلام)، قد أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، لكن هذه أدنى درجات الشهادة.

بينما على الإنسان المؤمن أن يسير ليطوي مراحل الكمال، فينتقل من الشهادة التقليدية التعبدية إلى الشهادة الاجتهادية، ليتعرف علىالحقيقة بنفسه. فيبحث في التاريخ، يطالع المصادر الأم, ويتعرف على سيد الشهداء (علیه السلام) سبط الرسول، وبصورة مباشرة، وباجتهاد مباشر، وبمعرفة علمية مباشرة، فهذه هي المرتبة الأسمى.

بعد ذلك ينتقل - أو يحاول الانتقال - إلى العلم الحضوري بذلك، ولكن هل من الممكن أن يحصل المرء مرتبة العلم الحضوري - وهو أسمى درجات العلم بالمعصوم - أو ببعض درجاته ومراتبه؟.

إن ذلك يستدعي مجالاً آخر من البحث العلمي، أعمق من مستوى هذا البحث(2). إذن؛ علينا أن نسير بشكل تكاملي في مرحلة الشهادة في هذا الموضوع، وفي أشباهه.

ص: 16


1- فصلنا القول الحق في حقيقة علمنا في "المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول" إذ ناقشنا هنالك في العلم الحضوري فراجع واما الأمر في الله تعالى فان الحق هو إن كيفية علمه تعالى بالأشياء مجهولة لنا, وقد فصلنا ذلك في "المبادئ التصورية والتصديقية" أيضاً.
2- وقد فصلناه في كتاب "الحجة, معانيها ومصاديقها".

القسم الثاني: الشهادة للإقتداء

الكثيرون يقرؤون زيارة الإمام الحسين (علیه السلام) كل يوم مرة وربما أكثر، ويسلمون عليه وعلى آل البيت (علیهم السلام) مرة أو أكثر، بدءاً من رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وختماً بالإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، الإمام المنتظر المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف).

لكن لماذا هذا التكرار وهذاالإصرار؟

والجواب يتلخص بكلمة: وهو أننا نكرر هذه الشهادة، ليس فقط لنتكامل في المعرفة، بل لنتخذ المعصوم أسوة وقدوة أيضاً، فالعلم طريق العمل، والإيحاء المتكرر والتلقين المستمر لهما أبلغ الأثر.

يقول رسول الله (صلی الله علیه و آله): «العلم يهتف بالعمل، فان أجابه وإلا ارتحل». فنحن نكرر «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ»، لكي نتعلم منه إقامة الصلاة، والسعي الجاد لذلك، وهكذا نقرأ ونكرر بقية فقرات الزيارة: «وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ، وَأَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَطَعْتَ اللَهَ وَرَسُولَهُ...»، فالشهادة هي أيضاً للإتباع والاقتداء والتأسي.

القسم الثالث: الشهادة للشكر

إن شكر المُنعم واجب عقلاً، فإذا أنعم عليك شخص بنعمة، فالوجدان يدعوك لأن تشكره، كما يحكم العقل بذلك، وسيرة العقلاء على ذلك.

فلولا الإمام الحسين (علیه السلام)، لما كان للصلاة على وجه الكرة الأرضية وجود، وهذا من وجوه قول رسول الله (صلی الله علیه و آله):«حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ»(1).تأسيساً على ذلك كله، فإننا عندما نقول: «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ

ص: 17


1- بحار الأنوار: ج43 ص271 - 270 ب 12 ح35 / بحار الأنوار: ج 45 ص 314 ب 46 ضمن ح 14.

الصَّلَاةَ... » يا أبا عبد الله الحسين ... فإن علينا أن ننتقل بالمعرفة، من التقليدية التعبدية إلى المعرفة الاجتهادية، ثم إلى المعرفة الشهودية، وإلى العلم الحضوري، ومراتب عين اليقين بإذن الله سبحانه وتعالى.

كما علينا أن نتخذ هذه الشهادة طريقاً، لكي نقتدي ونتأسى بسيد الشهداء (علیه السلام)، ولكي نتذكر عظيم فضله علينا فنشكره ليل نهار، كما نشكر آباءه وأبناءه (علیهم السلام)، وجده المصطفى (صلی الله علیه و آله) على هذه النعمة، بأن أقاموا لنا الصلاة، وهدونا إلى الصراط المستقيم.

وإذا عرفنا أن العلاقة بين سيد الشهداء (علیه السلام) وبين الصلاة، هي علاقة تكاملية وجوهرية، فإننا عندئذ كلما ازددنا حباً للحسين (علیه السلام) وتمسكاً به، ازددنا حباً للصلاة، وازددنا التزاماً بحضور القلب فيها، وإقامتها على مستوى البسيطة.

وكذلك العكس فكلما توجهنا إلى المسجد، أو تحدثنا عن الصلاة، تذكرنا نهضة سيد شباب أهل الجنة، وقوله: «وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِجَدِّي...»(1)، وسائر كلماته الخالدة.

ص: 18


1- بحار الأنوار: ج44 ص329 ب 37 .

نهضة سيد شباب أهل الجنة (علیه السلام) وإقامة الصلاة

علينا أن نعرف بأن هذا الدور - إقامة الصلاة - كان امتداداً لدور الأنبياء والمرسلين على مر التاريخ, وهو دور استراتيجي إلى أبعد الحدود.

وهنا لابد أن نفرق بين إقامة الصلاة، وبين أداء الصلاة؛ لأن مهمة الأنبياء - أي إحدى أهم مهامهم - هي إقامة الصلاة، يقول الله سبحانه وتعالى: «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ»(1).

ونقرأ في الآية الشريفة عن الذين يصلون إلى السلطة الظاهرية: «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلَاةَ»(2)، بمعنى إن إقامة الصلاة، كما هي مسؤولية الأنبياء والمرسلين على مر التاريخ، فإنها موجهة لذوي السلطة والنفوذ والمُكنة أيضاً.

ومن جهة أخرى هناك أية أخرى تقول: «وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ»(3).

وفي أية أخرى ورد: «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ»(4).و(أقيموا الدين) غير تدينوا، كذلك أن يصلي الإنسان شيء، وأن يقيم الصلاة شيء آخر. ومن هنا تتجلى لنا أهمية وضرورة تحليل معنى إقامة الصلاة وتفسيرها.

ص: 19


1- سورة الأنبياء: 73.
2- سورة الحج: 41.
3- سورة الأنعام: 92.
4- سورة الشورى: 13.

معاني إقامة الصلاة

المعنى الأول: إقامة الصلاة بحدودها

إن إقامة الصلاة بحدودها من أصعب المصاعب، ومن أشق المشاق، التي لا يقوى عليها إلا صفوة الصفوة، والأولياء العظام، والمرسلون والأئمة الأطهار (علیهم السلام)؛ وذلك أن هنالك أربعة آلاف حداً للصلاة، فإذا أقام الإنسان الصلاة بحدودها الأربع آلاف، فذلك هو الذي أقام الصلاة حقاً.

فمن حدود الصلاة مثلاً: حضور القلب في جميع اللحظات والسكنات، وفي جميع الحركات، والأقوال، والأذكار, والحالات المختلفة في الصلاة، بحيث لا يشط ولا يشرد ذهن الإنسان، ولا يزيغ قلبه أو بصره أو بصيرته، حتى لحظة أو ثانية واحدة.

على أن حضور القلب يبدأ من أول لحظة من لحظات الوضوء، ويمتد إلى آخر الصلاة، بل إلى تعقيبات الصلاة أيضاً.

من هنا، فإن أئمة أهل البيت (علیهم السلام)، ومن قبلهم رسول الله(صلی الله علیه و آله)، وفاطمة الزهراء (علیها السلام)، كانوا هم النموذج الأسمى الذين تجسدت فيهم (إقامة الصلاة)، أي أنهم أقاموا الصلاة بحدودها حقاً وصدقاً، وبحدودها الأربعة آلاف جميعاً.

فإن ما يذكره عدد من المحققين في تفسير هذه العبارة: «وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ»(1)، أو «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ، وَأَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ»، هو هذا المعنى الحساس والخطير، وهو إقامة الصلاة بحدودها.

ص: 20


1- سورة الأنبياء: 73.

المعنى الثاني: إقامة حقيقة الصلاة في المجتمع

اشارة

سبق أن هنالك فرقاً بين (أن أقيموا الدين) و(تدينوا)، فقد يكون الإنسان متديناً بما للتدين من معنى، لكن التدين الأسمى هو إقامة الدين، فإن إقامة الدين له معنى آخر متعدي، بينما التدين معناه لازم، كما لدينا فعل لازم وفعل متعدٍ.

فمرةً تقول: (أشهد أنك صليت)، ومرة تقول: «أشهد أنّك أقمت الصلاة»، فهذه الإقامة تعني إحياء الصلاة على مستوى المجتمع الإنساني، والمحافظة عليها من الاندثار.

وعلى ضوء ذلك لابد أن نفسر «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ»، فلقد نشر الإمامالحسين (علیه السلام) ثقافة الصلاة ورسالتها الجوهرية، وفلسفتها ومعانيها الحقيقية في المجتمع، ولولاه لاندثرت الصلاة بشكل كامل في المجتمع، ولم تكن سوى مجرد قشور ومظاهر، بل لعلها لم تكن تبقى حتى بمظاهرها وقشورها أبداً، كما أن القرآن كان لا يبقى منه سوى المظهر.

كما يقول رسول الله (صلی الله علیه و آله): «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ، وَمِنَ الإسلام إِلَّا اسْمُهُ»(1)، لذا أقام الإمام الحسين (علیه السلام) الصلاة بالحفاظ على فلسفتها ومغزاها، وما تتضمنه من قيم ورسالات.

الخضوع المطلق لله هو جوهر الصلاة

إن المغزى الرئيسي والهدف النهائي لإقامة الصلاة، هو تحقيق الخضوع المطلق للباري عزَّ وجل لا غير. إذ تقول: «إيَاكَ نَعْبُد».. وتقديم ما حقّه التأخير يفيد الحصر، ولم تقل: (نعبدك)؛ لأن (نعبدك) لا تفيد بما هي هي،

ص: 21


1- الكافي: ج8 ص308-307 كتاب الروضة، حديث الفقهاء والعلماء ح479، وهذا عند عامة الناس, ولولا نهضة سيد الشهداء (علیه السلام) لما بقي لديهم حتى اسمه ورسمه.

البشرط لائية عن عبادة الغير، بينما «إيَاكَ نَعْبُدُ» تفيد بشرط لا، أي نعبدك حصراً ولا نعبد غيرك، وعدم عبادة الغير هي مقوّم للعبادةالمقبولة للرب جل اسمه. إذن العبادة لله وحده، والاستعانة بالله سبحانه وتعالى وحده(1).

فقد نشر الإمام الحسين (علیه السلام) هذه الثقافة بجهاده، وبصموده وبطولاته. وفي يوم عاشوراء ضحى (علیه السلام) بنفسه، وأفراد أسرته، وسائر الشهداء من أحفاد رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وأصحابه الأبرار.

ويمكن القول: لولا الإمام الحسين (علیه السلام)، لكانت العبودية تخرج من كونها لله تعالى على مستوى البشرية جمعاء، إلى عبودية الطواغيت فقط.

فلولا ثورة الإمام الحسين (علیه السلام)، لكان يُمحى المغزى الحقيقي من الصلاة بالكامل، وهو تفويض الأمر إلى الله والتسليم له وإطاعته، وكانت الطاعة والولاء تتحول بشكل كامل، وعلى مختلف المستويات والشعوب والجماعات إلى الطغاة والمستبدين والدكتاتوريين على مر التاريخ.

وفي يوم عاشوراء هنالك نجد التجسيد الأكبر لتفويض الأمر إلى الله،والتوكل عليه، والتسليم له، والعبودية له، وعدم الاستعانة بغيره، ما دام في التسليم المطلق لما قدره اللهتعالى رضا الله سبحانه.

مغزى رفض الإمام (علیه السلام) لمعونة أربعة آلاف ملك

فقد وردت روايات عديدة(2)تصرّح وتؤكد، أن أربعة آلاف ملك من الملائكة هبطوا من السماء، وعرضوا نصرتهم للإمام الحسين (علیه السلام)، وكذلك

ص: 22


1- وكل من عداه, هو في طول الاستعانة به تعالى لا في عرضها.
2- راجع وسائل الشيعة: ج14 ص428-427 ب37 ح19523، بحار الأنوار: ج44 ص3330-331 ب 37.

فعلت الجن، لكن الإمام (علیه السلام) رفض كل هذه العروض؛ لأنه لا يطلب إلا من الله سبحانه وتعالى، إذ «شاء الله أن يراني قتيلاً ويراهن سبايا»(1).

فلأنها مشيئة الله تعالى فكل شيء يهون، وكل شيء يقدم إلى الرب في طبق الإخلاص، وبذلك اتخذ ذات القرار الذي اتخذه إبراهيم خليل الرحمن (عليه وعلى نبينا وآله السلام).

فعندما قُذف الخليل بالمنجنيق إلى وسط النيران، هبط عليه جبرائيل (علیه السلام) وعرض عليه المعونة، فكان رده أن قال: «حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي»(2).

إن ذلك يكشف عن أعلى مراتب سمو النفس، والتوكل على الله تعالى لدى الإمام الحسين (علیه السلام)، حينجاءته الملائكة تعرض عليه خدمتها ونصرتها، لكنه رفض لماذا؟

لأنه المظهر الأسمى للعبودية لله وحده، وللخضوع له، ولما يحبه ويختاره لعبده. فما بالك بنا ونحن نستعين ببعض القوى الاستعمارية، أو بالطغاة والظلمة!!

فهل نحن نصلّي حقاً...؟!

وهل نؤمن ب«إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ»(3)صدقاً؟

إن هنالك الكثير ممن يلجأ إلى أو يتكئ على القوى الاستعمارية، أو الظلمة، أو الطغاة، سواء في الحقل السياسي أم الاقتصادي أم العلمي أم غير ذلك.

ألا يعني ذلك طمساً حقيقياً لمعنى الصلاة ومغزاها، والتي تجلت في تلك

ص: 23


1- راجع بحار الأنوار: ج44 ص364 ب 37 .
2- راجع بحار الأنوار: ج68 ص156-155 ب 63 ح70.
3- سورة الفاتحة: 5.

الثورة المدوية على امتداد التاريخ، والتي انطلق منها ذاك الشعاع الذي فجر الكثير من الثورات، وتعلّم منها قادة العالم مثل (غاندي)(1)، حيث قال: (تعلمت منالحسين كيف أن أكون مظلوماً فأنتصر).

إن عبارة «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ»، هي شهادة كبرى بأنه (علیه السلام) كان يجسد الجوهر الحقيقي للصلاة، وهو العبودية لله سبحانه وتعالى وحده والاستعانة به لا بغيره.

ولذلك فإننا نقول ونكرر ولا نمل، بل نسعد بهذا التكرار والإيحاء المستمر، الذي يعلمنا أن نسير على هذا الدرب: «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ».

المعنى الثالث: إقامة الصلاة إقامة للدين

اشارة

وهو معنى دقيق، وهو أن (أَقَمْتَ الصَّلَاةَ)، أي أقمت الصلاة ضمن منظومة الدين كله, أي بتكامليتها مع سائر تعاليم وقواعد وأسس الإسلام؛ ذلك أن الإسلام منظومة متكاملة، وكل لا يتجزأ، ولا يصح أن يؤمن الإنسان ببعض الكتاب ويكفر بالبعض الآخر, أو يعمل ببعض دون بعض.

فقد أقام الإمام الحسين (علیهالسلام) الصلاة، لكن لا بمعنى الصلاة المنفصلة عن سائر قيم وتعاليم الدين، بل أقام الصلاة ضمن إقامة منظومة الدين بأكمله، أي

ص: 24


1- موهنداس كرامشاند غاندي: فيلسوف ومجاهد وزعيم سياسي وروحي هندي. وُلد في بور بندر عام 1869م. اشتهر بلقب «المهاتما» أي النفس السامية، نادى باللا عنف والمقاومة السلبية، ودعا إلى تحرير الهند من الاستعمار البريطاني بالطرق السلمية، والمقاومة السلبية بعيداً عن العنف، فدعي (مهندس الاستقلال الهندي). أدت جهوده إلى استقلال الهند عام 1947م. دعا إلى إزالة الحواجز بين الطبقات الاجتماعية، وإلى الوحدة بين الهندوس والمسلمين والسيخ. اغتاله هندوسي متعصب، فقتله في 30 كانون الثاني 1948م. يعد من أبرز دعاة السلام. أشهر آثاره سيرته الذاتية التي دعاها "قصة تجاربي مع الحقيقة" عام 1927م.

أنه أقام الصلاة التي هي عمود الدين حقاً، أقامها كركن يتكفل تكامليتها مع سائر الأسس وأصول الدين وفروعه، والقواعد والمسائل الشرعية.

مثالٌ على ذلك: قلب الإنسان، فإنه إذا تعرض لعلّة ما، فإن الطبيب الحاذق لن يقتصر في الفحص والتشخيص على القلب وحده، بل عليه متابعة وضع المعدة والمخ أيضاً؛ لأن القلب والمخ مترابطان، فإذا لم يصل الأوكسجين إلى المخ بشكل جيد، فقد يؤثر ذلك على عمل القلب, وهكذا سائر أعضاء الإنسان.

فالقلب السليم هو الذي يتفاعل، مع سائر الأعضاء بسلاسة، ويأخذ ويعطي بشكل سليم.

إن الصلاة هنا بمنزلة القلب، فهي عمود الدين، وإقامة هذا العمود الحقيقية يلزم أن يكون متكاملاً مع سائر أعمدة الخيمة، ومع سائر زوايا الخيمة، ومع مجمل الخيمة بشكل عام.

إن الإقامة الحقيقية للصلاة، تعني الإقامة الحقيقية للإسلام كله، والالتزام بتعاليمه كلها, وهذا ما يسمى بالاصطلاحالأصولي: ب (الأقل الأكثر الارتباطي)(1)، فإن الصلاة مع سائر عناصر الدين، هي كالأقل الأكثر ارتباطي، فالإنسان الذي يصلي ولا يصوم، أو الذي يصلي ولا يحج، يُقال له: «فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرَانِيّاً»(2).

كما أن من أركان الإسلام (الأخوة)، فقد أقام الإمام الحسين (علیه السلام) الصلاة كما أقام الأخوة الإسلامية، كما شيد دعائم الحرية، كما رفع راية الثورة ضد الطغيان والاستبداد, أ ليس إذن هو الذي أقام الصلاة حقاً؟

ص: 25


1- أي من حيث القبول، بل من حيث الصحة في الجملة.
2- مستدرك الوسائل: ج8 ص19 ب6 ح8957.

كان (جون) مولى أبي ذر، مع الإمام الحسين (علیه السلام)، وكان رجلاً اسوداً، وعبداً رقاً، لكن الإمام الحسين (علیه السلام) تعامل معه كما تعامل مع ابنه علي الأكبر.

فعندما وقع (رضوان الله تعالى عليه) صريعاً على أرض المعركة، وضع الإمام الحسين (علیه السلام) خده على خد جون، كما وضع خده على خد ابنه علي الأكبر، وهو الذي كان أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً بجده رسول الله (صلی الله علیه و آله).

وبكلمة واحدة إن الإمام الحسين (علیه السلام)، كان ذلك الذي أقامالصلاة بكل أبعادها، وبكل ترابطاتها مع سائر أسس الإسلام الحنيف، ومع كل القواعد والمسائل وأصول الدين وفروعه، ولذلك نحن نقول ونكرر: «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ».

ولذا يلزم علينا أن نستحضر في عقولنا وقلوبنا - وعلى مستوى جوارحنا - هذه المعاني كلها جميعاً.

ماذا يعني قتل الإمام الحسين (علیه السلام)؟

إن الإمام الحسين (علیه السلام) هو الذي أقام الصلاة, كما ورد في زيارته (علیه السلام): «أَشْهَدُ أَنَّكَ - يا أبا عبد الله الحسين - قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ»، لذلك فإن الذي قتل الإمام الحسين (علیه السلام) وسبى حريمه، فإنه في الواقع وبنظرة شمولية أوسع قتل ذلك المظهر المتجسد للصلاة, ذلك المظهر الأسمى في عصره الذي حافظ على الصلاة وأقامها، وواصل مهمة الأنبياء والمرسلين على مر التاريخ.

بل إنه في الحقيقة قتل التجسيد الأكمل للدين، والوريث العظيم لكل أنبياء الله العظام، إذ كان حقاً وارث آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى (علیهم السلام)، ومحمد المصطفى (صلی الله علیه و آله)، كما نقرأ ذلك في (زيارة وارث) وبذلك نكتشف سراً من أسرار كونه (علیه السلام) ثار الله وابن ثأره.

ص: 26

الفصل الثاني: الإمام الحسين (علیه السلام) وفضح خلفاء الجور

اشارة

ص: 27

ص: 28

فضح الطغاة

لقد ضحى الإمام الحسين (علیه السلام) بكل شيء لإقامة الصلاة، فكان هو الذي أقام الصلاة بما للكلمة من معنى، حقاً وصدقاً من الناحية الكمية والكيفية،وذلك يعني فيما يعني, أنه حافظ على وجود الصلاة في المجتمع الإسلامي على مر التاريخ.

لقد ضحى الإمام الحسين (علیه السلام) بكل شيء من أجل أن يبقى عمود الدين شامخاً منتصباً على مر التاريخ، فقد خرج لطلب الإصلاح في أمة جده رسول الله (صلی الله علیه و آله)، حيث يقول: «إِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي (صلی الله علیه و آله)، أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ...»(1).

يكفيكم شاهد صدقٍ على ذلك، أن الانحدار في القيم لدى من سموا ب (الخلفاء) بلغ إلى حد أن أحدهم - وربما كان الوليد بن عقبة - كان يأتي إلى المسجد ويصلي الفجر وهو مخمور، وبدلاً من ركعتي صلاة الفجر صلى ذات مرةأربع ركعات، ثم التفت إلى المصلين خلفه وقال لهم: أ تريدون أن أزيدكم...؟!(2).

وهكذا بلغ الاستخفاف والاستهانة بالصلاة، بل حاولوا طمس معالم

ص: 29


1- بحار الأنوار: ج44 ص329 ب 37 .
2- بحار الأنوار: ج31 ص153 ب25 الأول.

الدين، ولولا الإمام الحسين (علیه السلام) لانمحت الصلاة من على وجه الكرة الأرضية، وبذلك يتضح لنا أكثر فأكثر معنى ما نقرأ في زيارته (علیه السلام): «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ».

حقد معاوية على النبي (صلی الله علیه و آله)

وبتضحيته الكبرى، وثورته الخالدة، واجه (علیه السلام) مقولة ذلك الطاغية الظالم معاوية بن أبي سفيان إذ قال متهجماً على رسول الله (صلی الله علیه و آله): (... وهذا ابن أبي كبشة يرفع اسمه على المآذن خمس مرات في اليوم. لا والله إلا دفناً دفناً...)(1)، كما واجه أشباهه من الطغاة في الأزمنة اللاحقة بل إلى يوم القيامة.

حسين مني وأنا من حسين

ولذلك قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «حُسَيْنٌ مِنِّي» ومعناه واضح؛ لأنه بضعة منه وسبطه، ولكن ماذا يعني«وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ»(2).

فلا يعقل أن يكون الجد من الحفيد، ولكن سيتضح الأمر عندما نعرف أن الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله)، وقف نفسه كلها لأجل رسالة الإسلام، من الصلاة والصيام والحج والخمس والزكاة والتولي والتبري والعدل والإحسان، أي لأجل أقامة الدين في الأرض، فضحى بكل شيء لإقامة الصلاة وإقامة الدين.

وعندما جاء الدور إلى سبطه وحفيده الإمام الحسين (علیه السلام)، ضحى بدمه الزكي، وبكل غالٍ ونفيس في تلك الثورة الإلهية والسماوية العظيمة التي لا مثيل لها، وحافظ بذلك على رسالة رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وعلى كيانه (صلی الله علیه و آله).

ص: 30


1- شرح نهج البلاغة: ج5 ص130 - 129 أخبار متفرقة عن معاوية.
2- بحار الأنوار: ج43 ص271 - 270 ب 12 ح35، بحار الأنوار: ج 45 ص 314 ب 46 ضمن ح 14.

وبعبارة أدق: إن العلة الغائية التي ضحى رسول الله (صلی الله علیه و آله) لأجلها بالغالي والنفيس، لم تتحقق ولم تكتب لها الاستمرارية، إلا بتضحيات الإمام الحسين (علیه السلام).

مغزى صلاة الإمام الحسين (علیه السلام) وسط المعركة

ولذلك نجد الإمام الحسين (علیه السلام) في يوم الطف، وفي وسط المعركة، عندما يحين وقت صلاة الظهر،ينظر إلى السماء، فيستكشف أن الوقت قد حان، وأن الزوال قد حلّ، فيما كان الأعداء متكالبين عليه من كل حدب وصوب، وسهامهم ترشقه - وأهل بيته - كالمطر، وكانوا على مقربة منهم.

لكنه وقف وصلى - كما تقول الرواية(1)- جماعة بنصف أصحابه، فيما كانت النبال والسهام تنهمر عليهم كالمطر مما قد يُفزع أعظم الأبطال، وكان من الممكن أن تسبب هذه الصلاة في سقوط العديد من الشهداء،كما استشهد بالفعل عدد من أصحابه، لكن ذلك كله لم يمنع الإمام (علیه السلام) من أقامة الصلاة.

بينما نلاحظ البعض ممن قد يكون في اجتماع - مثلاً - فإنك تراه غير مستعد لقطع الاجتماع إذا ما حان وقت الصلاة،وهذا يعني أن الصلاة تقع على هامش حياته.

ص: 31


1- قال السيد ابن طاووس: «وحضرت صلاة الظهر، فأمر الحسين (علیه السلام) زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي أن يتقدما أمامه بنصف من تخلف معه، ثم صلى بهم صلاة الخوف. فوصل إلى الحسين (علیه السلام) سهم, فتقدم سعيد بن عبد الله الحنفي ووقف يقيه بنفسه ما زال ولا تخطى، حتى سقط إلى الأرض وهو يقول: اللهم العنهم لعن عاد وثمود, اللهم أبلغ نبيك عني السلام، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك، ثم قضى نحبه رضوان الله عليه». اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس (رحمه الله): ص110 - 111 المسلك الثاني في وصف حال القتال - المقرر-.

بل نقول: إنه حتى في حالة التوقيع (إذا كان المرء على وشك توقيع معاملة، فارتفع صوت المؤذن داعياً إلى لقاء رب الأرباب)، فأنه يجدر بالإنسان أن يضع القلم جانباً، وأن يتوجه إلى الصلاة؛ لأن تجاهل الصلاة والتوقيع رغم حلول وقتها، لن يجعل فيه الله البركة.

فأي عمل ينشغل به الإنسان، يجب تركه لإقامة الصلاة في وقتها، كما فعل الإمام الحسين (علیه السلام)، في ظهيرة اليوم العاشر من المحرم.

وهكذا فعل والده من قبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام)، في "ليلة الهرير" في حرب صفين، حيث استمرت المعركة الضروس حتى الليل، لكن الإمام - رغم قساوة الحرب وشدتها - لم يترك صلاة الليل في تلك المعركة الرهيبة.

إذن يريد الإمام الحسين (علیه السلام) - وهو ذلك الرمز العظيم - أن يعلمنا - فيما نتعلم منه - بأن نضحي بكل شيء لأجل إقامة الصلاة.

من المسؤول عن صلاة 150 مليون نسمة؟

جاء في إحصائية أوردتها مجلة (ميدل ايست دايجست): إن نفوس العالمالعربي حالياً يبلغ (377) مليون نسمة، بينما كان عام 1957م (162) مليون نسمة، أما في عام 2030م فسيصل العدد - حسب هذه المجلة - إلى (524) مليون نسمة، أي بإضافة حوالي (150) مليون نسمة، في الاثنين والعشرين سنة القادمة.

إننا أتباع أهل البيت (علیهم السلام)، الذين نقرأ دائماً: «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ»، هل فكرنا أن نقتدي بسيد الشهداء الإمام الحسين (علیه السلام)، من خلال تحمّل مسؤولية رعاية وتوجيه هذا العدد الهائل القادم إلينا في السنوات القادمة وإقامة الصلاة فيهم جميعاً.

ص: 32

لنسأل أنفسنا: كم مسجداً ينبغي علينا إنشاؤه بحيث تكون طاقته الاستيعابية كافية لكل أولئك المسلمين؟.

بل هل نحن مشغولون بنشر ثقافة الصلاة في الكتب المدرسية، والتربية على الصلاة ومقاصدها ومضامينها وآدابها والالتزام بها؟

إننا نشهد بأن الإمام الحسين (علیه السلام) قد أقام الصلاة، فإذا كنا نشهد لإمامنا بأنه أقام الصلاة، فمن المفروض علينا التأسي به (علیه السلام) في إقامة الصلاة أيضاً حسب طاقتنا.

تقول الآية الكريمة: «الَّذِينَ إِنْمَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلَاةَ»(1)، ومن الضروري الإلفات إلى أن التمكين في الأرض على درجات، فربما يكون الإنسان رئيساً لدوله تضم مئات الملايين، وربما يكون رئيساً لدولة تضم مليون نسمة، وربما يكون رئيساً لحزب، أو رئيس نقابة أو منظمة، أو شركة، أو أي مصداقاً آخر ودرجة أخرى، من درجات التمكين في الأرض، وذلك كله قد يكون مصداقاً للآية الشريفة، أو تنقيحاً للمناط.

فالإمام الحسين (علیه السلام) قد أقام الصلاة بتضحياته الجسام، وباستقامته وصلابته في طريق الحق، وواجه المستبدين كافة، وإن كانوا قد تجسدوا في يزيد الذي كان يلعب بالقرود، ويشرب الخمور، ويحاول أن يحطم عرى دين الله عروة عروة.

ثم إن الإمام (علیه السلام) قام بثورته، في وقت كان القمع والاستبداد والظلام مخيماً على الأجواء، ولم تكن ثمة قوة على وجه الأرض منافسة للحكم الأموي، فلو كان لمنهج يزيد - لعنه الله - أن يسود ولم يثر الإمام الحسين (علیه السلام)

ص: 33


1- سورة الحج: 41.

ضده، لكان الدين الإسلامي قد انمحى، والصلاة قد اقتلعت من جذورها شكلاً ومضموناً، ظاهراًوباطناً، لباً وقشراً.

الإمام الحسين (علیه السلام) يكرّم المعلّم

نذكر لكم مثالاً آخر فيه من الدلالات الشيء الكثير، فقد كان هناك شخص باسم عبد الرحمن السلمي, وقد تصدى هذا الشخص ليعلم أحد أبناء الإمام الحسين (علیه السلام) - وربما كان عمره ثلاث سنوات - سورة الحمد.

وسورة الحمد مقوّم أساسي للصلاة، وعلينا أن نتعلم من هذه الرواية، كيف نتخذ معلمين لأطفالنا ليعلموهم القرآن الكريم, خصوصاً سورة الحمد والإخلاص، وأركان الصلاة وغيرها.

وعندما علّم عبد الرحمن ذلك الطفل الحسيني، أعطاه الإمام الحسين (علیه السلام) مقابل تعليم سورة الحمد فقط، ألف دينار أولاً، وألف حُلة ثانياً، وحشا فاه دُراً ثالثاً(1).

فقيل له: لِمَ هذا العطاء؟! معترضين عليه، وربما تصوروه إسرافاً في العطاء؛ لأن القوة الشرائية لألف دينار كانت كبيرة في ذاك الزمن.

ففي زمن رسول الله (صلی الله علیه و آله) مثلاً كانت القوه الشرائية للدينار الواحد كبشاً واحداً, وأحيانا كان الكبش بدينارين, وهذا يعني أن الإمام الحسين (علیه السلام) أعطى مايعادل ألف كبش، لمجرد تعليم سورة الحمد.

والكبش الآن كمعدل يساوي مائتي دولار أو أكثر أو أقل حسب الدول، يعني أنه (عليه السلام) وهب له مقابل تعليم سورة الحمد ألف دينار، يعني مائتي ألف دولار, ليس ذلك فقط بل وأيضاً ألف حُلة كاملة وليس فقط ذلك بل

ص: 34


1- بحار الأنوار: ج44 ص191 ب 26 ح3.

وحشا فاه دُرّاً.

التكريم التصويري المجسّد

وهنا أيضاً توقف لطيف في هذه الدلالة التصويرية الرائعة جداً، إذ لعل هذه الدرر كانت بقيمة عشرة آلاف دينار أو أكثر أو أقل. فلو كان (علیه السلام) يدفع الدنانير فقط، لما كان لها تلك الدلالة التصويرية المرغّبة والمشجعة والمعبرة، فعندما يملأ فمه دُراً وهو مظهر الصفاء ومظهر اللطف، فإنه يكشف عن قيمة ذلك الفم المنشغل بتعليم القرآن.

فانظروا كيف ينشر الإمام الحسين (علیه السلام) ثقافة القرآن الكريم، والصلاة وافتتاحيتها وهي سورة الحمد. بعد ذلك نتوقف عند نقطة لطيفة أخرى إذ أننا عندما نستقرأ تاريخنا نرى أن سادتنا هم السباقين في حقول العلم والمعرفة؛ لأن أئمة أهل البيت (علیهم السلام) أرسوا بأنفسهم دعائم كل ما نراه الآن في العالم الحديث.

