المسائل المنتخبة

هوية الکتاب

جمَمِيعُ الحُقُوقِ محَفُوظَة

الطَّبعَةُ الثَّانِيَة

مَزِيدَة ومُنقَّحَة

1424ه- / 2003م

النَّجف الأشرف

آيت الله العظمي السيد علاءالدين الموسوي الغريفي دامت برکاتة

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

> وَقُلْ اِعْمَلُوا فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُون < التَّوبة / 105

صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيمُ

عَنْ الإمام الكاظم عَلَيْهِ السَّلاَمُ أنَّه قال: -((تَفَقَّهُوا في دِينِ اللهِ فَإِنْ الفِقْهَ مِفْتَاحُ البَصِيرَةِ وَتَمَامُ العِبَادَةِ وَالسَّببُ إِلى المَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ وَالرُّتَبِ الجَلِيلَةِ في الدِّينِ وَالدُّنيَا، وَفَضْلُ الفَقِيهِ عَلَى العَابِدِ كَفَضلِ الشَّمْسِ عَلَى الكَوَاكِبِ وَمَنْ لَمْ يَتَفَقَّه في دِينِهِ لَمْ يَرْضَ اللهُ لَهُ عَمَلاً ))

تحف العقول / 307

ص: 3

بِسْمِهِ تَعَالَى شَأنُهُ وَلَهُ اَلحَمْد وَالمَجْد

لا بأس بالعمل بهذه الرِّسالة الشَّريفة المختصرة، الملخِّصة لرسالتنا الموسَّعة المسمَّاة ب- (غنية المتَّقين في أحكام الدِّين) مع مراعاة الاحتياط جهد الإمكان، فإنَّه مجز ومبرئ للذمَّة إنشاء الله تعالى.

النَّجف الأشرف

ص: 4

المقدِّمة

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على محمد وآله الطَّاهرين وصحبه المنتجبين، وبعد فهذا دور الجزء الأوَّل من كتاب المسائل المنتخبة من رسالة (غُنية المتَّقين في أحكام الدِّين) وهو الكتاب الثَّاني بعد كتاب المقدِّمات العامَّة من هذه المسائل وهي ما يتعلَّق بالبحث الفتوائي عن ذوات المقدِّمات العامَّة وهي الفروع الدِّينيَّة العشرة المُشار إليها في بداية المقدِّمات وهي (الصَّلاة والصِّيام والحجِّ والزَّكاة والخمس والجهاد والأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر والتَّولِّي والتَّبري) على أن يليه الكتاب الثَّالث الخاص بالمعاملات أو فقل الجزء الثَّاني من جزئي ذي المُقدِّمة وهما العبادات والمعاملات.

وهذه الفروع العباديَّة قد تعارف - فيما بين الفقهاء (رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين) في رسائلهم العمليَّة - تدوين ما يخص الثَّمانية الأولى من المسائل وترك الأخيرين وهما التَّولِّي والتَّبرِّي اعتماداً منهم على تفرُّق بعض مسائلهما في نفس أبواب الرَّسائل الأخرى المشابهة كالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر والجهاد وغيرهما، إلاَّ أنَّنا نحاول أن نذكر بعض ما يناسب ذكره ممَّا يحضرنا حولهما في مقاميهما، ومن الله التَّوفيق.

المؤلِّف

ص: 5

ص: 6

كِتَابُ الصَّلاَة

اشارة

ص: 7

ص: 8

فَضَائِلُ الصَّلاَة

قبل الخوض في بيان الفصول الخاصَّة بالصَّلاة وما يتعلَّق بها من أحكام لابدَّ من ذكر فضائل الصَّلاة ولو على سبيل الإيجاز تيمُّناً بطريقة الفقهاء العظام (قدَّس الله أرواح الماضين وحفظ الباقين) فنقول:

اعلم أيُّها المؤمن إنَّ الشَّارع الأقدس قد اعتنى بالصَّلاة أشدَّ اعتناء وبأكثر من غيرها من العبادات، فجعلها أهمَّ الواجبات والفرائض الشَّرعيَّة في كتابه الكريم والسُّنَّة الشَّريفة، وأوَّل الأركان الَّتي بُني عليها الإسلام لما فيها من فلسفة متنوِّعة عظيمة، إضافة إلى أهميَّة التَّعبُّد بها وإن لم تظهر فيها علَّة أو فلسفة، وقد ذكرنا بعضاً منها في كتابنا مختصر أحكام الصَّلاة، ولذا جعلها عمود الدِّين الَّذي عليه تستقيم أركانه الباقية.

ويكفي في فضلها وأهميَّتها أمور، وعلى الرَّغم من تداخل بعضها مع البعض الآخر فهي كثيرة: -

منها: أن جعل قبول بقيَّة العبادات مرتبطاً بقبولها على لسان نبيِّه صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ فقال (إن قُبلت قُبل ما سواها وإن ردَّت ردَّ ما سواها) لما بين الاثنين من العلاقات الوثيقة والمصيريَّة ورجوع كلِّ الأعمال إلى هذه الصَّلاة لما سيأتي من الأمر الرَّابع.

ومنها: أن جعل مايز ما بين الإسلام والكفر هو تركها لخطورة عدم شكر المنعم بها كما ورد عن الصَّادق عَلَيْهِ السَّلاَمُ (وأن ليس ما بين المسلم وبين أن يكفر إلاَّ أن يترك الصَّلاة).

ومنها: أن جعلها (قربان كل تقي) كما في الخبر المأثور، فتكون حارسة له من مكايد الشَّياطين وكلِّ أذى.

ص: 9

ومنها: أن جعلها [تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ] كما في النَّص الشَّريف، إذ بها لابدَّ أن تقام كافَّة الأحكام الشَّرعيَّة الأخرى والَّتي لو طبِّقت بتمامها كما في الخبر تكون حامية له من كافَّة المكائد والأضرار، ولو لم تكن كذلك ولو بأقل فحشاء أو منكر لكانت مرفوضة، ولذا جعل قبولها محصوراً بحالة التَّقوى المصاحبة لها في قوله تعالى [إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنْ الْمُتَّقِينَ (27)].

ومنها: أن جعلها على المؤمنين كتاباً موقوتاً كما كانت في سابق الأزمنة ليعلم النَّاس نظام الأزمان المطلوب والمحرزة فوائده فيها وفي غيرها.

ومنها: أن جعل الله تعالى بأمره بالمحافظة عليها بأداء تمام أفرادها الخمسة الآتية، حيث قال سبحانه و تعالی ]حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى[، وعلى الأخص حينما ميَّز من بينها الوسطى ولم يُعيِّنها، فتطبيق ذلك كاملاً ضماناً لتحصيل كافَّة ما فيها من خير ومنه الصَّلاة الوسطى.

ومنها: أن جعلها كما عن الصَّادق عَلَيْهِ السَّلاَمُ أنَّه قال ((ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصَّلاة)) حيث أنَّها بالاستمرار عليها مع النِّيَّة والإخلاص التَّامَّين والانصراف بها عن غير الله بالكليَّة وبتحرُّز كامل لابدَّ وأن توصله إلى أرقى المسالك المقرِّبة إلى المولى محمد، ولذا ورد أنَّها ((معراج المؤمن)) فتنجلي له الأمور بسبب ما ذكرناه وبسبب خشوعه الَّذي أحرز فيه هذا الفوز كما قال تعالى [قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)].

ومنها: أن جعلها كما عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((ليس منِّي من استخفَّ بصلاته)).وقال أيضاً ((لا ينال شفاعتي من استخفَّ بصلاته)).

وعن الصَّادق عَلَيْهِ السَّلاَمُ في آخر وصيَّته لأقربائه ((إنَّ شفاعتنا لا تنال مستخفَّاً بالصَّلاة)) وهذه النَّصيحة لا تتم إلاَّ بعد تعقُّل كل ما مضى من قيمها ومقاماتها الرَّفيعة وأداءها بأحسن أداء كما وصفته لنا الأدلَّة الشَّريفة، وبدون ذلك يحصل الاستخفاف إذ لا إخلاص ولا انصراف عن غير الله ، لأنَّ من علامات الاستخفاف هو عدم التَّأنِّي بأدائها والالتذاذ به.

ومنها: أن جعلها مضمونة الصحَّة والقبول إذا سبقت بالطَّهارة لديمومة

ص: 10

نفعها على هذا النَّحو كما في قولهم عَلَيْهِم السَّلاَمُ ((لا صلاة إلاَّ بطهور)) لما قد أحرز أنَّ معانيها السَّامية بقراءة القرآن المفروضة فيها وغيرها لا تتصوَّر إلاَّ بذلك لقوله تعالى على أحد الوجوه الصَّحيحة[لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79)].

ومنها: أن جعلها مضمونة النَّفع إذا قرء فيها القرآن المفروض على الوجه الصَّحيح كما ورد ((لا صلاة إلاَّ بفاتحة الكتاب)) إذ من عرف قيمة فاتحة الكتاب وأدَّاها كما يرام لأمكنه تعظيم هذه الصَّلاة المكتوبة كما ينبغي.

ومنها: ما قد يستفاد منها الرِّياضة الجسميَّة ولكنَّ هذه الفائدة لا يجوز إلاَّ أن تكون تابعة لا متبوعة في القصد العبادي، ولذا فإنَّ ما ورد من المثل (العقل السَّليم في الجسم السَّليم) ما دام الإنسان المكلَّف ملتزماً بهذه العبادة وعلى النَّحو النِّظامي التَّام في جميع محقِّقاتها ومنها ما في المثل فلا شكَّ وأنَّ الفوائد تتحقَّق من أعلى المقاصد العباديَّة فيها وتتبعها صحَّة الجسم.

إلى غير ذلك من الفضائل.

ص: 11

المَقْصَدُ الأَوَّل

في مُقَدِّمَاتِ الصَّلاَة

وهي على قسمين: خارجيَّة وداخليَّة.

فالأوَّل منهما وهي الخارجيَّة، فهي ذات مباحث ستَّة:-

المبحث الأوَّل: في الطَّهارة، وقد تقدَّمت تفاصيلها في كتاب المقدِّمات.

المَبْحَثُ الثَّانِي في المُقَدِّمَةِ الثَّانِيَة

وَهِي أَعْدَادِ الفَرَائِضِ وَنَوافِلَهَا وَمَوَاقِيتِهَا

وَجُمْلَةٍ مِنْ أَحْكَامِهَا

وقد ألحقناها بجزء العبادات هذا لاختصاص الصَّلاة بها دون ما سبق.

وفيه فصول:

الفَصْلُ الأوَّل أَعْدَادِ الفَرَائِضِ وَنَوَافِلِهَا

الصَّلاة قسمان: واجبة ومندوبة:-

أمَّا الواجبة فهي ستَّة:-

1-اليوميَّة، ومنها الجمعة والمقصورة سفراً وصلاة الخوف، ومنها قضاء الإنسان عن نفسه ممَّا فاته.

2- ما يلحق باليوميَّة أيضاً، وهو قضاء الولد الأكبر الذَّكر ما فات والده أو والدته احتياطاً لو ماتا أو مات أحدهما، ويتبعه صلاة الاستئجار لمن عقد عقدها وقبض الثَّمن.

3 - صلاة الآيات.

4 - صلاة الطَّواف.

ص: 12

5 - صلاة الأموات، وقد ذُكرت في كتاب المُقدِّمات إلحاقاً، لكونها بمعنى الدُّعاء ولم تكن بذات الأركان الخاصَّة الحاليَّة المُقبلة ولسبب آخر.

6- ما التزم المكلَّف به بنذر أو شبهه كالعهد واليمين.

أمَّا اليوميَّة: -

فهي خمس، ومنها صلاة الجمعة، وهي ركعتان بدل الظُّهر، وسيأتي الكلام عنها.

الظُّهر أربع ركعات، والعصر كذلك، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء أربع ركعات، وفي السَّفر والخوف تُقصر الرباعيَّة فتكون ركعتين، والصُّبح ركعتان.

(مسألة 1) الظَّاهر أنَّ الصَّلاة الوسطى الَّتي أكَّد عليها القرآن الكريم هي الظُّهر على ما أوضحته بعض الأدلَّة، ولكن لا يعني ذلك جواز التَّساهل في غيرها، لأنَّ الأمر الَّذي صدر بالحثِّ عليها هو نفسه الَّذي أوجب الالتزام بالبواقي، ولعلَّ سر الإخفاء المشهور هو العناية بالجميع.

وأمَّا الأعداد الخمسة الباقية للفرائض من غير اليوميَّة فسوف تأتي بعد اليوميَّة إنشاء الله

تعالى.

وأمَّا النَّوافل فكثيرة، نقتصر على أهمُّها وأفضلها، وهي الرَّواتب اليوميَّة إلحاقاً بالواجبة، وهي:-

ثمان ركعات لصلاة الظُّهر قبل الإتيان بها، وثمان ركعات لصلاة العصر قبل الإتيان بها وبعد الظُهر، وأربع ركعات بعد صلاة المغرب للمغرب، وركعتان من جلوس تعدَّان بركعة من قيام بعد صلاة العشاء للعشاء.

وإحدى عشر ركعة، ثمان منها نافلة الليل، وركعتا الشَّفع بعدها، وركعة الوتر بعدهما، ثمَّ ركعتا الفجر قبل الفريضة (وقت الفجر الكاذب).

وهذه النَّوافل مؤكَّدة ولها أهميَّتها البالغة في النُّصوص القرآنيَّة ونصوص السنَّة الشَّريفة، ولأهميَّة صلاة اللَّيل أنَّها كانت واجبة على النَّبي عَلَيْهِا السَّلاَمُ ثمَّ صارت مستحبَّة مؤكَّدة على الباقين إرفاقاً بهم، ولكن لا ينبغي تركها، بل لا يحق الجفاء

ص: 13

لها بالمرَّة.

ويُزاد في يوم الجمعة أربع ركعات على نافلتي الظُّهر والعصر، وذلك قبيل الزَّوال.

(مسألة 2) الصَّلوات المندوبة الخاصَّة يؤتى بها في الشَّريعة المقدَّسة ركعتين ركعتين كصلاة الصُّبح إلاَّ صلاة الوتر فإنَّها ركعة واحدة، وكذا النَّوافل العامَّة ما عدا صلاة الأعرابي وصلاة فاطمة عَلَيْهِا السَّلاَمُ كما هو مفصَّل في محلِّه.

(مسألة 3) يجوز الاقتصار في النَّوافل على بعضها، كما يجوز الاقتصار في نوافل الليل على الشَّفع والوتر أو على الوتر خاصَّة، وفي نافلة العصر على ست ركعات أو أربع، وفي نافلة المغرب على ركعتين، وكذا لو جعلهما المكلَّف الغفيلة، والمهم عدم التَّهاون بها بالكليَّة كما مرَّ ذكره.

(مسألة 4) المسافر ومن يصعب عليه إتيان نوافل الليل في النِّصف الأخير فضلاً عمَّن لا يقدر على الثُّلث الأخير له أن يأتي بها في النِّصف الأوَّل، ومنه من يكثر دهن رأسه، ويستحب قضاؤها بعد الوقت لو لم يقدر على الأداء كما سيجيء.

(مسألة 5) يجوز الإتيان بالصَّلوات المندوبة جالساً حتَّى في حال الاختيار وإن كان القيام أفضل فيعدل ثواب ركعتين جالساً ثواب ركعة واحدة قائماً، فالأوَّلى لمن أراد إدراك الأفضل في الوتر - مثلاً - أن تتكرَّر منه مرَّتين، وأمَّا المضطر لعدم القدرة تماماً فرحمة الله تتَّسع له إلى حيث ما يتمنَّاه، وكذلك يجوز الإتيان بها حال المشي.

الفَصْلُ الثَّانِي فِي أَوْقَاتِ الفَرَائِضِ

قد بيَّنا أنَّ الصَّلوات اليوميَّة هي خمس كما لا يخفى، لكن لا يخفى أيضاً على المتتبَّع اللَّبيب والمطَّلع الأريب على الآيات القرآنيَّة أنَّها لم خمسة لتلك الصَّلوات المفروضة على نحو التَّفصيل، بل أوردت ثلاثة أوقات في

ص: 14

تورد أوقاتاً بعضها وفي البعض الآخر أربعة، مع وجود تفاصيل أخرى في التَّفاسير لكلِّ المذاهب لم تصل تحقيقاً إلى خمس أوقات بحيث لم يجز بسببها الجمع بين الظُهرين والعشاءين إلاَّ عند بعض لم ينهض من أدلَّتهم قوَّة كافية في وجوب التَّفريق.

فاحتيج إلى الرُّجوع إلى السُّنَّة الشَّريفة الواردة عن طريق أهل بيت العصمة عَلَيْهِم السَّلاَمُ عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ بصورة دقيقة، حيث أنَّها بحسب الإطِّلاع الدَّقيق الصَّحيح لم تذكرأوقاتاً خمسة كالآيات وإن كانت الصَّلوات خمسة وخاصَّة على نحو وجوب التَّفريق بين الصَّلوات كما عليه بعض المذاهب الأخرى، بل يجوز الإتيان مثلاً بين الظُهرين والعشاءين جمعاً وإفراداً كما سيأتي، وإنَّما ذكرتها وحدَّدتها على نحو لا يجوز ولا يصح للمكلَّف إيقاع فريضة - عمداً - في الوقت الخاص وجوباً بالأخرى لا غير، وأمَّا على نحو فضيلة الأداء لتلك الصَّلوات في بعض تلك الأوقات المحدَّدة على ما أوضحناه مفصَّلاً في موسَّعاتنا فلا دلالة على بطلان صلاة الظُّهر وقت فضيلة العصر وإن حرم العكس وحصل البطلان، وكذا لا دلالة على بطلان صلاة المغرب وقت فضيلة العشاء وإن منع العكس.

إذن فالأوقات الرَّئيسيَّة في اليوم والليلة هي ثلاثة (الزَّوال والغروب والفجر) للصَّلوات الخمس، لكل صلاة وقت وجوب - لا يجوز إشغاله بفريضة غيرها - ووقت فضيلة - يمكن فيه إجمالاً ذلك الإشغال -.

بل قد صرَّحت بعض الرِّوايات باستحباب وأفضليَّة الجمع بين الصَّلوات من (الفريضتين) ظهراً وعصراً وكذلك مغرباً وعشاءاً، مضافاً إلى ما ورد في كتب الفريقين بأنَّ النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ جمع حضراً وسفراً وسلماً وحرباً، وقد بيَّنَّا أكثر من بياننا الآن - مع ذكر بعض مصادر من كتب إخواننا العامَّة - فيما يخص الموضوع في كرَّاس (مواقيت الصَّلاة والصِّيام)، وهو ملخَّص لما كتبناه في موسوعتنا الفقهيَّة المسمَّاة ب- (أوقات العبادات والمعاملات ودقائق ضبطها)، وللتَّوضيح أكثر نقول إنَّ الأوقات الثَّلاث هي:-

1- وقت الظُّهرين مشترك ما بين زوال الشَّمس إلى غروبها، ويختص وقت

ص: 15

الظُّهر منهما بمقدار أدائها، والعصر من آخره بمقدار أدائها.

ومعنى الاختصاص هنا هو عدم صحَّة إتيان شريكتها في وقتها الخاص كما مرَّ تعريفه، فلو أتى بصلاة العصر عمداً في الوقت المختص بفريضة الظهر بطلت، وكذا الحال في العكس، ولا مانع من إتيان غير الشَّريكة في ذلك الوقت كصلاة القضاء سواء كان من ذلك اليوم أو غيره من الأيَّام.

(مسألة 6) المراد من الزَّوال هو منتصف النَّهار، يعني ما بين طلوع الشَّمس وغروبها، ويعرف شرعاً بزيادة ظل كل شاخص معتدل بعد نقصانه، أو حدوثه بعد انعدامه حيث تكون الشَّمس في بعض الأماكن عموديَّة، وهذا الانعدام يقع في أغلب الأوقات في المناطق الاستوائيَّة وما يقاربها في بعض الأوقات، وفي بعض الأحيان يقع في الحجاز حيث ينعدم فيها في السَّنة يومان فقط، وهما 28/5 و 15/7.

2- وقت العشاءين مشترك بين الغروب (المغرب الشَّرعي) وبين منتصف الليل هذا للمختار، وأمَّا المضطر لنوم أو حيض ونحوهما فيمتد وقتهما إلى طلوع الفجر، ولكن يختص المغرب من أوَّله بمقدار أدائها، والعشاء من آخره كذلك، بحيث لا يجوز أداء أيِّ صلاة منهما في هذين الوقتين مكان الأخرى.

(مسألة 7) يُعرف المغرب الشَّرعي بذهاب الحمرة المشرقيَّة - على الأحوط وجوباً - بأن تصل الظُّلمة إلى قمَّة الرَّأس - احتياطاً - للمتَّجه إلى ما بين المشرق والمغرب، ولا يكفي غيابقرص الشَّمس واختفائه عن الأنظار، لأنَّه قد يكون من أسباب اختفائها هو الحواجز الطَّبيعيَّة - كالجبال والهضاب - وغيرها كالعمارات والأبنية الشَّاهقة.

(مسألة 8) يُحسب نصف الليل من أوَّل المغرب الشَّرعي (بداية ذهاب الحمرة المشرقيَّة) إلى طلوع الفجر ظاهراً لا إلى طلوع الشَّمس.

(مسألة 9) من أخرَّ صلاة العشاء عن نصف الليل - عمداً - يأتي بها إلى ما قبل طلوع الفجر من غير أن ينوي القضاء والأداء (الفريضة الفعليَّة).

(مسألة 10) قد أشرنا إلى أنَّ من قدَّم صلاة على أخرى في وقتها الخاص

ص: 16

عمداً يكون ذلك موجباً لبطلانها، لكن لو أتى بها سهواً - كمن صلَّى صلاة العصر في الوقت الخاصِّ بالظُّهر - فإن تذكَّر في الأثناء وجب عليه العدول في نيِّته إلى السَّابقة (الظُّهر)، وإن انتهى من صلاته ولم يتذكَّر حكم بصحَّة صلاته وإن كان الأحوط الإعادة فضلاً عمَّا لو صلاَّها ساهياً في الوقت المُشترك.

3- وقت فريضة الصُّبح من حين طلوع الفجر الصَّادق إلى شروق الشَّمس.

(مسألة 11) الفجر الصَّادق هو البياض الَّذي يظهر من جهة المشرق وينتشر في الأفق ويصعد إلى السَّماء، وما قبله يسمَّى بالفجر الكاذب وهو الضَّوء الَّذي لا ينتشر ويخرج مستطيلاً دقيقاً يطلب السَّماء في جانبيه ظلمة ويشبه ذنب السَّرحان وهو ذَنب الذِّئب الأسود، فإنَّ باطن ذنبه أبيض بجانبيه سواد، وهذا لا عبرة به عند المذاهب كافَّة تقريباً كما لا يخفى على المتتبِّع، إلاَّ أنَّه يصح أداء نافلة الفجر فيه عند الإماميَّة ومن تبعهم من بقيَّة المذاهب.

الفَصْلُ الثَّالِث أَوْقَاتِ فَضِيلَةِ الفَرَائِضِ

يستحب مؤكَّداً التَّعجيل بأداء الصَّلوات المفروضة لإدراك فضيلتها، وأفضل أوقات تلك الفضيلة هو ما ذكرناه من الأوقات الخاصَّة بها أوَّلاً فأوَّلاً، وقد يمتد إلى الأوقات المشتركة، وقد تكون هناك أوقات خاصَّة للفضيلة لا للوجوب الَّتي مرَّت كوقت العصر ووقت العشاء الآتي ذكرهما، وهكذا الصُّبح على ما سيأتي، إلاَّ إذا كان التَّأخير أفضل كانتظار صلاة الجماعة، ويمكن تحديد أوقات الفضيلة على السَّاعات المضبوطة في هذا العصر، المطابقة لما حدَّده الفقهاء (أعلى الله مقامهم) من علامات الشَّاخص، وهي: -

(مسألة 12) وقت فضيلة صلاة الظُّهر - إضافة إلى الوقت الخاص لها - من بداية الزَّوال إلى أن يبلغ ظل الشَّاخص المعتدل مثله، وهو بمقدار مضيِّ ساعتين - تقريباً - من الزَّوال.

ص: 17

(مسألة 13) وقت فضيلة صلاة العصر من بداية الزَّوال - بعد استثناء الوقت الخاص للظُّهر منه - إلى أن يبلغ ظل الشَّاخص مثليه، وهو بعد مضي ثلاث ساعات - تقريباً - من الزَّوال.

(مسألة 14) وقت فضيلة صلاة المغرب من أوَّل الغروب (المغرب الشَّرعي) إلى ذهاب الشَّفق في الأفق وهو الحمرة المغربيَّة، وهو بمقدار مضيِّ ساعة - تقريباً - من المغرب.

(مسألة 15) وقت فضيلة صلاة العشاء من أوَّل ذهاب الحمرة المشرقيَّة إلى ثلث الليل.

(مسألة 16) وقت فضيلة صلاة الفجر من بداية الفجر الصَّادق - ويسمَّى الغلس بها - إلى ظهور الحمرة المشرقيَّة الَّتي تظهر في الأفق قبل طلوع الشَّمس، وهو بمقدار مضيِّ ساعة وربع - تقريباً - بعد الفجر.

الفَصْلُ الرَّابِع أَوْقَاتِ نَوَافِلِ الفَرَائِضِ

(مسألة 17) وقت نافلتي الظُّهرين من بداية الزَّوال إلى الغروب وهو آخر وقت الفريضتين معهما، إلاَّ أنَّ نافلة كل فريضة قبل فريضتها من هاتين ولو أخَّر أداء فريضة الظُّهر إلى أن بلغ الظِّل الحادث سبعي الشَّاخص فالأولى تقديم الظُّهر على النَّافلة بنيَّة الأعم من القضاء والأداء للنَّافلة، وكذا الأولى تقديم فريضة العصر على نافلتها لو بلغ الظِّل الحادث أربعة أسباع الشَّاخص على هذا النَّحو.(مسألة 18) يجوز تقديم نافلتي الظُّهرين على الزَّوال في يوم الجمعة، بل في سائر الأيَّام إذا علم بعدم التَّمكُّن من أداءها بعد الزَّوال فيجعلهما في صدر النَّهار.

(مسألة 19) وقت نافلة المغرب بعد الفراغ من المغرب إلى آخر وقت فضيلتها وهو زمان زوال الحمرة المغربيَّة، ولا يبعد امتداد وقت

ص: 18

ها إلى آخر وقتالفريضة من دون نيَّة القضاء والأداء.

(مسألة 20) وقت نافلة العشاء يمتدُّ بامتداد وقت العشاء ممَّا عدا وقتها الخاص.

(مسألة 21) وقت نافلة الفجر هو السُّدس الأخير من الليل وينتهي بطلوع الحمرة المشرقيَّة، كما يجوز دسُّها في صلاة الليل قبل طلوع الفجر، إلاَّ أنَّ الأحوط في الأخير جعلها آخر أعمالها.

(مسألة 22) وقت نافلة الليل هو منتصف الليل إلى طلوع الفجر الصَّادق، وأفضله السُّدس الأخير منه، وهو المسمَّى بالسَّحر.

(مسألة 23) يجوز تقديم صلاة الليل على وقتها وهو منتصف الليل للمسافر والشَّاب الَّذي يُكثر دهن رأسه وغيرهما ممَّن يخاف فوتها إذا أخَّرها إلى وقتها أو صعب عليه إتيانها في وقتها لغلبة النَّوم أو طرأ الاحتلام أو غير ذلك من الموانع.

(مسألة 24) قضاء صلاة الليل أفضل من تقديمها على وقتها.

(مسألة 25) يجوز الإتيان بالصَّلوات المندوبة لمن عليه الفريضة أدائيَّة كانت أم قضائيَّة وبالأخص الَّتي تشجِّعه على التَّشوق للفريضة والالتزام بها ما لم يتضيَّق وقت الفريضة الحاضرة أو الفائتة إذا بدت عنده إمَّارات الموت.

الفَصْلُ الخَامِسِ أَحْكَامُ الأَوْقَاتِ

(مسألة

26) لا تصح الصَّلاة المفروضة قبل دخول وقتها، بل يجب على المكلَّف تحصيل العلم أو الاطمئنان بدخول الوقت قبل الإتيان بفريضته، ويجوز الاعتماد على شهادة عدلين بذلك، بل يكفي شهادة الثِّقة العارف بالأوقات أو أذانه الاعتيادي في صحَّة أوقاته.

(مسألة 27) إذا لم يتمكَّن من تحصيل العلم أو ما بحكمه كشهادة العدلين - لعذر من الأعذار كالغيم أو الغبار الكثيف أو العمى أو السِّجن - فلابدَّ من

ص: 19

تأخير الصَّلاة حتَّى يتيَّقن بدخول الوقت.

(مسألة 28) لو صلَّى محرزاً دخول الوقت بالوجدان أو بطريق معتبر شرعاً ثمَّ انكشف أنَّها وقعت بتمامها قبل الوقت فصلاته باطلة ووجب إعادتها، وكذا لو تبيَّن دخول الوقت وهو في أثناء الصَّلاة، أمَّا في الأماكن الَّتي يطول فيها الليل مثلاً إلى ما يصلِّ في ساعاته إلى الأيَّام والليالي المتمادية أو أكثر كما في بعض البقاع من المعمورة بحيث أوجب ذلك توزيعها إلى أوقات صلوات خمس لكلِّ أربع وعشرين ساعة من ذلك اللَّيل المتمادي بلا إمكان علاج آخر فالصَّلوات تكون صحيحة وإن كانت نهاريَّة وهكذا ما يطول فيه النَّهار فالصَّلاة فيه صحيحة حتَّى لو كانت صلاة العشاءين، وإن كان بالإمكان الهجرة إلى ما يقرب من النِّظام المعتدل ولو في الجملة فهو واجب.

(مسألة 29) من صلَّى فريضة في وقتها الأدائي ثمَّ سافر إلى بلد آخر بعد انتهاء الوقت في بلده وعند وصوله عرف بأنَّ الوقت الَّذي كان في بلده صار حادثاً في هذا البلد الثَّاني فلا داعي إلى أن يعيد صلاته إلاَّ على النَّحو الاحتياطي الاستحبابي.

(مسألة 30) لو صلَّى غافلاً - عن وجوب تحصيل العلم في دخول الوقت - فإن تبيَّن بعد فراغه دخول الوقت قبل الصَّلاة أجزأت، وإلاَّ فصلاته باطلة، سواء وقعت بتمامها قبل الوقت أو وقع بعض أجزائها في داخل الوقت، وكذا الحكم لو صلَّى برجاء دخول الوقت.(مسألة 31) لو صلَّى معتقداً بدخول الوقت، وفي الأثناء تبدَّل إعتقاده إلى الشَّك فيه فصلاته باطلة لوجوب الإحراز مسبقاً.

(مسألة 32) لو أخَّر صلاته - لعذر أو لغيره - فإن كان الوقت كافياً ولو بمقدار ركعة صلاَّها بنيَّة الأداء وإن كان آثماً بتأخيرها لو لم يكن لعذر شرعي كالحيض.

(مسألة 33) لو بقي من الوقت ما يسع لخمس ركعات من الرُّباعيَّتين صلَّى الظُّهر والعصر، أو بقي ما يسع أربع ركعات من الثُّلاثيَّة والرُّباعيَّة صلَّى المغرب

ص: 20

والعشاء أداءاً، أمَّا لو كان الوقت كافياً لأقل من ذلك صلَّى العصر أو العشاء أداءاً وبعد ذلك يصلِّي الظُّهر أو المغرب قضاءاً، وكذا الحال للمقصَّر في السَّفر فيما لو أخَّر صلاته بالنِّسبة إلى ما يتناسب مع عدد ركعات صلاته.

(مسألة 34) لو اعتقد ضيق الوقت فقدَّم العصر أو العشاء ثمَّ علم ببقاء الوقت بمقدار ركعة فإن كان في الأثناء وأمكن العدول إلى السَّابقة وجب ذلك ثمَّ يصلِّي اللاحقة أداءاً، وإلاَّ أكمل صلاته ثمَّ يصلِّي الظُّهر أو المغرب فوراً بنيَّة الأداء، ولكن هذه حالة قد تكون نادرة في باب القواعد سببها الاشتباه أو الارتباك مع بقاء الوقت واقعاً، وإن اختصَّ بالعصر أو العشاء.

(مسألة 35) من لم يعلم مسائل الصَّلاة كالشُّكوك وأحتمل الابتلاء بها في الصَّلاة وجب عليه تأخير أدائها لأجل تعلُّم تلك المسائل ما لم تتوفَّر الجماعة، نعم لو اطمئنَّ بعدم الابتلاء وصلَّى في أوَّل الوقت فصلاته صحيحة.

(مسألة 36) إذا كان الوقت واسعاً وعليه دين مطالب به فإن أمكن أداء الدِّين قدَّمه على الصَّلاة، وكذا لو كان عليه واجب أهم كتطهير المسجد من النَّجس، نعم لو صلَّى في هذه الحالة فصلاته صحيحة وإن كان آثماً بتركه للعمل المذكور ممَّا يحوجه إلى التَّوبة والاستغفار.

(مسألة 37) المكلَّف الواجد لتمام شرائط التَّكليف إذا لم يأت بالفريضة الاختياريَّة بعد دخول وقتها ثمَّ طرأ عليه - في أثنائه - أحد موانع التَّكليف كالجنون والإغماء والحيض ونحوها وجب عليه القضاء خارج الوقت بعد ارتفاع المانع آنذاك وإن كانت تلك الموانع بادية من الأوَّل إلى الأخير فلا يجب القضاء.

(مسألة 38) يجوز تقديم الصَّلاة في أوَّل وقتها لذوي الأعذار - كالصَّلاة جالساً للمُقعد - مع اليأس عن ارتفاع العذر إلى آخر الوقت، ولو ارتفع العذر في داخل الوقت وجبت الإعادة، إلاَّ في موارد وجوب التَّقيَّة كالتَّكفير حتَّى مع العلم بزوالها في داخل الوقت، فيجب عليه الإسراع لو استوجب ولا تجب الإعادة بعد ذلك.

(مسألة 39) إذا بلغ الصَّبي في أثناء الوقت ولو بمقدار ركعة وجبت عليه

ص: 21

الصَّلاة، ولو صلَّى قبل البلوغ ثمَّ بلغ في داخل الوقت فهي وإن كانت صحيحة منه ولكن أجزاؤها غير حاصل والواجب فيه إعادتها ما دام الوقت باقياً، وكذا الحال لو بلغ أثناء الصَّلاة إلاَّ مع ضيق وقتها فإنَّ الأخيرة أقرب في صحَّتها إلى براءة الذمَّة والاحتياط بالقضاء فيه استحبابي والأداء مع سعة الوقت وجوبي.

فُرُوعٌ لِذَوَاتِ الأَوْقَاتِ

في المقام فروع خاصَّة تضمَّنت كيفيَّات العدول مقدِّمة لحالاته الَّتي سوف تأتي وهي: - (مسألة 40) يجب على المكلَّف ملاحظة التَّرتيب بين الصَّلوات اليوميَّة بأن يصلِّي الظُّهر قبل العصر والمغرب قبل العشاء، فلو عكس التَّرتيب متعمِّداً وجب عليه الإعادة سواء في الوقت الخاص أو الوقت المُشترك كما تقدَّم، ولو قدَّمها سهواً وتذكَّر في الأثناء وجب العدول منها إلى سابقتها على ما سيأتي ص (55) مع الاحتياط بالإعادة وبالأخص ذوات الأوقات الخاصَّة وقد تقدَّم في المسألة (10).

(مسألة 41) لا يجوز العكس في العدول في أثناء الصَّلاة بأن يعدل إلى العصر أو العشاء فيما إذا صلَّى الظُّهر أو المغرب وتذكَّر في الأثناء أنَّه قد صلاَّهما، بل عليه الإعادة بنيَّة العصر أو العشاء.(مسألة 42) لو صلَّى فريضة وتيقَّن في الأثناء بعدم إتيان سابقتها فعدل إليها ثمَّ تذكَّر في نفس الصَّلاة بإتيانها فإن أتى بجزء ركني - كالرُّكوع والسَّجدتين - بقصد الصَّلاة السَّابقة بطلت هذه الصَّلاة، وإن لم يكن جزءاً ركنيَّاً تخيَّر بين قطعها وإعادتها من جديد وبين إتمامها ثمَّ الإعادة على الأحوط، كما لو صلَّى عصراً ثمَّ عدل إلى الظُّهر متيقِّناً بعدم إتيانها ثمَّ تذكَّر أنَّه كان متوهِّماً وأنَّه أتى بها.

(مسألة 43) يشترط في جواز العدول من الرُّباعيَّة (العشاء) إلى الثُّلاثيَّة (المغرب) أن لا يدخل في ركوع الرَّكعة الرَّابعة، فإن دخل فيه وكان الوقت موسَّعاً بطلت صلاته ولزم استئنافها من جديد بعد المغرب، سواء كان عن عمد

ص: 22

أو سهو وإن لم يدخل فيه وكان ساهياً في نيَّته أمكنه العدول إلى المغرب مع الالتزام بالعشاء بعد ذلك، أمَّا في حالة ضيق الوقت فيتمُّها عشاءاً ثمَّ يصلِّي المغرب قضاءاً، وكذا الحكم في ضيق الوقت بالنِّسبة للظُّهرين.

(مسألة 44) لو شكَّ في صلاة العشاء - بعد الدُّخول في ركوع الرِّكعة الرَّابعة - في أنَّه صلَّى المغرب أو لا أتمَّ صلاته عشاءاً ثمَّ يصلِّي فريضة المغرب وبعدها يصلِّي أربع ركعات بقصد ما في الذمَّة على الأحوط.

(مسألة 45) لو أعاد المكلَّف الصَّلاة ثانياً احتياطاً وفي الأثناء التفت إلى عدم إتيان الصَّلاة السَّابقة عليها فلا يصح العدول إليها، كمن صلَّى فريضة العصر مرَّة ثانية احتياطاً فتذكَّر بعدم إتيان صلاة الظُّهر فلا يصح له العدول إليها لكونها احتياطيَّة.

ص: 23

المَبْحَثُ الثَّالِثِ فِي المُقَدِّمَةِ الثَّالِثَةِ (القِبْلَة)

من المقدِّمات الخارجيَّة للصَّلاة القبلة كما مضى وألحقت بالعبادات لقربها من الصَّلاة أكثر من غيرها لأنَّها عمود الدِّين ثمَّ هكذا غيرها ممَّا يتعلَّق بها.

وهي المكان الواقع فيه البيت الشَّريف (الكعبة) زادها الله

شرفاً داخل المسجد الحرام، والمعروف أنَّها من تخوم الأرض إلى عنان السَّماء، بل هي الوسط الخاص في دحو الأرض الَّذي هو خلقها من تحت الكعبة كما في الرِّواية الشَّريفة المأثورة حول ذلك، وهي المقصود سعياً لها واتِّجاهاً إليها من قبل كل أبناء المعمورة في مجالات ذلك العديدة الَّتي سوف تتَّضح في أبواب الفقه الخاصَّة ونؤخِّرها إلى المسألة الآتية.

(مسألة 46) يجب استقبال القبلة حال الصَّلاة وحال الاحتضار وحال صلاة الجنائز وحالة الدَّفن وحال تذكية الحيوان، بل يجب أو يستحب أمُّ البيت حجَّاً واعتماراً في مجاليهما، كما يحرم استقبالها أو استدبارها حالة التَّخلي على ما يأتي تفصيله عن جميع ذلك في مواضعه المناسبة في كل منها.

(مسألة 47) يجب على من كان موجوداً في المسجد الحرام استقبال عيَّن الكعبة - في الفرائض كلِّها يوميَّة كانت أو غيرها، وكذلك في النَّوافل وتوابع الصَّلاة من الأجزاء المنسيَّة وصلاة الاحتياط حتَّى سجود السَّهو أيضاً على الأحوط وجوباً ما عدا سجود آيات السَّجدة الأربع -، وأمَّا من كان بعيداً فيكفي استقبال جهة الكعبة بحيث يقال إنَّه متوجِّه إلى القبلة عرفاً، فمن كان في مكَّة فقبلته المسجد، ومن كان في المدن الخارجة عنها فقبلته مكَّة وهكذا يتَّسع الأمر كلَّما حصل ابتعاد أكثر، بل يمكن إحراز الاتِّجاه واقعاً إلى العين عن طريق ضبط العلامات الشَّرعيَّة والإمارات الأخرى المؤدِّية مؤدَّاها وبمعونة كون

ص: 24

جبهة المصلِّي الَّتي تصل إلى نصف الدَّائرة ممَّا لابدَّ أن توصل المتَّجه إلى العين ولو كان اتِّجاهه إليها في الجملة لا في التَّفصيل.

(مسألة 48) لا يشترط استقبال القبلة في النَّوافل حالتي المشي والرُّكوب، وإن كان الأحوط استحباباً إحراز تكبيرة الإحرام إليها أوَّلاً ثمَّ يتحرَّر المصلِّي في الباقي.

(مسألة 49) يجب على المصلِّي الواقف التَّوجُّه إلى القبلة بمقاديم بدنه من الوجه والصَّدر والبطن حتَّى مقدَّم الرِّجلين، والأحوط الاستحبابي أن يستقبل القبلة بأصابع رجليه بالمتعارف، بل لا يجوز له أن يحرِّف الأصابع عن القبلة أزيد من المقدار المعتاد.

(مسألة 50) يلزم المصلِّي جالساً حالة وضع باطن قدميه على الأرض أن يستقبل القبلة بالوجه والبطن والسَّاقين.

(مسألة 51) من لم يتمكَّن من الصَّلاة جلوساً صلَّى مضطجعاً على الجانب الأيمن ويتوجَّه إلى القبلة بمقاديم بدنه (كالمدفون)، وإذا لم يتمكَّن من ذلك اضطجع على الجانب الأيسر واستقبل القبلة بمقاديم بدنه، ومع عدم التَّمكُّن من ذلك صلَّى مستلقياً على ظهره ويستقبل بباطن قدميه كالمحتضر بحيث لو جلس لكان مُقابلاً لها.

(مسألة 52) يجب إحراز التَّوجُّه إلى القبلة ولو بالعلم الوجداني إن أمكن كحالة القرب، أو الاطمئنان حتَّى من بعض القواعد العلميَّة إذا وافقت ما يفيده الشَّرع الشَّريف لو لم يمكن ذلك العلم الوجداني كما في حالة البعد، ولمَّا لم يكن ذلك حاصلاً غالباً فلابدَّ من الاطمئنان إمَّا بقيامالبيِّنة، بل بإخبار الثِّقة ولو كان فاسقاً أو كافراً لو لم يمكن تحصيل البيِّنة وإلاَّ لضاع الواجب، أو بقبلة بلد المسلمين في صلواتهم ومحاريبهم وقبورهم ومسالخهم، ومع تعذُّر ذلك كلِّه يجتهد في تحصيل المعرفة بها، ويعمل بما حصل له منها كالتَّعرُّف عليها بواسطة

ص: 25

الجدي إن أمكن ضبطه بجعله خلف المنكب الأيمن(1) لمن كان ما بين الشَّرق والغرب بالنِّسبة إلى أهل العراق من بلدانه الوسطى باتِّجاه الجنوب كالكوفة والنَّجف وبغداد ونحوها، والأحوط أن يكون في غاية ارتفاعه وانخفاظه، والأولى كونه خلف الأذن وفي البصرة وغيرها من بلاد الشَّرق في الأذن اليمنى وكذلك في صنعاء اليمن، وفي الموصل ونحوها من البلاد الغربيَّة بين الكتفين، وخلف الكتف الأيسر بالنِّسبة إلى أهل الشَّام، ووسط ما بين العينين بالنِّسبة إلى عدن، ومن ذلك إذا كانت الشَّمس واصلة في حالة الزَّوال إلى طرف الحاجب الأيمن ممَّا يلي الأنف في حالة انعدام الظِّل ممَّا ذكرناه في آخر مسألة 6 من ص (15) من الوقتين الحاصلين في الحجاز.

ولو افتقد التَّعيين الدَّقيق أو ما يشبهه وعرف ما بين الشَّرق والغرب وإلى نحو الجنوب مثلاً كما في بعض بلداننا الاعتياديَّة اكتفى بذلك إذا لم يعرف الأكثر من ذلك بالدقَّة كبعض حالات الفلكيَّات الظَّنيَّة أو البوصلات المقاربة، ولو لم يحصل له حتَّى ذلك فالأحوط أن يصلِّي إلى الجهات الأربع مع سعة الوقت والقدرة، ولو ضاق الوقت أو عجزت قدرته اختار الظَّنيَّات المعتبرة ممَّا يكفي كذلك، ولو لم يعرف بذلك أي جهة كفته أي جهة تكفيه من ذلك ولو واحدة، هذا ويستحب التَّياسر لأهل العراق.

وأمَّا العتبات المُقدَّسة المعروفة فيه فلا داعي إلى التَّيامن الكثير فيها - المبني على البوصلات الَّتي ثبت اختلاف بعضها عن البعض الآخر - ممَّا أثبت عدم مصداقيَّة أكثرها إلاَّ ما طابق أو قارب دلائلنا الشَّرعيَّة للقبلة من ذلك، وكذا غيرها من بعض الخرائط لعدم ابتناءها على التَّدقيق الشَّرعي، بل في ذلك ضير لكون الانحراف اليسير هندسيَّاً على غير الهدى الشَّرعي يؤثِّر تجاوزاً كثيراً عن ناحية القبلة المتَّجه إليها فضلاً عن التَّيامن الكثير، فلو لم يلتزم فيها بما تعارف قديماً وحديثاً ومن الأكابر علماً وعملاً ولو بالتَّيامن الجزئي المسموح به والتزم

ص: 26


1-

بالتَّيامن الكثير لبان الفرق التَّجاوزي العظيم عن سمت الكعبة أو جهتها بما لا يمكن تحمُّله في العبادات المشروطة بجهة الكعبة فضلاً عن عينها، ولو فرض وجوب مطاوعة قرار بعض أهل الفقاهة على ذلك الكثير من قبل مقلِّديهم فإنَّه لم يكن ذلك بواجب عليهم، لأنَّه لا تقليد في الموضوعات لإمكان كون بعض المقلِّدين لهم لهم دقَّة هندسيَّة وفلكيَّة مهمَّة فضلاً عن غير المقلِّدين لهم.

إضافة إلى ما قد مرَّ من استحباب التَّياسر العام المساعد على ذلك.

بل إضافة إلى أنَّ دورة الجبهة توصل المتَّجه لا محالة إلى الهدف كما مرَّ، وأنَّ عمليَّة تركين زوايا الحرم المحيط بتلك الأضرحة قديماً كانت بإشراف وعلم حتمي من أعلام السَّلف الصَّالح وبتطبيق حتَّى هذا الحين من قبل الأكثر، نعم يبقى الجزئي هو مورد الاحتياط، ولنا بحث في المفصَّلات فلتقصد هناك.

(مسألة 53) إذا اطمأنَّ بأنَّ القبلة في جهة معيَّنة وصلَّى نحوها ثمَّ تبيَّن الخطأ فإن كان منحرفاً إلى ما بين اليمين والشَّمال لا إلى أحدهما حادَّاً حكم بصحَّة صلاته، ولو التفت أثناء صلاته صحَّ ما سبق ويجب الاستقبال في الباقي من غير فرق في ذلك بين بقاء الوقت وعدمه ولا بين المتيقِّن والظَّان والنَّاسي والغافل.

وإن كان انحرافه أزيد ممَّا بين اليمين والشَّمال وجبت الإعادة في الوقت والقضاء فيخارجه، فضلاً عمَّا لو استدبر القبلة سواء التفت أثناء الوقت أو خارجه.

(مسألة 54) إذا لم يتحقَّق العلم (اليقين) في غير الصَّلاة - كالتَّذكية - كفى حصول الظَّن، وإن لم يحصل له حتَّى الظَّن عمل إلى أيِّ جهة شاء عند الضَّرورة لا غير مع التَّسمية كما سيأتي في بحث التَّذكية في الجزء الَّذي يلي هذا الجزء.

(مسألة 55) لا يجوز الإلتفات أثناء الصَّلاة اختياراً يميناً ويساراً فضلاً عن الاستدبار وهو ما يوجب بطلان الصَّلاة كذلك وإن بدا متَّجهاً.

(مسألة 56) لو ضاق الوقت وهو في الباخرة أو الطَّائرة أو القطار ولم يمكنه الوقوف أو استمرار الاتِّجاه الحقيقي كفى الميسور في مثل هذه الضَّرورة.

(مسألة 57) الصَّلاة في المراكب الفضائيَّة خارج أجواء المعمورة وكذا على

ص: 27

القمر ونحو ذلك ممَّا يمكن فيه بقاء التَّكليف يجب الاتِّجاه فيها وفي غيرها ممَّا يجب من الأمور الأخرى إلى وسط المعمورة مهما أمكن أو ما عرفت به البوصلات المضبوطة ولو ظناً أكثر من غيرها مع عدم التَّركيز من غيرها على شيء مفيد.

ص: 28

المَبْحَثُ الرَّابِع فِي المُقَدِّمَةِ الرَّابِعَةِ (السَّتْر وَالسَّاتِر)

وهي من المقدِّمات الخارجيَّة، وألحقناها بهذا الجزء لشدَّة علاقتها بالصَّلاة أكثر من غيرها لشدَّة قيود ذلك فيها ثمَّ بالاعتكاف ثمَّ بالحجِّ والعمرة، وفيه فصول:-

الفَصْلُ الأَوَّل فِي بَيَانِ السَّتْر وَمَا يَجبُ سَتْرُهُ فِي الصَّلاَة

(مسألة 58)

يجب على المكلَّف المختار ذكراً كان أو أنثىستر العورة حال التَّخلِّي ممَّا مرَّ ذكره في جزء المقدِّمات كذلك يجب في

الصَّلاة - وجميع توابعها من الأجزاء المنسيَّة وركعات الاحتياط وسجود السَّهو على الأحوط وجوباً - سواء كانت فريضة أو نافلة حتَّى صلاة الجنائز على الأحوط وجوباً كما مرَّ، وسواء أمن من النَّاظر المحترم - بأن كان في ظلمة - أو لم يأمن، بل قد يجب ستر العورة من تحت أيضاً كما إذا أحتمل أنَّ هناك ناظر من شبَّاك تحت المصلِّي.

(مسألة 59) عورة الرجل - في حرمة النَّظر إليها وحرمة إبدائها - القضيب والدبر والأنثيان (البيضتان)، لكن الأحوط أن يستر ما بين السُّرَّة والرُّكبة أيضاً.

وعورة المرأة - في وجوب سترها - جميع بدنها حتَّى الرَّأس والشَّعر عدا الوجه - بالمقدار الَّذي يجب غسله في الوضوء - والكفَّين إلى الزَّندين، والقدمين إلى مفصل السَّاقين ظاهريهما وباطنهما وإن حرم النَّظر إليها كذلك، ولابدَّ من ستر شيء ممَّا هو خارج عن الحدود من باب المقدِّمة للاطمئنان عليها ممَّا يحرم

ص: 29

إبداؤه.

(مسألة 60) لو التفت بعد الصَّلاة إلى أن عورته كانت ظاهرة بسبب الرِّياح العاصفة أو لغفلة فصلاته صحيحة، أمَّا لو التفت إليها في أثناء صلاته أو كانت ظاهرة من الأوَّل واسنمرَّ ذلك أثناءها وهو لا يعلم، أو كان جاهلاً بأنَّ السَّتر واجب على المصلِّي وجب عليه إعادة الصَّلاة كما لو كان عامداً على الأحوط وجوباً في حالة الجهل التَّقصيري بالحكم.

(مسألة 61) الأمة والصَّبيَّة (غير البالغة) كالحرَّة والبالغة في ذلك إلاَّ في الرَّأس والشَّعر والعنق فلا يجب عليهما سترها كالأمة أمام مالكها الشَّرعي - ومن سمح له بذلك من الآخرين - والصبيَّة لصغر سنِّها وإن رجح تعويدها على ما يجب على المكلَّفات أمام الآخرين ممَّن يجب التَّحجُّب أمامهم أثناء الصَّلاة أو غيرها.

الفَصْلُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ السَّاتِر (لِبَاسُ المُصَلِّي)

(مسألة 62) يشترط في لباس المصلِّي أمور ستَّة، وهي:- الأوَّل: الطهارة، عدا ما لا تتم فيه الصَّلاة منفرداً وما عفي عنه في الصَّلاة، وقد تقدَّم تفصيل الكلام عنها في أحكام النَّجاسات.

الثَّاني: الإباحة، فلا تجوز الصَّلاة في الثَّوب المغصوب، بل في الثَّوب المشتمل على خيط مغصوب كذلك أو أزرار مغصوبة أو غير ذلك إلاَّ أن يكون مضطرَّاً - كحفظ النَّفس مثلاً أو لأجلأن لا يسرق - أو كان ناسياً أو جاهلاً بالغصبيَّة أو جاهلاً بالحرمة جهلاً قصوريَّاً أو تقصيريَّاً عن غير التفات.

(مسألة 63) لو علم بحرمة اللبس فقط وصلَّى متعمِّداً فصلاته باطلة حتَّى إذا لم يعلم ببطلان الصَّلاة فيه، لكون النَّهي في العبادات موجب للبطلان ولو نوعاً.

ص: 30

(مسألة 64) إذا علم أو تذكَّر في أثناء الصَّلاة بغصبيَّة لباس الصَّلاة، فإن كان له ساتر آخر مباح وتمكَّن من نزع الثَّوب المغصوب فوراً أو بنحو لا يخل بالموالاة وجب النَّزع وصحَّت صلاته، وأمَّا إذا لم يكن له ساتر آخر أو لم يتمكَّن من نزع الثَّوب أو كان ذلك يخل بالموالاة وجب عليه قطع الصَّلاة والإتيان بها في المباح إن كان الوقت موسَّعاً ولو بمقدار ركعة، وإلاَّ وجب نزع الثَّوب وإتمام الصَّلاة عارياً عاملاً بوظيفة العراة - كما سيأتي - إذا لم يوجب النَّزع الإخلال بالموالاة، وإلاَّ فتصح صلاته في ذلك الثَّوب.

(مسألة 65) لا فرق في مغصوبيَّة اللباس بين كونه عين المال المغصوب أو منفعته كالثَّوب المستأجر أو كان متعلِّقاً لحق الغير كالمرهون أو الَّذي تعلَّق به الخمس أو الزَّكاة كما إذا اشترى بمال فيه خمس أو زكاة ولم يؤدَّيا من مال آخر، وكذا لو مات وذمته مشغولة بخمس أو زكاة أو ردِّ مظالم أو غيرها بمقدار استوعب التَّركة، فإنَّ أمواله بمنزلة المغصوب لا يجوز التَّصرف فيها إلاَّ بإذن الحاكم الشَّرعي، وكذلك في حق الميِّت إذا أوصى بالثُّلث ولم يستخرج بعد أو مات وله وارث قاصر لم ينصب عليه قيِّم، فإنَّ التَّصرف في تركته وقتئذ يحتاج إلى مراجعة الحاكم الشَّرعي.

الثَّالث: أن لا يكون من أجزاء الميتة الَّتي تحلُّها الحياة، سواء كانت ميتة حيوان محللَّ الأكل أو محرَّمه، وسواء كانت لها نفس سائلة أو لا كالسَّمك والحيَّة على الأحوط وجوباً.

(مسألة 66) لا يجوز حمل شيء من أجزاء الميتة الَّتي تحلُّها الحياة في الصَّلاة كالجلد.

(مسألة 67) لا بأس في اللباس المتَّخذ من أجزاء الميتة الَّتي لا تحلُّها الحياة كالشَّعر والصُّوف إذا كان من حيوان مأكول اللَّحم، وكذا إذا حمل شيئاً من ذلك.

الرَّابع: أن لا يكون من أجزاء ما لا يؤكل لحمه حتَّى فيما إذا كان طاهراً

ص: 31

كالمذكَّى سواء كان ممَّا تحلُّه الحياة أم لا كشعرة الهرَّة، وسواء كان من ذي نفس سائلة أو لا، وسواء كان ممَّا تتم فيه الصَّلاة أم لا، وسواء كان ملبوساً أو محمولاً.

(مسألة 68) لابدَّ من ترك ما يصيب ثوب المصلِّي أو بدنه من لعاب ما لا يؤكل لحمه أو رطوبة أخرى منه وإن كان طاهراً ما دام رطباً، بل ويابساً إذا كان له عين وأثر.

(مسألة 69) إذا شكَّ في اللِّباس أو فيما على اللِّباس من الشَّعر أو الرُّطوبة هل أنَّه من مأكول اللحم أو من غيره أو من الحيوان أو من غيره صحَّت صلاته فيه، سواء كان من بلاد إسلاميَّة أو من غيرها، مع الاحتياط في الصُّورة الأخيرة إذا كانت قلَّة مأثِّرة في نسبة الجاليات الإسلاميَّة عدداً هناك، لقوَّة احتمال عدم التَّذكيات الشَّرعيَّة هناك.

(مسألة 70) إذا صلَّى في لباس غير مأكول اللحم جهلاً بالموضوع أو بالحكم جهلاً قصوريَّاً (يعذر فيه) أو كان ناسياً فصلاته صحيحة، أمَّا إذا كان جهله جهلاً تقصيريَّاً وجبت إعادتها، إذا كان مع الإلتفات.

(مسألة 71) لا بأس بالصَّلاة في شيء من أجزاء الحيوانات الَّتي لا لحم لها كالبق والبرغوث والنَّمل والقمَّل، وكذا فضلات الإنسان ولبنه وريقه وشعره حتَّى الواقعة عليه من غيره مع الاحتياط الاستحبابي بالتَّحفُّظ منه في سعة الوقت وعدم الإحراج، وكذا الشَّمع والعسل والحرير الممزوج، كما لا بأس بالشَّعر غير الموصول (الباروكة)، سواء كان من المرأة أو الرجل مع الاحتياط الاستحبابي بالاجتناب عنه في سعة الوقت وعدم الإحراج أيضاً، أمَّا الموصول فالأحوط وجوباً التَّخلُّص منه في أداء الفرائض إذا كان من أيِّ ما لم يؤكل لحمه - ماعدا شعر محلَّل الأكل - لما يشكل أمر استعماله في روايات فيها عموم وإطلاق وإن أعتمد عليها البعض في باب حرمة التَّدليس، والأمر مفصَّل في محلِّه.

(مسألة 72) الصَّدف جزء من حيوان غير مأكول اللحم فلا يجوز الصَّلاة

ص: 32

في أجزائه، نعم لو شكَّ في كون الأزرار (الدُّكم) من ذلك الحيوان أو من غيره صحَّت صلاته.

(مسألة 73) لا بأس بالصَّلاة في جلد الخز الخالص، وأمَّا في تحقُّق ما يسمَّى الآن خزَّاً إشكال مقتضاه الاحتياط، والأحوط وجوباً كذلك ترك الصَّلاة في جلد السِّنجاب ووبره.

الخامس: أن لا يكون منسوجاً من الذَّهب للرِّجال فقط كخياطة العباءة بما يسمَّى ب- (الكلبدون الذَّهبي)، وكذا لو كان حلياً - كالخاتم والسِّلسلة والسَّاعة اليدويَّة -، بل حتَّى لو كان جزءاً من اللباس - كالأزرار الذَّهبيَّة الخالصة، أو الممتزجة بغيره كالنَّظَّارة إذا كان إطارها من الذَّهب - على الأحوط وجوباً، نعم المذهَّب بالتَّمويه والطَّلي على ما يعد لوناً فقط لا بأس به، وكذا تجوز الصَّلاة فيما يسمَّى ب- (البلاتين) حتَّى لو كانت قيمته أغلى من الذَّهب ما لم يكن أساسه من الذَّهب الأصفر، ويجوز ذلك كلُّه للنِّساء، بل الأفضل لها التَّحلِّي بالذَّهب في الصَّلاة.

(مسألة 74) حرمة لبس الذَّهب للرِّجال ليس مختصَّاً في حال الصَّلاة، بل يحرم عليه لبسه حتَّى في غيرها على نحو يصدق عليه عنوان اللبس عرفاً بأن يكون الملبوس محيطاً باللابس أو بجزء منه كتعليق السِّلسلة الذَّهبيَّة (الزَّنجيل) على الرَّقبة أو على اللِّباس أو في أعلى جيب السَّاعة.

(مسألة 75) لا بأس بحمل الذَّهب للرِّجال كالسَّاعة الذَّهبيَّة في الجيب والدَّنانير وغيرهما ممَّا لا يعد عرفاً لبساً.

(مسألة 76) تركيب الأسنان الاصطناعيَّة من الذَّهب ولبسها في المقدِّمة للرِّجال إن صدق التَّزيُّن به عرفاً حرام وتبطل الصَّلاة به وإن لم يقصده، أمَّا شد الأسنان بالذَّهب أو جعل الأسنان الداخليَّة منه بلا أن يصلح أن يكون له بديل من محلَّل مع الحاجة فلا بأس به لعدم صدق التزين به عرفاً وللإضطرار، هذا إذا كان في الأمور الثَّابتة.

ص: 33

وأمَّا التَّركيبيَّة غير الثَّابتة فلابدَّ من رفعها لو كانت موجودة أثناء العبادة إلاَّ ما أضطرَّ إليه منها، لتوقُّف تحقيق إفصاح حروف القراءة والتَّسبيح والذِّكر الواجب عليها.

(مسألة 77) إذا صلَّى بالذَّهب ناسياً أو جاهلاً جهلاً قصوريَّاً لا تقصيريَّاً كانت صلاته صحيحة.

السَّادس: أن لا يكون من الحرير الطَّبيعي الخالص للرِّجال حتَّى في غير الصَّلاة إلاَّ لضرورة كالبرد والمرض كالقمل أو الحرب فيجوز حتَّى في حال الصَّلاة، وكذا تبطل الصَّلاة فيما لا تتم الصَّلاة فيه منفرداً في المنسوج من الحرير كالجورب والتِّكَّة والقلنسوة.

(مسألة 78) لا يجوز جعل بطانة الثَّوب من الحرير في الصَّلاة وغيرها، سواء كانت لجميعه أو لمقدار منه.

(مسألة 79) لا بأس بحمل المنسوج من الحرير كالمنديل وما أشبهه، وكذا افتراشه والتَّغطِّي به ونحو ذلك ممَّا لا يعد لبساً عرفاً، ولا بأس بكف الثَّوب به، والأحوط استحباباً أن لا يزيد على أربع أصابع.

والأحوط عدم جعل الأزرار منه، وكذا السَّفائف والقياطين الموضوعة عليه.

(مسألة 80) لا بأس بلبس الحرير الممتزج بغيره من القطن أو الصُّوف أو غيرهما بشرطخروجه عن صدق الحرير الخالص، فلا يكفي الخلط اليسير المستهلك في الحرير عرفاً.

(مسألة 81) لا بأس بلبس الصَّبي الحرير، فلا يحرم على وليِّه إلباسه ولكن لا تصح صلاته فيه وإن كانت غير واجبة.

(مسألة 82) إذا شكَّ في كون اللباس حريراً أو غيره أو شكَّ في أنَّه حرير خالص أو ممتزج بغيره جاز لبسه في الصَّلاة وغيرها مع الاحتياط بالاجتناب عنه في الحالة الأخيرة.

ص: 34

(مسألة 83) لو صلَّى في الحرير ناسياً أو جاهلاً عن قصور فصلاته صحيحة مع الاحتياط بالإعادة لو كان الجهل تقصيريَّاً مع الإلتفات.

الفَصْلُ الثَّالِث أَحْكَامُ السَّاتِرِ

(مسألة 84) الأحوط ترك السَّتر بورق الشَّجر والحشيش مع التَّمكُّن من غيرهما الأكمل، وأمَّا مع عدم التَّمكُّن فيجوز، وكذا السَّتر طلياً بالطِّين أو الوحل فلا يجزي حال الاختيار على الأحوط، لبروز الهيكل للعورة عادة، أو كونه من لباس الشُّهرة لو فعل اختياراً.

(مسألة 85) إن لم يجد السَّاتر أصلاً فإن أمن من النَّاظر المحترم صلَّى قائماً مومياً إلى الرُّكوع والسجود واضعاً يديه على سوأته على الأحوط، والأحوط منه تكرار الصَّلاة بصلاة المختار قائماً وراكعاً وساجداً مع الأمان من النَّاظر المحترم كذلك، وإن لم يأمن من النَّاظر المحترم صلَّى جالساً مومياً إلى الرُّكوع والسجود بأن يجعل إيماء السُّجود أكثر من إيماء الرُّكوع.

(مسألة 86) إذا كان السَّاتر غير موجود عند المكلَّف بالصَّلاة واحتمل وجوده في آخر الوقت وجب تأخيرها إلى نهاية وقتها، فإن صلَّى من غير ساتر - كما هو وظيفة العاري - في أوَّل الوقت ووجد السَّاتر فيما بعد وجب عليه الإعادة، أمَّا لو صلَّى مع احتماله هذا ولم يجد السَّاتر إلى نهاية الوقت فصلاته صحيحة.

(مسألة 87) إذا انحصر السَّاتر بالمغصوب أو الذَّهب أو كونه من الحرير أو ما لا يؤكل لحمه أو الميتة فإن اضطرَّ إلى لبسه كالبرد صحَّت صلاته فيه، وإن لم يضطر إلى ذلك صلَّى عارياً في الثَّلاثة الأولى، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط - في الأخيرين - بالجمع بين الصَّلاة فيه والصَّلاة عارياً، وقد تقدَّم حكم اللباس النِّجس في أحكام النَّجاسات.

(مسألة 88) يجب تحصيل السَّاتر ولو بشراء أو إجارة، إلاَّ إذا كان تحصيله

ص: 35

متوقِّفاً على صرف مال كثير زائداً على مكنته، أو كان موجباً لتضرُّر فحينئذ يجب العمل بوظيفة العراة.

(مسألة 89) الأحوط وجوباً ترك لبس الثَّوب الَّذي لا يعهد لبسه من مثله من جهة لونه أو قماشه أو هيئته بلا ضرورة كما إذا لبس أهل العلم - لباس الرياضة - (تراكسود)، لكونه لباس شهرة توقِّياً من الحكم التَّكليفي وإن كان ممَّا يلبسه الرِّجال الآخرون، ويشتدُّ الحكم لو كان لديه لباس أنسب إلى المألوف، ولكن إذا صلَّى في ذلك كانت صلاته صحيحة، مع الحاجة إلى الاستغفار.

(مسألة 90) يحرم على الرِّجال لبس ملابس النِّساء، وكذا بالعكس إذا صدق عنوان التَّشبُّه غير المناسب والخروج عن اللباس الاعتيادي لكن صلاته صحيحة كالمسألة السَّابقة.

(مسألة 91) من يجب عليه الصَّلاة مستلقياً فإن كان عارياً وكان لحافه أو فراشه نجساً أو من الحرير الخالص أو ممَّا لا يؤكل لحمه فيجب - على الأقوى - أن لا يغطِّي نفسه بهذه الأشياء فيما إذا صدق على ذلك اللبس عرفاً ولو من جهة ظاهريَّة، أمَّا مع عدم صدق اللبس أو كان ممَّا لم يلبس حقيقة كآلة التَّغطية فوق المحروق - بل وفيه فائدة عدم بدو العورتين - فلا مانع.

(مسألة 92) من عنده ثوبان ويعلم إجمالاً أنَّ أحدهما لا تصح الصَّلاة فيه كالمغصوب أو الحرير، والآخر ممَّا تصح فيه صلَّى عارياً ولا تجوز الصَّلاة في واحد منهما للشُّبهة المحصورة،أمَّا لو علم بأنَّ أحدهما من حيوان غير المأكول والآخر منه، أو أنَّ أحدهما نجس والآخر طاهر صلَّى مرَّتين في كل واحد منهما صلاة، لانحلال العلم الإجمالي وعدم تنجُّزه بهذه الصُّورة.

ص: 36

الفَصْلُ الرَّابِع فِي مُسْتَحَبَّاتِ وَمَكْرُوهَاتِ السَّتْر

(مسألة 93) يستحب في لباس المصلِّي أمور:-

1- لبس العمامة والتَّحنُّك بها.

2- لبس الرِّداء (العباءة).

3- أن يكون اللباس أبيض.

4- لبس الخاتم من العقيق.

5- أن يكون اللباس أطهر ثيابه وأنظفها.

6- استعمال الطِّيب.

(مسألة 94) يكره في لباس المصلي أمور:-

1- أن يلبس المصلِّي الثَّوب الأسود.

2- أن يلبس الثَّوب القذر.

3- أن يلبس الثَّوب الضِّيق.

4- أن يلبس ثوب شارب الخمر.

5- أن يلبس ثوب من لا يحترز عن النَّجاسة.

6- أن يلبس ثوباً فيه تماثيل.

7- لبس الخاتم الَّذي نقش عليه صورة.

8- حل الأزرار.

ص: 37

المَبْحَثُ الخَامِس فِي المُقَدِّمِةِ الخَامِسَةِ (مَكَانُ المُصَلِّي)

وهو من المقدِّمات الخارجيَّة كذلك وألحقناه بجزء العبادات لما فيه من الاختصاص بالصَّلاة والاعتكاف والحجِّ والعمرة أكثر من الغير.

وفيه فصول:-

الفَصْلُ الأَوَّل فِي شُرُوطِ مَكَانِ المُصَلِّي

(مسألة 95) يشترط في مكان المصلِّي أمور تسعة:-

الأوَّل:إباحته، فلا تصح الصَّلاة فريضة كانت أو نافلة في المكان المغصوب ولو على نحو يكون أحد المساجد السَّبعة فيه مغصوباً لا كلُّها، بلا فرق بين أنحاء الغصب من غصب العين أو المنفعة أو كون المكان متعلِّقاً لحق الغير كحق الاختصاص كما تقدَّم في لباس المصلِّي كمكانه الخاص من المسجد إذا اغتصب.

(مسألة 96) لا فرق في الغصبيَّة بين العالم والجاهل على الأحوط وجوباً، نعم لو اعتقد عدم غصبيَّة مكان أو نسي غصبيَّته ولم يكن هو الغاصب حكم بصحَّة صلاته، وكذا لو كان مضطرَّاً أو مكرهاً على التَّصرُّف في المغصوب كالمحبوس بغير حق.

أمَّا نفس الغاصب لو نسي وصلَّى وجب إعادتها على الأحوط وجوباً.

(مسألة 97) لو اعتقد غصبيَّة مكان فصلَّى فيه بطلت صلاته حتَّى لو انكشف الخلاف، وكذا من صلَّى في مكان عالماً بالغصبيَّة فصلاته باطلة وإن كان جاهلاً ببطلان الصَّلاة في المكان المغصوب.

(مسألة 98) لو أحرز رضا مالك المكان القلبي فعلاً ولو بالقرائن كفرش

ص: 38

السَّجَّادة للمصلِّي، أو تقديراً بشهادة الحال كما في المضايف المفتوحة الأبواب أو بغيرها صحَّت الصَّلاة فيه، أمَّا الإذن القولي كقوله (صلِّ في بيتي) فإنِّما هو كاشف عن الرِّضا حتماً لو كان جدِّياً، فلو أذن باللسان وعلمنا بعدم رضاه قلباً فالصَّلاة فيه باطلة.

(مسألة 99) لو صلَّى تحت سقف مغصوب دون الأرض أو تحت خيمة مغصوبة فإن عدَّت هذه الصَّلاة تصرُّفاً فيه وجب إعادتها على الأحوط وجوباً في جو الإباحة، وإذا لم تعد كذلك كما لو كان وضع الخيمة لا للتَّظليل وإنَّما لتعليقها على الجدران لتيبيسها من الرُّطوبات والبلل بحماوة الشَّمس أو الهواء فلا تعاد.

(مسألة 100) لو اشترى داراً بعين المال الَّذي تعلَّق به حق شرعي كالخمس أو الزَّكاة أو غيره كحقوق النَّاس كان حكمها حكم المغصوب، فلا تصح فيها الصَّلاة على التَّفصيل المتقدِّم في اللِّباس المغصوب والأتي في الحقوق الشَّرعيَّة والدُّيون.

(مسألة 101) لا يجوز التَّصرُّف - كالصَّلاة - في ملك الميِّت إلاَّ بعد إخراج كافَّة الدُّيون الشَّرعيَّة أو غيرها من ديون النَّاس لو كانت، أو ضمان شخص لأداء الدُّيون أو إجازة الدَّائن والوصي في التَّصرُّف، وإذا لم يوجد الوصي فالحاكم الشَّرعي يقوم مقامه.

(مسألة 102) إذا كان للميِّت ورثة صغار قاصرون فلا يجوز التَّصرُّف فيما ترك من حصصهم حتَّى لو كانت مشاعة والصَّلاة فيه باطلة، إلاَّ إذا أذن القيِّم لمصلحتهم فلا مانع حينئذ.(مسألة 103) لا تجوز الصَّلاة في الأرض المجهولة المالك إلاَّ بإذن الحاكم الشَّرعي.

(مسألة 104) لا بأس بالدُّخول في الأماكن المعدَّة للمسافرين والواردين كالفنادق والحمَّامات والتَّصرُّف فيها على الوجه المقصود منها، وأمَّا في غيره كإقامة العزاء فيها فلابدَّ من إذن المالك أو وكيله، ومجرَّد فتح أبوابها لا يدل

ص: 39

على الإذن الكامل في جميع التَّصرُّفات لأنَّ مجالس العزاء مثلاً قد تكون خاصَّة لغير ما خصَّت به تلك الأماكن.

(مسألة 105) تجوز الصَّلاة في الأراضي الواسعة جدَّاً - ممَّن لا أثر فيها لمال - والوضوء من مائها والغسل فيها والشُّرب منها، وكذا غير المحجَّرة والَّتي لا سور لها كالبساتين الَّتي عليها طابع ما يشبه العموميَّة، كل ذلك بشرط عدم المنع والإنكار من أصحابها إن كانوا ولو تقديراً.

(مسألة 106) لو دخل إنسان مكاناً وعلم بعد ذلك بكونه مغصوباً وحلَّ وقت الصَّلاة هناك فعليه أن يخرج ليصلِّي في المكان المباح، ولكن إن ضاق الوقت وكان المكان المغصوب أوسع منه - بحيث إن خرج منه إلى المباح لانتهى وقت صلاته الأدائيَّة - فعليه الصَّلاة ولو حين الخروج ماشياً إن اقتضى ذلك تخلُّصاً من الحرام ولو في الجملة الممكنة.

الثَّاني: طهارته، فلا تجوز الصَّلاة في مكان نجس بحيث يسري إلى الثَّوب أو البدن، ومع عدم السِّراية فلا مانع إلاَّ في موضع الجبهة، فإنَّه لابدَّ أن يكون طاهراً حتَّى لو لم تكن النَّجاسة مسرية.

الثَّالث: الاستقرار، بأن يكون المكان على نحو لا يضطرب فيه المصلِّي حين الاشتغال بالصَّلاة، وأمَّا حال السُّكوت وعدم الاشتغال بالقراءة أو الذِّكر فلا يضر حتَّى لو تعمَّد بعض الحركات الَّتي لا تخل عرفاً بهيئته مصليَّاً كحك أنفه ونحوه، مع الاحتياط الاستحبابي بتجنُّب التَّحرُّك الاختياري حتَّى في هذه الحالة.

(مسألة 107) تجوز الصَّلاة في السَّفينة والطَّائرة والقطار وأمثالها حال توقُّفها، وأمَّا مع حركتها وعدم استقرار بدن المصلِّي فلا يجوز إلاَّ عند الضَّرورة، كما إذا ضاق الوقت عليه ولم يمكنه الخروج منها لاستمرارها في المسير، بل حتَّى حالة عدم ضيقه إذا علم الاستمرار إلى نهايته بدون قدرته على إيقافها، وحينئذ فعليه مراعاة الاستقرار في بدنه مهما أمكن وإن بقيت تلك الوسائط على تحرُّكها، فإذا عرضت له الحركة حال الذِّكر يعيده في حال

ص: 40

الاستقرار إن أمكن، كما أنَّه لابدَّ أن يواظب على استقبال القبلة فإذا انحرفت السَّفينة عن القبلة مثلاً يدور هو نحو القبلة ولو عن طريق دلالة البوصلة المقبولة وإشارة أهل الخبرة هناك، وإن لم يتمكَّن من الاستقبال إلاَّ في تكبيرة الإحرام اقتصر عليه، وإن لم يتمكَّن من الاستقبال أصلاً سقط كما مرَّ.

(مسألة 108) لا تجوز الصَّلاة على كومة الرَّمل وصبرة الحنطة وبيدر التِّبن وفرش الإسفنج السَّميك إلاَّ إذا تمكَّن من الاستقرار عليها.

الرَّابع: أن تكون الصَّلاة في مكان يطمئن من تمكُّنه من المحافظة على الاستقرار فيه حال الصَّلاة، فلا تجوز في معرض الزُّحام والمطر والرِّيح الشَّديدين، لكن إذا احتمل عدم عروض المانع عن الإتمام وصلَّى رجاءاً وصادف عدم المانع فصلاته صحيحة.

الخامس: أن يكون ممَّا يمكن أداء أفعال الصَّلاة فيه حسبما يقتضيه حال المصلِّي، فلا تصح في مكان يكون سقفه نازلاً لا يتمكَّن من القيام التَّام فيه، وكذا لا تصح في مكان ضيق لا يتمكَّن من الرُّكوع أو السُّجود فيه لو تمكَّن من الصَّلاة الكاملة في مكان آخر.(مسألة 109) المضطر - كالمحبوس في المكان الضَّيِّق - يصلِّي حسب إمكانه من قيام وركوع وسجود إذا لم يرتفع عذره قبل نهاية الوقت، فإن ارتفع العذر وتمكَّن من الصَّلاة التَّامَّة والوقت باق فتجب عليه إعادة الصَّلاة حينئذ.

السَّادس: أن لا يكون البقاء فيه مظنَّة الخطر على النَّفس كالوقوف بين الصَّفَّين في ميدان القتال - إلاَّ ما صدر من فعل المعصوم عَلَيْهِ السَّلاَمُ كما حدث في صفِّين وفي كربلاء - أو في المسبعة أو تحت السَّقف والحائط المشرف على الإنهدام، وكذلك لا تصح الصَّلاة في مكان يحرم التَّوقُّف فيه اختياراً كالمكان الَّذي تضرب فيه الدفوف والمزامير، ولا بأس في حال الاضطرار لضيق الوقت مثلاً مع عدم الإصغاء إلى الأصوات المحرَّمة.

(مسألة 110) الأحوط وجوباً ترك الصَّلاة في مكان فيه أجنبية وليس فيه

ص: 41

غيرها اختياراً لخطورة الخلوة بالأجنبيَّة، لبعض المخاطر المؤكَّدة ولو للتُّهمة إن لم يكن من ضعف الإيمان وإلاَّ فهو أشد.

السَّابع: أن لا يكون ممَّا يحرم التَّوقُّف أو القيام أو القعود عليه، كالفراش المكتوب عليه القرآن، أو لفظ الجلالة، أو إتيانها على قبر المعصوم عَلَيْهِ السَّلاَمُ أو غيره ممَّا يوجب هتكاً للدِّين كمحل الرَّأس، إذ لا ريب في حرمته، بل قد يوجب الوقوع في أشد المعاصي وحينئذ كيف يمكنه التَّقرُّب بتلك الصَّلاة وهذا عمله؟.

الثَّامن: أن لا يكون مقدَّماً على قبر النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أو أحد المعصومين عَلَيْهِم السَّلاَمُ، بل ولا مساوياً له إذا عدَّ هتكاً لحرمته وإساءة أدب في حقِّهم مع العلم، والأحوط الإعادة مع الجهل التَّقصيري والإلتفات.

(مسألة 111) لا بأس بالصَّلاة مع وجود حائل أو البعد المفرط عن القبر الشَّريف للمعصوم بحيث يرفع الهتك وسوء الأدب، ولا يعد من الحائل نفس الضَّريح أو الصُّندوق، ولا الثَّوب الملقى على الصُّندوق الشَّريف، نعم لو كان المصلِّي غافلاً عن ذلك أو معتقداً خطأً بأنَّه ليس في تقدُّم الصَّلاة على القبر الشَّريف أيَّ إساءة أدب وهتك مع ترسُّله صحَّت صلاته ولا شيء عليه لكن لو نبَّه على وجود الهتك وأمثاله عرفاً يجب عليه الارتداع وإن كان مترسِّلاً أو معتقداً العكس مع الاحتياط بالإعادة إذا كان واقف الفرش وما تحته لا يرتضي ذلك مطلقاً.

الفَصْلُ الثَّانِي أَحْكَامُ مَكَانِ المُصَلِّي

(مسألة 112) يكره تقدُّم المرأة على الرَّجل في الصَّلاة، وكذا محاذاتها له، من حيث هي وإن صحَّت صلاتها لو سبقته كما سيجيء، أمَّا لو صحَّة صلاتها مع صحَّة صلاته مع تقدُّمها أو محاذاتها فالأحوط وجوباً أن تكون الفاصلة بينهما بمقدار عشرة أذرع بذراع اليد على الأقل (خمسة أمتار تقريباً).

ويرتفع المحذور بالتَّباعد المذكور، وبوجود حائل بينهما يمنع من المشاهدة،

ص: 42

وبارتفاع مكان أحدهما عن الآخر، بحيث لا يصدق المحاذاة عرفاً، هذا في أمر صلاة الفرادى وأمَّا في الجماعة فسوف يأتي ما يخصُّها.

(مسألة 113) الأحوط وجوباً ترك إتيان الفريضة في جوف الكعبة وعلى سطحها، ولا بأس في حال الاضطرار، أمَّا الصَّلاة المستحبَّة فلا بأس بها في كليهما، وقد ورد في بعض الأخبار استحباب الصَّلاة ركعتين داخل الكعبة متوجهاً إلى كل ركن مع إمكان ذلك.

(مسألة 114) لا بأس بالصَّلاة في بيوت من تضمَّنت الآية جواز الأكل فيها بلا إذن مع عدم العلم بالكراهة كالأب والأم والأخ والعم والخال والعمَّة والخالة، ومن ملك الشَّخص مفتاح بيته، والصَّديق، ومع العلم بالكراهة وعدم الرِّضا فلا يجوز.

الفَصْلُ الثَّالث أَحْكَامِ مَسْجدِ الجَبْهَة

(مسألة 115) يعتبر في مسجد الجبهة - مضافاً لما تقدَّم من وجوب طهارته - أن يكون من الأرض(1) أو ما أنبتته.

(مسألة 116) يعتبر في صحَّة السُّجود على النَّبات أمران هما:

1- أن لا يكون مأكولاً كالحنطة والشَّعير والبقول والفواكه ونحوها ولو قبل

ص: 43


1- للإجماع ولدلالة النُّصوص الكثيرة عليه:- كقوله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في الحديث المشهور بين الفريقين ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)). صحيح البخاري ج1 ص209 ط بيروت، صحيح مسلم ج1 ص371 ط بيروت. وما رواه الخبَّات بن الأرت قال (شكونا إلى رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ شدَّة الحر في جباهنا وأكفِّنا، فلم يُشكِّنا) أي لم يقبل شكواهم لأنَّها أرض مختَّصة بالسُّجود عليها، سنن البيهقي ج2 ص105. ومنها ما روي عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أنَّه (كان يكره الصَّلاة على شيء دون الأرض) رواه البخاري في صحيحه ج1 ص331. ومنها ما روي عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أنَّه (كان يكره الصَّلاة على شيء دون الأرض) رواه البخاري في صحيحه ج1 ص331.ومنها ما روي عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ من أنَّه (صلَّى على خميرة). رواه البيهقي في سننه ج3ص421، والخميرة هي حصيرة من السَّعف، راجع قاموس الفيروز آبادي ط3 مصر ج2 ص23 باب خَمَرَ. ومنها ما ورد عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ من أنَّه (صلَّى على بساط) وهو من جريد النَّخل. رواه البيهقي في سننه ج2 ص436 عن أنس بن مالك، قال وكان بساطهم من جريد النَّخل. ومنها ما أخرجه باسنادين شيخ المشايخ الحافظ الثِّقة إمام السُّنَّة ومسندها في وقته أبو بكر بن أبي شيبة في كتابه المصنَّف في المجلَّد الثَّاني في باب من كان يحمل في السَّفينة شيئاً يسجد عليه أنَّ التَّابعي الفقيه الكبير الثِّقة المتَّفق عليه مسروق بن الأجدع كان إذا سافر حمل معه في السَّفينة لبنة يسجد عليها.

وصولها إلى زمان الأكل أو أحتيج في أكلها إلى عمل طبخ ونحوه، حتَّى ما لم يتعارف أكله أو الاستفادة من شرب ماءه إلاَّ في بعض الأمكنة أو الأوقات على الأحوط وجوباً، كبعض عقاقير الدواء كورق ما يسمَّى ب- (لسان الثور) و (عنب الثَّعلب وبذر الخوبة) وغيرها.

نعم لا بأس بالسُّجود على قشورها ونواها وورق أشجارها وسعف النخل، وكذا مأكولات الحيوانات من النَّباتات كالصَّقيل والجت والتِّبن.

2- أن لا يكون ملبوساً كالقطن والكتان والقنَّب ولو قبل الغزل.

(مسألة 117) لا يصح السُّجود على ما خرج عن اسم الأرض كالرَّماد والفحم والذَّهب والفضَّة، وكذا العقيق والفيروزج والدُّر على الأحوط وجوباً.

(مسألة 118) لا يجوز السُّجود على ورق الكرم (العنب) بعد اليبوسة أو قبلها.

(مسألة 119) لا يجوز السُّجود على الأفرشة والبسط القطنيَّة والصُّوفيَّة والمتَّخذة من هذا المنسوج في أساسه والفراش المتَّخذ من الرِّيش، لأنَّها ممَّا يلبس ولعدم استقرار الجبهة وبقيَّة المساجد عليها في بعض الأوقات كما سيأتي في أحكام السُّجود، وكذا الإسفنج وما يدعى بحصر النَّايلون لمعدنيَّتهما.

ص: 44

(مسألة 120) يجوز السُّجود على القرطاس بجميع أنواعه وأقسامه حتَّى المكتوب بشرط أن تكون الكتابة لوناً لا جرميَّة له، وإن كان الأحوط استحباباً ترك جميع المكتوب منه.

(مسألة 121) يجوز السُّجود على حجر النُّورة الأصلي والجص قبل طبخه، أمَّا بعد ذلك فالأحوط وجوباً ترك السُّجود عليهما حال الاختيار، وكذا الخزف واللبنة (طابوق الآجر).

(مسألة 122) السُّجود على الأرض أفضل من النَّبات والقرطاس، لأنَّه أبلغ في التَّواضع والخضوع لله محمد، والتَّراب الخالص أفضل من الحجر، وأفضل من الجميع التُّربة الحسينيَّة كما سيأتي توضيحه.

إِيضَاحٌ حَوَلَ السُّجُودِ عَلَى التُّرَبَةِ الحُسَينِيَّة

يتساءل الكثير من المسلمين غفلة عن حقيقة الحال - من بعض أبناء الأخوة من المذاهب الإسلاميَّة الأخرى استفهاماً أو

استغراباً أو استنكاراً ممَّن لم يرض عنه المنصفون منهم حتماً وبالأخص الأخير - حول سجود أبناء الشَّيعة الإماميَّة الإثنا عشريَّة على خصوص ما يسمَّى بالتُّربة الحسينيَّة على مشرِّفها ألاف التَّحيَّة والسَّلام حتَّى اتَّهموهم بعبادتها دون المعبود الواحد جل جلاله بدون دليل عقلائي مقبول من هذه الإشاعات؟

فنقول - في الجواب عنه - مختصراً وبالله الإستعانة:-

إنَّ السُّجود على التُّربة الحسينيَّة لم يكن اعتباطيَّاً بعد ما ذكرناه من الرِّوايات الواردة عن الفريقين ص 43 تحت الخط في أصل السُّجود على التُّراب، وقد ورد - عن الكتب المعتبرة عند العامَّة كما مرَّ وغيره - ما كان يعمله النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ - في السُّجود بتقديم الطِّين على غيره - وما يفيد عدم الدَّاعي إلى الاستغراب من أصل هذا العمل فضلاً عن الاستنكار والّذي قد يوصل الأمر إلى الاتِّهام المحرَّم المذكور.

ص: 45

وثمَّ أنَّ السُّجود عليها أو على أيِّ تربة لا يعني السُّجود إليها كما يتصَّوره ويدَّعيه البعض من العبادة لها افتراءاً.

ومن غير شك - عند أصحاب البصيرة والتَّعقل - أنَّ التُّربة المرجحَّة هذه على غيرها بوجوه التَّرجيح الخاصَّة هي الَّتي لابدَّ وأن تكون الأطهر بكل معاني الطَّهارة، ولم يكن هذا التَّفضيل في الطَّهارة إلاَّ في حال وقوع أمر يزيدها شرفاً وكرامة كالأراضي الَّتي وقعت فيها دماء الفداء والتَّضحية وساحت فيها دماء الشَّهادة في سبيل بقاء وديمومة الدَّين الإسلامي الحنيف ضدَّ أعداءه من الكفرة والمنافقين، كتربة الأرض الَّتي أستشهد فيها أبرز شخصيَّة دافع وناضل ضدَّ المشركين والملحدين وهو حمزة بن عبد المطَّلب عم النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في أرض (أُحد) والمشهود بحقِّها في روايات من الفريقين، فلمَّا جاءت التَّضحية الكبرى والشَّهادة العظمى ضدَّ المنافقين على يد سيِّد الأمَّة وإمامها ابن بنت نبيِّها صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أبي عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه، بعد ذلك جاء دور تكريم تربته الَّتي ساحت فيها دماء التَّضحية تربة ستبقى شعاراً من شعائر الشَّهادة والإباء دوماً، ألا وهي تربة كربلاء المقدَّسة.

وقد ورد في استعمال التُّربتين عن إبراهيم بن محمد الثَّقفي كما في مكارم الأخلاق أنَّ:-

((فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ كانت سبحتها من خيوط الصُّوف مفتل معقود عليه عدد التَّكبيرات فكانت تديرها بيدها تكبِّر وتسبِّح إلى أن قتل حمزة بن عبد المطِّلب رضي الله عنه سيِّد الشُّهداء فاستعملت تربته وعملت التَّسابيح فاستعملها النَّاس، فلمَّا قتل الحسين عَلَيْهِ السَّلاَمُ عدل إليه بالأمرفاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزيَّة)).

بالإضافة إلى أنَّه ورد في بعض الرِّوايات أنَّ: ((السُّجود على طين قبر الحسين عَلَيْهِ السَّلاَمُ ينور إلى الأرضين السبع))، وفي بعضها الأخر أنَّ: ((السُّجود على تربة أبي عبد الله عَلَيْهِ السَّلاَمُ تخرق الحجب السبع)).

(مسألة 123) لو لم يجد ما يصح السُّجود عليه، أو كان هناك مانع من

ص: 46

السُّجود عليه كالحرِّ والبرد الشَّديدين، سجد على ألبسته إذا كانت من القطن أو الكتَّان سواء كان فقدانه ذلك قبل الصَّلاة أو أثناءها مع ضيق الوقت أو حالة اليأس من القدرة على ما يصح فلو لم يقدر سجد على ظهر يده أو على أيِّ شيء ممَّا لا يجوز السُّجود عليه اختياراً كالمعادن لهذه الضَّرورة، وأن كان الأحوط استحباباً تقديم ظهر اليد على غيره.

(مسألة 124) لو حصل فقدان ما يصح السُّجود عليه أثناء الصَّلاة وكان الوقت واسعاً ولو لركعة قطعها وأعاد الصَّلاة أداءاً، وإن كان ضيِّقاً بحيث لا يتمكَّن من إدراك ركعة واحدة بتمام شرائطها في داخل الوقت صلَّى على لباسه لو كان من القطن أو الكتَّان وإلاَّ صلَّى على ظهر يده أو أيِّ شيء آخر كما مرَّ.

(مسألة 125) يجوز السُّجود على غير الأرض كالفراش في حال التَّقيَّة بشرطين وهما:-

1- عدم تمكُّنه من الذِّهاب إلى محلٍّ آخر للتَّخلُّص منها.

2- لم يكن في المكان مندوحة (مجال) يتخلَّص بها عن التَّقيَّة كالسُّجود على البارية أو ورق الشَّجر ممَّا يصح السُّجود عليه حتَّى عند العامَّة، فإن أمكنه التَّخلُّص لا يجوز السُّجود على الفراش.

(مسألة 126) يشترط في صحَّة السُّجود مع الاختيار استقرار وتمكُّن الجبهة في موضع السُّجود، بل يجب مراعاة هذا الشَّرط في بقيَّة مواضع السُّجود كما مرَّ، فلا يصح السُّجود على الطِّين أو الوحل أو التُّراب النَّاعم الَّذي لا تستقر الجبهة عليه، فإن لم يجد - غير الَّذي لا يمكن الاعتماد عليه - صلَّى إيماءاً مع الاحتياط بالصَّلاة عليه من دون أن يكلِّفه ذلك ضغط واعتماد لا يحتملهما.

نعم إذا كان الموضع فيه رخاوة قليلة بحيث إذا وضع المصلِّي جبهته عليه ضاغطاً بما يحتمل وصل إلى قرار ثابت تستقر عليه الجبهة صح السُّجود عليه.

وكذا يصل الأمر إلى الإيماء لو كان في أرض ذات طين بحيث يتلطَّخ بدنه وثيابه ويتحرَّج من الصَّلاة عليها ولم يكن هناك أرض غيرها أو كان الوقت ضيِّقاً، ولا يجب عليه الجلوس للسُّجود ولا للتَّشهُّد للمحذور المذكور ولانحصار

ص: 47

الأمر بهذه الضَّرورة زماناً ومكاناً.

(مسألة 127) لو التصق على جبهته الطِّين أو التُّربة يجب عليه رفعهما للسَّجدة الثَّانية حتَّى يصدق منه وضع الجبهة على ما يصح السُّجود عليه ثانياً بلا سابق ارتباط مستمر به.

(مسألة 128) يجب - احتياطاً ترك السُّجود على الجهة المكتوبة من التُّربة الحسينيَّة إذا كانت حروفها ذات بروز حاد لا تمكِّن الجبهة من الاستقرار عليها تماماً ولو بالمسمَّى ومع عدمه فلا مانع.

(مسألة 129) لا يجوز تدهين التُّربة المتَّخذة للسُّجود عليها، لكون الدُّهن يكون حاجباً.

(مسألة 130) لو سجد - باعتقاده - على ما يصح السُّجود عليه فبان الخلاف ككون التُّربة مطليَّة أو مفخورة أو نحو ذلك أو غير التُّربة من الأمور الأخرى فللمسألة صور:-

الأولى: أن يلتفت إلى ذلك بعد تمام الصَّلاة، ففي هذه الصُّورة تكون صلاته صحيحة ولاتجب الإعادة، إلاَّ احتياطاً مع سعة الوقت.

الثَّانية: أن يلتفت بعد رفع رأسه من السَّجدة الأولى، فإن تمكَّن من استبدالها بما يصح السُّجود عليه أعاد السَّجدة وأكمل الصَّلاة ثمَّ يستأنفها على الأحوط وجوباً.

الثَّالثة: أن يلتفت بعد رفع الرَّأس من السَّجدة الثَّانية بأن يلتفت إلى أن السَّجدتين وقعتا على ما لا يصح السُّجود عليه، فالأحوط وجوباً إعادة إحدى السَّجدتين على ما يصح السُّجود عليه ثمَّ يستأنف الصَّلاة بعد ذلك كما في الثَّانية.

الرَّابعة: أن يلتفت أثناء السَّجدة وقبل أن يرفع رأسه منها فإن أمكن جرُّ جبهته ووضعها على ما يصح السُّجود عليه وجب ذلك، وإلاَّ رفع رأسه وسجد

ص: 48

على ما يصح السُّجود عليه مع إعادة الصَّلاة على الأحوط وجوباً، هذا إذا كان الوقت موسعَّاً.

أمَّا إذا كان مضيَّقاً جرَّها على ثيابه إذا كانت من القطن أو الكتَّان كما مرَّ وإلاَّ جرَّها ووضعها على ظهر يده أو أيِّ شيء آخر.

(مسألة 131) لا يجوز السُّجود لغير الله تعالى، أمَّا وضع الجبهة على عتبة حرم الأئمَّة المعصومين عَلَيْهِم السَّلاَمُ من قبل شيعتهم أزاد الله

توفيقهم، فإن كان بعنوان الشُّكر لله على التَّوفيق للزِّيارة والتَّقرُّب بها إلى الله جلَّت قدرته - مثلاً - فلا بأس به، وإن كان على خلاف القبلة لقوله تعالى [فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله ِ] وإلاَّ فحرام، وأمَّا تقبيل العتبة بعنوان التَّبرُّك فلا مانع منه.

الفَصْلُ الرَّابِع آدَابُ مَكَانِ المُصَلِّي

وفيه قسمان:-

القسم الأَوَّل الأَمْكِنَةِ المُسْتَحَب فِيهَا الصَّلاَة

(مسألة 132) يستحب في الشَّرع الإسلامي الحنيف استحباباً مؤكَّداً حضور المساجد - مع عدم العذر -

وإتيان الصَّلاة فيها وكثرة التَّردُّد إليها للعبادة بجميع أنواعها كالصَّلاة والدُّعاء والتَّعلُّم الدِّيني والاستفادة من المواعظ ونحو ذلك، بل يكره شديداً تركها وهجرها، ومن ذلك كل مسجد خال من المصلِّي، وخصوصاً لجار المسجد، لما ورد عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((لا صلاة لجار المسجد إلاَّ في مسجده))، وأستفيد الاستحباب المؤكِّد جمعاً بين هذه الرِّواية وأمثالها وبين الرِّوايات الَّتي لا تنفي الصَّلاة كهذه الصَّلاة حتَّى لو صلِّيت في البيت كصلاة المرأة على ما وضِّح في المفصَّلات وما سيأتي.

ص: 49

والمداومة على هذه الأمور فيها تعتبر من حالات تعمير المساجد الَّتي لا تنحصر في خصوص البناء ونحوه على ما جاءت به النُّصوص الشَّريفة كتاباً وسنَّة والَّتي لا يقبل الإنكار للشُّهرة العظيمة الَّتي لابدَّ أن يصل صاحبها إلى أفضل الدَّرجات إذا صاحبتها أفضل المقاصد والنيَّات.

وأفضلها المسجد الحرام، والصَّلاة فيه تعدل ألف ألف صلاة.

ثمَّ مسجد النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في المدينة المنوَّرة، والصَّلاة فيه تعدل عشرة ألاف صلاة.

ثمَّ مسجد الكوفة، ثمَّ المسجد الأقصى، وفيهما تعدل ألف صلاة.

ثمَّ مسجد الجامع في أيِّ بلد كان، وفيه تعدل مائة صلاة.

ثمَّ مسجد القبيلة (المحلَّة)، وفيه تعدل خمساً وعشرين.

ثمَّ مسجد السُّوق وفيه تعدل اثني عشر صلاة، هذا كلُّه للرِّجال.

أمَّا بالنِّسبة للنِّساء فالأفضل لهنَّ الصَّلاة في دورهن، وأفضل مواضعها الغرفة المتأخرة كالمخدع وهو مخزن الغرفة، ولكن لو أمكنها التَّحفُّظ الكامل من الأجنبي فحضرت المسجد أدركت فضله، ولذا قد أستعمل مؤخَّراً ملاحق في بعض المساجد أو حواجز خصِّصت من وراءها أماكن لهنَّ للصَّلوات والاستفادة من الخطب والمواعظ وتشتد الحاجة إليها إذا احتيج إلى تلك المواعظ والإرشادات مع الصَّلوات، بل وعلى نحو الوجوب لهنَّ في بعض الأوقات إضافة إلى ذلك فيما لوكان الآباء أو الأزواج يسكنون دوراً مغصوبة أو غير منقَّحة من الحقوق الشَّرعيَّة.

(مسألة 133) تستحب الصَّلاة في مشاهد الأئمَّة المعصومين عَلَيْهِم السَّلاَمُ، بل هي أفضل من بعض المساجد، ولما فيها من معنى المسجديَّة ولو إلحاقاً لأنَّها من [بُيُوتٍ أَذِنَ الله ُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ]، فقد ورد في الخبر (أن الصَّلاة عند علي أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ بمائتي ألف صلاة)، ولكن على النِّساء أن يتورَّعن من تلك المشاهد أوقات الازدحام المشحون بالرِّجال إلاَّ فيما خصِّص لهنَّ من المواقع، لئلاَّ ينقلب الثَّواب لهنَّ إلى إثم ومعصية.

ص: 50

(مسألة 134) يستحب ترك مؤاكلة ومشاورة ومجاورة ومصاهرة من لا يحضر المسجد لغير عذر.

(مسألة 135) إذا وقف المصلِّي في معرض مرور أحد أمامه استحبَّ له جعل حائل أمامه كالعود أو الحبل أو العصا أو الحصاة أو المسبحة.

القسم الثَّاني المَوَاضِع الَّتِي يُكْرَهُ فِيهَاالصَّلاَة

(مسألة 136) تكره الصَّلاة في عدَّة مواضع منها:-

1- الحمَّامات.

2- الأرض السَّبخة (المالحة).

3- أن يكون أمامه إنسان أو باب مفتوح أو نار مضرمة أو سراج، وكذا إذا كانت هناك صورة أو تمثال لذي روح إلاَّ أن يجعل عليها ثوب أو شيء آخر.

4- الطُّرق والشَّوارع والأزقَّة إذا لم تكن ضارَّة بالمارَّة وإلاَّ بطلت.

5- بيت النَّار كالمطبخ، وما يدعى بالآتون للحمَّامات، أمَّا المطابخ المتطوِّرة اليوم من ذوات أماكن إضافيَّة خاصَّة فيها ممَّا هو معد للجلوس والأكل في معزل كامل عن النِّيران فلا مانع، وكذا ما يسمَّى بمنزع الحمَّامات السُّوقيَّة بينها وبين الباب الخارجي.

6- أن يكون متوجِّهاً إلى بالوعة أو حفرة يُبال فيها.

7- غرفة فيها كلب أو جُنب أو مسكر.

8- غرفة فيها تصاوير، وإن لم تكن أمامه حين الصَّلاة.

9- أن يكون أمامه قبر، أو يصلِّي بين القبرين، أو يصلِّي في المقابر.

10- المجازر.

11- في المزبلة، أو في المكان القذر.

ص: 51

المَبْحَثُ السَّادِس في الأَذَانِ وَالإِقَامَة

وهما ممَّا يصلح أن يكونا بتماس مرتبطين بالمقدِّمات الدَّاخليَّة للصَّلاة وبالأخص الإقامة، بل هي منها على الأحوط كما سيأتي.

ومعنى المقدِّمات الدَّاخليَّة هي الأمور الَّتي تتحقَّق بها الصَّلاة الَّتي بإتمام أداءها أو قضاءها على ما يرام يتم صدقها الصَّحيح.

وقد يطلق على الجميع بالأجزاء الدَّاخليَّة والَّتي أهمُّها الأجزاء الإحدى عشر الَّتي سوف تأتي في بيان أفعال الصَّلاة.

(مسألة 137) اشتهر أنَّه يستحب الأذان والإقامة استحباباً مؤكَّداً في الفرائض اليوميَّة أداءاً وقضاءاً سفراً وحضراً للصَّحيح والمريض، للرَّجل والمرأة، للجامع والمنفرد، بل إنَّ بعض الأصحاب ذهب إلى وجوب الإقامة إجمالاً وهو كذلك على الأحوط، وما ذلك إلاَّ للإعراب عن أهميِّتها، بل أهميَّة الآذان في تأكُّد استحبابه.

وخصَّه بعضهم بصلاة المغرب والصُّبح، وبعضهم بصلاة الجماعة، إلاَّ أنَّ الأحوط وجوباً الالتزام بالإقامة كما مرَّ في حال سعة الوقت خصوصاً للرِّجال لشدَّة التَّأكيد عليها في الأدلَّة، وبالأخص في صلاة النِّيابة الاستيجاريَّة أو الأعم منها لو كانت واجبة.

ولا يشرعان في الصَّلوات المستحبَّة، ولا في الفرائض غير اليوميَّة، بل يقال (الصَّلاة) ثلاثاً.

وبيان أحكام الآذان والإقامة يقع في فصول:-

ص: 52

الفَصَل الأَوَّل فُصُولُ الأَذَانِ وَالإِقَامَة

(مسألة 138) فصول الأذان في أساسها ثمانية عشر فصلاً وهي:-

1- (الله أكبر) أربع مرَّات.

2- (أشهد أن لا إله إلاَّ الله ) مرَّتين.

3- (أشهد أن محمداً رسول الله ) مرَّتين.

4- (حيَّ على الصَّلاة) مرَّتين.

5- (حيَّ على الفلاح) مرَّتين.

6- (حيَّ على خير العمل) مرَّتين.

7- (الله أكبر) مرَّتين.

8- (لا إله إلاَّ الله ) مرَّتين.

وأمَّا فصول الإقامة فتسعة عشر فصلاً، غير أنَّ فصولها مرَّتان في الجميع، ويزاد فيها (قد قامت الصَّلاة) بعد (حيَّ على خير العمل)، وينقص من آخرها مرَّة واحدة من كلمتي (لا إله إلاَّ الله ).

(مسألة 139) يستحب في الأذان والإقامة الإتيان بالشَّهادة لعلي عَلَيْهِ السَّلاَمُ بالولاية وإمرة المؤمنين مرَّتين بعد الشَّهادتين لكن لا بنحو الجزئيَّة، ولكنَّها في الحقيقة تابعة ومكمِّلة للشَّهادتين أينما ذكرتا وإلحاقاً بالنَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، وذلك لأدلَّة منها:-

1- تقرير النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وذلك حينما أخبره بعض أصحابه عن آخر منهم استغراباً منهم بذكره الشَّهادة له عَلَيْهِ السَّلاَمُ فلم ينه عن ذلك صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، ولذا عدَّ ذلك تقريراً منه فيه.

2- لصراحة آية الولاية العظمى والتَّصدُّق بالخاتم النَّازلة في حقِّه عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

3- لحديث الغدير المشهور لدى الفريقين والمشتمل على كون اسمه عَلَيْهِ السَّلاَمُ بعد اسم النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في كل أمر يتعلَّق بالولاية تطبيقاً أو شعاراً.

4- قوله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ مشهوراً (من قال لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله فليقل علي ولي الله ).

ص: 53

5- لإجماع الطَّائفة على ذلك بما قرَّرناه من عدم الجزئيَّة المنافية، بل للإلحاق بالنَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ كما مرَّ، ولو نوقش بوجود مخالف منَّا فهو قليل لا يضر ومخالفته فيما لو قصد منها الجزئيَّة والفصل المستقل وهو لا يقصده الأعم الأغلب.

6- لجواز الفصل بين الفصول عند جميع المسلمين ببعض الأذكار غير المخلِّة على تفصيل يأتي في مواقعه من غير هذا المختصر وغير ذلك.

ولو نوقش حتَّى مع عدم الجزئيَّة المذكور إصراراً لأجيب بالنَّقض في عمل الآخرين بالتزامهم في أذان الصُّبح ب- (الصَّلاة خير من النَّوم) مع أنَّها لم تكن جزء حتماً.

(مسألة 140) يستحب في اليوم الأوَّل من ولادة الطِّفل الأذان في أذنه اليمنى والإقامة في اليسرى، وإن لم يفعل ذلك فيستمر إلى أن تنفصل سرَّته.

(مسألة 141) ينبغي ترك التَّرجيع في الأذان والإقامة، ويحرم ذلك لو كان بنحو الغناء وهو الصَّوت المطرب المختص بمجالس اللهو والطَّرب.

الفَصْلُ الثَّانِي شُرُوط الأَذَان وَالإِقَامَة

(مسألة 142) يشترط في الأذان والإقامة أمور:-

الأوَّل: النِّيَّة ابتداءاً واستدامة كما في سائرالعبادات مستحبِّها وواجبها.

الثَّاني: العقل.

الثَّالث: الإسلام.

الرَّابع: مراعاة التَّرتيب بتقديم الأذان على الإقامة، وكذا بين فصول كلٍّ منهما، فإذا خالف التَّرتيب أعاد على نحو يحصل به التَّرتيب.

الخامس: الموالاة، بأن لا تقع الفاصلة الكثيرة بين الأذان والإقامة بحيث لا تعد الإقامة مرتبطة بذلك الأذان، وإذا وقعت تلك الفاصلة فيستحب

ص: 54

تكرارهما، وكذلك يستحب تكرارهما عندما تقع الفاصلة بينهما وبين الصَّلاة بنحو لا تعدَّان أذاناً وإقامة لتلك الصَّلاة.

السَّادس: دخول الوقت، فيبطلان مع التَّقديم عمداً أو سهواً، إلاَّ بما يسمَّى بأذان الإعلام.

السَّابع: الذُّكورة للمؤذِّن، فلا يصح أذان النِّساء وإقامتهنَّ للرِّجال، ولكن يصح منهنَّ لجماعة النِّساء فقط.

الثَّامن: العربيَّة الفصحى من دون لحن (غلط)، فلا تكفي ترجمتها بغير العربيَّة أو العربيَّة الملحونة.

(مسألة 143) إذا شكَّ في الأذان ولم يبدأ بعد بالإقامة فلابدَّ من الإتيان بالأذان استحباباً لأهميَّته، وأمَّا إذا شكَّ في أثناء الإقامة فيمضي في إقامته.

(مسألة 144) إذا شكَّ في الإتيان بأحد أجزاء الأذان أو الإقامة ولم يدخل في الجزء التَّالي لزم ذكر الجزء المشكوك، وأمَّا إذا بدأ بالجزء التَّالي فلا يلزم لكون ذلك بعد تجاوز المحل.

(مسألة 145) يسقط الأذان في خمس صلوات:-

1- صلاة العصر من يوم الجمعة لو جمعت مع الظُّهر على المشهور.

2- صلاة العصر من يوم عرفة إذا جمعت مع الظُّهر.

3- صلاة العشاء ليلة عيد الأضحى (ليلة المزدلفة) إذا جمعت مع المغرب.

4- صلاة العصر والعشاء للمستحاضة على المشهور.

5- صلاة العصر والعشاء للمسلوس، وهو من لا يتمكَّن من إمساك البول، وكذلك المبطون على المشهور، وهو من لم يتمكَّن من إمساك الغائط.

ويشترط أن لا يفصل بين هذه الصَّلوات والصَّلاة الَّتي قبلها بما يعدُّ فصلاً عرفاً، لما ورد في الصَّحيح أنَّ النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ حين جمع بينهما صلَّى الظُّهرين بأذان وإقامتين وكذا العشاءين، ولكن يضر الفصل بين الصَّلاتين بالنَّافلة فلا يسقط معه الأذان.

ص: 55

الفَصْلُ الثَّالِث مَوَارِدُ سُقُوطِ الأَذَان وَالإِقَامَة

(مسألة 146) يسقط الأذان والإقامة في موارد:-

1- الدَّاخل في الجماعة الَّتي أذَّنوا لها وأقاموا وإن لم يسمعهما، وله أن يأتي بها بنحو رجاء المطلوبيِّة إن وسع المجال.

2- الدَّاخل إلى المسجد ليصلِّي جماعة - بعد انتهاء الجماعة - ما دامت الصفوف باقية ولم يتفرَّق الجمع، فلا يجوز أن يؤذِّن ويقيم لصلاته.

3- الدَّاخل إلى المسجد للصَّلاة منفرداً وقد أقيمت الجماعة، سواء دخل حال اشتغالهم أو بعد فراغهم مع عدم تفرُّق الصُّفوف.

ويشترط في سقوطهما أمور:-

أ. أن تكون الجماعة السَّابقة مع الأذان والإقامة.

ب. أن لا تكون باطلة.

ج. إتِّحاد المكان عرفاً، فلو كانت الجماعة داخل المسجد وأراد الصَّلاة على سطحه فلا يسقط الأذان والإقامة.

د. أن تكون الجماعة في المسجد، فلو لم تكن فيه فسقوطهما مشكل، ولا مانع من الإتيان بهما برجاء المطلوبيَّة.

(مسألة 147) يسقط الأذان والإقامة مع الشَّكِّ في صحَّة الجماعة السَّابقة وبطلانها، ولكن إذا شكَّ في الشَّرطين الآخرين - بأن شكَّ في إتِّحاد المكان أو كون الجماعة السَّابقة مسبوقة بالأذان والإقامة - فلا يسقطان، بل يأتي بهما إمَّا بقصد المشروعيَّة التَّامَّة أو برجاء المطلوبيَّة لأنَّ المشروعيَّة داخلة فيه.

(مسألة 148) يستحب لمن يسمع الأذان والإقامة أن يحكي كل قسم يسمعه.

(مسألة 149) يجزي سماع أذان الغير وإقامته عن أذانه وإقامته لنفسه إذا سمعهما بتمامهما، سواء حكى ما سمعه أم لم يحك، بشرط أن لا تقع الفاصلة

ص: 56

المكانيَّة الكثيرة بين السُّماع وبين صلاته كالأذان المسموع أو الإقامة بمكبِّر الصَّوت وكان بين سامعهما وموقع أدائهما مسافة بعيدة لا تجمعه معهما صلاة جماعة يرتبط بها ذلك الأذان أو تلك الإقامة، وإذا سمع بعض الأذان والإقامة مع الاتِّصال يجزيه إتمامهما بنفسه.

(مسألة 150) إذا أراد الرَّجل أن يصلِّي وسمع أذان المرأة فلا يسقط عنه الأذان، حصل له تلذُّذ أم لا.

(مسألة 151) إذا ترك الأذان والإقامة أو أحدهما عمداً ودخل في الصَّلاة لم يجز له قطعها لتداركهما على الأحوط مع الاحتياط بالاستغفار لترك الإقامة عمداً مع سعة الوقت، وإذا تركهما نسياناً استحبَّ له قطع الصَّلاة وتداركهما قبل الرُّكوع وبالأخص الإقامة.

(مسألة 152) إذا ضاق الوقت على المكلَّف فليس عليه من الإقامة إلاَّ ما تيسَّر له منها كالإقامة في فصولها الثُّنائية مرَّة مرَّة، فإن لم يقدر فليقتصر على (قد قامت الصَّلاة) مرَّتين و (الله أكبر) مرَّتين و (لا إله إلاَّ الله ) مرَّة واحدة.

مُستَحَبَّاتِ الأَذَانِ وَالإِقَامَة

(مسألة 153) يستحب أن يكون المؤذِّن الرَّاتب عادلاً، وعارفاً بنفسه بأوقات الصَّلاة، وأن يكون مرتفع الصَّوت، ووقوفه على مرتفع حتَّى مع مكبِّر الصَّوت.

(مسألة 154) يستحب للمؤذِّن عند الأذان عدَّة أمور:-

1- أن يكون متَّجهاً نحو القبلة.

2- أن يكون متطهِّراً.

3- أن يضع يديه على أذنيه.

4- رفع الصَّوت ومدِّه.

5- أن يفصل ما بين فصوله.

6- أن لا يتكلَّم في الأثناء.

(مسألة 155) يستحب للمؤذِّن عند الإقامة توفُّر أمور:-

1- عدم المشي في الأثناء.

ص: 57

2- أن يكون صوته فيها أخفض من الأذان.

3- الوقف في نهاية الجمل، أي لا يوصل نهاية كل جملة ببداية الجملة الآتية.

4- أن تكون الفاصلة بين أجزائها أقل من الفاصلة في الأذان.

(مسألة 156) يستحب أن يفصل بين الأذان والإقامة بالسُّجود لله تعالى، أو التَّخطِّي بخطوة واحدة، أو الجلوس قليلاً، أو قراءة الأذكار المستحبَّة، أو يشتغل بالدُّعاء، أو السكوت فترة قصيرة، أو التَّكلُّم بما لا يسخط المعبود، أو الصَّلاة ركعتين، ولكن بعد أذان الصُّبح والمغرب لا يستحبُّ التَّكلُّم بشيء.

ص: 58

المَبْحَثُ السَّابِع التَّوَجُّه ِفي الصَّلاَة

قبل البدء بالكلام عن أفعال الصَّلاة الَّتي أوَّلها النِّيَّة - وما يتعلَّق بها مع ما مرَّ من الإقامة - لابدَّ من كلمة نوجِّهها إلى المؤمنين المصلِّين، فنقول وبالله الإستعانة:-

بما أنَّ المؤمنين قد عرفوا ممَّا مضى أن الصَّلاة أهمِّ العبادات المقرَّرة في الشَّرع المبين، وأنَّها صلة بين العبد وربِّه، وإنَّها إن قبلت قبل ما سواها وإن ردَّت ردَّ ما سواها.

فينبغي لهم حال القيام بها الإقبال بها على الله تبارك وتعالى تماماً، والانقطاع إليه بإحضار المؤمن قلبه وكافَّة جوارحه في تمام الصَّلاة في أقوالها وأفعالها وحركاتها وسكناتها، وهو معنى التَّوجُّه فيها، لأنَّ بذلك يمكن إحراز حقيقة الصَّلاة دون عدمه، ولأنَّ بهذا الإقبال تحقيق للنِّيَّة المطلوبة الآتية الَّتي هي بمنزلة الرُّوح لها، أجل فإنَّه كما ورد (لا يحسب للعبد من صلاته إلاَّ ما أقبل عليه منها).

بل ينبغي قطع علائقه عن الخلق وبقيَّة الأمور الدُّنيويَّة، وعدم التَّفكُّر فيما يشغل القلب عن التَّوجُّه إلى خالقه العظيم بالكُليَّة، والتَّفهُّم بأنَّه واقف بين يدي جبَّار السَّموات والأرضين لينبعث في قلبه الخوف من عظمته تبارك وتعالى والرَّجاء لعفوه جلَّ شأنه كي يهيئ نفسه للمنازل العليَّة.

فيقف وقوف العبد الذَّليل الرَّاغب الرَّاهب بخضوع وخشوع وسكينة ووقار غير متكاسل ولا متماهل، تأسِّياً بالمعصومين الأطهار الأبرار صلوات الله عليهم أجمعين، حيث حكي عن الإمامين أبي جعفر وأبي عبد الله عَلَيْهِمُا اَلسَّلاَمُ أنَّهما - على جلالة قدرهما - إذا قاما إلى الصَّلاة تغيَّرت ألوانهما مرَّة حمرة ومرَّة صفرة

ص: 59

وكأنَّما يناجيان شيئاً يريانه.

ولابدَّ أن يكون صادقاً في قراءته آية [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] فلا يقولها وهو عابد لهواه مستعين بغير مولاه، لعلمه تعالى بما انطوت عليه الضَّمائر والنُّفوس.

وينبغي أن يندم على ما فرط في جنب الله من العصيان وفعل الموبقات إذا كان كذلك، مصلِّياً صلاة مودِّع، مجدِّداً التَّوبة والإنابة والاستغفار لله تعالى بتوبة نصوحاء.

وبذلك كلِّه تحصل له مرتبة عظيمة ويصبح من الَّذين تنطبق عليه الآية الشَّريفة [قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)]، ويُعد من المتَّقين المقبولين كما قال عزَّ من قائل[إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنْ الْمُتَّقِينَ (27)] حيث لطفه تعالى وجوده وكرمه ووفاءه بما وعد به المتَّقين.

وحيث أنَّ مراتب القبول تزداد بعلو الدَّرجات فلابدَّ من أن تكون بحسب مراتب الإقبال والتَّوجُّه بعد اشتراك الجميع في كبرى الصحَّة والتَّماميَّة اللتين بهما يتحقَّق الامتثال لأقل الواجب ويرتفع العقاب ويكون على أساس ما ذكرناه إذا طبِّق ما يستحب أمام الفريضة من قوله [إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (79)] إذن فإنَّه سيكون المتوجِّه ممَّن يرتجى له القبول مع استمرار كل ما هو مطلوب وإلى أخر صلاته ممَّا هو مرغوب.

ص: 60

المَقْصَدُ الثَّانِي أَفْعَالُ الصَّلاَة

وهي المعروفة بالأجزاء الدَّاخليَّة أو المقدِّمات الدَّاخليَّة مع ما ذكرناه ممَّا مضى بالمعنى الآخر، وهي: إمَّا واجبة أو مندوبة، فالواجبة إحدى عشرة، وهي:-

1 - النِّيَّة 2 - تكبيرة الإحرام 3 - القيام 4 - القراءة

5 - التَّسبيحات 6- الرُّكوع

7 - السُّجود 8 - التَّشهُّد

9 - التَّسليم 10 - التَّرتيب 11- الموالاة.

(مسألة 157) تنقسم الأفعال الواجبة إلى ما هو ركن في الصَّلاة وإلى غير ركن.

فالأركان هي الَّتي بتركها أو زيادتها - نوعاً - عمداً أو سهواً تبطل الصَّلاة، وهي أربعة:-

1 - تكبيرة الإحرام 2 - القيام

3 - الرُّكوع 4 - السُّجود.

أمَّا النِّيَّة فهي واجب غير ركني لأنَّها لا تتصوَّر فيها الزِّيادة، لبساطتها ولكونها لم تكن بفعل من الأفعال وإن حصل وهم في ذلك، بل هي شرط تتوقَّف صحَّة المشروط على تحقُّقها عمداً وغيره، لكونها روح العبادة كما مرَّ، فتشبه الأركان من هذه الحيثيَّة.

وأمَّا غير الرُّكن المتَّفق عليه فلا تبطل بتركه سهواً دون العمد، وأمَّا بطلانها بزيادته ففيه تفصيل يأتي التَّعرُّض له إن شاء الله تعالى.

وهناك استثناءات لا تضر بالصَّلاة - وإن تأثَّرت بعض الأركان - أثبتتها الشَّريعة المقدَّسة بالأدلَّة المخرجة لها عن قاعدة إبطال الصَّلاة بالإخلال بالأركان سوف يأتي ذكرها ولو إجمالاً بعد الفراغ من الواجب الرُّكني السَّادس والسَّابع وهو السُّجود إنشاء الله تعالى.

ص: 61

وفيما يلي بيان أحكام الأجزاء الواجبة الرُّكنيَّة وغير الرُّكنيَّة في فصول متعاقبة حسب التَّسلسل الطَّبيعي الشَّرعي لهذه العبادة لا على أساس إفراز الأركان عن غيرها من الواجبات كي يبدأ بالأركان أوَّلاً، بل تكون البداية بالنِّيَّة لتسهيل التَّناول على المؤمنين بصورة أكثر، بل ومعها بعض الأجزاء المستحبَّة نجعلها ضمن هذه الفصول، ثمَّ نختمها بذكر شيء من التَّعقيبات، فنقول ومن الله نستمد التوفيق:-

الوَاجبُ الأَوَّل النِيَّة وَأحْكَامُهَا

(مسألة 158) النِّيَّة وهي أوَّل جزء قصدي واجب من أجزاء الصَّلاة، تبطل بتركها سهواً وعمداً ونسياناً بما يشبه الرُّكن كما مرَّ وتتمثَّل بثلاثة أمور:-

1- القصد إلى الفعل امتثالاً وتقرُّباً إلى الله تعالى، ويكفي فيها الإرادة القلبيَّة لفعل ما أمر الله تعالى به.

وتجب فيها الاستدامة الحكميَّة، بمعنى أن تكون مستمرَّة إلى آخر فعل من الصَّلاة وعدم التَّردُّد فيها، على نحو أنَّه إذا التفت إلى نفسه لرأى أنَّه يأتي بالصَّلاة عن أمر إلهي متعلِّق به، ولو سئل عنها - فرضاً لو جاز - لأجاب بذلك فوراً.

(مسألة 159) لا فرق في صحَّة نيَّة هذه العبادة وغيرها من العبادات أن تكون ناشئة من عبادة العبيد وهي الخوف من العقوبة المولويَّة، أو عبادة التُّجار وهي الرَّغبة في زيادة الأجر أو تحقُّقه، أو من عبادة الأحرار وهي الإيمان والحب العميق باستحقاق المولى العبادة لا للمعنيينالأوَّلين، وإن كان الأخير ممَّا لا شكَّ ولا ريب هو عبادة الأوَّلياء وأنَّها الأعلى من السَّابقين ولم يحض بها إلاَّ الخواص إلاَّ أنَّ القدرة عليها لم تكن ممتنعة عن الآخرين لو شاءوا.

(مسألة 160) لا يشترط فيها خطور صورة العمل - تفصيلاً - في البال فيكفي الإجمال، ولا التَّلفُّظ بها، بل قد يضر بها لو كان قادراً على القصد المجرَّد بحيث

ص: 62

كان اللفظ ممَّا يصرف القلب عن القصد الحقيقي إلاَّ من كان لا يتحرَّك ذهنه إلاَّ باللفظ لثقافته المحدودة فلا مانع مؤقَّتاً، بل قد يفضَّل الدَّاعي لو كان حاصلاً، إلاَّ من كان ناسياً وتذكَّر صلاته وقت ضيقها وكان على طهارة فإنَّ الحظور قد يكون هو المتعيِّن لعدم إمكان إيجاد مؤهلات الدَّاعي.

(مسألة 161) إذا أراد إيقاع النِّيَّة على وجه الخطور فالأحوط له أن يحقِّقه مقدَّماً على تكبيرة الإحرام من باب المقدِّمة ليحرز كون أوَّل حرف من التَّكبير مصحوباً بالنِّيَّة.

2- تعيين نوع العبادة - الصَّلاة - إذا كانت متعدِّدة كالظُّهر والعصر مثلاً والفرض والنَّافلة مثلاً، ولا يشترط في التَّعيين التَّفصيل، بل يكفي التَّعيين الإجمالي كما مرَّ، فإذا كان ما في ذمَّته متعدِّداً يكفيه قصد ما في ذمَّته أوَّلاً من الصَّلاتين أو ما وجب ثانياً.

(مسألة 162) لا يشترط فيها قصد الأداء أو القضاء زيادة على تعيين نفس الصَّلاة، فلو كان يعلم باشتغال ذمَّته بصلاة العصر وشكَّ في أنَّ الوقت باق أو لا أتى بها بنيَّة ما اشتغلت به ذمَّته وصلاته صحيحة.

(مسألة 163) لا تشترط نيَّة الوجوب أو النَّدب، بل يكفي فيها قصد القربة المطلقة والأمر المتوجِّه إليه، وإن كان الأحوط قصدهما.

(مسألة 164) لا يجب حال النِّيَّة تمييز الأجزاء الواجبة من المستحبَّة، ولا تصوُّر أجزاء الصَّلاة تفصيلاً، بل يكفي التَّصوُّر الإجمالي كما مرَّ أيضاً، لكن عليه قصد التَّسليم المخرج من بين السَّلامين الأخيرين المفروض أحدهما لذلك على الأحوط كما سيأتي.

3- الإخلاص في العمل، بمعنى أنَّه لو ضمَّ إليها ما ينافي الإخلاص كالرِّياء - نعوذ بالله - بطلت صلاته، وكذلك سائر العبادات الواجبة والصَّلوات المستحبَّة، فإنَّه حرام شرعاً وفاعله آثم ويوجب بطلان العبادة.

والرِّياء هو إرائة النَّاس لفعله على نحو يجلب إعجابهم به وثنائهم عليه، سواء كان هذا الرِّياء لأجل النَّاس فقط أو لأجل الله والنَّاس معاً.

ص: 63

والرِّياء من المعاصي الكبيرة - كما مرَّ - والَّتي توعَّد الباري عزَّ وجل فاعله النَّار لما فيه من معنى الشِّرك الباطني، فقد روي عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أنَّه قال:-

(المرائي يوم القيامة ينادى بأربعة أسماء ((يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر)) ظلَّ سعيك وبطل أجرك ولا خلاق لك، التمس الأجر ممَّن كنت تعمل له، يا مخادع).

وأيضاً عنه صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أنَّه قال:-

(إنَّ الله يعطي الدُّنيا بعمل الآخرة، ولا يعطي الآخرة بعمل الدُّنيا، فإذا أنت أخلصت النِّيَّة وجرَّدت الهمَّة للآخرة خلصت لك الدُّنيا والآخرة).

(مسألة 165) لا فرق في وقوع الرِّياء ومبطِّليَّته للعمل العبادي بين الابتداء والأثناء وحالات الانتهاء، وبين الأجزاء الواجبة كالقراءة والمستحبَّة كالقنوت، وسواء كانت في ذات الفعل أو بالنِّسبة إلى بعض القيود ككون الصَّلاة في المسجد أو مع الجماعة أو في أوَّل الوقت إذا كان القصد من الرِّياء اختيار أفضل أفراد الصَّلاة لإرائة النَّاس اهتمامه وحرصه على اختيار الأفضل لصلاته مثلاً.

أمَّا إذا كان قصده من إرائة النَّاس هو نفس الحضور في المسجد أو مع الجماعة لكسب إعجابهم به بغض النَّظر عن أصل العبادة صلَّى أو لم يصلِّ، فحينئذ لو صلَّى خالصاً لوجه الله

تعالى فصلاته صحيحة، لكن ثوابه غير كامل مع الاحتياط باجتناب الحالتين معاً.

(مسألة 166) يرتفع حكم الرِّياء ومبطِّليَّته للعمل في حالات منها:-

1- إذا كان القصد منه أمراً واجباً أو راجحاً كدفع التُّهمة والذَّم عن نفسه، أو رفع ضرر آخر كحفظ النَّفس المحترمة، أو ترغيب الآخرين إلى طاعة الله

وعبادته، أو لأجل تقريب دينه أمام من يتديَّن ببعض الأديان السَّماويَّة لكسبهم للهداية، أو تقريب مذهبه في قلوب النَّاس لكسبهم للإسلام والإيمان أو لدفع ضررهم عنه بما يغلب تلك النَّوايا المرفوضة ويطفى عليها.

2- إذا وقع بأمر خارج عن العبادة، سواء كان من مقدِّمات هذا العمل

ص: 64

العبادي - كإزالة الخبث عن البدن أو الثَّوب قبل الصَّلاة رياءاً - أو في أثنائه - كالتَّصدق أثناء الصَّلاة -، لكن الأحوط في الأخير قهر النَّفس على عدم الرِّياء، لأنَّ عليَّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ المتصدِّق بالخاتم في آية التَّصدُّق به النَّازلة في حقِّه إمام معصوم لم يقصد بعمله الرِّياء حتماً ولاعتباره طاعة في طاعة.

3- ما لو أتى بالعمل خالصاً لله تعالى، ولكن يعلم بأنَّ عمله هذا يعجب النَّاس حين رؤيته ويمدحوه عليه، أو خطر في قلبه ذلك ولم يقصده.

4- ما لو تأخَّر الرِّياء عن العبادة، كالتَّحدٌّث بعد عمله العبادي - كالصَّلاة مثلاً - بها لغرض كسب إعجاب النَّاس وثنائهم وتقدريهم، وإن كان لا ينبغي فعل ذلك بل قد لا يجوز لحالات قد تخرج عن الطَّور الأخلاقي إلى ما هو مذموم يحرمه من الثَّواب.

فكل ذلك لا يضر بصحَّة عمله العبادي ما دام العبد مخلصاً لله تعالى كما بيَّنَّا.

(مسألة 167) العجب في العبادات من المحرَّمات شرعاً، ولكن قد لا يضر بصحَّة العمل إذا لم يخلط بما يضر به، بل يذهب بثوابه فقط، سواء قارن العمل أو تأخر عنه.

ومعنى العجب فيها هو الشُّعور بالمنَّة والفضل على المولى عزوجل بأداء ما أوجب عليه.

(مسألة 168) لو شكَّ بعد ما دخل في الصَّلاة أنَّه هل عيَّنها ظهراً أو عصراً وكان يعلم بعدم إتيانه الظُّهر نواها ظهراً وأتَّمها، أمَّا لو كان آتياً بها بطلت وأستأنفها عصراً.

(مسألة 169) لو رأى نفسه مشتغلاً بصلاة العصر وشكَّ في أنَّه هل نواها عصراً من أوَّل الأمر أو نواها صلاة أخرى بنى على أنَّه نواها عصراً من أوَّل الأمر وصحَّت صلاته عصراً إن كان قد أتى بصلاة الظُّهر، وإلاَّ عدل في نيَّته إلى الظُّهر ثمَّ يأتي بصلاة العصر.

(مسألة 170) إذا شكَّ في وقوع النِّيَّة وهو في أثناء الصَّلاة بنى على إتيانها.

ص: 65

(مسألة 171) إذا نوى قطع الصَّلاة وهو في أثنائها أو نوى الإتيان بالمنافي لها (كاستدبار القبلة) فإن أتمَّ الصَّلاة مع استمرار النِّيَّة المذكورة بطلت صلاته، وإن عدل عنها وعاد إلى نيَّته السَّابقة ومن دون فعل المنافي قبل الاشتغال بشيء من أجزاء الصَّلاة أتمَّها وصلاته صحيحة إذا لم يكن الفاصل بين التَّكبيرة وهذه الحالة كثيراً بحيث يكون ماحياً.

(مسألة 172) لو حصلت في نفسه قبل الصَّلاة وسوسة في النِّيَّة فلا يعتني بها وصلَّى حسب قصده القلبي الارتكازي، وكذا لو حصل في أثناء الصَّلاة فيتم صلاته ولا شيء عليه.

(مسألة 173) لا يعتبر في صحَّة العبادات الجزم بالنِّيَّة، فلو صلَّى في ثوب مشتبه بالنَّجس ظانَّاً أو محتملاً طهارته وبعد الفراغ تبيَّنت طهارته فصلاته صحيحة وإن كان عنده ثوب معلوم الطَّهارة، وكذا إذا صلَّى في موضع الزُّحام لاحتمال التَّمكُّن من الإتمام فاتَّفق تمكُّنه فصلاته صحيحة وإن كان يمكنه الصَّلاة في غير موضع الزُّحام.

حَالاَتُ العُدُولِ عَن النِّيَّة

معنى العدول هو أن يعدل المصلِّي عن نيَّته الحاليَّة إلى نيَّة أخرى بالنِّسبة إلى ما مضى من أفعال الصَّلاة، وقد مضت بعض حالاته في أوقات الصَّلاة وغيرها ممَّا لا يكتفى به وحده، ولذا فنقول: -

(مسألة 174) لا يجوز العدول في نيَّته عن صلاة إلى أخرى إلاَّ في موارد منها:-

1- فيما إذا كانت الصَّلاتان أدائيَّتين مترتِّبتين كالظُّهرين والعشاءين، وقد دخل في الثَّانية قبل الأولى، فإنَّه يجب العدول إلى الأولى إذا تذكر في الأثناء.

2- ما إذا كانت الصَّلاتان قضائيَّتين مترتِّبتين طبيعيَّاً فدخل في اللاحقة ثمَّ تذكَّر أنَّ عليه سابقة فيجب عليه العدول إلى السَّابقة فيهما ليوم أو أيَّام، كما

ص: 66

يجوز العدول في غيرهما إذا كان من اللاحقة أصلاً إلى السَّابقة كذلك كالعدول من الظُّهر إلى العصر إذا علم أنَّ العصر مثلاً فاتته أيَّام الأداء قبل فوات الظُّهر من أيَّام بعدها، لكون كلٍّ منهما من يومين مختلفين أو أيَّام، بل هو الأحوط.

3 - ما إذا كان العدول في الوقت الموسَّع من الصَّلاة الأدائيَّة إلى القضائيَّة على شرط إمكان العدول في ذلك - كما لو كان منشغلاً بصلاة الظُّهر في الوقت المُشترك أداءاً وأراد العدول إلى فريضة الصُّبح ولم يتجاوز في صلاته الرِّكعتين فيجوز ذلك - أمَّا مع التَّجاوز أو ضيق الوقت فلا يجوز، وكذا من المستحب إلى الواجب.

4 - ما إذا كان العدول من القضائيَّة إلى الأدائيَّة حيث نسيها فإنَّه يجب العدول إليها إذا ضاق وقتها وكان كل منهما ثنائيَّة أو ثلاثيَّة أو رباعيَّة أو المعدول إليها أكثر في الرَّكعات، أمَّا في حالة العكس وحصل التَّجاوز فلابدَّ من هدمها لإدراك حالة الأداء، وأمَّا في سعة الوقت فيجوز على ما مرَّ بيانه بلا وجوب.

5 - ما إذا نسي فقرأ في الرِّكعة الأولى من فريضة يوم الجمعة غير سورة الجمعة وتذكَّر بعد أن تجاوز النِّصف فإنَّه يستحب له العدول إلى النَّافلة ثمَّ يستأنف الفريضة ويقرأ سورتها.

6 - ما إذا دخل في فريضة منفرداً ثمَّ أقيمت الجماعة فإنَّه يستحب له العدول بها إلى النَّافلة مع بقاء مجال الالتحاق ثمَّ يقطعها ويدخل في الجماعة.

7 - ما إذا دخل المسافر في القصر ثمَّ نوى الإقامة قبل التَّسليم فإنَّه يعدل بها إلى التَّمام، وإذا دخل المقيم في التَّمام فعدل عن الإقامة قبل ركوع الرَّكعة الثَّالثة عدل إلى القصر، وإذا كان بعد الرُّكوع بطلت صلاته.

ص: 67

الوَاجبُ الثَّانِي وَالرُّكْنِي تَكْبِيرَةُ الإِحرَامِ وَأحْكَامُهَا

وتسمَّى أيضاً تكبيرة الافتتاح، لافتتاح وابتداء الصَّلاة بها.

(مسألة 175) يجب إتيان تكبيرة الإحرام باللُّغة العربيَّة الصَّحيحة مادَّة وهيئة، وصورتها (الله أكبر)،ولا يجزي عنها مرادفتها بالعربية وغير العربيَّة ولا ترجمتها كذلك، والجاهل بها يجب عليه التَّعلُّم أو يلقِّنه العارف، فإن لم يتمكَّن منها أكتفي بالمقدار الممكن منها، فإذا تمَّت على الوجه الصَّحيح حرم عليه كل ما لا يجوز فعله من منافيات الصَّلاة الآتية، ولذا سميَّت بتكبيرة الإحرام.

(مسألة 176) تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصَّلاة - كما مرَّ - تبطل الصَّلاة بنقصها عمداً أو سهواً أو جهلاً، وكذا بزيادتها عمداً - دون السَّهو على ما سيتَّضح في المستثنيات - فلو كبَّر بقصد الافتتاح وأتى بها صحيحة ثمَّ زاد بهذا القصد ثانية بطلت واحتاج إلى ثالثة، فإن زادها رابعة بنفس القصد احتاج إلى خامسة، وهكذا تبطل بالزِّيادة شفعاً وتصح وتراً.

(مسألة 177) يجب حال تكبيرة الإحرام القيام التَّام عند التَّمكُّن منه لوجوبه الركني الآتي، فإذا تركه - عمداً أو سهواً - بطلت من غير فرق بين المنفرد والمأموم الَّذي أدرك الإمام راكعاً، بل يجب التَّربُّص في الجملة حتَّى يعلم بوقوع تمام التَّكبير قائماً.

(مسألة 178) يجب الاستقرار في القيام حال تكبيرة الإحرام، بمعنى الانتصاب وعدم الحركة مطمئنَّاً فيه، وحينئذ تبطل الصَّلاة بتركه عمداً دون السَّهو.

(مسألة 179) يجب - على الأحوط - الفصل بينها وبين ما قبلها من الإقامة أو الدُّعاء، وكذا بما بعدها من البسملة أو الاستعاذة أو غيرهما من الكلمات، كما أنَّ الأحوط وجوباً عدم تعقيب اسم الجلالة بشيء من صفاته تعالى، فلا يجوز أن يقول مثلاً (الله العظيم أكبر).

ص: 68

(مسألة 180) ينبغي على المصلِّي العناية بتفخيم اللام في لفظ الجلالة (الله ) والرَّاء في (أكبر)، كما يجب إظهار إعراب الرَّاء في كلمة (أكبر) حين وصلها بما بعدها من البسملة وغيرها بضمِّ الرَّاء وتسكينها حين اختيار الوقف قليلاً على آخرها.

(مسألة 181) يجب على المصلِّي في التَّكبيرة - على الأقل - أن يسمع نفسه بها، ولو كان هناك مانع كثقل السَّمع أو غيره فيكفي الإتيان بها بحيث لو ارتفعت هذه الموانع لسمع.

(مسألة 182) الأخرس أو من به خلل في لسانه يأتي بما يمكنه ويسعه من لفظ التَّكبيرة، فإن عجز عن التَّلفُّظ بها كفاه الإخطار بالقلب والإيماء لها بالإصبع مع تحريك لسانه بها إن أمكن.

(مسألة 183) من شكَّ في صحَّة التَّكبيرة بعد إتيانها فإن دخل فيما بعدها من القراءة أو غيرها بنى على الصحَّة، وإن لم يدخل أبطل صلاته وأتى بالتَّكبيرة، وكذا من شكَّ في إتيان التَّكبيرة وقد دخل فيما بعدها فلا يعتني بشكِّه، ولو لم يدخل أتى بها وجوباً، بل وكذا لو دخل فيما بعدها وكان من ابتلائه الغفلة أحياناً عن الإتيان بها احتياطاً ما لم يكن شكَّاً.

(مسألة 184) إذا كبَّر ثمَّ شكَّ في أنَّها تكبيرة الإحرام أو تكبيرة الرُّكوع ؟ بنى على الأولى.

(مسألة 185) يستحب الإتيان بستِّ تكبيرات زيادة على تكبيرة الإحرام فيكون المجموع سبعة، وتسمَّى بالتَّكبيرات الافتتاحيَّة، ويجوز الاقتصار على الخمس وعلى الثَّلاث، ويجعل الأخيرة تكبيرة الإحرام إن شاء.

(مسألة 186) يستحب للمصلِّي أن يدعوا بهذا الدُّعاء بعد تكبيرة الإحرام:-

(يَا مُحْسِنُ قَدْ أَتَاكَ اَلمُسِيءُ، وَقَدْ أَمَرْتَ اَلمُحْسِنَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْ اَلمُسِيءِ، أَنْتَ اَلمُحْسِنُ وَأَنَا اَلمُسِيءُ، بِحَقِّ محمد وَآلِ محمد، صَلِّ عَلَى محمد وآل محمد، وَتَجَاوَزْ عَنْ قَبِيحِ مَا تَعْلَمُ مِنِّي).

ص: 69

(مسألة 187) يجوز الإتيان بسبع تكبيرات متوالية من غير فصل بالدُّعاء، ولكنَّ الأفضل أن يأتي بثلاث منها ثمَّ يقول:-

(اللَّهُمَّ أنْتَ المَلَكُ الحَقُّ لاَ إلَهَ إلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفَسِي فَاغْفِرْ ذَنْبِي إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنوبَ إِلاَّ أَنْتَ)، ثمَّ يأتي بتكبيرتين ويقول:-

(لَبَّيكَ وَسَعْدَيكَ وَاَلخَيرُ فِي يَدَيكَ وَالشَّرِيكُ لَيْسَ إِلَيكَ وَاَلمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ وَلاَ مَلْجَأ مِنْكَ إِلاَّ إِلَيكَ سُبْحَانَكَ وَحَنَانَيكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيتَ سُبْحَانَكَ رَبِّ اَلبَيتِ)، ثمَّ يأتي بتكبيرتين ويقول:-

(وَجَّهتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلأَرْضِ عَالِمِ اَلغَيبِ وَاَلشَّهَادَةِ حَنِيفَاً مُسْلِمَاً وَمَا أَنَا مِنَ اَلمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ اَلعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلكَ أُمرْتُ وَأَنَا مِنَ اَلمُسْلِمين)، ثمَّ يشرع في الاستعاذة وسورة الحمد، وهناك أدعية ومندوبات أخرى مذكورة في كتب الأدعية والمستحبَّات.