جائزة نوبل مستوحاة من فعل الإمام الحسين (علیه السلام)

جائزة نوبل للسلام وللطب وما أشبه، والتي بدأت منذ أكثر من مائة سنة تقريباً(1)هذه الجائزة، سبقها بأكثر من ألف عام ما صنعه الإمام الحسين (علیه السلام) مع فوارق عديدة، منها:

إن هنالك أموال كثيرة جداً بمئات الملايين مرصودة لهذه الجائزة، أي إنها تشكل الرأسمال المستثمر الذي تعطى من ريعه الجوائز, وأن الجائزة التي تعطى

ص: 35


1- أُقيم أوّل احتفال لتقديم جائزة نوبل في الآداب، الفيزياء، الكيمياء، الطب، في الأكاديمية الملكية الموسيقية في مدينة ستوكهولم السويدية سنة 1901م. وابتداءً من سنة 1902م ، قام الملك بنفسه بتسليم جائزة نوبل للأشخاص الحائزين عليها. تردّد الملك "أوسكار" الثاني، ملك السويد في بداية الأمر في تسليم جائزة وطنية لغير السويديين، ولكنه تقبّل الوضع فيما بعد لإدراكه لكمية الدعاية العالمية التي ستجنيها السويد - المقرر-.

تعد مبلغاً ضئيلاً جداً، حسب ما نقل لي رئيس جائزة نوبل للسلام، في لقاء كان لنا معه قبل شهرين تقريباً في النروج، حيث ذكر أن الأموال المرصودة لهذه الجائزة هي مبالغ هائلة من (نوبل)، والجائزة وهي مليون دولار تقريباً ليس شيئاً بالقياس إلى ذلك المال الكثير.

إن ما وهبه الإمام الحسين (علیهالسلام) كان هبة عظيمة جداً، ولقد كان ذلك ديدنهم (علیهم السلام)، فكل ما كانوا يملكونه كانوا يبذلونه في سبيل الله، والقرآن، والصلاة، وإحياء شعائر الدين.

إن هذا المنهج. منهج الإمام الحسين (علیه السلام) - في إقامة الصلاة، وفي إقامة حدود الصلاة والقرآن، لو جرى تعميمه لرأيتم الوضع سيتغير كثيراً جداً.

نعم، إذا كان هذا المنهج الحسيني - منهج الإمام الحسين (علیه السلام) - حاكماً بأن تعطي للمعلم ما هو أكثر من حقه، فأي نور كان سينتشر؟!

وهل كان المسلمون اليوم بهذا الوضع المتخلف والمزري؟!

وهل كانت العقول المفكرة تهاجر من بلادهم إلى بلاد أخرى؟!

العالم العربي في ذيل قائمة البحوث العلمية

وحسب إحصاء علمي عام 1995م، فإن البحوث المنشورة لكل مليون إنسان في العالم العربي كانت 26 بحثاً. فانظروا إلى مستوى تدني الاهتمام بالعلم والثقافة، لماذا؟!

لأن منهج الإمام الحسين (علیه السلام) ليس حاكماً.

وفي المقابل تقع البرازيل - وهي دوله متخلفة نسبياً - كان لهم في تلكالسنة أي عام 1995م لكل مليون إنسان 42 بحثاً، وأما كوريا الجنوبية فقد كان لديهم 144 بحثاً, وأما فرنسا فكان لديهم 840 بحثاً، كمعدل لكل مليون إنسان, بينما

ص: 36

نحن لدينا 26 بحثاً فقط لكل مليون إنسان.

والمفروض أننا نحن الذي قدنا الحضارة، لكن أين أصبحنا الآن؟!

وما ذلك إلا لإعراضنا عن منهج أهل البيت (علیهم السلام)، ونسينا الإمام الحسين (علیه السلام) ومنهجه وتعاليمه.

أ ليس من الواجب أن تعمم هذه الرواية في كل مكان؟ إن الإمام

الحسين (علیه السلام) وهب لمن علَّم ابنه سورة الحمد ألف دينار بقوتها الشرائية العجيبة، وأعطاه ألف حُلة، وحشا فاه دُراً، وعند اعتراضهم عليه يقول: أين يقع هذا من عطائه، فهو علَّم ولدي سورة الحمد.

وذلك يعني أن كل هذا العطاء لا يعدل شيئاً مقابل تعليم سورة الحمد، لماذا؟!

لأن سورة الحمد ذات قيمة جوهرية أخروية ودنيويه، وفيها سعادة الدنيا والآخرة، وهذا المنهج لو التزمنا به حقاً, لكنا نتحول إلى أئمة من أسياد العالم بحق، في سبيل إحقاق العدل, وإقرار السلم, وتحقيق الأخوة، وتوفير الحريات، وما أشبه ذلك من المعاني الإنسانية الرفيعة.ولنعد إلى ذلك الإحصاء من جديد، ففي عام 1995م لكل مليون إنسان عربي 26 بحثاً، ولكل مليون فرنسي 840 بحثاً ، أما السويسريين فلكل مليون منهم 1878 بحثاً، ونحن لنا 26 بحثاً فقط. لماذا؟!

لأننا أعرضنا عن منهج الإمام الحسين (علیه السلام).

معنى قوله: (جُدْ قبل أن تتفلت الدنيا)

ويقول الإمام الحسين (علیه السلام) بعد أن أعطى ذلك العطاء:

إِذَا

جَادَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكَ فَجُدْ بِهَا

عَلَى

النَّاسِ طُرَّاً قَبْلَ أَنْ تَتَفَلَّتْ(1)

ص: 37


1- بحار الأنوار: ج44 ص191 ب 26 ح3.

ولاحظوا هنا كلمة (طُرَّاً) والتي تعني القريب والبعيد, بل والعدو والصديق.

وقوله (علیه السلام): «قَبْلَ أَنْ تَتَفَلَّتْ»، لوجهين:

الأول: إن النعم كثيراً ما تزول في الدنيا، لكن إذا أُعطيت فإن الله تعالى سيعطيك ويعوضك، وهكذا سنة الله سبحانه وتعالى في الكون, وقد جاء في الحديث القدسي ما مضمونه: (إن الأغنياء وكلائي، فإن أعطوا منها وإلا أخذتها منهم ولا أبالي)(1).وهذا يعني أن الله تعالى أودع عندهم هذه الأموال, فإذا أعطوها للفقراء والمساكين والأيتام، أو لبناء المؤسسات العلمية، ومراكز الدراسات والجامعات والحوزات، والمدارس، وهكذا وهلم جرا، وإلا أخذها منهم؛لأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأنت وكيل من قبله فلماذا لا تعطي؟!

إن الإمام الحسين (علیه السلام) يؤكد هذا المفهوم بقوله:

إِذَا جَادَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكَ فَجُدْ بِهَا *** عَلَى النَّاسِ طُرَّاً قَبْلَ أَنْ تَتَفَلَّتْ

فَلَا الْجُودُ يُفْنِيهَا إِذَا هِيَ أَقْبَلَتْ *** وَلَاالْبُخْلُ يُبْقِيهَا إِذَا مَا تَوَلَّتْ(2)

الثاني: جاء في رواية أخرى عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: «الْغِنَى وَالْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى اللهِ»(3)فإنه قبل أن يوقع الله جل وعلا - بتعبير مجازي - فلا غنى ولا فقر مهما بذل المرء من جهد.

ص: 38


1- قال أمير المؤمنين (علیه السلام): «إن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، وقال الله تعالى: المال مالي، والفقراء عيالي، والأغنياء وكلائي، فمن بخل بمالي على عيالي، أدخله النار ولا أبالي»، جامع الأخبار: ص80 الفصل السابع والثلاثون في فضيلة أداء الزكاة.
2- بحار الأنوار: ج44 ص191 ب 26 ح3.
3- نهج البلاغة، قصار الحكم: رقم452.

إن الإمام الحسين (علیه السلام) قد أقام الصلاة حقيقة بحدودها، وبنشر ثقافتها، ومغزاها وجوهرها، والفلسفة الحقيقية التي شرعت الصلاة لأجلها،وهي: «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ»(1)، و«الصَّلَاةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ»(2)و«الصلاة معراج المؤمن».

إن الصلاة هي طريق لإظهار العبودية لله سبحانه وحده ولا غير، فالصلاة تعني الاستعانة بالله وحده.

وبكلمة: فقد نشر الإمام الحسين (علیه السلام) وحافظ على ثقافة الصلاة - هذه الثقافة السامية - بتضحيته وجهده وبأحاديثه وكلماته.

فلاحظوا مثلاً حياة الإمام الحسين (علیه السلام)، فإنها سلسله من التكامل والتفاعل مع الصلاة.

صلاة الإمام الحسين (علیه السلام) يوم الجمعة

ومما يشهد لذلك أيضاً، أنه في يوم الجمعة نجد للإمام الحسين (عليه السلام) صلاة خاصة، فهي عبارة عن أربع ركعات، في كل ركعة تقرأ كلاً من الحمد والتوحيد خمسين مرة، أي تقرأ الحمد والتوحيد كلاً منهما (200) مرة(3).

وهذا أيضاً يعد تجلياً من تجليات «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ»، وله (علیه السلام) صلاة أخرى نذكرها في مقام آخرإذا شاء الله.

إذا لاحظنا حياة الإمام الحسين (علیه السلام) مع الصلاة، نرى أنها كانت تجسد حاله نموذجية من التكامل.

ص: 39


1- سورة العنكبوت: 45.
2- الكافي: ج3 ص265 باب فضل الصلاة ح6.
3- يمكن مراجعة تفاصيل الصلاة في كتاب (مفاتيح الجنان) للشيخ عباس القمي: ص42 ب1 ف4 صلاة الحسين (علیه السلام).

فأين ما ترى من حياة الإمام الحسين (علیه السلام) ترى الصلاة، المخبر، المضمون، الجوهر, وكانت أيضاً هي المظهر, وهي الشعار، وهي الدثار للإمام الحسين (علیه السلام)، وسنشير لهذه النقطة لاحقاً إن شاء الله تعالى.

«أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ» بما للكلمة من معنى، فإنه (علیه السلام) أقامها بنشر ثقافتها بتكاملها وتكامليتها مع بقية أسس وقواعد وفروع وأصول الدين، وأيضاً أقامها بأن حافظ عليها من أن يقتلعها من الجذور الطغاة والمستبدون على مر التاريخ، ولهذا الحديث شواهد وأدلة كثيرة, ربما نتطرق لها في المستقبل.

ص: 40

الفصل الثالث: الإمام الحسين (علیه السلام) وحدود الصلاة

اشارة

ص: 41

ص: 42

الإمام الحسين (علیه السلام) وحدود الصلاة

عندما نقرأ - ويقرأ معنا الملايين من الناس - زيارة الإمام الحسين (علیه السلام)، فإننا نجد العبارة التالية تتألق، كما يتألق البدر في أفق السماء:

«أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ، وَأَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَطَعْتَ اللَهَ وَرَسُولَهُ...».

فلنتوقف عند مقطع من هذه العبارة: «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ» قليلاً.

لقد أقام الإمام الحسين (علیه السلام) الصلاة بحدودها حقاً وصدقاً، وهذا هو ما نشهد به على امتداد الأزمان: «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ»، والسؤال هو: ما هي حدود الصلاة؟

وكيف أقام الإمام الحسين (علیه السلام) الصلاة؟

يقول الإمام الصادق (علیه السلام): «للصلاة أربعة آلاف حد»، وفي رواية أخرى«للصلاة أربعة آلاف باب»(1).

فما هي تلك الحدود؟

ص: 43


1- الكافي: ج3 ص272 باب فرض الصلاة ح6.

لقد تحدث علماؤنا الأبرار حول ذلك، منهم الشهيد الثاني رحمه الله(1)، وهو ذلك العالم الكبير الذي استشهد على يد الاستبداد والطغيان والحاكم الدكتاتوري في زمانه، وكان من أعظم علماء البشرية على الإطلاق، فقد كتب كتابين حول حدود الصلاة:

الكتاب الأول: أسماه (الألفية)، تطرق فيه إلى ألف حد من حدود الصلاة.

الكتاب الثاني: أسماه (النفلية)، وفيه تطرق إلى الثلاثة آلاف حد الأخرى من حدود الصلاة.

وبذلك تتم الأربعة آلاف حد للصلاة، منها ألف حد هي الواجبات، وثلاثة آلافحد هي المستحبات في الصلاة.

فإذا أراد الإنسان أن يكون مقيم الصلاة حقاً، فعليه أن يلتزم بإقامة الصلاة بحدودها: ألف حد من الواجبات، مثل: الطهور، القبلة النية وتكبيرة الإحرام، والركوع والسجود والتشهد والقيام والتسليم بأجزائها وشرائطها وغير ذلك من الواجبات في الصلاة. كما يفضّل له أن يلتزم بالثلاثة آلاف مستحب أيضاً.

وهذا مما يؤكد عظمة علمائنا الأبرار، كما يؤكد حقيقة أن العلم يجب أن يؤخذ من أهل البيت (علیهم السلام)، والدليل أننا لن نجد مثل هذا العلم الغزير وهذه

ص: 44


1- زين الدين بن علي بن أحمد بن جمال الدين العاملي المشتهر بالشهيد الثاني. وُلد (رحمه الله) في 13 شوال سنة 911ه. ختم القرآن وعمره تسع سنين. قرأ على والده العلوم العربية وبعض الفقه. له تلاميذ أجلاء وله كتب نفيسة جيدة منها: "الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية"، و"منية المريد في آداب المفيد والمستفيد"، و"تمهيد القواعد الأصولية والعربية"، و"شرح شرائع المحقق الحلي". خلَّف ألفي كتاب فيها مائتا كتاب كانت بخطه الشريف من مؤلفاته وغيرها. قُتل (رحمه الله) في قصة معروفة لأجل التشيع في القسطنطنية في يوم الجمعة شهر رجب سنة 966ه.

الأربعة آلاف حدّ، في غير مدرسة الرسول الأكرم وأهل بيته الأطهار (علیهم السلام). فقد اقتبس علماؤنا الأبرار علومهم من أنوار أهل البيت (علیهم السلام)، فكتبوا مثل هذه الكتب الرائعة.

وبما أن الصلاة هي مظهر علاقة هذا المخلوق بالخالق العظيم، فإذا أراد الإنسان أن يكون مرضياً عند الله سبحانه وتعالى، فعليه أن يأتي بالصلاة بحدودها المذكورة في أحاديث أهل بيت العصمة (علیهم السلام).

وسوف نتحدث بإيجاز عن بعض حدود الصلاة, إذ أن استيعاب البحث عن كل الأربعة ألاف حد للصلاة يحتاج إلى مئات,بل آلاف الساعات من الوقت, كما أننا سوف نقتصر على الروايات الواردة عن الإمام الحسين (علیه السلام) دون الروايات الأخرى.

الحدّ الأول: الوضوء

اشارة

من حدود الصلاة الوضوء، أي إسباغ الوضوء، وهو أن تأتي بالوضوء بتمامه وكماله أيضاً، والحديث طويل حول إسباغ الوضوء، لكننا نكتفي بإشارة عابرة.

كيف علّم الحسنان (علیهما السلام) الشيخ الكبير

ونبدأ بالحادثة التي حصلت للإمام الحسين وأخيه الحسن المجتبى (علیهما السلام) ، لنقرأ بعض دلالاتها في هذا المضمار، وقد كانا (علیهما السلام) في ذلك الوقت من الناحية الظاهرية طفلين صغيرين، ربما في سن الرابعة أو الخامسة من العمر، لكنهما هما مَن هما: سبطا رسول الله (صلی الله علیه و آله)، كما أنهما سيدا شباب أهل الجنة.

لقد شاهد الحسنان (علیهما السلام) شيخاً كبيراً لا يحسن الوضوء، ومن المحتمل أنه لم يكن يحسن بعض الواجبات، كما يحتمل أنه لم يكن يحسن المستحبات، ولعل

ص: 45

الأول أرجح.

فجاء الإمام الحسن والحسين (علیهما السلام) إلى ذلك الشيخ الكبير، وحرصا أن لا يجبهاه بخطئه، أو بعدم إكمالإسباغ وضوئه، ذلك أنه رجل كبير السن، وقد تأخذه العزّة بالإثم، أو قد يحسّ بانكسارٍ نفسي، عندما يرشده طفل إلى الوضوء الصحيح، ويجبهه بالقول: إن وضوئك باطل أو ناقص، لذا ابتكرا (عليهما السلام) طريقة رائعة، تجسدت في اللجوء إلى أسلوب حواري رائع لإيصال البلاغ إلى الشيخ الكبير.

وهكذا وقفا بالقرب من الشيخ، وقال كل منهما للآخر: أنت لا تحسن الوضوء.

والعبارة الواردة في الرواية هي: «أَنْتَ لَا تُحْسِنُ الْوُضُوءَ»(1)، فما هو المقصود منها؟

ها هنا عدة احتمالات:

الاحتمال الأول: إن المقصود منها المراتب السامية جداً، التي قد تكون خاصة برسول الله (صلی الله علیه و آله)، أي أنه ليس المقصود من (الإحسان في الوضوء) حتى الدرجات التي هي قلما يصل إليها الأولياء، بل خصوص الدرجات الخاصة بالمعصومين (علیهم السلام)، على حسب درجات فضائلهم ومشككية تلك الدرجات، بل خصوص الدرجة الخاصة برسول الله (صلی الله علیه و آله).

الاحتمال الثاني: وهو أن يكون الأمر كله في مقام التعليم، وإذا كانت التورية بحد ذاتها جائزة حسب رأيالمشهور، فكيف إذا كانت في مقام التعليم؟!

الاحتمال الثالث: إن السن لم يكن سن التكليف، فتأمل.

ص: 46


1- بحار الأنوار: ج43 ص319 ب 13 ضمن ح2.

وهناك أجوبة أخرى على هذا التساؤل.

الاحتمال الرابع: ولعله الأظهر، وهو أن الراوي نقل كلامهما (علیهما السلام) بالمضمون، ولم تكن الجملة «أَنْتَ لَا تُحْسِنُ الْوُضُوءَ»، ولعل كلاً منهما قال: (وضوئي أحسن من وضوئك) مثلاً.

الاحتمال الخامس: أن تكون القضية بنحو القضية الخارجية، والمراد في هذه الحادثة الجزئية المصداقية، التي سنقوم بها أمام الشيخ «أَنْتَ لَا تُحْسِنُ الْوُضُوءَ».

الاحتمال السادس: أن يراد «لَا تُحْسِنُ» باللحاظ الاستقلالي لا الآلي، أي لا تحسن بذاتك، وإنما إحسانك للوضوء هو بتعليم الله تعالى.

والمهم أن الإمامين (علیهما السلام) طلبا من ذاك الشيخ أن يكون حكماً، ويرى أيهما أحسن وضوءاً. فتوضأ أمامه وكلاهما أحسن وضوءه, فالتفت الشيخ إليهما وقال: (كِلَاكُمَا تُحْسِنَانِ الْوُضُوءَ، وَلَكِنَّ هَذَا الشَّيْخَ الْجَاهِلَ هُوَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُ، وَقَدْ تَعَلَّمَ الْآنَ مِنْكُمَا)(1).

ص: 47


1- الرواية نقلها في بحار الأنوار: ج43 ص319 ب 13 ضمن ح2، عن عيون المحاسن.

دروس وعبر من قضية الحسنين (علیهما السلام)

اشارة

وهنا بعض المحطات، التي تستدعي منا التوقف في هذه الرواية على بساطتها الظاهرية، وهي في واقعها دروس حياة:

الدرس الأول: التعامل بالحكمة والموعظة الحسنة

يقول تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ»(1)، فعندما يرى الإنسان منكراً في المجتمع، عليه أن يتحرّى أفضل السبل للنهي عنه بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك من خلال الحديث الأبوي أو القصة والموعظة، وباللطف والمحبة، وعدم التشهير به أمام الناس، وأيضاً الحديث معه على انفراد، وغير ذلك من الأساليب التي تنطبق عليها (الحكمة والموعظة الحسنة)، ولذا نجد ذلك الشيخ الكبير يقول للحسنين (علیهما السلام): (كِلَاكُمَا تُحْسِنَانِ الْوُضُوءَ، وَلَكِنَّ هَذَا الشَّيْخَ الْجَاهِلَ هُوَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُ، وَقَدْ تَعَلَّمَ الْآنَ مِنْكُمَا).

الدرس الثاني: التعاون

الإمامان الهُمامان - وهما طفلان - يعلماننا قيمة التعاون، فقد تعاوناللإرشاد بطريقة مهذبة ولطيفة إنسانية، ومعنى ذلك أن على الإنسان أن يراعي شعور ومشاعر الآخرين إلى أبعد الحدود, وأقصى الحدود.

الدرس الثالث: الرحمة

جاء في كلام أمير المؤمنين (علیه السلام) في عهده لمالك الأشتر: «أَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ»(2). والرحمة هنا - لذلك الشيخ الكبير - كانت عبر اختيار طريقة لا

ص: 48


1- سورة النحل: 125.
2- نهج البلاغة، الرسائل: رقم53، ومن كتاب له (علیه السلام) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها.

تشعر الشيخ بأدنى درجات الحرج، ولذا نجد ذلك الشيخ الكبير يقول للحسنين (علیهما السلام): «وَقَدْ تَعَلَّمَ الْآنَ مِنْكُمَا، وَتَابَ عَلَى يَدَيْكُمَا بِبَرَكَتِكُمَا، وَشَفَقَتِكُمَا عَلَى أُمَّةِ جَدِّكُمَا».

الدرس الرابع: العمل كفريق

يُبحث في علم الإدارة اليوم عن فكرة (العمل كفريق)، وقد وضح لنا الإمامان الحسنان (علیهما السلام)، وبتصوير حقيقي ورمزي في آن واحد، قيمة العمل ك (فريق)، وقد يكون الفريق مؤلفاً من شخصين، وقد يكون مكّوناً من مئة شخص، لكن المهم أن يتعلم الإنسان, أن يعمل ضمن فريق وليس بشكل فردي، بل ضمنالمجموع، وضمن العمل المؤسساتي.

الدرس الخامس: الإتقان

الإمامان الحسن والحسين (علیهما السلام) يعلماننا الإتقان في العمل, والإتقان في الإرشاد، فقد تحقق الإتقان في تعليم إسباغ الوضوء، وهو من حدود الصلاة، فقاما به خير قيام، رغم أنهما كانا طفلين صغيرين من الناحية الظاهرية، وبعد ذلك الإتقان في إرشاد الآخرين.

وهنا نتوقف عند نقطة علمية قيّمة، تعرفّنا جانباً من عظمة الصلاة، وجانباً من عظمة حدود الصلاة، وجانباً من مغزى عمل الحسن والحسين (علیهما السلام)، في أنهما أحسنا الوضوء تعليماً لذلك الشيخ الكبير.

الوضوء ومسارات الطاقة

إن هذه القضية لم تكن محدودة ومقتصرة على ذلك الشيخ الكبير، بل هي درس للأجيال عبر التاريخ، فقد سُجلت وكُتبت، وكان الغرض منها أن تسجل وتكتب، لتكون لنا عبرة، ومدرسة تلهمنا كل تلك الدروس الآنفة الذكر:

ص: 49

الإتقان في العمل، والحكمة, والرحمة، والعمل كفريق، والتعاون وغيرها من الدلالات.

وحتى يزداد الناس إيماناً على إيمانهم، نشير إلى هذا الدليل العلمي على فوائد إحسان وإسباغ الوضوء، فإنالعلم الحديث كلما تقدم يكتشف جانباً من عظمة الإسلام.

فقد اكتشف العلم الحديث مؤخراً أن الوضوء خاصةً، لو أسبغته بشكل كامل، كما أسبغ الحسنان (علیهما السلام)، فإنه يترك آثاراً إيجابية مباشرة على مسارات الطاقة في جسم الإنسان، ويقوم بعملية إصلاح أي خلل فيها.

وهذا العلم يسمى ب (راديستيزيا)، أو ما يعرف ب (علم الإحساس بالطاقة والإشعاع)، وعن فوائد الراديستيزيا في فهم بعض أسرار الوضوء والصلاة، يؤكد العالم المصري الدكتور إبراهيم كريم، بأن الطاقة الذبذبية تتجمع وتختزن في مناطق دهون الإنسان، لماذا؟

لأن الدهون عازلة، تعزل ما في داخل الجسم من رنين، وتتجمع فوقها أيضاً الطاقة الذبذبية التي علقت في جسم الإنسان خلال الحياة اليومية، وعند الوضوء وعند غسل مناطق الوضوء - وهي تلك الأجزاء الظاهرة من جسم الإنسان - التي تتعرض للطاقة الذبذبية الصادرة عن الآخرين والأشياء، فإن هذه الذبذبة تسقط مع ماء الوضوء، وهذا هو أحد أسرار الوضوء في تأهيل الإنسان للتركيز في الصلاة(1).ومن المعروف أن أي اختلال في مسارات الطاقة في بدن الإنسان، يولد القلق, والاكتئاب, والذي بات اليوم يمثل (داء العصر)، ويعاني منه مئات

ص: 50


1- جريدة تشرين السورية: الصفحة 5 تحقيقات، العدد 7698 الصادر في يوم السبت 13/5/2000م.

الملايين من الناس في العالم.

وقد ذكرنا في مقال سابق, إحصائية تشير إلى أن هناك (800) مليون إنسان في أنحاء العالم مصابون بمرض (الاكتئاب)، والوضوء يعد إحدى أهم طرق علاج هذا الداء, وهذه الظاهرة بالذات.

الإمامان الحسنان (علیهما السلام)، عندما يعلمان ذلك الشيخ الكبير إسباغ الوضوء، فإنهما في الواقع يعلمان البشرية بأكملها، كل هذه الدلالات والمضامين الواردة في تلك القصة.

إن إتقان العمل وإسباغ الوضوء له موضوعيته كما له طريقته, وله جانبه العبادي كما له أثره الوضعي والصحي على بدن الإنسان، وقلبه، وأعصابه، وتركيز ذهنه، ذلك أنه يحول دون تشتت الذهن، وغير ذلك، إلى جانب إصلاح الخلل في مسارات الطاقة في بدن الإنسان.

الوضوء والأيونات السالبة

كما أنه ثبت في العلم الحديث أيضاً، أن هناك شحنات من الأمواج (الكهرومغناطيسية)، والتي تأتي من الغلاف الجوي باتجاه سكان المعمورة، فتسبب اختلالاً في توزيع الأيوناتالسالبة والموجبة في بدن الإنسان، والتي توزعت على سطح البدن, وعلى الجلد، وهذا الاختلال بدوره يسبب في ظهور حالات القلق النفسي والاكتئاب, والتشتت في الذهن, وعدم القدرة على التركيز, والإحساس بالإرهاق الشديد.

وقد ثبت علمياً أن الوضوء يعالج هذا الاختلال، خاصة في حالة إسباغ الوضوء، كما صنع الإمامان الحسن والحسين (علیهما السلام)، وكما علّما ذلك الشيخ الكبير، وكما أرادا أن يعلماننا أيضاً.

ص: 51

هذه هي دقة الإسلام..! وهذه هي دقة أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فكم هم دقيقون في الأحكام الإسلامية!.

وذاك لأنهم التجسيد الحقيقي للإسلام، ولذا قال الرسول (صلی الله علیه و آله): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثِّقْلَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي»(1).

فكتاب الله هو الذي يحمل المعاني السامية والقيّم المجردة، وأما أهل البيت (علیهم السلام)، فهم التجسيد الأسمى لتلك المعاني السامية، والمناقبيات النموذجية.

والحاصل: إن الوضوء يسهم - كما ثبت علمياً - في إعادة ترتيب الأيونات السالبة والموجبة في بدن الإنسان،فيستعيد الإنسان حيويته ونشاطه.

وهنا نلاحظ أن بعض الروايات يكمل بعضها البعض، مثلاً: هنالك رواية عن أمير المؤمنين ومولى الموحدين علي بن أبي طالب (علیه السلام):«إذا غضبت فتوضأ».

فإذا غضب الإنسان، وكاد أن ينفجر بوجه زوجته أو أولاده، أو أصدقاءه، فعليه أن يتوضأ.. ذلك أن الغضب هو شعبة من الجنون، لذا تجد أن صاحبه سرعان ما يندم.

أما إذا لم يندم فسيكون جنونه مستحكماً، وهذا هو ما صرح به أمير المؤمنين (علیه السلام): «الْحِدَّةُ ضَرْبٌ مِنَ الْجُنُونِ، لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَنْدَمُ، فَإِنْ لَمْ يَنْدَمْ فَجُنُونُهُ مُسْتَحْكِمٌ»(2).

إن الله سبحانه وتعالى خالق الكائنات، وهو الذي أودع علم الأولين والآخرين عند رسوله وعند أهل البيت (علیهم السلام)، وهم الذين نقل لهم رسول الله

ص: 52


1- مستدرك الوسائل: ج7 ص255 ب47 ح8181.
2- نهج البلاغة قصار الحكم: رقم255.

تلك العلوم عبر طرق شتى، وتدل عليه الروايات الكثير إليه، ومنها: «أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا»(1)، وهكذا إلى سائر المعصومين (علیهم السلام).

من هنا كانت دساتير وقوانين الإسلامهي (دليل السعادة) في الدنيا قبل الآخرة.

الحد الثاني: أداء الصلاة لوقتها

يقول الإمام الصادق (علیه السلام) في نصّ الرواية: «لَا يَزَالُ الشَّيْطَانُ هَائِباً لِابْنِ آدَمَ ذَعِراً مِنْهُ، مَا صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ لِوَقْتِهِنَّ، فَإِذَا ضَيَّعَهُنَّ اجْتَرَأَ عَلَيْهِ فَأَدْخَلَهُ فِي الْعَظَائِمِ»(2).

إن جملة «مَا صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ لِوَقْتِهِنَّ»، تعني المبادرة إلى الصلاة والمسارعة إليها، وأن لا يحول بينها وبيننا أي عمل آخر، من دراسة أو مطالعة، أو تجارة أو اجتماع؛ لأن هذه هي دعوة الله سبحانه وتعالى، وعلى الإنسان تلبية دعوة الله فوراً، فإن بيده جل اسمه مقاليد الأمور وتفضيل (العمل) مهما كان كبيراً على الصلاة، لن يكون فيه البركة، بل تكون نتيجته عكسية وسلبية.

وفي تكملة الحديث نلاحظ: «فَإِذَا ضَيَّعَهُنَّ اجْتَرَأَ عَلَيْهِ فَأَدْخَلَهُ فِي الْعَظَائِمِ»، وهي المعاصي الكبيرة، لا سمح الله وأعاذنا الله وإياكم من ذلك.

إن هذا الالتزام بحدود الصلاة، نجده بأجلى صوره في مدرسة الإمام الحسين (علیه السلام)، حيث أنهكسائر المعصومين، التزم بالصلاة أول الوقت طوال عشرات السنين من حياته رغم كل الظروف.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك، ظهيرة يوم العاشر من المحرم، ففي تلك

ص: 53


1- وسائل الشيعة: ج27 ص34 ب5 ح33146.
2- وسائل الشيعة: ج4 ص111 ب1 ح4646.

المعركة الحامية الوطيس، حيث الأعداء يحيطون به, وبالخيام, وبأهل بيته من كل جانب.

فإنه (علیه السلام) بمجرد أن حلّ وقت الزوال, أغض عن المخاطر وانشغل بالصلاة, وصلى مع نصف جيشه الصغير جماعةً، حسب بعض الروايات، رغم أن الخطر كان كبيراً جداً، وكانت السهام تنهال عليه وعلى أصحابه. - بأبي هو وأمي وبكل البشرية أيضاً كلنا له ولتراب أقدامه الفداء ولتراب أقدام حفيده الإمام الثاني عشر الحجة المنتظر الفداء -

إن الإمام الحسين (علیه السلام) صلى بتلك الحالة صلاة الانقطاع الكامل إلى الله تعالى عن كل ما عداه، ككل صلواته أيضاً، وأعطى أروع دَرسٍ في العبودية لله عزَّ وجل، رغم تلك المواقف الخطرة والدواهي العظيمة، وربما يصعب على الكثير منّا حتى أداء الصلاة في الأهون بكثير من هكذا ظروف، بل قد نذهل عنها تماماً.

إن علينا أن نقتبس الهدى من سيرة إمامنا الحسين (علیه السلام)، فنتعلممنه الالتزام بالمحافظة القصوى على أداء الصلاة لوقتها, وهذا ما تذكرنا به، شهادتنا له (علیه السلام)، دوماً ب «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ».

ثم إن هذا الالتزام ينبغي أن لا يكون بالإكراه، إذ «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ»(1)، والنبي (صلی الله علیه و آله) لم يكره أحداً، ولم يغلق الأسواق والدكاكين بالقوة لأداء الصلاة في وقتها, بل يجب أن تكون هنالك حالة التزام طوعية عند الناس، والقرآن الكريم يقول: «فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ»(2).

ص: 54


1- سورة البقرة: 256.
2- سورة الغاشية: 21 - 22.

الحدّ الثالث: الولاية

اشارة

الحد الآخر هو الولاية, وهذا الحد يحظى بالأهمية الكبرى، بل له موقع الصدارة، وهو الولاية لرسول الله (صلی الله علیه و آله)، وأهل بيته الأطهار (علیهم السلام).

فإذا صليت الصلاة وأنت موالٍ للرسول وأهل بيته (علیهم السلام)، وكنت تكّن لهم الحب والولاء والودّ، فإن صلاتك ستكون مقبولة عند الله تعالى، وبغير ذلك فإن الصلاة باطلة.

والروايات في ذلك ليست قليلة،ويكفينا شاهد صدق في قوله تعالى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي القُرْبَى»(1)، فإن أجر تبليغ الرسالة مودة قربى رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وهم علي وفاطمة والأئمة الأبرار من ذريتهم (علیهم السلام).

ومن لم يدفع هذا الأجر فهو خائن، ومثله كمن يستأجر عاملاً ليعمل عنده ثم يحرمه العطاء، فإذا آمن الإنسان بالله وبرسوله، ولكنه لم يدفع أجر الرسالة فإنه خائن مجرم - والعياذ بالله -.