(مسألة 188) يستحب للإمام - في صلاة الجماعة - الاجهار بتكبيرة الإحرام من بين التَّكبيرات السَّبع على وجه يسمع من خلفه بها دون التَّكبيرات الستِّ المتبقيَّة لاستحباب الاخفات فيها.

(مسألة 189) يستحب حال تكبيرة الإحرام - وبقيَّة تكبيرات الصَّلاة - رفع اليدين إلى الأذنين أو مقابل الوجه أو إلى النَّحر، مضمومة الأصابع حتَّى الإبهام والخنصر مستقبلاً بباطنهما القبلة.

الوَاجِبُ الثَّالِث وَالرُّكْنِي القِيَامُ وَأَحْكَامُه

(مسألة 190) القيام ركن في حال تكبيرة الإحرام - كما مرَّ - وقبل الرُّكوع المسمَّى ب- (القيام المتَّصل بالرُّكوع)، فمن

تركه حال تكبيرة الإحرام، أو ركع جالساً، أو كان جالساً فنهض مقوِّساً ظهره - غير منتصب - حتَّى وصل إلى حالة الرَّاكع ليجعل ذلك ركوعاً بطلت صلاته من

ص: 70

دون فرق بين العمد والجهل والسَّهو والنِّسيان.

(مسألة 191) القيام في غير الحالتين المتقدِّمتين ليس بواجب ركني في الصَّلاة، وإنَّما هو واجب ليس بصفة الرُّكن وكمقدِّمة للواجب الرُّكني - كالقيام حال القراءة وهكذا القيام بعد الرُّكوع - ولازمهما عدم بطلان الصَّلاة بتركهما سهواً.

وقد يكون القيام مستحبَّاً كالقيام حال القنوت، وقد يكون مباحاً كالقيام بعد القراءة أو التَّسبيح أو القنوت، وقد يكون محرَّماً إذا زاد على القدر المتعارف المعتد به كما في القيام حالة الإخلال بالموالاة بين الأفعال.

(مسألة 192) يعتبر في القيام أمور وهي:-

الأوَّل: الاستقرار - بمعنى الانتصاب والاعتدال - مع الإمكان، فلو انحنى أو مال إلى أحد الجانبين عمداً بلا اضطرار بطلت صلاته.

الثَّاني: الاستقرار - بمعنى الطَّمأنينة وعدم الاضطراب والحركة - مع الإمكان.

(مسألة 193) لا بأس بتحريك الرِّجل عند الهوي للرُّكوع، والأحوط وجوباً انتصاب العنق حال القيام، ولا بأس بإطراق الرَّأس معه.

الثَّالث: الاستقلال بمعنى عدم الاستناد إلى شيء مع الإمكان، فلا يجوز الإتِّكاء على العصا أو الجدار أو الإنسان اختياراً.

الرَّابع: الاعتماد على القدمين عند الوقوف دون الأصابع وحدها أو أصل القدمين فقط على الأحوط وجوباً، ولا يجب التَّسوية بين الرِّجلين في الاعتماد، بل له أن يجعل تمام ثقله على أحد الرِّجلين إذا كانت الأخرى موضوعة على الأرض كذلك، ومن ذلك الحالة التَّرويحيَّة.

الخامس: عدم التَّفريج الفاحش، فلو فرَّج بينهما على نحو يخرج عن الاستقامة عرفاً بطلت صلاته.

ص: 71

(مسألة 194) يجب الاستقرار والطَّمأنينة حال القراءة حتَّى الأذكار المستحبَّة، ولابدَّ من ترك القراءة إذا أراد التَّقدُّم أو التَّأخُّر قليلاً أو الميل يميناً وشمالاً بما يحقِّق الواجب الشَّرعي ومن ثَمَّ يرجع إلى القراءة، وكذا لو تحرَّك قهراً لريح أو زحام أو غيرهما.

(مسألة 195) لو اشتغل بالذِّكر حال الحركة، كما إذا كبَّر في حال الهوي إلى الرُّكوع، فإذا كان تكبيره بعنوان الذِّكر الوارد في الصَّلاة فلا يبعد البطلان، وأمَّا إذا كان بعنوان أنَّه ذكر من الأذكار الأخرى المطلقة فصلاته صحيحة.

(مسألة 196) لا بأس بتحريك اليد والأصابع حال القراءة مع سكون بقيَّة بدنه، وإن كان الأحوط استحباباً تركه.

(مسألة 197) لو تحرَّك في حال الذِّكر كالتَّسبيحات أو القراءة بحيث يخرج عن الاستقرار غير الماحي في خصوص تلك الحال، فيجب عليه إعادة ما قرأه حال حركته بعد الاستقرار، أمَّا إذا كانت تلك الحركة ماحية لصورة الصَّلاة فيجب إعادة الصَّلاة.

(مسألة 198) إذا عجز عن بعض ما ذكرناه سقط عنه اعتباره وبقي اعتبار الباقي فإذا عجز عن القيام ولو منحنياً أو مستنداً إلى عصا ونحوه أو منفرج الرِّجلين أو غير ذلك من أنواع القيام سقط اعتباره في حقِّه ووجب أن يصلِّي جالساً مع الانتصاب والاستقرار والطَّمأنينة والاستقلال مع الإمكان.وإذا تعذَّر عليه الجلوس مع الانتصاب والاستقرار وغيرهما ممَّا ذكرناه سقط عنه اعتبار ذلك المتعذِّر وبقي اعتبار الممكن منه، فإذا عجز عن الجلوس بجميع أنواعه المتقدِّمة صلَّى مضطجعاً على الجانب الأيمن متوجِّهاً إلى القبلة كهيئة المدفون، وإذا تعذَّر اضطجع على الجانب الأيسر وإن لم يمكنه ذلك صلَّى مستلقياً ورجلاه إلى القبلة كهيئة المحتضر، والأحوط أن يومئ برأسه للرُّكوع والسُّجود مع الإمكان، وليجعل إيماء سجوده أكثر من إيماء ركوعه مع إمكانه، ومع العجز عن أصل الإيماء بالرَّأس يومئ بعينيه.

(مسألة 199) إذا عجز عن القيام ببعض الصَّلاة دون بعض آخر وجب

ص: 72

القيام في ذلك البعض، ومن ذلك ما لو قدر على الوقوف لتكبيرة الإحرام والقراءة إلى الرُّكوع إلى أن يعجز تماماً فيجلس بعد العجز عن القيام ما دام عاجزاً، أمَّا لو جلس وأحسَّ بالقدرة على القيام وجب القيام، ولا يجب استئناف ما أتى به حال الجلوس العذري، هذا في ضيق الوقت.

وأمَّا إذا كان في سعته فإن استمرَّ العذر إلى آخر الوقت صحَّت صلاته، وإن لم يستمر فإن استطاع على القيام في أثناء الصَّلاة كأن تجدَّدت القدرة بعد القراءة وقبل الرُّكوع استأنف القراءة عن قيام ومضى في صلاته، وإلاَّ بأن حصلت الاستطاعة بعد انتهاء الصَّلاة فإن كان الفائت القيام في حال تكبيرة الإحرام أو القيام المتِّصل بالرُّكوع أعاد الصَّلاة، وإلاَّ لم تجب الإعادة.

(مسألة 200) لو قدر على القيام وعجز عن الرُّكوع قائماً وجبت الصَّلاة قائماً ثمَّ يجلس ويركع ركوع الجالس ويسجد وهكذا يتم صلاته، وإذا لم يتمكَّن من الرُّكوع والسُّجود جالساً وجبت الصَّلاة قائماً ووجب الإيماء للرُّكوع والسُّجود، فلو تمكَّن من الجلوس جلس لإيماء السُّجود على الأحوط الأولى.

(مسألة 201) إذا هوى لغير الرُّكوع وفي أثنائه نواه لم يجزئ وصلاته باطلة، إذ لم يكن ركوعه عن قيام وإن كان ناسياً أو جاهلاً، أمَّا إذا لم يصلِّ إلى حد الرُّكوع انتصب قائماً وركع عنه وصلاته صحيحة.

(مسألة 202) من وجد نفسه قائماً وشكَّ في أنَّه هل قام من ركوعه أو أنَّه لا يزال في كونه لم يركع وجب عليه الرُّكوع.

(مسألة 203) إذا هوى إلى السُّجود ولم يسجد بعد وشكَّ في أنَّه هل ركع أم لا وجب عليه أن يقوم منتصباً ثمَّ يركع.

(مسألة 204) يستحب في حال القيام أمور وهي:-

1- الحفاظ على انتصاب جميع بدنه.

2- إسدال المنكبين، وإرسال اليدين إرسالاً طبيعيَّاً، أمَّا التَّكفير فهو محرَّم كما سيجيء.

3- وضع الكفَّين على الفخذين قبال الرُّكبتين.

ص: 73

4- ضم أصابع الكفَّين.

5- النَّظر إلى موضع السُّجود.

6- الاعتماد على القدمين بصورة متساوية.

7- صفِّ القدمين متحاذيين، ولا يقدِّم إحدى الرِّجلين على الأخرى.

8- الفصل بين الرِّجلين من ثلاث أصابع مفرجات إلى شبر إذا كان رجلاً، وإذا كانت امرأة فتلصق رجليها.

9- الخضوع والخشوع كالعبد الذَّليل بين يدي المولى الجليل كما مرَّ توضيحه.

الوَاجبُ الرَّابِع القِرَاءَةُ وَأَحْكَامُهَا

(مسألة 205) يجب على المصلِّي في الرَّكعة الأولى والثَّانية من كل صلاة - فريضة أو نافلة - قراءة فاتحة الكتاب، وفي خصوص الفريضة يجب قراءة سورة كاملة من القرآن الكريم بعد فاتحة الكتاب، وكذا إن صارت نافلة كالمعادة في الجماعة، فلو قدَّم السُّورة عليها عمداً بطلت الصَّلاة، ولو قدَّمها سهواً مضى في صلاته إذا تذكَّر بعد الرُّكوع.

(مسألة 206) قراءة فاتحة الكتاب والسُّورة في الرَّكعة الأولى والثَّانية واجبة وليستا بركن، بمعنى أنَّ الصَّلاة لا تبطل بتركهما سهواً، فلو تركهما وتذكَّر بعد الدُّخول في الرُّكوع صحَّت صلاته، وعليه سجدتا السَّهو مرَّتين، مرَّة لتركه الحمد وأخرى للسُّورة، ولكن بعد قضاء الفاتحة، لأنَّه (لا صلاة إلاَّ بفاتحة الكتاب) على ما سيجيء في الكلام عن قضاء الأجزاء المنسيَّة.

(مسألة 207) يكره ترك قراءة سورة التَّوحيد في جميع الفرائض اليوميَّة الخمس ولو مرَّة، بل الأحوط الإتيان بها في إحدى الرَّكعتين لو أتى بغيرها في الأخرى.

(مسألة 208) لو تذكَّر المصلِّي قبل الانحناء للرُّكوع أنَّه ترك سورة الحمد

ص: 74

والسُّورة وجب الإتيان بهما، وإن تذكَّر أنَّه قرأ السُّورة ونسي الحمد أتى بالحمد وبعدها السُّورة لرعاية التَّرتيب مع سجود السَّهو بعد ذلك لزيادة السُّورة قبل الحمد، وإن تذكَّر أنَّه أتى بالحمد فقط قرأ السُّورة ومضى في صلاته.

وهكذا بالنِّسبة إلى من انحنى ولم يصلِّ إلى حد الرُّكوع وجب أن يرجع ويقرأ ما نسي، بشرط ملاحظة التَّرتيب المذكور.

(مسألة 209) يجوز في جميع الفرائض ترك السُّورة الَّتي التزم بها وقراءة سورة أخرى ما لم يبلغ فيها إلى النِّصف ولم تكن المتروكة سورة التَّوحيد [قُلْ هُوَ الله أَحَد] أو سورة الجحد [قُلْ يَاءَيُهَا اَلكَافِرُون]، أمَّا لو شرع المصلِّي بقراءة سورة التَّوحيد أو سورة الجحد فلا يجوز له العدول من كل منهما إلى الأخرى ولا إلى غيرهما حتَّى لو قرأ البسملة من إحداهما، إلاَّ في صلاة الجمعة وظهرها إذا دخل فيها نسياناً وقبل أن يصلِّ إلى النِّصف ممَّا عدا التَّوحيد والجحد فيجوز له تركها وقراءة سورة الجمعة بعد الحمد في الرَّكعة الأولى وفي الثَّانية بعد الحمد سورة المنافقين.

(مسألة 210) لا تجب قراءة السُّورة في النَّوافل الَّتي لم يرد في كيفيِّتها سورة مخصوصة وإن صارت واجبة بالنَّذر على الأقوى، لكنَّها مستحبَّة ومن دلائل الكمال الإتيان بها.

وأمَّا النَّوافل الَّتي وردت في كيفيَّتها سور مخصوصة فإن كانت شرطاً لكمالها لا في وجودها - أي لكونها مستحب في مستحب كما هو الغالب - فلا مانع من تركها، وإلاَّ فيلزم الإتيان بها لتوقُّف الصَّحة على ذلك كالفاتحة.

(مسألة 211) يسقط وجوب السُّورة في الفريضة في حالات وإن جاوز النِّصف، بل لا يجوز في بعض منها:-

1- عن المريض إذا كان في قراءتها مشقَّة عليه.

2- إذا كان وقت الصَّلاة ضيِّقاً، بحيث إذا قرأ السُّورة يقع قسم من الصَّلاة خارج الوقت مع إمكان جميعها في داخله بدونها.

3- المستعجل لشأن من الشُّؤون المهمَّة كالموعد المؤقت بما يضرُّه لو تخلَّف

ص: 75

عنه.

4- الخائف على نفسه أو ماله أو على من يهمُّه من سبع أو لص أو غيرهما.

5- التَّقيَّة لو أتى محلُّها المناسب، لوجود من لم يلتزم بها من بعض المذاهب ممَّن قد يتعصَّب لذلك، إذ لا داعي لتركها لكونها من صغريات الأمور الواجبة فتترك لمحاولة دفع الشَّر أو درئ الصَّدع عمَّا بين المسلمين ممَّا قد يكون أهم.

(مسألة 212) لا تجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السِّور الطِّوال كسورة البقرة، فإن قرأها عامداً بطلت صلاته، وإن كان ساهياً عدل إلى غيرها عند سعة الوقت، وعند ضيقه قطعها وركع وصحَّت صلاته للضَّرورة.

(مسألة 213) لا تجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة فلو قرأها عمداً بطلت صلاته لاستلزامها زيادة السُّجود في الأثناء، ولو قرأها سهواً فإن تذكَّر قبل بلوغ آية السَّجدة عدل إلى غيرها من السِّور، وإن تذكَّر بعد آية السَّجدة من الأثناء أومأ إلى السُّجود وصحَّت صلاته وسجد بعدها وإن سجد للقراءة نسياناً أثناءها أتَّمها وقد صحَّت صلاته أيضاً، وأمَّا إذا سجد لها ملتفتاً أعاد صلاته.

(مسألة 214) البسملة جزء من كل سورة على الظَّاهر وتجب قراءتها معها عدا سورة براءة، وإذا عيَّنها لسورة لم يجز قراءة غيرها إلاَّ بعد إعادة البسملة الخاصَّة بالسُّورة الأخرىالَّتي يريدها.

(مسألة 215) إذا قرأ البسملة ولم يعيِّن السُّورة وجبت إعادتها مع تعيين السُّورة، أمَّا إذا كان بانياً من أوَّل الرَّكعة أو من أوَّل صلاته أن يقرأ سورة معيَّنة فنسي وقرأ غيرها كفى ولم تجب إعادة السُّورة، وكذا لو كانت من عادته أن يقرأ سورة معيَّنة فقرأ غيرها، لكن لابدَّ في الجميع من أن تكون بسملتها الخاصَّة بها مقصودة قبلها.

(مسألة 216) المشهور الفقهي جعل سورتي الفيل والإيلاف - في الصَّلاة - سورة واحدة، وكذا سورتي الضُّحى وألم نشرح وهو الأحوط إن اختيرت قراءة كلٍّ منهما، ولكنَّ الأكثر احتياطاً اختيار المفردات المتعارفة من السُّور لو لم

ص: 76

يحتج إلى تلكما السُّورتين حين كونهما المحفوظتين عند المكلَّف دون غيرهما.

(مسألة 217) البسملة مع كلٍّ من سورتي الفيل والإيلاف وسورتي الضُّحى وألم نشرح واجبة لا يجوز تركها.

(مسألة 218) المعوِّذتان من القرآن ويجوز قراءتهما في الصَّلاة، وتعد كل منهما بسورة مستقلِّة.

(مسألة 219) يجب أن تكون القراءة صحيحة أدبيَّاً نحويَّاً وصرفيَّاً وتجويديَّاً في الجملة، ولا بأس بأن تكون موافقة لإحدى القراءات المعروفة فقط، ويكون أداء الحروف وإخراجها على النَّحو المتداول في لغة العرب، ويجب أن تكون هيئة الكلمة موافقة للأسلوب العربي من حيث السُّكون والحركة والإعراب والبناء والحذف والقلب والمدِّ في موارده الواجبة - كقوله تعالى [وَلاَ اَلضَّآلِّين] ونحوه كما سيأتي - والإدغام على الأحوط والتَّفخيم للفظ الجلالة إذا لم يكن مسبوقاً بلام الجر والتَّرقيق إذا كان مسبوقاً به مثلاً والقلقلة كإظهار لام [إنَّا أَنْزَلْنَاه] على أن لا تصل إليها وهو معنى إظهارها كثيراً ونحو ذلك، فإذا أخلَّ بشيء من ذلك عمداً بطلت صلاته.

(مسألة 220) يجب على كل إنسان أن يتعلَّم قواعد القراءة الصَّحيحة - ولو بأجرة - حتَّى يؤدِّيها غير ملحنة، ومن لم يستطع تعلُّمها أو كان الوقت ضيِّقاً للتَّعلُّم صلَّى جماعة على الأحوط وجوباً مع الإمكان وإلاَّ أتى بها بالمقدار الممكن.

(مسألة 221) يجوز للمصلِّي عند الحاجة أن يقرأ نظراً في المصحف الشَّريف مع المحافظة على الطَّمأنينة، كمن يريد الاحتياط في القراءة على حركات الإعراب وما هو مقرَّر لكل حرف في اللغة العربية من ضم أو فتح أو غير ذلك، وكذا يجوز تلقين القراءة ممَّن يحسنها ويتقنها لمن يفقد ذلك.

(مسألة 222) إذا استعمل حرف مكان أخر عمداً، مثل استعمال ال- (ض) أخت الصَّاد في مكان ال- (ظ) أخت الطَّاء، أو بالعكس، أو كان يلزم عليه تحريك بعض الكلمات أو تشديدها ولم يفعل ذلك فصلاته باطلة، بل حتَّى لو

ص: 77

كان ذلك عن جهل تقصيري التفاتي على الأحوط.

(مسألة 223) إذا علم المكلَّف بصحَّة كلمة فقرأها في الصَّلاة ثمَّ بعد الصَّلاة علم بخطأها وجب عليه إعادة الصَّلاة إن كان الوقت موسَّعاً وكان مقصِّراً في التَّعلًّم مع التفات، وإن كان الوقت ضيِّقاً قضاها بعد انتهاءه، ولو لم يعلم بحركات بعض الكلمات أو حروفها كما لو لم يعلم بقراءة (الصِّراط) أنَّها مع ال- (ص) أو ال- (س) وجب عليه التَّعلُّم، وإن كان كل من الكلمتين صحيحة حسب القراءة لارتباط قبول الامتثال وعدمه بالاختيار وحسنه لا بعدمه.

ولا يجوز القراءة بكلتا الصُّورتين حذراً من التَّشريع، إلاَّ إذا لم يوجب التَّردُّد الحاصل - في الصَّلاة - بين القراءتين خروج الكلمة عن كونها ذكراً.(مسألة 224) يلزم المد على الأحوط لزوماً في جملة من الموارد، فلو تركه فيها لا يجب إتمامها وإعادتها، بل يجوز له قطع الصَّلاة وإعادتها من جديد، والموارد هي:-

الأوَّل: إذا كانت في كلمة واو وما قبلها ضمَّة، وما بعدها همزة مثل كلمة سوء فيجب المد في واوها.

الثَّاني: إذا كانت في كلمة ألف وفيما قبلها فتحة وما بعدها همزة مثل كلمة جاء فيجب المد في الألف الَّتي فيها.

الثَّالث: إذا كانت في كلمة ياء وما قبلها كسرة وما بعدها همزة مثل كلمة جيء فيجب المد في الياء الَّتي فيها.

الرَّابع: إذا كان أحد هذه الحروف أي الواو والياء والألف في كلمة وما بعدها حرف ساكن وجب المد أيضاً مثل كلمة (الضَّالِّين) الَّذي يكون فيما بعد حرف ألفها حرف ساكن وهو حرف اللام، فالمد يكون في ذلك الألف حينئذ واجباً كما مرَّ ذكره.

(مسألة 225) يجب - على الأحوط - ترك الوقف بالحركة، ومعناها الوقف

ص: 78

على آخر الكلمة بتحريك، فلا يكسر ميم الرَّحيم في آية [اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ] بدون درج ويتوقَّف قليلاً بسكون إن أراد الوقف ثمَّ بعد ذلك يشتغل بالآية الَّتي بعدها وهكذا باقي الكلمات.

وكذا يجب ترك الوصل بالسُّكون غير الأصيل في آخر الكلمة، ومعناه تسكين آخر الكلمة المتحرِّك ووصلها بالكلمة الَّتي بعدها، فلا يجوز تسكين ميم (الرَّحيم) ووصلها ب- (مالك يوم الدِّين) من دون تحريكها الطَّبيعي.

(مسألة 226) تجوز قراءة [مَاَلَكِ يَوَمِ اَلدِّينِ] و [مَلِكِ يَوَمِ اَلدِّينِ]، ولا يكتفي بقراءة (ملك) بفعل ماضٍ مبني على الفتح، لأنَّها قراءة شاذَّة، ويجوز في (كفواً) أن يقرأ بضم الفاء وبسكونها مع الهمزة أو الواو.

(مسألة 227) إذا أراد المصلَّي وصل [قُلْ هُوَ الله أَحَد] ب- (الله الصَّمَد) فإمَّا أن يقول ما هكذا صورته (أحدنِ الله الصَّمد) بضم الدَّال وكسر النُّون الَّذي أصله نون ساكنة وجعلها متحرِّكة لإيصال نون هذه القراءة مكسورة بلفظ الجلالة المرقَّق لامه الأوَّل، وإمَّا (أحدُ الله ) بضم الدَّال وصلاً بلفظ الجلالة المفخَّمة لامه بسبب ضم آخر (أحد) بلا تنوين.

الوَاجبُ الخَامِس التَّسْبِيحَات ِفي الصَّلاَة

(مسألة 228) يتخيَّر المصلِّي في أخيرتي الظُّهرين وفي الرَّكعة الثَّالثة من المغرب والأخيرتين من العشاء بين قراءة سورة الفاتحة والذكر، وهو المعبر عنه بالتَّسبيح، ويجوز التَّفريق بين الرِّكعة الثَّالثة والرَّابعة، بأن يقرأ في الثَّالثة الحمد فقط وفي الرَّابعة التَّسبيحات وبالعكس، وعلى أن يفضَّل للإمام قراءة الفاتحة وللمأموم التَّسبيحات في الجماعة.

(مسألة 229) صورة التَّسبيح وهو المسمَّى بالتَّسبيحة الكبرى (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاَّ الله والله

أكبر) ويجب - على الأحوط - تكرارها ثلاث مرَّات مع سعة الوقت لتقارب مقدار الفاتحة، ومع ضيقه تجزي المرَّة الواحدة،

ص: 79

والأوَّلى إضافة الاستغفار بعده.

(مسألة 230) تجب المحافظة على العربية في الذِّكر وأداؤه صحيحاً كقراءة القرآن.

(مسألة 231) إذا لم يتمكَّن المصلِّي من إتيان الذِّكر (التَّسبيحات) بصورة صحيحة أو منعه مانع آخر وجب عليه قراءة سورة الحمد.

(مسألة 232) إذا قرأ الحمد باعتقاد أنَّه في الأوَّليتين فذكر أنَّه في الأخيرتين اجتزأ بها، سواء التفت بذلك قبل الرُّكوع أو بعده ولا يحتاج إلى إعادة القراءة ولا التَّسبيح وبالأخص إذا كان من عادته القراءة، وكذا لو قرأ بتخيل أنَّه في الأخيرتين فتبين أنَّه في الأوَّليتين مع الاحتياط في كلا الفرضين بالإعادة من الأوَّل لقرن القراءة بالقصد إذا كان التَّذكُّر قبل الركوع.

(مسألة 233) إذا قصد المصلِّي في الرَّكعة الثَّالثة أو الرَّابعة قراءة الحمد فقرأ التَّسبيحات اشتباهاً أو قصد التَّسبيحات فقرأ الحمد كذلك فالأحوط وجوباً ترك ما قرأه ويبتدأ بما شاء منهما، نعم لو كان من عادته قراءة ما سبق إليه لسانه يكتفي به وصلاته صحيحة.

(مسألة 234) من قرأ الحمد وكان من عادته قراءة التَّسبيحات وجب عليه - على الأحوط - ترك الحمد ويشرع في التَّسبيحات أو الحمد إن شاء بقصد جديد.

(مسألة 235) إذا شكَّ في قراءة الحمد أو التَّسبيحات وعدمها وهو يستغفر مصادفة فالأحوط وجوباً قراءة الحمد أو السُّورة، وإن كان من عادته الاستغفار بعدهما دائماً لا يعتني بشكِّه ومضى في صلاته، وأمَّا إذا كان من عادته الاستغفار بعد كل عمل وفي كل حال غالباً وشكوجب قراءة الحمد أو التَّسبيحات، وهكذا الحكم إن لم يكن مشتغلاً بالاستغفار وهو غير راكع فشكَّ في إتيان أحدهما فيلزم القراءة أو التَّسبيح.

(مسألة 236) إذا شكَّ - في الثَّالثة أو الرَّابعة - أنَّه هل أتى بالحمد أو التَّسبيحات أم لا، فإن كان شكُّه أثناء ركوعهما فلا يعتني بشكِّه، وإن كان في

ص: 80

بداية الهوي للرُّكوع قبل الانحناء التَّام وجب الرُّجوع ثمَّ القراءة أو التَّسبيح، كي يكون الركوع بعد إحراز أحدهما.

(مسألة 237) لو شكَّ المصلِّي في أداء كلمة بشكل صحيح أو خطأ، فإن لم يكن مشتغلاً بالشَّيء الَّذي بعدها وجب إعادتها بشكل صحيح، وإن كان مشتغلاً بذلك فتارة يكون ركناً وأخرى غير ركن، وفي الصُّورة الأولى لا يجوز الرُّجوع لتدارك المشكوك في إتيانه لئلاَّ تكون زيادة ركنيَّة أخرى ممَّنوعة، وفي الثَّانية لا يحتاج إليه للتَّجاوز بل يحتاط بتداركه صحيحاً، وهكذا الحكم إذا شكَّ مرَّات جاز له العمل بشكِّه احتياطاً فيما لو لم يؤدِّ إلى كثرة الشَّك أو الوسوسة، وإذا أدَّى إلى ذلك وجب احتياطاً الإعادة إذا بنى عليه، لأنَّ البناء على مثل هذا الشَّك موجب للبطلان.

(مسألة 238) يجب التَّرتيب والموالاة في الكلمات والحروف حال القراءة، فلو أخلَّ بشيء من ذلك عمداً بطلت صلاته.

مِنْ كَيفِيَّاتِ القِرَاءَة مَسَائِلٌ ِفي الجَهْرِ وَالإِخْفَات

(مسألة 239) يجب على الرِّجال الجهر في قراءة الحمد والسُّورة من صلاة الصُّبح والأوَّليين من المغرب والعشاء كما

يجب الاخفات في غير الأوَّليين من الأخيرتين وفي الظُّهر والعصر في غير الجمعة - عدا البسملة -، وفي يوم الجمعة يستحب للإمام الإجهار في صلاتها أو ظهرها، والبقاء على الاخفات - احتياطاً - فيما لو صلاَّها المصلِّي فرادى.

(مسألة 240) ليس على النِّساء جهر في الصَّلوات الجهريَّة، بل يتخيَّرن فيها بينه وبين الاخفات فيما لو لم يكن هناك أجنبي يسمع صوتهنَّ، وبالأخص لو أمَّتهنَّ امرأة في تلك الصَّلاة، أمَّا لو كان هناك أجنبي فالأحوط وجوباً الاخفات.

(مسألة 241) المدار في الإجهار هو الصِّدق العرفي، فلا يجوز الإفراط في

ص: 81

الجهر عمداً كالصِّياح وصلاته باطلة، ولا التَّفريط بتركه في مقامه ولو بمسمَّاه، كما أنَّ المدار في الاخفات هو أن يسمع القارئ نفسه تحقيقاً - إذا لم يمنعه مانع عن السُّماع كالصَّمم - أو تقديراً - لو منعه مانع من صمم أو غيره - بحيث لو ارتفع المانع لسمع.

(مسألة 242) لو جهر المصلِّي في موضع الاخفات أو أخفت في موضع الجهر فإن كان عامداُ بطلت صلاته، وإن كان عن جهل بالحكم ولم يكن ملتفتاً إلى السُّؤال والتَّعلُّم فصلاته صحيحة، أمَّا في حالة النِّسيان فإن تذكَّر ذلك في أثناء القراءة فلا يجب إعادة ما سبق وعمل بوظيفته فيما تبقَّى.

مُسْتَحبَّاتُ وَمَكْرُوهَاتُ القِرَاءَة

(مسألة 243) يستحب للمصلِّي في القراءة أمور:-

1- الاستعاذة - قبل الشُّروع في القراءة - إخفاتاً، وهي (أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم) لقوله تعالى [فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)].

2- الجهر بالبسملة في الأوَّليين من الظُّهرين مع البسملات في الصَّلوات الأخرى لأنَّه من علامات المؤمن كما في الخبر، ولأنَّ البسملة روح الفاتحة والفاتحة خلاصة القران وبالبسملة دفع شر الشِّيطان ولم يكن الإخفات مثل الجهر في الدَّفع من حيث الأثر الوضعي المعلوم فضلاُ عمَّن لم يأت بها بالمرَّة بل عُدَّ من يخفت بقراءتها منافقاً.

3- التَّرتيل في القراءة وتحسين الصَّوت من دون غناء فإنَّه محرَّم.

4- الوقوف على فواصل الآيات.

5- الإلتفات إلى معاني الآيات.

6- السَّكتة بين الحمد والسُّورة، وبين السُّورة وتكبير الرُّكوع أو القنوت وهكذا.

ص: 82

7- أن يقول بعد فراغه من الفاتحة - إذا كان منفرداً - (الحمد لله ربِّ العالمين)، وبعد فراغ الإمام إذا كان مأموماً.

8- أن يقول بعد الفراغ من التَّوحيد (كذلك الله ربِّي).

9- قراءة بعض السُّور في بعض الصَّلوات وهي:-

أ. قراءة سورة (عمَّ) و (هل أتى) و (هل أتاك) و (لا أقسم بيوم القيامة) في صلاة الصُّبح.

ب. قراءة سورة (الأعلى) و (والشَّمس) ونحوهما في الظُّهر والعشاء.

ج. قراءة سورة (النَّصر) و (التَّكاثر) في العصر والمغرب.

د. قراءة سورة (الجمعة) في الرَّكعة الأولى، وسورة (الأعلى) في الثَّانية من العشاءين في ليلة الجمعة.

ه. قراءة سورة (الجمعة) في الأولى و (التَّوحيد) من صبح يوم الجمعة.

و. قراءة سورة (الجمعة) في الأولى و (المنافقون) في الثَّانية من ظهر يوم الجمعة.

ز. قراءة سورة (هل أتى) في الأولى و (هل أتاك) في الثَّانية في صبح الخميس والاثنين.

بل يستحب في كل صلاة قراءة سورة القدر في الرَّكعة الأولى والتَّوحيد في الثَّانية، وروي أنَّ من عدل عن غيرهما إليهما لما فيهما من فضل أعطي أجر السُّورة الَّتي عدل عنها مضافاً إلى أجرهما.

(مسألة 244) يكره للمصلِّي في القراءة أمور:-

1- قراءة سورة التَّوحيد بنفس واحد، لئلاَّ يفوت مجال التَّأمُّل والاستفادة من فصول آياتها.

2- قراءة سورة واحدة في كلتا الرِّكعتين الأوَّليين، إلاَّ سورة التَّوحيد، فإنَّه لا بأس بقراءتها في كل من الرَّكعة الأولى والثَّانية.

3- القِران بين سورتين في الفريضة بعد الفاتحة - على ما هو المعروف إلاَّ أنَّ الاحتياط الَّذي لا يترك هو عدمه - دون النَّافلة فلا كراهة فيها، وأمَّا القِران بين

ص: 83

سورتي الفيل والإيلاف والضُّحى وألم نشرح فلا ما نع منه فيما بين كلٍّ منهما، وإن كان الأحوط اجتنابه مع تيسُّر السِّور المنفردة.

الوَاجبُ السَّادِس وَالرُّكْنِي الرُّكُوعُ وَأَحْكَامُه

(مسألة 245) الرُّكوع ركن من أركان الصَّلاة الَّتي تبطل بنقيصته وزيادته عمداً أو سهواً أو نسياناً نوعاً، إلاَّ في الجماعة فلا تبطل بزيادته للمتابعة كما سيأتي في المستثنيات، وفي النَّافلة فلا تبطل بزيادته سهواً.

وهو حالة تذلُّل وخضوع للمعبود جل جلاله بطأطأة الرَّأس لبارئه والمنعم عليه شكراً له تعالى أو امتثالاً لأمره كقوله تعالى [وَارْكَعُوا مَعَ اَلرَّاكِعِينَ].

وهو واجب في كل ركعة مرَّة واحدة فريضة كانت أو نافلة عدا صلاة الآيات كما سيجيء.

(مسألة 246) يجب في الرُّكوع أمور وهي:-

الأوَّل: أن يصدر الرُّكوع عن قيام وانتصاب مع التَّمكُّن كما مرَّ في القيام.

(مسألة 247) إذا كان المصلِّي على هيئة الرَّاكع خلقة أو لعارض فإن تمكَّن من الانتصاب التَّام حال القراءة والهوي للرُّكوع وجب عليه ذلك ولو بالاستعانة بعود أو عصا أو نحوهما، وإن لم يتمكَّن من ذلك فإن أمكنه رفع بدنه قليلاً بمقدار يصدق على الانحناء بعده عنوان الرُّكوععرفاً ولو كان قليلاً تعيَّن عليه ذلك، وإلاَّ كفاه الإيماء برأسه أو بعينيه على مستوى القدرة المتفاوتة لكلٍّ منهما كما مرَّ في الحالات الاضطراريَّة.

الثَّاني: الانحناء بقصد الخضوع لله تعالى بمقدار ما تصل يداه الاعتياديَّة ولو تقديراً إلى ركبتيه مقياساً، بحيث يصدق عليه عرفاً أنَّه راكع، حتَّى لو كانت اليد الواقعيَّة طويلة أو قصيرة لأنَّ المدار على الطَّبيعيَّة، فلا يكفي مسمى الانحناء بدون المقياس المذكور، ولا يلزم إيصال اليدين لهذا المقياس وإن عدَّ مكمِّلاً

ص: 84

للفضيلة.

(مسألة 248) من لم يتمكَّن من الانحناء المذكور اعتمد على شيء يعينه عليه كالعود أو العصا، ومع العجز عنه أتى بالممكن منه، وإذا لم يتمكَّن من الانحناء أصلاً في حال الوقوف وجب أن يجلس ويركع جالساً مع الاحتياط الاستحبابي بإعادة صلاته واقفاً مومياً برأسه للرُّكوع.

فإن عجز عن الرُّكوع جالساً أومأ برأسه قائماً إن أمكن، وإلاَّ أغمض عينيه بنيَّة الرُّكوع ويأتي بالذِّكر في هذه الحالة ثمَّ يفتح عينيه بنيَّة القيام عن الرُّكوع، فإن عجز عن ذلك أيضاً نوى في قلبه الرُّكوع ويأتي بالذِّكر.

(مسألة 249) لو لم يتمكَّن من الانحناء التَّام للرُّكوع فإذا دار أمره بين الانحناء القليل في حال الجلوس أو الإيماء إليه قائماً تعيَّن الثَّاني، والأحوط استحباباً إعادة الصَّلاة قائماً والرُّكوع جالساً بالقدر الممكن.

(مسألة 250) حدُّ ركوع الجالس الانحناء بمقدار يقابل وجهه ركبتيه بحيث يصدق عليه الرُّكوع عرفاً، والأفضل الزِّيادة على ذلك بحيث يحاذي وجهه موضع السَّجدة.

الثَّالث: الذِّكر، والأحوط أن يقول ((سبحان ربِّي العظيم وبحمده)) مرَّة واحدة، أو ((سبحان الله )) ثلاث مرَّات، ويكفي مرَّة واحدة عند الضَّرورة أو ضيق الوقت، ولا مانع من الاكتفاء بمطلق الذِّكر من تحميد وتكبير وتهليل وغيرها بقدر التَّسبيحات الثَّلاث الصُّغريات مثل ((الحمد لله)) ثلاث مرَّات، إلاَّ أنَّ الأحوط أن يكون تعويضها عند الحاجة الماسَّة وإن استحبَّت زيادتها على الذِّكر الواجب الاعتيادي، والأفضل الجمع بين التَّسبيحة الكبيرة المذكورة وبين الثَّلاث الصُّغريات.

(مسألة 251) لا يجوز الشُّروع في الذِّكر قبل الوصول إلى حدِّ الرُّكوع، وأمَّا في حال النِّسيان فلا بأس وعليه الإعادة في حال استقراره.

(مسألة 252) يشترط في الذِّكر أمران وهما:-

ص: 85

1- أداؤه بصورة عربيَّة صحيحة وبإخراج الحروف من مخارجها الأصليَّة، وعدم المخالفة في الحركات الإعرابيَّة والبنائيَّة كما مرَّ في قراءة القرآن.

2- الموالاة والتَّرتيب، بأن لا ينطق بها بصورة منقطعة بحيث تتفكَّك الكلمة أو الجملة عن سوابقها أو لواحقها بانفكاك ذا فاصل زمني طويل مخل، ولا ينطق بها بتقدُّم المتأخِّر أو تأخُّر المتقدِّم.

الرَّابع: الطَّمأنينة فيه حال أداء الذِّكر الواجب مع التَّمكُّن، بل المندوب أيضاً إذا أتى به باعتباره ذكراً لخصوص الرُّكوع.

(مسألة 253) من لم يتمكَّن من الاستقرار حال الرُّكوع لمرض ونحوه وجب عليه أن يأتي بالذِّكر الواجب قبل الخروج عن حالة الرُّكوع جهد الإمكان، وإلاَّ كفاه الميسور في حاله.

(مسألة 254) إذا تحرَّك حال الاشتغال بالذِّكر الواجب عمداً بطلت صلاته، وإن كان عن سهو أو بسبب قهري وجب عليه إعادة الذِّكر بعد الطَّمأنينة واستقرار البدن، وإن لم يتمكَّن من ذلك أو كانت الحركة مرضية كالرَّعشة أو خفيفة بحيث لا يخرج عن حالة الاستقرار كتحريك أصابعه فقط فصلاته صحيحة ولا شيء عليه.

(مسألة 255) لو رفع رأسه عن الرُّكوع عمداً قبل إتمام الذِّكر الواجب بطلت صلاته، أمَّا لو رفعه سهواً وانتبه قبل الخروج عن حدِّ الرُّكوع وجب إعادة الذِّكر في حال الاستقرار، ولوالتفت إلى ذلك بعد الخروج عن حدِّ الرُّكوع صحَّت صلاته.

(مسألة 256) من لم يتمكَّن من استمرار الرُّكوع بمقدار أداء الذِّكر كاملا أتمَّه في حال رفع الرَّأس.

(مسألة 257) من ترك الطَّمأنينة سهواً فإن أمكن الإتيان بالذِّكر معها وجب، وإن لم يتمكَّن من ذلك فقد صحَّت صلاته ولا شيء عليه.

الخامس: رفع الرَّأس من الرُّكوع حتَّى ينتصب قائماً، فلو هوى إلى

ص: 86

السُّجود بدون الانتصاب عمداً بطلت صلاته.

السَّادس: الطَّمأنينة حال القيام من الرُّكوع عند التَّمكُّن والاختيار، ومع عدم التَّمكُّن يسقط اعتبارها.

(مسألة 258) إذا شكَّ في الرُّكوع أو في الذِّكر أو في القيام بعده وكان ذلك بعد الدُّخول في السَّجدة لم يعتن بشكِّه، وإذا كان قبل الدُّخول فيها وجبت عليه إعادة الرُّكوع صحيحاً جامعاً للشَّرائط.

(مسألة 259) لو هوى إلى السُّجود ناسياً الرُّكوع ثمَّ تذكَّر قبل وضع الجبهة على الأرض وجب عليه الرُّجوع إلى القيام منتصباً ثمَّ الرُّكوع، ولا يكفي القيام حال انحنائه إلى أن يصلِّ إلى حد الرُّكوع كما مرَّ في القيام.

أمَّا إذا تذكَّر نسيانه الرُّكوع قبل الدُّخول في السَّجدة الثَّانية فالأحوط وجوباً القيام منتصباً ثمَّ الرُّكوع وبعد إتمام صلاته يسجد سجدتي السَّهو ثمَّ يعيد صلاته، ولو كان تذكُّره بعد الدُّخول في السَّجدة الثَّانية بطلت صلاته لكون كلا السَّجدتين ركناً وقد أتى بهما وترك الرُّكن الَّذي قبلهما وهو الرُّكوع.

(مسألة 260) يستحب في الرُّكوع أمور وهي:-

1- التَّكبير قبل الرُّكوع وهو قائم منتصب.

2- رفع اليدين حال التَّكبير على النَّحو المتقدِّم في تكبيرة الإحرام.

3- وضع الكفَّين على الرُّكبتين ممكِّناً كفيِّه من عينيهما.

4- تسوية الظَّهر على نحو لو صبَّ عليه قطرة من الماء لاستقرَّت في مكانها.

5- ردُّ الرُّكبتين إلى الخلف.

6- مدُّ العنق موازياً للظَّهر.

7- النَّظر إلى ما بين قدميه.

8- أن يجنح الرَّجل بمرفقيه.

9- وضع الكفِّ الأيمن على الرُّكبة اليمنى والأيسر على اليسرى.

10- وضع المرأة يديها على طرفي فخذيها القريبين من الرُّكبتين ولا ترد

ص: 87

ركبتيها إلى الخلف لئلاَّ تبدو عجيزتها.

11- تكرار التَّسبيح بالوتر ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر.

12- أن يقول قبل التَّسبيح:-

((اَللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَأَنْتَ رَبِّي، خَشَعَ لَكَ قَلْبِي وَسَمْعِي وَبَصَرِي وَشَعْرِي وَبَشَرِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَمُخِّي وَعَصَبِي وَعِظَامِي وَمَا أَقَلَّتُه قَدَمَاي غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ وَلاَ مُسْتَكْبِرٍ وَلاَ مُسْتَحْسِرٍ)).13- الصَّلاة على النَّبي وآله قبل الذِّكر وبعده، ولكن لا يأتي به بعنوان ذكر الرُّكوع.

14- أن يقول بعد الانتصاب من الرُّكوع ((سمع الله لمن حمده))، بل يستحب أن يضمَّ إليه قول ((الحمد لله ربِّ العالمين))، ويضم إليه قول ((أهل الجبروت والكبرياء والعظمة والحمد لله ربِّ العالمين)).

15- رفع اليدين بالتَّكبير للانتصاب منه، وهذا غير رفع اليدين حال التَّكبير بعد رفع الرَّأس قبل السُّجود.

(مسألة 261) يكره في الرُّكوع أمور:-

1- أن يطأطئ رأسه من دون مدِّ العنق معه، أو يرفعه إلى فوق بحيث لا يساوي ظهره.

2- ضم اليدين إلى الجنبين.

3- وضع إحدى الكفَّين على الأخرى وإدخالهما بين ركبتيه.

4- قراءة القرآن في الرُّكوع.

5- أن يجعل يديه تحت ثيابه ملاصقاً لجسده.

ص: 88

الوَاجبُ السَّابِع وَالرُّكْنِي ِالسُّجُودِ وَأَحْكَامُه

وهو عبارة عن وضع الجبهة على الأرض بقصد التَّعظيم والخضوع لله عزوجل على نحو العبوديَّة له سبحانه.

والسُّجود بحد ذاته عبادة اتَّخذها الله تعالى لنفسه دون جميع مخلوقاته حيث ابتلاهم به فأطاع آدم عَلَيْهِ السَّلاَمُ فكان من النَّاجين وعصى إبليس فكان من الهالكين.

ولمَّا تميَّز آدم عَلَيْهِ السَّلاَمُ بكامل العبوديَّة له جعل تعالى للسَّجود مثابة أخرى متناسبة مع المخلوق لا الخالق دون أن يكون عبادة له، فأمر الملائكة أن يسجدوا له فسجدوا إلاَّ إبليس حيث أبى واستكبر، إذ لم يوفَّق لإدراك أنَّ هذا في نفس الوقت هو طاعة لله تعالى لا لآدم كسجود إخوة يوسف ليوسف شكراً لله لا عبادة ليوسف.

السُّجود الشَّرعي على أنواع:-

الأوَّل: السُّجود في الفرائض والصَّلوات الأخرى.

الثَّاني: سجود السَّهو، وهو ما كان لعلاج الزِّيادة والنُّقصان السَّهوي الَّذي يقع في الفرائض، وهذا النَّوع يأتي الكلام عنه بعد أحكام الخلل.

الثَّالث: سجود التِّلاوة، وهو ما يقع عند قراءة آية من آيات السَّجدة في القرآن الكريم.

الرَّابع: السُّجود شكراً لله تعالى، وله كيفيَّة خاصَّة تأتي في ضمن التَّعقيبات.

تنبيه: قبل البدء بالكلام عن السُّجود وما يتعلَّق به من أحكام ومسائل نرجو من القارئ المؤمن مراجعة موضوع (مكان المصلِّي / أحكام مسجد الجبهة) لأجل استيعاب الموضوع كاملاً.

ص: 89

السُّجُود ِفي الفَرَائِض

(مسألة 262) الواجب من السُّجود في كل ركعة - من الصَّلوات الواجبة والمستحبَّة -

سجدتان، وهما معاً ركن من أركان الصَّلاة، فتبطل بتركهما وزيادتهما عمداً أو سهواً أو نسياناً نوعاً، ولا تبطل بزيادة أو نقصان واحدة سهواً، وفي حالة المتابعة في الجماعة على ما سيأتي ذكره.

(مسألة 263) يعتبر في السُّجود أمور وهي:-

الأوَّل: أن يكون السُّجود بعد القيام المنتصب من الرُّكوع.

الثَّاني: أن يكون السُّجود على سبعة أعضاء، وهي:-

(الجبهة، الكفَّان، الرُّكبتان، إبهاما الرِّجلين)، لأنَّها بأجمعها مساجد وهي لله كما في الآية.

ويكفي في السُّجود وضع مسمَّى الجبهة على ما يصح السُّجود عليه، فلا يجب استيعابها، ولا يعتبر أيضاً أن يكون مقدار المسمَّى مجتمعاً، بل يكفي كونه متفرِّقاً فيجوز السُّجود على المسبحة الطِّينيَّة غير المطبوخة بشرط كون مجموع ما وقعت عليه بمقدار مسمَّى السُّجود، وكون أجزائها غير متباعدة، ومثلها الحصى في الأرض المحصبة.

والرُّكنيَّة في السُّجود تدور مدار وضع الجبهة دون سائر المساجد السِّتَّة، فلو وضع المصلِّي الجبهة - على الأرض وما يلحق بها - دون بقيَّة المساجد سهواً حصلت الرُّكنيَّة وإن كانت تلك المساجد واجبة في بابها، كما أنَّه لو وضع سائر المساجد عليها ولم يضع الجبهة صدق عليه أنَّه تارك السُّجود ولو سهواً.

ويعتبر في الكفيِّن وضع باطنهما على الأرض إلاَّ للضَّرورة، فينتقل معها إلى الظَّاهر ثمَّ الأقرب فالأقرب، ولا يعتبر فيهما استيعاب باطنهما أو ظاهرهما، بل يكفي المسمَّى، ولا يجزئ وضع رؤوس الأصابع مع الاختيار كما لا يجزئ لو ضم أصابعه إلى راحلته وسجد على ظهرها مع الاختيار، وإن قطعت الكف فالأقرب إليها من الذِّراع فالأقرب على الأحوط وجوباً.

ص: 90

وأمَّا الإبهامان فيكفي وضع ظاهرهما أو باطنهما على الأرض، نعم وضع الطَّرف من كل منهما أحوط، ومن قطع إبهامه يضع ما بقي منه، وإن لم يبق منه شيء أو كان قصيراً وضع سائر أصابعه، وإن قطع الجميع وضع ما بقي من قدميه على الأحوط وجوباً.

وفي الرُّكبتين يكفي المسمَّى، ولا يجب الاستيعاب، بل يعتبر الصاقهما معاً بالأرض.

الثَّالث: طهارة مسجد الجبهة من الأرض، ولا يعتبر هذا الشَّرط في بقيَّة مواضع السُّجود، فلو صلَّى في مكان نجس أو متنجَّس وكان موضع جبهته من ذلك طاهراً صحَّت صلاته بشرط أن لا تكون نجاسة تلك المواضع الأخرى مسرية، وقد تقدَّم في ص43.

الرَّابع: وضع الجبهة على ما يصح السُّجود عليه مباشرة بلا واسطة من أي حاجب كالأرض وما أنبتت عدا المأكول والملبوس إلاَّ في موارد التَّقيَّة فيسجد على ما أمكن.

الخامس: إباحة مواضع السُّجود، وقد تقدَّمت في أحكام مسجد الجبهة.

السَّادس: أن يكون مسجد الجبهة صلباً يُستقر عليه كما مرَّ في المكان ومسجد الجبهة.

السَّابع: مساواة موضع الجبهة مع موقفه، بمعنى عدم علوِّه أو انخفاضه بمقدار أزيد من لبنة وقدِّر بأربع أصابع مضمومة، بلا فرق بين الانحدار والتَّسنيم، وبين الانحدار الظَّاهر وغيرالظَّاهر، ولا يعتبر ذلك في باقي مواضع السُّجود.

الثَّامن: الذِّكر، وأحكامه على نحو ما تقدَّم في الرُّكوع، والأحوط وجوباً أن يقول في كل سجدة ((سبحان ربِّي الأعلى وبحمده)) أو ((سبحان الله ))

ص: 91

ثلاث مرَّات.

التَّاسع: المحافظة على العربيَّة والتَّرتيب والموالاة في الذِّكر على نحو ما تقدَّم في الرُّكوع، فحين قوله ((سبحان ربِّي الأعلى وبحمده)) مثلاً يقوله صحيحاً وبلا تقديم وتأخير بين فصوله أو فاصل زمني طويل فيما بينها.

العاشر: الطَّمأنينة حال الذِّكر في السُّجود.

الحادي عشر: أن تكون المساجد السَّبعة في محالِّها على الأرض إلى تمام الذِّكر، فلو رفع شيئاً منها سهواً سكت حتَّى يضعه ثمَّ يرجع إلى الذِّكر.

الثَّاني عشر: رفع الرَّأس من السَّجدة الأولى حتَّى ينتصب جالساً مستقرِّاً، ثمَّ الهوي إلى السَّجدة الثَّانية بلا أن تكون الجلسة غير تامَّة.

(مسألة 264) إذا سجد على غير الهيئة المعهودة كما إذا ألصق صدره وبطنه بالأرض ومدَّ رجليه، فعليه إعادة الصَّلاة على الأحوط وجوباً وإن كان قد وضع المواضع السَّبعة على الأرض.

(مسألة 265) إذا كان بجبهته دملَّة أو قرحة أو أيِّ حالة أذى آخر ممَّا لا يمكن وضع الجبهة معه على محلِّ السَّجدة وجب السُّجود على الموضع السَّليم منها إن أمكن، وإلاَّ حفر حفيرة وجعل الدُّملَّة في الحفيرة ليقع الموضع السَّليم منها على الأرض وإن كان ما حولها أطراف الجبهة البعيدة.

أمَّا لو استوعبت الدُّملَّة أو القرحة تمام الجبهة أو لم يتمكَّن من حفر الحفيرة وجب السُّجود على أحد طرفي الجبهة (الجبينين) مع الاحتياط بتكرار الصَّلاة بالسُّجود على ذقنه، وإن لم يتمكَّن من السُّجود على الذِّقن سجد على أيِّ موضع ممكن من الوجه، فإن لم يتمكَّن وضع مقدَّم رأسه، وفي الصُّورتين الأخيرتين الاحتياط بتكرار الصَّلاة بالسُّجود مومياً.

(مسألة 266) من لا يتمكَّن من الانحناء بحيث تصل جبهته إلى الأرض يجب عليه الانحناء بالمقدار الممكن، فيجعل التُّربة أو غيرها ممَّا يصح السُّجود عليه

ص: 92

على شيء مرتفع ثمَّ يضع جبهته عليها بنحو يصدق عليه السَّجدة عرفاً، ويلزم عليه على كل حال وضع المساجد الأخرى الممكنة من (الكفيَّن والرُّكبتين والإبهامين) على الأرض بالنَّحو المتعارف، وما لم يمكن منها يعذر عنه للضَّرورة.

(مسألة 267) من لا يتمكَّن من الانحناء أصلاً يجب عليه الإيماء برأسه، فإن لم يتمكَّن فعليه الإيماء بعينيه مع الاحتياط وجوباً بالجلوس حينئذ إن أمكن، فإن لم يمكنه الإيماء بالعين أيضاً وجب عليه أن ينوي السَّجدة في قلبه ويومئ بيده ونحوها للسُّجود على الأحوط وجوباً.

(مسألة 268) من لا يتمكَّن من الجلوس للسَّجدة وجب عليه أن ينوي السَّجدة في حال القيام ويومي لها برأسه إن أمكن وإلاَّ فبالعينين وإن لم يتمكَّن من ذلك أيضاً نوى السَّجدة في قلبه.

(مسألة 269) إذا ارتفعت جبهته عن موضع السَّجدة قهراً فإن أمكن حفظها عن الارتفاع ثانياً وجب ذلك ويحسب له سجدة واحدة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ارتفاع الجبهة قبلالإتيان بذكر السَّجدة أو بعده، وكذلك إن لم يتمكَّن من حفظ الجبهة عن الوقوع بأن وقعت على المسجد قهراً زائداً عن الواجب فيحسب الكل سجدة واحدة، ولكن يجب عليه حينئذ الإتيان بذكر السَّجدة بقصد القربة المطلقة إن لم يأت به فيما سبق.

(مسألة 270) إذا نسي السَّجدتين فإن التفت قبل الدُّخول في الرُّكوع الآتي وجب عليه العود إليهما، وإن التفت بعد الدُّخول فيه بطلت صلاته.

(مسألة 271) إذا نسي سجدة واحدة فإن تذكَّرها قبل الرُّكوع رجع وأتى بها، وإن التفت بعد الدُّخول في الرُّكوع مضى في صلاته - لأنَّ ركنيَّة السُّجود مركبَّة من اثنين لا أقل كما لا يخفى - وقضى السَّجدة المنسيَّة بعد السَّلام ثمَّ أتى بسجود السَّهو الآتي بيانه.

(مسألة 272) إذا نسي الذِّكر في السُّجود ثمَّ تذكَّره بعد رفع الرَّأس من السُّجود صحَّت صلاته ولا شيء عليه مع الاحتياط بسجود السَّهو.

ص: 93

(مسألة 273) إذا عرض على المصلِّي شكَّ في أثناء القيام في أنَّه فرغ من السَّجدتين للرِّكعة السَّابقة وأنَّ قيامه هذا كان لركعة جديدة أو أنَّه لا يزال في تلك الرِّكعة وأنَّ هذا القيام من ركوعها الأوَّل كان لغرض الهوي إلى السُّجود لها، وجب عليه في هذه الحالة الهوي وإتيان السَّجدتين ثمَّ يقوم للرِّكعة الجديدة.

(مسألة 274) إذا كان جالساً وشكَّ في أنَّ جلوسه هذا هل هو بعد السَّجدة الأولى أو أنَّه بعد السَّجدة الثَّانية وجب البناء على السَّجدة الأولى، فيسجد سجدة ثانية ويتم صلاته ولا شيء عليه سوى سجود السَّهو، لاحتمال السَّجدة الزَّائدة احتياطاً، وكذا إذا شكَّ في ذلك حال النُّهوض للرِّكعة اللاحقة فعليه الرُّجوع للسُّجود ثمَّ يتم صلاته.

(مسألة 275) إذا قام المصلِّي لركعة جديدة وفي حال القيام شكَّ في أنَّه هل أتى بالسَّجدتين للرِّكعة السَّابقة؟ وأنَّ قيامه هذا في محلِّه ؟ لم يلتفت إلى شكِّه وبنى على الإتيان بهما ويتم صلاته، وكذا إذا دخل في التَّشهُّد وشكَّ في أنَّه هل أتى بالسَّجدتين للرِّكعة السَّابقة لم يعتن بشكِّه، كما سيأتي توضيحه في أحكام الخلل.

(مسألة 276) إذا شكَّ المصلِّي في صحَّة سجوده وفساده بعد رفع رأسه فلا يعتني بشكِّه وبنى على أنَّه صحيح، وكذلك إذا شكَّ في صحَّة ذِكره بعد إكماله ورفع رأسه.

(مسألة 277) يجب - احتياطاً - الجلوس بعد السَّجدة الثَّانية من الرِّكعة الأولى في الصَّلاة الثُّنائيَّة والثُّلاثيَّة قبل القيام، وكذلك من الرِّكعة الأُولى والثَّالثة - ممَّا لا تشهُّد فيها أو لا تشُّهد ولا تسليم - قبل القيام في الصَّلاة الرُّباعيَّة، وهذا الجلوس يسمَّى بجلسة الاستراحة.

ص: 94

مُسْتَحبَّات وَمَكْرُوهَات السُّجُود

(مسألة 278) يستحب في السُّجود أمور:-

1- التَّكبير حال الانتصاب من الرُّكوع للهوي إلى السُّجود، سواء كانت الصَّلاة عن قيام فيكبِّر بعد رفع الرَّأس من الرُّكوع أو عن جلوس فبعد الجلوس الكامل.

2- رفع اليدين حال التَّكبير.

3- السَّبق باليدين إلى الأرض عند الهوي للرِّجال وبالرُّكبتين للنِّساء.

4- الإرغام بالأنف على ما يصح السُّجود عليه، بل قد أعدَّ عند بعض مسجداً ثامناً.

5- بسط الكفَّين مضمومتي الأصابع حتَّى الإبهام بحذاء الأذنين موجِّهاً بهما إلى القبلة

6- شغل النَّظر إلى طرف الأنف حال السُّجود.

7- اختيار السُّجود على الأرض، بل التُّراب - وأفضله التُّربة الحسينيَّة - دون مثل الحجر والخشب.

8- مساواة موضع الجبهة مع الموقف، بل مساواة جميع المساجد لهما.

9- الدُّعاء قبل الشُّروع في الذِّكر، فيقول:-

((اَللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَأَنْتَ رَبِّي سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، اَلحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ تَبَارَكَ الله أَحْسَنَ الخَالِقِين)).

وبما يريد من حاجات الدُّنيا والآخرة خصوصاً طلب الرزق الحلال بأن يقول:-

((يَا خَيْرَ اَلمَسْؤُولِينَ وَيَا خَيْرَ اَلمُعْطِينَ أُرْزُقِنِي وَاُرزُقْ عِيَالِي مِنْ فَضْلِكَ فَإِنَّكَ ذُو اَلفَضْلِ اَلعَظِيمِ)).

10- اختيار التَّسبيح من الذِكر، واختيار التَّسبيحة الكبرى منه والوتر، أي توحيدهما أو تثليثهما أو تخميسهما أو تسبيعهما وهكذا.

ص: 95

11- التَّورُّك في الجلوس بين السَّجدتين، بأن يجلس على وركه (فخذه) الأيسر جاعلاً ظهر قدمه اليمنى على باطن اليسرى.

12- أن يقول بعد التَّكبير من بعد رفع الرَّأس من السَّجدة الأولى وحال الجلوس مطمئنَّاً ((أَسْتَغْفِرُ الله وَأَتُوبُ إِلَيهِ)).

13- إطالة السُّجود.

14- التَّجنُّح للرِّجال، وهو رفع المرفقين عن الأرض وتبعيد اليدين عن البدن كالجناحين.

15- عدم التَّجافي للنِّساء، بل تفرش ذراعيها وتلصق بطنها بالأرض وتضم أعضائها، لستر أعضاءها أكثر.

سُجُود التِّلاَوَة

(مسألة 279) يجب السُّجود - فوريَّاً - عند تلاوة أو استماع بل أو سماع آيات السَّجدات الأربع الَّتي في القرآن، وهي:-

1- سورة فصِّلت آية 37 عند قوله (تعبدون).

2- سورة ألم تنزيل آية 15 عند قوله (ولا يستكبرون).

3- سورة النَّجم في آخرها آية 62.

4- سورة العلق في آخرها آية 19.فلا يجوز تأخير السُّجود متعمِّداً، نعم لو نسيها وجب الإتيان بها متى تذكَّر، وكذا لو تركها عصياناً أتى بها متى اهتدى، بل هو مسؤول بها قبل ذلك أيضاً.

(مسألة 280) إذا سمع - فضلاً عن الاستماع - آية من الآيات الأربعة وهو في الصَّلاة أومأ برأسه إلى السُّجود وأتمَّ صلاته كما مرَّ، ثمَّ يسجد لها بعد الفراغ على الأحوط وجوباً كما مرَّ لئلاَّ يسجد في الأثناء فيتداخل العمل الأجنبي مع الصَّلاة ولم يثبت دليل ادخاله.

(مسألة 281) يتكرَّر السُّجود بتكرار القراءة أو الاستماع أو السُّماع أو

ص: 96

بهما، ويكفي في التَّعدُّد رفع الجبهة عن الأرض ثمَّ وضعها من دون لزوم رفع بقيَّة المساجد، ولا يشترط الجلوس ثمَّ الوضع وإن كان أحوط.

(مسألة 282) الأحوط وجوباً السُّجود عند سماع آية السَّجدة حتَّى لو كان من طفل مميِّز أو من لم يقصد قراءة القرآن، وكذا السُّماع من الرَّاديو أو التِّلفزيون أو المسجَّل، بلا فرق بين النَّقل المباشر وغيره، ولكن غير المباشر ممَّا لا ينبغي تركه لا ما يجب احتياطاً فعله.

(مسألة 283) يعتبر في هذا السُّجود كل ما يعتبر في سجود الفريضة من النِّيَّة وإباحة المكان - لو أعدَّ السُّجود تصرُّفاً فيه - والسُّجود على الأعضاء السَّبعة وتساوي محلِّها في العلوِّ والانخفاض.

(مسألة 284) لا يشترط في هذا السُّجود الطَّهارة من الحدث والخبث ولا استقبال القبلة ولا ستر العورة - لو لم يكن من يجب سترها أمامه - ولا تكبيرة الافتتاح ولا التَّشهُّد ولا التَّسليم ولا طهارة محلِّ السُّجود ولا السَّتر - لو لم يكن من يجب ذلك أمامه - ولا صفات السَّاتر كذلك.

(مسألة 285) إذا سمع القراءة مكرَّراً وشكَّ بين الأقل والأكثر جاز له الاكتفاء بالأقل من عددها، ولو علم العدد إجمالاً وشكَّ في الإتيان بين الأقل والأكثر من السَّجدات وجب الاحتياط بالبناء على الأقل كي يُبرئ ذمَّته بإضافة الأكثر المحتمل.

(مسألة 286) إذا قرأها أو استمع إليها في حال السُّجود لسابق من ذلك وجب أن يرفع الجبهة ثمَّ يضعها للحالة الثَّانية، ولا يكفي فيه البقاء بقصد السُّجود الآخر ولا جرِّ الجبهة إلى مكان آخر، وكذا لو كانت جبهته على الأرض لا بقصد السُّجود.

(مسألة 287) يكفي في هذا السُّجود وضع الجبهة على الأرض بعنوان السَّجدة الواجبة، ولا يشترط فيه الذِّكر، بل هو مستحب، والأوَّلى أن يقول:-

(لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله حَقَّاً حَقَّاً، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله إِيمَانَاً وَتَصْدِيقَاً، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله عُبودِيَّةً وَرِقَّاً، سَجَدْتُ لَكَ يَا رَبِّ تَعَبُّدَاً وَرِقِّاً، لاَ مُسْتَنْكِفَاً وَلاَ مُسْتَكْبرَاً، بَلْ أَنَا عَبْدٌ

ص: 97

ذَلِيلٌ خَائِفٌ مُسْتَجِيرٌ).

(مسألة 288) يستحب السُّجود - ولو رجاءاً - لبقيَّة آيات السَّجدات الَّتي في القرآن الكريم، وهي أحد عشر موضعاً:-

1- سورة الأعراف عند قوله تعالى [وَلَهُ يَسْجُدُون] الآية 206.

2- سورة الرَّعد عند قوله تعالى [ظِلاَلُهُمْ بِالغُدُوِّ وَالآصَالَ] الآية 15.

3- سورة النَّحل عند قوله تعالى [وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤمَرُون] الآية 49.

4 - سورة بني إسرائيل (الإسراء) عند قوله تعالى [وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعَاً] الآية 107.

5- سورة مريم عند قوله تعالى [وَخَرُّوُا سُجَّدَاً وَبُكِيَّاً] الآية 58.

6- سورة الحج عند قوله تعالى [يَفْعَلُ الله مَا يَشَاءُ] الآية 18.

7- سورة الحج عند قوله تعالى [افْعَلُوُا اَلخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون] الآية 77.

8- سورة الفرقان عند قوله تعالى [وَزَادَهُمْ نُفُورَاً ] الآية 60.

9- سورة النَّمل عند قوله تعالى [رَبِّ العَرْشِ اَلعَظِيمِ] الآية 25.

10- سورة ص عند قوله تعالى [وَخَرَّ رَاكِعَاً وَأَنَابَ] الآية 24.

11- سورة الانشقاق عند قوله تعالى [لاَ يَسْجُدُونَ] الآية 21.

سُجُود الشُّكْر

يستحب - مؤكَّداً - السُّجود لله تعالى شكراً عند تجدُّد كلِّ نعمة أو دفع نقمة وعند التَّذكُّرلذلك ممَّا كان سابقاً أو للتَّوفيق لأداء فريضة أو نافلة أو فعل خير كالمصالحة بين اثنين.

ويشترط فيها وضع المساجد السَّبعة ومنها وضع الجبهة على ما يصح السُّجود عليه على الأحوط.

ويكفي في هذا السُّجود مجرَّد وضع الجبهة مع النِّيَّة ولو مرَّة واحدة.

والأفضل أن يأتي باثنتين مع الفصل بينهما بتعفير الخدَّين أو الجبينين أو الجمع بينهما مقدِّماً للأيمن منهما على الأيسر ثمَّ وضع الجبهة ثانياً.

ص: 98

ويستحب فيه افتراش الذِّراعين وإلصاق الجؤجؤ والصَّدر والبطن بالأرض، وأن يمسح موضع سجوده بيده، ثمَّ يمرَّها على وجهه ومقاديم بدنه وأن يقول فيه ((شكراً لله شكراً لله)) أو مائة مرَّة ((شكراً شكراً)) أو مائة مرَّة ((عفواً عفواً)) أو مائة مرَّة ((الحمد لله شكراً)) وعند قراءتها عشر مرَّات يقول ((شكراً للمجيب)) ثمَّ يقول:-

((يَا ذَا المَنِّ الَّذِي لاَ يَنْقَطِعُ أَبَدَاً وَلاَ يَحْصِيهِ غَيْرُهُ عَدَدَاً وَيَا ذَا اَلمَعْرُوفِ الَّذِي لاَ يَنْفُدُ أَبَدَاً يَا كَرِيمُ يَا كَرِيمُ))، كما يستحب أن يقول وهو ساجد: -

(اَللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ مَلاَئِكَتَكَ وَأَنْبِيَائِكَ وَرُسُلِكَ وَجَمِيعُ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ الله رَبِّي وَالإِسْلاَمُ دِينِي ومحمَّد صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وَعَلِيٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَالحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَالحُسَين عَلَيْهِ السَّلاَمُ - إلى ما يعد الأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ إلى آخرهم - أَئِمَّتِي بِهِمْ أَتَولَّى وَمِنْ أَعْدَائِهِمْ أَتَبَرَأ،اَللَّهُمَّ إِنِّي أُنْشِدُكَ دَمِ اَلمَظْلُومِ - ثلاثاً -، اَللَّهُمَّ إِنِّي أُنْشِدُكَ بِإِيوَائِكَ عَلَى نَفْسِكَ لأعْدَائِكَ لَتُهْلِكَنَّهُمْ بِأَيْدِينَا وَأَيْدِي اَلمُؤمِنِينَ، اَللَّهُمَّ إِنِّي أُنْشِدُكَ بِإِيوَائِكَ عَلَى نَفْسِكَ لأولَيَائِكَ لَتُظْفِرَنَّهُمْ بِعَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ أَنْ تُصَلِّي عَلَىمحمد وَعَلَى اَلمُسْتَحْفِظِينَ مِنْ آلِ محمد - ثلاثاً - اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ اَليُسْرَ بَعْدَ اَلعُسْرِ - ثلاثاً -).

ثمَّ يضع خدَّه الأيمن على الأرض ويقول:-

(يَا كَهْفِي حِينَ تُعْيينِي اَلمَذَاهِبُ وَتَضِيقُ عَلَيَّ اَلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، يَا بَارِئَ خَلْقِي رَحْمَةً بِي وَقَدْ كُنْتَ عَنْ خَلْقِي غَنِيَّاً صَلِّ عَلَى محمد وَعَلَى اَلمُسْتَحِفِظِينَ مِنْ آلِ محمد)، ثمَّ يضع خدَّه الأيسر ويقول:-

(يَا مُذِلَّ كُلَّ جَبَّارٍ وَيَا مُعِزَّ كُلَّ ذَلِيلٍ قَدْ وَعِزَّتُكَ بَلَغَ مَجْهُودِي - ثلاثاً - يَا حَنَّانُ وَيَا مَنَّانُ يَا كَاشِفُ اَلكَرْبِ اَلعِظَامِ)، ثمَّ يعود للسُّجود فيقول مائة مرَّة: (شُكْرَاً شُكْرَاً) ثمَّ يسأل حاجته تقضى إن شاءالله .

ص: 99

المُسْتَثْنَيَاتِ الَّتِي لاَ تُسَبِّب خَلَلاً ِفي الصَّلاَة وَإِنْ حَصَلَتْ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَيَّة ِفي بَعْضِ الأَرْكَان

أستثني من حالات الزِّيادة والنَّقيصة في بعض الأركان حالات، وهي:-

الأولى: زيادة النِّيَّة الَّتي حكمها حكم الرُّكن وإن لم تكن فعلاً، فإنَّ زيادتها مؤكَّدة

الثَّانية: زيادة النِّيَّة مع التَّكبير فيما لو شكَّ بين الثَّلاث والأربع فأتى بصلاة الاحتياط المبدوءة بهما ثمَّ بعد الفراغ علم أنَّ صلاته كانت ناقصة، فإنَّ هذا الاحتياط مكمِّل لها وتجزيه حسب ما ورد.

الثَّالثة: زيادة تكبيرة الإحرام سهواً، فلا تبطل الصلاة بزيادتها سهواً وكما بيَّنَّاه هناك.

الرَّابعة: زيادة القيام السَّهويَّة كما لو قام إلى الثَّالثة ثمَّ تذكَّر أنَّه نسي التَّشهُّد فيرجع ويتشهَّد ثمَّ يقوم وإن عدَّ هذا القيام من الرُّكن لكونه متَّصلاً بالُّركوع.

الخامسة: زيادة الرُّكوع للمتابعة إذا كان سهواً.

السَّادسة: زيادة السُّجود للمتابعة إذا كان سهواً وفي السَّجدتين.

السَّابعة: ما إذا أزاد ركعة سهواً بلا نيَّة وتحريمة زائدتين، ولكن تلك الزِّيادة بعد جلسة طويلة تعادل مقدار جلسة التَّشهُّد والسَّلام فإنَّها تغفر فيها نهاية الصَّلاة بصحَّة، ولكن الأحوط في ذلك الإعادة.

الثَّامنة: ما إذا أتمَّ المسافر وما تذكَّر إلاَّ بعد نهاية الوقت وإن زادت صلاته بركعتين.

ص: 100

الوَاجبُ الثَّامِنْ ِفي التَّشَهُّد وَأَحْكَامِه

(مسألة 289) التَّشهُّد جزء واجب غير ركني في كل صلاة، فلا تبطل الصَّلاة بتركه سهواً، ويقع بعد رفع الرَّأس من السَّجدة الأخيرة في الرِّكعة الثَّانية من الثُّنائيَّة والثُّلاثيَّة والرُّباعيَّة، وفي الرَّكعة الثَّالثة أيضاً من الثُّلاثيَّة، وفي الرِّكعة الرَّابعة أيضاً من الرُّباعيَّة قبل التَّسليم منهما.

(مسألة 290) كيفيَّة التَّشهُّد أن يقول:-

(أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمد وَآلِ محمد).

وقد ورد عند الفريقين صور أخرى ما ذكرناه مقدَّم عليها.

(مسألة 291) يشترط في التَّشهُّد اختياراً أمور:-

1- أن يكون في حال الجلوس.

2- الطَّمأنينة والاستقرار.

3- أن يكون أداؤه باللغة العربيَّة الصَّحيحة في الحركات والسَّكنات والحروف والكلمات.

4- الموالاة بين كلماته وفقراته.

(مسألة 292) يجب على الجاهل بالتَّشهُّد التَّعلُّم، فإن عجز لقَّنه غيره به، فإن عجز أتى بما أمكنه منه إن صدق عليه الشَّهادة التَّامَّة، فإن عجز أتى بترجمته إن أمكنه، فإن عجز أتى بسائر الأذكار بقدره.

(مسألة 293) لو نسي التَّشهُّد في الرَّكعة الثَّانية فإن تذكَّره حال القيام للثَّالثة قبل الرُّكوع وجب عليه الجلوس والتَّشهُّد ثمَّ يقوم للرِّكعة الثَّالثة ويقرأ ما قرأ أوَّلاً ويتم صلاته، وبعدها يأتي بسجدتي السَّهو على الأحوط وجوباً.

وإن تذكَّره بعد الرُّكوع مضى في صلاته وأتمَّها ثمَّ يقضي التَّشهُّد ويأتي بسجدتي السَّهو كذلك.

ص: 101

(مسألة 294) من شكَّ في إتيان التَّشهُّد قبل الدُّخول بواجب ثان كمن كان في حالة الجلوس أو في حالة النُّهوض وجب الإتيان به، أمَّا لو شكَّ فيه بعد الدُّخول في واجب آخر بنى على إتيانه ومضى في صلاته.

وكذلك في التَّشهُّد الأخير قبل التَّسليم فإن أتى بمنافيات الصَّلاة بعد التَّسليم فلا شيء عليه، وإلاَّ تشهَّد وأعاد السَّلام لرعاية التَّرتيب ووجوب كون الخروج من الصَّلاة به.

(مسألة 295) إذا شكَّ في صحَّة التَّشهُّد بعد الفراغ منه لم يعتن بشكِّه.

(مسألة 296) يستحب في حالة التَّشهُّد أمور:-

1- الجلوس متورِّكاً كما بينَّا في الجلوس بين السَّجدتين.

2- أن يقول قبل الشُّروع في الذِّكر ((الحمد لله)) أو يقول ((بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله))، أو ((الأسماء الحسنى كلها لله)).

3- أن يجعل يديه على فخذيه منضمَّة الأصابع.

4- أن يكون نظره إلى حجره.

5- أن يقول بعد الصَّلاة على النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في التَّشهُّد الأوَّل من الثُّلاثيَّة والرُّباعيَّة قبل القيام((وتقبَّل شفاعته وارفع درجته)).

6- أن يقول بعد التَّشهُّد الأوَّل ((سبحان الله )) سبعاً.

الوَاجبُ التَّاسِع التَّسْلِيمُ وَأَحْكَامُه

(مسألة 297) التَّسليم هو آخر جزء واجب في الصَّلاة، وبه تتم الصَّلاة وتحل له منافياتها الَّتي كانت محرَّمة عليه أثناءها وإن هي من المحلَّل في أصله.

(مسألة 298) للتَّسليم صيغتان:-

الأولى: ((السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين)).

الثَّانية: ((السَّلام عليكم)) بزيادة ((ورحمة الله وبركاته)) على الأحوط

ص: 102

وجوباً.

(مسألة 299) الأحوط عدم الاجتزاء بالصيغة الأولى كواجب مخرج، وإن ذكر بعضهم التَّخيير بينها وبين الثَّانية في جعل أيِّتهما المختارة هي المخرجة لتكون الأخرى هي المستحبَّة فتتعيَّن الثَّانية.

(مسألة 300) يستحب البدء قبل التَّسليمتين بالسَّلام على النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ فيقول:-

((السَّلام عليك أيُّها النَّبي ورحمة الله وبركاته))، وهذه الصِّيغة ليست بمخرجة عن الصَّلاة كالأوَّليتين.

(مسألة 301) واجبات التَّسليم كالتَّشهُّد، من الجلوس والطَّمأنينة وأداءها باللغة العربيَّة الصَّحيحة بحسب الحركات والسَّكنات والحروف والكلمات، وكذلك مستحبَّاتها كالتَّورك حال الجلوس ووضع اليدين على الفخذين ونحو ذلك.

(مسألة 302) لو أحدث أو فعل منافياً للصَّلاة عمداً أو سهواً قبل التَّسليم بطلت صلاته.

(مسألة 303) لو نسي التَّسليم ثمَّ تذكَّر قبل الإتيان بالمنافي الموجب لبطلان الصَّلاة سهواً أو عمداً - كالانحراف عن القبلة كلِّياً - وجب عليه العودة إلى القبلة والتَّسليم وصلاته صحيحة.

أمَّا لو نسيه وتذكَّر بعد ذلك فالظَّاهر صحَّة صلاته كذلك بإتيان سجدتي السَّهو على الأحوط، والأحوط الأولى منه إعادة الصَّلاة بعدها.

(مسألة 304) لو شكَّ المصلِّي في إتيانه ذلك في أنَّه كان بعد انمحاء صورة الصَّلاة كالفترة الطَّويلة من الانصراف عنها، أو كان بعد الإتيان بالمنافي للصَّلاة مطلقاً لم يجب عليه التَّسليم، أمَّا إذا كان شكُّه قبل انمحاء صورتها كالشكِّ بعد الشُّروع في التَّعقيب مباشرة وجب الرُّجوع والإتيان بالتَّسليم.

(مسألة 305) لو شكَّ في صحَّة التَّسليم بعد الفراغ منه لم يعتن بشكِّه بانياً على صحَّته.

ص: 103

الوَاجبُ العَاشْر التَّرَتِيبُ وَأَحْكَامُه

(مسألة 306) يجب العمل في أفعال وأجزاء الصَّلاة حسب التَّرتيب المقرَّر لها شرعاً وكما هو مدوَّن في هذه الرِّسالة في مواقعه المناسبة، فلو عكس عمداً وكان ملتفتاً بأن قرأ السُّورة قبل الفاتحة أو سجد قبل الرُّكوع بطلت صلاته.

(مسألة 307) لو أخلَّ بالتَّرتيب نسياناً أو جهلاً بالحكم، فإن قدَّم ركناً على ركن بطلت صلاته، وإن قدَّمه على غيره كما لو ركع قبل القراءة مضى في صلاته ولا يجب تداركه، أمَّا لو قدَّم غير الرُّكن على الرُّكن وجب تداركه على وجه يحصل معه التَّرتيب، وكذا لو قدَّم غير الرُّكن على ما ليس بركن.

(مسألة 308) إذا شكَّ في تحقُّق التَّرتيب بعد الفراغ من الصَّلاة بنى على تحقُّقه وصحَّت صلاته.

الوَاجبُ الحَادِي عَشَر المُوَالاَة

(مسألة 309) الموالاة هي عدم الفصل المخل بين أفعال الصَّلاة وعلى وجه يوجب محو الصُّورة الصَّلاتيَّة والوحدة العرفيَّة في نظر أهل الشَّرع، فلو تركها عمداً أو سهواً بطلت صلاته لا لكونها ركناً وإنَّما للخلل الواقع في نظر أهل العرف.

(مسألة 310) الأحوط وجوباً توالي أجزاء الصَّلاة وتتابعها أيضاً حتَّى لو لم يحصل محو الصُّورة أيضاً، ولكن لا تبطل الصَّلاة بترك ذلك سهواً.

(مسألة 311) لو فصل سهواً بين كلمات الآيات أو حروف الكلمة - بمقدار ينمحي به صورتهما - وكانت صورة الصَّلاة محفوظة فإن لم يدخل في الرُّكن أعاد الأجزاء على الوجه الصَّحيح، وأمَّا لو دخل في الرُّكن مضى في صلاته كما مرَّ.

ص: 104

(مسألة 312) طول الرُّكوع والسُّجود وقراءة السُّور الطِّوال غير منافية للموالاة للمنفرد وللجماعة وإن ورد (صلُّوا بصلاة أضعفكم) استحباباً، إلاَّ ما يسبِّب الخروج عن الوقت.

فَصْلٌ ِفي القُنُوت

وهو - على الأقوى - عبارة عن رفع اليدين - للدُّعاء - بإزاء الوجه وجعل باطنهما إلى السَّماء مضمومتي الأصابع عدا الإبهامين، ويكون نظر الدَّاعي إلى الكفَّين.

(مسألة 313) القنوت في الصَّلاة من المستحبَّات المؤكَّدة، بل قيل بوجوبه، فالأحوط عدم التَّهاون في أمره في الفرائض الواجبة وخصوصاً في الجهريَّة وأخصُّ منها في الصُّبح والمغرب والعشاء، وموقعه بعد القراءة قبل الرُّكوع في الرَّكعة الثَّانية.

(مسألة 314) يستحب القنوت في جميع الصَّلوات مرَّة واحدة إلاَّ في الجمعة - ففيها قنوتان قبل الرُّكوع في الأولى وبعده في الثَّانية - والعيدين - ففي صلاتهما خمسة قنوتات في الرَّكعة الأولى وأربعة في الثَّانية، بل هي فيهما شرط في صحَّتهما حتَّى في زمن الغيبة - وفي الآيات - ففيها قنوتان قبل الرُّكوع الخامس من الأولى وقبله من الثَّانية، بل يستحب خمسة قنوتات قبل كل ركوع زوج ولا بأس بالواحد -، وسيأتي كيفيَّة وأحكام هذه الصَّلوات.(مسألة 315) لا يختص استحباب القنوت بالفرائض، بل يستحب في النَّوافل أيضاً ومنها الوتر، إلاَّ في الشَّفع فيؤتى به بعنوان رجاء المطلوبيَّة.

(مسألة 316) لا يشترط في القنوت قول مخصوص، بل يكفي فيه كل ما تيسَّر من ذكر أو دعاء أو حمد أو ثناء، وبجزيء ((سبحان الله )) أو ((الحمد الله )) خمسأ أو ثلاثاً أو مرَّة واحدة، وكذلك تجزئ ((الصَّلاة على محمد وآل محمد)) وغير ذلك من الأذكار.

نعم لا ريب في رجحان ما ورد من الأدعية المخصوصة عن الأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ

ص: 105

كدعاء الفرج، وهو: -

((لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله اَلحَلِيمُ اَلكَرِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله اَلعَلَيُّ اَلعَظِيمُ، سُبْحَانَ الله رَبِّ اَلسَّمَاوَاتِ اَلسَّبْعِ وَرَبِّ اَلأَرَضِينَ اَلسَّبْعِ، وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ وَرَبِّ اَلعَرْشِ اَلعَظِيمِ، وَاَلحَمْدُ لله رَبِّ اَلعَالَمِين)).

ولا بأس بضم (وسلام على المرسلين) بعد (العظيم) وقبل (والحمد لله) على ما ورد في رواتيه بنيَّة الدُّعاء الَّذي معناه وسلَّم على المرسلين، وقد قوَّى السيِّد بحر العلوم عَلَيْهِ السَّلاَمُ راويه المستضعف عند آخرين في منظومته، وقد تقوِّي الشُّهرة العمليَّة كثيراً من الضِّعاف، ورجاء المطلوبيَّة فيه مجال للعمل بمثل هذا ونحوه، والله العالم.

وكذلك الدُّعاء لقائم آل محمد (عجَّل الله تعالى فرجه الشَّريف) كما ورد عن محمد بن عيسى بسنده عن الصَّالحين عَلَيْهِم السَّلاَمُ:-

((اَللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ اَلحُجُّةُ بنِ اَلحَسَنِ صَلَوَاتُكَ عَلَيهِ وَعَلَى آبَائِهِ فِي هَذِهِ اَلسَّاعَةِ وَكُلَّ سَاعَةٍ وَلِيَّاً وَحَافِظَاً وَقَائِدَاً وَنَاصِرَاً وَدَلِيَلاً وَعَيْنَاً حَتَّى تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعَاً وَتُمَتِّعَهُ فِيهَا طَويَلاً)).

وسيأتي ذكر بعض الأدعية الَّتي ورد استحباب قراءتها في صلاة الوتر من صلاة اللَّيل.

(مسألة 317) تجوز قراءة القرآن في القنوت وبالخصوص الآيات الَّتي اشتملت على الأدعية، كقوله عزَّ من قائل [رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ(8)] ونحوه، بل هو مفضَّل، وقد ورد بعض منه في أدعية الأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ وقنوت الصَّلاة مورد لها.

(مسألة 318) تجوز قراءة القنوت بأيِّ لغة من اللغات غير العربيَّة لمن لا يعرف الأدعية العربيَّة مع رجحان التَّصميم على تعلُّمها، وقراءتها عربيَّة أفضل من غيرها لمن يعرفها.

(مسألة 319) لا قضاء للقنوت بعد الصَّلاة لو تركه عمداً، ولكن إن نسيه وتذكَّر قبل أن يصلِّ إلى حد الرُّكوع رجع وأتى به، وإذا تذكَّر في أثناء الرُّكوع

ص: 106

أتى به بعد رفع رأسه منه، وإن تذكَّره في أثناء السُّجود قضاه بعد الصَّلاة جالساً مستقبلاً، وإن تذكَّره بعد انصرافه من الصَّلاة أتى به متى ذكره.

(مسألة 320) يستحب في القنوت الجهر إمَّاماً كان أو مأموماً أو منفرداً، ولكن يكره للمأموم أن يسمع الإمام صوته.

فَصْلٌ ِفي التَّعْقِيبَات

من السُّنن والمستحبَّات المؤكَّدة التَّعقيب بعد الفراغ من الصَّلاة فريضة كانت أو نافلة، وفي الفريضة آكد وبالأخص في صلاة الفجر.

والتَّعقيب بمعنى الاشتغال بالذِّكر والدُّعاء أو القرآن أو التَّفكُّر في عظمة الله سبحانه وتعالى أو البكاء من خشيته ونحوها، وفي التَّعقيبات على اختلافها منافع دنيويَّة وأخرويَّةكثيرة.

(مسألة 321) لا يشترط في التَّعقيب قول مخصوص، بل يجوز حتَّى بغير العربيَّة، والأفضل والأصح الاقتصار بالتَّعقيب على ما أثر وورد عن أهل بيت النُّبوَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ من الأدعية والأذكار.

(مسألة 322) ممَّا ورد عنهم عَلَيْهِم السَّلاَمُ في التَّعقيب أمور، منها:-

1 - التَّكبير ثلاثاً بعد التَّسليم برفع اليدين إلى الأذنين أو مقابل الوجه.

2 - تسبيح الزَّهراء عَلَيْهِا السَّلاَمُ.

3 - قراءة سورة الحمد.

4 - قراءة آية الكرسي.

5 - قراءة آية (شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ …) وهي أية 18،19 من سورة آل عمران.

6 - قراءة آية الملك وهي آية 26، 27 من آل عمران، إلى غير ذلك من المستحبَّات المؤكَّدة في الكتب المفصَّلة.

(مسألة 323) أفضل التَّعقيبات تسبيح الزَّهراء عَلَيْهِا السَّلاَمُ كما عن الخبر:-

ص: 107

(ما عند الله شيء من التَّحميد أفضل من تسبيح فاطمة عَلَيْهِا السَّلاَمُ).

وكما ورد عن الصَّادق عَلَيْهِ السَّلاَمُ:-

(تسبيح فاطمة عَلَيْهِ السَّلاَمُ كل يوم دبر كل صلاة أحبُّ إليَّ من الصَّلاة ألف ركعة).

وكيفيَّته: التَّكبير ((الله أكبر)) أربعاً وثلاثين مرَّة، والتَّحميد ((الحمد لله)) ثلاثاً وثلاثين مرَّة، والتَّسبيح ((سبحان الله )) ثلاثاً وثلاثين مرَّة.

وهذا التَّسبيح أشهر من عكسه، وهو سبحان الله - الحمد لله - الله أكبر.

(مسألة 324) يستحب للمرأة بالخصوص إضافة لما مرَّ من المستحبَّات الخاصَّة بها في أفعال الصَّلاة:-

1- الزِّينة، بأن تلبسها.

2- الخضَّاب.

3- الاخفات في أقوالها.

(مسألة 325) يستحب الصَّلاة على النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ فوراً عند ذكر اسمه الشَّريف أو لقبه أو كنيته، ولو كان في الصَّلاة، بل يستحب متى ما تذكَّره صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ .

ص: 108

المَقْصَدُ الثَّالْث مُنَافِيَاتُ الصَّلاَة

منافيات الصَّلاة هي الَّتي توجب بطلان الصَّلاة فريضة كانت أم نافلة وهي ثلاثة عشر منافياً:-

الأوَّل: فقد أحد شروط الصَّلاة، كما لو علم في الأثناء بغصبيَّة المكان.

الثَّاني: الحدث الأصغر والأكبر، فإنَّه مبطل للصَّلاة أينما وقع فيها ولو قبل الآخر (السَّلام) بحرف، بلا فرق في ذلك بين العمد والسَّهو والاختيار والاضطرار عدا المسلوس والمبطون إذا أتى بوظيفته، وكذلك المستحاضة إن عملت بوظيفتها كما مرَّ.

(مسألة 326) إذا غلب عليه حدث النَّوم - مثلاً - وشكَّ في أنَّ نومه كان بعد الصَّلاة أو في أثنائها فعليه إعادة صلاته على الأحوط.

(مسألة 327) لو انتبه من النَّوم في حال السُّجود، وشكَّ هل أنَّه في السَّجدة الأخيرة من الصَّلاة أو سجدة الشُّكر، أعاد الصَّلاة على الأحوط.

الثَّالث: تعمُّد التَّكفير (التَّكتُّف) وهو وضع إحدى اليدين على الأخرى في الصَّلاة في حال الاختيار - كما هو المتعارف عند إخواننا من بعض المذاهب الأخرى - فإنَّه مبطل للصَّلاة حتَّى لو كان بقصد الخضوع والتَّأدُّب في الصَّلاة، ولا بأس بذلك في حالة النِّسيان والاضطرار كالتَّقية مع عدم المندوحة (المجال)، وإن كان المالكيَّة يحرِّمونه في الفرائض والشَّافعيَّة يتخيَّرون بينه وبين الإسبال.

الرَّابع: تعمُّد قول (آمين) بعد تمام الفاتحة في حال الاختيار إمَّاماً كان أو مأموماً أو منفرداً إخفاتاً أو إجهاراً، أمَّا لو صدر عن سهو أو اشتباه أو تقيَّة مع عدم المندوحة (المجال) فلا بأس، وقد يجب قولها في بعض حالات التَّقيَّة، ولكن مع قصد معنى (استجب).

ص: 109

الخامس: الانحراف عن القبلة فلو استدبرها عمداً أو سهواً أو انحرف عنها إلى اليمين أو الشِّمال بحيث لا يعدُّ في العرف أنَّه مستقبل القبلة فصلاته باطلة حتَّى في حال عدم الاختيار كما لو حصل ذلك من الازدحام ونحوه.

(مسألة 328) الانحراف بالوجه إذا كان كثيراً بحيث يرى من خلفه فهو ملحق بانحراف البدن، عمداً كان أو سهواً، وأمَّا الإلتفات القليل فلا بأس به عند السَّهو.

السَّادس: تعمُّد الكلام إذا كان مؤلَّفاً من حرفين فأكثر، وكذلك التَّلفُّظ بحرف واحد إذا كان مفهماً وله معنى وكان قاصداً له مثل ((قِ)) بمعنى الأمر بالوقاية و ((عِ)) بمعنى الأمر بالوعي، بل إذا التفت إلى معناه فهو مبطل وإن لم يقصد المعنى على الأحوط، ولا يبطلها سهواً ولو باعتقاد أنَّه قال ذلك في حالة الفراغ من الصَّلاة ثمَّ انتبه أنَّه في حال الصَّلاة.

(مسألة 329) لا بأس بالتَّنحنح والنَّفخ والأنين والتَّأوُّه إذا لم يتولَّد منها حرفان، ولكنَّها مكروهة ولو خرج منه حرفان حينذاك يكون من المبطلات ولو قال ((آه))

أو ((آه من ذنوبي وأعمالي)) فإن كان من باب الشِّكاية إلى الله تعالى لم تبطل وإلاَّ بطلت.

(مسألة 330) لا بأس بالذِّكر والدُّعاء وقراءة القرآن في جميع أحوال الصَّلاة غير القنوت، والأحوط وجوباً ترك الدُّعاء بغير العربيَّة عندئذ.(مسألة 331) لا تبطل الصَّلاة بالتَّكلُّم بقصد الذِّكر - وإن رفع صوته - وأراد ضمناً تنبيه الغير على شيء بشرط أن يطغي القصد الذِّكري على حالة التَّنبيه.

أمَّا لو عكس ذلك بأن تكلَّم لغرض تنبيه الغير وقصد الذِّكر ضمناً فالأحوط وجوباً إتمام الصَّلاة ثمَّ الإعادة، وكذا لو لم يكن الدُّعاء مناجاة مع الله تعالى، بل كان خطاباً للغير كما لو قال لأحد ((غفر الله لك))، أو كان تسميتاً للعاطس بأن يقول له ((يرحمك الله )) فعليه الإتمام ثمَّ الإعادة لقصده الخطاب تنبيهاً إلى

ص: 110

شيء لا للمستحب.

(مسألة 332) لا يجوز الدُّعاء بالمحرَّم في أثناء الصَّلاة كالدُّعاء على المؤمن ظلماً، فلو دعا بذلك فالأحوط وجوباً الإتمام ثمَّ إعادتها.

(مسألة 333) لا يضر تكرار بعض أجزاء الحمد أو السُّورة أو أذكار الصَّلاة احتياطاً، وكذا لو كرَّرها عمداً لا بقصد الجزئيَّة، بل بقصد التَّأمُّل بمعانيها، وأمَّا التِّكرار لأجل الوسواس فهو مبطل.

(مسألة 334) لو اضطر المصلي إلى الكلام كدفع الضرر عن النفس أو الغير تكلم وبطلت صلاته.

(مسألة 335) لا يجوز للمصلِّي ابتداء السَّلام على الغير، لكن يجب عليه رد السَّلام المتوجِّه إليه خاصَّاً فوراً أو عامَّاً لو لم يردُّه غيره وإن كان الوجوب كفائيَّاً في العام، فلو أخرَّ الجواب عمداً - بحيث لا يعد جواباً فيما لو أجاب بعد هذا التَّأخير - أثم ولا حاجة إليه ما دام في صلاته وإن انتهت وعليه الاستغفار.

(مسألة 336) يجب - في أثناء الصَّلاة - رد السَّلام بمثل ما سلِّم عليه، فلو قال المسلِّم ((سلام عليكم)) وجب أن يرد المصلِّي بمثله ((سلام عليكم))، بل الأحوط وجوباً المماثلة بين السَّلام والجواب في التَّعريف والتَّنكير والإفراد والجمع فلا يقول ((سلام عليكم)) مكان ((السَّلام عليكم)) وكذا العكس وهكذا.

وإذا سلَّم المسلِّم بصيغة الجواب بأن قال مثلاً ((عليكم السَّلام)) فالأحوط وجوباً في الصَّلاة الردُّ بمثله بقصد القرآنيَّة ولو بالتَّلفيق من آيتين، حيث كانت كلمة عليكم جزء من آية ((سلام عليكم)) وكلمة السَّلام جزء من أخرى وهي [السَّلام على من اتبع الهدى]، وإذا سلَّم المسلِّم بدون ((عليكم)) فالأحوط وجوباً أن يكون الجواب كذلك في الصَّلاة.

(مسألة 337) لابدَّ في الجواب من الإسماع إن أمكن في حال الصَّلاة أو في غيرها وإلاَّ وجب الردُّ بالنَّحو المتعارف وإن لم يسمع المسلِّم، كما إذا كان المسلِّم أصم أو سلَّم ومشى سريعاً بحيث لم يسمع الرَّد لو كان.

ص: 111

(مسألة 338) إذا سلَّم المسلِّم بالملحون ولكن بصورة يعد سلاماً وجب عليه رد الجواب صحيحاً.

(مسألة 339) إذا كانت التَّحيَّة بغير السَّلام، كقوله ((صبَّحكم الله بالخير)) - مثلاً - لم يجب الرد إلاَّ أن يكون ترك الجواب هتكاً وإيذاءاً للمؤمن، فيجب الجواب لذلك، والأحوط وجوباً أن يكون الرَّد بقصد الدُّعاء على نحو يكون المخاطب به الله تعالى مثل ((اللَّهم صبِّحه بالخير)).

(مسألة 340) إذا كان المسلِّم امرأة أو صبيَّاً مميِّزاً وجب الرد ولو احتياطاً بالنِّسبة إلى الثَّاني.

(مسألة 341) إذا كان السَّلام عن سخرية أو مزاح أو كان مجنوناً حال السَّلام لم يجب الرَّد عليه.(مسألة 342) وجوب رد السَّلام كفائي فلو سلَّم على جماعة كفى رد واحد منهم، وإذا سلَّم واحد على جماعة منهم المصلِّي فرد غيره منهم لم يجز له الرد.

(مسألة 343) إذا سلَّم على شخص مردَّد بين شخصين لم يجب الرَّد على أحدهما غير المعيَّن، سواء كانا في الصَّلاة أم لا، إلاَّ إذا عرف أحدهما أو كل منهما أنَّه المقصود فعلى العارف الرَّد.

(مسألة 344) لا يكفي رد الصَّبي المميِّز في خارج الصَّلاة على الأظهر كالكبير، فيجب على المصلِّي الرد فيها ويؤمر المميِّز تأدُّباً بالالتزام كالكبير.

(مسألة 345) إذا شكَّ المصلِّي في أنَّ السَّلام بأيِّ صيغة كان فالظَّاهر جواز الجواب بكل من الصِّيغ المتعارفة على أن يضبط تكليفه تامَّاً للمستقبل.

(مسألة 346) لو سلَّم على جماعة وشكَّ أحدهم أنَّه المعني به أيضاً معهم أم لا ؟ لا يجب عليه الجواب، وكذا لو علم بذلك وحصل الجواب من غيره، أمَّا لو علم بأنَّه المقصود معهم أيضاً ولم يرد أحد من الآخرين السَّلام وجب عليه لا محالة.

ص: 112

وممَّا يلحق بالمقام

(مسألة 347) السَّلام في أصله مستحب، والأفضل أن يسلِّم الرَّاكب على الماشي والواقف على الجالس والأصغر على الأكبر.

(مسألة 348) يستحب في غير الصَّلاة الرد بالأحسن فيقول في رد (سلام عليكم) (عليكم السَّلام) أو بضميمة (ورحمة الله وبركاته).

السَّابع: القهقهة، وهو الضَّحك المشتمل على الصَّوت والتَّرجيع اختياراً أو اضطراراً، ولا بأس بالتَّبسُّم أو القهقهة سهواً إن حصل أحدهما، وإن رجح تعويد النَّفس على تركهما لو علم طرؤ ذلك غفلة لو أمكن التَّعوُّد المفيد مسبقاً على عدم حدوث مثل ذلك بزيادة التَّنبُّه وأخذ الحذر تحفُّظاً منه.

(مسألة 349) لو امتلأ جوفه ضحكاً، أو احمرَّ لون وجهه عند حبس نفسه عن إظهار الصَّوت فالأحوط وجوباً الإتمام والإعادة.

الثَّامن: تعمُّد البكاء مع الصَّوت أو بدونه على الأحوط وجوباً إذا كان لأمر دنيوي كالبكاء على ميِّت قريب له، أمَّا إذا كان خوفاً من الله تعالى أو تذلُّلاً له أو تشوُّقاً لرضوانه أو تقرُّباً إليه ولو لطلب أمر دنيوي كزيادة توفيقه له ليوفَّق بسببه إلى عمل الخير أخرويَّاً فلا بأس به ولا تبطل الصَّلاة بسببه، بل إنَّه من أفضل القربات، وكذا لا تبطل بحصوله لو كان عن سهوٍ أو بغير اختيار حتَّى ما نهي عنه.

(مسألة 350) يجوز البكاء على سيِّد الشُّهداء أبي عبدالله الحسين عَلَيْهِ السَّلاَمُفي الصَّلاة إذا كان لعظم المصيبة دينيَّاً - مع قصد التقرب به إلى الله تعالى - تحرُّقاً على رجال الشَّريعة المقدَّسة، وإلاَّ فهو مشكل.

التَّاسع: الفعل الماحي لصورة الصَّلاة على نحو يصح سلب الاسم عنها عند

ص: 113

أهل الشَّرع وإن كان مباحاً في نفسه كالوثبة أو الصَّفقة أو العمل بمثل الخياطة أو الكتابة وغيرهما حتَّى السُّكوت لو كان طويلاً كما مرَّ في الموالاة، ولا فرق في البطلان به بين صورتي العمد والسَّهو.(مسألة 351) لا بأس في الفعل الغير ماحي لصورة الصَّلاة عمداً أو سهواً شريطة أن لا تفوت الموالاة وإن كان كثيراً كتحريك الأصابع والإشارة باليد أو بغيرها، والانحناء الخاص لأخذ شيء من الأرض ممَّا يضطرُّ إليه - لا إلى حد الرُّكوع - أو قتل ما يخاف منه كالحيَّة والعقرب وحمل الطِّفل وإرضاعه، ونحو ذلك ممَّا لا يعد منافياً للصَّلاة وماحياً لصورتها حيث سمح به في الرِّوايات.

(مسألة 352) لو شكَّ في فوات الموالاة وزوال صورة الصَّلاة بعد الإتيان بفعل كثير أو سكوت طويل فالأحوط أن يتمَّها أوَّلاً ثمَّ يعيدها.

العاشر: الأكل والشُّرب وإن كانا قليلين وغير ماحيين لصورة الصَّلاة على الأحوط وجوباً، كبلع الحبَّة المختفية بين الأسنان مثلاً ونحو ذلك، ولا بأس لو كان سهواً إن لم يبلغ حدَّ محو صورة الصَّلاة وإن بلغه تبطل كذلك كما مرَّ.

(مسألة 353) يجوز للعطشان المشتغل بالدُّعاء في صلاة الوتر فقط أن يشرب الماء إذا كان في نيَّته صوم الغد وخشي مفاجأة الفجر وكان الماء قريباً منه بحيث لا يتجاوز الثَّلاث خطوات فيجوز له التَّخطِّي والارتواء ثمَّ الرُّجوع إلى مكانه بلا مخالفة في الاتِّجاه إلى القبلة، وهناك تفاصيل أخرى مذكورة في محالِّها.

الحادي عشر: الشَّك في الصَّلاة الثُّنائيَّة والثُّلاثيَّة والرِّكعتين الأوَّليتين من الرُّباعيَّة وسوف يأتي تفاصيلها إن شاءالله

تعالى في مواقعها الخاصَّة.

الثَّاني عشر: زيادة جزء غير ركني في الصَّلاة أو نقصانه عمداً كما سبق بيانه.

الثَّالث عشر: نقيصة الرُّكن أو زيادته ولو سهواً فيما عدا المستثنيات السَّبعة.

ص: 114

يُلْحَقُ بالمُنَافِيَات مَكْرُوهَات الصَّلاَة

يكره في الصَّلاة أمور أهمها:-

1- الالتفات بالوجه قليلاً إلى اليمين أو اليسار.

2- إغماض العين والإلتفات بها يميناً ويساراً.

3- العبث باللحية واليد.

4- تشبيك الأصابع.

5- فرقعة الأصابع.

6- البصاق.

7- النَّظر إلى خط القرآن أو الكتاب أو نقش الخاتم، إلاَّ ما يحتاج إليه من القراءة غير المحفوظة في الصَّلاة إن احتاج شرعاً إليها.

8- السُّكوت في أثناء القراءة لأجل الاستماع إلى غيره، أمَّا إذا أخلَّ بالموالاة بحيث محيت صورة الصَّلاة بذلك فكما مرَّ.

9- لبس الجورب الضَّيِّق.

10- الصَّلاة مع النُّعاس أو التَّثاؤب.

11- مدافعة البول والغائط أو الرِّيح.

12- كل عمل ينافي الخضوع والخشوع.

13- نفخ موضع السُّجود.

14- حديث النَّفس ما لم يتخلَّله لفظ غريب فإنَّه مبطل كما مرَّ.15- مدافعة النَّوم.

16- الإمتخاط.

17- القِران بين السُّورتين كما مرَّ في مكروهات القراءة.

إلى غير ذلك من الأمور المذكورة في الكتب المفصَّلة.

ص: 115

المَقْصَدُ الرَّابِع أَحْكَامُ الخَلَل

وفيه فصلان:-

الفَصْلُ الأَوَّل الطَّوَارىءُ الَّتِي تَرِدُ عَلَى الصَّلاَة

(مسألة 354) يحرم قطع الفريضة اختياراً،ويجوز لضرورة دينيَّة أو دنيويَّة.

بل قد يجب قطعها إذا لزم من الاستمرار بالصَّلاة ضرر عليه أو توقَّف عليه حفظ نفسه أو أيّ نفس محترمة عليه أو مال يجب حفظه ونحو ذلك، وأمَّا قطعها لحفظ المال غير المهم فمكروه، بل قد ورد عن أهل البيت عَلَيْهِم السَّلاَمُ قصص عجيبة لو سار عليها النَّاس وتعوَّدوا عليها وذاقوا حلاوتها لانصرفوا عن الدُّنيا الدَّنيَّة بالكليَّة واقتطفوا معجَّلاً ثمار المنازل العليَّة إيماناً واحتساباً.

(مسألة 355) لو التفت في أثناء الصَّلاة إلى نجاسة المسجد ولم يكن من به الكفاءة لإزالتها من غيره وجب عليه إتمام الصَّلاة مع ضيق الوقت ثمَّ إزالتها، وإن وسع الوقت وأمكن التَّطهير بدون قطع الصَّلاة وجب ذلك لو لم يصدر منه فعل ماحي، وإن كان التَّطهير موجباً لقطع الصَّلاة جاز له القطع كحالة الماحي إذا كان في بقاء النَّجاسة هتك ومهانة، بل قد يجب القطع والتَّطهير فوراً فيما لو زاد ذلك.

(مسألة 356) من وجب عليه قطع الصَّلاة فتركه مستمرَّاً في صلاته أثم وصحَّت صلاته، وإن كان الأحوط استحباباً إعادة الصَّلاة.

(مسألة 357) يجوز قطع النَّافلة لذلك وإن كانت منذورة ما لم يضق وقتها ولم يكن نذرها عند العلم بالنَّجاسة.

ص: 116

الفَصْلُ الثَّانِي الإِخْلاَلُ بِأَجْزَاءِ الصَّلاَة وَشَرَائِطِهَا زِيَادَةً وَنُقْصَانَاً

(مسألة 358) تقدَّم أنَّه من أخلَّ بشيء من واجبات الصَّلاة - أجزاء وشرائط - عمداً ولو بحرف واحد أو حركة من القراءة أو الذِّكر بمعنى يخل بالمعنى واللفظ بطلت صلاته، وكذلك في حال الزِّيادة التَّعمديَّة قولاً أو فعلاً من دون فرق بين الرُّكن وغيره أو كونه موافقاً لأجزاء الصَّلاة كتكرار بعض أفعالها أو مخالفاً لها ناوياً تلك الزِّيادة من الأوَّل أو في الأثناء.

وكذلك لو كان الإخلال بسب الجهل بالمسألة تقصيراً فتبطل الصَّلاة، ويستثنى من ذلك الإخفات في موضع الجهر وبالعكس، والإتمام في موضع القصر فصلاته صحيحة لو كان جاهلاً بالمسألة بشرط عدم التفاته فضلاً عن قصوره، وكذا حالة السَّهو والنِّسيان وإلى نهاية الوقت في القصر والتَّمام دون ما لو تذكَّر في داخل الوقت وأمكنه التَّدارك أداءً لما هو تكليفه.

(مسألة 359) لو علم في أثناء صلاته بطلان الوضوء أو الغُسل أو عدم الإتيان بهما بطلت صلاته، وكذلك لو تذكَّر بعد الصَّلاة فيجب إعادتها إن كان في داخل الوقت، وإلاَّ قضاها في خارجه.

(مسألة 360) يعتبر في تحقُّق الزِّيادة الغير ركنيَّة إتيانها بقصد الجزئيَّة أو أنَّها من الصَّلاة تشريعاً، فإن فعل شيئاً لا بقصدها لم يقدح ذلك إلاَّ إذا كان ماحياً لصورة الصَّلاة أو مفوِّتاً للموالاة، ومثل ذلك تخلُّل الأفعال المباحة كحركة اليد وحكِّ الجسد ونحوها.

(مسألة 361) لو حصلت زيادة سهويَّة فإن كانت في الأركان بطلت الصَّلاة على ما مضى بيانه، وإن كانت في غيرها فلا تبطل إلاَّ أنَّها قد توجب سجدتي السَّهو في بعض الموارد كما سيأتي.

(مسألة 362) لو نقص جزءاً من الصَّلاة - ركناً أو غير ركن - سهواً فإن التفت قبل فوات محلِّه وجب تداركه وما بعده كمن نسي الفاتحة وهو بعد لم

ص: 117

يأت بالسُّورة أو أتى بها وتذكَّر في أثناءها فيقرأ الحمد ويأتي بالسُّورة لرعاية التَّرتيب، أو نسي الرُّكوع وذكر قبل أن يسجد فيقوم للرُّكوع ثمَّ يسجد، أو نسي السَّجدتين أو أحداهما أو التَّشهُّد وذكر قبل أن يركع رجع فيتدارك ما نسي ثمَّ يقوم فيأتي بما يلزم من قراءة أو تسبيح ثمَّ يركع.

وإن كان بعد فوات المحل فإن كان ركناً بطلت صلاته كمن نسي الرُّكوع وهو في السَّجدة الثَّانية من نفس الرِّكعة، وإلاَّ كانت صحيحة وعليه قضاء الجزء المنسي بعد الصَّلاة، كما لو نسي التَّشهُّد أو السَّجدة الواحدة، وسيأتي بيان ذلك أكثر في الأجزاء المنسيَّة.

(مسألة 363) يتحقَّق فوات محل الجزء المنسي في موارد:-

الأوَّل: الدُّخول في الرُّكن اللاحق، كمن نسي القراءة أو الذِّكر أو غيرهما من الواجبات والتفت بعد الدُّخول في الرُّكوع، أمَّا لو التفت قبل الوصول إلى حد الرُّكوع وجب تدارك ما نسي وما بعده على التَّرتيب كما مرَّ ثمَّ يسجد سجدتي السَّهو للفعل النَّاقص قبل التَّدارك.

الثَّاني: الخروج من الصَّلاة بالتَّسليم، فلو التفت بعده إلى عدم إتيانه السَّجدتين الأخيرتين فإن كان التفاته بعد إتيانه بما ينافي الصَّلاة عمداً أو سهواً - كاستدبار القبلة - بطلت صلاته، وإن كان قبله أتى بالسَّجدتين ثمَّ التَّشهُّد والسَّلام ثمَّ يسجد سجدتي السَّهو للسَّلام الزَّائد.

أمَّا لو نسي إحدى السَّجدتين أو التَّشهُّد فإن تذكَّر قبل الإتيان بما ينافي الصَّلاة أتىبالمنسي بقصد القربة ثمَّ يتشهَّد ويسلِّم على الأحوط وجوباً وإن تذكَّر بعد ذلك صحَّت صلاته وعليه قضاء المنسي والإتيان بسجدتي السَّهو كما سيأتي.

الثَّالث: ما لو فات الفعل الواجب غير الرُّكني نسياناً حتَّى دخل في فعل آخر - مثل ما لو نسي الذِّكر أو الطَّمأنينة في الرُّكوع أو السُّجود حتَّى رفع رأسه - فإنَّه يمضي في صلاته، وكذا لو نسي الانتصاب بعد الرُّكوع وتذكَّر بعد الدُّخول في السُّجود مضى في صلاته، وأمَّا لو تذكَّر قبل فوات الفعل تدارك المنسي.

ص: 118

المَقْصَدُ الخَامِس الشُّكُوكُ ِفي الصَّلاَة

الشَّك هو خلاف الجزم، وهو عبارة عن التَّردُّد الحاصل للمصلِّي، وأنواعه ثلاثة:-

الأوَّل: الشَّك في إتيان أصل الصَّلاة.

الثَّاني: الشَّك في أجزائها وأفعالها وشرائطها.

الثَّالث: الشَّك في ركعاتها.

الشَّكِ ِفي إِتْيَانِ الصَّلاَة

(مسألة 364) من شكَّ ولم يدر أنَّه صلَّى أم لا ؟ فإن كان بعد خروج الوقت بنى على إتيانها ولاشيء عليه، وبالأخص ما لو كان من التزامه الصَّلاة، ولكن لو كان عنده ضعف في الالتزام بها وكان من ذوي النِّسيان فعليه الاحتياط بالقضاء ولو كان استحبابيَّاً.

وإن كان شكَّه في أثناء الوقت وجب عليه الإتيان، فإن لم يأت بها حتَّى خرج الوقت وجب عليه القضاء.

(مسألة 365) الظَّن بفعل الصَّلاة حكمه حكم الشَّك في التَّفصيل المذكور، فمن ظنَّ أنَّه صلَّى وكان ظنُّه بعد خروج الوقت بنى على الإتيان وهو أقوى من حالة الشَّك الماضية في أمر الإتيان، ولكن من ظنَّ ذلك وكان قبل الخروج بما يكفي للعمل مع احتمال العدم وجب عليه الإتيان لأجل وجوب العلم بفراغ الذِّمَّة من ذلك ولا يكفي الظَّن في المقام مع ذلك الاحتمال الآخر.

وكذا كثير الشَّك في الإتيان بالصَّلاة وعدمه حكمه كحكم الظَّن المذكور، فيجري فيه التَّفصيل المذكور من الإعادة في الوقت وعدمها بعد خروجه، وأمَّا

ص: 119

الوسواسي فيبني على الإتيان وإن كان في داخل الوقت.

(مسألة 366) لو شكَّ في بقاء الوقت بنى على بقائه.

(مسألة 367) لو اعتقد - بعد الشَّك في إتيان الصَّلاة - أنَّه خارج الوقت ثمَّ تبيَّن أنَّه كان شكُّه في داخله وجب عليه إتيانها أداءاً إن كان الوقت باقياً وإلاَّ فالقضاء.

أمَّا لو اعتقد أنَّ الوقت باقٍ وهو شاكٌّ في الإتيان بالصَّلاة وترك الإتيان بها - عمداً أو سهواً ثمَّ تبيَّن أنَّ شكَّه كان خارج الوقت لم يجب عليه القضاء.

(مسألة 368) إذا علم أنَّه صلَّى العصر وشكَّ في أنَّه أتى بالظُّهر قبلها أم لم يأت بها وجب عليه الإتيان بصلاة الظُّهر، ولو شكَّ في الإتيان بالظُّهرين أتى بهما في الوقت المُشترك بينهما، ولو لم يبق منه إلاَّ مقدار أداء فريضة العصر مثلاً حسب لزمه الإتيان بالعصر، ولا يجب عليه ظاهراً قضاء صلاة الظُّهر لكون الشَّك كأنَّه قد حصل حال خروج الوقت على إشكال مقتضاه الاحتياط بالقضاء، ولو شكَّ في الإتيان بالظُّهر وهو في صلاة العصر عدل بها إلى الظُّهر إذا كان في الوقت المُشترك وإذا كان الوقت مختصَّاً بالعصر فكما مرَّ.

(مسألة 369) لو علم بعد انقضاء الوقت بفوات صلاة رباعيَّة كما لو علم بفوات واحدة من الظَّهر أو العصر يأتي بأربع ركعات بقصد ما في الذِّمَّة.

(مسألة 370) لو علم بعد انقضاء الوقت بفوات صلاة مردَّدة بين ثلاثيَّة ورباعيَّة فيقضيهما جميعاً، وكذا لو علم أنَّ من الفوائت ثنائيَّة، لكون الفروض متعدِّدة.

الشَّكِ ِفي أَفْعَالِ الصَّلاَة

(مسألة 371) لو شكَّ أثناء الصَّلاة في إتيانه بشيء من أفعالها سواء كانت الصَّلاة واجبة أو مستحبَّة أدائيَّة أو قضائيَّة - حتَّى لو كان ركناً - فإن لم يدخل في الفعل اللاحق وجب عليه الإتيان بالمشكوك في الواجب، وكذا المستحب - لتصحيح

ص: 120

العمل - كما لو شكَّ في الحمد قبل الدُّخول في السُّورة، فإنَّه تجب عليه قراءة الحمد ثمَّ السُّورة حتَّى لو تبيَّن له بعد ذلك أنَّه كان قد أتى بالحمد سابقاً، وهكذا بقيَّة الأفعال وإلى الأخر - إلاَّ أنَّ عليه سجدتا السَّهو للزِّيادة كما سيجيء.

أمَّا لو دخل في الجزء اللاحق المترتِّب عليه فلا يلتفت لشكِّه، كما لو شكَّ في الحمد بعد الدُّخول في السُّورة فيستمر في صلاته لقاعدة التَّجاوز.

(مسألة 372) لو شكَّ في ركن قبل الدُّخول في غيره فأتى بالمشكوك - عملاً بوظيفته - ثمَّ تبيَّن أنَّه قد أتى بالمشكوك سابقاً فصلاته باطلة لزيادة الرُّكن، إلاَّ تكبيرة الإحرام فإنَّ زيادتها سهواً لا يضر كما مرَّ.

(مسألة 373) لو شكَّ في ركن من أركان الصَّلاة وقد دخل في ركن آخر بطلت صلاته كما لو شكَّ في السَّجدتين بعد الدُّخول في الرُّكوع من الرَّكعة الثَّانية، وكذا لو أتى بالرُّكن المشكوك في محلِّه ثمَّ تبيَّن أنَّه قد فعله أوَّلاً.

(مسألة 374) لو كان مشتغلاً بآية وشكَّ في الآية السَّابقة عليها - حتَّى لو كان في الآية الأخيرة من الحمد مثلاً وشكَّ في الآية الأولى - استمرَّ في صلاته ولا يلتفت إلى شكِّه.

(مسألة 375) لو شكَّ بعد رفع الرَّأس من الرُّكوع أو السُّجود في الإتيان بالذِّكر أو في الاستقرار فيهما فلا يلتفت إلى شكِّه.

(مسألة 376) لو شكَّ في الرُّكوع أو في الانتصاب بعده وهو في حالة الهوي إلى السُّجود فالأظهر عدم الاعتناء بالشَّك، لكن لا يترك الاحتياط بالإتمام والإعادة.

(مسألة 377) لو شكَّ في السُّجود وهو في حالة النُّهوض إلى القيام فإنَّه يجب عليه الرُّجوع والإتيان بالسُّجود.

(مسألة 378) من كان وظيفته الصَّلاة جالساً أو نائماً وشكَّ في السُّجود أو التَّشهُّد وهو مشغول بالحمد أو التَّسبيحات فلا يلتفت إلى شكِّه، ولو كان شكُّه قبل الاشتغال وجب الإتيان بالمشكوك.

ص: 121

(مسألة 379) لو شكَّ في الإتيان بالتَّسليم فإن كان ذلك قبل الدُّخول في التَّعقيب أو صلاة أخرى أو عمل آخر مناف للصَّلاة أتى بالتَّسليم، وإلاَّ فلا يعتني بشكِّه وصحَّت صلاته.

(مسألة 380) إذا شكَّ في صحَّة ما أتى به وفساده بنى على صحَّته.

الشَّكِ ِفي عَدَدِ الرَّكَعَات

(مسألة 381) لو شكَّ المصلِّي في عدد ركعات صلاته فلا حكم له إلاَّ بعد استقراره، فإن استقرَّ فله قسمان:- الأوَّل: ما لا علاج للشَّكِّ فيه، وتسمَّى ب- (الشُّكوك المبطلة للصَّلاة)، فله قطع الصَّلاة وإبطالها بلا حاجة إلى التَّروِّي والتَّأمُّل، لكنَّه أحوط استحباباً، بل وجوباً إن كان من ذويالارتباك فإن تبدَّل شكُّه إلى الظَّن بالرَّكعات وجب البناء عليه وإلاَّ بقي على حاله من قطع الصَّلاة أو التَّأمُّل فيها إن بقي مجال له لا يخل بالموالاة.

الثَّاني: ما له علاج فيها، وتسمَّى ب- (الشُّكوك الصَّحيحة) وعليه التَّروِّي والتَّفكُّر في أحواله احتياطاً وجوبيَّاً، وبالأخص لمن كان من ذوي الارتباك، فإن تيقَّن أو ظنَّ بطرف بنى عليه، وإلاَّ بقي على شكِّه وعمل بعلاجه.

القِسْمُ الأَوَّل الشُّكُوكُ المُبْطِلَةِ لِلصَّلاَة

وهي ثمانية:-

1- الشَّك في عدد ركعات الثُّنائيَّة والثُّلاثيَّة كصلاة الصُّبح والمغرب والمسافر والخائف، ويستثنى منها الصَّلوات المستحبَّة وصلاة الاحتياط، فلا تبطل الصَّلاة بالشَّك في ركعاتها.

2 - الشَّك في الرَّكعتين الأوَّليتين من الصَّلاة الرُّباعيَّة (الظُّهرين والعشاء).

3 - الشَّك في الإتيان بركعة واحدة أو أكثر في الصَّلاة الرُّباعيَّة كما لو شكَّ

ص: 122

بين الأولى والثَّالثة.

4 - الشَّك بين الاثنتين والأربع قبل إكمال السَّجدتين في الرُّباعيَّة.

5 - الشَّك بين الاثنتين والخمس فصاعداً.

6 - الشَّك بين الثَّلاث والسِّت أو أكثر.

7 - الشَّك في عدد الرَّكعات، بمعنى أنَّه لا يدري كم صلَّى.

8 - الشَّك بين الأربع والسِّت فصاعداً قبل إكمال السَّجدتين، وأمَّا بعد إكمال السَّجدتين فالأحوط أن يبني على الأربع ويتم صلاته ويسجد سجدتي السَّهو، ثمَّ يعيد صلاته وله أن يقطع الصَّلاة ويستأنف.

القِسْمُ الثَّانِي الشُّكُوكُ الصَّحِيحَة

وهي تسعة:-

الأوَّل:الشَّك بين الاثنتين والثَّلاث بعد إحراز الأوَّليتين برفع الرَّأس من السَّجدة الثَّانية من الرَّكعة الثَّانية على الأقل.

وحكمه البناء على الثَّلاث ويأتي بالرَّابعة وبعد الفراغ يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس، وستأتي كيفيَّة صلاة الاحتياط.

الثَّاني: الشَّك بين الاثنتين والأربع بعد رفع الرَّأس من السَّجدة الثَّانية.

وحكمه البناء على الأربع ويتم صلاته ثمَّ يحتاط بركعتين من قيام كما سيجيء.

الثَّالث: الشَّك بين الاثنتين والثَّلاث والأربع بعد رفع الرَّأس من السَّجدة الثَّانية.

وحكمه البناء على الأربع ويتم صلاته ثمَّ يحتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس ويؤخِّر الرَّكعتين من جلوس عن الرِّكعتين من قيام احتياطاً.

الرَّابع: الشَّك بين الأربع والخمس بعد رفع الرَّأس من السَّجدة الثَّانية.

ص: 123

وحكمه البناء على الأربع وإتمام الصَّلاة ثمَّ يأتي بسجدتي السَّهو الآتي بيانهما.ملاحظة: لو شكَّ بإحدى هذه الشُّكوك الماضية بعد الذِّكر وقبل رفع الرَّأس من السَّجدة الثَّانية فعليه الجمع بين العمل بوظيفة الشَّاك وإعادة الصَّلاة على الأحوط وجوباً.

الخامس: الشَّك بين الثَّلاث والأربع في أية حالة كان (قبل إكمال السَّجدتين أو بعده) حتَّى في حال القيام.

وحكمه البناء على الأربع وإتمام الصَّلاة ثمَّ الاحتياط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس.

السَّادس: الشَّك بين الأربع والخمس في حال القيام.

وحكمه هدم القيام ويبني على الأربع فيجلس ويتشهَّد ويسلِّم ويعمل بحكم الشَّاك بين الثَّلاث والأربع فيأتي بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ثمَّ سجدتي السَّهو، والأحوط وجوباً أن يسجد سجدتي السَّهو مرَّة أخرى لأجل القيام الزَّائد.

السَّابع: الشَّك بين الثَّلاث والخمس في حال القيام.

وحكمه هدم القيام ويبني على الأربع فيجلس ويتشهَّد ويسلِّم ويعمل بحكم الشَّاك ما بين الاثنتين والأربع فيحتاط بركعتين قائماً بعدها سجدتا السَّهو، ثمَّ يسجد بسجدتي السَّهو مرَّة أخرى للقيام الزَّائد على الأحوط وجوباً.

الثَّامن: الشَّك بين الثَّلاث والأربع والخمس في حال القيام.

وحكمه هدم القيام ويبني على الأربع فيجلس ويتشهَّد ويسلِّم ويرجع شكُّه إلى ما بين الاثنتين والثَّلاث والأربع فيحتاط بركعتين قائماً وركعتين جالساً بعدها سجدتا السَّهو، ثمَّ يسجد - مرَّة أخرى - سجدتي السَّهو للقيام الزَّائد على الأحوط وجوباً.

ص: 124

التَّاسع: الشَّك بين الخمس والسِّت حال القيام.

وحكمه هدم القيام فيجلس ويتشهَّد ويسلِّم، ويرجع شكُّه إلى ما بين الأربع والخمس فيتم صلاته ويسجد بسجدتي السَّهو، والأحوط وجوباً الإتيان بسجدتي السَّهو مرَّة ثانية للقيام الزَّائد.

بل الأحوط استحباباً إعادة الصَّلاة في هذه الصُّور الأربع المتأخِّرة بعد الإتيان بوظيفة الشَّاك.

(مسألة 382) لو عرض أحد هذه الشُّكوك الصَّحيحة فلا يجوز إبطال الصَّلاة على الأحوط وجوباً، فإن قطعها أثم، ولو أراد استئنافها فإن كان بعد فعل المنافي - كالانحراف عن القبلة - صحَّ الاستئناف، أمَّا لو استأنف الصَّلاة قبل فعل المنافي بطلت صلاته الثَّانية أيضاً على الأحوط، للمشروعيَّة التَّامَّة للصَّلاة المشكوك فيها مع علاجها المذكور وعليه، فإن بطلت الصَّلاتان فعليه بالصَّلاة من جديد.

(مسألة 383) لو عرض أحد الشُّكوك الصَّحيحة الماضية وجب التَّروِّي والتَّفكُّر قبل العمل بعلاجه - كما مرَّ -، ولكن إذا كان عدم ذلك لا يضر بتحصيل العلم أو الظَّن بأحد الطَّرفين - للذَّكاء وحسن الانتباه - فلا بأس بالتَّأخير، كما لو شكَّ في حال السُّجود فإنَّه يجوز أن يكمل سجوده ويرفع رأسه ثمَّ يتروَّى للرجحان الاحتياطي الاستحبابي أو الوجوبي كما مرَّ.

(مسألة 384) من شكَّ في الإتيان بالسَّجدتين وهو في التَّشهُّد أو القيام الَّذي بعده وفي نفس الوقت عرض له أحد الشُّكوك الَّتي تصح بعد إكمال السَّجدتين وغيره - كالشَّك بين الثَّلاث والأربع - فصلاته صحيحة إذا عمل بمقتضى شكِّه الأوَّل.

أمَّا لو عرض له أحد الشُّكوك الَّتي لا تصح إلاَّ بعد إكمال السَّجدتين - كالشَّك بين الاثنتينوالثَّلاث - بطلت صلاته.

(مسألة 385) من شكَّ بين الثَّلاث والأربع أو بين الثَّلاث والأربع والخمس في حال القيام وتذكَّر أنَّه نسي السَّجدتين من الرِّكعة السَّابقة فصلاته

ص: 125

باطلة.

(مسألة 386) إذا تبدَّل شكُّه بشكٍّ آخر وجب العمل بموجب الثَّاني كما لو شكَّ أوَّلاً بين الاثنتين والثَّلاث ثمَّ تبدَّل.

(مسألة 387) لو شكَّ بعد الفراغ - وقبل فعل المنافي - في أنَّ شكَّه السَّابق هل كان بين الاثنتين والأربع أو الثَّلاث والأربع؟ عمل بموجب كلا الشَّكَّين فيصلِّي ركعتين من قيام مع ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس وأعاد الصَّلاة أيضاً، وله أن يأتي بالمنافي ثمَّ يستأنف الصَّلاة.

(مسألة 388) لو اتَّفق له أحد الشُّكوك الصَّحيحة وبنى على ما تقتضيه الوظيفة ثمَّ تبدَّل شكُّه بالظَّن وجب العمل بظنِّه وإتمام الصَّلاة من دون حاجة إلى وظيفة شكِّه ومن ذلك ما لو طابق ظنُّه البناء على الأكثر، كما أنَّه لو ظنَّ بأحد الطَّرفين ثمَّ تبدَّل بالشَّك الصَّحيح وجب العمل بوظيفة الشَّاك المذكورة في مقاماتها.

(مسألة 389) إذا علم بعد الصَّلاة بأنَّه قد شكَّ فيها ولكنَّه لا يدري هل كان من الشُّكوك الصَّحيحة أو الباطلة؟، وعلى تقدير أنَّه من الصَّحيحة فأي قسم منها؟، فعليه أن يأتي بصلاة الاحتياط ركعتين من قيام وركعتين من جلوس وسجدتي السَّهو ثمَّ إعادة الصَّلاة لاحتمال أن تكون من الباطلة.

وأيضاً يمكنه الاكتفاء بسجدتي السَّهو ثمَّ استئناف الصَّلاة بعد الإتيان بالمنافي كما في المسألة (387).

(مسألة 390) من كانت وظيفته الصَّلاة جالساً وشكَّ بإحدى الشُّكوك الَّتي علاجها صلاة الاحتياط قائماً أو التَّخيير بين الرِّكعتين من جلوس والرِّكعة قائماً فتتبدَّل الَّتي عليه من قيام إلى الرِّكعتين من جلوس.

(مسألة 391) المصلِّي قائماً لو عجز في الأثناء عن القيام عند الإتيان بصلاة الاحتياط فحكمه حكم المصلِّي جالساً.

(مسألة 392) لو تمكَّن المصلِّي من جلوس حسب مقدرته من القيام الموظَّف له واقعاً عند الإتيان بصلاة الاحتياط وجب عليه العمل بوظيفة المصلِّي

ص: 126

قائماً.

الشُّكُوكِ الَّتِي لاَ يُعْتَنَى بِهَا

وهي ستَّة أقسام:-

الأوَّل: الشَّك بعد تجاوز المحل، كما لو شكَّ في قراءة الحمد بعد ما دخل في الرُّكوع، وقد بينَّا بعض مسائله في (الشَّك في أفعال الصَّلاة).

الثَّاني: الشَّك في الصَّلاة بعد خروج الوقت، وقد بينَّا بعض مسائله في (الشَّك في إتيان الصَّلاة).

الثَّالث: الشَّك بعد الفراغ من الصَّلاة (التَّسليم)، كما لو شكَّ بعد الفراغ من فريضة الظُّهر هل أنَّها كانت صحيحة أم فاسدة؟ لا يعتني بشكِّه سواءاً كان متعلِّقاً بشروطها أو بأجزائها أو بركعاتها.هذا إذا كان أحد طرفي الشَّك ممَّا يمكن كونه صحيحاً كما إذا شكَّ في الرُّباعيَّة بين الثَّلاث والخمس وهو في القيام أو باطلاً كما في نفس المثال حال الجلوس.

أمَّا إذا كان كلا طرفي الشَّك الواقع فاسداً كما إذا شكَّ في الرُّباعيَّة بين الثَّلاث والخمس في حال الجلوس فقط بطلت صلاته.

شَكِّ كَثِيرِ الشَّك

الرَّابع:شكُّ كثير الشَّك، سواء كان في الرَّكعات أو الأفعال أو الشَّرائط، فلا يجوز لكثير الشَّك الاعتناء بشكِّه، فلو شكَّ في الرُّكوع - مثلاً - وهو في المحل لم يجز له أن يركع، لأنَّه عليه البناء على الإتيان به وإلاَّ بطلت صلاته، بل يجب عليه أن يبني على ما يوجب الصحَّة، فلو شكَّ في نقص ركن من الأركان - مثلاً - بنى على عدم نقصه، ولو شكَّ في زيادة الرُّكن بنى على عدم زيادته.

ص: 127

(مسألة 393) المرجع في صدق كثير الشَّك هو العرف، ولا يبعد صدقه على من شكَّ ثلاث مرَّات في صلاة واحدة وإن اختلف المورد، أو شكَّ في كل ثلاث صلوات متواليات ولو مرَّة واحدة مع تعدُّد المورد مستمرَّاً فضلاً عمَّا لو كان ذلك في مورد واحد.

(مسألة 394) يعتبر في صدق هذا العنوان أن يكون المصلِّي في حالة إعتياديَّة وطبيعيَّة، فلو استندت الكثرة لعروض عارض كاغتشاش البال لخوف أو غضب أو غمٍّ أو نحوه فلا يجري عليه حكم كثير الشَّك.

(مسألة 395) من كثر شكُّه في جزء خاص من الصَّلاة كالقراءة وشكَّ صدفة في جزء آخر كالرُّكوع وجب العمل بوظيفته للشَّك الثَّاني، وأمَّا في القراءة فلا يعتني بشكِّه.

(مسألة 396) إذا كثر شكُّه في صلاة خاصَّة كصلاة الظُّهر فلا يجري أحكام كثرة الشَّك في غيرها من الصَّلوات ما لم يكثر الشَّك في مورد من موارد تلك الصَّلوات الأخرى.

(مسألة 397) من كثر شكُّه في موضع خاص ومكان مخصوص فصلَّى في مكان آخر وشكَّ فيه من ذلك الموضع لا يجري عليه أحكام كثير الشَّك لاحتمال كثرة الشَّك في خصوص المكان الخاص لضوضائه ونحو ذلك.

(مسألة 398) لو تردَّد في أنَّه وصل إلى حدِّ كثير الشَّك أو لا؟ اعتنى بشكِّه، كما أنَّ كثير الشَّك لو احتمل زوال الصِّفة عنه ثمَّ شكَّ في صلاته فلا يعتني بشكِّه.

(مسألة 399) إذا احتمل كثير الشَّك عدم الإتيان بركن من الأركان - مثلاً - ولم يعتن بشكِّه ثمَّ تذكَّر أنَّه لم يأت به وجب الإتيان به إن لم يدخل في ركن آخر، وإن دخل في ركن آخر فصلاته باطلة.

وكذا لو احتمل عدم إتيانه بجزء غير ركني - كقراءة الفاتحة - فلم يعتن به ثمَّ تذكَّر بعد ذلك عدم الإتيان، فإن كان قبل الدُّخول في الرُّكن اللاحق - كأن يكون في القنوت مثلاً - أتى بالفاتحة، وإن كان بعده - كأن يكون في الرُّكوع مثلاً

ص: 128

- فلا شيء عليه - سوى وظيفة ناسي الأجزاء المنسيَّة الآتية - وصلاته صحيحة.

شَكِّ الإِمَامِ وَالمَأمُوم

الخامس: شكُّ الإمام والمأموم في الرَّكعات إذا حفظ عليه الآخر، فإن الشَّاك

منهما لا يعتني بشكِّه بل يرجع إلى الآخر، حتَّى لو كان المأموم - دون الإمام - فاسقاً أو أنثى مادام كل منهما مؤتمناً في ذلك، والظَّان منهما بمنزلة الحافظ، وأما الشَّك في الأفعال فإن حصل من الرجوع إلى الآخر الظن صحَّ الرجوع وإلاَّ فلا.

(مسألة 400) إذا كان الإمام شاكَّاً والمأمومون مختلفين في الاعتقاد لم يرجع إليهم إذا تساوت نسب اعتبارهم، نعم لو كان بعضهم شاكَّاً وبعضهم متيقِّناً رجع إلى المتيقِّن منهم، ويرجع الشَّاك من المأمومين بعد ذلك إلى الإمام إن حصل للإمَّام الظَّن في الرَّكعات.

(مسألة 401) إنَّما يرجع كل من الإمام والمأموم إلى الآخر إذا اتَّحد شكُّهما أو كان بين شكِّهما قدر مشترك، كما إذا شكَّ أحدهما بين الاثنتين والثَّلاث وشكَّ الآخر بين الثَّلاث والأربع فالثَّلاث طرف للشَّك في كلٍّ منهما ومعه يبنيان على ذلك القدر المُشترك بينهما، لانَّ الشَّاك بين الاثنتين والثَّلاث معتقد بعدم الرَّابعة وشاك في الثَّالثة، والشَّاك بين الثَّلاث والأربع معتقد بوجود الثَّلاث وشاك في الرَّابعة، فإذن يرجع الأوَّل منهما إلى الثَّاني في تحقُّق الثَّلاث، والثَّاني يرجع إلى الأوَّل في نفي الرَّابعة فينتج بناءهما على الثَّلاث.

الشَّكِ ِفي الصَّلَوَات المُسْتَحبَّة

السَّادس:الشَّك في ركعات النَّوافل والصَّلوات المستحبَّة حتَّى لو كانت ذات ركعة واحدة كصلاة الوتر، فلا يعتنى بهذا الشَّك، بل يتخيَّر الشَّاك في هذه الصَّلوات بين البناء على الأقل أو الأكثر، وإن كان الأوَّل أفضل، إلاَّ إذا كان

ص: 129

الأكثر موجباً لبطلان الصَّلاة كالرَّكعة الثَّالثة فيتعيَّن البناء على الأقل.

(مسألة 402) نقصان الرُّكن في النَّافلة موجب لبطلانها بخلاف الزِّيادة، فلو كان في الرُّكوع وتذكَّر عدم إتيان بعض الأجزاء السَّابقة فيرجع إليها ثمَّ يعيد الرُّكوع.

(مسألة 403) الشَّك في أفعال النَّافلة كالشَّك في أفعال الفريضة فيأتي بما شكَّ فيه إن كان في المحل، ولا يلتفت إليه إذا كان بعد تجاوزه.

(مسألة 404) لا يجب في النَّافلة قضاء الأجزاء المنسيَّة - السَّجدة والتَّشهُّد - الآتي ذكرها، وكذا سجدتا السَّهو إذا أتى بموجباته.

(مسألة 405) لو شكَّ في الإتيان بالنَّافلة المؤقَّتة وهو في الوقت أتى بها ولو كان بعد الوقت فلا يعتني بشكِّه، وأمَّا غير المؤقَّتة فيأتي بها.

(مسألة 406) الصَّلوات المستحبَّة الَّتي لها كيفيَّة خاصَّة أو سورة مخصوصة كصلاة الغفيلة أو صلاة ليلة الدَّفن إذا نسي فيها تلك الكيفيَّة أو تلك السُّورة أعادها إلاَّ إذا أمكن التَّدارك أثناءها.

والوجه في إعادة تلك الصَّلوات هو كونها متقوِّمة بكيفيَّاتها الخاصَّة حسب ما ورد، دون عمليَّات التَّدارك غير الممكنة الموجبة للاختلاف عن الأوَّل ولو كان جزئيَّاً، فمع فقدها لها لا يكون المأتي بها هو تلك الصَّلوات الخاصَّة ولا تترتَّب عليها آثارها، وإن كانت في نفسها شبيهة ببعض النَّوافل الأخرى فتجب الإعادة لما ذكرنا.

الظَّنِ ِفي الصَّلاَة

تقدَّم في الشُّكوك الصَّحيحة أنَّ من تبدَّل شكُّه إلى ظنِّ في عدد الرَّكعات يعمل بموجب ظنِّه، وعليه يكون حكم الظَّن فيها حكم اليقين، إلاَّ ما أوجب ظنُّه بطلان الصَّلاة، فمن صلَّى أربع ركعات ظانَّاً فلا تجب عليه صلاة الاحتياط، أمَّا إذا كان ظنُّه في أنَّه في الخامسة فعليه الإعادة.

ص: 130

وأمَّا الظَّن في الأفعال والأقوال فإن كان مصاحباً للاطمئنان فهو معتبر ويبنى عليه، وإلاَّ فحكمه حكم الشَّك، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط حسب التَّفصيل الآتي:-

1- إذا ظنَّ بعدم إتيان جزء ولم يتجاوز المحل وجب أن يأتي به.

2- لو ظنَّ بعدم إتيان جزء وقد تجاوز المحل ولم يدخل في الرُّكن اللاحق فالأظهر أنَّه لا يعتني بظنِّه ويستمر في صلاته، ولكن الأحوط أن يعمل بظنِّه (أي يأتي بالجزء المظنون وما بعده) ثمَّ يعيد صلاته.

3- لو ظنَّ بإتيان الجزء قبل تجاوز المحل فالأظهر أن يكتفي بإتيانه الظَّنِّي ولا شيء عليه، ولكن الأحوط أن يعمل طبق ظنِّه ولا يأتي بالجزء المظنون ويعيد الصَّلاة.

4- إذا ظنَّ بإتيان الجزء بعد تجاوز المحل، فلا يعتني بظنِّه، كما في حالة الشَّك.

(مسألة 407) لو تردَّد في أنَّ الحاصل له ظن أو شكَّ كما يتَّفق كثيراً لبعض النَّاس كان ذلك شكاً إذا كانت حالته السَّابقة المشابهة مثلاً محكوماً عليها بأنَّها من الشَّك وظنَّاً إذا كانت كذلك.

وأمَّا لو لم تكن له حالة سابقة على الحاضرة فيبني عليها أنَّها شكَّ لا غير إن لم يميِّز بين حالة الشَّك الَّتي هي التَّردُّد الصِّرف الَّذي لا ترجيح فيه والظَّن الَّتي هي التَّرجيح لأحد الطَّرفين على الآخر.

صَلاَةِ الاِحتِيَاط

وهي صلاة يؤتى بها بعد الفراغ من الفريضة لتدارك النَّقص المحتمل فيها، وهي واجبة شرعاً لا يجوز تركها واستئناف الصَّلاة من جديد، إلاَّ ما ذكرناه منه بنحو الإضافة الاحتياطيَّة.

بل يجب المبادرة إلى هذه الصَّلاة فوراً وقبل الإتيان بالمنافي، وإلاَّ بطلت

ص: 131

الصَّلاة ووجب الاستئناف.

(مسألة 408) تجب صلاة الاحتياط في عدَّة موارد كما تقدَّم في الشُّكوك الصَّحيحة، ويعتبر فيها ما يعتبر في باقي الصَّلوات فيؤتى بها تامَّة الأجزاء والشَّرائط، إلاَّ أنَّها تفرق عنها في أمور:-

الأوَّل: الإخفات في قراءتها - ولو كانت للصَّلوات الجهريَّة - حتَّى في البسملة على الأحوط وجوباً.

الثَّاني: أنَّ السُّورة ليست من أجزائها.

الثَّالث: لا قنوت فيها وإن كانت ركعتين.

الرَّابع: عدم التَّلفُّظ بالنِّيَّة فإنَّه منافي ومبطل للصَّلاة لكونه من كلام الآدميين.

(مسألة 409) لو انكشف للمصلِّي تماميَّة الفريضة والاستغناء عن صلاة الاحتياط، فإن كان قبل الشُّروع فيها لم يجب الإتيان بها، وإن كان بعد الفراغ منها وقعت نافلة، وإن كان في الأثناء تخيَّر بين قطعها وإتمامها ركعتين نافلة.

(مسألة 410) لو التفت - بعد التَّسليم من الصَّلاة وقبل صلاة الاحتياط - إلى نقصان في ركعات صلاته وجب إكمال النَّقص ممَّا يصح تداركه ويسجد سجدتي السَّهو للتَّشهُّد والسَّلام الزَّائد إن لم يأت بالمنافي، وإلاَّ لزم إعادة الصَّلاة.

(مسألة 411) لو علم بالنَّقص أثناء صلاة الاحتياط فإن كانت موافقة للنَّقص كمَّاً وكيفاًكمن تيقَّن أنَّها نقصت منها الرِّكعة الأخيرة لزم إتمام صلاة الاحتياط لذلك بما يساويها ثمَّ إعادة الصَّلاة على الأحوط وجوباً.

(مسألة 412) لو تذكَّر في أثناء صلاة الاحتياط بأنَّ المقدار النَّاقص من الصَّلاة أكثر أو أقل من صلاة الاحتياط فإن لم يمكن تعديلها بنحو يجبر النَّقص وجب تركها والإتيان بما بقي من صلاته، ثمَّ يعيد الصَّلاة على الأحوط وجوباً، كما إذا شكَّ بين الثَّلاث والأربع فأتى بصلاة الاحتياط جالساً ثمَّ تذكَّر في أثنائها بأنَّه قد صلَّى ركعتين فحيث لم يمكن جعلها جابراً للنَّاقص، لأنَّ الرِّكعتين

ص: 132

جالساً يعادل ركعة من قيام، فيجب تركها والإتيان بالرَّكعتين الأخيرتين من صلاته لتدارك النَّقص، ثمَّ يعيد الصَّلاة على الأحوط وجوباً.

(مسألة 413) لو شكَّ بين الاثنتين والثَّلاث والأربع وشرع في ركعتي الاحتياط عن قيام ثمَّ تذكَّر قبل ركوع الثَّانية بأنَّه قد صلَّى ثلاثاً فيجب عليه أن يجلس ويتشهَّد ويسلِّم ويكتفي، والأحوط وجوباً إعادة الصَّلاة بعد ذلك.

(مسألة 414) إذا فرغ من صلاة الاحتياط فانكشف النَّقص في فريضته ففيه ثلاث صور:-

الأولى: ما إذا كان النَّقص مساوياً لصلاة الاحتياط فصلاته صحيحة ولا شيء عليه.

الثَّانية: ما إذا كان النَّقص أقل من صلاة الاحتياط كما إذا شكَّ بين الاثنتين والأربع وبنى على الأربع وأتى بركعتين من قيام ثمَّ تبيَّن أنَّ صلاته كانت ثلاث ركعات، فعليه إعادة الصَّلاة.

الثَّالثة: ما إذا كان النَّقص أزيد من صلاة الاحتياط كما إذا شكَّ بين الثَّلاث والأربع فبنى على الأربع وصلَّى صلاة الاحتياط فتبيَّن أنَّ صلاته كانت ركعتين، فإن كان الانكشاف بعد الإتيان بأحد منافيات الصَّلاة وجبت عليه إعادة الصَّلاة، وإن كان قبل الإتيان بها وجب عليه الإتيان بالنَّقص، أي إضافة ركعة أخرى إلى صلاة الاحتياط الَّتي صلاَّها ثمَّ إعادة الصَّلاة احتياطاً.

(مسألة 415) يجري في صلاة الاحتياط ما يجري في سائر الفرائض من أحكام السَّهو في الزِّيادة والنَّقيصة والشَّك في المحل أو بعد الفراغ ونحوها.

(مسألة 416) إذا شكَّ في عدد ركعات صلاة الاحتياط بنى على الأكثر إلاَّ إذا كان موجباً للبطلان كالرِّكعة الزَّائدة.

(مسألة 417) إذا نسي من صلاة الاحتياط ركناً فالأحوط إعادتها ثمَّ إعادة الصَّلاة، وكذا لو زاد ركناً أو ركعة.

(مسألة 418) من زاد أو نقص جزءاً (غير ركني) في صلاة الاحتياط فعليه

ص: 133

أن يأتي بسجدتي السَّهو على الأحوط وجوباً.

(مسألة 419) لو شكَّ في الإتيان بصلاة الاحتياط وعدمه فإن كان بعد انقضاء الوقت فلا يعتني بشكِّه، وأمَّا إذا كان قبل انقضاء الوقت ففيه ثلاث صور:-

الأولى: عدم اشتغاله بفعل آخر ولم يأت بالمنافي فيجب الإتيان بصلاة الاحتياط.

الثَّانية: ما إذا أتى بالمنافي أو الفصل الطَّويل بين الصَّلاة والشَّك بحيث خرج عن هيئة المصلِّي فيجب عليه إعادة الصَّلاة على الأحوط.

الثَّالثة: ما إذا اشتغل بفعل آخر لكنَّه غير منافي للصَّلاة كقراءته للفاتحة وجب إحتياطاً أداء صلاة الاحتياط، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإعادة أصل الصَّلاة.

(مسألة 420) إذا وجب على المصلِّي صلاة الاحتياط وقضاء السَّجدة وسجدتا السَّهو وجب تقديم صلاة الاحتياط، لأنَّ بها تصحيح أركان الصَّلاة ثمَّ قضاء السَّجدة ثمَّ سجدتا السَّهو.

قَضَاءِ الأَجْزَاءِ المَنْسيَّة

(مسألة 421) يجب قضاء ما فاته نسياناً من أجزاء الصَّلاة بعد انتهاءها حتَّى الفاتحة المتروكة سهواً، بل بعد صلاة الاحتياط إذا كانت واجبة عليه كما مرَّ، وتسمَّى ب- (الأجزاء المنسيَّة).

وهي خصوص السَّجود والتَّشهُّد وأبعاضه وبالأخص (الصَّلاة على محمد وآلِ محمد) إذا تذكَّرها بعد الدُّخول في الرُّكوع - بحيث لا يمكنه تدارك ما فاته نسياناً - ثمَّ يأتي بسجدتي السَّهو كما سيأتي.

(مسألة 422) يجب في قضاء المنسي (السُّجود والتَّشهُّد وأبعاضه) أمور:الأوَّل: نيَّة البدليَّة عن ذلك المنسي.

ص: 134

الثَّاني: توفُّر جميع ما يعتبر في المقضي عنه من الأجزاء والشَّرائط كالطَّهارة واستقبال القبلة.

الثَّالث: عدم الفصل بينه وبين الصَّلاة الَّتي نسي منها ذلك بمنافي من منافياتها على الأحوط، وإذا فصل بينهما أتى به وأعاد الصَّلاة إحتياطاً.

(مسألة 423) لا يجب التَّسليم في قضاء التَّشهُّد المنسي، كما لا يجب التَّشهد والتَّسليم في قضاء السَّجدة المنسيَّة، نعم إذا كان المنسي هو التَّشهُّد الأخير أو السَّجدة الأخيرة من الرَّكعة الأخيرة فالأحوط الإتيان بالتَّسليم أو التَّشهُّد والتَّسليم بقصد القربة المطلقة بلا نيَّة الأداء ولا القضاء ولرعاية التَّرتيب.

(مسألة 424) لو نسي سجدات متعدِّدة من ركعات متعدِّدة، كما لو نسي سجدة من الرَّكعة الأولى وسجدة من الثَّانية قضاهما - على التَّعيين إحتياطاً استحبابيَّاً - مع سجدات السَّهو اللازمة لهما، بأن يقصد قضاء سجدة الرَّكعة الأولى أوَّلاً ثمَّ الثَّانية ثانياً.

وأمَّا لو نسي سجدة من الرَّكعة الأولى وسجدة من الرَّكعة الأخيرة أو نسي تشهُّدين فيجب تقديم قضاء السَّجدة الأخيرة ثمَّ يتشهَّد ويسلِّم ثمَّ يقضي السَّجدة الأولى، وهكذا بالنِّسبة إلى التَّشهُّد فيقضي التَّشهُّد الأخير ويسلِّم ثمَّ يقضي التَّشهد الأوَّل.

(مسألة 425) لو نسي سجدة وتشهُّداً فالأحوط وجوباً تقديم قضاء ما نسيه أوَّلاً، أمَّا إذا لم يعلم السَّابق فالأحوط الإتيان بسجدتين بينهما تشهُّد أو تشهُّدين بينهما سجدة ليتحقَّق التَّرتيب اللازم.

(مسألة 426) لو قدَّم قضاء السَّجدة على التَّشهد على أنَّها هي الفائتة السَّابقة ثمَّ تبيَّن العكس فالأحوط وجوباً قضاء السَّجدة مرَّة ثانية ليتحقَّق التَّرتيب في القضاء، أمَّا لو قدَّم قضاء التَّشهُّد على السَّجدة ثمَّ انكشف العكس فالأحوط وجوباً قضاء التَّشهُّد مرَّة ثانية تحصيلاً للتَّرتيب الحقيقي.

(مسألة 427) لو فعل منافياً ك- (استدبار القبلة) بعد التَّسليم وقبل قضاء السَّجدة أو التَّشهُّد، فإن كان أحد هذين المنسييِّن من الرَّكعة الأخيرة فالأقوى

ص: 135

والأحوط استئناف الصَّلاة، وإن كانتا من الرَّكعات السَّابقة فالأحوط وجوباً إعادة الصَّلاة بعد قضاء السَّجدة أو التَّشهُّد.

(مسألة 428) لو أتى بموجب سجدتي السَّهو - كالكلام السَّهوي - بين التَّسليم وقضاء السَّجدة أو التَّشهُّد - الفائتان من الرَّكعة السَّابقة - فيأتي بقضاء السَّجدة أو التَّشهُّد ثمَّ سجدتي السَّهو وتكفيه هاتان السَّجدتان ولا تجب مرَّة ثانية للكلام السَّهوي مع الاحتياط بالتِّكرار.

(مسألة 429) من وجب عليه قضاء السَّجدة أو التَّشهُّد وسجدتا السَّهو لأمر آخر يقدِّمالقضاء على سجدات السَّهو.

(مسألة 430) إذا شكَّ بعد الصَّلاة في الإتيان بقضاء السَّجدة أو التَّشهُّد وجب القضاء لحصول الشَّك وبقاء محل العمل، إلاَّ إذا كان بعد خروج الوقت أو بعد الإتيان بالمنافي أو التَّعقيب.

سُجُودِ السَّهُو

(مسألة 431) يجب سجود السَّهو بعد الفراغ من الصَّلاة بالكيفيَّة الَّتي ستأتي لأحد الأمور التَّالية:-

1- التَّكلُّم سهواً في أثناء الصَّلاة.

2- التَّسليم في غير محلِّه سهواً كما لو سلَّم في الرَّكعة الأولى، وكذا لو تفوَّه سهواً بجزء من التَّسليمتين أو قال ((السَّلام عليك أيها النَّبي ورحمة الله وبركاته)) في غير محلِّه على الأحوط وجوباً.

3- نسيان السَّجدة الواحدة إذا فات محل تداركها.

4- نسيان التَّشهُّد إذا فات محل تداركه.

5- الشَّك بين الأربع والخمس في الصَّلاة الرُّباعيَّة بعد رفع الرَّأس من السَّجدة الثَّانية.

6- الجلوس والقيام في غير محلِّهما كالهوي بعد الرُّكوع إلى السُّجود نسياناً

ص: 136

ولم ينتصب قائماً، أو لم يجلس - نسياناً - جلسة الاستراحة بعد السَّجدة الثَّانية في الرَّكعة الأولى أو الثَّالثة.

7- لكل زيادة أو نقيصة على الأحوط وجوباً.

(مسألة 432) سجود السَّهو هو سجدتان متواليتان إلى القبلة، وتجب بالكيفيَّة التَّالية:-

أوَّلاً: نيَّة القربة بلا حاجة واجبة إلى تكبيرة الإحرام وإنَّما هي مستحبَّة.

ثانياً: السُّجود على المساجد السَّبعة ووضع الجبهة على ما يصح السُّجود عليه.

ثالثاً: الذِّكر في كل واحدة منهما، بأن يذكر الله جل جلاله ونبيَّه صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، بأن يقول:-

((بسم الله وبالله السَّلام عليك أيُّها النَّبي ورحمة الله وبركاته)).

أو يقول: ((بسم الله وبالله وصلَّى الله على محمد وآله)).

أو يقول: ((بسم الله وبالله اللَّهمَّ صلِّ على محمد وآلِ محمد)).

رابعاً: التَّشهُّد المتعارف ثمَّ التَّسليم - ويكتفى بالخفيف منه وهو (السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته) - بعد رفع الرَّأس من السَّجدة الثَّانية على الأحوط وجوباً.

خامساً: الفوريَّة بعد الصَّلاة وعدم الفصل بينهما بالمنافي، نعم لو أخَّره عنها أو فصل بينهما بالمنافي عامداً كان عاصياً فقط ولم تبطل صلاته، ولا يسقط وجوبه ولا فوريَّته بذلك مع الاحتياط بالإعادة.

(مسألة 433) لو أخطأ في قراءة شيء فأعاده على الوجه الصَّحيح فلا يجب سجود السَّهو لهذه الزِّيادة.

(مسألة 434) إذا كرَّر التَّسبيحات الأربع أكثر من ثلاث مرَّات سهواً فالأحوط وجوباً الإتيان بسجدتي السَّهو.

(مسألة 435) إذا شكَّ في موجب السَّهو بنى على العدم، ولو شكَّ في عدد الموجب بنى على الأقل، وإذا شكَّ في إتيانه بعد العلم بوجوبه عليه أتى به.

ص: 137

(مسألة 436) يتعدَّد سجود السَّهو بتعدُّد سببه كما إذا نسي التَّشهُّد والقيام وسجدة واحدة، ولا يعتبر التَّرتيب فيه حسب ترتيب أسبابه وإن كان أحوط كما مرَّ، وكذا في تعيين السَّبب على تقدير تعدُّده تقدَّم أو تأخَّر.

(مسألة 437) لو تكلَّم كثيراً عن سهو واحد فلا يوجب تعدُّد سجدتي السَّهو إلاَّ أن يتعدَّد السَّهو، كما إذا سها فتكلَّم ثمَّ تذكَّر ثمَّ سها فتكلَّم أيضاً.

(مسألة 438) إذا كان عليه سجود السَّهو وأجزاء منسيَّة واجبة القضاء أخرَّ السُّجود عن قضاءها كما مرَّ، وكذا إذا كان عليه سجود السَّهو وركعات احتياطيَّة أخرَّ السُّجود عنها.

(مسألة 439) لو علم بأنَّه إمَّا أنَّه نقص سجدة من سجدتي السَّهو أو زاد سجدة فيهما، وجبت عليه الإعادة بصورة صحيحة.

ص: 138

المَقْصَدُ السَّادِس صَلاَةُ المُسَافِر

وفيه فصول:-

الفَصْلُ الأَوَّل شَرَائِطُ القَصْر

(مسألة 440) يجب قصَّر الصَّلوات الرُّباعيَّة فقط على المسافر، وليس فيه رخصة بالإتمام كما عند بعض الأخوة أهل المذاهب الإسلاميَّة الأخرى، بذريعة سهولة وسائط النَّقل الحديثة، لأنَّ التَّشريع باق على حاله في جميع الظُّروف تعبُّداً وتلطُّفاً من صاحب التَّشريع والتَّيسير في شرعه.

ولعل الحكمة من تشريعه السَّماوي هو لأجل التَّسهيل النَّوعي للمسافرين ورفع المشقَّة عنهم ولو كانت جزئيَّة وهي منةٌ لا يجوز أن ترفض وسوف نوضِّحه في المفصَّلات.

والتَّقصير هو (ترك الرِّكعتين الأخيرتين منها)، ويجب عند توفُّر الشُّروط الآتية:-

الأوَّل: قطع المسافة المحدَّدة.

وهي ثمانية فراسخ شرعيَّة فما فوقها امتداديَّة أي (ذهاباً فقط)، أو ملفَّقة من أربعة ذهاباً وأربعة إيَّاباً، سواء اتَّصل ذهابه بإيَّابه بحيث أراد الرُّجوع ليومه أم انفصل عنه بمبيت ليلة واحدة أو أكثر في الطَّريق أو في المقصد الَّذي هو نهاية الأربعة فراسخ إذا لم يقصد الإقامة عشرة أيَّام كما يأتي بيانه إن شاءالله .

(مسألة 441) الفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة ألاف ذراع بذراع اليد المتوسِّطة، والذِّراع هو (ما كان من المرفق إلى أطراف الأصابع)، وقد حدِّد أيضاً ب- (أربعة وعشرين إصبعاً)، والإصبع هو ما كان عرضه سبع شعيرات، كل

ص: 139

شعيرة عرض سبع شعرات، من أوسط شعر البرذون على إشكال في الثَّاني لعدم التَّطابق مع الأوَّل، ووصل تحديده في العصر الحاضر بما يصل إلى ثمانية وأربعين كيلو متراً تقريباً.

فلو نقصت المسافة عن ذلك ولو قليلاً بقي على التَّمام، وإن كان الأحوط الجمع بين القصر والتَّمام فيما بين مسافة 44كم إلى 48كم، وكذا لو شكَّ في بلوغ المسافة الشَّرعيَّة.

(مسألة 442) تثبت المسافة المحدَّدة بالعلم، وبالبيِّنة الشَّرعيَّة، بل بكل ما يوجب الاطمئنان النَّوعي كخبر العدل الواحد أو مطلق الثِّقة وإن لم يكن عادلاً، أو عدَّاد المسافة المضبوطة المنصوب في السَّيارات على الأقل، أو من اللوحات المنصوبة على الطُّرقات مع العلم بضبطها لئلاَّ يفوت الواجب لو لم يكن طريق أفضل منها مع مراعاة الاحتياط بالتَّأكُّد من تحقُّق الاطمئنان من هذه الأمور إذ مع عدمها لا يعبأ بها.

(مسألة 443) إذا تعارضت البيِّنتان أو الخبران تساقطا، ووجب عليه الاختبار والفحص على الأحوط إذا لم يلزم منه العسر والحرج، وإلاَّ فلا يجب ووجب عليه إتمام الصَّلاة.

(مسألة 444) مبدأ حساب المسافة في البلدان الصَّغيرة من آخر البلد عرفاً يعني (سور البلد أو منتهى البيوت فيما لا سور له).

وفي البلدان الكبيرة الواسعة يجتزئ بالخروج من المحلَّة أو الحي السَّاكن فيه، وإن كان الأحوط استحباباً إتيان الصَّلاة تماماً قبل الخروج من منزله أو تأخيرها لو أراد التَّقصير إلىحين الخروج من البلد، أو الجمع بين القصر والتَّمام إن خرج من المحلَّة الَّتي يسكنها ولم يصل إلى نهاية البلد.

(مسألة 445) المسافة المستديرة إن بلغ مجموع الدَّائرة للمسافة المحدَّدة شرعاً فهي في بعضها على الظاهر كالامتداديَّة في استلزامها وجوب القصر في الصَّلاة لو ساوتها، لأنَّ العمدَّة على المباشرة فيه لا الواقع الَّذي لم يتعارف استطراقه فضلاً عمَّا لو كان ممتنعاً في ذلك الاستطراق على رأي جماعة، بلا فرق بين أن

ص: 140

تكون الاستدارة في البلد الكبير أو حوله، ولكنَّ الأحوط لو كان الواقع لم يصل إلينا تماماً لاحتمال حصول بعض التَّفاوت الجمع بين القصر والتَّمام.

(مسألة 446) إذا كان للمقصد طريقان أحدهما أقل من المسافة المحدَّدة (ثمانية فراسخ) والآخر مسافة أو أكثر، فإن سلك الطَّريق الأبعد قصَّر في صلاته، وإن سلك الأقرب وجب التَّمام، إلاَّ إذا كان الأقرب أربعة فراسخ أو أقل وأراد الرُّجوع من الأبعد، ولا فرق في ذلك بين أن يكون سفره من بلده إلى بلد آخر أو من بلدٍ آخر إلى بلده أو غيره.

(مسألة 447) لو اعتقد أنَّ ما قطعه مسافة شرعيَّة فقصَّر في صلاته فبان عدمها أعادها، وكذا لو اعتقد عدم كونه مسافة شرعيَّة فأتمَّ صلاته فبان كونه مسافة شرعيَّة أعادها قصراً في الوقت وفي خارجه على الأحوط وجوباً.

(مسألة 448) لو كان مجموع المسافة التَّلفيقيَّة (الذِّهاب والإيَّاب) ثمانية فراسخ، لكن كان الذَّهاب خمسة فراسخ والإيَّاب ثلاثة فالأظهر وجوب التَّقصير، أمَّا لو كان الذَّهاب ثلاثة فراسخ والإيَّاب خمسة فالأظهر وجوب التَّمام في الذَّهاب والتَّقصير في الرُّجوع، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين القصر والإتمام في كلتا الصُّورتين.

الثَّاني: قصد المسافة المذكورة من أوَّل السَّفر.

فلو قطع ما دون المسافة ثمَّ تجدَّد له قطع مقدار آخر أقل من المسافة أيضاً وجب عليه الإتمام وإن بلغ المجموع مسافة كاملة، لأنَّه لم يكن من أوَّل خروجه قاصداً المسافة الشَّرعيَّة.

أمَّا لو حصل في الأثناء قصد المسافة الكاملة - امتداديَّة أو ملفَّقة - وقطعها وجب عليه القصر، فطالب الضَّالَّة أو الغريم أو الآبق ونحوهم يتم في صلاته إذا خرج للبحث ولم يكن قاصداً قطع المسافة الشَّرعيَّة إلاَّ إذا قصدها في الأثناء.

ويكفي في القصد علم المسافر بأنَّه يقطع المسافة ويطويها.

(مسألة 449) لو سافر من غير قصد المسافة الشَّرعيَّة الكاملة (ثمانية

ص: 141

فراسخ) ثمَّ أراد الرُّجوع إلى وطنه أو محل إقامته وكانت مسافة كاملة وجب عليه التَّقصير في طريقه.

(مسألة 450) لا يعتبر توالي السَّير على النَّحو المتعارف في هذه الأزمنة، بل يكفي قصد المسافة ولو في أيَّام كثيرة بشرط أن لا يخرج عن صدق السَّفر عرفاً، فلو قطع في اليوم مسافة قليلة جداً بحيث لا يقال أنَّه مسافر وجب عليه الإتمام، وإن كان الأحوط استحباباً الجمع بين القصر والتَّمام.

ويشتد الاحتياط بذلك لو كان قاصداً المسافة وإن كان بطؤه كالقديم كراكب المطيَّة البطيئة، بل قد يتعيَّن القصر في هذا وهو الأحوط.

(مسألة 451) لو خرج إلى ما دون المسافة ينتظر رفقة إن تيسَّروا للسَّفر معهم وإلاَّ رجع أتمَّ في صلاته إلاَّ إذا كان مطمئنَّاً بتيسُّر الرَّفقة فيجب عليه التَّقصير في صلاته، وكذا لو كان سفره مشروطاً بأمر آخر غير معلوم الحصول، لأنَّ المعيار هو كون الإنسان مطمئنَّاً ومتأكِّداً بأنَّهيقطع المسافة سواءً كان بيوم أو أقل أو أكثر.

(مسألة 452) لا يشترط في قصد السَّفر الاستقلال، بل يتحقَّق السَّفر تبعاً أيضاً لقصد الغير كالخادم بالنِّسبة لسيِّده والزَّوجة بالنِّسبة إلى زوجها والجندي بالنِّسبة إلى وحدته والأسير بالنِّسبة إلى من أسَّره إذا كان عازماً على عدم مفارقته ويعلم بأن متبوعه قاصداً السَّفر بمقدار المسافة شرعاً، وإذا لم يعلم فالأحوط وجوباً الاستعلام من متبوعه لغرض التَّقصير بعد قصد بلوغ المسافة الشَّرعيَّة.

(مسألة 453) لو شكَّ التَّابع في أن المتبوع قصد المسافة الشَّرعيَّة أم لا وجب عليه الإتمام إلى أن يعلم أو يستعلم، وكذا لو علم في الأثناء قصد المتبوع إلاَّ إذا بقي من طريقه مسافة ولو تلفيقيَّة فيجب حينئذ القصر ولو عند الرُّجوع.

(مسألة 454) إذا عزم التَّابع على مفارقة المتبوع قبل بلوغ المسافة أو تردَّد في ذلك بقي على التَّمام في صلاته، وكذا لو كان عازماً على مفارقته على تقدير حصول أمر محتمل الحصول - كالعتق أو الطلاق - أو مانع عقلائي فإنَّه يبقي على

ص: 142

التَّمام كذلك.

(مسألة 455) يجب القصر في السَّفر غير الاختياري مع علمه وانتباهه إلى قطعه المسافة الشَّرعيَّة كما لو ألقي في سفينة أو طائرة بقصد إيصاله إلى نهاية المسافة الشَّرعيَّة لسبب من الأسباب، بخلاف ما لو كان نائماً أو مغمى عليه وأخذه شخص من دون التفات فلا يجب التَّقصير.

الثَّالث: استمرار القصد من بداية الخروج إلى نهاية المسافة المحدَّدة.

فلو عدل عن قصده في أثناء الطَّريق وقبل بلوغه المسافة الشَّرعيَّة (التَّلفيقيَّة) على الأقل إلى الرُّجوع إلى وطنه أو تردَّد في ذلك وجب عليه التَّمام.

وإن كان قد صلَّى في الطَّريق قصراً قبل عدوله وجب على الأحوط إعادة ما صلاَّه في الوقت أو في خارجه وإن كان صائماً فعليه الإمساك استحباباً في بقيَّة النَّهار حتَّى لو أفطر قبل ذلك تشبهاً بالصَّائم.

وإن كان عدوله أو تردُّده بعد بلوغه المسافة المذكورة (الأربعة فراسخ) وكان عازماً على الرُّجوع وعدم قصد الإقامة عشرة أيَّام قصَّر في صلاته وأفطر، سواءاً رجع ليومه أو بعد أيَّام.

(مسألة 456) لو قصد السَّفر إلى مكان معيَّن وكان بمقدار المسافة وفي الأثناء عدل إلى غيره المماثل له في البعد والمسافة بقي على قصده ويقصِّر إذا كان مجموع ما مضى مع ما بقي إلى المكان الثاني بمقدار المسافة.

(مسألة 457) لو قصد - حين الخروج - السَّفر إلى أحد البلدين من دون تعيين أحدهما وكان السَّفر إلى كل منهما يبلغ المسافة الشَّرعيَّة وجب عليه القصر، كما لو خرج من الكوفة وقصد السَّفر إمَّا إلى كربلاء أو الديوانية.

(مسألة 458) لو تردَّد أثناء سفره وقبل بلوغ المسافة في الاستمرار ثمَّ عاد إلى عزمه وجزمه للسَّفر الشَّرعي ففيه حالات: -

الأولى: إذا لم يقطع مقداراً من المسافة حال التَّردُّد وعاد إلى نيَّته وجب التَّقصير إذا كان الباقي مسافة تامَّة.

ص: 143

الثَّانية: إذا سار وقطع مقداراً من المسافة حال التَّردُّد ثمَّ عاد إلى عزمه قاصداً إيَّاها وقطعها ملفَّقة ممَّا بعد التَّردُّد مع الرُّجوع من دون إقامة وجب عليه القصر أيضاً.

الثَّالثة: إذا قطع مقداراً من المسافة حال التَّردُّد وكان مجموع ما قطعه قبل التَّردُّد ومايذهب إليه بعده بمقدار المسافة التَّلفيقيَّة فالأحوط وجوباً الجمع بين القصر والإتمام.

الرَّابعة: إذا قطع مقداراً من المسافة حال التَّردُّد وجزم على السَّفر ولم يكن المقدار الباقي من سفره مسافة شرعيَّة مع ما قطعه قبل التَّردُّد بمقدار المسافة وجب عليه الإتمام.

الشَّرط الرَّابع: أن لا يكون عازماً - حين خروجه - على المرور بوطنه قبل بلوغ المسافة الشَّرعيَّة، ولا ينوي الإقامة في بلد عشرة أيَّام أو أزيد قبل بلوغها أيضاً.

فإن كان عازماً على المرور بوطنه أو مقرُّه، أو كان ناوياً الإقامة في الطَّريق عشرة أيَّام وجب عليه إتمام الصَّلاة من أوَّل سفره، وكذا المتردِّد فيهما يجب عليه الإتمام حتَّى إذا عزم بعد ذلك على عدم المرور أو الإقامة إلاَّ إذا كان الباقي مسافة شرعيَّة ولو تلفيقيَّة مع قصد الرُّجوع فيجب القصر.

(مسألة 459) لو احتمل طرؤ قصد الإقامة أو المرور بالوطن لم يمنع ذلك عن وجوب القصر ما دام بانياً على عدمها فعلاً.

(مسألة 460) لو نوى المرور بوطنه أو الإقامة عشرة أيَّام في سفره قبل الوصول إلى مسافة شرعيَّة ثمَّ رجع إلى عزمه على استمرار السَّير بدون المرور بوطنه وجب عليه الإتمام أيضاً إلاَّ إذا كان الباقي من سفره بمقدار المسافة ولو تلفيقيَّة قاصداً الرُّجوع فإنَّه يجب عليه القصر حينئذ.

الشَّرط الخامس: أن يكون السَّفر مباحاً ابتداءاً واستدامة.

ص: 144

فلو كان حراماً وجب عليه إتمام الصَّلاة، سواء كانت الحرمة لنفس السَّفر كالفرار من الزحف، وسفر الزَّوجة - غير الواجب - بدون إذن زوجها، وسفر الولد - غير الواجب - مع نهي الأبوين وإيذائهما بذلك، وكما لو كان السَّفر مضرَّاً لبدنه.

أو كان لغاية محرَّمة كالسَّفر لقتل النَّفس المحترمة أو للسَّرقة أو للزِّنا أو لإعانة الظَّالم.

(مسألة 461) لو سافرت الزَّوجة للحج الواجب بدون إذن زوجها مع من يطمئن عليها به بل حتَّى مع نهيه يجب عليها القصر اعتياديَّاً، وكذا الولد البالغ إذا سافر للحج الواجب مع نهي الأبوين.

(مسألة 462) لو لم يكن السَّفر بنفسه محرَّماً ولا الغاية محرَّمة إلاَّ أنَّ الحرام وقع أثناءه صدفة كما إذا سافر لغرض التجارة وارتكب أثناء سفره محرَّماً كالكذب أو غيبة مؤمن أو شرب خمر أو زنا أو ترك الصَّلاة ونحو ذلك - والعياذ بالله - وجب عليه القصر في صلاته ولكن عليه الإفطار في الصِّيام لحرمته في السَّفر إلاَّ ما استثني.

(مسألة 463) إذا كان السَّفر مستلزماً لترك واجب وجب عليه الإتمام كما لو كان مديناً وطالبه الدَّائن وكان متمكِّناً من أداء الدَّين - في الحضر دون السَّفر - وسافر لأجل الفرار من أداء دينه.

أمَّا لو لم تكن الغاية ترك الواجب بل كان غرضه أمراً آخر مباحاً وترتَّب عليه ترك هذا الواجب صدفة وجب عليه التَّقصير، وإن كان الأحوط استحباباً الجمع بين القصر والتَّمام.

(مسألة 464) إذا كان الغرض من سفره مباحاً ولكن ركب سيَّارة مغصوبة أو مشى على أرض مغصوبة قصَّر في صلاته (طبعاً في المكان المباح)، وإن كان الأحوط الجمع بين القصر والتَّمام، نعم لو سافر بها بقصد الفرار عن مالكها أتمَّ في صلاته.

(مسألة 465) إذا سافر لغاية ملفَّقة من الإباحة - كالتَّنزُّه - والمعصية -

ص: 145

كشرب الخمر -بمعنى أن تكون الغاية مجموع الأمرين وجب عليه الإتمام، إلاَّ إذا كانت المعصية تابعة وغير صالحة للاستقلال في تحقُّق السَّفر بل ويمكن أن لا تقع فعليه القصر، والأحوط الاستحبابي الجمع.

(مسألة 466) إذا شكَّ في أنَّ السَّفر معصية أم لا ؟ وجب التَّقصير، إلاَّ إذا كانت الحالة السَّابقة هي الحرمة فيجب الإتمام.

(مسألة 467) التَّابع للجائر إذا كان مكرهاً أو سافر معه بقصد مباح كدفع مظلمة عن نفسه أو غيره وجب عليه القصر، وإلاَّ فإن كان سفره إعانة له على وجه يعد ممتثلاً لأوامره الضَّارَّة وجب عليه الإتمام، وإن كان سفر الجائر مباحاً فالتَّابع يتم والمتبوع يقصِّر.

(مسألة 468) لو سافر للصَّيد - البري أو البحري - مع قصد المسافة وقطعها فإن كان لغرض اللهو واللعب ترفاً كما كان متعارفاً بين أبناء الدُّنيا من الملوك والسلاطين والجبابرة وجب الإتمام في ذهابه ويقصِّر في رجوعه حتَّى إذا كان باقيه مسافة شرعيَّة كاملة إذا كان عن ندم وإلاَّ فالجمع احتياطاً، وإن كان لتهيئة معاشه ومعاش عياله مع الحاجة إليه فعليه القصر، وكذلك إذا كان لغرض التِّجارة والتَّكسُّب مع الحاجة إليه، والأحوط استحباباً الجمع بين القصر والتَّمام ولكن يجب عدم الصَّوم في سفره للحكم الطَّبيعي.

(مسألة 469) الرَّاجع من سفر المعصية يقصِّر إذا كان الرُّجوع بمقدار المسافة الشَّرعيَّة، إذا تاب وإذا لم يتب فالأحوط الجمع في حال الرُّجوع وحال عدم التَّوبة.

(مسألة 470) لو كان ابتداء سفره مباحاً ثمَّ قصد المعصية في أثناءه وجب عليه الإتمام في الصَّلاة والأحوط استحباباً الجمع بين القصر والتَّمام، ولا يجب إعادة ما صلاَّه - قصراً - سابقاً إذا كان قد قطع المسافة وإلاَّ فعليه الإعادة في الوقت وخارجه.

وإن رجع إلى قصد الإباحة فإن كان الباقي مسافة ولو تلفيقيَّة وشرع في السَّير قصَّر، وإلاَّ أتمَّ صلاته، نعم لو بدأ في رجوعه - وكان مسافة - فعليه القصر.

ص: 146

(مسألة 471) لو عدل - في الطَّريق - من سفر المعصية إلى سفر مباح فما لم يبدأ بالسَّفر المباح بقي على التَّمام وإذا بدأ به ولو بخطوة فعليه القصر إن كان الباقي من سفره مسافة ولو تلفيقيَّة مع قصد الرُّجوع قبل عشرة أيَّام.

فضلاً عمَّا لو كان تحول نيَّته من الحرام إلى الحلال في داخل البلد فوظيفته القصر، ولكن التزامه في تطبيق القصر بعد خروجه من محلِّ التَّرخُّص.

الشَّرط السَّادس: أن لا يكون ممَّن مسكنه - المتنقِّل - معه.

كأهل البوادي من العرب وغيرهم الَّذين ليس لهم مسكن معيَّن بل يدورون في الصحارى والبراري تبعاً للعشب والكلأ والماء.

وهؤلاء لا يصدق عليهم عنوان السَّفر بل تكون بيوتهم بمنزلة أوطانهم ويتموُّن في صلاتهم ويصومون أينما نزلوا.

نعم لو سافر البدوي لمقصد آخر - ولم ينقل بيته معه - كالحج أو الزِّيارة أو التِّجارة أو لشراء ما يحتاج إليه من قوت وغيره وجبت الصَّلاة قصراً في أماكن ما قطع لأجله المسافة الشَّرعيَّة.

(مسألة 472) لو سافر أحدهم للفحص عن الماء والعشب أو لاختيار المنزل وكان سفره مسافة شرعيَّة وجب - على الأحوط - الجمع بين القصر والتَّمام إذا لم يكن بيته معه وإلاَّ فيتم.الشَّرط السَّابع: أن لا يكون كثير السَّفر.

بأن يتَّخذ السَّفر - إلى المسافة الشَّرعيَّة فأكثر - عملاً له كالمكاري والملاح والسَّائق والطيَّار والبحار ومعاونيهم ومضيِّف الطَّائرة ومرافق المسافرين (المعرِّف والحملدار)، وكذا السَّاعي والرَّاعي والتَّاجر الَّذي يدور في تجارته.

أو يكون شغله في السَّفر (أي يكون السَّفر مقدِّمة لعمله) كالعامل الَّذي يدور في عمله نظير النَّجَّار الَّذي يدور في القرى لتعمير النَّواعير والكرود، والبنَّاء الَّذي يدور لتعمير الآبار، والحدَّاد الَّذي يدور لتصليح الماكنات بشرط صدق عنوان الدَّوران في حقِّهم عرفاً، وكذا الحطَّاب وجلاَّب البضائع - كالخضر

ص: 147

والفواكه والحبوب وغيرها - من مسافة بعيدة.

وهؤلاء جميعاً يجب عليهم الصَّوم والإتمام في الصَّلاة في بلد السَّفر وفي الطَّريق على اختلاف الحالات وستأتي بعض مسائلها، بلا فرق بين أن يكون السَّفر لنفسه أو لغيره كما إذا حمل السَّائق متاعه أو أهله من بلد إلى آخر.

(مسألة 473) المعيار في إنطباق عنوان كثرة السَّفر ووجوب الإتمام فيه هو الصدق العرفي - بعد العزم على الممارسة - فقد يتحقَّق في سفرة واحدة لطولها وقد يحصل بالتكرار وإن كان الأحوط في السَّفرة الأولى من حالة التِّكرار الجمع بين القصر والتَّمام حتَّى لو طالت سفرته نسبيَّاً ثمَّ يتم في السفرات الأخرى.

(مسألة 474) المدار - لمن اتَّخذ العمل السَّفري مهنة له - هو العزم على توالي السَّفر من دون تخلل فترة تضر بصدق عنوان السَّائق أو الملاح - مثلاً - أو نحوهما، فيتوقَّف حينئذ صدق العنوان على عزمه مزاولة مهنة السِّياقة - مثلاً - مرَّة بعد أخرى على نحو لا يكون له فترة غير معتادة، وهذه الفترة تختلف طولاً وقصَّراً باختلاف الموارد، وهو ينشأ من قرب المقصد وبعده، فمثلاً الَّذي يسوق سيارته في كل شهر مرَّة من النَّجف إلى عمان أو دمشق قد يصدق عليه أن عمله السِّياقة، بخلاف الَّذي يسوق سيارته في كل أسبوع (ليالي الجمع) من النَّجف إلى كربلاء المقدَّسة فلا يصدق عليه هذا العنوان، وعليه فإنَّ الفترة المعتادة في بعيد المقصد لا مانع من أن تكون أطول من الفترة المعتادة في قريبه، مع أنَّ تكليف صاحب الحالة الأولى التَّمام والثَّاني القصر.

(مسألة 475) تتحقَّق كثرة السَّفر في حق من كان السَّفر مقدِّمة لعمله (أي عمله في السَّفر) - أو في حق من يتكرَّر سفره لغرض آخر كعلاج مرض - بأن يكون سفره أكثر من حضره أو مساو له، كأن يسافر في كل يوم ويرجع في يومه، أو يسافر يوماً ويحضر يوماً، أو يحضر يومين ويسافر يومين، أو يسافر ثلاثة أيَّام ويحضر ثلاثة، أو يحضر ثلاثة أيَّام ويسافر أربعة بلا عكس وهكذا، وإن كان الأحوط إذا كان مقياسه الشَّهران يزيد على نصفه والأسبوع أن يزيد على نصفه، أمَّا لو كان يحضر خمسة أيَّام ويسافر يومين أو ثلاثة فالأحوط وجوباً

ص: 148

الجمع بين القصر والتَّمام حتَّى لو صدق عليه أنَّه كثير السَّفر من حيث النَّوع العام.

وعليه إنَّ من يسافر في كل أسبوع مرَّة واحدة من النَّجف الأشرف إلى بغداد للتجارة - مثلاً - وتستغرق سفرته يوماً واحداً ثمَّ يرجع إلى بلده خارج عن عنوان من عمله في السَّفر حتماً، لأنَّ الفترة المذكورة (أسبوع) غير معتادة في مثل السَّفر من النَّجف الأشرف إلى بغداد بهذا النَّحو.

(مسألة 476) يشترط في استمرار من عمله السَّفر على التَّمام أن لا يبقى في بلده عشرة أيَّام أو أزيد وإلاَّ انقطع حكم هذا العنوان عنه ووجب عليه القصر في السَّفرة الأولى فقط ثمَّ يتم في غيرها، سواءاً كان قاصداً لها ابتداءاً أو أقام بلا قصد، وإن كان الأحوط في غير المكاريممَّن يشمله هذا العنوان الجمع بين القصر والتَّمام.

وكذلك يشترط عدم إقامته في بلد غير وطنه عشرة أيَّام أو أزيد وإلاَّ أنقطع حكم هذا العنوان عنه أيضاً، ووظيفته حينئذ إن كان من الأوَّل قاصداً الإقامة قصَّر في السَّفرة الأولى الَّتي بعد الإقامة، وإن لم يكن قاصداً للإقامة من الأوَّل أتمَّ في السَّفرة الأولى، والأحوط استحباباً الجمع بين القصر والتَّمام، هذا في المكاري.

وأمَّا في غيره ممَّن يشمله العنوان المذكور فيجب عليه - على الأحوط - الجمع بين القصر والتَّمام في السَّفرة الأولى بعد الإقامة إن كان قاصداً لها من الأوَّل وإلاَّ فعليه التَّمام.

(مسألة 477) لو سافر - من عمله السَّفر - سفراً ليس من عمله كما إذا سافر السَّائق للزِّيارة أو الحج ونحوهما وجب عليه القصر في صلاته، بخلاف ما لو آجر نفسه وسيارته للزِّيارة وزار تبعاً فيجب عليه الإتمام.

(مسألة 478) لو كان بين وطنه - أو محل إقامته - وبين محل عمله مسافة شرعيَّة - أو أزيد - ويسافر إليه في أغلب الأوقات - وكان الطَّريق إليه مرتبطاً بعمله المذكور أيضاً كموقع وظيفته كالسَّائق المرتبط بشركة في البلد المقصود

ص: 149

والمسَّاح المرتبط بدائرته في ذلك البلد وإن لم يتَّخذه مقراً ووطناً له - فوظيفته الإتمام في طريقه - ذهاباً وإيَّاباً - وفي بلد عمله.

أمَّا لو لم يكن الطَّريق داخلاً في العمل بل البلد المقصود هو المحل له فقط أو اتَّخذ بلد عمله وطناً آخر بأن بقى فيه مدَّة طويلة فحينئذ يترتَّب عليه أحكام الوطن الإتِّخاذي فيتم فيه صلاته بخلاف الطَّريق - ذهاباً وإيَّاباً - فوظيفته القصر فيه حتَّى لو كان ذهابه وإيابه في كل يوم.

(مسألة 479) لو سافر - من عمله في السَّفر - لغرض آخر غير عمله كالزِّيارة أو المعالجة أو للحج وصادف أن باشر عمله في هذا السَّفر كالطَّبيب النَّجفي - مثلاً - الَّذي يمارس عمله في كربلاء فسافر إلى كربلاء للزِّيارة وصادف أن زاول عمله فيها فوظيفته التَّقصير لعدم ارتباط عمله بالسَّفر مع رجحان عمله بالجمع.

(مسألة 480) لو تكرَّر سفره لغرض ما من دون إتِّخاذه عملاً أو حرفة لنفسه كمن يسافر صدفة كل يوم في فترة لأجل نقل أمتعة كثيرة يتوقَّف نقلها إلى بلده على أسفار متعدِّدة أو لأجل التَّنزُّه والتَّفرُّج أو للإفطار في شهر رمضان أو نحو ذلك قصَّر في صلاته، إلاَّ أن يكون السَّفر مقدِّمة لعمله كمن يسافر كل يوم للتَّدريس أو معالجة المرضى في بغداد وهو في النَّجف الأشرف مثلاً فإنَّه يتم صلاته كما مرَّ.

(مسألة 481) إذا اختصَّ من عمله فيما دون المسافة الشَّرعيَّة - ولو تلفيقيَّة - كالسَّائق في داخل المدينة وضواحيها ولكن صادف له السَّفر - في ضمن عمله - إلى ما به المسافة التَّامَّة كالملفَّقة مثلاً، فإن كان يصدق عليه عرفاً أن (عمله السَّفر) وجب على الأحوط الجمع بين القصر والتَّمام وإلاَّ فيجب القصر

(مسألة 482) إذا كان عمله السَّفر إلى المسافة الشَّرعيَّة في طريق خاص (خط معيَّن) كالطَّريق بين كربلاء والنَّجف الأشرف وصادف أن استأجرت سيارته في غير ذلك الطَّريق وكان في نيَّته الأساسيَّة الخروج إلى أي مكان يستأجر إليه

ص: 150

لتوسعة عمله فوظيفته الإتمام في صلاته بينما لو لم يكن ذلك من نيَّته وإنَّما حصل ذلك مصادفة فلا إتمام.

(مسألة 483) لو اتَّخذ السَّفر عملاً له في فصل معيَّن - كالسَّائق الَّذي يؤجر سيارته في الشتاء فقط - فيجب عليه إتمام الصَّلاة في سفره في ذلك الفصل، والأحوط استحباباً الجمع بين القصر والإتمام، وأمَّا إذا سافر في غير ذلك الفصل المعيَّن فحكمه القصر.(مسألة 484) المتعهِّد لنقل الزَّائرين ((المعرِّف أو الحملدار)) إذا كان عمله السَّفر على مدار السنة بأن ينقل الزَّائرين إلى بيت الله الحرام وإلى العتبات المقدَّسة فوظيفته التَّمام، أمَّا لو اختص نقله في خصوص أشهر الحج ويقيم في بلده بقيَّة أيَّام السنة كما هو الغالب في زماننا على كثيرين فهو خارج عن عنوان (من عمله السَّفر) ويجب عليه القصر، حيث لا يطول سفر الحج فيه غالباً أكثر من خمسة وعشرين يوماً، بل قد يكون أقل من ذلك إذا كان السَّفر جواً.

(مسألة 485) السَّائح في الأرض - الَّذي جعل سياحته مهنة له معرضاً عن مقرُّه ووطنه ولم ينو اتِّخاذ مقر لنفسه - وظيفته التَّمام.

(مسألة 486) إذا شكَّ في صدق عنوان (من عمله السَّفر) عليه في سفره فيجب عليه الاحتياط بالجمع بين القصر والتَّمام.

الشَّرط الثَّامن: أن يصلَّ إلى حد التَّرخُّص.

فلا يسوغ القصر قبله، وحد التَّرخُّص هو: -

(ما بعد عن منزله أو حيه بحيث لا يرى جدران بلده - ويخفى شخصه عن أهله - ولا يسمع أذانهم وذلك على النَّحو الطَّبيعي المتعارف، من دون استعانة بالأجهزة الحديثة لرؤية الأماكن البعيدة كالدُّوربين أو مكبِّر الصَّوت في المسموعات).

ولا بأس بتقديره ب- (كيلو مترين تقريباً)، بلا فرق في ذلك بين البلدان الصَّغيرة أو الكبيرة إلاَّ أنَّه في البلدان الصِّغار يلحظ البعد المذكور من آخر بلده،

ص: 151

وفي الكبار من منزله أو حيه.

وأمَّا عند السَّفر والخروج من محل الإقامة أو المحل الَّذي بقي فيه متردِّداً ثلاثين يوماً - وسيأتي أحكامهما - فالأحوط وجوباً - فيما دون حد التَّرخُّص - إمَّا الجمع بين القصر والتَّمام أو تأخير الصَّلاة إلى ما بعده فيقصِّر.

(مسألة 487) الميزان في ((حد التَّرخُّص)) فيما بعد عن البلدان بما حدَّدناه واقعاً لا غيره في السَّمع والنَّظر، فلو كان البلد في محل مرتفع بحيث يرى من بعيد - وإن كان ببعد حدِّ التَّرخُّص كما في البلدان الجبليَّة - أو كان في مكان منخفض بحيث يخفى عن الأنظار بسرعة كذلك كما في بلدان الأودية وإن دنى عن حدِّ التَّرخُّص، فلابدَّ للمسافر من ذلك البلد أن يقصِّر إذا ابتعد عنه بمقدار لا يشاهد جدرانه ولو على تقدير تأويله كأنَّه في أرض منبسطة وإن يبقى متمَّاً حتَّى لو ابتعد عنه بعداً لا يشاهد بنيانه مثلاً بحسب الظاهر إلاَّ أنَّه يشاهده لو كانت الأرض منبسطة.

(مسألة 488) لو سافر عن محل ليس فيه دور أو جدران فإنَّما يجب عليه القصر لو ابتعد عنه بمقدار لا يرى جدرانه على تقدير أن يكون له جدران، وكذا لو كان عن محل ليس فيه آذان مأذِّن ولكنَّه لو كان لم يسمع صوته عند الابتعاد عنه بما مرَّ تقديره.

(مسألة 489) غير المتعارف من جهة النَّظر أو السَّمع يرجع إلى المتعارف لأنَّه هو الأساس فمثال الثَّاني مثلاً هو الأذان إذا كان خلاف المتعارف، كارتفاع صوت المأذِّن بواسطة مكبِّرات الصَّوت فمع عدم السَّماع بسببها يتحقَّق الابتعاد بصفة أولى إذا لم يكن في السَّماع خلل، وإن كان حد الاقتصار على الصَّوت الطَّبيعي هو ما إذا لم يسمعه.

(مسألة 490) إذا وصل المسافر إلى محل لا يسمع الأذان فيه ولكن يرى جدران البلد أو بالعكس وأراد الصَّلاة فالأحوط وجوباً له أن يجمع بين القصر والتَّمام.

(مسألة 491) إذا شكَّ في الوصول إلى حد التَّرخُّص - ذهاباً - بنى على

ص: 152

عدمه ويتم في صلاته.

(مسألة 492) إذا اعتقد الوصول إلى حد التَّرخُّص فصلى قصراً ثمَّ انكشف الخلاف وجبت عليه الإعادة أو القضاء بمقتضاها، بمعنى أنَّه إن أراد الإعادة في مكان الانكشاف فيجب التَّمام وإن كان بعد تجاوز الحد المذكور والوقت باق فيجب القصر.

وإن لم يأت بها إلى أن مضى الوقت، فإن مضى قبل تجاوز حد التَّرخُّص قضاها تماماً وإلاَّ قصراً.

(مسألة 493) ليس في الرُّجوع إلى بلده حد للتَّرخُّص على الأحوط، فلابدَّ من الوصول إلى بلدته الصَّغيرة أو محلَّته إذا كانت بلدته كبيرة ثمَّ التَّمام في الصَّلاة، كما ليس في الدُّخول إلى المحل الَّذي يريد الإقامة فيه عشرة أيَّام حد التَّرخُّص، وإن كان الأحوط فيه إمَّا الجمع بين القصر والتَّمام أو تأخير الصَّلاة حتَّى يدخل إليه.

الفَصْلُ الثَّانِي ِفي قَوَاطِعِ السَّفَر

إذا توفُّرت الشُّروط المتقدِّمة في المسافر يجب أن يقصِّر في صلاته إلاَّ إذا انقطع سفره بأحد القواطع الآتية وهي:

الأوَّل: المرور بالوطن - ولو من دون نزول فيه على الأحوط -.

فإنَّه قاطع للسَّفر شرعاً فيجب عليه الإتمام ما لم ينشئ سفراً جديداً واجداً للشُّرائط، وقد يراد بالوطن أحد المواضع التَّالية: -

1- المكان الَّذي فيه مقرُّه الأصلي وينسب إليه ويكون فيه مسكن أبويه ومسقط رأسه عادة إذا لم يعرض عنه حين سكناه في بلد آخر.

2- المكان الَّذي يتَّخذه الإنسان محلاًّ لاستقراره ولا ينزح عنه لو خلي ونفسه، ويسمَّى ب- (الوطن الإتِّخاذي).

3- المكان الَّذي يتَّخذه مقراً له لفترة طويلة مثلاً ومؤقَّتة - يعتد بها عرفاً -

ص: 153

كالمهاجر إلى النَّجف الأشرف أو إلى غيره من المعاهد العلميَّة لطلب العلم لتلك الفترة وإن لم تدم طول الحياة ثمَّ يرجع بعد انتهاء فترة الدِّراسة إلى أهله.

وهذا ملحق بحكم (الوطن الإتِّخاذي) بمعنى أنَّه - حين السَّفر منه - يلتزم بشروطه المتقدِّمة، وكما ينقطع السَّفر بالمرور بالوطن ينقطع بالمرور بهذا المقر.

وهذه الأقسام الثَّلاثة لابدَّ في تحقُّق التَّوطن فيها - بعد النِّيَّة - من صدقها لدى العرف، وهو يتوقَّف على الإقامة بمقدار يصدق معه أنَّه بلده ووطنه.

فلا يعتبر فيها أن يكون للشَّخص ملك فيه ولا إقامة ستَّة أشهر، بل لا يعتبر إباحة ما يسكن فيه، فلو غصب داراً في بلد وأراد السُّكنى فيها مدَّة حياته - مثلاً - يصير وطناً له ولو على معصية في ذلك وبطلان أعماله المشروطة بالإباحة كما هو مفصَّل في محلِّه.

4- المكان الَّذي ملك الإنسان فيه منزلاً قد استوطنه ستَّة أشهر فأزيد عن قصد ونيَّة، ويسمَّى ب- (الوطن الشَّرعي)، وهو وإن كان في صدقه تأمُّل - لأنَّ الوطن الشَّرعي غير ثابت فيه من جميع الوجوه - إلاَّ أنَّه لو أعرض عنه فالأحوط حين المرور به الجمع بين القصر والتَّمام ما دام ملكه باقياً فيه.

(مسألة 494) يكفي في صدق الوطن قصد التَّوطُّن بالتَّبعيَّة كما في الزَّوجة تبعاً لزوجها والولد لوالده والعبد لمالكه ونحوهم حتَّى لو كان بقائهم مع متبوعهم بغير اختيار.(مسألة 495) يجوز للإنسان أن يتَّخذ له أكثر من وطن يقضي فيه بعض أوقاته ويجب حينئذ - حال الإنتقال من وطن إلى آخر إن أراد الصَّلاة - في الطَّريق التَّقصير بشرطين: -

1- بلوغ المسافة الشَّرعيَّة الامتداديَّة (ثمانية فراسخ)، ولا يكفي هنا التَّلفيقيَّة لأجل انقطاع السَّفر بكل واحد من الوطنين.

2- أن لا يكون كثير السَّفر بينهما وإلاَّ وجب عليه التَّمام.

(مسألة 496) الوطن - الأصلي أو الإتِّخاذي - لا يسقط إلاَّ بالإعراض عنه، فما لم يعرض عنه يصلَّى فيه حين المرور به تماماً، وإذا أعرض عنه يصلَّى فيه

ص: 154

حين المرور به قصراً، وقد مرَّ حكم الوطن الشَّرعي.

(مسألة 497) إذا كان للمكلَّف وطن بأحد الأوجه المتقدِّمة ثمَّ تردَّد في البقاء فيه أو الإعراض عنه بقي حكم التَّوطُّن عليه إلى أن يتَّخذ قراره الصَّارم بالإعراض عنه.

(مسألة 498) مقر العمل حكمه حكم الوطن فينقطع السَّفر بالمرور عليه، فإذا كان الإنسان وطنه النَّجف الأشرف واتَّخذ الكوفة محل عمل له بحيث يخرج إليه كل يوم فيجب عليه الإتمام، وإن أراد السَّفر منه فلابدَّ في التَّقصير بالصَّلاة من اجتياز (حدِّ التَّرخُّص)، وإذا رجع من بغداد مثلاً إلى النَّجف ووصل إلى محل عمله فعليه أن يتمَّ في صلاته.

وكذا لو كان وطنه (بغداد) واتَّخذ (الكاظميَّة المقدَّسة) محل عمل له بحيث يخرج إليه كل يوم فيجب عليه الإتمام فيه فإن أراد السَّفر منها إلى (كربلاء المقدَّسة) فإنَّه يجتاز حد التَّرخُّص ل- (بغداد) ثمَّ يقصِّر فإن رجع إلى بلده (بغداد) مارَّاً بمحل عمله (الكاظميَّة) قبل دخول (بغداد) انقطع سفره بالمرور عليها وعليه الإتمام.

الثَّاني: العزم - ولو بالتَّبعيَّة - على الإقامة عشرة أيَّام متوالية في مكان واحد، أو العلم ببقائه المدَّة المذكورة وإن لم يكن باختياره كالمحبوس أو المضطر للعلاج.

ومبدأ اليوم هو طلوع الفجر الصَّادق فإذا نوى الإقامة من طلوع الشَّمس فلابدَّ من نيَّتها إلى طلوعها من اليوم الحادي عشر.

ويكفي التَّلفيق في الإقامة بأن يقصدها - مثلاً - من زوال يوم الدُّخول إلى زوال اليوم الحادي عشر، والليالي المتوسطة داخلة، بل حتَّى المتطرفتين - الأولى والأخيرة - إحتياطاً واجباً على نحو يتم به ليلة ملفَّقة أيضاً.

(مسألة 499) يعتبر في الإقامة وحدة المحل عرفاً بحيث يكون مبيته ومأواه في بلد واحد، فمن قصد الإقامة (عشرة أيَّام) في مكانين أو أكثر كالنَّجف والكوفة معاً أو بغداد والكاظميَّة وهكذا إذا لم يعدَّا عرفاً من محلي بلد واحد،

ص: 155

وجب عليه القصر.

(مسألة 500) لا مانع من قصد الخروج - قبل نيَّة الإقامة وبعدها - إلى ما دون المسافة الشَّرعيَّة - التَّلفيقيَّة - ممَّا يعد من متعلِّقات البلد عرفاً كالمقابر والبساتين ممَّا يتعارف وصول أهل البلد إليه بشرط البقاء هناك لفترة وجيزة قاصداً العود عن قريب، بحيث لا يخرج عن صدق الإقامة في ذلك المكان عرفاً.

وعليه فإن الخروج من النَّجف إلى مسجدي الكوفة والسَّهلة، أو من مركز بغداد إلى الكاظميَّة لا يكون مضرَّاً بالإقامة بالنَّحو الطَّفيف، ولكنَّ الأحوط أن تكون صلاته في محلِّ الإقامة والصَّوم كذلك.

(مسألة 501) من قصد الإقامة (عشرة أيَّام) واحتمل - احتمالاً عقلائيَّاً - طرؤ ما يمنعه عن البقاء بحيث ينافي العزم على البقاء وجب عليه القصر.(مسألة 502) لو علَّق إقامته على ما لا تعيُّن له زماناً كنزول المطر أو ورود الحجَّاج أو انقضاء الحاجة وجب عليه القصر في صلاته وإن صادف حصول تلك الأمور بعد العشرة أيَّام.

(مسألة 503) إذا قصد البقاء إلى آخر الشَّهر وعلم بأن الباقي من الشَّهر عشرة أيَّام أو أكثر وجب عليه التَّمام، وأمَّا إذا لم يدر المقدار الباقي من الشَّهر فيجب عليه القصر وإن انكشف بعد ذلك أنَّ الباقي عشرة أيَّام أو أكثر.

(مسألة 504) إذا صلَّى المسافر قصراً وفي أثنائها نوى الإقامة (عشرة أيَّام) وجب عليه إكمال صلاته تماماً.

(مسألة 505) لو عدل المقيم عن إقامته أو تردَّد فيها ففيه حالات: -

الأولى: ما إذا كان عدوله قبل أن يصلِّي في ذلك المكان فريضة رباعيَّة تماماً كالظُّهرين أو العشاء فيجب عليه التَّقصير، لأنَّ العدول عن الإقامة قبل الصَّلاة تماماً قاطع لها من حينه.

الثَّانية: ما إذا كان عدوله بعد صلاته الرُّباعيَّة تماماً فوظيفته البقاء على التَّمام إلى أن يسافر عن ذلك البلد.

ص: 156

الثَّالثة: ما إذا كان عدوله في أثناء الصَّلاة الرُّباعيَّة فيجب أن يتمَّها قصراً إن لم يدخل في ركوع الرَّكعة الثَّالثة ويبقى على القصر ما دام هناك، وأمَّا لو دخل في ركوع الرَّكعة الثَّالثة ثمَّ عدل عن قصد الإقامة فالأحوط الوجوبي إكمال صلاته تماماً ثمَّ إعادتها قصراً ويجمع بين القصر والتَّمام بالنِّسبة إلى الصَّلوات الآتية، هذا حكم الصَّلاة.

وأمَّا الصِّيام فإن كان عدوله عن قصده بعد الظُّهر وكان قد صلَّى صلاة رباعيَّة تماماً صحَّ صومه ويجب أن يصلِّي تماماً ما دام في البلد كما مرَّ، وأمَّا إذا لم يصلِّ تماماً فصومه صحيح لكن يجب قصر الصَّلاة ولا يصح منه صوم الأيَّام الآتية في كلتا الحالتين ما دام في ذلك البلد إلاَّ أن ينشئ إقامة جديدة.

(مسألة 506) لو تبيَّن بطلان ما صلاَّه تماماً قبل عدوله عن الإقامة فلا يجوز البقاء على التَّمام - بعد العدول - ويجب الرُّجوع إلى القصر أو يستأنف إقامة جديدة.

(مسألة 507) لو كانت صلاته الرُّباعيَّة - في محل الإقامة قبل العدول - تماماً نسياناً أو لشرف البقعة - كما في مواقع التَّخيير - فلا يكفي البقاء على التَّمام بعد العدول، بل الأحوط وجوباً الجمع بين القصر والتَّمام أو يستأنف إقامة جديدة.

وكذا لو فاتته الصَّلاة الرُّباعيَّة بعد قصد الإقامة فقضاها خارج الوقت تماماً ثمَّ عدل عنها فلا يكفي البقاء على التَّمام بل يرجع إلى القصر.

(مسألة 508) إذا عدل عن نيَّة الإقامة وشك في أنَّه هل صلَّى تماماً قبل العدول أو لا وجب عليه القصر.

(مسألة 509) إذا انتهت مدَّة الإقامة (عشرة أيَّام أو أكثر) وأراد البقاء فلا يحتاج إلى إقامة جديدة بل عليه التَّمام إلى أن يسافر حتَّى لو لم يصلِّ في مدَّة إقامته صلاة رباعيَّة تماماً.

(مسألة 510) لا يشترط في تحقُّق الإقامة أن يكون المسافر مكلَّفاً حال قصد الإقامة، فلو نوى ولي الصَّبي الإقامة في مكان ثمَّ بلغ ذلك الصَّبي أثناء العشرة وجب عليه التَّمام في بقيَّة الأيَّام ، وكذا لو كانت المرأة حائض حال نيَّة الإقامة

ص: 157

ثمَّ طهرت أثناء إقامتها وجب عليها أن تصلِّي ما بقي تماماً بل حتَّى لو كانت حائض تمام العشرة وأرادت البقاء يجب عليها التَّمام إلى أن تسافر.

(مسألة 511) إذا استقرَّت الإقامة - عشرة أيَّام - في بلد ولو بالاستقرار العملي بمثلالصَّلاة تماماً فعلاً وانتهت ثمَّ أراد المقيم الخروج إلى ما دون المسافة الشَّرعيَّة ليرجع إلى ذلك الأوَّل بإقامة ثانية فيجب عليه التَّمام في الطَّريق - ذهاباً وإيَّاباً - وفي المقصد الَّذي نوى الإقامة فيه ثانياً كما كان أوَّلاً.

بل وكذا لو كان المقيم حين الخروج إلى ما دون تلك المسافة قد تردَّد أو غفل عن قصد الإقامة في ذلك المقصد فيجب عليه التَّمام في الطَّريق - ذهاباً وإيَّاباً - وفي محل الإقامة مع قصده الرُّجوع إليه إلى أن ينشئ سفراً جديداً.

أمَّا لو أراد المقيم الخروج إلى المسافة الشَّرعيَّة - تلفيقيَّة أو امتداديَّة أو أزيد - ولم يقصد الإقامة هناك عشرة أيَّام إنهدمت إقامته الأولى ويجب عليه القصر في الذَّهاب والمقصد.

(مسألة 512) إذا شكَّ في تحقُّق قصد الإقامة بقي على القصر إلاَّ أن يطمئنَّ بتحقُّقها.

القاطع الثَّالث: الإقامة في مكان واحد ثلاثين يوماً متردِّداً بين الإقامة والسَّفر بلا عزم على الإفامة عشرة أيَّام.

فيجب عليه القصر إلى نهاية الثَّلاثين وبعدها يجب التَّمام إلى أن ينشئ سفراً جديداً.

(مسألة 513) المسافر المتردِّد ثلاثين يوماً إنَّما يتم إذا أقام تلك المدَّة في موضع واحد، وأمَّا لو أقام بعضها في محل وبعضها في محل آخر مع التَّردُّد كما لو بقي في مكان واحد متردِّداً تسعة وعشرين يوماً ثمَّ انتقل إلى مكان آخر وبقي متردِّداً فيه في اليوم الثَّلاثين فيجب عليه القصر في الجميع.

ص: 158

الفَصْلُ الثَّالِث أَحْكَامُ صَلاَةِ المُسَافِر

(مسألة 514) تسقط النَّوافل النَّهاريَّة فقط في السَّفر، وأمَّا نافلة العشاء (الوتيرة) فيؤتى بها برجاء المطلوبيَّة.

(مسألة 515) لو صلَّى تماماً في موضع القصر فإن كان عالماً عامداً بطلت صلاته ووجبت عليه الإعادة أو القضاء، وإن كان جاهلاً بحكم وجوب القصر في السَّفر وعلم في الوقت فعليه الإعادة ولو علم بعد نهايته فليس عليه القضاء.

أمَّا لو كان عالماً بالحكم وجاهلاً بالخصوصيَّات والشُّرائط الموجبة للتقصير أو جاهلاً بالموضوع - كمن لا يعلم أن ما قصده مسافة شرعيَّة مثلاً فأتم فتبين أنَّه مسافة - أو كان ناسياً للسَّفر أو ناسياً لحكم المسافر فيجب عليه إعادتها قصراً أو قضاءها.

(مسألة 516) من كانت وظيفته التَّمام وصلى قصراً بطلت صلاته مطلقاً (سواء كان عامداً أو جاهلاً أو ناسياً أو ساهياً في جميع الموارد) ويجب عليه الإعادة أو القضاء.

(مسألة 517) العبرة في القصر والتَّمام بحال الأداء لا بحال تعلق الوجوب فإذا دخل وقت الفريضة وهو حاضر في الوطن - أو بحكمه لعدم تجاوز حد التَّرخُّص مثلاً - متمكِّن من إتيانها تماماً ولم يصلِّها حتَّى سافر متجاوزاً حد التَّرخُّص فيجب عليه القصر، فضلاً عمَّا لو لم يتمكَّن من إتيانها هناك، ولو دخل عليه الوقت وهو مسافر ولم يصلِّها حتَّى دخل المنزل من الوطن أو محل الإقامة أتمَّ.

(مسألة 518) المعيار في فوات الصَّلاة من حيث الأداء التَّمامي أو القصري هو على آخر وقتها، فمن فاتته الصَّلاة في الحضر قضاها تماماً ولو كان في السَّفر، ولو فاتته في السَّفر قضاها قصراً ولو كان في الحضر.

(مسألة 519) يتخيَّر المسافر - غير المقيم - في الصَّلاة بين القصر والتَّمام في الأماكن الأربعة الآتية - دون غيرها من المساجد والمشاهد الشَّريفة - وهي: -

ص: 159

1- المسجد المكِّي الحرام.

3- مسجد الكوفة.

2- المسجد النَّبوي الشَّريف.

4- حرم الحسين عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

والتَّمام أفضل والقصر أحوط والجمع أكمل، وفي إلحاق التَّوسعات الحديثة من البلدان الثَّلاثة - مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة والكوفة - في مساجدها إشكال يقتضي الاحتياط الوجوبي بالقصر فيها.

وفي تحديد الحرم الحسيني الشَّريف أقوال، والقدر المتيقن منه فيها هو نفس الرَّوضة المقدَّسة ممَّا حول الضَّريح الشَّريف تحت القبَّة الشَّريفة.

(مسألة 520) لا فرق في ثبوت التَّخيير في الأماكن المذكورة بين أرضها وسطحها والمواضع المرتفعة أو المنخفضة فيها، كبيت الطَّشت في مسجد الكوفة وغيره.

(مسألة 521) التَّخيير في الأماكن الأربعة استمراري، فلو شرع في الصَّلاة بنيَّة القصر أو بالعكس جاز العدول إلى الآخر ما لم يدخل في ركوع الرَّكعة الثَّالثة.

(مسألة 522) يختص التَّخيير المذكور هناك بالأداء فقط فلا يجري في القضاء الَّذي عليه من خصوص أيَّام التَّمام ممَّا فاته في بلده أو بلدان إقامته ولا في خصوص القصر ممَّا فاته في بلدان القصر ممَّا عدا مواقع التَّخيير.

(مسألة 523) يستحب للمسافر أن يقول - عوضاً عن الرِّكعتين الأخيرتين - عقيب كلصلاة مقصورة جبراً ثلاثين مرَّة: -

((سُبْحَانَ الله وَالَحَمْدُ للهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله والله أَكْبَرُ))، وليس بنحو الجبر الوجوبي بدلهما.

ص: 160

المَقْصَدُ السَّابع صَلاَةُ القَضَاءِ

وفيه مبحثان:

المَبْحَثُ الأَوَّل أَحْكَامُ القَضَاءِ

(مسألة 524) يجب على كل من فاتته فريضة من الفرائض اليوميَّة - لكل من الحالات الآتية - قضاؤها خارج الوقت، وهي:-

1- العمد أو الجهل أو السَّهو أو النِّسيان أو لأجل النَّوم المستغرق لتمام وقتها أو لغير ذلك من الأسباب كالقهريَّات.

2- الصَّلاة المأتي بها فاسدة لفقد جزء أو شرط حتَّى نهاية الوقت، حسب ما هو مفصَّل في تضاعيف المسائل.

3- السُّكر، بلا فرق بين العلم والجهل والسَّهو والنِّسيان، وكذا في حال الضَّرورة والإكراه.

4- الإغماء، إذا كان بفعله على وجه المعصية.

5- الارتداد، بلا فرق بين الملِّي والفطري وإن وجب قتله، فيجب القضاء بعد توبته لترتُّب أحكام الإسلام عليه إذا لم يقتل، وقد وسَّعنا الكلام عن أحكامه في كتابنا (غاية المسؤول التَّكليف بالفروع للكفَّار بالأصول).

ولا يجب قضاء ما تركه المجنون حال جنونه أو الصَّبي حال صباه أو المغمى عليه حال إغمائه إذا لم يكن بفعله على نحو المعصية أو الكافر الأصلي حال كفره، لأنَّ (الإسلام يجبُّ ما قبله)، وكذلك الحائض والنَّفساء إذا استوعب حيضها أو نفاسها تمام الوقت.

(مسألة 525) المخالف إذا استبصر ورجع إلى مذهب الحق - إذا كان يرى

ص: 161

فساد ما كان يذهب إليه من الأعمال اجتهاداً ونحوه - يجب عليه أن يقضي ما فاته ممَّا أتى به تلك الأيَّام، دون ما أتى به على طبق مذهبه إذا كان قاصداً به القربة واحتمل صوابه على مبانيه آنذاك فليس عليه قضاؤه ولكن الأحوط استحباباً الإعادة مع بقاء الوقت، بلا فرق بين المخالف الأصلي وغيره.

(مسألة 526) يجب قضاء الصَّلوات غير اليوميَّة من الفرائض - عدا العيدين - حتَّى النَّافلة المنذورة في وقت معيَّن، وأمَّا صلاة الآيات فإن كان أحد الكسوفين حاصلاً وانتهى القرص فيه تماماً فلابدَّ من القضاء، وإن لم ينته وكان عالماً به فكذلك، وإن لم ينته ولم يعلم وعلم بعد انجلائه فلا قضاء، وإن كانت الآية هي الزِّلزلة فلا قضاء ولكنَّ الإتيان بصلاتها واجبة أدائيَّة إلى آخر العمر كما سيتَّضح في موضوع صلاة الآيات.

(مسألة 527) إذا بلغ الصَّبي أو أفاق المجنون أو المغمى عليه في أثناء الوقت ولو مقدار ركعة مع توفُّر شرائط الصَّلاة وجب عليهم الأداء ومع التَّرك يجب القضاء، وكذلك الحائض أو النَّفساء إذا زال عذرهما وطهرتا في أثناء الوقت ولو بمقدار ركعة مع الشَّرائط فيجب الأداء، وإلاَّ فالقضاء كما مرَّ في أحكام الحائض من المقدِّمات العامَّة من رسالتنا (المسائل المنتخبة).

كما أنَّه لو طرأ الجنون أو الإغماء أو الحيض أو النَّفاس بعد مضي مقدار يسع الصَّلاة والطَّهارة من أوَّل الوقت بحسب حالهم التَّكليفي - من الحضر والسَّفر والوضوء والتَّيمُّم - ولميأتوا بها وجب القضاء.

(مسألة 528) لا بأس بالقضاء في كل وقت من اللَّيل والنَّهار وفي الحضر والسَّفر، نعم يقضي ما فاته قصراً قصراً ولو كان في الحضر، وما فاته تماماً تماماً ولو كان في السَّفر كما مرَّ، وإذا كان في بعض الوقت حاضراً وفي بعضه مسافراً قضى ما وجب عليه في آخر الوقت لو لم يسعه الأداء،كما مرَّ في أحكام المسافر مسألة (518).

(مسألة 529) إذا فاتته الفريضة في أماكن التَّخيير وجب قضاؤها قصراً، وإذا كانت الفائتة ممَّا يجب فيها الجمع بين القصر والتَّمام إحتياطاً قضاها كذلك

ص: 162

كما في حالة عدم ضبط مسافة القصر والتَّمام في السَّفر ونحوها من مقصده إليها.

(مسألة 530) لا يشترط رعاية التَّرتيب في قضاء الفرائض غير اليوميَّة - كصلاة الآيات - معها، ولا بين بعضها مع بعضها الآخر.

(مسألة 531) يجب رعاية التَّرتيب في الفريضة الفائتة اليوميَّة المرتَّبة أصلاً كالظُّهرين والعشاءين والصُّبح من يوم واحد مع العلم بذلك، ولا يجب بالنِّسبة إلى غيرها ممَّا فات بلا ترتيب فيصح تقديم قضاء العشاء من يوم على المغرب مثلاً من يوم آخر مجهول في تقدُّمه أو تأخُّره، كما يجوز تقديم قضاء العصر من يوم على الظهر من يوم آخر كذلك، وإن كان الأحوط مراعاة التَّرتيب هنا أيضاً.

(مسألة 532) لو نسي ترتيب صلواته الفائتة فالأحوط وجوباً قضاؤها بكيفيَّة موجبة لتحقُّق التَّرتيب الواقعي بينها مع إمكانه - فمثلاً - لو فاته الظُّهر والمغرب ولم يعلم بترتيب فواتهما هل أنَّهما من يوم واحد أو يومين يعلم فيها السَّابق من اللاحق بنحو مرتَّب أو غيره ؟ فيأتي بمغرب أوَّلاً ثمَّ بظهر ثمَّ بمغرب، أو يصلِّي الظُّهر ثمَّ المغرب ثمَّ ظهراً آخر ليتحقَّق التَّرتيب الواقعي وهناك تفاصيل أخرى من هذا القبيل نتركها للمفصَّلات.

لكن لو كانت عليه فوائت كثيرة ونسي التَّرتيب بينها ويشق عليه مراعاة التَّرتيب قضاها بلا ترتيب رعاية لقاعدة الميسور.

(مسألة 533) لو كان عليه قضاء سنة كاملة - مثلاً - تخيَّر بين أن يقضيها حسب التَّرتيب في كل يوم من الظُّهر إلى الصُّبح إلى نهاية السَّنة، وبين أن يقضي صلوات الظُّهر كلها مع العصر كلها ثمَّ العشاءين كلها ثمَّ الصُّبح كلها، لكن الأحوط وجوباً اختيار النِّظام التَّرتيبي الأوَّل لو فاتت هكذا حسب علمه واستحباباً لو لم يعلم ذلك.

(مسألة 534) لو علم أنَّ عليه إحدى الصَّلوات الخمس ولم يعلمها بعينها، فإن كان حاضراً أتى بثلاث صلوات (رباعيَّة واحدة - بقصد ما في الذِّمَّة مخيَّراً

ص: 163

فيها بين الجهر والإخفات - ثمَّ مغرب وصبح)، وأمَّا إذا كان مسافراً فيأتي بصلاتين (المغرب وثنائيَّة بقصد ما في الذِّمَّة مردَّدة بين ((الظُّهر والعصر والعشاء والصُّبح))).

وإذا لم يعلم أنَّه كان مسافراً أو حاضراً أتى بثلاث صلوات (المغرب وثنائيَّة مردَّدة بين الأربع المتقدِّمة - الصُّبح والرُّباعيَّات الثَّلاث - ورباعيَّة مردَّدة بين ((الظُّهرين والعشاء)) مخيَّراً بين الجهر والإخفات في الصَّلوات المردَّدة).

(مسألة 535) إذا علم أنَّ عليه اثنتين من الصَّلوات الخمس من يوم واحد مردَّدتين بين جميعها فإن كان حاضراً وجب عليه أربع صلوات (صبح ورباعيَّتان ومغرب)، وإن كان مسافراً كفته ثلاث صلوات (ثنائيَّة مردَّدة بين ((الظُّهر والعصر والصُّبح)) وثلاثيَّة ثمَّ ثنائيَّة مردَّدة بين ((الظُّهر والعصر والعشاء))).وإذا لم يعلم أنَّه كان مسافراً أو حاضراً وجب الإتيان بخمس صلوات (ثنائيَّة مردَّدة بين ((الظُّهر والعصر والصُّبح)) ورباعيَّة مردَّدة بين ((الظُّهر والعصر)) وثلاثيَّة ((مغرب)) وثنائيَّة أخرى مردَّدة بين ((الظُّهر والعصر والعشاء)) ورباعيَّة مردَّدة بين ((العصر والعشاء))).

(مسألة 536) يحرم التَّهاون والتَّسامح في قضاء الصَّلوات، لكن ليس واجباً فوريَّاً، وعليه فيجوز لمن عليه قضاء واجب الإتيان بالنَّوافل، وبالأخص إذا كانت منشِّطة له لأن يأتي بالواجب كثيراً كمطيِّبات الطَّعام ما لم تبدو عليه علامات الموت أو العجز إلى ما شاء الله عن الواجبات أو كانت واجباته القضائيَّة كثيرة جدَّاً بحيث علم أو ظنَّ أنَّه سوف لم يقدر على الإيفاء بها تماماً إن عمل المندوبات فلا يجوز له ذلك.

(مسألة 537) يجب على ذوي الأعذار المعرقلة لقضاء الواجبات الطَّبيعيَّة كالقضاء من قيام تأخير القضاء والانتظار إلى زمان رفع العذر فيما لو علم بارتفاعه بعد ذلك، أمَّا لو احتمل بقاء العذر وعدم ارتفاعه بعد ذلك فضلاً عمَّا إذا يعلم ببقائه وعدم ارتفاعه فيجوز البدار للقضاء على النَّحو الميسور

ص: 164

الفعلي لكن لو ارتفع العذر بعد القضاء وجبت الإعادة إذا كان الخلل في الأركان، وأمَّا في غيرها فالأحوط الاستحبابي ذلك.

(مسألة 538) الأحوط وجوباً تقديم صلاة القضاء على الأداء فيما إذا كانت من نفس اليوم الحاضر وأمكنه ذلك، فلو فاتته صلاة الصُّبح يقضيها أوَّلاً ثمَّ يشتغل بصلاة الظُّهر ما لم تكن في وقت الأدائيَّة الخاص.

(مسألة 539) إذا تذكَّر في أثناء الصَّلاة أنَّ عليه فائتة من نفس يومه ففيه صورتان:

الأولى: ما إذا أمكنه العدول إلى صلاة القضاء مع سعة الوقت كما لو تذكر قبل ركوع الرَّكعة الثَّالثة من الظُّهر أنَّ عليه صبحاً فالأحوط وجوباً العدول بنيَّته إلى صلاة الصُّبح ويتمُّها ركعتين ثمَّ يصلِّي الظُّهر بعد ذلك.

الثَّانية: ما لو لم يمكنه العدول إلى القضاء كما لو دخل في ركوع الثَّالثة من الظُّهر أو أمكنه العدول لكن كان الوقت ضيِّقاً فوظيفته حينئذ أن يتمَّ صلاته الحاضرة ثمَّ يأتي بالقضاء.

(مسألة 540) إذا كانت عليه فوائت وأراد أن يقضيها في مجلس واحد أذَّن وأقام لكلٍّ منها، إلاَّ أنَّه يجوز أيضاً أن يؤذِّن للأولى ويقتصر على الإقامة في البواقي لكلِّ صلاة إقامة.

(مسألة 541) يجوز بل يستحب الإتيان بالقضاء جماعة في الفرائض سواء كانت صلاة إمامها أداءاً أم قضاءاً، ولا يعتبر وحدة صلاتهما فيصح - مثلاً - قضاء صلاة الصُّبح مع ظهر الإمام، وهكذا البواقي.

(مسألة 542) إذا شكَّ في فوات فريضة أو فرائض لم يجب قضاؤها، وإذا علم بالفوات وتردَّد بين الأقل والأكثر جاز الاقتصار على الأقل، إلاَّ إذا كان يعلم العدد ونسيه فيجب على الأحوط الإتيان بأكثر الاحتمالات.

(مسألة 543) إذا احتمل اشتغال ذمته بفائتة أو فوائت استحبَّ له تحصيل الفراغ بإتيانها إحتياطاً بعد نهاية وقتها، وكذلك لو احتمل خللاً فيها وإن علم بإتيانها.

ص: 165

(مسألة 544) لا تجوز ولا تصح الإستنابة في قضاء الفوائت ما دام المنوب عنه حياً وإن كان عاجزاً عن القضاء.

(مسألة 545) يستحب قضاء النَّوافل والرَّواتب، ومن عجز عن قضائها استحبَّ له التَّصدُّق عن كل ركعتين بمد (تسعمائة غرام) من الطَّعام، وإن لم يتمكَّن فعن كل أربع ركعات ذلك، وإن لم يتمكَّن فمد لنوافل الليل ومد لنوافل النَّهار.(مسألة 546) يستحب تعويد وتمرين الصَّبي المميِّز - الَّذي يفرِّق بين الحسن والقبيح ونحو ذلك - على أداء الفرائض وبقيَّة العبادات، بل يستحب حثُّه على قضاء الصَّلوات أيضاً، والأقوى مشروعيَّة عبادته أداءاً أو قضاءاً، فإذا بلغ في أثناء الوقت وقد صلَّى صلوات أجزأت، بل حتَّى فترة بلوغه غير القريبة لما في ذلك من فوائد عديدة.

بل تعويده الطَّاعة واجتناب المعصية التَّقديرييَّن في المجالات كلِّها يصيِّره مرافقاً إيمانيَّاً وصائناً لمربِّيه لا غبار عليه، بينما حثُّه على ذلك إبان بلوغه فقط لم يحقَّق له ذلك على الدَّوام، بل قد يحصل عنده ما يرغِّبه على التَّمرُّد لكثرة معاشر السُّوء - والعياذ بالله -، ولذا كانت النُّصوص الشَّريفة مأكِّدة على ذلك كما في قولهمعَلَيْهِم السَّلاَمُ ((أمْهِلُهُ سَبْعَاً وَأدِّبْهُ سَبْعَاً وَاصْحَبْهُ سَبْعَاً))، وكما كان من سيرتهم عَلَيْهِم السَّلاَمُ أنَّهم يأمرون صبيانهم على الصَّلاة من السَّبع وعلى الصِّيام من التِّسع وإذا بلغوا التِّسع ولم يصلُّوا ضربوهم.

(مسألة 547) يجب على الولي حفظ الطِّفل عن كل ما فيه ضرر عليه وإن لم يبلغ الخطر الفعلي عليه على الأحوط حذراً من الخطر المتوقَّع ولو ظنَّاً إذا علمت قرائن حصوله عليه، بل عن كل ما علم من الشَّرع كراهة وجوده فيه حتَّى من قِبل الصَّبي الآخر أو الصَّبيَّة كالزِّنا واللواط وشرب الخمر والنَّميمة والغناء إذا تهيَّئت قرائنه وفي أجوائه، وكذا عن أكل النَّجاسات والمتنجِّسات وشربها إذا كانت مضرَّة، بل الأحوط وجوباً عدم التَّسبُّب لأكلهم النَّجس والمتنجِّس وإن لم يكن مضرَّاً، وبالأخص إذا علم من تركه وشأنه أنَّه يوجب

ص: 166

تنجيساً للكبار.

نعم لا يجب منعهم عن النَّجاسة إذا كانت منهم أو من مساورة بعضهم لبعض ممَّن لا يضر بهم ولا بالآخرين، وبالأخص من لا يقوى على ردعهم أحد، كما لا يحرم إلباسهم الحرير والذَّهب في خصوص أيَّام طفولتهم كما مرَّ بيانه.

المَبْحَثُ الثَّانِي التَّبرُّعُ وَالنِّيَابَةُ وَالاِسْتِئجَار

وفيه فصول: -

الفَصْلُ الأَوَّل في الأَحْكَامِ

(مسألة 548)

لا يجوز التَّبرُّع ولا تصح النِّيابة عن الغير - الحي - في الفرائض جميعاً - كما أشرنا - ومنها الصَّلاة - عجز عنها أو لم يعجز - إلاَّ في الحج إذا كان مستطيعاً وغير قادر على المباشرة فيجب أن يستنيب من يحج عنه وسيأتي في محلِّه.

نعم تشرع وتستحب في المندوبات وجميع العبادات المستحبَّة كالصَّلاة والصَّوم والحج وزيارة قبور النَّبي والأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ والصَّدقات وقراءة القرآن، إلاَّ أنَّ الأحوط وجوباً الإتيان بها برجاء المطلوبيَّة.

(مسألة 549) يجوز التَّبرُّع والنِّيابة عن الأموات في قضاء الواجبات والمستحبَّات، بل يستحب خصوصاً عن المؤمنين، فإنَّه من أفضل البر بهم والصِّلة لهم والإحسان إليهم، وبالأخص الأرحام.

كما يجوز إهداء العمل وثوابه - إلى الأحياء والأموات في الواجبات والمستحبَّات - رجاءاً، فقد ورد استحبابه في بعض الأمور كالحجِّ وبعض الصَّلوات وقراءة القرآن، وأنَّ ذلك يوجب زيادة الثَّواب للعامل، وحكي فعله

ص: 167

عن بعض أجلاء أصحاب الأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ، بأن يرجو من الله تعالى إعطاء ثواب عمله لآخر حي أو ميِّت.

(مسألة 550) يعتبر في النَّائب المبرئ للذِّمَّة أمور: -

1- البلوغ على الأقوى.

2- العقل، فلا تصح من المجنون وإن تحقَّق منه القصد في الجملة.

3- الإسلام والإيمان، فلا تصح من المخالف وأن أتى به على الوجه الصَّحيح في مذهبنا - إذا لم يعتقد به - فضلاً عن الكافر.

4- أن يكون عارفاً بأحكام القضاء على وجه يصح منه العمل اجتهاداً أو تقليداً أو احتياطاً.

(مسألة 551) يشترط على النَّائب أمور: -

1- تعيين المنوب عنه ولو على سبيل الإجمال كصاحب المال في الإجارة أو من أعطي عنه المال ونحوهما، ولا يكفي التَّعيين بعد العمل.

2- أن ينوي بعمله الإتيان بما في ذمَّة الميِّت امتثالاً للأمر المتوجِّه إليه ويترتَّب عليه فراغ ذمَّة الميِّت من ذلك الواجب.

3- العمل على طبق اجتهاده أو تقليده، بما هو مبرئ للذِّمَّة شرعاً ولو ظاهراً، إلاَّ إذا قام بالعمل - تبرُّعاً أو إجارة - بتكليف من قبل الغير مقيَّداً بوصيَّة - مثلاً - على أن يكون في مقام الوفاء عنه، فيلزم العمل على طبق اجتهاد الميِّت أو تقليده.

(مسألة 552) لا يشترط المماثلة بين النَّائب والمنوب عنه في الذُّكورة والأنوثة فتصح نيابة الرَّجل عن المرأة والمرأة عن الرَّجل، إلاَّ أنَّه ينبغي أن يحتاط في استنابة المرأة إجارة عن الرَّجل لعارض الأمور النِّسائيَّة، وفي الإخفات والإجهار وفيها يراعى حال الأجير دون الميِّت.

(مسألة 553) لا تبرأ ذمَّة المنوب عنه بعمل النَّائب - تبرُّعاً أو إجارة أو كان وليَّاً للمنوب عنه - إذا كان من ذوي الأعذار الَّذين لا تكون صلاتهم واجدة لتمام الأجزاء والشَّرائط المعتبرة اختياراً، كالعاجز عن القيام والمسلوس

ص: 168

والمبطون والمتيمِّم ونحوهم وإن كانت صلاتهم صحيحة ومسقطة للقضاء والإعادة في حقِّ أنفسهم، وإن كان في فعلهم عن المنوب عنه استحباب أكثر من الغير لو لم يكن ذلك واجباً عليهم كالولي إذا كان هو الولد الأكبر أو كان قد أوصاه المتوفَّى في ذلك، وإن لم يكن الأكبر وكان عاجزاً فاللازم والمبرئ للذمَّة استئجار من يقوى على الإبراء تماماً.

الفَصْلُ الثَّانِي قَضَاءُ الوَلِي مَا فَاتَ عَنْ وَالدِيه

(مسألة 554) يجب على ولي الميِّت - وهو الولد الذَّكر الأكبر حال الموت - قضاء ما فات عن والده أو والدته -

على الأحوط - من الفرائض كالصَّلاة والصِّيام لمرض أو نحوه من الأعذار، وكذا لو فاته عن عمد أو أتى به فاسداً كذلك، بل حتَّى غير العمد ممَّا لا علاج له - على الأحوط - أو أدرك وقتها وتمكَّن من الإتيان بها ومات ولم يصلِّها ولو بحسب حاله.

(مسألة 555) المراد بالأكبر من لا يوجد أكبر منه سناً من بين أولاد الميِّت وإن وجد من هو أسبق منه بلوغاً من أخواته من النِّساء أو أسبق انعقاداً للنُّطفة كالسِّقط المجهول أو الأولادلأمهَّات شتى لو كان المتوفَّى هي الأم احتياطاً حتَّى لو كان أولادهنَّ أكبر منه أو مساوين له في السِّن، يبقى أمر المتوفَّى لو كان هو الأب وكما هو الأصل في المسألة فلابدَّ من كون أولاد الأمَّهات الأخريات أصغر ممَّا فرضناه في المسألة.

(مسألة 556) لا يجب قضاء ما فات عن الميِّت ممَّا وجب عليه سابقاً أن يقضيه عن غيره كما لو كان وليَّاً لميِّت قبله أو مستأجراً للقضاء عن غيره، إلاَّ أنَّه لو كان مال الإجارة مثلاً موجوداً في تركته ولم يقض ما استؤجر عليه فبالإمكان مراجعة أصحاب الإجارة في ذلك للاستئجار من قبلهم عن ميِّتهم إن شاء ولي الثَّاني، وإلاَّ أرجع ذلك المال إلى أصحابه بعد إشعارهم بهذا الأمر.

ص: 169

(مسألة 557) لو أخذت المباشرة شرطاً في الإجارة ومات الأجير قبل إتيانه العمل المستأجر عليه، فإن لم يفصل بين الإجارة وموته زمن يتمكَّن فيه من الإتيان بالعمل بطلت الإجارة من أصلها، ويجب على وارث الأجير رد الأجرة المسمَّاة من تركته إلى أهلها، وإن حصل فصل زمني معتد به كان عليه أداء أجرة مثل العمل من تركته وإن كانت أكثر من الأجرة المسمَّاة لسبب التَّفريط بالتَّأخير ولو للاحتمال الظَّاهري.

وإن لم تشترط المباشرة بقيت الإجارة على صحَّتها ويجب على وارث الأجير الاستئجار من تركة الميِّت كما في سائر الدُّيون، فإن لم تكن له تركة لم يجب على الوارث شيء وبقيت ذمَّة الميِّت مشغولة بالعمل أو المال ولو على أقل احتمال في التَّقصير.

(مسألة 558) لا يختص وجوب القضاء على الولي بما إذا كان مستحقِّاً للإرث من الميِّت، بل يجب عليه وإن كان ممنوعاً من الإرث منه لقتل أو رق أو ارتداد.

(مسألة 559) لو كان الولد الذَّكر حال موت أبيه صبيَّاً أو مجنوناً فيجب القضاء عليه بعد بلوغه أو عقله.

(مسألة 560) إذا مات الولد الأكبر بعد موت والده الَّذي عليه فوائت فلا يجب القضاء عنه على أكبر إخوته ممَّن بعده إلاَّ بنحو الاحتياط الاستحبابي، ولا يجب إخراج أجرة عن الميِّت من تركة الولد.

(مسألة 561) إذا تبَّرع شخص بالقضاء عن الميِّت سقط الوجوب عن الولد الأكبر، وكذا يسقط لو استأجره الولي أو الوصي من مال الميِّت - المسموح به وصيَّة أو تبرُّعاً من الورثة لو لم تكن وصيَّة - أو من مال آخر وتفرغ ذمَّة الميِّت بفعل الأجير، ولابدَّ من الاطمئنان بالإتيان أو إحرازه بمحرز آخر، وإلاَّ لم يسقط عن الولي، ومن ذلك ما لو تعيَّن عليه شخصيَّاً دون غيره لكون صلاته أكثر ضبطاً وأصح قراءة ونحو ذلك.

(مسألة 562) إنَّما يجب على الولي قضاء ما يعلم فواته عن الميِّت، وأمَّا

ص: 170

لوشكَّ في الفوات لم يجب القضاء عنه بشيء، وإذا علم بالفوات وشكَّ في مقداره اقتصر على الأقل وإن كان الأحوط استحباباً الإكثار منه ويشتد الاحتياط فيما لو احتمل الأكثر، وإذا علم أنَّ على الميِّت فوائت ولم يدر أنَّها فاتت لعذر - كالغفلة والنِّسيان والنَّوم - أو لغير عذر وجب القضاء عنه على الأحوط.

(مسألة 563) لا يجب الفور في القضاء عن الميِّت ما لم يبلغ حد الإهمال.

الفَصْلُ الثَّالِث صَلاَةُ الاِسْتِئجَار

(مسألة 564)

يجوز الاستئجار للعبادات

- الواجبة والمستحبَّة - عن الأموات صلاة كانت أم غيرها وتفرغ ذمَّتهم بفعل الأجير وصيَّاً كان المستأجر أو وليَّاً أو وارثاً أو أجنبيَّاً، كما يجوز إيقاع الجعالة عليها ولكن لا يكون ذلك لازماً بل يجوز الرُّجوع للجاعل قبل عمل العامل.

(مسألة 565) يجوز الاستئجار عن الإحياء في بعض المستحبَّات كما مرَّ في النِّيابة.

(مسألة 566) يجب على من عليه صلاة أو صيام عن غيره وظهرت عليه إمارات الموت المبادرة إلى قضاءهما كما مرَّ في حكم المكلَّف الأصيل، فإن لم يتمكَّن من القضاء وجب عليه الإيصاء باستئجار من يقضيها عنه على ما فصِّل، وعلى الوصي إخراجها من الثُّلث إن كانت للموصي تركة، وأمَّا إذا لم تكن لديه تركة فلا يجب على الوصي ولا على الورثة القيام بقضاءهما مباشرة أو بالاستئجار من مالهما كما مرَّ.

نعم على ولده الأكبر قضاء ما فاته - كما مرَّ - بالمباشرة أو بالاستئجار من ماله لو لم يقدر عليها وإن لم يوص به الميِّت، وهذا بخلاف الحج والواجبات الماليَّة كالزَّكاة والخمس والكفَّارات والمظالم وغيرها فيجب إخراجها من أصل المال إذا لم يف بها الثُّلث أوصى بها أم لا.

(مسألة 567) يشترط في الأجير - فيما لو اشترط مباشرته العمل بنفسه - ما

ص: 171

يشترط في النَّائب، وكذا يعتبر عليه ما يعتبر على النَّائب وقد مرَّ ذكرهما في الأحكام ص 167.

(مسألة 568) لا يعتبر في الأجير العدالة، بل يكفي كونه ثقة مأموناً يطمئنُّ بإتيانه العمل على الوجه الصَّحيح وإن كان ذلك أحوط استحباباً.

(مسألة 569) إذا طرأ العجز على الأجير انتظر زمان القدرة والتَّمكُّن من العمل وإذا ضاق الوقت ممَّا لا مجال فيه للقدرة انفسخت الإجارة.

(مسألة 570) إذا كانت الإجارة مقيَّدة بمباشرته العمل بنفسه فلا يجوز أن يستأجر غيره للعمل، أو يرضى بتبرُّع متبرِّع عنه، ويجوز ذلك إذا كانت الإجارة مطلقة، وعليه فإذا استأجر شخصاً فلا يجوز بأقل من الأجرة الَّتي في إجارة نفسه إلاَّ إذا أتى ببعض العمل وبقي بعضه الآخر أو كان الاستئجار بغير جنس الأجرة مع الاحتياط بالمماثلة القيميَّة على الأقل.

(مسألة 571) إذا عيَّن المستأجر للأجير مدَّة معيَّنة لإتيان العمل فيها في ضمن عقد الإجارة فلم يأت بالعمل - كلِّه أو بعضه - وجب الاستئذان من المستأجر لإتيان العمل بعدها، فلو أتى بالعمل بدون أذنه لم يستحق الأجرة وإن برئت ذمَّة المنوب عنه بذلك.

أمَّا إذا كان تعيين المدَّة زائداً على الإجارة في الواقع لأجل الحثِّ على المسارعة في العمل - مثلاً - ولو في الجملة لدلالة القرينة - ولو كانت مقاميَّة - على ذلك، فلا تبطل الإجارة بتأخير العمل، إلاَّ أنَّه يكون للمستأجر حق الفسخ ويكون للأجير أجرة المثل.

(مسألة 572) لو لم يعيِّن كيفيَّة العمل من حيث الاشتمال على المستحبَّات فلابدَّ من العملعلى النَّحو المتعارف، ولو عيَّن بعض المندوبات - مثلاً - وجب الإتيان به، وإذا نسيه الأجير ولم يأت به نقص من الأجرة بنسبته.

(مسألة 573) إذا ظهر بعد العمل بطلان الإجارة جاز للأجير المطالبة بأجرة المثل لما قام به كلاًّ أو بعضاً، وكذا لو فسخت الإجارة لإقالة أو خيار غبن أو شرط ونحوهما.

ص: 172

(مسألة 574) إذا تردَّد العمل المستأجر عليه بين المتباينين ككون المتوفِّى مديناً قصراً أو تماماً وجب الاحتياط بالجمع بينهما، ولو دار بين الأقل والأكثر جاز الاقتصار على القدر المتيقَّن وهو الأقل وإن كان الأحوط استحباباً الزِّيادة.

(مسألة 575) إذا استؤجر أشخاص في آن واحد لقضاء صلوات عن الميِّت ولم يطلب تسلسل خاص في عملهم فلا يجب تعيين وقت مخصوص لكل واحد منهم وإن كان أحوط استحباباً حذراً من وقوع صلاتين في زمن واحد مع الإلتفات إلى ذلك ولو من قبل الأجيرين نفسهما لو أمكن - فمثلاً - أن يتعيَّن لأحدهم أن يصلِّي من الصُّبح إلى الزَّوال وهكذا ينبغي أن يعيَّن للآخر أن يصلِّي من الزَّوال إلى الليل أو بالعكس.

كما يستحب - إحتياطاً - كذلك تعيين الصَّلاة الَّتي يبتدئ بها في كل مرَّة، كأن يعيِّن أن يكون أوَّل صلاة يصلِّيها هي الظُّهر فيختم الدَّورة بالصُّبح - على ما هو الأحوط عندنا - أو يعيِّن أن تكون بداية الدَّورة صلاة الصُّبح فيختمها بالعشاء على ما يراه الآخرون حسب المعيَّن من عملهم ليكون العمل مقارباً للمقصود الرَّاجح.

وكذا يستحب أن يشترط عليهم الإتيان بصلوات يوم كامل في كل دورة فإن بقيت ناقصة أسقطوها من الحساب واستأنفوا دورة جديدة.

هذا كلُّه في حالة عدم العلم بالتَّسلسل الطَّبيعي للفريضة المطلوبة، أمَّا لو حصل علم بوجوبها كالسَّنة الكاملة أو الأكثر أو الأقل فلابدَّ من القضاء متسلسلاً على نحوها وعلى المستأجر إعلام الأجير بذلك لو لم يعلم ومع علم الأجير يجب عليه ذلك وإن لم يعلمه المستأجر.

ص: 173

صَلاَةِ الجُمعَة

وهي وإن لم يؤلف ذكرها في بعض الرَّسائل العمليَّة الَّتي لبعض الفقهاء رضوان الله عليهم - حتَّى لو قالوا بوجوبها التَّخييري مثلاً أو باستحبابها على الأقل ولم يمنعوها في زمن الغيبة الكبرى للحجة المنتظر (عجَّل الله تعالى فرجه الشَّريف) في كتبهم أو بحوثهم العمليَّة - لبعض الموانع الزَّمنيَّة المعرقلة لها بسبب عدم بسط اليد لإقامة الحدود والتَّعزيرات وبسط الكلمة الَّتي لا تجعل خطبتي هذه الصَّلاة المهمَّة مأثِّرة في الجماهير، ولحصول مشاكل أخرى من هنا وهناك في أمر تطبيقها الشَّرعي التَّام، لكونها ذات علاقة بما مضى وبشروط عامَّة وخاصَّة أخرى آتية ذات حسَّاسيَّة دينيَّة خاصَّة مع هذه المجتمعات الحاضرة المختلفة في أهواءها والمدعومة في تخلُّف الكثير منها إن لم نقل الأكثر من القوى المعادية للدِّين الحنيف داخلاً وخارجاً من بلادنا الإسلاميَّة العريقة، بحيث لو لم تطبَّق على أحسن وجه شرعي لما نفعت نفعها المطلوب حينما لم تكن واجبة بسبب عدم توفُّر تلك الشُّروط.

فنحن نذكرها هنا مع من ذكرها من الآخرين (رحم الله الماضين وحفظ الباقين)، إضافة إلى ما ذكرناه في موسوعتنا العلميَّة، وللأسباب الشَّرعيَّة المناسبة لمستقبل الأيَّام ولخلو السَّاحة من بعض من كان يتصدَّى لمنعها وللصَّحوة الدِّينيَّة الَّتي تعطي الأمل الإيجابي للانتفاع بها بإذن الله وتوفيقاته بتجمُّعاتها المهيبة، ولكن على أساس من الوجوب التَّخييري في زمن الغيبة هذه لا أكثر مع توفُّر الشُّروط اللازمة بكاملها كما سيجيء وعدم وجود الموانع منها، وإلاَّ فتتعيَّن الظهر، وإن كان من الرَّاجح فعلها استحباباً حتَّى مع عدم توفر شروطها تماماً وبما لا يمنع من الإلتزام بصلاة الظهر بعد ذلك، شريطة توفُّر عدالة الإمام مع بقيَّة شروط إمامة الجماعة، لما في هذه الأيَّام من الفوائد المرجوَّة المشار إليها أعلاه.

ص: 174

كَيفِيَّتُها

(مسألة 576)

كيفيَّة صلاة الجمعة هي كونها مؤلَّفة من ركعتين كصلاة الصُّبح، دون أن يكون معهما الرِّكعتان الأخيرتان لصلاة الظهر الأصل، على أن يكون بدلهما خطبتان وعظبَّتان مأثِّرتان قبل الصَّلاة يفصل بينهما استراحة بجلسة خفيفة مثلاً، ولابدَّ أن يكون الخطيب هو الإمام احتياطاً، كما لابدَّ من طهارته من الحدث والخبث في ثوبه وبدنه أثناء الخطبة.

ففي أولى الخطبتين: يذكر الإمام بعد حمد الله تعالى والثَّناء عليه والصَّلاة على النَّبي 5 وآله عَلَيْهِم السَّلاَمُإيصاء المسلمين ونفسه بتقوى الله في السِّر والعلن والورع عن محارم الله حتَّى في موارد الشُّبهات، ونحو ذلك من موارد الوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر والدَّعوة إلى الاعتصام بحبل الله جميعاً وإلى نبذ الفرقة واعتداء بعضهم على البعض وفي جميع المجالات، وبالأخص أمام العدو الواحد، وهو الكافر الطامع ومن يتآمر معه من المنافقين وأعداء المذاهب الخمسة ونحو ذلك من النَّواصب وأضرابهم، ثمَّ يختم الخطبة بإحدى السِّور القصار.

وفي ثانيهما: وهي كما في الأولى بعد الفاصل المذكور مع ذكر مدح النَّبي 5 وبقيَّة المعصومين من آله والأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ وذكر مآثرهم لأنَّهم الأسوة والقدوة، والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، مع التَّكيُّف النَّافع والمفيد في الخطبتين لفظاً ومضموناً، ثمَّ يختم ذلك بسورة قصيرة كذلك.

على أن لا يعدو ذكر كل ما جرى وما يجري من المشاكل والمخالفات للشَّريعة المقدَّسة في بلادنا الإسلاميَّة العزيزة من الفرادى والجماعات، لتكافح في نفس الأسبوع الآتي إسلاميَّاً مع ما ذكرناه من بسط اليد وبسط الكلمة، ومع عدم ذلك تكون الصَّلاة المتعيِّنة في وجوبها هي الظهر ولا يبقى في أمر الجمعة إلاَّ الاستحباب مع الإلتزام بصلاة الظهر بعد إقامتها ولو عند العودة إلى المنزل.

(مسألة 577) يجب - على الأحوط - الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة.

ص: 175

(مسألة 578) يستحب أن يقرأ في الرِّكعة الأولى من صلاة الجمعة بعد الفاتحة سورة الجمعة، وفي الثَّانية بعد الفاتحة سورة المنافقين.

(مسألة 579) يستحب في صلاة الجمعة قنوتان، الأوَّل في الرِّكعة الأولى بعد القراءة وقبل الركوع، والثَّاني في الرِّكعة الثَّانية بعد الرُّكوع حين الانتصاب منه.

شُروطُ صَلاَةِ الجُمعَةِ

لصلاة الجمعة شروط وجوب وشروط صحَّة، أمَّا شروط وجوبها فهي: -

1- حصول الوقت المناسب لها وهو زوال الشَّمس الصَّحيح ولولاه كحالة التَّأخر بمقدار أداءها الاعتيادي فضلاً عن التَّقدم لم تكن الصَّلاة واجبة ولا صحيحة.

2 - اجتماع سبعة أشخاص على الأقل إحتياطاً أحدهم الإمام، وإن قال البعض بصحَّتها بالخمسة.

3 - وجود الإمام الجامع لشرائط الإمامة الآتي تفصيلها في الكلام عن صلاة الجماعة.

4 - إمكان الإلتزام بكيفيَّتها مع الخطبتين على أساس من التَّأثير بهما في الجماهير ببسط اليد وبسط الكل مة للتَّأثير الَّذي يجب أن يحرز كما أشرنا، وإلاَّ فلا تكون واجبة ولا يبقى إلاَّاستحبابها فيما لو قلَّ نفعها مع ضمِّ الظهر إليها بعد ذلك.

وأمَّا شروط صحتَّها فهي: -

1 - الجماعة، لعدم صحَّة صلاة الجمعة بدونها كذلك حتَّى لو كانت مستحبَّة، ويجزي فيه ادراك الإمام في الركوع الأوَّل أو القيام من الركعة الثَّانية فيأتي مع الإمام بركعة وبعد فراغه يأتي بركعة أخرى، والأحوط عدم الاجتزاء

ص: 176

بإدراكه في ركوع الركعة الثَّانية، فيأتي بعد ذلك بصلاة الظهر.

2 - أن لا يكون الفاصل بين جمعة وأخرى أقل من فرسخ (ست كيلو مترات) وإلاَّ فلو أقيمتا مقترنتين في زمن واحد لبطلتا جميعاً، أمَّا لو سبقت أحداهما الأخرى كانت السَّابقة هي الصَّحيحة دون الثَّانية لو كان الوقت الخاص داخلاً.

3 - قراءة خطبتين قبل الصَّلاة على ما مرَّ ذكره على أن تكون الخطبتان بعد الزَّوال.

(مسألة 580) معنى الوجوب التَّخييري هو جواز أن لا يصلِّيها المكلَّف في زمن الغيبة الكبرى المذكورة حسب تصميمه على أداء صلاة الظهر، إلاَّ إذا صمَّم على صلاة الجمعة باختياره المباح له وحضر جماعتها وتوفَّرت شروطها فلا يجوز له التَّخلُّف حينئذ، بخلاف الوجوب العيني المحكوم به على كل من كان في زمن الإمام المعصوم أو نائبه الخاص في ذلك.

(مسألة 581) يعتبر في وجوب الحضور مع ما ذكرناه أمور: -

1 - الذكورة، فلا يجب على الإناث.

2 - الحريَّة، فلا يجب على العبيد.

3 - الحضور في الوطن وما يلحق به، فلا يجب على المسافر المقصِّر في صلاته.

4 - السَّلامة من المرض والعمى، فلا يجب على المريض والأعمى.

5 - عدم الشيخوخة، فلا يجب على الشَّيخ الكبير.

6 - أن لا يكون الفصل المكاني بين المكلَّف وبين الجمعة المقامة أزيد من فرسخين، فإن حصل ذلك فلا يجب الحضور، ويلحق به من كان حضوره حرجيَّاً بمطر أو برد أو نحوهما وإن لم يكن الفصل بهذا المقدار.

(مسألة 582) لو شك في بعض شروطها أنَّه تحقَّق أم لا من غير شروط إمامة الجمعة المفروع عن وجوب تحقُّقها ولو مع وجود بعض الظواهر الإيجابيَّة للجمعة فالأحوط ضم الظهر إليها.

ص: 177

(مسألة 583) لابدَّ أن يكون لها أذان واحد، لأنَّ الثَّاني بدعة يحرم الإلتزام به، إلاَّ إذا لم تتوفَّر شروطها فلابدَّ من بقاء مشروعيَّة أذان صلاة الظهر على حالها.

(مسألة 584) من وجبت عليه الصَّلاة بتصميمه عليها كما مرَّ وما حضر لأدائها وصلَّى الظهر صحَّت صلاته وعليه الاستغفار.

(مسألة 585) تجب العربيَّة في الخطبتين في الأساس وعلى كل من يفهمها من العرب وغيرهم، وإلاَّ فلابدَّ من ذلك في الحمد والثَّناء والصَّلاة على النَّبي 5 وآله عَلَيْهِم السَّلاَمُ، وعلى السَّامعين التَّعرف عليها ليفهمونها في مثل ما نوَّهنا عليه من أسباب بقاء وجوب هذه الصَّلاة في هذه الأيَّام، ومن لم يفهمها عربيَّة أصلاً من الأعاجم فلا مانع من ترجمتها لهم من غير ما استثنيناه.

(مسألة 586) على الإمام أن يسمع الحاضرين جميعاً، وبالأخص مع توفُّر وسائل الإيصال الحديثة.

(مسألة 587) يجب الإصغاء إلى الخطبتين مع توفُّر شروط وجوب هذه الصَّلاة المذكورةوفهم المقصود من قبل الحاضرين، وإلاَّ فلا يجوز التَّشاغل بشيء أخر على الأقل ولو تعبُّداً.

(مسألة 588) تجزي الصَّلاة لو فاتت المكلَّف الخطبتان مع الاحتياط بصلاة الظهر بعد ذلك.

(مسألة 589) يحرم البيع والشِّراء وقت النِّداء الواجب وإن صحَّ التَّعامل لو حصل وعلى من فعل ذلك الاستغفار، ولا يحرم في غير الواجب ولكنَّه مكروه.

ص: 178

صَلاَةِ الآيَات

سميِّت بذلك لأنَّ أسبابها المذكورة فيما يأتي علامات دالَّة على أهوال السَّاعة وأخاويفها وزلازلها وتكوير الشَّمس والقمر وذكرنا لها كأمثلة للتَّذكير بذلك اليوم.

(مسألة 590) صلاة الآيات ركعتان وتجب - بالكيفيَّة الآتية - لأحد الأسباب التَّالية:-

1- كسوف الشَّمس ولو كان جزئيَّاً.

2- خسوف القمر وإن كان جزئيَّاً.

3- الزِّلزلة.

ولا يشترط في هذه الأمور أن تكون موجبة للرُّعب والخوف.

4- الرَّعد والبرق وهبوب الرِّياح السَّوداء والحمراء والصَّفراء والظُّلمة الشَّديدة والصَّاعقة والصَّيحة والنَّار الَّتي تظهر في السَّماء، وإنَّما تجب الصَّلاة لهذه الأمور من هذا السَّبب الرَّابع إذا تسبِّب منها الخوف أو الرُّعب لأكثر النَّاس، وكذلك كل مخوف أرضي كالخسف والهدَّة.

(مسألة 591) يجب تكرار صلاة الآيات بتعدُّد الأسباب الموجبة لها، فلو حدث سببان أو أكثر كالكسوف والزِّلزلة مثلاً وجبت الصَّلاة مرَّتين.

(مسألة 592) لو تعدَّدت الأسباب الموجبة لتعدُّد الصَّلاة فإن كانت متَّحدة بحسب النَّوع ولم يصلِّها في وقتها كالزِّلزلتين فلا يجب تعيينها حين الصَّلاة، ولكن يستحبُّ تعيينها للحدث الأوَّل ثمَّ للحدث الثَّاني إحتياطاً، وكذلك في الرَّعد والبرق والرِّياح السَّوداء والحمراء وأمثالهما.

أمَّا لو كانت مختلفة بحسب النَّوع كما لو وجبت عليه صلاة الكسوف والخسوف والزِّلزلة فالأحوط وجوباً تعيين كل واحدة منها.

(مسألة 593) تجب صلاة الآيات عند حدوث أسبابها على كل مكلَّف،

ص: 179

أمَّا الحائض والنَّفساء فتسقط الصَّلاة في حال الكسوف والخسوف أداءاً وبعدهما قضاءاً، أمَّا الزِّلزلة أو الرَّعد أو البرق وأمثالها فيجب عليها الإتيان بصلاة الآيات بعد نقاءها من الحيض أو النَّفاس.

(مسألة 594) يختص وجوب الصَّلاة على أهل المدينة الَّتي حصلت فيها الآية الموجبة لذلك أو المخوفة، ويلحق بها ما يشترك معها من البقاع في رؤية الآية بحسب النَّوع والخوف كالبلد القريب المجاور، بخلاف البلد الكبير جدَّاً على نحو لا تحصل الرُّؤية في طرف منها عند وقوع الآية في الطَّرف الآخر فيختص الحكم بالطَّرف الَّذي وقعت فيه الآية فقط إلاَّ في الآيات الموجبة وإن لم تكن مخوفة فقد يتَّسع حكمها على بلاد واسعة أكثر ممَّا قلنا حسب البقعة الأرضيَّة المناسبة كما في مثل الكسوف والخسوف لشمول آيتيهما إلى ما هو أوسع من غيرهما.

(مسألة 595) يبتدئ بصلاة الآيات من حين حدوث الآية، ويستمر وقتها الأدائي في الكسوفين إلى حين الأخذ في الانجلاء على الأحوط وجوباً ويدركها أداءاً ولو بإدراك ركعة، فلو كانت المدَّة أقل من مستوى ركعة أو أخرها إلى أن أخذ القرص في الانجلاء أو تمَّ الانجلاء فيأتي بها بقصد القربة المطلقة من غير تعرُّض للأداء والقضاء.

وفي الزِّلزلة أو سائر الآيات المخوفة فليس لنهايتها وقت محدَّد، بل تجب المبادرة إلى الصَّلاة بمجرَّد حصول الآية ويحرم تأخيرها، فإن عصى ولم يصلِّها فيستمر وقتها إلى آخر العمر على نحو الأداء كما مرَّ.

(مسألة 596) لو لم يعلم بالكسوف أو الخسوف إلاَّ بعد أن حصل الانجلاء فإن كاناحتراق القرص جزئيَّاً لم يجب على المكلَّف القضاء، وإن كان كليَّاً أو علم بالاحتراق وأهمل الصَّلاة وجب قضائها، وكذا لو أتى بصلاة الآيات في وقتها ثمَّ انكشف فسادها فإنَّه يجب قضاءها بعد انتهائه.

(مسألة 597) يثبت وجوب صلاة الآيات بالعلم كرؤية الكسوف أو الخسوف مثلاً بالعين وشهادة العدلين، بل شهادة الثِّقة الواحد المطمئن به.

ص: 180

(مسألة 598) لو أخبر جماعة بالكسوف أو الخسوف وكانوا ممَّن لا يوثق بقولهم فلا تجب صلاة الآيات، فإن انكشف بعد ذلك صدق قولهم فإن كان الاحتراق كليَّاً وجب القضاء وإن كان جزئيَّاً فلا يجب، والأحوط استحباباً القضاء أيضاً في حالة الجزئيَّة، وهكذا الحكم في صورة إخبار شخصين لم تثبت عدالتهما ثمَّ تبيَّن عدالتهما.

(مسألة 599) لو حدَّد علماء الفلك وأهل الفن وقت احتراق الشَّمس أو القمر ومدَّة بقائه ونوع الاحتراق (كليَّاً أو جزئيَّاً) وحصل الاطمئنان بقولهم وقد ظهرت بعض الإمارات المؤيدة، فالأحوط وجوباً العمل على طبقه والإتيان بصلاة الآيات في ذلك الوقت وعدم تأخيرها عن المدَّة المحدَّدة للأخذ في الانجلاء.

وتظهر فائدة الاطمئنان بقولهم بالنِّسبة للأعمى الَّذي لا يرى القرص أو الغبار والحواجز الأخرى عن الرُّؤية، وأمَّا مع الانكشاف وعدم الرُّؤية فلا وجوب وإن كان ذلك حاصلاً في بقعة أخرى من المعمورة.

(مسألة 600) من وجب عليه أداء فريضة يوميَّة واتَّفق حصول الآية ممَّا مرَّ فإن كان وقتهما واسعاً تخيَّر في تقديم أي منهما شاء، وإن ضاق وقتهما قدَّم اليوميَّة، وإن ضاق وقت أحدهما دون الأخرى وجب تقديمها.

(مسألة 601) لو كان المكلَّف يصلِّي اليوميَّة وفي أثناء الصَّلاة علم بضيق وقت صلاة الآيات فإن كان وقت اليوميَّة ضيِّقاً أيضاً أتمَّها ثمَّ اشتغل بصلاة الآيات ولو بإدراك ركعة أو بقضائها لو لم يدرك من وقتها شيئاً إن كانت ممَّا يجب قضاؤها، وإن كان وقت اليوميَّة واسعاً قطعها وقدَّم صلاة الآيات عليها.

(مسألة 602) لو شرع في صلاة الآيات وضاق وقت اليوميَّة قطع صلاة الآيات واشتغل باليوميَّة، وبعد الفراغ يكمل صلاة الآيات من حيث قطعها، بشرط أن يكون قبل الإتيان بمنافيات الصَّلاة، وإن كان الأحوط في حال سعة وقت الآيات إكمالها والإعادة من جديد.

ص: 181

كَيفِيَّةُ صَلاَةِ الآيَات

(مسألة 603)

صلاة الآيات ركعتان، وفي كل ركعة خمسة ركوعات بالطَّريقة التَّالية وهي:-

أن ينوي للصَّلاة، ثمَّ يكبِّر ويقرئ الحمد وسورة كاملة ويركع، ثمَّ يرفع رأسه من الرُّكوع ويقرئ الحمد والسُّورة كذلك، ثمَّ يركع وهكذا حتَّى يتم له خمسة ركوعات ثمَّ يرفع رأسه عن الرُّكوع الخامس، ويأتي بالسَّجدتين، ثمَّ يقوم ويأتي بالرَّكعة الثَّانية مثل ما فعل في الرَّكعة الأولى، وبعد ذلك يتشهَّد ويسلِّم، وبذلك قد تمَّت صلاته، فيكون المجموع عشر ركوعات وسجدتان بعد الخامس وسجدتان بعد العاشر.

(مسألة 604) يصح في كل ركعة الاكتفاء بسورة واحدة بعدما يقرأ الفاتحة، وذلك بتوزيعها على الرُّكوعات الخمسة، بأن يقرأ منها آية أو أكثر ويركع ثمَّ يرفع رأسه وبدون أن يقرأ الحمد يقرأ آية أخرى من تلك السُّورة ويركع، وهكذا حتَّى يتم السُّورة فينحني للرُّكوع الخامس.

مثال ذلك أن يقول - بعد الفراغ من الحمد - [ بِسْمِ الله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ ] بقصد سورة الإخلاص ويركع أوَّلاً، ثمَّ يرفع رأسه منتصباً ويقول [قُلْ هُوَ الله أَحْد] وحدها بدون الفاتحة ويركع ثانياً، ثمَّ يرفع رأسه منتصباً ويقول [ الله

اَلصَّمَدْ] ويركع ثالثاً، ثمَّ يقوم منتصباً ويقول [ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ] ويركع رابعاً، ثمَّ يرفع رأسه منتصباً ويقول [وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤاً أَحَدْ] ويركع خامساً، ثمَّ يرفع رأسه منتصباً ويسجد السَّجدتين، ويفعل في الرَّكعة الثَّانية كما صنع في الأولى، ثمَّ يتشهَّد ويسلِّم، فيكون في كل ركعة الفاتحة مرَّة مع سورة تامَّة متفرِّقة على الرُّكوعات الخمس

(مسألة 605) الأحوط عند تفريق السُّورة بعد الفاتحة على الرُّكوعات عدم الاكتفاء بأقل من آية بل يقرأ آية بتمامها على الأقل.

(مسألة 606) لا مانع من تقسيم السُّورة في ركعة من الرِّكعتين كالأولى مثلاً وتكرار الحمد والسُّورة خمس مرَّات في الرَّكعة الأخرى.

ص: 182

(مسألة 607) في صورة توزيع السُّورة على الرُّكوعات لا يقرأ الفاتحة - كما مرَّ - إلاَّ مرَّة واحدة بعد تكبيرة الإحرام، إلاّ إذا أكمل سورة في القيام الثَّاني من تلك الرِّكعة الأولى مثلاً أو الثَّالث مثلاً، فإنَّه يجب عليه بعد الرُّكوع في القيام اللاحق الفاتحة ثمَّ سورة أو بعضها ليكملها إلى الخامس.

وهكذا كلما أتمَّ سورة وجبت الفاتحة في القيام اللاحق، بخلاف ما لو ركع عن بعض السُّورة، فإنَّه يقرأ من حيث قطع ولا يعيد الحمد كما عرفت، لكن لا يترك الاحتياط بإتمام السُّورة الَّتي يقرئها - فعلاً قبل الرُّكوع الخامس كما مرَّ، ولهذه الصَّلاة صور أخرى مذكورة في المطوَّلات.

(مسألة 608) ركوعات صلاة الآيات أركان كما في اليوميَّة فتبطل بزيادتها ونقصها عمداً أو سهواً.

(مسألة 609) صلاة الآيات حكمها حكم الصَّلاة الثُّنائيَّة في البطلان بالشَّك في عدد ركعاتها إن لم يستقر رأيه على طرف وفي الصَّحة بمثل الظَّن

لصالح إحدى الرِّكعتين لا ما يزيد عليهما.

(مسألة 610) كلَّما يجب في الصَّلاة اليوميَّة من الشّرائط والأجزاء والأذكار الواجبة يجبفي صلاة الآيات وكذلك ما يستحب في اليوميَّة يستحب فيها، غير أنَّ من المستحب أن يقال (الصَّلاة) ثلاث مرَّات بدل الأذان والإقامة كما في العيدين الآتي ذكرهما، كما تجري في الآيات أحكام السَّهو والشَّك في المحل وبعد تجاوز المحل ممَّا ذكر في اليوميَّة.

(مسألة 611) إذا شكَّ في عدد ركوعاتها لا ركعتيها بنى على الأقل كما لو شكَّ في أنَّه ركع أربعة أو خمسة مثلاً وجب الإتيان بالمشكوك ما دام لم يصل إلى السَّجدة مع وجوب إتيانه بالقيام المتَّصل بالرُّكوع، وأمَّا إن كان في السُّجود فلا يعتني بشكِّه لقاعدة التَّجاوز والتَّلبُّس بالرُّكن الآخر.

(مسألة 612) لو شكَّ بين الرُّكوع الأخير من الرَّكعة الأولى والركوع الأوَّل من الثَّانية ولم يستقر رأيه على طرف بطلت صلاته ممَّا قد يرجع الشَّك في الرَّكعات.

ص: 183

(مسألة 613) يستحب في صلاة الآيات أمور: -

1- القنوت بعد القراءة وقبل الرُّكوع الثَّاني والرَّابع والسَّادس والثَّامن والعاشر، ويجوز الاجتزاء بقنوت واحد قبل الرُّكوع العاشر، لأنَّ الصَّلاة في الحقيقة ثنائيَّة.

2- الجهر بالقراءة فيها ليلاً ونهاراً.

3- التَّكبير قبل كل ركوع وبعده إلاَّ بعد الرُّكوع الخامس والعاشر.

4- السَّمعلة وهي أن يقول (سمع الله لمن حمده) بعد رفع الرأس من الرُّكوع الخامس والعاشر.

5- الجماعة أداءاً وقضاءاً ويتحمَّل فيها الإمام القراءة فقط عن المأمومين كجماعة اليوميَّة.

6- التَّطويل فيها خصوصاً في كسوف الشَّمس أو تكرارها.

7- أن تقام تحت السَّماء.

8- أن تقام في المساجد بل في رحابها.

9- قراءة السُّور الطِّوال مثل يس والنُّور والرُّوم والكهف ونحوها.

ص: 184

صَلاَةِ الجَمَاعَة

صلاة الجماعة في أصلها من المستحبَّات الَّتي أكَّد عليها الشَّارع الأقدس في جميع الفرائض اليوميَّة وغيرها أدائيَّة وغيرها ومن ذلك الآيات وكذا الزِّلزلة، عدا ما ورد وجوبها فيه كما في صلاتي الجمعة والعيدين في حال وجوبهما كما في عصر الظُّهور أو الغيبة لو اجتمعت الشُّروط تامَّة على النَّحو التَّخييري في الجمعة والمفصَّل في محلِّه، وكذلك تجب لعارض كالنَّذر أو شبهه أو على المكلَّف الَّذي يجهل القراءة أو لغير ذلك.

ويتأكَّد استحبابها في الأدائيَّة مطلقاً وبالأخص الصُّبح والعشاءين، ولاسيَّما لجار المسجد، ومن يسمع الأذان، ولها من الثَّواب ما يبهر العقول ويؤنس الأسماع بخير المنقول، وقد ورد في فضلها وذم تاركها ما كاد أن يلحقها بالواجبات، ففي بعضها: -

((الصَّلاة في جماعة تفضل على صلاة الفذ - أي الفرد - بأربع وعشرين درجة))، بل في خبر: -

((قال رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ : أتاني جبرائيل مع سبعين ألف ملك بعد صلاة الظهر فقال: يا محمد إنَّ ربَّك يقرئك السَّلام وأهدى إليك هديَّتين لم يهدهما إلى نبيِّ قبلك، قلت: ما تلك الهديَّتان ؟ قال: الوتر ثلاث ركعات والصَّلوات الخمس في جماعة. قلت: يا جبرائيل، ما لأمَّتي في الجماعة ؟ قال: يا محمد، إذا كانا اثنين كتب الله لكل واحد بكل ركعة مائة وخمسين صلاة، وإذا كانوا ثلاثة كتبالله لكل واحد بكل ركعة ستمائة صلاة، وإذا كانوا أربعة كتب الله لكل واحد ألفاً ومائتي صلاة، وإذا كانوا خمسة كتب الله لكل واحد بكل ركعة ألفين وأربعمائة صلاة، وإذا كانوا ستة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة أربعة ألاف وثمانمائة صلاة، وإذا كانوا سبعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة ألاف وستمائة صلاة، وإذا كانوا ثمانية كتب الله لكل واحد منهم بكل

ص: 185

ركعة تسعة عشر ألفاً ومائتي صلاة، وإذا كانوا تسعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة ثمانية وثلاثين ألفاً وأربعمائة صلاة، وإذا كانوا عشرة كتب الله لکل واحد منهم بكل ركعة ستة وسبعين ألفاً وثمانمائة صلاة، فإن زادوا على العشرة فلو صارت السَّماوات كلها قرطاساً والبحار مداداً والأشجار أقلاماً والثَّقلان مع الملائكة كتَّاباً لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة، يا محمد تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام خير من ستِّين ألف حجَّة وعمرة، وخير من الدُّنيا وما فيها بسبعين ألف مرَّة، وركعة يصلِّيها المؤمن مع الإمام خير من مائة ألف دينار يتصدَّق بها على المساكين، وسجدة يسجدها المؤمن مع الإمام في جماعة خير من عتق مائة رقبة)).

وعن الصَّادق عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((الصَّلاة خلف العالم بألف ركعة وخلف القرشي بمائة)).

(مسألة 614) يستحب الانتظار وتأخير الصَّلاة حتَّى تنعقد الجماعة فيصلِّي معهم لأنَّها أفضل من صلاة المنفرد في أوَّل الوقت، كما أنَّ صلاة الجماعة مع الاختصار أفضل من صلاة المنفرد مع الإطالة.

(مسألة 615) من ابتلي بالوسوسة في صلاته الانفراديَّة ولم يتمكَّن من التَّخلُّص منها إلاَّ مع الجماعة فعليه أن يصلِّي جماعة وجوباً إذا توفَّرت الشَّرائط في إمامها.

(مسألة 616) لو أمر أحد الوالدين ولدهما بصلاة الجماعة فلا تجب عليه بمجرَّد الأمر إلاَّ إذا سبَّب ترك الأمر أذاهما فحينئذ تجب الجماعة، أمَّا لو أمر أحدهما الولد بترك الجماعة المستحبَّة وفعلَها كان عاصياً وعليه إعادة الصَّلاة، ومن ذلك الخوف عليه من بعض المشاكل.(مسألة 617) لا تجوز الجماعة في الصَّلوات المستحبَّة كالنَّوافل وإن وجبت بالعارض، إلاَّ في الاستسقاء والعيدين في زمن غيبة الإمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشَّريف) فتجوز الجماعة، بل هي المهمَّة في الأولى والمستحبَّة في الثَّانية.

(مسألة 618) لا يشترط في صحَّة الجماعة إتِّحاد صلاة الإمام والمأموم،

ص: 186

فيجوز الإقتداء في إحدى الصَّلوات اليوميَّة بمن يصلِّي الأخرى، كما لو كان الإمام يصلِّي العصر والمأموم يصلِّي الظُّهر وبالعكس، ولا يضر اختلافهما في الأداء والقضاء والجهر والإخفات أو القصر والتَّمام، وكذلك يجوز الإقتداء في صلاة الآيات بمن يصلِّيها وإن اختلفت الآيتان كالخسوف والكسوف ولو كانت الثَّانية قضاءاً.

أمَّا الإقتداء بمن يقضي الصَّلاة اليوميَّة عن نفسه أو غيره بأجرة فيجوز إن كان القضاء قطعيَّاً، وأمَّا لو كان احتماليَّاً فمشكل والاحتياط لا يترك بالاجتناب عن الإئتمام في هذا المقام.

(مسألة 619) يشترط في الإقتداء بالإمام عدم اختلاف نوعي صلاتيهما من حيث اليوميَّة وغيرها، فلا يجوز إقتداء من يصلِّي اليوميَّة بمن يصلِّي العيدين أو الآيات مثلاً، وكذلك من يصلِّي العيدين بمن يصلِّي الاستسقاء وبالعكس للاختلاف النَّوعي أيضاً.

أمَّا من يصلِّي الصَّلوات الاحتياطيَّة فيشكل الإقتداء به إلاَّ في ما لو اتَّحدت الجهة الموجبة للاحتياط، كما لو علم الإمام والمأموم علماً إجماليَّاً بوجوب القصر أو التَّمام في حقِّهما فيجوز أن يصليَّا جماعة لكلا طرفي العلم الإجمالي.

(مسألة 620) الأحوط وجوباً ترك صلاة الطَّواف جماعة.

(مسألة 621) لا يجوز للمأموم الإقتداء بصلاة الإمام إلاَّ بعد العلم بنوعيَّة صلاة الثَّاني وأنَّها هل كانت واجبة أو نافلة حتَّى لا يقتدى به في النَّافلة.

(مسألة 622) لا يجوز للمنفرد العدول أثناء صلاته إلى الإئتمام.

(مسألة 623) يدرك المصلِّي الجماعة بدخوله في الصَّلاة من أوَّل قيام الإمام للرَّكعة ممَّا بعد التَّكبير إلى نهاية ركوعه وإن فرغ من الذِّكر، فلو اقتدى بالإمام في حال قيامه وأثناء القراءة أو بعدها قبل الرَّكوع وأثناءه قبل أن يرفع رأسه وإن انتهى من الذِّكر صحَّت صلاته وجماعته وتحسب له ركعة، بل تصح جماعته حتَّى لو التحق به بعد الرُّكوع كالتحاقه به في السُّجود وإن لم تحسب له ركعة وذلك فيما لو اتَّفق أنَّه تأخَّر عن متابعة الإمام في الرُّكوع ولم يلحق به

ص: 187

أثناءه، وإن فعل ذلك وجبت عليه متابعته في غيره ممَّا بعده إن اختار هذا المقدار، ولكن إذا قام يبدأ بالفاتحة والسُّورة للرِّكعة الأولى إذا قام الإمام في إكمال صلاته معه أو ينفرد إذا أنهى صلاته.

(مسألة 624) يمكن إدراك فضيلة الجماعة حال كون الإمام في السَّجدة الأولى أو الثَّانية من الرَّكعة الأخيرة بأن ينوي الإئتمام ويكبِّر ويسجد معه السَّجدة ويتابعه فيتشهَّد فقط معه بنيَّة القربة المطلقة ثمَّ يقوم بعدما يسلِّم الإمام ويستأنف الصَّلاة بنيَّة جديدة ويكبِّر للإحرام من جديد ويحصل له بذلك فضل الجماعة وإن لم تحسب له الرَّكعة معه.

وكذلك يمكن إدراك الفضيلة بإدراك الإمام وهو في التَّشهُّد الأخير من الرَّكعة الأخيرة بأن يكبِّر تكبيرة الإحرام ويجلس معه ويتشهَّد معه بدون تسليم بنيَّة القربة المطلقة ثمَّ يقوم بعدما يسلِّم الإمام بلا حاجة إلى استئناف التَّكبير ويحصل له بذلك فضل الجماعة وإن لم تحسب له ركعة لكن التَّكبير أحوط استحباباً.

(مسألة 625) لو هوى المصلِّي إلى الرُّكوع في حال رفع الإمام رأسه منه فيعتبر غيرمدرك للجماعة ولكن يجوز له أن يصبر حتَّى يصلِّ الإمام إلى ركوع الرَّكعة الثَّانية فيقتدي به ويجعله مبدأ صلاته إذا لم يعتبر هذا الصَّبر مخلاًّ بموالاة الصَّلاة، وإلاَّ فلابدََّّ أن ينوي الإنفراد.

(مسألة 626) إذا هوى إلى الرُّكوع معتقداً إدراك الإمام في ركوعه ثمَّ تبيَّن عدم إدراكه بطلت صلاته، وكذا لو شكَّ في إدراكه وعدمه، وإن كان الأحوط في صورة الشَّك الإتمام والإعادة.

(مسألة 627) لو أراد الإقتداء بالجماعة وهي على بعد كثير منه وكان الإمام في حال الرُّكوع وخاف فوات الجماعة فيجوز أن يكبِّر للإحرام ويركع وهو في مكانه ثمَّ يمشي حال ركوعه أو حال القيام ويلتحق بالصَّف، بشرط أن لا ينحرف عن القبلة في المشي إلى الأمام أو إلى الخلف أو إلى أحد الجانبين، وأن يترك الاشتغال بالقراءة وغيرها ممَّا يعتبر فيه الطَّمأنينة حال المشي.

ص: 188

(مسألة 628) الأحوط وجوباً عدم العدول من الإئتمام إلى الإنفراد إذا كانت الجماعة واجبة عليه كما مرَّ، وأمَّا إذا لم تكن الجماعة واجبة عليه فيجوز الإنفراد في الأثناء حتَّى لو كان قصد الإنفراد قبل الشُّروع في الصَّلاة على الأقوى لكن الأولى والأحوط عدم العدول إلاَّ لضرورة دينيَّة أو دنيويَّة خصوصاً في الصُّورة الثَّانية.

(مسألة 629) إذا نوى الإنفراد بعد انتهاء الإمام من القراءة سواء كان لعذر أو لا فلا يجب عليه القراءة والأحوط استئنافها بقصد القربة المطلقة، وأمَّا لو كان في أثناء القراءة فالأحوط وجوباً عليه القراءة من الأوَّل.

(مسألة 630) من نوى الإنفراد في أثناء الجماعة لا يجوز له الرُّجوع إليها، وأمَّا إذا تردَّد في قصد الإنفراد وعدمه ثمَّ عزم على إتمام الصَّلاة مع الجماعة صحَّت صلاته.

(مسألة 631) إذا شكَّ المأموم في أنَّه نوى الإنفراد أم لا بنى على عدم الإنفراد.

شُرُوطُ اِنعِقَادِ الجَمَاعَة

(مسألة 632)

يشترط في انعقاد صلاة الجماعة أربعة أمور: -

الأوَّل: أن لا يكون بين الإمام والمأموم حائل وكذا بين بعض المأمومين مع البعض الآخر ممَّن يكون لهم واسطة في الاتِّصال بالإمام عدا الحائل ما بين المرأة والرَّجل.

(مسألة 633) لا فرق في الحائل المانع بين السِّتار والجدار والشَّجر بل حتَّى الإنسان سواء كان واقفاً ومستقرَّاً أو متحرِّكاً في مكانه كما في الصَّلاة الانفراديَّة.

(مسألة 634) لا بأس بالحائل غير المستقر كمرور إنسان، أمَّا لو اتَّصلت المارَّة أمام المصلِّي في حال الجماعة فيعتبر حائلاً وتبطل صلاته.

ص: 189

(مسألة 635) إذا كان الإمام في محراب ذا جدار من جانبيه وليس خلفه مأموم فلا يجوز لمن يقف على طرفي المحراب (اليمين واليسار) الإقتداء بالإمام لو كان الجدار ذلك مانعاً من رؤية الإمام والاتصال به.

(مسألة 636) لا تصح صلاة الواقف خلف الاسطوانة إذا لم يتَّصل بالإمام بواسطة شخص متَّصل به سواء عن يمينه أو يساره.

(مسألة 637) يصح الإئتمام ممَّن في جانبي الصَّف الأوَّل، وإن لم يروا الإمام بسبب طول الصَّف الكثير أو لضعف البصر، وكذا لو كان المصلُّون لا يرون الصَّف الأمامي.(مسألة 638) إذا كان الإمام رجلاً والمأموم امرأة فلا بأس بوجود حائل بينهما أو بينها وبين الرِّجال المأمومين لو كانت في الخلف، بل هو واجب فيما لو كان الفاصل بينها وبينهم أقل من خطوة، بل يتعيَّن ذلك إذا كانت في أحد الجانبين معهم احتياطاً إذا لم تبتعد عنهم بما يزيد على الخطوة، وإذا كان الإمام امرأة والمأمومات نساء فيعتبر أن لا يكون بينهما حائل كما بين الرِّجال.

(مسألة 639) ليس من الحائل الظُّلمة أو الغبار الغليظ المانعان من الرُّؤية، وكذلك النَّهر والطَّريق إذا لم يكونا سبباً للبعد الممَّنوع عنه في الجماعة كما إذا كان في النَّهر جسر وفي الطَّريق مأمومون متَّصلون بالإمام، وكذلك الشَّبابيك المفتوحة وإلى حدٍّ قريب من الأرض ونحوها.

(مسألة 640) الثَّوب الرَّقيق حائل وإن لم يمنع من المشاهدة وكذلك الزُّجاج على الأحوط.

(مسألة 641) الفصل بالصَّبي المميِّز سواء كان مأموماً أو جالساً وكان الفاصل أضعف من مربض شاة غير مضر بصحَّة الجماعة، ولو كان بفاصل مربض شاة يكون مبطلاً، هذا كلُّه في الصَّف الأوَّل على الأكثر، وأمَّا في غيره فالأمر سهل يسير في أكثر الحالات وهي حالة الاتِّصال المتوفِّر ما بين الصُّفوف المتأخِّرة مع الأوَّل.

ص: 190

الثَّاني: أن لا يتباعد المأموم عن الإمام أو عن الصَّف المتقدِّم المتَّصل به - الَّذي يكون واسطة للاتَّصال بالإمَّام - بما يكون كثيراً بحسب العادة، والأحوط - إن لم يكن أقوى - عدم الفصل بين مسجد المأموم وموقف الإمام، أو بمن يتَّصل به بأكثر من الخطوة المتعارفة.