السر في موقف النبي (صلی الله علیه و آله)

وهنا نتوقف عند الرواية التالية الغريبة والشهيرة جداً، وهي متعددة الأسانيد أيضاً، وقد رواها ابن عقدة بسنده إلى أبي سعيد الخدري، وهي أنه بعدما نزلت الآية: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا»(2)، كان النبي (صلی الله علیه و آله) يأتي إلى بيت علي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) لمدة تسعة أشهر وعند وقت كل صلاة: صلاة الصبح ثم صلاة الظهر، وصلاة العصر، وحتى صلاة المغرب وصلاة العشاء، ويرفع صوته عند باب علي وفاطمة والحسن والحسين ويقول:

ص: 55


1- سورة الشُّورى: 23.
2- سورة طه: 132.

«الصَّلَاةَ يَرْحَمُكُمُ اللهُ، إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَالْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»(1).

إن الآية الكريمة «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ»(2)أمر، يكتفى في امتثاله بالمرة الواحدة، وكان يمكن للنبي (صلی الله علیه و آله) أن يكتفي بأمر واحد، ويكون بذلك قد امتثل الأمر الإلهي بالأمر بالصلاة فلماذا كان يذهب لهم كل صلاة، ويكرر العبارة والأمر ولمدة تسعة أشهر؟!

إن ذلك أمر غير طبيعي، وهو بحاجة إلى وقفة تأمّل، فإنه لا يوجد في الآية أن اذهب إليهم يومياً، واطرق باب بيتهم، ولا اذهب وارفع صوتك، ولمدة تسعة أشهر عند كل صلاة!

إن هذا الموقف من رسول الله (صلی الله علیه و آله)، موقف نادر واستثنائي بكل المقاييس، خاصة إذا لاحظنا أن النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) كان مثقلاً جداً بمهام كثيرة وأعمال كبيرة، وكان رئيس دولة، وقائد أمة، وكانت مسؤولياته جسيمة إلى أبعد الحدود، وهذا ما يؤكد وجود دلالات كبيرة لهذا الحدث, ومضامين مهمة لهذه الرواية.

وهنا نتوقف عند عشر دلالات لهذه الرواية الشريفة:

الدلالة الأولى: الذهاب إلى بيت أصحاب الكساء عبادة

إن الذهاب لبيت علي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) في حد ذاته عبادة، وهذا ما يكشف عن نفس عمله (صلی الله علیه و آله)، إذ ليس من المعقول أن يقوم الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله) بشيء عبثاً.

ص: 56


1- بحار الأنوار: ج25 ص212 ب 7.
2- سورة طه: 132.

فإذا قام (صلی الله علیه و آله) بعمل دلّ على رجحانه، وإذا كانت خصوصيات ذلك العمل - التي هي على سبيل البدل - مما يقع بعضها في طريق الدعوة والإبلاغ، كان اختياره لبعضها دون البعض الآخر دليلاً على عباديته.

فإذا سلبنا من هذا العمل صفة العبادية، فسوف يكون النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) قد قام بشيء عبثاً، وهو (صلی الله علیه و آله) منزّه عن أن يقوم بشيء من هذا القبيل(1)بل هو - بأبي وأمي - لا يقوم بشيء إلا قربة إلى الله سبحانه وتعالى.

ونحن أيضاً إذا ذهبنا إلى بيت الحسين (علیه السلام) أو إلى قبره الشريف، أو إلى الحسينيات، أو إلى أي مكان يذكر فيه اسم أبي عبد الله الحسين(علیه السلام)، فإننا نقوم بذلك بعمل عبادي بلا ريب.

الدلالة الثانية: شدة الحب النبوي للبيت العلوي

يدلنا هذا الحديث على شدّة حب رسول الله (صلی الله علیه و آله) لعلي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام)؛ ذلك أن من غير الطبيعي أن يذهب الإنسان باليوم خمس مرات إلى بيتٍ ما ليذكرهم بالصلاة، مع أن أهل ذلك البيت هم أشد الناس التزاماً بالصلاة، بل إنهم (علیهم السلام) سادة المصلين، وهم الذين أقاموا الصلاة بحدودها كلها.

إن ذلك مما يكشف عن شدة حب الرسول الأكرم لأهل بيته (علیهم السلام)، فكأنه (صلی الله علیه و آله) يريد أن يكون تذكيرهم بأوقات الصلاة مثل (الذريعة)، أو الحجة - حسب التعبير المشهور - حتى يذهب ويراهم، ويزورهم، خمس مرات كل يوم

ص: 57


1- وقد يستدل بالظهور العرفي من ذهابه إلى بيوتهم على عبادية الذهاب إليها، من غير توقف على الاستدلال أعلاه، وقد يستدل بارتكاز المتشرعة، ويمكن الاستدلال بالعديد من العمومات والإطلاقات وغيرها، فتدبر.

على الأقل.

ويرشدنا إلى ذلك أن الله تعالى سأل موسى (علیه السلام): «وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى»(1)، فأطال موسى (علیه السلام) في الجواب: «قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّبِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى»(2)، مع أن الله تعالى عالم بكل شيء، لكن كان ذلك من موسى حباً للحديث مع الله سبحانه وتعالى.

الدلالة الثالثة: جريمة إيذاء أهل البيت (علیهم السلام)

إن هذا الفعل النبوي يكشف بوضوح - ودون أي لَبْس - عن الحب الشديد الذي كان يحمله النبي الأعظم (صلی الله علیه و آله) بين جوانحه لأهل بيته الأطهار (علیهم السلام)، وبالتالي فإن الذي يؤذي أي أحد من أهل البيت (علیهم السلام)، كمن يؤذي فاطمة (علیها السلام)، أو أمير المؤمنين أو الحسن، أو الحسين (علیهم السلام) فإنه بذلك يؤذي رسول الله (صلی الله علیه و آله) بنفسه، بل هي جريمة يرتكبها، وأي جريمة؟!

فما بالك بالذي يتجرأ على قتل الحسين (علیه السلام)، سيد شباب أهل الجنة!!(3).

ص: 58


1- سورة طه: 17.
2- سورة طه: 18.
3- هذه ثلاث دلالات لهذه الرواية، وهنالك سبع دلالات أخرى مهمة بل أكثر، منها ما يرتبط بنظرية ومعادلة (المنعكس الشرطي) في علم النفس، التي ستذكر لاحقاً إن شاء الله تعالى.

الفصل الرابع: الإمام الحسين (علیه السلام) التجسيد الأسمى والأكمل للصلاة

اشارة

ص: 59

ص: 60

الدلالة الرابعة: العبودية النموذجية

يدلنا هذا الموقف الفريد من رسول الله (صلی الله علیه و آله)، على شدة إطاعته لله تعالى, كما تكشف الشهادة الثانية: «أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»، عن أنه المصداق الأجلى للعبودية.

إذ عندما يكون الإنسان في مقام الامتثال، ويكون ذلك العبد الحقيقي، فإنه سيحاول أن يبالغ في امتثال أمر المولى، كما لو أن الأب أمر ولده بالانشغال بالدراسة - مثلاً - فإنه لو كان باراً فإنه سيحاول أن يُتقن الدراسة بشكل جيد.

وأما لو كان في أعلى درجات البر، فإنه سوف لا يكتفي بالحصول على الدرجة العليا (100) فقط، بل إنه سيحاول أن يكون الأول على مستوى الدولة كلها، بل سيحاول أن يطالع فيها حول ذلك الدرس أيضاً، مع أن المطلوب منه أن يتقن هذا الدرس فقط.

لكنه يحاول الحصول على معلوماتإضافية، بحيث يزيد أباه سروراً وبهجة وهكذا الإنسان إذا كان في المقام الرفيع من العبودية والامتثال، فإنه يحاول أن يتقن أكثر فأكثر، وإن لم يكن ذلك مطلوباً منه على نحو الوجوب.

ص: 61

الدلالة الخامسة: التفسير العملي للمراد ب(أهل البيت)

وهي دلالة دقيقة، فإن موقف الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله)، وحديثه وكلامه في الوقت نفسه، يعدّ تفسيراً للمراد ب (الأهل) في الآية الشريفة.

إذ إن هنالك خلافاً حول المراد بالآية الكريمة: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1)، لكن الذي يحسمه هو موقف الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله)، إذ يُبين بوضوح من هم (أهل البيت) ومن هم المقصودون في هذه الآية؟

إنهم هم: علي وفاطمة والحسن والحسين ووالتسعة المعصومين من ذرية الحسين (علیهم السلام)، ولسن زوجات النبي، كما يذكر ذلك ممن يريد تحريف الكلم عن مواضعه، فالنبي (صلی الله علیه و آله) يفسر ذلك من خلال قوله تعالى: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ»(2).

فلماذا لم يكن يذهب إلى بيتأزواجه ويأمرهن بالصلاة؟!

ولماذا خصّ علياً وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام)، هذا البيت المبارك بالذات؟!

بأن كان يذهب أليهم تسعة أشهر في كل يوم خمس مرات, وينادي عليهم ب «الصَّلَاةَ يَرْحَمُكُمُ اللهُ»(3). إن ذلك يجسّد أعظم تفسير مصداقي ل«أَهْلَكَ» في الآية الشريفة، وليكون حجة كبرى على من يشكك في ذلك.

إن أداة الحصر (إنما) في قوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ

ص: 62


1- سورة الأحزاب: 33.
2- سورة طه: 132.
3- بحار الأنوار: ج25 ص212 ب 7.

الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ»(1)، يعلم مصداقها من خلال هذا الموقف العظيم من الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله).

فإنه لم يذهب إلى بيوت زوجاته، وفيهن الصالحات اللاتي أتقين الله، ولم يخرجن من بيوتهن، لكنهن لسْن من أهل البيت بالمعنى القرآني الاصطلاحي، وإن كن من أهل البيت بالمعنى اللغوي والعرفي.

والرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله) هو من يبين ويفسر المعنى القرآني من خلال قوله (صلی الله علیه و آله)، أو عمله وقوله وعمله حجة كما لا يخفى، وقد قال تعالى: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِيأَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»(2).

إذن الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله) يريد من وراء ذهابه إلى عند باب علي وفاطمة (علیهما السلام) وتلاوة الآية الكريمة، تسليط الضوء على أهل البيت، وأن هؤلاء هم أهل بيتي وهم القربى، الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى»(3).

بمعنى أن النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) يريد أن يفسر الآية تفسيراً عملياً وبالمصداق الواضح والمنحصر، وأن أهل البيت هم هؤلاء: علي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام)، لا غيرهم.

الدلالة السادسة: وجه تخصيص الخطاب في الآية

تصرح الآية الشريفة ب: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا»(4).

ص: 63


1- سورة الأحزاب: 33.
2- سورة النساء: 65.
3- سورة الشُّورى: 23.
4- سورة طه: 132.

ولا شك أن الأمر بالصلاة عام لكل الناس، وليس خاصاً بأهل بيت رسول الله (صلی الله علیه و آله)، لكن من المسلّم به أن هناك عناية إلهية لكل كلمة ذكرت في القرآن الكريم. فقد جاءت الآيات القرآنية على أتقن نظام، وأكبر حكمة، ولا شك في ذلك، ومن ينكر هذه الحقيقة، فهو ليس بمؤمن، فكل حرف فيالقرآن الكريم موضوع بأدق ميزان.

إذ أنه كتاب الله التشريعي وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كما أنه كتاب الله التكويني أيضاً كذلك إذ أن كل شيء في معادلات الله سبحانه وتعالى هو بميزان وقدر: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ»(1).

فلماذا يقول سبحانه وتعالى: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ»(2)؟!

وما هو وجه هذا التخصيص؟!

ربما يكون من وجوه التخصيص: إن الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله) يريد من أهل بيته إقامة الصلاة الكاملة في أسمى درجاتها، أي الصلاة المثالية النموذجية الصلاة بحدودها والتي لا يمكن لأي بشر آخر أن يقوم بها أو بمثلها.

فالنبي (صلی الله علیه و آله) عندما كان ينادي علياً وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) للصلاة، كان مصبّ الخطاب والطلب ليس أصل أداء الصلاة؛ لأن من البديهي أنهم كانوا يؤدون الصلاة بل المصبّ كان تلك الصلاة الكاملة بحدودها الأربعة آلاف - والتي أشرنا اليها في ما سبق - أي أن الطلبكان بالصلاة الكاملة في أسمى تجلياتها، وأروع وأبهى صورها وأن القدرة على الوصول إلى ذلك المقام منحصرة بهم (علیهم السلام) فقط لا غير.

ص: 64


1- سورة القمر: 49.
2- سورة طه: 132.

الدلالة السابعة: الصلاة وأصحاب الكساء هما كجناحي الطائر

إن وقوف الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله) عند باب أهل بيته لمدة تسعة أشهر، وتذكيرهم (علیهم السلام) بالصلاة، أُريد منه - فيما أُريد منه - بيان أن أهل البيت (علیهم السلام) - وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) - والصلاة هما كجناحي الطائر، وهما وجهان - إن صح التعبير - لعملة واحدة.

فهذا الوجه يحكي الوجه الآخر، كما أنه يجسده أيضاً، فهم المظهر والتجسيد الأسمى للصلاة التي أرادها الله تعالى، والصلاة هي المظهر الأسمى للولاية والدعوة الأقوى لها، ألم يقل تعالى: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»(1).

الدلالة الثامنة: تكريس القداسة المطلقة لأهل البيت (علیهم السلام)

إن تكرار النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) مقولته: «الصَّلَاةَ يَرْحَمُكُمُ اللهُ»(2)فيالأوقات الخمسة، ولمدة تسعة أشهر، ثم تلاوته آية التطهير، هو في الحقيقة ليكون ذلك شاهداً على مدى التاريخ ولكل الأجيال، بقداسة أهل البيت (علیهم السلام)، التي لا تضارعها قداسة.

ثم إن التكرار لم يكن يقصد منه التأكيد على تطهيرهم من المعاصي صغيرها وكبيرها فقط، إذ هذا الأمر لم يكن مقتصراً على أهل البيت، فإن مثل سلمان المحمدي لم يكن يرتكب المعاصي وكذلك المقداد، وأيضاً العديد من أولياء الله العظام، بل الأكثر من ذلك أن قوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ»(3)، يشتمل على أداة حصر والرجس على درجات وذهاب

ص: 65


1- سورة الفاتحة: 6.
2- بحار الأنوار: ج25 ص212 ب 7.
3- سورة الأحزاب: 33.

الرجس الوارد في الآية الكريمة يراد به مطلق الرجس حتى في أدنى درجاته الدقّية العقلية، أي حتى ترك الأولى، فإنه بالنسبة إلى شأنهم (علیهم السلام) يعد رجساً وهم (علیهم السلام) منزهون عنه.

إنهم (علیهم السلام) لا ينزلون عن تلك الدرجات السامية من مقام القرب إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن مثل هذا النزول هو خلاف الطّهر المطلق.

فعندما كان النبي (صلی الله علیه و آله) يقف عند باب علي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) خمس مرات،وينادي «الصَّلَاةَ يَرْحَمُكُمُ اللهُ»(1)، وبعد ذلك يقرأ هذه الآية: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2)، كان يعني فيما يعني: تطهيراً من كل دنس ومعصية ومن كل نقيصة ومن كل خطأ، «وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»، حتى من السقوط عن ذاك المقام السامي من القرب الذي لا يمكن أن يصل إليه مخلوق غير المعصومين (علیهم السلام).

والحاصل: إنه كان النبي (صلی الله علیه و آله) يريد أن يكرس مفهوم القداسة العظمى للإمام علي بن أبي طالب, وفاطمة الزهراء, والإمامين الحسن والحسين (علیهم السلام) في أذهان الأجيال, وعلى مر التاريخ.

الدلالة التاسعة: استراتيجية الصلاة أول الوقت

التأكيد على ضرورة الالتزام بأول وقت الصلاة، وعلى ما لذلك من عظيم الفضل عند الله، وهذه الدلالة سوف نتحدث عنها لاحقاً إن شاء الله تعالى.

الدلالة العاشرة: المنعكس الشرطي

وهنا لنا توقف هام آخر مع صنع النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله)، ووقوفه لمدة تسعة أشهر عند باب بيت أهل بيته.

ص: 66


1- بحار الأنوار: ج25 ص212 ب 7.
2- سورة الأحزاب: 33.

فنقول: إن العلم الحديث وصل إلى درجات عالية جداً من التطوّر في هذهالعصور, وهذا مما لا شك فيه, إلا أن الباحث المنصف بالتدبر في أقوال وأفعال الرسول (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته الأطهار (علیهم السلام)، يجد أنهم كانوا الأعلم بكل ما وصل إليه العلم الحديث، وأيضاً ما لم يصل إليه العلم حتى الآن.

فلقد كانوا الأعرف بكل شيء, وبكل المعادلات تكويناً وتشريعاً، وهذه إشارة من الإشارات، فلنتوقف عند معادلة (المنعكس الشرطي)، وهي النظرية التي ذكرها (بافلوف)، العالم الروسي الشهير الذي توفي عام 1936م، والذي كان متخصصاً في علم وظائف الأعضاء، وقد قام بدراسة (المخ) لمدة ثلاثين سنة كاملة، وبحث ردود أفعال المخ فسيولوجياً، ومدى تأثير الحالات النفسية عليه وغير ذلك, وقد حصل على جائزة (نوبل للسلام) عام 1904م.

نظرية بافلوف

يذكر (بافلوف) في نظرية (المنعكس الشرطي): إنه يوجد مثير صناعي، كما يوجد مثير طبيعي، وقد مثل في تجربته للمثير الصناعي ب (الجرس), وللمثير الطبيعي ب (الطعام).

فمثلاً عندما يحضر الطعام أمام الإنسان وهو جائع, فسوف يتولد لديه فعل فسيولوجي في الذهن فيسيل لعابه،وهذا هو (المثير الطبيعي). وهنالك (مثير صناعي) كالجرس في تجربته مع الحيوان، فعندما يضعون أمامه الطعام ويقرعون معه الجرس لمدة شهر مثلاً, بعد ذلك فأنه بمجرد قرع الجرس, وبدون إحضار الطعام, يسيل لعاب هذا الحيوان بشكل طبيعي، كما يحصل بالنسبة للإنسان، وهذا هو ما يطلق عليه: (المنعكس الشرطي)، وله بحث طويل لا يسعنا المقام للخوض فيه.

ص: 67

وهذه النظرية تلقي بعض الضوء على ما كان يصنعه رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وسيضاف بذلك برهان جديد على أن الرسول والأئمة (علیهم السلام) هم قمة المعرفة البشرية، وأن كل أفعالهم كانت على ضوء حكمة وفلسفة إلهية، ومعرفة كبرى بالنفس البشرية.

إن النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) كان لمدة تسعة أشهر يأمر أهله بالصلاة، مع أنهم كانوا دوماً ممتثلين لهذا الأمر، ويردد قوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1)، وذلك يعني فيما يعني أنه يريد أن يوجد مثيراً صناعياً - حسب المصطلح العلمي - أي يحدث ذلك الارتباط الشعوري واللاشعوري في نفس كل إنسان مؤمن، بين (علي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام)) وبين(الصلاة)، بأن هذا هو الوجه الآخر لذاك، وأن هؤلاء هم التجسيد الحقيقي للصلاة، وهم الذين نزلت فيهم الآية المباركة.

ومن هنا نجد أن الجميع يلحظون فوراً - عند ما يذكرون أهل البيت (علیهم السلام) - الطهارة والنزاهة والقداسة والإسلام والشريعة الإسلامية، بما فيها من صلاة وتقوى.. إلى كافة المعاني الإسلامية السامية.

ثم إن هذا الترابط هو ذو بعد آخر أيضاً، فبمجرد أن تذكر الرسول (صلی الله علیه و آله)، فإنك - وكرد فعل شعوري أو لا شعوري - تتذكر معه علياً وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام)، عبر معادلة (المثير الصناعي) و(المنعكس الشرطي).

فقد كان يلاحظه أصحاب الرسول (صلی الله علیه و آله)، ويرونه يذهب يومياً خمس مرات إلى بيت علي وفاطمة (علیهما السلام)، وينادي بهم «الصَّلَاةَ يَرْحَمُكُمُ اللهُ»(2)ثم يتلو آية التطهير، وهو أمر غريب حقاً، ولعله لا نظير له في التاريخ البشري.

ص: 68


1- سورة الأحزاب: 33.
2- بحار الأنوار: ج25 ص212 ب 7.

لكن الهدف كان - في ضمن حزمة أهداف - أنه بمجرد أن يذكر المسلمون رسول الله (صلی الله علیه و آله)، يتذكرون الإمام علي والبضعة الطاهرة والمجتبىالحسن (علیهم السلام) ويتذكرون الإمام الحسين (علیه السلام) أيضاً.

وبمجرد أن يتذكروا الإمام الحسين (علیه السلام)، يتذكرون الظلامة التي جرت بحقه، وظلمه وقتله بتلك الطريقة المفجعة، ويتذكرون عند تذكر مقتله، أن ذلك هو قتل لرسول الله ولرسالته، ولأهدافه (صلی الله علیه و آله).

وهذا هو (المثير الصناعي) متعدد الأبعاد، فعندما ترى أو تسمع باب دار فاطمة يحترق، تتذكر على الفور أن ذلك لم يكن إحراقاً لباب فاطمة فقط، بل هو إحراق لدار رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وعندما ترى الاعتداء والتطاول على الإمام الحسين (علیه السلام)، تستيقن بأنه قد حصل التعدي على رسول الله (صلی الله علیه و آله) شخصياً.

بمعنى أن هناك ترابط عضوي وجوهري، و(منعكس شرطي) بين (رسول الله (صلی الله علیه و آله))، وبين (علي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام))، وبين (الصلاة). هذه الأضلاع الثلاثة تشكل العلاقة التكاملية بين أهل البيت (علیهم السلام)، بين بعضهم البعض، وبينهم وبين الصلاة.

وعندما نقرأ: «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ»، يجب أن نعرف أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) كان الباعث الأول على تكريس هذا المعنى فيذواتنا وأذهاننا، عبر ما قام به (عليه السلام) من (المنعكس الشرطي).

كانت هذه هي بعض المغازي من عمل الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله) على حسب النظرة السريعة العابرة.

كلمة أخيرة

إننا نقرأ في الصلاة، وباستمرار الآية القرآنية الكريمة: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ

ص: 69

الْمُسْتَقِيمَ»(1)، فما هو الصراط المستقيم؟!

إنه صراط رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته الأطهار (علیهم السلام)، وهل يوجد

أحد يشك في أن صراط علي وفاطمة والحسن والحسين هو نفس صراط رسول الله (صلی الله علیه و آله), وهو المقصود ب«اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»(2)في الآية المباركة؟!

والرسول (صلی الله علیه و آله) يقول: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي القُرْبَى»(3)، وهو يعني أن مودَّة هؤلاء، هي أجر رسالتي، فإنهم الصراط المستقيم، وهم الامتداد الحقيقي للرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) ورسالته السماوية.فإذا مال شخص عن هذا الصراط المستقيم، فهو ضال ومنحرف عن ذلك الطريق القويم، والصراط المستقيم.

فما هو السر في وجوب هذا التكرار عشر مرات يومياً على الأقل؟!

إنه (المنعكس الشرطي)، والذي يعد واحداً من الإجابات.

دلالات صلاة الإمام الحسين (علیه السلام) ألف ركعة يومياً

ولننتقل الآن إلى رواية أخرى تكشف عن الموقع الفريد للصلاة في حياة سيد شباب أهل الجنة (علیه السلام).

فقد كان الإمام الحسين (علیه السلام)، يصلي ألف ركعة في اليوم والليلة، وقد سُئل الإمام السجاد (علیه السلام): مَا أَقَلَّ وُلْدَ أَبِيكَ؟!

فقد كان أولاد الإمام الحسين (علیه السلام) قلّة، فقال (علیه السلام) ما نصّه:

ص: 70


1- سورة الفاتحة: 6.
2- سورة الفاتحة: 6.
3- سورة الشُّورى: 23.

«الْعَجَبُ كَيْفَ وُلِدْتُ لَهُ!».. فأنتم تسألوني ما أقل ولد أبيك، وأنا أتعجب كيف ولدت له، وقد «كَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ، فَمَتَى كَانَ يَتَفَرَّغُ لِلنِّسَاءِ!»(1).

وهنا نتوقف على مجموعة من الدلالات في هذا الحديث، وعند بعض الأسئلة:

1: من الدلالات في كلام الإمام السجاد (علیه السلام): إن هذه السيرةالحسينية مع الصلاة، كانت ممتدة لسنين طويلة، وليس لسنة أو اثنين أو ثلاثة، بل ربما امتدت إلى عشرين أو ثلاثين سنة أو أقل أو أكثر؛ وذلك لأن السؤال الاستفهامي التعجبي كان: مَا أَقَلَّ وُلْدَ أَبِيكَ؟!

ويفترض بالإنسان عندما يتزوج، أن يكون طيلة ثلاثين أو أربعين سنة قادراً على الإنجاب، وكان عمر الإمام الحسين (علیه السلام) يوم استشهاده (58) عاماً، وذلك مما يكشف عن امتداد مسيرته (علیه السلام) بالصلاة ألف ركعة يومياً، لسنين طويلة حتى لحظة هذا السؤال والجواب، وهنا بعض الأسئلة:

عِلَل وحِكَم صلاة الإمام ألف ركعة يومياً

السؤال الأول: لماذا كان الإمام الحسين (علیه السلام) يصلي ألف ركعة باليوم والليلة؟!

إنه سؤال مهم جداً؛ لأنه يرتبط أيضاً بنا، لأنهم أئمتنا وسادتنا وقادتنا، وأي عمل يقومون به يؤثر في حياتنا، إن أردنا الحسنى والآخرة والدنيا أيضاً، وسعادة في الدارين: الدنيا والآخرة.

والإجابة على ذلك - باختصار - في ثلاث علل من جملة العلل:

ص: 71


1- وسائل الشيعة: ج4 ص100 ب30 ح4620.

العلّة الأولى: هناك سر خاص ودلالات في هذا العدد بالذات، بحيث لو أنشخصاً صلى (999) ركعة، لما كان يبلغ بعض تلك الأسرار وخصوص هذه المرتبة.

وهذه من حِكم الله سبحانه وتعالى، أن جعل في الأعداد أسراراً، سواء في عالم التشريع أو في عالم التكوين، فإن ذلك مما يصدق على الحقول كافة.

ومما يقرّب ذلك إلى الذهن: الدواء الذي يصفه الطبيب، فيقول - مثلاً - عليك أن تتناول المضاد الحيوي (أنتي بيوتيك)، بمقدار واحد وعشرين حبة أو خمسين حبة، لمدة سبعة أيام أو أسبوعين مثلاً، وإذا نقص العدد فربما يعود هذا الفيروس ثانية إلى البدن وبشكل أقوى؛ لأنه قد لا يموت فيتأقلم مع هذا الدواء فيتحصن ضده، والأمثلة كثيرة جداً في هذا المجال، وهذا مثال من عالم التكوين.

وأما من عالم الدعاء، فعليك أن تقرأ - مثلاً - «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ»(1)سبع مرات، أو (سورة الحمد) سبعين مرة للشفاء، بل حتى لإحياء الموتى، إذا ما قُرأ من قلب نقي وطاهر، بعيد عن المعاصي، ونية صادقة واطمئنان، ويقين، وغير ذلك، أي أن بلوغ هذا العدد هو السبب في إحداث ذلك الأثر الأكبر.

العلّة الثانية: حيث كان المفروض أنيكون الإمام الحسين (علیه السلام) النموذج الأسمى، لأسمى المعاني التي أرادها الله سبحانه وتعالى في الخليقة، ولذلك نرى أنه (علیه السلام) كان في الجهاد قمة القمة التي لا يبلغها أحد، وفي التضحية أيضاً، والإيثار، هو وصحبه، مثل أبي الفضل العباس (علیه السلام)، وكان قمة القمة في العبادة، أيضاً.

ص: 72


1- سورة النمل: 62.

ونحن الآن لا نتحدث عن جانب الخضوع والخشوع والقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فذاك هو الجانب الكيفي، لكنا نتحدث الآن عن الجانب الكمي فقط، وهي ألف ركعة ولسنين طويلة، إلى جانب المسؤوليات الأخرى التي كان يقوم بها في نفس الوقت.

فقد كان (علیه السلام) يجاهد الطاغية والحاكم (معاوية)، وكان (علیه السلام) الملجأ لشيعته ومواليه، كما كان يتصدى لأمور اجتماعية كثيرة، ليس هذا موطن ذكرها.

إذن الصلاة ألف ركعة، من حِكَمها أن يكون أنموذجاً أسمى للعبادة، وهو الإمام الحسين (علیه السلام)، كما كان نموذجاً أسمى للجهاد.

وكذلك الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) الذي كان يصلي في اليوموالليلة ألف ركعة(1)، وأيضاً الإمام السجاد(2)والإمام الرضا (علیهما السلام)(3)، حيث كانا يصليان في اليوم والليلة ألف ركعة، وهكذا وهلّم جرّا.

العلّة الثالثة: لكي نعرف أن المقصود الأسمى هو (الله سبحانه وتعالى)، وهذا مما لا نلتفت إليه كثيراً؛ لأن الشهرة والسلطة والأموال والأهلون وغيرها تشغلنا عن الله تعالى.

وهنا يريد الإمام الحسين (علیه السلام) - فيما يريد - أن يُوصل إلينا هذه الرسالة، بأن المقصود الأسمى هو الله تعالى، وأنه لا يوجد ألذّ من الحديث مع الله، ومن الانقطاع إليه سبحانه وتعالى.

إن الكثير منّا ربما يشعر بالملل عندما يصلي عشر ركعات، فتصوروا أي

ص: 73


1- وسائل الشيعة: ج4 ص97 ب30 ح4612.
2- وسائل الشيعة: ج4 ص98 ب30 ح4614.
3- وسائل الشيعة: ج4 ص98 ب30 ح4615.

قُرب وأي حالة معنوية يكتسبها ذلك الذي يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة..! وهنالك دلالات أخرى عديدة تظهر بالتدبر إنشاء الله تعالى.

واقترح - ختاماً - على السادة الأفاضل والمؤمنات الصالحات، أنه حيث أننا لا نقدر على أداء ألف ركعة من الصلاة يومياً لمدة عشر سنوات، ولا حتىسنة واحدة، بل ولا لشهر واحد، وهذا حال عامة الناس.

لكن لنحدد يوماً واحداً في السنة على الأقل، نصلي فيه ألف ركعة أي خلال يوم وليلة، خلال شهر رمضان مثلاً، في ليالي القدر أو غيرها، حينها نكون قد تأسينا بالإمام الحسين (علیه السلام) بهذا القدر، أو بقدر ما نستطيع روحي وأرواح العالمين له الفداء، ولتراب مقدم حفيده وحفيد رسول الله الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالی فرجه الشریف) الفداء.

ص: 74

الفصل الخامس : الإمام الحسين (علیه السلام) والصلاة في ناشئة الليل

اشارة

ص: 75

ص: 76

الصلاة في ناشئة الليل

الحديث يدور حول الصلاة في مدرسة الإمام الحسين (علیه السلام)، وما فيها من دروس وعبر وإضاءات، وإشارات ودلالات.

وقد تحدثنا في ما سبق عن أن الصلاة هي طريق الرحمة الإلهية في هذه المدرسة المباركة، كما أشرنا إلى أن الصلاة في هذه المدرسة النبوية هي الأصل، وهي المحور الذي تدور حوله كافة نواحي الحياة، وليست أمراً كمالياً كما يتعامل مع الصلاة الكثير من الناس.

فإن الكثير من الناس يتعامل مع الصلاة كشيء هامشي، أو كشيء مفروض عليه، وينبغي أن يتخلص منه، وليس شيئاً مرغوباً محبباً مطلوباً مشتاقاً إليه تدور حول رحاهُ الحياةُ.

وهو المركز والنقطة المركزية وما عداها المحيط، مع أن الصلاة في مدرسة الإمام الحسين (علیه السلام) هي الجوهر، وهي الأصل، وهي الأساس، والعمود والعماد للخيمة، كما ورد«الصَّلَاةُ عَمُودُ الدِّين»(1).

وقد جرى الحديث سابقاً عن الجانب الكمي للصلاة في مدرسة الإمام الحسين (علیه السلام)، حيث إن الإمام كان يصلي في اليوم والليلة الف ركعة، وربما استمر ذلك لمدة (20 أو 30) سنة أو أقل أو أكثر.

ص: 77


1- وسائل الشيعة: ج4 ص27 ب6 ح4424.

الجانب الكيفي للصلاة في المدرسة الحسينية

أما الأن فسنعطف عنان الحديث إلى الجانب الكيفي في هذه المدرسة المباركة المعطاء، وهناك إشارات كثيرة لهذا الجانب، ومنها ما أشارت إليه الرواية:

فإن الإمام الحسين (علیه السلام) بعد صلاة المغرب، لم يكن يفعل كما يفعل عامة الناس، حيث إنهم غالباً ينصرفون إلى الراحة والاستراحة، أو إلى أعمالهم ومشاغلهم، ثم يأتون في وقت صلاة العشاء بعد حوالي ساعتين، ويؤدون صلاة العشاء.

بينما نجد الإمام الحسين (علیه السلام) - كما تؤكد الرواية - كان يجلس بعد صلاة المغرب في مصلاه، وينشغل بالصلاة المستحبة، الصلاة إثر الصلاة، حتى يحين وقت صلاة العشاء.

فسُئل عن سبب ذلك، فقال (علیه السلام): «إنها - هذه الفترة - من ناشئة الليل التي يقول الله سبحانه وتعالى عنها: «إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا»(1)».