(مسألة 642) إذا عرض الفصل الكثير بين المأموم والإمام أو من يتَّصل بواسطته بالإمام انقلبت صلاة المأموم إلى الإنفراد، وكذا لو انتهت صلاة الصَّف المتقدِّم أو قصدوا الإنفراد انقلبت صلاة الصَّف المتأخِّر إلى الإنفراد وإذا عملوا بعد ذلك بوظيفة المنفرد صحَّت صلاتهم.

(مسألة 643) الأحوط وجوباً أن يصبر الصَّف المتأخِّر حتَّى يتم إقتداء الصَّف المتقدِّم فإذا كبَّر المتقدِّم كبَّر المتأخِّر، ولا يكفي تهيؤ أصحابه في الإقتداء مثل حالة تهيؤ أصحاب الصَّف الأوَّل المعروف فيما بينهم ليصح تكبيرهم حتَّى لو كان قبل الأوَّل، وكذلك المأموم الواحد الَّذي يتَّصل بالإمام بواسطة مأموم آخر فإنَّه لابدَّ أن يكون تكبيره بعده.

الثَّالث: أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأموم علوَّاً معتدَّاً به، سواءاً كان دفعيَّاً كالأبنية أم تسريحيَّاً قريباً من التَّسنيم كسفح الجبل أو الهضبة، ولا يضر الارتفاع اليسير كأن يكون دفعيَّاً يسيراً كأربعة أصابع - مثلاً - أو تسريحاً يصدق معه انبساط الأرض.

أمَّا المأموم فيجوز ارتفاع موقفه عن موقف الإمام إلاَّ إذا كان الارتفاع كثيراً بحيث لا يصدق معه الاجتماع عرفاً.

الرَّابع: أن لا يتقدَّم المأموم على الإمام في الموقف، ومن ذلك ما لو كان المأمومون في بيت الله الحرام من جميع الجهات فصلاة الَّذي أمامه تكون باطلة وإن صحَّت في حال الإنفراد، والأحوط الاستحبابي تأخُّره عنه ولو يسيراً، أمَّا إذا كان المأموم أطول قامة من الإمام فألاحوط وجوباً أن يقف على نحو لا يتقدَّم على الإمام في الرُّكوع والسُّجود، لأنَّه في ركوعه أو سجوده قد يبدو

ص: 191

تقدُّمه على الإمام.

(مسألة 644) الشُّروط المذكورة آنفاً شروط في الابتداء والاستدامة، فلو فقد المقتدي شيئاً منها في الأثناء بطلت الجماعة، أمَّا لو شكَّ في الأثناء في بطلان صلاة أحد المأمومين أوأحد الصُّفوف الأماميَّة بسبب فقدان أحد الشُّروط مثلاً بعد العلم بتحقُّقه الإجمالي ابتداءاً فيجوز الإقتداء خلفها ولا يعتني بشكِّه.

(مسألة 645) إذا دخل في الجماعة مع وجود أحد الموانع الماضية كالحائل مثلاً جهلاً بذلك بطلت جماعته، فإن التفت في الأثناء قبل أن يصدر منه ما ينافي الصَّلاة منفرداً ولو سهواً صحَّت صلاته منفرداً، وكذا لو علم بها بعد الفراغ من الصَّلاة إذا لم يصدر منه ما ينافي الصَّلاة منفرداً.

(مسألة 646) أقل ما تنعقد به الجماعة اثنان أحدهما الإمام، إلاَّ ما خصَّت به الجمعة والعيدان على ما فصِّل في محلِّه.

شُرُوطُ إِمَامَة الجَمَاعَة

(مسألة 647)

يشترط في إمام الجماعة بعد إحراز مقدِّمات الصَّلاة وشرائطها أن تتوفَّر فيه الأمور الآتية: -

1- البلوغ إذا كان المأموم بالغاً، ويصح إمامة الصَّبي المميِّز لمثله.

2- العقل.

3- الإيمان، أي أن يكون إماميَّاً إثنا عشريَّاً.

4- طهارة المولد، أي لا تكون ولادته عن حرام كالزِّنا.

5- العدالة(1)(1).

6- أن يحسن القراءة، فلا تجوز إمامة من لا يحسن القراءة مطلقاً فضلاً عن الأخرس للنَّاطق، ويعرف ذلك بعدم تأدية الحرف من مخارجه أو إبداله بغيره أو اللحن (الغلط والتَّغيير) في الإعراب وإن كان عن عذر شرعي لعدم استطاعته

ص: 192


1- (1) مرَّ تعريف العدالة في مسألة 5.

مثلاً، هذا في مورد تحمُّل الإمام القراءة عن المأموم، وأمَّا الإئتمام في مورد عدم تحمُّله كالرَّكعتين الأخيرتين مع التَّشهُّد والتَّسليم وذكري الرُّكوع والسُّجود، فالإمام الَّذي يحسن ما يجب عليه في الرِّكعتين الأوَّليَّتين لا تضر ظاهراً في جماعته عدم حسن ما يقرؤه في الأخيرتين، ولكن الأحوط وجوباً اجتناب مثل جماعته لو علم أمره مسبقاً.

7- الرُّجولة، فيما لو كان المأموم ذكراً أو أنثى، فلا تصح إمامة المرأة إلاَّ للمرأة كما مرَّ.

8- أن تكون صلاة الإمام عن قيام إذا كانت صلاة المأموم عن قيام أو عن جلوس أو اضطجاع، فلا تجوز إمامة الجالس للقائم، ولا بأس بإمامة الجالس للجالس أو المضطجع، كما لا يجوز العكس، ويصح إمامة المضطجع لمثله.

(مسألة 648) تحرز عدالة الإمام بالوثوق والاطمئنان بوجودها أو بغيرهما من الأمور المحرزة، فلا تجوز الصَّلاة خلف الفاسق أو مجهول الحال.

(مسألة 649) إذا كان عالماً بعدالة شخص ثمَّ شكَّ في بقاء عدالته فلا يعتني بشكِّه ويجوز له الإقتداء به.(مسألة 650) تزول العدالة بارتكاب المعصية الكبيرة والإصرار على الصَّغيرة(1)1).

(مسألة 651) يجوز الإقتداء بالإمام الَّذي يصلِّي في لباس نجس ضرورة، أو مع التَّيمُّم إذا كان معذوراً من وضوؤه تماماً لا من شكَّ في أمره فجمع بين الوضوء والتَّيمُّم إحتياطاً في بعض حالاته، وكذا من توضئ بوضوء الجبيرة بسبب عذر شرعي، لكن كلُّ ذلك حالة الضَّرورة إلى الإقتداء كعدم صحَّة قراءة المأموم وضبط الإمام، وأمَّا في عدمها فالأحوط الانفراد.

(مسألة 652) يجوز الإقتداء بالمسلوس أو المبطون مع توظُّفهما بوظيفتهما،

ص: 193


1- (1) سيأتي معنى الكبيرة والصَّغيرة وتعداد الكبائر في كتاب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.

وكذا لغير المستحاضة أن تقتدي بالمستحاضة إذا عملت بوظيفتها،والأحوط كون ذلك عند الحاجة

(مسألة 653) الأحوط وجوباً أن لا يتصدَّى المجذوم والأبرص لإمامة الجماعة.

(مسألة 654) يجوز إئتمام الأفصح بالفصيح والفصيح بغيره إذا كان يؤدِّي القدر الواجب لكون عدم فصاحته في غير ما يمارسه من القراءة مثلاً في جماعتهمع الاحتياط كما مر.

(مسألة 655) لو اختلف الإمام والمأموم في حكم أجزاء الصَّلاة وشرائطها - بحسب الاجتهاد أو التَّقليد - فإن علم المأموم بطلان صلاة الإمام واقعاً ولو بحسب الطُّرق المعتبرة شرعاً عنده لا يصح الإئتمام به كما لو دخل الإمام في الصَّلاة معتقداً دخول وقتها والمأموم يعتقد بعدم الدُّخول فلا يجوز دخول المأموم معه في الصَّلاة إلاَّ بعد دخول وقتها أثناء الصَّلاة، وإن لم يعلم المأموم ببطلان صلاة الإمام واقعاً جاز الإئتمام به وصحَّت الجماعة.

(مسألة 656) لو اختلفا في الأمور الخارجيَّة كطهارة الماء - كما إذا اعتقد المأموم نجاسة الماء الَّذي توضَّأ منه الإمام - فلا يجوز الإئتمام به، لبطلان صلاة الإمام عند المأموم لافتقارها إلى الرُّكن الشَّرطي وهو الطَّهور، إذ (لا صلاة إلاَّ بطَهور) حتَّى وإن اعتقد الإمام صحَّتها جهلاً أو سهواً، أمَّا لو اختلفا في الثَّوب كأن يعتقد المأموم نجاسته والإمام يرى طهارته فيجوز الإقتداء به لعدالته، ولعدم كون صلاة الإمام باطلة عند المأموم لصحَّة الصَّلاة في الثَّوب النَّجس جهلاً عنده لو كان، حيث أنَّ الإمام جاهل بنجاسة ثوبه - مثلاً -.

(مسألة 657) إذا اختلف الإمام والمأموم فيما يتحملًّه الإمام كالقراءة كما إذا اعتقد الإمام عدم وجوب السُّورة - مثلاً - في الصَّلاة واعتقد المأموم وجوبها، لم يجز للمأموم أن يأتمَّ به قبل إتمام القراءة، نعم يجوز له الإئتمام به إذا ركع.

(مسألة 658) لو تبيَّن بعد الصَّلاة أنَّ الإمام لم يكن جامعاً للشَّرائط -

ص: 194

كأن يكون فاسقاً أو محدثاً أو غير ذلك ممَّا يخرجه عن أهليَّة الإمامة - صحَّت صلاة المأموم إن لم يزد ركناً أو نحوه ممَّا يخل بصلاة المنفرد مع صلاة الإمام، وأمَّا لو ترك جزءاً غير ركني من الصَّلاة كالقراءة فإنَّه يكون كتركها سهواً لا يضر بصحَّة صلاته، نعم لو اعتقد المأموم بطلان صلاة الإمام قبل الإئتمام فلا يجوز الإقتداء به وعليه الاعادة، بل الأحوط ذلك حتَّى في أصل المسألة وعليه الإعادة لو فعل، بل الأحوط ذلك حتَّى في فرض أصل المسألة.

أَحْكَامُ الجَمَاعَة

(مسألة 659)

يجب على المأموم أن يعيِّن الإمام عند النِّيَّة ولا يلزم معرفة اسمه، بل يكفي نيَّة الإقتداء بالإمام الحاضر المعلوم توفُّر الشُّروط فيه، ولا يجب على الإمام أن ينوي الإمامة والجماعة في الصَّلوات المفروضة إلاَّ في صلاتي الجمعة والعيدين، لاشتراط الجماعة فيتحقُّقهما مع ثبوت الوجوب، نعم تحقُّق ثواب الجماعة للإمام في بقيَّة الصَّلوات يتوقَّف على نيَّتها.

(مسألة 660) إذا شكَّ المأموم في نيَّة الإقتداء وعدمها فإن كانت هناك قرائن تدل على الإقتداء فالأظهر عدم الاعتناء بشكِّه، وإن لم تكن هناك قرائن فالأحوط وجوباً أن ينوي الإنفراد ويتم صلاته.

(مسألة 661) لا يجوز في أثناء الصَّلاة نقل نيَّة الإقتداء من إمام إلى إمام آخر اختياراً، نعم يخرج عن هذا الحكم ما لو عرض للإمام عارض يمنعه من إتمام الصَّلاة مثل ما يوجب بطلان صلاته فيجوز أن يقتدي المأموم بإمَّام آخر مكانه من تلك الجماعة.

(مسألة 662) إذا نوى الإقتداء بخصوص زيد - مثلاً - فبان عمرواً وكان يعتقد بعدالته أيضاً فصلاته وجماعته صحيحتان وإن تبيَّن خلاف إعتقاده وهو حضور زيد، أمَّا لو لم يعتقد بعدالة عمرو بطلت جماعته وصحَّت صلاته لو لم يقع فيها ما يبطلها لو انفرد.

ص: 195

(مسألة 663) يجب على المأموم متابعة الإمام في الأفعال كالرُّكوع والسُّجود من دون أن يتقدَّم عليه أو يتأخَّر عنه تأخيراً فاحشاً، فلو ترك المتابعة عمداً كان آثماً وبطلت جماعته فيجب أن يتمََّّها منفرداً مع الاحتياط الاستحبابي بإعادتها، نعم إذا ركع عمداً في حال قراءة الإمام بطلت صلاته إن لم يكن قرأ لنفسه قبل الرُّكوع، وكذا لو رفع رأسه من الرُّكوع أو السُّجود عمداً قبل الإمام ولم يأت بالذِّكر متعمِّداً فصلاته باطلة، أمَّا الَّذي قرأ لنفسه وركع عمداً والَّذي رفع رأسه من الرُّكوع عمداً وقرأ ذكره فصلاته صحيحة بإنفراد.

(مسألة 664) لا يتحمَّل الإمام عن المأموم شيئاً من أفعال الصَّلاة وأقوالها إلاَّ القراءة - الحمد والسُّورة - في الرِّكعتين الأوَّليتين في حال إئتمامه به - ولو في واحدة منهما لو نسي الأخرى الإمام وقرأها المأموم أو التحق المأموم في أثناء السُّورة - وتكون قراءته مجزية عن المأموم.

(مسألة 665) لا يجب متابعة المأموم للإمام في جميع أقوال الصَّلاة، بل يستحب إلاَّ في تكبيرة الإحرام فلا يجوز أن يتقدَّم فيها على الإمام، بل الأحوط استحباباً أن يؤخِّرها حتَّى ينتهي الإمام من التَّكبيرة.

(مسألة 666) يتعيَّن على المأموم ترك القراءة - الحمد والسُّورة - في الرِّكعتين الأوَّليتين من الصَّلوات الاخفاتيَّة - الظُّهر والعصر - على الأحوط وجوباً حتَّى لو بعد عن المأموم ولم يسمع حتَّى الهمهمة، بل يستحب الاشتغال بالذِّكر والتَّسبيح والصَّلاة على النَّبي وآله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ بدل القراءة.

وأمَّا في الأوَّليتين من الصَّلوات الجهريَّة فتسقط القراءة كما لا يخفى إن كان يسمع صوت الإمام - ولو بواسطة مكبِّرة الصَّوت (السَّمَّاعة) - أو همهمته - من دون تمييز القراءة - بل ينصت إليه على الأحوط وجوباً، وإن لم يسمع منه حتَّى الهمهمة جازت له القراءة على أن تكون بقصد القربة المطلقة.

(مسألة 667) من أراد أن يقتدي بإمام جماعة وهو في الرِّكعة الثَّالثة أو الرَّابعة ويعلم أنَّه لو اقتدى وقرء الحمد يفوته ركوع الإمام فالأحوط الوجوبي أن يصبر حتَّى يركع الإمام ثمَّ يقتدي به، وليس عليه القراءة حينئذ.

ص: 196

(مسألة 668) إذا أدرك المأموم الإمام في الرَّكعتين الأخيرتين من بدايتهما وجبت على المأموم قراءة الحمد والسُّورة، فإذا علم بعدم إدراك الرُّكوع لو قرأ السُّورة اقتصر على الحمدفقط، وإن علم بفوات المتابعة في حال إتمام الحمد أيضاً وعدم الرُّكوع معه فالأحوط الإنفراد.

(مسألة 669) يجب على المأموم الإخفات في القراءة في الرَّكعتين الأخيرتين، فإن جهر متعمِّداً بطلت صلاته وإن جهر نسياناً أو جهلاً صحَّت صلاته.

(مسألة 670) لو اقتدى المأموم بإمام الجماعة ولكن لا يعلم أنَّ الإمام كان في الأوَّليتين أو الأخيرتين فيجب عليه أن يقرأ الحمد والسُّورة لكن بقصد القربة المطلقة، فإن تبيَّن كونه في الأخيرتين وقعتا في محلِّهما وإن تبيَّن كونه في الأوَّليتين لم تضرُّه قراءتهما.

(مسألة 671) لو اقتدى المأموم بالإمام في ركعته الثَّانية سقطت عنه القراءة - الحمد والسُّورة - وحسبت له الرَّكعة الأولى من صلاته، ويتبع الإمام في قنوته وجلوسه للتَّشهُّد، لكن يجلس متجافياً على الأحوط وجوباً - وهو أن يعتمد على أصابع يديه ومقدَّم قدميه ولا يضع ركبتيه على الأرض - مسبِّحاً الله تعالى مدَّة انتظاره، بل يستحب له التَّشهد.

ثمَّ يقوم مع الإمام فتكون الثَّالثة للإمام والثَّانية للمأموم على أن يقرأ فيها الحمد والسُّورة إن علم سعة وقت المتابعة، وإن لم يعلم حتَّى للحمد وحدها فالأحوط الوجوبي أن ينوي الإنفراد ويعمل بوظيفة المنفرد أو يتمَّها ويلتحق بالإمام في السُّجود كما مرَّ في مسألة (670).

(مسألة 672) لو التحق بالإمام وترك قراءة الحمد والسُّورة باعتقاد أنَّ الإمام في الرَّكعة الأولى أو الثَّانية وأنَّه يجب عليه أن يترك القراءة في ذلك ثمَّ ظهر كونه في الأخيرتين لا فيما سبق صحَّت صلاته، وأمَّا لو انكشف الحال قبل الرُّكوع فلابدَّ أن يأتي بالحمد والسُّورة أو الحمد وحدها إن لم يسعه الوقت ليلتحق بركوع الإمام، وكذا لو قرأ الحمد والسُّورة بزعم أنَّ الإمام في الثَّالثة أو الرَّابعة ثمَّ تبيَّن كون الإمام في الأولى أو الثَّانية صحَّت صلاته.

ص: 197

(مسألة 673) لو ركع المأموم قبل الإمام سهواً فإن علم بأنَّه إن رجع يدرك مقداراً من قراءة الإمام فيجب عليه أن يرفع رأسه ثمَّ يركع متابعاً الإمام في ركوعه الأصلي وتكون صلاته صحيحة مع الاحتياط الاستحبابي بإعادة الصَّلاة، فإن لم يرجع للمتابعة عمداً فالأحوط الوجوبي إن يتم الصَّلاة منفرداً ثمَّ إعادتها، وإن علم بأنَّه لا يدرك مقداراً من قراءة الإمام لو رجع لمتابعته فقد جوَّز البعض له أن يصبر حتَّى يركع الإمام ثمَّ يتابعه في البواقي ولكنَّ الأحوط منه أن يرفع رأسه بقصد متابعة الإمام ليركع معه وإن سبقه الإمام صدفة إلى الرُّكوع حين رفع رأسه.

(مسألة 674) لو رفع المأموم رأسه من الرُّكوع قبل الإمام سهواً وجب عليه الرُّجوع - حتَّى بعد الإتيان بالذِّكر على الأحوط إن كان الإمام بعد في الرُّكوع - متابعة له ولا تضر زيادة الرُّكن - أي الرُّكوع - هنا في الصَّلاة كما مرَّ بيانه في الموارد السَّبعة، فإن لم يرجع إليه سهواً أو بتخيُّل عدم درك الإمام فصلاته صحيحة، أمَّا لو رجع إلى الرُّكوع للمتابعة فرفع الإمام رأسه قبل وصول المأموم حدَّ الرُّكوع فالأقرب البطلان والأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة.

(مسألة 675) لو سجد المأموم قبل الإمام سهواً فيجوز أن يصبر حتَّى يسجد الإمام ثمَّ يتابعه، ولكن الأحوط أن يتابع الإمام بأن يرفع رأسه من السُّجود بعد الإتيان بالذِّكر ثمَّ يسجد مع الإمام ويتابعه.

(مسألة 676) لو رفع المأموم رأسه من السَّجدة قبل الإمام سهواً وجب عليه العود إلى السَّجدة متابعة للإمام، وهكذا لو حصل ذلك منه في السَّجدة الثَّانية وزيادة الرُّكن هنا مغتفرة كما مرَّ، فإن لم يرجع إليها سهواً أو بتخيُّل عدم إدراك الإمام فصلاته صحيحة.

(مسألة 677) لو رجع المأموم إلى السُّجود - بعد رفعه سهواً قبل الإمام - وكان قبل أن يسجد رفع الإمام رأسه فالأحوط إتمام الصَّلاة ثمَّ إعادتها، أمَّا لو تكرَّر ذلك في كلتا السَّجدتينفالأقرب بطلان الصَّلاة لزيادة الرُّكن إن كان تساهلاً وإلاَّ فهو مغتفر.

ص: 198

(مسألة 678) لو رفع المأموم رأسه من السَّجدة فرأى الإمام ساجداً فعاد إلى السُّجود للمتابعة متخيِّلاً أنَّها السَّجدة الأولى للإمام، فتبيَّن أنَّها الثَّانية له فصلاته صحيحة ويعد المأموم تلك السَّجدة ثانية له.

أمَّا إذا تخيَّل أنَّها السَّجدة الثَّانية للإمام وسجد معه بنيَّة الثَّانية ثمَّ انكشف له أنَّها الأولى للإمَّام فيجب عليه أن يتمَّها مع الإمام ثمَّ يتابعه في سجوده الثَّاني، مع الاحتياط الاستحبابي في الصُّورتين بإتمام الصَّلاة بنيَّة الجماعة ثمَّ إعادتها.

(مسألة 679) لو أتى الإمام سهواً بالتَّشهُّد أو القنوت في الرَّكعة الَّتي ليس فيها تشهُّد أو قنوت فلا يجوز للمأموم متابعته في ذلك، ولا يجوز أيضاً أن يقوم أو يركع قبل الإمام في حال تشهُّده أو قنوته السَّهويين، بل يجب أن يصبر حتَّى ينتهي الإمام من القنوت أو التَّشهُّد ثمَّ يتابعه.

(مسألة 680) لو ترك الإمام في أثناء الصَّلاة جلسة الاستراحة - مثلاً - لعدم كونها واجبة عنده - اجتهاداً أو تقليداً - وكانت عند المأموم واجبة - اجتهاداً أو تقليداً - لم يجز للمأموم أن يتركها ولو أدَّت إلى أن ينوي الإنفراد.

مُسْتَحبَّاتُ صَلاَةِ الجَمَاعَة

(مسألة 681) يستحب في صلاة الجماعة أمور:

1- وقوف المأموم على يمين الإمام ولو كان رجلاً واحداً، وأمَّا إذا كان امرأة فتقف على يمين الإمام كذلك، ولكن مع التَّأخُّر عنه مقداراً أو خلف حائل بحيث يكون موضع سجودها محاذياً لقدميه، وإن كان المأموم رجلاً واحداً وامرأة - أو نساء - فيستحب أن يقف الرَّجل على يمين الإمام وتقف النِّساء خلف الإمام، وإن كانوا رجالاً أو نساء فيستحب وقوفهم خلف الإمام، وإن كانوا رجالاً ونساءاً وقف الرِّجال خلف الإمام والنِّساء خلف الرِّجال، ويستحب أن تقف المرأة الواحدة بحذاء الإمام إن كان الإمام امرأة.

ص: 199

2- وقوف الإمام في وسط الصَّف.

3- وقوف أهل الفضل في العلم والكمال والعقل والورع والتَّقوى في الصَّف الأوَّل.

وفي ذلك فائدة وهي ما لو أصاب الإمام ما يبطل صلاته يكون تقدُّم من يكمل صلاة المأمومين من هذا الصَّف سهلاً يسيراً أكثر ممَّا لو كان في الصفوف الأخرى.

4- تنظيم الصُّفوف وتسويتها.

5- عدم الفصل بين المأمومين في صف واحد والمحاذاة بين منكب كل من المأمومين.

6- قيام المأموم عند قول المؤذن ((قد قامت الصَّلاة)) قائلاً (اَللَّهُمَّ أَقِمْهَا وَأَدمْهَا وَاِجْعَلْنِي مِنْ خَيرِ صَالِحِي أَهْلِهَا).

7- مراعاة حال أضعف المأمومين وعدم تطويل القنوت والرُّكوع والسُّجود إلاَّ مع العلم برغبة جميع المأمومين في ذلك.

8- رفع الإمام صوته عند قراءة الحمد والسُّورة - في الصَّلوات الجهريَّة - والأذكار بحيث يسمعه المأموم بشرط أن لا يخرج عن المتعارف وهو من مفاد قوله تعالى [وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (110)].

9- إذا كان الإمام في الرُّكوع وعلم بمن يريد الإقتداء به فيستحب له تطويل الرُّكوع ضعف المقدار المتعارف عنده، ولا يستحب التَّطويل أكثر من ذلك، وإن علم بوجود شخص آخر يريدالإقتداء به.

مَكرُوهَاتُ صَلاَة الجَمَاعَة

(مسألة 682) يكره في صلاة الجماعة أمور:-

1- وقوف المأموم وحده خلف الإمام لو لم يشأ كونه على يمينه مع وجود موضع له في الصُّفوف، ومع امتلاء الصُّفوف فليقف آخر الصُّفوف أو حذاء الإمام لو كان متقدِّماً بتمام على الصَّف.

ص: 200

2- التَّنفُّل بعد قول المقيم ((قد قامت الصَّلاة))، بل حتَّى عند الشروع في الإقامة، وكذلك التَّكلُّم بغير ذكرالله .

3- أن يخص الإمام نفسه بالدُّعاء كقوله اللَّهمَّ اغفر لي مع أنَّ الوارد اللَّهمَّ اغفر لنا.

4- رفع المأموم صوته بالأذكار بحيث يسمعه الإمام.

5- إقتداء الحاضر بالمسافر الَّذي وظيفته القصر، إلاَّ في موارد الحاجة الشَّرعيَّة.

6- إقتداء المسافر في الصَّلاة المقصورة بالحاضر، إلاَّ في موارد الحاجة الشَّرعيَّة.

ص: 201

الصَّلوَاتِ المُسْتَحبَّة

وهي كثيرة نذكر المؤكَّد عليها: -

1- النَّوافل اليوميَّة النَّهاريَّة الرَّاتبة، وهي أهمُّها، وقد تقدَّم ذكرها في أوَّل كتاب الصَّلاة.

2- صلاة اللَّيل

وقد ورد في فضلها من الكتاب والسنَّة الشَّريفة الصَّحيحة ما لا يحصى قال تعالى في وصف مصليِّها [تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)]

وعن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ (شَرفُ المؤمنِ صَلاته باللَّيل وعزُّه كفُّه عن أَعرَاض النَّاس).

وعنه أيضاً (الرَّكعتَانِ في جَوفِ الليل أحبُّ إليَّ من الدُّنيا وما فيها).

وعن الصَّادق عَلَيْهِ السَّلاَمُ عن آبائه عَلَيْهِم السَّلاَمُ قال قال رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ما زال جبرئيل يوصيني بقيام الليل حتَّى ظننت أن خيار أمَّتي لن يناموا).

وعن الصَّادق عَلَيْهِ السَّلاَمُ (ما من عمل حسن يعمله العبد إلاَّ وله ثواب في القرآن إلاَّ صلاة الليل فإنَّ الله لم يبيِّن ثوابها لعظيم خطره عنده).

وهي إحدى عشرة ركعة يصلِّي عشر ركعات كل ركعتين بسلام كصلاة الصُّبح وتسمى الأخيرتان بركعتي الشفع ثمَّ يصلِّي ركعة واحدة وتسمى بالوتر فيصير المجموع إحدى عشرة ركعة.

(مسألة 683) يستحب في قنوت صلاة الوتر قراءة الدُّعاء المأثور عن أبي الحسن موسى بن جعفر عَلَيْهِ السَّلاَمُ (هَذَا مَقَامُ مَنْ حَسَنَاتُهُ نِعْمَةٌ مِنْكَ وَشُكْرُهُ ضَعِيفٌ

ص: 202

وَذَنْبُهُ عَظِيمٌ وَلَيْسَ لِذَلِكَ إِلاَّ رِفْقُكَ وَرَحْمَتُكَ فَإِنَّكَ قُلْتَ فِي كِتَابِكَ اَلمُنْزَلِ عَلَى نَبِيِّكَ اَلمُرْسَلِ صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ [كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)] طَاَلَ وَالله هُجُوعِي وَقَلَّ قِيَامِي وَهَذَا السَّحَرُ وَأَنَا أَسْتَغْفِرُكَ لِذُنُوبِي اِسْتِغَفَارَ مَنْ لاَ يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرَّاً وَلاَ نَفْعَاً وَلاَ مَوْتَاً وَلاَ نُشُورَاً).

كما يستحب أن يدعو في القنوت في الوتر بدعاء الفرج وهو: -

(لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله اَلحَلِيمُ الكَرِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله اَلعَلِّيُ اَلعَظِيمُ سُبْحَانَ الله رَبِّ اَلسَّمَاوَاتِ اَلسَّبْعِ وَرَبِّ الأَرَضِينَ اَلسَّبْعِ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ وَمَا فَوْقَهُنَّ وَمَا تَحْتَهُنَّ وَرَبِّ اَلعَرْشِ اَلعَظِيمِ وَسَلاَمٌ عَلَى اَلمُرْسَلِين وَالحَمْدُ لله رَبِّ اَلعَالَمِين).

وأن يستغفر لأربعين مؤمناً أمواتاً أو أحياءاً فيقول: (اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِفُلان).

وأن يقول سبعين مرَّة ((أستغفر الله )) والأفضل أن يقول ((أَسْتَغفِرُ الله الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ اَلحَيِّ اَلقَيُّومُ ذُو اَلجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ لِجَمِيعِ ظُلْمِي وُجُرْمِي وَإسْرَافِي عَلَى نَفْسِي وَأَتُوبُ إِلَيهِ)) ثمَّ يقول ((هَذَا مَقَامُ اَلعَائِذِ بِكَ مِنَ اَلنَّار)) سبع مرَّات.

ثمَّ يقول ((رَبِّ أَسَأتُ وَظَلَمْتُ نَفْسِي وَبِئْسَ مَا صَنَعَتُ، وَهَذِي يَدَايَ جَزَاءٌ بِمَا كَسَبَتَا، وَهَذِي رَقَبَتِي خَاضِعَةٌ لِمَا أَتَيْتُ وَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيكَ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ نَفْسِيَ اَلرِّضَا حَتَّى تَرَضْى لَكَ اَلعُتْبَى لاَ أَعُود)).

ثمَّ يقول العفو ثلاثمائة مرَّة ويقول ((رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ اَلتَّوَابُّاَلرَّحِيم)).

وهذه المأثورات لا تعتبر شرطاً لصحَّة الوتر، بل يجوز ترك ما تقدَّم والإتيان بأدعية أخرى أو الاجتزاء ببعض ما مرَّ، وإن كان الأفضل الإتيان بما ذكر.

3 - صلاة العيدين

وهي مستحبَّة في زماننا هذا - زمن الغيبة الكبرى - جماعة وفرادى ووقتها من طلوع الشَّمس - من يوم الفطر أو الأضحى - إلى الزَّوال، ولا قضاء لها لو

ص: 203

فاتت، لكنَّ الأفضل في الأولى كونها في الصُّبح الباكر بعد الطُّلوع والثَّانية في الضُّحى.

وهي ركعتان: يقرأ في كل واحدة منهما سورة الحمد وسورة من القرآن، والأفضل أن يقرأ في الرَّكعة الأولى ((سورة الشَّمس)) وفي الرَّكعة الثَّانية ((سورة الغاشية)) أو يقرأ في الرَّكعة الأولى سورة ((سبِّح أسم ربِّك الأعلى)) وفي الرَّكعة الثَّانية سورة ((الشَّمس)) ويكبِّر بعد السُّورة في الرَّكعة الأولى خمس تكبيرات ويأتي بخمس قنوتات بعد كل تكبيرة قنوت.

وفي الرَّكعة الثَّانية يكبِّر أربع تكبيرات ويأتي بأربع قنوتات بعد كل تكبيرة قنوت، ويجزي في القنوت كل ما جرى على اللِّسان من ذكر أو دعاء كسائر الصَّلوات، والأفضل الدُّعاء بما ورد: -

((اَللَّهُمَّ أَهْلَ اَلكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ، وَأَهْلَ اَلجُودِ وَالجَبَرُوتِ، وَأَهْلَ اَلعَفْوِ وَاَلرَّحْمَةِ، وَأَهْلَ اَلتَّقْوَى وَالمَغْفِرَةِ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذَا اَليَومِ اَلَّذِي جَعَلَتُهُ لِلمُسِلِمِينَ عِيدَاً، وَلمِحُمَّدٍ1 ذُخْرَاً وَشَرَفَاً وَكَرَامَةُ وَمَزِيدَاً، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى محمد وَآَلَ محمد، وَأَنْ تُدْخِلَنِي فِي كُلِّ خَيْرٍ أَدْخَلْتَ فِيهِ محمداً وَآَلَ محمد، وَأَنْ تُخْرجَنِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ أَخْرَجْتَ مِنْهُ محمداً وَآَلَ محمد، صَلَوَاتُكَ عَلَيهِ وَعَلَيهِمْ أجْمَعِين، اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا سَأَلَكَ بِهِ عِبَادُكَ اَلصَّالِحُونَ وَأَعُوذُ بِكَ مِمَّا اِسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ اَلمُخْلِصُون)).

ثمَّ يأتي الإمام بخطبتين بعد الصَّلاة يفصل بينهما بجلسة خفيفة، وقد بيَّنَّا تفصيلهما موجزاً في آخر كتاب الصَّوم وفي مناسك الحج المفصَّلة فلتطلب من هناك، ويجوز له تركهما للاستحباب لا للوجوب.

ويستحب فيها الجهر بالقراءة للإمام والمنفرد، ورفع اليدين حال التَّكبير، والإصحار بها إلاَّ في مكَّة.

ويكره أن يصلِّي تحت السَّقف، ولا يتحمَّل الإمام في هذه الصَّلاة إلاَّ القراءة.

(مسألة 684) لو أتى بموجب سجود السَّهو فيها فالأحوط إتيانه وإذا شكَّ

ص: 204

في جزءٍ منها وهو في المحل أتى به ولو تجاوز مضى، وإذا شكَّ في عدد التكبيرات والقنوتات بنى على الأقل وليس في هذه الصَّلاة أذان ولا إقامة، بل يستحب أن يقول المؤذن (الصَّلاة) ثلاثاً.

4 - صلاة الغفيلة

وهي ركعتان بعد صلاة المغرب وقبل صلاة العشاء، سميِّت بذلك لغفلة النَّاس عن جزيل ثوابها.

يقرأ فيها بعد سورة الحمد في الرَّكعة الأولى الآية الشَّريفة: -

[وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)].وفي الرَّكعة الثَّانية يقرأ بعد الحمد الآية الكريمة: -

[وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وََلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)].

ثمَّ يقنت ويقول:-

]اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمَفَاتِحِ اَلغَيبِ اَلَّتِي لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ أَنْتَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى محمد وَآلَ محمد - فيذكر حاجته ثمَّ يقول - اَلَلَّهُمَّ أَنْتَ وَلِيُّ نِعْمَتِي وَالقَادِرُ عَلَى طَلِبَتِي تَعْلَمُ حَاجَتِي فَأَسْأُلُكَ بِحَقِّ محمِّد وَآلِهِ عَلَيهِ وَعَلَيهِمْ اَلسَّلامُ لَمَّا قَضَيتَهَا لِي[.

ويجوز جعلها من نافلة المغرب فيقصد بها النَّافلة أيضاً.

ص: 205

5 - صلاة جعفر الطَّيَّاررضي الله عنه

وتسمَّى أيضاً ب- (صلاة الحبوة) وفضلها كثير، فعن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أنَّه قال لابن عمِّه جعفر بن أبي طالب (إنِّي أعلمُّك شيئاً إن أنت صنعته في كل يوم كان خيراً لك من الدُّنيا وما فيها، فإن صنعته بين يومين غفرالله لك ما بينهما، أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة غفر لك ما بينهما) فعلَّمه هذه الصَّلاة.

وكيفيَّتها هي أربع ركعات بتسليمتين يقرأ في كل ركعة سورة الحمد وسورة، ثمَّ يقرأ التَّسبيحة ((سُبْحَانَ الله وَالحَمْدُ للهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَالله أَكْبَر)) خمس عشرة مرَّة، ثمَّ يركع ويقرأ هذه التَّسبيحة عشر مرَّات، ثمَّ يرفع رأسه من الرُّكوع ويقرأ التَّسبيحة عشر مرَّات، ثمَّ يسجد ويقرأ التَّسبيحة عشر مرَّات، ثمَّ يرفع رأسه من السُّجود ويقرأ التَّسبيحة عشر مرَّات، ثمَّ يسجد السُّجود الثَّاني ويقرأ التَّسبيحة عشر مرَّات، ثمَّ يرفع رأسه من السُّجود ويقرأ التَّسبيحة عشر مرَّات، فيكون مجموعها خمس وسبعون، ويفعل مثل ذلك في بقيَّة الرَّكعات الثَّلاث ليكون المجموع ثلاثمائة تسبيحة.

ولا تتعيَّن فيه سورة مخصوصة من بعد الفاتحة، ولكن الأفضل أن يقرأ في الرَّكعة الأولى سورة ((إذا زلزلت)) وفي الثَّانية سورة ((والعاديات)) وفي الثَّالثة سورة ((إذا جاء نصر الله)) وفي الرَّابعة ((قل هو الله أحد))، ويأتي بذكر الرُّكوع والسُّجود أيضاً.

ولو سها عن بعض التَّسبيحات في محلِّها فإن تذكَّرها في بعض المحال الأخرى قضاها في ذلك المحل مضافاً إلى وظيفته، فإذا نسي تسبيحات الرُّكوع وتذكَّرها بعد رفع الرَّأس منه سبَّح عشرين تسبيحة ويجوز جعلها من النَّوافل اليوميَّة.

(مسألة 685) يستحب أن يقول في السَّجدة الثَّانية من الرَّكعة الرَّابعة بعد التَّسبيحات: -

((يَا مَنْ لَبِسَ اَلعِزَّ وَالوَقَارِ، يَا مَنْ تَعَطَّفَ بِالمَجْدِ وَتَكَرَّمَ بِهِ، يَا مَنْ لاَ يَنْبَغِي

ص: 206

اَلتَّسْبِيحُ إِلاَّ لَهُ، يَا مَنْ أَحْصَى كُلَّ شَيءٍ عِلْمُهُ، يَا ذَا النِّعْمَةِ وَالطَّوَلِ، يَا ذَا اَلمَنِّ وَالفَضْلِ يَا ذَا القُدْرَة وَالكَرَمِ أَسْأَلُكَ بِمَعَاقِدِ اَلعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ وَمُنْتَهَى اَلرَّحْمْةِ مِنْ كِتَابِكَ وَبِاسْمِكَ اَلأَعْظَمِ اَلأَعْلَى وَكَلِمَاتِكَ اَلتَّامَّاتِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى محمد وَآلِ محمد وَأنْ تَفْعَلَ بِي - فيذكر حاجته)).

ويستحب أن يدعو بعد الفراغ بدعاء آخر مذكور في الكتب المعدَّة للأدعية.

6 - صلاة أوَّل الشَّهر

وكيفيَّتها أن يصلِّي ركعتين يقرأ في الرَّكعة الأولى - بعد سورة الحمد - سورة (قل هو الله أحد) ثلاثين مرَّة، وفي الرَّكعة الثَّانية - بعد سورة الحمد - سورة (إنَّا أنزلناه في ليلة القدر) ثلاثين مرَّة، ويتصدَّق بما يتيسَّر له ليشتري بهذه الصَّلاة سلامة ذلك الشَّهر، ويستحب أن يقرأ بعد الصَّلاة هذا الدُّعاء: -

((بِسْمِ الله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ، بِسْمِ الله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ وَإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، بِسْمِ الله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ سَيَجْعَلُالله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا مَا شَاَءَ الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ حَسْبُنَا الله وُنِعْمَ اَلوَكِيلُ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى الله إِنَّ الله بَصِيرٌ بِالعِبَادِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ اَلظَالِمِين رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِليَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٍرَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدَاً وَأَنْتَ خَيرُ اَلوَارِثينَ)).

ويجوز إتيان هذه الصَّلاة في تمام النَّهار ما عدا الأوقات الخاصَّة للفرائض.

7 - صلاة الحاجة

وهي أقرب الأمور إلى الله في التَّوسُّل إليه لقضاء الحوائج وتيسير المهمَّات، وهي كثيرة مذكورة في كتب الأدعية والزِّيارة، نختار منها صلاة الهديَّة

ص: 207

إلى رسول الله محمد صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ باعتباره أقرب المخلوقات إليه تعالى وهي: -

أن تغتسل وتصلِّي ركعتين تهديهما إلى النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ كصلاة الصُّبح فإذا فرغت تقول: -

((اَللَّهُمَّ أَنْتَ اَلسَّلاَمُ وَمِنْكَ اَلسَّلاَمُ وَإِلَيكَ يَرْجِعُ اَلسَّلاَمُ اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمد وَآلِ محمد وَبَلِّغْ رُوحَ محمد 1 السَّلاَمَ وَأَرْوَاحَ اَلأئمَّةِ اَلصَّالحِينَ سَلاَمِي وَأُرْدُدْ عَلَيَّ مِنْهُمْ اَلسَّلاَمَ وَالسَّلاَمُ عَلَيهِمِ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ اَللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَينِ اَلرِّكِعْتَينِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَى رَسُولِ الله فَأَثِبْنِي عَلَيهِمَا مَا أَمَّلْتُ وَرَجَوتُ فِيكَ وِفِي رَسُولِكَ يَا وَلِيَّ اَلمُؤمِنِين)).

ثمَّ تسجد فتقول أربعين مرَّة ((يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا حَيَّاً لاَ يَمُوتُ يَا حَيُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ يَا ذَا اَلجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يَا أَرْحَمَ اَلرَّاحِمينَ)).

ثمَّ تضع خدَّك الأيمن فتقولها أربعين مرَّة، ثم تضع خدَّك الأيسر فتقولها أربعين مرَّة، ثمَّ تجلس وتمدَّ يدك فتقولها أربعين مرَّة، ثمَّ تضع يدك على رقبتك وتلوذ بسبَّابتك وتقول ذلك أربعين مرَّة، ثمَّ تقول ((يَا محمد يَا رَسُولَ الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أَشْكُو إِلَى الله وَإِلَيكَ حَاجَتِي وَإِلَى أَهْلِ بَيتِكَ اَلرَّاشِدِينَ حَاجَتِي وَأَتَوسَّلُ بِكُمْ إِلى الله فِي حَاجَتِي)).

ثمَّ تسجد وتقول ((يا الله )) مكرَّراً حتَّى ينقطع النَّفس، ثمَّ تقول ((صلِّ على محمد وآلِ محمد)) وتسأل حاجتك فإنَّها مقضيَّة إن شاء الله تعالى.

وبهذه الصَّلوات المنتخبة نكتف عن ذكر بقيَّة الصَّلوات المستحبَّة لكثرتها فلتطلب من كتب الأعمال.

ص: 208

كِتَابُ الصَّوَم

اشارة

ص: 209

ص: 210

وفيه مباحث: -

المَبْحَثُ الأَوَّل حَقِيقَةُ الصَّوَمِ وَفَضْلُهُ وَأَقْسَامُه

تَعْرِيفُ الصَّوَمِ وَحَقِيقَتُه

الصَّوم في اللُّغة هو مطلق الإمساك وفي أصل التَّكليف الإلهي الإسلامي هو الإمساك المخصوص وهو عن أمور عشرة تدعى ب- (المفطِّرات) في الوقت المخصوص وهو شهر رمضان المبارك في كل يوم من نهاره من طلوع الفجر الصَّادق إلى الغروب الشَّرعي (غياب الحمرة المشرقيَّة) بالنِّيَّة المخصوصة الَّتي سوف يأتي الكلام عنها على الوجه المخصوص وهو القربة إلى الله تعالى على ما سنوضِّحه أكثر عند ذكر النِّيَّة، ثمَّ صار موسَّعاً بعد ذلك بأمور أخرى واجبة ومستحبَّة - أستفيدت من الأدلَّة الشَّرعيَّة المختلفة - تأتي تباعاً بإذن الله

تعالى.

فَضلِهِ وَأَهَمَّيتِهِ وَفَوَائِدِهِ

أمَّا فضله وأهميَّته فبعد ثبوت وجوب الصَّوم علينا - شرعاً - كما لا يخفى وكونه فريضة مكتوبة على سائر الأمم والدِّيانات السَّماويَّة أيضاً وكما قال محمد في الدُّستور الأكمل القرآن الكريم ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)[ والَّذي فُسِّر بأدلَّة من الآيات

ص: 211

الأخرى كقوله تعالى الآتي بعده وهو [أَيَّامَاً مَعْدُودَات] وبقوله تعالى بعده أيضاً ]شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ …[.

وأنَّه يعتبر من ضروريَّات الدِّين الإسلامي وأحد أركانه الخمسة الَّتي بني عليها كما عن أبي جعفر عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءٍ اَلصَّلاَة وَالزَّكَاة وَالحَج وَالصَّوَم وَالوِلاَيَة)).

فلابدَّ أن نعرف أنَّ الشَّارع الأقدس - على لسان هادي الأمَّة وأوصيائه الأئمَّة البررة - قد اهتمَّ بشهر رمضان وصيامه غاية الأهميَّة - أسوة ببقيَّة الفرائض العباديَّة - من خلال ترغيباته بالآيات مفسَّرة بأمثالها وبالرِّوايات العديدة ومستكشفة من السِّيرة المستمرَّة إلى هذا الحين، وعيَّن فريضته هذه له سبحانه ليُعبد بها وأنَّها أهم المصاديق الأخرى من تلك الفرائض لكونها تمتاز عنها عند القيام بها في كونها أبعد عن حالة الرِّياء تماماً دون تلك الأخرى كما في الحديث القدسي على لسان النَّبي الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ قال: -

((قَاَلَ الله تَعَالَى كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَم لَهُ إِلاَّ اَلصَّومُ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أُجْزِي عَلَيهِ)).

وقد كشف عن فضله وأهميَّته كذلك قوله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((مَنْ صَاَمَ شَهْرُ رَمَضَان إيمَانَاً وَاِحْتِسَابَاً وَكَفَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ عَنِ اَلنَّاسِ قَبِلَ الله صَومَهُ، وَغَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَأَعْطَاهُ الله ثَوَابَ اَلصَّابِرين)).وقول الصَّادق عَلَيْهِ السَّلاَمُ حيث قال ((قَاَلَ اَلنَّبِي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ اَلصَّومُ جُنَّة))، أي ستر من آفات الدُّنيا وحجاب عن عذاب الآخرة.

وكما في التَّرغيبات الَّتي في خطبة النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في آخر جمعة من شعبان أنَّه قال صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ

((أنْفَاسُكُمْ فيهِ (أي الصَّوم) تّسبِيحٌ وَنَوْمُكُمْ فيهِ عِبَادَةٌ وَعَمَلُكُمْ فيهِ مَقْبُولٌ وَدُعَاؤُكُمْ فيهِ مُسْتَجَابٌ)) إلى غير ذلك من التَّرغيبات -.

ومن خلال التَّرهيبات - كما عن أبي عبدالله الصَّادق عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((مَنْ أَفْطَرَ يَومَاً مِنْ رَمَضَان مُتَعمِّدِاً خَرَجَ مِنَ الإيمَان))، فمستحل الإفطار فيه - ولو لم يفطر -

ص: 212

مرتد وعليه عقوبات شرعيَّة ثابتة.

فإن كان فطرياً يقتل عند إقامة الحدود وإن كان مليَّاً يستتاب ثلاثة أيَّام فإن لم يتب قتل، أمَّا لو أفطر فيه غير مستحل له عزِّر بخمسة وعشرين سوطاً، فإن عاد بعد التَّعزير عزِّر ثانياً وإن عاد ثالثاً قيل يقتل في الثَّالثة وقيل يقتل في الرَّابعة وهو الأحوط حقناً للدِّماء -.

وأمَّا فوائده فكثيرة لا تحصى ومنافعه لا تستقصى، فمنها ما ورد في الحديث الشَّريف ((صُومُوا تَصُحُّوا)) وفي الآخر عنه صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((اِخْتِصَاءُ أُمَّتِي اَلصَّوم)) ومنها ما حوته الرِّوايات الماضية، وغير ذلك من الفوائد الَّتي تعرَّضنا لبعضها في كتبنا (مختصر أحكام الصَّوم) و (الصَّوم) ذي الأجزاء الثَّلاثة وغيرهما.

ص: 213

المَبْحَثُ الثَّانِي ِفي أَقْسَامِ الصَّوَم

لم يكن الصَّوم مرتبطاً بخصوص صوم شهر رمضان المبارك كما أشرنا، وإن كان هو الأهم والأساس في تشييد هذه الأحكام والبقيَّة عيال عليه كما ستعلم، ولأنَّ الأدلَّة الشَّريفة حوت أنواعاً أخرى له وعلى عدد الأحكام الأربعة، ولأهميَّة الاحاطة بكلِّها لغرض التَّفقُّه في الدِّين لابدَّ من استعراضها ولو مختصراً.

وهي أربعة: واجب ومندوب ومكروه ومحرَّم.

فالواجب من الصَّوم ستَّة: -

1- صوم شهر رمضان.

2- صوم القضاء، ومنه قضاء الولد الأكبر عن والده، ومنه أيضاً صوم الإجارة.

3- صوم الكفَّارة بأقسامها.

4- صوم بدل الهدي في الحجِّ.

5- صوم النَّذر والعهد واليمين.

6- صوم اليوم الثَّالث من أيَّام الاعتكاف.

والمندوب: فكثير، والمعروف منه: -

1 - يوم مولد النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وهو السَّابع عشر من ربيع الأوَّل.

2 - يوم مولد الزَّهراء وهو يوم العشرين من جمادى الثَّاني.

3 - شهر رجب كلُّه، وبالأخص يوم المبعث النَّبوي الشَّريف وهو السَّابع والعشرون منه ويوم الإسراء .

4 - شهر شعبان وبالأخص النِّصف منه، ويوم الشَّك من آخره مستحبَّاً إذا

ص: 214

لم يكن عليه قضاء.

5 - صوم ستَّة أيَّام من شوَّال بعد يوم العيد بنحو الرَّجاء، لروايات وردت عن طرقنا الخاصَّة وإن كانت ضعيفة، مع رجحان الاحتياط بالالتزام بذلك بعد مضي ثلاثة أيَّام منه.

6 - يوم دحو الأرض (الخامس والعشرين من ذي القعدة).

7 - اليوم الأوَّل من ذي الحجَّة وإلى التَّاسع منه وهو يوم عرفة (لمن لا يضعفه عن الدُّعاء) في أرض عرفة وغيرها من الأوطان الأخرى.

8 - صوم يوم الغدير وهو الثَّامن عشر من ذي الحجَّة.

9 - صوم يوم المباهلة (الرِّابع والعشرين من ذي الحجَّة).

10 - صوم أوَّل يوم من المحرَّم وهو اليوم الَّذي صامه زكريَّا طلباً للولد.

11 - صوم ثلاثة أيَّام من كل شهر وهي أوَّله وأخره وأوَّل أربعاء من العشر الأواسط.

12 - صوم الأيَّام البيض من كل شهر، وهي (الثَّالث عشر والرَّابع عشر والخامس عشر).

13 - كل خميس وجمعة إذا لم يصادفا عيداً، والأحوط عدم البدأة بالجمعة بل بوصله بما قبله وهو الخميس.

14 - صوم يوم النَّيروز للمناسبات الإسلاميَّة وللعام الهجري الشَّمسي.وأمَّا المكروه فمنه: -

1- صوم يوم عرفة لمن خاف أن يضعفه عن الدُّعاء، ومع الشَّك في الهلال بحيث يحتمل كونه عيداً.

2- صوم الضَّيف بدون إذن مضيِّفه.

3- صوم الولد - المستحب - من غير إذن والده، بل يحرم لو سبَّب إيذاء له.

4- صوم الزَّوجة مستحبَّاً من دون إذن زوجها، بل يحرم لو كان يضر بحاجته.

ص: 215

والمحرَّم فهو: -

1 - صوم يومي العيدين (الفطر والأضحى).

2 - أيَّام التَّشريق لمن كان بمنى، ناسكاً كان أم لا.

3 - صوم يوم الشَّك على أنَّه من شهر رمضان.

4 - صوم نذر المعصية، كنذره الصَّوم يوماً أو أيَّاماً لو قدر على الخمرة أو السَّرقة أو نحوهما والعياذ بالله.

5 - صوم الوصال، وهو أن ينوي وصل صوم النَّهار بالليل.

6 - صوم الصَّمت، وهو أن ينوي السُّكوت مع ترك المفطِّرات أو بدون تركها ولو ليعض اليوم، وما ورد في الآية [فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26)] إمَّا لكونه شرعاً قديماً انتهى أمده، أو أنَّ صوم مريم عَلَيْهِا السَّلاَمُ هو الاعتيادي المعروف كما عندنا وأنَّ ترك الكلام إنَّما كان مع الآدميين لا بذكر الله تعالى.

7 - يوم العاشر من محرَّم تشفيَّاً، كما كان يفعله بعض النَّواصب فرحاً بمقتل الحسين عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وإنمَّا يستحب الإمساك عن الطَّعام والشَّراب إلى ما بعد ساعة المأساة تحرُّقاً وتألُّماً.

تنبيه: وبعد ذكر هذه الأقسام يبقى شيء وهو أنَّ البارز في المسائل الآتية الواردة في بحوث كتاب الصَّوم من بين هذه الأقسام لمَّا كان هو صوم شهر رمضان أكثر من غيره من الأقسام الماضية فإنَّه إن أريد شيء آخر بعد ذلك من بقيَّة تلك الأقسام فلابدَّ من أن يذكر باسمه لتشخيصه.

ص: 216

المَبْحَثُ الثَّالِث ِفي طُرُقِ ثُبُوتِ هِلاَلِ شَهْرِ رَمَضَان

(مسألة 686) يثبت هلال شهر رمضان، بل سائر شهور السَّنة بالطُّرق التَّالية:-

1- رؤية المكلَّف الهلال بنفسه.

2- مضي ثلاثين يوماً من شهر شعبان ويسمَّى ب- (إكمال العدَّة)، وقد بيَّنته الآية الكريمة بقوله تعالى [وَلِتُكْمِلُوا اَلعِدَّة] في أحد معنييها الواردين في تفسير الآية وأوضحته الرِّوايات.

3- شهادة عدلين بالرُّؤية وتوافقهما فيها من دون معارضة من آخرين .

4- التَّواتر، وهو مجموعة كبيرة حاصلة من مجاميع صغيرة من مناطق متعدِّدة تدَّعي الرُّوية لا يعلم تواطؤها على الكذب، ويكتفى بهم حتَّى لو كانوا ثقاتاً غير عدول.

5- شياع رؤيته بين النَّاس على نحو يفيد الاطمئنان ممَّا يزيد على اثنين ولو مختلطاً من النِّساء مع الرِّجال.

6- حكم الحاكم الشَّرعي - وهو (المجتهد العادل الجامع لشرائط الفتوى) - وحكمه حجَّة - حتَّى على مجتهد آخر وإن كان أعلم منه - إذا لم يثبت خلافه أو خطأ مستنده، لو كان مبناه أحد الأمور الماضية ولو بمعونة بعض القرائن الظَّنيَّة الأخرى إذا شكلَّت قوَّة بالنِّسبة إليه لا بخصوص الظَّنيَّات الأخرى.

(مسألة 687) لا يثبت الهلال بشهادة النِّساء في غير حالة الشِّياع المذكور، ولا بشهادة رجل وامرأتين، ولا بشهادة العدل الواحد مع اليمين.

كما لا يثبت بقول المنجِّمين ولا بتطويق الهلال وحده لو صدق حصوله واقعاً - أو بغيبوبته بعد الشَّفق أو رؤيته قبل زوال اليوم الثَّلاثين - على أنَّه لليلة

ص: 217

ثانية، ولا بما يستفاد من الرَّصد الفلكي، وإنَّما هي أمور ظنيَّة قد يستفاد منها كقرائن مقويَّة للظُّنون الشَّرعيَّة الَّتي قد يستفاد من مجموعها اطمئنان شرعي لا مستقلَّة إضافة إلى لزوم كونها تحت إشراف المرجعيَّة الدِّينيَّة المعتبرة.

(مسألة 688) إذا ثبتت رؤية الهلال في بلد فلا يلزم ثبوتها في البلدان الأخرى إلاَّ مع اتِّفاقها في الآفاق معاً حتَّى لو تفاوتت فيما بين بعضها عن البعض الآخر في بعض ساعات، فإذا اتَّفقت مساوية لها أو كان البلد المرئي فيه أقرب إلى الرُّؤية من الأخريات كارتفاع أرضه أكثر منها فلابدَّ من سريان حكمه عليها فضلاً عن الأخيرة.

(مسألة 689) لو كان المكلَّف في بلد نهاره ستَّة أشهر وليله كذلك فعليه التَّقرُّب جهد الإمكان إلى البلدان النِّظاميَّة في اللَّيل والنَّهار في صلاته وصيامه وإن لم يتمكَّن من ذلك في صيامه فعليه الفداء مع القضاء مستقبلاً إن انتقل إلى الأماكن النِّظاميَّة ومع عدم تمكنِّه أيضاً في صلاته فلابدَّ من أن توزَّع صلواته الخمس على كل - ما يصل أو ما يقارب النِّظاميَّة لو لم يمكن - من اللِّيل أو النَّهار من كلِّ أربع وعشرين ساعة منهما، وأمَّا إذا كان اللَّيل والنَّهار في كلِّ 24 ساعة والَّذي غايته في ذلك كون اللَّيل ثلاث وعشرين ساعة والنَّهار ساعة مثلاً أو بالعكس فعليه القيام بالواجبين معاً من الصِّيام والصَّلاة حيث يمكن، وإلاَّ يدفع الفدية بدل الصَّوم ويقضيه فيما لو وصل إلى بلد نظامي وفي الصَّلاة عليه القضاء أيضاً احتياطاً لو وصل إلى بلد نظامي كذلك.

ص: 218

المَبْحَثُ الرَّابع ِفي شَرَائطِ صَوَمِ شَهْرِ رَمَضَان

وفيه فصلان: -

الفَصْلُ الأَوَّل شَرَائِطُ الوُجُوبِ

وهي أمور إن توفُّرت في المكلَّف تحقَّق عليه وجوب الصَّوم وليس كالصَّلاة الَّتي لا تسقط بحال، وهذه الأمور هي: -

الأوَّل: البلوغ ، فلا يجب الصِّيام على الصَّبي - وإن صحَّ منه - إلاَّ إذا بلغ قبل طلوع الفجر، وأمَّا لو بلغ أثناء النَّهار - في الصِّيام التَّطوعي - قبل الزَّوال ولم يتناول المفطر فعليه إتمام الصَّيام على الأحوط وجوباً، بل وكذا لو كان بلوغه بعد الزَّوال إلاَّ أنَّ الاحتياط فيه استحبابي.

الثَّاني: العقل، فلا يجب على المجنون إلاَّ إذا أفاق من جنونه قبل طلوع الفجر، ولا فرق فيه بين الإطباقي والإدواري إذا حصل بالنَّهار فلا يجب عليه وإن لم يأت بالمفطِّر، بل يستحب له الإمساك، نعم لو كان دور جنونه في الليل فقط بحيث يفيق قبل الفجر وجب عليه الصِّيام.

الثَّالث: أن لا يكون مغمىً عليه في نهار الصَّوم فلا يجب عليه إلاَّ إذا كان ناوياً الصَّوم في الليل قبل الإغماء فيصوم حتَّى لو استوعب مجموع النَّهار كالنَّائم.

ويلحق به التَّخدير العام المتعارف في هذه الأزمنة لإجراء العمليَّات الجراحيَّة لبدن المريض، أمَّا التَّخدير النِّصفي فضلاً عن الموقعي فالصَّوم حينئذ يكون على طبيعته إن لم يمنع منه المرض المضر به أو لم يصاحبه إغماء طارئ مؤثِّر.

ص: 219

الرَّابع: الخلو من مرض أو رمد على نحو يضره الصَّوم أو يسبِّب زيادته أو طول برئه أو شدَّته أو شدَّة ألمه، بلا فرق بين حصول اليقين بذلك أو الظَّن والاحتمال العقلائي الموجب لصدق الخوف، وكذا لا يصح من الصَّحيح إذا خاف حدوث المرض فيه ما لم يكن الخوف وهماً فضلاً عمَّا إذا علم ذلك.

(مسألة 690) لو برئ المريض بعد الزَّوال يجوز له الإفطار، ولو كان قبله ولم يتناول مفطراً وجب - على الأحوط - تجديد النِّيَّة ثمَّ الصِّيام، فضلاً عمَّا لو انكشف برؤه من أوَّل الصُّبح.

(مسألة 691) لا يكفي الضَّعف أثناء الصَّوم في جواز الإفطار - ولو كان مفرطاً لاحتمال تشتُّته بالنَّوم - إلاَّ أن يكون حرجاً فيجوز الإفطار لتحقُّق الضَّرر بذلك، وكذا إذا أدَّى الضَّعف إلى العجز عن العمل اللازم للمعاش بحيث لا يتمكَّن من عمل غيره ولا الجمع بينه وبين الصَّوم بتاتاً فإنَّه يجوز - أيضاً - الإفطار، مع الاحتياط فيهما بالاقتصار في الأكل على مقدار الضَّرورة بما يسد الرَّمق والإمساك عن الزَّائد ثمَّ القضاء.

وكذلك إذا غلب على العامل العطش ونحوه فيتعيَّن عليه الاقتصار على ما تندفع به الضَّرورة والإمساك عن الزَّائد ثمَّ القضاء على الأحوط وجوباً، هذا كلُّه مع عدم وجود التَّفاوت في القدرة المذكورة أيَّام الشَّهر المبارك، أمَّا مع وجوده فلابدَّ من الصِّيام أيَّام وجود القدرة التَّامَّة والاقتصار في التَّرك على أيَّام عدم التَّامَّة.(مسألة 692) إذا صام لاعتقاد عدم الضَّرر فبان الخلاف بعد الفراغ فالأحوط وجوباً القضاء، أمَّا لو صام باعتقاد الضَّرر أو خوفه بطل - وإن بان الخلاف - إن لم يحصل منه قصد القربة ومع حصولها فيمكن الصحَّة وخصوصاً لو كانت المشقَّة ممَّا يمكن تحملُّها، إلاَّ أنَّ الأحوط وجوباً دفع الفدية إذا ما استمرَّ ذلك المرض المانع إلى شهر رمضان الثَّاني.

(مسألة 693) قول الطَّبيب الحاذق وغير المتَّهم إذا كان يوجب الظَّن بالضَّرر أو خوفه يجب لأجله الإفطار وإلاَّ فلا يجوز ذلك إلاَّ إذا كانت هناك لجنة

ص: 220

يحقِّق الاطمئنان بقولها خوفاً عقلائيَّاً فيبقى الوجوب على حاله، وإذا قال الطَّبيب لا ضرر في الصَّوم وكان المكلَّف خائفاً وجب الإفطار، والأحوط إضافة التَّجربة أو أخذ قرار لجنة دون قرار طبيب واحد في كل الحالات.

الخامس: أن لا يكون مسافراً قبل الزَّوال - سفراً يوجب قصَّر الصَّلاة مع العلم بالحكم والسَّفر وعلى تفصيل - في الصَّوم الواجب، إلاَّ في ثلاثة مواضع: -

إحداها: صوم ثلاثة أيَّام - الَّتي هي بعض العشرة - بدل هدي التَّمتُّع لمن عجز عنه، كما في الآية الكريمة [ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ].

ثانيها: صوم ثمانية عشر يوماً بدل البدنة، وهي كفارة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب، والأحوط استحبابَّاً صومها في الحضر.

ثالثها: صوم النَّذر المشروط إيقاعه في السَّفر بالخصوص، أو إتيانه في يوم معيَّن سفراً كان أم حضراً ما لم يكن من نوع الواجب في أساسه.

(مسألة 694) سقوط الصَّوم في السَّفر - عند الإماميَّة - عزيمة - كما مرَّ -، بمعنى وجوب العزم على امتثال الأمر الإلهي - الَّذي يكون خلافه تشريعاً - وهو عدم جواز الصَّوم في السَّفر - مثلاً - للأدلَّة الثَّابتة شرعاً وبما لا نسخ فيه بعد ذلك أصلاً إلاَّ ما أدَّت إليه بعض استحسانات للآخرين خارج الأدلَّة المعتبرة كتطور وسائل النَّقل في الأسفار ونحو ذلك ممَّا جعلهم يستحسنون بقاء هذا التَّشريع.

(مسألة 695) لا يجب الصَّوم - بل ولا يصح - من المسافر - حتَّى في الاعتكاف المنذور مسبقاً - إلاَّ من كان مقيماً عشرة أيَّام أو مضى عليه ثلاثون يوماً متردِّداً في مكان واحد أو كان عمله السَّفر أو كان سفره سفر معصية، وقد تقدَّم أحكام هؤلاء في أحكام السَّفر في كتاب الصَّلاة.

(مسألة 696) لو سافر المكلَّف في شهر رمضان وكان في ابتدائه قاصداً المعصية ونوى الصِّيام فيه ثمَّ عدل في الأثناء إلى السَّفر الحلال، فإن كان قد قطع مسافة بكاملها ففيه حالتان: -

ص: 221

الأولى: ما إذا كان عدوله قبل الزَّوال وكان الباقي مسافة شرعيَّة فيجب عليه الإفطار مع قصر الصَّلاة بشرط أن يكون بدءه بالسفر المباح قبل الزَّوال، إلاَّ ما إذا سافر ورجع قبل الزَّوال فيحتاط بالصَّوم ويقضي وجوباً بعد الشَّهر.

الثَّانية: ما إذا كان عدوله بعد الزَّوال فالأحوط وجوباً البقاء على الصَّوم ثمَّ القضاء مع قصر الصَّلاة، سواء كان الباقي مسافة شرعيَّة أو لا.

وإن لم يكن قد قطع مسافة بكاملها ففيه حالتان أيضاً: -

الأولى: ما إذا كان عدوله قبل الزَّوال وكان الباقي مسافة شرعيَّة فيجب الإفطار مع القصر، وإن لم يكن الباقي مسافة فالأحوط وجوباً الجمع بين إتمام الصَّوم والقضاء مع القصر لو فطعت المسافة.الثَّانية: ما إذا كان عدوله بعد الزَّوال فالأحوط وجوباً الجمع بين إتمام الصَّوم والقضاء سواء كان الباقي مسافة أو لا مع القصر حال قطع المسافة.

ولو انعكس الأمر بأن كان سفره مباحاً في الابتداء ثمَّ تحوَّلت نيَّته في الأثناء إلى المعصية فإن كان هذا التَّحوُّل قبل قطع المسافة بكاملها فالأحوط وجوباً إن لم يأت بالمفطِّر أن ينوي الصَّوم ثمَّ يقضيه سواء أكان ذلك قبل الزَّوال أم بعده، وإن كان بعد فعل المفطر وجب عليه الإتمام ثمَّ القضاء.

وإن كان هذا التَّحوُّل بعد قطع المسافة بكاملها فلا تصح نيَّة الصَّوم بمجرَّد التَّحوُّل في نيَّته وإن كان قبل الزَّوال.

(مسألة 697) يحرم ولا يصح الصَّوم من المسافر النَّاسي لو تذكَّر وبقي عليه فضلاً عن العالم العامد - حتَّى في أماكن التَّخيير الأربعة الآتية - إلاَّ فيما استثنيناه في كتابنا (مختصر أحكام الصَّوم) والصَّوم من كتابنا (الغُنية)، وما سيأتي التَّعرُّض له هنا في كتاب الصَّوم بتوفيق الله تعالى.

ويصح الصَّوم مع الجهل بالحكم القصوري دون التَّقصيري أو الجهل بالشَّرائط أو الجهل بالموضوع.

(مسألة 698) لا يجوز الصَّوم المندوب في السَّفر إلاَّ في ثلاثة مواضع: -

1- ثلاثة أيَّام لقضاء الحاجة في المدينة المنوَّرة، والأحوط فيها أن تكون في

ص: 222

الأربعاء والخميس والجمعة.

2- يوم عرفة للنَّاسك لمن لا يضعفه عن الدُّعاء، بل حتَّى الَّذي يضعفه ولكنَّه مكروه.

3- نذر الصَّوم المستحب فيه ولو في السَّفر كما مرَّ.

(مسألة 699) يجوز السَّفر في شهر رمضان اختياراً ولو للفرار من الصَّوم - كما مرَّ - ولكنَّه مكروه لما يفوته على نفسه من أجر عظيم، إلاَّ في حج أو عمرة أو غزو في سبيل الله أو مال يخاف تلفه أو نفس محترمة يخاف هلاكها أو يكون بعد مضي ثلاث وعشرين ليلة من شهر رمضان، وإذا كان على المكلَّف صوم واجب معيَّن غير الشَّهر المبارك جاز له السَّفر كذلك وإن فات الواجب، وإن كان في السَّفر لم تجب عليه الإقامة لأدائه، وليس هذا كالتَّلبُّس بالصَّوم مع ضيق الوقت للمعيَّن وبالأخص لو تجاوز الظُّهر عليه في ذلك لكن الأحوط الخلاص منه كما فيما لو بدت عنده إمارات الموت غير المانع من الصَّوم إلاَّ إذا اضطرَّ إلى السَّفر.

(مسألة 700) لو صام المسافر بعد تحقُّق الشُّروط المتقدِّمة - في أحكام السَّفر - جاهلاً بالحكم، فإن علم بالحكم أثناء النَّهار بطل صومه وإن كان بعد المغرب كان صحيحاً.

(مسألة 701) لو نسي - بأنَّ صوم المسافر باطل - وصام في سفره قبل الزَّوال بطل صومه ووجب عليه قضاؤه على نهج ما بيَّنَّاه وكما يأتي.

(مسألة 702) لا يجوز للمسافر الإفطار إلاَّ بعد اجتياز حدِّ التَّرخُّص - كما مرَّ - فلو أفطر قبله عالماً بالحكم وجب عليه القضاء والكفَّارة.

(مسألة 703) لو سافر إلى مسافة شرعيَّة - تلفيقيَّة مع نيَّة العود أو امتداديَّة - قبل الزَّوال ثمَّ عاد إلى وطنه أو محل إقامته قبل الزَّوال أيضاً ولم يتناول مفطِّراً فإن كان ناوياً السَّفر من الليل سقط عنه الصَّوم ووجب عليه القضاء، وإن لم ينوه من الليل فيجب عليه البقاء على صومه إحتياطاً ثمَّ القضاء.

أمَّا لو كان سفره في الليل فإن رجع إلى بلده أو محل إقامته قبل الزَّوال

ص: 223

فعليه تجديد النِّيَّةوالصِّيام، وإن كان بعد الزَّوال فيجب عليه القضاء تناول المفطِّر أم لا، نعم يستحب لمن تناول المفطِّر الإمساك تأدُّباً.

(مسألة 704) لو خرج إلى المسافة الشَّرعيَّة بعد الزَّوال بقي على صيامه وجوباً في الواجب وإن وجب عليه التَّقصير في صلاته.

(مسألة 705) يكره للمسافر في شهر رمضان التَّملِّي من الطَّعام والشَّراب والجماع في النَّهار، بل الأولى ترك الأخير للاستفادة ولو من بعض حكم الصَّوم في الشَّهر المبارك.

السَّادس: الخلو من الحيض والنفاس حتَّى لو انقطع عنهما بعد الفجر، وكذا يفطران بمجرَّد رؤية الدم ولو في آخر لحظة - من النَّهار - قبل الغروب.

المُرَخَّصِينَ ِفي الإِفْطَار

(مسألة 706)

قد رخَّص الشَّارع الأقدس بالإفطار في نهار شهر رمضان لعدة أشخاص، بمعنى رفع وجوب الصِّيام عنهم - لا تخييرهم فيه - وإن كان اللازم عليهم الإفطار، لحصول الضَّرر في ذلك عليهم، وهم: -

1- الشَّيخ والشَّيخة إذا تعذَّر أو تعسَّر عليهما الصَّوم.

2- من به داء العطش - كما مرَّ - سواء لم يقدر على الصَّوم أو تعسَّر عليه.

3- الحامل المقرب إذا أضرَّ بها أو بحملها الصَّوم.

4- المرضعة القليلة اللبن إذا أضرَّ الصَّوم بها أو بالولد، بلا فرق في كون الولد لها أو لغيرها وهي تربيه تبرُّعاً أو بأجرة، والأحوط وجوباً الاقتصار على عدم وجود مرضعة أخرى تقوم مقامها.

فجميع هؤلاء يفطرون، ويجب على الواحد منهم دفع (الفدية) عن كل يوم بمد (تسعمائة غراماً تقريباً) من الطَّعام والأحوط مدَّان، ولا يجزي الإشباع عن المد في الفدية من غير فرق بين مواردها.

وكذلك يجب - بالإضافة إلى الفدية - على الحامل والمرضعة القضاء، بل

ص: 224

حتَّى الشَّيخ والشَّيخة - لو تمكَّنا بعد ذلك - ومن به داء العطاش إذا برئ من مرضه على الأحوط وجوباً.

الفَصْلُ الثَّانِي شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّوَم

قد تقدمت شروط أصل وجوب الصَّوم فمن توفُّرت فيه جميعاً وجب عليه الصَّوم، ولكن صحَّة صومه هذا وقبوله منه

يتوقَّف على شروط أخرى تدعى ب- (شروط الصحة)، وهي: -

1- جميع شروط الوجوب المتقدِّمة ما عدا البلوغ فيصح من الصَّبي - ولو تطوُّعاً - ولا يصح من المجنون والمغمى عليه والمريض والمسافر والحائض والنَّفساء على ما فصَّلناه هناك.

2- الإسلام والإيمان، فلا يصح من الكافر والمخالف للحق - وإن وجب عليهما - حتَّى لو حدث الكفر أو الخلاف قبل الغروب ممَّا يوجب البطلان.

3- عدم السُّكر، فلا يصح الصَّوم من السَّكران، أمَّا لو نوى الصَّوم في اللَّيل ثمَّ أسكر نفسه فيه - والعياذ بالله - وأفاق من سكره قبل الزَّوال ولم يتناول مفطراً فيجب عليه تجديد النِّيَّةويصوم ثمَّ يقضي على الأحوط وجوباً.

4- نيَّة القربة والإخلاص لله تعالى واستدامتها إلى حين وقت الإفطار، وسنفرد فصلاً خاصَّاً نتكلَّم فيه عن النِّيَّة وأحكامها بعون الله وتوفيقه.

5- الإمساك عن جميع المفطِّرات الأتي ذكرها.

6- الاغتسال من الجنابة للمجنب ليلاً ما لم يضق الوقت عن الفجر أو يمنع مانع المرض أو عدم الماء، ومع عدمه يتيمَّم المكلَّف ويبقى منتبهاً إلى طلوع الفجر الصَّادق احتياطاً.

7- الاغتسال من الحيض والنَّفاس لمن طهرت قبل طلوع الفجر الصَّادق.

8- الاغتسال بالأغسال النَّهاريَّة للمستحاضة بالاستحاضة الكثيرة والمتوسطة، وبالأخص غسل الفجر - المعد لصلاته - الَّذي تقدِّمه المكلَّفة على الفجر ليصبح الصَّباح والفجر عليها وهي طاهرة في كل من الحالتين للصَّوم

ص: 225

أيضاً.

(مسألة 707) يصح الصَّوم من النَّائم إذا سبقت منه النِّيَّة في اللَّيل حتَّى لو استوعب تمام النَّهار - ويلحق به السَّكران والمغمى عليه - كما مرَّ -.

ص: 226

المَبْحَثُ الخَامِس ِفي النِّيَّة

وفيه فصلان: -

الفَصْلُ الأَوَّل في أَحْكَامِ النِّيَّة

(مسألة 708)

النِّيَّة وهي المراد العقلائي الخاص، بمعنى القصد عزماً على أداءه لكون العبادة المخصوصة في الشَّريعة المقدَّسة - وهي الصَّوم الخاص كما مرَّ - في الوقت المخصوص وهو (شهر رمضان مثلاً) أو غيره إن لم يرد بخصوصه على الوجه المخصوص وهو (القربة إلى الله تعالى)، إمَّا لأنَّ الله أهل للعبادة أو جزاءاً لشكر نعمته أو طلباً لرضاه أو خوفاً من سخطه أو رجاء لثوابه.

ويكفي فيها البعث على ترك المفطرات العشرة ولو عجزاً عنها لعارض، أو يردعه عنها مثل الصَّارف النَّفسي ولو إجمالاً مع عزمه التَّام على التَّرك لولا ذلك.

فلو نام المكلَّف من الليل قاصداً عدم ممارسة المفطِّرات قربة إلى الله تعالى واستغرق نومه إلى المغرب كفاه ذلك وصحَّ صومه.

(مسألة 709) وقت النِّيَّة في الصَّوم الواجب المعيَّن اختياراً - ولو نذراً - من أوَّل الليل إلى الجزء المقارن لطلوع الفجر وهو آخر وقتها، وإن كان تقديم النِّيَّة للإمساك على ذلك الوقت أفضل بل أحوط، هذا بالنِّسبة للمكلَّف غير النَّاسي والغافل والجاهل.

وأمَّا بالنِّسبة لهم فإن تذكر - المكلَّف منهم - أو علم في أثناء النَّهار فيجب - إن لم يُتناوَل المفطر - تجديد النِّيَّة قبل الزَّوال والصِّيام، وأمَّا لو تذكَّره أو علمه

ص: 227

بعد الزَّوال فينبغي الاحتياط بالإمساك بقيَّة النَّهار بقصد القربة المطلقة ثمَّ القضاء، بلا فرق بين ناسي الحكم أو الموضوع وبين الجاهل بهما.

وكذا يمتد الوقت للمكلَّف في الصَّوم الواجب غير المعيَّن إلى ما قبل الزَّوال، فإذا أصبح ولم يكن ناوياً من الليل ولم يتناول مفطِّراً فله أن ينوي قبل الزَّوال الصِّيام الواجب غير المعين كقضاء شهر رمضان الموسَّع، وإن كان ذلك بعد الزَّوال لم يكن الاجتزاء به حاصلاً.

أمَّا الصِّيام المندوب فيمتد وقت نيَّته إلى ما قبل الغروب ولو بمقدار لحظة.

(مسألة 710) يعتبر في نيَّة الصَّوم الإخلاص لله تعالى - كسائر العبادات وكما مرَّ - فيحرم على الصَّائم أن يضم إليها ما ينافيه كالرِّياء ويبطل صومه سواءاً كان في الابتداء أو في الأثناء، وأمَّا لو كان بعد الفراغ منه - كقوله إنِّي كنت صائماً البارحة - لرغبته - مثلاً - في مدحه والثَّناء عليه من قبل الغير فهو وإن كان محرَّماً لكن ليس بمبطل لصومه لعدم حصوله أثناء الصَّوم.

(مسألة 711) يعتبر في صحَّة صيام الواجب المعيَّن - كشهر رمضان والصَّوم المنذور المعين - استدامة نيَّته إلى وقت الإفطار - المغرب الشَّرعي - حتَّى بمعنى عدم تردُّده في قطع الصَّوم أو البقاء عليه فضلاً عن نيَّة قطعه أو تناول المفطِّر، فإن نوى القطع - فعلاً أو مستقبلاً - أو نوى تناول المفطِّر ولم يصادفه تطبيق، أو تردَّد في قطع الصَّوم ممَّا لم يبق عنده جزم في صومه بطل صومه ويجب عليه القضاء، سواء تاب ورجع إلى نيَّة الصَّوم أم لا، وسواء ارتكب المفطِّر أم لا.أماَّ في الصِّيام الواجب غير المعيَّن - كقضاء شهر رمضان الموسَّع - فلا تضر فيه نيَّة القطع إذا رجع إلى صيامه قبل الزَّوال وتناول المفطِّر.

(مسألة 712) لو كان تردُّده أو نيَّة قطع الصَّوم عنده من جهة حدوث ما يحتمل مفطِّريَّته ثمَّ ظهر الخلاف وأنَّ صومه لا خلل فيه لم يبطل صومه إن لم يتناول مفطراً، لعدم ارتفاع الجزم على الصَّوم عنده بالمرَّة ولم يتمادَ في النِّيَّة بالتَّردُّد فيها، اللَّهمَّ إلاَّ إذا فرَّط فيها وبقي على ذلك التَّردُّد مع ذلك الانكشاف فالصَّوم باطل.

ص: 228

(مسألة 713) يتخيَّر الصَّائم في شهر رمضان - بل في مطلق الواجب إذا كان له استمرار واتِّصال كصوم الكفَّارة - بين أن ينوي الصَّوم لكل يوم نيَّة منفردة وبين أن ينوي نيَّة واحدة لصيام الشَّهر كلِّه من بدايته، والأولى الجمع بين النِّيَّتين لكسب فائدة، وهي أنَّه لو غفل عن النِّيَّة المنفردة لبعض الأيَّام لأنتفع بالنِّيَّة الجامعة.

(مسألة 714) لا يعتبر في صحَّة الصِّيام قصد الوجوب أو الندب فيما لو حفظ كل منهما بقرينة، وأمَّا الأداء لصوم شهر رمضان فيكفي الإتيان به على نحو الامتثال للأمر الإلهي - كما مرَّ -، وأمَّا قضاءه فإن كانت ذمته مشغولة به وبواجب آخر غيره - كالمنذور - بحيث يحصل اللبس فيهما فيجب قصد الاسم الخاص لكل منهما، وإلاَّ فيكفي الإتيان به بقصد ما في الذِّمَّة.

(مسألة 715) لا يشرع العدول من الصَّوم الواجب إلى صوم واجب آخر غيره، وكذا في المندوبين والمختلفين - الواجب والمندوب - لاختصاص كلٍّ بنيَّته إلاَّ أنَّه إذا جاء يوم الشَّك من آخر شعبان وصامه بنيَّة القضاء أو مستحبَّاً ثمَّ ثبت أنَّه من رمضان فعليه العدول كما سيأتي.

(مسألة 716) لا يجب العلم بالمفطِّرات على نحو التَّفصيل، بل تكفي نيَّة الإمساك عن المفطِّرات إجمالاً، ما لم يتورَّط بفعل بعضها جهلاً بسبب ذلك الإجمال، ففي ذلك يجب العلم بالتَّفصيل.

(مسألة 717) لا يكفي قصد الصَّوم عن الغير إلاَّ بنية النِّيابة قضاءاً وتفريغ ذمَّة المنوب عنه.

(مسألة 718) لا يصح في شهر رمضان صوم غيره فيه - كالقضاء - وإن لم يكن مكلَّفاً به - كالمسافر - على الأحوط، فلو نوى غيره فيه بطل صومه إلاَّ إذا كان جاهلاً أو ناسياً له فيجزئ عن رمضان - حينئذ - لا عمَّا نواه.

ص: 229

الفَصْلُ الثَّانِي فِي صَومِ يَومِ الشَّك

(مسألة 719) لا يجب صوم يوم الشك (وهو المردد في أنَّه من شهر شعبان أو شهر رمضان) لكن يستحب الإتيان به لاحتمال مصادفة وقوعه في الشَّهر المبارك، ويجب في نيَّة صومه إن أراده المكلَّف أن يكون بنيَّة شعبان ندباً أو قضاءاً أو نذراً إن كان عليه القضاء أو النَّذر، فلو صادف أنَّه من رمضان قبل الزَّوال فعليه تجديد النِّيَّة والبقاء على صيامه، وإلاَّ فيجزئه عنه ولا قضاء عليه، كما لو ظهر أنَّه من الشَّهر المبارك بعد الغروب.

(مسألة 720) لو نوى صيام يوم الشَّك بنيَّة شهر رمضان بطل صومه وإن صادف الواقع، أمَّا لو صامه بنيَّة القربة المطلقة بقصد ما في الذِّمَّة أو بنيَّة الأمر الواقعي المتوجِّه إليه من الوجوبي أو النَّدبي فيصح صيامه ظاهراً ولا شيء عليه، مع الاحتياط بإتمام الصَّوم ثمَّ القضاء بعده.

(مسألة 721) لو أصبح المكلَّف في يوم الشَّك ناوياً للإفطار فتبيَّن في أثناء النَّهار أنَّه من شهر رمضان، فإن كان قبل الزَّوال ولم يتناول مفطِّراً فيجب تجديد النِّيَّة والصِّيام ثمَّ القضاء على الأحوط، وإن كان بعد الزَّوال أو تناول المفطِّر فيجب الإمساك تأدُّباً ثمَّ القضاء بعد نهاية الشَّهر المبارك.

(مسألة 722) يستحب في يوم الشَّك من آخر الشَّهر المبارك قطع المسافة الشَّرعيَّة بالسَّفر قبل الزَّوال للخلاص من حرمة صيام يوم العيد المحتمل تحقُّقه.

ص: 230

المَبْحَثُ السَّادس ِفي مُفَطِّرَاتِ الصَّوَم

وفيه فصلان: -

الفَصْلُ الأَوَّل المُفَطِّرَات العَشَرَة وَأَحْكَامُهَا

(مسألة 723)

يجب على المكلَّف حال الصِّيام الاجتناب عن الأمور الآتية - لأنَّها تفسد الصَّوم وتوجب القضاء، بل الكفَّارة أيضاً في بعض الأحيان، كما سيأتي بيان أحكامها في فصل خاص إن شاء الله تعالى - وتدعى ب- (المفطرات)، وهي: -

الأوَّل والثَّاني: تعمُّد الأكل والشُّرب - كثيرين كانا أو قليلين - فيجب فيه القضاء والكفَّارة.

فلا يبطل الصَّوم بذلك نسياناً، ولا فرق - في العمد - بين المتعارف أكله وشربه كالماء والخبز وبين غير المتعارف كأكل الخيط وبلع الحصاة وشرب عصارة الأشجار، كما لا فرق بين إيصاله إلى جوفه عن الطَّريق المعتاد وهو الفم أو عن غير المعتاد كالأنف - مثلاً -.

ويلحق بهذا التَّعمُّد تزريق الدَّواء في الأوردة الدَّمويَّة كتزريق الإبرة المغذِّية أو غيرها فيها، وكذا أبرة البنج العام

- كما مرَّ - فيبطل الصَّوم إلاَّ بمثل ما مرَّ ذكره من سبق البنج نيَّة الصَّوم.

(مسألة 724) لا يجوز بلع الرُّطوبة الخارجيَّة وإن كانت من الدَّاخل، فلو رطَّب الخيط أو غيره بريقه ثمَّ أخرجه ثمَّ ردَّه إلى الفم مع بقاء الرُّطوبة فيه وابتلع ما عليه من الرُّطوبة بطل صومه، وكذا المسواك إذا أخرجه من فمه وكان عليه رطوبة ثمَّ ردَّه إلى الفم وابتلع ما عليه من الرُّطوبة فضلاً عمَّا كان البلل

ص: 231

كلُّه من الخارج.

(مسألة 725) يجب - على الأحوط - تخليل الأسنان بعد الأكل إن احتمل عقلائيَّاً أو عاديَّاً أنَّ تركه يؤدِّي إلى دخول بقايا ما بين الأسنان من الطَّعام في الحلق، فضلاً عمَّا لو تيقن ذلك.

(مسألة 726) لا بأس بابتلاع الصَّائم بصاقه المتجمِّع في فضاء الفم وإن كان كثيراً، كما لا بأس بابتلاع ما يخرج من الصَّدر من الأخلاط وما ينزل من الرَّأس ما لم يصل إلى فضاء الفم، فإن وصل إلى فضائه فالأحوط وجوباً قذفه خارجاً، ولذا لو ابتلع هذا الخارج أخلاطاً أو نخامة من الفضاء - متعمِّداً - فعليه القضاء بعد الإتمام بل الكفَّارة إحتياطاً.

(مسألة 727) لا إشكال في إيصال الدَّواء إلى داخل البدن عن غير طريق الفم ممَّا لا يسمَّى أكلاً ولا شرباً عرفاً، كما لو قطَّر الدَّواء في العين أو الأذن أو الاحليل أو الجرح وإن وصل إلى جوفه من غير المعدة ونحوها، وكذا لا بأس بتزريق الإبرة - غير المغذيَّة - في العضلة.

وأمَّا قطرات الأنف فإن احتمل وصولها إلى الحلق مادِّياً عن طريقه ودخل فهي مفطِّرة على الأحوط، وإن أحرز التَّخلُّص منه ولو بوصول شيء من الطَّعم غير المادِّي كالمرارة فقط فلا بأس، لأنَّها قد يستشعر بها كالشَّم.

(مسألة 728) البخَّاخ الَّذي يستعمله المصابون بالأمراض الصَّدريَّة (الرَّبو) إن كان بخاريَّاً محضاً فليس بمؤثِّر في الصَّوم وإن كان الأحوط اجتنابه إلاَّ في مورد الضَّرورة، وإن كانمائيَّاً فهو مفسد للصِّيام - كما هو معروف بأنَّه يشتمل على مادَّة تنزل إلى الجوف عند استعماله - ويجب عليه الإمساك تأدُّباً ثمَّ القضاء بدون البخَّاخ إن احتمل استغناؤه عنه مستقبلاً، وإلاَّ فيكفيه الصَّوم مع الاحتياط بدفع الفدية.

(مسألة 729) الحبَّة تحت اللِّسان إن كان وضعها الطِّبي لا يحوج إلى بلعها وبلع موادِّها حين الوضع والذَّوبان فعلى الصَّائم الصَّبر بدون ابتلاع إلى أن ينتعش صحيَّاً ثمَّ يبصق ليتحفَّظ بصومه من دون ابتلاعها.

ص: 232

(مسألة 730) يجوز التَّمضمض والاستنشاق بالماء - حال الصِّيام - للوضوء الواجب والمندوب أو لغيره وإن كرُه في غير وضوء الفريضة، إلاَّ أنَّه لو سبق الماء في مضمضة وضوء الفريضة سهواً لم يبطل الصَّوم، وفي مضمضة غيره يبطل وعليه القضاء، وقد يكون هذا سرُّ الكراهيَّة.

(مسألة 731) لا بأس للصَّائم بذوق الطَّعام وزقِّ الطَّير ومضغ الطَّعام للصَّبي على أن لا يتعدَّى إلى الحلق ويجب البصق ثلاثاً، كما لا بأس بمص الخاتم والحصى ومضغ العلك الغير ممتزج بالحلوى والَّذي لا يتفتَّت أجزاءه مع المضغ على أن يبصق ثلاثاً - كما مرَّ - إحتياطاً ممَّا بقي من المخلَّفات الَّتي لو لم يحصل البصاق لأمكن دخوله إلى الحلق.

الثَّالث: تعمُّد الجماع، ويجب فيه القضاء والكفَّارة.

ويتحقَّق الجماع بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها، سواء كان في قبل أو دبر الأنثى بحلال أو حرام أو في دبر الذَّكر - اللواط المحرَّم - أو الحيوان - كذلك -، واطئاً كان أو موطوءاً، صغيراً أم كبيراً حيَّاً أم ميِّتاً، نزل المني أم لم ينزل، قاصداً إنزاله أم لم يقصد.

(مسألة 732) لا يبطل الصَّوم بالجماع نسياناً، فلو جامع زوجته كذلك وتذكَّر في الأثناء وجب الإخراج فوراً، وإن كان القضاء أحوط، وكذلك لا يبطل بالجبر المانع عن الاختيار، فلو ارتفع بالأثناء وجب الابتعاد.

(مسألة 733) لا يبطل الصَّوم بالإيلاج في غير الفرجين - كالوضع فيما بين الفخذين أو فرج الخنثى الملحق شرعاً بالذَّكر - إذا لم ينزل، وكذا لا يبطل بإدخال الإصبع وغيره في آلة المرأة مثلاً إذا لم ينزل الماء من آلته، إلاَّ إذا قصد به الإنزال فإنَّه مفطِّر وإن لم ينزل وعليه القضاء لأنَّه نوى ارتكاب المفطِّر، وسيأتي بيانه في (المفطِّر الرَّابع).

(مسألة 734) إذا قصد الجماع بطل صومه وإن لم يتحقَّق، بخلاف ما إذا لم يقصده بل قصد التَّفخيذ - مثلاً - فدخل في أحد الفرجين صدفة فلا يبطل

ص: 233

صومه بعد إخراجه الفوري حين الانتباه.

(مسألة 735) إذا شكَّ في الدُّخول أو شكَّ في بلوغ مقدار الحشفة أو جزء منها فإن قصد الدُّخول من الأوَّل بطل صومه وعليه الكفَّارة فضلاً عن القضاء، وإلاَّ فلا شيء عليه.

الرَّابع: تعمُّد إنزال المني، وعليه القضاء والكفَّارة كما سيأتي.

ويتحقَّق الإنزال بكل ما يؤدِّي إليه كالاستمناء (العادة السِّريَّة) أو الملامسة - مع النِّساء - أو التَّفخيذ أو التَّقبيل أو غير ذلك، فإن لم ينزل وجب فيه القضاء فقط لقصد استعمال المفطِّر فقط، وكذا لو تصوَّر صورة المجامعة أو تخيَّل صورة امرأة على الأحوط وجوباً.

(مسألة 736) لو مارس الملاعبة والتَّقبيل ونحوهما من غير قصد الإنزال، فإن كان مطمئنَّاً بعدم خروج المني وخرج اتَّفاقاً فالأحوط إتمام الصِّيام ثمَّ القضاء، وإن لم يكن مطمئنَّاًفصومه باطل ويجب عليه القضاء والكفَّارة.

(مسألة 737) لو نزل المني من غير قصد الإنزال ولا بمهيِّجات يقصدها ولم يفعل شيئاً من موجباته لم يكن عليه شيء.

(مسألة 738) لا يبطل الصَّوم بنزول المني حال الاحتلام في نهار شهر رمضان، وكذا في غيره، ولا فرق بين الرَّجل والمرأة - وإن كان فيها نادراً -، ولا تجب المبادرة - في هذه الحال - إلى الاغتسال لأجل الصِّيام وإن كان أحوط استحباباً، بل تجب المبادرة لبقيَّة العبادات الَّتي يشترط فيها الطَّهارة خوف ضيق الوقت كالصَّلاة، بل حتَّى لو لم يضق الوقت إذا أراد فعل الصَّلاة لكون الطَّهارة شرطاً فيها.

(مسألة 739) لو خرجت بقيَّة المني من المحتلم - في نهار الصَّوم - حال البول أو الإستبراء اتِّفاقاً فلا يضر بصحَّة الصَّوم إذا كان من بقايا المجرى ممَّا لا يمكن التَّخلُّص منه إلا بخروجه، كما لا يجب عليه التَّحفُّظ من خروج ذلك المني إن استيقظ قبل نزوله مع الاحتياط الوجوبي بحبسه عن الخروج إذا كان جديداً

ص: 234

من الدَّاخل مع إمكانه ولو بالإسراع إلى البول كي ينسدَّ مجرى المني بعد انفتاح مجرى البول.

(مسألة 740) لو علم المحتلم بوجود بقايا (مني) في المجرى البولي فان علم بخروجه حال البول أو الإستبراء بالخرطات فيجب - على الأحوط - تأخيرهما إلى ما بعد الغروب إذا تمكَّن منه، وإلاَّ فلا شيء عليه، وكذا لو رأى في المنام ما يوجب الاحتلام وتحرَّكت بذلك شهوته إلاَّ أنَّ المني لم يخرج إلى الخارج بعد، وعليه النُّهوض من النَّوم بعد انتباهه لو علم بأنَّه لو عاد فنام لعاد نفس الاحتلام أو ما يشبهه ولخرج منه المني كذلك.

(مسألة 741) لو أراد المحتلم الاغتسال وعلم أنَّه لو ترك الإستبراء خرجت بقايا المني بعد الغُسل وجب عليه - إحتياطاً - الإستبراء ثمَّ الاغتسال، إلاَّ إذا تساوى احتمال خروجه عند الإستبراء مع خروجه بعد الغُسل فيشمله ما بيَّنَّاه من الحكم وما تلجئ الضَّرورة إليه.

(مسألة 742) لو استيقظ المكلَّف في صيام القضاء محتلماً وعلم بأنَّ جنابته كانت ليلاً بطل صومه، لأنَّ الإصباح جنباً في قضاء شهر رمضان مفسد للصَّوم وإن كان عن غير عمد كما سيأتي، إلاَّ إذا كان القضاء مضيَّقاً - كما لو وجب عليه قضاء خمسة أيَّام ولم يبق من شعبان إلاَّ خمسة أيَّام - فالأحوط وجوباً إتمام صيامه هذا ثمَّ القضاء بعد شهر رمضان المقبل أيضاً.

الخامس: تعمُّد الكذب على الله تعالى، أو على المعصومين الأربعة عشر وهم (النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والأئمَّة الإثنا عشرعَلَيْهِم السَّلاَمُ وفاطمة الزَّهراء عَلَيْهِا السَّلاَمُ)، وفيه القضاء والكفَّارة احتياطاً.

بل يلحق بهم - على الأحوط وجوباً - باقي الأنبياء والأوصياء عَلَيْهِم السَّلاَمُ، من دون فرق في ذلك بين أن يكون في أمر ديني أو دنيوي ولا بين كونه بالقول أو بالكتابة أو بالإشارة اللفظيَّة وغيرها.

كما لا فرق أيضاً في بطلان الصَّوم بين رجوع الكاذب عن كذبه فوراً أو لا.

ص: 235

(مسألة 743) إذا قصد الكذب ولكن كان صدقاً في الواقع بطل صومه لقصده المفطِّر، وكذلك إذا أخبر بما يشكُّ في ثبوته ملتفتاً إلى الشَّك على الأحوط وجوباً، بخلاف ما لو قصد الصِّدق وكان كذباً في الواقع فلا يضر بصحَّة صومه ولكن قد يأثم بذلك إذا كان حصول ذلك الكذب عن جهل تقصيري بسبب عدم المتابعة.

(مسألة 744) إذا كان كلامه بالخبر الكاذب غير موجَّه إلى أحد معيَّن أو وجَّهه إلى من لا يفهم معناه ففي بطلان الصَّوم إشكال - من جهة عدم إحراز الكذب المبطل وإن كان في نفسه كذباًعاديَّاً - ومقتضاه الاحتياط الوجوبي بإتمام صيامه بنحو القربة ورجاء القبول ثمَّ القضاء احتياطاً استحبابيَّاً.

(مسألة 745) يجب التَّحفُّظ في قراءة القرآن عن الوقوع في الخطأ وخصوصاً في نهار شهر رمضان للتَّحرُّز عن الوقوع في الكذب على الله تعالى، فمن كان يعلم من نفسه أنَّه لا يحسن قراءته وأراد تحصيل ثوابها في هذا الشَّهر المبارك فليحضر عند من يستمع له قراءته من القراء والمجيدين في قراءتهم ليصحِّح له خطأه أو يحضره عنده لذلك، أو يتبع في قراءته القارئ المجيد ولو كان بواسطة (شريط الكاسيت) أو (التِّلفزيون)، فإن تعسَّر أو تعذَّر ذلك فالأقوى جواز قراءة القرآن الكريم - لمن لم يقصد الخطأ - بنيَّة التَّعلُّم وبنحو الحكاية لا على أنَّه هو كلام الله إذا أخطأ فيها.

(مسألة 746) ينبغي بل يجب نوعاً على الخطباء والوعَّاظ أن يحتاطوا ويتورَّعوا - في مواعظهم المنيفة - حين قراءة آيات القرآن الكريم بضبطها في القراءة وبيان المقصود وحين عرض الرِّوايات الشَّريفة جهد الإمكان، وبالخصوص إذا كانت مواعظهم في نهار الصَّوم بأن يدقِّقوا في الأسانيد أو يستجيزوا في الرِّواية من قبل مشايخ الإجازة، وإن لم يعلموا بصحَّة السَّند واحتاجوا إلى نقل الرِّواية لقوَّة متنها في الإفادة الوعظيَّة فعليهم أن ينسبوها إلى مقام قائلها بالفعل المبني للمجهول وهو كلمة (روي) أو قال صاحب الكتاب الفلاني نقلاً عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أو الإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ مثلاً للخلاص من خطأ النِّسبة من

ص: 236

نفسه ومشكلة عدم صحَّة السَّند حذراً من الوقوع في الكذب على النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أو على الإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

السَّادس: تعمُّد رمس جميع الرَّأس في الماء وإن كان البدن في خارجه، وعليه الكفَّارة فضلاً عن القضاء كما سيجيء.

فلو أدخل جميع بدنه في الماء وكان بعض رأسه خارج الماء لم يبطل صومه، بلا فرق في ذلك بين الدَّفعة والتَّدريج بحيث يشمل جميع الرَّأس، كما لا فرق بين الماء المطلق والمضاف.

(مسألة 747) لا يضر في صوم الصَّائم صبُّ الماء على رأسه وإن استغرق جميعه في آن واحد، إلاَّ إذا صدق عليه الرَّمس في الماء كالوقوف تحت الشَّلاَّلات الكبيرة ونحوها ففيه يجب الاحتياط بالقضاء والكفَّارة مع إتمام ذلك اليوم، وكذلك لا يضر رمس إجزاء الرَّأس بنحو التَّعاقب وإن استغرق الجميع على دفعتين أو أكثر، كما لو غمس نصف رأسه في الماء وأبقى نصفه الآخر خارجه وبعد إخراجه من الماء يغمس النِّصف الثَّاني،فيتم - حينئذ - غمس الرَّأس الكامل على دفعتين.

(مسألة 748) إذا ارتمس في الماء نسياناً لم يبطل صومه فإن تذكَّر في الأثناء وجب عليه إخراج رأسه فوراً ولا شيء عليه، وكذا لو كان ارتماسه في الماء قهراً وعن غير اختيار فإن ارتفع عذره وهو تحت الماء وجب إخراج رأسه فوراً ولا شيء عليه.

(مسألة 749) لو لطَّخ رأسه بما يمنع من وصول الماء إليه ثمَّ رمسه في الماء بطل صومه، أمَّا لو أدخل رأسه في إناء من الزُّجاج أو النَّايلون وارتمس في الماء أو كما يصنعه الغواصون فالأحوط إتمام الصِّيام ثمَّ القضاء.

(مسألة 750) إذا ارتمس الصَّائم في الماء قاصداً به الاغتسال صحَّ غُسله وصومه إن كان ناسياً، وإن كان متعمِّداً بطلا معاً إن كان صومه واجباً معيَّناً كشهر رمضان، وإن كان مستحبَّاً أو واجباً موسَّعاً بطل صومه وصحَّ غُسله.

ص: 237

(مسألة 751) لو رمس رأسه في الماء لأجل إنقاذ غريق بطل صومه حتَّى لو كان الإنقاذواجباً عليه.

السَّابع: تعمُّد البقاء على حدث الجنابة إلى الفجر، في صوم شهر رمضان وقضائه.

بل حتَّى في الواجب المعيَّن الآخر - كنذر صوم يوم معيَّن - والموسَّع على الأحوط وجوباً، عدا الصَّوم المندوب وإن كان الأحوط إلحاقه أيضاً.

كما ويلحق بحدث الجنابة حدثا (الحيض والنَّفاس) بالنِّسبة إلى النِّساء فيبطل الصَّوم حين تعمُّد البقاء عليهما بدون طهارة مائيَّة أو ترابيَّة إن كان في شهر رمضان، بل حتَّى غيره من الواجب المعيَّن وكذا قضائه على الأحوط وجوباً.

(مسألة 752) لا يبطل الصَّوم بالبقاء على حدث مس الميِّت عمداً إلى طلوع الفجر مع الاحتياط بالقضاء.

(مسألة 753) لا يجوز للإنسان أن يجنب نفسه قبل الفجر عمداً بمقاربته لزوجته بحيث يعلم بعدم سعة الوقت لإحدى الطَّهارتين - الغُسل أو التَّيمُّم - أو كان فاقداً لهما - كمن لم يجد ماءاً أو ما يصح التَّيمُّم به - فإن فعل فعليه القضاء والكفَّارة.

ولو احتمل أنَّ الوقت كاف للغُسل، وأجنب نفسه بالمقاربة ثمَّ تبيَّن ضيقه وعدم سعته للغُسل، فإن كان احتماله بعد التَّفحُّص عن الوقت فيجب عليه التَّيمُّم للصِّيام ولا قضاء عليه وعليه الاغتسال فيما بعد لما يشترط فيه الطَّهارة كصلاة الفجر إن أمكن، وإن لم يكن عن تفحُّص فيجب عليه التَّيمُّم بدلاً عن الغُسل للصِّيام ثمَّ القضاء على الأحوط وجوباً والاغتسال للصَّلاة كما مرَّ.

(مسألة 754) لو أجنب ليلاً مع سعة الوقت ووجدان ما يتطهَّر به - الماء أو التُّراب - ثمَّ فقدهما فلا يعتبر ممَّن تعمَّد البقاء على الجنابة وصومه صحيح إلاَّ في الواجب غير المعين كقضاء شهر رمضان الموسَّع فيفسد قضاؤه وإن أجنب عن

ص: 238

غير عمد - كما مرَّ -.

وكذا الحائض أو النَّفساء لو طهرتا قبل الفجر وكانتا فاقدتين للطَّهورين فصومهما صحيح وإن كان الأحوط استحباباً للجميع القضاء بعد ذلك.

(مسألة 755) إذا لم يتمكَّن الصَّائم من رفع حدثه بالغُسل لمانع المرض أو لعدم وجود الماء أو لضيق الوقت وتمكَّن من التَّيمُّم قبل طلوع الفجر وجب ذلك ويبقى مستيقضاً إلى أن يطلع الفجر على الأحوط لكون التَّيمُّم أضعف من الغُسل في رفع الحدث لفاعليَّته الأكثر، فإن ترك التَّيمُّم عمداً بطل صومه وعليه القضاء والكفَّارة، ومع تركه لعدم القدرة عليه كالماء فعليه الصِّيام احتياطاً والقضاء.

(مسألة 756) إذا نسي غسل الجنابة ليلاً - قبل طلوع الفجر مثلاً - حتَّى مضى عليه يوم أو أيَّام فإن كان في الواجب المعيَّن كشهر رمضان بطل صومه وعليه القضاء فقط، وكذا في غير المعيَّن كقضاء شهر رمضان وصوم الكفَّارة على الأحوط وجوباً.

كما ويلحق نسيان المرأة لغسل حيضها أو نفاسها بنسيان الجنابة على الأحوط وجوباً.

(مسألة 757) لا يجوز للمجنب - أو المحتلم - ليلاً في شهر رمضان أن ينام قبل الاغتسال من جنابته إن كان يعلم من نفسه عدم الاستيقاظ قبل الفجر بوقت يسع للاغتسال، ولكن يجوز له النَّوم الثَّاني والثَّالث مع العلم بالاستيقاظ أو احتماله ككونه معتاد الانتباه، وإلاَّ فلا وعليه القضاء والكفَّارة لو حصل منه ذلك، وإن كان الأحوط استحباباً له ترك النَّوم مطلقاً إلى أن يغتسل.

(مسألة 758) لو نام المجنب في شهر رمضان ليلاً مع علمه بالاستيقاظ قبل طلوع الفجر أو احتماله فإن كان عازماً على الاغتسال واتَّفق استمرار نومه إلى طلوع الفجر فصومه صحيحولا شيء عليه، وإن كان عازماً على ترك الاغتسال أو متردِّداً فيه واستمرَّ نومه إلى طلوع الفجر فيجب عليه القضاء والكفَّارة، وكذا لو نام غافلاً عن الغُسل - مقصَّراً ومتساهلاً فيه - واستمرَّ نومه فعليه

ص: 239

القضاء والكفَّارة على الأحوط وجوباً.

(مسألة 759) لو استيقظ قبل طلوع الفجر من النَّومة الأولى باقياً على جنابته ثمَّ نام ثانياً عازماً على الغسل فإن كان معتاد الانتباه واستمرَّ نومه إلى ما بعد الفجر فالأحوط وجوباً إتمام صومه ثمَّ القضاء دون الكفَّارة وإن كانت أحوط استحباباً، وإن لم يكن معتاد الانتباه فتجب الكفَّارة أيضاً على الأحوط وجوباً، وكذا لو نام ثالثاً ورابعاً وخامساً من باب أولى.

(مسألة 760) الأحوط وجوباً عد النَّوم الَّذي احتلم فيه - المكلَّف - ليلاً من النَّوم الأوَّل، فإن نام بعد ذلك يكون ذلك منه نوماً ثانياً له حكمه الخاص كما مرَّ.

(مسألة 761) لو أصبح مجنباً من حرام عامداً فيجب عليه القضاء والكفَّارة المخيَّرة، ولا يجب عليه كفَّارة الجمع، بخلاف ما لو فعل ذلك والعياذ بالله نهاراً كالزِّنا ونحوه.

(مسألة 762) لا تلحق الحائض والنَّفساء بالجُنب في حكم النَّومات المتعدِّدة الماضية، بل المدار فيهما على صدق التَّواني (التَّسامح) في الغُسل وعدمه لا مع استمرار الدَّم، فيبطل صوم المرأة فيما إذا نقت من دم الحيض أو النَّفاس قبل الفجر وتركت الغُسل متسامحة فيه إلى أن طلع الفجر وعليها القضاء والكفَّارة، وأمَّا إذا لم تقصَّر في ذلك فصومها صحيح حتَّى لو نامت ثلاث مرَّات.

(مسألة 763) يشترط - على الأحوط - في صحَّة صوم المستحاضة الكثيرة الاغتسال قبل صلاة العشاءين من الليلة الَّتي تسبق يوم الصِّيام لتصبح وصومها على طهارة - حسب ما بيَّنَّاه في أحكام الإستحاضة - وكذا الاغتسال بالأغسال النَّهاريَّة الَّتي تجب للصَّلاة كغسل صلاة الصُّبح تُقدِّمه على الفجر وغُسل الظُّهر تجمع بينهما، فلو استحاضت قبل الإتيان بصلاة الصُّبح أو الظُّهرين بما يوجب الغُسل وتركته بطل صومها.

الثَّامن: تعمُّد الاحتقان بالمائع، سواء أكان اختياراً أم اضطراراً كما لو

ص: 240

كان للمعالجة.

ولا بأس بالاحتقان من الدُّبر بالجامد، وبتزريق المائع في العضلة، وبوضع الدَّواء على الجرح وإن نزل إلى الجوف غير المعوي كما مرَّ في مسألة (727).

(مسألة 764) لو اضطرَّ إلى الحقنة بالمائع لمرض ونحوه بطل صومه وعليه القضاء، وأمَّا في حالة عدم الاضطرار ففيه القضاء والكفَّارة إحتياطاً.

وأمَّا التَّحاميل الطِّبيَّة فالأحوط وجوباً اجتنابها لأنَّها دهنيَّة ذات سيلان داخل الكبسولة أو تؤول إلى ذلك بمجرَّد الادخال بسبب الحرارة.

التَّاسع: تعمُّد القيء وإن كان لضرورة من علاج مرض ونحوه.

فلو تقيَّء قهراً وبدون اختيار فصومه صحيح ولا شيء عليه، ولكن لا يجوز له ابتلاع ما يخرج من حلقه اختياراً، لأنَّه لو وقع فسد صومه ووجبت الكفَّارة، كما لو حصل منه التَّقيؤ العمدي، وأمَّا التَّقيؤ الاضطراري للعلاج فلا شيء سوى القضاء.

(مسألة 765) إذا استعمل في الليل ما يوجب تقيُّؤه في النَّهار كالخروع فسد صومه إن تقيَّء نهاراً لو علمت ملازمة تقيئه نهاراً لاستعمال ذلك الخروع ليلاً، وإلاَّ فلا، سواء كان ذلك في الواجب المعيَّن أو غيره.

(مسألة 766) لا بأس بالتَّجشؤ حال الصَّوم اختياراً إذا لم يعلم بخروج شيء معه يصدقعليه القيء أو ينحدر بلا اختيار إلى الجوف بعد الخروج إلى فضاء الفم.

والتَّجشؤ هو (محاولة إخراج الهواء الباطني عن طريق الحلق).

أمَّا مع الابتلاع الاختياري حال التَّجشؤ فإنَّه يفسد صومه وعليه الكفَّارة كما مرَّ.

العاشر: تعمُّد إيصال الغبار الغليظ إلى الجوف، وكذا غير الغليظ احتياطاً.

بلا فرق بين كونه من الحلال في أساسه كغبار الدَّقيق (الحنطة) أو من غير الحلال كغبار التُّراب ونحوه، وسواء كان بإثارة الصَّائم نفسه بالكنس ونحوه أو

ص: 241

بإثارة شخص غيره أو بإثارة الهواء مع التفاته إليه وعدم تحفُّظه منه تعمُّداً.

(مسألة 767) يلحق بالغبار الغليظ - في مفطِّريَّته للصَّوم - الدُّخان مثل (التِّنباك والتِّرياك والنَّارجيلة والسِّيكارة) إضافة إلى حرمة بعضها في أساسه كالتِّرياك لتعدِّي الدُّخان إلى الحلق لمجاورة مدخلي القصبة الهوائيَّة والمريء المؤثِّرة للتَّعدِّي كثيراً ولإضافته إلى لعاب الفم - المتعارف بلعه أثناء التَّدخين دائماً أو غالباً على الأقل - نسباً معيَّنة قليلة أو كثيرة حسب نوعيَّة التِّبغ من النِّيكوتين والقطران ممَّا يسبب ثخانة في اللعاب الرِّقراق الصَّافي ويجعل لونه كالحليب، وبلع ذلك اللعاب - حسب المتعارف - ممَّا يستلزم وصوله عن طريق المريء إلى المعدة، وبسبب تأثيره عليها بوجود نسب منه تقلُّل شهيَّة المدخِّنين - حسب المتعارف كذلك -، بل قد تسبِّب أمراضاً خبيثة.

(مسألة 768) لا يحق لأيِّ مدخِّن في شهر رمضان - سواء كان متمادياً في إفطاره أو متوهِّماً حليَّة استعماله حسب اجتهاده أو تقليده وإن اعتبر نفسه صائماً أو مسموحاً له في إفطاره لمرض أو سفر - بالتَّجاهر بالدُّخان، وبالأخص ما لو يضيِّق على من يؤثِّر على صومه شيء من ذلك من الآخرين حسب الاجتهاد أو التَّقليد أو الاحتياط الواجب، وإن حصل ذلك ففيه إثم كبير لوجوب رعاية شعور الملتزمين الآخرين ممَّن يعتبر حرمته ومفطِّريَّته أو مفطِّريته حسب.

(مسألة 769) لا بأس بوصول الغبار وما يلحق به إلى الحلق نسياناً أو قهراً أو غفلة ولكن يجب إخراجه إن أمكن، أو عدم البقاء في مواقعه إن لم يمكن.

(مسألة 770) إذا لم يتحفَّظ الصَّائم من وصول الغبار ونحوه إلى الحلق ووصل إليه فإن كان مطمئنَّاً من عدم الوصول صحَّ صومه، وإلاَّ فالأحوط وجوباً إتمامه صيامه ثمَّ القضاء حتَّى في صورة الظَّن غير المطمئن من عدم الوصول.

ص: 242

تَتمِيمٌ

(مسألة 771) المفطرات المتقدِّمة إنَّما تفسد صوم المكلَّف إذا وقعت منه على وجه العمد والاختيار إلاَّ

في القيء، فلو تعمَّده ولو لأجل الاضطرار فقد فسد صومه - كما مرَّ -.

نعم البقاء على الجنابة في الواجب غير المعيَّن كقضاء شهر رمضان الموسَّع وصوم الكفَّارة لا يعتبر في مفطِّريَّته خصوص التَّعمُّد على الأحوط وجوباً - كما بيَّنَّاه في محلِّه -، وكذا لا يعتبر في النَّومة الثَّانية فيبطل صومه حتَّى في غير العمد كما مرَّ تفصيل ذلك.

(مسألة 772) لا فرق في البطلان مع العمد بين العالم بالحكم والجاهل به، ولا بين الجاهل القاصر والمقصَّر، ولا بين الملتفت وغيره، ولا بين المعتقد بالحليَّة وعدم المفطِّريَّة ثمَّ تبيَّن الخلاف وغير المعتقد بهما.

نعم لا يبطل صومه إذا وقعت تلك المفطِّرات عن غير عمد كاستعمال المفطِّر نسياناً أو سهواً أو إدخاله في جوفه قهراً بدون اختيار كما سيجيء، أو صدر منه شيء باعتقاد شرعي أنَّه غير مفطِّر ثمَّ تبيَّن الخلاف كإخباره عن الله تعالى ما يعتقد بأنَّه صدق فبان كذبه، لا كبقيَّة المفطِّرات، فإنَّها بالتَّعمُّد ولو اعتقاداً بحلِّيتها موجبة للإفطار كما أشرنا.

(مسألة 773) من أفطر ناسياً في الواجب المعيَّن - بل حتَّى غير المعيَّن لو كان مضيَّقاً - فظنَّ فساد صومه فأفطر - ثانياً - عامداً فعليه القضاء والكفَّارة.

(مسألة 774) الإكراه والإجبار على فعل المفطِّر يتصوَّر على نحوين: -

الأوَّل: سلب الاختيار من الصَّائم نهائيَّاً،كما لو أدخل الطَّعام - مثلاً - في حلقه قهراً، أو أدخل رأسه تحت الماء جبراً ففي هذه الصُّورة لا يبطل الصَّوم - كما مرَّ -.

الثَّاني: ما لم يسلب الإختيار منه نهائيَّاً، بل ارتكابه المفطِّر يكون لدفع ضرر مالي أو نفسي - محتمل عقلائيَّاً فضلاً عن كونه متيقِّناً - كشرب مقدار من الماء ليرفع به اضطرار العطش لو خاف الضَّرر من الصَّبر عليه، أو استعمال

ص: 243

حبوب الضَّغط وغيرهما من الأدوية عند الضَّرورة والحاجة إلى الاستعمال.

وكالتَّقيَّة أيضاً ومنها التَّناول خوف أن يقتله عدُّوه فإنَّها وإن كانت واجبة في حقِّ من يحتمل - عقلائيَّاً - هذا الضَّرر إلاَّ أنَّه في جميع الأمثلة المتقدِّمة يفسد صومه وعليه القضاء دون الكفَّارة، وإن لم يحصل الإثم في فعلها لأسبابها المذكورة.

بلا فرق في التَّقيَّة بين أن تكون في ترك الصِّيام كالإفطار في بلد ثبت عندهم العيد ولم يثبت عنده شرعاً، أو تكون في تناول المفطِّر وهو صائم كالإفطار قبل الغروب الكامل وهو ذهاب الحمرة المشرقيَّة.

(مسألة 775) لا يجوز التَّجاهر بالإفطار في شهر رمضان المبارك - حتَّى من قبل المعذور والمرخَّص بالإفطار إذا كان تناوله المفطِّر يوجب الهتك لحرمة الشَّهر ويشجِّع المتساهلين وغيرهم على التَّهاون بالواجب - احتراماً وتأدُّباً لازماً تجاهه، بل يجب على كل مسلم - إن تمكَّن - القضاء على هذه الظَّاهرة المخالفة للشَّريعة المقدَّسة في كل البلاد الإسلاميَّة.

فالباعة المتجوِّلون - وغيرهم - للأكل الجاهز والسَّريع يجب مقاطعتهم في الشِّراء علناً - حتَّى من قبل المعذورين - إذا أدَّى شراؤهم إلى ما ذكرناه، ولا يفسح لهم مجال البيع، إلاَّ إذا كان بعد وقت الإفطار ممتدَّاً إلى وقت الفجر، أو يكون البيع والشِّراء سرَّاً للمعذورين وفي مواقع خاصَّة كمواقع وسائط النَّقل للمسافرين (الكراجات)، وعلى أن يكون تناول تلك المأكولات منقبل خصوص المعذورين والمرخَّصين بتكتُّم أيضاً.

بل الأحوط كون تلك الأماكن ممَّا بين المدن من الأماكن غير المسكونة لا في (الكراجات) لكثرة المتساهلين، أمَّا الأطعمة غير الجاهزة فلا مانع من بيعها لاحتمال كونها تؤخذ لتهيئتها لحالات الإفطار بعد حلول وقته إلاَّ إذا عرف منه التَّساهل في الواجب المقدَّس في النَّهار لا لتناول طعامه وقت الإفطار الشَّرعي فيبقى على أصل الحرمة.

(مسألة 776) لا يجوز لمن أفسد صومه - أثناء شهر رمضان - استعمال

ص: 244

المفطِّرات المتقدِّمة، بل يجب عليه الإمساك عنها تشبُّهاً بالصَّائمين - كما مرَّ ذكر بعض الحالات من ذلك -.

حَالاَتُ اِسْتِحبَابِ الإِمْسَاك التَّأدُّبي

(مسألة 777) يستحب الإمساك تأدُّباً في أثناء نهار رمضان لبعض المعذورين - ممَّن لم يتحقَّق عليهم وجوب

الصَّوم تماماً - مع الإمكان وفي مواضع، وهي: -

1- المسافر إذا ورد أهله - أو محلاًّ يريد الإقامة فيه عشرة أيَّام - بعد الزَّوال أو قبله وقد تناول المفطِّر.

2- المريض إذا برئ في أثناء النَّهار قبل الزَّوال وقد تناول المفطِّر، وكذا إذا برئ بعده حتَّى لو لم يفطر.

3- الحائض والنَّفساء إذا طهرتا في أثناء النَّهار.

4- الكافر إذا أسلم قبل الزَّوال وقد تناول المفطِّر، وكذا بعده حتَّى لو لم يفطر.

5- الصَّبي إذا بلغ في أثناء النَّهار وقد تناول المفطِّر، وكذا لو لم يتناول المفطِّر ولم يكن ناوياً الصَّوم وكان بلوغه بعد الزَّوال، أمَّا لو كان قبله فالأحوط إتمامه كما مرَّ ويشتد أمره فيما لو كان ناوياً الصَّوم من اللَّيل.

6- المجنون إذا أفاق في أثناء النَّهار وقد تناول المفطِّر، وإن كان ناوياً للصَّوم قبل طلوع الفجر.

7- المغمى عليه إذا أفاق في أثناء النَّهار وقد تناول المفطِّر، نوى الصَّوم قبل طلوع الفجر أو لا.

ص: 245

الفَصْلُ الثَّانِي مَكْرُوهَاتِ الصَّوَم

(مسألة 778) يكره للصَّائم ارتكاب أمور، وهي:-

1-مباشرة النِّساء لمساً وتقبيلاً ومداعبة إذا لم يقصد به الإنزال ولم يكن من عادته.

2- الاكتحال بما يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق كالصِّبر والمسك.

3- دخول الحمام إذا خشي على نفسه الضَّعف وطروء الإغماء - المفسد - عليه.

4- استعمال السُّعوط وهو (البرنوطي) مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق، فإن إستعمله عالماً بوصوله ونزل إلى الجوف وجب أن يقذف ما تبقى في حلقه ويبقى ممسكاً تأدُّباً ثمَّ القضاء والكفَّارة على الأحوط وجوباً، أمَّا مع عدم قصده ونزل إلى جوفه فيجب أن يمسك تأدُّباً ثمَّ يقضي.

5- شم كل نبت طيِّب الرَّائحة - خصوصاً النَّرجس - وهو نبات يستعمله الفرس بشمِّه لأنَّه يذهب العطش.

6- بل الثَّوب على الجسد.

7- جلوس المرأة في الماء، لإمكان دخوله في فرجها.

8- الحقنة بالجامد.

9- قلع الضِّرس، بل مطلق إدماء الفم خوف الضَّعف والإغماء.

10- إخراج الدَّم المضعف خوف الإغماء.

11- السُّواك بالعود الرَّطب.

12- المضمضة عبثاً إلاَّ المسموح بها في وضوء الفريضة مع المحافظة على عدم دخول الماء إلى الحلق.

13- الجدال والمراء.

14- إنشاد الشِّعر إلاَّ في مراثي النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وأهل بيته الأئمَّة الأطهار عَلَيْهِم السَّلاَمُ ومدائحهم، وكذا كل ما يوجب تقوية الدِّين الحنيف.

ص: 246

وفي الخبر عن أبي عبدالله عَلَيْهِ السَّلاَمُ (إذَا صُمْتُمْ فَاحْفَظُوا ألْسِنَتُكُمْ عَنِ الكَذِبِ وَغُضُّوا أبْصَارَكُمْ وَلاَ تَنَازَعُوا وَلاَ تَّحَاسَدُوا وَلاَ تَغْتَّابُوا وَلاَ تُمَارُّوا وَلاَ تَكْذِبُوا وَلاَ تُبَاشِرُوا وَلاَ تُخَالِفُوا وَلاَ تَغْضَبُوا وَلاَ تَّسَابُّوا وَلاَ تَّشَاتَمُوا وَلاَ تَنَابَزُوا وَلاَ تُجْادِلُوا وَلاَ تُبَاذُّوا وَلاَ تَظْلِمُوا وَلا تَّسّافَهُوا وَلاَ تُزَاجِرُوا وَلاَ تَغْفَلُوا عَنِ ذِكْرِالله تَعَاَلَى).

ص: 247

المَبْحَثُ السَّابع ِفي كَفَّارَةِ الصِّيَام

وفيه فصول: -

الفَصْلُ الأَوَّل ِفي مَعْنَى الكَفَّارَةِ وَمَوَارِدِ وُجُوبِهَا وَمقْدَارِهَا

الكفَّارة لغة هي السَّتر، وشرعاً هي عقوبة دنيويَّة يأتي بها المكلَّف - وجوباً - مكان فعل محرَّم إذا أتى به على وجه التَّعمُّد والإختيار من غير إكراه ولا إجبار كارتكاب المفطِّرات المتقدِّمة عن تعمُّد وقصد.

وقد يتحقَّق من هذا (التَّكفير) إسقاط الذَّنب أو ستره من قبل المولى تعالى مع التَّوبة وعدم التِّكرار، لأنَّ هذا الذَّنب من الذُّنوب المتعلِّقة بالباري عزَّ وجل القابلة لغفرانها، ولا يخلو دفعها من نفع آخر للمحتاجين وهو أن يتذكَّر المرتكب لموجبها - لو لم يتذكَّر بالجوع والعطش بالصَّوم - بجوع وعطش المحتاجين لنفعهم بهذه الكفَّارة.

وقد تطلق الكفَّارة تسامحاً أو مجازاً على الفدية الَّتي هي بدل عن تأخير قضاء شهر رمضان فات إلى ما بعد شهر رمضان الثَّاني، سواء كان عن عمد أو عذر شرعي لبعض الأسباب كالمرض المستمر، وتسمَّى أيضاً ب- (كفَّارة التَّأخير)، وستأتي في فصل خاص وهو مبحث الفدية مع قضاء شهر رمضان إن شاء الله تعالى.

(مسألة 779) تجب الكفَّارة - فضلاً عن القضاء - بارتكاب شيء من المفطِّرات المتقدِّمة عمداً اختياراً في مواضع: -

1- صوم شهر رمضان.

ص: 248

2- قضاء شهر رمضان بعد الزَّوال.

3- الصَّوم المنذور في يوم معيَّن.

4- صوم الاعتكاف في الثَّالث منه.

بلا فرق فيها بين جميع المفطِّرات على الأحوط وجوباً إلاَّ في النَّوم الثَّاني من الجُنب بعد الانتباه كما مرَّ، وإن كان أحوط.

كما لا فرق في وجوب الكفَّارة بين العالم بكون ما يرتكبه مفطِّراً أو العالم بحرمته - وإن كان جاهلاً بالمفطِّريَّة - وبين الجاهل المقصَّر الملتفت، أمَّا المقصَّر غير الملتفت أو القاصر فلا كفَّارة عليه.

(مسألة 780) مقدار الكفَّارة لإفطار يوم من أيَّام شهر رمضان متعمِّداً التَّخيير بين أمور ثلاثة وهي: -

1- عتق رقبة.

2- صوم شهرين متتابعين.

3- إطعام ستِّين مسكيناً لكل مسكين مد (أي تسعمائة غراماً تقريباً) من الطَّعام، كما سيأتي.

ومقدارها للإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزَّوال إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من الطَّعام، فإن لم يتمكَّن فصيام ثلاثة أيَّام، والأحوط أن تكون متتابعات.ومقدارها للإفطار في الصَّوم المنذور المعيَّن ككفَّارة شهر رمضان مخيَّرة بين الخصال الثَّلاث.

ومقدارها لإفساد الاعتكاف ككفَّارة شهر رمضان المخيَّرة أيضاً، والأحوط كونها مرتَّبة ككفَّارة الظِّهار.

(مسألة 781) لو أفطر على محرَّم وجب عليه الجمع بين خصال كفَّارة شهر رمضان الثَّلاث المتقدِّمة، سواء كان المحرَّم حرمته ذاتيَّة كشرب الخمر والزِّنا والكذب على الله تعالى أو عرضيَّة كالجماع مع الزَّوجة حال الحيض، ويعوِّض عن الرَّقبة - المفقودة كما في زماننا - بإحدى الخصلتين الأُخريتين، فإن لم يتمكَّن

ص: 249

أتى بما تيسَّر له من ذلك.

الفَصْلُ الثَّانِي في أَحْكَامِ الكَفَّارَة

(مسألة 782)

لا تتكرَّر الكفَّارة في اليوم الواحد - حتَّى لو تكرَّر موجبها واختلف جنسه - كما لو أكل وشرب وارتمس في الماء في يوم واحد، إلاَّ في الجماع وإنزال المني - بملاعبة الزَّوجة أو التَّفخيذ ونحوهما - فتتعدَّد الكفَّارة بتعدُّدهما ولو في يوم واحد، وإن كانت كفَّارة جمع كالجماع من حرام.

(مسألة 783) تتعدَّد الكفَّارة بالإتيان بموجبها في يومين أو أكثر.

(مسألة 784) لو عجز عن كفَّارة الإفطار عمداً - وهي احدى الخصال الثَّلاث المتقدِّمة - تخيَّر بين الصِّيام ثمانية عشر يوماً وبين أن يتصدَّق بما يطيق، والأحوط الجمع بينهما وبين الاستغفار، فإن لم يقدر على واحدة منهما استغفر الله ولو مرَّة بدلاً عن الكفَّارة، ولا يوجب هذا العجز سقوط الكفَّارة مدى الحياة بل تجب عليه عند التَّمكُّن منها.

(مسألة 785) يجب التَّتابع في كل صيام يشترط فيه - التَّتابع - كصيام كفَّارة الجمع وكفَّارة التَّخيير وفي الثَّمانية عشر يوماً بدل كفَّارة الشَّهرين حين العجز عنهما والصَّوم المنذور مع قيد ذلك التَّتابع.

ويكفي في تتابع الشَّهرين صيام واحد وثلاثين يوماً متتابعاً (متوالياً)، وإتيان البواقي متفرِّقة، وأمَّا الشَّهر المنذور فيه التَّتابع فقيل يكفي فيه صيام خمسة عشر يوماً، والباقي يجوز تفريقها، ولكن لا يترك الاحتياط فيه بالاستئناف مع تخلُّل الإفطار عمداً وإن بقي منه يوم.

(مسألة 786) يجب على من أراد صوم الكفَّارة الاطمئنان من عدم تخلُّل يوم يحرم فيه الصَّوم - كعيد الأضحى - في ضمن الواحد والثَّلاثين يوماً، وكذا لابدَّ من الاطمئنان من عدم وجود يوم يجب عليه صيامه عيناً كالنَّذر المعيَّن

ص: 250

ونحوه، فإن شرع في صيام الكفَّارة وصادف في أثناء الأيَّام الواحد والثَّلاثين يوم يحرم أو يجب صيامه من غير ذلك أو ترك عمداً صوم يوم منها وجب عليه أن يستأنف صوم الشَّهرين.

(مسألة 787) يستثنى من المسألة السَّابقة حالتان: -

1- صيام الأيَّام الثَّلاثة في الحج الَّتي من العشرة بدل الهدي، فيكفي فيها إن أمكن صيام يوم قبل التَّروية ويوم التَّروية ويوم عرفة وإلاَّ فاليومان قبل العيد ويوم بعد أيَّام التَّشريق، وإن لم يمكن ذلك فيصوم الأيَّام الثَّلاثة متواليات بعد أيَّام التَّشريق إمَّا في مكَّة أو في الطَّريق أو في بلدته إن لم يمكنه قبل الأيَّام السَّبعة ولو بفاصل يوم واحد احتياطاً.

2- كفَّارة القتل في الحرم أو في الأشهر الحرم فيجب على القاتل صيام الشَّهرين تتابعاً من تلك الأشهر من دون فصل في الإفطار.(مسألة 788) لو طرأ في ضمن صوم الكفَّارة (الواحد والثَّلاثين يوماً) - أو في صوم يعتبر فيه التَّتابع كالنَّذر - عذر اضطرَّه للإفطار كالحيض والنَّفاس و السَّفر الاضطراري، فلا يبطل تتابعه ويستمر في صيامه بعد زوال عذره، وأمَّا إذا لم يكن اضطراراً فيجب عليه الاستئناف كما مرَّ.

(مسألة 789) الكفَّارة في أساسها واجب موسَّع، فيجوز تأخيرها إلاَّ إذا وصل إلى حد التَّواني والتَّسامح إلى حد قد ينسى فيه واجبه أو يضيق عليه الزَّمن باحتمال حدوث مرض عضال يمنع منه أو ما يعجل بموته فيجب التَّعجيل.

(مسألة 790) يجوز - بل يستحب - التَّبرُّع بالكفَّارة عن الميِّت بخصالها الثَّلاث، وأمَّا عن الحي فإن كانت صياماً فلا يجوز لاشتراطه بمباشرة من ارتكب موجبها (المفطِّر)، وأمَّا العتق والإطعام فيجوز فيها التَّوكيل عن الحي، وكذا ما يكون بدل العتق من الإطعام لعدم وجود العبيد في هذا الزَّمان.

(مسألة 791) إذا جامع زوجته - الدَّائمة أو المنقطعة - في شهر رمضان وهما صائمان، فإن كان مكرهاً لها على المواقعة تحمَّل كفَّارتين (كفَّارة عنه وكفَّارة

ص: 251

عن زوجته) ويعزَّر بتعزيرين عنه وعنها أيضاً كل واحد منهما خمسة وعشرون سوطاً، وإن كانت المواقعة برضاهما فعلى كلٍّ منهما كفَّارة وتعزير (خمسة وعشرون سوطاً)، ولو أكرهها في بداية الأمر ثمَّ طاوعته في الأثناء فيجب عليه - إحتياطاً - كفَّارتان وتعزيران وعليها كفَّارة وتعزير.

ولا يتعدَّى حكم الإكراه إلى غير الزَّوجة، فلو أكره المولى أمته أو أكره الرَّجل امرأة أجنبيَّة ممَّا يحرم معها من الزِّنا لم يتحمَّل كفَّارتها ولا تعزيرها، وكذا لو أكرهت الزَّوجة زوجها على الجماع لم تتحمَّل كفَّارته ولا تعزيره.

(مسألة 792) من لم يكن صائماً لمانع من موانع الصِّيام كالسَّفر أو المرض أو غيرهما فلا يجوز له إكراه زوجته على الجماع، ولو أكرهها عليه تحمَّل الإثم فقط دون الكفَّارة والتَّعزير، ولا شيء عليها إلاَّ القضاء فقط.

(مسألة 793) لو جامع الصَّائم زوجته الصَّائمة وهي نائمة وجب على الزَّوج القضاء وكفَّارة واحدة عن نفسه ولا يتحمَّل عنها شيئاً، وأمَّا الزَّوجة فصومها صحيح ولا شيء عليها إذا بقيت على غفوتها حتَّى الفراغ.

(مسألة 794) إذا أكره زوجته على غير الجماع من المفطِّرات لم يتحمَّل عنها الكفَّارة ولا التَّعزير، حتَّى لو كان في مقدِّمات الجماع - كالملامسة والتَّقبيل - إن أوجبت القذف من قبلها.

(مسألة 795) إذا أفطر متعمِّداً ثمَّ سافر - قبل الزَّوال أو بعده - لم تسقط الكفَّارة عن ذمَّته، بلا فرق بين أن يكون سفره للفرار من الكفَّارة أو اتَّفق له ذلك، وكذا لو سافر وأفطر قبل الوصول إلى حد التَّرخُّص.

(مسألة 796) إذا أفطر متعمِّداً ثمَّ عرض له عارض قهري استلزم الإفطار كالمرض أو كون المكلَّف امرأة قد أصابها الحيض أو النَّفاس أو غير ذلك فلا تجب عليه الكفَّارة تمسُّكاً بالحكم الواقعي المنكشف لكن لابدَّ من الاستغفار للإثم الابتدائي للتَّجرِّي.

(مسألة 797) من تيقَّن أنَّ هذا اليوم أوَّل شهر رمضان فأفطر فيه متعمداً ثمَّ انكشف أنَّه كان آخر يوم من شعبان فلا تجب عليه الكفَّارة، لحصول الخطأ

ص: 252

في اليقين وإن كان آثماً بما حصل من التَّجرِّي وهو المحتاج إلى الاستغفار ولو إحتياطاً، وكذا لو أفطر متعمِّداً معتقداً أنَّ هذا اليوم آخر رمضان أو كان شاكَّاً فيه أنَّه من رمضان أو شوَّال ولميسافر ثمَّ انكشف أنَّه كان من شوَّال فليس عليه كفَّارة وإن كان آثماً كما مرَّ من حالة الاعتقاد ولاستصحاب الرَّمضانيَّة في صورة الشَّك.

(مسألة 798) لو خرج شيء من الطَّعام حال التَّجشؤ إلى الفم فابتلعه الصَّائم عمداً بطل صومه وعليه القضاء والكفَّارة - كما مرَّ - أمَّا إذا خرج عند التَّجشؤ ما يحرم أكله كالدَّم أو الطَّعام الَّذي انقلب إلى صورة مستخبثة وابتلعه فيجب عليه القضاء وكفَّارة الجمع على الأحوط وجوباً.

(مسألة 799) لو أفطر - متسامحاً - استناداً إلى من أخبره ممَّن لا يعتنى بخبره بتحقُّق الغروب الشَّرعي ثمَّ ظهر أنَّ إفطاره كان قبل الغروب وجب عليه القضاء والكفَّارة.

(مسألة 800) لو شكَّ فيما أتى من المفطِّر بأنَّه هل يوجب القضاء فقط، أو الكفَّارة معه ؟ وجب عليه القضاء دون الكفَّارة، ولو شكَّ في عدد أيَّام ما أفطر فيها عمداً اقتصر في الكفَّارة على القدر المعلوم، ولو شكَّ في أنَّه أفطر بالحلال أو الحرام ؟ كفاه إحدى الخصال، ولو شكَّ في اليوم الَّذي أفطر فيه قبل الزَّوال هل أنَّه من شهر رمضان أو كان من قضائه الموسَّع ؟ فلا تجب عليه كفارة، وإن كان إفطاره بعد الزَّوال وشكَّ بالشَّك المتقدِّم احتاط وجوباً بكفَّارة شهر رمضان للحاجة إلى إفراغ الذِّمَّة اليقيني بعد ذلك الاشتغال المحتمل فيه أنَّه من شهر رمضان.

الفَصْلُ الثَّالث في مَصْرَفِ الكَفَّارَة

(مسألة 801)

مصرف كفَّارة الإطعام الفقراء إمَّا بإشباعهم أو بالإعطاء إليهم لكل واحد مدَّاً (تسعمائة غراماً تقريباً) من الطَّعام والأحوط استحباباً مدَّين، ويجزي - في كفَّارة

ص: 253

الإفطار - مطلق الإطعام كالتَّمر والحنطة والدَّقيق والأرز والخبز ونحوها ممَّا يعدُّ طعاماً، والأحوط وجوباً في كفَّارة اليمين الاقتصار على الحنطة ودقيقها وخبزها.

(مسألة 802) يجب في كفَّارة الإطعام توزيعها - بالإشباع أو الإعطاء - على ستِّين مسكيناً، فلا يجزئ إشباع فقير واحد مرَّتين أو أكثر، إلاَّ إذا تعذَّر العدد فيجزئ التِّكرار.

نعم إذا كان للفقير عائلة أو عوائل فقيرة - مثله - فيجوز إعطاؤهم بعددهم لكل واحد مد، فيقبضها عنهم إن كانوا صغاراً وكان وليَّاً عليهم، ويجوز له صرفها في مصالحهم كسائر أموالهم، وإن كانوا كباراً فوكالة عنهم، وتصير بذلك ملكاً لهم، ولا يجوز له التَّصرُّف فيها إلاَّ بإذنهم.

ولا تتوقَّف براءة المكفِّر على أكل المسكين الطَّعام، بل يكفي مجرَّد الملك، فيجوز للمسكين بيعه عليه وعلى غيره.

(مسألة 803) إذا كانت كفَّارة الإطعام بنحو الإعطاء والتَّمليك فلا فرق بين الصَّغير والكبير في مقدارها وهو ذلك المد من الطَّعام.

(مسألة 804) نفقة زوجة الفقير - بالنَّحو المتعارف - على زوجها، فلا تعتبر فقيرة ولا يجوز إعطائها من الكفَّارة الزَّائدة على ما يستحقُّه ذلك الزَّوج، إلاَّ إذا كانت محتاجة إلى أزيد من نفقتها الواجبة عليه كوفاء دين خاص بها ونحوه.

الفَصْلُ الرَّابع في مَوَاردِ وُجوبِ القَضَاءِ فَقَطْ دُونَ الكَفَّارَة

(مسألة 805)

يجب على المكلَّف القضاء دون الكفَّارة في الموارد الآتية - وقد تقدَّمت تفاصيلها -، وهي: -

الأوَّل: ما لو فاته الصَّوم لرمد أو مرض يضر معه الصَّوم كما في ص220.

الثَّاني: ما لو سافر المكلَّف قبل الزَّوال إلى مسافة شرعيَّة - تلفيقيَّة أو

ص: 254

امتداديَّة - وتناول المفطِّر بعد حدِّ التَّرخُّص، وكذا لو رجع إلى بلده - أو محل الإقامة - من السَّفر وقد تناول المفطِّر قبل وصوله، سواء رجع قبل الزَّوال أو بعده كما مرَّ تفصيله في مسألة (703).

الثَّالث: ما لو صام المسافر ناسياً لحكم الصَّوم في السَّفر وهو البطلان كما في مسألة (697).

الرَّابع: ما لو كان مرتدَّاً - مليَّاً أو فطريَّاً - فيقضي صوم أيَّام ردَّته.

الخامس: ما لو استعمل المسكر من الليل ولم ينو الصَّوم واستمرَّ سكره إلى ما بعد طلوع الفجر.

السَّادس: ما لو طهرت المكلَّفة من الحيض أو النَّفاس قبل طلوع الفجر وكانت فاقدةً للطَّهورين (الاغتسال بالماء والتَّيمُّم بالتراب) على الأحوط استحباباً ويشتد إلى حيث الوجوب لو احتملت تمكُّنها بشيء من الطَّلب الَّذي ما فعلته.

السَّابع: ما لو أخلَّ بنيَّة الصِّيام أو فاتته لنسيان وغفلة وتذكَّرها بعد الزَّوال، وكذا لو قصد الرِّياء بصومه، أو نوى قطع الصَّوم أو تردَّد في قطعه وعدمه أو قصد الإتيان بالمفطِّر ولم يتناوله وقد مرَّت تفاصيله في مبحث النِّيَّة ص227.

الثَّامن: ما لو سبقه الماء ودخل إلى جوفه عبثاً أو للتَّبرُّد بمضمضة أو استنشاق فيجب القضاء إلاَّ ما إذا كان ناسياً للصَّوم أو كانت المضمضة لوضوء الفريضة فلا بأس كما مرَّ في مسألة (730).

التَّاسع: ما لو سبقه المني - بملامسة أو تقبيل ونحوهما - ولم يكن قاصداً من البداية ولا كان من عادته ذلك، وكذا لو كان مطمئنَّاً من نفسه بعدم خروج المني منه إلاَّ أنَّه سبقه اتِّفاقاً على الأحوط استحباباً ويشتد إلى الوجوبي لو كان يحتمل نزوله في بعض الموارد.

العاشر: ما لو ارتمس اضطراراً كإنقاذ غريق.

ص: 255

الحادي عشر: ما لو استعمل المفطِّر - في شهر رمضان دون غيره - ولم يفحص عن طلوع الفجر ثمَّ ظهر سبق طلوعه، أو فحص ولم يحصل له اطمئنان ومع ذلك أفطر، أو تناول المفطِّر معتمِّداً على من أخبر بعدم طلوع الفجر، فكل ذلك يجب فيه القضاء، أمَّا لو وثق واطمئنَّ فاحصاً وأفطر ثمَّ تبيَّن الخلاف فلا قضاء عليه وإن كان أحوط استحباباً.

الثَّاني عشر: ما لو أفطر ظانَّاً أو قاطعاً بغياب الشَّمس ودخول الليل (وقت الإفطار) لظلمة موهمة ولم يكن غيم في السَّماء ثمَّ تبيَّن عدم دخول الليل، بل حتَّى لو كان في السَّماء غيم على الأحوط وجوباً.

الثَّالث عشر: ما لو أفطر معتمداً على من أخبره بدخول الليل وكان المخبر ممَّن يجوز الاعتماد على قوله - كالعادل أو العادلين - فتبين عدم دخوله، أمَّا لو كان المخبر ممَّن لا يعتمَّد على إخباره وجبت عليه الكفَّارة أيضاً.الرابع عشر: ما لو استعمل المفطِّر تاركاً العمل بقول من أخبر بطلوع الفجر زاعماً سخريَّة المخبر أو كذبه ولم يفحص ثمَّ تبيَّن صدقه بطلوع الفجر.

الخامس عشر: ما لو نام المجنب ثانياً - بعد انتباهه من النَّومة الأولى - ناوياً الغُسل واستمرَّ نومه إلى طلوع الفجر، وكذلك في النَّوم الثَّالث إن كان معتاد الانتباه على الأقوى.

السَّادس عشر: ما لو نسي غسل الجنابة ومضى عليه يوم أو أيَّام.

السَّابع عشر: ما لو شكَّ فيما أتى بمفطِّر في أنَّه هل يوجب القضاء فقط أو الكفَّارة معه واستمر هذا التَّردُّد من دون امكان تحقيق.

ص: 256

المَبْحَثُ الثَّامن ِفي قَضَاءِ صَومِ شَهْرِ رَمَضَان

وفيه فصول: -

الفَصْلُ الأَوَّل ِفي أَحْكَامِ القَضَاء

(مسألة 806)

يجب على المكلَّف - ذكراً كان أو أنثى - قضاء ما فاته من صيام شهر رمضان في الحالات التَّالية: -

الأولى: المرض المضر بصاحبه.

الثَّانية: الحيض والنَّفاس.

الثَّالثة: السَّفر قبل الزَّوال على التَّفصيل الَّذي مرَّ، أو الرُّجوع من السَّفر قبل الزَّوال أو بعده وقد تناول المفطِّر.

الرَّابعة: الارتداد المذكور في الفطري وفي الملِّي.

الخامسة: من بطل صومه بالحرام كالسُّكر - المؤثِّر عدم وجود القصد له أصلاً - أو من لم يصم، ومنه المخالف إذا استبصر وقد فاته صيام من شهر رمضان أو صامه ولكن كان باطلاً حتَّى على مذهبه فلابدَّ فيه من القضاء.

(مسألة 807) لا يجب على المكلَّف قضاء ما فاته حال صباه أو جنونه أو إغمائه الإطباقي أو شيخوخته إذا أضره الصَّوم حتَّى بالقضاء، وكذا لا يجب قضاء ما فاته حال كفره الأصلي، أو حال مخالفته وإن أراد صومه على وفق مذهب الحق صحيحاً إذا كان يعتقد بصحَّة عمله حسب مذهبه وإن كان الأقوى الالتزام بالمذهب الحق لو تردَّد في صحَّة عمله حسب مذهبه.

(مسألة 808) لو شكَّ في أداء الصَّوم في شهر رمضان الماضي أو اليوم الماضي بنى على الأداء، أمَّا إذا شكَّ في عدد الفائت بنى على ما يحتمله عقلائيَّاً

ص: 257

مع الاحتياط الاستحبابي بالبناء على أكثر الاحتمالات.

(مسألة 809) القضاء واجب موسَّع فلا يجب فيه الفور، وإن كان الأحوط وجوباً عدم تأخير قضاء شهر رمضان إلى ما بعد شهر رمضان الثَّاني، فإن أخَّره عن الثَّاني عمداً وجبت الفدية إحتياطاً وبقي القضاء موسَّعاً إلى آخر العمر.

(مسألة 810) لا يجب في القضاء التَّعيين لو فاتته أيَّام من شهر رمضان واحد ولم يعرف تسلسلها الصَّحيح تفصيلاً، بل لو عيَّن لم يتعيَّن لعدم إمكانه، نعم يستحب له التَّتابع في قضائه على النَّحو الإجمالي الممكن، وكذا لا يجب فيه التَّرتيب بين قضائي صوم رمضانين فائتين وإن كان أفضل، فلو كان عليه القضاء من شهر رمضان سابق ومن شهر رمضان لاحق جاز قضاء اللاحق قبل السَّابق إلاَّ إذا تضيَّق وقت اللاحق بمجيء شهر رمضان الثَّالث فالأحوط وجوباً تقديم قضاء اللاحق، ولو نوى قضاء السَّابق حينئذ صحَّ صومه لكن تجب عليه الفدية لتأخيره قضاء اللاحق كما مرَّ إحتياطاً.

(مسألة 811) لا يجب التَّرتيب بين صوم القضاء وغيره من أقسام الواجب كالكفَّارة والنَّذر لو لم يتعيَّن، فله تقديم أيِّهما شاء.

(مسألة 812) لو فاتت المكلَّف أيَّام من شهر رمضان لعذر من الأعذار كالمرض أوالحيض أو النَّفاس ومات قبل أن يبرأ أو يمضي زمان يمكن القضاء فيه فلا يجب القضاء عنه، بل يجوز بعنوان إهداء الثَّواب، تبقى الفدية واجبة في مقاماتها الخاصَّة كما مضى وكما سيجيء.

(مسألة 813) يجوز للصَّائم - غير المعذور - الإفطار قبل الزَّوال في كل صوم ومنه القضاء الموسَّع عدا شهر رمضان وما كان وجوبه معيَّناً لضيق ونحوه.

ولا يجوز الإفطار بعد الزَّوال إن كان في قضاء شهر رمضان مطلقاً وكان عن نفسه، فإن فعل فتجب عليه الكفَّارة كما مرَّ، بل لا يجوز - على الأحوط - في كل واجب معيَّن وموسَّع.

(مسألة 814) يجوز للقاضي عن الغير الإفطار ولو بعد الزَّوال ولا كفَّارة عليه إذا كان موسَّعاً وعليه أن يصوم مكانه إن كان واجباً عليه كالولد الأكبر

ص: 258

أو الأجير الَّذي قبض الأجرة ولم يعيِّن، وكذا يجوز في الصَّوم المندوب إلى الغروب كما أشرنا سابقاً.

(مسألة 815) يجب على ولي الميِّت - وهو الولد الذَّكر الأكبر - قضاء ما فات والده من صيام شهر رمضان وغيره - بل والدته أيضاً على الأحوط - بلا فرق بين أن يكون الفوات لعذر من مرض وسفر وبين أن يكون عن عمد أو فساد في الصَّوم على الأحوط وجوباً، وأحكام قضاء الصَّوم أو الاستئجار عن الميِّت نظير ما تقدَّم في قضاء الصَّلاة نوعاً.

(مسألة 816) لو نذر صيام شهر أو أيَّام معدودات فلا يجب فيه التَّتابع إلاَّ إذا كان قيد التَّتابع مقصوداً في نيَّته، فإن فاته هذا الصَّوم وجب التَّتابع في قضائه على الأحوط.

الفَصْلُ الثَّانِي في الفِدْيَةِ وَوُرودِهَا مَعَ القَضَاء

تقدَّم أنَّ الفدية هي بدل مالي لتأخير قضاء الصَّوم إلى شهر رمضان الثَّاني لسبب استمرار المرض في أساسها ولتعمُّده أصل التَّأخير إلى شهر رمضان الثَّاني كذلك على الأحوط، وبما أنَّ لها مسائل خاصَّة وترد مع القضاء في مسائل أخرى عقدنا لها فصلاً خاصاً هنا.

(مسألة 817) لو فاته صيام شهر رمضان أو بعضه وأخر القضاء إلى شهر رمضان الثَّاني وجب عليه التَّكفير (الفدية) كما مرَّ بمد (أي تسعمائة غراماً تقريباً)، والأحوط مدَّان من طعام الحنطة أو الشَّعير أو الدَّقيق أو الخبز أو الأرز ونحوه.

بلا فرق بين كون ترك الصَّوم في الأوَّل عن عذر شرعي كالمرض أو السَّفر أو تعمُّد وعصيان، وسواء كان مع ذلك التَّعمُّد عزم على التَّأخير أم لا ولكن كان متسامحاً ومتهاوناً في القضاء، وكذا لا فرق بين ما إذا كان عازماً على القضاء واتَّفق طروء العذر في تأخيره أو كان معذوراً واستمرَّ به العذر إلى شهر

ص: 259

رمضان الثَّاني.

نعم تجب - زيادة على بديل التَّأخير هذا وهي الفدية - الكفَّارة الكبرى أيضاً في حالة ترك الصِّيام الأصلي عن تعمُّد وعصيان كما مرَّ.

(مسألة 818) لو فاته شهر رمضان أو بعضه لعذر من الأعذار واستمرَّ به العذر إلى شهر رمضان الثَّاني ففيها حالات: -

الأولى: ما لو كان العذر هو المرض المستمر فيسقط القضاء ويجب دفع (الفدية) بمد من الطَّعام كما مرَّ.

الثَّانية: ما لو كان العذر غير المرض كالسَّفر أو الحيض أو النَّفاس فيجب القضاء والفدية.

الثَّالثة: ما لو كان سبب الفوات هو المرض وكان السَّفر هو العذر في التَّأخير أو بالعكسفالأحوط وجوباً الجمع بين القضاء ودفع (الفدية).

(مسألة 819) لو فاته صوم شهر رمضان وأخر القضاء إلى ما بعد شهر رمضان الثَّاني فلا تتكرَّر كفَّارة التَّأخير (الفدية) بتكرُّر السِّنين عليه، فلو أخر قضاء شهر رمضان الأوَّل إلى شهر رمضان الثَّالث فلا تجب عليه الفدية إلاَّ تلك المرَّة الواحدة فقط.

(مسألة 820) لا تجب فدية الزَّوجة على زوجها ولا فدية العبد على سيِّده ولا فدية واجب النَّفقة على المنفق.

(مسألة 821) يجوز إعطاء فدية أيَّام عديدة من شهر واحد أو من شهور عن واحد إلى فقير واحد، كما يجوز إعطاء فدية أشخاص متعدِّدين لفقير واحد.

(مسألة 822) يتعيَّن في الفدية دفع الطَّعام كما في بقيَّة الكفَّارات، ولا يجزئ دفع القيمة عنه، بل لا يجزئ في الفدية الإشباع عن المد، نعم لا بأس بدفع القيمة إلى الفقير ليشتري به الطَّعام بنحو التَّوكيل عن الدَّافع مع الاطمئنان به، إلاَّ أنَّه إذا لم يشتر به نسياناً أو عصياناً لم تفرغ ذمَّة الدَّافع بمجرَّد التَّوكيل.

(مسألة 823) الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا أضرَّ بهما أو

ص: 260

بولدهما الصَّوم مرخَّصان بالإفطار، لكن يجب عليهما القضاء والفدية، بشرط أن يكون في الأخيرة عدم وجود مرضعة أخرى تقوم مقامها.

ص: 261

كِتَابُ الاِعْتِكَاف

اشارة

ممَّا ينبغي ذكره فقهيَّاً لأهميَّته عباديَّاً مبحث الاعتكاف ولو لاستحبابه من حيث هو أو لكونه واجباً بالعارض كما سيأتي وإن تركه البعض، ولاستقلاله في أموره جعل كتاباً ولمشابهته للصَّوم وارتباطه به ألحق بكتابه وإن أشبه الحج في بعض الأمور الأخرى.

فنقول: -

الاعتكاف لغة: من عكف على الشَّيء أي أقبل عليه مواظباً لا يصرف عنه وجهه، والعكوف في المكان لزومه، ومنه الإقامة في المسجد.

واصطلاحاً: هو اللَّبث في أحد المساجد المخصوصة كما سيأتي، والمكث فيه بقصد التَّعبُّد به متقرِّباً إلى الله

تعالى، بمعنى أنَّ اللَّبث في المسجد عبادة بذاته، والأحوط استحباباً أن يضم إلى قصده فعل العبادة فيه من صلاة ودعاء وقراءة القرآن وغيرها.

وبما أنَّ الاعتكاف أحد أركانه الصَّوم كما سيجيء جعلنا له مبحثاً خاصاً عن شروطه وأحكامه في ضمن كتاب الصَّوم إلحاقاً به رعاية للاختصار في هذه الرِّسالة ولعدم سعة مباحثه.

والاعتكاف مستحب في نفسه، وقد يجب لعارض كالنذر والعهد واليمين أو بنحو الاستئجار عن شخص مع قبض الثَّمن كما سيأتي.

ويصح في كل وقت يصح فيه الصَّوم، وأفضل أوقاته شهر رمضان وأفضله العشر الأواخر منه، ويقع الكلام عن الاعتكاف في ثلاثة فصول: -

ص: 262

الفَصْلُ الأَوَّل في أَرْكَانِ وَشَرَائِطِ الاِعْتِكَاف

(مسألة 824)

للاعتكاف أربعة أركان لابدَّ من تحقُّقها وهي:-

الأوَّل: العقل والإيمان في المعتكف، فلا يصح من فاقد العقل كالمجنون والسَّكران والمغمى عليه، وكذلك لا يصح من عديمي الإيمان، ومن الكافر من باب أولى.

وأمَّا البلوغ فلا يعتبر في الاعتكاف فيصح من الصَّبي المميِّز كغيره من العبادات ولكن من الحيثيَّة التَّمرينيَّة، وإلاَّ فمن حيث ارتباطه بالصَّوم كما مرَّ وبالأخص الواجب منه فلابدَّ من اشتراط البلوغ فيه تماماً.

الثَّاني: المكان، فيجب أن يكون في أحد المساجد، وأهمُّها الأربعة الآتية وهي (المسجد الحرام والمسجد النَّبوي ومسجد الكوفة ومسجد البصرة أو مسجد المدائن)، بل حتَّى مسجد المدائن - وهكذا المسجد الأقصى، أو في مسجد البلد الجامع (وهو الَّذي يجتمع فيه عموم أهل البلد وصُلِّي فيه صلاة جماعة صحيحة ولو سابقاً على الأحوط وجوباً)، فلا يكفي الاعتكاف في غير هذه المساجد كمسجد القبيلة أو السُّوق، كما أنَّ الأحوط استحباباً الاقتصار على الأربعة الأولى.

ولا يتقيَّد اللَّبث فيه بكون خاص كالقيام والقعود والنَّوم والصَّلاة في أحدها دون الغير من التَّصرفات، بل يبقى الواجب من ذلك على وجوبه والمستحب على استحبابه والمباح على إباحته ما عدا الممنوعات الَّتي سوف تأتي.

(مسألة 825) لو اعتكف في مسجد معيَّن فاتَّفق مانع من البقاء فيه بطل اعتكافه ولا يجوز تكملة اللَّبث في مسجد آخر، فإن كان الاعتكاف واجباً بالنَّذر وشبهه ولم يكن معيَّناً فيجب عليه الاعتكاف من جديد إمَّا في نفس المسجد

ص: 263

الأوَّل بعد ارتفاع المانع أو في مسجد آخر، وإن كان معيَّناً في وقت فالأحوط لزوماً قضائه.

أمَّا لو كان مندوباً فإن كان بطلان اعتكافه قبل مضي يومين فلا شيء عليه، وإن كان بعد مضيِّهما فالأحوط وجوباً إعادته.

(مسألة 826) يدخل في المسجد سطحه وسردابه كبيت الطَّشت في مسجد الكوفة، وكذا منبره ومحرابه وأمَّا الإضافات الملحقة فمحل إشكال والأحوط اجتنابها.

(مسألة 827) إذا قصد الاعتكاف في مكان خاص من المسجد لغي قصده فيجوز التَّنقل في أي مكان من أمكنته.

الثَّالث: الزَّمان، ويراد منه أمران: -

1- قابليَّته للصَّوم بمعنى أنَّه لا يصح في وقت يحرم فيه الصِّيام كالعيدين، وكذا أيَّام التَّشريق لمن كان بمنى، سواء كان ناسكاً أو لا.

2- أن لا يكون أقل من ثلاثة أيَّام، بمعنى أنَّه لو نذر الاعتكاف كان أقل ما يمتثَّل به ثلاثة أيَّام، ولو نذر أقل من ذلك لم ينعقد، وكذا لو نذره ثلاثة معيَّنة فاتَّفق أنَّ يوم الثَّالث عيد لم ينعقد.

ولا حدَّ لأكثره وإن كان يوماً أو بعضه بشرط عدم مضيِّ يومين بعد الثَّلاثة، فإن مضى يومان فيجب الثَّالث، - فمثلاً - لو اعتكف ثلاثة أيَّام وبقي يومين إضافيين على الثَّلاثة وجبالسَّادس وكذا لو بقي يومين آخرين وجب التَّاسع وهكذا.

ولو نذر اعتكاف خمسة أيَّام فإن كان قصده عدم الزِّيادة والنُّقصان عليها بطل اعتكافه، وإن كان قصده عدم الزِّيادة فقط اعتكف ثلاثة أيَّام على الأحوط، وإن كان قصده عدم النُّقصان ضم إليها اليوم السَّادس سواء أفرد اليومين أو ضمَّهما إلى الثَّلاثة.

ومبدأ الاعتكاف يكون مع الصِّيام من طلوع الفجر الصَّادق من اليوم

ص: 264

الأوَّل إلى الغروب (وهو زوال الحمرة المشرقيَّة) اليوم الثَّالث فيدخل فيه الليلتان.

الرَّابع: الصَّوم، سواء كان في شهر رمضان أو قضاءه أو المنذور وشبهه أو صيام كفَّارة أو صياماً مستحبَّاً، وعليه فلا يصح وقوع الاعتكاف من المسافر وغيره ممَّن لا يصح منه الصِّيام إلاَّ إذا نوى الإقامة ونحوها ممَّا مضى ممَّا يصحِّح الصَّوم في السَّفر.

كما يشترط في الاعتكاف أمور: -

الأوَّل: النِّيَّة، وهي قصد الإتيان به متقرِّباً - مع الإخلاص - إلى الله تعالى، كما في سائر العبادات، ويجب إيقاعه من أوَّله إلى آخره عن النِّيَّة.

ويكفي فيه أن ينوي ويقصد الشُّروع في أوَّل الليل، كما يجزي تبييت النِّيَّة بمعنى كون الدَّاعي للعمل موجوداً في نفسه إلى حين الشُّروع فيه إجمالاً.

(مسألة 828) لا يجوز في أثناء الاعتكاف العدول - في نيَّته - إلى اعتكاف آخر سواء اتَّفقا في الوجوب والنَّدب أو اختلفا، وكذا لا يجوز من نيابة عن شخص إلى نيابة عن شخص آخر، ولا من نيابة عن غيره إلى نفسه أو بالعكس وهو من الأصالة عن نفسه إلى النِّيابة عن غيره.

الثَّاني: الاستئذان ممَّن يعتبر استئذانه كالوالدين بالنِّسبة لولديهما في المستحب لو كان الاعتكاف موجباً لإيذائهما حتَّى لو كان شفقة عليه وقد تكون المشقَّة عليه إيذاء كثير عليهما، وكذا الزَّوج بالنِّسبة لزوجته إذا كان منافياً لحقوقه الخاصَّة، والمولى بالنِّسبة لعبده.

الثَّالث: استدامة اللَّبث في المسجد الَّذي شرع فيه، فلو خرج منه عامداً من دون مسوِّغ مباح بطل اعتكافه، بلا فرق بين العالم بالحكم والجاهل والنَّاسي على الأحوط.

ويمكن أن تتمثَّل الأسباب المسوِّغة للخروج من المسجد في الأمور التَّالية: -

ص: 265

1- ما لو اضطرَّ لحاجة تدعو إلى الخروج كالتَّخلِّي للبول والغائط، وكذا الاغتسال من حدث لا يجوز فيه البقاء في المسجد كالجنابة أو الحيض أو النَّفاس وإن كان لا يجوز الخروج إلاَّ بالتَّيمُّم على الأقل، بل حتَّى غيرها من الأغسال الَّتي لا تمنع أحداثها من المكث في المسجد - سواء كانت واجبة كغُسل مس الميِّت أو غسل الإستحاضة أو مستحبَّة كغُسل الجمعة - بشرط أن لا يتمكَّن من الاغتسال في المسجد.

2- ما لو كان خروجه لأمر شرعي واجب كحضور صلاة الجمعة إذا إقيمت في غير المسجد مع توفُّر شروطها، بل لكل ضرورة شرعيَّة كتجهيز ميِّت من تغسيل وتكفين ودفن وصلاة عليه، أو معالجة مريض، وكذا لو كان لضرورة عرفيَّة كتشييع جنازة مؤمن، أو عيادة مريض، أو إقامة شهادة أو تحمُّلها.

3- ما لو كان خروجه عن إكراه وإجبار.

فلو خرج لغير هذه الأسباب المسوِّغة للخروج عالماً أو جاهلاً أو ناسياً بطل اعتكافه.

(مسألة 829) الأحوط وجوباً - لمن أراد الخروج - مراعاة أقرب الطُّرق وعدم زيادةالمكث خارجاً عن قدر الحاجة - فلا يجوز له التَّشاغل فيها لفترة طويلة بحيث تنمحي صورة الاعتكاف وإلاَّ بطل وإن كان سهواً أو اضطراراً لرعاية الصِّدق العرفي في بعض المقامات كهذا المقام.

كما يجب - إحتياطاً - ترك الجلوس عند الإمكان، وإن اضطرَّ إليه اجتنب الظِّلال مع الإمكان لمشابهة الاعتكاف لبعض حالات الإحرام في الحجِّ والعمرة.

الفَصْلُ الثَّانِي في بَعْضِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالاِعْتِكَافِ

(مسألة 830)

تقدَّم أنَّ الاعتكاف في نفسه مندوب، وأنَّه قد يجب بالعارض كالنَّذر وشبهه والاستئجار بعقد صحيح مع أخذ الأجرة، فحينئذ لو كان الاعتكاف واجباً في أيَّام معيَّنة بذلك فيجب

ص: 266

على المكلَّف الالتزام ومواصلة اعتكافه فيها ولا يجوز له إفساده.

وأمَّا لو كان واجباً مطلقاً من دون تحديد أيَّام معيَّنة - أو كان مندوباً - فلا يجب عليه بمجرَّد الشُّروع في الاعتكاف إلاَّ إذا مضى عليه يومان منه فيتعيَّن الثَّالث، فيجوز له في أثناء اليومين من اعتكافه هدمه وتأجيله إلى وقت آخر، وإن كان الأحوط استحباباً ترتيب آثار الوجوب في الواجب المطلق من حين الشُّروع.

(مسألة 831) يجوز الاشتراط على الله - كما في الحج في حالة الصَّدِّ أو الحصر - في الرُّجوع وهدمه متى شاء أو عند عروض عارض، بشرط أن يكون الاشتراط مقارناً مع نيَّة الاعتكاف، ويجوز أن يكون - الاشتراط - في ضمن النَّذر - مثلاً - قبل العمل، لأنَّه نذر مشروط، فحينئذ يجوز للمعتكف هدم اعتكافه وفقاً لشرطه وإن كان في اليوم الثَّالث.

(مسألة 832) إذا اشترط الرُّجوع حال النِّيَّة ثمَّ بعد ذلك أسقط شرطه فلا يسقط حكمه، وإن كان الأحوط استحباباً ترتيب آثار السُّقوط، فيتم اعتكافه بعد إكمال اليومين.

(مسألة 833) إذا استعمل شيئاً مغصوباً كاللباس، أو جلس في المسجد على فراش مغصوب لعذر من الأعذار فلا يؤثِّر في نفس عبادة الاعتكاف بل يؤثِّر على - عبادة - ما يشترط فيه الإباحة كالصَّلاة، أمَّا لو زاحم المعتكف شخصاً في مكان من أمكنة المسجد وأزاله من مكانه وجلس فيه ففي بطلان اعتكافه تأمُّل مقتضاه الاحتياط الوجوبي بإتمام عمله وإعادته إن كان واجباً مطلقاً أو قضائه إن كان معيَّناً.

ص: 267

الفَصْلُ الثَّالِث في أَحْكَامِ الاِعْتِكَاف

(مسألة 834)

يجب على المكلَّف حال اعتكافه ترك أمور:-

الأوَّل: الجماع في القبل أو الدُّبر، بل جميع المباشرات من لمس وتقبيل بشهوة، بلا فرق في ذلك بين الرَّجل والمرأة.

الثَّاني: الاستمناء بكل ما يؤدِّي إليه على الأحوط وجوباً، إضافة إلى حرمته الأساسيَّة.

الثَّالث: شمُّ الطيب والرِّياحين مع التَّلذُّذ، ولا بأس إذا لم يكن قاصداً التَّلذُّذ أو كان فاقداً لحاسة الشَّم.

الرَّابع: البيع والشِّراء، بل مطلق التِّجارة على الأحوط وجوباً كالصُّلح والإجارة مع عدم الاضطرار إليها فيبطل اعتكافه بمزاولتها وإن كان الصِّيام مقبولاً والمعاملة صحيحة.

ولا بأس بالاشتغال بالأمور الدُّنيويَّة المباحة - وإن كان الاجتناب أحوط - كالكتابة والخياطة والنِّساجة وغيرها، بل بكل ما يضطرُّ إليه من المعاملات - إذا لم يمكن التَّوكيل فيها - حتَّى البيع والشِّراء كما لو كان لأجل الأكل أو الشُّرب أو المداواة بحيث لم يقم بذلك أحد غيره عنه.

الخامس: المماراة، ويقصد بها المجادلة والمنازعة، سواء كان في أمر ديني أو دنيوي إذا كان بداعي الغلبة والتَّفوق وإظهار الفضيلة لنفسه، وأمَّا إذا كان بقصد إظهار الحق ورد الخصم عن الخطأ فلا مانع لأنَّها من أفضل الطَّاعات والقربات.

(مسألة 835) الأحوط - استحباباً - للمعتكف اجتناب كل ما يحرم على المحرم في حجِّه أو عمرته فعله، وإن صحَّت بعضها منه كلبس المخيط وإزالة الشَّعر وأكل الصَّيد وعقد النِّكاح.

(مسألة 836) لا فرق في فساد الاعتكاف بوقوع هذه الأمور المتقدِّمة بين

ص: 268

العلم والجهل والنِّسيان، وكذلك لا فرق بين وقوعها ليلاً أو نهاراً.

(مسألة 837) يفسد الاعتكاف بفساد صومه بإرتكاب المفطِّرات العشرة نهاراً، كفساده بإتيان ما اشترط عدمه فيه من غير حالة صومه.

(مسألة 838) إذا أفسد اعتكافه بأحد المفسدات المتقدِّمة، فإن كان واجباً معيَّناً وجب قضاءه - على الأحوط وجوباً - إذا لم يشترط لنفسه على الله الرُّجوع في الاعتكاف، ولا يجب عليه الفور في القضاء.

وإن لم يكن معيَّناً - أو كان مندوباً - وجب استئنافه إذا فسد بعد مضيِّ يومين - كما مرَّ - وأمَّا إذا كان قبلهما فلا يجب عليه شيء.

(مسألة 839) تجب الكفارة بإفساد الاعتكاف بالجماع ولو ليلاً زائداً على زمن حرمة المفطِّرات تشبُّهاً بالإحرام كما مرَّ التَّنبيه عليه، سواء كان سهواً أو عمداً، وأمَّا بغيره من المفطِّرات فلا تجب على الأقوى، وإن كان الإتيان بها أحوط وأولى.

وكفَّارته مخيَّرة ككفَّارة شهر رمضان - وإن كان الأحوط كونها مرتَّبة ككفَّارة الظِّهار، كما مرَّ.

(مسألة 840) إذا كان الاعتكاف في شهر رمضان وأفسده بالجماع نهاراً وجبت عليه كفَّارتان إحداهما للإفطار في نهار شهر رمضان والثَّانية لإفساد الاعتكاف، وكذلك إذا كان في قضاء شهر رمضان ووقع الجماع بعد الزَّوال وجبت كفَّارة للقضاء وأخرى للاعتكاف بما مرَّ في بحث الكفَّارة، وإذا كان الاعتكاف منذوراً وجبت عليه كفَّارة ثالثة لمخالفته النَّذر، ولو كان الجماع مع زوجته وهي صائمة في شهر رمضان وقد أكرهها عليه وجبت كفَّارة رابعة وهيكفَّارة زوجته للجماع.

ص: 269

تَنْبِيهٌ

بما أنَّ (من تمام الصَّوم إعطاء الزَّكاة) كما في الرِّواية الشَّريفة، والمراد منها - كما هو معلوم لدى العارفين - زكاة الفطرة في يوم العيد، فقد يتصوَّر البعض ضرورة ذكر الكلام عنها بعد الكلام عن الصِّيام وملحقاته للمتابعة المذكورة وإن كنَّا قد ذكرناها في أخر مختصر أحكام الصَّوم للمناسبة المذكورة وهي التَّنبيه إلى سرعة الأداء لا للضَّرورة في البحث، ولكن لابدَّ من الانتباه إلى أنَّ الكلام عنها وعن أحكامها للمناسبة الأنسب يفضَّل كونه ضمن كتاب الزَّكاة وفي آخره بصورة أهم لاشتراكها مع زكاة الأموال في كثير من الأحكام وتبعاً لسيرة العلماء الأعلام رضوان الله تعالى على الماضين وحفظ الباقين ولذا ألحقنا الكلام عنها في المطلب الآتي ذكره إنشاء الله .

ص: 270

كِتَابُ الزَّكَاة

اشارة

ص: 271

ص: 272

الزَّكاة لغة تأتي لمعان متعدِّدة، منها الطَّهارة والنُّمو بسبب دفعها، وهما مناسبان للمقام في أطروحتنا الفقهيَّة هذه على ما ذكرناه في كتاب المقدِّمات العامَّة من شموليَّة الطَّهارة أو لا أقل من الالتقاء بينها وبين الزَّكاة في بعض الأمور ولو من الجهة اللغويَّة، لاتِّساع المفاد اللُّغوي في بعض مقاماته إلى ما فيه المطابقة لجميع أو بعض الحالات الاصطلاحيَّة في بعض الموارد الَّتي لا تمنع منه الأدلَّة الشَّرعيَّة.

وشرعاً هو إخراج قدر معلوم من المال تحصيناً وتطهيراً له من الحرام ولصاحبه من المذام وتنمية له، بسبب إزاحة أوساخ الأنام.

ويعدُّ وجوب الزَّكاة من ضروريَّات الدِّين المستغنية عن الاستدلال بالآيات والرِّوايات، بل تعد الزَّكاة من أركان الإسلام الماليَّة الَّتي بني عليها، ومنكرها - بل ومانعها أيضاً عن أهلها - بعد العلم بها محكوم بكفره وارتداده كما في الأخبار.

بل ورد أنَّه (من منع قيراطاً منها ليس من المؤمنين ولا من المسلمين فليمت إن شاء يهوديَّاً أو نصرانيَّاً).

و قد ورد أيضاً (ما من ذي مال أو نخل أو زرع أو كرم يمنع من زكاة ماله شيئاً إلاَّ قلَّده الله تربة أرضه بطوَّق بها من سبع أرضين إلى يوم القيامة).

و (ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئاً إلاَّ جعل الله ذلك ثعباناً من النَّار مطوَّقاً في عنقه ينهش لحمه حتَّى يفرغ من الحساب وإنَّ الله يحبسه يوم القيامة بقاع قفر ويسلِّط الله عليه شجاعاً أقرع ((أي ثعباناً)) لا شعر في رأسه لكثرة سمِّه يريده وهو يحيد عنه فإذا رأى أنَّه لا يتخلَّص منه أمكنه من يده فيقضمها كما يقضم الفحل ثمَّ يصير طوقاً في عنقه).

ص: 273

كما أنَّ من اهتمام الشَّارع المقدَّس البالغ بها - اختباراً للأغنياء ومعونة للفقراء - قد قرن الأمر بها بالأمر بالصَّلاة في كثير من الآيات القرآنيَّة المباركة، ومن ثمَّ جاء على لسان الأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ في جملة من الأخبار أنَّ (من منع الزَّكاة وقفت صلاته حتَّى يزكي) إلى غير ذلك من الأخبار.

وفضلها - وأمثالها من الصَّدقات - عظيم وثوابها جسيم حتَّى ورد (أنَّها تدفع ميتة السُّوء).

والزَّكاة باعتبار آخر لا يقل في أهميَّته عمَّا ذكرنا تنقسم إلى قسمين: -

الأوَّل: زكاة الأموال.

الثَّاني: زكاة الأبدان، وهي زكاة الفطرة، وسوف تأتي.

القِسْمُ الأَوَّل في زَكَاةِ الأَمْوَال

وهي واجبة في ثلاثة أنواع فقط، وهي: -

الأوَّل: الأنعام الثَّلاثة وهي (الإبل والبقر والغنم).

الثَّاني: النَّقدين، وهما (الذَّهب والفضَّة).

الثَّالث: الغلاَّت الأربع وهي (الحنطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب).

أمَّا غير هذه الأنواع، فالمشهور استحباب إخراجها من مال التِّجارة وإناث الخيل، إلاَّ أنَّه أحوط وجوباً - كما سيأتي -.فقد ورد الحثُّ على إخراجها مشهوراً ممَّا أنبتته الأرض من الحبوب ممَّا يكال أو يوزن - كالأرز والدُّخن والعدس والماش والسِّمسم والذَّرة والحمُّص وغيرها -، وكذا الثِّمار - كالتُّفاح والمشمش ونحوها - دون الخضروات والبقول ممَّا لا يكون له بقاء كالقت والباذنجان والبطِّيخ والخيار ونحوها ممَّا يكون سريع الفساد.

كما ورد أيضاً الحثُّ على إخراجها من إناث الخيل فقط دون غيرها، فليس على الذكور ولا البغال و لا الحمير ولا الرَّقيق زكاة، ولشدَّة بعض النُّصوص في

ص: 274

هذا الأمر ووجوب بعض القائلين القدامى بزكاة هذه الإناث فالأحوط الاهتمام بدفعها، وسيأتي تفصيلها.

ولهذا القسم - من الزَّكاة - ثلاثة مقاصد: -

ص: 275

المَقْصَدُ الأَوَّل شَرَائطُ وُجُوبِ زَكَاةِ الأَمْوَال

وهي مبحثان: -

المَبْحَثُ الأَوَّل شَرَائطُ وُجوبِ زَكَاةِ الأَمْوَالِ العَامَّة

(مسألة 841)

يشترط في وجوب الزَّكاة أمور:-

الأوَّل والثَّاني: البلوغ والعقل، فلا تجب على الصَّبي والمجنون في النَّقدين، فلو بلغ الصَّبي أو أفاق المجنون في أثناء الحول - فيما يعتبر فيه مرور الحول - فلابدَّ من استئنافه من حين بلوغه أو إفاقته.

وأمَّا في الغلاَّت والأنعام فالمشهور أنَّها لا تجب عليه فيهما، ولكنَّ الأحوط استحباباً إخراجها منهما في الأنعام الَّتي يعتبر فيها الحوليَّة، وفي الغلاَّت الَّتي تكفي فيها الموسميَّة.

(مسألة 842) لا فرق في الجنون - المانع من الزَّكاة - بين الإطباقي والإدواري، كما لا فرق بين كون زمانه طويلاً أم قصيراً بحيث يصدق أنَّه لم يكن عاقلاً في تمام الحول، ولا يلحق به السَّكران والمغمى عليه فالإغماء والسُّكر لا يقطعان الحول ولا ينافيان الوجوب.

الثَّالث: الحريَّة، فلا زكاة على العبد وإن قلنا بملكه لكونه إن مُلِّك فإنَّما ملكه يكون في الجملة لا في التَّفصيل، بلا فرق في الرِّقية بين القن والمدَّبر وأم الولد والمكاتب، نعم إذا كان مبعَّضاً وجبت الزَّكاة عليه على ما ملكه بجزئه الحر مع اجتماع بقيَّة الشُّرائط فيه.

ص: 276

الرَّابع: الملكيَّة في زمان التَّعلُّق - كما في الغلاَّت - أو في تمام الحول فيما يعتبر فيه الحول - كما في النَّقدين والأنعام -، فلا زكاة على المال الموهوب أو المقروض قبل قبض العين ولا على المال الموصى به قبل قبضه أو قبل قبول الموصى له - بناء على اعتبار القبول - ولو بعد وفاة الموصي، ولا على الأموال الموقوفة في سبيل الله تعالى إذا لم يتعلَّق بها من الأساس ثمَّ صارت كذلك.

الخامس: التَّمكُّن من التَّصرُّف في تمام الحول،فلا زكاة على الَّذي حجِّر عن التَّصرُّف في ماله - كالسَّفيه والمفلس - ولا على الأسير الَّذي لا يتمكَّن - أو وكيله - من التَّصرُّف في ماله، وكذا لا زكاة في المال المسروق ولا على المجحود في دفعه إلى صاحبه ولا على المدفون في مكان منسي ولا على المرهون ولا على الموقوف ولا منذور التَّصدُّق به قبل تعلُّق الزَّكاة فيه ولا على الغائب الَّذي لم يصل إلى مالكه ولا إلى وكيله ولا في الدَّين وإن تمكَّن من استيفائه إلى أن يستوفى بالفعل.

(مسألة 843) لو تعلَّقت الزَّكاة بالمال أو مضى عليه الحول - فيما يعتبر فيه - ولم يخرج الزَّكاة ثمَّ بعد ذلك طرأ العجز عن التَّصرُّف فيه لم يمنع ذلك من بقاء وجوب الزَّكاة.

السَّادس: النِّصاب كما سيأتي بيانه في الشُّروط الخاصَّة.(مسألة 844) لو جعل نماء الأوقاف - الخاصَّة أو العامَّة في ضمن الوقفيَّة - ملكاً للموقوف عليهم

- كما لو وقَّف بستاناً على أن يكون نماؤها ملكاً لذريَّته أو علماء البلد أو للعلماء أو للفقراء - وحصلت القسمة بينهم قبل تعلُّق الزَّكاة بحيث تعلَّقت في ملكهم مع توفُّر باقي الشُّروط فهو كبقيَّة الأملاك الَّتي يجب عليهم فيها الزَّكاة.

أمَّا لو جعل النَّماء على نحو الصَّرف - لا الملكيَّة - على الموقوف عليهم فلا تجب الزَّكاة فيه وإن بلغ نصيب كل واحد منهم حد النِّصاب.

(مسألة 845) إذا كان المال الزَّكوي مشتركاً بين شريكين أو أكثر وتوفُّرت شروط وجوب الزَّكاة وجبت الزَّكاة على من بلغت حصَّته النِّصاب الكامل دون

ص: 277

من لم تبلغ منهم، فإن لم يبلغ نصيب أيَّ واحد منهم منفرداً ذلك النِّصاب فلا تجب عليهم الزَّكاة وإن بلغ مجموع المال المُشترك بينهم مبلغه.

(مسألة 846) لو اقترض نصاباً من الأعيان الزَّكويَّة وبقي عنده حولاً كاملاً بعد قبضه وجبت الزَّكاة عليه لا على المقرض، لأنَّه صار في ملكه حتَّى لو اشترط في عقد القرض كون أداء الزَّكاة على المقرض، نعم يصح تبرَّع المقرض - أو الأجنبي - بأداء الزَّكاة عنه وتسقط الزَّكاة على المقترض.

(مسألة 847) الأحوط وجوباً لولي الصَّبي والمجنون إخراج زكاة غلاَّتهما ومواشيهما، كما يستحب له إخراج زكاة مال التِّجارة إذا اتِّجر بمالهما لهما.

(مسألة 748) لا يشترط في وجوب الزَّكاة الإسلام، بل تجب حتَّى على الكافر، لأنَّه (مكلَّف بالفروع كما هو مكلَّف بالأصول) على الأقوى، نعم لا تصح منه لو أدَّاها، لعدم إسلامه وعدم صحَّة النِّيَّة منه، ويجوز للإمام أو نائبه أخذها منه قهراً إذا اقتضى الأمر، وعليه لو اشترى المسلم من الكافر نصاباً من النُّصب الزَّكويَّة بعد أن تعلَّقت به الزَّكاة عند الكافر ولم يخرجها صاحبها الكافر بحيث لم يُقدر عليه فيجب على المسلم إخراجها ولكن لتنقية المال لنفسه لا لإبراء ذمَّة الكافر.

(مسألة 849) إذا استطاع المالك الحج بتمام النِّصاب، فإن تعلَّق وجوب الزَّكاة قبل تعلُّق وجوب الحج وجب عليه إخراج الزَّكاة دون الحج، وإن تعلَّق وجوبها بعد تعلُّق الحج وجب الحج دون الزَّكاة، فإن عصى وترك الحج وجبت عليه الزَّكاة.

ويجوز له تبديل النِّصاب بمال آخر قبل حلول الحول لإسقاط الزَّكاة وأداء الحج.

ص: 278

المَبْحَثُ الثَّانِي الشُّرَائطُ الخَاصَّة

وفيه أربعة فصول: -

الفَصْلُ الأَوَّل شَرَائطُ زَكَاةِ الأَنْعَامِ الثَّلاَثَة

(مسألة 850)

يشترط في وجوب زكاة الأنعام الثَّلاثة (الإبل والبقر والغنم) - مضافاً إلى الشُّرائط العامَّة المتقدِّمة - أربعة شرائط:-

الشَّرط الأوَّل: النِّصاب، فلا تجب الزَّكاة فيما لم يبلغ النِّصاب، ولكل واحد من الأنعام نُصب معيَّنة.

ففي الإبل إثنا عشر نصاباً: -

1-خمس، وفيها شاة.

2- عشر، وفيها شاتان.

3- خمس عشرة، وفيها ثلاث شياه.

4- عشرون، وفيها أربع شياه.

5- خمس وعشرون، وفيها خمس شياه

6- ست وعشرون، وفيها بنت مخاض، وهي الأنثى الَّتي دخلت في السَّنة الثَّانية من عمرها، فإن لم يكن عنده بنت مخاض أجزأ عنها ابن لبون، فإن لم يكن عنده تخيَّر في شراء أيِّهما شاء لدفعه زكاة.

7- ست وثلاثون، وفيها بنت لبون، وهي الأنثى الَّتي دخلت في السَّنة الثَّالثة من عمرها.

8- ست وأربعون، وفيها حقَّة، وهي الأنثى الَّتي دخلت في السَّنة الرَّابعة.

9- إحدى وستُّون، وفيها جذعة، وهي الأنثى الَّتي دخلت في السَّنة الخامسة

ص: 279

من عمرها.

10- ست وسبعون، وفيها بنتا لبون.

11- إحدى وتسعون وفيها حقَّتان.

12- مائة وإحدى وعشرون فصاعداً، وفيها في كل خمسين حُقَّة وفي كل أربعين بنت لبون، ولابدَّ أن يكون عدُّها - بما ينطبق على الموجود - بلا زيادة ولا نقيصة.

فلو كان العدد الموجود مطابقاً للأربعين كالمائة والستِّين عُدَّت زكاتها بالأربعين فيخرج أربع بنات لبون، وإن كان مطابقاً للخمسين كالمائة والخمسين عُدَّ زكاتها بالخمسين فيخرج ثلاث حُقَّات، وإن كان مطابقاً لكل منهما كالمأتين تخيَّر بين عَدِّ زكاتها بالأربعين أو بالخمسين بما ذكرناه مخيَّراً، وأمَّا لو كان مطابقاً لهما معاً كالمائة والثَّمانين أو المائتين والستِّين عَدَّ زكاتها بهما معاً فيحسب مقدَّر خمسينين وأربعينين للرَّقم الأوَّل أو مقدَّر خمسينين وأربع أربعينات للرَّقم الثَّاني، وبهذا ينحصر مورد العفو بما دون العشرة من عشرات الخمسين والأربعين.

وفي البقر نصابان: -

1- ثلاثون، وفيها تبيع أو تبيعة، وهي الَّتي دخلت في السَّنة الثَّانية من عمرها.

2- أربعون، وفيها مسنَّة، وهي الَّتي دخلت في السَّنة الثَّالثة من عمرها.

وفيما زاد على هذين التَّقديرين يكون عَدُّ الزَّكاة حسب ما يطابق الموجود على أن لا تكون هناك زيادة ولا نقيصة.وقد عفي عن ما دون الثَّلاثين، وعن الزِّيادة فيما بين النِّصابين من الواحد والثَّلاثين إلى التِّسعة والثَّلاثين، وما بين الأربعين والستِّين كذلك.

ففي الستِّين - يجب عدُّ زكاتها بما يطابق نصاب الثَّلاثين وهو - تبيعان، ولا يجوز عدُّه بالأربعين لاستلزامه بقاء العشرين من البقر بلا زكاة، وفي السَّبعين -

ص: 280

يعد زكاتها على ما يطابق النِّصابين المعروفين وهو - تبيع ومسنَّة، وفي الثَّمانين - يعد زكاتها على ما يطابق نصاب الأربعين وهو - مسنَّتان، وفي التِّسعين - يعد زكاتها على ما يطابق نصاب الثَّلاثين وهو - ثلاث تبيعات، وهكذا.

وقد يطابق الموجود كلاًّ من النِّصابين بلا زيادة ولا نقيصة كالمائة والعشرين فيتخيَّر بين العد بالثَّلاثين والأربعين، لعدم لزوم المحذور المذكور في العدِّ بأيِّ منهما.

وفي الغنم خمسة نصب وهي: -

1- أربعون،وفيها شاة.

2- مائة وإحدى وعشرون، وفيها شاتان.

3- مائتان وواحدة، وفيها ثلاث شياه.

4- ثلاثمائة وواحدة، وفيها أربع شياه.

5- أربعمائة فما زاد، ففي كل مائة شاة

(مسألة 851) لا فرق فيما ذكرناه من نصب الزَّكاة بين الإبل العُرابيَّة والبخاتيَّة، وكذلك في الغنم بين الضَّأن والماعز، كما أنَّ البقر والجاموس يعد من جنس واحد.

(مسألة 852) لا فرق - في عدِّ وحساب النِّصاب في جميع أقسام الأنعام الثَّلاثة - بين الذَّكر والأنثى، وبين الصَّحيح والمريض، وبين المعيب والسَّليم، وبين الهرم والشَّاب، ويجوز إخراج الزَّكاة من أيِّ منها وإن كان الأحوط إخراج الصَّحيح دون المريض، والشَّاب دون الهرم، والسَّليم دون المعيب، نعم لو كانت كلها صحيحة أو سليمة أو شابَّة فلا يجوز دفع المريضة أو المعيبة أو الهرمة، ويجزئ ذلك لو كانت كلُّها كذلك.

(مسألة 853) لا يجزي دفع الذَّكر - زكاة - عن الإناث - وإن كانت كلُّها كذلك - وبالعكس إلاَّ بإذن الحاكم الشَّرعي على الأحوط لأنَّه قد يحصل في ذهنه ما به المصلحة في الحالة العكسيَّة، كما لا يجزي أيضاً دفع الماعز - زكاة - عن

ص: 281

الضَّأن - وإن كانت كلها كذلك - وبالعكس إلاَّ بإذنه، وكذلك الحال في الإبل العرابي والبخاتي والبقر والجاموس.

(مسألة 854) يشترط - على الأحوط وجوباً - في الشَّاة الَّتي يجب دفعها عن نصب الإبل والغنم إكمال سنتها الأولى ودخولها في السَّنة الثَّانية إن كانت من الضَّأن، وإكمال سنتها الثَّانية ودخولها في الثَّالثة إن كانت من الماعز.

(مسألة 855) يجوز للمالك - بإذن الحاكم الشَّرعي - أن يدفع زكاة ماله من غير نصابه، وكذلك في دفعها من غير بلده، كما يجوز له - بإذنه كذلك - دفع القيمة عن العين - ولو من النَّقدين وما بحكمهما من الأثمان كالأوراق النَّقديَّة - وإن كان دفع العين أفضل وأحوط، وبالأخص لو ارتبكت العُمل بحيث لم يحرز كونها تساوي القيمة الفعليَّة إلاَّ إذا زادت نسبيَّاً عنها فلا مانع، بل هو الأفضل مع قبول المزكِّي.

(مسألة 856) لا يشترط في الأنعام الثَّلاثة الَّتي تدفع زكاة أن تكون متساوية مع أمثالها في القيمة، بل يجوز دفع الأقل - قيمة - من غيرها بقليل، وإن كان الأفضل إخراج أعلاهنَّ قيمة.(مسألة 857) إنَّ المدار في دفع القيمة مبني على وقت الأداء لا وقت الوجوب، كما أنَّ الأحوط دفع أعلى القيمتين من قيمتي بلد الدَّفع وبلد النِّصاب.

(مسألة 858) إذا ملك أحد نصب الأنعام الثَّلاثة من دون زيادة عليه فإن أخرج زكاته من نفس النِّصاب فلا تجب عليه الزَّكاة في الحول الثَّاني والثَّالث وهكذا - لو بقي على حاله - لنقصانه عن النِّصاب بإخراج الزَّكاة منه سابقاً وعدم حصول زيادة جديدة تجب الزَّكاة لأجلها فيما بعد، وكذا لو لم يخرج زكاته أصلاً لغفلة ونحوها وأراد إخراجها من نفس ذلك النِّصاب فلا تجب عليه إلاَّ زكاة سنة واحدة.

وإن أخرج زكاته من غيره فتتكرَّر عليه الزَّكاة، لعدم طرؤ النَّقص على النِّصاب.

ص: 282

وأمَّا إذا كان المال أزيد من النِّصاب كما إذا كان عنده خمسون شاة ومرَّت عليها أحوال ولم يؤدِّ زكاتها وجبت عليه الزَّكاة بمقدار ما مضى من السِّنين إلى أن ينقص عن النِّصاب الأدنى، كما لو مضت عليه إحدى عشر سنة بلا زكاة مدفوعة فلابدَّ أن يدفع الزَّائد - وهو العشرة مع شاة النِّصاب الأوَّل وهو الأربعون - زكوات حتَّى تصفى تسعة وثلاثون فلا زكاة حينئذ بعد ذلك حتَّى تحصل سنة لما بعد من السِّنين.

(مسألة 859) لو عاوض ما عنده من نصاب إحدى الأنعام الثَّلاثة - وإن كانت واحدة - مع مالك آخر قبل مضي الحول بشيء آخر - من جنسه أو غيره - سقطت الزَّكاة عنه، إن لم يقصد الفرار من الزَّكاة، وإلاَّ استحبَّ له إخراجها.

الشرط الثَّاني: أن تكون سائمة في تمام الحول بنحو الصِّدق العرفي، بمعنى الرَّعي في أرض الله الواسعة - كالصَّحاري المزروعة إلهيَّاً - وعدم علفها من مالكها أو من شخص آخر، فلا يضر اعلافها بما لا ينقطع السَّوم به عرفاً - كاليوم واليومين - لعارض من العوارض ذات الغالبيَّة كالمطر أو خوف العدو أو عدم تمكُّن الرَّاعي من إرسالها إلى الأعشاب العامَّة.

(مسألة 860) لا فرق في صدق السَّوم - العرفي - بين كون النَّبت - في الصَّحراء - مباحاً أو مملوكاً، كما لو رعاها في الدَّغل والحشيش الَّذي ينبت لوحده في الأرض المملوكة - ولو لآخرين من غير المانعين بصراحة - في أيَّام الرَّبيع أو عند نضوب الماء فتجب فيها الزَّكاة، وكذا لو اشترى لها الأرض ونبت الزَّرع لوحده فسامت فيه.

(مسألة 861) لو اشترى - أو استأجر - المرعى مزروعاً فأطعمت منها الأنعام سقط السَّوم ولا تجب الزَّكاة فيه، وكذا لو جزَّ العلف المباح وأطعمها إيَّاه خرجت عن السَّوم وكانت معلوفة.

(مسألة 862) لا فرق في المعلوفة - الَّتي لا تجب فيها الزَّكاة - بين أن تكون معلوفة بالاختيار أو بالاضطرار، ولا بين أن يكون العلف من مال المالك أم من

ص: 283

غيره، وسواء كان بإذنه أو من دون إذنه.

الشَّرط الثَّالث: أن لا تكون عوامل - عرفاً - في تمام الحول، ولو كانت كذلك - ولو في بعض منه - لم تجب الزَّكاة، نعم لا يضر العمل يوماً أو يومين كما تقدَّم في السَّوم.

الشَّرط الرَّابع: أن يمضي عليها حول كانت جامعة فيه للشُّرائط العامَّة والخاصَّة.

ويكفي في تحقُّق المضي - واستقرار وجوب الزَّكاة - مجرَّد إكمال الشَّهر الحادي عشر والدُّخول في الثَّاني عشر، ولا يحتاج إلى إكماله، ويكون مبدأ الحول الثَّاني بعد تمامه.

وعليه فلا يضر - في وجوب إخراج الزَّكاة - فقدان بعض الشُّروط في أثناء - وقبل تمام - الشَّهر الثَّاني عشر.(مسألة 863) يشترط في وجوب إخراج الزَّكاة بقاء الشُّروط - الخاصَّة والعامَّة إلاَّ البلوغ كما تقدَّم - إلى نهاية الشَّهر الحادي عشر، فلو اختلَّ بعض تلك الشُّروط قبل تمام ذلك الشَّهر بطل الحول وسقطت الزَّكاة كما لو نقص المال عن النِّصاب أو لم يتمكَّن من التَّصرُّف فيه.

(مسألة 864) إذا تملَّك مالك النِّصاب - في أثناء الحول مضافاً للمال الزَّكوي - مالاً جديداً بإرث أو شراء أو نتاج، فإن لم يكن - ما تملَّكه جديداً - نصاباً مستقلاًّ ولا مكمِّلاً لنصاب آخر فلا يجب عليه شيء.

فمثلاً لو كان عنده أربعون من الشِّياه فولدت له أربعين بعد ستَّة أشهر من بداية تملُّك الأمَّهات فلا يجب عليه شيء إلاَّ شاة واحدة عن الأمَّهات كما لو ملك الثَّمانين من أوَّل السَّنة حيث وجوب الشَّاتين، وكذا لو كان عنده خمس من الإبل فولدت أربعاً وهكذا.

وأمَّا إذا كان نصاباً مستقلاًّ كما لو كان عنده خمس من الإبل فولدت له خمساً أخرى في أثناء الحول كان لكل منهما حول بإنفراده، وكذا لو كان نصاباً

ص: 284

مستقلاًّ ومكمِّلاً للنِّصاب اللاحق أيضاً كما إذا كان له عشرون من الإبل واشترى في أثناء حولها خمساً أخرى فلكل من النِّصابين حول بإنفراده.

وأمَّا إذا لم يكن نصاباً مستقلاًّ ولكن كان مكمِّلاً للنِّصاب اللاحق، كما إذا كان له ثلاثون من البقر وولدت أحد عشر في أثناء حولها وجب استئناف حول جديد لهما معاً عند انتهاء حول النِّصاب الأوَّل.

(مسألة 865) مبدأ حول السِّخال من حين النِّتاج لا من حين الاستغناء بالرَّعي عن اللبن، سائمة كانت أمَّهاتها أم معلوفة.

الفَصْلُ الثَّانِي شُرُوطُ زَكَاةِ النَّقْدَين

(مسألة 866) يشترط في زكاة النَّقدين (الذَّهب والفضَّة) - مضافاً إلى الشُّرائط العامَّة المتقدِّمة - أمور:

الأوَّل: أن يكونا مسكوكين بسكَّة المعاملة الرَّائجة بحيث يصدق عليهما في التَّعامل بهما أنَّهما دينار أو درهم - وإلاَّ فلا تجب الزَّكاة كالسَّبائك وحلي النِّساء وغيرها - بلا فرق في أن تكون بسكَّة الإسلام أو الكفر، وسواء كانت مكتوبة أم منقوشة، بقيت على سكَّتها أو مسحت لعارض.

(مسألة 867) الممسوح - من الدَّنانير أو الدَّراهم - بالأصالة إن هجر التَّعامل بها مع النَّاس نوعاً فلا تجب الزَّكاة فيها، وإلاَّ - كما لو كان الهجر بسبب اتِّخاذهما زينة أو جمعهما والاحتفاظ بهما اكتنازاً أو كما يصوغه الهواة - فتجب الزَّكاة.

الثَّاني: مضي الحول على عينهما، كما مرَّ في الأنعام فراجع.

الثَّالث: النِّصاب.

ففي الذَّهب نصابان: -

1- عشرون ديناراً شرعيَّاً، وفيه ربع العشر (2,5٪ ) أي نصف دينار ذهبي.

والدِّينار هو مثقال شرعي، ويعادل (18) حمُّصة أو عشرين قيراطاً،

ص: 285

وبحساب الغرام كما هو متعارف اليوم (4,25) غراماً، وكما هو معلوم أنَّ المثقال الشَّرعي يساوي ثلاثة أرباع الصَّيرفي فيكون مجموع العشرين قيراطاً خمسة عشر مثقالاً شرعياً.

ولا تجب الزَّكاة فيما نقص عن هذا النِّصاب ولا فيما زاد حتَّى يبلغ النِّصاب الثَّاني، وهو: -

2- أربعة دنانير شرعيَّة - بعد العشرين -، وفيها ربع عشرها أيضاً (2,5 %) أي قيراطان، وتعادل هذه الأربعة ثلاثة مثاقيل صيرفيَّة.

فيصير زكاة الأربعة والعشرين ديناراً نصف دينار وقيراطين من الذَّهب، وهكذا كلَّما زاد أربعة دنانير يجب إخراج زكاتها وهو ربع عشرها، وليس فيما نقص عن الأربعة زكاة كما مرَّ.

وفي الفضَّة نصابان أيضاً: -

1- مائتا درهم شرعي، وفيها ربع العشر (2,5٪) أي خمس دراهم.

والدِّرهم يساوي سبعة أعشار المثقال الشَّرعي ونصف المثقال الصَّيرفي وربع عشره، لأنَّ كل عشرة دراهم شرعيَّة تساوي سبعة مثاقيل شرعيَّة وخمسة مثاقيل وربع من الصَّيرفي، فيصير مجموع المثاقيل مائة وأربعون مثقالاً شرعيَّاً ومائة وخمسة مثاقيل صيرفيَّة، والدَّرهم الواحد بحساب الغرام كما هو متعارف اليوم (2,98) غراماً.

وليس فيما نقص عن هذا المقدار زكاة، ولا فيما زاد حتَّى يبلغ النِّصاب الثَّاني الآتي: -

2- أربعون درهماً، وفيها ربع عشرها أيضاً وهو درهم واحد، فيصير زكاة المائتين وأربعين درهما ستَّة دراهم شرعيَّة، وهكذا كلما زاد أربعون كان فيها درهم واحد، ولا زكاة فيما نقص عن الأربعين كما مرَّ.

إذن الضَّابط في زكاة هذين النَّقدين - بعد بلوغهما النِّصاب وتوفُّر باقي الشُّروط - أن يخرج زكاتها بنسبة ربع العشر (2,5٪) أي واحد من كل أربعين،

ص: 286

وإن تزيد هذه النِّسبة - في بعض الصُّور - عن المقدار الواجب قليلاً لكنه غير مضر في أداء الواجب.

(مسألة 868) لا فرق في الذَّهب والفضَّة بين الجيِّد والرَّديء، إلاَّ أنَّه لا يجزي إعطاء الرَّديء إذا كان تمام النِّصاب من الجيِّد.

(مسألة 869) الأفضل والأحوط دفع العين في النَّقدين، وإن كان يجوز - بإذن الحاكم الشَّرعي - دفع القيمة من النَّقدين ومن غيرهما من الأثمان كالأوراق النَّقديَّة لو أحرزت فيها المساواة التَّامَّة إن لم تزد بالاعتبار.

(مسألة 870) تجب الزَّكاة - على الأحوط - في الدَّنانير والدَّراهم المغشوشة - في مادَّتها مثلاً - وإن لم يبلغ خالصهما النِّصاب، نعم لو كان الغش كثيراً بحيث لا يصدق على المغشوش أنَّه من الذَّهب أو الفضَّة فلا تجب الزَّكاة فيه وإن بلغ خالصه النِّصاب الأوَّل مثلاً كما في أعلى نصبه.

(مسألة 871) إذا شكَّ في بلوغ النِّصاب وجب - على الأحوط - اختباره بالإذابة لمعدني دنانيره أو دراهمه ونحوها لتعيين المقدار الخالص، وكذا لو شكَّ فيه في أنَّه خالص أو مغشوش.

(مسألة 872) إذا كان عنده أموال زكويَّة فإن كانت من جنس واحد - كما لو كان عنده ليرة ذهبيَّة عثمانيَّة وليرة ذهبيَّة إنكليزيَّة أو روبِّيَّة فضيَّة إنكليزيَّة أو هنديَّة وقران فضِّي إيراني - ضم بعضها إلى بعض فإذا بلغت نصاباً أخرج زكاتها وجوباً، وإن كانت من أجناس مختلفة - كما لو كان عنده تسعة عشرة ديناراً وعشرة دراهم - أعتبر بلوغ النِّصاب في كل واحد منهما مستقلاًّ ولا يكفي ضم بعضها إلى بعض لعدم وجوب الزَّكاة في ذلك على هذا النَّحو.

(مسألة 873) لو بدل ما يملكه من النَّقدين أثناء الحول بجنسهما أو بجنس آخر أو أذابهما سقطت الزَّكاة عنه إن لم يقصد الفرار منها، وإلاَّ استحبَّ له إخراجها، كما مرَّ في الأنعام.

ص: 287

الفَصْلُ الثَّالث شَرَائطُ زَكَاةِ الغَلاَّت الأَرْبَع

(مسألة 874)

يعتبر في وجوب زكاة الغلاَّت الأربع (الحنطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب)، ويلحق بها - على الأحوط وجوباً - السَّلت (وهي حبَّة ملساء كالحنطة لكن لها خاصيَّة الشَّعير) والعلس (وهو يشبه الحنطة ويعتاد أكله أهل صنعاء) - مضافاً إلى الشُّرائط العامَّة المتقدِّمة - أمران: -

الأوَّل: بلوغ النِّصاب، وهو - على الأحوط بحساب الكيلو ثمانمائة وسبعة وأربعون كيلو غراماً.

والمقدار الواجب إخراجه - من هذا النِّصاب - يتوقَّف على كيفيَّة سقي الأرض المثمرة لا الأشجار حين غرسها.

فإن كان سيحاً طبيعيَّاً - بلا مؤونة ومشقَّة - من العيون والأنهار - ولو بحفرها - أو نحوها، أو عذياً كماء المطر، أو بعلاً وهو مص عروقه من ماء الأرض ففيها العشر أي (10 %) من النِّصاب.

وإن كان غير طبيعي كما لو سقيت بالدِّلاء أو المضخَّات أو النَّواعير أو النَّواضح ونحوها من الوسائل الحديثة ففيها نصف العشر أي (5%) من التِّصاب.

وإن كان سقيها بالأمرين اعتبر بالأكثر منهما إذا كان بحيث ينسب السَّقي إليه ولا يعتاد بالآخر مثل الأوَّل، وإذا تساويا من حيث العدد والصِّدق العرفي بحيث يصدق عرفاً أنَّها سقيت بهما وزع الواجب عليهما فيعطي من نصف غلَّته العشر ومن نصفها الآخر نصف العشر أي (7.5%) من النِّصاب، ومع الشَّك في صدق الاشتراك والغلبة فالواجب هو الأقل وإن كان الأحوط استحباباً هو الأكثر.

(مسألة 875) لا يتغيَّر حكم ما يسقى بالدَّوالي أو المضخَّات ونحوهما من العلاجات عن نصف العشر بنزول الأمطار المعتادة في السَّنة، إلاَّ إذا كثرت بحيث استغني بها عن المضخَّات والدَّوالي وسائر العلاجات فيتغيَّر حكمه إلى

ص: 288

وجوب العشر فيه، أمَّا لو صدق عرفاً الاشتراك بينهما وبين الأمطار في السَّقي على حد التَّساوي فيجب فيه التَّوزيع باستخراج العشر في النِّصف ونصف العشر في النِّصف الآخر أي (7,5٪ ) من النِّصاب كما مرَّ.

(مسألة 876) لو أخرج شخص الماء - عبثاً أو لغرض من الأغراض - بالدوالي أو المضخات وسقى به شخص آخر زرعه وجب - على الأحوط - إخراج عشره، وكذا لو كان مخرج الماء صاحب الزرع نفسه وقد أخرجه لغرض آخر غير السقي ثمَّ أراد سقي زرعه به وحقَّقه، أمَّا لو استخرج الماء لسقي زرع له ثمَّ بدا له سقي زرع آخر له أو زاد من الماء فسقى به الزرع الآخر فالواجب في الصورتين إخراج نصف العشر.

الثَّاني: الملك في وقت تعلُّق الوجوب، سواء كان بالشِّراء أم بالزَّرع أم بالإرث أم بغيرها من الأسباب الدَّاخلة في الموضوع.

(مسألة 877) وقت تعلُّق الزَّكاة بالغلاَّت - على المشهور - حين انعقاد حبِّ الحنطة والشَّعير واصفرار ثمر النَّخل أو احمراره وانعقاد الحصرم في الكرم، والأحوط وجوباً إخراج الزَّكاة - مع توفُّر كافة الشُّروط - فيما لو تملَّك الغلَّة بعد الانعقاد ولو قبل صدق كونها حنطة أو شعيراً أو تمراً أو عنباً من مراحلها الأخيرة.(مسألة 878) المدار في بلوغ النِّصاب المخرج منه الواجب للغلاَّت هو اليابس منها، فلو كانت بالغة النِّصاب وهي رطبة ثمَّ نقصت عند جفافها فلا تجب الزَّكاة، وعلى هذا فلابدَّ من كونها بالغة حدَّ النِّصاب وقت رطوبة حبوبها هو بلوغها كثرة لو جفَّت لوفَّت في كونها نصاباً ولو على أقل تقدير منه.

(مسألة 879) وقت وجوب الأداء وإخراج الزَّكاة غير وقت التَّعلُّق، فيجب على المالك الإخراج حين تصفية الغلَّة واجتذاذ التَّمر واقتطاف الزَّبيب على النَّحو المتعارف، فلو أخره - عامداً وملتفتاً - مع وجود المستحق ضمنها لو تلفت أو سرقت.

ص: 289

ويجوز للسَّاعي - من قبل الإمام أو نائبه الخاص أو العام - مطالبة المالك في وقت تعلُّق الزَّكاة ويجب عليه القبول والإخراج على الأحوط وجوباً، نعم لو أخرجها من دون مطالبة بعد التَّعلُّق وقبل وقت الأداء فليس للسَّاعي الامتناع من قبولها.

(مسألة 880) لا تتكرَّر الزَّكاة في الغلاَّت الأربع بتكرُّر السِّنين فإذا أخرج زكاة حنطته - مثلاً - وبقيت العين عنده سنين فلا تجب عليه الزَّكاة مرَّة أخرى وإن استمرَّ توفُّر الشُّروط، بخلاف الأنعام والنَّقدين.

(مسألة 881) الأحوط وجوباً عدم استثناء المؤونة الَّتي يصرفها المالك في نماء زرعه - من أجرة الفلاَّح والحارث والسَّاقي وأجرة الأرض إن كانت مستأجرة وأجرة المثل إن كانت الأرض مغصوبة وأجرة الحفظ والجذاذ وغير ذلك ممَّا يحتاج إليه الزَّرع والشَّجر والثَّمر، ومن المؤونة ما يأخذه السُّلطان باسم الخراج - إلاَّ ما كان أخذه من قبله بعد تعلُّق الزَّكاة في غلاَّته فيجوز للمالك - بإذن الحاكم الشَّرعي - احتسابها على الزَّكاة بالنِّسبة - لعدم وجوب حفظها إلى زمان التَّصفية والاجتذاذ والاقتطاف - كأن يسلِّم الثَّمر إلى المستحقِّين أو السَّاعي وهو على الشَّجر أو النَّخيل أو السَّاق ويشترك معهم في المؤن.

(مسألة 882) المقاسمة هي ما يأخذه السُّلطان من نفس حاصل الأرض بنحو الضَّريبة، فلا تجب فيها زكاة.

والخراج ما يأخذه السُّلطان من النَّقد المضروب على حاصل الأرض، فلا يستثنى على الأحوط وجوباً كما مرَّ.

(مسألة 883) حكم كل من الزُّروع والأشجار والنَّخيل - حتَّى الَّذي يثمر في العام مرَّتين كما في بعض المواقع المصريَّة على الأحوط وجوباً - للمالك الواحد في الأماكن المتباعدة كحكمها في المكان الواحد فتضم الثِّمار بعضها إلى بعض وإن كانت متفاوتة في الإدراك بعد أن كانت الثَّمرتان مثلاً لعام واحد، فإذا بلغ - مجموع الثِّمار - النِّصاب وجبت الزَّكاة فيه وإن لم يبلغ كل واحد منهما حدَّ النِّصاب.

ص: 290

(مسألة 884) يجوز - في حال اختلاف العين الزَّكويَّة من الجنس الآخر - الاكتفاء بدفع الجيِّد عن الأجود أو دفع الأردأ عن الرديء، أمَّا دفع الرَّديء عن الجيِّد أو الأجود فلا يجوز، والأحوط دفع الزَّكاة من نفس النَّوع.

(مسألة 885) الأحوط عدم جواز دفع القيمة - وإن كانت وافية - عن هذه الزَّكاة إلاَّ من النَّقدين وما بحكمهما من الأثمان كالأوراق النَّقديَّة إلاَّ بتقبُّل الحاكم الشَّرعي - أو وكيله كالسَّاعي - تلك القيمة ثمناً عنها.

(مسألة 886) إذا شكَّ المالك في بيع الزَّرع أو الثَّمر في أنَّه هل وقع بعد تعلق الزَّكاة به ؟ حتَّى تكون عليه، أو وقع قبل تعلُّق الزَّكاة ؟ حتَّى تكون على المشتري، فلا يجب عليه دفع الزَّكاةسواء جهل بالتَّأريخين معاً أم علم زمان التَّعلُّق وشكَّ في زمان البيع.

وإن شكَّ المشتري في ذلك وجب إخراج الزَّكاة إلاَّ إذا علم بأنَّ البائع قد أدَّى الزَّكاة على تقدير كون البيع بعد التَّعلُّق سواء جهل بالتَّأريخين معاً أم علم بزمان البيع وجهل زمان تعلُّق الزَّكاة أو بالعكس.

(مسألة 887) يجوز للحاكم الشَّرعي - أو وكيله - خرص ثمر النَّخل والكرم والزَّرع على المالك - بما فيه الغبطة والمصلحة لمستحقي الزَّكاة - بشرط قبوله فيما لو كان الخرص يزيد بنسبة.

والخرص هو تقدير كميَّة الغلَّة من دون حاجة إلى الكيل أو الوزن وذلك بعد بدو الصَّلاح وتعلُّق الوجوب.

وتظهر فائدته - بعده وقبل تسليمه إلى الحاكم الشَّرعي - في جواز تصرُّف المالك في المال الزَّكوي كيف شاء، بل يصح الخرص من المالك أيضاً - بموافقة الحاكم أو وكيله - إذا كان من أهل الخبرة والإطِّلاع والثِّقة والأمانة.

ص: 291

الفَصْلُ الرَّابع شَرَائطُ زَكَاةِ مَالِ التِّجَارَة

(مسألة 888)

تجب الزَّكاة - على الأحوط - في مال التِّجارة، بنسبة ربع العشر (2,5 %)، وتتعلَّق بالعين كما في زكاة النَّقدين.

وهو كل مال تملَّكه المكلِّف وأعدَّه للتِّجارة والاكتساب به، سواء كان الإنتقال إليه بعقد المعاوضة التِّجاريَّة، أو بمثل الهبة أو الصُّلح المجَّاني، أو الإرث على الأحوط، وسواء كان قصد الإكتساب به من حين الإنتقال إليه أو بعده.

كما لا فرق فيه بين أن يكون ممَّا يتعلَّق به الزَّكاة الماليَّة - وجوباً - وبين غيره كالتِّجارة بالحبوب الأخرى، ولا بين أن يكون من الأعيان أو المنافع، كما لو استأجر داراً بنيَّة التِّجارة.

(مسألة 889) يشترط في وجوب زكاة مال التِّجارة الاحتياطي - مضافاً إلى الشُّرائط العامَّة - أمور:

1- بلوغه حد نصاب أحد النَّقدين المتقدِّم، فلا زكاة فيما لم يبلغه.

2- مضي الحول عليه من حين قصد التَّكسُّب والاسترباح.

3- بقاء قصد الإكتساب طول الحول، فلو عدل عنه - في أثناءه - ونوى القنية أو نوى صرفه ضمن المؤونة لم تجب فيه الزَّكاة، وإن عاد إلى قصد الإكتساب اعتبر ابتداء الحول من حينه.

4- أن يطلب برأس المال زيادة عليه طول الحول، فلو كان رأس ماله مائة دينار مثلاً، فصار يطلب بنقيصة في أثناء السَّنة - ولو حبَّة من قيراط - يوماً منها سقطت الزَّكاة.

(مسألة 890) إذا كان مال التِّجارة من الأنواع الَّتي تجب فيها الزَّكاة وفيه قدر نُصبها مع توفُّر بقيَّة الشَّرائط - مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة أو عشرين ديناراً -، فإن اتَّفق مبدأ حوليهما قدِّمت زكاة المال فإن بقي النِّصاب أخرج زكاة مال التِّجارة كالواحد والعشرين ديناراً إذا زكَّاها للمال فأخرج نصف

ص: 292

دينار فإنَّه لمَّا بقي بعد ذلك قدر العشرين على حاله وزيادة النِّصف دينار الآخر وجب على الأحوط إخراج زكاة التِّجارة وإلاَّ سقطت.

وإن اختلف مبدأ حوليهما فإن تقدَّم حول الماليَّة سقطت زكاة التِّجارة - لفرض نقصان النِّصاب في أثناء الحول - وإن انعكس فإن أعطى زكاة التِّجارة قبل حلول حول الزَّكاة الماليَّة سقطت وإلاَّ قدَّم زكاة الماليَّة فإن بقي النِّصاب على حاله وجبت زكاة التِّجارة.

(مسألة 891) إذا كان مال التِّجارة من الأنواع الَّتي تجب فيها الزَّكاة ومرتبطاً بنصبها الماليَّة وعاوضها في أثناء الحول بمثلها سقط وجوب زكاة المال - لاشتراط بقاء العين طول الحول - دون زكاة مال التِّجارة فإنَّها تبقى على حالها.

(مسألة 892) إذا ظهر في مال المضاربة - الَّتي هي الدَّراهم أو الدَّنانير المسكوكة أو ما يعوِّض عنها بالاعتبار الحالي - ربح كانت زكاة رأس المال - مع بلوغه النِّصاب - على ربِّ المال، ويضم إليه حصَّته من الرِّبح، وكذا إذا بلغ الرِّبح النِّصاب وتمَّ حوله، ولو بلغ حصَّة العامل - من الرِّبح - النِّصاب مع اجتماع الشُّرائط أخرج زكاته، لكن ليس له التَّأدية من العين إلاَّ بإذن المالك أو بعد القسمة.

(مسألة 893) إذا صادف رأس سنته الخمسيَّة مع سنته التِّجاريَّة قدَّم الخمس على زكاة التِّجارة، لأنَّ الخمس ثابت الوجوب وزكاة التِّجارة احتياطيَّة فيه، إلاَّ إذا بقي الزَّائد على حالهوكان نصاباً، وكذا يقدِّم الخمس - لو كان مديناً شيئاً منه - عليها إلاَّ إذا بقي ما فيه زيادة أيضاً وكان نصاباً.

ص: 293

المَقْصَدُ الثَّانِي ِفي أَصْنَافِ مُسْتَحقِّي الزَّكَاة (الثَّمَانِيَة) وَأَوصَافِهِم

وفيه مبحثان: -

المَبْحَثُ الأَوَّل في أَصْنَافِهِم

وهم ثمانية: -

الأوَّل والثَّاني: الفقير والمسكين.

وكلاهما من لا يملك مؤونة سنته - لنفسه وعياله بحيث تليق بحالتهما - فعلاً أو قوَّة، والثَّاني أسوأ حالا من الأوَّل، وقيل العكس، والعمدة هو صحَّة الدَّفع إلى أحدهما أو كليهما وإن لم يظهر الأسوأ وإن كان هو أهم لكن أهميَّته حين تشخيصه.

والغني بخلافهما، فإنَّه من يملك قوت سنته فعلاً - بأن يكون له مال (نقداً أو جنساً) يكفيه لمؤونته ومؤونة عياله - أو قوَّة - بأن يكون له حرفة أو صنعة يحصل منها مقدار المؤونة أو كان له مال وقوَّة يقدر بهما معاً مثلاً أن يتاجر أو يصانع بماله - فلا يجوز له أخذ الزَّكاة، وكذا من كان قادراً على الإكتساب - فعلاً - وتركه تكاسلاً، فإن خرج بعد ذلك ولم يجد عملاً أو شغلاً يتكسَّب به أو انتهى وقتهما وكان بحاجة إلى القوت فيجوز الأخذ ما دام كذلك.

(مسألة 894) من كان متمكِّناً من الإكتساب ولكن لا يناسب شأنه فيجوز له الأخذ من الزَّكاة إلى حين وجدان ما يناسبه، وكذا لو كان قادراً على مهنة ولم تكن عنده أدواتها فيجوز الأخذ بمقدار ما يكفيه لشرائها، أمَّا لو كان متمكِّناً من تعلُّم صنعة أو حرفة تكفي لمؤونته ومؤونة عياله وترك تعلُّمها من دون عذر فلا يجوز له أخذ الزَّكاة إلاَّ إذا انتهى وقت تعلُّمها واستمرَّت حاجته.

(مسألة 895) من كان عنده رأس مال لا تكفي أرباحه لمؤونة سنته، أو

ص: 294

كان صاحب صنعة بكامل أدواتها - وكانت تكفي لمؤونته -، أو صاحب دار أو بستان أو خان - تقوم قيمتها بمؤونته -، ولكن لا يكفيه الحاصل - من هذه الأمور - لنفقته وإعاشته فيجوز له أن يأخذ من الزَّكاة مقدراً يكمل به مؤونته، ولا يجب عليه بيع الأدوات والبستان ونحوهما، بل له إبقاءها.

(مسألة 896) تملُّك دار السُّكنى والخادم والدَّابَّة - لمن يحتاج إليها بحسب حاله ولو لشرفه - لا يمنع من إنطباق عنوان الفقير عليه وأخذه الزَّكاة، وكذا أثاث البيت من الظُّروف والفرش والأواني والألبسة الصَّيفيَّة والشُّتويَّة والكتب العلميَّة وغيرها ممَّا يحتاج إليه - في إعاشته - ويناسب شأنه.

نعم لو كان عنده - من المذكورات - أزيد من حاجته ومن متطلَّبات مكانته الاجتماعيَّة والعائليَّة وبما يناسب عزَّه وشرفه - وهي تختلف اجتماعيَّاً من فرد إلى آخر - وكان الزَّائد يكفي لمؤونته فلا يجوز له أخذ الزَّكاة، بل حتَّى الدَّار - أو العبد أو الفرس أو الجارية - إذا كانت قيمتها أزيد من حاجته الفعليَّة الَّتي تناسب شأنه وكان بإمكانه تبديلها بأقل قيمة للاستفادة من التَّفاوت بينهما والتَّعيُّش بها فيجب التَّبديل ويحرم عليه الأخذ من الزَّكاة.

(مسألة 897) طالب العلم الَّذي لا يملك فعلاً مؤونة سنته إن تعيَّن عليه تحصيل العلم شرعاً أو لم يكن قادراً على الإكتساب لفقد رأس المال أو الأدوات أو لم يكن مناسباً لشأنه - كماهو الغالب في زماننا لرجال العلم - فلا مانع من أخذ الزَّكاة من سهم الفقراء، بل ومن سهم سبيل الله ، لأنَّ عمله وهو الاشتغال بالدِّراسة وتعلُّم الأحكام وتعليمها ذو مصلحة راجحة شرعاً وهو أمر محبوب لله جل جلاله حتَّى إذا لم يقصد بذلك القربة وإن كان الثَّواب متوقِّفاً عليها.

أمَّا لو قصد بدراسته أمراً محرَّماً - والعياذ بالله - كالتَّصدي للفتوى وهو ليس بأهل لها علماً أو ديناً أو كان ذلك لإيذاء النَّاس وإلقاء الفتن - مثلاً - ولو عن علم كان أمراً محرَّماً كذلك ولم يجز له أخذ الزَّكاة حينئذ حتماً.

(مسألة 898) لو ادَّعى شخص الفقر فإن علم صدقه - من شهادة العدلين أو غيره - أو حصل الوثوق من قوله من الطُّرق الأخرى فلا مانع من إعطاءه

ص: 295

الزَّكاة، وإلاَّ فلا يجوز، وكذا من علم من حالته السَّابقة أنَّها الغنى فلابدَّ من الاطمئنان بحصول فقره بعد ذلك.

(مسألة 899) لو شكَّ الدَّافع في أنَّ ما بيد مدَّعي الفقر كان كافياً لمؤونة سنته فإن كانت حالته السَّابقة هي الفقر جاز إعطاءه من الزَّكاة استصحاباً، بل وكذا لو جهلت حالته السَّابقة اعتماداً على عدم اليقين في غناه مع ظاهر صدقه بادعائه الفقر لو لم يكن مورداً للاتِّهام، أمَّا لو علم بسبق الغنى فلا يجوز كما مرَّ.

(مسألة 900) لو دفع الزَّكاة إلى شخص باعتقاد أنَّه فقير ثمَّ ظهر عدم استحقاقه - لغناه أو كونه ممَّن تجب نفقته على الدَّافع أو غير ذلك - فإن كانت العين باقية عنده وجب عليه استرجاعها منه وصرفها في مصرفها الحقيقي كما على آخذها عدم الامتناع من إرجاعها، وإن كانت تالفة ضمن بدلها إن كان القابض عالماً بأنَّها زكاة - وإن لم يعلم بحرمتها على الغني - كحالة تغريمه بقيمتها إن لم يقصِّر بدفعها له أوَّلاً.

أمَّا لو دفعها إلى الحاكم الشَّرعي وتلفت عنده قبل إيصالها إلى مستحقِّيها فلا ضمان على الدَّافع، وكذا لو كان الدَّافع مستنداً إلى حجَّة شرعيَّة - كالفحص أو بأمر الحاكم الشَّرعي أو وكيله - أو دفع الزَّكاة إلى غني وكان جاهلاً بحرمتها عليه فلا ضمان على الدَّافع بل يرجع على القابض كما مرَّ، ولا ضمان على القابض إذا كان جاهلاً بأنَّ ما أخذه زكاة.

وإذا تعذَّر إرجاع الزَّكاة - أو بدلها في الصُّور المتقدِّمة - وجبت الزَّكاة على دافعها - على الأحوط وجوباً -، ولا تفرغ ذمته بما دفعه أوَّلاً سواء وجب الضَّمان على القابض وتعذَّر أخذه منه أو لم يجب كما في صورة كونه مغروراً من قبل الدَّافع.

(مسألة 901) يجوز إعطاء الفقير - من مال الزَّكاة - أزيد من مؤونته - بل ما يكفيه لسنين عديدة - في دفعة واحدة، أمَّا غيره - كالكاسب وصاحب الصَّنعة ونحوهما - ممَّن لا يفي ما يحصل عليه بنفقته فيقتصر - على الأحوط وجوباً - على

ص: 296

ما يكمل النَّفقة فقط كما مرَّ

(مسألة 902) لو كان - لمن عليه الزَّكاة - دين على الفقير - حيَّاً أو ميِّتاً - جاز احتساب دينه من الزَّكاة، بشرط - في الأخير وهو ما لو كان الفقير ميِّتاً - أن لا تفي تركته بدينه وإلاَّ لم يجز، نعم إذا لم يمكن الاستيفاء منها - لامتناع الورثة ولم يمكن إجبارهم أو غصب التَّركة غاصب ولم يمكن أخذها منه أو أتلفها متلف بنحو لا يستوجب الضَّمان كحالة عدم التَّعدِّي والتَّفريط ونحو ذلك - فالأظهر الجواز، وإن كان الأحوط الاستئذان من الحاكم الشَّرعي.

(مسألة 903) لا يجب إعلام الفقير بأنَّ المدفوع إليه زكاة، بل يدفعه حتَّى على نحو يتصوَّر الفقير أنَّه هديَّة أو إعانة، ويجوز صرفها في مصلحة الفقير كما إذا قدَّم إليه تمر الصَّدقة أو زبيبها فأكل هو وعياله، بل يستحب صرفها إليهم على وجه الصِّلة ظاهراً وينويهازكاة وخصوصاً لمن يترَّفع عن أخذ الزَّكاة حياءاً، وبالأخص من لم يأخذها أصلاً وهو بحاجة ماسَّة لها ولم يكن بديل غيرها.

(مسألة 904) لو نذر مالك الزَّكاة أن يعطي زكاته فقيراً معيَّناً انعقد نذره، فإن سها فأعطاها فقيراً آخر أجزأ، ولا يجوز استردادها منه وإن كانت العين باقية، وكذا لو أعطاها فقيراً غيره - متعمِّداً - فيجزي وإن كان آثماً لمخالفة النَّذر وتجب عليه الكفَّارة ولا يجوز استردادها منه أيضاً لأنَّه ملكها بالقبض.

الثَّالث: العاملون عليها.

وهم المنصوبون من قبل الولي المعصوم - وهو النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ - أو نائبه الخاص أو العام، وهو - في عصرنا (عصر الغيبة الكبرى) - المجتهد الجامع للشُّرائط، ويعبَّر عنه بالحاكم الشَّرعي - لأخذ الزَّكوات وجبايتها وحسابها وإيصالها إليه أو إلى مستحقها بإذنه، فإنَّ العامل يستحق منها سهماً في مقابل عمله وإن كان غنيَّاً.

والحاكم الشَّرعي مخيَّر بين أن يجعل لهم من الأوَّل مقداراً معيَّناً بحسب

ص: 297

عملهم، أو لا يعيَّن مقداراً بل يعطيهم بعد ذلك ما يراه من المصلحة.

الرَّابع: المؤلفة قلوبهم.

وهم الكفَّار الَّذين يراد من إعطائهم ألفتهم معنا واستمالتهم إلى الدُّخول في الإسلام وعقائده أو إلى مساعدة المسلمين في الجهاد أو دفع شرِّهم عنهم على الأقل.

وألحق بهم ضعفاء العقول والعقيدة بالمعارف الدِّينية من المسلمين فيعطون من الزَّكاة لتقوية عقيدتهم وتثبيتهم على الإسلام وتقوية ألفتهم له.

الخامس: الرِّقاب.

وهم ثلاثة أصناف يعطون من الزَّكاة لتخليص رقابهم من الرِّقيَّة، وهم: -

1- المكاتب - المطلق والمشروط - العاجز عن أداء مال الكتابة، فيعطى من الزَّكاة لتسديد ما عليه من حق الكتابة، سواء بقي عليه شيء ولم يقدر على إكماله بالعمل مطلقاً أو لم يدفع منه شيئاً أو كان مشروطاً أن يوفِّر الجميع ولم يقدر على توفيره إلاَّ عن هذا الطَّريق.

2- العبيد تحت الشِّدَّة فيشترون من الزَّكاة ويعتقون ارتباطاً بالنَّهج الإسلامي القويم الَّذي جعل الاسترقاق للتَّحرير لا لذل العبوديَّة.

3- مطلق العبيد مع عدم وجود مستحق للزكاة وغيرهم، فيشترون من الزَّكاة ويعتقون لأجل تحريرهم كما مرَّ لو لم يتضرَّر نظام الإسلام بانفلات منهم ضدَّه حينذاك.

السَّادس: الغارمون.

وهم من تراكمت عليهم ديون النَّاس وعجزوا عن أدائها وإن كانوا مالكين لقوت سنتهم، فيعطون من الزَّكاة لتسديد ما عليهم، بشرط أن لا تكون تلك الدُّيون مصروفة في المعاصي.

(مسألة 905) لا فرق في الدَّين بين كونه لقرض أو ثمن مبيع أو ضمان مال

ص: 298

أو غيرها من أقسام الدُّيون وما تشتغل به الذِّمَّة وإن كان مهراً لزوجته قد حلَّ أجله - أو طالبت به إن كان متوقِّفاً على ذلك - أو غرامة لما أتلفه، ولا يعتبر فيه أن يكون حال الأجل فيعطى المدين ولو للتَّحضير له إلى حين حلوله، كما لا فرق في المديون بين من لا تجب نفقته على من عليه الزَّكاة وبين من تجب نفقته عليه فيجوز إعطاء الزَّكاة لوفاء دينه وإن لم يجز إعطاؤها لنفقتهإذا لم يكن ذلك الدَّين لخصوص النَّفقة الواجبة.

(مسألة 906) من كان قادراً على الإكتساب ومتمكِّناً من أداء دينه تدريجاً ورضي الدَّائن بذلك فلا يجوز إعطاؤه من سهم الغارمين، أمَّا لو طلب منه التَّعجيل في الأداء والتَّسديد وعجز عن القضاء فيجوز إعطاؤه من هذا السَّهم.

(مسألة 907) يجوز لدافع الزَّكاة احتسابها على الغريم حيَّاً كان أو ميِّتاً - إن لم يستوف من تركته - بإذن الحاكم الشَّرعي - بأن يحتسب ما عنده من الزَّكاة في كفِّه مثلاً للمدين فيكون ملكاً له - ثمَّ يقبضه بالكفِّ الأخرى وفاءاً عمَّا عليه من الدَّين له وإن لم يعلم المدين، وكذا يجوز لو كان الدَّين لغير من عليه الزَّكاة وأراد الدَّافع احتساب ما عنده على هذا المديون - حيَّاً كان أو ميِّتاً - بإذن من الحاكم الشَّرعي.

(مسألة 908) لا يجوز إعطاء الزَّكاة بمجرَّد دعوى الدَّين، بل لابدَّ من قيام حجَّة أو اطمئنان بثبوته.

السَّابع: سبيل الله تعالى.

ويصرف هذا السَّهم - بإشراف الحاكم الشَّرعي أو وكيله - في كل سبيل خير كتعبيد الطُّرق وبناء الجسور والمدارس الدِّينيَّة والمساجد والمستشفيات وملاجئ الفقراء ونشر الكتب الإسلاميَّة المفيدة والإعانة على الطَّاعات ورفع الشُّرور والفتن الواقعة بين المسلمين ونحوها من الجهات العامَّة أو الخاصَّة الَّتي يحتاج إليها المسلمون.

الثَّامن: ابن السَّبيل.

ص: 299

وهو الَّذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته بحيث لا يتمكَّن من الذَّهاب إلى بلده - وإن كان غنياً في بلده - بشروط وهي: -

1- أن لا يتمكَّن من الاستدانة لرجوعه.

2- أن لا يتمكَّن من بيع ماله الَّذي هو في بلده.

3- أن لا يكون سفره في معصية، أمَّا لو كان وظهرت فيها منه النَّدامة وتاب فلا مانع من إعطاءه فإن توفُّرت هذه الشُّروط فيجوز إعطاؤه من الزَّكاة بما يكفيه للرجوع إلى بلده بمقدار لائق بحاله من لباس وأكل ومركب أو ثمنها وأجرتها إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء وطره من سفره أو يصلِّ إلى محل يمكنه تحصيل ما يحتاج إليه بالاستدانة أو البيع ونحوهما منه حسب حاله الجيِّد أساساً.

المَبْحَثُ الثَّانِي في أَوْصَافِ المُسْتَحِقِّين

(مسألة 909)

يشترط في مستحق الزَّكاة أمور:-

الأوَّل: الإيمان.

فلا تعطى الزَّكاة للكافر على أقسامه ولا لمن يعتقد خلاف الحق من فرق المسلمين إلاَّ من سهم المؤلَّفة قلوبهم إذا صدقت مصداقيَّة ذلك فيهم، ويجوز إعطاء أطفال المؤمنين ومجانينهم - من سهم الفقراء - تمليكاً لهم بشرط أن يقبل وليُّهم لاحتمال عدم رضاه تورُّعاً منه بزيادة في العمل وإن كان هو وأطفاله في مظهر الحاجة، وأمَّا إذا كان بنحو الصَّرف مباشرة أو بتوسُّط أمين فلا يحتاج إلى القبول لظاهرة الحاجة فيهم وإن كان أحوط.

(مسألة 910) الصَّبي المتولِّد بين المؤمن وغيره يلحق بالمؤمن - إلحاقاً بأشرف الأبوين - خصوصاً إذا كان هو الأب لأنَّ الاتِّجاه إليه في الصَّرف لا لأمِّه، وأمَّا مع ايمان الأم فقط فأمر ذلكأسهل للحاجة، نعم لو كان الجد مؤمناً والأب غير مؤمن فالأحوط عدم الإعطاء إلاَّ من سهم المؤلَّفة قلوبهم أو من سهم الفقراء لو كانت الأم مؤمنة كالجد.

ص: 300

(مسألة 911) لا يلحق ابن الزِّنا بالمؤمنين - فضلاً عن غيرهم - فلا يعطى من سهم الفقراء، ويجوز من سهم سبيل الله لشموله للقضايا الإنسانيَّة مع انطباق الأدلَّة.

(مسألة 912) إذا أعطى المخالف زكاته لأهل نحلته ثمَّ استبصر أعادها، بخلاف الصَّلاة والصَّوم إذا جاء بهما على وفق مذهبه كما مرَّ، نعم لو أعطاها إلى مؤمن ثمَّ استبصر أجزأ وإن كان الأحوط استحباباً الإعادة أيضاً.

الثَّاني: أن لا يصرفها - قابضها - في الحرام والمعصية.

للحذر من أن يكون الدَّفع إليه إعانة على الإثم، بل الأحوط وجوباً عدم دفعها إلى المتجاهر بالفسق ومرتكب بعض المعاصي كشرب الخمر وترك الصَّلاة ونحوهما حتَّى لو علم صرفه لها في الحلال، إلاَّ أن يعلم إن إعطاءه منها رادع له عن ارتكاب المعاصي ومشجِّع له على الطَّاعات.

الثَّالث: أن لا يكون ممَّن تجب نفقته على المعطي.

كالأبوين وإن عليا، والأولاد وإن سفلوا ذكوراً وإناثاً، والزَّوجة الدَّائمة الَّتي لم يسقط وجوب نفقتها باشتراط، فلا يجوز إعطاؤهم - من سهم الفقراء - للإنفاق، ويجوز إعطاؤهم بعنوان آخر كما لو كان غارماً أو ابن سبيل.

كما يجوز أيضاً إعطاؤهم من الزَّكاة لحاجة لا تجب على المنفق - كما إذا كان الوالد أو الولد أو الزوجة أو المملوك لهم دين يجب وفاءه، أو عمل يجب أداؤه بإجارة ونحوها وكان موقوفاً على المال - بخلاف ما لو كان إعطاءه لهم - من الزَّكاة - للتَّوسعة زيادة على نفقته الواجبة فلا يجوز - على الأحوط - لو كان عنده ما يوسِّع به عليهم.

(مسألة 913) يجوز إعطاء الزَّكاة للزَّوجة المتمتِّع بها إذا كانت فقيرة، بلا فرق في ذلك بين إعطائها للإنفاق أو للتَّوسعة، نعم لو وجبت نفقتها على الزَّوج بالشَّرط ونحوه لم يجز الدَّفع إليها مع تمكُّن الزَّوج من الإنفاق، وكذا لا يجوز إعطاء الزَّوجة النَّاشز الخارجة عن طاعة زوجها لتمكُّنها من تحصيل نفقتها بترك

ص: 301

النُّشوز.

(مسألة 914) يجوز للزَّوجة أن تدفع زكاتها إلى زوجها إذا كان فقيراً ولو لأجل إنفاقه عليها.

(مسألة 915) يجوز لمن وجب عليه الإنفاق على أحد أن يعطي زكاته لواجب النَّفقة عليه إن عجز تماماً عن الإنفاق عليه ليتعيَّش به وإن كان الأحوط استحباباً التَّرك إن أمكن وإن كان فيه بعض الصعوبات وأمَّا للحاجة الماسَّة فالأحوط مراجعة الفقيه لاحتسابها على هذا المحتاج.

(مسألة 916) لو عال بأحد - لا تجب عليه نفقته - تبرُّعاً جاز له أن يدفع زكاته إليه، وكذا يجوز لغيره دفع الزَّكاة إليه من دون فرق بين القريب والأجنبي.

(مسألة 917) يجوز لمن وجبت نفقته على الغير أن يأخذ الزَّكاة من غير من تجب نفقته عليه إذا لم يكن الأوَّل قادراً على الإنفاق عليه أو لم يكن باذلاً له مع قدرته أو كان باذلاً مع المنَّة الَّتي لا تتحمل عادة، ومع بذل الزَّكاة له لا يجب عليه الإنفاق على غيره وإن كان ممَّن يجب عليه الإنفاق عليه إلاَّ ممَّا زاد عنده.

(مسألة 918) من وجبت عليه النَّفقة لأحد كالأب والابن والزَّوجة ولم يدفعها مع قدرته فأخذ واجب النَّفقة من الزَّكاة ما يكفيه تبقى ذمَّة من وجبت النَّفقة عليه مشغولة لواجبها إلاَّ أن يعفو عنه.الرَّابع: أن لا يكون هاشميَّاً إذا كانت الزَّكاة من غير الهاشمي.

ولا فرق بين سهم الفقراء وغيره من السِّهام حتَّى سهم العاملين عليها وسهم سبيل الله ، نعم يجوز للهاشمي أن يتصرَّف في الأوقاف العامَّة وما يسمَّى بالصَّدقات الجارية حتَّى إذا كانت من الزَّكاة كالمساجد ومنازل الزُّوار والمدارس والكتب ونحوها لعدم تملُّكه لها بذلك التَّصرُّف.

(مسألة 919) يجوز للهاشمي أخذ الزَّكاة من الهاشمي ومن دون فرق بين السِّهام لو دعت الحاجة إليه ولا يجوز له أن يأخذ من غيره،إلاَّ مع الضَّرورة

ص: 302

إليها - كما إذا لم يصل إليه الخمس وسائر الوجوه المملِّكة له أو وصل إليه ولم يكفه - مقتصراً في ذلك على قدر سدِّ الرَّمق بلا إشباع ويوماً فيوماً مع الإمكان، مع الاحتياط الضَّروري بمراجعة الفقيه للاحتساب عليه بالتَّبديل بمال آخر لو أمكن.

(مسألة 920) الهاشمي هو المنتسب شرعاً إلى هاشم بالأب دون الأم، ويثبت كونه هاشميَّاً بما يثبت به غيره من الموضوعات الخارجيَّة - وإن انحصر المألوف اليوم بأولاد عليٍّ وفاطمة عَلَيْهِمُا اَلسَّلاَمُ لندرة الباقين أو عدمهم - كالعلم والبيِّنة والشِّياع المفيد للاطمئنان، ولا يثبت بمجرَّد دعوى السِّيادة.

(مسألة 921) لا يجوز دفع الصَّدقات المندوبة إلى الهاشمي إحتياطاً فضلاً عن الصَّدقات الواجبة - من غير الزَّكاتين - كالكفَّارات ومجهول المالك واللقطة والصَّدقة المنذورة والموصى به الفقراء إلاَّ ما كان من الهاشمي إلى الهاشمي أو ما كان بحكم الانحصار بالهاشميِّين من النُّذور والوصايا ولا مانع من ردود المظالم، وإن كان الأحوط استحباباً التَّنزُّه منها لو توفَّر غيرها من الأخماس ونحوها.

ص: 303

المَقْصَدُ الثَّالْث في بَعْضِ أَحْكَامِ زَكَاةِ الأَمْوَالِ وَمَعَهَا زَكَاةُ التِّجَارَة

(مسألة 922) يعتبر في الزَّكاة - كما يعتبر في سائر العبادات - أمور وهي: -

1- النِّيَّة مع قصد القربة - مقارناً لدفعها - وقد تقدَّم معناها، والأحوط تقديمها عليه إذا كان بنحو الخطور من باب المقدَّمة أو بنحو الدَّاعي وهو الأفضل، فلا يجوز تأخير النِّيَّة - تعمُّداً - عن أوَّل جزء من أجزائها وإلاَّ لبطلت، ولكن لا يضر فيها ذهول الدَّافع وغفلته عنها - حين دفعها - ما دامت نيَّتها كامنة في أعماق نفسه لداع سابق دعاه إلى ذلك ثمَّ غفل عنها ثمَّ رجع إلى قصده ولا بأس بتأخيرها - عن الدَّفع بزمان - مع ضمان بقاء العين إلى حين استقرار النِّيَّة، أمَّا لو تلفت بلا قصد أصلاً بعد دفعها مع عدم ما يوجب ضمان القابض وجب الدَّفع ثانياً - كما مرَّ - فتجب النِّيَّة حينئذ مرَّة أخرى، نعم لو تلفت وضمن القابض أمكن احتساب ما في ذمَّة القابض زكاة لو ثبت استحقاقه أو إلزامه بدفعها عمَّن وجبت عليه عند عدم استحقاقه.

2- الإخلاص، فلا يجوز ضم الرِّياء معها فتبطل الزَّكاة وتبقى على ملك المالك.

3- التَّعيين إذا تعدَّد الحق الواجب في ذمَّته.

(مسألة 923) يجوز للمالك التَّوكيل في أداء الزَّكاة وفي إيصالها إلى مستحقها، فيتولَّى المالك النِّيَّة حين الدَّفع إلى الوكيل مستمرَّاً فيها إلى حين دفع الوكيل - ناوياً الزَّكاة عن المالك - إلى الفقير، ويكفي في إبراء ذمَّة المالك حصول الوثوق بوصولها إلى المستحق.

(مسألة 924) لا مانع من أن يوكِّل مستحق الزَّكاة شخصاً في قبضها عنه من شخص معيَّن، بل مطلقاً، وتبرأ ذمَّة المالك بالدَّفع إلى الوكيل وإن تلفت في

ص: 304

يده ما دام موكلُّه باقياً على استحقاقه.

(مسألة 925) الأحوط دفع الزَّكاة - في زماننا هذا زمن الغيبة الكبرى - إلى الحاكم الشَّرعي وهو (الفقيه الجامع للشُّرائط)، لتوجُّه المحتاجين في الأكثر إليه، لاسيَّما إذا طلبها ولأنَّه أعرف بمواقع صرفها، نعم يجوز للمالك مباشرة - أو بالاستنابة والتَّوكيل - صرفها في مصارفها بعد الاستئذان من الفقيه حتَّى في جميع تلك الزَّكوات إن اقتضى الأمر عند الفقيه في ذلك.

وعليه فتبرأ ذمَّة المالك بدفعه الزَّكاة إلى الحاكم الشَّرعي - لعنوان الولاية الموكول إليه - وإن تلفت بعد ذلك - بتفريط من آخرين أو بدونه - أو بدفعها إلى غير المستحق اشتباهاً، نعم لو قبضها الحاكم الشَّرعي بعنوان الوكالة في الأداء أو الوكالة في الإيصال إلى المستحق فلا تبرأ ذمَّة المالك إلاَّ بعد الاطمئنان بصرفها في مصارفها.

(مسألة 926) يجب دفع الزَّكاة فوراً حين مطالبة الحاكم الشَّرعي أو وكيله أو مع وجود المستحق - كما مرَّ -، فإن أخَّره مع وجوده - ومن غير عذر - ضمن، أمَّا لو أخَّره لعدم وجود المستحق فتلف المال - من دون تفريط - قبل الوصول إليه فلا ضمان كما سيأتي.

ويجوز للمالك - حينئذ - عزل الزَّكاة من نفس العين أو من مال آخر، بل يجوز حتَّى مع وجوده - كأن ينتظر من هو قريب له من رحمه ودفعه إليه - فيتعيَّن المعزول زكاة ولا يجوز تبديله، بل يكون في يده أمانة لا يضمنه إلاَّ مع التَّعدِّي والتَّفريط، مع رجحان الإشهاد عليه.

نعم إذا كان يعرف من نفسه عدم المقدرة على الاحتفاظ بها فلا يجوز عزلها وتعطيلها ويجب دفعها فوراً إلى مستحقِّها، ونماء الزَّكاة تابع لها في المصرف ولا يجوز للمالك إبدالها بعدالعزل.

(مسألة 927) لا يجب - بل يستحب - بسط الزَّكاة على الأصناف الثَّمانية المتقدِّمة إن أمكن، كما لا يجب على أفراد صنف واحد وإن كان تركه أحوط مع حاجة بقيَّة الأصناف، ولا مراعاة أقل الجمع وهو الثَّلاثة، فيجوز إعطاؤها

ص: 305

لشخص واحد من صنف واحد، كما يجوز - لو أريد بسطها على الأصناف - إعطاء شخص واحد تعدُّد فيه سبب الاستحقاق - كأن يكون فقيراً وعاملاً وغارماً في نفس الوقت مثلاً - بكل سبب نصيباً.

(مسألة 928) يجوز نقل الزَّكاة من بلده إلى غيره - القريب أو البعيد - مع عدم وجود المستحق - وإن كان من غير أهله - أو شكَّ في وجوده، بل حتَّى مع وجوده وكان في نقلها مصلحة أهم لاشتداد الفقر هناك مثلاً أو كان بأمر الحاكم الشَّرعي المحرز في ذهنه الأهم والمهم بل الصَّالح من غيره بصورة أكثر، وكذا يجوز نقل الزَّكاة - من البلد الَّذي كانت واجبة فيه - إلى بلده المسكون فيه أو غيره.

ومؤونة النَّقل على المالك مع وجود المستحق في البلد - الَّذي فيه مال الزَّكاة - وإلاَّ فمن الزَّكاة، ولو تلفت بالنَّقل - مع وجود المستحق ولم يكن نقله لغرض صحيح - ضمن مع التَّفريط وإلاَّ فلا، كما لا ضمان إذا كان النَّقل بأمر الحاكم الشَّرعي.

(مسألة 929) لو كان له مال في غير بلد الزَّكاة، أو نقل مالاً له من بلد الزَّكاة إلى بلد آخر، جاز احتسابه زكاة - بإذن الحاكم الشَّرعي على الأحوط - عمَّا عليه في بلده ولو مع وجود المستحق فيه.

(مسألة 930) الزَّكاة حق مالي خاص متعلِّق بالأعيان الزَّكويَّة، فلا يجوز - على الأحوط - التَّصرُّف في تمام النِّصاب - ولا ببعضه المشاع ولا ببعضه المعيَّن حينما وجبت فيه إلى حدِّ يؤثِّر على النِّسبة الزَّكويَّة الواجبة ولو يسيراً - وعلى المتصرِّف الضَّمان لو تلفت العين، فإذا باع المالك تمام النِّصاب لم يصح، إلاَّ إذا دفع البائع (المالك) عين الزَّكاة - أو قيمتها - إلى المستحق فيصح من دون حاجة إلى إجازة الحاكم الشَّرعي، فإن دفع البائع العين كان المشتري بالخيار في الفسخ وعدمه، وإن لم يدفع البائع الزَّكاة ولا قيمتها بل دفع المال كلَّه إلى المشتري وجب على المشتري دفع الزَّكاة ويرجع بها على البائع إن كان مغروراً، فإن امتنع المشتري فلولي الزَّكاة أن يأخذ منه مقدار الزَّكاة من العين قهراً عليه وهو

ص: 306

يرجع على المالك.

(مسألة 931) إذا مات المالك بعد تعلق وجوب زكاة المال وقبل الإخراج وجب على الوارث إخراجها، أمَّا إذا مات قبل التعلق فلا يجب على الوارث - بعد الإنتقال إليه - ذلك الإخراج، إلاَّ إذا بلغت حصته النِّصاب إذا تعدَّد أفراده ومع اتِّحاده وورث الكل فكذلك، وكذا لو كان الإنتقال بالهبة أو الشراء.

(مسألة 932) لا يجوز تقديم الزَّكاة قبل تعلُّق الوجوب، فلو قدَّمها كان المال باقياً على ملكه مع بقاء عينه، نعم يجوز إعطاءه الفقير قبل الوقت بنحو القرض ثمَّ بعد دخوله يحتسبه زكاة إذا كان القابض باقياً على استحقاقه الزَّكاة كما كان عليه حال القبض.

(مسألة 933) إذا احتاجت الزَّكاة إلى كيل أو وزن كانت أجرة الكيَّال والوزَّان على المالك لا من الزَّكاة إذا كان هذا التَّصرُّف برغبة من المالك، أمَّا لو كان من الحاكم الشَّرعي وعمَّاله فمن الزَّكاة.

(مسألة 934) تجب الوصيَّة بأداء ما عليه من الزَّكاة إذا أدركته الوفاة، وكذا سائر الحقوق الشَّرعيَّة من الخمس وغيره فإن كان الوارث مستحقَّاً لها جاز للوصي احتسابها عليهوإن كان واجب النَّفقة على الميِّت حال حياته.

(مسألة 935) الأحوط عدم إعطاء الفقير من الزَّكاة أقل من خمسة دراهم في نصاب الفضَّة، وأقل من نصف دينار في نصاب الذَّهب، بل الأحوط ما في أوَّل النصاب من كل جنس من أجناس الزَّكاة إذا كان أكثر قيمة من المقدار المتقدِّم.

(مسألة 936) يستحب - للفقيه أو العامل أو الفقير الَّذي يقبض الزَّكاة - الدُّعاء للمالك، بل هو الأحوط للَّذي يقبض بالولاية الشَّرعيَّة.

(مسألة 937) يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النَّصيب كما أنَّه يستحب ترجيح الأقارب وتفضيلهم على غيرهم، ومن لا يسأل على من يسأل، وصرف صدقة المواشي على أهل التَّجمُّل، وهذه مرجِّحات قد تزاحمها مرجِّحات أهم وأرجح لا تخفى على المتفقِّه.

ص: 307

(مسألة 938) الأحوط لصاحب المال عدم استرجاع ما تملَّكه الفقير من صدقته الواجبة أو المندوبة بشراء ونحوه، نعم لو رغب الفقير ببيعه بعد تقويمه عند من أراد تقويمه عنده كان المالك أحق من غيره وترتفع الكراهة حينئذ، وكذا لا كراهة بإبقائه على ملكه إذا عاد إليه بميراث وشبهه من المملكات القهريَّة.

ص: 308

القِسْمُ الثَّانِي زَكَاةُ الأَبْدَانِ (زَكَاةُ الفِطْرَة)

تقدَّم التَّنبيه في آخر كتاب الصَّوم على أنَّ الكلام عن زكاة الفطرة سيأتي ضمن كتاب موضوعها العام وهو (الزَّكاة)، فنقول: -

زكاة الفطرة واجبة إجماعاً من المسلمين.

والعمدة في إجماعهم - كما عند مذهب الإماميَّة - دخول الإمام المعصوم عَلَيْهِ السَّلاَمُ، بل هي ضرورة من ضروريَّاتهم، وقد ورد عن الأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ في تفسير قوله تعالى [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى] أنَّه ((من أخرج الفطرة)) وغيره، ومن أدلَّة ذلك بخصوصه أنَّه تعالى قدَّم الزَّكاة في هذه الآية على الصَّلاة وأخَّرها في سائر الآيات فقال [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)] أي أعطى زكاة الفطرة ثمَّ صلَّى صلاة العيد وهو مضمون رواية تأتي.

والمراد من الفطرة إمَّا الخلقة، فتكون زكاة الفطرة زكاة للأبدان كما هو معروف في تسميتها كذلك، من حيث أنَّها تحفظ البدن من الموت - كما هو مضمون بعض الرِّوايات الَّتي ستأتي أيضاً - أو تطهِّره من الأوساخ المعنويَّة، كما هو معنى من معاني لفظ الزَّكاة وقد تقدَّم الإشارة إلى ذلك في أوَّل الكتاب.

وإمَّا أنَّها بمعنى الدِّين أي زكاة الإسلام والدِّين كما هو مستفاد من الرِّواية الشَّريفة ((كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ - أي الإِسْلاَم - إِلاَّ أنَّ أَبَوَاهُ يُهوِّدَانِهِ أَو يُنَصِّرَانِهِ)).

وإمَّا بمعنى الإفطار لكون وجوبها يوم الفطر (العيد) الَّذي يحرم صيامه.

وقد ورد في فضلها - والحثِّ عليها وبيان فوائدها - روايات كثيرة، منها عامَّة - شاملة لها ولبقيَّة الصَّدقات - وقد تقدَّم بعضها في أوَّل الكتاب، ومنها خاصَّة منها ما مضمونه: -

ص: 309

أنَّها تدفع الموت عمَّن أدِّيت عنه كما أشرنا في تلك الزَّكاة، وكما هو مضمون قول الصَّادق عَلَيْهِ السَّلاَمُ لوكيله ((اِذَهَبْ فَأَعْطِ عَنْ عِيَالِنَا الفِطْرَةِ وَعَنْ الرَّقِيقِ أَجْمَعِهِمْ، وَلاَ تَدَعْ مِنْهُمْ إِنْسَانَاً، فَإنَّكَ إِنْ تَرَكْتَ مِنْهُمْ أَحَدَاً تَخَوَّفْتُ عَلَيهِ الفَوتَ. قُلْتُ: وَمَا الفَوتُ ؟ قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: المَوتُ)).

ومنها: أنَّها تعد من تمام الصَّوم كما في رواية أبي بصير وزرارة حيث قالا: ((قال أبو عبد الله عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إنَّ من تمام الصَّوم إعطاء الزَّكاة - أي الفطرة - كما أنَّ الصَّلاة على النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ من تمام الصَّلاة، لأنَّه من صام ولم يؤدِّ الزَّكاة فلا صوم له إذا تركها متعمِّداً، ولا صلاة له إذا ترك الصَّلاة على النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ إنَّ الله تعالى قد بدأ بها قبل الصَّلاة - أي صلاة العيد -، وقال [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)])).

إلى غير ذلك من الرِّوايات الشَّريفة، الَّتي قد أعرضنا عن ذكرها اختصاراً وإرجاءاً إلى مظانِّها الأوسع.

وسوف نتعرَّض لها ضمن ثلاث فصول: -

ص: 310

الفَصْلُ الأَوَّل في شَرَائطِ زَكَاةِ الفِطْرَة

يشترط في زكاة الفطرة أمور، منها ما يتعلَّق بأصل وجوبها، ومنها ما يتعلَّق بقبولها وصحتها.

شُرُوطُ الوُجُوب

الأوَّل: التَّكليف، من البلوغ والعقل، فلا تجب على الصَّبي والمجنون ولا على وليِّهما أن يدفعها عنهما من مالهما، وإن كان الأحوط على وليِّ المجنون إخراج زكاته من ماله إن كان ذلك المجنون غنيَّاً، وبالأخص إذا كان جنونه ادواريَّاً، نعم إذا كانا واجبي النَّفقة على ذلك الولي أو كانا ضيفاً عنده كما سيجيء فعليه أن يدفع ذلك عنهما.

الثَّاني: الحريَّة فلا تجب على المملوك بأقسامه - على القول بعدم ملكه - إلاَّ في المكاتب ففيه إشكال، والأظهر أنَّها تجب عليه بلا فرق فيه بين المطلق والمشروط.

الثَّالث: عدم الإغماء، كما هو المشهور، والأحوط إخراجها لو أفاق قبل وقت أدائها

الرَّابع: الغنى بالمعنى المتقدِّم في زكاة الأموال، فلا تجب على الفقير الَّذي لا يملك قوت سنته فعلاً أو قوة.

الخامس: توفُّر الشُّروط المتقدِّمة قبل غروب ليلة العيد أو مقارناً للغروب، والأحوط وجوب إخراجها - إذا تحقَّقت الشَّرائط - قبل زوال يوم العيد كما سيأتي في وقت إخراجها.

ص: 311

(مسألة 939) لا يشترط في وجوبها الإسلام، فتجب على الكافر وإن لم يصح أداءها منه كما مرَّ في زكاة الأموال، فإذا أسلم بعد الهلال سقط عنه، أمَّا المخالف إذا استبصر بعد رؤية الهلال فلا تسقط عنه لإسلامه السَّابق.

بل يعتبر في صحَّة أداء زكاة الفطرة النِّيَّة، فلا تقبل من دافعها بدون نيَّة أو ضم إليها رياءاً لأنَّها من العبادات، ولذا لا تصح من الكافر لعدم إيمانه بالعبادات على الأقل، فلو لم تكن هناك نيَّة تبقى الفطرة على ملك مالكها، وتجوز النِّيَّة منه - لو تأخرت - ما دامت العين موجودة والوقت باق.

(مسألة 940) يجب إخراج الفطرة - عند اجتماع شرائط وجوبها فيه - عن نفسه وعن كل من يعول به، واجب النَّفقة كان أم غيره، حرَّاً أم عبداً، قريباً أم بعيداً، مسلماً أم كافراً، صغيراً أم كبيراً، حتَّى المولود الَّذي يولد قبل هلال شهر شوَّال لا بعده، بل حتَّى من انضمَّ إلى عياله عرفاً ولو في وقت قصير كالضَّيف إذا نزل عليه قبل الهلال - وكذا بعده على الأحوط - وبقي عنده ليلة العيد وإن لم يأكل عنده.

(مسألة 941) من دعا أحداً إلى الإفطار ليلة العيد ليفطر من دون بقاء عنده لم تجب فطرته عليه، وكذلك الأجير إلاَّ إذا انضمَّ إلى عياله وعدَّ منهم.

(مسألة 942) كل من وجبت فطرته على غيره لقيامه بنفقته وإعاشته سقطت عن نفسه وإن كان غنيَّاً جامعاً للشَّرائط على تقدير إنفراده واستقلاله، وإن لم يخرجها من وجبت عليه - عصياناً أو غفلة أو نسياناً - فالأظهر وجوب إخراجها عن نفسه، وكذلك إذا كان المعيل فقيراًوكان العيال غنيَّاً وجب إخراج الفطرة على العيال مع اجتماع بقيَّة الشَّرائط.

(مسألة 943) إذا تزَّوج امرأة قبل الغروب ودخلت في عياله عرفاً وجبت فطرتها عليه بلا فرق بين دخوله بها وعدمه، وكذا يجب إخراج فطرة الزَّوجة النَّاشز - إن عدَّت من عياله عرفاً - وإن لم تجب نفقتها عليه، أمَّا لو عدَّت عيالاً على شخص آخر غير زوجها كأبيها أو أقاربها وجبت فطرتها على من عالها، وإن لم تكن داخلة في عيلولة أحد وجبت فطرتها على نفسها مع تمكُّنها مادِّياً.

ص: 312

(مسألة 944) من دخل في عيلولة شخصين فالأحوط وجوب توزيع فطرته بينهما إذا كانا غنييِّن، وإذا كان أحدهما فقيراً وجبت حصَّته على غنيِّهما كالنِّصف مثلاً ويضمُّه إلى النِّصف الَّذي عليه ويدفعها كاملة عنه، والأحوط اختيار الحصَّة الكاملة من النَّوع الرَّخيص المساوي للنِّصف الغالي وإن خالف الشَّأنيَّة مع الإمكان إن لم يتمكَّن المتمكِّن منهما إلاَّ على النِّصف من الغالي، ومع فقرهما معاً تسقط عنهما.

(مسألة 945) يستحب للفقير إخراج زكاة فطرته وفطرة عياله، فإن لم يكن عنده إلاَّ مقدار زكاة واحدة تصدَّق بها على بعض عياله ثمَّ هو على ثاني العيال ثمَّ هو على ثالثهم إلى آخرهم، والأحوط - بعد انتهاء الدَّور - أن يتصدق بها على الفقير الأجنبي مع الإمكان ومع عدمه يتصدَّق بها آخرهم على أحد أفرادها الأحوج فالأحوج.

ص: 313

الفَصْلُ الثَّانِي في جِنْسِ زَكَاةِ الفِطْرَة وَمقدَارِهَا

جِنْسِ الفِطْرَة

الضَّابط في جنس الفطرة هو القوت الغالب عند غالب النَّاس كالحنطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب والأرز والذَّرة واللبن والأقط ونحوها، والأحوط الاقتصار على الأربعة الأولى إذا كانت من القوت الغالب، والأفضل التَّمر ثمَّ الزَّبيب لأنَّهما أيسر الأخريات في الأكل أو للتَّعبُّد.

(مسألة 946) يجب - فيما يدفع فطرة - أن يكون صحيحاً فلا يجتزئ بالمعيب، كما لا يجزئ الممزوج بما لا يتسامح فيه عرفاً.

(مسألة 947) يجزئ دفع القيمة - عن العين - من النَّقدين وما بحكمهما من الأوراق النَّقديَّة، والمدار على تعيين القيمة في وقت الأداء لا وقت الوجوب، وقيمة بلد الإخراج لا بلد المكلَّف ولا غيره من البلدان مع رجحان الاحتياط الاستحبابي بأعلى القيمتين.

(مسألة 948) لا يشترط إتِّحاد - جنس زكاة الفطرة - الَّذي يخرجه عن نفسه مع الَّذي يخرج عن عياله، فيجوز أن يخرج عن نفسه الحنطة وعن عياله الشَّعير أو بالاختلاف بينهم لا بالنَّحو الملفَّق من جنسين عن كلِّ واحد لكن رعاية الشَّأنيَّة لها اعتبارها إن حصل اختلاف فالأحوط اجتنابه إن أضرَّ بها.

مِقْدَارُ الفِطْرَة

المقدار الواجب إخراجه في زكاة الفطرة هو صاع واحد من جميع الأجناس حتَّى اللبن احتياطاً.

والصَّاع هو (ثلاث كيلوَّات وستمائة غراماً تقريباً) على الأحوط وجوباً، ولا يجزئ أقل من ذلك.

ص: 314

الفَصْلُ الثَّالِث

وهو حول أمرين: -

الأَمْرُ الأَوَّل وَقْتُ إِخْرَاجِ زَكَاةِ الفِطْرَة

وهو من دخول ليلة عيد الفطر - على المشهور - ويستمر وجوبها إلى زوال يوم العيد لمن لم يصل صلاة العيد، والأحوط

لزوماً عدم تأخير إخراجها أو عزلها عن صلاة العيد إذا صلاَّها، فإن خرج وقتها ولم يخرجها فإن كان قد عزلها دفعها إلى مستحقها وإن لم يعزلها أدَّاها بقصد القربة المطلقة من دون تعرُّض للأداء أو القضاء على الأحوط.

(مسألة 949) الأحوط عدم تقديم زكاة الفطرة في شهر رمضان إلاَّ بنحو القرض ثمَّ ينوي احتسابها على المقترض عند مجيء وقتها.

(مسألة 950) يجوز عزل الفطرة بمال مخصوص من الأجناس أو النقود بقيمتها، ولا يجزي - على الأحوط - عزلها في ماله - إن كان كثيراً - على نحو الإشاعة بحيث يكون المعزولمشتركاً بينه وبين الزَّكاة، وكذا لا يجزي العزل في المال المُشترك بينه وبين غيره وإن كان ماله بقدر الزَّكاة.

(مسألة 951) إذا عزل الفطرة تعيَّنت ولا يجوز تبديلها، فلو أخَّر دفعها إلى المستحق - عصياناً أو تسامحاً - وكان موجوداً ضمنها إن تلفت مع التَّفريط، أمَّا لو كان التَّأخير لغرض صحيح فلا يضمن، كما مرَّ في زكاة الأموال.

(مسألة 952) الأحوط عدم نقل الفطرة إلى غير بلد التَّكليف مع وجود المستحق، وإلاَّ فلا مانع مع توفُّر الشُّروط، وكذا إذا سافر عن بلد التَّكليف إلى غيره أو طلبها الحاكم الشَّرعي فيجوز دفعها.

ص: 315

الأَمْرُ الثَّانِي مَصْرَفُ زَكَاةِ الفِطْرَة

وهو مصرف زكاة الأموال أي الأصناف الثمانية بالشُّروط المذكورة هناك.

(مسألة 953)

تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي، وتحل فطرة الهاشمي للهاشمي وغيره كما في زكاة الأموال، والعبرة على الدَّافع والمعيل دون العيال في الجملة، فلو كان عيال الشَّخص هاشميَّاً والمعيل غير هاشمي لم يجز دفع فطرته إلى الهاشمي، ولكن إذا كان المعيل هاشميَّاً وكان عياله من غير بني هاشم فالأقوى الاقتصار في الدَّفع إلى الهاشمي من فطرة صاحب العيال الهاشمي حسب وعدم دفع فطرة عياله من غير الهاشميين.

(مسألة 954) يجوز للمالك دفع الفطرة إلى الفقراء مباشرة أو توكيلاً، والأفضل - بل الأحوط أيضاً - دفعها إلى الفقيه الجامع للشَّرائط، خصوصاً مع طلبه لها، ويتولَّى المالك النِّيَّة كما تقدَّم في زكاة الأموال.

(مسألة 955) الأحوط عدم جواز إعطاء الفقير الواحد أقل من صاع وهو (ثلاث كيلوَّات وستمائة غراماً تقريباً).

(مسألة 956) يجوز إعطاء الفطرة إلى المستضعفين من أهل الخلاف الحاقاً لهم بالمؤلَّفة قلوبهم - دون النَّاصبين - عند عدم وجود المستحق.

(مسألة 957) لا يجوز - على الأحوط - دفع الفطرة إلى المتجاهر بالفسق وشارب الخمر وتارك الصَّلاة، بل حتَّى الَّذي يصرفها في المعصية ولو ظنَّاً، كما أنَّ الأحوط اعتبار عدالة الفقير.

(مسألة 958) يستحب تقديم الأرحام على غيرهم، ثمَّ الجيران، ثمَّ أهل العلم والفضل، ومع التَّزاحم تلاحظ الأهميَّة والمرجِّحات كما لا يخفى على المتفقِّهين.

ص: 316

كِتَابُ الخُمْس

اشارة

ص: 317

ص: 318

وهو من أهم الفرائض الماليَّة الَّتي شرعها الله سبحانه و تعالی وعليه الإجماع، بل له ضرورته من حيث أساسه في الجملة عند كافَّة المسلمين بمثل الغنائم ونحوها وعلى ما نطقت به الآية وغيرها، وعليه إجماع الطَّائفة وتمسُّكها به عمليَّاً تفصيلاً وإن خالفها غيرها في بعض مصاديقه على ما سيتَّضح في محلِّه من الرِّسالة الموسَّعة

وفيه أربعة فصول: -

الفَصْلُ الأَوَّل في مَا يَجِبُ فِيهِ الخُمْس وَشَيءٌ مِنْ مَسَائِلِهِ

يجب الخمس في سبعة أمور: -

الأوَّل:الغنائم.

وهي الَّتي استولى عليها المسلمون بقتال مع الكفَّار - المحاربين - الَّذين حلَّت دماؤهمِ وأموالهم وأعراضهم لخطرهم على الإسلام والمسلمين إن كان الغزو بإذن النَّبي 5 في حينه وبإذن الإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ بعده، من دون فرق بين ما حواه العسكر وما لم يحوه، والمنقول وغيره كالأراضي والأشجار ونحوها،، كما لا فرق في ذلك بين أن يكون القتال هجوماً من المسلمين - على الكفَّار - للدَّعوة إلى الإسلام، أو دفاعاً عن بلد الإسلام عند هجوم الكفَّار عليه، فيجب تخميسها على من غنمها بعد إخراج المؤن الَّتي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها - بحفظ وحمل ورعي ونحوها - منها، وبعد إخراج ما صرفه الإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ من تلك الغنيمة على أي فعل تمَّ اجراؤه في مصلحة من المصالح الَّتي يراها، وهذا ما اتَّفق عليه كافَّة المسلمين، لكون الإمام أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُعد عند غير الإماميَّة أيضاً إماماً ورابعاً ومطاعاً في هذا الموارد.

ص: 319

وقد اختصَّ الإماميَّة ومن حذا حذوهم في الأوسع من ذلك، وهو وجوب الخمس في كل ما يغنمه المسلمون حتَّى الأرباح التِّجاريَّة، وهو الَّذي يطابق ما فسَّره الفيروز آبادي وأمثاله من الأخوة العامَّة من معنى الغنيمة، وهو الَّذي سوف يتَّضح في المسائل الآتية وفيما كتبناه في كتبنا الموسَّعة من التَّفاصيل النَّافعة في هذا الباب.

(مسألة 959) لو لم يكن الغزو بإذن الإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ وكان في حضوره - كأن لم يكن مبسوط اليد مثلاً - كانت الغنيمة شرعاً كلها للإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وكذا إذا غار المسلمون على الكفَّار فأخذوا أموالهم - لو كان في زمن الغيبة - سواء حصل إذن بعد ذلك من الفقيه أم لم يحصل.

وأمَّا إذا كان ذلك الغزو في حال غيبته عَلَيْهِ السَّلاَمُ فإن كان بإذن سابق من نائبه العام - الفقيه الجامع للشَّرائط القائل بالجهاد لمقلِّديه على الأقل إضافة إلى ما لو أيَّد حكمه في قراره الفقهاء الآخرون فضلاً عمَّا لو حكم بوجوب النَّفر وعرف الجميع عدم اشتباهه في المدرك - فيجب في تلك الغنيمة الخمس وإلاَّ فجميعها للإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

(مسألة 960) من غنائم المحاربين الَّتي يجب فيها الخمس أمور: -

1- الفداء الَّذي يؤخذ من أهل الحرب.

2- الجزية المبذولة لتلك السَّريَّة بخلاف سائر أفراد الجزية.

3- ما صولحوا عليه من الأموال.

4- ما يؤخذ منهم عند الدِّفاع ضدَّهم عند هجومهم على المسلمين في أمكنتهم.(مسألة 961) الأحوط وجوباً إلحاق النَّاصب لعداوة أهل البيت عَلَيْهِ السَّلاَمُ من أعداء المذاهب الخمسة المتآلفة بالحربي فيجوز أخذ ماله أينما وجد، ويجب فيه خمس الغنيمة.

(مسألة 962) ما يؤخذ من أهل الحرب من دون قتال كالسَّرقة - منهم - والغيلة والنَّهب أو الرِّبا أو بالدَّعوى الباطلة فالأحوط إخراج خمس الغنيمة،

ص: 320

مع أنَّ للشَّرع له رأي أخلاقي راقي تعفُّفي يخالف هذه الأساليب في بعض الحالات، فلا ينبغي أخذه أو لا يجوز وهو موكول إلى محلِّه الموسَّع.

(مسألة 963) يشترط في المغتنم أن لا يكون غصباً من مسلم أو ذمي أو معاهد أو نحوهم ممَّن تحرم أموالهم وإلاَّ فيجب ردُّه إلى مالكه.

(مسألة 964) لا يعتبر في وجوب خمس الغنيمة بلوغها عشرين ديناراً كالمعادن فيجب إخراج خمسه - قليلاً كان أو كثيراً - على الأصح ولو إحتياطاً.

(مسألة 965) يستثنى من الغنيمة صفاياها - كالجارية الورقة والمركب الفاره والسَّيف القاطع والدِّرع -، وقطائع الملوك، فإنَّها جميعاً أنفال وهي للإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

الثَّاني: المعادن.

كالذَّهب، والفضَّة، والرَّصاص، والصِّفر، والحديد، والياقوت والزُّبرجد، والفيروزج، والعقيق، والزَّيبق، والكبريت، والنَّفط، والقير، والسَّبخ، والزَّاج والزَّرنيخ، والكحل، والملح، بل الأحوط وجوباً إلحاق مثل الجص والنُّورة وحجر الرَّحى وطين الغسل ونحوها ممَّا يصدق عليه - عرفاً - أنَّه من الأرض وكان له خصوصيَّة في الانتفاع به، فيجب فيها التَّخميس بعد أخذها.

(مسألة 966) إذا شكَّ في صدق المعدن على شيء لم يلحقه حكم المعادن فلا يجب خمسه من هذه الجهة، بل من جهة أرباح المكاسب والفوائد إذا زادت على مؤونة سنته من دون اعتبار بلوغ النِّصاب.

(مسألة 967) يعتبر في وجوب خمس المعادن - بعد إخراجه - النِّصاب، وهو بلوغ قيمة عشرين ديناراً ذهبيَّاً، ويكفي - إحتياطاً - في بلوغ هذا المقدار ما كان قبل استثناء مؤونة الإخراج والتَّصفية ولكن يجب خمس الباقي بعد الاستثناء المذكور، بل الأحوط إخراج خمس ما بلغ أقل نصابي النَّقدين (الذَّهب والفضَّة) وإن كان من غيرهما.

(مسألة 968) يعتبر في بلوغ نصاب المعدن - المذكور أعلاه - وحدة الإخراج

ص: 321

عرفاً، إلاَّ أنَّه لا يضر إخراجه في دفعات لو تقاربت، فلو أخرجه في دفعات متعدِّدة متقاربة - وإن أعرض في الأثناء ثمَّ رجع إليه - وبلغ المجموع النِّصاب كفى ذلك في وجوب إخراج الخمس منه، أمَّا لو أهمل الإخراج لمدَّة طويلة بحيث أصبح فاصلاً طويلاً بين الدَّفعات وعُدَّ من تعدُّد الإخراج لدى العرف لم ينضم اللاحق إلى السَّابق ووجب بلوغ النِّصاب لكلِّ واحد منهما.

(مسألة 969) المعادن المستخرجة إن كانت من الأراضي المملوكة - وما يلحق بها حكماً - فهي لمالكها على المشهور، فإذا أخرجها غيره منها بدون إذنه لم يملكها، بل تكون لصاحب الأرض، وعليه الخمس من دون استثناء المؤونة لأنَّه لم يصرف عليه مؤونة، والأحوط وجوباً التَّراضي فيما بينهما بصلح أو نحوه إذا عرضت شبهة استحقاق للثَّاني، لكون المالك لم يظهر منه منع من الاستخراج ونحو ذلك.

وإن كانت من الأراضي المفتوحة عنوة الَّتي هي ملك لجميع المسلمين من دون تعيين أحد منهم فلابدَّ للمستخرج - حتَّى الكافر الذِّمِّي - قبل إخراجها وتملُّكها من استئذان وليِّ أمر المسلمين - الإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ أو نائبه الخاص - ثمَّ عليه الخمس، وإلاَّ فهي أنفال وتكون للإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ.أمَّا لو استخرجت من الأرض الموات حال الفتح الَّتي هي أنفال للإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ فهي لمن أحيا الأرض - ولا حاجة للاستئذان في استخراجها وإن كان أحوط - وعليه الخمس والباقي له.

(مسألة 970) يجوز استئجار الغير لإخراج المعدن فيملكه المستأجر، وإن قصد الأجير تملُّكه لم يملكه، إلاَّ إذا تنازعاً في الأجرة وانكشف شرعاً استحقاقاً الأجير الأجرة الأكثر فلا مانع من أن يأخذ الباقي ممَّا استخرج لو لم يعوِّضه المستأجر.

(مسألة 971) إذا اشترك جماعة في إخراج المعدن - ولم يبلغ حصَّة كل واحد منهم النِّصاب - كفى في وجوب إخراج خمسه بلوغ المجموع نصاباً.

(مسألة 972) إذا شكَّ في بلوغ النِّصاب فالأحوط وجوباً الاختبار مع

ص: 322

الإمكان ومع عدمه لا يجب عليه شيء، وكذا إذا اختبره فلم يتبيَّن له شيء.

الثَّالث: الكنز.

وهو المال المذخور في موضع من المواضع، سواء كان أرضاً أو جداراً أو شجراً أو جبلاً، والمدار على الصِّدق العرفي في كونه كنزاً، بلا فرق بين كونه ذهباً أو فضَّة مسكوكين أو غير مسكوكين فإنَّه لواجده وعليه الخمس.

بل وكذا غيرهما من الجواهر والأحجار الكريمة إذا كانت منها - على الأحوط وجوباً - فعليه إخراج خمسها، والأحوط فيها قصد الأعم من خمس الكنز أو الفائدة.

ولا فرق بين وجدانه في بلاد الكفَّار الحربيين أو غيرهم من الكفَّار أو في بلاد الإسلام ، وسواء كان في الأرض الموات أو الخربة غير المملوكة أو في الأرض المملوكة بالإحياء أو بالابتياع - بشرط علمه أنَّه ليس ملكاً للبائع حتماً في الواقع -، وسواء كان عليه أثر الإسلام أم لا.

(مسألة 973) يشترط في وجوب خمس الكنز بلوغ النِّصاب وهو أقل نصابي الذَّهب والفضَّة ماليَّة في وجوب الزَّكاة على الأحوط وجوباً، ولا فرق في إخراجه بين دفعة ودفعات - إذا لم يكن بينهما فاصل زمني طويل - كما في المعدن، وكذا حكمه حكم المعدن - على الأحوط - في بلوغه النِّصاب قبل استثناء مؤونة الإخراج لكن تخميسه بعد استثنائها، بل وفي كفاية بلوغ مجموع ما اشترك في استخراجه جماعة النِّصاب أيضاً.

(مسألة 974) إذا علم أنَّ الكنز لمالك مسلم - أو ما بحكمه كالذِّمِّي - موجود يعرفه وجب إيصاله ودفعه إليه وإلاَّ وجب الفحص عنه، وإن جهله تماماً فالأحوط الجمع بين إجراء حكم اللقطة (مجهول المالك) عليه - بأن يلتزم بتعريفه لمدَّة سنة كاملة مع توفُّر بقيَّة شروط اللقطة - وبين حكم إرث من لا وارث له.

نعم إذا علم أنَّه لمسلم منذ زمن طويل بحيث لا يمكن تتبُّع وارثه ودفعه إليه فالظَّاهر إجراء حكم الكنز عليه وهو لواجده وعليه إخراج خمسه، والأحوط

ص: 323

استحباباً جريان حكم المال الَّذي لا وارث له وهو دفعه لإمام العصر عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ اَلشَّرِيفْ أو نائبه في زمن الغيبة.

(مسألة 975) إذا وجد الكنز في الأرض المملوكة له، فإن ملكها بالإحياء كان الكنز له كما مرَّ وعليه الخمس إلاَّ أن يعلم أنَّه لمسلم موجود لم يعرفه أو مفقود منذ زمن طويل فتجري عليه الأحكام المتقدِّمة في المسألة السَّابقة، وإن ملكها بالشراء ونحوه أو كانت تحت يده بإجارة أو عارية أو نحوهما بنحوٍ علمه المالك السَّابق فإن عرفه أنَّه له دفعه إليه وإلاَّ تفحص عن الأسبق وهكذا، فإن لم يعرفه الجميع جرى عليه حكم المسألة السَّابقة.

(مسألة 976) لو وجد في جوف الحيوان - كالدَّابة والسَّمكة ونحوهما - مالاً، فإن ملكهبالاصطياد ولم يعلم أنَّ له مالك كما في الأحواض الخاصَّة أو العامَّة لبعض القرائن المحتمل لأجلها ذلك جرى عليه حكم الكنز وعليه الخمس، وإن كان بالشِّراء ونحوه جرت عليه الأحكام المتقدِّمة من استعلام الأمر من مالكه وغيره.

الرَّابع: ما أخرج بالغوص في البحار وما بحكمها كالأنهار العظيمة.

من الجواهر كاللؤلؤ والمرجان وغيرهما من المباحات غير المملوكة - عدا الأسماك ونحوها من الحيوانات - معدنيَّاً كان أو نباتيَّاً، بل حتَّى ما أخرج بآلة من غير غوص على الأحوط وجوباً فيجب فيه الخمس وإن لم تبلغ قيمته ديناراً (مثقالاً شرعيَّاً) على الأحوط.

(مسألة 977) لو أخذ شيئاً من المذكورات ممَّا يطفو على وجه الماء أو السَّاحل فالأقوى عدم صدق الغوص عليه ويدخل تخميسه في أرباح المكاسب إلاَّ العنبر فيجب فيه الخمس وإن أخذ من على وجه الماء من غير غوص لأنَّه تابع له ولو في الحكم.

الخامس: الأرض الَّتي يشتريها الكافر - الذِّمِّي - من المسلم.

سواء كانت زراعيَّة أم سكنيَّة أم تجاريَّة، حانوتاً كانت أو خاناً، معمورة

ص: 324

أو خالية أو غير ذلك، بل حتَّى المنتقلة إليه بغير البيع من سائر المعاوضات والهبة وغيرها على الأحوط وجوباً - مع اشتراط مقدار الخمس عليه في نفس عقد المعاوضة - فيجب على الذِّمِّي أن يدفع خمسها، بلا فرق في ذلك بين وقوع البيع على نفس الأرض أو عليها وما عليها من زرع أو بناء أو أثاث أو بضاعة.

(مسألة 978) يتعلَّق الخمس برقبة الأرض المشتراة دون البناء والأشجار والنَّخيل إذا كانت فيه، فيتخيَّر الذمي بين دفع خمس عينها أو دفع القيمة، فلو دفع أحدهما وجب القبول، فإن كانت الأرض مشغولة بشجرة أو بناء واشتراها على أن تبقى مشغولة بما فيها بأجرة أو مجاناً قوم خمسها كذلك، وإن اشتراها على أن يقلع ما فيها قوم أيضاً كذلك للتَّفاوت.

أمَّا لو امتنع من دفعهما فيتخيَّر ولي الخمس بين أخذه من العين وبين إجارته وليس له قلع الغرس والبناء بل عليه إبقاؤهما بالأجرة.

(مسألة 979) إذا اشترى الأرض ثمَّ أسلم لم يسقط الخمس، وكذا إذا باعها باقياً على ذمَّته إلى مسلم ثمَّ اشتراها منه مرَّة أخرى فيجب فيه خمس آخر، فإن أخرج الخمس الأوَّل من العين كان الخمس الثاني خمس الأربعة أخماس المتبقيَّة، وإن أخرجه من قيمتها كان الخمس الثَّاني خمس تمام العين، وليس على المشتري من الذِّمِّي شيء إن كان مؤمناً - إماميَّاً - بل يجوز له التَّصرُّف من دون إخراج الخمس إذا كان عنده رأس سنة خمسيَّة بعد التَّصفية والمصالحة.

(مسألة 980) إذا اشترى الذِّمِّي الأرض من المسلم وشرط عليه عدم إخراج الخمس منه لم يصح الشَّرط، وكذا لو اشترط كون الخمس على البائع، أمَّا لو اشترط على البائع المسلم دفع مقداره عنه صح الشَّرط، لكن لا يسقط الخمس إلاَّ بدفعه.