وفي استخدامه (صلی الله علیه و آله) (من) التبعيضية في (إنها من ناشئة الليل) دلالة هامة، ذلك أنه يوجد خلاف بين المفسرين حول معنى (ناشئةالليل)، فهل هي الليل بأكمله أو البعض منه؟

وظاهر كلام الإمام (علیه السلام): إن الفترة ما بين المغربين هي من الناشئة، في إشارة إلى الآية القرآنية الكريمة: «إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا».

وقد سُميت (الناشئة) بالناشئة؛ لأنها تنشأ ساعة بعد ساعة، ولحظة بعد لحظة، لأن الزمان في حالة تجدد دائم. وقد ذكر بعض المفسرين، أن المقصود من

ص: 78


1- سورة المزمل: 6.

(ناشئة الليل) هي الليل كله؛ لأنه ينشأ بعد النهار - كما عن ابن عباس، والمروي عن الإمامين الصادقين - كما نقله "مجمع البيان" هو أن ناشئة الليل هي القيام في آخر الليل إلى صلاة الليل(1).

ثم نجد في هذه الرواية أن الإمام الحسين (علیه السلام) يعدّ ما بين المغربين من ناشئة الليل، ولا مانعة جمع؛ فإن ناشئة الليل تعم جميع ذلك كله، ولا عبّر الإمام ب (مِن)، ولعل الوجه في ذكر بعض الأوقات بعنوان أنها (ناشئة) أو (من الناشئة) أن هناك مراتب ودرجات.

فقد يكون لبعض درجاتها مزية،ويكون الوطء فيها أشد، ومثاله العرفي: ما لو رأيت جداراً ملوناً باللون الأخضر، لكن بعض مناطقه كانت أشد خضرة، فان الحائط كله أخضر في حين أن قسماً منه أشد اخضراراً.

ولنتوقف عند هذه الآية القرآنية الكريمة؛ لأن الإمام الحسين (علیه السلام) أحال إليها في فلسفة صلاته في هذا الوقت.

لماذا الصلاة في فترة الاسترخاء؟

اشارة

لماذا ناشئة الليل؟ أي الصلاة بين المغربين هي أشد وطئاً، وأثقل على الإنسان؟

الجواب: الأسباب تتنوع بين فسيولوجية، ونفسية، واجتماعية.

1: تدفق الميلاتونين وحالة الاسترخاء

ومن الأسباب الفسيولوجية، ما أشار إليه علماء الطب: إن بدن الإنسان يتعرض لجملة من التغييرات مع هبوط الظلام، ومع التغير الذي يلفّ الكون ويغمره، منتقلاً من النور إلى الظلام وعلى أثر ذلك:

ص: 79


1- تفسير مجمع البيان: ج10 ص163 سورة المزمل.

أ:تبدأ مادة (الكورتيزون) بالتقلص في بدن الإنسان، وهي المسؤولة عن بث النشاط والحيوية في الجسم، وتسمى (هرمون النشاط).

ب:من جهة ثانية، تبدأ مادة (الميلاتونين) بالترشح بشكل أكثركثافة في هذه الفترة بالذات، وهي المسؤولة عن توفير حالة الاسترخاء، وميل الإنسان إلى الراحة والاستراحة.

وهذه المادة إنما وجدت لحكمة الله سبحانه وتعالى، «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا»(1)، وبناءً على هذه الحقيقة العلمية نلاحظ أن معظم الناس - وفي هذا الوقت بالذات - يخلدون إلى الاستراحة، ويميلون إلى الجلسات التسامرية، أو متابعة التلفاز، أو الانترنيت، أو غير ذلك، مما لا يتطلب عملاً وجهداً.

كما أن كثيراً منهم - خاصة الذين لم تتدخل التكنولوجيا في تغيير نمط حياتهم - يخلدون إلى النوم.

وفي هذا الوقت - وفي هذه الفترة تحديداً - يدعونا الإمام الحسين (علیه السلام) بعمله وبقوله إلى الصلاة فيها؛ لأنها أشد وطئاً، فإنها تنتزع الإنسان من الراحة، ومن الكماليات المادية إلى الأساسيات الروحية، وهذا هو الأصل في حياة الإنسان.

فإن الاصل في حياة الإنسان الروحانية والصلاة، وليس الراحة والاسترخاء.

2: تدفق الكورتيزون ومادة النشاطوفي الاتجاه المقابل:

لاحظوا المفارقة بين الحالتين، إذ يقول العلماء: إن الإنسان مع طلوع

ص: 80


1- سورة الفرقان: 47.

الفجر تبدأ مادة (الكورتيزون) بالتدفق في بدنه بشكل متزايد، لذلك يشعر بحالة من النشاط والحيوية، بل نلاحظ أن المخلوقات كلها تستيقظ في هذا الوقت، بل حتى (غاز الأوزون) يبدأ بالتدفق في هذا الوقت، مما يسبب النشاط العضلي والعصبي، بينما عند المغرب يكون التدفق عكسياً لمادة (الميلاتونين)، التي تسبب للإنسان الميل للاسترخاء.

في هذين الوقتين بالذات، حبَّب الله سبحانه وتعالى لنا الصلاة، وكان الإمام الحسين (علیه السلام) كآبائه وأجداده وأبنائه الطاهرين، في هذين الوقتين بالذات ملتزماً بالدعاء، والذكر، والعبادة، وقراءة القرآن الكريم، والصلاة.

وهذا ما يدفعنا للإيمان بضرورة أن نسلط الضوء أكثر على هذه النقطة الجوهرية، وهي محورية الصلاة في حياة الإنسان، وأن على الإنسان أن يتوجه إلى الصلاة، وهو في قمة النشاط.

كما عليه أن يتوجه إلى الصلاة أيضاً، وهو في حالة انحسار النشاط، وذلك حسب هندسة الله سبحانه وتعالى لبدن الإنسان.

وبمعنى آخر أن الإنسان وهو في أوجنشاطه عليه أن يرتبط بالله؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو معطي الخيرات والبركات، وبيده مفاتيح الخير والرزق والسعادة، وبيده مقاليد السياسة والاقتصاد والاجتماع والحقوق وكل شيء، وكذلك عليه أن يتجه إلى الله سبحانه وتعالى، وهو في أوج حالته الخمولية الذي تدفع البدن للاسترخاء.

والفائدة العظيمة التي يحصدها المرء من هذا العمل، هي القرب أكثر فأكثر إلى الله تعالى، وما أعظمها من فائدة!

وهذا هو الدرس الذي يعلمنا إياه الإمام الحسين (علیه السلام)، وهو أيضاً ما يدعونا إليه ربنا سبحانه تعالى، حيث يقول: «إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ

ص: 81

وَطْئًا»(1).

ومن المحبّذ أن يلتزم المرء بهذه الصلاة في هذا الوقت، ولو لمدة شهر واحد وبالتزام كامل، فسيلاحظ عندئذٍ مدى الصعوبة في ذلك، لكنه في الوقت نفسه يكون قد خطى خطوة كبيرة نحو القرب إلى الله سبحانه وتعالى.

الصلاة المستحبة أم قضاء حوائج الناس..؟!

اشارة

وهنالك سؤال ربما يطرحه البعض:

أ ليس من الأولى للإمام الحسين (علیه السلام) بدل أن يصلي في هذاالوقت ساعتين كاملتين، أن ينقطع إلى خدمة الناس؟ أو أن ينقطع إلى هداية الناس وإرشادهم؟

والسؤال عام، فإن الإمام الحسين (علیه السلام)، كما الإمام الرضا (علیه السلام)، والإمام السجاد (علیه السلام)، والإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أي الأئمة (علیهم السلام) عادة كانوا يصلون لأوقات طويلة في اليوم والليلة ألف ركعة.

وألف ركعة يعني على أقل تقدير ألف دقيقة، وألالف دقيقة تعادل (16) ساعة و(40) دقيقة، وهذا وقت طويل جداً.

فقد يتساءل البعض: ألم يكن من الأولى أن ينصرف الإمام (عليه السلام) أو رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلى خدمة الناس في هذا الوقت، وإلى تربية الناس؟!

هنا إجابات عديدة على هذا السؤال، وهو سؤال دقيق والإجابة عليه أدق، وسنتطرق ها هنا إلى إجابتين فقط:

الإجابة الأولى: العلاقة بالخالق هي المحور الأسمى

إن الأئمة الهداة (علیهم السلام) يريدون أن يوصلون إلينا أن الله تعالى هو المقصد الأسمى، وكل ما يملك البشر من قوى، وطاقات وأعمال، وأفعال وأقوال

ص: 82


1- سورة المزمل: 6.

وأفكار، ووسائل وآليات، يجب أن تتمحور حوله تعالى، فإذا فهم البشر هذه المعادلة، فإنهم سيعيشونسعداء بالتأكيد.

إن غياب محورية الله تعالى من الحياة، هي التي تكون وراء كل النزاعات والحروب والفتن، التي تشهدها الدول والأحزاب والجماعات فيما بينها.

لذا تجد أنه ومن أجل دنيا زائلة، أو على قليل من النفط أو الذهب، أو السلطة، يُقتل عشرات الآلاف من البشر، وتنتهك الحرمات دون حساب.

وقد قال تعالى: «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ»(1)، وجاء في الحديث الشريف: «الصلاة معراج المؤمن»، و«الصَّلَاةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ»(2)، فإذا كانت الصلاة حقاً هي محور حياة البشر، لكان الجميع سعداء.

لذا نجد أن الإمام الحسين (علیه السلام) والأئمة الأطهار (علیهم السلام)، كانوا ملتزمين بالعبادة أشد التزام، وكانوا يصلون باليوم والليلة ألف ركعة، وهي ليست عملية سهلة بالمرة.

ليجرب أحدكم ذلك، وربما لن يتمكن الإنسان من الاستمرار عليها لشهر واحد، فكيف بشهرين! فكيف بسنة! ثم كيف بعشرين أو ثلاثين سنة!.

الإجابة الثانية: لقد كان الأئمة (علیهم السلام) محاصرين

كان الأئمة الهداة (علیهم السلام) محاصرين من قبل الحكام الطغاة أينما كانوا، سواء كانوا في المدينة أم سامراء أم غيرهما. فلم يكونوا يسمحون لهم بلقاء الناس، وقد كان الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة(3)،

ص: 83


1- سورة العنكبوت: 45.
2- الكافي: ج3 ص265 باب فضل الصلاة ح6.
3- وسائل الشيعة: ج4 ص97 ب30 ح4612.

كذلك كان يفعل الإمام الحسين (علیه السلام)(1).

وهذه إشارة تكشف فيما تكشف عن أن السلطات لم تكن تسمح في كثير من الأوقات للناس بلقاء أئمتهم، أو إذا سمحت ففي حدود ضيقة.

وهناك روايات عديدة تتحدث عن أن معاوية منع أهل العراق من اللقاء بالإمام الحسين (علیه السلام)، وهذا مصداق الآية القرآنية الكريمة: «وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ»(2).

وهذه دلالة أخرى على أن الظلم والجور كان مستشرياً، بدرجة أن حكام الجور لم يكونوا يسمحون للأئمة (علیهم السلام) بأن يلتقوا بالناس، وأن يفيضوا عليهم من علومهم، أو يقضوا لهم حوائج، أو حتى مجرد أن يلتقوابهم.

كما أن الظاهر أن بعض الأئمة (علیهم السلام) كانوا أحياناً يبتعدون عن اللقاء بالناس، مخافة أن تتحسس السلطات على الشيعة فتلاحقهم، أو تزيد الضغط أكثر فأكثر على الإمام (علیه السلام).

ومع ذلك كله، وحتى في الوقت الذي كان الإمام في أجواء من الحرية النسبية، لم يكن ينسى الصلاة، بل كان يوليها بالغ الاهتمام، وكان يجهد نفسه لأدائها، بالرغم من مضاعفة مسؤولياته. فإلى جانب الانقطاع المذهل إلى الله تعالى، هنالك الانقطاع الهائل إلى الناس، والجمع بينهما يُعد عملاً مجهداً إلى أبعد الحدود.

والجميع يعلم أن الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام)، عندما وصل إلى سدة الحكم، كان يصل الليل بالنهار والنهار بالليل بين عبادة وإدارة وعمل.

ص: 84


1- وسائل الشيعة: ج4 ص100 ب30 ح4620.
2- سورة الحج: 45.

فمن طلوع الفجر إلى المساء كان مشغولاً بتطبيق بالعدل، وبالإصلاح بين الرعية، ربما كان ذلك يستغرق من عشر ساعات إلى أربع عشرة ساعة أو أكثر خلال اليوم. أما الليل فقد كان مشغولاً بالعبادة والتهجد والتضرع، ولم يكنيُبقي للنوم إلا قليلاً من الوقت جداً(1).

وفي رواية سويد بن غفلة المعروفة، أنه رأى الإمام (علیه السلام) بعد أن نام نومة خفيفة - ربما ساعة أو أقل أو أكثر بعد يوم مجهد من العمل والإدارة، والحكم بين الناس، والفصل بين الخصوم، والتجول في كل مكان للإشراف على الرعية مباشرة - رآه (علیه السلام) قام من نومه، وهو يشعر بالدوار، ومن شدة الإرهاق وقلة النوم، كان يستند للجدار، ثم توجه للوضوء، ثم انشغل بالصلاة حتى الصباح.

وهكذا كان الأئمة الاطهار (علیهم السلام)، فعندما كانت تتوفر لهم فرصة لمساعدة الناس، كانوا يجندون كل طاقاتهم وبشكل مضاعف، لكن في الوقت نفسه كانوا يحاولون استثمار الزمن، فيضغطون على راحتهم ويقللون من نومهم، للانشغال بالعبادة والمناجاة بين يدي الله سبحانه وتعالى.

هكذا هي الصلاة في مدرسة الإمام عليبن أبي طالب، وفي مدرسة الإمام الحسين (علیهما السلام)، وهي مدرسة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته الأطهار (علیهم السلام).

لذا نجد الإمام الحسين (علیه السلام) يستشهد بهذه الآية القرآنية الكريمة: «إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا»(2).

ص: 85


1- ابْنُ شَهْرَآشُوبَ فِي "الْمَنَاقِبِ": عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): أَنَّهُ رَآهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ شَنَّةٌ فِيهِ قَرَاحُ مَاءٍ، وَكَسَرَاتٌ مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ، وَمِلْحٌ. فَقَالَ: إِنِّي لَا أَرَى لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِتَظَلَّ نَهَارُكَ طَاوِياً مُجَاهِداً، وَبِاللَّيْلِ سَاهِراً مُكَابِداً، ثُمَّ يَكُونُ هَذَا فَطُورَكَ!. فَقَالَ (عليه السلام): «عَلِّلِ النَّفْسَ بِالْقُنُوعِ، وَإِلَّا طَلَبَتْ مِنْكَ فَوْقَ مَا يَكْفِيهَا»، مستدرك الوسائل: ج7 ص365 ب9 ح8427.
2- سورة المزمل: 6.

الصلاة من أهم مفاتيح الكون

إن الصلاة كما تكشفه لنا مدرسة الإمام الحسين (علیه السلام)، ومدرسة آبائه الأطهار (علیهم السلام)، تعدّ من أهم مفاتيح الكون، وهي ليست أمراً تعبدياً وتشريعياً وروحانياً فحسب، بل لها تأثير تكويني مباشر على الكون.

إن الصلاة كما الطائرة لها تأثير تكويني، حيث تنقلك من مكان إلى آخر، أو أشعة الليزر التي لها تأثير تكويني على الأجسام.

إن الصلاة تمثل سراً من أعظم أسرار التأثير في الكون، فالصلاة ليست مجرد معراج روحي للمؤمن، إنما لها تأثيراتها الكونية الكبرى، وهذا ما سنتحدث عنه بعد قليل بإذن الله تعالى.

هكذا نقرأ ونتعلم في مدرسة أهل البيت (علیهم السلام)، وهكذا أيضاًنشاهد ذلك في مدرسة الإمام الحسين (علیه السلام).

صلاة الاستسقاء والتأثير التكويني

اشارة

أبان حكومة أمير المؤمنين (علیه السلام) على العالم الإسلامي - وهو حقا حقاً الخليفة المنصوب من قبل رسول الله (صلی الله علیه و آله) بآية الإنذار(1)، وآية «اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا»(2)، في قضية (غدير خم) والآيات الأخرى والروايات المتواترة والواضحة، وفي ظل الظروف الجديدة، شهدت مدينة الكوفة جفافاً وقحطاً شديداً. إذ حبست السماء قطرها، فعمّ الغلاء الشديد، وشحّت المواد الغذائية، فلجأ الناس إلى الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) واستغاثوا به.

ص: 86


1- وهو قوله تعالى: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ» سورة الشعراء: 214.
2- سورة المائدة: 3.

هنا نشهد الدقة المتناهية في تعامل الإمام مع هذا البلاء السماوي والابتلاء الإلهي، حيث فضَّل أن لا يذهب بنفسه لصلاة الاستسقاء، وهي الصلاة التي تؤثر في المعادلة الكونية، وتسبب هطول المطر، كما تؤثر في كل شيء آخر، بل التفت إلى ولده الإمام الحسين (علیه السلام)، وقال له: (اذهب فاستسقِلنا) أي أنه طلب منه أن يذهب لصلاة الاستسقاء.

وقبل أن نقرأ دعاء الاستسقاء الذي التجأ به الإمام الحسين (علیه السلام) إلى ربه سبحانه وتعالى، نتوقف ونتسائل عن سبب اختيار الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام)، الإمام الحسين (علیه السلام) دون أي شخص آخر؟!

فلم يذهب هو بنفسه (علیه السلام)، بل حتى أنه لم يختر الإمام الحسن (علیه السلام) لوحده مثلاً. نعم، توجد رواية أخرى تذكر أنه (علیه السلام) أمرهما معاً بأن يذهبا لصلاة الاستسقاء.

لكنني استظهر أنه كانت هناك حادثتان، وأنه تكررت ظاهرة القحط فأمر (علیه السلام) مرةً الإمام الحسن (علیه السلام) للذهاب لصلاة الاستسقاء، ومرةً اخرى أمر الحسين (علیه السلام) وحده، لكن يبقى السؤال عن سبب هذا الاختيار؟!

لعل من الأسباب التي تكمن وراء اختيار أمير المؤمنين (علیه السلام) لابنه السبط الشهيد (علیه السلام)، هو: لكي يطبع في أذهان أهل الكوفة، أنهم في يوم من الأيام، سيواجهون هذا الرجل الذي جرت على يديه الكرامة الإلهية، وأرسلت السماء المياه الغزيرة بدعائه, بلطف الله سبحانه وتعالى، ثم معذلك تجتمعون عليه لقتله، ثم سبي عياله.

هذه هي المفارقة المؤلمة، التي ثبتها أمير المؤمنين (علیه السلام) في أذهان أهل الكوفة، وفي أذهان الأجيال على مر التاريخ.

ص: 87

ولنرجع إلى تتمة الرواية: انطلق الإمام الحسين (علیه السلام) للاستسقاء، وقال في دعائه بعد أن حمد الله وأثنى عليه:

«اللَّهُمَّ يَا مُعْطِيَ الْخَيْرَاتِ مِنْ مَنَاهِلِهَا، ومُنْزِلَ الرَّحَمَاتِ مِنْ مَعَادِنِهَا، ومُجْرِيَ الْبَرَكَاتِ عَلَى أَهْلِهَا، مِنْكَ الْغَيْثُ الْمُغِيثُ، وَأَنْتَ الْغِيَاثُ الْمُسْتَغَاثُ، ونَحْنُ الْخَاطِئُونَ وأهل الذُّنُوبِ، وَأَنْتَ الْمُسْتَغْفَرُ الْغَفَّارُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.

اللَّهُمَّ أَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا لحِينِهَا مِدْرَاراً، واسْقِنَا الْغَيْثَ وَاكِفاً مِغْزَاراً، غَيْثاً مُغِيثاً، وَاسِعاً مُتَّسِعاً، مُهَطَّلًا مَرِيّاً، مُمْرِعاً غَدِقاً، مُغْدِقاً غَيْدَاقاً مُجَلْجِلًا، سَحّاً سَحْسَاحاً، ثَجّاً ثَجَّاجاً، سَائِلًا مُسْبِلًا، عَامّاً وَدْقاً مِطْفَاحاً.

يُدْفَعُ الْوَدْقُ بِالْوَدْقِ دِفَاعاً، ويَتْلُو الْقَطْرُ مِنْهُ قَطْراً، غَيْرَ خُلَّبٍ بَرْقُهُ، ولَا مُكَذَّبٍ رَعْدُهُ، تُنْعِشُ بِهِ الضَّعِيفَ مِنْ عِبَادِكَ، وتُحْيِي بِهِ الْمَيِّتَ مِنْ بِلَادِكَ، وتُونِقَ بِهِ ذُرَى الْآكَامِ مِنْ بِلَادِكَ، وتَسْتَحِقُّ بِهِ عَلَيْنَامِنْ مِنَنِكَ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ»(1).

تقول الرواية: ما أن قرأ الإمام (علیه السلام) هذا الدعاء وصلى صلاة الاستسقاء، حتى تجمعت الغيوم في السماء وتراكمت وتكاثفت، وبدأ المطر ينهمر بغزارة كبيرة بحيث امتلأت الحياض والغدران، والطرقات بماء كثير وافر غامر.

وذلك يعني فيما يعني أن الإمام الحسين (علیه السلام)، وبأمر من أبيه علي بن أبي طالب (علیه السلام)، كان يريد أن يبين لنا أيضاً بُعداً آخر من أبعاد (الصلاة)، وهي أنها مفتاح تكويني لاستمطار الرحمة الإلهية.

أ: الصلاة مصدر إشعاع كوني

وهذا هو ما اكتشفه العلم الحديث أخيراً في أبعاد عديدة، وعلى سبيل المثال: فإن أحد العلماء وهو الكسيس كاريل - الحائز على جائزة نوبل في الطب -

ص: 88


1- مستدرك الوسائل: ج6 ص199 - 197 ب11 ح6750.

يقول: (كما إن معدن الراديوم مصدر إشعاع، وهو يُعد حقيقية عينية تكوينية، فإن الصلاة أيضاً مصدر لإشعاع غريب).

ب: الصلاة تعالج الأمراض الخطيرة

ويقول هذا الطبيب الشهير أيضاً: (شاهدت شخصياً - وهي مشاهدات طبيب متمرس وخبير - حالات كثيرة لمرضى تماثلوا للشفاء من مرض السرطان بالصلاة، وأيضاً هنالك حالات مرضية زالت بالصلاة، مثل التدرن البريتوني، وهو من النوع السيء جداً والخطير من أنواع التدرن).

ويقول كاريل أيضاً: (كانت الصلاة السبب في شفاء الكثيرين من التهاب العظام، والجروح المتقيحة، التي يصعب علاجها)، وغير ذلك من الأمراض.

إذن الصلاة لها تأثير تكويني؛ فبالصلاة تُستمطر السماء، ويُشفى المريض، ويغاث الملهوف، وتُقضى الحوائج.

ج: الصلاة عامل تطهير الأرض

وإلى جوار ذلك كله، فإن الصلاة هي عامل لتطهير الأرض، فإنه ثبت علمياً أنه إذا اجتمع قوم في مكان ما وصلوا، أو حتى إذا صلّى شخصٌ واحد، فأنه يخرج من بدنه إشعاع يُطهر الأرض من الشحنات السالبة التي تؤثر على الإنسان سلبياً، وتسبب توتر الأعصاب، أو تؤدي إلى اختلال مسارات الطاقة في بدنه.

هكذا نتعلم في مدرسة الإمام الحسين (علیه السلام) هذه الدروس والعبر،ونتعلم أن الصلاة هي مفتاح تكويني للرحمة الإلهية، وليست مفتاحاً عبادياً تستوجب للقرب لله تعالى فقط.

ص: 89

الصلاة والتطبير والانضباط والروح التضحوية

وفي الختام ثمة إشارة إلى بعض التأثيرات التي تتركه هذه المدرسة الروحية والعرفانية على أتباعها.

إذ إن هناك شهادة من رجل غير مسلم ومعروف، وهو الكاتب الإنجليزي (توماس لايل)، فقد جاء هذا الرجل إلى العراق، وشاهد عن قرب مواكب عزاء الإمام الحسين (علیه السلام)، ورأى أن المعزّين كيف يقيمون الصلاة بذاك الخشوع والخضوع، ثم ينطلقون ويضربون بالسلاسل على الصدور، أو حتى يضربون على رؤوسهم بالسيوف (التطبير)، وقارَنَ بين ما يراه وبين ما سمعه من دعايات، بأن معظم أتباع أهل البيت (علیهم السلام) يتصفون بالوحشية والهمجية! فما معنى أن يضرب الإنسان نفسه بالسلاسل؟! إنها عقدة نفسية ومحاولة لجلد الذات!! إلى غير ذلك من الكلام غير العلمي.

لكن (توماس لايل) وهو الذي ينظر إلى القضية بعين المثقف الغربي، يقول: (لم يكن هناك أي نوع من الوحشية أو الهمجية، ولم ينعدم الانضباط بين الناس.فشعرت في تلك اللحظة وخلال مواكب العزاء، وما زلت أشعر - وهي التجربة التي ظل يعيشها لسنوات - بأني توصلت في تلك اللحظة إلى جميع ما هو حسن ومُفعم بالحيوية في الإسلام).

لقد شاهد جموع المصلين المعزين، وهم يؤدون صلاة الفريضة قبل أن ينطلقوا ويضربوا ظهورهم بالسلاسل، مكتشفاً المعاني السامية في الإسلام.

ويقول أيضاً: (أيقنت بأن الورع الكامن في أولئك الناس، والحماسة المتدفقة منهم، والتي تجعلهم يضربون أنفسهم بالسلاسل أو بالسيوف، هي كناية

ص: 90

عن مواساتهم لإمامهم الإمام الحسين (علیه السلام)، الذي ضحى من أجل الصلاة وللقيم السامية بكل شيء.

وهذه الحماسة المتدفقة بوسعها أن تهز العالم هزاً، فيما لو وُجهت بشكل صالح، وانتهجت السبل القويمة).

والخلاصة هي

إن الصلاة في مدرسة الإمام الحسين (علیه السلام) هي طريق للرحمة الإلهية، وطريق لتصحيح العلاقة مع الآخر، وهي الأصل، وهي الجوهر، وهي مفتاح من أهم مفاتيح الكون.

ص: 91

ص: 92

الفصل السادس: الصلاة عند مرقد الإمام الحسين (علیه السلام)

اشارة

ص: 93

ص: 94

لا زال الحديث حول الصلاة في مدرسة الإمام الحسين (علیه السلام)، وحديثنا في هذه الحلقة ينصب على الصلاة عند مرقد ومشهد الإمام الحسين (علیه السلام)، وما لها من الآثار الكبيرة، والبركات والأجر العظيم، كما هو مصرح به في الروايات.

وسنتطرق إلى الإجابة على التساؤل الذي ربما يُثار في أذهان الكثيرين عن كيفية ذلك؟ وما هذه المبالغات؟ إذ قد يرى البعض في ذلك نوعاً من الغلو.

وسنبدأ أولاً باستعراض بعض الروايات الشريفة، ثم ننطلق إلى الحديث عن الإجابة على هذه الشبهات بإذن الله سبحانه وتعالى.

الصلاة عند الإمام الحسين (علیه السلام) سبب استجابة الدعاء

أ : يقول الإمام الصادق (علیه السلام): «مَنْ صَلَّى عِنْدَهُ - أي الإمام الحسين (علیه السلام) - رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ»(1).

لاحظوا هذه العبارة الفريدة، التيتميزت باشتمالها على العموم من جهتين: من جهة «مَنْ» التي تفيد العموم لكل وافد وزائر، من أي لون كان أو جنسية أو انتماء أو اتجاه، ومن جهة «شَيْئاً» التي تفيد العموم لكل حاجة ومسألة وطَلِبة.

ولكن على ماذا يدلنا ذلك؟!

ص: 95


1- مستدرك الوسائل: ج10 ص263 ب31 ح11976.

إنه يدل على أن إرادة السماء، كانت على ترسيخ العلاقة التكوينية لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، بين (الإمام الحسين (علیه السلام)) و(الصلاة)، وعلى إضفاء أبعاد جديدة عليها أيضاً، وذلك يعدّ نوعاً من الأجر على العلاقة الوثيقة والتكاملية والترابطية التي كانت - وبأشد ما تكون - بين الصلاة وبين الإمام الحسين (علیه السلام) في حال حياته!

ثم إنه بعد شهادته أيضاً، نجد أن الروايات تؤكد ديمومة ذلك الترابط التكويني الهائل والإلهي السماوي بين الإمام الحسين (علیه السلام)، وبين الصلاة بتجليات أخرى، إلى درجة أن الزائر عندما يذهب لزيارة الإمام الحسين (علیه السلام) ثم يصلي عند ضريحه ركعتين، فإنه لا يسأل الله شيئاً - وشيئاً نكرة في سياق النفي، وهي كما سبق تفيد العموم - إلا أعطاه، وذلك يشمل أية حاجة من حوائج الدنيا أو الآخرة، كبيرة كانت أو صغيرة، سياسيةكانت أو اجتماعية أو اقتصادية، شخصية كانت أو عائلية أو عشائرية، أوحزبية أو دولية.

الصلاة عند الإمام الحسين (علیه السلام) تعدل حجة أو عمرة

ب: ويقول الإمام الباقر (علیه السلام): «إِنَّ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ عِنْدَهُ تَعْدِلُ حَجَّةً، وَالصَّلَاةَ النَّافِلَةَ عِنْدَهُ تَعْدِلُ عُمْرَةً»(1).

ج: ويقول الإمام الباقر (علیه السلام): «مَا يَمْنَعُكَ إِذَا عَرَضَتْ لَكَ حَاجَةٌ أَنْ تَأْتِيَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ (علیه السلام)، فَتُصَلِّيَ عِنْدَهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ تَسْأَلَ حَاجَتَكَ؟!»(2).

هذا التأكيد على هذه المعادلة الغيبية يذكرنا دائماً، كما نقرأ في عشرات الروايات والزيارات، أننا نشهد: «أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ، وَأَمَرْتَ

ص: 96


1- وسائل الشيعة: ج14 ص518 ب69 ح19728.
2- وسائل الشيعة: ج14 ص518 ب69 ح19728.

بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَطَعْتَ اللَهَ وَرَسُولَهُ»(1)، فالإمام الحسين (علیه السلام) هو الذي أقام الصلاة.

ولابد أن نتوقف طويلاً عند الحكمة الإلهية، التي أوجدت الترابط بين طلب الحاجات، وبين الصلاة عند قبر الحسين(علیه السلام)؛ لكي يتجسد هذا المثلث أمامنا:

الصلاة ! عند قبر الإمام الحسين (علیه السلام) ! تساوي قضاء الحوائج.

أو نتجسد ذلك في هيئة رباعية:

الإنسان ! إذا صلى ! عند قبر الإمام الحسين (علیه السلام) ! قضى الله حوائجه.

فالعبد إذا أراد قضاء حاجته، فإنه سيحصل على الاستجابة عبر الصلاة والدعاء عند مرقد ومشهد سيد الشهداء الإمام الحسين (علیه السلام).

وهنا ثمة محطة لابد من التوقف عندها قليلاً في الحديث:

«إِنَّ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ عِنْدَهُ تَعْدِلُ حَجَّةً، وَالصَّلَاةَ النَّافِلَةَ عِنْدَهُ تَعْدِلُ عُمْرَةً»(2).

أ ليس هذا غلواً؟

والسؤال الذي يمكن أن يُثار: هل يمكن ذلك؟ أ ليس هذا غلواً؟

الصلاة الفريضة الواحدة يصليها الإنسان، مثل صلاة الظهر، والتي هي أربع ركعات، والتي ربما تستغرق أربع دقائق تعدل حجة؟! مع أن أداء حج بيت الله الحرام يتطلب من الإنسان الكثير من الجهد والمال والوقت، وفي العهود

ص: 97


1- مصباح المتهجد: ص720 - 721 دعاء الموقف لعلي بن الحسين (علیه السلام).
2- وسائل الشيعة: ج14 ص518 ب69 ح19728.

الماضية كانت الرحلة إلى الحج ربما تستغرق ستة أشهرذهابا وإياباً؟

أ ليس في هذا مبالغة؟! أ ليس هذا نوع من الغلو عند الشيعة؟!

د: وفي رواية أخرى: «لَوْ يَعْلَمُوا مَا فِي زِيَارَتِهِ - زيارة الإمام الحسين (علیه السلام) - مِنَ الْخَيْرِ وَيَعْلَمُ ذَلِكَ النَّاسُ لَاقْتَتَلُوا عَلَى زِيَارَتِهِ بِالسُّيُوفِ، وَلَبَاعُوا أَمْوَالَهُمْ فِي إِتْيَانِهِ»(1).

أ ليس في هذا مبالغة؟!

وثمة الكثير من هذه الروايات في هذا الحقل، لكن قبل أن نوضح هذه المعادلة نشير إلى الإجابة على سؤال آخر قد يخطر في الاذهان:

لماذا التفاوت في الأجر؟

لماذا جاء في بعض الروايات: أن من يصلي ركعتين ويطلب حاجته يستجاب له، فيما روايات أخرى: من يصلي أربع ركعات ويطلب حاجته، فإنها تستجاب؟.

هنالك وجوه عديدة للإجابة على ذلك، نقتصر على وجه واحد الآن:

إن السر في ذلك يكمن في اختلاف الحالات الروحية والنفسية عند الإنسان، وفيما إذا كان المصلي مطمئناً من الناحية القلبية، فتقضى حاجته بالصلاة، أو في شكٍ منها؟!