السَّادس: المال الحلال المخلوط بالحرام.

وذلك بشروط:-

ص: 325

الأوَّل: أن يكون في عين خارجيَّة - لا في الذِّمَّة كما سيأتي -.

الَّثاني: إذا لم يعرف صاحبها - ولو في عدد محصور -.

الثَّالث: إذا لم يميَّز مقدارها.الرَّابع: أن يكون احتمال الاختلاط بنسبة ما مقداره الخمس لا أزيد، فحينئذ يطهر بتخميسه، والأحوط أن يكون صرفه في مصارف الخمس بقصد امتثال الأمر المتوجِّه إليه وهو الأعم من ردِّ المظالم والخمس.

وأمَّا الأزيد فيجب إخراجه بمقداره إن كان معلوماً وإذا جهل فيحتاط بما تطمئن به براءة الذمَّة.

(مسألة 981) إذا لم تتوفُّر في هذا القسم الشُّروط المتقدِّمة فله أحكام ثلاثة تابعة لحالاتها وهي: -

الأوَّل: ما لو عرف مقدار الحرام ولكنَّه يجهل مالكه فيجب - بعد الاستئذان من الحاكم الشَّرعي على الأحوط - أن يتصدَّق به عنه، سواء كان مقدار الحرام فيه بمقدار الخمس أو أقل أو أزيد.

الثَّاني: ما لو كان يعرف المالك ويجهل مقدار المال الحرام فيجب - حينئذ - التَّصالح معه عليه، فإن لم يرض المالك بالمصالحة اقتصر على دفع الأقل إن رضي به المالك وإلاَّ وجب رفع الدَّعوى إلى الحاكم الشَّرعي لحسم النزاع فيها.

الثَّالث: ما لو كان يعلم مقدار المال الحرام ولكن لا يميِّز صاحبه بعينه، بل يعلم أنَّه في عدد محصور كخمسة أو عشرة أشخاص فيجب - حينئذ - استرضاء الجميع، فإن لم يمكن تعيَّن العمل بالقرعة لتعيين المالك ولو بحسب الظَّاهر لأنَّه لا ميسور غيره.

(مسألة 982) إذا كان المال الحرام في ذمَّته - كالدِّين - لا في عيَّن ماله الخارجي فلا محل لتخميسه، وحينئذ إن عرف صاحبه وعلم جنسه ومقداره وجب ردُّه إلى مالكه، فإن كان في عدد محصور وجب استرضاء الجميع فإن لم يتمكَّن من ذلك أقرع بينهم، وإن كان في عدد غير محصور تصدُّق به عنه بإذن

ص: 326

الحاكم الشَّرعي على الأحوط وجوباً.

ولو علم جنس المال فقط وجهل مقداره جاز الاقتصار على الأقل في إبراء ذمَّته إن رضي به المالك، ويردُّه إليه إن كان معلوماً خارجاً، ومع عدم رضاه يراجع في ذلك الحاكم الشَّرعي كما مرَّ، وهكذا إذا كان في عدد محصور وجب استرضاء الجميع وإلاَّ أقرع فيما بينهم، وإن كان في عدد غير محصور تصدَّق به عن المالك بعد الاستئذان من الحاكم الشَّرعي كما مرَّ.

وإذا لم يعرف الجنس أيضاً فإن كان قيميَّاً - وهو في ذمَّته - فالحكم كما ذكرناه في صورة العلم بجنسه، وإذا كان مثليَّاً وجبت المصالحة مع التَّمكُّن منها وإلاَّ تعيَّن العمل بالقرعة بين الأجناس المحتملة ثمَّ يراجع الحاكم الشَّرعي في حالة عدم الرِّضا كما مرَّ.

(مسألة 983) الأحكام المتقدِّمة جارية فيما لو علم المالك قبل دفع الخمس بما فرض، فلو ظهر المالك بعد دفعه ضمنه له على الأحوط وجوباً حتَّى لو تبيَّن بغير ما فصل، وعلى الأخص لو حصل تقصير بالاستعجال بدفع الخمس مع احتمال العثور على صاحب المال.

(مسألة 984) لو تعلَّق الخمس بالمال الحلال المختلط بالحرام من جهة غنيمة الحرب المصاحبة - مثلاً - أو المعدن أو غيرها من بقيَّة الأقسام فيجب تخميسه مرَّتين، الأولى لتطهيره ثمَّ يخمِّس الباقي مرَّة ثانية للغنيمة ونحوها.

(مسألة 985) إذا دفع الخمس من المال المختلط بالحرام ثمَّ علم - ولو إجمالاً - أنَّ مقدار الحرام أكثر فالأحوط وجوباً أن يتصدَّق بالزَّائد، وأمَّا إذا علم أنَّ الحرام أقل من الخمس لم يجز له استرادد الزَّائد على مقدار الحرام، وعلى الأخص لو كان دفع الخمس يتقصير منه بشيء من الاستعجال مع احتمال العثور على فكرة كون الحرام أقل من الخمس واحتراماً لأدلَّة التَّخميسالمحكوم بسببها، والأحوط في الصُّورتين من حيث الدقَّة الأكثر مراجعة الحاكم الشَّرعي.

(مسألة 986) إذا تصرَّف في المال المختلط بالحرام - تصرُّفاً اتلافيَّاً بحيث لم يبق له عين ولا أثر - قبل إخراج خمسه لم يسقط الخمس بل يبقى في ذمَّته،

ص: 327

وحينئذ إن عرف بعد ذلك مقدار المختلط اشتغلت ذمُّته بمقدار خمسه، وإن لم يعرفه كالمتردِّد بين الأقل والأكثر جاز الاكتفاء بالأقل ولكن كان دفع الأكثر أحوط استحباباً أو البناء على المصالحة إن حصل تشاحن حول ذلك.

(مسألة 987) إذا كان الحرام الَّذي اختلط بالمال من قبيل الخمس أو الزَّكاة أو الوقف فهو كمعلوم المالك ولا يحل بإخراج الخمس، بل يراجع فيه الحاكم الشَّرعي بإجراء المصالحة بالأكثر لصالح بيت المال ولو احتياطاً.

السَّابع: ما زاد على مؤونة سنته ومؤونة سنة عياله.

من أرباح التِّجارات والزِّراعات والصِّناعات وحيازة المباحات والإجارات - حتَّى الخياطة والكتابة والنِّجارة وأجرة العبادات الاستئجاريَّة من الحجِّ والصَّوم والصَّلاة والزِّيارات وتعليم الأطفال وغير ذلك من الأعمال الَّتي لها أجرة - وغيرها من سائر المكاسب.

بل الأحوط الأقوى ثبوت الخمس في مطلق الفوائد - وإن لم تحصل بالاكتساب - كالهبة والهديَّة والجائزة والمال الموصى به ونماء الوقف الخاص أو العام والميراث الَّذي لم يكن في الحسبان - كما لو كان له رحم بعيد في بلد آخر لم يكن عالماً به فمات وكان هو الوارث له -.

وهذه الأمور وملحقاتها تعد من عموم الغنائم الَّتي فسَّرها الفيروز آبادي في قاموسه وغيره كما مرَّ لا خصوص غنائم الحروب الجهاديَّة.

(مسألة 988) الأقوى عدم وجوب الخمس في الأمور التَّالية:-

1 - الميراث - إلاَّ إذا علم الوارث بأنَّ مورثه لم يخمِّس أمواله فيجب عليه إخراجه كدين شرعي فيما يزيد هلى ما كان مستثنى للميِّت وعياله من المسكن والأثاث وتوابعهما ممَّا يُعتاد عليه ما لم يكن ذلك أو بعضه ممَّا وجب فيه الخمس أيضاً.

بل لو علم بأنَّ مورثه أتلف مالاً تعلَّق به الخمس فيجب عليه إخراجه من تركته كبقيَّة ديونه.

ص: 328

2 - مهر الزَّوجة، إلاَّ إذا علمت أنَّ زوجها لم يخمِّسه قبل تقديمه فتخرجه ولها أن تطالبه بما دفعته.

3 - عوض الخلع، إلاَّ إذا علم بأنَّ باذلته من غير المهر الخارج ولم تخمِّسه.

4 - الهديَّة الَّتي كانت لمهديها تصفية سنويَّة شرعيَّة وصرفت عند مجيء رأس سنة الآخذ الشَّرعيَّة وكانت ممَّا يوجب فيه الخمس عيناً.

5 - ذهب الزِّينة - إلاَّ إذا كان المال المشترى به ممَّا وجب فيه الخمس.

وإن كان الأحوط استحباباً التَّخميس مطلقاً، وعلى الأخص عند ورود الشُّبهات.

(مسألة 989) إذا كان تعيُّشه بالوجوهات الشَّرعيَّة الَّتي تملك - كالزَّكوات للعوام وسهم السَّادة للسَّادات والكفَّارات وردود المظالم والصَّدقات المندوبة ونحوها - وزادت عن مؤونة سنته فيجب عليه احتياطاً تخميسها إن ضغط على نفسه اقتصاديَّاً فبانت عنده زيادة، وأمَّا الزِّيادة الحاصلة عنده بعد كفاءته الطَّبيعيَّة فالأحوط عدم تخميسه لأنَّه حق ينطبق على محتاجيه من الآخرين إن لم يملكه هذا الشَّخص بعنوان الحاجة للأمور المستقبليَّة لاستغنائه عنه فهو ملك للآخرين من المحتاجين، أمَّا سهم الإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ فلا خمس فيه، لأنَّ التَّصرُّف فيه على نحو الإباحة منه عَلَيْهِ السَّلاَمُ لا التَّمليك إلاَّ إذا كان من قبله عَلَيْهِ السَّلاَمُ أو نائبه الخاص ولم يُصرف إلاَّ فيما يُرض الإمامعَلَيْهِ السَّلاَمُ.

(مسألة 990) إذا كانت عنده أموال - كالبستان والحيوان - ولم يتعلَّق بها الخمس - كما إذا إنتقل إليه بالإرث - أو تعلَّق وأدَّى خمسها، فإن أبقاها عنده للتَّكسُّب بأعيانها فيجب عليه تخميس زيادتها سواء كانت زيادة منفصلة - كالولد والثَّمر - أو ما بحكمها ممَّا له ماليَّة عرفاً - كالصُّوف واللبن - أو زيادة متَّصلة كنماء الشَّجرة - الَّتي يقصد الإكتساب بأخشابها أو ما يقطع من أغصانها - وسمن الشِّياه.

وإن كان قد أبقاها عنده للتَّكسُّب بنمائها المنفصل كالأشجار المثمرة الَّتي يقصد الانتفاع بثمرها والأغنام الَّتي ينتفع بنتاجها ولبنها وصوفها فيجب أن

ص: 329

يخمِّس نماءها المنفصل فقط دون المتِّصل.

أمَّا الَّتي يبقيها عنده للتَّعيُّش بنمائها - كأكله أو أكل عياله أو ضيوفه من ثمرتها - فلا يجب عليه الخمس في ذلك إلاَّ فيما زاد عمَّا صرفه في ذلك عبر مرور السَّنة لمن له رأس سنة خمسيَّة أو كل ما زاد في كلِّ حين لمن لم يكن له رأس سنة.

(مسألة 991) إذا زادت قيمة العين سوقيَّاً فإن كان الأصل ممَّا يتعلَّق فيه الخمس في أساسه كبعض المشتريات ونحوها وقد أعدَّها للتِّجارة وجب تخميس الزِّيادة فيها إن ظهرت - فضلاً عن أصلها إن لم يخمَّسه - سواء باعه أم لا - على الأحوط -، وإن كان قصده الاقتناء للعائلة - محتفظاً بالعين ومستفيداً من نتاجها - فلا يجب خمس الزِّيادة إلاَّ عند بيعها - فضلاً عن الأصل إن لم يخمَّس كذلك - ما لم تمر على هذا المقتني سنة كاملة مستغني عنها فلابدَّ من التَّخميس كذلك.

أمَّا لو كان الأصل ممَّا لا يتعلَّق فيه الخمس - كالميراث الخالص من التَّعلُّق به مثلاً - فلا يجب الخمس في الزِّيادة حتَّى لو أعدَّه للتِّجارة وقد احتاج إليه لصرفه في مؤونته ولم يمر عليه حول من دون تصرُّف به.

(مسألة 992) لو زادت قيمة الأعيان المصروفة في مؤونة السَّنة - الَّتي اشتراها من ماله المخمَّس - حين استهلاكها أثناء السَّنة كبعض الأجهزة الَّتي بقيت وجب استثناء قيمة الشِّراء فقط دون قيمة زمان الاستهلاك على الأحوط إن استغنى عن ذلك الزَّائد لو جاء رأس السَّنة.

(مسألة 993) إذا زادت قيمة الأموال الَّتي يتَّجر بها المكلَّف في طول السَّنة وكان جملة منها ديناً على النَّاس فإن اطمأنَّ باستيفائه - ولو بعد فترة - وجب عليه تخميس الكل، وإن اطمأنَّ باستيفاء بعضه دون الجميع وجب تخميس ما عنده وما يطمئنُّ باستيفائه، أمَّا ما لا يطمئنُّ باستيفائه فيتخيَّر بين أن يؤخِّر تخميسه إلى زمان حصوله وبين أن يخمِّس الجميع فإذا استوفاه في السَّنة اللاحقة اعتبره من أرباح سنة الإقراض.

(مسألة 994) إذا زادت قيمة العين الَّتي اشتراها للتِّجارة في أثناء السَّنة

ص: 330

ولم يبعها - طلباً للزِّيادة أو للغفلة ونحوها - ثمَّ رجعت قيمتها إلى ما كانت عليه فلا يجب عليه تخميس الزِّيادة إلاَّ إذا كان تأخير بيعها للزِّيادة خارجاً عن المتعارف - كما لو طلب الزِّيادة أكثر ممَّا عليه سعر الوقت ثمَّ نزلت القيمة - فيجب حينئذ تخميسها فضلاً عن الأصل إن لم يخمَّس كما مرَّ.

(مسألة 995) يتعلَّق الخمس - في هذا القسم - بالنِّسبة إلى الأرباح والفوائد المكتسبة من حين الشُّروع باكتسابها - على الأحوط - ما دامت الأرباح والفوائد محتملة الحصول من ذلك الحين.

وأمَّا الفوائد غير المكتسبة فمن حين ظهورها وإن جاز له تأخير دفع الخمس إلى آخرسنتها - إرفاقاً بالمالك لاحتمال تجدُّد مؤونة أخرى تزيد على ما يحتمله - فإذا صرف الرِّبح أثناء السَّنة في المؤونة لم يكن عليه شيء.

نعم لو أتلفه أو أسرف في صرفه أو وهبه أو اشترى أو باع على نحو المحاباة - أي بأقل من ثمن المثل - ولم يكن لائقاً بشأنه ذلك ضمن خمسه كما سيأتي.

(مسألة 996) يجوز للكاسب - الَّذي له أرباح من مكاسب متعدِّدة كتجارة الحبوب بادية من تأريخ وتجارة الأقمشة بادية من تأريخ آخر وتجارة ثالثة من تأريخ ثالث وهكذا - أن يجعل لكل فائدة بخصوصها رأس سنة مستقلَّة عن أختها فيخمِّس ما زاد على مؤونته في نهاية تلك السَّنة للأولى ومثلها ما كان للثَّانية في تأريخ وهكذا الثَّالثة وهلمَّ جرَّا، كما يجوز أن يجعل لنفسه رأس سنة واحدة - إرفاقاً من الشَّرع به كما مرَّ - يجمع فيها ما حصل عليه من فوائد وأرباح في خلال السَّنة ثمَّ يخمِّس ما زاد على مؤونته.

(مسألة 997) يحوز للمكلَّف تغيير رأس سنة خمسه وجعله في زمن آخر بالمصالحة مع الحاكم الشَّرعي - أو وكيله - على ذلك مع الغبطة لصالح بيت المال، ويكون المدار عليه في المؤونة والخمس، كما يجوز - بالمصالحة أيضاً - جعل السَّنة عربيَّة (هجريَّة قمريَّة) أو روميَّة (ميلاديَّة) أو فارسية (هجريَّة شمسيَّة) حسبما يتَّفقان عليه، وإن كان الأحوط جعلها عربيَّة (هجريَّة قمريَّة) لصراحة النُّصوص بالأهلَّة في هذا ونحوه بما لم يكن في غيرها من الفوائد الشَّرعيَّة من

ص: 331

الجعل كما قال تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ] وغيره.

(مسألة 998) لو علم من بعض القرائن بعدم تعلُّق مؤونة عليه إلى نهاية السَّنة زائدة على ما عنده ممَّا يجب فيه لحصول ما يكفيه فيجب عليه - إحتياطاً - المبادرة إلى دفع الخمس، وعدم تأخيره إلى آخر السنة وإن كان لديه رأس سنة خمسيَّة لم تأت بعد.

(مسألة 999) يعتبر في تعلُّق الخمس في هذا القسم الحليَّة شرعاً، فالأموال المحرَّمة كالمأخوذة غصباً أو سرقة أو بالمعاملات الفاسدة أو الرِّبا لا يتعلَّق بها الخمس، بل يجب إرجاعها إلى ذويها، لأنَّ الخمس فرع ملكيَّة ما يخرج منه.

نعم لو اختلطت مع أمواله الخالصة ولم يدر مقدارها وخصوصيَّاتها ولا ملاكها وجب تخميسها للتَّطهير كما مرَّ، فإن زادت على مؤونته خمَّسها مرَّة أخرى كما تقدَّم بيانه في القسم السَّادس.

(مسألة 1000) لا فرق بين الرَّجل والمرأة في وجوب الخمس، فإذا حصلت المرأة على فائدة من الفوائد كأرباح المكاسب أو الهدايا وغيرها - من زوجها أو غيره - وجب عليها الخمس فيما إذا زادت الأرباح والفوائد على مؤونتها سواء أنفق عليها زوجها أو لا.

(مسألة 1001) المكلَّف الَّذي لم يحاسب نفسه مدَّة من السِّنين على ما لديه - لأيِّ حالة كانت عمديَّة أو غيرها وكان يعلم من نفسه مثلاً أنَّه قد ربح واستفاد أموالاً واشترى بها أعياناً وأثاثاً وعمَّر دياراً - يجب عليه تخميس أمواله وفق الضَّوابط التَّالية وهي: -

الأوَّل: في كل ما يملكه من أموال نقديَّة موجودة - عدا ما استثنيناه من الميراث المخمَّس ونحوه ممَّا مرَّ بيانه - وأعيان أعدَّها للتِّجارة بقيمتها الفعليَّة وإن لم يبعها، بل غير المعدَّة للتَّجارة أيضاً - كالاقتناء مثلاً إن باعها وقد حصلت الزِّيادة - ولم تكن من مؤونته الَّتي استفادها من سنته الحاليَّة - كالدَّار الَّتي لا يحتاج إليها والأثاث الزَّائد عمَّا يحتاج إليه بحسب شأنه الاجتماعي، وكذا

ص: 332

الحيوان والفرس وغيرها - في حال بيعها سواء ارتفعت قيمتها عن وقت شرائها أم لا فيجب الخمس في جميع ذلك، وكذا في حال عدم بيعها فيجب الخمس بقيمةشراءها.

ومن ثمَّ إن أراد بيعها خمَّس ما زاد عن قيمة شرائها إن كان كذلك - وإن كان الأحوط تخميس قيمتها الفعليَّة في وقت المحاسبة، بل الأحوط أعلى القيم مع رجحان الاحتياط في اجراء المصالحة حتَّى في مؤونته لو حصلت شبهة.

الثَّاني: في كل زائد على ما أنفقه على مؤونته ومؤونة عياله ممَّا أعدَّه لذلك من المأكل والمشرب والمسكن والملبس، ويلحق به الزَّائد على ما صرفه في زياراته وضيافة ضيوفه وما أعطاه - وفاءاً لحقوق كانت عليه واجبة اجتماعيَّاً وعرفيَّاً كالدُّيون أو النذور ونحوها أو غير واجبة كالتَّبرعيَّات والهدايا الَّتي يعطيها ونحوها - في طول تلك المدَّة الَّتي لم يخمِّس فيها ونحوها من الإنفاقات اللائقة بحاله وشأنه بشرط أن يكون عالماً بأنَّه قد اشتراها بمال تعلَّق به الخمس كالأرباح الَّتي مرَّ عليها حول كامل ممَّا مرَّ ذكره ولم تخمَّس - كما لو لم يكن يربح في سنة الإنفاق أو كان ربحه لا يزيد على مصارفه اليوميَّة - فيجب عليه - حينئذ في كل ما مرَّ - الخمس بقيمة الشِّراء، وإن كان الأحوط تخميسها بقيمة وقت الإنفاق بل أعلى القيم.

أمَّا لو لم يكن يعلم بأنَّه اشتراها بمال تعلَّق به الخمس - بأن كان شاكَّاً في أنَّها مشتراة من أرباح سنة الإنفاق أو من أرباح سنين سابقة أو كان شاكَّاً في الجميع أو البعض - فالأحوط وجوباً المصالحة مع الحاكم الشَّرعي، كي لا يرهقه بما لم يجب عليه أكثر ممَّا يجب.

الثَّالث: في كل ما حصل له من خسارة أو تلف معلوم قدره بعد ما حصلت على الأرباح في سنة أو سنين حصولها، بل وغير ذلك من الَّتي تكون في رأس مال يجب تخميسه وهو يعلم بذلك، ويلحق به المواريث الَّتي لم تحتسب ومضى عليها ذلك من دون تخميس وقد خسرت، أمَّا إذا كانت الخسارة أو

ص: 333

التَّلف في مال مخمَّس أو لم يتعلَّق به خمس أصلاً كالميراث المحتسب فلا يجب عليه شيء في أساسه فضلاً عن الخسارة فيه وإن كان قد زادت قيمته في بداية الأمر.

(مسألة 1002) إذا ربح في تجارته في أثناء السَّنة ولم يصرفه في مؤونته إلى أن انتهت السَّنة فإن لم يخمِّسه ثمَّ حوَّل الرِّبح إلى مال آخر إنتقل التَّخميس إلى المال الثَّاني - كما مرَّ في المسألة السَّابقة - سواء كان التَّحويل من قبيل النُّمو كما لو ربح أغصاناً فغرسها فصارت أشجاراً، أو كان من قبيل التَّوليد كما لو ربح بيضاً أو غنماً فتولَّد منه فراخ أو سخال.

(مسألة 1003) إذا كان للتَّاجر نوع واحد من التِّجارة فربح في بعض معاملاته - في طول السَّنة مثلاً - وخسر في بعضها الآخر، جبر خسارته بالرِّبح فإن تساويا فلا خمس عليه، وإن زاد الرِّبح وجب تخميس الزَّائد، وإن زاد الخسران فلا خمس عليه أيضاً كالأوَّل ويقل رأس ماله في السَّنة اللاحقة عمَّا كان عليه في السَّنة المتقدِّمة، وكذا لو تلف بعض رأس ماله أو صرفه في نفقاته ومؤونته كما هو الغالب في أهل مخازن التِّجارة فإنَّهم يصرفون من الدَّخل قبل ظهور الرِّبح، لأنَّه ربما يظهر الرَّبح في أواخر السَّنة فيجبرون التَّلف بالرِّبح.

بل إذا أنفق التَّاجر من ماله قبل حصول الرِّبح، فإن لم يكن من مال التِّجارة كما يتفق كثيراً لأهل الزِّراعة فإنَّهم ينفقون لمؤونتهم من أموالهم الخاصَّة قبل حصول النَّتائج فيجوز أن يجبر ذلك من نتائج الزرع عند حصوله وليس عليه خمس إلاَّ ما زاد عمَّا يساوي المؤن الَّتي صرفها أو يصرفها اعتياديَّاً، وكذلك أهل المواشي فإنَّه إذا خمَّس موجوداته في آخر السَّنة وفي السَّنة الثَّانية باع بعضها لمؤونته أو مات بعضها أو سرق فإنَّه يجبر جميع ذلك بالنَّتاج الحاصل له في تلك السَّنة، ففي آخر السَّنة الثَّانية هذه يجبر النَّقص الوارد على الأمَّهات مثلاً بقيمة السِّخال المتولِّدة، فإنَّه يضم السِّخال إلى أرباحه الأخرى في تلك السَّنة لو كانت من مثل الصُّوف والسِّمنواللبن النَّاتج من باقي الأمَّهات وغير ذلك فيجبر النَّقص ويخمِّس ما زاد على الجبر، فإذا لم يحصل الجبر أو حصل ولم

ص: 334

يزد إلاَّ بقيمة جميع السِّخال مع أرباحه الأخرى المتوقَّعة لو بيعت لم يكن عليه خمس في تلك السَّنة.

وإن كان إتلافه ممَّا ليس من مال التِّجارة ولا من مؤونته فالأحوط وجوباً عدم جبر الخسران بالرِّبح، وكذا لو كان إتلافه لمال مؤونته - فقط - كما لو إنهدمت دار سكناه أو تلف أثاث بيته أو لباسه أو سيَّارته الَّتي يحتاج إليها ونحو ذلك فلا يجبر الخسران بالرِّبح، نعم لو عمَّر داره أو أصلح ما تلف بعضها فالمال المصروف فيهما من المؤونة المستثناة من الخمس.

أمَّا لو وزع التَّاجر رأس ماله على أنواع متعدِّدة من التِّجارات فاشترى بمقدار منه حنطة وبمقدار آخر سكَّراً وهكذا وخسر في أحدها وربح في الآخر فالأحوط وجوباً عدم جبر الخسران بالرِّبح إذا كان لكلِّ واحدة منها حسابات من إيرادات ومصروفات خاصَّة وموعد سنوي خاص لا يرتبط أحدهما بالآخر، فضلاً عمَّا لو كان له نوعان أساسيَّان من التَّكسُّب كالتِّجارة والزِّراعة بما لا يمكنه أن يجمع بينهما فربح في أحدهما وخسر في الآخر مع اختلاف الموعد السَّنوي.

(مسألة 1004) إذا اشترى بأرباح التِّجارة شيئاً فتبيَّن الاستغناء عنه في معاشه وجب إخراج خمسه عند حلول رأس سنته، فإن نزلت قيمته عن رأس المال في وقت شرائه وجب - على الأحوط - مراعاة رأس المال عند التَّخميس، وكذا لو اشتراه عالماً بعدم الحاجة إليه كبعض المجوهرات أو الفرش والبسط الزَّائدة عن حاجته.

وهكذا لو اشترى الأعيان الخارجيَّة مع عدم الحاجة إليها على نحو الكلِّي في الذِّمَّة ثمَّ وفَّى دينه من ربح سنته غير المخمَّس ونزلت القيمة فإنَّه في جميع هذه الموارد يلزم - على الأحوط - ملاحظة الثَّمن.

(مسألة 1005) إذا آجر نفسه على عمل لسنين كانت الأجرة الواقعة بإزاء عمله في سنة الإجارة من أرباح تلك السَّنة وما يقع بإزاء العمل في السِّنين الآتية من أرباح السِّنين الآتية كل سنة بحسابها وهكذا، أمَّا لو آجر داره سنة أو لسنين

ص: 335

كانت الأجرة من أرباح سنة الإجارة والاستلام، فإن استلم للسِّنين كلِّها نقداً فعليه خمسها بأجمعها فوراً لو زادت عن المؤونة، أمَّا لو كانت الإجارة كل سنة بسنتها فكل سنة لها حكمها كما مرَّ.

(مسألة 1006) إذا باع ثمرة بستانه لسنته ولسنين لاحقة كان الثَّمن بتمامه من أرباح سنة البيع ووجب تخميسه بعد إخراج مؤونته وما يرد على البستان من نقص من جهة كونه مسلوب المنفعة في المدَّة الباقية بعد انتهاء السَّنة.

(مسألة 1007) يجوز للمكلَّف أن يدفع تمام الخمس أو أحد سهميه - مقدَّماً - قبل محاسبة نفسه لو علم إجمالاً أنَّ عليه الخمس - فضلاً عن التَّفصيل -، فإن كان ما دفعه من أرباح سنة الدفع عُدَّ المدفوع منها وحسب خمس الجميع ثمَّ يستثني المدفوع ويدفع الباقي، ولو لم يعلم الوجوب فلا مجال إلاَّ بنحو الإقراض ثمَّ الاحتساب بعد التَّصفية مع الاحتياط باستلام القرض من قبل المقرض ثمَّ احتسابه على المستحق إذا كان باقياً على استحقاقه حينذاك.

(مسألة 1008) إذا حسب ربحه فدفع خمسه ثمَّ انكشف أن ما دفعه كان أكثر ممَّا وجب عليه فلا يجوز له احتساب الزائد ممَّا يجب عليه في السَّنة التَّالية، نعم يجوز له الرُّجوع على المدفوع له - الفقير مثلاً - مع بقاء عينه، وكذا مع تلفها إذا كان عالماً بالحال.

(مسألة 1009) السَّرقفليَّة من الحقوق المجعولة فإذا دفعها إلى المالك أو غيره حسب الاتِّفاق مع المالك أوجبت للدَّافع حقَّاً في أخذه من غيره ووجب عليه تقويم ذلك الحق في آخرالسَّنة وأخرج خمسه، فربَّما تزيد قيمته على مقدار ما دفعه من السَّرقفليَّة وربَّما تنقص وربما تساوي حسب الاعتبار.

ص: 336

الفَصْلُ الثَّانِي في المَؤُونَةِ وَأَحْكَامِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا

تقدَّم أنَّه يستثنى من الأرباح والفوائد المكتسبة من التِّجارات والصِّناعات ونحوها مؤونة السَّنة فلا يجب فيها الخمس،

والمؤونة على قسمين: -

الأوَّل: مؤونة المعاش، وهي كل ما يصرفه المكلَّف لمعيشته ومعيشة عياله اللائقة بحالهم، بلا فرق يين ما تصرف عينه وتنعدم - كالمأكل والمشرب - أو تبقى عينه للانتفاع - كالمسكن والملبس والسَّيَّارة والخادم والكتب والأثاث - أو ما يحتاج إليه في ختان أولاده وتزويجهم ونحو ذلك.

بل كل ما يصرفه على النَّحو المتعارف، سواء كان واجباً - كوفاء الحقوق اللازمة عليه من تسديد دين صُرف للمؤونة أو أداء أرش جناية أو نذر أو كفَّارة أو غرامة ما أتلفه عمداً أو خطأً - أم عملاً مستحبَّاً - كالزِّيارات والصَّدقات وضيافة ضيوفه ونحو ذلك - أم كان مباحاً - كالهدايا والتَّبرُّعات والجوائز المناسبة له - أم مكروهاً إن تحمله، وكذا جميع ما يطرأ عليه من خسارات أو نقص - في الكسب والمصنع - أو إصلاح تلف يتعلَّق بالمؤونة ويجبر بالرِّبح.

الثَّاني: مؤونة تحصيل الرِّبح، وهي كل ما يصرفه في سبيل تحصيل الرِّبح كأجرة الدُّكَّان والدَّلاَّل والحمَّال والحارس والكاتب والعمَّال والضَّرائب والغرامات، وما يحتاج إليه من آلات العمل والمكائن والمعدَّات والسَّيَّارة والكتب والدَّفاتر ونحوها.

فكلٌّ من هذين القسمين مستثنى من الأرباح المكتسبة - كما مرَّ - بشرطين: -

الأوَّل: فعليَّة الصَّرف، أو ما بحكمها كالادِّخار للصَّرف مع العلم بالحاجة إليه وعدم وجدان غيره حينما يحتاج إليه، فلو قتَّر على نفسه ولم يصرف ما يحتاج إليه من المؤن يجب تخميسه في نهاية السَّنة - على الأحوط -، وكذا لو تبرَّع

ص: 337

له متبرِّع بتمام النَّفقة أو بعضها أو بما يحتاج إليه من المؤونة فقد اندرج مقدار التَّبرُّع في أرباح سنته وتعلَّق به الخمس في نهاية السَّنة.

الثَّاني: أن يكون الصَّرف على النَّحو المتعارف - كما مرَّ - فإن زاد عليه وجب خمس التَّفاوت، وكذا لو كان غير متعارف من مثل مالك المال - وإن كان المصرف راجحاً شرعاً - كما لو كان قليل الرِّبح وينفق على الضُّيوف أو يعمِّر المساجد وليس من شأنه ذلك، فالأحوط وجوباً عدم استثناء ذلك.

بل وكذا لو كان في المصرف سفاهة أو تبذير فلا يستثنى المقدار المصروف بل يجب فيه الخمس ومن ذلك تسبيب الكفَّارات بموجبها من المعاصي المتعمِّدة ونحو ذلك.

(مسألة 1010) إذا كان عنده شيء من المؤن - الَّتي أشرنا إليها - قبل الإكتساب لم يجز استثناء قيمته من أرباح السَّنة بل حاله حال من لم يحتج إليها في إعاشته.

(مسألة 1011) إذا احتاج الشَّخص إلى رأس مال يتَّجر به فإن كان لتيسير معاشه أو التَّوسعة على نفسه وعياله حسب شأنه بحيث لولاه لما أمكنه ذلك جاز إخراجه من أرباح سنته واحتسابه من مؤونتها ويستثنى من التَّخميس - بل يخمِّس الزَّائد فقط - سواء كان تمام رأس المال من الرِّبح أو له بعض من رأس مال وأراد إتمامه من الرِّبح، كما لو احتاج .

أمَّا لو كان لازدياد ثروته وماله فقط لا للإعاشة والتوسعة فلابدَّ من تخميسه، كما لو كان تاجراً تفي أرباحه بمعاشه ومعاش عياله المناسب لشأنه وجعل مقدارا من أرباحه رأس مال يتجر به فلابدَّ في مثله من تخميس رأس المال كبقيَّة الأرباح.وفي حكم رأس المال - المتقدِّم - ما يحتاجه في كسبه وأعماله من المكائن وآلات الصِّناعة والزِّراعة ونحوهما.

(مسألة 1012) إذا اشترى شخص من ربح سنته قطعة أرض قاصداً بنائها لاحتياجه، وفي السَّنة الثَّانية اشترى من ربحها كذلك بعض مستلزمات البناء

ص: 338

كالحديد والخشب، وفي الثَّالثة بعضاً آخر وهكذا في السَّنوات اللاحقة من أرباحها إلى أن اكتمل بناء الدَّار، جاز له احتساب تلك الأرباح التَّدريجيَّة من مؤونة سنينها بشرط أن يكون ذلك من شأنه وأنَّه لا يتمكَّن من بناء الدَّار - مثلاً - إلاَّ بتلك الكيفيَّة وأنَّه مضطر إليها ليأوي بها عياله لعدم وجود دار يستقر بها غيرها له، أمَّا لو تمكَّن من بنائها دفعة واحدة خلال سنة أو أقل - ولو بنحو الاستدانة ثمَّ تسديدها من أرباح السِّنين اللاحقة كما سيأتي حكم تسديد الدَّين - فلا يجوز له الاحتساب، مع الاحتياط بالتَّخميس حتَّى مع عدم التَّمكُّن إلاَّ بذلك.

ولكن إذا كان من هذا القبيل ما جرت عليه العادة - في بعض البلدان - في جهاز العرس حيث يبدأ أهل البنت بتهيئته لها وهي صغيرة يشترونه لها تدريجاً على مرَّ سنين إلى أن تتزوَّج بما ظاهره في عدم الاضطرار إليه، فلابدَّ فيه من التَّخميس لأنَّه لا يجريه غالباً إلاَّ أهل التَّرف وذووا العادات غير الشَّرعيَّة.

(مسألة 1013) تقدَّم - في القسم الأوَّل من المؤونة - أنَّ تسديد الدُّيون المستعجلة - المصروفة لمؤونة السَّنة - يحتسب من المؤونة فيستثنى من وجوب الخمس، وكذا ما كان للتَّوسعة على النَّفس والعيال حسب الشَّأنيَّة، سواء إستدانه في سنة الرِّبح - وصرفه فيها - أم في السِّنين السَّابقة، وسواء تمكَّن من أدائه قبل ذلك - ولم يؤدِّه - أم كان عاجزاً عنه.

أمَّا لو كان الدَّين لازدياد المال والثَّروة كما هو المتداول بين التُّجار أو كان وفاؤه غير مستعجل فلا يستثنى من الأرباح، بل يجب التَّخميس أوَّلاً ثمَّ تأدية الدَّين من المال المخمَّس أو من مال آخر لم يتعلَّق به خمس كالموروث.

ولا فرق في الدُّيون المذكورة بين العرفيَّة الاختياريَّة - كالاقتراض - أو القهريَّة - كأروش الجنايات والضَّمانات -، وبين الشَّرعيَّة - كالخمس والزَّكاة المنتقلة إلى الذِّمَّة - وبين الواجبات الماليَّة الأخرى - كالكفَّارات والنُّذور -.

(مسألة 1014) لو ازدادت عنده أرباح أو زوائد على مؤونته - في نهاية السَّنة - وكانت عليه ديون ولم يوفِّها من تلك الأرباح عمداً وجب عليه

ص: 339

تخميسها.

(مسألة 1015) لو نذر أن يصرف نصف أرباح سنته أو ربعها في وجوه البر قبل وجوب الخمس فيها لم يجب عليه تخميس المنذور من أرباحه - كما مرَّ - بل يجب إخراج خمس الباقي منها فقط بعد مؤونته، نعم لو ظهر الرِّبح ومضى عليه الحول ثمَّ نذر أن يصرف سهماً منه في وجوه البر وجب أوَّلاً تخميس الجميع ثمَّ الوفاء بالنَّذر، بل وكذا لو ظهر الرِّبح ولم يتصالح سابقاً مع الحاكم الشَّرعي على رأس سنة خمسيَّة له وحصل ذلك عنده.

(مسألة 1016) يجب على المكلَّف في آخر سنته الخمسيَّة أن يخمِّس ما زاد على مؤونة سنته ممَّا ادَّخره في بيته من الأرز والدَّقيق والسكَّر والشَّاي وغيرها من أمتعة البيت، ويكفي في تعيين ثمنه التَّخمين بالمتعارف بين النَّاس بما لا ضرر فيه على بيت المال ولا على المخمَّس نفسه مع الإمكان.

أمَّا المؤن الَّتي كانت يُنتفع بها - مع بقاء عينها - ثمَّ استغنى عنها فإن كان الاستغناء بعد مرور سنة كاملة عليها - كما في حلِّي النِّساء الَّتي يستغنى عنها في عصر الشَّيب - فالأحوط وجوباً تخميسها، وأمَّا إذا كان الاستغناء عنها في أثناء السَّنة فإن كانت ممَّا يتعارف إعدادهاللسِّنين الآتية بحيث لا يعد تركاً، ومنه ما تجاوزت السَّنة في تركها كالثِّياب الصَّيفيَّة والشِّتائيَّة عند انتهاء الصَّيف أو الشِّتاء في أثناء السَّنة فضلاً عمَّا كان رأس سنته الخمسيَّة مثلاً ما بين الصَّيف أو الشِّتاء فلا يجب إخراج خمسها، وإلاَّ وجب الإخراج.

(مسألة 1017) يجب الخمس في كل ما زاد عن مؤونة السَّنة مرَّة واحدة، فإذا خمَّس مالاً وبقي عنده سنة أو سنين لم يجب فيه الخمس مرَّة ثانية حتَّى إذا زادت قيمته إذا لم يرد أن يبيعه، كما أنَّه لو نقصت قيمته لم يجبر النَّقص من الرِّبح وإذا باعه وزادت قيمته ففيه خمس الزَّائد.

(مسألة 1018) من المؤن المستثناة عن وجوب التَّخميس - في نهاية السَّنة - ما يصرفه المكلَّف في حجِّه المندوب أثناء السَّنة تماماً أو إتماماً لأموال لم يتعلَّق بها خمس كالمخمَّسة والموروثة، فضلاً عن مصارف الحج المفروض تماماً أو إتماماً

ص: 340

فلا يتعلَّق بها الخمس، نعم إذا أخَّر الحج المفروض نسياناً أو عصياناً وكان مستطيعاً في نفس السَّنة وجب الخمس في مصارفه وخرجت عن كونها مؤونة لتلك السَّنة وإن لم يسقط الحج ولو متسكعاً، وأمَّا لو حصلت من أرباح سنين متعدِّدة تعلَّق الخمس بأرباح السَّنوات المتقدِّمة وهذه منها فإن بقيت الاستطاعة بعد ذلك وجب عليه الحج.

(مسألة 1019) المؤونة المستثناة إنَّما تعتبر إلى حين الوفاة لا إلى تمام سنتها.

الفَصْلُ الثَّالِث في أَحْكَامِ الخُمْس

(مسألة 1020)

لا يشترط التَّكليف (البلوغ والعقل) في ثبوت الخمس في الموارد الخمسة المتقدِّمة (المعادن، الكنز، الغوص، المال

الحلال المخلوط بالحرام، الأرض الَّتي اشتراها الذِّمِّي من المسلم)، وكذلك - على الأحوط وجوباً - في سادسها وهو خمس أرباح المكاسب، فيجب على وليِّ الطفل والمجنون دفع تلك الأخماس، وإذا لم يدفع الولي ذلك وجب على الطِّفل إذا بلغ والمجنون إذا أفاق إخراج خمس ما تملَّكاه حال الصِّغر أو الجنون ممَّا وجب في مالهما.

وأمَّا أمر الغنائم فلا موضوع لتكلُّفهما بخمسها لعدم صدق تلك بالغنائم على ما يحصلان عليه منها لو كانا في مواقع الحرب الجهاديَّة لارتفاع كلفته عنهما، ولذا استثنيناها من السَّبعة وألحق بالوجوب المذكور العبد المملَّك حتَّى في باب الغنائم.

(مسألة 1021) الخمس بجميع أقسامه متعلِّق بالعين، إلاَّ أنَّ المالك مخيَّر بين دفعها ودفع قيمتها، ولا يجوز التَّصرُّف في تلك العين بعد انتهاء السَّنة قبل أدائه، وكذا في بعضها وإن كان مقدار الخمس باقياً في البقيَّة للاختلاط.

(مسألة 1022) تجوز المداورة مع الحاكم الشَّرعي أو وكيله، وهي تسليم العين أو قيمتها إليه حقَّاً شرعيَّاً ثمَّ إرجاعها إلى المالك بنحو القرض ثمَّ تسليمها

ص: 341

إلى الحاكم ثمَّ يرجعها الحاكم إلى المالك قرضاً وهكذا تسلُّماً وتسليماً إلى حين استيفاء الحق الشَّرعي كاملاً - لو كان هناك مانع من التَّسليم الكامل كعدم إمكان بيع الأعيان أو عدم أو قلَّة السُّيولة عنده ممَّا يعسر عليه ذلك - لتبقى مضمونة في ذمَّته فيسقط الحق بعد هذا من العين ويجوز التَّصرُّف بها ويتحوَّل الدَّين إلى الذِّمَّة ليدفع أقساطاً في باقيه إن حصل استيفاء في الجملة، لكن لا يجوز تأخير الدَّفع عن السَّنة المضروبة، بل حتَّى الأقل لو كانت القدرة الشِّرائيَّة تهبط للعُمل في بعض الأوقات مع إمكان الدَّفع.(مسألة 1023) تقدَّم أنَّه يحرم التَّصرُّف بالعين - كالاتِّجار بها أو الهبة أو صرفها وفاء للدُّيون أو استبدالاً لمعاملة بين المتعاملين - ممَّا تعلَّق به الخمس شرعاً - كما لو مرَّ عليها حول كامل - قبل دفعه إلاَّ بعد مراجعة الحاكم الشَّرعي، فلو اشترى أو استبدل شيئاً بمال غير مخمَّس من هذا القبيل فإن كانت معاملة الشِّراء على نحو الكلِّي في الذِّمَّة - أي على ثمن غير مشخَّص كما هو الغالب في المعاملات الآن - وكان وفاء الثَّمن من أرباح غير مخمَّسة كانت المعاملة صحيحة ولو جرى عليها التَّفصيل المتقدِّم من القبض والإقباض في المسألة السَّابقة وإلاَّ فلا.

وإن كانت المعاملة شخصيَّة - أي على ثمن معيَّن بعينه - وأمضاها الحاكم الشَّرعي إنتقل التَّخميس إلى العين الأخرى أو قيمتها، فإن لم يمضها كانت المعاملة باطلة وله أن يأخذ خمس الثَّمن إن كان باقياً - عند البائع - وإن كان تالفاً جاز له الرُّجوع إلى كل من البائع والمشتري إن لم يكن مؤمناً وأخذ مقدار الخمس، وإن كان مؤمناً فلا شيء عليه بل على البائع، فلا تبرأ الذِّمَّة إلاَّ بوصول الحق إليه.

(مسألة 1024) إذا اشترى المؤمن شيئاً فيه الخمس ممَّن لا يعتقد وجوبه كالكافر ونحوه جاز له التَّصرُّف فيه من دون إخراج الخمس، بناءاً على أنَّ الوزر يقع على الكافر ونحوه والمهنَّأ للمؤمن ونحوه من المباني مع الاحتياط بدفعه لو علم اصرار صاحبه بعدم دفعه.

ص: 342

(مسألة 1025) لو أراد المكلَّف تصفية أموره وإبراء ذمَّته ممَّا تعلَّق بها من الخمس أو في أمواله يقيناً أو ظنَّاً أو احتمالاً ولو احتياطاً ولم يعلم بمقداره فليراجع الحاكم الشَّرعي للمصالحة معه لما فيه إبراء الذَّمَّة والغبطة لصالح بيت المال ولم يقدَّر بتقدير ثابت ولكن يكتفي باليسير في حالة الاحتمال الاحتياطي.

الفَصْلُ الرَّابع في مُسْتَحِقِّ الخُمْس وَمَصَرَفِ حَقِّ الإِمَامِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ينقسم الخمس - كما ورد في القرآن الكريم - إلى ستَّة أسهم وهي: -

الأوَّل:سهم الله جلَّت عظمته.

الثَّاني:سهم النَّبي الأكرم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ .

الثَّالث: سهم ذوي القربى، وهم الأئمَّة سلام الله عليهم أجمعين على ما سيأتي تفصيله في الموسَّعات إنشاء الله .

وهذه الأسهم الثَّلاثة ترجع في زماننا - زمن الغيبة - لإمام العصر وصاحب الأمر الحجَّة المنتظر (عجَّل الله

تعالى فرجه الشَّريف)، وتسمَّى هذه الأسهم الثَّلاثة - الَّتي هي نصف مقدار الخمس - بسهم الإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وسيأتي مصرفه.

والأسهم الثَّلاثة الباقية: للأيتام والمساكين وابن السَّبيل من السَّادة المنتسبين إلى هاشم بالأب، وتسمَّى هذه الأسهم بسهم السَّادات.

(مسألة 1026) يعتبر في مستحقِّي الأسهم الثَّلاثة الأخيرة أمور: -

الأوَّل: الإيمان في جميعهم، وهو أن يكون إماميَّاً إثنا عشريَّاً، وأمَّا غيره من السَّادة فلا يجوز ومن أدلَّة ذلك قاعدة الإلزام لكونهم لم يعتقدوا بهذه التَّفاصيل، والظَّاهر عدم اعتبار العدالة فيهم، بل يكفي فيه عدم مظهريَّة الفسق كما سيأتي مع الاحتياط الاستحبابي بالعدالة، أمَّا لو علم فسقه ولو سرَّاً فلا يجوز الدَّفع إليه من هذه الأموال كتارك الصَّلاة وشارب الخمرة، بل لا يجوز صرفها إلى مطلق ما فيه إعانة على الإثم والعدوان.

الثَّاني: عدم صرفه في المعاصي.

ص: 343

الثَّالث: الفقر في الأيتام، وأن لا يعطى أكثر من مؤونته.

الرَّابع: الفقر في ابن السَّبيل في بلد التَّسليم وإن كان غنيَّاً في بلده إذا لم يتمكَّن من السَّفر بقرض ونحوه كما مرَّ في الزَّكاة.

(مسألة 1027) يجوز البسط والتَّوزيع على كلِّ الأصناف، وكذا الاقتصار على إعطاء صنف واحد مع الحاجة كمجموعة من هذا الصِّنف، بل يجوز الاقتصار على إعطاء واحد من صنف من هذه الأصناف.

(مسألة 1028) المراد من بني هاشم من أنتسب إليه بالأب دون الأم، أمَّا المنتسب بالأم فقط فلا يحل له الخمس وتحل له الزَّكاة وإن كان شريفاً من بين العوام، والأوَّلى تقديم العلوي الفاطمي على غيره من العقيلييِّن والعبَّاسييِّن وغيرهم لو كان للأخيرين وجود، بل صار المألوف هو من بين السَّادة الآخرين لندرة أو انقراض الآخرين كما مرَّ.

(مسألة 1029) يثبت الانتساب إلى بني هاشم بالبيِّنة الشَّرعيَّة وبالشِّياع والشُّهرة وكل ما يوجب الوثوق والاطمئنان، ولا يصدَّق مدِّعي النَّسب بغير المثبتات الشَّرعيَّة ومنها البيِّنة كما بيَّنَّا في كتاب الزَّكاة.

(مسألة 1030) لا يجوز إعطاء الخمس لمن تجب نفقته على المعطي كما تقدَّم في الزَّكاة، إلاَّ إذا كانت عليه نفقة غير لازمة للمعطي فيجوز ذلك.

(مسألة 1031) الأحوط دفع سهم السَّادات إلى الحاكم الشَّرعي أو استئذانه في الدَّفع إلى المستحق مع توفُّر الشُّرائط المتقدِّمة، ومع الشَّك في توفُّرها فلا يجوز الدَّفع إلاَّ إليه، لأنَّه أعرف بمواقع صرفه وبالمرجِّحات الشَّرعيَّة الَّتي ينبغي ملاحظتها، إلاَّ لمن أحرزت منه صحَّة التَّطبيق على المستحقِّين تماماً.

مَصَرَفِ حَقِّ الإِمَامِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

(مسألة 1032)

النِّصف الرَّاجع إلى الإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ في زماننا - زمن الغيبة الكبرى - لابدَّ- على الأحوط وجوباً - من إيصاله إلى نائبه، وهو الفقيه العام - الجامع لشرائط

ص: 344

التَّقليد - المأمون العارف بمصارفه والمطَّلع على الجهات العامَّة، أو الاستئذان منه في دفعه، سواء كان المقلَّد أو غيره إلاَّ ما يتعلَّق بحاجة المقلَّد إليه.

ومصرفه ما يوثق برضاه عَلَيْهِ السَّلاَمُ بصرفه فيه كدفع ضرورات المؤمنين من السَّادات (زادهم الله تعالى شرفاً) وغيرهم وعلى الأخص أهل العلم من الجانبين، والأحوط نيَّة التَّصدُّق به عنه عَلَيْهِ السَّلاَمُ، واللازم مراعاة الأهم فالأهم.

وأهم هذه المصارف في عصرنا - بل في كل عصر قلَّ فيه المرشدون والمسترشدون - خدمة الدَّين الحنيف ورفع أعلامه والسَّعي لبقائه وازدهاره وترويج الشَّرع المقدَّس ونشر قواعده وأحكامه الَّذي يتمثَّل بطلبة العلم المتديِّنين الَّذين يصرفون أوقاتهم بل أعمارهم في تحصيل العلوم الدِّينيَّة وتدريسها وتأليف الكتب المفيدة، ويبذلون أنفسهم في تعليم الجاهلين وإرشاد الضَّالِّين، ونصح المؤمنين ووعظهم وإصلاح ذات بينهم، ونحو ذلك ممَّا يرجع إلى إصلاح دينهم وتكميل نفوسهم وعلوِّ درجاتهم عند ربِّهم تعالى شأنه وتقدَّست أسماؤه.

(مسألة 1033) لا تبرأ ذمَّة المالك إلاَّ بقبض المستحق أو وكيله أو الحاكم الشَّرعي أو وكيله، فإذا أقبضهم إيَّاه لم يجز استرجاعه منهم، ومن فوائد ذلك ما لو أراد صاحب الحق إبراء ذمَّة مدين له من ذلك لإيمانه وحاجته فلا يكفي ذلك كما يكفي في الزَّكاة إلاَّ بقبض ذلك الدَّين ولواستقراضاً ثمَّ يدفعه إليه حقَّاً أو أن يستأذن من الحاكم الشَّرعي في ذلك.

(مسألة 1034) الأحوط وجوباً في دفع الخمس تحرِّي الفوريَّة المتعارفة بالنِّسبة إلى أقرب الأزمنة، وبالأخصِّ فيما لو كان المال الَّذي فيه الخمس في غير بلد المالك، سواء كان الدَّفع في بلد المالك، أم في بلد المال، أم غيرهما.

(مسألة 1035) يجوز نقل الخمس من بلده إلى غيره عند عدم وجود المستحق له - أو وجوده مع وجود الأفضل في غيره - بشرط أن لا يؤدِّي إلى التَّساهل والتَّسامح المنافي للفوريَّة في أداء الواجب إلاَّ إذا استأذن الحاكم الشَّرعي في ذلك.

نعم يجوز دفعه إلى وكيل الفقير وإن كان الفقير نفسه في بلد آخر، أو يدفعه

ص: 345

إلى وكيل الحاكم الشَّرعي بشرط إحراز الوكالة من قبله فيقبضه بالوكالة ثمَّ ينقله إليه، وكذا إذا وكَّل الحاكم الشَّرعي المالك فيقبضه بالوكالة عنه ثمَّ ينقله إليه.

(مسألة 1036) لا يتشخَّص الخمس بالعزل - على الأحوط وجوباً - إلاَّ بالاستئذان من الحاكم الشَّرعي، فلو عزله وتلف - ولو من دون تفريط - لم تفرغ بذلك ذمَّة المالك، إلاَّ إذا كان وكيلاً عن الحاكم الشَّرعي أو المستحق فيقبضه بالوكالة عنهما، فإنَّ تلفه حينئذ من دون تفريط لا يوجب ضمان المالك.

ص: 346

كِتَابُ الَحَجِّ وَالعُمْرَة

اشارة

ص: 347

ص: 348

الحج من أركان الدِّين والدَّعائم الخمس الَّتي بني عليها الإسلام، وتركه عمداً من أعظم الكبائر ويؤدِّي إلى سوء العاقبة، ففي الحديث أنَّه يقال لتارك الحج عند موته ((مت إن شئت يهوديَّاً وإن شئت نصرانيَّاً)).

ولا يجب الحج في أصل الشَّرع إلاَّ مرَّة واحدة في تمام العمر مع استجماع الشَّرائط الآتية ويسمَّى ب- (حجَّة الإسلام)، ونذكره مع العمرة على سبيل الإيجاز، ومن أراد التَّوسعة فليرجع إلى كتابينا (غنية النَّاسكين في أحكام الحجَّاج والمعتمرين) و (زبدة المناسك).

شَرَائطُ وُجُوبِ الحَجِّ وَالعُمْرَة

(مسألة 1037) يعتبر في وجوب حجَّة الإسلام أمور: - الأوَّل: البلوغ، فلا يجب على الصَّبي، وإن صحَّ أن تجرى له مراسيم الحج بإشراف وليِّه أو يجريها بنفسه لو كان مميِّزاً.

الثَّاني: العقل، فلا يجب على المجنون في حال جنونه.

الثَّالث: الحريَّة، فلا يجب على العبد وإن كان مبعَّضاً.

الرَّابع: الاستطاعة، وهي: عبارة عن التَّمكُّن بحسب المتعارف من إتيان الحج من جهة القدرة الماليَّة والبدنيَّة وسعة الوقت وعدم المنع في الطَّريق والتَّمكُّن من العود إلى محلِّه بالكفاية.

(مسألة 1038) يعتبر في الاستطاعة استثناء ما يحتاج إليه حسب شأنه وشرفه كداره الَّتي يسكن فيها والأثاث الَّتي يحتاج إليها والآلات الَّتي يحتاج إليها في مزاولة عمله، وكذا حليِّ المرأة للزِّينة مع حاجتها إليها شرفاً وزماناً ككونها صغيرة مثلاً يتناسب معها اللِّبس لا هرمة منصرفة إلى آخرتها، ولو كان عنده ما

ص: 349

يكفيه للحج وكان محتاجاً إلى التَّزويج مثلاً بحيث لو لم يتزوَّج يقع في الحرج والمشقَّة فلا يكون مستطيعاً.

أَقْسَامُ الحَجِّ

أقسام الحج ثلاثة وهي: -

1- التَّمتُّع، وهو أهمُّها وأفضلها،وهو واجب على من كان مسكنه بعيداً عن مكَّة المكرَّمة ب- (96 كيلو متراً) من كل جانب.

2- الإفراد، وهو واجب على من كان مسكنه بعيداً عن مكَّة المكرَّمة أقل من (96 كيلو متراً).

3- القِران، وهو كالإفراد ولكن يسوق ويقرن معه هديه عند إحرامه.

هذا بالنِّسبة إلى حجَّة الإسلام، وأمَّا الحج بالنَّذر وشبهه من العهد واليمين فهو تابع للقصد، وله اختيار أيِّ فرد منها شاء، وإن كان الأفضل اختيار التَّمتُّع.

(مسألة 1039) لكل من التَّمتُّع والإفراد عمرة خاصَّة به عدا القِران فلا عمرة له بالملازمة بل هي مشروعة بدون ذلك.

(مسألة 1040) يشترك حج الإفراد مع حج التَّمتُّع في جميع أعماله إلاَّ أنَّه يتميَّز عن حجالتَّمتُّع في أمور هي: -

1 - يجب تقديم عمرة التَّمتُّع على حجِّه، ولا يعتبر ذلك في حج الإفراد.

2 - يجب اتِّصال العمرة بالحج في حج التَّمتُّع وإن حصل فاصل التَّحلُّل من العمرة على التَّفصيل الآتي، ولا يعتبر ذلك في حج الإفراد.

3 - لا يجب النَّحر أو الذَّبح في حج الإفراد وإنَّما يستحب، بخلاف حج التَّمتُّع إذ يجب فيه الذَّبح أو النَّحر.

4 - إحرام حج التَّمتُّع من نفس مكَّة المكرَّمة، وأمَّا إحرام حج الإفراد فهو من أحد المواقيت الآتية وأمَّا كون الوصول إلى المواقيت لإحرام التَّمتُّع فهو لعمرته قبله لا له لأنَّه مسبوق بها.

5 - لا يجوز تقديم الطَّواف والسَّعي على الوقوفين في حج التَّمتُّع مع

ص: 350

الإختيار، ويجوز ذلك في حج الإفراد اعتياديَّاً.

6- يجوز بعد إحرام حج الإفراد الطَّواف مندوباً بخلاف حج التَّمتُّع فلا يجوز مثل هذا الطَّواف بعد إحرامه على الأحوط وجوباً إلاَّ بعد الفراغ من المناسك الخاصَّة به.

والقِران يتَّحد مع حج الإفراد في جميع الجهات، إلاَّ أنَّ المكلَّف في القِران يسوق معه الهدي عند إحرامه كما مرَّ، والإحرام في القِران كما يكون بالتَّلبيَّة كذلك يكون بالإشعار أو التَّقليد، وهناك فروق أخرى مذكورة في الكتب الفقهيَّة المفصلَّة وفي مناسكنا الخاصَّة.

حَجِّ التَّمتُّع

بما أنَّ حجَّ القِران والإفراد نوعاً ليسا من تكليفنا نحن البعيدين عن البقاع المقدَّسة إلاَّ فيما ذكرناه من النَّذر وشبهه في غير حجَّة الإسلام وأنَّ تكليفنا الخاص هو التَّمتُّع فلابدَّ من الاقتصار عليه اختصاراً وإحالة التَّفصيل للآخرين على مواقع بحوثنا المفصِّلة كغنية النَّاسكين والزُّبدة، فنقول: -

(مسألة 1041) حج التَّمتُّع الَّذي هو أ فضل أقسام الحج مركَّب من عملين أحدهما العمرة وهي مركَّبة من خمسة أجزاء والآخر الحج وهو مركَّب من ثلاثة عشر جزءاً فمجموع الأعمال ثمانية عشر.

أمَّا أعمال العمرة فهي: -

1- الإحرام من أحد المواقيت.

2- الطَّواف بالبيت الشَّريف سبعة أشواط.

3- صلاة ركعتين للطَّواف عند مقام إبراهيم عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

4- السَّعي بين الصَّفا والمروة سبعة أشواط.

5- التَّقصير وهو أخذ شيء من الشَّعر، وبذلك تتم الأعمال في العمرة التَّمتُّعيَّة، أمَّا العمرة المفردة فهي نفس أعمال عمرة التَّمتُّع لكن يضاف إليها

ص: 351

طواف النِّساء وركتعا الطَّواف وجوباً.

وأمَّا أعمال الحج فهي: -

1- الإحرام من مكَّة المعظَّمة.

2- الوقوف بعرفات من زوال يوم عرفة إلى غروبها.

3- الوقوف بالمشعر الحرام من بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشَّمس من يوم العاشر.

4- رمي جمرة العقبة بمنى يوم العاشر.

5- الهدي نحراً للإبل أو ذبحاً للبقر أو الغنم.6- التَّقصير أو الحلق، وبعد الانتهاء من هذه الإعمال يحل له تروك الإحرام الآتية إلاَّ الطِّيب والنِّساء.

7- المبيت ليلة الحادي عشر وليلة الثَّاني عشر في منى، وإذا بقي فيها إلى ليلة الثَّالث عشر فيجب عليه أن يبيت ويرمي في يومه.

8- رمي الجمرات الثَّلاث (الصُّغرى والوسطى والكبرى) في كل من يومي الحادي عشر والثَّاني عشر.

9- طواف الحج سبعة أشواط حول الكعبة المشرَّفة.

10- صلاة ركعتين للطَّواف عند مقام إبراهيم عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

11- السَّعي بين الصَّفا والمروة سبعة أشواط.

12- طواف النِّساء سبعة أشواط حول الكعبة المعظَّمة.

13- صلاة ركعتين للطَّواف عند مقام إبراهيم عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

وبعد الانتهاء من هذه الأعمال يفرغ من العمرة والحج، ويتعلَّق بكل واحد من هذه الأعمال فروع تعرَّضنا لها في كتابنا (غنية النَّاسكين) و (الزُّبدة).

ص: 352

شَرَائطُ حَجِّ التَّمتُّع

(مسألة 1042) يشترط في حج التَّمتُّع خمسة أمور وهي: -

1- القصد إلى الحج المخصوص تقرُّباً إلى الله تعالى، والأحوط وجوباً أن يكون مصحوباً باللفظ الَّذي يؤدِّي معناه في الحج بأقسامه الثَّلاثة ومنه حج التَّمتُّع وبعمرتيه ومنهما عمرة التَّمتُّع قبله، ولذا وردت بعض صيغه اللفظيَّة في بعض أدعية أعمال الحج الأولى كما في آداب الإحرام له اهتماماً به، وقد فصَّلنا شيئاً حول هذا في مناسكنا الموسَّعة، علماً بأنَّ اللفظ في القصد العبادي لم يكن راجحاً في غير الحج من الواجبات.

2- أن يكون مجموع العمرة والحج في أشهر الحج الثَّلاثة (شوَّال وذي القعدة وذي الحجَّة).

3- أن يكون الحج وعمرته في سنة واحدة.

4- أن يكون إحرام حجِّه من داخل مكَّة القديمة مع الإختيار، وأفضله المسجد الحرام، وأفضله خلف المقام.

5- أن يكون مجموع حجِّه وعمرته من واحد وعن واحد.

المَوَاقِيت

(مسألة 1043) المواقيت وهي الأمكنة الَّتي عيِّنت للإحرام منها من قِبل النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، وهي ستَّة:-

الأوَّل: مسجد الشَّجرة، وهو أفضل المواقيت لأنَّه الَّذي أحرم منه رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، وهو قريب من المدينة المنوَّرة وميقات أهل المدينة وكل من يمر عليها، ويصح إحرام الحائض والنَّفساء من هناك ولكن من خارج المسجد المحاذي له، مع الاحتياط بالمرور الإجتيازي لو كان للمسجد بابان لغرض النِّيَّة مع التَّلبية أثناء المسير.

الثَّاني: وادي العقيق، وهو ميقات نجد والعراق وكل من يمر عليه، ويجوز

ص: 353

الإحرام من أوَّله المسمَّى بالمسلخ، ووسطه المسمَّى بذات عرق، ولا يؤخِّر الإحرام إلى آخره المسمَّى بالغمرة إلاَّ مع العذر والتَّقيَّة، ومع تمكُّنه خفاءاً من الإحرام قبله مع الإعلان منه جهاراً يجب.

الثالث: الجحفة، وهي ميقات أهل الشَّام ومصر والمغرب وكل من يمر عليها.

الرَّابع: يلملم، وهو ميقات أهل اليمن ومن يمر عليه من غيرهم.

الخامس: قرن المنازل، وهو ميقات أهل الطَّائف ومن يمر على طريقهم.

السَّادس: الحديبيَّة، وهي ميقات من وصل إلى جدَّة بطريق الجوِّ أو البحر ولم يمر على أحد المواقيت المتقدِّمة، فإن أمكنه الذَّهاب إلى إحدى المواقيت بلا كلفة ولو عرفيَّة شاقَّة ذهب إليها وأحرم منها وجوباً، وإلاَّ يجزيه الإحرام من الحديبيَّة، ولكنَّ الأحوط إن أمكنه النَّذر للإحرام قبل المواقيت إن عرف وصوله إلى مقربة من هذا المكان ثبت رجحان النَّذر مع استحباب تجديد النِّيَّة والتَّلبية حين الوصول إليه.

السَّابع: دويرة أهله، لمن كان منزله أقرب إلى مكَّة من المواقيت.

(مسألة 1044) يجوز الإحرام من محاذاة أحد المواقيت عند الإضرار لا اختياراً على الأحوط، والمدار على المحاذاة العرفيَّة منها، بحيث يكون الميقات على يمين المتوجِّه إلى مكَّة المكرَّمة أو على يساره، ويثبت الميقات أو المحاذاة له بالاطمئنان من أي سبب حصل.(مسألة 1045) المواقيت المذكورة مواقيت للعمرة التَّمتُّعيَّة كما مرَّ، وكذا مواقيت العمرة المفردة لمن كان بعيداً من المعتمرين ويمكن أن يكون أدنى الحل (الحديبيَّة أو الجعرانة أو التَّنعيم) للقريب وللحاج الَّذي فرغ من حجِّه وهو في مكَّة.

وكما يصح الإحرام للعمرة المفردة من المواقيت الَّتي ذكرت، فقد يتعيَّن ذلك أيضاً كما إذا كان المعتمر بعيداً عن مكَّة المكرَّمة ب- (96كيلو متر) وقصد إتيان العمرة المفردة.

ص: 354

(مسألة 1046) ميقات حج التَّمتُّع كما مرَّ حرم مكَّة القديمة، والأفضل من البيت الحرام وأفضله ما خلف المقام، سواء كان الحج واجباً أو مندوباً بلا فرق بين من كان من أهلها وبين الآفاقي، أي من أهل البلدان الأخرى.

(مسألة 1047) جدَّة ليست بميقات، بل الميقات لمن يأتي من الشَّمال مسجد الشَّجرة إن أتى من المدينة المنوَّرة، والجحفة إن لم يمر عليه، ويلملم ميقات من أتى من الجنوب كما مرَّ، ولكن يصح الإحرام منها بالنَّذر لو لم يمكن الوصول إلى الميقات كما مرَّ.

أَرْكَانُ الحَجِّ

(مسألة 1048) أركان الحج ستَّة، ومعنى الرُّكن هنا ليس كما في الصَّلاة، بل هو الَّذي يبطل الحج بتركه عمداً دون سواه وهي: -

الأوَّل: النِّيَّة بأن يقصد الحج قربة إلى الله تعالى.

الثَّاني: الإحرام على ما يأتي.

الثَّالث: الطَّواف حول الكعبة المشرَّفة على ما يأتي.

الرَّابع: الوقوف بعرفات كما سيجيء.

الخامس: الوقوف بالمشعر الحرام (مزدلفة)، وفي ترك أحد الوقوفين سهواً تفصيل يأتي.

السَّادس: السَّعي بين الصَّفا والمروة.

الإِحْرَامِ وَأَحْكَامِهِ

(مسألة 1049) الإحرام هو العزم على ترك المحرَّمات الآتية لإتيان العمرة أو الحج، وواجباته ثلاثة وهي:

1- لبس ثوبي الإحرام

2- النِّيَّة

3- التَّلبيَّة.

ص: 355

(مسألة 1050) يعتبر في النِّيَّة أمور: -

1- القربة والإخلاص فيها.

2- أن تكون النِّيَّة مقارنة للشُّروع في الإحرام.

3- تعيين المنوي من الحج أو العمرة.

(مسألة 1051) يجب في التَّلبية أن يقول:

((لبَّيك اللَّهمَّ لبَّيك لبَّيك لا شريك لك لبَّيك)) وبذلك يصير محرماً، وتحرم عليه محرَّمات الإحرام الآتية، والأحوط أن يضيف إليها: -

((إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك لا شريك لك))، ويستحب إضافة ((لبَّيك)) في الأخير.

(مسألة 1052) يجب لبس ثوبي الإحرام بعد التَّجرُّد عمَّا يحرم لبسه على المحرم بما يأتي، ويتَّزر بأحدهما ويرتدي بالآخر إن أراد لبس شيء في بعض المواقع اللازمة، فلو لميلبسهما صح إحرامه وإن أثم إن كان التَّرك عن عمد واختيار وهو بحاجة إليه للخلاص من الإثارة الجنسيَّة أو للحذر من ابداء العورتين، ويشترط في الثَّوبين كونهما ممَّا تصح فيهما الصَّلاة،وأن لا يكون الإزار رقيقاً بحيث ترى منه البشرة، فضلاً عن حرمة إبداء العورة بالشَّفَّاف من قماش الإحرام.

تُرُوكُ الإِحْرَامِ

(مسألة 1053) يحرم على المحرم أربعة وعشرون تركاً في حال الإحرام، وقيل أكثر، ولكنَّه يرجع في الواقع إلى هذا المقدار بالتَّداخل، وتسمَّى بتروك الإحرام وهي: -

الأوَّل: صيد الحيوان البرِّي.

وكفَّارته مختلفة باختلافه، ففي قتل النَّعامة بدنة (بعير)، وفي قتل بقرة الوحش بقرة، وفي قتل حمار الوحش بدنة أو بقرة، وفي قتل الضَّبي والأرنب شاة كبيرة داخلة في السَّنة الثَّالثة، وكذا في قتل الثَّعلب احتياطاً، وفي قتل

ص: 356

اليربوع والقنفذ والضَّب وما أشبهها جدي وهو (ما بلغ سبعة أشهر من الماعز)، وفي قتل الوزغ كف من الطَّعام، وفي صيد الجراد الكثير - وأقلُّه ثلاثة - شاة، وفي الواحدة تمرة أو كف من الطَّعام، وفي قتل الطُّيور - كفرد الحمام - شاة، وفي فرخها حمل أو جدي، وفي كسر بيضها درهم فضِّي أو ما يعادله، وإذا تمَّ ذلك كلِّه من المحرم في الحرم فعليه الكفَّارة مع القيمة.

الثَّاني: مجامعة النِّساء وتقبيلهن ومداعبتهن.

وكفَّارة المجامعة بدنة، وكفَّارة تقبيلهن جزور إن كان بشهوة مع مصاحبة نزول المني، وإن لم يكن بشهوة فشاة، وأمَّا كفَّارة المداعبة فشاة إن حصلت بشهوة سواء أمنى أم لا، ولو نظر إليهنَّ مع الشَّهوة والإمناء فبدنة، ومع عدم الشَّهوة والإمناء فيجب الاستغفار.

الثَّالث: عقد النِّكاح، لنفسه أو لغيره، دائماً أو منقطعاً.

وكفَّارته بدنة إن حصل الدخول سواء كان العاقد والمعقود له محرمين أو أحدهما محرم والآخر محل، ومع عدم الدخول فلا شي غير الاستغفار.

الراَّبع: الشَّهادة على عقد النِّكاح، وإن كان المشهود له محلاًّ.

وكفَّارتها الاستغفار.

الخامس: الاستمناء.

وكفَّارته مثل كفَّارة الجماع على الأحوط.

السَّادس: استعمال الطِّيب، إلاَّ خلوق الكعبة، وهو المخلوط من عدَّة أنواع خصِّيصاً للكعبة وكفَّارة الطِّيب شاة.

السَّابع: لبس المخيط للرِّجال دون النِّساء، ما عدا الهميان وحقيبة الحصى وحقيبة الألبسة وإن حملت وحقيبة الألبسة المعلَّقة للضَّروريَّات وحزام

ص: 357

الفتق مع الحاجة إليه وما كان محمولاً غير ملبوس.

وكفَّارة لبسه - حتَّى لو جاز استعماله بضرورة كالبرد - شاة.الثَّامن: لبس الجورب أو الخفَّين وكل ما يستر ظهر القدم، إلاَّ بشقِّ السَّاتر لقبَّة القدم من ذلك.

وكفَّارته الاستغفار.

التَّاسع: الاكتحال، لغرض الزِّينة بالسَّواد أو بغيره إلاَّ إذا كان للعلاج والأحوط بغير السَّواد.

وكفَّارة ذلك لو حصل هو الاستغفار.

العاشر: النَّظر في المرآة، سواء كان للزِّينة أو غيرها، إلاَّ إذا كان النَّظر للضَّرورة كسائق السِّيَّارة لتشخيص ما وراءه أو ما في جانبي سيَّارته للسَّير بانتظام.

وكفَّارة هذا النَّظر الاستغفار، بل يستحب تجديد التَّلبية.

الحادي عشر: الفسوق (الكذب)، سواء كان على الله سبحانه و تعالی أو على رسوله5 أو على الأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ أو الزَّهراءعَلَيْهِا السَّلاَمُ أو على سائر النَّاس، ويلحق به السُّباب والمفاخرة وإظهار الفضائل لنفسه أو سلبها عن الغير ونسبة الرَّذائل إلى الغير أو سلبها عن نفسه، بل حتَّى البذاء وهو الكلام البذيء واللَّفظ القبيح.

وكفَّارة ذلك هو الاستغفار.

الثَّاني عشر: الجدال، وهو قول (لا والله وبلى والله ) في خصومة أو مع عدمها على الأحوط إلاَّ للضَّرورة لإثبات حقٍّ ودفع باطل.

وكفَّارة المجادلة تختلف في حالة الصِّدق عن حالة الكذب لحرمة الأخير أساساً، ففي حالة الصِّدق في المرَّة الأولى والثَّانية الاستغفار وفي الثَّالثة شاة، وفي حالة الكذب في المرَّة الأولى شاة وفي الثَّانية بقرة على المشهور وفي الثَّالثة بدنة

ص: 358

على الأحوط.

الثَّالث عشر: قتل ما يتكوَّن في الجسد من الهوام كالقمَّل، والَّذي لا يتكَّون فيه فلا مانع منه كالبقِّ والبرغوث إلاَّ إذا كان في الحرم فالأحوط اجتنابه إن قدر على التَّحمُّل.

وكفَّارة قتل هوام الجسد الاستغفار.

الرَّابع عشر: التَّزيين، كلبس الخاتم للزِّينة للرِّجال إلاَّ إذا كان للاستحباب أو الحفظ من الضَّياع، وكذا لبس الحلي للمرأة على أن تخفيها عن النُّظَّار أو البروز ظاهراً.

وكفَّارة ذلك كلِّه للزِّينة الاستغفار.

الخامس عشر: التَّدهين، إلاَّ للضَّرورة كاستعماله لتشُّقق الجلد أو خشونته ك- (الوازنين) أو للآلام ك- (الفكس) ونحوه.

وكفَّارة فعل ذلك ولو للضَّرورة هي الاستغفار ما لم تكن مصحوبة بالرَّائحة الطَّيبة كما في الفكس ففيه شاة أيضاً ما لم يسد أنفه.

السَّادس عشر: إزالة الشَّعر من البدن، له أو لغيره قبل موعد التَّقصير أو الحلق، إلاَّ للضَّرورة والأذى.

وكفَّارة حلق الرَّأس - حتَّى في غير الضَّرورة - شاة أو صوم ثلاثة أيَّام أو صدقة باثني عشر مدَّاً من الطَّعام لست مساكين كل واحد منهم بمدَّين، وكذا تجب الشَّاة في نتف الإبطين أوأحدهما احتياطاً، ولو مسح رأسه أو لحيته عبثاَّ فسقط منه شعر ففي كل واحدة تصدق بكفٍّ من الطَّعام.

السَّابع عشر: تغطية الرَّأس للرَّجل فقط، ويلحق به رمس الرَّأس بالماء في مثل الأحواض والأنهار حتَّى للمرأة.

وكفَّارته شاة، وإن تكرَّرت التَّغطية عند تعدُّد المجالس تكرَّرت الكفَّارة على

ص: 359

الأحوط.

الثَّامن عشر: تغطية الوجه للمرأة، بما يتَّصل ببشرة وجهها إلاَّ بما يستعمل للتَّحجُّب كالَّذي يسمَّى بالبيجة المنشَّاة و (البوشيَّة) المتعارفة بلا ملاصقة للوجه.

وكفَّارة السَّتر الملاصق شاة.

التَّاسع عشر: التَّظليل للرِّجال، حتَّى ليلاً على الأحوط.

وكفَّارة ذلك - حتَّى لو كان لضرورة كسائق السَّيَّارة - شاة، بل الأحوط تكرُّرها بتكرُّره عند تعدُّد الأيَّام حتَّى لو كان لإحرام واحد.

العشرون: إخراج الدَّم، من بدن نفسه من أيِّ سبب كان.

وكفَّارته - حتَّى عند الضَّرورة - شاة.

الحادي والعشرون: قلع الضِّرس.

وكفَّارته مع الإدماء - حتَّى في الضَّرورة - شاة، ومع عدم الإدماء فلا شيء عليه.

الثَّاني والعشرون: تقليم الظُّفر.

وكفَّارته - حتَّى عند الضَّرورة - في الظُّفر الواحد مد من الطَّعام، وفي أظفار اليدين جميعاً شاة، وكذا في أظفار القدمين إذا كان كل من اليدين والقدمين قد حصل في مجلس مستقل عن الآخر، وأمَّا لو كان كلاهما في مجلس واحد فمجموع أظفار اليدين والرِّجلين شاة واحدة.

الثَّالث والعشرون لبس السِّلاح، بل حتَّى حمله على الأحوط، ولو اضطرَّ إلى لبسه لخوف من عدو ونحوه فالأحوط عدم إظهاره.

وكفَّارة ذلك الاستغفار.

ص: 360

الرَّابع والعشرون: قلع ما ينبت في الحرم، ما دام محرماً وفي الحرم.

وكفَّارته في الشَّجرة الكبيرة بقرة، وفي الشَّجرة الصَّغيرة شاة، وفي قلع بعض الشَّجرة قيمته، وفي قطع الحشيش الاستغفار.

(مسألة 1054) لو أتى بشيء من هذه التُّروك لا يبطل إحرامه ولكن يجب عليه كفَّارته.

الطَّوَاف

(مسألة 1055) الطَّواف هو عبارة عن المشي حول الكعبة المشرَّفة مع التَّمكُّن ومع عدمه يجوز أن يطاف به، ويجب في الطَّواف أن تتوفُّر الشَّرائط التَّالية: -

1- الطَّهارة من الحدث الأكبر والأصغر إن كان الطَّواف واجباً، وكذا الطَّواف المستحب مع العلم، وأمَّا مع عدمه وحالة النِّسيان فلا يضر فقدان الطَّهارة في نيل الأجر، نعم لا يجوز للمحدث بالحدث الأكبر دخول المسجد الحرام (جنباً كان أو حائضاً أو نفساء).

2- طهارة البدن واللباس.

3- الختان للرِّجال والصِّبيان.

4- ستر العورة.

5- النِّيَّة فينوي ويتلفَّظ على الأحوط وجوباً ((أطوف طواف عمرة التَّمتُّع قربة إلى الله ))، وإن كان في الحج ينوي ((طواف الحج))، وإن كان في العمرة المفردة ينوي ((طواف العمرة المفردة)).

6- الابتداء بالحجر الأسود والاختتام به عرفاً.

7- جعل الكعبة على اليسار، ولا يضر الانحراف اليسير غير المتعمَّد.

8- إدخال حِجر إسماعيل في الطَّواف وجعله على اليسار.

9- أن يكون خارجاً عن البيت وعن حِجر إسماعيل عرفاً.

10- أن يكون الطَّواف بين الكعبة المشرَّفة ومقام إبراهيم عَلَيْهِ السَّلاَمُ مع الإمكان،

ص: 361

وإلاَّ فيختار الأوقات المناسبة لهذه الكيفيَّة من الواجب مترصِّداً إيَّاها لحصول الإمكان في بعض الأحوال.

11- أن يكون عدد الأشواط سبعة بلا زيادة أو نقيصة، والابتداء من الحجر الأسعد (الأسود) والانتهاء إليه يعد شوطاً واحداً، ويجب الاطمئنان بعدد الأشواط المذكورة ولا اعتبار بالظَّن، ويصح الاعتماد على شخص وثيق مطمئن به في حفظه.

12- الموالاة العرفيَّة في الطَّواف الواجب دون المندوب، وهي عدم وجود فواصل فعليَّة أو زمنيَّة مخلَّة بين الأشواط.

13- إباحة ما مع الطَّائف من الملبوسات والمحمولات وعدم كونه مغصوباً.

14- أن يكون الطَّواف حاصلاً بالقصد والإختيار، حتَّى لو كان قد طيف به لكثرة الازدحام بدفع من هذا وذاك مع توفُّر القصد التَّام وتحقُّق سائر الشَّرائط بحسب الظَّاهر وهو كما لو مشى بسرعة وحده مع عدم القدرة على الطَّواف بما هو أدق من هذا، مع الاحتياط الوجوبي في إعادة ما خرج عن اختياره مع التَّمكُّن إذا كان خروجه عن الإختيار بلا قدرة مصاحبة للقصد بل الأحوط الاستحبابي اعادته في صورة الدَّفع المذكور أيضاً.

(مسألة 1056) يجب في عمرة التَّمتُّع طواف واحد وفي الحج طوافان طواف الزِّيارة وطواف النِّساء، وكذا في العمرة المفردة.

صَلاَةِ الطَّوَاف

(مسألة 1057) يجب بعد الطَّواف إتيان ركعتين للطَّواف، وهي مثل صلاة الصُّبح، والأحوط وجوباً المبادرة إليهما، ويجوز الإتيان بهما بكل سورة إلاَّ العزائم (سور آيات السَّجدة الأربع)، والأحوط وجوباً بل هو الأقوى إتيانهما خلف مقام إبراهيم مع الإمكان بما يصدق أنَّه خلفه، ومع عدم الإمكان فيصلِّي في الأقرب ثمَّ الأقرب، ويقدِّم على ذلك من حالة الابتعاد ما كان إلى جانبي المكان الأصلي.

ص: 362

السَّعِي بَينَ الصَّفَا وَالمَروَة

وهو عبارة عن المشي بين الصَّفا والمروة سبع مرَّات، فالذَّهاب من الصَّفا إلى المروة يعد مرَّة، والعود من المروة إلى الصَّفا يعد مرَّة أخرى، وهكذا إلى سبعة ابتداء بالصَّفا وانتهاءاً بالمروة.

(مسألة 1058) يجب السَّعي في كل إحرام - لعمرة كان أو لحج - وهو ركن يبطل الحجبتعمُّد تركه، ولا يعتبر في السَّعي الطَّهارة، وليس هو كالطَّواف لأنَّ المسعى ليس بمسجد ولا يستلزم منه ما تشترط فيه الطَّهارة.

(مسألة 1059) يجب في السَّعي أمور سبعة وهي: -

1- النِّيَّة، والأحوط وجوباً التَّلفُّظ بها كما مرَّ.

2- الابتداء من الصَّفا.

3- الختم بالمروة.

4- أن يكون الذَّهاب من الصَّفا إلى المروة أربعاً والإيَّاب من المروة إلى الصَّفا ثلاثاً فيصير المجموع سبعاً.

5- أن لا يكون معه شيء مغصوب كما في الطَّواف.

6- أن يكون مقاديم البدن حين الابتداء بالصَّفا ملصقة بطرف المروة في الذَّهاب إليها ولو بالمسمَّى وبطرف الصَّفا في الإيَّاب إليه كذلك.

7- أن يكون بعد الطَّواف وصلاته ولكن يجوز تأخيره عنهما بلا عذر من نفس اليوم، نعم لا يجوز التَّأخير إلى الغد بلا عذر.

التَّقْصِير

(مسألة 1060) يجب بعد الفراغ من السَّعي التَّقصير وهو أخذ شيء من شعر رأسه أو شاربه أو لحيته أو حاجبه بقص أو نتف أو قص مقدار من ظفره، وتجب فيه النِّيَّة والقربة والإخلاص، ولا يجب التَّقصير فوراً، ويصح تأخيره إلى أن يتضيَّق وقت

ص: 363

إحرام الحج.

(مسألة 1061) يتعين التَّقصير في الإحلال من عمرة التَّمتُّع، ولا يجوز حلق الرَّأس وتجب عليه الكفَّارة بشاة لو حلق.

ص: 364

أَعْمَالُ الحَجِّ

وهي ثلاثة عشر: -

1- الإحرام من مكَّة المكرَّمة، وهو ركن يبطل الحج بتركه عمداً، وتقدَّمت شرائطه سابقاً.

2- الوُقُوفِ بِعَرَفَات

وعرفات: محل له حدوده، وهي معروفة كمعروفيَّة المشعر ومنى، ويجب الوقوف بها في اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة من زوال ذلك اليوم إلى غروبه مستوعباً تمام هذا الوقت على الأحوط وجوباً بلا فرق في أقسام الكون فيها.

ويجب في الوقوف: النِّيَّة والقربة والخلوص، والرُّكن منه: مسمَّى الكون فيها ولو بنحو العبور منها، والزَّائد واجب غير ركني.

(مسألة 1062) لو ترك البقاء في عرفات آخر الوقت بأن خرج منها قبل الغروب فإن كان ذلك لعذر صح حجُّه ولا شيء عليه، وكذا إن كان عن عمد ولكن تاب ورجع قبل خروج الوقت، وإن لم يرجع يجب عليه ذبح فرد من إبل (قربة إلى الله تعالى) داخلة في السَّنة الخامسة، وإن لم يتمكَّن صام ثمانية عشر يوماً في مكَّة أو في الطَّريق أو بعد الرُّجوع إلى محلِّه، ولا يجب فيه التَّوالي وإن كان أحوط، وأمَّا لو خرج منها سهواً ولم يتذكَّر في الوقت فلا شيء عليه وإن تذكَّر فيه وجب العود فوراً وإن لم يعد أثم ويجري عليه حكم العامد كما مرَّ.

(مسألة 1063) لو فاته الوقوف بعرفات من الزَّوال إلى الغروب - المسمَّى بالوقوف الاختياري لعرفات - لعذر من نسيان أو عدم الوصول إليها لضيق الوقت أو لكثرة الزُّحام يكفيه إدراك مقدار من ليلة العيد فيها ولو كان قليلاً، ويسمَّى هذا بالوقوف الاضطراري لعرفات، ولا يجب فيها الاستيعاب كما وجب في الوقوف الاختياري.

ص: 365

3- الوُقُوفِ بِالمَشْعَرِ الحَرَامِ (مُزْدَلِفَة)

يجب الوقوف بالمشعر الحرام من طلوع فجر يوم عيد الأضحى إلى طلوع الشَّمس منه مع النِّيَّة والقربة، بل الأحوط وجوباً المبيت فيه ليلة العيد ولو كان بعد ثلث الليل أو نصفه، ويكفي مطلق الكون فيه.

(مسألة 1064) الرُّكن من هذا الوقوف إنَّما هو المسمَّى كما مرَّ في الوقوف بعرفات فمع تركه عمداً يبطل الحج على تفصيل يأتي، ولكن يجب أن يقف فيه تمام الوقت مع إمكانه فلو تعمَّد ترك ذلك من أوَّله أو آخره عصى في حجِّه إن أدرك المسمَّى وإن صحَّ المأتي به، وإن كان الأحوط الجبر بشاة إن أفاض قبل طلوع الشَّمس.

(مسألة 1065) إنَّما يجب الوقوف في ما بين الطُّلوعين على غير ذوي الأعذار، وأمَّا من كان به عذر كالمرض أو ضعف أو خوف من الازدحام أو غير ذلك من الأعذار فيجوز لهم الإفاضة من المشعر ليلة العيد، كما يجوز ذلك للنِّساء والأطفال والشُّيوخ ومن يكون معهم لحفظهم وحراستهم أو يكون مع المريض والخائف فلا يجب عليهم الوقوف فيما بين الطُّلوعين لذلك، ولكن الأحوط وجوباً أن تكون إفاضتهم من المشعر بعد انتصاف الليل ولو بلحظة فلا ينفروا قبله إلى طلوع الفجر حسب إمكانهم من ساعات تلك اللَّيلة.(مسألة 1066) لو أفاض خروجاً عن المشعر في غير حالة وجود الأعذار المذكورة قبل الفجر، فإن كان سهواً أو جهلاً - غير تقصيري - ولم يتذكَّر إلاَّ بعد الخروج صحَّ حجُّه ولا شيء عليه فضلاً عن ذوي الأعذار المذكورين، وإن تذكَّر قبل الفجر وجب الرُّجوع لإدراك الوقت الواجب وقوفه وإن لم يرجع عمداً صحَّ حجُّه وعليه شاة إن أدرك اختياري عرفة، ولكن الاحتياط الشَّديد أن يتم حجَّه ويأتي به من قابل به حتَّى لو أدرك اضطراري المزدلفة بمسمَّاه صبيحة يوم العيد.

ص: 366

(مسألة 1067) لو فاته الوقوف بالمشعر لعذر من نسيان أو غيره حتَّى طلعت شمس يوم العيد وجب عليه أن يقف فيما بين طلوع الشَّمس إلى الزَّوال ويجزيه ذلك، ولا يجب الاستيعاب، وهذا هو الوقت الاضطراري الَّذي يقوم مقام الاختياري ويبطل الحج بتعمُّد تركه كما سيتَّضح.

إِدْرَاكِ الوُقُوفَين الاِخْتِيَارِي وَالاِضْطِرَارِي

ويتصوَّر ذلك باثنتي عشرة صورة، منها ما يصح به الحج، ومنها ما يبطل، وهي: -

الأولى:إن يدرك اختياري عرفة والمشعر معاً، فبذلك يصح حجُّه ولا شيء عليه.

الثَّاني: عدم إدراك شيء منهما أصلاً لا الاختياري ولا الاضطراري، فعليه يبطل حجُّه، سواء كان عمداً أو جهلاً أو نسياناً أو لعذر ولكن يقلب ذلك عمرة مفردة ويحل من إحرامه.

الثَّالثة: إن يدرك اختياري المشعر (مزدلفة) مع اضطراري عرفة، فبذلك يصح حجُّه ولا شيء عليه، إلاَّ إذا كان تركه لاختياري عرفة عن عمد واختيار فيبطل.

الرَّابعة: إن يدرك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر (مزدلفة) النَّهاري وهو على صورتين، فإن فات منه اختياري المشعر لعذر وعبر من المشعر ليلة العيد صح حجُّه، وإن لم يعبر وتعمَّد تركه في اختياري المشعر بطل حجُّه.

الخامسة: إن يدرك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر (مزدلفة) الليلي فبذلك يصح حجُّه ولا شيء عليه إن كان تركه لاختياري المشعر لعذر وإلاَّ بطل على الأحوط.

السَّادسة: إن يدرك اضطراري عرفة واضطراري المزدلفة الليلي فبذلك يصح حجُّه ولا شيء عليه لو كان تركه اختياري عرفة لعذر وإلاَّ بطل حجُّه، وكذا في تركه اختياري المشعر إن كان مع العذر وإلاَّ بطل حجُّه.

ص: 367

السَّابعة: إن يدرك اضطراري عرفة واضطراري المشعر النَّهاري فبذلك يصح حجُّه ولا شيء عليه إلاَّ إذا كان تركه أحد الاختيارييَّن عن عمد واختيار.

الثَّامنة: إن يدرك اختياري عرفة فقط فبذلك يبطل ححُّه إن ترك المشعر (مزدلفة) عمداً، بل ويشكل صحَّته إن كان تركه لعذر أيضاً من غير ارتباط بالاضطراري منه على الأقل إلاَّ إذا لم يقدر على شيء غير ما صدر منه أبداً مع الاحتياط بالإعادة في القابل.

التَّاسعة: أن يدرك اضطراري عرفة فقط فبذلك يبطل حجُّه.

العاشرة: إن يدرك اضطراري المزدلفة النَّهاري فقط فعليه لا يصح حجُّه.

الحادي عشرة: أن يدرك اختياري المشعر (مزدلفة) فقط فعليه يصح حجُّه إن لم يكن تركه عرفة عمديَّاً وإلاَّ فلا يصح، بل وكذا لو ترك اضطراري عرفة مع اختياريها لو أمكنه الاضطراري احتياطاً.الثَّانية عشرة: أن يدرك اضطراري المشعر الليلي فإن كان معذوراً وأدرك عرفة صحَّ حجُّه، وإن ترك عرفة عمداً بطل حجُّه.

(مسألة 1068) لو فاته الحج لعدم إدراك الموقفين على ما مرَّ فالأحوط وجوباً أن ينوي بإحرامه العمرة المفردة فيأتي بأعمالها ثمَّ يحل، ويجب عليه الحج في العام القابل إن استقرَّ عليه الحج لو لم يتعمَّد ترك الوقوفين، أمَّا في حال تعمُّد ذلك فعليه الحج ولو متسكِّعاً.

4 , 5 , 6 - مِنَى وَوَاجِبَاتِهَا

يجب بعد الإفاضة من المزدلفة يوم العيد أن يمضي إلى منى لأداء المناسك فيها وهي ثلاثة:-

الأوَّل: رَمِيُ جَمَرَةِ العَقَبَة

يجب رمي جمرة العقبة بالحصى مع الاحتياط بالنِّيَّة اللفظيَّة لها، ويفضَّل أن تلتقط من المشعر الحرام (مزدلفة) أو من حرم مكَّة الواسع إن لم يسعه

ص: 368

ذلك، ووقت الرَّمي من طلوع شمس يوم العيد إلى غروبه، ويجب في الرمي أمور: -

1- نيَّة القربة، والإخلاص فيها.

2- أن يكون الرَّمي باليد.

3- وصول الحصاة إلى الجمرة.

4- أن يكون الوصول إليها بالرَّمي لا بحركة أخرى أو بالوضع.

5- أن يكون الرَّمي بسبع حصيَّات.

6- أن يكون رمي الحصيَّات متلاحقاً (واحدة تلو الأخرى).

7- أن يصدق على فرد ما يرمى به الحصاة عرفاً فلا يجزي من غيرها كالطِّين اليابس والخزف والمدر.

8- أن تكون الحصاة ملتقطة من الحرم الواسع فلا يجزي من غيره، والأحوط استحباباً أن يكون من المشعر كما مرَّ.

9- أن تكون الحصاة بكراً لم يرم بها سابقاً.

10- أن تكون مباحة فلا يصح الرَّمي بالمغصوب.

11- المباشرة مع التَّمكُّن فلا تجوز الإستنابة مع إمكان الإتيان مباشرة.

الثَّاني: الهَدِي

يجب الهدي في حج التَّمتُّع كما تقدَّم، ويجب أن يكون الهدي واحداً من النِّعم الثَّلاث: -

1- الإبل

2- البقر 3- الغنم.

ولا يجزي غيرها من سائر الحيوانات، والأفضل الإبل ثمَّ البقر، ولا يجزي الهدي الواحد عند الإختيار إلاَّ عن الواحد، وعند الضَّرورة فالأحوط وجوباً الجمع بين الاشتراك والصَّوم بدل الهدي وهو ثلاثة أيَّام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.

ويجب في الهدي أمور: -

ص: 369

1- أن تكون الإبل داخلة في السَّنة السَّادسة، والأحوط وجوباً في البقر والمعز الدُّخول في السَّنة الثَّالثة، وفي الضَّأن الدُّخول في السَّنة الثَّانية مع الإمكان.

2- أن تكون صحيحة، فلا يجزي المريض بأيِّ مرض كان.

3- أن لا يكون كبيراً جدَّاً بحيث لا يكون في عظامه (مخ) ولا يرغب فيه النَّاس.4- أن لا يكون مهزولاً بحيث ذهب شحم ظهره.

5- تام الأجزاء فلا يكفي النَّاقص كمقطوع الذَّنب والأذن ولا المكسور قرنه الدَّاخلي ولو جزء منه ولا العوراء ولا الخصي.

6- أن يكون الذَّبح والنحر بمنى فلا يجزي لو كان في غيرها، كما يعرف الآن بإجراء الذَّبح في مذابح أسِّست في وادي محسَّر ونحوه فعند حصول هذا الابتلاء على المؤمنين من مغيِّري المواقع الشَّرعيَّة وعدم إمكان الذَّبح في منى أصلاً فالأحوط الذَّبح في مكَّة الأصليَّة مع الاحتياط بالصِّيام ثلاثة أيَّام في الحج وسبعة عند الرُّجوع إلى الأهل.

7- النِّيَّة خالصة لله تعالى.

8- أن يكون بعد رمي جمرة العقبة وقبل الحلق أو التَّقصير من يوم العيد فلو قدَّمه على الرَّمي أثم، وإن كان عن جهل أو نسيان لا شيء عليه، وإن أخَّره عن التَّقصير لعدم توفُّره بأن كلَّف فيه من ينوب عنه إلى آخر بقيَّة أيَّام ذي الحجَّة وخاف فوات الرَّفقة قصَّر وأتمَّ أعماله وترك الذَّبح لوكيله.

كما لا تجب المباشرة بالذَّبح في الأحوال الأخرى مع الاحتياط في كون التَّوكيل عند العجز، ويكفي توكيل المسلم فيه لو كان يتبع شروط التَّذكية مع عدم نُصبه، وإن كان الأحوط كونه مؤمناً.

مَصْرَفِ الهَدِي

(مسألة 1069) الأحوط وجوباً أن يأكل النَّاسك من هديه ولو قليلاً مع

ص: 370

الإمكان، لاختصاصه لنفسه بالثُّلث ولو مع أهله، والأحوط وجوباً أيضاً أن يصرف ثلثه على فقير مؤمن ويهدي ثلثه الآخر لمؤمن ولو كان غنيَّاً، ومع تعذُّرهما وتعذُّر القبض عن الفقير والمؤمن - وكالة واضطرَّ إلى تركهما أو نحوه ممَّا يشرع - يسقطان، ولا مانع من فسح المجال فيهما إلى عمليَّة التَّعليب من قبل الأيدي الأمينة لدفعها إلى المحتاجين والمستحقِّين من المؤمنين مع الإمكان ومع عدمه فإلى بقيَّة من يستحق لقاعدة الميسور حذراً من التَّلف بلا استفادة.

(مسألة 1070) لو لم يتمكَّن من الهدي ولا من ثمنه ليضعه عند أمين كي يذبح عنه صام بدلاً عن الهدي عشرة أيَّام ثلاثة أيَّام في الحج متوالية إن أمكن وسبعة بعد الرُّجوع منه، ومع عدم التَّمكُّن من التَّوالي فله أن يصوم يومين كيوم التَّروية ويوم عرفة وجعل الثَّالث بعد العيد وأيَّام التَّشريق.

الثَّالث: الحَلَقْ أَو التَّقِصِير

وهو بعد الهدي على الأحوط وجوباً، والتَّقصير هو:

إزالة شيء من الشَّعر أو الظُّفر بكل ما يمكن الإزالة به ولو باليد كما تقدَّم، وهو عبادة لابدَّ فيه من نيَّة القربة والإخلاص، ويتخيَّر بينه وبين الحلق، والحلق أفضل، بل الأحوط وجوباً الحلق للصَّرورة (أي من كان حجُّه أوَّل مرَّة منه)، ولا يجوز الحلق للنِّساء، ويتعيَّن عليهنَّ التَّقصير، ولا يجوز احتياطاً للمحرم أن يحلق أو يقصِّر لغيره قبل أن يحلق أو يقصِّر لنفسه.

(مسألة 1071) يجب أن يكون الحلق أو التَّقصير بمنى وأن يكون مقدَّماً على طواف الزِّيارة والسَّعي.

(مسألة 1072) يحل للمحرم بعد الرَّمي والذَّبح والحلق أو التَّقصير كل ما حرم عليهبالإحرام إلاَّ الطِّيب والنِّساء إلى حين طوافي الحجِّ وطواف النِّساء والصَّيد إلى حين خروجه من الحرم.

ص: 371

طَوَافِ الحَجِّ وَغَيرِه مِنْ أَعْمَالِ مَكَّةِ المُكَرَّمَة

بعد الفراغ من أعمال منى يرجع إلى مكَّة المكرَّمة لإتيان أعمال خمس مضافة إلى التَّسلسل الماضي هي: -

7- طواف الحج.

8- صلاة الطَّواف.

9- السَّعي بين الصَّفا والمروة.

10- طواف النِّساء.

11- صلاة الطَّواف، وقد تقدَّم التَّفصيل لذلك في طواف العمرة فلا نعيد.

(مسألة 1073) لا يجوز تقديم هذه الأعمال الخمسة على الوقوف بعرفات والمشعر وأعمال منى إلاَّ لذوي الأعذار، كالنِّساء لو خفن عروض الحيض والنَّفاس عليهنَّ مع عدم التَّمكُّن من البقاء إلى الطُّهر، أو كل من عجز عن الرُّجوع إلى مكَّة لمشقَّة شديدة، أو كل مريض خاف من كثرة الازدحام شدَّة مرضه أو بطء برءه، أو كل من يعلم أنَّه لا يتمكَّن من الأعمال إلى آخر ذي الحجَّة، فلو قدَّم الأعمال المذكورة كذلك ثمَّ بان الخلاف لا يجب عليه الاستئناف وإن كان أحوط.

12- العَودِ إِلَى مِنَى لِلمَبِيتِ فِيهَا

يجب المبيت بمنى في ليالي التَّشريق (ليلة الحادي عشرة والثَّاني عشرة) على كل ناسك غير معذور من الغروب إلى نصف الليل، ويعتبر فيه قصد القربة، وإذا لم يجتنب الصَّيد في إحرامه أو لم يتقِّ النِّساء أو لم يخرج من منى أصلاً حتَّى أدرك غروب يوم الثَّاني عشر فيجب على هؤلاء مبيت الليلة الثَّالثة عشر كما مرَّ.

(مسألة 1074) لو ترك المبيت الواجب بمنى وجب عليه لكل ليلة شاة بلا

ص: 372

فرق بين العامد والجاهل.

13- رَمِي الجَمَرَات

يجب رمي الجمرة الأولى والوسطى والعقبة في الأيَّام الَّتي بات لياليها في منى حتَّى ليلة الثَّالث عشر لمن وجب عليه مبيتها، ويجب التَّرتيب بالأولى ثمَّ الوسطى ويختم الرَّمي بجمرة العقبة، وإن خالف ولو نسياناً استأنف، ويجوز الرَّمي من طلوع الشَّمس إلى غروبها في أيِّ وقت شاء، ولا يجوز الرَّمي اختياراً في الليل ويجوز مع العذر.

(مسألة 1075) يجوز الرَّمي عن المعذور كالمريض والكسير وغيرهما ممَّن لا يستطيع.

وهناك فروع ومسائل كثيرة تتعلق بجميع أعمال العمرة والحج والعمرة المفردة وأعمال المدينة لزيارة النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والزَّهراء عَلَيْهِا السَّلاَمُ وأئمَّة البقيع الأربعة عَلَيْهِم السَّلاَمُ وقبور الأولياء والشُّهداء وخيار النِّساء رضي الله عنهم وأعمال المساجد المقدَّسة والَّتي أهمُّها مسجد النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أوردناها في كتابينا المفصَّل (غنية النَّاسكين في أحكام الحجاج والمعتمرين) ومختصره (زبدة المناسك في أحكام المعتمر والنَّاسك) فلتطلب هناك.

وبهذا نكتفي هنا عن الحج وإلى التَّفصيل المناسب في رسالتنا الموسَّعة (غُنية المتَّقين في أحكام الدِّين) ومن الله التَّوفيق.

ص: 373

ص: 374

كِتَابُ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهِيِّ عَنْ المُنْكَرِ

اشارة

ص: 375

ص: 376

كثيراً ما يُعرض علينا من الشَّكاوى حول مسألة السَّلبيَّات الكثيرة الَّتي تتَّصف بها كثير من المجتمعات المسلمة نوعاً وفي عوائلها شخصيَّاً إضافة إلى السَّلبيات الضَّخمة من فعل أهل الكفر مع كثرة الوعَّاظ والمرشدين والخطباء والمدرِّسين والمعلِّمين وما يناط بأولياء أمور الصِّغار والمشرفين على توجيه الكبار من الآباء وغيرهم إلى حد ما قد اتَّسع فيه الخرق على الرَّاقع وضعف فيه الطَّالب والمطلوب.

وقد جاءتني استفتاءات كثيرة من مختلف الطَّبقات كالآباء عن أبنائهم وبالعكس والإخوان عن إخوتهم وعن مجتمعات وأفراد، فحواها نوعاً: -

بأنَّنا في حيرة من أمر من نشتكي إليكم عنهم لكونهم على سلوك منحرف وبما لا إمكان لنا فيه من علاجهم، لأنَّ تركهم مسالك الهداية المطلوبة مع كثرة أمرنا لهم بالمعروف ونهينا عن المنكر لما فيهم من الانحراف العجيب وعلى غير ما نسير نحن وآباؤنا على نهجه من الاستقامة تماماً وأمثال ذلك من دواعي التَّوفيق الإلهي لنا، ممَّا قد لا يخفى على الغيارى من ذوي الألباب وأهل الحجى والأحباب في أمره وأمر اتِّخاذ علاجه شرعاً، لذا فلا مناص لنا من هذه الحيرة المخيفة حولهم إلاَّ ما نرجوه من تدبير الشَّريعة المقدَّسة لنا في شأنهم للنُّزول إلى ميدان التَّغيير المباشر لهذا الواقع المؤلم ؟

وجوابنا عن ذلك بأنَّه إضافة إلى ما يؤسف من قلَّة من يدرك بأنَّ إلقاء عهدة ذلك كلِّه على الشَّريعة وكبرائها غير ممكن لابتعاد من يشتكي عن هؤلاء الكبراء في أكثر الحالات حتَّى يعرفوا مواقع محنهم وابتلاءاتهم حول هذه الأمور في النَّاس المشتكى منهم كما يتم تشخيص ما قد يتصوَّر من وجوب حل هذه

ص: 377

الأمور بالمباشرة على الكبراء، فهذا غير ممكن حتماً إلاَّ في بعض القضايا ومن خلال مسؤوليَّاتهم الخاصَّة الملقاة عليهم من قبل الشَّريعة المقدَّسة والَّتي ما زالوا ولا يزالون قائمين بها، وهي التَّوجيه النَّوعي المستمر وبأساليبهم المختلفة أعانهم الله على المزيد النَّاجح، فقد أعطوا الخطوط العريضة التَّامَّة للعلاجات الشَّافية لكل حدث سلبي مضر في المحرَّمات بل المكروهات، كما أوضحت الإيجابيَّات للواجبات والمستحبَّات وحتَّى المباحات وبيَّنت منافعها أو لا أقل من عدم مضار فعلها كما في المباحات وبمختلف الوسائل القديمة والحديثة، ومن ذلك طبع الكتب وإرسال الوكلاء والخطباء النَّافعين وإلى حد أن ما أبقوا عذراً لمن يتكلَّم ضدَّ الشَّريعة بإلقاء اللائمة عليها وعلى كبرائها، بل ما بقي في الأمر من شيء إلاَّ أن تكون اللائمة ملقاة على المجتمعات أنفسها، لأنَّها قد تخلَّفت في بعضها أو كثيرها أو أكثرها عن النَّهج المستقيم فحلَّ فيها هذا البلاء الضَّخم وكما قال تعالى ]إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ[.

ولهذا نبيِّن مختصراً عنه ما ينبغي وما يجب أن يقال على أقل تقدير ممَّا يصلح أن يكون حلاًّ إضافيَّاً منَّا لهذه المشاكل، وهو: -

أنَّ الحل سهل يسير لكل من [أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ(37)] وإن استصعبه ذووا النُّفوس المريضة والمتقاعسون عن أيسر تدبير ممَّا يجب عليهم تجاه هذه الأمور، ألاَ وهو دراسة وتطبيق ما في الرَّسائل العمليَّة من أحكام الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر لتطبيق ما يجبوما يستحب وما يباح واجتناب ما هو محرَّم بل ما يكره حول ما يخص النَّفس والغير والفرد والمجتمع والصَّغير والكبير لاختلاف القضايا والمقامات، ولأنَّ أسلوب الواعظ يجب أن يكون مطابقاً لمقتضى المقام ومن أهله وفي محلِّه، مع التَّوجُّه التَّام من الواعظ والمتَّعظ وبالأساليب التَّوجيهيَّة المؤنسة والمزيحة لأدران الجاهليَّة مهما كثرت وتأصَّلت، ولتكن تجارب الماضين من السَّلف الصَّالح أمام أعيننا.

ولذا فلابدَّ أن نذكر شيئاً ولو مختصراً عن مسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فنقول: -

ص: 378

قال الله تعالى ]وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104)[.

وقال نبينا الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((كَيْفَ بِكُمْ إِذَا فَسَدَتْ نِسَاؤُكُمْ وَفَسُقَ شَبَابُكُمْ وَلَمْ تَأْمُرُوا بِالمَعْرُوفِ وَلَمْ تَنْهَوُا عَنِ المُنْكَرِ ؟ فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله ؟ قال صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ نعم، فقال: كَيْفَ بِكُمْ إِذَا أَمْرَتُمْ بِالمُنْكَرِ وَتَنْهَوُنَ عَنِ المَعْرُوفِ ؟ فقيل له يا رسول الله أيكون ذلك ؟ فقال صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ نعم، وَشَرٌّ مِنْ ذَلِكَ إِذَا رَأيْتُمْ المَعْرُوفَ مُنْكَرَاً وَالمُنْكَرَ مَعْرُوَفَاً)).

فهما من هذا وغيره واجبان مهمَّان يعدَّان من ضروريَّات الدِّين، بل من أعظم الواجبات الشَّرعيَّة العقلائيَّة، بل النِّظاميَّة.

ولا يختص وجوب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر بصنف خاص، بل يجب عند اجتماع الشَّرائط الآتية على الجميع.

(مسألة 1076) الأمر بالمعروف - الواجب منه - والنَّهي عن المنكر في أساسهما واجبان كفائيَّان، إن قام به واحد سقط عن غيره، وإذا لم يقم به أحد أثم الجميع واستحقُّوا العقاب مع تحقُّق الشَّرائط، وأمَّا إذا كان معروفاً مستحبَّاً كان الأمر به مستحبَّاً، فإذا أمر به كان مستحقَّاً للثَّواب وإن لم يأمر به لا يأثم ولا ثواب له، ولكن لا ينبغي التَّهاون في بعض المستحبَّات بما يوصل إلى القسوة في أمرها كبعض المؤكَّدة مثل صلاة الليل ونحوها ممَّا لا يخفى على المتتبِّع.

شُروطُ وُجُوبِ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهِي عَنِ المُنْكَر

(مسألة 1077) يشترط في وجوب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر أمور:-

الأوَّل: معرفة المعروف والمنكر ولو إجمالاً، فلا يجبان على الجاهل بهما لأنَّه قد يعكس المطلوب على نفسه أو غيره وهو لا يعلم، ولذا يجب عليه التَّعلُّم حتَّى يكون ممَّن يتنجَّز عليه في حقِّه هذا التَّكليف.

الثَّاني: احتمال التَّأثير في الأمر بالمعروف واحتمال الانتهاء في النَّهي عن

ص: 379

المنكر، فإذا لم يحتمل ذلك وعلم أنَّ الشَّخص الفاعل لا يبالي بالأمر أو النَّهي لا يجب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر عندئذ.

الثَّالث: أن يكون فاعل المنكر وتارك المعروف مصرَّاً على ذلك، فلو اطمأنَّ على الإقلاع ولم يكن عنده إصرار لا يجبان، فلو ترك شخص واجباً أو فعل حراماً ولم يعلم أنَّه مصر على ترك الواجب أو فعل الحرام فضلاً عمَّا لو كان نادماً لا يجب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، لكن يجب على من يرى ذلك يفعل أمامه أن يبدو منه التَّأثُّر والاستنكار لما لا يليق أن يفعل بلا ردٍّ ولو مختصراً لئلاَّ يكون جو هذا الفعل ممَّا يأنس به المتمادون.الرَّابع: أن يكون كل من المعروف والمنكر منجَّزاً في حق الفاعل، فإذا كان معذوراً في فعله المنكر أو تركه المعروف لاعتقاد أنَّ ما فعله مباح أو أنَّ ما تركه ليس بواجب أو لأجل الاشتباه في الموضوع أو الحكم أو غير ذلك لا يجب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، لكن لا على نحو القول بجواز ترك التَّنبيه دائماً حتَّى على بعض حالات الاشتباه الَّذي لو لم يحصل لانتشرت الفوضى.

الخامس: أن لا يلزم من الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ضرر على النَّفس أو العرض أو المال على الآمر أو على غيره من المسلمين، فلو استلزم ذلك لا يجب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ولا فرق في الضَّرر بين العلم به أو الاطمئنان بحصوله.

(مسألة 1078) لو صدرت معصية من شخص من باب الاتِّفاق (الصُّدفة) وعلم أنَّه غير مصر عليها لكنّه لم يتب منها وجب أمره بالتَّوبة، فإنَّها من الواجب وتركها كبيرة مع التفات الفاعل إليها، بل وكذا مع الغفلة على الأحوط استحباباً.

ص: 380

مَرَاتب الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهِي عَنِ المُنْكَر

(مسألة 1079) للأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر مراتب: -

الأولى: الإنكار بالقلب، أي الإنزجار القلبي من الفاعل، ويظهره بالإعراض عنه أو ترك الكلام معه أو نحو ذلك من فعل أو ترك يدل عليه.

الثَّانية: الإنكار باللسان والقول بالموعظة والنَّصيحة، ويذكر له ما أعدَّه الله تعالى للمطيعين من الثَّواب الجسيم والفوز في جنَّات النَّعيم، وما أعدَّه سبحانه وتعالى للعاصين من العقاب الأليم والعذاب في الجحيم.

الثَّالثة: الإنكار باليد بالضَّرب المؤلم الرَّادع عن المعصية.

ولكل واحدة من هذه المراتب الثَّلاث مراتب أخف وأشد، والأحوط وجوباً التَّرتيب بين هذه المراتب الرَّئيسيَّة، فإن كان الإظهار القلبي كافياً في الرَّدع - مع الإشعار بكون ذلك الإنكار القلبي لارتكاب ذلك المنكر أو للتَّهاون في ذلك الواجب - لا تصل النَّوبة إلى الإنكار بالقول، وإذا كان الإنكار باللِّسان والقول كافياً اقتصر عليه ولا تصل النَّوبة إلى الضَّرب، بل الأحوط أيضاً التَّرتيب بين مراتب كل واحدة فلا ينتقل إلى الأشد في كل مرتبة إلاَّ إذا لم يكف الأخف لئلاَّ يتَّسع الخرق على الرَّاقع كما مرَّ، ولذا قال تعالى ]وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[، وقال أيضاً ]وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ[ مع علو الأخلاق والأدب الرَّفيع.

(مسألة 1080) إذا لم تكف المراتب المتقدِّمة في ردع الفاعل عن المعصية لا ينتقل إلى الجرح والقتل، بل يرجع إلى الحاكم الشَّرعي الجامع للشَّرائط لمعرفة العلاج الأصوب، وكذا لو توقَّف على كسر عضو من الأعضاء أو حصول عيب فيه، ولو أدَّى الضَّرب إلى الكسر أو العيب في العضو عمداً أو خطأً يضمن الآمر والنَّاهي إذا قاما به لذلك ويترتَّب على كل منهما حكمه، نعم لا ضمان على الحاكم الشَّرعي مع تحقُّق الشَّرائط ولو ظاهراً لو حصل شيء دفاعاً عن الجو

ص: 381

النِّظامي الشَّرعي.

(مسألة 1081) يتأكَّد وجوب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر في حق المكلَّف بالنِّسبة إلى أهله بعد إصلاح نفسه، فيجب عليه إن رأى منهم التَّهاون في الواجبات كالصَّلاة وأجزائها وشرائطها أو الصَّوم أو الحج أو الخمس أو الزَّكاة وغيرها، وكذا لو رأى منهم التَّهاون في المحرَّمات كالغيبة والنَّميمة لقوله تعالى [قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ].

مَعَنَى الكَبِيرَةِ وَتِعْدَادُها

(مسألة 1082) معنى الكبيرة - كما في بعض مضامين الرِّوايات - كل ما أوجبت - في الكتاب أو السُّنَّة - حدَّاً في الدُّنيا - كالزِّنا وشرب الخمر - أو وعيداً في الآخرة - كأكل الرِّبا وشهادة الزُّور وعقوق الوالدين -، والصَّغيرة ما دون ذلك.

أو أنَّ الكبيرة هي كل معصية محرَّمة أوجبت حدَّاً أو لم توجبه وإن أوجبت تعزيراً ولكن بحسب التَّفاوت بين الشَّديدة كالشَّرك بالله وما دونه أو بين الكذب وشرب الخمرة ونحو ذلك أو المعاصي والمكروهات الَّتي توصل مرتكبها بقساوة إلى حدِّ الوصول إلى معصية كلباس الشُّهرة والأكل ماشياً في السُّوق وهو من أهل الشَّرف.

وفي عدد الكبائر خلاف، أوصلها بعضهم إلى سبعين، وقد عد من الكبائر:-

1- الشِّرك بالله تعالى.

2- اليأس من روح الله تعالى.

3- الأمن من مكرالله تعالى.

4- إنكار ما أنزل الله تعالى.

5- المحاربة لأولياء الله تعالى.

6- عقوق الوالدين.

7 - قتل النَّفس المحترمة.

8- الفرار من الزَّحف.

ص: 382

9- أكل مال اليتيم ظلماً.

10- أكل الرِّبا.

11 - أكل لحم الخنزير، وما أهل به لغير الله .

12 - أكل الميتة.

13 - شرب الدَّم.

14 - شرب الخمر.

15- قذف المحصنة.

16- الزِّنا.

17- اللواط.

18 - كتمان الشَّهادة.

19 - الغش للمسلمين.

20 - منع الزَّكاة المفروضة.

21 - شهادة الزُّور.

22 - نقض العهد.

23 - السَّرقة.

24 - السِّحر.

25 - الاستخفاف بالحج.

26 - الرِّياء.

27 - القمار.

28- الكبر.

29 - الإسراف والتَّبذير.

30 - البخس في المكيال والميزان.

31 - حبس الحقوق من غير عسر.

32 - معونة الظالمين، والركون إليهم، والولاية لهم.

33 - اليمين الغموس الفاجرة، وهي الحلف بالله تعالى كذباً على وقوع

ص: 383

أمر، أو على حق امرئ أو منع حقِّه خاصَّة كما قد يظهر من بعض النُّصوص.

34 - ترك الصَّلاة أو غيرها ممِّا فرضه الله متعمِّداً.

35 - قطيعة الرَّحم، بمعنى ترك الإحسان إليه من كل وجه في مقام يتعارف فيه ذلك.

36 - التَّعرب بعد الهجرة إلى البلاد الَّتي ينقص بها الدِّين.

37 - الكذب على الله ، أو على رسوله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، أو على الأوصياء عَلَيْهِم السَّلاَمُ، بل مطلق الكذب.38 - أكل السُّحت، كثمن الميتة والخمر، والمسكر، وأجر الزَّانية، وثمن الكلب الَّذي لا يصطاد، والرَّشوة على الحكم ولو بالحق، وأجر الكاهن، وما أصيب من أعمال الولاة الظَّلمة، وثمن الجارية المغنِّية وثمن الشِّطرنج، فإنَّ جميع ذلك من السُّحت.

39 - الاشتغال بالملاهي، كالغناء بقصد التَّلهي - وهو الصَّوت المشتمل على التَّرجيع على ما يتعارف أهل الفسوق - وضرب الأوتار ونحوها ممَّا يتعاطاه أهل الفسوق.

40 - البهتان على المؤمن - وهو ذكره بما يعيبه وليس هو فيه.

41 - سب المؤمن وإهانته وإذلاله.

42 - النَّميمة بين المؤمنين بما يوجب الفرقة بينهم.

43 - القيادة، وهي السَّعي بين اثنين لجمعهما على الوطء المحرَّم.

44 - الغيبة، وهي أن يذكر المؤمن بعيب في غيبته، سواء أكان بقصد الانتقاص، أم لم يكن، وسواء أكان العيب في بدنه، أم في نسبه، أم في خلقه، أم في فعله، أم في قوله، أم في دينه، أم في دنياه، أم في غير ذلك ممَّا يكون عيباً مستوراً عن النَّاس،كما لا فرق في الذكر بين أن يكون بالقول، أم بالفعل الحاكي عن وجود العيب، والظَّاهر اختصاصها بصورة وجود سامع يقصد إفهامه وإعلامه، كما أن الظاهر أنه لابد من تعيين المغتاب، فلو قال: واحد من أهل البلد جبان لا يكون غيبة، وكذا لو قال: أحد أولاد زيد جبان، نعم قد

ص: 384

يحرم ذلك من جهة لزوم الإهانة والانتقاص، لا من جهة الغيبة وإنَّما من جهة نوع المسلمين من أهل الكرامة الَّذين ينبغي احترامهم أو يجب.

ويجب عند وقوع الغيبة التوبة والندم والأحوط - استحباباً - الاستحلال من الشخص المغتاب - إذا لم تترتَّب على ذلك مفسدة - أو الاستغفار له.

وقد تجوز الغيبة في موارد: -

منها المتجاهر بالفسق، فيجوز اغتيابه في غير العيب المتستر به.

ومنها: الظالم لغيره، فيجوز للمظلوم غيبته والأحوط - استحباباً- الاقتصار على ما لو كانت الغيبة بقصد الانتصار لا مطلقا.

ومنها: نصح المؤمن، فتجوز الغيبة بقصد النُّصح، كما لو استشار شخص في تزويج امرأة فيجوز نصحه، ولو استلزم إظهار عيبها، بل لا يبعد جواز ذلك ابتداء بدون استشارة، إذا علم بترتب مفسدة عظيمة على ترك النصيحة.

ومنها: ما لو قصد بالغيبة ردع المغتاب عن المنكر، فيما إذا لم يمكن الردع بغيرها.

ومنها: ما لو خيف على الدِّين من الشَّخص المغتاب، فتجوز غيبته، لئلاَّ يترتَّب الضَّرر الدِّيني.

ومنها: جرح الشُّهود إذا لم يكونوا من ذوي استحقاق السُّكوت عنهم شرعاً، أمَّا الجرح والتَّعديل في رواة الأحاديث القدامى وعلم الرِّجال فيجب التَّورُّع في أمرهم والالتزام بالإنصاف وعلى المباني المتقنة في نظر السَّاعي لمعرفة ذلك من الفضلاء فضلاً عن طلاَّب العلوم.

ومنها: ما لو خيف على المغتاب الوقوع في الضَّرر اللازم حفظه عن الوقوع فيه، فتجوز غيبته لدفع ذلك عنه.

ومنها: القدح في المقالات الباطلة، وإن أدَّى ذلك إلى نقص في قائلها.

وأمَّا ما صدر من جماعة كثيرة من العلماء من القدح في القائل بقول (قلَّة التَّدبر، وقلَّة التَّأمل، وسوء الفهم) ونحو ذلك عنه لانكشاف الحق عندهم خلاف ما حصل عنده، لغرض أن لا يحصل التَّهاون في تحقيق الحقائق مع سلامة ذاتهم

ص: 385

تجاهه في الأمور الأخرى فلا مانع منه،عصمنا الله

تعالى من الزَّلل، ووفَّقنا للعلم والعمل، إنَّه حسبنا ونعم الوكيل.

وقد يظهر من الرِّوايات عن النَّبي والأئمَّة عليه وعليهم أفضل الصَّلاة والسَّلام: أنَّه يجب على سامع الغيبة أن ينصر المغتاب، ويردَّ عنه، وأنَّه إذا لم يرد خذله الله

تعالى في الدُّنيا والآخرة، وأنَّه كان عليه كوزر من اغتاب.

45 - إستحقار الذَّنب، فإنَّ أشدَّ الذنوب ما استهان به صاحبه.

46 - الإصرار على الذُّنوب الصَّغائر.

أَهَمُّ الصِّفَاتِ الحَسَنَة وَالصِّفَاتِ الذَّمِيمَة

(مسألة 1083) من أعظم أفراد ما يجب الأمر به من المعروف والنَّهي عنه من المنكر وأعلاها وما يستحب وما يكره أن

يستكمل نفسه بالتَّخُّلق بالأخلاق الكريمة، وينزِّهها عن الأخلاق الذَّميمة ويتَّصف بالصِّفات الحسنة الممدوحة في القرآن الكريم والسُّنَّة المقدَّسة، ليكون أثره نافعاً وسعيه في النَّاس ناجحاً وأهمُّها: -

1- الاعتصام بالله العظيم، قال تعالى ]وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)[.

2- التَّوكل على الله في جميع الأمور، قال تعالى {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ}.

3- حسن الظَّن بالله تعالى، قال أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((والَّذي لا إله إلاَّ هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلاَّ كان الله عند ظن عبده المؤمن، لأنَّ الله كريم بيده الخير يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظَّن ثمَّ يخلف ظنُّه ورجاءه، فأحسنوا بالله الظَّن وارغبوا إليه)).

4- الصَّبر على البلاء أو على الطَّاعة أو الصَّبر عن محارم الله تعالى، قال سبحانه وتعالى ]إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)[، وهو مهم جدَّاً في هذه المجالات الثَّلاثة، بل في كل مجال منها على حدة على اتِّساعه، وقد نزلت

ص: 386

سورة العصر وهي سورة كاملة في مدح الصَّابر، وكذا قوله تعالى [ وَاسْتَعِينُوا بِالَصَّبْرِ وَاَلصّلاَةِ ]، وقوله تعالى [وَبَشِّرْ اَلصَّابرِينَ].

5- العفَّة، قال أبو جعفر الباقر عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((ما عبادة أفضل عندالله من عفَّة بطن وفرج)).

وقال الصَّادق عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((إنَّما شيعة جعفر من عفَّ بطنه وفرجه واشتدَّ جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه وخاف عقابه، فإذا رأيت أوَّلئك فأولئك شيعة جعفر)).

6- التَّواضع، قال رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((من تواضع لله رفعه الله ومن تكبَّر خفضه الله ، ومن اقتصد في معيشة رزقه الله ، ومن بذَّر حرمه الله ، ومن أكثر ذكر الموت أحبَّه الله تعالى)).

7- الحلم، قال رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((ما أعزَّ الله بجهل قط، ولا أذلَّ بحلم قط)).

وقال الرِّضا عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((لا يكون الرَّجل عابداً حتَّى يكون حليماً)).

8- إنصاف النَّاس ولو من النَّفس، قال رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((سيِّد الأعمال إنصاف النَّاس من نفسك، ومواساة الأخ في الله تعالى على كل حال)).

9- اشتغال الإنسان بعيبه عن عيوب النَّاس، قال رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((طوبى لمن شغله خوف الله محمد عن خوف النَّاس، طوبى لمن شلَّه عيبه عن عيوب المؤمنين)).

وقال صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((إنَّ أسرع الخير ثواباً البر، وإن أسرع الشَّر عقاباً البغي، وكفى بالمرء عيباً أنيبصر من النَّاس ما يعمى عنه من نفسه، وأن يعيِّر النَّاس بما لا يستطيع تركه، وأن يؤذِّي جليسه بما لا يعنيه)).

10- إصلاح النَّفس عند ميلها إلى الشَّر، قال أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((من أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيَّته، ومن عمل لدينه كفاه الله دنياه، ومن أحسن فيما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين النَّاس)).

11- الزَّهد في الدُّنيا بترك الرَّغبة فيها، قال الصَّادق عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((من زهد في الدُّنيا

ص: 387

أثبت الله الكمة في قلبه وأنطق بها لسانه، وبصره عيوب الدُّنيا داءها ودواءها، وأخرجه منها سالماً إلى دار السَّلام)).

وفي رواية أخرى: ((قال رجل لأبي عبدالله عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إنِّي لا ألقاك إلاَّ في السِّنين فأوصني بشيء حتَّى آخذ به ؟ فقال أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد، وإيَّاك أن تطمع إلى من فوقك، وكفى بما قال الله محمد لرسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ [وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ] فإن خفت ذلك فأذكر عيش رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ فإنَّما كان قوته من الشَّعير وحلواه من التَّمر ووقوده من السَّعف إذا وجده، وإذا أصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط)).

12 - الارتباط بكافَّة الطَّاعات الواجبة والالتزام بها وعدم التَّهاون بها، بل حتَّى المستحبَّات المؤكَّدة وترك كافَّة المعاصي والاهتمام بترك كافَّة المكروهات.

وأهم ما يلزم أن يتجنَّب عنه من الصَّفات الذَّميمة الَّتي هي كثيرة هو: -

1- الغضب، قال نبينا الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((الغضب مفتاح كل شر)).

2- الحسد، قال أبو جعفر الباقر عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((إنَّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النَّار الحطب)).

3- الظُّلم، قال تعالى: [فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65)].

وقال أبو عبدالله عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده)) وغير ذلك من الرِّوايات الكثيرة.

4- كون الإنسان ممَّن يُتَّقى شره، قال رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((شر النَّاس عندالله يوم القيامة الَّذين يكرمون اتِّقاء شرَّهم)).

وقال الصَّادق عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((إنَّ أبغض خلق الله عبدٌ اتَّقى النَّاس لسانه)).

5- بذاءة اللسان، قال الصَّادق عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((إنَّ الله حرم الجنة على كل فحَّاش بذيء قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه)).

وعنه عَلَيْهِ السَّلاَمُ أيضاً ((البذاء من الجفاء والجفاء في النَّار)).

ص: 388

التَّوَبَة

(مسألة 1084) لابدَّ لكل مرتكب للمعاصي كبيرها وصغيرها من التَّوبة، وإلاَّ تكون المعصية مستمرَّة، بل حتَّى ناوي فعلها مع التَّصميم بلا أن يكون مجرَّد اختلاج وهي التَّصميم على التَّرك، ولابدَّ من أن تكون مسبوقة بالنَّدامة، وعلى المذنب أن يستغفر الله من ذنبه.

(مسألة 1085) التَّوبة حق أعطاه الله للإنسان من فيوضات سعة رحمته سبحانه لا يجوز الشَّك فيه أو القنوط من رحمة الله فيه كذلك ولأنَّ البناء خطأً على عدم قبول التَّوبة لدى البعض ومنه حالة تصوُّر ارتكاب أشد الذُّنوب المانعة اشتباهاً قد يسبِّب مواصلة الذَّنب والاستمرار على المعصية ولذا واجهها الله تعالى بقوله [وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)].

(مسألة 1086) يغفر الله كل ذنب إلاَّ الشَّرك بالله ولا يترك حقَّاً لمظلوم سلب منه عدواناً إلاَّ بإرجاعه إلى أهله.

ص: 389

ص: 390

كِتَابُ الجَهِادِ

اشارة

ص: 391

ص: 392

لقد اعتاد بعض الفقهاء المتأخرون - على عكس من سبقهم - على ترك الكلام الفقهي عن الجهاد باسمه الخاص وفي مضامينه الَّتي أبرزها جانب الهجوم الحربي الابتدائي من قبل المسلمين لأهل الكفر ومن لفَّ لفهم وأندرج معهم في معاقلهم الخاصَّة بهم وبلدانهم الكافرة ممَّن سار على نهجهم وفي مواقع احتلالهم من أرض المسلمين كذلك لأسباب منها ضعف المسلمين والمؤمنين وكثرة أعدائهم إلى حد أن لا يضمن سلامتهم بالنَّتيجة بنسبة قويَّة ولو ظنيَّة فضلاً عمَّا لو تكون قطعيَّة ولو في بعض الحالات، ولأنَّهم في زمن الغيبة الكبرى للمعصوم عَلَيْهِ السَّلاَمُ والَّتي لم يضمن فيها منه عَلَيْهِ السَّلاَمُ نص ايجابي في أيِّ أمر خطير من هذا القبيل من هذه الفترة حيث لا يمكن إلاَّ وأن يفسح المجال فيه من الإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ صريحاً ولمن يختص به من نوَّابه في ذلك إن لم يقم هو عَلَيْهِ السَّلاَمُ بنفسه لإنجازها مع الكفاءة والقدرة التَّامتَّين مع أنَّه الآن غائب في غيبته الكبرى وفترة النوَّاب العامِّين ممَّن تقل صلاحيَّتهم نسبيَّاً في مثل هذه الأمور على ما ثبت في الأدلَّة، لذلك اعتبر هؤلاء الفقهاء المتأخِّرون مسائل هذا الأمر من المسائل غير الابتلائيَّة أو قليلة البلوى.

ولكن مع عدم توفُّر هذه المؤهلات وفي هذه الفترة وضرورة حماية المسلمين أمرهم في المجالات غير الهجوميَّة ممَّا سبق فقد انقلبت عندهم هذه الحاجة والكتابة عنها إلى نوع آخر ممَّا له أدلَّته الكافية وهو الحاجة الماسة إلى أمر الدِّفاع عن النَّفس والعِرض والمال - الَّذي يمكن القيام به في كل عصر ومصر إسلاميَّين بل حتَّى غيرهما مع إمكان ذلك ولو على الأقل ولو بالاستئذان من أيِّ فقيه محنَّك جامع للشَّرائط إن أحتيج إلى ذلك وإن لم يستند إلى القول بالولاية العامَّة - ولهذا تراهم أعرضوا عن هذا العنوان وأبدلوه بعنوان الدِّفاع لصلاحيَّته الضَّيقة وبها الكفاية عند هجوم الكافر والعياذ بالله.

ص: 393

ونحن بما أنَّ العنوان العام وهو الجهاد لم ينحصر فيه المعنى الأوَّل وإنَّما أدخل فيه الدِّفاع كما مرَّ - حتَّى بنحو الدِّفاع الهجومي كحالة الكر بعد الفر خصوصاً بعد هجوم العدو في عقر دار المسلمين كما يفعله اليهود في قلب البلاد الإسلاميَّة وغيرهم شرقاً وغرباً واعتزازاً منَّا باسمه الأصيل والشَّامل لهذا المعنى الحالي من الدِّفاع الوارد في الأدلَّة الأصليَّة، ولضمِّه كذلك حالات مجاهدة النَّفس - فلنذكر ما يتيسَّر لنا من معنى الدِّفاع ومسائله عن طريق بيان الجهاد ومن باقي معانيه مقتصرين عليه في هذا المختصر فنقول: -

أَقْسَامُ الجِهَاد

إنَّ الجهاد من أعظم أبواب الجنة كما عن نبيِّنا صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، ومن أركان الإسلام، وهو على قسمين: -

الأوَّل: الجهاد إن ازدحم الكفَّار على المسلمين بحيث يخاف منه زوال الحق وإثبات الكفر والباطل، فيجب على جميع المسلمين حينئذ مدافعتهم ولو بالهجوم المباغت ردعاً لهم بعد ابتداءهم ولكن هذا متوقِّف على التَّكاتف، وله أحكام خاصَّة وشروط مخصوصة تعرَّض لها الفقهاء في الكتب المفصلَّة.

(مسألة 1087) نوع الكفَّار الَّذين يجب محاربتهم والإجهاز عليهم بلا خلاف بينالمسلمين - بعد العجز عن إخضاعهم للإسلام العزيز مع ما يلحق بهم - هم: -

1 - كل محارب للإسلام والمسلمين بأيِّ نحو من أنحاء المحاربة من الملحدين.

2 - المشركون وعبدة الأصنام والأوثان أو المثلة من اليهود والنَّصارى والمجوس.

3 - أهل الكتاب من اليهود والنَّصارى والمجوس والصَّابئة حتَّى لو وحَّدوا الله إذا حاربوا المسلمين على فرض التحاق الأخيرين فعلاً بأهل الكتاب إذا لم يتَّبعوا شروط الذِّمَّة أو يصالحوا أو يهادنوا ويعاهدوا.

4 - يلحق بما سبق البغاة وإن تظاهروا بالإسلام وهم طائفتان: -

ص: 394

إحداهما: الباغية على الإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ وهي المسمَّاة بالخوارج

ثانيتهما: طائفة تبغي على طائفة والكل مسلمون، وهذه هي محل الحاجة في عصر الغيبة بالصِّفة الأكثر وهو الَّذي يجب العناية بأمر الإصلاح في شأنه مع الإمكان والابتعاد عن الهجوم في أمره بالمبادرة أكثر للمحافظة على معنى الدِّفاع السَّابق وعلى أن لا يكون إلاَّ مسبوقاً بالنَّصائح، وهي الَّتي عنتها الآية الكريمة وهي قوله تعالى [ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ الله ]، ولذا لو انتهت هذه المسألة بنجاح في التآلف ورصِّ الصُّفوف ونبذ الفوارق لما داهمنا خطر الكفر والكافرين.

(مسألة 1088) لا يجوز الخوض في أيِّ أمر من هذه الأمور إلاَّ بتوفُّر شروط: -

الأوَّل: وعظهم لينصاعوا للإسلام وتعاليمه بالإقرار بالشَّهادتين إن كانوا كفَّارا وتطبيق الأحكام الإسلاميَّة وكفِّ آذاهم عن المسلمين.

الثَّاني: الانضواء في ذلك تحت ظل الإسلام وحكمه وعن قوَّة كافية وتكاتف كافي وإلاَّ فلا يجوز الخوض في شيء منه.

الثَّالث: التَّكليف من البلوغ والعقل، وإلاَّ فلا يجوز الخوض معهم في شيء من ذلك.

الرَّابع: الذُّكورة، فلا يجب على النِّساء شيء لكن قد يكلَّفن ببعض ما ينبغي أو يلزم من المساعدات المحتاج إليها.

الخامس: حضور الإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ أو نائبه الخاص في الجهاد بالمعنى الأوَّل وكفاية الفقيه الجامع للشَّرائط في الدِّفاع، بل لا يلحظ فيه حتَّى الذُّكورة إذا قدرت المرأة أن تدافع عن نفسها وشرفها.

السَّادس: أن لا يكون الجهاد في الأشهر الحرم إلاَّ في الدِّفاع، فإنَّه يجوز في جميع الأوقات.

ص: 395

الثَّاني من قسمي الجهاد (جهاد النَّفس)

وهو الجهاد الأكبر - كما عن نبيِّنا الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في قوله بعد رجوعه من الحرب ضدَّ المشركين (لقد فرغنا من الجهاد الأصغر وبقي الجهاد الأكبر فقيل له يا رسول الله وما الجهاد الأكبر ؟ فقال جهاد النَّفس) - ومورده تارة يكون إمَّا بالنِّسبة إلى العقائد الحقَّة بتحمُّلها وتحمُّل أدلَّتها والدِّفاع عنها وإن أتعبت النَّفس وأخرى بالنِّسبة إلى الأعمال الصَّالحة بالالتزام بها وإن ثقلت وكما ورد (خير الأمور أحمزها).

ولجهاد النَّفس مراتب قد توصل الإنسان إلى درجات عُليا سامية.وأوَّل هذه الدَّرجات هو إتيان الواجبات وترك المحرَّمات من الكبائر، بل الصغائر الَّتي يصر على فعلها وإلى حدِّ حصول الملكة الباعثة على الطَّاعة والرَّادعة عن المعصية، وهذه المرتبة قد عبِّر عنها ب- (العدالة) والَّتي قد حاز بسببها المتَّصف بها درجة التَّخلِّي بسبب ترك المعاصي ودرجة التَّحلِّي بسبب فعل الطَّاعات والَّتي يجب أن يتِّصف بها مرجع التَّقليد وإمام الجماعة ومقبول الشهادة - كما مرَّ ذكره - حسبما دلت عليه صحيحة ابن أبي يعفور عن الصَّادق عَلَيْهِ السَّلاَمُ حيث سأله بم تعرف عدالة الرَّجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم ؟، فقال عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((تعرفوه بالسَّتر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان، وتعرف باجتناب الكبائر الَّتي أوعدالله عليه بالنَّار إلخ)).

بل حتَّى لو لم تكن ملكة إذا كان ذلك بنحو الاستقامة على جادَّة الشَّرع في فترة حياة المكلَّف كما يظهر من هذه الرِّواية وغيرها ,ولكن هذه المرحلة قابلة للتَّصاعد إلى حيث الملكة وإلى علو الدَّرجة الإيمانيَّة العاشرة حتَّى لو لم تصل إلى درجة المعصومين من الأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ لتعذُّر مساواتهم عَلَيْهِم السَّلاَمُ ممَّا قد يحصل في مثل صاحبها تمام الأهليَّة ليكون أميناً على مصير الأمَّة لنجاحه في اتِّخاذ تدابير الدِّفاع النَّاجح عنها في فترة الغيبة هذه وهي الَّتي تدعى بدرجة التَّجلي ودرجة

ص: 396

الأحرار في عباداتهم كالمعصومين عليهم أفضل الصَّلاة والسَّلام ومن سار على نهجهم واقتفى آثارهم وإن لم يساووهم تماماً لما مرَّ وقد تقدَّم في كتاب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر بعض الإيضاحات عن ذلك، ونوكل بعض التَّفاصيل الإضافيَّة إلى مظانِّها من الكتب الموسَّعة.

ص: 397

ص: 398

كِتَابُ التَّوَلِّي

ص: 399

ص: 400

اعلم إنَّ الكلام عن هذا الكتاب والكتاب الآتي وهو التَّبرِّي لم يؤلَف ذكره في كتب الفقه عمليَّة واستدلاليَّة نوعاً في كتاب مستقل ضمن مواضيعها، وبالأخص في الآونة الأخيرة حسبما نعهده، وإن استعملت بعض مسائله متفرِّقة في مواضع مناسبة أخرى في مجالات الفقه الواسعة، مع أنَّهما ممَّا لهم مراد فقهي فيهما جزماً، لكونهما من فروع الدِّين العشرة المشار إليها في كتابنا السَّابق المطبوع حول المقدِّمات من دورة المسائل المنتخبة وفي كتب الآخرين الفقهيَّة.

ونظراً لتبعثر معارفهما ومسائلهما في تضاعيف الكتب الفقهيَّة - وبنحو لم ينظر بالاعتبار المعتنى به فقهيَّاً كما يرجح أن يراد مع الحاجة إليهما - ولارتباطهما ببعض المسائل الَّتي لا محلَّ لها إلاَّ تحت عنواني هذين الفرعين، وإن كان البعض الآخر منها قد وزَّع مألوفاً على بعض العناوين كأمور التَّقليد والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر والجهاد (الدِّفاع) ونحو ذلك، وإلاَّ لكان محلُّها تحت عنوان المتفرِّقات الَّتي لا عنوان مناسب يحويها ممَّا قد دأب عليه بعض من لم يلتزم بما التزمنا به الآن.

فقد حاولنا بدورنا منذ أن صمَّمنا على بيان كل أو أغلب أو لا أقل ممَّا يتيسَّر لنا ممَّا لم يذكر - ولو بإيجاز مؤقَّت ليتوسَّع في أمره فيما بعد طرحاً وإيضاحاً واستدلالاً من هذه البحوث - كأطروحة نأمل منها أن تكون بذرة خير - لتتوضَّح للجميع بما ينفعهم، وخصوصاً بعد إلحاح الكثيرين في طرح الجديد أو ما يشبهه فقهيَّاً ولو بحسب الأسلوب وعدم الاقتصار على الأساليب القديمة التَّقليديَّة الَّتي أصبحت معلومة في أسلوبها المعقَّد لديهم ومحتوى عناوينها من حيث الملل منه في كثرة وروده أو ثقل العبارة فيه وإن كان الجوهر متقارباً بين الأسلوبين أو هو نفسه للمتتبِّع، ولذا فنقول: -

ص: 401

التَّولِّي مأخوذ من والى بمعنى شايع وأحبَّ بإخلاص وهو معنى المتابعة كما قال تعالى ]وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ (83)[ أي مواليه تعالى وإلى حد الإخلاص كما في قوله تعالى ]قُلْ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ[، ومنه موالاة النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ لأهميَّتها بعد الله كما في قوله تعالى ]وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ[ وإلاَّ كيف يتَّبع، ومنه موالاة أهل بيته الطَّاهرعَلَيْهِم السَّلاَمُ وهم من خصَّصوا بالمدح في القرآن بآيات كثيرة أهلَّتهم لأن يوالَوا وجوباً لعصمتهم وغيرها بالصِّفات الجليلة الَّتي لم تكن في غيرهم، والَّتي من تلك الآيات آية التَّطهير وهي قوله تعالى ]إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)[ وهم بعد النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ علي عَلَيْهِ السَّلاَمُ وفاطمة عَلَيْهِا السَّلاَمُ والحسنان عَلَيْهِمُا اَلسَّلاَمُ، بل من تعاقب من الحسين عَلَيْهِ السَّلاَمُ من ولده التِّسعة إلى حد الحجَّة المنتظر عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ اَلشَّرِيفْ على ما دلَّت عليه أدلَّة أخرى من كتب الفريقين غير آية التَّطهير ممَّا مرَّ بيانه في كتاب المقدِّمات العامَّة حول الإمامة من أصول الدِّين والإيمان.

ومن دلائل ما صرِّح به من تلك الأدلَّة الأخرى قوله تعالى ]إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)[ ومن ذلك قوله تعالى [وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمْ الْغَالِبُونَ (56)] وقوله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في بيعة الغدير المشهورة على رؤوس الأشهاد ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللَّهمَّ وال من والاه وعاد منعاداه)) وقولهم عَلَيْهِم السَّلاَمُ في زيارة الجامعة المعتبرة سنداً ودلالة ((من والاكم فقد والى الله ومن عاداكم فقد عادى الله )).

ومن أدلَّة الموالاة بمعنى الإطاعة وامتثال الأوامر وترك النَّواهي بصراحة أكثر ما في قوله تعالى ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ[ علماً بأنَّ المراد من أولي الأمر هم من ذكرناهم آنفاً بعد النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ لما مرَّ من الأدلَّة لاختصاصهم بهذا الأمر ولزومه فيهم وعلى ما نصَّ عليه الفريقان من نصوص السُّنَّة بعد الكتاب ولكونهم امتداداً لمفاد قوله تعالى ]وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ[ في رسالته صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ لحاجته صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ إلى خلفاء منصوص عليهم من السَّماء أكثر من مستوى اختيار النَّاس يقومون مقامه ليرجع إليهم في أمور

ص: 402

الدِّين والدُّنيا المرتبطين بالشَّريعة وإن لم تثن لهم الوسادة التَّامَّة من قبل النَّاس تفصيلاً بالنِّسبة إلى أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ وابنه الحسن عَلَيْهِ السَّلاَمُ أو إجمالاً كالحسين عَلَيْهِ السَّلاَمُ وأبناءه التِّسعة عَلَيْهِم السَّلاَمُ، لأنَّ النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ يموت كما يموت النَّاس كما قال الله تعالى ]إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)[.

وفسِّرت الموالاة أيضاً بالمفاداة لهم وأوَّل من تمثَّل بهذا الأمر علي عَلَيْهِ السَّلاَمُ لرسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في حياته في الحروب وبمبيته على الفراش وغيرها، ثمَّ صارت له ولآله عَلَيْهِم السَّلاَمُ من قبل شيعته المؤمنين، لأنَّهم كما يمثِّلون الدِّين في الرَّخاء كذلك يمثِّلونه في كل حرج يقعون فيه وشدَّة تعتريهم من أعدائه ممَّا قد يحوجهم إلى النُّصرة كالدِّفاع عن حقِّهم بالحجَّة والبرهان أو لا أقل من حسن إتبِّاعهم في سيرتهم الحميدة واتصَّافهم بصفاتهم الرِّشيدة عقيدة وعملاً فيفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم مواساة لهم مع الورع والاجتهاد والعفَّة والسَّداد وإلى آخر العمر ولو تحت الضُّغوط سراً، وهذه ما يمكن أن يطلق عليها بالتَّقيَّة الَّتي سنذكر شيئاً عنها في الكلام عن التَّبرِّي، لأنَّ المجاهرة في بعض الأمور الخلافيَّة لو لم تكن ضروريَّة في أساسها دينيَّاً فقد تكون مدعاة لإثارة التَّنافر ثمَّ التَّناحر بين دوي الأخوة القديمة وللجهات العديدة بين المسلمين النَّاطقين بالشَّهادتين فلابدَّ من التَّمسُّك بها في مواردها على ما سيجيء.

وفسِّرت بالإيثار وهي من صفات آل المصطفى عَلَيْهِم السَّلاَمُ في ذلك أوَّلاً كما ورد في التَّنزيل الَّذي مدحهم بقوله تعالى ]وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ[ وكما كان عليه أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ عند مبيته على فراش النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ كما مرَّ في نصوصه المعروفة عنه وعن أبنائه وأهل بيته عَلَيْهِم السَّلاَمُ وممَّا ينتظر أن يكون هكذا واجبنا نحن أيضاً تجاههم إذ لا موالاة لهم صادقة إلاَّ بالاتِّصاف بصفاتهم كما مرَّ.

ولذا نرى حواريهم رضي الله عنهم شايعوهم ووالوهم وأخلصوا لهم في أشد الظُّروف، واستقوا من معينهم الصَّافي الغزير ما وسعهم أن يحضوا به حتَّى مع مجاملة بعضهم لسلاطين زمانهم كعلي بن يقطين وزير الرَّشيد وأمثاله حتَّى صدق

ص: 403

عليهم حقَّاً أنَّهم حواري الأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ وخلَّص الأصحاب كما كان أصحاب النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في بدر وأحد والأحزاب وأصحاب أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ في حياته مع النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ومن بعده وإلى حين حروبه الثَّلاثة في خلافته وما بعدها وإلى حين مقتله الشَّريف وأصحاب الحسنين عليهما أبان محن الحسن عَلَيْهِ السَّلاَمُ إلى حين استشهاده بالسُّم ثمَّ إلى حد الشَّهادة العظمى في كربلاء المقدَّسة حينما وصف الحسين عَلَيْهِ السَّلاَمُ أصحابه بقوله (لم أر أصحاباً كأصحابي)، وهكذا كل من أخلص للتِّسعة المعصومين عَلَيْهِم السَّلاَمُ ممَّن عاشرهم وتلمَّذ عليهم واستفاد منهم مع تمام الموالاة الصَّحيحة لهم وإلى حين النِّيابة الخاصَّة عن صاحب الأمر عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ اَلشَّرِيفْ في فترة النُّواب الأربعة في الغيبة الصُّغرى ممَّن امتحن الله

قلوبهم بالإيمان وفي أشد الظُّروف ولم يتزعزعوا بل ازدادوا إيماناً والتزاماً كلَّما ازداد ابتعادهم عنهم زماناً، وهكذا كل من شايعهم وتولاَّهم كما تولَّىالأوَّلين بما فسَّرناه وبما نفصِّله ممَّا له علاقة بمعناه السَّامي في عهد الغيبة الكبرى، بل قد فضَّل بعض من تولاَّهم ممَّن بعد عنهم زماناً ومكاناً على غيرهم مع محافظتهم على الوزن الولائي التَّام في العقيدة والعمل الصَّالح، وقد شهد التَّاريخ لكثير من هؤلاء بالإخلاص التَّام وإلى حد الإيمان المثالي الَّذي هو الإقرار باللسان والاعتقاد بالجنان والعمل بالأركان، بل وإلى الأكثر بأحرف من نور.

وقد فسِّرت هذه الموالاة بالمودَّة الفائقة في قوله تعالى ]قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى[ ومن ذلك الإتِّباع لمن يستحقُّه كما بين المأموم تجاه أئمَّته.

وقد فسِّرت بالمحبَّة ومنه قوله تعالى [إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)] وغيره وأهم ذلك الفائقة، ومن ذلك حديث سأعطي الرَّاية المشهور بين الفريقين مدحاً لأمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ، ولذا كان عالي الشَّأن والمقام وأولى من غيره بعد النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، ولكن قد ينزل مستوى الحب إلى مستوى العاطفة ومنه قد يتسبَّب ما يسمَّى بالإيمان المستودع والمودَّة المحدودة أو العشق الهوائي وإن صادف أن يكون إلى مدى الحياة فيقال والاه أي أحبَّه وإن لم يكن

ص: 404

معه إتِّباع.

وبعد بيان ما تيسَّر لنا من المعنى وما يتعلَّق به لابدَّ وأن نذكر في المقام فقهيَّاً مسائل خاصَّة وإن كان في الجملة: -

(مسألة 1089) إنَّ خلاصة المطلوب الماضي - وهو التَّولِّي بكل ما بيَّنَّاه وبأعلى درجة منه باطناً وظاهراً مع إمكان الأخير - أنَّه هو واجب شرعي إضافة إلى الاعتقاد بأولئك الصَّفوة لمنازلهم الموجبة لذلك على كل مؤمن ومسلم، بل حتَّى الكافر لكن لا على أساس لزوم أن يكون ذلك مثل ذلك الاعتقاد بالنُّبوَّة والإمامة الماضيين في كتاب المقدِّمات العامَّة لأنَّ ذلك أمر مرَّ الكلام فيه إذ عند ملاحظته مع هذا الأمر يتبيَّن الفرق بين المطلبين.

وخلاصته هو واجب في الانقياد الذَّاتي بالاتِّصاف به والمطاوعة الدِّينيَّة ولو تمسُّكاً به من وجهة تعبُّديَّة وبدافع المودَّة وما يتبعه من الإقتداء العملي والتَّطبيقي لما رسموه لنا في كلِّ ما يرتبط بالحياة الشَّرعيَّة وأحكامها الفقهيَّة مسبوقة بتلك العاطفيَّات الشَّريفة، إذ لا يتم فقهنا إلاَّ بالأخذ عنهم وترك الأخذ عن غيرهم إلاَّ ما وثق وطابق ما ورد عنهم عَلَيْهِم السَّلاَمُ وما رضوا به في كل الفروع الفقهيَّة وبمحاربة الأعداء في كل أمر يخالف ذلك حسب المراتب الدِّفاعيَّة المناسبة شرعاً وعلى الأقل لساناً وقلَّما، بل لا يتم الاعتقاد المذكور بهم إلاَّ بالموالاة لهم في كل ذلك وبالتَّبرِّي من أعدائهم.

إذن فلم يكن ذكرنا لهذا الكتاب أو الَّذي يليه كما قد يتصوَّر من أنَّهما من موارد الاعتقادات لا من الفقهيَّات.

(مسألة 1090) حالة التَّولِّي والتَّبرِّي الآتي ذكره مقرُّهما في القلب من حيث البداية لأنَّ معنى الأوَّل الحب متصاعداً إلى أعاليه، وهكذا الثَّاني الذَّي على عكسه تجاه الأعداء كما سيجيء، وأمَّا خروجهما إلى الخارج العملي الفقهي لفظاً وقلماً وعملاً لصالح واجبهما الشَّرعي المناط بما ذكرناه في المسألة آنفة الذِّكر فهو على طبق ما يناسب ما أوردناه في كتاب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر وكتاب الجهاد الماضي ممَّا لا يخفى على المتتبِّع وممَّا لا يحتاج إلى الإعادة فما

ص: 405

بقي لنا مناسباً في رجحان بيانه هنا إلاَّ أمور وقد تكون مناسبة أنسب فيهما كأطروحة يبقى ذكرها أن تكون نافعة في المقام.

(مسألة 1091) لا تجوز الموالاة بنفس المعنى المذكور أعلاه لمن هم دون من ذكرناهم من الصَّفوة وإن صدق على بعضهم أنَّهم من الأولياء، إلاَّ بما فسح لنا الأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ المجال به منمستوى التَّمسُّك المحدود بهم من الحواري مثلاً ككونهم رواة أحاديثهم أو أنهم الفقهاء وأهل الفتيا نقلاً عنهم عَلَيْهِم السَّلاَمُ ولو اجتهاداً أو أنَّهم العلماء لنتعلم منهم أو المقتدون في الأمور الأخرى بمحبَّتهم والإخلاص إليهم أو الإقتداء بهم بمستوى كونهم نوَّابهم الخاصِّين أو العامِّين، لأنَّ الإمامة محصورة في الإثني عشرعَلَيْهِم السَّلاَمُ فضلاً عن الأدون من هذا المستوى أو من لم تعرف واقعيَّاتهم الدِّينيَّة المقبولة لأحد المثاليَّات وإن كانوا من العلماء والفقهاء في زمن الغيبة الكبرى فلا يجوز أكثر من الإقتداء بهم في الجماعة وتقليدهم بعد إحراز جامعيَّتهم للشَّرائط وإضمار وإظهار مودَّتهم، بل قد يجب ذلك دفاعاً عن الدِّين لو انحصر الأمر فيهم لأنَّ الرَّاد عليهم راد على الإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ والرَّاد على الإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ راد على الله جل جلاله وهو في قوَّة الشِّرك بالله فضلاً عمَّن كان رأيه القول بالولاية العامَّة، بل لا يجوز مخالفته ولو لم يكن ذلك كذلك ومنه الحمل على الصَّحَّة لأختلَّ النِّظام الشَّرعي.

(مسألة 1092) بناء على التَّقييد في أمر المولاة في المسألتين الماضيتين فلابدَّ من أن يكون من باب أولى القول بعدم جواز تولِّي أحد - من غير من نصَّ عليهم بوجوب موالاتهم أو محبَّة الأدون من حواريهم - من أعدائهم، لأنَّ القول بذلك يعد من حالات التَّناقض في الانتساب إلى أصحاب الشَّرع الشَّريف ولا يطاع الله من حيث يعصى، ولذا قال تعالى ]لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ[، وقال أيضاً [وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)] وقال أيضاً [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ الله لاَ

ص: 406

يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(51)] وقال بعد ذلك [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا الله إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)].

(مسألة 1093) يجب امتثال أوامر الشَّرع في التَّولِّي على كل بالغ عاقل مع قصد القربة، لأنَّ هذا من نوع العبادات وتترتَّب عليه كثير من الأمور الشَّرعيَّة، بل يجب على من يعلم إجمالاً بوجود شيء يحتاج إلى تعلُّمه تفصيلاً أن يتعلَّمه، بل يجب توعية من لم يعرف ذلك من قبل كل من يعرف وقد مرَّ ما يشبه ذلك في مباحث التَّقليد والأمر بالمعروف وغيره.

بل ينبغي تعريف الأطفال معنى ذلك وحثِّهم عليه تربية عليه لينفعهم في كبرهم لهم ولمن يعيش معهم والعلم في الصِّغر كالنَّقش في الحجر ورحم الله القائل: -

لا عذَّب الله أمِّي أنَّها شربت *** حب الوصي وغذَّتنيه باللبن

وكان لي والد يهوى أبا حسن *** فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسن

(مسألة 1094) لا يعتبر المحب بغير ما فسَّرناه للولاء موالياً كما يرام وإن حقِّق حبَّه ما يثلج الصَّدر، وعليه فلو لم يكن كذلك مع علمه بأهميَّة الموالاة مع الإصرار عليه يكون آثماً حتَّى لو تصوَّر أنَّه في هذه الحال من الموالين إذا كان ذلك من شَّدة جهالته التَّقصيريَّة في عدم التَّفريق بين المعاني، وقد لا يكون آثماً كعلم من يعلم تماماً إذا كان في تدرُّج من المودَّة النَّامية والَّتي قد تصل إلى حد الولاء ولو بعد حين، ومثل هذا قد يحتاج إلى تقيَّة موجِّهة ومسايسة، لأنَّ كثيراً من هؤلاء قد يكونون من بعض المذاهب الإسلاميَّة الأخرى وإن كان أكثر الشِّيعة كذلك ومع الجهل المطبق يجب التَّعلُّم أو التَّعليم ممَّن يعلم ولو على نحو الاستدراج كما قلنا إلى حين الهداية وكما قال تعالى ]سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ (44)[ وبدون أن يتهوَّر في حقِّه إلى صدق الولاء والإستبصار.

(مسألة 1095) يجب الإتِّباع الدِّيني للفقيه الجامع للشَّرائط إلحاقاً بما مضى

ص: 407

سواء كان سيِّداً هاشميَّاً أو غير سيِّد لو تعيَّن أمره وبنحو الولاية التَّطبيقيَّة الخاصَّة وإن كان دليل العموم متوفِّراً لعدم إمكان التطبيق تاماً، وعليه فيضاف إلى الأمور الحسبيَّة بعض الصَّلاحيَّات ممَّا يمكن أن يدركه الفقيه لا غيره.

(مسألة 1096) يجب شرعاً لتحقيق الموالاة لأهلها تماماً أخذ العلوم والمعارف الدِّينيَّة والَّتي أشرفها الفقه بعد العقائد ممَّن أعطاهم الله تعالى العلم وأبان فيهم الفضل من بعد رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ بوسام شرف لم ينله غيرهم لحفظهم كافَّة أمور الشَّريعة المقدَّسة بالإلهام المعروف، وهم من شهد بحقِّهم القريب والبعيد والعدو والصَّديق، وهم أهل بيت النُّبوَّة ومعدن الرِّسالة علي وبنوه عَلَيْهِم السَّلاَمُ، بحيث لا يؤخذ من غيرهم مستقلاًّ إلاَّ بما يؤيِّد كلامهم، لأنَّهم القرآن النَّاطق ولسان السُّنَّة الشَّريفة، ولأنَّهم العترة في حديث الثَّقلين المشهور وعلى نهج شروط عرفت في علمي الرِّجال والدِّرايَّة والحديث وبما فصِّل في علم الأُصول كما مرَّ شيء من ذلك في كتاب المقدِّمات العامَّة.

(مسألة 1097) ينبغي بل يجب في بعض الأحوال بل في كثير منها وجوباً كفائيَّاً تهيئة ما يحقِّق مهمَّة خصوص التَّولِّي والتَّبرِّي بنحو الوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر على ما مرَّ تفصيله هناك.

(مسألة 1098) من فوائد التَّولِّي للنَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ وكون النَّاس المكلَّفين على العهد معهم في ذلك هو إباحة ما كان لهم صلاحيَّته في الأراضي الخراجيَّة وما كان لهم من الأنفال للموالين كأموال المسلمين المشتركة من الأراضي المفتوحة عنوة وإن أخذت من بقيَّة السَّلاطين أو أراضي الصُّلح الَّتي يحتاج إلى إذنهم عَلَيْهِم السَّلاَمُ أو الأنفال الخاصَّة بهم إذا وقعت بأيدي من والاهم لقولهم عَلَيْهِم السَّلاَمُ ((ما كان لنا فلشيعتنا))، وأمَّا لو لم يكن النَّاس من هؤلاء مسلمين أو غير مسلمين فليس لهم حق في ذلك.

(مسألة 1099) لم يكن التَّولِّي خاصَّاً في أهل البيت عَلَيْهِم السَّلاَمُ وبخصوص ما ذكرناه من المعنى المذكور، بل إنَّما يكون بمعنى قد يكون مختلفاً بعض الشَّيء شاملاً كل رحم بالنِّسبة إلى رحمه ممَّن انطبقت عليه آيات المقام ورواياته بتوجيه

ص: 408

إضافي مضافاً إلى غيرها من الأدلَّة الخاصَّة على وجوب صلة الأرحام بعضهم لبعض وعدم جواز التَّفريط بحقوقهم الواجبة ممَّا سيأتي بيانه في فصل النَّفقات من كتاب النِّكاح في المعاملات ووجوب احترام طبقات الأقارب ومواصلتهم في كل واجب ينطبق عليه عنوان الصِّلة حتَّى في غير واجبي النَّفقة من ذوي الفقر والفاقة، سواء الوصل المادِّي - كالزَّكوات والأخماس وغيرهما بالنِّسبة إلى من يستحقُّها منهم حسب تفاوتهم في الهاشميَّة والعاميَّة لكونهم موارد استحقاق مع إنطباق هذه الصِّفة عليهم ومع انحصار دفع الضَّرر عنهم بذلك مع كونهم أقرب من غيرهم إلى هذا المعروف - أو الوصل الأخلاقي في الأوقات المناسبة بالمؤالفة معهم والمؤانسة لهم ولو بالسَّلام على أقل تقدير، حتَّى يشيع التَّضامن فيما بين المؤمنين في الأسرة الواحدة، والآيات والرِّوايات الواردة في المقام كثيرة جدَّاً، نأخذ منها قوله تعالى ]وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ[ وقوله تعالى ]وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِالله [ وقوله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((صِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَلَو بِالسَّلاَم)) وقوله عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((الرَّحِمْ إِذَا وُصِلَتْ فَقُطِعَتْ ثُمَّ وُصِلَتْ فَقُطِعَتْ ثُمَّ وُصِلَتْ فَقُطِعَتْ قَطَعَهَا الله تَعَالَى))، واهتمام الفقه الإسلامي بصلة الأرحام قد يوصل وجوب أمرها إلى حد وجوب المفاداة كما مرَّ في التَّولِّي في حالة وجوب الدِّفاع عن النَّفس والمال والعرض اللازمة في مواردها مثلاً، لكن لا بمعنى الاعتقاد والعملبمثابة صلة المسلمين بأئمَّتهم عَلَيْهِم السَّلاَمُ.

(مسألة 1100) حكم أولياءالله الَّذين هم النَّبي 5 وآله المطهَّرون عَلَيْهِم السَّلاَمُ بعد مقتلهم أو وفاتهم كحكمهم وقت حياتهم في منهجهم الكامل، لأنَّه لا يتفاوت بين وقت وآخر، وهذا معنى كونهم مقتدَون فقال تعالى ]وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)[، ولأنَّهم الأسوة والقدوة كرسول الله لأنَّهم الامتداد الطَّبيعي في أمر الإقتداء بهم كما مرَّ فقوله تعالى ]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[ لا يختلف أمره بين كونه ذلك حين حياته وبين ما بعد مماته أو مقتله كذلك أهل بيته الأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ لأنَّهم العترة المقرونة بالكتاب في حديث الثَّقلين المعروف الَّذي أمر به النَّبي5 الأمَّة

ص: 409

بالتَّمسُّك بها، لأنَّها هي الحافظة للسُّنَّة بما هو أضبط من الغير، ولأنَّ الوحي نزل في بيوتهم لقوله تعالى ]فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ[ على حد النَّص الإلهي المعروف، إضافة إلى أنَّ عليَّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ - الَّذي هو أوَّلهم - نفس النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ لقوله تعالى ]وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ[ - وهذا كلُّه ثابت في عدم وجود الفرق بين ما كان في حياتهم وبعد مقتلهم ووفاتهم لأنَّهم القدوة والأسوة كما في رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، ولأنَّ نورهم واحد وكما ورد في الحديث ((أوَّلنا محمد وأخرنا محمد ووسطنا محمد بل كلُّنا محمد)).

(مسألة 1101) ينبغي بل يستحب زيارة قبور المسلمين، وبالأخص قبور أوليائهم من النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ مع الصِّدِّيقة الزَّهراء عَلَيْهِا السَّلاَمُ للتَّذكُّر بهم ولتجديد العهد معهم ولتعظيم الشَّعائر بالتَّواجد عندهم، إضافة إلى أنَّها ترقِّق القلب وتذكِّر بالآخرة كما في الخبر المنسوب إلى النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، وأوَّل من زاره النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ بعد رفع المانع قبر أبيه عبدالله رضي الله عنه.

(مسألة 1102) ينبغي الاهتمام بتعظيم الشَّعائر الدِّينيَّة المرتبطة بالأولياء المذكورين في إحياء ذكرياتهم في حياتهم، وبذكرهم وإعادة ذكراهم بوفاتهم - لأنَّهم كما لا يخفى عبرة وعَبرة ولكونهم في حياتهم مدرسة وإحياء أمورها وإعادتها في كلِّ عام أو بين حين وآخر - معناه استمرار تواجدهم بين النَّاس روحاً ممَّا يُعطي أنَّ مدرستهم باقية، ولهذا في ذكراهم بالوفيَّات قال تعالى ]ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)[ وبذلك يفنَّد قول من يقول من بعض المتطرِّفين أنَّ الحي أفضل من الميِّت وإن كان رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ .

(مسألة 1103) لا يجوز تولِّي أولياء الله تعالى بنحو الإستعانة بهم من دونالله ولا بتشريكهم مع الله لأنَّهم عباده ورجال توحيده وبهم فتح الله حصون الكفر والشِّرك والإلحاد كما أنَّ أمير المؤمنين عليَّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ كسَّر الأصنام وبادت أحلام أنصار الوثنيَّة بما أعطاه في جهاده قربة إلى الواحد الأحد، وقد ورد عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ردعاً لمثل هذه الشُّبهات قبل حصولها قوله ((يَا عَلِي هَلَكَ فِيكَ اثْنَانِ مُحِبٌّ مُغَالِي وَعَدُوٌّ قَالِي)) ولذا عاقب أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ من غالى

ص: 410

فيه وكفر اعتقاداً به وألقاهم في حفيرة ذات حرارة لهيب نار مضطرمة في حفيرة مجاورة لها بينهما نفق إلى أن ماتوا عقاباً لهم من حماوتها.

نعم يمكن الاستغاثة بهم والنُّدبة لهم ومناداتهم تذكُّراً بشجاعتهم وصولاتهم الإسلاميَّة بعد التَّوكُّل على الله

والاستعانة الحقيقيَّة به وحده في حياتهم وبعد مماتهم، لأنَّهم [أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرزَقُون] وفي كلِّ الأمور الممكنة في المجالين، لغرض الاستفادة من معنويَّاتهم الدَّفعيَّة الرُّوحيَّة أو للاستنجاد بهم أو بمن يرسلونه للمعاونة أو للاستفادة من دعواتهم، لكونهم خير وسيلة كما في النَّص القرآني الشَّريف أو الإستقواء بهممهم الشجاعة الَّتي طالما تشتد قوى الضُّعفاء إلى أعاليها عند ذكر شجاعة قالع الباب عَلَيْهِ السَّلاَمُ ولو تذكُّراً بها.

ولهذا وأمثاله كانت استغاثة النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ بعلي أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ في واقعة تبوك الأخيرة لمَّاضويق من قبل الأعداء ولم ينقذه أصحابه تماماً في قوله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((يَا أَبَا اَلغَيثِ أَغِثْنَا يَا عَلِي أَدْرِكنَا))، فما أن نقل الهواء كلامه إعجازاً إلى مسامع علي عَلَيْهِ السَّلاَمُ وهو في المدينة على نخلة إلاَّ أتاه مسرعاً بخارق إلهي لم يحجب عن الأولياء إعزازاً لدينه على مطهَّمه إلى أن تمَّ الفتح على يديه كالسَّوابق المعهودة، كما وقد أثبتت العلوم العربيَّة لغة ونحواً وغيرهما من الشَّواهد النَّثريَّة والشِّعريَّة في ظل الإسلام ما به الكفاية لعدم الاستغراب من هذا الموضوع كبحوث الاستغاثة والنُّدبة والنِّداء، ولهذا نقل بن هشام الأنصاري وأمثاله عن أنصار التَّراويح في أدائها جماعات لمَّا منعوا من قِبل الحسنين عَلَيْهِمُا اَلسَّلاَمُ قولهم عند باب المسجد (وا سنَّة عمراه)، وعلى هذا الأساس وأمثاله كان توجيه قوله تعالى ]وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ[، وهو ممَّا يعطي معنى ثانياً للاستعانة غير ما حرَّمناه آنفاً، لأنَّ اللغة ومنها لغة القرآن متَّسعة.

فلا غرو إذن إذا كانت بالمعنى غير الحقيقي المذكور بمثل المثالين للكتاب والسُّنَّة، وهم القرآن النَّاطق والعترة الطَّاهرة والمقتدون في الصَّبر والصَّلاة.

ص: 411

ص: 412

كِتَابُ التَّبَرِّي

ص: 413

ص: 414

التَّبرِّي هو حالة نفسانيَّة مؤدَّاها الرَّفض لمبادئ وعقائد وأعمال أعداء النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وأهل بيته الطَّاهر عَلَيْهِم السَّلاَمُ من الكفَّار والمنافقين والخوارج والنَّواصب، وقد يؤدِّي ذلك إلى إعلان أو على الأقل إضمار البرائة من هؤلاء الأعداء حسب المناسب والمقتضي لذلك من التَّصرُّف الشَّرعي تجاههم، فقد يناسب الإظهار لعدم التَّلاقي العقائدي والعملي المذكور جملة أو تفصيلاً مع وجود الخطر التَّام حاضراً أو مستقبلاً بترك التَّبرِّي وضمان السَّلامة به ولو بنحو احتمالي عقلائي، كما في حالة وجود تفهُّم الحلفاء - من أهل الكفر أو الأخوة العامَّة المتحابِّين معنا أو بعض الخاصَّة من ذوي القربى معهم - خطورة ضرر من يحقد على مقام النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وأهل البيت الطَّاهر عَلَيْهِم السَّلاَمُ على الأمَّة جمعاء وعدم رضاها عنه - كمن يكون من أعداء المذاهب الخمسة أو السَّبعة مثلاً لشدَّة انحرافهم أو كانوا كفَّاراً أصليين أو منقلبين وضرورة إعلان ذلك التَّبرِّي منهم.

وقد يناسب الإضمار فقط للخلاص من مشكلة المقابلات الجهريَّة المعادية تقيَّة، لئلاَّ يقع في ذهن بعض الكفَّار الحلفاء - العقلاء والإنسانيين أو بعض الأخوة المسلمين من بعض المذاهب المتكاتفة معنا - أنَّ المقصود في ذلك هم لا غيرهم مع عدم قصدهم، لكون المتبرِّي منه قد تكون له علاقة نسبيَّة أو سببيَّة أو نحوهما معهم، إلاَّ أنَّه يختلف عنهم مثلاً في شدَّته وتجاوزه اللا مقبول أو لأمثال ذلك من الشُّبهات.

فالعمدة هي البرائة من خصوص الكافرين المعادين والنَّواصب والخوارج وأهل النِّفاق والمعادين الجدد الَّذين لم ولن تنفع الهداية ولا وسائل المعالجة الدِّينيَّة بكل طرقها معهم لا أكثر وعلى وزن ما يجب تحقُّقه منَّا تجاه أهل الكفر والنِّفاق المصرين إبَّان صدر الإسلام لا غير لثبوت من كان قابلاً للهداية آنذاك، وبالأخص ما لو كان ضرر ثابت في مجاملتهم، وهذا ما يقدِّر أمره وباحترام من

ص: 415

كلِّ مسلم غيور على الدِّين وذي عقل متين ومن كافَّة المذاهب بدون استثناء كما نصَّ عليه قوله تعالى ]قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ (4) وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)[، بل صرَّحت سورة براءة بكاملها بما يعطي نفس المعنى، ومن ذلك قوله تعالى [وَأَذَانٌ مِنْ الله وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ الله بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)]، وهكذا سورة المنافقين بما يعطي نفس المؤدَّى وبصورة أقرب إلى ما يناسب واقعنا الابتلائي وعمَّن ظاهره الإسلام وباطنه الكفر ومن ذلك قوله تعالى عنهم في سورتهم [وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)].

فإذا كان أهل الكفر في وجوب النُّفرة منهم هكذا فكذلك من لفَّ لفَّهم أو بان خطره على المسلمين والمؤمنين أكثر منهم بمرأى ومسمع من كافَّة أهل الحل والعقد، بل إنَّ بعض الآيات ما أثبتت وجوب مقاتلة الفئات الباغية وبما هو أشد من التَّبرِّي المجرَّد، بل شدَّة التَّبرِّي المطلوبة في واقعها هي الَّتي أوجبت على المسلمين ذلك مثل قوله تعالى ]وإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ [الله .

ولذا نرى أنَّ أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ أصرَّ على مناهضة النَّاكثين والقاسطين والمارقين، وكذلك الحسن عَلَيْهِ السَّلاَمُ قبل نقض بيعته من أعداءه وأعداء الله ومخادعته بالصُّلح المزيَّف، وكذلك الحسين عَلَيْهِ السَّلاَمُ حيث أصرَّ على أن يقاوم أعداء الدِّين باسم الدِّين ومسمَّاه في واقعة كربلاء لمَّا رأى أصحاباً أكفَّاء على قلَّتهم - علماً بأنَّ أصحابه عَلَيْهِ السَّلاَمُ منهم الموالي ومنهم العثماني ومنهم النَّصراني وغيرهم - قد نصروه حينما رأوا الإسلام يصرع بأيدي المنافقين حتَّى الشَّهادة كما مرَّ في

ص: 416

الحديث عن الجهاد.

وعلى أيِّ فالتَّبرِّي هي حالة مؤدَّاها الصُّمود تجاه الحق ضدَّ أعداء الله بمعنى مقاطعة لا لين فيها مثل مؤدَّى الموالاة لأولياء الله إيجابيَّاً لو لم تنفع معهم هداية وهنا مسائل: -

(مسألة 1104) يجب التَّمسُّك بهذا الفرع العاشر من فروع الدِّين والالتزام بأحكامه الشَّرعيَّة الَّتي مجملها هي البرائة من أعداء الله ورسوله 5 والأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ ظاهراً وباطناً مع توفُّر شروط التَّظاهر على كلِّ مكلَّف بالغ عاقل، وأمَّا في حال عدم القدرة على التَّظاهر لا يجوز التَّقصير في أمر ذلك في جوِّه الخاص، ولا أقل من الإنكار القلبي لو لم يمكن الأكثر لما مرَّ ذكره وما يأتي من أمور التَّقيَّة، وإن كان الإنكار القلبي أضعف الإيمان لقوله تعالى إضافة إلى ما مرَّ ]يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ[ وجمعه مع قوله تعالى ]لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا[ وقولهم عَلَيْهِم السَّلاَمُ ((لا يترك الميسور بالمعسور)).

(مسألة 1105) لا يجوز التَّفريق في التَّبرِّي الواجب ممَّن يستحق التَّبرِّي لكفره وضلالته ونحوهما بين الأجانب والأقارب لأدلَّة منها قوله تعالى [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِي (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)] وقوله لابراهيم حينما [قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي] [قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ] وقوله لنوح عن ابنه [إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ]، ولقد أجاد القائل على ضوء تعاليم الإسلام وأدلَّته: -

لعمرك ما الإنسان إلاَّ ابن دينه *** فلا تترك التَّقوى اتِّكالاً على النَّسب

فقد رفع الإسلام سلمان فارس *** وقد وضع الشَّرك الشَّريف أبا لهب

نعم تجب صلة الأقارب بدوام نصحهم وعدم اصطناع فجوة بين الطَّرفين بسبب الاهمال - الكافر مثلاً ورحمه المسلم المتبرئ منه - لأنَّ التَّسرُّع بهذه الفجوة قد تؤثِّر الجفوة الَّتي لا تمكن الرَّحم من ممارسة النُّصح لرحمه إن أمكن لكي يتحقَّق هذا النَّوع من الصِّلة.

ص: 417

(مسألة 1106) ينبغي تعليم الأطفال من هو الَّذي يجب أن يتبرأ منه إذا أحرز وجوب التَّبرِّي من شخص معيَّن يستحق ذلك إذا كان مصِّراً على انحرافه كفراً ونفاقاً أو نصباً كي يبتعد عنه فكراً ومصاحبة وإلاَّ ينبغي تعليمه ذلك بلا تركيز على شخص معيَّن لو حصل، بل قد يفضَّل التَّعميم حتَّى لو كان المقصود هو معيَّن لبعض الأسباب، لأنَّه لو ركَّز في هذا التَّوجيه على الشَّخص المعيَّن لم يحرز فيه الرُّجحان دائماً، إذ ربَّما احتملت هدايته فلا يكون هذا التَّوجيه إذن صحيحاً أو ربَّما يحصل تهور ضدَّه من الطِّفل بما يضر، وقد تنفعهم حالة عدم التَّركيز أيضاً في مستقبل أمرهم إذا بلغوا بأن لا يختلط عليهم أمر المستحق للتَّبري بالمرَّة من أمر غيره إذا ضبط أمر التَّمييز عندهم فيما بعد.

(مسألة 1107) لا يجوز استعمال السَّب والشَّتم بين المسلمين على حدِّ حرمة المشاحنات الَّتي نحن في غنى عنها تماماً بل هي الَّتي تجر علينا الويلات تلو الويلات لو التزمنا بها،وبالأخص لو أمكن إجراء المصالحات لاعتبار أنَّ الصُّلح سيِّد الأحكام، بل إنَّ السَّب والشَّتم حين التَّخاصم أشد حرمة من الأمور الأخرى حتَّى مع من أحرزت البرائة منهم ممَّن ظاهرهم الإسلام، بل حتَّى الكافر لأنَّه قد يسب الله والمُقدَّسات في مقابل سب مبادئه الضَّالَّة أو الكافرة من قبلنا، وهذا ما يكون ضرره أكثر كما قال تعالى {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله فَيَسُبُّوا الله عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}.

وليدع المسلمون الغيارى قاطبة حالات محاولات شفاء الغليل النَّفسيَّة الانتقاميَّة الَّتي ضررها أكثر من نفعها جهد إمكانهم، اللَّهمَّ إلاَّ ما صرَّح القرآن به من آيات اللعن وكذا النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في رواياته الصَّحيحة المشهورة الشَّريفة والمعتبرة عند أهل البيت عَلَيْهِم السَّلاَمُ بل عند الفريقين حيث لعن الكذَّابُّون والزَّنادقة والوضَّاعون وأمثالهم.

(مسألة 1108) لا يجوز سب وشتم المؤمنين فضلاً عن أولياء الله وبالأخص الأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ مع رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، بل إنَّ سبَّ النَّبي والأئمَّة من موجبات الكفر والارتداد الموجب لهدر الدَّم الشَّرعي كما هو موضَّح في قسم العقوبات

ص: 418

الإسلاميَّة والكتب المفصَّلة لما نحن فيه لأدلَّة كثيرة منها قوله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ (يا علي من أحبَّك فقد أحبَّني ومن أحبَّني فقد أحبَّ الله ومن سبَّك فقد سبَّني ومن سبَّني فقد سبَّ الله ).

بل إنَّ القاصدين ذلك والنَّاطقين به هم المنافقون، بل هم الَّذين انقلبوا على أعقابهم على ما نطق به التَّنزيل في قوله تعالى {وَمَا محمد إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ الله شَيْئًا وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ (144)}، علماً بأنَّ أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ هو نفس رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في آية المباهلة وهي قوله تعالى {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ}.

وأمَّا ما روي عن أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ من جواز السَّب له في قوله عَلَيْهِ السَّلاَمُ ((أمَّا السَّب فسبُّوني لأنَّه لكم نجاة ولي زكاة وأمَّا البرائة فلا تتبرَّؤوا منِّي لأنِّي ولدت على الفطرة)) فالمحتَّم فيه هو غير حالة الجواز الطِّبيعيَّة لما ابتليت به الأمَّة من أعداءه القاسطين حينما كانوا يجبرونهم على سبِّه وشتمه، لأنَّه قتل أسلافهم المشركين وغير ذلك لا غير، والضَّرورة تقدَّر بقدرها، ولذا لمَّا رأى من تلاهم من خلفائهم - وهو عمر بن عبد العزيز - ضرر وخطر الاستمرار على هذه الحالة على استمرار حكمهم رفع السَّب والشَّتم عنه.

(مسألة 1109) قد يقتضي التَّبرِّي في بعض الأحوال اللَّعن لأعداء الله تعالى وكما ورد في القرآن الكريم، لما فيه من معنى الدُّعاء عليهم، لما فيه من فوائد: -

أحدها: تهيئة المسلمين والمؤمنين لعدم الخضوع لهؤلاء الأعداء، بل وعدم تمكين الأعداء من جلبهم إيِّانا، لأنَّ باللَّعن يتحقَّق الإبعاد وهو من ثمار كونه دعاء عليهم بالإبعاد، ولذا قالوا بأنَّه يوجد الحاجز النَّفسي عن الانحراف وهو الانحراف نحو الشَّر وأهله، ولذا ورد في القرآن والسُّنَّة والسِّيرة المستمرَّة في موارده الخاصَّة كما مرَّ.

ثانيها: شفاء غليل المؤمنين منهم بذلك الدُّعاء عليهم، خصوصاً إذا كان اللَّعن من مظلوم، لأنَّه سريع الإجابة.

ص: 419

ثالثها: تعظيم الشَّعائر كرجم الجمار من جهة عمليَّة، ولكن اقتضاؤه لا يكون هنا إلاَّ باللعن العلني في موارد خاصَّة لا كل مورد كلعن العدو المشترك ضدَّ المسلمين، وأمَّا غير تلك الخاصَّة فلابدَّ من السِّر كما مرَّ في التَّقيَّة، كما لو احتمل حصول المشاكل المتعلِّقة بالمعاداة من قبل من يستحقُّه من الكفَّار والمنافقين وإن حصل بعض الأخوة المنصفين بذلك لو كشف له ذلكللخطورة.

(مسألة 1110) من مستلزمات البرائة وجوب التَّعبئة العلميَّة والدَّليليَّة الكاملة والتَّهيؤ الدِّفاعي عن الحق الَّذي رفضه أو يرفضه الأعداء وأهل الباطل ولدفع الشُّبهات الَّتي استحوذت على أفكار البسطاء والمغفَّلين وبالأريحيَّة والمرونة غير التَّعصبيَّة ولو للحفاظ على المؤاخاة الدِّينيَّة بين المذاهب الإسلاميَّة الباقية والَّتي هي أهم شيء أمام العدو المشترك الواحد لو لم ينفع الوعظ والنُّصح العلمي والتَّركيز على خصوص من يريد التَّفرقة ممَّن لا يرغب به كل ذوي الإنصاف من كافَّة المذاهب الَّتي طالما جمعتهم علاقات وعلاقات من صدر الإسلام وحتَّى الآن والَّتي لا يشفي غليل العدو الكافر الواحد للجميع إلاَّ تكفير بعضهم البعض الآخر والعياذ بالله.

(مسألة 1111) لو أشكل مستشكل في أنَّ التَّولِّي لأولياء الله بمعناه المذكور والتَّبرِّي من أعداءهم بمعناه أيضاً لو كانا محصورين في هذين الأمرين فما مصير من لم يكن من الطَّرفين وهم الطَّبقة الوسطى وما واجبنا تجاههم فهل نتولاَّهم أم نعاديهم أم ماذا ؟

فنقول كما قلنا في التَّولِّي أنَّ هؤلاء لو كان بعضهم بين أيدينا يجب العناية بهم والتَّركيز على ملاحظتهم إيجابيَّاً تورُّعاً بحسن التَّعامل معهم وحملهم على الصحَّة رعاية لحسن الظَّاهر فيهم ولو في الجملة ممَّن يشك في بغضهم وإظهار أخلاق الإسلام معهم بأعلى معانيها، بل حتَّى من يقال عنهم بالمؤلَّفة قلوبهم والمستضعفين، لأجل أمل انتفاعهم من هذا الطَّبع الإسلامي الشَّريف وإن كان بعضهم من أطلق عليه بالأعداء، لكونهم لم يصلوا إلى درجة أهل الولاء وإن أحبُّوا لو خُلُّوا وطباعهم كالَّذين سمعوا واعية الحسين عَلَيْهِ السَّلاَمُ ولم ينهضوا معه ضد

ص: 420

أعداءه مع كونهم لم يكونوا في صفوف الأعداء في المقاتلة أو كونهم اعتزلوا الحرب لمَّا رأوا مضايقته بالقتال، ولذا قبل منهم ممَّن كان من التَّوابين بعد انتهاء الحرب ووصلوا إلى حد الرِّضا عن بعضهم من قبل الأئمَّة الباقين عَلَيْهِم السَّلاَمُ، لأنَّ الاشتباه الحاصل منهم وإن كان قد يوقعهم ولو اجتهاداً في مجال كونهم مستحقِّين للبراءة منهم ظاهراً لأنَّهم سمعوا واعية الحسين عَلَيْهِ السَّلاَمُ، ولكن يمكن درء الحد عنهم، بل حتَّى أنَّ بعض الأعداء والَّذين تجب البرائة منهم واقعاً حينما داموا على انحرافهم فإنَّهم قد كسبوا في البداية للأسباب المهمَّة عناية الإسلام بهم على ما حدَّثنا به التَّأريخ الصَّحيح في مجالات أحداث عديدة، ولذا آمن منهم من آمن والَّتي منها مضرب المثل الكربلائي حيث أنَّ الحسين عَلَيْهِ السَّلاَمُ ما قاتل أعداءه رأساً، بل أحصيت له خطب ثلاث في نصحهم وغيرها من متفرِّقات الكلام النَّاصح يضاف إليها خطب أصحابه وأنصاره ممَّا ملؤه النَّصيحة والرَّأفة والشَّفقة لهم في الوهلة الأولى لئلاَّ يدخلوا النَّار بسببه عَلَيْهِ السَّلاَمُ جهالة بقدرة إلى أن تأكَّد من اليأس منهم كما قال القائل على لسان حاله: -

بلسانه وسنانه صد *** قان من طعن وقيل

خلط البراعة بالشَّجاعة *** فالصَّليل عن الدَّليل

فهكذا واجبنا نحن إذا داهمنا مثل هذا الموقف فعلينا أن نسعى سعينا إذا كان هناك أمل في هداية من كان متوسِّطاً في وصفه وإلى حد تكامله في إيمانه واستحقاقه درجة الولاء أو يصبر عليه مع الحذر منه في مجال نصحه ومحاولة توجيهه نصرة له كما ورد ((أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) لو جهل حاله إلى حين بدو ما يوجب الحكم له أو عليه.

(مسألة 1112) ليس معنى البرائة هو عدم المعاملة الجيدة حتَّى مع من كان جاهلاً بسيطاً أو مغفَّلاً يمكن معالجة أمره ونحو ذلك ولو بالتَّنازل عن بعض الحقوق الممكن فيها ذلك، بل يجب إبداء الأخلاق العالية معه كما كان يصنعه النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وآله عَلَيْهِم السَّلاَمُ وخيرة أصحابه رضي الله عنهم مع أعدائهمحتَّى أخضعوهم للإسلام والإيمان لهذه الغاية المحتملة نفسها لقوله تعالى [وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ]

ص: 421

وقوله [وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ] وقوله [وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)] وقوله [وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ (6)].

(مسألة 1113) تجب محاولة التَّقريب بين المذاهب المعتبرة بين المجتمع الإسلامي العام مهما حصل من الفجوات ما حصل مع الإمكان بالمجاملة الأخويَّة واتِّخاذ سبيل الحوار البريء وباحترام حالة تمسُّك كافَّة المذاهب الإسلاميَّة بما يذهبون إليه موحَّداً من قبل بعضهم للبعض الآخر عقيدة وعملاً، وبالأخص فيما هو الضَّروري عند الجميع وما أجمع عليه فيما بينهم، بل حتَّى غير الموحِّد من ذلك في أوَّل الأمر ممَّا التقوا فيه في الفرعيَّات على نتيجة موحَّدة ولكن كل من هذه المذاهب له دليله الَّذي يتمسَّك به إلى أن يستقر التَّفاهم المحترم لدى الجميع على ما يرضي الجميع من الأدلَّة الَّتي تُلزم مَن تضعُف حجَّته منها للخضوع إلى من كانت حجَّته قويَّة.

فعلى طلاَّب العلوم الدِّينيَّة - وروَّاد الثَّقافة المتنوِّعة وبالأخص الفقهيَّة المدعومة ببعض الأدلَّة - تعلُّم حالات التَّقريب هذه وأساليب الحوار الحر والابتعاد عن المنفِّرات وهي اليوم كعلم خاص يُطلب ويدرس للوصول جهد الإمكان إلى ما به الفقه المقارن وكأنَّه بين المذاهب المتعدِّدة الخمسة أو السَّبعة كمجاميع الشِّيعة الإماميَّة لو اختلفوا فيما بينهم في الفرعيَّات للأخوَّة الثَّابتة بين الكل أمام العدو المشترك.

(مسألة 1114) يجب جهد الإمكان لأهميَّة الأمر الَّذي نريده في مقام التَّقريب بين المذاهب ونحوه عدم البداية بتكفير بعضهم البعض الآخر بل لابدَّ من الابتعاد عن ذلك تماماً - لما ذكرناه من الجوامع المشتركة الكثيرة عقائد وواجبات شرعيَّة - ووجوب الحمل على الصَّحَّة لإطلاق الشَّهادتين الَّتي بهما حقن الدِّماء والأعراض والأموال وصحَّة التَّعامل بين الجميع في سوق المسلمين

ص: 422

جميعاً وعليه سارت المناكح والسُّنن ما لم يظهر انحراف مبعد لا يستهان به عناداً من المعادين الَّذين ذكروا سابقاً.

بل إنَّما لابدَّ أن تكون البداية في إبداء حالات التَّقارب والاعتزاز بها أمام العدو المشترك والحوار العلمي بما يمكن التَّقارب فيه في الأمور الأخرى حتَّى لو أصرَّ كل فريق باعتزازه بما عنده لكون كثير من أدلَّة الطَّرفين قد تلتقي على نتيجة موحَّدة لو تحلَّى الكل بالصَّبر والمرونة وهي المسمَّاة عندنا بالمؤيِّدة من أدلَّتهم وأهمُّها الموثَّقة من طرق العامَّة ونحو هذا الأسلوب من أساليب الحوار المحفوف بالمودَّة المتبادلة، وعلى هذا ونحوه نهجت جمعيَّة التَّقريب بين المذاهب الخمسة سابقاً في جامع الأزهر من الرَّهط المشترك من علماء الفريقين أيَّام شلتوت والقمِّي وكاشف الغطاء ومن معهم.

(مسألة 1115) إنَّ من مصاديق أحكام التَّبرِّي الشَّرعي الرَّاجح إتِّباعه بل الواجب هو كون المقابلة به مع الأعداء كالكفَّار والمنافقين والبغاة ونحوهم عادلة ولو ظاهراً حتَّى لو كانت تسبِّب ضغطاً على المسلم والمؤمن كأمره لو اقتضت المصلحة بالصَّبر والتَّحمُّل وإن استحقُّوا العذاب بتمام الأدلَّة الَّتي منها قوله تعالى [يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ] تجاه هؤلاء وعلى ما تقتضيه المصلحة الفعليَّة فإن اقتضت المسالة الشِّدَّة فهي وإن اقتضت الخفَّة فكذلك، لأنَّ شدَّة المقابلة والعنف فيها في جميع المجالات وإن كانت موازنة لحقد الأعداء العنيف باطناً وظاهراً، إلاَّ أنَّ الأنجح أن تكون على وزن معاداتهم العمليَّة الظَّاهريَّة أو لا أقل من أن تكون موازنة للسِّياسة المناسبة الَّتي تشخَّص من قبل الإمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ أو الفقيه وكما في مسألتيالتَّقيَّة.

فعلى كل من يعتبر وجود فجوة كبيرة غير محتملة بين بعض المذاهب الإسلاميَّة وإلى حدِّ وجوب أو جواز التَّبرِّي والمقاطعة عليهم منهم أن يبدِّلوا رأيهم حول ذلك وردأ الصَّدع بالأساليب الاستصلاحيَّة والإصلاحيَّة والنَّاجحة في نفس الوقت.

(مسألة 1116) يجوز الصُّلح أو المهادنة أو المعاهدة كما يجوز الموافقة في بقاء

ص: 423

بعض الكفَّار ونحوهم من السَّاكنين فيما بين المسلمين والمؤمنين إذا لم يتضرَّر منهم فضلاً عمَّا لو ينتفع منهم على أساس إتِّباع شروط الذِّمَّة من أولئك كاليهود والنَّصارى وغيرهما ممَّن بقي على كونه من أهل الكتاب حقيقة بعدم الإعلان بالنَّواقيس وعدم التَّجاهر بشرب الخمرة وأكل لحم الخنزير كما كان يفعل في زمن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والأئمَّة الطَّاهرين عَلَيْهِم السَّلاَمُ ومن أنابهم الأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ خصوصاً أو عموماً ولكن تحت إشراف الفقيه.

(مسألة 1117) لا مانع من السُّكنى المؤقَّتة في بلاد أهل الكفر للأغراض الدِّينيَّة فقط لا بنحو الهجرة، لأنَّ مثل هذا في مورد الضَّرر يعتبر تعرُّباً بعد الهجرة.

(مسألة 1118) يجب الالتزام بالتَّقيَّة في مواردها الواجبة احتراماً لأهل اللين من بقيَّة المسلمين وأهل العلاقات الجيِّدة من بقيَّة المذاهب معنا إن أصرُّوا على أرائهم لا تملُّقاً في غير الواجبات الضَّروريَّة كالخلافيَّات الفرعيَّة.

والَّتي لم يدرك أدلَّتها أولئك المسلمون إمَّا من قبلهم أو من تقصير البعض منَّا في عدم إفهامهم أو من جرَّاء التَّباعد وإن كان من أدلَّتها ما لو بيِّنت لهم لقبلوها، أمَّا إذا بيِّنت أدلَّتها لهم مع سلامة الأجواء واندفع الخطر من إجراءها فلا داعي لذلك، بل قد يحرم الالتزام بها كما سيجيء.

وهذه التَّقيَّة لم تكن كما قد يتصوَّره البعض خطأً أنَّها من الجبن أو من الرِّكَّة في الفقاهة، بل هي من الشَّجاعة بمكان في حالاتها لحفظ ذمار المسلمين وبيضة الإسلام ولو على أساس مختلف الآراء وأدلَّتها المتفاوتة من المذاهب إلى أن يتَّضح الحق كاملاً للجميع فتصفى الصَّافية لمذهب الحق إذا توحَّد بل هي حالة يعملها كل أحد إذا خاف من شيء على قاعدة دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة كمؤمن آل فرعون الَّذي كان يكتم إيمانه، وكما قال الله تعالى في بعض الموارد ]إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً[، وقوله عن موسى ]خَائِفَاً يَتَرَقَّب[ أي يتكتَّم، ولولا التَّقيَّة في زمن العبَّاسييِّن في بعض الحالات لضاع علم أل محمد المحفوظ عنه صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، وقد اهتمَّ الأئمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ بذلك في تصريحاتهم العديدة الَّتي منها ((مَنْ لاَ تَقِيَّةَ

ص: 424

لَهُ لاَ دِينَ لَهُ)) و ((التَّقِيَّةُ دِينِي وَدِينُ أبَائِي)).

(مسألة 1119) لا يجوز الالتزام بالتَّقيَّة في غير مواردها اللازمة أو الرَّاجحة ككون المكلَّف مصليَّاً أو نحو ذلك بين رعيل مسلم مثله حتَّى لو كانوا من المذاهب الأخرى المتحابَّة والمتوادَّة والَّتي تحترم مشاعر بقيَّة المذاهب كما لو كان هذا الرَّعيل يريد احترام نفسه في شخصه ومشاعره لو كان مصليَّاً كذلك ونحو ذلك بين رعيل إخوتهم الآخرين، بل إنَّ التَّقيَّة في غير مواردها قد تكون من نوع التَّملُّق الزَّائد الَّذي لا تحبُّه بعض تلك المذاهب الأخرى بل كلُّها حتَّى لو كان بعض أصحابها لم ينفكُّوا من قيود التَّعصُّب وحب الذَّات دون الذَّوات الأخرى، بل إنَّ بعضهم من يعتبر غير المتمسِّك بمذهبه والمجامل على حساب التَّقيَّة المذكورة هو ضعيف الانتساب.

(مسألة 1120) لا مانع من السُّكنى الدَّائمة في بلدان المسلمين لكل مسلم من الَّتي تقطنها جماعات مذهب خاص وإن اختلف السَّاكن معهم في مذهبهم، بل هو الرَّاجح للأخوَّة ما لم يكنفي ذلك ضرر أو إحراج مع رجحان أو وجوب الإقلاع من حالة التَّعصُّب هذه شرعاً.

(مسألة 1121) ينبغي بل يجب في بعض الأحوال محاولة الإصلاح بين المتقاتلين والمتحاربين من المسلمين مع الإمكان إذا لم يعرف المحق منهم من المبطل لقوله تعالى [وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ] وقولهم عَلَيْهِم السَّلاَمُ ((الصُّلح سيِّد الأحكام)) أو عرف المحق من جهة ووقعت شبهات في بعض الأمور، فإنَّ العدالة وإن اقتضت أن يكون الميل لجانب المظلوم ولكن حسم كثير من القضايا قد لا يتم إلاَّ مع الصُّلح لما كان من الشُّبهة كي تتم العدالة في جميع أمورها سواء كان الحق لنا أم علينا، وستأتي بعض أمور مناسبة في كتاب الصُّلح وكتابي القصاص والدِّيات، كما مرَّ شيء من ذلك في باب الإفتاء والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر عن أحوال ما يقع فيها من مسائل وأحوال العشائر ومشاكلها وحرمة الإفتاء بغير علم وحرمة التَّصدِّي للصُّلح غير العادل تمسُّكاً بالقوَّة والتَّهديد بها وتركاً للحكم الشَّرعي وتخاذلاً عنه وجنوحاً للمادَّة الَّتي

ص: 425

تعطى للوسطاء.

هذا آخر ما أردنا بيانه في هذا الجزء، وهو جزء العبادات من المسائل المنتخبة من رسالتنا الفقهيَّة القادمة الموسَّعة المسمَّاة ب- (غُنية المتَّقين في أحكام الدَّين)، كأطروحة نأمل منها الإفادة ولو للسَّعي إلى ما هو أوسع في المستقبل القريب بإذن الله تعالى عسى أن تكون حائزة رغبة الأفاضل والمحصِّلين (وفَّقهم الله تعالى)، ومن الله نستمدُّ العون والتَّوفيق، ومن صاحب الأمر (عجَّل الله تعالى فرجه الشَّريف) نبغي السَّماح والدُّعاء.

ويليه الجزء الآخر وهو كتاب المعاملات.

وقد تم إنجاز هذا الجزء في النَّجف الأشرف في الأوَّل من جمادى الآخرة لعام ألف وأربعمائة وعشرين من الهجرة النَّبوية الشَّريفة على مهاجرها وآله الأطهار ألاف الصَّلاة والسَّلام.

كما وتمَّ كذلك بحمده تعالى وتوفيقه عمل التَّصحيح وبعض الإضافات والاستدراكات الاحتياطيَّة ونحوها للطَّبعة الثَّانية في النَّجف الأشرف في يوم الثُّلاثاء التَّاسع عشر من ذي القعدة الحرام لعام ألف وأربعمائة وسبعة وثلاثين من الهجرة النَّبويَّة الشَّريفة على مهاجرها وآله الأطهار ألاف الصَّلاة والسَّلام.

وَالحَمْدُ للهِ أَوَّلاً وَآخِرَاً

ص: 426

فهرس

1 -توثيق سماحة السَّيِّد(دام ظلُّه....... 4

2-المقدِّمة ....... 5

3-كتاب الصَّلاة ....... 7

4-كتاب الصَّلاة / فضائل الصَّلاة ....... 9

5-المقصد الأوَّل / في مقدِّمات الصَّلاة ....... 12

6-المبحث الثَّاني / في المقدِّمة الثَّانية أعداد الفرائض ومواقيتها وجملة من أحكامها ....... 12

7-الفصل الأوَّل / أعداد الفرائض ونوافلها ....... 12

8-الفصل الثَّاني / في أوقات الفرائض ....... 14

9-الفصل الثَّالث / أوقات فضيلة الفرائض ....... 17

10-الفصل الرَّابع / أوقات نوافل الفرائض ....... 18

11-الفصل الخامس / أحكام الأوقات ....... 19

12-فروع لذوات الأوقات ....... 22

13-المبحث الثَّالث / في المقدِّمة الثَّالثة (القبلة) ....... 24

14-المبحث الرَّابع / في المقدِّمة الرَّابعة (السَّتر والسَّاتر) ....... 29

15-الفصل الأوَّل / في بيان السَّتر وما يجب ستره في الصَّلاة ....... 29

16-الفصل الثَّاني / في شروط السَّاتر (لباس المصلِّي) ....... 30

17-الفصل الثَّالث / أحكام السَّاتر ....... 35

18-الفصل الرَّابع / في مستحبَّات ومكروهات السَّتر ....... 37

19-المبحث الخامس / في المقدِّمة الخامسة (مكان المصلِّي) ....... 38

ص: 427

20-الفصل الأوَّل / في شروط مكان المصلِّي ....... 38

21-الفصل الثَّاني / أحكام مكان المصلِّي ....... 42

22-الفصل الثَّالث / أحكام مسجد الجبهة ....... 43

23-إيضاح حول السُّجود على التُّربة الحسينيَّة ....... 45

24-الفصل الرَّابع / آداب مكان المصلِّي ....... 49

25-القسم الأوَّل / الأمكنة المستحب فيها الصَّلاة ....... 49

26-القسم الثَّاني / المواضع الَّتي يكره فيها الصَّلاة ....... 51

27-المبحث السَّادس / في الآذان والإقامة ....... 52

28-الفصل الأوَّل / فصول الأذان والإقامة ....... 53

29-الفصل الثَّاني / شروط الأذان والإقامة ....... 54

30-الفصل الثَّالث / موارد سقوط الأذان والإقامة ....... 56

30-مستحبَّات الأذان والإقامة ....... 57

32-المبحث السَّابع / التَّوجُّه في الصَّلاة ....... 59

33-المقصد الثَّاني / أفعال الصَّلاة ....... 61

34-الواجب الأوَّل / النِّيَّة وأحكامها ....... 62

35-حالات العدول عن النِّيَّة ....... 66

36-الواجب الثَّاني والرُّكني / تكبيرة الإحرام وأحكامها ....... 68

37-الواجب الثَّالث والرُّكني / القيام وأحكامه ....... 70

38-الواجب الرَّابع / القراءة وأحكامها ....... 74

39-الواجب الخامس / التَّسبيحات في الصَّلاة ....... 79

40-من كيفيَّات القراءة / مسائل في الجهر والإخفات ....... 81

41-مستحبَّات ومكروهات القراءة ....... 82

42-الواجب السَّادس والرُّكني / الرُّكوع وأحكامه ....... 84

43-الواجب السَّابع والرُّكني / في السُّجود وأحكامه ....... 89

ص: 428

44-السُّجود في الفرائض ....... 90

45-مستحبَّات ومكروهات السُّجود ....... 95

46-سجود التِّلاوة ....... 96

47-سجود الشُّكر....... 98

48-المستثنيات الَّتي لا تسبِّب خللاً في الصَّلاة وإن حصلت مخالفة ظاهريَّة في بعض الأركان ....... 100

49-الواجب الثَّامن / في التَّشهُّد وأحكامه ....... 101

50-الواجب التَّاسع / التَّسليم وأحكامه ....... 102

51-الواجب العاشر / التَّرتيب وأحكامه ....... 104

52-الواجب الحادي عشر / الموالاة ....... 104

53-فصل في القنوت ....... 105

54-فصل في التَّعقيبات ....... 107

55-المقصد الثَّالث / منافيات الصَّلاة ....... 109

56-ممَّا يلحق بالمقام ....... 113

57-يلحق بالمنافيات مكروهات الصَّلاة ....... 115

58-المقصد الرَّابع / أحكام الخلل ....... 116

59-الفصل الأوَّل / الطوارئ الَّتي ترد على الصَّلاة ....... 116

60-الفصل الثَّاني / الإخلال بأجزاء الصَّلاة وشرائطها زيادة ونقصاناً....... 117

61-المقصد الخامس / الشُّكوك في الصَّلاة ....... 119

62-الشَّك في إتيان الصَّلاة ....... 119

63-الشَّك في أفعال الصَّلاة ....... 120

64-الشَّك في عدد الرَّكعات ....... 122

65-القسم الأوَّل / الشُّكوك المبطلة للصَّلاة ....... 122

ص: 429

66-القسم الثَّاني / الشُّكوك الصَّحيحة ....... 123

67-الشُّكوك الَّتي لا يعتنى بها ....... 127

68-شك كثير الشَّك ....... 127

69-شك الإمام والمأموم ....... 129

70-الشَّك في الصَّلوات المستحبَّة ....... 129

71-الظن في الصَّلاة ....... 130

72-صلاة الاحتياط ....... 131

73-قضاء الأجزاء المنسيَّة ....... 134

74-سجود السَّهو ....... 136

75-المقصد السَّادس / صلاة المسافر....... 139

76-الفصل الأوَّل / شرائط القصر ....... 139

77-الفصل الثَّاني / في قواطع السَّفر ....... 153

78-الفصل الثَّالث / أحكام صلاة المسافر ....... 159

79-المقصد السَّابع / صلاة القضاء ....... 161

80-المبحث الأوَّل / أحكام القضاء ....... 161

81-المبحث الثَّاني / التَّبرُّع والنِّيابة والاستئجار....... 167

82-الفصل الأوَّل / في الأحكام ....... 167

83-الفصل الثَّاني / قضاء الولي ما فات عن والديه ....... 169

84-الفصل الثَّالث / صلاة الاستئجار ....... 171

85-صلاة الجمعة ....... 174

86-كيفيَّتها ....... 175

87-شروط صلاة الجمعة ....... 176

88-صلاة الآيات ....... 179

89-كيفيَّة صلاة الآيات ....... 182

ص: 430

90-صلاة الجماعة ....... 185

91-شروط انعقاد الجماعة ....... 189

92-شروط امامة الجماعة ....... 192

93-أحكام الجماعة ....... 195

94-مستحبَّات صلاة الجماعة ....... 199

95-مكروهات صلاة الجماعة ....... 200

96-الصَّلوات المستحبَّة ....... 202

97-صلاة اللَّيل ....... 202

98-صلاة العيدين ....... 203

99-صلاة الغفيلة ....... 205

100-صلاة جعفر الطَّيَّار ....... 206

101-صلاة أوَّل الشَّهر ....... 207

102-صلاة الحاجة ....... 207

103-كتاب الصَّوم ....... 209

104-كتاب الصَّوم، المبحث الأوَّل حقيقة الصَّوم وفضله وأقسامه ....... 211

105-تعريف الصَّوم وحقيقته ....... 211

106-فضله وأهميَّته وفوائده ....... 211

107-المبحث الثَّاني / في أقسام الصَّوم ....... 214

108-المبحث الثَّالث / في طرق ثبوت هلال شهر رمضان ....... 217

109-المبحث الرَّابع / في شرائط صوم شهر رمضان ....... 219

110-الفصل الأوَّل / شرائط الوجوب ....... 219

111-المرَّخصين في الإفطار ....... 224

112-الفصل الثَّاني / شروط صحَّة الصَّوم ....... 225

113-المبحث الخامس / في النَّيَّة ....... 227

ص: 431

114-الفصل الأوَّل / في أحكام النَّيَّة ....... 227

115-الفصل الثَّاني / في صوم يوم الشَّك ....... 230

116-المبحث السَّادس / في مفطِّرات الصَّوم ....... 231

117-الفصل الأوَّل / المفطَّرات العشرة وأحكامها ....... 231

118-تتميم ....... 243

119-حالات استحباب الإمساك التَّأدُّبي ....... 245

120-الفصل الثَّاني / مكروهات الصَّوم ....... 246

121-المبحث السَّابع / في كفَّارة الصِّيام ....... 248

122-الفصل الأوَّل / في معنى الكفَّارة وموارد وجوبها ومقدارها ....... 248

123-الفصل الثَّاني / في أحكام الكفَّارة ....... 250

124-الفصل الثَّالث / في مصرف الكفَّارة ....... 253

125-الفصل الرَّابع / في موارد وجوب القضاء فقط دون الكفَّارة ....... 254

126-المبحث الثَّامن / في قضاء صوم شهر رمضان ....... 257

127-الفصل الأوَّل / في أحكام القضاء ....... 257

128-الفصل الثَّاني / في الفدية وورودها مع القضاء ....... 259

129-كتاب الاعتكاف ....... 262

130-الفصل الأوَّل / في أركان وشرائط الاعتكاف ....... 263

131-الفصل الثَّاني / في بعض ما يتعلَّق بالاعتكاف ....... 266

132-الفصل الثَّالث / في أحكام الاعتكاف ....... 268

133-تنبيه ....... 270

134-كتاب الزَّكاة ....... 271

135-القسم الأوَّل / في زكاة الأموال ....... 274

136-المقصد الأوَّل / شرائط وجوب زكاة الأموال ....... 276

137-المبحث الأوَّل / شرائط وجوب زكاة الأموال العامَّة ....... 276

ص: 432

138-المبحث الثَّاني / الشَّرائط الخاصَّة ....... 279

139-الفصل الأوَّل / شرائط زكاة الأنعام الثَّلاثة ....... 279

140-الفصل الثَّاني / شروط زكاة النَّقدين ....... 285

141-الفصل الثَّالث / شرائط زكاة الغلاَّت الأربع ....... 288

142-الفصل الرَّابع / شرائط زكاة مال التِّجارة ....... 292

143-المقصد الثَّاني / في أصناف مستحقِّي الزَّكاة (الثَّمانية) وأوصافهم....... 294

144-المبحث الأوَّل / في أصنافهم....... 294

145-المبحث الثَّاني / في أوصاف المستحقِّين ....... 300

146-المقصد الثَّالث / في بعض أحكام زكاة الأموال ومعها زكاة التِّجارة....... 304

147-القسم الثَّاني / زكاة الأبدان (زكاة الفطرة) ....... 309

148-الفصل الأوَّل / في شرائط زكاة الفطرة ....... 311

149-شروط الوجوب ....... 311

150-الفصل الثَّاني / في جنس زكاة الفطرة ومقدارها ....... 314

151-جنس الفطرة ....... 314

152-مقدار الفطرة ....... 314

153-الفصل الثَّالث ....... 315

154-الأمر الأوَّل / وقت اخراج زكاة الفطرة ....... 315

155-الأمر الثَّاني / مصرف زكاة الفطرة ....... 316

156-كتاب الخمس ....... 317

157-الفصل الأوَّل / في ما يجب فيه الخمس وشيء من مسائله ....... 319

158-الغنائم ....... 319

159-المعادن ....... 321

ص: 433

161-الكنز ....... 323

162-ما أخرج بالغوص في البحار ....... 324

163-الأرض الَّتي يشتريها الكافر الذمِّي من المسلم ....... 324

164-المال الحلال المخلوط بالحرام ....... 325

165-ما زاد على مؤونة سنته ومؤونة سنة عياله ....... 328

166-الفصل الثَّاني / في المؤونة وأحكامها وما يتعلَّق بها ....... 337

167-الفصل الثَّالث / في أحكام الخمس ....... 341

168-الفصل الرَّابع / في مستحقِّ الخمس ومصرف حقِّ الإمام ....... 343

169-مصرف حقِّ الإمام ....... 344

170-كتاب الحج والعمرة ....... 347

171-شرائط وجوب الحج والعمرة ....... 349

172-أقسام الحج ....... 350

173-حج التَّمتُّع ....... 351

174-شرائط حجِّ التَّمتُّع ....... 353

175-المواقيت ....... 353

176-أركان الحج ....... 355

177-الإحرام وأحكامه ....... 355

178-تروك الإحرام ....... 356

179-الطَّواف ....... 361

180-صلاة الطَّواف ....... 362

181-السَّعي في الصَّفا والمروة ....... 363

182-التَّقصير ....... 363

183-أعمال الحج ....... 365

184-الوقوف بعرفات ....... 365

ص: 434

185-الوقوف بالمشعر الحرام (مزدلفة) ....... 366

186-ادراك الوقوفين الاختياري والاضطراري ....... 367

187-منى وواجباتها ....... 368

188-رمي جمرة العقبة ....... 368

189-الهدي ....... 369

190-مصرف الهدي ....... 370

191-الحلق أو التَّقصير ....... 371

192-طواف الحج وغيره من أعمال مكَّة المكرَّمة ....... 372

193-العود إلى منى للمبيت فيها ....... 372

194-رمي الجمرات ....... 373

195-كتاب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ....... 375

196-شروط وجوب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ....... 379

197-مراتب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ....... 381

198-معنى الكبيرة وتعدادها ....... 382

199-أهم الصِّفات الحسنة والصِّفات الذَّميمة ....... 386

200-التَّوبة ....... 389

201-كتاب الجهاد ....... 391

202-أقسام الجهاد ....... 394

203-الثَّاني من قسمي الجهاد (جهاد النَّفس) ....... 396

204-كتاب التَّولِّي ....... 399

205-كتاب التَّبرِّي ....... 413

206-فهرس ....... 427

ص: 435

ص: 436

المجلد 2

هوية الکتاب

جمَمِيعُ الحُقُوقِ محَفُوظَة

الطَّبعَةُ الثَّانِيَة

مَزِيدَة ومُنقَّحَة

1424ه- / 2003م

النَّجف الأشرف

آيت الله العظمي السيد علاءالدين الموسوي الغريفي دامت برکاتة

ص: 1

اشارة

جمَمِيعُ الحُقُوقِ محَفُوظَة

الطَّبعَةُ الثَّانِيَة

مَزِيدَة ومُنقَّحَة

1424ه- / 2003م

تنبيه مهم

على كل من لديه هذا الكتاب لطبعته الأولى الاعتماد على هذه الطَّبعة في التَّصحيحات والتَّفاوتات الفتوائيَّة الحديثة والله الموفِّق.

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

« وَقُلْ اِعْمَلُوا فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ

وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُون » التَّوبة / 105

صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيمُ

عَنْ الإمام الكاظم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنَّه قال: -

((تَفَقَّهُوا في دِينِ اللهِ فَإِنْ الفِقْهَ مِفْتَاحُ البَصِيرَةِ وَتَمَامُ

العِبَادَةِ وَالسَّببُ إِلى المَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ وَالرُّتَبِ الجَلِيلَةِ في

الدِّينِ وَالدُّنيَا، وَفَضْلُ الفَقِيهِ عَلَى العَابِدِ كَفَضلِ

الشَّمْسِ عَلَى الكَوَاكِبِ وَمَنْ لَمْ يَتَفَقَّه في دِينِهِ

لَمْ يَرْضَ اللهُ لَهُ عَمَلاً))

تحف العقول / 307

ص: 3

بِسْمِهِ تَعَالَى شَأنُهُ

وَلَهُ اَلحَمْد وَالمَجْد

لا بأس بالعمل بهذه الرِّسالة الشَّريفة المختصرة، الملخِّصة لرسالتنا الموسعَّة المسمَّاة ب- (غنية المتَّقين في أحكام الدِّين) مع مراعاة الاحتياط جهد الإمكان، فإنَّه مجز ومبرئ للذمَّة إنشاء الله تعالى.

النَّجف الأشرف

ص: 4

المُقَدِّمَةُ العَامَّة لِلمَسَائِل المُنْتَخَبَة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

الحمد لله ربِّ العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، ومتحفهم بالشَّرع المبين، على يد خاتم الأنبياء والمرسلين، ومن خلَفه من بعده - من حفظة شرعه - الأئمَّة الغر الميامين، ومن ناب منابهم - ممَّن سار على نهجهم، من فقهاء الأمَّة والعلماء العاملين، ثمَّ الصَّلاة والسَّلام على النَّبي الصَّادق الأمين، وآله الطَّيبين الطَّاهرين، وصحبه المنتجبين، ومن تلاهم من خيار التَّابعين وحواري المعصومين، واللَّعنة الدَّائمة على أعدائهم من الآن إلى يوم الدِّين.

وبعد فيقول العبد الفقير إلى الله الغني المُغني (علاء الدِّين) نجل العلاَّمة الجليل الحجَّة السَّيد موسى الموسوي البحراني الغُريفي ((دام ظلُّه))، إنَّه قد طلب منِّي الكثيرون - من أعزَّائنا من الأخوة والأبناء المؤمنين في كثير من الأماكن وبإلحاج شديد - إبراز شيء ممَّا استقرَّ عليه رأينا ورجَّحه نظرنا القاصر في مجال الأمور الفقهيَّة كعادتهم في طلبهم ذلك منَّا في المجالات الأخرى سابقاً لحسن ظنِّهم بنا، فلم يسعنا التَّخلُّص منهم إلاَّ باختصار رسالتنا العمليَّة المسَّماة ب- (غُنية المتَّقين في أحكام الدِّين) قبل إظهارها للطَّبع.

فاخترناها لهم على أن لا تخرج عن طور التَّكريم للفقهاء الأكابر المعاصرين المنظورين بالاعتبار بمحاولة التَّقريب بين فتاوانا وفتاواهم جهد الإمكان ولو بالنَّحو الاحتياطي، ولهذا ميّزناها بكثرة الاحتياط الممكن وسمَّيناها ب- (المسائل المنتخبة)، لينتفع بها أكبر عدد ممكن.

وقد رتَّبناها على جزأين (عبادات ومعاملات) وجعلنا قبلهما المقدِّمات، وهي أقسام ثلاثة: -

الأوَّل: مقدِّمات قبل طرح الرِّسالة في ثماني عشرة نبذة لها علاقتها المهمَّة بها.

ص: 5

الثَّاني: مقدِّمات التَّفقُه في الدِّين، وهي الاجتهاد والتَّقليد والاحتياط.

الثَّالث: مقدِّمات العبادات وما يلحق بها من المعاملات، وهي الطَّهارة بالمعنى العام.

فأسأل الله تعالى أن تكون محقِّقة لرغبة الرَّاغبين المحتاجين خالصة لوجهه الكريم، ومحفوفة بعناية صاحب الأمر وولي العصر إمامنا الثَّاني عشر عجَّل الله تعالى فرجه وسهَّل مخرجه الشَّريف وجعلنا من أنصاره وأعوانه إنَّه سميع مجيب.

النَّجف الأشرف

1 جمادى الآخرة علاء الدِّين الموسوي

1420ه-

الغُريفي

ص: 6

المُقدِّمَةُ الخَاصَّة بِأَمْرِ المُقَدِّمَاتِ العَامَّة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

وَبِهِ نَسْتَعِينِ

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على محمد وآله الطَّيبين الطَّاهرين، وبعد: -

فهذه مواضيع المقدِّمات الدِّينيَّة العامَّة قبل البدء بالرِّسالة في عباداتها ومعاملاتها العائدة لها من حيث العموم، إخترناها مفصولة قبل البدء بتلك الرِّسالة في هذه المقدِّمة الخاصَّة، لتيسيرها لطلاَّبها مستعجلاً كما مضى بيانه في المقدِّمة العامَّة، وهي على ثلاثة أقسام:-

ص: 7

ص: 8

نُبَذٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الرِّسَالةِ العَمَليَّة

اشارة

ص: 9

ص: 10

القسم الاول في ُبَذٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الرِّسَالةِ الفقهيَّة العَمَليَّة

بالرغم من أنَّنا آلينا على أنفسنا في هذه الرِّسالة المختصرة بكلا جزئيها الأوَّل والثَّاني من الاختصار في كلِّ أمورها مقدِّمات وغايات، إلاَّ أنَّه - ولبعض ضرورات وقتيَّة هامَّة - لابدَّ من بيان نُبذ قد تكون مقدِّمة لها شأنها الكبير لهذه الرِّسالة ليستفيد منها القارئ المثقَّف - فضلاً عن البسيط في ثقافته - ويستنير بها العامِّي في معلوماته.

فنقول و بالله الإستعانة: -

النُّبْذَةُ الأُولَى فِيمَا يَجِبُ إِحْرَازُه عَلَى المُتَفقِّهِين مِنَ الاِعْتِقَادِيَّات

إنَّ هذا الموضوع من المواضيع المهمَّة في بابها والقابلة للإطالة في الكلام عنها لما فيه من تشكيك الجهلة وذوي العقول النَّاقصة والرِّد عليها، وقد أشبعنا ذلك -والحمد لله - في الرِّسالة الموسَّعة، لذا نكتفي هنا بالإيجاز في ذلك، لئلاَّ نخرج عن الطَّور الَّذي صمَّمنا عليه هنا.

فنقول: إنَّه يجب عقلاً - كما أرشد إليه الكتاب والسُّنَّة - على كلِّ مكلَّف ومسؤول شرعاً بالفقهيَّات (عبادات ومعاملات) أن يعتقد بعقائد الإسلام العزيز - قبل العمل بالفقهيَّات - وبما يلحق بها من توابع الاعتقاد الحق اللازمة المفصَّلة في محلِّها من علم الكلام وأصول العقائد، وفي الجزء الأوَّل من رسالتنا العمليَّة الكبيرة وغيرهما، لا بنحو كونه مقدِّمة مقوِّمة للفقاهة وإنَّما ذلك لوجوب إحراز أحسن الاعتقاد لتصحيح العمل الفقهي كما سيتَّضح.

وهذه العقائد هي الأصول الثَّلاثة - المعروفة - بإجماع كافَّة المسلمين، وهي: -

ص: 11

1- التَّوحيد، وهو اعتقاد المكلَّف وإذعانه بأنَّه لابدَّ لهذه المخلوقات المختلفة الَّتي حولنا من إله واحد ورب صمد، يدبِّر ويدير أمورها، خاضعة عابدة له، بلا شريك يزاحمه، ولا وزير يسانده، ولا والد يعاضده، ولا ولد يدعو له ويمتثل أمره، متَّصف بكافَّة صفات الكمال، ومنزَّه عن سيئ المقال ]سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُون[، ألاَ وهو ( الله ) جلَّت أسماؤه وعظمت آلاؤه، ويكفي فيها - لعصمة دم المكلَّف وماله وعرضه - الإقرار بلسانه بأنَّه (لا إله إلاَّ الله ).

2- النُّبوة، وهي الاعتقاد والإذعان بأنَّه لابدَّ لخالق البشر من مبعوثين يبعثهم رحمة منه لأممهم - من جنسهم وعلى لسانهم، متمتِّعين بكلِّ فضيلة، ومعصومين عن كلِّ خطيئة، ومنزَّهين عن كلِّ رذيلة - بواسطة وحي منه، يسمعون منهم التَّبليغ.

وقد جهَّزهم بمعاجز وآيات، خارقات للعادات، تُثبت صحَّة دعواهم، وتشهد بصدق كلامهم، ليكونوا هداة لإطاعته، ودعاة لعبادته، وقادة لشرائعه، ومبشِّرين بثواب خير الأعمال، ومنذرين بعقاب سوء الأفعال، ألاَ وهم الأنبياء الصَّالحون والأتقياء المخلِصون.

وهم على ما ورد عن أهل بيت العصمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ (مائة وأربعة وعشرون ألف نبي)، يصدِّق بعضهم بعضاً، ويبشِّر السَّابق منهم ببعثة اللاحق، أوَّلهم أبو البشريَّة جمعاء (آدم) عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ .

اختار منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر - على ما ورد في بعض الرِّوايات - أعلى منهم مرتبة وأسمى درجة، أبلغهم تعالى مقام الرِّسالة إلى عباده، وفضلَّهم بمشاهدة وحيه.

ثمَّ انتخب منهم خمسة، يُسمَّون بأولي العزم، تميَّزوا عنهم بأمرين: -

الأوَّل: أنَّ لكل واحد منهم كتاباً وشريعة مستقلِّة عن غيرها وناسخة لإحكامها.

الثَّاني : إتِّباع الأنبياء المعاصرين لهم أو بعض المتأخِّرين عنهم إيَّاهم.

وهم بحسب ترتيبهم الزَّمني (نوح، وإبراهيم، وموسى - وعيسى - و محمد) على نبيِّنا وآله وعليهم أفضل الصَّلاة والسَّلام، ما بين عهد كل منهم خمسمائة عام أو ما يزيد شيئاً عن ذلك.

ثمَّ اصطفى منهم ( محمد بن عبد الله ) ليكون خاتماً للنَّبيين، وسيِّداً للمرسلين، ولتكون شريعته أفضل الشَّرائع - لاستجابتها لاحتياجات البشر كلِّها حتَّى نهاية العالم - ومعجزته

ص: 12

(القران) أرقى المعاجز، وخير برهان على إعجازه الدَّائم أنَّه لا يزال خالداً صحيحاً معتبراً في نصوصه، وصدى صوته يُدّوي في كل أرجاء المعمورة، تحدَّى به حامله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في عصر نزوله كافَّة خبراء أهل الفصاحة والبلاغة وإلى الآن وإلى قيام السَّاعة.

وبذلك يكفي للعصمة المذكورة لكل مكلَّف في حقن ماله ودمه وعرضه - كما مرَّت الإشارة إليه - إضافة إلى كلمة التَّوحيد شهادة (أنَّ محمداً رسول الله )، وهي المسمَّاة مع كلمة التَّوحيد بالشَّهادتين اللتين يجب الإقرار بهما.

3- المعاد يوم القيامة، وهو الاعتقاد والإذعان بأنَّه لابدَّ من يوم تُعاد فيه الأرواح إلى الأجسام بعد موتها، ليجزي الله فيه كل امرئٍ على أعماله، ويعوِّضه عن كل أفعاله بما يناسبها من طاعة أو معصية، فيأخذ كل ذي حق حقَّه من الثَّواب أو العقاب.

فمن لم يعتقد بهذه الأمور - الثَّلاثة - لا تصحُّ منه أعماله العباديَّة وإن لم تسقط عنه على ما هو معروف ومشهور، كما توسَّعنا في الكلام عنه في كتابنا (غاية المسؤول التَّكليف بالفروع للكفَّار بالأصول).

وبإضافة أصلين في مذهبنا الحق - مذهب الإماميَّة ومن تبعهم فيهما من بعض المذاهب الإسلاميَّة - لتصبح خمسة ولتسمَّى بأصول الدِّين والإيمان وهما: -

1- العدل، وهو الاعتقاد والإذعان بأنَّ الله حكيم لا يفعل القبيح، لامتناعه عنه تعالى - مع القدرة عليه -، ولا يخِلُّ بواجب، وبأنَّه غني يستحيل عليه الحاجة، وتصدر كل أفعاله عن غرض وإرادة.

ومن عدله أنَّ أمره لعباده بالطَّاعات ونهيه إيَّاهم عن المعاصي كان على وجه اختيارهم وإرادتهم، ليحيا من حيَّ عن بيِّنة، ويهلك من هلك عن بيِّنة، لا على نحو الإجبار كما يقوله الأشاعرة.

2- الإمامة، وهي الاعتقاد والإذعان بأنَّه لابدَّ من تنصيب وتعيين إلهي - بواسطة النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ووصاية منه - لإمام يقوم مقامه - بعد ختم نبوَّته ورسالته - ليكون امتداداً لأداء رسالته، وحافظاً لشريعته، وموضِّحاً لسنَّته، وقائداً لأمَّته، ورئيساً في الدِّين والدُّنيا لرعيَّته، حتَّى أنَّه قال صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهليَّة)).

ويمتاز صاحب هذا المنصب الإلهي بمؤهِّلات كمؤهِّلاته صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وخصائصه - عدا النُّبوة

ص: 13

والرِّسالة - من الاستقامة والعصمة والعلميَّة والكرامات وغيرها، لكي يصبح بعد الرَّسول صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ قريناً للثِّقل الأكبر وهو القرآن الكريم كما قال صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((إنِّي مخلِّف فيكم الثَّقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلِّوا بعدي أبداً وإنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا علي الحوض)) كما كان أهلاً لذلك في حياته.

وبطبيعة الحال أنَّ لزوم هذا التَّعيين - الَّذي جاء على لسان آيات كثيرة منها ]يَا أَيُّهَا اَلذَينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [ - وإعلانه الرَّسمي بين الملأ - بأمر مولوي شديد في قوله عزَّ من قائل ]يَا أيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَ الله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [ - ممَّا يقتضيه لطف الله وحكمته البالغة كي تبقى الأمَّة سائرة على هدى نبيِّها تامَّاً - وكي لن تضلَّ أبداً ما دام موجوداً على هذه الأرض - ببيان - صاحب هذا المنصب - الحقائق الدِّينيَّة وتطبيقه الأحكام الإسلاميَّة وتنفيذه التَّشريعات الاجتماعيَّة وغيرها من لوازم الحياة الشَّرعيَّة الأخرى.

وكان أوَّل من صرَّح النَّبي باسمه - بعد الإشارة إليه في مواقف ومواطن عديدة - مولى للمسلمين هو مولانا علي بن أبي طالب عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، بل خصَّه بكونه أميراً للمؤمنين، وكان ذلك على رؤوس الأشهاد تنفيذاً لأمر ربِّه في رجوعه صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ من حجَّة الوداع في موضع غدير خم - باتِّفاق كافَّة المؤرِّخين المنصفين من العامَّة إضافة إلى نصوصنا الخاصَّة - عندما سأل أصحابه ومرافقيه - خلال إلقائه خطبته الطَّويلة المعروفة في حجَّة الوداع - بقوله ((ألست أولى بكم من أنفسكم)) قالوا ((بلى)) فأخذ النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ بكتف علي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ورفعه أمام النَّاس وقال ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه)) إلى أخر خطبته.

وبهذا ثبتت للإمام علي (سلام الله عليه) الولاية الإلهيَّة والزَّعامة الدِّينية والدُّنيوية بعد النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والَّتي منها أخذ الأحكام منه وعنه لأنَّه المعين الصَّافي لها، فبايعه جميع من حضر ذلك الموقف الحاشد، ومنهم الخليفتان الأوَّل والثَّاني مع المسلمين ونساء النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، وبعدما تمَّت المبايعة نزلت الآية الشَّريفة ]اَليَومُ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينَاً [ فكبَّر رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وقال ((تمام نبوَّتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي)).

إلى غير ذلك من الموارد الدَّالَّة على أفضليَّته وإمامته عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ والَّتي دلَّت عليها من القرآن

ص: 14

وحده، وعن خصوص طرق العامَّة بما يصل إلى مائة وسبعة وثمانين مقاماً، على ما حقَّقه المرحوم الحجَّة الشَّيخ محمَّد حسن المظفَّر رحمه الله في دلائل الصِّدق، غير ما دلَّ على ذلك من طرقنا فقط وهي الَّتي وصلت إلى مائة مورد فيه، وهكذا ما نقله صاحب كتاب الغدير والبحراني (قُدِّس سرُّهما) وغيرهم.

ثمَّ من بعده كانت الوصاية منه صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ لأحد عشر إماماً واحداً بعد واحد ذكرتها روايات عديدة في كتب الفريقين.

منها ما نقله (الحمويني) أحد كبار علماء أهل السنَّة في كتابه الفرائد فقال (فقام أبو بكر وعمر - يعني بعد نزول آية إكمال الدِّين المتقدِّمة - فقالا: يا رسول الله هذه الآيات خاصَّة في علي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فقال صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((بلى، فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة، قالا: يا رسول الله بيِّنهم لنا، فقال علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمَّتي وولي كل مؤمن من بعدي، ثمَّ ابني الحسن، ثمَّ ابني الحسين، ثمَّ تسعة من ولد ابني الحسين، واحداً بعد واحد، القران معهم وهم مع القران، لا يفارقه ولا يفارقهم حتَّى يردوا علي الحوض)).

ومنها ما ورد في كتاب ينابيع المودَّة عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهم حينما سأل النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ عند نزول هذه الآية ] يَا أَيُّهَا اَلذَينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [ من هم الَّذين وجبت طاعتهم ؟ أجاب صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ : -

((هم خلفائي يا جابر وأئمَّة المسلمين من بعدي، أوَّلهم علي بن أبي طالب، ثمَّ الحسن، ثمَّ الحسين، ثمَّ علي بن الحسين، ثمَّ محمد بن علي المعروف في التَّوراة بالباقر - ستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرأه منِّي السَّلام - ثمَّ جعفر بن محمد، ثمَّ موسى بن جعفر، ثمَّ علي بن موسى، ثمَّ محمد بن علي، ثمَّ علي بن محمد، ثمَّ الحسن بن علي، ثمَّ سميِّي وكنيِّي حجَّة الله في أرضه وبقيَّته في عباده ابن الحسن بن علي))، علماً بأنَّ هذه الرِّواية بلغ رواتها من العامَّة حوالي ثمانية عشر راوياً.

إلى غير ذلك من النُّصوص الأخرى من طرق الأخوة العامَّة إضافة إلى نصوصنا الوافرة حول ذلك.

فتحقَّقت الإرادة الربَّانيَّة والمشيئة الإلهيَّة بوجودهم، فقد قاموا بتثبيت الأصول العقائديَّة، وترسيخ وبثِّ كافَّة العلوم والمعارف والأحكام الإسلاميَّة على اختلافها، بل

ص: 15

نشر كل ما فيه فضيلة إلى العام والخاص، فازدهرت بهم البلاد الإسلاميَّة خلال قرنين ونصف، بالرَّغم من كلِّ الظُّروف القاسية الَّتي حولهم من ظلم واضطهاد حكَّام وولاة زمانهم إلى حين استشهادهم بما بين قتل وسم، ما عدا ولي العصر بعد موت أبيه الحسن العسكري عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ .

ثمَّ شاءت الحكمة الإلهيَّة في أن تكون هذه الأمور هي السَّبب في حفظ إمام العصر الحجَّة المنتظر عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ اَلشَّرِيفْ من خلال غيبتيه الصغرى والكبرى - اللتين أخبر عنهما آباؤه وأجداده - لأجل خلاص البشريَّة ونجاتها، ولعلَّ من جملة الأسباب والأسرار الغيبيَّة في غيبة الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ - على ما في بعض الرِّوايات - امتحان النَّاس واختبار مدى استقامتهم وثباتهم بعد إتمام الحجَّة عليهم.

فقد روي عن الإمام السَّجاد عن أبيه عن جدِّه علي بن أبي طالب عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنَّه قال: -

((وإنَّ للقائم منَّا غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، فلا يثبت على إمامته إلاَّ من قوي يقينه وصحَّت معرفته)).

وقد كانت غيبته الصغرى بعد وفاة والده الحسن العسكري عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كما أشرنا - وكان عمره الشَّريف آنذاك خمس سنوات على أقل تقدير - واستمرَّت لمدَّة سبعين عاماً كان خلالها يدير شؤون المؤمنين ويقضي احتياجاتهم عن طريق اللقاءات الخفيَّة الخاصَّة بسفراءه ونوَّابه الأربعة، وهم: -

(عثمان بن سعيد، ومحمَّد بن عثمان، والحسين بن روح، وعلي بن محمَّد السَّمري) رضوان الله تعالى عليهم، كل واحد منهم يوصي الآخر إلى أن انتهت السَّفارة بوفاة الأخير فأمره عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بعدم الإيصاء إلى أحد لابتداء غيبته الكبرى إلى مدَّة غير معلومة.

عجَّل الله تعالى فرجه وسهَّل مخرجه وجعلنا من أعوانه وأنصاره والمستشهدين بين يديه وتحت لوائه إنَّه سميع مجيب.

فلا يصحُّ التَّقليد - في هذه الأصول الخمسة - وإن صحَّ التَّلقين والتَّأديب والتَّربية والتَّدريس لمعالمها، وكذلك تلقِّيها والأخذ بها، لصحَّة أدلَّتها وتساوي العقول النَّاضجة في تطابقها تمسُّكاً بحقِّها النَّاصع ونورها اللامع.

بل حسن أو وجوب الاعتقاد بما يُعبد به المعبود المرِسِل جل جلاله حقَّاً، وما يطاع به الرَّسول

ص: 16

2صدقاً ممَّا أفاضه آلهعَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ من رسالته المتضمِّنة لأحكام شرعه المتوقِّفة عليه تماماً.

نعم يمكن الاعتماد على أقوياء العقيدة في الفرعيَّات الاعتقاديَّة والأخذ بأفكارهم اعتقاداً بها من قِبل من لم يتمكَّن من الاستقلال العلمي في اتِّخاذ الدَّليل إذا كانت الأدلَّة صريحاً من الكتاب ومتواتراً من السنَّة إلى أن ينضج الفكر تماماً ليستقلَّ في اتِّخاذ أحسن الأدلَّة على اعتقاداته الفرعيَّة.

النُّبذة الثَّانِية مَا هِيَ الرِّسَالَة

الرِّسالة - بالمنظور الفقهي المتعارف الَّذي نحن بصدد التَّحدث عنه - هي مجموعة فتاوى فقهيَّة وأحكام شرعيَّة - لها علاقة تامَّة بأفعال المكلَّفين من حيث الوجوب والحرمة ونحوهما من الأحكام التَّكليفيَّة، ومن الصحَّة والفساد من الأحكام الوضعيَّة - قد تعارف تدوينها فيما بين الفقهاء رضي الله عنهم قديماً من الطَّهارة إلى الدِّيات وإن لم تكن في الحقيقة مقيَّدة بالتَّدوين - منها ما فصِّلت مسائلها مع الدِّليل، ومنها ما فُصِل عنها الدَّليل لتسهيل تناول معلوماتها فيما بين العوام - استنبطوها من الكتاب والسُّنَّة والإجماع، ومن الأصول العمليَّة للمستقلاِّت العقليَّة المبرِّرة لها ليعملوا بها وقت الحاجة الماسَّة، إضافة إلى الضَّروريَّات واليقينيَّات اللازم ذكرها على أي حال.

وهذه الفتاوى هي الحاوية لفروع الدِّين العشرة في مضامينها، بل هي مسائل فرعيَّة لها، وهي: -

1 - الصَّلاة 2- الصَّوم 3 - الحج 4 - الزَّكاة 5 - الخمس 6 - الجهاد في سبيل الله 7 - الأمر بالمعروف 8 - النَّهي عن المنكر 9- موالاة أهل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ والَّتي منها صلة الأرحام بين المؤمنين 10- التَّبري من أعداء أهل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ.

وقد تعارف بينهم أيضاً في الآونة الأخيرة تقليص بعض أبواب الفقه العديدة إلى ما هو محل الابتلاء منها، لعدم الحاجة فعلاً إلى الأكثر، أو عدم القدرة على البعض الآخر لينتظر الوقت المناسب إلى إعادة التَّدوين لها عند حلول الأرضيَّة المناسبة.

كما وقد تجدَّدت في العصر الحاضر موضوعات تصلح أن تدخل تحت عناوين أخرى

ص: 17

تساعد عليها الأدلَّة الشَّريفة، سميِّت استعجالاً ب- (المستحدثات) لكونها لم تكن مألوفة من قبل، منها ما طبع في رسائل مستقلَّة لبعض أعلامنا على اختلافها وتنوِّعها، ومنها ما طبع ملحقاً بالرَّسائل العمليَّة بنفس العنوان المتقدِّم، لعدم التَّهيؤ لإدراجها تحت عناوينها اللائقة بها.

كما أنَّ البعض قد دقَّق في الجملة فألحق بعض هذه المسائل تحت عناوين لا بأس بها.

وفي هذه الرِّسالة المتواضعة نحاول جهد الإمكان تقسيم ما لم يقسَّم من ذلك على العناوين الفقهيَّة المتعارفة ووضع كلٍّ فيما يناسبه، كما وسيأتي في المقام نبذة نافعة عن خصوص المستحدثات فلاحظ.

وخلاصة مضامين الكل هو الكلام - ولو مختصراً - حول فروع الدِّين الماضية عن جامع فقهي قواعدي مشترك لها، اصطلح عليها بين الفقهاء بما يسمَّى ب- (الأحكام الشَّرعيَّة)، وهذه الأحكام على نوعين: -

1 - تكليفيَّة 2 - وضعيَّة.

أمَّا التَّكليفيَّة فهي الأمور الَّتي كلَّف بها المكلَّف - البالغ العاقل القادر شرعاً - في صميم الأدلَّة وما أعطته من تكاليف مناسبة للميسور أيضاً، وهذه التَّكاليف هي خمسة:-

1 - الوجوب 2- التَّحريم 3- الاستحباب 4 - الكراهة 5 - الإباحة

وستأتي معانيها في باب الاصطلاحات ومصاديقها في مسائل الرِّسالة.

وأمَّا الأحكام الوضعيَّة فهي الأحكام المصطيدة من تلك الأدلَّة الَّتي تعرَّف عليها الفقهاء من خلال متابعاتهم الطَّويلة وإن لم يصرَّح بها تماماً فيها، وهي: -

1 - الصحَّة.

2- الفساد.

وسيأتي معناهما في الكلام عن الاصطلاحات أيضاً، كما وستأتي مصاديقهما الكثيرة في مضامين هذه الرِّسالة بوضوح إنشاء الله .

كما وأنَّ الرِّسالة بالمنظور الدِّيني السَّماوي العام تشمل ما نحن نبتغيه إضافة إلى العقائد والأخلاق وكل ما فيه سعادة البشريَّة جمعاء.

ص: 18

النُّبذة الثَّالثة لِمَاذَا كَانَتْ الرِّسَالَة العَمَلِيَّة

قد يتصوَّر البعض - جهلاً - عدم الحاجة إلى الرَّسائل العمليَّة، لإمكان استفادة الأحكام الفقهيَّة عندهم من الكتاب والسُّنَّة وحدهما، ومن قِبل كل أحد يعرف القراءة والكتابة وبعض المعلومات الأخرى البسيطة، ولكن هذا ليس بالإمكان لكلِّ أحد وفي جميع الأدوار، إلاَّ لمن كان مجتهداً مقتدراً فعلاً على استنباطها من هذين المصدرين وغيرهما كالإجماع واستشعار أمرها من السِّيرة المستمرَّة - من زمن المعصومين عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ إلينا وإلى حين ظهور الإمام المنتظر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ - وكالأصول العمليَّة كما تبيَّن إشارة.

وإنَّما يمكن أن تتصوَّر عدم الحاجة في زمن المعصومين عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ لإمكان مواجهتهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ والاستفادة منهم شفاهة أو ممَّن يوثق بهم من حواريهم رضي الله عنهم، كما كان بعض أصحابهم أو المخلصين إليهم من البعيدين عنهم يشدُّون الرِّحال إليهم سلام الله عليهم - في بعض الأوقات - أو يراسلونهم من البلدان البعيدة، ومع ذلك استرخص منهم حواريهم رضي الله عنهموبعض تلامذتهم في إجازتهم بالاجتهاد - فيما لا نصَّ فيه صريح ولا دليل عليه واضح وعلى وفق القواعد الَّتي تعلموها منهم - لبعد أماكنهم وتعسُّر مراجعتهم السَّريعة، فأجيزوا منهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ لتحقُّق مصداق اجتهادهم في تلك النُّصوص لا في مقابلها، كما بيَّنت تلك الحالات بعض الرِّوايات الشَّريفة.

فإذا تأكَّد انحصار الاستنباط في المجتهدين - وللحاجة للبعد الزَّمني والمكاني عن الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ - فلا يمكن إذن للعوام شيء من ذلك كما يتوهَّم البعض، إلاَّ في الأُمور الواضحة في نصوصها متناً ودلالة إذا كانوا من ذوي الثَّقافة التَّامَّة في الجملة وكما عليه بعض المتجزِّئين في اجتهادهم، مع الضَّروريَّات واليقينيَّات الَّتي لا تحتاج إلى تقليد كما مرَّ، وهو فيما كان في الكتاب الكريم والسنَّة المقطوع في سندها من ذلك فقط.

أمَّا ما في الكتاب العزيز من الأمور غير الواضحة في مداليلها كما في آيات ما يختلط أمره بين المحكم والمتشابه والنَّاسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيَّد والمجمل والمبيَّن والنَّص والظَّاهر وأمر المفاهيم المختلف فيها بين الأصولييِّن، وكذلك ما في السُّنَّة الشَّريفة

ص: 19

المتضاربة بين مقطوع السَّند ومظنونه، أو غير المقبول منه لاختلاف هويَّات رجالاته مع اختلاف أمر الدِّلالة وتفاوتها - كما في أمر الكتاب من التَّفاوت المشار إليه - ممَّا يحتاج إلى ضبط وتمحيص وقدرة كافية على الاستنباط، ممَّا أوضحناه في مقدِّمات رسالتنا العمليَّة الموسَّعة وفي بدايات موسوعة (الفقهيَّات بين الاستفتاءات والإجابات) فلا يتأتَّى ذلك لأجله لهم قطعاً إلاَّ باجتهاد من ذوي الاختصاص.

إذن ما أشرنا إليه من ذلك في زمن المعصومين عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ وكان قريباً منهم زماناً ومكاناً فهو - كما مرَّ - أمر طبيعي على الغالب لازدهار الأيَّام ببركة وجودهم مع عدم قدرة أولئك العوام، وإن كتبت بعض الكتب والرَّسائل في ذلك الحين كما سيأتي، ولعلَّه لتبقى خالدة لمستقبل الأيَّام، لا لزمن الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ فقط، بل ليحتاج إليها بعد ما حصل في أزمنة الغيبة الكبرى من المحاربات للطَّائفة في كتبها ومصادرها، أو ليستفيد منها البعيدون عنهم مكاناً من أبناء زمانهم.

وأمَّا في أزمنة الغيبة الصغرى - فضلاً عن الكبرى - فلا يمكنهم ذلك حتماً، لما مرَّ من كونهم عوامَّاً - وإن تثقَّفوا ببعض الثَّقافات أو عرفوا بعض الفقهيَّات سطحيَّاً - إلاَّ أن يجتهدوا حينما لم تصلهم التَّواقيع الشَّريفة من الإمام الحجَّة عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بواسطة السُّفراء الأربعة "رضوان الله عليه".

ولهذا تصبح الرِّسالة العمليَّة - الجاهزة بفتاواها أو المصحوبة منها ببعض الأدلَّة أو المفصِّلة لها لمن يحاول التَّفقه موسَّعاً من ذوي الاجتهاد - ضروريَّة ليرجعوا إليها عند الحيرة حسب تفاوتهم الثَّقافي على أساس من التَّقليد الواجب عليهم كما سيجيء، وإن أمكن اليوم استفادة الأحكام بأسلوب الاستفتاء الخطِّي أو الشَّفهي، أو ما يتعارف بالهاتف، أو ما شابهه من أجهزة المصنوعات الإعلاميَّة والاستعلاميَّة المتطوِّرة أكثر، أو كان تناول الحكم من بعض خطباء المنابر المتفقِّهين ونحو ذلك، ولكن ليس أهميَّة ذلك كأهميَّة الرِّسالة المدوَّنة المخطوطة أو المطبوعة، الَّتي لو اقتنيت وأحتفظ بها لكانت جاهزة لأن تزيل كثيراً من متاعب حالات الاستفادة الأخرى الماضية عند عدم القدرة عليها، إلاَّ ما لو أستحدث من الوسائل الحديثة ما يضاهيها في الإسعاف بالإفادة المباشرة.

وأهمُّ تلك الكتب هي الجاهزة الخالية من الأدلَّة لدى العوام، ومنها المختصرات

ص: 20

المكيَّفة بالأساليب المفهمة، لكونها مستخلصة من الكتب المفصَّلة وعن الأدلَّة المبعثرة كتاباً وسنَّة، وأنَّها قد استخلصت من السنَّة من بين كتب الرِّوايات الشَّريفة وجوامعها المنيفة لتيسيرها لهم.

وبهذا المجهود الَّذي يقدِّمه الفقهاء الكرام ومن التَّعليلات والتَّوجيهات الجليلة في ذلك لا تقبل إذن بعض شبه ذوي الشُّبهات - من أنَّ الاجتهاد لا يمكن قبوله مع ما ذكرناه وأنَّه لا داعي إلى الرَّسائل المدوَّنة عنه - لأنَّ الاجتهاد على قسمين مقبول وغير مقبول.

فالمقبول - بل الواجب في محلِّه - هو الاجتهاد في النُّصوص لاستنباط المهمِّ الفقهي منها - لما مرَّ -، وهو ديدننا بمعونة الباري ودعاء صاحب العصر لحفظ الملكة عن الشَّطط والشُّذوذ، والرَّسائل الحاوية لنتائجه هي من أهمِّ وسائل الاستفادة الفقهيَّة للأحكام إن لم نقل أنَّها الأهم.

وغير المقبول هو ما كان اجتهاداً في مقابل النُّصوص كما عليه سيرة بعض المذاهب - من مثل الاستحسانات الخارجيَّة والقياس مع الفارق - فهو الَّذي قد لا يُرضي بعض المتصوِّرين المشار إليهم، ولكنَّهم كيف يصحُّ منهم هذا النَّقد على فرض صحَّته أن يستفيدوا الأحكام بلا اجتهاد اصطلاحي من مورد النُّصوص وهم ليست لهم رتبة المجتهدين.

النُّبْذَة الرَّابِعَة مَتىَ كَانَتْ الرِّسَالَة العَمَلِيَّة

منذ أن حصل في الكتاب الكريم - وبالأخص في بعض آيات أحكامه الفقهيَّة الخمسمائة والتسعة عشر آية أو الأكثر - من الإجمال ونحوه - ممَّا مرَّت الإشارة إليه - كما اقتضته الحِكمة الإلهيَّة البالغة، وكذا ما حصل في السُّنَّة المطهَّرة من التَّطورات المبعثرة لها والمحدِثة في كثير منها أو بعضها المشاكل - الَّتي مرَّت الإشارة إليها - في عصر الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ وفي عصر الغيبيتين من الكوارث الطَّبيعيَّة وغير الطَّبيعيَّة المعادية، بل في كثير من أمور الشَّريعة الشَّريفة - الَّتي حملتها الأدلَّة الواردة عنهم عن نبي الرَّحمة صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ممَّا كان صافياً في الأصول الأربعمائة قبل ذلك حيث لم يتهيَّأ لغالب

ص: 21

المكلَّفين آنذاك - وبعده في بقيَّة العصور - استفادة أحكامها بسهولة مغنية لهم حتَّى في عصر الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، لعدم تهيؤ الأمور الجاهزة لأولئك المكلَّفين من ذلك بمصادفة ملاقاتهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، أو مصادفة أصحابهم والحاملين لعلومهم على الدَّوام إلاَّ قليلاً، مع دوام حاجتهم إلى التَّعرُّف على الأحكام الشَّرعيَّة في كلِّ يوم، بل وكلِّ وقت.

فاحتيج إلى توضيح الأحكام من قبلهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ أو الاستيضاح من قِبل المحتاجين ومن رواة الأحاديث والفقهاء من ذلك الوقت كذلك فإنَّهم لم يقتصروا على الشَّفهيَّات والمحاضرات الدَّرسيَّة لتلك الحوائج، بل ضبطوها مسجَّلة في كتب جامعة كجوامع الأصول الأربعمائة وما حواه نهج البلاغة من معارف الحقوق وأضرابها وبعض الرَّسائل كرسالة الحقوق المنسوبة إلى الإمام زين العابدين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وما ورد منسوباً إلى فقه الإمام الرِّضا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وبعض آيات الأحكام في تفسير العسكري عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ والقمِّي، وكتاب ظريف وغيرها وغيرها، مع كون أنَّ في ذلك فائدة أخرى وهي مهمَّة أيضاً، وهي أن تحفظ مسجَّلة لإفادة الأجيال القادمة لو ضمنت سلامتها كما عرفت من الإشارات سابقاً.

ومن ذلك ما دوَّنه الفقهاء الكرام في أيَّام الغيبة الكبرى - إضافة إلى اهتمامهم الكبير المهم في جمع شتات الرِّوايات الشَّريفة في الكتب الأربعة الأولى وهي (الكافي، والإستبصار، والتَّهذيب، ومن لا يحضره الفقيه) والأخيرة وهي (الوافي، والبحار، والوسائل، ومستدركاتها) - من كتب فقهيَّة كرسائل المفيد ونهاية الشَّيخ الطُّوسي والمختصر النَّافع للمحقِّق وتبصرة العلاَّمة وما دوَّنه الشَّهيدان وصاحب الحدائق وغيره وإلى يومك هذا، إضافة إلى كتبهم الاستدلاليَّة المفصَّلة سواء كانوا أصولييِّن مجتهدين أو غيرهم من المدقِّقين والمحقِّقين المعتدلين، لأنَّ الكل مع الاجتهاد التَّام والعام والتَّحقيق المعتبر عند الجميع ولو في الجملة لكلٍّ منهم في خير مقبول وإيجابيَّة يتوخَّاها الجميع، لأنَّهم يصبُّون في حوض واحد كما حصل من التَّوافق المحترم بين صاحب الحدائق قدس سره ومن عاصره من الأصولييِّن وغيره حتَّى هذا الحين، على عكس بعض العوام التَّائهين وغير المرتبطين بالمجتهدين والمحقِّقين فإنَّهم في خسارة فادحة وللأسف الشَّديد.

ص: 22

النُّبْذَة الخَامِسَة لمِاذَا الاجْتِهَاد في الرِّسَالَة

لا يمكن الوصول إلى الغاية الأكيدة الَّتي من أجلها فرض الشَّارع المقدَّس أحكامه الفقهيَّة على المكلَّفين بكلِّ أسلوب يهواه النَّاس مهما تصاعدت ثقافاتهم العامَّة الفقهيَّة بين سطحيِّها ومتوسِّطها وعميقها في الجملة - حتَّى لو اعتقدوا أنَّ ثقافتهم العميقة تفصيليَّة مُغنية لهم عن كل شيء - إذا لم يكونوا من ذوي الفقاهة الكاملة كما مرَّ شيء من ذلك.

بل لابدَّ لهم من الاجتهاد فيها قوَّة وفعلاً والَّذي هو (حصول الملكة الإلهيَّة الكاملة النَّاتجة عن مواصلة التَّحقيق والتَّدقيق في استنباط الأحكام الشَّرعية الفرعيَّة عن أدلَّتها التَّفصيليَّة الَّتي هي الكتاب والسُّنَّة والإجماع والعقل - المرتبط بالمستقلاَّت العقليَّة من حسن الإحسان وقبح الظلم - والأصول العمليَّة المقرَّرة للشَّاك في مقام العمل كالاستصحاب والتَّخيير والاشتغال والبراءة).

وذلك لتسلُّط المجتهدين الاصطلاحييِّن من الفقهاء أكثر فأكثر في استخلاص النَّتائج الفتوائيَّة ممَّن دونهم مهما بلغت رتبتهم العلميَّة الأخرى، فضلاً عن ذوي المعارف الأخرى البعيدة وكثرة اشتباه أولئك الأقلِّين، لما ذكرناه سابقاً من جوانب الاختلاف المتعدِّدة في دلالة متني الكتاب والسُّنَّة وسند خصوص السنَّة الشَّريفة.

فلا يمكن أن يؤخذ بكلام هؤلاء وما يطرحونه في كتبهم، مهما نجحوا في تنسيق العبارات وترتيبها وإيضاحها أكثر من بعض رسائل المجتهدين وتقريبها إلى أفكار العوام، إلاَّ إذا كان إنشاؤها - من قبلهم - لصالح بعض المجتهدين ترويجاً لعلومهم وتبسيطاً لمقلِّديهم وموثَّقاً من أولئك المجتهدين بتواقيعهم.

فإنَّ الكتاب العظيم - وإن كان محفوظاً في سنده وبعض دلالاته المتينة في صراحة نصيَّتها - قد ظهر في بعض من آياته ما فيه ناسخ ومنسوخ ونحو ذلك - كما مرَّ -، ممَّا لا يميِّزه ويعرف أوضاعه إلاَّ من له حظ وافر من العلم وبلغ درجات عُليا منه من الأدبيَّات وعلوم القرآن ومعارف أخرى لابدَّ منها، وهكذا.

وكذلك السُّنَّة الشَّريفة الَّتي قد تفاوتت - مرَّة - في أسانيد رواياتها بين القوي والمعمول

ص: 23

به من الجهة الرِّجاليَّة - حتَّى لو كان صاحبه عاميَّاً - لكون الرَّاوي ثقة مثلاً، ومرَّة أخرى في متونها بين قوية الدِّلالة وصريحتها أو قويَّة مفاهيمها - الَّتي تكون مقبولة ويعمل بها - وبين غيرها كالضَّعيفة الَّتي لا يُعمل بها لتلك الحيثيَّة - أو لأجل تلفيقها بين نصَّين فيهما بعض الاختلاف الموجب لذلك في مورده، أو لغرابتها عن المورد، أو لكونها عاميَّة وممَّا لا يُوثق بصاحبها مثلاً، بل حتَّى لكونها موافقة للتَّقيَّة في غير مواردها من الحالات الاختياريَّة وإن كان سندها صحيحاً، لأنَّها لا يبنى عليها في المواقع الاختياريَّة، وإن كانت التَّقيَّة حالة طبيعيَّة ألتزم بها كل مذهب ولها مداركها المشروعة.

بل حتَّى الإجماع فإنَّه قد تفاوت أمره ما بين منقول - على لسان معلوم أو مجهول - لا يقبل وحده، وبين مدركي أساسه مدارك وروايات فيطرح ويكون الاعتماد عليهما على فرض كفاءتهما أو على أحدهما كذلك، وبين المحصَّل الَّذي هو حجَّة - عند الإماميَّة - ولوجود الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في ضمن المجمعين أو كان كاشفاً عنه وهذا هو نادر أو غير حاصل إلاَّ في بعض الأمور.

بل حتَّى أفهام المجتهدين أنفسهم فقد تتفاوت، لتفاوت مشاربها الفكريَّة المختلفة من حيث الأصول الاجتهاديَّة والفقاهتيَّة، ممَّا قد يوقع بعضهم في بعض الأحيان في الخطأ، وإن كانت أساليب الاستدلال النَّاجحة متعدِّدة، حتَّى أنَّه لو اتَّبع ذلك البعض كلاًّ منها لأدَّى إلى النَّتيجة المقبولة تكليفيَّاً بحسب الظَّاهر وإن كان خطأ في الواقع غير المعلوم فكل ذلك ممَّا يحوج إلى الاجتهاد في الرِّسالة.

وإنَّ من أهم مسبِّبات التَّفاوت لهم هو ما حلَّ من المشاكل قديماً - من الأعداء ومن أمور أخرى كما سلف - على الرِّوايات الشَّريفة الواردة عن أهل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ ممَّا سبَّب شتاتها ونحو ذلك، ممَّا شجَّع - كبار العلماء والمحدِّثين - على تدوين الجوامع الشَّريفة وغيرها لا ليأخذ بها على علاَّتها من دون تأمُّل فيما يتفاوت منها وعلى نحو التَّعبُّد المستعقب ما لا يحتمله عاقل، بل لحفظها من الضَّياع.

كما تشجَّع آخرون - لهم شأنهم العلمي - للتَّنقيح والتَّدقيق في الأسانيد ورواتها وفي المتون ودلالاتها، فأسَّسوا علم الرِّجال وعلم الدِّراية والحديث تدويناً لمختصرات نافعة حول ذلك، واختصَّوا بهما، فأتحفوا المكتبة الإسلاميَّة الشِّيعيَّة بما أبدوه من معلوماتهم

ص: 24

النَّفيسة قديماً وحديثاً إضافة إلى ما تعلَّموه من الأساسيَّات المهمَّة من ذلك ممَّا ورد عن أهل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، ومنهم بعض من تصدَّى لجمع هذه الكتب في موسَّعات مهمَّة أخرى ذات تفاصيل تنقيحيَّة تجهِّز للمحقِّق المدقِّق أفضل ما ينبغي أو يجب أن يناله من تلك المعلومات النَّفيسة الشَّريفة ليمارس وظيفته.

ومع كلِّ ذلك التَّفاوت وعلى أساس من مبدئيَّة القول بتخطئة المجتهد وعدم عصمته كالإمام المعصوم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ - كما هو رأي الإماميَّة - نرى الكثير من الفقهاء على اختلاف مشاربهم قد يتَّفقون من حيث الفتوى على شيء واحد، إذ أنَّ المجتهد منهم إن أصاب فله أجران وإن أخطأ بلا تقصير فله أجر واحد، على ما أفاده النَّص الشَّريف.

أمَّا نظرية التَّصويب الَّذي يقول به بعض الأخوة العامَّة بأنَّ (فتاوى المجتهدين - مهما اختلفت سواء كانت مصادفة لموافقة النَّص أو مخالفته - صائبة ومقبولة عند الله ولو في مورد واحد على اختلافها) فهي غير مقبولة، لإمكان خطأ المجتهدين عقلاً ووقوعه منهم في كثير الأحيان - فضلاً عن غيرهم - فعلاً، كما قد أعترف بعضهم بتحقُّق بعض المصاديق عند بعض رجالهم معتذراً بأنَّه أجتهد فأخطأ، والإصرار على التَّصويب دليل السَّطحيَّة في الاستدلال.

فإذا كان حال المجتهد هكذا قد يصيبه الخطأ فكيف بمن هو أقل علماً ؟ وإن نال بعض الفضائل.

إذن لابدَّ أن تكون الرِّسالة نابعة عن اجتهاد وتمحيص وتدقيق متناسب مع تلك القدرة والفعليَّة - بغضِّ النَّظر عن كيفية وأسلوب تدوينها - لتنبئ عن قدرة فقيه مجتهد يفرغ عن قول الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ عن الوحي المبين عن الله تعالى لتفترق عن أساليب ومضامين ما يكتب من الكتب الأخرى وإن كانت مضامين ثقافيَّة مفيدة في ظواهرها ممَّا قد يشوبها بعض الوضع والابتداع.

ومن تلك الأساليب المطلوبة ما اتَّبعه بعض الفقهاء القدامى كالشَّيخ الطُّوسي قدس سره في كتابه النِّهاية وإن كان بأسلوب اجتهادي بسيط يتناسب مع قربه من زمن المعصوم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وغير ذلك من مسهِّلات المآخذ الشَّريفة المتوفِّرة إضافة إلى من سبقه حيث جمع شتات الفقهيَّات الموجودة في نصوص الرِّوايات الشَّريفة - حسبما تأتَّى له من المصادر المرضية له

ص: 25

آنذاك - بإسقاط أسانيدها وإضافة بعض الرَّوابط اللفظيَّة من عنده لتظهر مسبوكة كرسالة عمليَّة.

بل لم يتقيَّد هذا بلزوم التَّدوين في الرِّسالة، بل يجب الأخذ عن المجتهد بأي وسيلة أخرى مضبوطة، وإنَّما ذكرنا هذا السُّؤال وعن خصوص الاجتهاد في الرِّسالة فلمألوفيَّة الرِّسالة حول هذا الأمر أكثر من غيرها كما مضى.

النُّبْذَة السَّادِسَة مَتىَ كَانَ الاجْتِهَاد

لو تفحَّص المتفحِّص في أقدم الكتب اللغويَّة تأريخيَّاً لوجدها حافلة بذكر معنى الاجتهاد الَّذي هو بذل الجهد لمعرفة المجهول للوصول إلى نتيجة إيجابيَّة أو سلبيَّة صافية من معينها بالنِّسبة إليه.

ومن ثمَّ أخذ هذا المعنى الفقهاء والمتشرِّعة - قديماً وحديثاً - فاصطلحوا له تعريفاً خاصَّاً حتَّى بدا ذلك لصالحهم من بعض الآيات وظواهر روايات الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ الواردة في هذا المضمون وغيره - كما هو مذكور في بداية الموضوع السَّابق - حسب قواعدهم العلميَّة وإن تفاوتت بعض صيغ التَّعريف عندهم من حيث التَّعبير، لأنَّ خلاصته كيفيَّة فهم الحكم الشَّرعي صحيحاً عن مداركه المعتبرة مع إعطاء النَّتيجة سلباً أو إيجاباً على ما سيتَّضح أكثر.

إذن لم يكن الاجتهاد وليداً في خصوص زمن الغيبة الكبرى كما قد يتصوَّره البعض، بل إنمَّا كان في وقت استقامة الأمور بأقوم الحجج والأدلَّة كذلك للدِّفاع عن بيضة الإسلام الأصيل - أمام من يحارب عقائد الشَّريعة وفقهيَّاتها بالشُّبهات والأباطيل من الزَّنادقة والمسلمين المنافقين لئلاَّ تنطلي على المغفَّلين، أو أمام من تلوَّث ذهنه ببعض شبهات المنحرفين من الجهَّال في أمورها - عندما تحصل ضرورة للاجتهاد كحالة البعد المكاني عن المعصوم أو سفيره الخاص ونحو ذلك وحسبما دلَّت عليه بعض الأدلَّة الَّتي سنتطرَّق إليها إتماماً للفائدة، إذ نرى - في كثير من الرِّوايات - كيف كان الأئمَّة الأطهار عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ يعلِّمون حواريهم قواعد الاحتجاج على خصومهم فيما إذا دعت الحاجة إلى شيء من أمور العقيدة والفقه - وبالأخص ما يخص المقام وهو الثَّاني - حين غيابهم عنهم، فعقدوا لهم

ص: 26

حلقات الدُّروس وفي مختلف العلوم ومن زمن الإمام الباقر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وبصورة مرتَّبة من حيث المبدأ - إن لم يُلتزم بالبناء على حصول مثل ذلك في الزَّمن الأسبق من عهد الأئمَّة السَّابقين عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ كعهد الأدعية الجامعة للسَّجَّاد عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وعهد عظمة علمي الحسنين عَلَيْهِمُا اَلسَّلاَمُ ، وهكذا أبيهما عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ باب مدينة علم الرَّسول الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ لأنَّ مثل ذلك حصل منهم لأصحابهم ولكن ليس بعنوان الحلقات الدَّرسيَّة كزمن الإمام الباقر ومن بعده -، وذلك ليزرعوا فيهم هذه القدرة، وقد تنشَّطت هذه المساعي بسعة عظمى من قبل الإمام الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ومن بعده من الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، فتوارثها منهم بعد ذلك العلماء والمجتهدون من تلامذتهم، فنرى كتبهم العقائدية والفقهيَّة حافلة بما أتحفوا به أمَّتهم من أفضل وأقوى حججها الرَّصينة وأدلَّتها المتينة المناسبة لها.

فمن تلك الأدلَّة هي الَّتي تحثُّ على التَّفقُّه في الدِّين - بما لا يمكن تعقُّله في أن يكون ذلك عن غير استيعاب للأدلَّة الصَّحيحة المتعلِّقة به كقدر متيقن غير قابل للتَّشكَّيك فيه، وهو معنى الاجتهاد الَّذي نريد إثباته - ما ورد في الكتاب الكريم من قوله تعالى ]فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيتَفَقَّهُوا في اَلدِّينِ وَليُنذِرُوا قَومَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلِيهِم[.

وقد أوضح ذلك الإمام الرِّضا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كما ورد ذلك عن الفضل بن شاذان في علله في حديث قاله ((إنَّما أمروا بالحجِّ لعلَّة الوفادة إلى الله وطلب الزِّيادة والخروج عن كل ما اقترف العبد)) إلى أن قال ((ولأجل ما فيه من التَّفقُّه ونقل أخبار الأئمَّة إلى كل صقع وناحية كما قال تعالى ] فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ [)) الآية.

ومن ذلك ما ذكره ابن الشَّهيد في ديباجة المعالم من رواية علي بن أبي حمزة قال سمعت أبا عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يقول ((تفقَّهوا في الدِّين فإن من لم يتفقَّه منكم في الدِّين فهو أعرابي، إنَّ الله عزَّ وجل يقول ]لِيتَفَقَّهُوا في الدِّينِ وَليُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِليهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون [)).

ومن ذلك ما رواه في الكافي في باب ما يجب على النَّاس عند مضي الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في صحيحة يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إذا حدث على الإمام حدث كيف يصنع النَّاس قال ((أين قول الله عزَّ وجل ]فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ [))، ثمَّ قال ((هم في عذر ما داموا في الطَّلب وهؤلاء الَّذين ينتظرونهم في عذر حتَّى يرجع إليهم أصحابهم)).

ص: 27

ومن ذلك صحيحة عبد الأعلى قال سألت أبا عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عن قول العامة إنَّ رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ قال ((من مات وليس له إمام مات ميتة جاهليَّة)) قال ((حق و الله )) قلت ((فإنَّ إماماً هلك ورجل بخراسان لا يعلم من وصيُّه لم يسعه ذلك)) قال ((لا يسعه إنَّ الإمام إذا مات وقعت حجَّة وصيِّه على من هو معه في البلد وحق النَّفر على من ليس بحضرته إذا بلغهم إنَّ الله عز وجل يقول ] فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ [)).

ومن ذلك صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وفيها قلت: أفيسع الناس إذا مات العالم أن لا يعرف الَّذي بعده فقال ((أمَّا أهل هذه البلدة - يعني أهل المدينة - وأمَّا غيرها من البلدان فبقدر مسيرها، إنَّ الله عزَّ وجل يقول ] فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ [)).

إلى غير ذلك من دلائل أهميَّة التَّفقُّه، وقد لاح من هذا وذاك أهميَّة إيجاد المصداقيَّة المثلى، وهي الاجتهاد فيه بمعنى القدر المتيقَّن للوظيفة الخطيرة لحاجة رجوع النَّاس إلى فقيه كامل عندما يموت إمام أو عالم، أو يحصل ابتعاد عن مواضع العلم الطَّبيعيَّة كالمدينة المنوَّرة آنذاك وغيرها.

وممَّا يشير إلى أهميَّة الاجتهاد أيضاً - لصالح النَّفس والغير في ذاته وفي قدمه الكاشف عن ذلك في أنَّه كان من زمن الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، بل حتَّى زمن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ لأهل الأماكن البعيدة عنه صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وعن أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في بعض المجالات وإلى بعض طرقه - ما رواه في البحار عن بصائر الدَّرجات عن محمَّد بن عيسى قال: أقرأني داود بن فرقد الفارسي كتابه إلى أبي الحسن الثَّالث وجوابه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بخطِّه فكتب (عن العلم المنقول عن آبائك وأجدادك صلوات الله عليهم أجمعين قد اختلفوا علينا فيه فكيف العمل به على اختلاف فكتب بخطِّه ((ما علمتم أنَّه قولنا فآلموه وما لم تعلموه فردُّوه)))، ومثله عن مستطرفات السَّرائر.

ومن ذلك ما ورد في أكثر من خبر واحد على لسان أحدهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ ((ما جاءكم عنِّي ممَّا لم يوافق القران فلم أقله)).

وقول أبي جعفر وأبي عبد الله عَلَيْهِمُا اَلسَّلاَمُ ((لا يصدق علينا إلاَّ ما يوافق كتاب الله وسنَّة نبيِّه)).

وقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ((إذا جاءكم حديث عنَّا فوجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب الله

ص: 28

فخذوا به وإلاَّ فقفوا عنده ثمَّ ردُّوه إلينا حتَّى نبيِّن لكم)).

وصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ((لا تقبلوا علينا حديثاً إلاَّ ما وافق الكتاب والسنَّة أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدِّمة فإنَّ المغيرة بن سعيد (لعنه الله ) دسَّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدِّث بها أبي فاتَّقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربِّنا وسنَّة نبيِّنا)).

إلى غير ذلك من الرِّوايات الكثيرة في أمر الإشارة والتَّصريح بالحثِّ على الفقاهة وملازمة الاجتهاد والتَّنظر الصَّحيح فيما قد يستدعي الخلاف والتَّفاوت في النَّظر أو ما كان قد حصل فيه شيء من ذلك، وبالأخصِّ عند غيبة النَّاس عن حضرات الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ الَّذين هم المعادن الصَّافية لتلك العلوم الإلهيَّة والَّذين هم الثِّقل الثَّاني في حديث الثَّقلين المشهور بين الفريقين.

فإذن قد تبيَّن من هذا وذاك قِدم الاجتهاد وأهميَّته وأنَّه من الوسائل الَّتي تعطي نصاعة أكثر أمام الغافلين والمغفَّلين وإن كان خفيفاً في أزمنة المعصومين عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ وما قارب عصورهم، وقد ازدادت أهمِّيته - كما لا ينكر - أوان الغيبة الكبرى وبدا ثقله وتشعَّب جوانبه وكثرة دقائقه، لأنَّ أوان الغيبة الصغرى هي أزمنة إمكان إرسال النُّصوص إلى المحتاجين عن الإمام الغائب عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ اَلشَّرِيفْ من قبل سفراءه الأربعة بلا حاجة كبيرة إلى الاجتهاد مثل هذه الغيبة، وقد ورد ثبوت كثير منها ممَّا أغنى المحتاجين إلى بعض المعلومات عن التَّحيُّر في تدبير أمر المسألة الفقهيَّة وإن كان الاجتهاد ما زال مطلوباً، حتَّى في ذلك الحين بالنِّسبة إلى المواقع البعيدة عن مواطن الإمام المألوفة وسفراءه (رضوان الله عليهم).

النُّبذة السَّابعة لمِاذَا يَجِبُ التَّقْلِيدُ لِلمُجتَهِد في الرِّسَالَة

قد يستفسر البعض بأنَّه: لماذا يجب التَّقليد للمجتهد في الرِّسالة في حين أنَّ العقل واحد والقدرة بين البشر واحدة والدِّين واحد ومصادر التَّشريع موحَّدة بالنِّسبة إلى فروع الدِّين ؟ ومع أنَّه يمكن استفادتها ممَّا يعرفه الآباء والأمهات دون غير ذلك،أو ممَّن يمكن توارثه عن رجال

ص: 29

الدِّين وغيرهم وإن لم يكونوا مجتهدين ممَّن يحفظ الفقهيَّات ؟، وإن كان قد يفضَّل حتَّى عند المستفسر لو يؤخذ ذلك من مجتهد أو أكثر لكن لا بنحو الوجوب.

فنجيب - باختصار رعاية لمقام هذه الرِّسالة - على هذا التَّوهم الكبير والمغالطة العمياء، بأمور: -

أوَّلاً : إنَّ كل ذي لب متبصِّر لابدَّ أن يعلم - عقلاً - بوجوب رجوع الجاهل إلى العالم الَّذي هو - في مقام الفقهيَّات - المجتهد الكامل في قدرته وفعليَّته الاستنباطيَّة للأحكام - كما مرَّ -، والَّذي تبرأ ذمَّة المكلَّف بالرُّجوع إليه مع توفُّر بقيَّة الشَّرائط فيه - الَّتي ستأتي في محلِّها - كالعدالة للاطمئنان من كذبه في نقل الأحكام وبتورُّعه بتلك العدالة من أن يقول ما ليس بصحيح من الأحكام ومفرغة عمَّا هي فقاهة مبرئة للذمَّة بلا قياس مع ما يكون أقل من هذا المستوى.

ولا نقصد بالجاهل خصوص الجاهل المحض الَّذي لا يعرف كلَّ شي، بل نقصد به غير العارف بالأمور الفقهيَّة المفصلَّة، ليدخل معه المجتهد المتجزِّي ببعض الأحكام الفقهيَّة الَّذي لا يقوى على استنباط الإحكام الأخرى فعليه بالرجوع إلى غيره فيما ليس هو بمجتهد فيه وإن حرم على المتجزِّي أن يرجع إلى غيره من المجتهدين فيما اجتهد فيه، بلا فرق في علماءنا بين الأصوليين وغيرهم من أهل التَّحقيق والتَّدقيق كما ذكرناه سابقاً كما لا يخفى على المتتبِّع.

وقد ميَّز الله تعالى العالم عن غيره في قوله تعالى ] هَلْ يَسْتَوي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون[، وحثَّ على وجوب الآخذ من الفقيه في قوله تعالى ] فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي اَلدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَومَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِليهِم لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون [، بما مرَّ إيضاحه من الرِّوايات وغيرها.

وظهر من كلام الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ما يفيد وجوب تقليده في رواية الاحتجاج ((وأمَّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه تاركاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوامِّ أن يقلِّدوه)) بما سيتَّضح توجيهه في الرِّسالة الموسَّعة.

ثانياً: إنَّ التَّقليد - الَّذي هو (رجوع من لم يبلغ رتبة الاجتهاد وغير العارف بموارد الاحتياط إلى المجتهد العالم وجعل أحكامه الشَّرعيَّة قلادة في عنقه) كما مرَّ - في الواقع لم

ص: 30

ينحصر في خصوص الرِّسالة العمليَّة، بل يمكن تلقِّي الأحكام من المجتهد مباشرة وشفاهة أو بالاستفتاء التَّحريري أو بالوسائل الحديثة المتطوِّرة - كما مرَّ كلُّ ذلك -، ولكنَّ الرِّسالة قد تكون أقرب شيء يستفاد منه الحكم الشَّرعي من غيره ولذلك اشتهر أمر الاستفادة منها وتمَّ التَّركيز عليها، وعلى أساس قاعدة الاجتهاد الَّتي سببَّت تكوُّن هذه الرِّسالة أو تلك في عالم الوجود لحفظ الفقه من الضَّياع، إضافة إلى أنَّها قد تشتمل على أكثر عدد ممكن من المسائل الفتوائيَّة بحيث يمكن إيصالها إلى أبعد بقعة من الأرض بالوسائل الممكنة حاليَّاً وبشكل محفوظ، ممَّا لم يستحضر عدد مسائلها غيرها من وسائل الإيضاح الأخرى حسب المتعارف الآن.

بل لم ينحصر الأخذ بها من مقلِّده فقط، بل قد يرجع إليها غير المقلِّدين للإطِّلاع العام - مثلاً - وممَّا قد تتوفر فيها المتطابقات من الفتاوى المأخوذ بها من أكبر عدد ممكن، أو غيرها ممَّا يمكن فيه معرفة أحوط القولين، أو تكون للدِّراسة الَّتي لا تتقيَّد بأمر التَّقليد وما هو غيره، وقد تكون الرِّسالة مصدراً ومرجعاً للمجتهد نفسه ولغيره.

ثالثاً: إنَّ مسألة ذوي العقل الواحد - في السُّؤال - هي وإن كانت ثابتة في كل من أتحفه الله بعقل كامل من حيث القوَّة والفعل، إلاَّ أنَّ استخدام العقول بطبيعتها الَّتي منها الخضوع للشَّريعة وأدلَّتها الصَّحيحة لم يكن كما يرام - لاستفحال النُّفوس على العقول في كثير الحالات إن لم نقل أكثرها - وللتَّفاوت العلمي بين الطَّبقات ونحو ذلك، ولذا لا يلزم أن يكونوا متساوين في الفقاهة الَّتي هي فهم الأحكام الشَّرعيَّة من مداركها الحقيقيَّة كما هو حال المتجزِّي في الأحكام دون المستوعب على الأقل، والمثقَّف البسيط الَّذي لا يقوى على الاستنباط أصلاً، والسَّطحي في معلوماته كذلك، فضلاً عن الجاهل المحض كما تقدم ذكره.

ثمَّ إنَّ المقياس الأوَّل في الأدلَّة - الَّتي يرجع إليها المجتهد - هي الأدلَّة الاجتهاديَّة أوَّلاً (الكتاب والسنَّة وما يتبعهما) - كما مرَّ - ثمَّ الفقاهتيَّة - الَّتي هي الأصول العمليَّة المقرَّرة للشَّاك في مقام العمل، على ما هو محرَّر في علم الأصول كالاستصحاب ونحوه -

لا العقل الخارج عن ذلك - وإن كان هو المدرك الأوَّل للاعتقاديَّات -، لما ورد من

ص: 31

((إنَّ دين الله لا يصاب بالعقول))، وورد أيضاً ((إنَّ السنَّة إذا قيست محق الدِّين))، وورد أيضاً ((ليس من مذهبنا القياس))، إذ لا اجتهاد في مقابل النُّصوص المذكورة في مصادرها، بل الاجتهاد في مضامينها - كما مرَّ -، لمحاولة فهمها بوضوح بواسطة الأدبيَّات المتقنة مع المعارف اللازمة الأخرى.

وأمَّا تفسير ما ورد من قولهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ(العقل ما عُبد به الرَّحمن واكتُسب به الجنان) فهو العقل الَّذي لا يخرج عن الصَّدد الشَّرعي الَّذي ذكرناه، والبعيد عن الانحرافات المستقلَّة عن الشَّريعة المقدَّسة، وهو الَّذي يرتبط به أمور المستقلاَّت العقليَّة مع ما يتوقَّف عليه من أمور الاعتقاديَّات الحقَّة في أصول الدِّين فلابدَّ إذن من الرُّجوع إلى المجتهد في الرِّسالة.

رابعاً: إنَّ مسألة مصادر التَّشريع الموحَّد لما تبيَّن التَّفاوت في فهمها في موضوع النُّبذة الخامسة كما لا يخفى من قبل أهل النَّظر والاجتهاد العلمي فلابدَّ إذن في أنَّه لا يمكن إدراك أمرها كذلك واستخلاص الزُّبدة الجيِّدة منها مع حدوث تلك الحوادث والعراقيل عليها إلاَّ من قبل الفقيه الكامل لا غير فلابدَّ إذن من الرجوع إليه في مثل هذه الرِّسالة الجامعة للشَّرائط لو حصلت من قبله.

النُّبذة الثَّامِنَة التَّقلِيدُ لِلمُجْتَهِد لاَ لِلإِمَام

بما أنَّ العالم المجتهد من غير الأئمَّة الاثني عشر عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ هو الَّذي يتغيَّر فكره حينما يحصل بين يديه من الأدلَّة والأصول حتَّى في بعض المتقنة والمقبولة، منها ما قد يكون سبباً مناسباً لاستنباط الأحكام الفقهية المحتاج إليها وفيها إلى إعمال فكره دقيقاً، لعدم عصمته ولكون النُّصوص قد تحمل أكثر من وجه ولو بحسب الظَّاهر وإلى ما قد يوصله ذلك التَّدقيق في سبيل ذلك وببذل تمام الجهد إلى الاعتقاد بصحَّة فتواه من قبل نفسه كمجتهد.

وعلى هذا الأساس يجري العمل من قبل غيره من المقلِّدين له عن الطُّرق الَّتي تسبِّب الوثوق به، سواء كان بحسب الواقع أو الظَّاهر إذا لم يدرك الواقع، وبما أنَّه قد يختلف نظره في بعض الأوقات عن ذلك النَّظر الأوَّل وفي زمانكن - مثلاً - حول المسألة

ص: 32

الفرعيَّة الواحدة أو الأكثر عندما يتيسَّر لديه الدَّليل الَّذي قد يكون بحسب الظَّاهر أو الواقع مخالفاً للدَّليل الأسبق، لكون المجتهد المذكور لم ينل درجة العصمة وإن تفوَّق في اجتهاده، ولكون الفقه لم يكن عقليَّاً محضاً كالاعتقاديَّات، ولكون فقهنا مبنيَّاً على التَّخطئة لا التَّصويب كما مرَّ.

فلابدَّ من تعيُّن التَّقليد له من قبل المطمئنِّين به إذا اجتهد لا للإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، لكون الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ينقل الحكم الإلهي الواقعي بتمامه لأنَّه حافظه وهو الحجَّة في ذلك، وبيده النَّص المتقن الَّذي لا يناقضه نص آخر غيره عنده ولم تتفاوت لديه الوجوه، سواء من الكتاب أو السنَّة، ولم يكن بحاجة إلى الأصول العمليَّة كما عليه المجتهد، والآخذ منه تبرأ ذمَّته بلا تقليد وإن كان هو فارس الميدان في باب التَّوجيه والتَّعليل والتَّعريف بالدَّليل ممَّا يلزم على المجتهد أن يعرفه وممَّا يجوز أن يسمَّى بالاجتهاد كذلك، بل هو الأسمى في مصاديقه إن صحَّ التَّعبير.