ذلك أن الله سبحانه وتعالى يعطيللمطمئن قبل أن يعطي للشاك، وهذه معادلة ثابتة عند الله سبحانه وتعالى. فإن الإنسان المطمئن والواثق من لطف الله تعالى، يهبه الله تعالى ويمنحه، ويفيض عليه النصر، وأنواع العطاء بشكل أسرع، من ذلك الانسان غير المطمئن، بل إن تأخير الاستجابة تكون له بمنزلة

ص: 98


1- بحار الأنوار: ج45 ص225 ب 41 ح17.

نوع من العقوبة.

وهناك أجوبة اخرى نتركها لمجال آخر.

هل يعقل أن تعدل الصلاة عنده حجة؟!

والسؤال المهم: كيف أن الصلاة المفروضة عند الإمام الحسين (علیه السلام) تعدل حجة، والصلاة النافلة تعدل عمرة؟!

وكيف أن من يطلب الحاجة بعد ذلك، فإن حاجته تقضى بإذن الله تعالى؟!

الأجوبة: القواعد والشواهد والأدلة والفلسفة

اشارة

والجواب أولاً: نبدأ بالقواعد، ثم نثني بالشواهد، ثم نثلّث بالأدلة، ونربّع بفلسفة ذلك.

أولاً: القواعد

أ: قاعدة إمكان الغرائب

القاعدة العقلية تقول: (كلما قرع سمعك من الغرائب، فذره في بقعة الإمكان حتى يذودك عنه قائم البرهان).بمعنى إن الإنسان إذا سمع شيئاً غريباً، أو رأى أمراً تصوره غير معقول - بالتعبير المتعارف - فلا يصح له أن ينكره. فإن كثيراً من الأمور التي كانت غير معقولة في سالف الزمان، فإنها بمرور الزمان، ومع تكامل العقل البشري تحولت إلى أمور بديهية.

وذلك يعني أن دعاوى (اللا معقولية) كثيراً ما تكون نتيجة لسلطان الجهل على الإنسان، وليس من مدركات (العقل) الذي هو النور الإلهي

ص: 99

المودع في الإنسان.

والأمثلة على ذلك لا تحصى، منها: إمكانية أن يطفو الحديد على الماء، أو أن يطير الانسان في الهواء! فقد كان تصديق ذلك مستحيلاً على من عاش قبل خمسمائة سنة مثلاً.

لكن من يعيش في عالم اليوم، فإنه يجد ناقلات النفط والبضائع الحديدية، وهي تُعد بالآلاف تمخر عباب البحار في العالم، كما يشهد حركة الطائرات المكثفة بين مختلف مدن العالم.

كذلك الحال بالنسبة للاختراعات العديدة التي غيّرت حياة الانسان، من وسائل الاتصال والنقل وغيرها.

إذن لا يوجد شيء ممتنع ومستحيل، إلا إذا قام دليل من العقل الصريح القطعي على استحالته، أو من النقل القطعي السند والدلالة والجهة.ومن هنا فإن استجابة الدعاء لا ريب أنها ممكنة، وماذا يمنع الله القادر المتعال من أن يهب أحد عباده هذه المكرمة واللطف تكريماً له، فكيف إذا كان سيد شباب أهل الجنة (علیه السلام)؟

ب: قاعدة لا قياس في الإسلام

إن القياس باطلٌ في الاسلام شرعاً وعقلاً، وأول من قاس إبليس، فمن غير الصحيح قياس الأشياء بحجمها، أو بزمانها، أو بالجهد المبذول فيها، لوجود معادلات ذات صلة أخرى، قد تخفى علينا أصلاً أو في التفاصيل.

ومن هنا فإنه لا يصح قياس الحج، الذي ربما يستغرق من الإنسان أياماً أو شهراً كاملاً من الجهد، والأعمال العبادية المخلتفة، إلى جانب بذل المال الكثير، بصلاة ركعتين عند مرقد الإمام الحسين (علیه السلام)، والتي قد تستغرق دقيقتين فقط،

ص: 100

أو صلاة الفريضة مثل صلاة الصبح، وأنه كيف تعدل هذه حجة كاملة؟

إن على الإنسان أن لا ينكر ذلك ولا ينفيه؛ لانه لا قياس في الدين، والقياس خاطئ وباطل تماماً.

ألا ترون أن إبليس نطق حسب معادلات القياس العقلية، وقال لله تعالى: ما مضمونه سوف أسجد لك خمسة آلاف سنة فيسجدة واحدة! بدلاً من السجود لآدم لثانية واحدة.

علماً أن الله تعالى أعظم من آدم بالأساس، بل لا يوجد بين الخالق والمخلوق قياس؛ لأن آدم هو محض الفقر, والله تعالى عين الغنى, لكن الله تعالى قال له: كلا، بل أريد منك أن تسجد هذه الثانية الواحدة لآدم، وعندما رفض استحق لعنة الله والشقاء الأبدي.

وعليه لا يصح القياس عقلياً من الناحية الكيفية، ولا من الناحية الكمية؛ لأن الإنسان يجهل الأبعاد الحقيقية، والزوايا المختلفة، لمقتضيات المشيئة الإلهية.

ج: قاعدة «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ»

إنها آية صريحة من كتاب الله المجيد(1)، فهو سبحانه وتعالى له عالم الخلق، كما له عالم الأمر، وله عالم التكوين، كما له عالم التشريع، فهل لنا من ذلك شيء؟!

فإذا كان الجواب بالنفي، فلماذا نستنكر على الله سبحانه أن يجعل استجابة الدعاء تحت قبة الإمام الحسين (علیه السلام) بعد الصلاة ركعتين، أو أن يجعل جل اسمه ثواب الفريضة التي تصلى عند الإمام الحسين (علیه السلام) تعدل ثواب الحج, أو يقرر أن يكون ثواب النافلةعنده كثواب العمرة؟!.

ص: 101


1- سورة الأعراف: 54.
د: قاعدة «لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ»

وهذه آية أخرى صريحة من كتاب الله المجيد، فهل يستطيع الإنسان الاعتراض على الله سبحانه وتعالى؟! مع أن الله تعالى «لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ»(1).

ه: قاعدة «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ»

فقد قال تعالى: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»(2).

إن هذه الآية الشديدة اللهجة، نزلت في زمن كان الإيمان فيه أمراً صعباً جداً على بعض النفوس، كما يصعب الآن على بعض النفوس تصديق استجابة الدعاء تحت قبة الإمام الحسين (علیه السلام)، لكننا في الوقت الذي نجد فيه بعض الناس لا يقبلون هذا الكلام، فإن أتباع أهل البيت (علیهم السلام) لا ريب يقبلونه؛ لأن هذه الأحاديث المروية بهذا الشأن مروية عن الإمام الصادق (علیه السلام) وسائر الأئمة الأطهار (علیهم السلام)، وهي روايات عديدة، وقد تلقاها العلماء بالقبول على مر التاريخ، بل إنها متواترة تواتراً إجمالياً دون كلام.وأما المصدر فهو باقر العلوم وصادق أهل البيت (علیهما السلام) اللذين يُجمع علماء الشيعة والسنة على أنهما كانا أشد أهل العالم ورعاً وزهداً وتقوىً وصدقاً، إلى آخر الصفات الحسنة والفضائل الحميدة.

ثانياً: الشواهد

اشارة

إن من الشواهد الهامة أن كثيراً من القضايا لا تقاس بالحجم، ولا بالعقل - أي العقل الظاهري لعامة الناس - ولا بالجهد، أو المال المبذول.

ص: 102


1- سورة الأنبياء: 23.
2- سورة النساء: 65.
أ: سورة التوحيد تعدل القرآن كله

ومن الشواهد على ذلك: إن لختم القرآن الكريم - كما في الروايات الكثيرة - أجراً عظيماً - ربما تستغرق الختمة الواحدة للقرآن الكريم من الوقت حوالي اثنتي عشرة ساعة من القراءة المتواصلة وبلا انقطاع، بينما تقول الروايات، عن النبي (صلی الله علیه و آله) قال: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ فَلَهُ ثَوَابُ ثُلُثِ الْقُرْآنِ، وَمَنْ قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ فَلَهُ ثَوَابُ ثُلُثَيِ الْقُرْآنِ، وَمَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَهُ ثَوَابُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ»(1).

وقراءة سورة «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» قدتستغرق دقيقة واحدة، فلماذا لا يحتج هذا البعض! كيف أن الله سبحانه وتعالى يساوي في الجهد المبذول على قراءة القرآن كله - بما فيه سورة التوحيد - مع قراءة هذه السورة ثلاث مرات فقط، وهي لا تستغرق إلا دقائق معدودة؟!.

نعم، الله جل اسمه «لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ»(2)، و«أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ»(3)، و«فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ»(4)، وأن هنالك خفايا وزوايا وأبعاداً لا نعرف منها شيئاً.

ب: صيام ثلاثة أيام يعدل سنة!

ومن الشواهد أيضاً: الرواية الثابتة عند أهل العامة أيضاً، ففي قضية سلمان الذي كان يصوم ثلاثة أيام، صرح النبي (صلی الله علیه و آله) بأن من صام ثلاثة أيام في

ص: 103


1- مستدرك الوسائل: ج4 ص193 - 192 ب20 ح4466، مستدرك الوسائل: ج 4 ص 285 ب 24 ح 4706.
2- سورة الأنبياء: 23.
3- سورة الأعراف: 54.
4- سورة النساء: 65.

الشهر فله أجر صيام الشهر كله، وأن من صام طوال السنة كل شهر ثلاثة أيام، فله أجر صيام السنة بكامل أيامها(1).

ج: ضربة علي (علیه السلام) يوم الخندق

والشاهد الواضح والمثال الآخر: ضربة علي يوم الخندق، لا دليل أقوى منتصريح رسول الله (صلی الله علیه و آله)، في رواية لا ريب فيها نقلها الشيعة والسنة،: «ضربة علي يوم الخندق أفضل عند الله من عبادة الثقلين»(2).

إنها ضربة واحدة ربما استغرقت ثانية واحدة، حيث قضى فيها على عمر بن عبد ود العامري، لكنها تعدل عند الله عبادة الثقلين، وهم الإنس والجن بما فيهم الملائكة وكلما استتر عن الحواس، والصلحاء على مر التاريخ، وهم ربما يكونوا بعشرات المليارات!

د: الصدقة بالخاتم أو بمليار دينار؟

الشاهد الآخر: وهو من كتاب الله حيث يقول سبحانه وتعالى: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(3).

فإن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) أخرج خاتماً من يده وهوفي ركوع صلاته وأعطاه لذلك الفقير، فنزلت في شأنه آية، وصرحت له بالولاية(4).

ص: 104


1- بحار الأنوار: ج39 ص258 - 257 ب 87 ضمن ح34.
2- بحار الأنوار: ج39 ص6- 1 ب 70 ح1.
3- سورة المائدة: 55.
4- تفسير مجمع البيان: ج3 ص361 - 363 سورة المائدة.

بينما ربما يدفع البعض مليون دينار أو دولار، لكن لا تنزل بحقه آية، هذا إذا لم ينزل فيه ذم! فإن بعض منتصدّق لم يجنِ إلا المذمّة. وهذا شاهد على أن القضايا لا تقاس بالحجم أو الجهد أو غير ذلك، بل لها ملاكات خاصة يعلمها من «لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ»(1)، وهو الله تبارك وتعالى.

ه: إطعام ثلاثة أيام أو إهداء سبعة بساتين؟

والشاهد الآخر: آية كريمة أخرى نزلت بحق أهل البيت (علیهم السلام)، وهي: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا»(2).

وموجز شأن النزول: إن الإمام أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والإمام الحسن والإمام الحسين (علیهم السلام)، صاموا ثلاثة أيام - في القضية المعروفة - وعند الإفطار أعطوا طعامهم للفقير في اليوم الاول، وفي اليوم الثاني جاءهم مسكين فأعطوه طعامهم أيضاً، وفي اليوم الثالث أعطوه للأسير، فنزلت في حقهم هذه الآية الكريمة المباركة(3).

بينما أهدى ذلك الشخص الآخر سبعة بساتين لرسول الله (صلی الله علیه و آله)، ولكن لم تنزل في حقه آية قرآنيةواحدة(4)!.

و: طاقة الانشطار الذري والنووي

والأمر في عالم التكوين كذلك أيضاً: إذ نجد أن الذرة البسيطة إذا انشطرت فإنها تحدث انفجاراً ذرياً مدمّراً، أو إذا اندمجت فإنها تحدث انفجاراً

ص: 105


1- سورة الأعراف: 54.
2- سورة الإنسان: 8.
3- تفسير مجمع البيان: ج10 ص209 -210 سورة الإنسان.
4- فتوح البلدان: ص18 أموال بني النضير ح61.

نووياً هائلاً، مع إنها ذرة وجزء لا يرى بالعين المجردة، لكنها يمكن أن تتحول طاقة جبارة كبيرة جداً.

إذن القضايا لا تقاس بالمظهر، ولا بالحجم، ولا بالشكل، ولا بالمظاهر الطبيعية التي نراها، سواء في عالم التشريع أم في عالم التكوين، بل إن المقاييس الواقعية عند الله سبحانه وتعالى.

ثالثاً: الأدلة

اشارة

إن كلام الإمام الباقر والإمام الصادق (علیهما السلام) بحد ذاته يعتبر دليلاً كافياً، وحجة وافية، وبيّنة شافية واضحة، إلا أننا مع ذلك نستعرض لكم بعض الأدلة من القرآن الكريم، والأدلة كثيرة، منها:

الدليل الأول: آية المودة

يقول تعالى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًاإِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي القُرْبَى»(1).

في هذه الآية ثمة التفاتة دقيقة، فإن الرسول الاكرم (صلی الله علیه و آله) أراد أجراً آخر من المسلمين على أدائه الرسالة وطالب به، و(الرسالة) هي أعظم وأثمن ما في الكون، ونبينا هو أفضل رسل الله، وقد بذل وتحمل جهداً فوق طاقة البشر طوال سنين، في ابلاغ رسالات الله سبحانه وتعالى.

فإن المسلمين في تلك القضية الشهيرة، حينما جاءوا اليه ليعطوه أجراً مادياً على جهوده وأتعابه وتضحياته في سبيل إبلاغ رسالته, فرفض النبي (صلی الله علیه و آله) ذلك، ونزلت الآية الكريمة: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي القُرْبَى»(2).

وهنا نسأل: لماذا لم يطلب النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) من المسلمين أن يحجوا نيابةً

ص: 106


1- سورة الشُّورى: 23.
2- سورة الشُّورى: 23.

عنه على مر السنين - مثلاً - ويهدوا ثوابه إليه؟، أو أن يصلوا ويصوموا نيابةً عنه؟، أو أن يبذلوا للفقراء والأيتام مبالغ على مر السنين ويهدوا ثوابها له؟

إن الآية الكريمة صريحة وواضحة، في أن الأجر المطالب به هو مودة قربىرسول الله (صلی الله علیه و آله)، وأ ليس الإمام الحسن والإمام الحسين (علیهما السلام) هما أقرب قربى رسول الله؟!

إن كان هذا حق - وهو حق - فلماذا يستكثر البعض إذا صرحت الرواية ب: إن الصلاة عند الإمام الحسين تعدل حجة أو عمرة، أو أن حاجة من صلى عند قبره مقضية بإذن الله(1)؟!

إن قضية (أداء الصلاة الفريضة عند مرقده الطاهر، تعدل أجر حجة أو عمرة)، فهي مصداقٌ ظاهر لمودة الإمام الحسين (علیه السلام)، إذ عندما تذهب إلى قبره الشريف وتصلي عنده، فهذا يعني أنك أظهرت مودتك لسيد الشهداء (علیه السلام)، ولرسول الله (صلی الله علیه و آله).

بل نقول أكثر من ذلك: إذا لم يدفع الإنسان أجر الرسالة، فإنه خائن، وعمله غير مقبول، وهو آكل للحرام، وهو جاني من أعظم الجناة.

البخاري: من لم يدفع الأجر، فالرسول (صلی الله علیه و آله) خصمه

والدليل على ذلك هو ما تذكره كتب العامّة بذاتها، و (صحيح البخاري) بالذات، في كتاب البيوع والإجارة، و (سنن ابن ماجه) في كتاب الرهون، وغيره، بأن من لم يؤدِ أجر الأجير فهوخائن وظالم.

ونصّ الرواية: عن الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) أنه قال: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة... »، وعدّ منهم رجلاً استأجر أجيراً فاستوفى منه، ولم يعطه

ص: 107


1- وسائل الشيعة: ج14 ص518 ب69 ح19728.

أجره(1).

وهنا موطن الشاهد الجلي الواضح، إذ في هذه القضية العادية يقول النبي (صلی الله علیه و آله): أنا خصمُ لمن يرفض إعطاء أجر الأجير الذي عمل عنده، فما بالنا بمن لم يؤدِ أجر رسول الله (صلی الله علیه و آله) نفسه، وهو أجره على أداء الرسالة؟!

ألا يكون الرسول (صلى الله عليه وآله) خصمه يوم القيامة؟

بل ومن قبله: ألا يكون الله تعالى خصمه؟

وذلك مما لا مدفع له؛ لأن الآية الشريفة صرحت بكلمة (الأجر): «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي القُرْبَى»(2).

وأما فضل الصلاة عند الإمام الحسين (علیه السلام)، فإنه من مصاديق لرواية البخاري، إذ يحفظ المرء في ولده، بل«حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ»(3)، فبرّه برّ له وإكرامه إكرام له (صلی الله علیه و آله)، وعلى فرض التنزل فإنه (قياس) من أقوى أنواع القياس، وأهل العامة يقبلون أدنى أنواع القياس فكيف بأعلاها؟!

والحاصل: إن من لم يدفع أجر رسول الله (صلی الله علیه و آله) فهو خائن، وغير مقبول عمله ومأثوم، بل أن التشكيك بهذا الأمر أيضاً يعتبر من التجرّي على مقام رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وأهل بيته وقرباه (علیهم السلام).

والصلاة عند مرقد ولده وسبطه (علیه السلام)، لا ريب أنها من مصاديق تلك

ص: 108


1- صحيح البخاري: ج3 ص41 كتاب البيوع، باب كم يجوز الخيار، صحيح البخاري: ج3 ص50 كتاب الإجارة ، سنن ابن ماجة: ج2 ص816 كتاب الرهون، باب أجر الأجراء ح2442.
2- سورة الشُّورى: 23.
3- بحار الأنوار: ج43 ص271 -270 ب 12 ح35، بحار الأنوار: ج 45 ص 314 ب 46 ضمن ح 14.

المودة في القربى، خصوصاً إذا التفتنا إلى أن نفع وفائدة الصلاة تعود إلى المصلي نفسه.

والخلاصة

إن من البراهين الساطعة والواضحة على ذلك قوله تعالى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي القُرْبَى»(1)، مما يعني أن مودة قربى رسول الله (صلی الله علیه و آله)، هي أفضل من عامة الصلاة والصيام على مر التاريخ، ومن هنا كانت الصلاة عند قبر الحسين (علیه السلام) تعدلأجر حجة، بل أكثر من ذلك بكثير.

وأن هذا يعتبر قطرة في بحر فضائل سيد شباب أهل الجنة (علیه السلام). هذا هو الدليل الاول, وسنذكر بقية الأدلة في ما بعد إن شاء الله تعالى.

ص: 109


1- سورة الشُّورى: 23.

ص: 110

الفصل السابع: الإمام الحسين (علیه السلام) والصلاة في حرمه الشريف

اشارة

ص: 111

ص: 112

قال الإمام محمد الباقر (علیه السلام): «مَا يَمْنَعُكَ إِذَا عَرَضَتْ لَكَ حَاجَةٌ أَنْ تَأْتِيَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ (علیه السلام)، فَتُصَلِّيَ عِنْدَهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ تَسْأَلَ حَاجَتَكَ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ عِنْدَهُ تَعْدِلُ حَجَّةً، وَالصَّلَاةَ النَّافِلَةَ عِنْدَهُ تَعْدِلُ عُمْرَةً»(1).

كان الحديث فيما مضى حول تسائل قد يثيره العديد ممن لا يتحمل، أو يستغرب أمثال هذه الرواية, وقد ذكرنا مجموعة من القواعد، ثم عدداً من الشواهد، ثم الأدلة، وأشرنا للدليل الأول.

أما الآن فسوف نذكر بقية الأدلة بمشيئة الله سبحانه وتعالى.

2: في بيوت أذن الله أن ترفع

الدليل الثاني: قوله سبحانه تعالى: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ»(2).(البيوت) هي بيوت الأنبياء والأئمة (علیهم السلام).

وسوف نتوقف عند عبارة «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ»، فنقول: يعتقد الكثير من الناس - لا سيما من أبناء العامة - أن (البيوت) التي أذن الله أن ترفع هي

ص: 113


1- وسائل الشيعة: ج14 ص518 ب69 ح19728.
2- سورة النور: 36 - 37.

المساجد.

لكن علماء أهل البيت (علیهم السلام) يقولون: إن (البيوت) تشمل منظومتين: منظومة المساجد، ومنظومة بيوت الأنبياء والأئمة، كما صرحت بذلك العديد من الروايات الواردة عنهم (علیهم السلام).

وسنكتفي في هذه العجالة بشاهدين على ذلك: أحدهما من العقل، والآخر من النقل.

الشاهد النقلي

نستدل أولاً بالقرآن الكريم نفسه، ذلك أنه إذا أردنا أن نعرف مفاد ومغزى أية من الآيات الشريفة، فإن علينا أن نبحث في سائر الآيات القرآنية الكريمة الأخرى؛ لأن كلام الله سبحانه وتعالى يبين بعضه بعضاً، فإذا كان القرآن تبياناً لكل شيء، أ فلا يبين من هي هذه (البيوت) في هذه الآية؟!

وعندما نراجع القرآن الكريم، وبالتحديد إلى آية التطهير نجد أنالآية الكريمة تقول: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1)، فهذه الآية القرآنية صريحة في الحديث عن أهل البيت، وهم أهل بيت النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله)، والآية التي بين أيدينا تقول: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ»، فهذه البيوت التي أذن الله أن ترفع هي بيوت أهل بيت رسول الله (صلی الله علیه و آله)، المطهرون من كل دنس، وهذه الآية هي مما توضح المراد من تلك البيوت التي أذن الله أن ترفع.

والآية الثانية تقول: «رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ

ص: 114


1- سورة الأحزاب: 33.

مَجِيدٌ»(1)، وآيتنا تقول: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ»، وهي بيوت الأنبياء بالدرجة أولى، والمساجد أيضاً بالدرجة اللاحقة، والقرينة الشاهدة على ذلك أيضاً نفس تتمة الآية «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ».

إذ أن أجلى مصداق لما يذكر فيه اسم الله، والذي فيه رجال لا تلهيهم تجارة، هي بيوت الأنبياء بلا شك؛ لأن بيوت النبي والأنبياء والأئمة (علیهم السلام)، هي محطات عبادة الله الدائمة، وهي بيوت وسائط الله تعالى بينه وبينخلقه، ومن أكثر منهم تسبيحاً لله تعالى؟!

الشاهد العقلي

ونستدل بشاهد من العقل على ضوء شاهد من النقل: فإن المساجد بعض شعاع الأنبياء، وبعض آثار وبركات ذلك النبي الذي ضحى بالغالي والنفيس، وبذل جهده واستفرغ وسعه في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى في الأرض؛ لأنه من بيت النبي انطلق الوحي وانطلقت الرسالة، ومن بيت النبي انطلقت وانبثقت هذه المساجد المنتشرة على وجه الأرض.

فتلك هي الفروع وذاك هو الأصل، فإن من البديهي أن «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ»، هي بيوت النبي محمد (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته الأطهار (علیهم السلام) بالدرجة الأولى.

لأن الآية تقول: «وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ»(2)، ويقول الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) عن الإمام الحسين (علیه السلام): «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ»(3). فبيت الحسين (علیه السلام) هو نفس بيت رسول الله (صلی الله علیه و آله) بالأدلة الكثيرة المتكاثرة، ومنها هذه الرواية

ص: 115


1- سورة هود: 73.
2- سورة آل عمران: 61.
3- بحار الأنوار: ج43 ص271270 ب 12 ح35، بحار الأنوار: ج 45 ص 314 ب 46 ضمن ح 14.

المعتبرة المسلّم بها.

والحاصل

إن المساجد هي شعاع وفرع من نور النبي محمد (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته (علیهم السلام)؛ لأن المساجد إنما انطلقت وانبثقت من بيوت الأنبياء على مر التاريخ.

أما الشاهد الآخر من النقل، فعندما نلاحظ الآية من بدايتها، وهي تتحدث عن الله نور السماوات والأرض: «اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ...»(1)إلى آخر الآية، ثم نلاحظ الآية اللاحقة «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ»، نكتشف أن «فِي بُيُوتٍ» متعلقة بالآية السابقة، فيكون التسلسل المنطقي للآية الشريفة هكذا:

1: «اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ».

2: وهو الذي جعل «مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ».

3: و«مَثَلُ نُورِهِ» هذا - وهو المشكاة التي فيها مصباح - وضع «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ» وهي بيوت الأنبياء؛ لأنهم خلفاء الله في السماوات والأرض.

4: ومن بعدها انبثق هذا النور - أي مَثَلهُ إلى المساجد كافة فها هنا حل مَثَلُ نور الله سبحانه وتعالى، «مَثَلُ نُورِهِكَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ».

وبعبارة أخرى: النور هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره، والله سبحانه وتعالى أظهر دينه عبر أنبيائه (علیهم السلام)، وكانت المحطة والقاعدة والمنطلق الأول لذلك النور هي بيوتهم.

ص: 116


1- سورة النور: 35.

إذن هذه هي قرينة وشاهد على أن «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ» هي بيوت الأنبياء، وبيوت الأنبياء هي منازلهم في حال حياتهم، ثم هي مشاهدهم ومراقدهم من بعد وفاتهم أو شهادتهم، فإنه بعد وفاة النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) يكون بيته هو مرقده ومشهده ومزاره، فعندما يذهب الزائر لزيارة رسول الله (صلی الله علیه و آله) في المدينة المنورة، فانه يحل ضيفا على رسول الله (صلی الله علیه و آله) لان مشهده وقبره هو بيته.

وكذلك الحال مع الإمام الحسين (علیه السلام) والأئمة الأطهار والأنبياء (علیهم السلام)، فهذه المراقد هي البيوت التي أذن الله أن ترفع.

وبتعبير آخر: إنها هي محطة تلقي النور الإلهي، كما تعمل محطة استقبال البث الفضائي على استقبال الذبذبات المنتشرة في الفضاء.

(عمر) يعترف بالولاية التكوينية للائمة الأطهار (علیهم السلام)

ونذكر هنا شاهداً آخر من كلام عمر بن الخطاب؛ ليعرف أهل العامة بالذات أكثر فأكثر مدى رفعة وسمو هذه البيوت التي أذن الله أن ترفع، ويطلِّعوا على شعاع من عظمة مقام سيد شباب أهل الجنة (علیه السلام).

يقول عمر بن الخطاب مخاطباً الإمام الحسين (علیه السلام): (وإنما أنبت ما في رؤوسنا الله ثم أنتم).

فماذا يعني هذا الاعتراف المذهل، والذي يعني (إنما أنبت الشعر في رؤوسنا ورؤوس كافة الناس بعد الله إلا أنتم...؟!).

إن قائل هذه الجملة كان حاكماً على ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، وهو الذي يراه الكثير من المسلمين خليفة رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وإن كان في الوقت نفسه هو الغاصب للخلافة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام).

ألا تعني بوضوح أن هذا الرجل كان يعلم بأن أئمة أهل البيت (علیهم السلام) هم

ص: 117

وسائط الفيض الإلهي ثم اعترف بذلك؟!

وقد كتبت في وقت سابق مقالاً تحت عنوان: (الشهادات العشر في فقيد السماء وشهيد القيم)، بعدما طلبت مني بعض الصحف أن أكتب حول الإمام الحسين (علیه السلام)، وكانت هذه الرواية هيالشهادة الرابعة، ولكن للأسف أقدمت الصحيفة التي نشرت المقال على حذف هذا المقطع، رغم أنه حجة بيّنة وواضحة على لسان من يعترف به أهل العامة أنفسهم.

وفي هذا المقال ذكرت: وهل يعقل أن يُقر عمر بن الخطاب بأن

أهل البيت (علیهم السلام) هم الذين أنبتوا الشعر في الرأس بعد الله، دون أن يكون قد أقرّ بأنهم (علیهم السلام) هم الوسائط التكوينية في الكون.

فكما أن ميكائيل هو الموكل من قبل الله بأرزاق العباد، وكما أن عزرائيل وسيط تكويني لقبض الأرواح بإذن الله؛ لأن الله تعالى لا يباشر قبض الأرواح، وإنما أوكل ذلك بإذنه إلى عزرائيل: «قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ»(1).

وهكذا... وهذه هي سنّة الله في الكون.

الأئمة (علیهم السلام) وسائط في عالم التكوين ولا شرك

إذن الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته (علیهم السلام) هم الوسائط التكوينية لله في الكون، وهم وسائط فيضه ولطفه ورحمته، والأدلة على هذا كثيرة، ومنها الرواية الواردة عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) حيث يقول:

«النُّجُومُ أَمَانٌ لِأَهْلِ السَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ ذَهَبَ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَأَهْلُ بَيْتِي أَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، فَإِذَا ذَهَبَ أَهْلُبَيْتِي ذَهَبَ أَهْلُ الْأَرْضِ»(2).

ص: 118


1- سورة السجدة: 11.
2- بحار الأنوار: ج27 ص309 ب 8 ح3.

إن (أمان النجوم لأهل السماء)، هو نوع من الأمان التكويني كما هو واضح، فكذلك أهل البيت (علیهم السلام) هم أمان تكويني لأهل الارض كما تصرح به هذه الرواية، بل إنهم أمان أهل السماء أيضاً، كما تعتقد به مدرسة أهل البيت (علیهم السلام)، وكما تصرح به روايات أخرى، وسكوت هذه الرواية لا ينفيها.

ولو فرضت المعارضة - وليست - فإن منطوق تلك الروايات مقدم على مفهوم هذه، بل لا مفهوم لهذه أصلاً، إذ (اللقب) لا مفهوم له كما تقرر في الأصول.

والحديث طويل حول الولاية التكوينية التي منحها الله لأنبيائه، ومن أدلتها ما منحه الله تعالى لنبيه عيسى (علیه السلام)، كما تذكر الآية الكريمة: «فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ»(1)، وكان عيسى المسيح (علیه السلام) يحيي الميت، ويشفي الأكمه والأبرص بإذن الله، كما كانت هذه الولاية التكوينية عند أهل البيت (علیهم السلام) أيضاً.

من هنا عندما نقول: إن أهل البيت(علیهم السلام) هم الواسطة إلى الله تعالى، فإنه ليس في ذلك شرك مطلقاً؛ لأن الله تعالى جعلهم واسطة فيضه على الخليقة، بل على الخلائق، بل على الأكوان كلها.

فهو الفاعل بالذات، وهم الفاعل بالعرض، كما تقول الآية الكريمة: «فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»(2)، بمعنى أن هنالك خالقين آخرين، لكن خلق هؤلاء هو في طول خلق الله وبإذن الله، إذ «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ»(3)،

ص: 119


1- سورة آل عمران: 49.
2- سورة المؤمنون: 14.
3- سورة الإنسان: 30، سورة التكوير: 29.

فهنالك خالقون آخرون، لكن الله سبحانه وتعالى أحسنهم، وهم يستمدون منه، ولولا إمداده لما أمكن لمخلوق أن يتحرك قيد شعرة.

نعم، القول ب: (الواسطة في العَرْض) فهو الشرك، أما القول بالواسطة في الطول فهو عين التوحيد، ومثال ذلك: تحريك الإنسان يديه فإنه بإرادته، إذ أنه يحرك يده بإرادته, فاذا قال: إني حركت يدي بإرادتي فهل هذا شرك؟!.

كلا؛ لأن حركته هذه محكومة بإذن الله، وبهيمنته تعالى، فهو الذي أعطانا قدرة الحركة، وأعطانا الأطراف، والأعصاب، والعقل، وغير ذلك.

هذا كله وغيره، يرفع الاستغراب منالحديث الآنف الذكر حول قيمة الصلاة، وزيارة مرقد الإمام الحسين (علیه السلام):

«إن من زار الحسين (علیه السلام) يوم عرفة كان له أجر ألف حجة»(1).

وفي رواية أخرى «ألف ألف حجة»(2).

وقد ذكرنا سابقاً أن القياس باطل نقلاً، ومرفوض عقلاً.

إذ هل يصح أن نقايس بين الفيل والببغاء من حيث الحجم، لكي نثبت بذلك الأفضلية في الذكاء, فنقول: الفيل أكبر من الببغاء؟! وإذا كان كذلك، فبالضرورة يكون الفيل أذكى من الببغاء، أو أنه يجب أن يكون أذكى من النملة، أو من النحل!

فإن مثل هذا القياس مرفوض وخاطئ في عالم التكوين، كما هو في عالم التشريع.

ص: 120


1- وسائل الشيعة: ج14 ص 463 ب49 ح19606.
2- وسائل الشيعة: ج 14 ص 460 ب49 ح19598.

فلسفة الأجر العظيم لزيارة الإمام الحسين (علیه السلام)

اشارة

والآن ننتقل إلى سؤال آخر:

لماذا أعطى الله تعالى الإمام الحسين (علیه السلام) هذه المنزلة الرفيعة، بحيث أنك إذا زُرت قبره، وصليت أربع ركعات، وطلبت الحاجة، أعطاك الله حاجتك مهما كانت؟!.

ولماذا الصلاة الفريضة عنده تعادل حجة، والنافلة تعادل عمرة؟!.

وللإجابة على ذلك نقول:

أ - لتكريس خط الأنبياء (علیهم السلام)

أولاً: إن هذا الأجر العظيم، يتضمنها تكريساً لخط الأنبياء على امتداد التاريخ، فإن الإمام الحسين (علیه السلام) هو امتداد للأنبياء العظام (علیهم السلام): لأشخاصهم، ولرسالتهم، ولمنهجهم.

ولذا نقرأ في (زيارة وارث) أنه وارث آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (علیهم السلام)؛ ولأن رسول الله (صلی الله علیه و آله)) يقول في الرواية المعروفة: «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ»(1).

وأ ليس رسول الله (صلی الله علیه و آله) وارثاً لكل الأنبياء، وأن كل رسالاتالسماء خُتمت برسول الله، وهو خاتمهم أفضلهم جميعاً؟!

أ ليست الآية الشريفة تقول: «وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ»(2)، إلى آخر الآيات والروايات الواردة في أهل البيت (علیهم السلام).

ص: 121


1- بحار الأنوار: ج43 ص271270 ب 12 ح35، بحار الأنوار: ج 45 ص 314 ب 46 ضمن ح 14.
2- سورة آل عمران: 61.

إذن عندما يعطي الله سبحانه وتعالى مقاماً ومنزلة لسيد شباب أهل الجنة، فإن ذلك في الواقع يعني فيما يعني تكريس خط الأنبياء على مر التاريخ.

ذلك أنه من غير المعقول أن يبعث الله سبحانه وتعالى الرسل، ثم يقطع السلسلة ويترك الناس في طريق مظلم، وهي نفس الفلسفة التي دعت الله سبحانه وتعالى أن يخلق (آدم) ويبعثه خليفةً، ونفس الفلسفة التي جعلته يجعل داوود خليفة في الأرض، «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ»(1)، فإن هذه الفلسفة تمتد إلى آخر الزمان.

ولذلك نقرأ في زيارة وارث:

«السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُوسَى كَلِيمِ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ عِيسَى رُوحِ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَاوَارِثَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) وَلِيِّ اللهِ. السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ خَدِيجَةَ الْكُبْرَى»(2).

فكما جعل الله تعالى في عالم التكوين وراثة الابن من الأب والأم، إذ وَرِثَهُما من قبلُ في جيناتهما الوراثية، كذلك جعل في عالم التشريع أن الابن يرثهما في مالهما وثروتهما، كما أنه يرث مكانتهما الاجتماعية - في الجملة - كذلك جعل (الاستخلاف).

إن سنّة الله سبحانه وتعالى في الكون، هي سنّة الاستخلاف. فعلى مر تاريخ البشرية جعل الله تعالى سلاسل متتالية متوالية، من «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا

ص: 122


1- سورة ص: 26.
2- مصباح المتهجد: ص720 دعاء الموقف لعلي بن الحسين (علیه السلام).

مِنْ بَعْضٍ»(1).

ومن ذلك نعرف أن أية رواية وردت في تكريم وتعظيم إمامنا الحسين (علیه السلام) وفي مقامه السامي، فلنعرف أن المصدر الأول هو الله سبحانه وتعالى، وأن ذلك يتضمن تكريساً لخط الأنبياء، وتكريماً لآدم ولنوح ولإبراهيم ولموسى وعيسى (علیهم السلام)، وللنبي محمد (صلی الله علیه و آله).

ب - كي تتجسد المثل العليا في القدوة الأسمى

ثانياً: لإيجاد ذلك الترابط الجوهري، واللحمة الموضوعية المتكاملة بين المعاني السامية المجردة، وبين التجسيد الخارجي العملي الحقيقي.

فإن الصلاة معنىً سامٍ، وقيم عليا تجسدت في رسول الله، وفي علي بن أبي طالب (علیهما السلام)، كما تجسدت في الإمام الحسين (علیه السلام).

هذا هو صنع الله سبحانه وتعالى الذي أتقن كل شيء، حيث إنه خلق المعنى وخلق الأنموذج؛ لإن الذي يسوق الناس للفضيلة والتقوى والصلاح هو الأسوة والقدوة، «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا»(2).

فإن مجرد القيم لا تكفي في دفع الناس، وسوقهم باتجاه الفضائل و(المدينة الفاضلة)، وباتجاه سلوك طريق الجنة.

ومن ذلك يظهر بوضوح أنه عندما يقول الله سبحانه وتعالى عن طريق اوصياءه: إذا صليت عند قبر الحسين (علیه السلام) ركعتي حاجة وطلبت حاجتك تستجاب دعوتك، إنما يريد الله تعالى بذلك إيجاد ذلك التواصل الجوهري،وذاك

ص: 123


1- سورة آل عمران: 34.
2- سورة الأحزاب: 21.

الترابط الملحمي, والتكامل العضوي بين الصلاة, وبين الإمام الحسين (علیه السلام).

ج - لإنه تكريم للرسول (صلی الله علیه و آله)

ثالثاً: إن أي كلام يقال عن مناقب الإمام الحسين (علیه السلام)، وأي تكريم له، وأية رواية في فضائله، وفي بركات زيارة مشهده الشريف، فهي في الواقع تكريم لرسول الله (صلی الله علیه و آله).

فلماذا نستكثر هذاعلى سيد شباب أهل الجنة، أو على جده المصطفى؟!

أ لم يقل رسول الله (صلی الله علیه و آله): «رَيْحَانَتَيَّ مِنَ الدُّنْيَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ»(1)، وقال (صلی الله علیه و آله): «الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّة»(2)، وأ لم يقل: «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ»(3)؟

لذا فإن أي تكريم للإمام الحسين (علیه السلام)، فهو تكريم لرسول الله (صلی الله علیه و آله)؛ لأنه فرع تلك الدوحة، وتلك الشجرة الطيبة المباركةالتي «أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا»(4)، وهي أداء لبعض حق رسول الله (صلی الله علیه و آله).

فعندما تدعونا العشرات من الروايات لزيارة قبر الإمام الحسين (علیه السلام)، فما يمنعنا من ذلك؟!

يقول الإمام الباقر (علیه السلام): «مَا يَمْنَعُكَ - لا يمنع في الحقيقة غير جهل الإنسان، أو معاصيه وخذلان الله له - إِذَا عَرَضَتْ لَكَ حَاجَةٌ أَنْ تَأْتِيَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) -

ص: 124


1- الكافي: ج6 ص2 باب فضل الولد ح1.
2- من لا يحضره الفقيه: ج4 ص179 باب الوصية من لدن آدم (علیه السلام) ح5404، من لا يحضره الفقيه: ج4 ص420 ومن ألفاظ رسول الله (صلی الله علیه و آله) الموجزة التي لم يسبق إليها ح5920.
3- بحار الأنوار: ج43 ص271 -270 ب 12 ح35، بحار الأنوار: ج 45 ص 314 ب 46 ضمن ح 14.
4- سورة إبراهيم: 24 -25.

والحسين حفيد رسول الله، وسبط رسول الله، وريحانة رسول الله، وسيد شباب أهل الجنة (علیهما السلام) - فَتُصَلِّيَ عِنْدَهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ...»(1).

ولكن كيف تعامل أولئك الأشرار في واقعة الطف، وفي يوم عاشوراء، مع سبط رسول؟!، وبأية طريقة وحشية همجية تعاملوا مع الذرية الطيبة، مع النساء والأطفال، وهم ذرية وأبناء رسول الله (صلی الله علیه و آله)؟!

فهل كان ذلك هو جزاءُ وأجرُ رسالة رسول الله (صلی الله علیه و آله)؟!

سوف يبقى هذا السؤال يرن في مسامع الدهر, إلى يوم الحشر, وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ص: 125


1- وسائل الشيعة: ج14 ص518 ب69 ح19728.

ص: 126

الفصل الثامن: الإمام الحسين (علیه السلام) ومعادلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

اشارة

ص: 127

ص: 128

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

اشارة

إن (الأمر بالمعروف) و(النهي عن المنكر)، فرعان من أهم فروع الدين، وبهما قوام الدين، حيث يقول الإمام الحسين (علیه السلام) عن هذه الفريضة:

«اعْتَبِرُوا أَيُّهَا النَّاسُ بِمَا وَعَظَ اللهُ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ سُوءِ ثَنَائِهِ عَلَى الْأَحْبَارِ إِذْ يَقُولُ: «لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ»(1)»(2).

ويقول (علیه السلام): «وَقَالَ: «الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ»(3). فَبَدَأَ اللهُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةً مِنْهُ؛ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهَا إِذَا أُدِّيَتْ وَأُقِيمَتِ اسْتَقَامَتِ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا، هَيِّنُهَا وَصَعْبُهَا»(4).

وهنا حقائق ودقائق في كلام الإمام الحسين (علیه السلام):

1: على كافة الناس الاعتبار

الحقيقة الأولى: بدأ الإمام (علیه السلام) حديثه بتوجيه الخطاب للناس، إذ قال:

ص: 129


1- سورة المائدة: 63.
2- وسائل الشيعة: ج16 ص130 ب2 ح21160.
3- سورة التوبة: 71.
4- وسائل الشيعة: ج16 ص130 ب2 ح21160.

«اعْتَبِرُوا أَيُّهَا النَّاسُ...»، فالإمام يخاطب (الناس)، وليس فئة أو فصيلاً من الناس، كما نجده في الآية القرآنية الكريمة: «فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ»(1)، ولم يقل الإمام الحسين (علیه السلام): اعتبروا يا أولي الأبصار، أو يا أولي الألباب، إنما قال: «اعْتَبِرُوا أَيُّهَا النَّاسُ...».

و(الناس) لفظ عام، يشمل الرجل والمرأة، المثقف والجاهل، العالم والمفكر، فهو يشمل مختلف أصناف المجتمع بشتى فئاتهم ومستوياتهم؛ وذلك لأن ما أُمِروا بالاعتبار به شيء عام. وهذا يؤكد ويدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عامة، وعلى الجميع أداء الفريضتين.

ولذا صار الخطاب لكل الناس، فحتى الإنسان الجاهل مأمور بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ لأن العلم والجهل غير مأخوذين في متعلَّق الأمر والنهي على ما حقق في الأصول، وإلا للزم تقدم الشيء على نفسه.

وربما يمكن القول: إن الخطاب موجه لكل البشرية، ليس للمسلمين فحسب، أيحتى الكفار والمشركين والمجوس والنصارى واليهود والوثنيين وجميع أصحاب الديانات معنيون بهذا الخطاب؛ لأنهم مكلفون بالفروع، كما هم مكلفون بالأصول.

ولأن المحتوى عام، والمصلحة والمفسدة عامة غير قائمة بأمر بعينه، والناتج من ذلك كله أنه إذا أقيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أي مجتمع، فسوف يستقيم أمره، وتزدهر شؤونه وتعمه البركات, وإلا فسوف ينتشر الفساد المالي، والانحلال الخلقي، وتسود الجريمة، وسيكون مصير ذلك المجتمع الانهيار والدمار والخراب.

ص: 130


1- سورة الحشر: 2.

2: (اعتبروا) أمر دال على الوجوب

اشارة

الحقيقة الثانية: إن لفظة (اعتبروا) أمرٌ، والأمر يدل على الوجوب، فهذا الاعتبار واجب، بغض النظر عن كونه واجباً طريقياً أو موضوعياً، لكن لا شك في وجوبه من جهة مقدميته الموصلة، إذ عندنا (مقدمة موصلة)، و(مقدمة غير موصلة)، ولكن هذا الاعتبار عادةً يكون بنحو المقدمة الموصلة بإذن الله سبحانه وتعالى.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما المفتاح

وهنا نقتطف من كلامه (علیه السلام) باقات عطرة، حيث يقول: «فَبَدَأَ اللهُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةً مِنْهُ».

ونتوقف عند كلمة (فَبَدَأَ) قليلاً، فماذا يريد الإمام الحسين (علیه السلام) أن يلفتنا إليه، عندما يستخدم هذه المفردة وما تلاها من مدخولها؟

إنه يريد أن يقول: إن الأمر بالمعروف هو (المفتاح)، وهو (عمود الخيمة)، وهو (بمنزلة القلب)، فإذا توقف القلب عن العمل، توقف وانهار البدن بأجمعه.

فكذلك الحال بالنسبة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع، فإذا تعطل فسيتعرض المجتمع كله للتصدّع والدمار، كما هو الحال في عمود الخيمة عندما ينكسر أو يتحطم، فمن المؤكد أن تنهار عندئذٍ الخيمة، بل إنه (علیه السلام) يصرح بذلك بقوله: «لِعِلْمِهِ بِأَنَّهَا إِذَا أُدِّيَتْ وَأُقِيمَتِ اسْتَقَامَتِ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا، هَيِّنُهَا وَصَعْبُهَا».

(فَبَدَأَ) فهذه هي نقطة البداية في صلاح المجتمع، كما أن المفتاح لفساد المجتمع في الاتجاه المقابل، هو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ص: 131

من هنا يقول الإمام الحسين (علیه السلام): «فَبَدَأَ اللهُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِوَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ»، أي في الآية الشريفة: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ»(1)، فإنه تعالى بدأ ب «يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» ثم قال «وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ».

وهذا يدلّنا على أن طاعة الله ورسوله (صلی الله علیه و آله) أيضاً، مرهونة بتطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا سادت الفريضتان فإن الناس سيطيعون الله ورسوله، والعكس بالعكس، فإذا ساد الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف فلن يطيع الله ورسوله غالب الناس، ولن يلتزموا بالصلاة ولا الزكاة.

بل إنه كلما تراجع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كانت السيادة للجريمة والفساد المالي والخُلقي، كما تسود عندئذٍ الدكتاتورية والإرهاب والاستبداد.

لماذا الفساد المالي الكبير؟

وهنا نشير إلى إحصائيتين هامتين جداً عن بلد إسلامي وعربي، فحسب إحصاء رسمي:بلغت حالات الرشوة والاختلاسات، وعمليات الغش والاحتيال، في الجهاز الحكومي وحده، وفي سنة واحدة فقط (365) ألف عملية احتيال وغش ورشوة واختلاس.

وهذا هو مقدار ما تمكنوا من مراقبته وإحصائه، وما خفي أعظم، والسبب الأساس في ذلك هو أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه البلاد الإسلامية

ص: 132


1- سورة التوبة: 71.

لم تقُم لهما قائمة.

والمراقب للوضع العام في عالم اليوم، يلمس بوضوح أنه لا وجود للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء على مستوى الأفراد أم على مستوى العوائل، أم على مستوى التنظيمات والمجتمعات والنقابات والأحزاب والحكومة أيضاً، بل إن من يريد الاعتراض فإنه يتعرض للكبت والقمع والملاحقة والمطاردة.

لماذا استمر الاحتلال الإسرائيلي؟

والمثال الآخر فلسطين المحتلة، منذ عام 1967م وحتى الآن، بلغ عدد الذين أودعوا السجن من أهالي فلسطين المحتلة، على يد الكيان الصهيوني الغاصب والظالم ما نسبتة 25% من الشعب الفلسطيني، فأي حكومة ظالمة مثل هذه الحكومة.

وهذا دليل على أن تراجع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مستوىالعالم الإسلامي، فسح المجال للصهاينة لكي يصولوا ويجولوا ويفعلوا ما يشاءوا، ولو أن المسلمين وقفوا بوجه الصهاينة بأجمعهم وقفة رجل واحد، لما كنت تجد لدولة إسرائيل عيناً ولا أثراً أبداً.

3: مقارنة بين الصلاة والأمر بالمعروف في حياة الناس

الحقيقة الثالثة: نستلهمها من كلمة «فَرِيضَةً مِنْهُ».

يأتي تأكيد الإمام الحسين (علیه السلام) على مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أنه فريضة؛ لأن مجتمعاتنا عادةً تضع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الهامش، وتعده أمراً ثانوياً.

فإنه إذا لم يؤدِ شخص صلاة الفريضة، فسترى وجدانه يؤنبه، وتراه

ص: 133

يعاتب نفسه، كما يعاتبه أهله إذا علموا بذلك. ولكنه إذا مرّ يوم ولم يأمر بالمعروف ولم ينهَ عن المنكر، فإنه لا يكترث، ولا يلومه أحد، بل لعله لا يعتبره أصلاً جزءاً من واجباته، بينما الآيات صريحة في هذا المجال: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ»(1).

وهنالك العديد من الآيات الآمرةبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن المشكلة في تهميش الناس في حياتهم العملية لها، وعدم أخذها على محمل الواجب والوظيفة بالأساس، في حين أنها واجبة كما الصلاة، وكما أن تارك الخمس والحج والزكاة يكون عاصياً.

كذلك إذا رأى الانسان معصية أو جريمة أو حالات استبداد وكتب للحريات، أو هتكاً لحرمة أهل البيت (علیهم السلام)، كما حصل مع الروضة العسكرية في سامراء المشرّفة، أو مع البقيع الغرقد في المدينة المنورة، فإنه سوف يكون عاصياً وآثماً، إذا لم يأمر بالمعروف دائماً، ويأمر بالحرية وبالشورى وبالأخوة والوحدة الإسلامية وبالعدل والإحسان، وإذا لم يأمر بالمودة للقربى، امتثالاً للآية الكريمة: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي القُرْبَى»(2).

وبذلك يتضح لنا سر من أسرار قول الإمام الحسين (علیه السلام): «فَبَدَأَ اللهُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةً مِنْهُ».

كيفية استنباط الوجوب من الآية؟

اشارة

هنا نطرح سؤالاً ظريفاً: ما هو الوجه في استنباط الإمام الحسين (علیهالسلام)، كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من هذه الآية القرآنية الكريمة؟

ص: 134


1- سورة التوبة: 71.
2- سورة الشُّورى: 23.

الآية لم تذكر أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة، وليس فيها صيغة الأمر كما في آيات أخرى، مثل: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا»(1).

فمن أين استنبط الإمام الوجوب؟!

علماً أن الوجوب هو على القاعدة، لكن من هذه الآية كيف؟!

يمكن أن يقال: إن الوجوب يستنبط من عدة جهات، وسنستعرض الآن جهتين:

1: لتعليق الحكم على الوصف

الجهة الأولى: هناك قاعدة تقول: (تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية)، بمعنى أنك إذا قلت: (أكرم العالم)، فالحكم هو أكرم، والعالم وصف لشخصٍ.

أي الشخص الموصوف بالعالمية وبالعلم، فعلقت الحكم وهو (أكرم) على الوصف وهو العالم، وهذا مشعر بالعلية. أي أن سبب إكرامه هو كونه عالماً.

إذن (أكرم العالم)، جرى فيه تعليق للحكم على الوصف وهو مشعر بالعلّية، أي مشعِرٌ بعلية الوصف الذي هو(العلم)، لهذا الحكم الذي هو (الإكرام)، أو إذا قلت: أكرم الكريم، أو إذا قلت: احترم أبناء رسول الله؛ فلأنهم أبناء رسول الله، فعليك أن تحترمهم.

ونظير هذا يمكن ملاحظتة في الآية القرآنية الكريمة: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ»(2)، و(يأمرون) حكم وقد علّق على

ص: 135


1- سورة طه: 132.
2- سورة التوبة: 71.

وصف وهو (المعروف): «يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ».

وإذا كان المعروف واجباً كان الأمر به واجباً، وإذا كان مستحباً كان الأمر به مستحباً. إن وصف كونه معروفاً واجباً مشعر بعلِّية هذا الوصف للحكم، وهو وجوب الأمر به.

وهناك وجه آخر محتمل، وهو أن «يَأْمُرُونَ» تُعد صفة للمؤمنين، أي أن المؤمن هو من يأمر بالمعروف فهو خبر نحوياً، لكنه صفة واعقياً، فإن «الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ» مبتدأ، و«بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» خبر، و«يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ» خبر بعد خبر.

إذن «الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ... يَأْمُرُونَ» بمعنى أن هذه هي صفتهم، فإذا كانت هذه الصفة للمؤمنين، فإنه قد يُستظهر: إنه لو جُردت هذه الصفة منهم، أي جُرد هذا الخبر من هذا المبتدأ وهو (المؤمن)، فلو لم يأمر بالمعروف ولمينهَ عن المنكر أبداً، فهو ليس بمؤمن.

نعم ها هنا نوعان وقسمان، إذ: تارة المبتدأ والخبر، يكون حالهما بحيث إنه لو سُلب الخبر من المبتدأ، فإن درجات من صفة المبتدأ تسلب، وتارة أصل الصفة ستسلب عن المبتدأ. وذلك ما يعرف من مناسبات الحكم بالموضوع وغيرها.

مثلاً تارة تقول: (المؤمن يقر بوحدانية الله)، فهذا يعني أنك لو سلبت عن هذا الشخص الإقرار بوحدانية الله فهو ليس بمؤمن، إنما المؤمن هو المقر بوحدانية الله، فلو انتفى الخبر، أو لو انتفى المسند، انتفى المسند إليه.

وهذا يصدق على الآية:

«وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ»(1).

ص: 136


1- سورة التوبة: 71.

فإذا انتفى الأمر بالمعروف من حياة الشخص بقول مطلق، فلن يكون الإنسان مؤمناً، بمعنى أن أصل الإيمان سيكون معدوماً، وهذا دليل الوجوب؛ لان ما يتحقق به أصل الإيمان, يكون واجباً بلا ريب، فتأمل.

نعم، درجات الإيمان اللاحقة، مستحبة ومندوبة، لكن الدرجة الأولى، أو القاعدة الأرضية الصلبة الحقيقية، أو المرتبة الأولى من الإيمان فهي واجبة، فلو انتفت فإن الإنسان سيكون آثماًوليس بمؤمن، ولو من باب كاشفية الإهمال المطلق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عن عدم إيمانه واقعاً. كما لو انتفى الإقرار بالله تعالى وبرسله الكرام، فإنه ينتفي إيمان الإنسان من الأصل ومن الجذور، فتأمل.

فإذن ليس من الصحيح أن ينكر الإنسان تلك الأسس الأولية التي هي الإقرار بالله، ووحدانيته، وعدله, وما أشبه.

وتارةً تقول: (المؤمن هو المتواضع)، فإنه حينئذٍ إذا انتفى التواضع انتفت درجة من درجات الإيمان.

2: للسياق

الوجه الثاني: هو أن السياق دليل أيضاً.

يقول الله سبحانه وتعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ»(1)، ولنفترض أننا لا نعلم أن الأمر والنهي واجب أم مستحب، فعندما ننظر إلى سياق الآية: «وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ»(2)، فإننا نجد هذه الثلاث واجبة، وقد جاء

ص: 137


1- سورة التوبة: 71.
2- سورة التوبة: 71.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سياقها فهو واجب أيضاً.والحديث طويل، نكتفي بهذه الإشارات.

الحقيقة الرابعة: الفرق بين الأداء والإقامة

يقول الإمام الحسين (علیه السلام): «فَبَدَأَ اللهُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةً مِنْهُ؛ لِعِلْمِهِ - أي لعلم الله - بِأَنَّهَا إِذَا أُدِّيَتْ وَأُقِيمَتِ اسْتَقَامَتِ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا، هَيِّنُهَا وَصَعْبُهَا»(1).

فإذا أُدِّي وأُقِيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد أُدِّيت الفرائض كلها. وهنا توجد إضاءة دقيقة وهي أن (أُقِيم) لها معنى أعمق وأوسع من (أدى)؛ لأن (أدى) فعل يتعلق بالشخص نفسه، فهو كالفعل اللازم.

فأن تؤدي الشيء: بمعنى أن تفعله أنت وتتصدى له، فتؤدي الصلاة، أي تصليها. بينما (أقم) يتعلق بعلاقة المرء بغيره، فهو كالفعل المتعدي، فأن تقيم الصلاة، يعني أن تنشر الصلاة في المجتمع، وتشيع هذه الثقافة، وتلك القيم وهذه الفريضة.

وقد تحدثنا فيما مضى بالتفصيل عن كلمة «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ»، وذكرنا هناك وجوهاً أخرى لمعنى «أَقَمْتَ الصَّلَاةَ» فلا حاجة للإعادة.

إذن «لِعِلْمِهِ بِأَنَّهَا إِذَا أُدِّيَتْ وَأُقِيمَتِاسْتَقَامَتِ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا، هَيِّنُهَا وَصَعْبُهَا»، تفيد أمرين:

1: أن تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، فتكون حينئذٍ قد (أديت).

2: أن تحاول تشجيع الآخرين أيضاً على أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، وتجعلهم مثلك روّاداً في هذا المضمار، فتكون حينئذٍ قد (أقمت).

ص: 138


1- وسائل الشيعة: ج16 ص130 ب2 ح21160.

فإذن يجب أن (يُؤدى) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن (يُقام) أيضاً. الإمام يقول: «إِذَا أُدِّيَتْ وَأُقِيمَتِ اسْتَقَامَتِ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا، هَيِّنُهَا وَصَعْبُهَا»، حتى التوحيد وهو فريضة من أصول الدين، وحتى (الجهاد) وهو صعب مستصعب جداً، كما هو معلوم مفتاحه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فأن تأمر الناس بالإيمان مثلاً، أو أن ترشدهم إلى الاعتقاد بأن الله عادل، فهو أمرٌ بالمعروف، وإذا لم يأمر المؤمن الناس بذلك، ولم يرشدهم بالطرق العلمية وبالاستدلال وبالشواهد والأدلة، فهو آثم.

إحصائية حول أثرياء العالم

وهنا أذكر لكم مثالاً؛ لكي نعرف كيف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لو أُقِيما، فسيستقيم المجتمع كله.

هنالك مؤسسة معروفة باسم (ميرلنش العالمية)، هذه المؤسسة قامت بإحصاءأثرياء العالم، فذكرت في تقريرها:

(إن أثرياء العالم يملكون من الثروة ما يعادل (37.200) ترليون دولار، أي سبعة وثلاثين تريليون ومأتي مليار دولار).

وهو رقم خيالي حقاً, بينما نجد حسب بعض الإحصاءات الرسمية في المقابل، أن هناك 3 مليارات فقير في العالم. أ ليس هذا الإجحاف وسوء توزيع الثروة منكراً! لعلمنا أن أكثر الثروات نشأت من الاحتكار والخداع والغش، وبيع المحرمات كالخمر والربا والقمار وغيرها.

كما قدرت هذه المؤسسة عدد أثرياء العالم، الذين يملكون هذه الثروات ب (9.500.000) تسعة ملايين وخمسمائة ألف إنسان فقط!

وهذا كله نتيجة أن الأمر بالمعروف اقتصادياً، والنهي عن المنكر

ص: 139

الاقتصادي غير سائد في المجتمع. ولذا تجد الأثرياء يزدادون ثراءً فيما الفقراء يزدادون فقراً.

بينما إذا كان الأمر بالمعروف سائداً في البعد الاقتصادي، وكان الناس يؤدون الزكاة والخمس, ويلتزمون بالإحسان والإنفاق وغير ذلك بأجمعهم، لم يكن حال المجتمع كما هو عليه اليوم، ولم يكن للاحتكار وجود، ولم تكن تلك المضاربات التي تحدث في سوقالأسهم التي تدمّر حياة مئات الآلاف من العوائل، أو تعرضهم للفقر المفاجئ.

الرئيس الامريكي يرفض قانوناً لتعويض ضحايا صدام

ولنستعرض مثالاً آخر، الآن في العراق هناك مطلب شعبي وعقلائي ووجداني وديني، وهو أنه ينبغي على الحكومة أن تعوض ضحايا الشهداء، الذين قتلهم النظام البعثي الصدامي الظالم.

وهؤلاء ينبغي أن يعوضوا من أموال النفط العراقي الذي يعود للشعب نفسه، وفي هذه السنة فإن ميزانية الحكومة العراقية بلغت (58) ترليون دينار، أي ما يعادل تقريباً (50) مليار دولار وهو رقم هائل، وقد تصل هذه التعويضات إلى (10) مليارات فقط، أو اقل أو اكثر بقليل.

وهذه الأموال هي ملك للشعب العراقي، لكن نجد أن الرئيس الامريكي جورج بوش، يأتي ويتدخل ويرفض سنّ هكذا قانون في العراق، بحجة غير عقلية ولا عقلائية، معلّلاً بأن هذا يضر باقتصادنا وبالتبادل التجاري!

لاحظوا نصّ عبارته - وذلك من الغريب حقاً -: (سيهدد ودائع عراقية بمليارات الدولارات في لحظات حرجة من جهود إعمار هذا البلد)، وليذهب

ص: 140

الفقراءوضحايا صدام(1)، وهم عادة من الفقراءإلى الجحيم! (ولأنه سيقوض السياسة الخارجية والمصالح التجارية لأمريكا).

حقاً إنها مهزلة، والمؤلم في الأمر أن بعض من في الحكومة العراقية أيضاً، كان موقفهم الرسمي مؤيداً لهذا الموقف الباطل المنكر الفاضح.

وهكذا تنقل الصحافة: (نقض بوش قانوناً يسمح لضحايا صدام بالمطالبة بتعويضات؛ بدعوى أنه سيكلف العراق المليارات).

ص: 141


1- من مواليد عام 1939م قرية العوجة جنوب تكريت والتي تبعد (160) كيلومتراً شمال بغداد. عمل والده فرّاشاً في السفارة البريطانية، وأمَّا والدته صبحة فقد تزوّجت بأربعة أزواج، وكان صدام ينتقل معها من بيت زوج إلى بيت زوج آخر. تنامت لديه روح الانتقام، فابتدأ عمليات القتل وهو في السابعة عشر من عمره. اشترك مع بعض عناصر البعث في محاولة فاشلة لاغتيال عبد الكريم قاسم عام 1959م، هرب على أثرها إلى سوريا ومنها إلى مصر. اشترك في انقلاب 17 تموز 1968م، وبعد سنتان أصبح نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، ورئاسة الجمهورية في حال غياب البكر عن البلاد، ثم أصبح رئيساً للجمهورية في عام 1979م، بعد أن أقصى البكر عن الحكم، ومنح نفسه رتبة مهيب ركن. هاجم إيران عام 1980م فاندلعت حرب الخليج الأولى، واستمرّت ثمان سنوات. احتل الكويت عام 1990م فاندلعت حرب الخليج الثانية، فقامت قوات الحلفاء بقيادة أمريكا بإخراج الجيش العراقي من الكويت ذليلاً، ووضعت خطة لتدمير العراق، وفرضت عليه حصاراً طويلاً الأمد. فانتفض الشعب العراقي فيما عرف بالانتفاضة الشعبانية، فقمعت الأجهزة القمعية في نظامه الدموي انتفاضة الشعب بوحشية لا مثيل لها، فقد قدّرت أعداد من قتلوا وأعدموا واختفوا ما يزيد على 500 ألف عراقي. قامت أمريكا وحلفاؤها بالهجوم على العراق عام 1424ه / 2003م، فاحتلت العراق، وسقط بذلك نظام حكمه الدموي في 9/4/2003م. أُلقي القبض عليه يوم الأحد 14/12/2003م، قدم إلى المحاكمة يوم الخميس 1/7/2004م، بعد تحويل السيادة إلى الحكومة العراقية، وبعد محاكمة طويلة صدر بحقه حكم الإعدام شنقاً حتى الموت، ثم نُفِذَ به هذا الحكم صبيحة يوم عيد الأضحى المبارك 1427ه، الموافق يوم الأحد 31/12/2006م.

إقامة الدين

هنالك رواية أخرى عن الإمام الحسين (علیه السلام)، ربما نفصل الحديث عنها لاحقاً، حيث يتكلم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن من الواجب أخذ الصدقات من حلها ومواضعها، ووضعها في محلّها ومستحقيها، لكن هل تجدون ذلك في المجتمع؟!

وهل تؤخذ الصدقات من مواضعها وتوضع في حقها؟!

الجواب على ذلك:

كلا، وألف كلا.يقول الإمام (علیه السلام): إذا أُقِيمَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أُقِيمَ الدين - وقد مضى نص كلامه - وذلك يعني:

أُقِيمَ الدين بأجمعه، وأُقِيمَ الوجدان، وأُقِيمَ الضمير، وأُقِيمَ المجتمع السليم أيضاً، وإذا لم يقاما انهدم الدين، وانهدم المجتمع، وتحطم وتآكل.

فعلينا جميعا أن نلتزم بأمر الله سبحانه وتعالى، وبإرشاد الإمام الحسين (علیه السلام)، في ضرورة إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مستوى العالم كله.

هذه الأيام هي أيام شهادة الإمام الحسين (علیه السلام)، الذي ضحى بالغالي والنفيس وبكل ما يملك؛ لإعلاء كلمة الله تعالى في الأرض، وفي سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبأروع ما تكون التضحية، وبأصعب ما يكون الجهاد والأمر والنهي.

ص: 142

يقول السيد الشريف الرضي(1)(رحمهالله):

ميّت

تبكي له فاطمة

وأبوها

وعلي ذو العلى

فما أعظمه من شهيد! وما أعظمه من قتيل! وما أعظمه ثار لله رب العالمين.

ص: 143


1- الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم (علیه السلام)، ولد في بغداد عام 359ه من أسرة شريفة وأصيلة، يصل نسبه إلى الأئمة المعصومين %. يعود نسبه من أبيه إلى الإمام الكاظم (علیه السلام)، ومن أمه إلى الإمام السجاد (عليه السلام). وهو عالم مفكر ذو ذكاء خارق وفهم عال، أسس مدرسة في بغداد قام فيها بتربية وتدريس طلاب العلوم الدينية وفيها مكتبة كبيرة. لقبه بهاء الدولة سنة 388ه ب «الشريف الجليل»، ولقب سنة 398ه ب «ذي المنقبتين»، وفي تلك السنة لقبه بهاء الدولة ب «الرضي ذي الحسبين»، ولقبه أيضاً قوام الدين ب «الشريف الأجل». له مؤلفات قيمة وعلى رأسها جمعه كلام الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) في كتاب أسماه (نهج البلاغة). توفي عام 406ه في السابعة والأربعين من عمره، بعد عمر قضاه في خدمة الإسلام والتشيع، ودفن في الكاظمية بجوار قبر الإمامين الكاظم والجواد 3.

ص: 144

الفصل التاسع : العلاقة بين الإمام الحسين (علیه السلام) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

اشارة

ص: 145

ص: 146

سيتمحور الحديث حول العلاقة التي تربط سيد شباب أهل الجنة، بواحد من أهم فروع الدين، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

أيهما أهم: الهداية أو الإنقاذ؟

وسنتوقف عند كلمة من أهم كلمات سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (علیه السلام)، والتي تتحدث عن أهم مصداق للأمر بالمعروف، توضح لنا أنه هو الهداية، وأنه حماية المؤمنين من الضلال والضالين المضلّين.

يقول (علیه السلام) مخاطباً رجلاً:

«أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: رَجُلٌ يَرُومُ قَتْلَ مِسْكِينٍ قَدْ ضَعُفَ أَ تُنْقِذُهُ مِنْ يَدِهِ، أَوْ نَاصِبٌ يُرِيدُ إِضْلَالَ مِسْكِينٍ مِنْ ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا، تَفْتَحُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ بِهِ، وَيُفْحِمُهُ وَيَكْسِرُهُ بِحُجَجِ اللهِ تَعَالَى»(1).

ثم إن الإمام (علیه السلام) بنفسه يجيب عن هذا السؤال، ويقول:

«بَلْ إِنْقَاذُ هَذَا الْمِسْكِينِ الْمُؤْمِنِ مِنْ يَدِ هَذَا النَّاصِبِ».

وهذا الحديث صريح في أن هذا هوالأحب، ونستفيد منه أن هذا هو الذي ينبغي أن يطلب.

ثم بعد ذلك يستدل الإمام الحسين (علیه السلام) بالآية القرآنية الكريمة في قوله

ص: 147


1- بحار الأنوار: ج2 ص9 ب 8 ح17.

تعالى: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»(1)، ويوضح أن هذا هو المصداق الأجلى للآية القرآنية الكريمة، أي ومن أحياها وأرشدها من كفر إلى إيمان، فكأنما أحيا الناس جميعاً من قبل أن يقتلهم بالسيوف الحديدية.

وفي هذه الرواية الشريفة، هناك إضاءات وحقائق ودقائق نشير إلى بعضها، في ضمن اثنتي عشرة نقطة، بين إضاءة وحقيقة ودقيقة، وذلك هو ما يتيسر الآن، وإلا فإن الحديث حول هذه الرواية وفقهها طويل الذيل، ومتنوع الأبعاد:

الإضاءة الأولى: مصباح الهدى في معرفة الأهم

هذه الرواية تُعد مصداقاً لتلك الرواية التي جاءت عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) حيث قال: «إِنَّ الْحُسَيْنَ مِصْبَاحُ الْهُدَى وَسَفِينَةُ النَّجَاةِ»(2)، أو «الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيِ مِصْبَاحُ هُدًى وَسَفِينَةُنَجَاةٍ»(3).

فالإمام الحسين (علیه السلام) مصباح يهديك إلى الصراط المستقيم، ويضيء لك الدرب إلى الطريق القويم، وبه وبإتباع تعاليمه تكون النجاة من المهالك والمخاطر، ومن عذاب النار، ومن غضب الملك الجبار.

هذه الرواية هي النموذج الأجلى لذلك المصباح الهادي، بمعنى أن الإمام الحسين (علیه السلام) يبين لنا: إنك إذا أردت الآخرة ورضا الله سبحانه وتعالى، فإن الأفضل والأهم الأنفع لآخرتك، هو أن تجند طاقاتك في سبيل هداية الناس، وإرشادهم وحمايتهم عقائدياً وإيمانياً, وتوفير السدود التي تحول دون أن يتسلل سراق العقيدة والإيمان إلى حدود مدينة المؤمنين، ويهاجموا دار السلام؛ ليقضوا

ص: 148


1- سورة المائدة: 32.
2- مدينة المعاجز: ج4 ص52 السادس عشر ومائة.
3- بحار الأنوار: ج36 ص205 - 204 ب 40 ح8، بحار الأنوار: ج 91 ص 184 ب 35 ح 1.

على دعائم الإيمان، أو يزلزلوا أركان الاعتقاد.

الإضاءة الثانية: باب التزاحم وملاكات الأحكام

هنالك باب يسمى (باب التزاحم)، وباب آخر اسمه (باب التعارض)، فلو كانت لدينا حقيقتان لكل منهما ذاتية، ولكل منهما قوة، ولكل منهما قيمة، وحسب تعبير الأصوليين: (لكل منهماملاك)، بمعنى أنه وجدت هنالك حقيقة لها قيمة لكن كان هنالك بديل آخر، ولكن منهما قيمة ذاتية، فأيهما ترجح؟

ولنضرب مثالاً لتقريب الفكرة: (الصلاة وقراءة القرآن)، فإن الصلاة لها قيمة ذاتية، كما أن لقراءة القرآن قيمة ذاتية، كذلك (العبادة، وقضاء حوائج المؤمنين).

كما لو دار أمري بين أن أعبد الله سبحانه وتعالى، فأصلي لله ركعات مستحبة، وأسجد سجدة طويلة، أو أقرأ دعاءً من الأدعية، وبين أن أقضي حوائج المؤمنين؟ أو دار الأمر بين أن أطوف، وبين أن أقضي حاجة أحد المؤمنين؟ أو دار بين أن أشتغل بالدفاع عن حقوق المؤمنين وحقوق المستضعفين والمظلومين، وبين أن أشتغل بالعبادة.

فمثلاً، إذا دار أمري بين أن أحيي الليل بالعبادة، وبين أن أجلس وأخطط أو اجتمع مع أخوة مؤمنين لوضع خطة عملية متكاملة للدفاع عن سامراء، هذه المأساة الكبرى التي لا تزال قائمة حتى الآن مع شديد الأسف، أو الدفاع عن البقيع الطاهر، حيث مرقد أبناء رسول الله (صلی الله علیه و آله): الإمام الحسن المجتبى، والإمام السجاد، الإمام محمد الباقر، والإمام جعفر الصادق (علیهم السلام)، أو أن أتحرك عالمياً: حقوقياً وإعلامياً، وأنظم التظاهرات السلمية،وأدعو للإضرابات والاعتصامات السلمية، أو ما أشبه ذلك، فأيهما الأفضل؟

ص: 149

في المفاضلة والموازنة بين الأهم والمهم، أي شيء نقدم؟ أي أيها هو الأهم، وأيها هو المهم؟

نقول: يجب علينا أن نرجع في معرفة وتشخيص الأهم، وتحديد الأولويات إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وإلى أهل بيته الأطهار (علیهم السلام)، فإنهم هم المرجع، وليس عقل الإنسان القاصر عادة في معظم الأحيان.

والحديث حول هذه القضية طويل، لكننا نشير هنا مجرد إشارات:

لماذا مرجعية أهل البيت (علیهم السلام) ؟

ولكن لماذا في المفاضلة بين البدائل المختلفة، عبادية كانت أم معاملية، وعلمية أم عملية، لابد أن يكون المرجع أهل البيت (علیهم السلام)؟!

هناك الكثير من الأجوبة، لكننا نشير إلى بعضها في إشارات سريعة:

أولاً: إننا لا نعرف ملاكات وعلل الأحكام، إنما علمها عند الله، بمعنى إننا لا نعرف العلل الحقيقية للأحكام، وكل ما نعرفه هي حِكَمٌ وحسب. بينما رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته الأطهار (علیهم السلام)، هم الذين يعرفون الملاكات والعلل الحقيقية، وكلما فيها من العوامل المتداخلة أو المتزاحمة، والتي تؤثر في صدور الحكم الإلهي، والسبب في جعل وتشريع هذا الحكم أو ذاك الحكم، من وجوب أو حرمة أو كراهة أو استحباب أو ما أشبه من الأحكام التكليفية، والحال كذلك في الأحكام الوضعية.

ثانياً: إن أهل البيت (علیهم السلام) هم الأعرف بخفايا وزوايا النفس الإنسانية، فإن الإنسان حقاً هو (ذلك المجهول)، كما ذكر ذلك الكاتب المعروف (الكسيس كارل) في عنوان كتابه: (الإنسان ذلك المجهول).

والعلم الحديث لم يتعرف إلى الآن حتى على ظاهر الإنسان بأكمله فضلاً

ص: 150

عن باطنه، فإنه لا يعرف كامل أسرار تكوينه البدني، مثل العين وتفاصيلها وتعقيداتها، وكذلك المخ وسائر أجزاء البدن، فكيف بالروح والنفس؟!

بينما أهل البيت (علیهم السلام) هم أدرى بزوايا وخفايا وتعقيدات هذه النفس الإنسانية، فهم أعرف بعلل الإحكام من جهة، وهم أعرف بزوايا وخفايا العوامل المتداخلة التي تحكم الإنسان من جهة ثانية، كما هم الأعرف بمجاهيل المستقبل من جهة ثالثة.

ولذلك كله، كان القياس محرماً في الشريعة؛ لأننا لا نعرف الملاك الحقيقي، والضابط والقاعدة الأساس،والعلة التامة، ولا نعرف ما هو المقتضي، وما هي الموانع، وما هي القواطع، وما هو الدافع، وما هو الرافع؟

لذا لا يمكننا أن نحكم بعقولنا القاصرة على أن أي المتزاحمين أفضل. مثلاً لا نعرف - لولا إرشاد الشارع الأقدس - ما هو الأفضل: أن نكون إلى جوار الامام الحسين (علیه السلام) في يوم عرفة، أم على جبل عرفة؟!

لأننا لا نعرف علل الأحكام وملاكاتها الحقيقية، ولا نعرف خفايا وزوايا النفس البشرية والحياة الاجتماعية، وتأثيرات كل ذلك على الكون وعلى الطبيعة، وعلى الإنسان سيكولوجياً وسوسيولوجياً، وغير ذلك من الجهات.

وفي إطار محور بحثنا، فإن الامام الحسين (علیه السلام) يوضح لنا المفاضلة في المعادلة بين أن تنقذ إنساناً من يد شخص يريد أن يضله ويسوقه إلى النار، وبين أن تنقذ إنساناً من يد قاتل يريد قتله والاجهاز عليه.

وسنشير إلى فلسفة ذلك لاحقاً إن شاء الله تعالى.

ص: 151

الإضاءة الثالثة: (الأحب) بين مملكة العقل ومملكة القلب

لماذا استخدم الإمام الحسين (علیهالسلام) كلمة (أَحَبُّ)، ولم يستخدم كلمة (أهم) أو (أوجب) أو (أولى)؟

إذ سأله الإمام (علیه السلام): «أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: رَجُلٌ يَرُومُ قَتْلَ مِسْكِينٍ قَدْ ضَعُفَ أَ تُنْقِذُهُ مِنْ يَدِهِ، أَوْ نَاصِبٌ يُرِيدُ إِضْلَالَ مِسْكِينٍ مِنْ ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا، تَفْتَحُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ بِهِ، وَيُفْحِمُهُ وَيَكْسِرُهُ بِحُجَجِ اللهِ تَعَالَى»(1).

الإجابة على هذا السؤال لهي قضية مهمة هامة إلى أبعد الحدود، لكن الإجابة واضحة.

إذ هنالك مملكتان: مملكة القلب، ومملكة العقل. ومملكة العقل حاكمها العلم، والعلم هو دليلها ومصباحها الكاشف. أما مملكة القلب فحاكمها هو الحب.

والإمام (علیه السلام) استخدم كلمة (أَحَبُّ) التي ترتبط بمملكة القلب، ولم يستخدم كلمة (أولى)، أو (أهم) أو (أوجب) التي ترتبط بمملكة العقل، مع أنه ربما يتوهم البعض أنها هي الأولى بالاستخدام من ناحية علمية، وهذه قضية دقيقة سنشير لها لاحقاً.

ولنبدأ بإشارة واحدة، ثم نأتي بالتفصيل:

يقول الله في القرآن الكريم: «إِنَّ اللهَ لَايَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ»(2). والشرك بالله تعالى مسألة ترتبط بالعقيدة، فقد يشرك الإنسان بالله، لكنه يحافظ على (حقوق الإنسان) مثلاً كأشد ما يكون، ويخدم الناس والبشرية، ولكن مع ذلك يقول الله جل اسمه: «إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ»، فإذا

ص: 152


1- بحار الأنوار: ج2 ص9 ب 8 ح17.
2- سورة النساء: 48و116.

ارتكب الإنسان الفاحشة فربما يغفر الله له، لكنه إذا أشرك بالله فلن يغفر له الله تعالى بنص القرآن الكريم.

ولنرجع إلى السؤال: لماذا استخدم الإمام الحسين كلمة (أَحَبُّ)، ولم يستخدم كلمة (أهم) أو (أولى)، مع أن كلمة (أَحَبُّ) ترتبط بمملكة القلب، وكلمة (أولى) أو(أوجب) أو (أهم) ترتبط بمملكة العقل؟!.

إخضاع مملكة القلب لسلطان العقل

الإجابة على ذلك هي إجابة دقيقة ولطيفة، وهي ما خطر بالبال من احتمال أن يكون الوجه في ذلك، هو أن الإمام الحسين (علیه السلام) في الواقع يريد أن يُخضع مملكة القلب لمملكة العقل، بقوله: «أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ»، وبذلك يكون قد أشار إلى كلتا المملكتين مع إخضاع أحداهما للأخرى.

ويتضح ذلك فيما إذا لاحظنا أن الإنسان تارة يندفع عقلياً نحو الشيء،ولكن من غير حبّ له، وذلك مثل الدواء المر الذي يتناوله وهو متنفر منه، غير راغب فيه إطلاقاً، لكن عقله هو الذي يسوقه نحوه، فهو عامل لكنه صابر على مضض، وهذه هي مملكة العقل التي جُردت من سلطان المحبة.

لكن الإنسان تارة يكون سلطان عقله من القوة بحيث يخضع قلبه لعقله، فيحبّ حقاً ما أرشده إليه العقل ولو كان مُرّاً، وهذا هو ما يسمى ب: (الرضا بقضاء الله)، وهذا هو الفرق بين (الصبر) وبين (الرضا بقضاء الله).

فإن الصبر هو أن تصبر على البلاء، لكن على مضض وصعوبة، كمثل شخص تابع في السجن، أو مريض مشدود بالأجهزة، ولكنه مع ذلك يصبر ولا يعتب على الله سبحانه، لكنه يستشعر مرارة حالته، فيصبر على مضض.

لكن هنالك مرتبة أسمى، وهي أن يكون الإنسان راضياً بقضاء الله

ص: 153

وقدره، فيطوِّع قلبه لعقله، فكما يكون عقله واعياً راضياً بقضاء الله ومقتنع به، يكون قلبه أيضاً راضياً مطمئناً.

لذا نجد الإمام الحسين (علیه السلام) يقول: «إلهي رضاً بقضائك لا معبود سواك»، فهذه هي المرتبة السامية بما لا حدّ له.

لا يقال: إنه يقول (علیه السلام) في مكان آخر: «صبراً على بلائك».إذ يقال:

أولاً: لعله على قدر عقول السامعين.

ثانياً: لعله بلحاظ حال بعض أصحابه، وإلا فهو الإمام الذي كانت له دون ريب مرتبة الرضا بقضاء الله وقدره.

ثالثاً: لعل (الصبر) في مرحلة الابتلاء والبلاء هو المطلوب، ثم إذا وقع القضاء الإلهي أو عُلم بوقوعه - أو لوحظ - كان الرضا به مطلوباً، ولذا اختلف متعلَّق الصبر والرضا في كلام الإمام.

والحاصل: إنه إذا كان عقل الإنسان من القوة بحيث أخضع مملكة قلبه إليه، فهو الرابح الحقيقي - وهنا الإمام (علیه السلام) يقول: «أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ...»، وهذا مما يرتبط بمملكة القلب، لكن هذا الحب نابع من سلطان العقل، بقرينة أن الإمام (علیه السلام) بعد ذلك يستدل عليه بدليل قرآني عقلي.

أي إنه (علیه السلام) يبدأ ب «أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ»، ثم يستدل له بدليل قرآني عقلي، وهو الآية القرآنية الكريمة التي تقول: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»(1). فاستدل (علیه السلام) بآية قرآنية مطابقة للعقل تماماً.فالسؤال: «أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ» في الواقع يشير بالدلالة المطابقية إلى مملكة

ص: 154


1- سورة المائدة: 32.

القلب، وبالدلالة الالتزامية يكشف عن ملزومه الثبوتي، وهو حكم العقل بذلك. أي أن تكون من الوعي بدرجة يكون معها إرشاد الناس وهدايتهم، والحفاظ على عقيدة ضعفاء المؤمنين، وإيمانهم وشعائرهم ومشاعرهم، أحب إليك من الجهاد والقتال والدفاع البدني أو العسكري عن المظلوم، مع ما فيه من الثواب والأجر العظيم.

الإضاءة الرابعة: التعليم التفاعلي

وهنا نشير إلى حقيقة أخرى، فإن الإمام الحسين (علیه السلام) استخدم طريقة متطورة في التعليم، وهي طريقة في التعليم تسمى (التعليم التفاعلي) أو (التعليم بالتساؤل والتحاور).

فإنه أحياناً يلقي الأستاذ على تلامذته (محاضرة)، وهي الدرجة الأدنى من التعليم، وأحياناً يستثير الأستاذ دفائن عقل الطرف الآخر، فيوجه له سؤالاً ليفكر ويستكشف الجواب بنفسه.

وهذه هي طريقة "التعليم التفاعلي" التي التزمت بها حوزاتنا العلمية على مر التاريخ، وهي طريقة سائدة في الحوزات العلمية، وتسمى في العرف الحوزوي ب (المباحثة)، أو ما يسمىب (المجال المفتوح) بين الأستاذ والتلميذ، بعكس الجامعات التي - عادة - ما يكون تعليمها غير تفاعلي.

وهنا نلاحظ أن الإمام (علیه السلام) يوجّه السؤال لذلك الشخص؛ ليستثير تفكيره وعقله: «أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: رَجُلٌ يَرُومُ قَتْلَ مِسْكِينٍ قَدْ ضَعُفَ أَ تُنْقِذُهُ مِنْ يَدِهِ، أَوْ نَاصِبٌ يُرِيدُ إِضْلَالَ مِسْكِينٍ مِنْ ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا، تَفْتَحُ عَلَيْهِ»(1).

وهذا الأسلوب المتطور مستقى في الأساس من القرآن الكريم، حيث يقول

ص: 155


1- بحار الأنوار: ج2 ص9 ب 8 ح17.

تعالى مثلاً: «أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا»(1)، والأمثلة على ذلك من القرآن والسنة كثيرة.

واقترح في هذا المضمار على الأساتذة الأفاضل وعلى خطبائنا الكرام، أن يلتزموا بهذه الطريقة ولو في بعض مجالسهم، فهي طريقة جيدة وممتازة وضرورية، وهي إيجاد مجال تفاعلي مباشر بين الخطيب وبين الجمهور، بإثارة الأسئلة وفتح المجال للنقاش والحوار قبل المجلس أو بعده، بل حتى في أثناء المجلس، عبر الأوراق، أو عبر المشافهة أو غير ذلك.

الناصبي المضلّ أسوأ من الناصبي القاتل

والآن لنعد إلى هذا السؤال: لماذاالناصبي المضلّ، أسوأ حالاً من الناصبي القاتل؟!

ولماذا إنقاذ مسكين قد ضعف من يد ناصبي، أحب إلى الله ورسوله (صلی الله علیه و آله) من إنقاذ شخص من يد قاتله؟!

الجواب: الأدلة والأسباب على ذلك كثيرة، نذكر منها:

السبب الأول: إن القاتل يقضي على حياة فانية، بينما الضالّ المُضل الذي يريد هدم الدين والعقيدة والشريعة في نفوس الناس، فإنه يقضي على الحياة الباقية الخالدة الأبدية.

وعلى هذا فإن إنقاذ شخص من أن ينحرف فيساق إلى نار جهنم، أحبّ بلا شك من إنقاذ شخص ليعيش بضعة أيام أو سنين في هذه الدنيا الفانية الزائلة؛ وذلك لأن هذا الشخص لو ضلّ وانحرف وخرج عن الجادة، فسيُخلَّد في نار جهنم.

ص: 156


1- سورة النازعات: 27.

فإن تنقذه من الخلود في نار جهنم أحب وأولى، من أن تنقذه ليبقى فترة من الزمن في هذه الدنيا، مع أن الدفاع عنه واجب من أهم الواجبات دون شك، إنما الكلام في (الأحبّ).

السبب الثاني: وهو أن المنحرف انحرافاً عقائدياً يبذر البذور لقتل ما لا يحصى من أفراد البشرية، فإن الانحراف العقائدي والفكري هو الأساس، ثم تتبعه الإجرام في السلوك العملي.

نيرون حاكم روما

وكمثال على ذلك، فإن (نيرون)، الذي حكم روما عام 54م، ذلك الرجل الجبار الطاغية الكبير، الذي أحرق روما، والذي قام بقتل الأقلية النصرانية آنذاك، فقتل منهم عدداً كبيراً. ثم أمر ببناء قصر ذهبي شامخ على انقاض بيوت آلاف الناس التي دمرها وأحرقها، لكن كل ذلك كان وليد انحراف عقائدي وفكري.

إن الإنسان القاتل، قد يقتل شخصاً واحداً أو أكثر، مثل وحش كاسر ومفترس، لكن الإنسان الضال والمُضل الذي يستهدف العقيدة، يمهد الطريق والأجواء لولادة وتكوّن مثل ذلك الجبار والطاغية، الذي يقتل الآلاف بل العشرات من الآلاف من الناس، والذي لا يكون همه إلا إفساد العباد والبلاد، وإهلاك الحرث والنسل.

وستأتي بقية الأجوبة بمشيئة الله تعالى.

ص: 157

ص: 158

الفصل العاشر : الإمام الحسين (علیه السلام) واستراتيجية مواجهة الضلال

اشارة

ص: 159

ص: 160

يقول الإمام الحسين (علیه السلام) سائلاً رجلاً:

«أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: رَجُلٌ يَرُومُ قَتْلَ مِسْكِينٍ قَدْ ضَعُفَ أَ تُنْقِذُهُ مِنْ يَدِهِ، أَوْ نَاصِبٌ يُرِيدُ إِضْلَالَ مِسْكِينٍ مِنْ ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا، تَفْتَحُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ بِهِ، وَيُفْحِمُهُ وَيَكْسِرُهُ بِحُجَجِ اللهِ تَعَالَى - قَالَ - بَلْ إِنْقَاذُ هَذَا الْمِسْكِينِ الْمُؤْمِنِ مِنْ يَدِ هَذَا النَّاصِبِ؛ إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: «مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»(1)»(2).

لماذا (الهداية) أهم من (الإنقاذ)؟

اشارة

والسؤال هو: لماذا إنقاذ المسكين المستضعف فكرياً وعقدياً، يعدّ أهم وأولى وأحب، من إنقاذ شخص من يد قاتله؟.

هنالك عدة إجابات:

1: لأنها تنقذ الحياة الأبدية

الإجابة الأولى: وقد تقدمت فيما سبق، لكننا نعيدها الآن باختصار؛ لأن القاتل لا يأخذ من الإنسان إلا حياة فانية في هذه الحياة الدنيا، بينماالضال المُضل الذي يستهدف العقيدة والدين، فإنه يحطم - لو نجح - حياة الإنسان الخالدة، فيحرمه جنة الله الواسعة، ويخلده في نار جهنم، ولا قياس بين من يقضي على مقدار ثلاثين سنة من حياتك، ويحطمها ويدمرها، وبين من يقضي على مليارات من السنين، بل

ص: 161


1- سورة المائدة: 32.
2- بحار الأنوار: ج2 ص9 ب 8 ح17.

ما لا يحصى من السنين من النعيم المقيم، ويحولها إلى عذاب أليم.

ولذلك أراد الإمام الحسين (علیه السلام) في هذه الرواية أن يعرفنا على أهمية وإستراتيجية وأولوية إنقاذ العباد من الضلال.

وعليه: فقضية الهداية والإرشاد والتحصين الفكري والعقائدي للناس والأمة، يجب أن تكون في أعلى سلّم أولوياتنا.

2: لأن الانحراف يمهّد لقتل الآلاف

الإجابة الثانية: وقد تقدمت أيضاً أن القاتل يقتل شخصاً واحداً أو شخصين أو أكثر، بينما ذلك الضال المُضل الذي يحاول تحطيم أسس العقيدة وحَرْفِ المسار الفكري والعقائدي للإنسان، فإنه (المفتاح) لدخول الناس إلى عالم الجريمة، وهو البوابة لقتل الآلاف أو الملايين من البشر.

وبتعبير آخر: الضال المضل يمثل الحاضنة التي تفرّخ القتلة والمجرمين،فإن القاتل لا يرتكب جريمته إلا إذا كان منحرفاً في فكره؛ لأن الفكر هو القائد والموجه لحركة الجوارح، لذا كان من الأولى معالجة السبب، قبل أن يعالج المُسبَّب، وإلا فسوف نبقى أبد الدهر نعالج المسبب دون جدوى.

وكما يمثل علماء الأخلاق: لو كانت هناك بئر فيها مياه آسنة تنبعث منها رائحة نتنة، وكانت مركز إنتاج البعوض، فلو وقف إنسان أمام هذه البئر، وانشغل بقتل كل بعوضة تخرج من البئر، فإنه يجب عليه أن يستمر على هذا المنوال سنين طوالاً مادامت البئر موجودة.

أما الذي ينزح الماء، ويطهر البئر من تلك المياه الآسنة ويعقمها، فإنه الذي يقوم بالعمل الحقيقي الجذري الجوهري؛ لأنه يغلق محطة الفساد من الأساس لأنه يعالج السبب في عمقه.

ص: 162

وقد مثلنا ب (نيرون) الذي حكم روما عام 54م، وكان طاغية دموياً؛ لسبب يعود إلى وجود خلل في عقيدته، إذ لم يكن متربياً على معرفة الله وخشيته، لذا فقد أحرق روما حسب تحقيق المؤرخين بأسباب مفتعلة، وذلك بهدف بناء قصر مذهب على أنقاض بيوت الناس المهدمة، بل أنه قتل أمه التي ولدته (اجربينا).

والسبب في كل ذلك عقيدته الفاسدة، وعدم خوفه من الله سبحانه وتعالى، لذالم يقتصر هذا الطاغية على مفردة واحدة من الإجرام، بل إنه قتل زوجته الأولى لكي يتزوج بإمرأة اخرى، ثم قتلها أيضاً ليتزوج ثالثة! كما قتل الكثير من الناس.

وذلك مثال من التاريخ القديم، أما من التاريخ الحديث، فقد قتل طاغية العراق صدام عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من الناس، حيث المقابر الجماعية في داخل العراق، تعدّ من أكبر الشواهد على ذلك، وذلك مع قطع النظر عن المعارك التي آثارها مع دول الجوار، والتي تسبّبت بقتل مئات الآلاف من الناس، كلهم قتلوا بسبب شخص واحد، لماذا؟!

أ ليس لأنه كان منحرفاً أخلاقياً وفكرياً وعقدياً، ولم يكن يؤمن بوجود الله سبحانه وتعالى، إلا بلقلقة لسان كاذب، كما كان قلبه قلب كاذب أيضاً.

وعليه فإذا تم إصلاح العقيدة، وإنقاذ العباد من الزلل والانحراف العقدي والفكري والديني، فإنه لن يكون هناك قاتل على وجه البسيطة.

3: الفساد العقدي هو أم الفساد

الإجابة الثالثة: إن الفساد العقدي والفكري، يشكّل البنية التحتية لشتى المفاسد الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، والسبب الرئيسوراء إهلاك

ص: 163

الحرث والنسل.

وكمثال على ذلك (الخوارج)، فقد بدأ انحرافهم من المسألة العقدية، فقد رفعوا شعار لا حكم إلا لله واعتقدوا - ظلماً وزوراً - أن قبول أمير المؤمنين ومولى الموحدين علي بن أبي طالب (علیه السلام) بالتحكيم في حرب (صفين)، صيّره كافراً بنظرهم!

وبذلك اختل عندهم مقياس الإيمان، فكان شخصٌ مثل الإمام علي (علیه السلام) - وهو باب مدينة علم رسول الله (صلی الله علیه و آله) - كافراً وكانوا هم مؤمنين!

ثم إن هذا الانحراف العقائدي جرّ الويلات على الأمة، ثم إن هذا الانحراف لهؤلاء كان متعدد الأبعاد. مثلاً: كانوا يعتقدون أنه لا واسطة بين الإيمان والكفر، كما يعتقد الآن بعض الجهال بذلك، وأن الإنسان إما أن يكون مؤمناً أو يكون كافراً.

ولذلك كانوا يقولون: بأن مرتكب الكبيرة كافرٌ بالأساس وليس بمؤمن، بل هو مرتد ولا يستتاب! أي هو بمنزلة المرتد الفطري - لا المِلِّي - فحتى إذا تاب يجب أن يقتل؛ لأن توبته غير مقبولة!

الخوارج والإرهابيون نموذجاً

وهذا هو الانحراف البنيوي العقدي والفكري، والذي أصبح فيما بعد هو الجذر للإرهاب الذي تسبب بقتل الآلاف من البشر.

والحاصل: إن الانحراف العقدي والفكري والديني، يشكل البنية التحتية لشتى المفاسد، فإن مفاسد (الخوارج) وأشباههم، من إرهابيي هذا العصر، لا تقتصر على قتل الناس، بل إنهم يدمرون كل شيء، حتى أقدس المقدسات

ص: 164

والحرمات، كما ارتكبوا جريمة تفجير سامراء(1)، وكما ارتكبوا جريمة هدم قبور أئمة البقيع الغرقد(2).ثم إن الإرهابي الذي يدمّر هذه المراقد المطهرة لا يؤمن بالله سبحانه وتعالى، فإن المؤمنين بالله سبحانه وتعالى يعلمون أن المشاهد الشريفة، يُعبد فيها الله سبحانه وتعالى آناء الليل وأطراف النهار، وهي تضم مراقد عترة رسول الله (صلی الله علیه و آله)، ويؤمّها كل مسلمي العالم، إلا أقلية نادرة من المتطرفين فكرياً, والإرهابيين المتحجرين.

ومما يدلنا أيضاً على انتهاك المنحرف عَقَديا لكل الحرمات، أننا نجد أن (الخوارج) أثاروا حرباً أهلية في البصرة دامت خمس عشرة سنة، حيث كان الأخ الخارجي يقتل أخاه المؤمن؛ لأنالخارجي كان يجد أخاه المسلم المؤمن العابد

ص: 165


1- قام الإرهابيون والتكفيريون من أتباع معاوية ويزيد (لعنهما الله تعالى)، بتفجير مرقد الإمامين العسكريين (عليهما السلام) في مدينة سامراء المقدسة، صبيحة يوم الأربعاء 23محرم الحرام 1427ه، الموافق 22 شباط 2006م، فتهدمت القبة الشريفة بالكامل، وبقيت المئذنتان على حالهما. فراع ذلك العصابات التكفيرية المجرمة، فقامت وللمرة الثانية صباح يوم الأربعاء 27/شهر جمادى الأولى/1428 ه، الموافق 13/حزيران/2007م بتفجير مئذنتي المرقد الشريف، معبرة بذلك عن حقدها الدفين لأهل البيت (عليهم السلام)، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
2- قام الوهابيون التكفيريون - بعد استيلائهم على بلاد الحجاز - بجريمتهم النكراء حيث هدموا القباب والأضرحة والمزارات الطاهرة في المدينة المنورة، وذلك في الثامن من شوال عام 1344ه، الموافق للعشرين من نيسان عام 1926م بأمر الملك عبد العزيز بن سعود، لما استولى على الحجاز عملاً بما يقتضيه مذهبه الوهابي. فقاموا بهدم قبة أئمة أهل البيت بالبقيع (عليهم السلام) ومعهم العباس عم النبي (صلی الله علیه و آله) وجدرانها، وأزالوا الصندوق والقفص الموضوعين على قبورهم، ونهبوا وسرقوا ما فيها من هدايا ونذور وتحف ونفائس، وكذلك هدموا بيت الأحزان الذي بناه أمير المؤمنين (علیه السلام) لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء $ لتندب فيه أباها (صلی الله علیه و آله)، وما زالت تلك الأضرحة والمزارات الطاهرة على حالها إلى الآن، حيث يمنع الوهابيون التكفيريون من إعادة وتجديد بنائها.

والمصلي والمزكي على غير طريقة تفكيره، فيقتله سواء أ كان شيعياً أم سنياً، إذ لا فرق بينهما عندهم من هذه الجهة.

وهو ما يحصل اليوم أيضاً، وذلك يكشف عن أن الإرهابي هو عدو للبشرية وللإنسانية؛ لأن الانحراف العقدي قد دمّر كل المعادلات الإنسانية والإسلامية التي عنده, بل نجد أنه كثيراً ما يقتل من أجل القتل، بل إنه يلتذ بالقتل ويعشقه! كما كان الحجاج(1)يعشق القتل، لماذا؟؛ لأنه لم يكن يؤمن بالله سبحانه وتعالى.

وكما قاد الخوارج تلك الحرب الأهلية في البصرة، فإن (خوارج العصر) من الإرهابيين الذين نشاهدهم اليوم، يقودون معركة ضد أتباع أهل البيت(علیهم السلام) في العراق، بل يخوضون معركة ضد كل إنسان، وفي كل مكان في العالم.

من هنا يأتي تأكيد الإمام الحسين (علیه السلام) على إصلاح العقيدة، وهداية الناس وإرشادهم، وحماية ضعفاء المؤمنين فكرياً وعقديا وثقافياً، من أن يتعرضوا للغزو التكفيري والارهابي.

وهذا العمل هو الذي له من الأجر الكبير ما لا يعلمه إلا الله تعالى؛ لأن بذلك حماية العقيدة، ومن ثمَّ حماية الأرواح، وحماية الأموال، بل حماية الإنسانية جمعاء.

ص: 166


1- الحجاج بن يوسف الثقفي، عامل عبد الملك بن مروان على العراق وخراسان. وُلد عام 39 وقيل: 40 وقيل: 41ه. كان ولوعاً بسفك الدماء يقتل النفس بأدنى شبهة، فكان يُخبر عن نفسه أن أكثر لذاته سفك الدماء وارتكاب أمور لا يقدم عليها غيره. حكم العراق 20 سنة، وقد أُحصي من قتله صبراً سوى من قُتِلَ في عساكره وحروبه فوجد 120000 شخص، وكان في حبسه 50000 رجل و30000 امرأة، منهن 16000 مجردة، وكان يحبس النساء والرجال في موضع واحد. توفي سنة 95ه ب (واسط/ العراق) فدفن بها.

فإذا حافظنا على سلامة العقيدة، فلن يكون هنالك سبب لأن يقتل الإنسان الإنسان، بل لن تُرتكب حينئذٍ المعصية بالاساس؛ لذا فإن المحافظة على فكر الشباب من زيغ الضلال والانحراف، يعد من كبريات الواجبات الملقاة على عاتق كل مثقف وعالم وأديب ومتعلم.

ذلك أن تلوث فكر الشباب بالإرهاب، يجعل من الشاب عنصراً دموياً خطراً، إذ لا يقيم وزناً للإنسان الآخر، بل إنه لن يقدر الرب الجليل وأوامره ونواهيه، ولا الوسائط بين الإنسان والرب، وهم الأنبياء والرسل والأئمة الأطهار (علیهم السلام).

معاوية وفكرة الجبر

ويشهد مثالٌ آخر على دور الانحراف العقدي في الفساد والإفساد، وهو ما صنعه معاوية بابتداع نظرية (المجبرة والمفوضة)، هذه الفكرة تقول: إن الله سبحانه وتعالى يُجبر العباد على ما يفعلون!

وعليه فإذا كان الله سبحانه يجبرنا على أفعالنا، وإذا كان كل عمل وفعل بإرادة الله سبحانه وتعالى، فإن الجرائم المروعة التي ارتكبها أي حاكم في التاريخ ستكون مبرّرة، مثل ما صنع معاوية بقتل آلاف الناس، والأولياء مثل: حجر بن عدي، وسائر الصالحين.

مثل أكله مال الله أكل الإبل نبتة الربيع، ومصادرته أموال المسلمين، فإن ذلك كله بجبرٍ من الله سبحانه وتعالى، وليس باختيار الإنسان، أي أن الله سبحانه وتعالى بأمر تكويني يجري هذه الأمور على يد هذا المخلوق.

فلا عتب إذن على الحاكم الجائر، ولا تجوز الثورة ضده، أو الاعتراض عليه؛ لأن الاعتراض عليه إنما هو اعتراض على الله، ونقده هو نقد الله!! وهكذا

ص: 167

كان يفسر ذلك الطاغية كل عوامل الانحراف في الأرض، وكل جرائمه وجناياته.

لذا نجد أن الامام الحسين (علیه السلام) يؤكد على إصلاح العقائد، وعلى هداية الناس، وحماية المستضعفين فكرياً وعقدياً، من أن يهاجمهم شياطينالبشر وإرهابيوا الفكر.

من هو الناصبي؟!

وهنا نتسائل: لماذا استخدم الإمام الحسين (علیه السلام) كلمة (الناصب) في الرواية الشريفة؟ وماذا تعني هذه الكلمة؟

والجواب: الناصب هو المعادي، و(النصب) هو المعاداة.

فالناصب هو من نصب نفسه لعداء أهل الحق، و(الناصبي) في المصطلح المتداول هو الذي نصب العداء لأهل البيت (عليهم الصلاة وأزكى السلام)، أو من نصب العداء لشيعة أهل البيت ومحبيهم؛ لأنهم شيعة ومحبون لهم، وهو ذلك الإنسان المليء بالكراهية والمليء بالحقد.

فكل متعصب ضد الحق، وضد أهل البيت (علیهم السلام)، وضد أتباع أهل البيت (علیهم السلام)، فهو ناصبي.

نعم، المعنى اللغوي للناصبي أعم من ذلك للحق، إذ أن هناك من يحقد على عائلة أو عشيرة أو شعب، وهناك من يحقد على الإنسان بما هو إنسان، وهذا هو الذي نصب العداء للإنسانية، فما بالك بمن نصب العداء لسادة الإنسانية والبشرية، وهم الذين يجسّدون العدل والحق والحقيقة على مر التاريخ.

الصرب وعصابات الهاغانا من النواصب

مثالٌ على ذلك: (الصرب) في جمهورية البوسنا والهرسك، الذين قادوا معركة إبادة جماعية ضد المسلمين حتى عام 1995م، هؤلاء نصبوا العداء

ص: 168

للإسلام وللمسلمين.

والمثال الآخر: في عام 1949م قاد (مناحيم بيغن) عصابات الهاغانا الصهيونية المعروفة بدمويتها، فقامت بمجازر مريعة في (دير ياسين) و(بئر السبع) وغيرها من المناطق الفلسطينية، فهؤلاء نصبوا العداء للمسلم وللمستضعف وللمظلوم.

بعض الموسوعات الإسلامية لم تذكر لفظة (النواصب)

لكن مما يؤسف له أن هذا المصطلح المسلَّم به لدى الفريقين، لم يذكره عدد من أصحاب الموسوعات العالمية في الدول الإسلامية، وهو أمر غريب حقاً، وحتى بعض الموسوعات الفقهية لم تبحث هذه الكلمة، ولم تسلط الضوء عليها.

مع أنه من البديهيات عند كل مسلمٍ - سواء أ كان من الشيعة أم من العامة - أن الناصبي هو الذي ينصب العداء للحق ولأهل الحق، والذي ينصب العداء - في المصداق الأكثر جلاءً - لأهل البيت (علیهم السلام)، وهو بلا شك من أهل النار؛ لأن أهل البيت (علیهم السلام) من أحبهم فقد أحب رسول الله، ومن أبغضهم فقد أبغض رسول الله؛ لأن الرسول (صلی اللهعلیه و آله) يقول - مثلاً -: «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ»(1).

بمعنى أن من يكره الإمام الحسين (علیه السلام) فقد كره رسول الله - والعياذ بالله - كما قال (صلی الله علیه و آله): «أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً»(2)، فبغضه في جوهره بغض لله.

كما إن الله تعالى يقول في كتابه الكريم:

ص: 169


1- بحار الأنوار: ج43 ص271 - 270 ب 12 ح35، بحار الأنوار: ج 45 ص 314 ب 46 ضمن ح 14.
2- بحار الأنوار: ج43 ص271 -270 ب 12 ح35، بحار الأنوار: ج 45 ص 314 ب 46 ضمن ح 14.

«وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ»(1).

بمعنى أن نفس رسول الله (صلی الله علیه و آله) هو علي بن أبي طالب (علیه السلام)، فمن كره علياً ونصب له العداء، فقد كره رسول الله ونصب له العداء - والعياذ بالله -.

والله تعالى يقول:

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2).

فمن نصب لهم العداء فقد واجه الله بالحرب - والعياذ بالله -.

فلماذا نجد تلك الموسوعات المعروفة، والتي تقف وراءها دولإسلامية كبيرة ويُعِدُّها علماء كبار، لم يذكروا هذه المفردة (الناصبي)، مع أنهم ذكروا كل شيء عن الطوائف والمذاهب والملل، حتى المجوس والملحدين.

لكنهم غفلوا أو تغافلوا! عن هذه المفردة التي يعيش اليوم جميع المسلمين وغير المسلمين تحت نير جرائم من اتصفوا بها، بل إن السلم العالمي اليوم مهدد بسب أولئك النواصب التكفيريين، من أحفاد آكلة الأكباد ومعاوية ويزيد بن معاوية وأضرابهم (عليهم لعنة الله جميعاً).

وقد ذكرت وكالات الأنباء والصحف: إن مجموعة من الإرهابيين في بغداد قاموا باعتقال عدد من النساء المؤمنات، ثم قاموا بذبحهن من دون جريمة ارتكبنها أو حق أخذنه منهم، بل قاموا بإعدامهن تشفياً وحقداً عليهن لمجرد أنهن لم يكنّ على عقيدتهم المنحرفة وسبيلهم البائس.

إن الإمام الحسين (علیه السلام) صريح في الدعوة إلى إنقاذ عباد الله من النواصب، ومن الذين جندوا كل طاقاتهم ضد أهل الحق.

ص: 170


1- سورة آل عمران: 61.
2- سورة الأحزاب: 33.

الفتح على المستضعفين دفعاً أو رفعاً؟

وهناك نقطة أخرى مهمة ودقيقة كامنة في حديث الإمام (علیه السلام)،ففي حديثه الآنف الذكر يقول:

«...تَفْتَحُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ بِهِ، وَيُفْحِمُهُ...».

إن كلمة «تَفْتَحُ عَلَيْهِ» لها جمالية خاصة، أي أن تفتح على المستضعفين فكرياً وعقديا ودينياً، أبواب الاستدلال والاحتجاج "بحجج الله سبحانه وتعالى" فتعرّفهم الحق والحقيقة، ولذلك منتهى القيمة وأكبر الأجر والجزاء.

والملاحظ أن الإمام (علیه السلام) يشير إلى نقطة ظريفة، إذ إنه (علیه السلام) يشير إلى (الدفع) قبل (الرفع).

ففي الاصطلاح الأصولي هناك (دفع)، وهناك (رفع). والدفع يعني أن تحول دون حدوث شيء قبل أن يحدث، أما الرفع فيعني رفع الشيء بعد حدوثه.

ومثال الدفع:

تناول الأطعمة التي توفر الحصانة من الأمراض مثل: العسل وغيره, فهو يدفع سبب المرض، ويمنع حصوله من الأساس.

أما مثال الرفع:

فكما لو أصيب الإنسان بالمرض, فاستخدم المضادات الحيوية (الانتي بيوتيك) وأشباهها، فيرفع بذلك المرض بعد الإصابة به.

ومن هنا نعرف أن الدفع أولى من الرفع، فأن تقوم بتحصين بدنك وفكرك، هو أولى من أن تنتظر المرض أوالانحراف، ثم تعالج المرض وتصلح الفساد.

فإن بعض الناس يهملون أبناءهم، ولكنهم عندما يكبر أحد أبناءهم

ص: 171

ويصبح سارقاً - والعياذ بالله - أو ينحرف، أو يصبح إرهابياً، أو يخرج من الدين ويذهب إلى الغرب أو إلى الشرق، حينئذ يفكرون ماذا يصنعون لهم؟

وكان من المفروض أن يحصنوا أبنائهم من البداية، ويحولوا بينهم وبين الانحراف, من خلال التربية والتعليم وإسداء النصيحة, والرعاية المتواصلة لهم ومن الأساس.

والخلاصة

إن الإمام (علیه السلام) يشير على المؤمنين بالدفع، وأن يتصدوا للانحراف قبل أن يجبروا على الرفع. بمعنى أن يخططوا بحيث يحصّنوا الأمة من النواصب والضلال والمُضلين، الذين يهاجمون العقيدة والفكر السليم.

والذي يشهد بإرادة الدفع قبل الرفع أمران:

1- قوله (علیه السلام): «مَا يَمْتَنِعُ بِهِ».

2- قوله «أَوْ نَاصِبٌ يُرِيدُ» في جملة: «أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: رَجُلٌ يَرُومُ قَتْلَ مِسْكِينٍ قَدْ ضَعُفَ أَ تُنْقِذُهُ مِنْ يَدِهِ، أَوْ نَاصِبٌيُرِيدُ...»(1).

فهو بعدُ لم يحقق مطلوبه، بل قبل أن يضلّه، بل حتى قبل أن يحاول التضليل، يجب عليك أن تعطي ذاك المؤمن المستضعف، البراهين والحجج فتحصنه بما يمتنع به منه، ويفحمه ويكسره بحجج الله تعالى.

دعوة للتسلح بالفكر والحجة

وهنا أيضاً وقفة دقيقة في كلام الإمام (علیه السلام) إذ يقول:

«تَفْتَحُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ بِهِ، وَيُفْحِمُهُ وَيَكْسِرُهُ بِحُجَجِ اللهِ... ».

فإنه (علیه السلام) يدعو المؤمن لكي يتسلح بقوة المنطق في مقابل هذا الناصب.

ص: 172


1- بحار الأنوار: ج2 ص9 ب 8 ح17.

ونلاحظ هنا أن الإمام (علیه السلام) لم يستخدم لغة العنف؛ لأن الأصل في الإسلام السلام والمنطق والحكمة:

«ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»(1).

وذلك يعني أنك إذا وفّرت جواً ثقافياً وإيمانياً عاماً، وثقفت الناس ورفعت من مستواهم الثقافي، فإن الهزيمة ستكون من نصيب الإرهاب؛ لأنالإرهاب لا يعيش ولا يسود في البيئة الصالحة، ومثله مثل المكروب الذي ينمو فقط وفقط في البيئة غير الصالحة فيتكاثر وينتشر.

من هنا يبين لنا الإمام (علیه السلام) الموقف الإستراتيجي والجوهري، الذي يوفر القاعدة والبنية التحتية التي تقضي على كل تخطيط، يحاول أن يستخدم عباد الله وبلاد الله محطات للإرهاب وللتخريب، ولإهلاك الحرث والنسل.

وبناءً على ذلك فإنه يجب علينا التخطيط الشامل لنشر الوعي والثقافة على مختلف المستويات، ويجب علينا لذلك الانفتاح على سائر عباد الله، والتعاون معهم لأجل تحقيق ذلك، فقد تخطى العالم الآن الحركة الفردية، واتجه نحو العولمة والعالمية والتحالفات الإستراتيجية.

فالفضائيات مثلاً: تقوم اليوم بدور كبير في إرشاد العباد والبلاد إلى دين الله، وإلى أهل البيت (علیهم السلام)، ولكن لتكن القنوات الفضائية بالمئات، ولتكن متعاونة متكاتفة، ولتكن الكتب الإسلامية الرصينة بالمليارات، ولتكن هناك المليارات من الأقراص المضغوطة التي تحمل برامج ومحاضرات تربوية وتعليمية وعقائدية، ولتكن هناك العشرات بل الألوف من المؤتمرات التخصصية والعامة

ص: 173


1- سورة النحل: 125.

حولالإرشاد والتوعية والتثقيف.

إن الإمام الحسين (علیه السلام) يدعونا إلى أن نفتح على عباد الله بما يمتنعوا به من الضلال، ومخربّي العقيدة والدين والمذهب، وكافة ما يرتبط برسول الله وأهل بيته الأطهار (علیهم السلام)، فهل نحن صانعون؟

وبقيت هناك الكثير من الإشارات والإضاءات والحقائق ربما نشير لها في بحوث قادمة إن شاء الله تعالى.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على محمد، وآله الطيبين الطاهرين.

مرتضى الشيرازي

ص: 174

بسم الله الرحمن الرحيم

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى حُجَّتِكَ وَوَلِيِّ أَمْرِكَ وَصَلِّ عَلَى جَدِّهِ مُحَمَّدٍ رَسُولِكَ السَّيِّدِ الْأَكْبَرِ وَصَلِّ عَلَى عَلِيٍّ أَبِيهِ السَّيِّدِ الْقَسْوَرِ وَحَامِلِ اللِّوَاءِ فِي الْمَحْشَرِ وَسَاقِي أَوْلِيَائِهِ مِنْ نَهَرِ الْكَوْثَرِ وَالْأَمِيرِ عَلَى سَائِرِ الْبَشَرِ الَّذِي مَنْ آمَنَ بِهِ فَقَدْ ظَفَرَ(1)

وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَقَدْ(2)خَطَرَ وَكَفَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَخِيهِ وَعَلَى نَجْلِهِمَا الْمَيَامِينِ الْغُرَرِ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَمَا أَضَاءَ قَمَرٌ وَعَلَى جَدَّتِهِ الصِّدِّيقَةِ الْكُبْرَى فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ بِنْتِ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى وَعَلَى مَنِ اصْطَفَيْتَ مِنْ آبَائِهِ الْبَرَرَةِ وَعَلَيْهِ أَفْضَلَ وَأَكْمَلَ وَأَتَمَّ وَأَدْوَمَ وَأَكْبَرَ وَأَوْفَرَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْفِيَائِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ.

وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلَاةً لَا غَايَةَ لِعَدَدِهَا وَلَا نِهَايَةَ لِمَدَدِهَا وَلَا نَفَادَ لِأَمَدِهَا اللَّهُمَّ وَأَقِمْ(3)بِهِ الْحَقَّ وَأَدْحِضْ بِهِ الْبَاطِلَ وَأَدِلْ بِهِ أَوْلِيَاءَكَ وَأَذْلِلْ بِهِ أَعْدَاءَكَ.

وَصِلِ اللَّهُمَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وُصْلَةً تُؤَدِّيَ إِلَى مُرَافَقَةِ سَلَفِهِ وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَأْخُذُ بِحُجْزَتِهِمْ

ص: 175


1- (شَكَرَ).
2- (وَ مَنْ أَبَا فَقَدْ).
3- (أَعِزَّ).

وَيُمَكَّنُ(1)فِي ظِلِّهِمْ وَ أَعِنَّا عَلَى تَأْدِيَةِ حُقُوقِهِ إِلَيْهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي طَاعَتِهِ وَالِاجْتِنَابِ عَنْمَعْصِيَتِهِ.

وَامْنُنْ عَلَيْنَا بِرِضَاهُ وَ هَبْ لَنَا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَدُعَاءَهُ وَخَيْرَهُ مَا نَنَالُ بِهِ سَعَةً مِنْ رَحْمَتِكَ وَ فَوْزاً عِنْدَكَ وَ اجْعَلْ صَلَاتَنَا بِهِ مَقْبُولَةً وَ ذُنُوبَنَا بِهِ مَغْفُورَةً وَ دُعَائَنَا بِهِ مُسْتَجَاباً وَاجْعَلْ أَرْزَاقَنَا بِهِ مَبْسُوطَةً وَهُمُومَنَا بِهِ مَكْفِيَّةً وَحَوَائِجَنَا بِهِ مَقْضِيَّةً وَأَقْبِلْ إِلَيْنَا بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَاقْبَلْ تَقَرُّبَنَا إِلَيْكَ وَانْظُرْ إِلَيْنَا نَظِرَةً رَحِيمَةً نَسْتَكْمِلُ بِهَا الْكَرَامَةَ عِنْدَكَ ثُمَّ لَا تَصْرِفْهَا عَنَّا بِجُودِكَ وَاسْقِنَا مِنْ حَوْضِ جَدِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِكَأْسِهِ وَبِيَدِهِ رَيّاً رَوِيّاً هَنِيئاً سَائِغاً لَا ظَمَأَ بَعْدَهُ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين.

ص: 176


1- (وَيَمْكُثُ).

الفهرس

المقدمة 7

الفصل الأول

الإمام الحسين (علیه السلام) التجسيد المتكامل للصلاة/11

أشهد أنك قد أقمت الصلاة 13

فما هي أبعاد هذه العلاقة؟ 14

أقسام الشهادة 15

القسم الأول: الشهادة العلمية 15

المرتبة الأولى: الشهادة التعبدية 15

المرتبة الثانية: الشهادة العلمية 15

المرتبة الثالثة: الشهادة الحضورية 15

القسم الثاني: الشهادة للإقتداء 17

القسم الثالث: الشهادة للشكر 17

نهضة سيد شباب أهل الجنة (علیه السلام) وإقامة الصلاة 19

معاني إقامة الصلاة 20

ص: 177

المعنى الأول: إقامة الصلاة بحدودها 20

المعنى الثاني: إقامة حقيقة الصلاة في المجتمع 21

الخضوع المطلق لله هو جوهر الصلاة 21

مغزى رفض الإمام (علیه السلام) لمعونة أربعة آلاف ملك 22

المعنى الثالث: إقامة الصلاة إقامة للدين 24

ماذا يعني قتل الإمام الحسين (علیه السلام)؟ 26

الفصل الثاني

الإمام الحسين (علیه السلام) وفضح خلفاء الجور/27

فضح الطغاة 29

حقد معاوية على النبي (صلی الله علیه و آله). 30

حسين مني وأنا من حسين 30

مغزى صلاة الإمام الحسين (علیه السلام) وسط المعركة 31

من المسؤول عن صلاة 150 مليون نسمة؟ 32

الإمام الحسين (علیه السلام) يكرّم المعلّم 34

التكريم التصويري المجسّد 35

جائزة نوبل مستوحاة من فعل الإمام الحسين (علیه السلام) 35

العالم العربي في ذيل قائمة البحوث العلمية 36

معنى قوله: (جُدْ قبل أن تتفلت الدنيا) 37

صلاة الإمام الحسين (علیه السلام) يوم الجمعة 39

ص: 178

الفصل الثالث

الإمام الحسين (علیه السلام) وحدود الصلاة/41

الإمام الحسين (علیه السلام) وحدود الصلاة 43

الحدّ الأول: الوضوء 45

كيف علّم الحسنان (علیهما السلام) الشيخ الكبير 45

دروس وعبر من قضية الحسنين (علیهما السلام) 48

الدرس الأول: التعامل بالحكمة والموعظة الحسنة 48

الدرس الثاني: التعاون 48

الدرس الثالث: الرحمة 48

الدرس الرابع: العمل كفريق 49

الدرس الخامس: الإتقان 49

الوضوء ومسارات الطاقة 49

الوضوء والأيونات السالبة 51

الحد الثاني: أداء الصلاة لوقتها 53

الحدّ الثالث: الولاية 55

السر في موقف النبي (صلی الله علیه و آله) 55

الدلالة الأولى: الذهاب إلى بيت أصحاب الكساء عبادة 56

الدلالة الثانية: شدة الحب النبوي للبيت العلوي 57

الدلالة الثالثة: جريمة إيذاء أهل البيت (علیهم السلام) 58

ص: 179

الفصل الرابع

الإمام الحسين (علیه السلام) التجسيد الأسمى والأكمل للصلاة/59

الدلالة الرابعة: العبودية النموذجية 61

الدلالة الخامسة: التفسير العملي للمراد ب(أهل البيت) 62

الدلالة السادسة: وجه تخصيص الخطاب في الآية 63

الدلالة السابعة: الصلاة وأصحاب الكساء هما كجناحي الطائر 65

الدلالة الثامنة: تكريس القداسة المطلقة لأهل البيت (علیهم السلام) 65

الدلالة التاسعة: استراتيجية الصلاة أول الوقت 66

الدلالة العاشرة: المنعكس الشرطي 66

نظرية بافلوف 67

كلمة أخيرة 69

دلالات صلاة الإمام الحسين (علیه السلام) ألف ركعة يومياً 70

عِلَل وحِكَم صلاة الإمام ألف ركعة يومياً 71

الفصل الخامس

الإمام الحسين (علیه السلام) والصلاة في ناشئة الليل/75

الصلاة في ناشئة الليل 77

الجانب الكيفي للصلاة في المدرسة الحسينية 78

لماذا الصلاة في فترة الاسترخاء؟ 79

1: تدفق الميلاتونين وحالة الاسترخاء 79

ص: 180

2: تدفق الكورتيزون ومادة النشاط 80

الصلاة المستحبة أم قضاء حوائج الناس..؟! 82

الإجابة الأولى: العلاقة بالخالق هي المحور الأسمى 82

الإجابة الثانية: لقد كان الأئمة (علیهم السلام) محاصرين 83

الصلاة من أهم مفاتيح الكون 86

صلاة الاستسقاء والتأثير التكويني 86

أ: الصلاة مصدر إشعاع كوني 88

ب: الصلاة تعالج الأمراض الخطيرة 89

ج: الصلاة عامل تطهير الأرض 89

الصلاة والتطبير والانضباط والروح التضحوية 90

والخلاصة هي 91

الفصل السادس

الصلاة عند مرقد الإمام الحسين (علیه السلام)/93

الصلاة عند الإمام الحسين (علیه السلام)

سبب استجابة الدعاء 95

الصلاة عند الإمام الحسين (علیه السلام) تعدل حجة أو عمرة 96

أ ليس هذا غلواً؟ 97

لماذا التفاوت في الأجر؟ 98

هل يعقل أن تعدل الصلاة عنده حجة؟! 99

الأجوبة: القواعد والشواهد والأدلة والفلسفة 99

ص: 181

أولاً: القواعد 99

أ: قاعدة إمكان الغرائب 99

ب: قاعدة لا قياس في الإسلام 100

ج: قاعدة «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ» 101

د: قاعدة «لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ» 102

ه: قاعدة «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ» 102

أ: سورة التوحيد تعدل القرآن كله 103

ب: صيام ثلاثة أيام يعدل سنة! 103

ج: ضربة علي (علیه السلام) يوم الخندق 104

د: الصدقة بالخاتم أو بمليار دينار؟ 104

ه: إطعام ثلاثة أيام أو إهداء سبعة بساتين؟ 105

و: طاقة الانشطار الذري والنووي 105

ثالثاً: الأدلة 106

الدليل الأول: آية المودة 106

البخاري: من لم يدفع الأجر، فالرسول (صلی الله علیه و آله) خصمه 107

والخلاصة 109

الفصل السابع

الإمام الحسين (علیه السلام) والصلاة في حرمه الشريف/111

2: في بيوت أذن الله أن ترفع 113

ص: 182

الشاهد النقلي 114

الشاهد العقلي 115

والحاصل 116

(عمر) يعترف بالولاية التكوينية للائمة الأطهار (علیهم السلام) 117

الأئمة (علیهم السلام) وسائط في عالم التكوين ولا شرك 118

فلسفة الأجر العظيم لزيارة الإمام الحسين (علیه السلام) 121

أ - لتكريس خط الأنبياء (علیهم السلام) 121

ب - كي تتجسد المثل العليا في القدوة الأسمى 123

ج - لإنه تكريم للرسول (صلی الله علیه و آله). 124

الفصل الثامن

الإمام الحسين (علیه السلام) ومعادلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر/127

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 129

1: على كافة الناس الاعتبار 129

2: (اعتبروا) أمر دال على الوجوب 131

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما المفتاح 131

لماذا الفساد المالي الكبير؟ 132

لماذا استمر الاحتلال الإسرائيلي؟ 133

3: مقارنة بين الصلاة والأمر بالمعروف في حياة الناس 133

كيفية استنباط الوجوب من الآية؟ 134

ص: 183

1: لتعليق الحكم على الوصف 135

2: للسياق 137

الحقيقة الرابعة: الفرق بين الأداء والإقامة 138

إحصائية حول أثرياء العالم 139

الرئيس الامريكي يرفض قانوناً لتعويض ضحايا صدام 140

إقامة الدين 142

الفصل التاسع

العلاقة بين الإمام الحسين (علیه السلام) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر/145

أيهما أهم: الهداية أو الإنقاذ؟ 147

الإضاءة الأولى: مصباح الهدى في معرفة الأهم 148

الإضاءة الثانية: باب التزاحم وملاكات الأحكام 149

لماذا مرجعية أهل البيت (علیهم السلام) ؟ 150

الإضاءة الثالثة: (الأحب) بين مملكة العقل ومملكة القلب 152

إخضاع مملكة القلب لسلطان العقل 153

الإضاءة الرابعة: التعليم التفاعلي 155

الناصبي المضلّ أسوأ من الناصبي القاتل 156

نيرون حاكم روما 157

الفصل العاشر 159

الإمام الحسين (علیه السلام) 159

ص: 184

واستراتيجية مواجهة الضلال 159

لماذا (الهداية) أهم من (الإنقاذ)؟ 161

1: لأنها تنقذ الحياة الأبدية 161

2: لأن الانحراف يمهّد لقتل الآلاف 162

3: الفساد العقدي هو أم الفساد 163

الخوارج والإرهابيون نموذجاً 164

معاوية وفكرة الجبر 167

من هو الناصبي؟! 168

الصرب وعصابات الهاغانا من النواصب 168

بعض الموسوعات الإسلامية لم تذكر لفظة (النواصب) 169

الفتح على المستضعفين دفعاً أو رفعاً؟ 171

والخلاصة 172

دعوة للتسلح بالفكر والحجة 172

الفهرس 177

ص: 185

كتب أخرى للمؤلف

1. أضواء على حياة الإمام علي (علیه السلام)، مطبوع.

2. التصريح باسم الإمام علي (علیه السلام) في القرآن الكريم، مطبوع.

3. لماذا لم يصرح باسم الإمام علي (علیه السلام) في القرآن الكريم؟، مطبوع.

4. استراتيجيات إنتاج الثروة ومكافحة الفقر في منهج الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام)، مطبوع.

5. شعاع من نور فاطمة الزهراء (عليها السلام)، دراسة عن القيمة الذاتية لمحبة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، مطبوع.

6. تجليات النصرة الإلهية للزهراء المرضية عليها السلام، مطبوع.

7. لمحات من حياة الإمام الحسن (علیه السلام)، مطبوع.

8. شرعية وقدسية ومحورية النهضة الحسينية (علیه السلام)، مطبوع.

9. المرابطة في زمن الغيبةالكبرى، مطبوع.

10. السيدة نرجس (عليها السلام) مدرسة الأجيال، مطبوع.

11. دروس وعبر من الكلمات القصار من نهج البلاغة، مخطوط.

ص: 186

12. بحوث في العقيدة والسلوك، مجموعة محاضرات على ضوء الآيات القرآنية الكريمة، ألقيت في الحوزة الزينبية وفي النجف الأشرف، مطبوع.

13. إضاءات في التولي والتبري، مطبوع.

14. دروس في أصول الكافي - الجزء الأول كتاب العقل والجهل، مخطوط.

15. كونوا مع الصادقين، بحوث تفسيرية في الآية الشريفة «كونوا مع الصادقين»، مطبوع.

16. لمن الولاية العظمى؟ مطبوع.

17. توبوا إلى الله، مطبوع.

18. شرح دعاء الافتتاح، مخطوط.

19. بصائر الوحي في الإمامة، مطبوع.

20. سوء الظن في المجتمعات القرآنية، مطبوع.

21. مقتطفات قرآنية، مطبوع.

22. مناشئ الضلال ومباعث الانحراف، مطبوع.

23. ملامح النظرية الإسلامية في الغنى والثروة والفقر والفاقة، بحثعن هندسة اتجاهات الفقر والغنى في المجتمع، مطبوع.

24. مقاصد الشريعة و مقاصد المقاصد اللين والرحمة نموذجاً، مطبوع.

25. شورى الفقهاء والقيادات الإسلامية بحث اصولي فقهي على ضوء الكتاب والسنة والعقل ، مطبوع

26. رسالة في قاعدة الإلزام، تقريرات دروس الخارج في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مخطوط.

27. فقه التعاون على البر والتقوى، مطبوع.

ص: 187

28. فقه الخمس، تقرير دروس الخارج في الحوزة العلمية الزينبية، مخطوط.

29. فقه المكاسب مباحث البيع، مخطوط.

30. فقه المكاسب المحرمة - حفظ كتب الضلال ومسببات الفساد، مطبوع.

31. فقه المكاسب المحرمة - مباحث الرشوة، مطبوع.

32. فقه المكاسب المحرمة - حرمة الكذب ومستثنياته، مطبوع.

33. فقه المكاسب المحرمة - رسالة في التورية موضوعاً وحكماً، مطبوع.

34. فقه المكاسب المحرمة - رسالة في الكذب في الإصلاح، مطبوع.

35. فقه المكاسب المحرمة - احكام اللهو واللغو واللعب وحدودها، مطبوع.36. فقه المكاسب المحرمة - رسالتان في النجش والدراهم المغشوشة، مطبوع.

37. فقه المكاسب المحرمة - مباحث النميمة، مخطوط.

38. رسالة في الحق والحكم التعريف والضوابط والاثار، مخطوط.

39. الاجتهاد في أصول الدين، مخطوط.

40. الأصول مباحث القطع، مخطوط.

41. الأوامر المولوية والإرشادية، مطبوع.

42. بحوث تمهيدية في الاجتهاد والتقليد، تقريرات دروس الخارج في الحوزة العلمية في النجف الاشرف، مطبوع.

43. التبعيض في التقليد، مخطوط.

44. تقليد الأعلم وحجية فتوى المفضول، مطبوع.

ص: 188

45. التقليد في مبادئ الاستنباط، مطبوع.

46. الحجة؛ معانيها ومصاديقها، مطبوع.

47. حجية مراسيل الثقات المعتمدة (الصدوق والطوسي قدس سرهما نموذجاً)، مطبوع.

48. رسالة في أجزاء العلوم ومكوناتها، مطبوع.49. رسالة في فقه مقاصد الشريعة، مخطوط.

50. فقه الرؤى، دراسة في عدم حجية الأحلام على ضوء الكتاب والسنة والعقل والعلم، مطبوع.

51. مباحث الأصول، التعادل والتراجيح، مخطوط.

52. مباحث الأصول، رسالة في الحكومة والورود، مخطوط.

53. المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول، مطبوع.

54. المبادئ والضوابط الكلية لضمان الإصابة في الأحكام العقلية، مخطوط.

55. رسالة في نقد الكشف والشهود، مخطوط.

56. نسبية النصوص والمعرفة... الممكن والممتنع، مطبوع.

57. نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة واللغة، مطبوع.

58. مدخل إلى علم العقائد، نقد النظرية الحسية، مطبوع.

59. ملامح العلاقة بين الدولة والشعب، مطبوع.

60. معالم المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي، مطبوع.

61. الخط الفاصل بين الأديان والحضارات، مطبوع.

62. الحوار الفكري، مطبوع.

ص: 189

63. الوسطية والاعتدال في الفكر الإسلامي، مطبوع.

64. قاعدة اللطف، مخطوط.

ص: 190

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.