وإنَّما الَّذي ورد مختلفاً من النُّصوص إلى غير الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ من العلماء الآخرين فلزمهم الاجتهاد فيها لذلك، فلا يصح إذن إلاَّ الأخذ المسلَّم به الَّذي لا يتفاوت عن ذلك الاجتهاد منهم، ولذا لا يقبل التَّقليد لأولئك الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ - لما مرَّ - ممَّن يعتقد بذلك خطأ وإن كان في نظره أنَّ ذلك هو عن صواب.

وما ورد في بعض الأخبار ممَّا ظاهره التَّقليد لهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ حين الأخذ منهم كرواية أبي بصير قال دخلت أم خالد العبديَّة على جعفر بن محمد عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ((إنِّي قلَّدتك ديني فألقى الله عزَّ وجل حين ألقاه فأخبره أنَّ جعفر بن محمد عَلَيْهِمُا اَلسَّلاَمُ أمرني ونهاني..)) الحديث، فهي محمولة على أخذ الحكم الواقعي منه لا غير، وهو نحو من التَّسامح في التَّعبير، لما بيَّنَّاه من الفرق المهم بين الإمام والمأموم - وإن كان عالماً أو مجتهداً بالمعنى الأسمى - لأنَّه الحاوي عين الصَّواب كما سبق.

ص: 33

النُّبذة التَّاسعَة ضَرَوُرَة إِتِّبَاع فَتَوَى الفَقَيه خَفَّت أَو ثَقُلَت

إنَّ ممَّا لا يمكن قبوله والمساعدة عليه ما قد يتصوَّره البعض - غفلة عن حقيقة الأمر - عن الفتوى الَّتي يستنبطها الفقيه من خلال اجتهاده الشَّرعي في الأحكام الفقهيَّة بأنَّه يمكنهم اختيار الفتوى السَّهلة المريحة للمكلِّفين من بين فتاوى الفقهاء والمجتهدين إذا اختلفت في بعض الحالات فرعيَّاً وتفاوتت بين السَّهلة والثَّقيلة بحريَّة تامَّة، كما لو أرادوا اختيار أيَّ سلعة أو فاكهة من بين سلع أو فواكه تخضع لأذواق هذا أو ذاك ولو من بين آراء مجموعة من الفقهاء، وكأنَّ أذواقهم هي الَّتي تحقِّق الأحكام التَّكليفيَّة لا قوَّة المدرك الشَّرعي أو قوَّة حنكة المجتهد في اجتهاده أكثر من غيره أو عدالته أو أعدليَّته حتَّى لو كانت الفتوى ثقيلة حسب المتصوَّر.

لأنَّ العناوين الشَّرعية الأوَّليَّة للفقه محدودة بحدود ثابتة شرعاً لا يمكن تغييرها بالأذواق ونحوها، فإذا احتاج الجاهل أو العامي إلى فتوى فقيه ومجتهد جامع للشَّرائط - وهي الآتي بيانها - فعيَّنه لنفسه أو تعيَّن عليه لانحصاره به أو نحو ذلك وجب عليه امتثال أوامره حتَّى لو كان في فقاهته شدَّة وثقل في أعمالها أو احتياطات ممَّا يمكن تحمله، وإن جاز في بعض الأحوال أن يقلِّد علَمين - مثلاً - لكون أحدهما أفقه من الآخر في العبادات فيرجع إليه فيها، ويرجع إلى الآخر في المعاملات حينما هو أفقه من صاحبه الآخر، لا لكون فتاوى أحدهما أسهل من فتاوى الآخر فيما هو أفقه فيه.

والمدارك المحذِّرة من إتِّباع الذَّوق النَّفسي في المقام كثيرة، نذكر منها على ما قد يدلُّ على المورد ولو من حيث العموم قوله تعالى ]تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا[، وقوله تعالى ]مَا آتَاكم اَلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[، وقوله تعالى ]إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا اَلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[، أي حافظونه في ألفاظه ومعانيه ولو بمعونة السنَّة الشَّريفة، وقوله أيضاً ]وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلاَ مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرَاً أَنْ يَكَونَ لَهُمُ الخِيَرَة مِنْ أَمْرِهِم [.

وقول النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة))، وقوله في حديث الثَّقلين ((وإنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا علي الحوض))، يعني

ص: 34

الكتاب والعترة المطهَّرة الَّتي تفرغ عن سنَّة رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ شرحاً للكتاب بما آتيانا به جميعاً، ومن ذلك الأحكام الشَّرعيَّة بلا تغيير أو تبديل إذا حفظها لنا فقهائنا وحفظناها لأنفسنا وغيرنا بالمسلك المعتدل إلى غير ذلك من الأدلَّة الكثيرة.

فلذلك لا يتحقَّق القول بذوقيَّة العوام وتشهِّياتهم في اختيار الأحكام، أو كون الشَّريعة تتبع الظروف فتتبدَّل أحكامها متى ما تبدَّلت طقوسها والتزامات من يعيش فيها وإن انحرفوا أو قالوا بنسخ الشَّريعة - والعياذ بالله - جملة أو تفصيلاً، ولذا حكم الفقهاء إتِّباعاً للنُّصوص الشَّريفة الَّتي لا مجال لسردها الآن بكفر أهل البدع وضلالهم.

اللهمَّ إلاَّ ما كان في بعض أمور خاصَّة، كما في مسائل الضَّرورات الَّتي تقدِّر بقدرها، ممَّا لم يكن فعله عن اعتقاد سيئ بها، ومنه التَّقيَّة التَّابعة لحينها الخاصِّ بها حماية للنَّفس والمال والعرض من تحدِّيات المعتدين، وكذلك الأمور ذات الطَّابع الثَّانوي في عناوينها الفقهيَّة الأخرى والمرتبطة ببعض النُّصوص العامَّة، ولكن الأخيرة ملازمة - عادة - لحالات الاحتياط الَّتي لا تحدث خللاً في الشَّريعة كحرمة الأكل في حالة المشي ولباس الشُّهرة وكل ما ينافي المروءة إصراراً عليه على ما سيتَّضح.

فإذن لابدَّ أن يكون المشروع الَّذي يجب إتباعه هو اختيار المجتهد الصَّالح في تقليده، سواء كانت فتاواه شديدة أو متوسِّطة أو خفيفة، وعلى هذا الأساس يجب الاستمرار في المطاوعة له إطاعة لله ورسوله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في شرعه الشَّريف ونهجاً على هدي الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ.

النُّبذة العَاشِرَة فِكْرَةُ مُقَلِّدَةُ الشَّيخ وَأصْحَابُ النِّهَايَة

على الرَّغم من كون الشَّيخ الطُّوسي قدس سره هو شيخ الطَّائفة وله شأنه العظيم في توطيد دعائم الدَّين فقهاً وأصولاً ومعالم أخرى دينيَّة نفيسة، الأمر الَّذي من أجله سبَّب جعله من قبل تلامذته ومن تلاهم وهكذا وإلى فترة ليست بالقليلة مرجعاً لهم بالرجوع إلى مقرَّراته والبناء عليها كمدارك أو شبه مدارك، مع ضخامة وزنهم العلمي واجتهادهم بتلقٍّ تقليدي أو شبه تقليدي من دون مناقشة أو تحقيق إضافي مع وجود المجال الواسع في ذلك، فلا مجال لهذا السُّلوك حتماً مع وجود المجال الكافي لهم للتَّدقيق

ص: 35

والاجتهاد فيه، إلاَّ بإعمال تلك القدرات الاجتهاديَّة المهمَّة لصالح الواقع الشَّرعي - الَّذي قد يسطع نوره من خلاله - لاختلاف مسالك الأدلَّة والنُّضوج الفكري باختلاف جوانب السَّعي العميق في سبيل ذلك، ممَّا قد هيَّأ أمثال المحقِّق الحلِّي قدس سره وأضرابه بما أثبتوا فيه جدارة كونهم من أضراب شيخ الطَّائفة على الأقل أو أزيد ليحقِّقوا لا ليقلِّدوا، حيث عثروا على كثير من الأمور الَّتي تحتاج إلى شيء من التَّدقيق والتَّحقيق أو التَّدقيق والتَّحقيق الأكثر.

لأنَّ سلوك السَّير على المنهجيَّة التَّقليديَّة الواحدة أو شبهها فيما بين المجتهدين مع الحاجة إلى التَّدقيق في مواضعه اللازمة وفي ظروفه المحوجة له لا داعي له مع تلك القدرات والفعليَّات الَّتي يمكن إجراؤها مع الحاجة إليها، بل لا يصح لكونه يوصل على الأقل إلى الجمود مع الحاجة، وقد تقلب بعض موازين الشَّريعة لو انكشف الخطأ ولو بعد حين، فلا يجوز تقليد مجتهد لمجتهد آخر أبداً وإن اتَّفقا اجتهاداً على نتيجة فرعيَّة واحدة أو متشابهة، لأنَّه قد يأثِّر ذلك شيئاً أو بعض شيء من هذا الاتِّفاق على ما لو أدَّى إليه الدَّليل الصَّحيح عند كل منهما، ولذا لا يجوز الاعتماد اعتماد تقليد، وإنَّما اعتماد ركون إلى الدَّليل وبإتقان علمي خالص.

نظير ذلك رجوع ذوي النَّظر من الأخوة العامَّة ممَّن يعتقد بكفاءة نفسه فكراً وعلماً إلى مذاهبهم الأربعة أو الستَّة مدَّة طويلة وإلى حدِّ الآن، حينما أغلقوا على أنفسهم باب الاجتهاد مع كثرة الأخطاء والاشتباهات الَّتي حصلت أصولاً وفروعاً، على ما اعترفوا به كثيراً مسبقاً ومؤخَّراً قولاً وعملاً، ولتضاربهم العنيف في الآراء إلى أن أخذوا أمس واليوم يصرِّحون بوجوب فتح باب الاجتهاد للخلاص من مشاكل ما لا يمكن تحملُّه.

وإن كنَّا ننصح ذوي النَّظر من متأخِّريهم أن يراجعوا أصولهم ثانية لتنقيحها من حيث مشاكل الرِّجال والأسانيد والمتون والاستحسانات والقياسات، الَّتي قد تكون معرقلاً مهمَّاً للفقه الإسلامي الموحَّد لفتح باب الاجتهاد فتحاً مبنيَّاً على تماميَّة الأدلَّة وصحَّتها لا خارجاً عنها، كما رجَّحه بعض منهم أخيراً للحاجة إليه في كثير من الأمور وعلى ضوء أصول متقنة متَّفق عليها عند كافَّة المسلمين، نسأل الله تعالى أن لا تتفاوت مع أصولنا الشَّرعيَّة ليكون النتاج فقهاً موحَّداً موافقاً لشرع من خدم الشَّريعة من النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وآله

ص: 36

وخيرة أصحابه وأصحابهم.

بل إنَّه لا مجال لقبول مسلك من ظهر بعد مقلِّدة الشَّيخ قدس سره من حصول فكرة قد يطلق على أصحابها بأصحاب النِّهاية امتداداً من مقلِّدة الشَّيخ قدس سره وإن كانوا عوامَّاً، لوفرة المجتهدين في تلك الأزمنة وفي هذا العصر وبحمد الله مع جمعهم للشَّرائط الشَّرعيَّة وهكذا من غيرهم ممَّن يحاول غلق باب التَّقليد إلى مائة سنة أو غير ذلك، ممَّا قد يروِّجه البعض التزاماً ببعض الأفكار الخاصَّة الممزِّقة لأوصال المسلمين والمؤمنين والشَّاقَّة لعصاهم وللعثور على كثير من التَّفاوتات النَّظريَّة للمجتهدين بين ما كان قديماً وما كان حديثاً من تلك النَّظرات، ممَّا يجعل استنكار التَّقليد للقدامى أكثر فأكثر وإن قلنا بعلو شأنهم وأهميَّة علومهم للمتأخِّرين.

وسوف تعرض في الآتي بعض المسائل عن تقليد الميِّت استمراراً بإذن الله فلاحظ.

النُّبْذَةُ الحَادَيَة عَشْرة وُجُوبُ التَّعبُّدِ في الحُكْمِ الشَّرعِي لاَ لخِصُوصِ العِلَّة

اعلم أنَّ ما يظهر من الأحكام سواء كان تلقيَّاً مباشراً من النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أو الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أو نائبه الخاص أو الفقيه العام - تقليداً

له أو اجتهاداً في الحكم أو إحتياطاً فيه مع عدم توفُّر دليله تامَّاً أو حصول الإشكال والشُّبهة في صدق فتوى الأخير بكونها مبرئة للذمَّة مثلاً أم لا - لا يمكن الجزم فيه بكون كل ما يتلقَّى ويحصل من ذلك أنَّه موافق للعلَّة التَّشريعيَّة كي يدور المعلول معها في السَّلب والإيجاب ليتَّبع الحكم ما كان موافقاً لأحدهما، لعدم إمكان حصول كل العلل لكل الأحكام الشَّرعيَّة إلاَّ ما صحَّ فيه تحقُّق علَّته ولو اجتهاداً من قبل الفقيه، كما قد يستعمله بعض الأفاضل من كثرة ارتباطه ببعض قواعد الأحكام، أو ما تعارف من منصوص العلَّة لو كان صحيح السَّند ومعمولاً به، لكي يُقاس عليه ما يشترك معه في تلك العلَّة من المعلولات المماثلة، لأنَّ هذا نادر جدَّاً.

بل إنَّ القواعد الَّتي قد يبنى على بعضها ليس كلُّها صالحاً لأن يبنى عليه في كل المصاديق إلاَّ في بعضها لما قد عرف أنَّ لكل قاعدة شواذَّاً، وهذا ما قد ظهر لنا في أمور

ص: 37

محاولة الارتباط بأدلَّة التَّشريع للتَّدقيق فيها فوجد الكثير من المخالفات في ذلك ممَّا قد أثبت العدم.

فعليه لا يمكن البناء فيها إلاَّ على ما تيقَّن أنَّه داخل في صميم ما حوته القاعدة ولا مجال لتطبيقها في كل ما يحتمل أنَّه داخل فيها تجنُّباً عن القياس مع الفارق واحتفاظاً بوجوب استمرار سعي المجتهد في التَّفحص، لاحتمال عثوره ولو بعد حين على الدَّليل المتقن الأكثر قوَّة من ذلك وإن خالف بعض القواعد.

وعلى هذا الأساس لابدَّ من الانقياد إلى حالة التَّعبُّد في نوع تلك الأحكام، فإنَّه إن صادف وقوع العلَّة معها فلن يحرم المكلَّف في ذلك حتماً من الثَّواب الانقيادي ولو من دون دقَّة في سبب التَّكليف واقعاً لاحتمال وضوح الأمر للمستدل في أمر التَّكليف فقط، وإن لم تكن مصادفة في ظهورها فهو بقصده للتَّعبُّد - ولو كان وحده دون العلَّة - لم يحرم من أجره حتماً كذلك، وإن صادف حصول ذلك مع التَّعبُّد ظاهراً وواقعاً فهو نورعلى نور.

ولأنَّنا مع الدَّليل ولو ظاهراً نميل معه حيث يميل ولو لم تفهم علَّته ما دمنا من حيث المبدأ نثق ونطمئن بمداركنا الشَّرعيَّة.

نعم لا مانع من الارتباط بمحاولة تفهُّم بعض ما يظهر من الرِّوايات الشَّريفة من حِكَم الأحكام وفلسفاتها وفوائدها، ممَّا لم يكن علَّة حقيقيَّة لذلك الحكم الشَّرعي ممَّا قد تظهر عليَّته ولو بعد حين بمثل هذا النَّوع من التَّتبُّع والاستقراء أو لغرض إراحة النَّفس إضافيَّاً إن لم يعثر على العلَّة ممَّا قد يشجِّع بعض المتساهلين على المطاوعة للتَّطبيق أكثر وعلى الهداية للتَّدين بصورة أتقن إذا اتَّحدت العقول على هذا المستوى ولو نوعاً، والحِكم والفوائد والفلسفات على هذا المستوى كثيرة.

وإمَّا ما يشاع في بعض الأوساط من أنَّ لزوم العلَّة ثابت في كل حكم شرعي حتَّى ظاهراً فهو ممَّا لا يمكن قبوله لما مرَّ ذكره، ولانَّ ثبوت العلَّة - لكلِّ حكم - خاص بعلم الله - ومن خصَّه بذلك أو ببعضه من الرَّاسخين في العلم من خيرة عباده، وقد بيَّنَّا العراقيل الطَّبيعيَّة وغيرها في طرق الإيصال كما لا يخفى -، ولانَّ القول بوجوب العلم بذلك لو لم ينل قد يسبِّب البناء على التَّشكيك في الأدلَّة الشَّرعيَّة التَّعبديَّة المتقنة فيجب الانتباه إلى ذلك.

ص: 38

النُّبذة الثَّانية عشرة لِمَاذَا الاحتِيَاطُ في الرِّسَالَة وَغَيْرِهَا

لا يمكن الاعتماد على الاحتياط - الَّذي هو حالة تحفُّظيَّة يرجع إليها عند الشَّك في بعض حالاته - في أنَّه أصل عملي كبقيَّة الأصول الأربعة في مقابل بعض الأدلَّة وكمصدر تشريعي لتوفُّر الأدلَّة المغنية عن ذلك ، فلابدَّ في أمره من الرُّجوع إلى قسيميه أوَّلاً وهما (الاجتهاد والتَّقليد) إن اتَّضح تكليف المكلَّف الإلزامي بالنِّسبة إلى أحدهما - على ما سنبيِّنه في مسائل هذا الأمر مستقبلاً وإن كان الاحتياط مستحسناً حتَّى معهما باعتبار آخر - حتَّى الممكن منه و ما لا يعسر الالتزام به أو ما لا يحرم التَّمسك به فضلاً عن غير الممكن أو ما يعسر الالتزام به، لئلاَّ يصل في بعض الحالات إلى التَّشريع - ولذا قال البعض (الاحتياط في ترك الاحتياط) - إلاَّ إذا أوصل تركه إلى محاذير خطرة تفوت التَّدبير لأقل الواجب الممكن أو الميسور، لأنَّه قد يصل في هذه الحال إلى الوجوب حتماً إذا كان عن طريق الاجتهاد أو التَّقليد لو أمكن كل منهما مع الحاجة إلى ذلك الاحتياط بسبب التَّسرع المخيف عن طريقهما ونحوه.

ولذا لا ينكر حسنه - كما بيِّنَّا -، بل لزومه في مجال الإمكان أو اليسر أو عدم توفُّر أمري الاجتهاد أو التَّقليد لبعض العوارض في الطَّريق ولاحتمال حصول اليقين ببراءة الذمَّة عن طريقه، كالعمل بأحوط القولين أو الأقوال مع التَّحيُّر في إدراك أصوبها في حقِّه مع إمكانه، أو الاتِّجاه إلى أكثر من جهة في أمر القبلة مع كفاية الوقت، أو بترك العمل كالتَّيمُّم في بداية وقت العبادة مع احتمال وجود الماء في آخره، كما في الماء المشتبه بين إناءين كان ماء أحدهما متنجِّساً حتماً بلا تعيين، وإن جاء النَّص بالأعراق لهما، لأنَّ هذا من نوع يساعد عليه الاحتياط أيضاً ونحو ذلك.

بل لا ينكر حسنه حتَّى لو أمكن المكلَّف أمر الاجتهاد أو التَّقليد ولكنَّه في شبهة بسيطة يريد قطعها بما يحرز فيه البراءة لكن لا على أساس أن يتعيَّن أنَّ ذلك هو طريقه لا غير.

وقد يتصوَّر البعض كذلك أنَّ الاحتياط هو التزام خاص من قبل بعض الفرق الشِّيعيَّة غير الأصوليَّة، ولكنَّه أمر لم يختص بأحد على أساس أن يؤتى به من جهته دون الآخرين في الواقع - وإن عدَّ أصلاً عند أولئك - إذا لم يدرك فيه الحكم الشَّرعي تامَّاً اجتهاداً أو

ص: 39

تقليداً على النَّهج الصَّحيح لإبراء الذمَّة ما لم يتعيَّن أحدهما، بل حتَّى لو تعيَّن الاجتهاد أو التَّقليد فلم يذهب رجحان الاحتياط ولو استحباباً في كل مقام من مقاميهما كما مرَّ، ولأنَّه قد يحوي الواجب مثلاً في ضمن شيء أو أشياء أو بتكراره، ولطالما ذكر في الأدلَّة الشَّريفة كتاباً وسنَّة وأوصى به الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ وأدام في الإيصاء به العلماء الأعلام في وصاياهم وإجازاتهم، قال تعالى ] فَلْيَحَذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَة [، وقال أيضاً ] إلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [، وورد عن المعصومين عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ قولهم ((أخوك دينك فاحتط لدينك)).

ويحسن الالتزام به حتَّى من المجتهدين كذلك تورُّعاً - فضلاً عن غيرهم - إذا أصابت المكلَّف منهم شبهة، وبالأخصِّ إذا تعادل المجتهدان في اجتهادهما وكفاءتهما واختلفا في الرَّأي وإن كان المكلَّف مقلِّداً أحدهما دون الآخر، فهنا يرجح منه أن يعمل بأحوط القولين، وكذا إذا كان كل منهما مشكوك الأعلميَّة كما سيتَّضح.

بل إن هناك نوعاً من الاحتياط وهو ما يمكن أن نسمِّيه بالتَّعبدِّي لذكره في الأدلَّة كثيراً كالتَّورع في أمر الدِّماء والأعراض واللحوم والأموال المحترمة على قول في الأخير، فلا ينبغي أن تخلو الرِّسالة وغيرها عن ذكره فهو ممَّا يجب الاٍلتزام به تورُّعاً للخلاص من محاذير مخالفة النُّصوص الشَّريفة وممَّا يستحب في المقامات الأخفض وبنحو مساير للأدلَّة لا الأصول العمليَّة.

فإذن أمر الاٍلتزام بالاٍحتياط في كونه أصلاً يرجع إليه عند الشَّك مع إمكان أو تيسُّر الاجتهاد أو التَّقليد لا يمكن قبوله، لما مرَّ وما سنفصِّله في الموسَّعات، نعم يمكن اعتباره كقاعدة حاكمة على بعض النُّصوص كما سيتَّضح هناك.

وعلى كلِّ من لم يحسن معرفة الاحتياط إن رجح فعله فضلاً عمَّا لو وجب عليه أن يراجع الفقيه لأنَّه أبصر وأتقن.

ص: 40

النُّبذة الثَّالِثَة عَشْرَة أهميَّة احتَرَامِ نَوْعِ العُلَمَاء مِنَ الأَتْقِياءِ مِمَّن قُلِّدَ وَغَيرِهِم

من

المؤسف حقَّاً أنَّه قد يبدو للوجدان جهاراً ممَّا لا يمكن نكرانه ولا السُّكوت

عليه أيضاً هو فكرة ينشرها جهلة ومن وراءهم دعاة التَّفرقة وهي لزوم إهانة غير

مرجع التَّقليد كائناً من كان، مع كون هؤلاء العوام الَّذين يحملون هذه الفكرة - هداهم الله - قد لا يعرفون عن العلماء الآخرين أيَّ شيء عن نزاهتهم المثلى وحسن نواياهم ومدى مثابرتهم في سبيل الدِّين بما يرونه في نظرهم الشَّريف، فتراهم يشهِّرون بهم بالباطل والادِّعاءات المزيَّفة ومن دون أن يعرفوا أو يوجَّهوا من قبل أصحابهم المسؤولين عنهم بالحمل على الصِّحَّة والمحامل الحسنة، وتراهم يُكبرون وحيدهم ويغالون فيه حسب .

مع أنَّ كلَّ المدركين يعلمون بأنَّ العالم المتهتِّك الَّذي يجب فضحه بين الملأ والَّذي هو مصداق علماء السُّوء - والمنبوذ بين المجتمع العلمي والدِّيني - لم يكن كهؤلاء الصَّفوة والحجج الكرام والمقتدون الفخام لو أنصفوا أنفسهم ولو بنزر يسير من الإنصاف وإن لم يعرف قدرهم الجهلة والمغفَّلون، لأنَّ الَّذي لم يعرف قدره ليس كالمتهتِّك والمنبوذ بحق في المجتمع.

في حين أنَّ هؤلاء المهرِّجين قد يحتاجون الباقين - من العلماء - في الحاضر والمستقبل وليس لخصوص التَّقليد، بل قد يحتاجونهم في العلوم العامَّة دراسة ونصحاً بل تطبيقاً، ولقلَّة العلماء وإن اعتقدوا بمقلدها دون غيره، فإن إثبات الشَّيء لا ينفي ما عداه ولو عند الآخرين فقط صيانة لوحدة المسلمين، ولأنَّ باب الاجتهاد مفتوح وما انحصر الأمر فيمن يختارونه إلى حين ظهور صاحب الأمر عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ اَلشَّرِيفْ، وقد يكون الآخرون خير ذخيرة لهم في المستقبل في علمهم وعملهم وتمسُّكهم بدينهم وورعهم ومثابرتهم في سبيل الدِّين وقيمه المثلى.

وهذه الفكرة المقيتة إن كانت من سذَّج وبسطاء - كما هو الملاحظ عن بعض الأجواء الملتهبة بهذه النَّماذج من المظاهر - فهو أمر سهل قد يتوصَّل إليه الغيارى من غيرهم - أو ممَّن يمكن اهتداؤه منهم لكونه سطحيَّاً في هذه الفكرة وعاقلاً في نفس الوقت - ببعض

ص: 41

المحاولات التَّوجيهيَّة والتَّعليميَّة فيقضون عليها وإن كانوا قد يمرُّون ببعض الصِّعاب لمواجهة حمقى ومركَّبين في جهالتهم أو لضخامة أعداء تولَّدوا عن ذلك ممَّن تنطلي عليهم بسائط الأمور من ذلك.

وإن كانت من أعداء ضالِّين مضلِّين قصدهم إثارة الفتنة - بين أفراد الأمَّة المرحومة الواحدة - عن طريق شبه يبثُّونها من مصادرهم الملوَّثة بسقم المبادئ، وهي أنَّ من قلَّد مجتهداً يجب أو يحسن به على الأقل أن يحارب الباقين، إلاَّ أن ينضووا تحت لواء مقلِّدهم لكون الباقين قد يخالفون صاحبهم في بعض الآراء الفقهيَّة، فهذه النَّاحية قد تكون بسيطة أيضاً لكلِّ ذي لب وألقى السَّمع وهو شهيد بعد تمهيد مقدِّمة، وهي: -

أنَّ الأمر لا كما يزعمون، بل إنَّ العلماء مهما حصل فيما بينهم من تفاوت - في بعض طرق الاستنباط أو في كيفيَّة ما ينتخبه الفقيه من الأدلَّة ليكون دليله على مسألة ما ممَّا حقِّق في محلِّه من الأصول - ليس معناه أن يلزم الاختلاف بينه وبين غيره في النَّتيجة، وإن حصل الاختلاف فليس معناه لزوم أن يقع بينه وبين غيره حدَّ السَّيف وما صنع الحداد، لأنَّ العلماء هم أهل وأصحاب مبدأ واحد، وعمَّال دين، يحمون ذماره كل بحسب طاقاته، ما داموا على الصَّفاء الموحَّد في مبدئه، وعلى الغاية السَّليمة لحفظ ذلك الدِّين من كل منهم، لو كان قد انتاب الدِّين شيء سلبي في واقعه،كالأوراد المختلفة في عطورها وكالفواكه المتفاوتة في مذاق طعومها.

والشَّيعة الأماميَّة وإن كانوا مخطِّئة - في فقههم وغير مصوِّبة كغيرهم - فليس معناه أن يتعادى المجتهدان فيما بينهما، لكون أحدهما يقول بوجوب شيء والآخر يقول بعدمه، أو يقول بطهارة شيء والآخر يقول بنجاسته، وليس من حقِّ أحدهما ذلك أصلاً ما دام كل منهما واثقاً باجتهاد نفسه أو موثوقاً به عند أصحابه والمحتكِّين به.

وهذه الطَّبيعة الأخويَّة غير غريبة فيما بين السَّلف الصَّالح، لما أوضحناه سلفاً من التَّكافؤ والتَّكاتف الجيِّد بين الكل من حيث المبدأ والغاية من التَّرسُّل وحسن النيَّة والإخلاص فيها، وعلى أساس حسن الظَّن بأيِّ جهة مقابلة ما لم يثبت الخلاف المعادي، ونحن في غنى عمَّا لو حصل من سوء نيَّة في بعض الأحيان ممَّن يدَّعي مرجعيَّة أو تدَّعى له وهو غير صالح لها أو ممَّن يرجع إليه للمصالح الخاصَّة أو من الاثنين، وهو من أشدِّ ما يمقته

ص: 42

الإسلام العزيز ما دمنا على وزن حُسن القصد وعلى نهج الاستقامة ولم نرَ مجوِّزاً لإيذاء أيَّ إنسان من منطلق الدِّين والمذهب والإنسانيَّة لأنَّ ((المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه)).

وقد ذمَّ الباري المستغيب بقوله تعالى ]أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتَاً فَكَرِهتُمُوه[ وغيره وورد في السنَّة الكثير، ولنختر ما يناسب المقام مختصراً من مقبولة عمر بن حنظلة قول الصَّادق عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ في مقام وجوب احترام العلماء الفقهاء وحملة الحديث

((فإنِّي قد جعلته عليكم حاكماً فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنَّما بحكم الله استخف وعلينا رد، والرَّاد علينا راد على الله وهو على حد الشِّرك بالله عزَّ وجل)).

فلابدَّ إذن من توقير العلماء الأتقياء ككلِّ لأنَّهم الدِّرع الحصين لهذه الشَّريعة المقدَّسة وخير واق لها من شرور أعدائها، نسأل الله تعالى هداية القلوب لنوع حماة شريعته، إنَّه سميع مجيب.

النَّبْذَة الرَّابِعَة عَشَرَة لمِاذَا تَعَدُّد المَرْجِعِيَّات

من منطلق وجوب طلب العلم المسلَّم عند كلِّ أحد، وبالأخصِّ طلب العلم الدِّيني ولزوم تحصيله سواء قلنا بالوجوب العيني في مورده أو الكفائي أيضاً - كما ذكره علماؤنا - على ما دلَّت عليه الأدلَّة الشَّريفة كتاباً وسنَّة - كما لا يخفى -، لكثرة الجهل ومضارِّه وعلى اتِّساع المعمورة، ولحاجة الكل إلى العلم حتَّى العلماء أنفسهم لاحتياجهم إلى مواصلة التَّحقيق فيه مهما بلغت درجتهم العلميَّة كحاجة المواصلة له لئلاَّ ينسى، أو الحاجة إلى التَّدقيق طمعاً في استحداث أمور لم تتَّضح سابقاً واستكشافها لاحقاً، أو للمحادثة العلميَّة المستمرَّة مع أمثالهم حتَّى تتم جوانب الأطروحات، لما فيه من منافع دنيويَّة وأخرويَّة، لأنَّ ذوي البصيرة مفضَّلون على غيرهم عند الله ، ولوجوب نفع النَّاس به الَّذي هو واجب مقدَّس على عواتق العلماء.

لأجل كلِّ هذا لا مانع من كثرة روَّاده وكثرة الحاصلين على رتبة الاجتهاد في العصر الواحد، بحيث لا يخضع كل منهم - علميَّاً - إلى رأي الآخرين لو حصل بعض التَّفاوت

ص: 43

الفكري في النَّتيجة الاجتهاديَّة، بل هو الرَّاجح، مع بقاء تمام الأخوَّة في التَّبادل بها بين الكلِّ في الكلِّ في أجلى معانيها، لاحتمال وضوح بعض الحقائق الشَّرعيَّة عن طريق مثل هذا التَّنافس البريء والمأدَّب بصورة أجود، ولأنَّه لا يلزم أن يكون كلُّ منهم - في العصر الواحد - مرجعاً في كل البقاع حتَّى يخشى من التَّزاحم، إذ أنَّ الخدمة من الجميع لا تتعذَّر ولو بأن يكون كل منهم معروفاً بين قبيل محدودين له وخاصِّين به، وهكذا الباقون.

بل إنَّ كلَّ النَّاس قد يحتاجون إليهم جميعاً مهما اختلفوا في أساليبهم العلميَّة ومؤدَّياتها كما ذكرنا، وفيما يحسنونه من عطاءاتهم، لأنَّ الإفادة لم تنحصر في مرجع التَّقليد ولخصوص من يقلِّده ما دام الكل على نهج الاستقامة في دين الله وكونهم يصبُّون في حوض واحد لحماية بيضة الإسلام كما مرَّ.

إذ أنَّ تنوَّع الإفادة قد يكون بعض أعلامها مرتبطاً بأن يستفاد منه توضيح الغوامض الشَّرعيَّة والمعارف المتنوِّعة في كلِّ العلوم أو أغلبها، وهذا ما قد لا يدركه بعض المختصِّين بخصوص أمر الفقاهة والتَّقليد لهم فيها، أو كونه مرجعاً في أمور التَّدريس العلمي الفقهي والأصولي فقط كما في مرجع خصوص دروس الخارج المؤهلة للاجتهاد لمن يحضر دروسه حتَّى لمن لم يرجع إليه في التَّقليد.

وقد يكون غير المقلَّد من هؤلاء ذخيرة للمستقبل مع منافعه الحاليَّة، فقد يكون المرجع أباً في العرفان والسُّلوك الإلهي الصَّحيح، وقد يكون خاصَّاً في أمور الحكم والقضاء، وقد يكون لسان الإسلام النَّاطق ضدَّ أعداء الدِّين والخطيب المسقع لذلك، وقد يكون لسان المحاججة النَّاجح ضدَّ أعداء المذهب - ومن يتآلف معه من المذاهب الأربعة - وإن ادَّعوا الإسلام نفاقاً - لتثبيت أواصر العلاقة الدِّينيَّة بين فرق المسلمين جميعاً -، وقد يكون المفسِّر، وقد يكون الفيلسوف إضافة إلى ما اختصَّ به أو عرفه وغير ذلك.

ومن ثمَّ أنَّه قد تداهم الأمَّة بعض المشاكل من أعداءها أو من دواخلها اعتياديَّاً ممَّا يحتاج إلى حلِّ ناجح قلَّما يحصل من مستبد في رأيه - وإن كان مجتهداً -، بل إنَّ في الاستبداد أكثر الهلكات، فسبيل الخلاص من السَّلبيَّات الخطيرة لا يمكن غالباً إلاَّ بالمشاورة ما بين أهل الحل والعقد من أمثال هؤلاء المجتهدين وذوي الرَّأي السَّديد منهم.

ومن ثمَّ أيضاً إنَّ الإسلام واسع الطَّاقات كمعجزة إلهيَّة في مداركه ودستوره وفي نبيِّه

ص: 44

صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وأئمَّته الطَّاهرين عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، الَّذين لو ثنيت لهم الوسادة تماماً حين حلول أوقاتهم الشَّريفة لحلَّت جميع مشاكل العالم بأسلم أسلوب، ولما بقي ضيم في البشريَّة، ولحلَّت في الربوع جميع البركات.

وعلى طبق كثرة حاجة أبناء هذا العالم إلى نوع العلماء في داخله وخارجه وتنوِّعها فليس من السَّهل الإنفراد بالرَّأي في التَّطبيق، بل إنَّ التَّعاون والتَّكاتف هما دعامة النَّجاح التَّام حين إرادة التَّطبيق الصَّحيح.

ولو فرضنا إمكان اِنفراد المرجعيَّة في واحد فإنَّه لا يستغني ذلك الواحد عن مجلس المشاورة مع قبيل المجتهدين، الَّذين لا يخضعون لرأي صاحبهم تقليداً حتماً وكما هو الحق، إلاَّ بنحو التَّأييد له على أساس الاتِّفاق المبدئي على الدَّليل الموحَّد، أو ما أنتج موحَّداً وإن اختلف المبنى، ولو لم يكن معه هكذا مجلس فقد يكون كثير التَّعرض للخطأ والاشتباه، حتَّى لو قلنا إنَّه قد يحلُّ مشاكله بمراجعة المصادر لمن سبقه من المجتهدين المتقدِّمين، لكن هذا الأمر ليس بميسور له في كلِّ قضيَّة، إذ قد تكون أمور لا يمكن التَّداول فيها إلاَّ مع الأحياء كالمستحدثات الكثيرة، الَّتي قد لا تكون واردة في أيَّام الماضين موضوعاً وحكماً، فضلاً عن أنَّ فكرة الماضين قد تكون جامدة بلا مجال للتَّصرُّف فيها مع جلالة قدر أصحابها لعدم معرفة مداركها الَّتي بنوا عليها، إلاَّ بتأوُّل من قبل ذلك الحي، وهو مع وحدته باق على تلك المعاناة الَّتي يحذر منها ومن عواقبها، ما لم يتداول مع نظرائه المراجع الباقين على بساط التَّداول الإيماني البريء الصَّريح الخالي من كلِّ من يشكَّ فيه أمر زرع المشاكل.

النُّبْذَةُ الخَامِسَة عَشَرَة حَوَلَ الأَحْكَامِ مِنْ ذَوَاتِ العَنَاوين الثَّانَويَّة

إنَّ الأحكام تنقسم في دور من أدوارها إلى قسمين:

أوَّلهما:ما إذا كانت من ذوات العناوين الأوَّليَّة وهذه هي الأصيلة والَّتي لا يمكن تغيُّرها من أيِّ أحد إذا تمَّ دليلها الشَّرعي الخاص، إلاَّ ما يناسب الاضطرار في ذلك ومع ذلك فإنَّ الضَّرورة تقدَّر بقدرها ولا أن يكون ذلك التَّغير حاصلاً بتلك السُّهولة ومن ذلك بعض

ص: 45

حالات التَّقيَّة كما سيجيء.

ثانيهما: ما إذا كانت من ذوات العناوين الثَّانويَّة كحالات تغيُّر الوجوب إلى الحرمة أو الأقل وإلى حد ما دون الوجوب من الممكن في فعله بلا عقوبة على التَّرك في غيرها وانحصار العقوبة في مخالفة الحرمة، وحالات تغيُّر الحرمة إلى الوجوب أو الأقل وإلى حد ما دون الحرمة من الممكن في تركه بلا عقوبة على الفعل، بل قد يكون فيه رجحان وانحصار العقوبة في ترك الواجب وكانت تلك الأحكام مرتبطة بالمعقول المدرك فيه رجحان ذلك التَّغيُّر وتحت ظل النُّصوص العامَّة والمرتبطة أيضاً ببعض القواعد المصطيدة منها، كقاعدة (لا ضرر ولا ضرار) وقاعدة الميسور وأدلَّة التَّقيَّة ونحو ذلك، ممَّا أمكن تشكَّيل تلك الاعتبارات الفقهيَّة الثَّانويَّة عنه، ومن ذلك بعض المستحبَّات في الشَّريعة في بابها الأوَّلي لكونها ممَّن تنطبق عليه آية قوله تعالى ] ذَلَكَ وَمَنْ يُعَظِّمُ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقَوَى القُلُوب [ من بعض أعماله ولكنَّها لو لم يناسبها الزمان أو المكان أو كلاهما وكانت بفعلها توجب هتك الكرامة وإلى حيث ما يكون ضررها أكثر من نفعها لأمكن انقلاب حكمها إلى الحرمة للأدلَّة المذكورة ومتى ما انتفى ذلك رجعت مشروعيَّتها إلى حيث طبيعتها الأولى.

وعلى أساس هذا التَّقسيم والثَّابت لكل متتبِّع - ووصول الأمر في بعض الأحوال إلى القسم الثَّاني - لابدَّ من الاهتمام بمراعاة أحكامه إذا وصل بالمكلَّفين أمر الحاجة إلى التَّكلُّف بها للخلاص من مخاطرها سواء كانت مخاطر ترك واجب ثانوي أو فعل محرَّم ثانوي.

لكنَّ أمر تشخيص الخطر على المكلَّف من هذا القبيل مرتبط بحالتين: -

الأولى: وهي ما إذا كان المكلَّف نفسه عارفاً بمستوى التَّكليف المرسوم له من ذلك ومن دون اشتباه منه فيه مع محافظته التَّامة على التَّورع في الأمور من الوقوع في الشُّبهات فلا مانع له من إتِّخاذه بنفسه طريقه الشَّرعي من ذلك.

الثَّانية: وهي ما إذا كان من قبيل العامي المحض والَّذي تشتبك عليه الأمور حتماً لذلك أو العارف ببعض الأمور ولكن قد يخفى عليه حتَّى بعض الواضحات فضلاً عن

ص: 46

غيرها، ممَّا قد يصعب فهمه في أمر التَّطبيقات بسبب تراكم بعض الشُّبهات ونحو ذلك، فمثل هذا لابدَّ فيه أن يكون تشخيصه عن طريق الفقيه، لأنَّ ذوات العناوين الثَّانويَّة من الأحكام لم تكن هي الدَّائمة في التَّكلُّف بها كالأوَّليَّة، بل إنَّما هي تابعة لظروفها وأماكنها وموجباتها، والقادر على فهم المناسب للانتقال إلى هذا الحكم أو البقاء على الحكم الأوَّل وبصفته الدَّقيقة هو الفقيه في ذلك لا غير، بل حتَّى لو عرف العامي بعض الشَّيء فخبرة الفقيه الأكثر دقَّة توجب الاحتياط بمراجعته دون اتِّكال العامي على نفسه فإن ثبت العنوان الثَّانوي بذلك حقَّاً التزم به وإلاَّ رجع الحكم الأوَّلي إلى واقعه.

النُّبْذَةُ السَّادِسَة عَشَرَة فِيهَا تَنْبِيهٌ مُهِمٌ حَوَلَ المَسَائِل المُسْتَحَدَثَة

لا شكَّ في أنَّه قد ظهر في الآونة الأخيرة ومن تطوُّر الأحداث وفي مختلف الشؤون وممَّا لا يمكن ابتعاده عن أحكام الشَّريعة سواء بالمباشرة أو بالتَّسبيب ما قد يطلق عليه بالمسائل المستحدثة، ممَّا إستحدث من خلال أسئلة السَّائلين أو من خلال ما افترضه العلماء العاملون ممَّا قد ساعد عليه التَّطوُّر المعاصر كما في مسائل البنوك والصكوك والعملات المختلفة والتَّعاملات السُّوقيَّة الجديدة والسَّرقفليَّات والتَّشريح والتَّطورات الطِّبيَّة الأخرى وأحكام النَّاس في الجو والبحر وآخر المعمورة وفي الفضاء الخارجي وأمور العشائر وما يعتريها من مشاكل وغير ذلك من شتَّى الأمور الأخرى.

وهذا الإطلاق لا يمكن أن يكون على حقيقته في الواقع لأنَّ شرع الله تعالى كامل وفي جميع ميادين الحاجة البشريَّة ولم يكن الاستحداث والتَّجديد الفقهي بمعنى وجود شرع جديد لما قد دلَّت على ذلك الأدلَّة الكثيرة الكافية من الكتاب والسُّنَّة إضافة إلى المرتكز الذِّهني العام لكلِّ المسلمين إجماعاً في كمال الدِّين وإتمام النِّعمة في فقهه من قواعد وفرعيَّات كقوله تعالى ]اليَوَمُ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينَا [ وغيره إذ لم تغمض عينا رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ إلاَّ وأتحف الأمَّة بأئمَّة الهدى من أوصياءه عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، ليكملوا رسالته الَّتي أدَّاها وفيما أجمل فيها بإيضاحاتهم المهمَّة، لأنَّهم

ص: 47

الامتداد الطَّبيعي له وهم ثاني الثِّقلين الَّذين أوصى بهما صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ليؤخذ بكلامهما وليعُتزَّ به دون ما يخالفه، لأنَّهم أهل البيت الَّذي نزل الوحي فيه - وأنَّهم الأدرى بما فيه - في حديثه المتواتر والمعروف بين الفريقين وهو قوله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ((إنِّي مخلِّف فيكم الثِّقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلُّوا بعدي أبدا وإنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض)) وغيره ممَّا يقاربه.

فلابدَّ أن تكون هذه المستحدثات إذن بمعاني أخر لا تخل بكمال الدِّين وتمام نعمته لأنَّ البيانات الشَّريفة في الأدلَّة المنيفة مرتبطة حتماً بهذا الثِّقل الأعظم الَّذي لولاه لانتهى كل شيء.

إلاَّ أنَّه قد اختفت أمور وأمور ممَّا نتج من المعانات من عصيبات الدُّهور من الكوارث الطَّبيعيَّة وغير الطَّبيعيَّة ممَّا أحوج إلى الاجتهاد كثيراً في الأحكام والموضوعات غير المبتعدة عن النُّصوص المألوفة جهد الإمكان، فأتعب الأعلام الماضون أنفسهم في ذلك - جزاهم الله خيراً - بما أوصلهم إلى بعض النَّتائج ولو بالأخذ ببعض العمومات والاطلاقات أو المفاهيم المقبولة ونحو ذلك.

ومع ذلك لم يكن كل شيء قد ساعد الحظ للوصول إليه بسهولة بنجاح تام على التَّحقيق للإجمال والإبهام ونحوهما من عوارض النُّصوص والابتلاءات الَّتي لابدَّ أن يُثاب على الصَّبر عليها والتَّحقيق فيها أولئك الأعلام وغيرهم من الَّذين أجهدوا أنفسهم في هذا السَّبيل ولكون بعضها ممَّا لا موضوع لها ظاهراً.

كما وقد عثر الفقهاء المحقِّقون قديماً وحديثاً على بعض الأمور ممَّا قد يوكل أمره إلى علم النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أو الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في أمور تطبيقه بسبب الإجمال الحاصل في رواياتها ونحو ذلك ممَّا لا يمكن فيه إنكار حصول مستحدثات من هذا وغيره ولو ظاهراً، وبالأخص في الآونة الأخيرة زمان التَّطوُّر العلمي من ذوات موضوعات جديدة، ولكن أحكامها قد لا تخفى على المتتبِّع فقهيَّاً كأحكام البنوك ونحوها، ممَّا يمكن ربطه بالأدلَّة المحرَّمة للرِّبا بالمباشرة أو التَّسبيب فيما يتناسب منها مع ذلك، فتكون ممَّا يمكن جعله من حالات التَّفريع عمَّا عرف من الأحكام الشَّرعيَّة النَّوعيَّة والمسائل الكليَّة، لعدم التَّلازم بين كون الموضوع جديداً ظاهراً وبين أن لا يكون له حكم شرعي أصيل في أدلَّته المتعارفة، ولو بأن يجتهد في

ص: 48

سبيل تحصيله بأكثر ممَّا ينبغي.

وقد تكون هناك موضوعات تحتاج إلى استنباط جديد لصالحها يشبه التَّأسيس لغرابته عن الأحكام تقريباً لا كالتَّفريعي، ولكنَّه أيضاً هو قابل لأن يكون منضمَّاً إلى بعض مصاديق العمومات أو الاطلاقات أو المفاهيم العامَّة المعتبرة، أو الرًّجوع إلى بعض الإمارات الظَّنيَّة الأقوى لو انسدَّ باب العلم جملة أو تفصيلاً كالرُّجوع إلى التَّشخيصات الفلكيَّة كالبوصلات المغناطيسيَّة أو الإلكترونيَّة لمعرفة الاتِّجاهات في قضايا الجو والأماكن الغريبة، أو العلميَّة الأخرى ممَّا يمكن إمضاؤه شرعاً من قبل الأدلَّة العامَّة أو العرفيَّات الأقرب إلى الواقع شرعاً جرياً على قاعدة (دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة) أو قاعدة الأهم فالأهم في كلِّ الأمور الأخرى كالعشائريَّات وغيرها ممَّا قد يسمَّى مستحدثاً ولو تسامحاً، وقد يتورَّع فيه البعض بالالتزام بالاحتياط فيه كما سيأتي توضيحه في رسالتنا المفصَّلة لكون بعض الفقهاء قد يأجِّل تشخيص الحكم على مراجعة أهل الخبرة في بعض الموضوعات.

ونظراً إلى خطورة البت ببعض هذه الأمور وصعوبته حتَّى بعض حالات أخذ الحكم العام وتطبيقه على الفرع الخاص حتَّى من بعض الأذكياء والملمِّين ببعض الأمور الفقهيَّة، فلابدَّ إمَّا من الاحتياط والتَّورع إن أمكن أو مراجعة الفقيه مباشرة حولها لتشخيص موضع التَّكليف الأقرب إلى الواقع من هذه الأمور.

النُّبْذَةُ السَّابِعَة عَشَرَة حَسَنَاتُ الأَبْرَارِ سَيِّئاتِ المُقَرَّبِين

قد يتصوَّر البعض - نتيجة لما قد يشيعه شذَّاذ الآفاق من المندسيِّن في كلِّ زمان ومكان تزداد فيه الصَّحوة الدِّينيَّة إلى حيث جادَّة الصَّواب، لتشويش أفكارهم من مثل هؤلاء الشُّذَّاذ وبالأخص في هذا الزَّمان من أمثال أرباب السُّلوك والعرفان الأهوج والمعادي للسُّلوك والعرفان الحقيقي - بأنَّ الصَّلاة وأمثالها عمل المذنبين لا المطيعين تماماً، بمعنى أنَّهم لو وصلوا إلى اليقين حسب ادعاءاتهم الباطلة لانتفى الموجب إلى تلك العبادة وأمثالها، تشبُّثاً بشبهة صوَّروها للنَّاس من قوله تعالى ]وَأُعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقَين[، ونتيجتها حسب ما يفترون بأنَّ من صار على يقين من

ص: 49

أمره بأنَّه في طاعة تامَّة سقطت عنه التَّكاليف، بينما صريح الآية والأدلَّة الأخرى وسلوك الأولياء على نهج النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ما انفكَّ عن أداءها حتَّى الموت وأعمال خيار الأمَّة وبالإجماع المطلق يشهد لها التَّأريخ بأحرف من نور بأنَّهم وإلى آخر حياتهم ما تركوها ولا تركوا الإيصاء بها، وإنَّ الَّذي وصل إلى اليقين كما يتصوَّر ذلك البعض أو يصوِّره المصوُّرون مع الَّذي لم يصل إليه هو على حدٍّ سواء في التَّكليف، فيجب الاستمرار على عبادات الإسلام وتعاليم الشَّريعة وإلى حد الموت، ليغفر الله بذلك ذنب المذنبين ولترتفع درجات غيرهم إلى أعلى علييِّن، ولأنَّ اليقين هو يوم الحساب ونتيجة الامتحان، فهناك يحيى كل من يحيا عن بيِّنة ويهلك كل من يهلك عن بيِّنة، ونسأل الله حسن البداية وحسن الخاتمة وعلى نهج الشَّريعة المقدَّسة لا غير.

بل إنَّ أولياء الله

على قربهم من الله تعالى في إخلاصهم ودوام عباداتهم - وإلى حيث ما أنهوا حياتهم المثلى على هذه الوتيرة والأزيد منها - أعطونا دروساً عظيمة القدر لو تتبَّع لأسعدت البشريَّة، منها أن المستحبَّات في نظرهم عرفانيَّاً كالواجبات وأنَّهم في خجل من المولى تعالى، لتصوُّرهم عرفانيَّاً أنَّهم في ابتعاد عن حضرته المقدَّسة وعمَّا يناسبه وإن أتوا بكلِّ ما يحب ويستحب ولم يكونوا عصاة شرعاً لعصمة مثل الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، فإذا كان نظرهم في المستحبَّات

هو هذا فكيف نظرهم إذن تجاه الواجبات، وإذا كان نظرهم للأمور عامَّة هكذا تجاهه فكيف بنا نحن إذن.

النُّبْذَةُ الثَّامِنَة عَشَرَة بَعْضُ المُصْطَلَحَات النَّافِعَة في الرِّسَالَة

إنَّ من المناسب جدَّاً قبل البدء بالمسائل الفقهيَّة لهذه الرِّسالة أن نذكر بعض شروح المصطلحات الَّتي وردت فيها، وبيان بعض التَّعاريف الأخرى وهي: -

1- الوجوب في هذه الرَّسالة: هو إلزام المكلَّف بفعل ما يحرم تركه شرعاً مع العقاب عليه إذا حصل التَّرك، وقد تستعمل لها كلمة لابدَّ.

2- الحرمة: هي إلزام المكلَّف بترك ما يحرم فعله شرعاً مع العقاب عليه إذا حصل ذلك الفعل، وقد تستعمل لها كلمة لا يجوز.

ص: 50

3- الاستحباب: هو ترجيح الفعل على التَّرك شرعاً مع الإثابة على فعله لو كان أخرويَّاً، ويجوز تركه بلا إثم فيه.

4- الكراهة: هي ترجيح ترك الشَّيء على فعله شرعاً مع الإثابة على التَّرك وتجويز فعله بلا إثمَّ فيه.

5- الإباحة: هي التَّخيير بين فعل الشَّيء وعدمه بلا ترجيح شرعي، لأنَّهما سواء في نظر الشَّرع الشَّريف، وإن رجحَّت أحدهما بعض النُّصوص غير المقبولة، لأنَّ المعيار هنا حكم الشَّارع لا غير.

6- التَّعبُّدي: وهو ما يجب الالتزام به بذاته لذاته كفريضة الصَّلاة وغيرها مع قصد القربة إلى الله .

7- التَّوصُّلي: وهو ما يجب الإلتزام به لغيره ولو عقلاً كغسل الثَّوب بالنسبة إلى الصَّلاة ومقدِّمة الواجب وإن لم تقصد القربة.

8 - العيني: وهو ما وجب على الإنسان عيناً، كالاجتهاد إذا انعدم المجتهدون والولد الأكبر في القضاء عن والده إذا مات.

9 - الكفائي: وهو ما إذا قام به البعض سقط عن الباقي، وإذا لم يقم به الجميع أثم الجميع.

10 - التَّعييني: وهو ما عيَّنه الشَّارع بنفسه وظيفة للمكلَّف، كالعبادات الواجبة على كل مكلَّف - ولو كانت أموراً متعدِّدة - كخصال الكفَّارة الثَّلاث جمعاً على قاتل النَّفس المحترمة عمداً والمفطر في شهر رمضان على حرام.

11 - التَّخييري: وهو ما لو خُيِّر الإنسان بين شيئين أو أكثر، كأحد خصال الكفَّارة الثَّلاث بالنِّسبة إلى من أفطر عمداً في شهر رمضان على حلال في أساسه مثلاً.

12- الجواز: بمعنى الإباحة، وقد تستعمل لها كلمة لا بأس.

13- الأقوى: فتوى يحرم ترك العمل بها - وإن كان في مقابلها قول آخر لكونه أضعف من الأقوى.

14- الأظهر: فتوى كذلك.

15- الأحوط وجوباً: كالفتوى.

ص: 51

16- الأحوط استحباباً: كالمستحب.

17- ابتداء المسألة بالاحتياط دليل على الوجوب تقريباً، وكذا انتهاؤها به إذا لم يبتدأ بها بفتوى غيره.

18- ذكر الاحتياط بعد الفتوى دليل استحبابه.

19- لا مانع: بمعنى الإباحة مثل لا بأس ويجوز.

20- الأحوط الأولى دليل الاستحباب.

21- يصح: بمعنى الإجزاء والاكتفاء بالعمل.

22- يفسد: بمعنى الحاجة إلى الإعادة في الوقت أو القضاء في خارجه، إذا كان ممَّا يكون كذلك، أو يحتاج إلى إبراء الذمَّة الماليَّة إذا كان من الماليَّات.

23- الإشكال: بمعنى وجوب التَّوقُّف إلى حين مراجعتنا للاستيضاح، ومقتضاه الفعلي هو الاحتياط بالتَّرك في العمل أو عكسه.

24- المستحبَّات المذكورة في الرِّسالة ينبغي أن يؤتى بها على أساس التَّسامح في أدلَّة السُّنن ولرواية من بلغه ثواب على عمل ولو بنحو رجاء المطلوبيَّة، لأنَّنا جمعنا فيها ما تأكَّد استحبابه وغيره لئلاَّ تفوت المنافع المرجوَّة.

25- كل كلام في هذه الرِّسالة ما بين خطَّين يعتبر جملة معترضة وذات فائدة وإن كانت من غير صميم الكلام في بعض الحالات.

وهناك أمور أخرى من المصطلحات استغنينا عن ذكرها في هذا المختصر، ولربَّما نذكر بعضها وما يعرِّفها فيما يأتي أثناء العرض.

هذا آخر ما بوسعنا من النُّبذ المفيدة قبل مقدِّمات الرِّسالة الأخرى، اقتصرنا على إيراده في هذه الرِّسالة استعجالاً، على أمل التَّوسُّع المناسب فيه في موسوعتنا الفقهيَّة القادمة بإذن الله تعالى.

ص: 52

مُقَدِّمَاتِ التَّفَقُّه في الدِّين مَسَائِلُ الاِجْتِهَاد والتَّقْلِيد والاِحْتِيَاط

ص: 53

ص: 54

القِسْمُ الثَّاني

وهي: -

مَسَائِلُ الاِجْتِهَاد والتَّقْلِيد والاِحْتِيَاط

لابدَّ من بيان مسائل مهمَّة - قبل البدء بمسائل الرِّسالة العمليَّة سواء ما كان من مقدِّماتها أو غاياتها - تتعلَّق بأمور الاجتهاد والتَّقليد والاحتياط الَّتي هي كمقدِّمات لمقدِّمات الرِّسالة المقبلة وإن أطلق على الجميع بالمقدِّمات العامَّة كما فيما مضى، لارتباطها بشؤون الأحكام الشَّرعيَّة المقبلة - وإن كانت الكتب الفقهيَّة القديمة خالية منها - ولما سيظهر من مسائلها الكثير من الفوائد.

وقد تقدَّم أنَّ مدارك هذه المسائل عقليَّة نوعاً - لانحصار أخذ المكلَّف أحكامه الشَّرعيَّة عن هذه الطُّرق الثَّلاثة لا غير، فيكون وجوبها وجوباً عقليَّاً انحصرت في جملتها أحكام الشَّريعة على كلِّ مكلَّف، وإن دلَّ على كلٍّ من الثَّلاثة - ممَّا يظهر أهميَّته ولزومه - أكثر بعض الأدلَّة الشَّرعيَّة الأخرى، على ما أوضحناه وعلى ما سيتَّضح في الموسوعة.

مَسَائِلُ الاِجْتِهَاد

(مسألة 1) يجب على كلِّ مكلَّف أن يحرز امتثال التَّكاليف الإلزاميَّة الَّتي عليه شرعاً،ويتحقَّق ذلك

بأحد أمور وفيما يتناسب مع كل منها وحسب مجاله الشَّرعي المفروض له، وهي: -

1- اليقين 2- الاجتهاد 3- التَّقليد 4- الاحتياط.

وبما أنَّ موارد اليقين في الغالب تنحصر في الضَّروريَّات وهي معلومة لا تقليد فيها، فلا مناص للمكلَّف في إحراز الامتثال في غيرها من الأخذ بأحد الثَّلاثة الأخيرة بنحو

ص: 55

الحصر العقلي - كما مرَّ -، وكلامنا الآن في الأوَّل منها، وما يخص الآخرَين يأتي قريباً في محلِّه، وقد ذكرنا معنى الاجتهاد سابقاً في النُّبذ الماضية.

وهو واجب كفائي في أصل الحكم، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإذا لم يقم به الجميع أثموا جميعاً، ولا يتعيَّن إلاَّ مع فقد المجتهد وفقد القدرة على الاحتياط - وإن لم يكن الاحتياط حكماً في الواقع - وعدم ظهور إمارة تدل على وجود أحد مؤهل للاجتهاد سواه يعطي النَّتاج من قبله وإن طالت مدَّة تحصيله لذلك.

(مسألة 2) المجتهد مطلق ومتجزِّيء، وقد أشرنا سابقاً إلى شيء من معنييهما.

فالمجتهد المطلق يلزمه العمل باجتهاده أو أن يعمل بالاحتياط، وكذا المتجزِّيء بالنِّسبة إلى الموارد الَّتي يتمكَّن فيها من الاستنباط أو أن يحتاط في مسائل قدرته على الاحتياط، وأمَّا فيما لا يتمكَّن فيه من الاستنباط فحكمه حكم غير المجتهد، فيتخيَّر فيه بين التَّقليد والعمل بالاحتياط الممكن، أو يواصل تحقيقه للاجتهاد في تلك المسائل الأخرى، ما لم تكن واجباته فيها فوريَّة لا تتوسَّع بسعة الوقت المحقِّق للاجتهاد، فإن كانت هناك واجبات فوريَّة ولم تكن يقينيَّة أو ضروريَّة فعليه التَّقليد أو الاحتياط فيها كما مرَّ.

(مسألة 3) يشترط في مرجع التَّقليد تحقُّق أمور: -

1 - البلوغ 2 - العقل 3 - الإيمان 4 - الذكورة

5 - طهارة المولد 6 - الاجتهاد

7 - العدالة

8 - الحياة إبتداءاً لا استدامة، فلا يجوز تقليد الميِّت إبتداءاً ويجوز استدامة.

9 - الضَّبط المتعارف، ولو بأن يراجع مصادره الاجتهاديَّة بعد فترة إعتياديَّة.

10 - الأعلميَّة - على الأحوط وجوباً - مع إمكانها وتحقُّقها كما سيأتي.

(مسألة 4) يشترط في القاضي الشَّرعي ما يشترط في مرجع التَّقليد عدا الأعلميَّة، فلا يجوز التَّقاضي عند من لم يبلغ رتبة الاجتهاد، نعم الأحوط استحباباً التَّرافع عند الأعلم مع إمكانه، بل لا ينبغي تركه والالتجاء إلى غير الأعلم، بل لا يجوز إحتياطاً ترك الأعلم لو أحرز الحكم العادل عنده أكثر من غيره.

وكذا الأحوط استحباباً كون الولاية على الأيتام والمجانين والأوقاف - الَّتي لا متولِّي

ص: 56

لها - والوصايا - الَّتي لا وصي معيَّن لها في أساسها، أو كان فيها وصي ومات، أو قصَّر في التَّطبيق وخرج عن الأهليَّة - ونحو ذلك من قبل الأعلم دون أن يكون واجباً، بل يكفي ذلك للمجاز من قبل الفقيه من وكلائه حسبة وإن لم يكن مجتهداً.

(مسألة 5) يحرم الإفتاء على من ليس أهلاً للفتوى، كما لا يجوز لمن ليس أهلاً للقضاء التَّصدي له، بل لا يجوز التَّرافع إليه ولا الشَّهادة عنده، بل لا يجوز للفئة الشَّرعيَّة العُليا تمكينه من ذلك، نعم إذا انحصر استنقاذ الحق بالتَّرافع إليه فلا مانع بعد الاستجازة من الحاكم الشَّرعي وأن يكون تحت إشرافه إحتياطاً.

(مسألة 6) العدالة هي (ملكة نفسانيَّة مؤدَّاها الاستقامة على جادَّة الشَّرع)، وأقل قراءنها عدم ارتكاب الكبائر - الآتي تعدادها في كتاب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر -، بحيث لو حصل أمامه شيء منها لارتدع عنه فوراً - بل استنكره -، وكذلك عدم الإصرار على الصَّغائر لو كان، وهي ثابتة في وجوبها لأن يتَّصف بها الفقيه المقلَّد والحاكم الشَّرعي العام والقاضي وإمام الجمعة والجماعة وشهود الإثبات في الدَّعاوى والبيِّنات الأخرى، وإن وجبت لأن يتحلَّى بها كل فرد مكلَّف.

ولو اتَّصف بها سائر النَّاس لما وصلوا لما لا يُحمد عقباه في أكثر حالات العيش المرير في عالمنا سابقاً ولاحقاً، ولحصلت الاستقامة في جميع أمورهم، وكما يحثُّنا عليه دوماً نبيِّنا وأئمَّتنا وأعلامنا المقدَّسون.

(مسألة 7) الأعلم هو (الأقدر على استنباط الأحكام من مظانِّها من غيره في المسائل الابتلائيَّة) على ما هو المعروف عنه بين الفقهاء نوعاً، وذلك لأنَّه أكثر احاطة بالمدارك الفقهيَّة العامَّة وتطبيقها من غيره، وبتحقُّق ذلك فيه تامَّاً مع بقيَّة الشُّروط اللاَّزمة في المرجع ممَّا مرَّ ذكره.

وبناءاً على ذلك يجب الإرشاد إليه من قبل المراجع الأقل منه والاستفادة منه من قبلهم واختياره في التَّقليد من قبل العوام - من بين بقيَّة المراجع - لدقَّته وكثرة تجاربه أو تكرارها متقنة عنده، وهذا كلُّه إذا فسِّر الأعلم بما ذكرناه.

وإن كان تفسيره بأكثريَّة احاطته في المسائل غير الابتلائيَّة، أو في بقيَّة العلوم، أو

ص: 57

معرفته المهمَّة بموضوعات الأحكام مع مساواته للآخرين اجتهاداً في المسائل الابتلائيَّة لا أكثر، فإنَّه لا يجب على المكلَّف ما ذكرناه من هذا الإلتزام، إلاَّ إذا أعطته أعلميَّته في تلك الأمور أعلميَّة في الابتلائيَّة أكثر من الغير للمناسبات المأديَّة إلى ذلك فهي كالأوَّل.

(مسألة 8) يثبت اجتهاد المجتهد أو أعلميَّته لدى المكلَّفين والمجتهدين بأمور: -

1- أن يحصل للمكلَّف اليقين، كما إذا كان من أهل العلم والتَّمييز في تشخيص المجتهد وتشخيص الأعلم من غيرهما بالاختبار في المعايشة العلميَّة من مختلف حالاتها.

2- شهادة العدلين من أهل العلم، مع تمكُّنهما مسبقاً من تشخيص المجتهد لإجتهادهما مثلاً، وكذا تشخيص الأعلم، بشرط أن لا يعارضهما مثلهما ضدَّ الشَّخص أو لصالح غيره.

3- قول جماعة مهمَّة من أهل العلم الَّذين يتمكَّنون من تمييز المجتهد والأعلم من غيرهما، مع حصول الاطمئنان بقولهم بحيث لا يعلم تواطؤهم على غير الحقيقة، وهذا ما يدعى بالتَّواتر ومع حصول الاطمئنان أيضاً، وكذا إذا لم يقيَّد بعدد كثير ممَّا قد يدعى بالشِّياع المفيد للعلم، وقد لا يكون هذا مرتبطاً بخصوص أهل العلم بل بهم وغيرهم من المؤمنين الثِّقات.

4- خبر الثِّقة المطمئن بقوله، كالزَّوج الأمين إذا أرشد عائلته إلى مجتهد للتَّقليد والمراجعة والاقتضاء عنده.

(مسألة 9) تثبت عدالة المجتهد بما يثبت به اجتهاده وأعلميَّته وبحسن الظَّاهر الموجب للوثوق به.

(مسألة 10) بناءاً على المعنى الأوَّل للأعلم في المسألة السَّابقة - وهو القدرة والفعليَّة الاستنباطيَّة للأحكام في المسائل الابتلائيَّة وما ألحق بذلك من ذوي القدرة الأوسع - يجب الرجوع في تعيينه إلى أهل الخبرة والاِستنباط أكثر من أمر ما اشترطناه في أصل الاجتهاد، ولا يجوز الرجوع في ذلك إلى من لا خبرة له بذلك، وإن كان أهل خبرة أصل الاجتهاد من الأفاضل والمراهقين، لأنَّهم قد لا يدركون معرفة مستوى الأعلم مثل ما لو كان أهل خبرته مجتهدين.

ص: 58

(مسألة 11) لا يجب على المجتهد اجابة العامي لو سأله عن فتوى شرعيَّة مع ذكر دليلها وإن طلب منه ذلك في سؤاله حتَّى لو لم يقلِّده، بل يكتفي بالفتوى، بل قد يحرم عليه ذلك إذا عرف بأنَّ العامي لو عرف الدَّليل لتورط فكره بشبهات تأثِّر فيه اعوجاجاً في سيرته، أمَّا إذا كان السَّائل من قبيل أهل العلم ولكنَّه من مستوى المقلِّدين مثلاً لكون المقلِّد لم ينحصر في مستوى العامي المحض وكان قد عرف المجتهد أنَّ هدفه من سؤاله كان لدفع شبهة مثلاً بذلك مع كونه بلا عمل ذلك الدَّليل فإنَّه جائز حتماً بل راجح بل واجب في بعض الحالات كانحصار دفع الشبهة به وقد يكون ذلك من مستلزمات التَّوسُّع العلمي حال التَّحصيل العلمي.

مَسَائِلُ التَّقلِيد

(مسألة 12) التَّقليد كما مرَّ هو عمل المكلَّف على طبق فتاوى المجتهد، على نحو الانقياد الشَّرعي في كلَّ

أعماله لكل أحكام المجتهد المستنبطة المناسبة لها وغيرها، وسواء كانت أعماله واقعة فعلاً أم لا.

(مسألة 13) يجب على كل من لم يبلغ رتبة الاجتهاد في عباداته ومعاملاته وسائر أفعاله وتروقه أن يكون مقلِّداً أو محتاطاً مع التَّمكُّن من الاحتياط، وإلاَّ فيتعيَّن عليه التَّقليد فقط كما سيأتي في مسائل الاحتياط، إلاَّ أن يحصل له العلم بالحكم، كما في بعض الواجبات المسلَّمة في صدورها والضَّروريَّات، وكثير من المستحبَّات والمباحات ممَّا لا يحتاج إلى تقليد فيها.

(مسألة 14) تعرف فتوى المجتهد - لمن يريد التَّعرُّف عليها - من طرق خمسة: -

1- أن يسمع العامي المسألة من المجتهد نفسه مباشرة أو بالوسائل الحديثة المطمئن بها كالهاتف السَّالم من التَّشويش ونحوه.

2- أن يخبره شاهدان عادلان بفتاواه.

3- أن يسمع من شخص يوثق بكلامه ولو بالهاتف لو لم يشتبه في صوته.

4- أن تكون المسألة موجودة في استفتاء تحريري مطمئن بصدوره من قِبل المجتهد نفسه

ص: 59

ككونه كان بواسطة توقيعه الصَّحيح.

5- أن تكون المسألة موجودة في آخر طبعة من رسالته العمليَّة، مع الاطمئنان بصحَّة ما فيها من الوسائل الخاصَّة.

(مسألة 15) يجب تقليد الأعلم مع إمكانه وحصوله مع ارتباطه بالشُّروط اللازمة الأخرى، ويجب الفحص عنه بما مضى ذكره.

(مسألة 16) يجب تقليد الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم فإن أجاز تقليد غيره فللمكلَّف التَّحوُّل مع الإجازة، وإلاَّ فلا يجوز ويبقى مستمرَّاً على تقليد السَّابق.

(مسألة 17) إذا كان الأعلم منحصراً في فرد بين مجموعة ولم يتمكَّن من تعيينه تعيَّن الأخذ بالاحتياط أو أحوط القولين أو الأقوال مع التَّمكُّن، وإلاَّ تخيَّر بينهم لكون كل منهم أصبح مشكوك الأعلميَّة.

(مسألة 18) إذا كان أحد المجتهدَين أعلم من الأخر ففي حالة ما إذا لم يكن يعلم الاختلاف بينهما فلا مانع من الرجوع إلى غير الأعلم، وكذا إذا كانت فتاواه موافقة للمشهور الَّذي لا يعارضه مشهور في قباله، وكذا إذا كانت موافقة للاحتياط الممكن، وكذا إذا أحرزت عدالته ولم تحرز عدالة الأعلم.

وأمَّا في حالة وجود العلم بالاختلاف فلابُدَّ من الرجوع إلى الأعلم مع إحراز عدالته، بل وكذا في مسائل الوفاق إذا خالفت المشهور المذكور، وفي صورة التَّردد بين الاختلاف وغيره فعليه العمل بأحوط القولَين كما مرَّ.

(مسألة 19) إذا تعادل مجتهدان أو أكثر مع توفُّر الصِّفات اللاَّزمة الأخرى في كلِّ منهم فللمكلَّف اختيار أيهُّم شاء، إلاَّ إذا كانت فتاوى أحدهم أقرب للمشهور وللاحتياط من الآخرين.

(مسألة 20) إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة فقهيَّة ككونه أفتى سابقاً وافتقدت مسائله، أو كان أعلم في بحوثه الدِّراسيَّة العلميَّة فقط كالنَّظريَّات في دقَّتها من دون أن تحرز مجموعة فتوائيَّة كافية لديه فللمكلَّف أن يقلِّد أيَّ مجتهد كفوء غيره الأعلم فالأعلم.

(مسألة 21) للمكلَّف أن يبعِّض في تقليده بين اثنين أو أكثر إذا كان كل من هذين

ص: 60

المجتهدين أو الأكثر أعلم من غيره في أبواب خاصَّة من الفقه دون الباقي، كما لو كان أحدهما أعلم في العبادات والأخر أعلم في المعاملات وهكذا، فيقلِّد كلاًّ فيما فيه أعلميَّته مع إحراز تعادل المجتهدين أو الأكثر في أصل الاجتهاد من حيث المبدأ.

(مسألة 22) إذا قلَّد من ليس أهلاً للفتوى فعليه العدول عنه فوراً إلى المجتهد الكفء أو الاحتياط بالممكن إن لم يمكنه الاجتهاد فيما هو مبتلى به.

(مسألة 23) من لم يقلِّد في حياته مجتهداً أصلاً ولكن كانت أعماله عبادات ومعاملات مطابقة صدفة لفتاوى من يتعيَّن عليه تقليده فجميع أعماله صحيحة، مع رجحان الاحتياط استحباباً بالإعادة فيما يخالف احتياطاته الممكنة في أيَّامه السَّابقة، بل تعيَّن تلك الإعادة ولو إحتياطاً وجوبيَّاً إن كان ترك ذلك عن عناد.

(مسألة 24) إذا كان المكلَّف مقلِّداً لمجتهد في السَّابق وكان شاكَّاً في أنَّ تقليده له كان صحيحاً أم فاسداً بنى على الصحَّة.

(مسألة 25) يجب تعلُّم المسائل الابتلائيَّة جهد الإمكان، ليكون متهيأً للعمل الصَّحيح، ومن ذلك الضَّروريَّات من مسائل العبادات في مقدِّماتها وأجزائها وشرائطها وموانعها، وبالأخص مسائل الشَّك والسَّهو، ومن ذلك أيضاً ضروريَّات المعاملات لاستمرار الابتلاء بها بين أهل الكسب المعاشي، إلى غيرها من الابتلائيَّات الشَّرعيَّة، ولو كان ذلك التَّعلم بتعليم الغير إيَّاه لوجوبه ولو جملة حتَّى لو كان ببذل أموال في ذلك السَّبيل.

نعم لو علم إجمالاً أنَّ عمله كان واجداً لجميع الأجزاء والشَّرائط وفاقداً للموانع صحَّ وإن لم يعلمه تفصيلاً، ولكن مع الشَّك بسبب وجود الفرق بين الإجمال والتَّفصيل - إذ قد يسبِّب بعض الإجمال غفلة عن واجب من الواجبات - فالأحوط الاستئناف لتلك الأعمال العباديَّة مثلاً.

(مسألة 26) إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأً وجب عليه إعلام من تعلَّم منه.

(مسألة 27) إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشَّرائط كضعف الاجتهاد أو الجنون أو الفسق أو نحوهما سقط عن الاعتبار ووجب على العالم بذلك الفحص عن

ص: 61

مجتهد لائق آخر غيره.

(مسألة 28) إذا بلغ الصَّبي فعليه الفحص للتَّقليد مع إمكانه منه، وإن تعذَّر أو تعسَّر عليه ذلك وكان ولي أمره مقلِّداً لمجتهد جامع للشَّرائط وكان الصَّبي قبيل بلوغه مع وليِّه على عمل واحد باطمئنان تام فلا مانع من البقاء عليه عند بلوغه ولو مؤقَّتاً، مع وجوب الفحص الجديد عند تجدُّد القدرة عليه بعد ذلك، ولو اقتضى ذلك الفحص ما يوجب إعادة بعض الواجبات حينما قلَّد الصَّبي إذا بلغ مجتهداً غير الأوَّل.

(مسألة 29) يعرف بلوغ الصَّبي بثلاث إمارات، وهي: -

1 - الاحتلام.

2 - ظهور الشَّعر الخشن على العانة.

3 - إكمال خمس عشرة سنة هلاليَّة.

ويعرف بلوغ الصَّبية ببلوغها تسع سنين هلاليَّة.

(مسألة 30) يجوز تقليد الميِّت استمراراً لا إبتداءاً، بشروطٍ خمسة: -

1- أن يكون عالماً بالمسائل القديمة.

2 - أن يكون عاملاً بها.

3 - أن تكون الفتاوى موافقة للمشهور الَّذي لا يعارضه مشهور آخر ضدَّه.

4 - أن تكون موافقة للاِحتياط الممكن.

5 - أن نراجع في المسائل المستحدثة.

(مسألة 31) لا يجوز العدول إلى الميِّت الَّذي كان مقلِّداً له بعد تقليد الحي عنه إذا استقرَّ عليه، إلاَّ إذا انكشف عدم أهليَّة الحي للتَّقليد من أوَّله، لكن عليه أن يحاول الفحص عن حيٍّ آخر غير الَّذي قلَّده ليستند إليه في الرجوع إلى الميِّت إحتياطاً، وأمَّا إذا انكشف عدم أهليَّة ذلك الحي في الأثناء فعليه التَّفحص عن حي آخر لتقليده، ومن دون رجوع إلى ذلك الميِّت ولو كان بإمضاء من بعض الأحياء.

(مسألة 32) الوكيل في عمل الغير - كإجراء عقد كالزَّواج أو إيقاع كالطَّلاق أو قبض خمس أو زكاة أو كفَّارة أو نحوها - يجب عليه أن يعمل بمقتضى تقليد الموكِّل أو

ص: 62

اجتهاده، لا تقليد نفسه أو اجتهاده مع اختلاف الاثنين في فتوى تلك الأعمال.

بخلاف الوصي الَّذي أوصاه موصِّيه في تطبيق مواد الوصيَّة كاستيجار الصَّلاة عن الميِّت أو الصِّيام عنه أو نحوهما، فإنَّه يجب عليه أن يتصرَّف على طبق فتوى مقلِّده أو طبق اجتهاده إن كان مجتهداً مبرئاً للذمَّة، وكذا عمل الولي للصَّغير والمجنون لكن على أساس الغبطة في أمورهما.

(مسألة 33) إذا مات الموكِّل سقطت جميع وكالاته للآخرين سواء كان الموكِّل مجتهداً أو غيره.

مَسَائلُ الاِحْتِياط

(مسألة 34) الاحتياط الَّذي مضى معناه قد يقتضي العمل وقد يقتضي التَّرك وقد يقتضي التِّكرار:-

فالأوَّل: ففي كل مورد تردَّد الحكم فيه بين الوجوب وغير الحرمة فالاحتياط يقتضي الإتيان به، فعلى فرض أنَّ ذلك الشَّيء المكلَّف به كان واجباً مثلاً فقد أبرأ المكلَّف ذمَّته بأدائه، وإن لم يأدِّه كان مشغول الذمَّة ولو على الاحتمال.

الثَّاني: ففي كل مورد تردَّد الحكم فيه بين الحرمة وغير الوجوب فالاحتياط يقتضي التَّرك، فعلى فرض أنَّ ذلك الشَّيء المكلَّف به كان محرَّماً فقد أبرأ المكلَّف ذمَّته بتركه وإن كان فعله كان غير بريء الذمَّة على الاحتمال.

الثَّالث: ففي كل مورد تردَّد الواجب فيه بين فعلين، كما إذا لم يعلم المكلَّف في مكان خاص أنَّ وظيفته الإتمام في الصَّلاة أو القصر فيها، فإنَّ الاحتياط يقتضي حينئذ أن يأتي بها مرَّة قصراً ومرَّة تماماً.

(مسألة 35) كل مورد لا يتمكَّن المكلَّف فيه من الاحتياط يتعيَّن عليه إمَّا الاجتهاد - سواء كان في تشخيص الحكم الشَّرعي أو الموضوع له حسب حاجته منهما - أو التَّقليد لمن كان مجتهداً في ذلك اجتهاداً مطمئنَّاً به - كما إذا شكَّ في مال بين صغيرين أو مجنونين أو صغير ومجنون - فإنَّ الاحتياط في مثل ذلك متعذِّر، فلابدَّ فيه من الاجتهاد أو التَّقليد، بل يجب التَّوقُّف عن اتخِّاذ أيَّ قرار إذا تعسَّر ما لم يحصل أحدهما.

ص: 63

(مسألة 36) قد لا يسع العامي أن يميِّز ما يقتضيه الاحتياط، مثال ذلك أنَّ الفقهاء قد اختلفوا في جواز الوضوء والغُسل بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر، فالاحتياط يقتضي ترك ذلك، إلاَّ إنَّه إذا لم يكن عند المكلَّف غير هذا الماء، فالاحتياط يقتضي أن يتوضأ أو يغتسل ويتيمَّم أيضاً إذا أمكنه التَّيمُّم، وقد يعارض الاحتياط من جهة احتياط

أخر ويعسر على العامي تشخيص ذلك، مثلاً إذا تردَّد عدد التَّسبيحة الواجبة في الصَّلاة في الرِّكعتين الأخيرتين من الرُّباعيَّات بين الواحدة والثَّلاث، فالاحتياط يقتضي الإتيان بالثَّلاث، لكنَّه إذا ضاق الوقت واستلزم هذا الاحتياط أن يقع مقدار من الصَّلاة خارج الوقت فهذا الاحتياط لا يقبل، ففي مثل ذلك ينحصر الأمر في التَّقليد أو الاجتهاد.

(مسألة 37) لا يجب العمل بالاحتياط المستحب، وأمَّا الاحتياط الواجب الَّذي يتميَّز فيه عن سابقه بما أوضحناه في باب إيضاح الاصطلاحيَّات لهذه الرِّسالة، فلابدَّ من العمل به في جميع موارده أو مراجعتنا جهد الإمكان.

(مسألة 38)

يجب على العامي في زمان الفحص عن المجتهد أو الأعلم أن يعمل بالاحتياط الممكن كما مرَّ.

(مسألة 39) هناك أمور احتياطيَّة يجب مراعاتها، لورودها في الأدلَّة الشَّريفة بما يفيد الوجوب ولاعتناء الفقهاء رضي الله عنهم بها خلفاً عن سلف كما سبق شيء عنها، كالاحتياط في الدِّماء والفروج واللحوم والأموال المحترمة، وإن نوقش في الأخير، وسوف يظهر للمتابع الكريم ما لهذه الأمور من مصاديق مناسبة مستنتجة عن أدلَّتها عناية بها في مسائل هذه الرِّسالة الآتية إن شاء الله تعالى.

ص: 64

القِسْمُ الثَّالِث مُقَدِّمَات العِبَادَات وَغَيْرِهَا وَالطَّهَارَة

لم يكن الكلام عن الطَّهارة في فقه العبادات وغيرها - لو توسَّعنا في مفادها - منحصراً بالصَّلاة، وإن كانت مألوفة بين البعض بحسب الظَّاهر في أنَّها من مقدِّماتها وعلى الأكثر من غيرها أو هي عندهم من مقدِّماتها خاصَّة، كما ألف وعرف ترتيب ذلك في الرَّسائل العمليَّة من تقديمها المباشر عليها ولذلك حصل هذا الشعور، وإن كانت الصَّلاة هي أشرف العبادات ويعتبر في صحَّتها الطَّهارة كما سيأتي في أحكامها، بل هي محتاجة إلى كل ما يبعد صاحبها - بأحسن النيَّة والقصد والإخلاص - عن لوثة الرِّياء الَّذي هو الشَّرك الباطني المبعِّد لها عن الطَّهارة المعنويَّة المطلوبة كذلك أكثر من حالة التَّطهير بالماء وغيره، ولذا لا تصح عبادة الكافر وصلاته - وإن وجبت عليه كما هو محرَّر في محلِّه من بعض كتبنا - لعدم إمكان طهارته بالماء ونحوه ما دام كافراً.

وقد يستكشف بطلانها من قوله تعالى] لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [ من جهة التَّأثُّر الفكري بلوثة السُّكر المذهب للعقل وهو النِّجاسة الباطنيَّة حتَّى لو غسل فمه قبلها فالمسألة أبعد من ناحية التَّطهير المادِّي ولا في خصوص الصَّلاة كما سيجيء.

وهذا التَّوسُّع في الصَّلاة مقصود لدينا حتماً على أساس صحَّة التَّوسُّع في الطَّهارة في هذه المقامات وغيرها ولو على الأقل، ولعلَّ ظهور بعض هذا المعنى في خصوص الصَّلاة من تقديم الكلام عن الطَّهارة قبلها مباشرة إنَّما هو من جهة لزوم ديمومة الكون على الطَّهارة في جميع أمورها من التَّكبير إلى التَّسليم، ولتكرارها يوميَّاً لخمس صلوات ولما ورد ((لا صلاة إلاَّ بطهور)) ولكونها عمود الدِّين لا لكونها لم تكن شرطاً في أمور أخرى ولو في الجملة.

ولكن ليس الأمر في تقديم الكلام عن الطَّهارة كذلك لهذا الخصوص ومن جميع النَّواحي - كما قد يتوهَّم - دون الأخريات من بعض العبادات أو الأوسع منها، إضافة إلى

ص: 65

ما قد يزيد على الطَّهارة المادِّية من الماء والتُّراب من المعنى الأكثر لخصوص الصَّلاة كما مرَّ، لأنَّ الطَّهارة مرتبطة بالعبادات الباقية ولو في الجملة، مثل مراسيم تطهير الميِّت بتغسيله أو تيميمه مع عدم وجود الماء قبل تكفينه وتحنيطه والصَّلاة عليه لدفنه، الَّذي هو أهم غاية من حالة الصَّلاة عليه لستره وحفظ كرامته من الهتك والسِّباع.

ومثل الصَّوم باشتراط الطَّهارة فيه من الحدث الأكبر كالجنابة والحيض والنَّفاس وما ألحق به من الإستحاضة الكبرى والوسطى، إذا تمَّ الفراغ من ذلك الحدث ليلاً بوجوب الغُسل فيه قبل أن يصبح الصَّباح ليكون الصَّائم مهيَّأً لصوم صحيح منه بذلك الغُسل لرفع تلك الأحداث شرعاً على ما فصَّلناه في كتاب الصَّوم.

ومثل الاعتكاف المشروط فيه الطَّهارة في كثير من حالاته الَّتي هي مثل الصَّوم - لأنَّ الصَّوم من أعمال المعتكف - ولأجل المسجديَّة، لأنَّه يشترط أن يتواجد في المسجد حينما يريد أعماله.

ومثل الحج المشروط فيه الطَّهارة من تلك الواجبات، لاشتراطها في أمر دخول المسجد الحرام وللطَّواف وصلاته، المشروط فيهما الخلاص من الأحداث الكبيرة المذكورة أعلاه وما يلحق بهما، ومن الأحداث الصَّغيرة كالنَّوم والتَّبوُّل والإغماء والاستحاضة الصغرى، الَّتي لا ترتفع إلاَّ بالوضوء، الَّذي لا يصحُّ الطَّواف ولا صلاته إلاَّ به منها.

ومثل العمرة العائدة للمتمتِّع قبل الحجِّ وغيرها كالعمرة المفردة على ما فصلَّناه في كتابنا (غنية النَّاسكين).

بل قد يتَّسع معنى الطَّهارة إلى ما ذكرناه آنفاً بنحو الإشارة في الصَّلاة في العبادات المذكورة الأخرى لإدراك درجاتها الرَّوحانيَّة العالية إن صحَّ التَّعبير والمقصود.

فقد تتَّسع للزَّكاة أيضاً لتنقية أموال النَّاس المزكِّين لها من أوساخها، وكذلك إزالة ما يسبِّب معصية الخالق من ضمِّ أموال الغير - وخلطها بمال المكلَّف عدواناً - كالحقوق الشَّرعيَّة الشَّريفة من الخمس - العائد للإمام والسَّادات الكرام - ومن ديون النَّاس الآخرين إن فسَّرنا معنى الطَّهارة بمعنى النَّزاهة المناسبة كما لا يخفى قريباً.

بل وكذلك بعض المعاملات ممَّا قد يمسُّها شيء من معانيها بالاجتناب عن المحرَّمات فيها، كالمكاسب المحرَّمة لنجاستها ولو في الجملة، فتنجس بها أموالها المنضمَّة إليها، وإن

ص: 66

كانت بعض تلك الأموال محلَّلة في الأساس أو لا يحل تملُّكها أصلاً إن كانت بمعنى السُّحت والحرام كالرَّشوة والسَّرقة والاغتصاب والتَّعامل الرَّبوي أو ممَّا يختلط بحلال قابل للإفراز، لأنَّها فيما عدا الحلال كلًّها نجسة وغير قابلة لأن تعتريها الطَّهارة بالمعنى التِّجاري المالي النَّزيه بالطَّريق المصحِّح للإعمال الأخرى المشروطة بالطَّهارة بالمعنى الأوسع، فلابدَّ من اجتنابها أو إرجاعها إلى أهلها أو مراجعة الحاكم الشَّرعي فيها - وفي حالة ما يختلط من ذلك بالحلال الَّذي لم يمكن إفرازه -، فلابَّد من التَّخميس لإحراز معنى الطَّهارة في المقام أيضاً على ما سيجيء تفصيله في محلِّه.

وكذلك الاقتصار في التَّعامل مع الكفَّار الكتابييِّن على اليابسات وغير المعمولة بأيديهم برطوبة.

وكحالة التَّذكية لللحوم الَّتي لو لم تحصل تذكيتها لحصلت النَّجاسة المحرِّمة للأكل والتَّعامل والموجبة لعدم صحَّة بعض الأعمال الشَّرعيَّة بسبب ذلك.

وكالأطعمة والأشربة المشروطتين في اعتيادِّيَّتهما الشَّرعيَّة بالطَّهارة في كثير من الأمور العباديَّة، إلى غير ذلك ممَّا هو مفصَّل في محلِّه في مختلف المقامات كل بحسبه.

وممَّا ينبِّهنا على ذلك أو بعضه بالمعنى الأوسع من هذا المقصد المتعارف الظَّاهري هو تعداد النَّجاسات والمطهِّرات الآتي ذكرهما والَّتي عممَّ الفقهاء ذكرهم لها قديماً وحديثاً بما يؤدِّي إلى الأوسع كذلك، فلا ضير إذن أن تكون الطَّهارة مقدَّمة على الجميع للاستفادة منها في جميع ذلك وقبل الصَّلاة مباشرة لأشرفيَّتها كما سلف.

ولذا فلنبدأ بالكلام بياناً وكما سار عليه السَّلف الطَّاهر عن المطهِّرات جميعها بعد ذكر المسببِّات جميعها الموجبة لإحراز الطَّهارة فيما يجب والمحبِّبة فيما يستحب لذلك وهي النَّجاسات، الَّتي يراد التَّخلُّص منها لصالح عموم الفقه، بناء على ما ذكرناه من التَّوسُّع أو خصوص المألوف بين الفقهاء من السِّت المذكورة في العبادات على الأقل، إذا خصَّصنا الطَّهارة فيما يتعلَّق بالماء والتُّراب في الوضوء والغُسل والتَّيمُّم وغيرهما من المطهِّرات الأخرى المرتبطة بمقدِّمات التَّطهير المؤهلة لحصول تلك الأعمال السِّت صحيحة، وكما فسَّروا الطَّهارة بأنَّها اسم للوضوء والغُسل والتّيمُّم.

فنعرِّج عليها لكونها القريبة من المتعارف أكثر والأخصُّ منه تقريباً، وهي تجهيز الميِّت

ص: 67

ومواراته والصَّلاة والصِّيام والاعتكاف والحج والعمرة بعد تقديم المقدِّمة المناسبة، وهي الكلام عن معنى الطَّهارة فنقول: -

ص: 68

كِتَابُ الطَّهَارَة

اشارة

ص: 69

ص: 70

الطَّهارة لغة هي النَّظافة والنَّزاهة، وشرعاً هي حالات يحقِّقها المكلَّف بأعمال قد تجب عليه لأمور عباديَّة متوقِّفة عليها فلا يصح إلاَّ بها، أو معامليَّة إن توسَّعنا بمفادها لا يمكن أن تملك تلك الأموال حقَّاً إلاَّ بالتَّطهير الشَّرعي لتلك الأموال، وإن لم نتوسَّع بهذا المفاد فتلك أحكام تابعة فقهيَّاً لأبوابها لا تزيد ولا تنقص عمَّا شرَّعه الله تعالى فيها وإن كان في تلك المعاملات قيود شرعيَّة ثابتة توجب التَّنزُّه من الحرام فيها واقعاً شئنا أم أبينا.

وهناك حالات في الشَّرع يحقِّقها المكلَّف بأعمال قد تستحب - لعدم ذلك التَّوقُّف الموجب -.

ومحقِّقات الطَّهارة تدعى ب- (المطهِّرات) محصاة باثني عشرة مطهِّراً نذكرها بعد ذكر النَّجاسات المسبِّبة لها.

وإن كان الأهمَّ في البيان شيئان هما المطهِّر المائي والتُّرابي ارتباطاً بالمألوف كما مرَّ، لتحقيق إزالة النَّجاسات العرضيَّة (الأخباث)، والوضوء والغُسل والتَّيمُّم لرفع الأحداث - للصَّلاة والدَّفن والصَّوم والاعتكاف والحج والعمرة - كما بيَّنَّا وكما سيأتي من جهة الحاجة الغالبة.

والكلام عن عموم الطَّهارة وما يتعلَّق بأحكامها يستدعي بيانها بمقاصد: -

ص: 71

المَقَصَدُ الأَوَّل في أَسَبَابِ المُطَهِّرَات (النَّجَاسَات الخَبَثيَّة) وأَحْكَامُها

وفيه مباحث: -

المَبْحَثُ الأَوَّل في تِعْدَادِ النَّجَاسَات الأَحَد عَشَر

لابدَّ من ذكر النَّجاسات أوَّلاً لتحقيق الكلام تامَّاً عن الطَّهارة بالتَّخلِّي عن تلك النَّجاسات بعد ذكرها على اختلافها، وبممارسة الطَّهارات أو المطهِّرات المزيحة لها في موارد الحاجة الشَّرعيَّة لذلك بعده وإن كانت الطَّهارة لولا النَّجاسات الطَّارئة هي الأصل المتَّبع على ما يدركه العقلاء والأصوليون تماماً لأنَّ الأشياء في أصلها طاهرة، ولذا أُصِّلت قاعدة الطَّهارة ليرجع إليها عند الشَّك، لأنَّ التَّخلُّص من طارئ عارض لابدَّ وأن يكون بعد العلم به.

وهذه الإزاحة ثابتة في لزومها عند طروء النَّجاسة عيناً على الشَّيء الطاهر يقيناً وما يلحق باليقين من الظُّنون المعمول بها والعاديَّة منها - على الأحوط - فلا مجال إلاَّ بتحقيقها لكسب اليقين بعدم النَّجاسة ولو لخصوص ما يشترط فيه الطَّهارة من الأعمال.

وبتعداد النَّجاسات ومن بعدها المطهِّرات يظهر لك عدم اختصاص الطَّهارة بما ذكرناه من المألوف في فهمه عند البعض، بل بما هو بالأشمل كما لا يخفى على الفطن.

وهي (إحدى عشر)، وقد يسمَّى كلٌ منها بالخبث، وقد يصاحب خبثيَّتها حدثيَّة موجبة للاغتسال:-

الأولى والثَّانية: البول والغائط.

وهما عينان نجستان من كل حيوان ذي نفس سائلة غير مأكول اللحم حتَّى لو كان بالعارض كالجلل في الإبل والبقر والغنم والدَّجاج.

وأمَّا ما يأكل لحمه - من غير الجلاَّل - فهو طاهر وإن كان ذا نفس سائلة، وكذا ما لا

ص: 72

نفس له سائلة وإن كان غير مأكول اللحم، بل وكذا الطُّيور مطلقاً وإن كان غير مأكول اللحم حتَّى الخفَّاش، مع الاحتياط استحباباً بالاجتناب عنهما.

وهذان الخبثان النَّجسان لا يجوز إبقاؤهما على الجسم واللباس في ما يشترط فيه الطَّهارة من العبادات كالصَّلاة - على ما سيأتي - وأمور الدَّفن وما قبله والصَّوم والاعتكاف والحج والعمرة ولو في الجملة.

بل لا يجوز - أيضاً - إبقاء أثرهما الحدثي كما سيجيء في خصوص الصَّلاة والصَّوم والاعتكاف والحج والعمرة في حالتي طوافهما وصلاتيهما.

وكذا لا يجوز خلط هذين الخبثين بالأغذية المأكولة والمشروبة على كل مسلم، بل على كل كافر ذمِّي - إن أمكن التَّأثير عليه وعظاً - ولو بإجباره إذا كان يسبِّب اختلاط المسلمين معه مثلاً برطوبة مسرية، بل وكذا الأدوية والصَّوابين في جميع الصُّور الاعتياديَّة لاحتمال التَّورط باستطهارها عن غفلة.

وكذا لا يجوز المتاجرة بهما حتَّى لو يستفاد من بعضهما فائدة معتدَّاً بها كالعذرات للتَّسميد إلاَّ بنحو رفع اليد للمنفعة المذكورة، وكل ذلك سوف يأتي في محلِّه من المواقع المناسبة الآتية.

(مسألة 40) لو شكَّ في حيوان أنَّه محرَّم الأكل أو محلَّله فبوله ورجيعه طاهران وإن حرم أكله عملاً، لأجل وجوب إحراز الحليَّة في اللحوم ولو إحتياطاً، وكذا لو شكَّ أنَّ له نفس سائلة أم لا لمعرفة البول والرَّجيع.

الثَّالثة: المني.

من الإنسان رجلاً كان أم امرأة على الأحوط في الأخير، ومن كل حيوان ذي نفس سائلة سواء كان محلَّل الأكل أم لا، وأمَّا لو كان من غير ذي النَّفس السَّائلة فهو طاهر وإن كان يشكل أكله كحلبلاب السَّمك بل الأحوط اجتنابه.

والكلام حول هذه النَّجاسة يناط بأمور الصَّلاة والصِّيام والاعتكاف والحج والعمرة والمساجد والأضرحة المقدَّسة والميِّت من حيث الخبثيَّة والحدثيَّة على تفصيل يأتي.

وكذلك في أمر المتاجرة بالنُّطف، كما في بعض حالات التلَّقيح الصِّناعي المحرَّم لغير

ص: 73

أهلها كما سيجيء.

(مسألة 41) قد يخرج من قِبل الرَّجل ماء ليس بالبول ولا بالمني، بل قد يشبهه في بعض الوصف، وهو مياه ثلاثة، وهي: -

1 - المذي، وهو ما يخرج بعد المداعبة أو التَّفكير بالجماع.

2 - الودي، وهو ما يخرج بعد خروج البول أو بعد أن يستبرء بالخرطات التِّسعة منه أحياناً.

3 - الوذي، وهو ما يخرج بعد خروج المني أو بعد أن يستبرء بالبول منه ثمَّ بالخرطات.

فهي مياه طاهرة - لعدم وجود مواصفات المني فيها تامَّة - لا ينجس الموضع بها، ولا ينقض الوضوء والغُسل كذلك على تفصيل يأتي في محلِّه.

الرَّابعة: الميتة.

وهي كل حيوان مات بلا تذكية (ذبح أو نحر أو صيد شرعي) من ذي النَّفس السَّائلة وممَّا يؤكل لحمه، سواء كان موتاً طبيعيَّاً أو خنقاً أو كان مريضاً - أو كان ذبحه على غير الطَّريقة الإسلاميَّة - وكذا موت الحيوان الَّذي لا يؤكل لحمه إذا كان طاهراً في أساسه ولم يذَّك فلا يمكن أن يستفاد منه تماماً، أمَّا لو ذبح هذا الحيوان على النَّهج الشَّرعي الإسلامي يكون طاهراً - وإن لم يأكل لحمه - فيستفاد من جلده مثلاً، وأمَّا نجس العين من الحيوانات فلا تنفعه تذكية ولا يستثنى منه شيء.

ويتعلَّق الكلام عن هذه النَّجاسة في العبادات من الصَّلاة والصَّوم والاعتكاف والحجِّ والعمرة، وكذا الميِّت لئلاَّ تمسَّه أجزاء الميتة كجلدها ليكفَّن به أو يكون بعضها من أجزاء تكفينه، وكذا في الأطعمة والأشربة من لحومها وسوائلها وإن كانت للتَّداوي، إلاَّ في الضَّرورة الَّتي تتوقَّف الحياة عليها ولم يكن هناك محلِّل بديل له، وكذا في أمور التِّجارة والإجارة لعدم جواز وصحَّة التَّداول بها على ما سيتَّضح تفصيله في محلِّه، وكذا المواريث لكون الميتة ليست منها شرعاً إلاَّ ما استثني ممَّا يأتي.

(مسألة 42) ميتة ما ليس له نفس سائلة طاهرة كالسَّمك والعقرب والوزغ ونحوها، وكذا ما يشكَّ في أنَّه هل له نفس أم لا لمعرفة حكم ذاته.

ص: 74

(مسألة 43) المقصود من ذي النَّفس السَّائلة هو ما كان دمه يشخب ويسيل عند ذبحه أو نحره.

(مسألة 44) يلحق بحكم الميتة الجزء المقطوع من الحيوان الحي ممَّا تحلُّه الحياة وإن كان صغيراً، نعم الأجزاء الميتة - من الَّتي لا تحلُّها الحياة - من محلَّل الأكل أو محرَّمه لكونه ميتة غير النِّجس الذَّاتي طاهرة، كالعظم والقرن والسِّن والمنقار والظفر والحافر والشَّعر والصُّوف والوبر والرِّيش والأنفحة طاهرة كما سيأتي، لكونها مستثناة من بقية أجزائها شرعاً، وكذا البيض الَّذي اكتسى بالقشر الأعلى، لكن يجب غسل ظاهر المذكورات عند العلم بمماسَّتها لرطوبات المِيتة.

وكذا فأرة المسك المفصولة من بدن الظبي (الغزال) الحي الحاوية على مادَّة منجمدة كالدَّم - وهي ذات رائحة عطرة - تحت غطاء جلدي فهي ومادَّتها طاهرتان، أمَّا المفصولة من الميتة فالأحوط اجتنابها - وإن كانت المادَّة طاهرة -، وكذا لو أخذ دمها منها قبل قطعها.

(مسألة 45) ما ينفصل من بدن الإنسان في بعض الأحوال مثل البثور والثَّآليل والثَّفنات والمسامير اللحميَّة وما يعلو الشفَّه من القشور والقروح ونحوها عند البرء وعند الخروج من الحمام الحار وقشور الجرب وأمثالها طاهرة وليست من النَّجاسات.

(مسألة 46) الأنفحة - وهي المادَّة الصَّفراء المنجمدة الَّتي تستخرج من جوف الجدي والحمل ليصنع منها الجبن - طاهرة وإن كانت من الميتة، لعدم ارتباطها بما فيه عروق وأوردة، ولكن لابدَّ من غسل ظاهرها عند إرادة مسِّها - وإن استدعى ذلك عصرها -، لاحتمال دخول الرُّطوبات الأجنبيَّة فيها فتعصر بعد صبِّ الماء فيها كبعض المواد الإسفنجيَّة - لا كالجبن المتنجِّس - ليخرج منها كل ما فيها من شبه مشكلة ولو إحتياطاً.

وبهذا لابدَّ أن تكون من المستثنيات الطَّاهرة من الميتة مع ما سبق في المسألة (43) الماضية من المستثنيات الإحدى عشر، إلاَّ إذا اتَّصلت بمتنجِّس أو تلوَّثت بنجاسة غير قابلة للتَّطهير، ومن ذلك ما لو اختلطت هذه الأنفحة بأنفحة الخنزير، أو ما يسمَّى بالأنزيمات (الَّتي هي مجموعة مسحوقات يابسة منها مسحوق من أنفحة ما لا يؤكل لحمه أساساً وتخلط بالأنفحة الطَّاهرة ومنها مسحوقات مجهولة)، فإنها تعدُّ من النَّجِسات، ويلحق بها ما

ص: 75

يدعى بالأنفحة الحيوانيَّة المجهولة في حقيقتها، إلاَّ إذا كانت تلك المعمولة مصنَّعة نباتيَّاً أو مستوردة من بلاد المسلمين الَّذين يحصل في بلادهم الذَّبح الشَّرعي عاديَّاً فلا مانع من استعمالها.

(مسألة 47) استشكل بعض الفقهاء رضي الله عنهمفي اللَّبن المأخوذ من ضرع الميتة في أنَّه هل هو ملحق بمستثنياتها الطَّاهرة أم لا ؟، ومقتضى الإشكال هو التَّورع فيها والاحتياط عن إلحاقها بها وهو كذلك في شربه لا في طهارته بمسه.

(مسألة 48) الأغلفة التي توضع بها الأدوية المرَّة أو الممجوجة الَّتي لا تستساغ طعومها حين بلعها عن طريق الفم، وهي المسمَّاة طبيَّاً بالكبسول، قيل إنَّها من جلاتينيَّة خنزيريَّة، وقيل إنَّها من غير ذلك ممَّا قد يكون طاهراً في أساسه للشُّبهة، فهي إن صدق كونها من أجزاء الخنزير حقَّاً فلابدَّ من حرمتها ونجاستها، ويجب الاجتناب عنها لأنَّه ((لا شفاء في محرَّم))، إلاَّ إذا صدق عليها الاستحالة أو ما تتوقَّف الحياة عليه من ذلك بلا بديل، وبمقدار الحاجة لا أكثر - لأنَّ الضَّرورة تقدَّر بقدرها - وأمَّا إذا لم يعلم ذلك - ولو ظنَّاً لكون الظن كالعلم في بعض الحالات التَّحرجيَّة عن الحرام - فلا مانع منها لتيسير أمر الابتلاع.

(مسألة 49) كلُّ ما يؤخذ من يد المسلم أو سوق المسلمين - ولم يعلم سبق يد الكافر عليه - من اللحوم والشُّحوم والجلود فهو محكوم بالطَّهارة، إلاَّ إذا كان عملهم تجاهها غير شرعي في الذَّبح، أمَّا لو كان قد علم أنَّ ما في يد الكافر قد سبقته يد التَّذكية فلا مانع من أخذه بعد تطهيره ثمَّ أكله.

(مسألة 50) إذا أخذ الشَّيء من المذكورات من أسواق الكفَّار وكان من ذي النَّفس السَّائلة وممَّا يؤكل وحصل الظَّن المعتبر بتذكيته من قِبل الجاليات الإسلاميَّة الملتزمة هناك لكثرتهم أو لقرائن أخرى ولو ظنيَّة فهو محكوم بالطَّهارة، وإلاَّ فهو نجس - كما لا يخفى - لعدم وجود دليل يعيننا على الحمل على الصحَّة، وهو التَّذكية والطَّهارة.

وإذا لم يكن ذلك من ذي النَّفس ككونه مثل السَّمك فهو محكوم بالطَّهارة، حتَّى لو لم نعلم تذكيته، لأنَّ غير المذكَّى منه طاهر ولكن يجتنب أكله لموته في الماء مثلاً.

ص: 76

(مسألة 51) إذا أخذ المكلَّف شيئاً من بلاد الكفر استيراداً ونحوه ولم يعلم أنَّه من أجزاء الحيوان كالَّذي يشبه الجلد واللاستيك والإسفنج والمشمَّعات ونحوها فهي محكومة بالطَّهارة، ولا مانع من الصَّلاة فيها، ومن ذلك الجلود المصنوعة من المواد النِّفطية الشَّبيهة بالأصليَّة.

(مسألة 52) الأحوط وجوباً اجتناب السِّقط قبل ولوج الرُّوح من حيث الطَّهارة والنَّجاسة، وكذا الفرخ في البيض والمضغة والمشيمة وقطعة اللحم الخارجة مع الطِّفل حين الوضع، فعلى فرض حصول المماسَّة لها برطوبة يجب التَّطهُّر لذلك.

الخامسة: الدَّم.

من كل حيوان ذي نفس سائلة، سواء كان محلَّل الأكل أو محرمه، صغيراً أم كبيراً قليلاً أم كثيراً عدا ما يعفى عنه في الصَّلاة، وهو الأقل من الدَّرهم من مأكول اللحم كما سيأتي.

وأمَّا دم الحيوان غير ذي النَّفس السَّائلة فطاهر كدم السَّمك والبق والقمَّل والبرغوث وأمثالها، وكذا ما يشكَّ في أنَّه من ذي نفس سائلة أو لا.

والكلام عن هذه النَّجاسة يناط بأغلب موارد العبادات المشروطة بالطَّهارة كما سيأتي، وكذا المعاملات ولو في الجملة.

(مسألة 53) يستثنى من الدَّم النَّجس ما تخلَّف في داخل الذَّبيحة المحلَّلة المذكَّاة بعد خروج ما تعارف خروجه عند ذبحها وطهارة مذبحها، بشرط أن لا يتنجَّس بنجاسة خارجيَّة كالسَّكين المتنجِّسة، ولو شكَّ في التَّنجُّس بنى على الطَّهارة.

(مسألة 54) دم (العلق) الطِّبي الَّذي يستعمل في بعض الأوساط في امتصاص الدِّماء الفاسدة من الرَّأس عن طريق الأذن - وعلى نهج الطِّب اليوناني فإنَّه من علامته أنَّه إن امتلأ جوفه من ذلك ينتفخ - ومثله على الأحوط ما يدعى ب- (التَّخت كالوس) الَّذي هو أبيض اللون في أساسه وحجمه كالعدسة الكبيرة، ومن علامته أنَّه يحمر بامتصاص الدَّم، فإنَّ ذلك الدَّم منهما - إذا كان مأخوذاً من ذي النَّفس السَّائلة كدم البشر - فهو نجس.

وكذا دم العلقة المستحيلة من المني، وكذا ما يحصل في اللبن عند الحلب في بعض

ص: 77

الأحوال، وكذا العلقة في البيضة، وهي النُّقطة من الدَّم الَّتي تكون غالباً في الصَّفار ويعلوها جلد رقيق وإن صغرت، إلاَّ إذا كانت كالشَّامة المنجمدة كقشر يابس ويمكن إزالته بدون سريان منها إلى بقيَّة الأجزاء كالمادَّة الصَّفراء، بل حتَّى دم البعوض إذا ملأ وعاءه به من دم ذي النَّفس السَّائلة ثمَّ انبثق فوراً في يد الإنسان مثلاً ولطَّخها - على الأحوط وجوباً - كما سيجيء، لعدم البطء الماحي لحقيقته.

(مسألة 55) الدَّم الخارج من بين الأسنان نجس ولا يجوز بلعه، ولكنَّه إذا استهلك في اللعاب يكون اللعاب حينئذ باقياً على طهارته، لأنَّه في محلِّه وهو الفم بحكم الكر شرعاً، ولا يحتاج إلى تطهير الفم حينئذ بالمضمضة وغيرها، إلاَّ مع الشَّك في ذلك الاستهلاك.

(مسألة 56) الدَّم المنجمد تحت الأظفار أو الجلد بسبب الرَّض أو الضَّرب أو الصَّدمات نجس على المشهور، لخروجه عن مجراه الطَّبيعي، ما لم تعلم استحالته إلى بعض مواد صلبة قشرية، فلو انشقَّ الجلد مثلاً ووصل إليه الماء قبل الاستحالة تنجَّس ذلك الماء، ويشكل مع وجوده الوضوء والغُسل، والأحوط إخراجه مع الإمكان إذا لم يستحل، أمَّا مع عدمه فيضع عليه قطعة قماش ويمسح عليه في وضوءه واغتساله، هذا إذا علم من أوَّل الأمر أنَّه دم منجمد.

أمَّا إذا احتمل أنَّه لحم صار كالدَّم بسبب الرَّض كما في بعض الحالات الأخر فهو طاهر غير محتاج إلى هذا التَّدقيق، بل حتَّى لو كان دماً تحت الظُّفر أو الجلد ولم يتَّصل بالخارج فهو غير مضر.

(مسألة 57) لو خرج من الجرح شيء أصفر وشكَّ في أنَّه دم أو لا ؟ فهو طاهر، وكذا عند خروج رطوبة منه بسبب الحكِّ.

(مسألة 58) لا مانع من إضافة دم شخص إلى آخر مريض مسلم محتاج له، حتَّى لو كان من كافر مع الحاجة الماسَّة إليه، لكونه حين إضافته للجسم الجديد يصير منه لغلبة جسم المسلم عليه ولو بعد حين، أمَّا دم المسلم فلا يجوز سحبه لكافر إلاَّ إذا صار مسلماً وبالأخص إذا كان مؤثِّراً على صحَّة المسلم ولو بعد حين.

(مسألة 59) لا تجوز المتاجرة في الدِّماء - كما سيأتي في محلِّه -، بل إذا قيل بجواز أخذ

ص: 78

شيء بدلها فما هو إلاَّ في مقابل رفع اليد على الأصح.

(مسألة 60) يمكن جعل الدِّماء سماداً للأرض، فلا مانع - حينئذ - من استثمار الحاصل الزِّراعي بواسطته، وستأتي أحكام أخر حول هذا الموضوع في مجالات المواضيع الفقهيَّة الأخرى الآتية بإذن الله .

السَّادسة والسَّابعة: الكلب والخنزير البريَّان.

وهما نجسان عيناً بجميع أجزائهما حتَّى ما لا تحلُّه الحياة من الشَّعر والسِّن والظُّفر والعظم ونحوها، وكذا أنفحتهما ورطوباتهما وفضلاتهما، بلا فرق في الكلاب بين السَّائبة والمعلَّمة.

وأمَّا البحريَّان فهما طاهران بجميع أجزائهما وإن حرم أكلهما.

والكلام عن هذين النَّجسين لا يختص بأمور العبادات المذكورة - والموضحَّة في محلِّها، من وجوب اجتنابهما وعدم الملاصقة لهما برطوبة بأيِّ نحو من الأنحاء - بل يتَّسع في الأعمِّ من ذلك من البيع والشِّراء وسائر المتاجرات، وكما سيأتي في باب الأطعمة والأشربة وغيرها على ما سيتَّضح تفصيله هناك.

(مسألة 61) إذا اضطرَّ الإنسان إلى زرع عين فيه من الكلب أو الخنزير فلا بأس به، إذ لا يمنع من أن تكون بالانتقال كأجزائه الطَّاهرة لهجران تكوينها الأصلي بسبب هذا الالتحاق، لما يساعد عليها الصِّدق العرفي في كونها قد صارت جزءاً لا يتميَّز عن أي جزء من أجزائه الأخرى المتعارفة ولو بعد البرء والتآم الجرح.

(مسألة 62) الحيوانات الأخرى غير المأكولة - وما يلحق بها من الحشرات ما عدا هذين النَّجسين - طاهرة على اختلافها إذا كانت ذوات نفس سائلة فضلاً عن غيرها - كالثَّعلب والأرنب والفأرة والعقرب وغيرها - ما دامت حيَّة، وإن كان بعضها مبغوضاً لاعتبار آخر لا علاقة له بالنَّجاسة كحالة المسخ، وإن ماتت بلا تذكية وكانت ذات نفس سائلة فهي ميتة نجسة - كما مرَّ - ومع تذكيتها تكون طاهرة كما لو كانت حيَّة وإن حرم أكلها، وإن لم تكن لها نفس سائلة فهي طاهرة كحالة ما قبل موتها لكن يحرم أكلها.

الثَّامنة: المسكر المائع بالأصالة.

ص: 79

وهو نجس بجميع أقسامه، دون الجامد بالأصالة كالحشيشة والبَّنج، وإن صار مائعاً بالعارض فإنَّهما طاهران وإن حرم استعمال الحشيشة بالعادة القبيحة، وهي ما يسمَّى بالشُّرب للحشيشة.

(مسألة 63) الاسبيرتو إن كان من التُّمور والأعناب ونحوهما فهو نجس - وبالأخص لو كان مسكراً -، ومثله الكحول الَّتي تُحل بها المواد الثَّقيلة إلى مائعات خفيفة، وإن كان من الأخشاب أو الكيمياويَّات ولم يسكر فهو طاهر على الظَّاهر، ومع الإسكار فهو نجس على الأحوط وإن لم يصدق عليه أنَّه خمر اصطلاحاً.

(مسألة 64) العصير العنبي إذا غلى بالنَّار حرم استعماله ولكنَّه طاهر، إلاَّ إذا اشتدَّ مع غليانه وأسكر، فلابدَّ من اجتناب كماسته - كاجتناب شربه - على الأحوط وجوباً، فإن ذهب ثلثاه بذلك الغليان بالنَّار - دون غيره - طهر وحلَّ استعماله ما لم تلحقه نجاسة أخرى عارضة فلا ينتفع حتَّى بذهاب الثُّلثين حينئذ.

وأمَّا إذا غلى بغير النار كالنَّشيش فهو خمر نجس مأخوذ من العنب ويجب اجتنابه إلى أن ينقلب إلى خل في المدَّة المفروضة وهي الأربعون يوماً.

(مسألة 65) عصير التَّمر والزَّبيب والحصرم طاهر وحلال في أصله، سواء غلى في النَّار أم لا، ويجوز أيضاً وضع التَّمر أو دبسه أو الزَّبيب أو الكشمش في المطبوخات مثل المرق والمحشَّى وغيرهما، لكن يجب التَّورع من الأخيرين إذا حصل في داخلهما غليان لاحتمال الحرمة، كما في حالة وضعهما في المروقات الحارَّة جدَّاً، وعليه فمن أراد استعمال الزَّبيب أو الكشمش أن لا يعطِّلهما على النَّار كثيراً، مع رجحان الاحتياط بتجنُّب غليان التَّمر استحباباً.

(مسألة 66) لو شكَّ في أنَّه من الأقسام الطَّاهرة أو النَّجسة ؟، فهو طاهر ظاهراً ولا يجب الفحص عنه ، فإذا شكَّ في مائع في أنَّه مسكر أو لا ؟، فإنَّه يجوز شربه ولا يجب غسل ما لاقاه وإن كان الأحوط استحباباً تجنُّبه.

التَّاسعة: الفقَّاع.

وهو شراب مخصوص متَّخذ من الشَّعير غالباً فهو حرام ونجس، أمَّا المتَّخذ من غيره

ص: 80

ففي حرمته ونجاسته تأمُّل - وإن سمِّي فقاعاً -، ومقتضاه الاحتياط لزوماً بتركه، ومع ثبوت إسكاره ولو بخفَّه فهو نجس لا محالة مع حرمته.

(مسألة 67) الكلام حول النَّجس الثَّامن والتَّاسع - آنفي الذِّكر - لا يختصُّ بأمور العبادات المتوقِّفة في صحَّتها على الطَّهارة، بل يشمل كثيراً من أبواب الفقه الأخرى أيضاً كالمكاسب ونحوها كما سيتجلَّى ذلك للمتابعين لما سنعرضه لهم مستقبلاً إنشاء الله .

العاشرة: الكافر.

وهو من لم ينتحل ديناً أصلاً، أو انتحل غير الإسلام من الأديان الأخرى، أو انتحله وجحد ما يعلم من الدَّين ضرورة - كحالة الارتداد في كل الضَّروريَّات أو بعضها أو الخروج على الإمام أو جحود حقِّه أو صدر منه ما يقتضي كفره من قول أو فعل -، من غير فرق - في النَّجاسة - بين الكافر الأصلي والمرتد الفطري والملِّي والحربي والذِّمي، ويلحق بهم النَّاصبي والخارجي والغالي - كما سيأتي -، فإنَّ جميع هؤلاء محكوم عليهم بالنَّجاسة وتجنُّب مساورتهم برطوبة مسرية.

(مسألة 68) تقدَّمت الإشارة إلى حكم الكتابي في مطلع الحديث عن الكافر، ونوضِّح أكثر بأنَّ الأحوط وجوباً تجنُّب مساورة الكتابي - لتكافؤ دليلي من يقول بالطَّهارة الذَّاتيَّة ومن يقول بنجاستها في بعض الحالات مع رجحان دليل التَّنجيس الذَّاتي - لشهرة القول بالنَّجاسة، ولحالة الشِّرك - كالتَّثليث - الموجود في كثير من الكتابييِّن - من اليهود والنَّصارى على ما نصَّ عليه القران الكريم ] اتَّخَذُوا أحبَارَهُمْ وَرُهبَانَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَالمَسِيحُ ابنُ مَريَم [ - ولقلَّة الموحِّدين منهم الضَّائعة بين جماهير فرقهم الكثيرة بنحو الشُّبهة غير المحصورة.

وثمَّ إنَّ هذا الحكم - حتَّى لو لم نقل بنجاستهم الذَّاتية - فهو لكثرة استعمال أكثرهم اليوم - إن لم نقل الكل - للنَّجاسات كالميتة ولحم الخنزير والخمور، وغيبتهم حين استعمالهم النَّجاسة غير المطهِّرة لهم، لأنَّهم غير مسلمين بما لا يناقش فيه أحد على الظَّاهر على تفصيل استقصيناه في موسوعتنا الفقهيَّة، فلابدَّ من القول بهذا الاحتياط الوجوبي على الأقل باجتنابهم.

ص: 81

(مسألة 69) الأحوط وجوباً عدم إلحاق المجوس الحالييِّن في الكتابييِّن وإن كانوا سابقاً كذلك، لأنَّهم قد قتلوا نبيَّهم وأحرقوا كتابهم، فلم تعلم حقيقة الموجودين اليوم أنَّهم على أساس إلهي كاليهود والنَّصارى ولو في الجملة أم لا ؟.

(مسألة 70) لم يثبت وجداناً في هذا الحين كون الصَّابئة من الكتابييِّن، وإن كانوا في السَّابق مرتبطين ببعض الملل السَّماويَّة السَّابقة كالمندائييِّن القدامى، لتطرُّفهم اليوم كثيراً إلى حدٍ لا تُعلم نظاميَّاتهم إلى أيِّ دين سماوي تعود.

(مسألة 71) لا ينبغي أن تكون هذه الأحكام - ضدَّ أهل الكفر ومن يلحق بهم في أمور الطَّهارة والنَّجاسة - منفِّرة للعلاقات معهم، كي لا تسبِّب أحقاداً وعداوات معهم، لأنَّ هذا شيء وأمور رجحان حسن الأخلاق الكاسبة لهم للانضواء تحت ظل الإسلام شيء آخر، حتَّى لو كانوا مع أخلاقنا الإسلاميَّة العالميَّة الواجبة علينا باقين على ذمَّتهم أو كفرهم وغير خاضعين للإسلام بالاعتقاد به، فينبغي أن تكون معاملاتنا معهم حسنة في غير ما ذكرناه لغرض كسبهم للدِّين ولو بدفع ضررهم عنه وعن أبناءه.

(مسألة 72) غير الإثنى عشريَّة من فرق الشِّيعة إذا لم يظهر منهم مغالاة فيمن يعتقدون بإمامتهم من الأوائل أو نصب ومعاداة لسائر الأئمَّة الآخرين عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ وإن لم يعتقدوا بإمامتهم طاهرون ظاهراً، ما داموا يقرِّون بالشَّهادتين، وأمَّا مع ظهور ذلك منهم فهم مثل سائر النَّواصب والمغالين.

(مسألة 73) الحديث حول الكافر وما يلحق به ونجاستهم داخل في أمور كثيرة في الفقه منها العبادات، وهي وإن كانت واجبة عليه ممَّا هو واجب على كلِّ أحد ولكنَّها لا تصحُّ منه إلاَّ بالإسلام وكذا وجوب الابتعاد عنه بالمماسَّة برطوبة في الأمور المشروطة بالطَّهارة لدى المسلم،كما يرتبط الكلام عنه في مجالات كثيرة أخرى في الفقه المرتبطة بالمكاسب كالمتاجرة معه أو به إن كان مملوكاً وإن انقرض اليوم، وفي أمور النِّكاح قد أعدَّت أحكام خاصَّة حوله، وكذا في باب العتق كاشتراط الرَّقبة المؤمنة في بعض الأدلَّة، وغير ذلك ممَّا لم يحدَّد أمره في الفقه.

ص: 82

الحادية عشرة: عرق الإبل الجلاَّلة.

وهي الَّتي تقتات على عذرة الإنسان، ولكنَّ الأحوط استحباباً اجتناب عرق مطلق الحيوان الجلاَّل.

(مسألة 74) يلحق بنجاسة عرق الإبل الجلاَّل - على الأحوط - عرق الجنب من الحرام الذَّاتي - كالزِّنا ووطئ البهيمة والاستمناء ونحوهما -، بل حتَّى ما كانت حرمته عرضيَّة كوطء الحائض والجماع مع الزَّوجة في الصَّوم الواجب المعيَّن أو في الظِّهار قبل التَّكفير إحتياطاً.

(مسألة 75) لو خرج عرق من المجنب من الحرام حال اغتساله قبل الإتمام فهو نجس على الأحوط، وعليه فليغتسل بالماء البارد، فإن لم يتمكَّن فليرتمس في الماء الحار الكثير دفعة واحدة.

(مسألة 76) لو أجنب الصَّبي - غير البالغ - من الحرام - وإن لم ينزل منه مني كمجرَّد الإدخال ممَّا لا يحل فعله إلاَّ للمتزوِّجين من الكبار - وتعرَّق جسمه فالأحوط أمره بالغُسل إذ يصح منه قبل البلوغ على الأقوى.

ويجب التَّجنُّب عن ذلك عند ممارسة العبادات المشروطة بالطَّهارة، وما يرتبط بالسِّلع التِّجارية الملوَّثة بها، وموارد الأكل والشُّرب والأطعمة إذا اتَّصلت بها، وكذا اللحوم المأكولة الَّتي صارت جلالَّة بعد ذلك قبل الذَّبح، إلاَّ بعد استبراءها قبل تذكيتها كما هو مفصَّل في محلِّه.

المَبْحَثُ الثَّاني في كَيْفَيَّة سِرَايَة النَّجَاسَة إلى مُلاَقِيهَا

معنى السِّراية هي انتقال الرُّطوبة بين شيئين أو أكثر بمجرَّد الملاقاة بما يوصل بللاً أو نداوة ولو كان قليلاً.

فالنَّجاسات المتقدِّمة إذا لاقت جسماً طاهراً لا يتنجَّس هذا الطَّاهر بسببها، إلاَّ إذا كانت في أحدهما أو كليهما رطوبة مسرية آخذة أو معطية مع الالتصاق، فلو كان المتلاقيان يابسين أو رطبين برطوبة غير مسرية كما وصفناه

ص: 83

أعلاه لم يتنجَّس الطَّاهر منهما بملاقاة ذلك النَّجس، بلا فرق في وجود الرُّطوبة المسرية بين الميعان وغيره، فلو كان أحدهما مائعاً بلا رطوبة - كالذَّهب والفضَّة وغيرها من الفلزَّات إذا ذابت - ولاقاه شيء متنجِّس جاف فلا يتنجَّس لعدم المائيَّة وغيرها من السَّوائل المشابهة المؤثِّرة فيما بينهما.

(مسألة 77) يشترط في سراية النَّجاسة إلى المائعات أمران: -

الأوَّل: نفوذ النَّجاسة في المائع كليَّاً حتَّى ينجس، وإلاَّ اختَّصت النَّجاسة بموضع الملاقاة فقط، ولا تسري إلى ما اتَّصل به من الأجزاء، فلو صبَّ الماء من الإبريق على شيء نجس لم تسر النَّجاسة إلى عمود الماء فضلاً عمَّا في الإبريق، وكذلك الحكم لو كان التَّدافع من الأسفل إلى الأعلى كما في النَّافورة ونحوها.

الثَّاني: عدم كون المائع غليظاً (كثيفاً)، وإلاَّ فهو كالجوامد فتختص النَّجاسة بموضع الملاقاة فقط، فالدِّبس أو العسل أو السُّمن أو اللبن - مع الغِلظة والثَّخانة الشَّديدة كما في الأيَّام الباردة في بعضها - إذا أصابته النَّجاسة فلا تتسرَّى إلى جميع أجزائه، وإنَّما يتنجَّس موضع الاتِّصال بالنَّجاسة فقط، وهذا بخلاف ما لو كان المائع رقيقاً كالمذكورات في حال ذوبانها، كما يحصل ذلك عادة في أيَّام الصَّيف في بعضها أيضاً فإنَّ النَّجاسة تسري إلى تمام أجزائه بملاقاة النَّجس.

(مسألة 78) الحدُّ في معرفة الغلظة والرقَّة في المائعات أمر عرفي ولو حين حدوث الحادث فقط، فلو أخذ من المائع شيء وبقي مكانه خالياً حين الأخذ منه فهو غليظ حتَّى لو امتلأ بعد ذلك بفترة، وأمَّا إذا امتلأ مكانه حين الأخذ فهو رقيق.

(مسألة 79) لو شكَّ في الغلظة والرقَّة بنى على الطَّهارة، وكذلك لو شكَّ في السِّراية وعدمها والأحوط مستحبَّاً أن يؤيِّده غيره في شكَّوك هذه المسألة قبل أن يبني على الطَّهارة إن أمكن إذا كان هذا الغير طبيعيَّاً غير وسواسي.

(مسألة 80) الأجسام الجامدة - كبدن الإنسان أو البطِّيخ والخيار - إذا لاقتها النَّجاسة - مع الرُّطوبة المسرية - تنجَّس منها موضع الاتِّصال فقط، ولا تسري النَّجاسة إلى الأجزاء المجاورة له سطحاً وعمقاً وإن كانت رطوبة الجسم الطَّبيعيَّة مستوعبة لتمامها.

ص: 84

(مسألة 81) الفراش أو اللحاف - مثلاً - الموضوعان على أرض متنجِّسة لا يتنجَّسان بمجرَّد سراية رطوبة الأرض إليهما ما لم تعط بللاً وإن ثقلا بذلك بعد أن كانا خفيفين، فإنَّ مثل هذه السِّراية تسمَّى (رطوبة) لا بلل فيها ولا توجب تنجّسها بمجرَّد ذلك، وكذلك جدران المسجد المجاور لبعض المواضع النَّجسة مثل الكنيف ونحوه، فإنَّ الرُّطوبة الدَّاخلة إليها لا توجب تنجُّسها حتَّى لو كانت مؤثِّرة في الجدار أملاحاً وعلى نحو قد تؤدِّي إلى الخراب إلاَّ المياه الخارجة من داخل ذلك الكنيف حتَّى اليسير منها بحيث لو وضع الإنسان يده عليه لحصل بلل وماء عليه فهو منجِّس حينئذ.

(مسألة 82) المتنجِّس ينجِّس ما يلاقيه مع الرُّطوبة المسرية كالنَّجس، بلا فرق بين المتنجِّس بالواسطة أو بلا واسطة، ولا بين الملاقي للمتنجِّس بين أن يكون بماء قليل أو كثير قد تأثَّر بالملاقاة شرعاً على الأحوط وجوباً حتَّى لو انتقلت رطوبته عدَّة انتقالات مسرية.

(مسألة 83) المأخوذ من أيدي الكفَّار من الجوامد والمائعات - عدا اللحوم المحتاجة إلى التَّذكية - في بلادنا الإسلاميَّة كالخبز واللبن والعسل وغيرها محكوم بطهارته لعدم إحراز مباشرتهم له برطوبة لكونهم لعلَّهم اشتروه من الخبَّاز المسلم، وكذا اللَّبن أو العسل الحاصلين بالوسائل الحديثة البعيدة عن أيديهم أو كان ممَّا يمكن حمله على أخذهما من المسلم، أمَّا إذا علم مباشرتهم له مع الرُّطوبة المسرية - ككونهم قد خبزوا الخبز ونحوه من القرائن - فلابدَّ من الاجتناب عن أكله وغير ذلك، ويلحق بذلك ما لو كان ذلك في بلاد الكفر لو لم تكثر فيه الجاليات المسلمة، والظَّن بالنَّجاسة لوجود احتمال عقلائي بالمباشرة يحتاج إلى الاحتياط بالتَّجنُّب، وأمَّا اللحوم فقد تقدَّم حكمها في مسألة (48) وكما سيأتي في محلِّه.

(مسألة 84) طرق ثبوت النَّجاسة ثلاثة: -

1- اليقين، كالرؤية مثلاً.

2- شهادة البيِّنة العادلة، بل يكفي في ثبوت تلك النَّجاسة شهادة العدل الواحد إذا يطمئن به.

3- إخبار ذي اليد كالزَّوجة والخادم الَّذي يكون المال تحت يده وتصرُّفه.

ص: 85

(مسألة 85) إذا قامت البيِّنة على طهارة شيء وتعارضت مع إخبار ذي اليد على نجاسته قدِّمت البيِّنة عليه، أمَّا إذا تعارضت البيِّنتان بالعلم على شيء - أو بالأصل الواحد - تساقطتا، أمَّا إذا اختلف الأصل فيقدَّم الاستصحاب على أصل الطَّهارة.

(مسألة 86) إذا اختلف عدد إحدى البيِّنتين عن الأخرى - كما إذا شهد اثنان بأحد الأمرين وشهد أربعة بالآخر - فالأقوى تساقطهما بالتَّعارض.

(مسألة 87) العلم الإجمالي في الحكم كالتَّفصيلي، فإذا علم بنجاسة أحد الشَّيئين أو الأشياء - كلباس المصلِّي ومواضع السُّجود - مثلاً - يجب اجتنابها جميعاً إذا كانت شبهة محصورة بعدد معيَّن لا يمكن إفرازها في شيء معيَّن دون الباقي.

(مسألة 88) لا اعتبار باطمئنان صاحب الوسواس إلاَّ إذا كان على الوجه المتعارف.

(مسألة 89) إذا شكَّ في طهارة ما كان نجساً فيستصحب النَّجاسة، وإذا شكَّ في نجاسة ما كان طاهراً فيستصحب الطَّهارة، ولا يجب الفحص لإحراز الطَّهارة، وبالأخص إذا كان في ضيق وقت العبادة.

المَبْحَثُ الثَّالِث أَحْكَامُ النَّجَاسَة

(مسألة 90) لا يجوز أكل النَّجس أو شربه وكذا إعطاؤه للغير لذلك، وأمَّا بالنِّسبة إلى الأطفال فيجوز ذلك، إلاَّ أن يكون مسكراً أو مضرَّاً مع رجحان التَّورع في إطعامهم إلاَّ ممَّا لذ وطاب.

(مسألة 91) يجوز الانتفاع بالنَّجس فيما لا يشترط فيه الطَّهارة - من بيع وعارية - مع الإعلام لئلاَّ يشتبه فيستعمل فيما يشترط فيه الطَّهارة كلباس المصلِّي، وأمَّا مع عدم الإعلام فيحرم الانتفاع به إذا كان موجباً لترك واجب أو فعل حرام.

(مسألة 92) يشترط في صحَّة الصَّلاة - واجبة كانت أو مندوبة - وأجزائها المنسيَّة من غير الرُّكنيَّة طهارة بدن المصلِّي - من النَّجاسات والمتنجِّسات - حتَّى الشَّعر والظُّفر وغيرهما من توابع جسده، وكذا يشترط في صحَّتها طهارة لباس المصلي من دون فرق بين السَّاتر

ص: 86

وغيره، ممَّا قد يسبِّب تنجُّس المصلِّي في صلاته، وإلاَّ فلا مانع من الأخير على ما سيجيء حول الَّذي لا تتم الصَّلاة فيه من اللباس، وكذلك يشترط ما مرَّ في صحَّة الطَّواف حتَّى المندوب.

(مسألة 93) يشترط في صحَّة الصَّلاة طهارة موضع السُّجود (الجبهة) وهو الشَّيء الَّذي يسجد عليه المصلِّي من تراب أو حجر أو خشب وغيره ممَّا يصحُّ السُّجود عليه حتَّى مع عدم وجود الرُّطوبة، ويكفي طهارة مسمَّى وضع الجبهة عليه، ولا تشترط الطَّهارة في غيره من مواضع السُّجود إلاَّ إذا كانت النَّجاسة مسرية إلى بدن أو لباس المصلِّي بنجاسة غير معفو عنها في الصَّلاة.

(مسألة 94) من صلَّى بنجاسة متعمِّداً بطلت صلاته ووجب إعادتها في بقاء الوقت وقضاؤها في خارجه، أمَّا لو كان جاهلاً بالنَّجاسة - كعرق الجنب من الحرام - وعلم بعد الفراغ منها فلا يجب إعادتها في الوقت ولا القضاء خارجه وإن كان الأحوط استحباباً الإعادة ما لم يكن جهله عن تقصير والتفات فيكون الاحتياط بالإعادة وجوبيَّاً.

(مسألة 95) لو علم بالنَّجاسة - أو عرضت له - في أثناء الصَّلاة، فإن تمكَّن من إزالة النَّجاسة بتطهير أو بنزع أو تبديل مع التَّحفُّظ على الصَّلاة وجب ذلك، وإن لم يمكنه لعدم وجود ماء أمامه أو لبرد أو لعدم الأمن من النَّاظر بحيث انحصر السَّاتر به استأنف الصَّلاة من جديد إن كان الوقت موسَّعاً، وإن كان وقت الصَّلاة مع إحدى الطَّهارتين - المائيَّة أو التُّرابيَّة - مضيَّقاً حتَّى عن إدراك ركعة واحدة على الأقل صلَّى به ثمَّ يقضي على الأحوط وجوباً.

(مسألة 96) إذا شكَّ في نجاسة ثوبه أو بدنه فصلَّى فيه استصحاباً للطَّهارة ثمَّ ظهر - بعد الصَّلاة - أنَّه كان نجساً من البداية ولم يتفحَّص عن ذلك سابقاً فلابدَّ فيه من الإعادة احتياطاً بعد تطهره.

(مسألة 97) إذا طهَّر ثوبه النَّجس وتيقَّن بطهارته وصلَّى فيه، ثمَّ تبيَّن بعد الصَّلاة أنَّ فيه نجاسة، فلا يجب عليه الإعادة لاحتمال أنَّ النَّجاسة عارضة بعد الصَّلاة وإن كان الأحوط استحباباً إعادتها.

ص: 87

(مسألة 98) لو صلَّى بالنَّجاسة ناسياً ثمَّ التفت وجبت إعادتها في الوقت وقضائها خارج الوقت، بلا فرق في ذلك بين إمكان التَّبديل وعدمه، ولا بين ناسي الموضوع وناسي الحكم ولا بين الإلتفات في أثناء الصَّلاة وبعدها.

(مسألة 99) إذا تردَّدت النَّجاسة بين ثوبين ولم يكن عنده ثوب طاهر غيرهما وجب أن يصلِّي في كلٍّ منهما إن كان الوقت موسَّعاً لكليهما، وإلاَّ صلَّى عارياً مع عدم وجود النَّاظر أو كون الموجود أعمى، ومع ضيق الوقت ووجود النَّاظر يصلِّي إيماءاً حتَّى لو أمن من خطر النَّظر اعتقاداً، لاحتمال طروه صدفة عمداً أو غفلة لأنَّه في عرضة لا عصمة فيها، وأمَّا مع عدم الأمان أكتفي بأحدهما لأداء العبادة ثمَّ القضاء بعد نهاية الوقت بثوب طاهر.

(مسألة 100) إذا تنجَّس موضع من بدنه وموضع من ثوبه أو موضعان من بدنه أو من ثوبه وعنده ماء يكفي لتطهير أحدهما تخيَّر بين التَّطهيرين، إلاَّ أن تكون النَّجاسة في أحدهما أكثر من الأخر فيختار تطهير الأكثر.

(مسألة 101) يحرم تنجيس المصحف وكتابته سواء كانت بالمداد (الحبر) أو بأيِّ مادَّة نجسة ولو كان حرفاً واحداً، وإذا كتبه جهلاً أو عمداً يجب محوه أو تطهيره.

(مسألة 102) إذا تنجَّس جلد القرآن وجب تطهيره لاستلزامه الهتك على الأقل.

(مسألة 103) لا يجوز وضع القرآن على عين نجسة كالدَّم والميتة وإن كانا يابسين لاستلزامه الهتك غالباً، وكذا لا يجوز إعطاء القرآن للكافر، إلاَّ إذا كان لأجل هدايته واستبصاره، فحينئذ لابدَّ من تيسير المصحف المغلَّفة صحائفه بالورق الشَّفاف له جهد الإمكان، وإن لم يمكن المغلَّف فلا يفسح له مجال في ذلك إن كان بالإمكان كذلك، لئلاَّ يمس كتابته وهو على كفره، وإن أعطي مصحفاً فلابدَّ من مراقبته لئلاَّ يمسه وهو كافر، وإن كان قد فسِّر قوله تعالى ] لاَ يَمَسُّه إِلاَّ المُطَهَّرُون [ بأن لا ينال معانيه إلاَّ المسلم المؤمن بما لا علاقة لذلك ولو ظاهراً بالمماسَّة المباشرة الحسيَّة كما قد يدَّعى، لصدق ما يحمله من معنى عدم جواز مماسَّة المسلم غير المتوضئ أيضاً له فضلاً عن المحدث بالأكبر، بل عن الكافر النَّجس أيضاً لكفره إضافة إلى أدلَّة أخرى كاشفة، كما هو مفصَّل في محلِّه من آيات

ص: 88

الأحكام.

(مسألة 104) إذا وقع ورق القرآن أو شيء آخر محترم كالورق المكتوب فيه اسم الله أو النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أو الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في المرحاض أو نحوه والعياذ بالله، فلابدَّ من إخراجه ومع عدم الإمكان يجب ترك استعمال ذلك المرحاض مثلاً حتَّى يتيقَّن باضمحلاله، وكذا لو وقعت التُّربة الحسينيَّة الشَّريفة فيه والعياذ بالله.

(مسألة 105) لا يجب إعلام المصلِّي في اللباس النَّجس مع جهله بذلك وإن كان أحوط، وكذا الآكل للشَّيء النَّجس إذ لعلَّه كان معذوراً في ذلك واقعاً اجتهاداً أو تقليداً، إلاَّ إذا حصل يقين بعدم معذوريته وعُدَّ عدم التَّنبيه مساعداً على هذا الفعل أو ذاك على الأقل فيجب.

(مسألة 106) إذا كان جزء من بيته أو فراشه نجساً وعلم تنجُّس ضيوفه بذلك فيجب الإعلام في صورة ما إذا كان إذنه لدخولهم موجباً قطعيَّاً لوقوعهم في الحرام أو ترك الواجب، كما لو صار سبباً للصَّلاة بدون طهارة من الخبث الموجود فيه، وإلاَّ فلا يجب عليه الإعلام، كما لو صار سبباً للصَّلاة في اللباس النَّجس جهلاً من دون أن يكون عدم إخبارهم موجباً قطعيَّاً في وقوعهم في ذلك.

(مسألة 107) إذا علم صاحب الدَّار بتنجس الطَّعام أثناء أكل ضيفه وجب عليه إعلامه، ولا يجب على أحد الضيوف إعلام الآخرين إذا علم بذلك لما مرَّ وإن حرم عليه تناول الطَّعام المتنجِّس.

(مسألة 108) إذا استعار شيئاً طاهراً وتنجَّس ذلك الشَّيء عنده فالأقوى وجوب الإعلام إذا كان تركه موجباً لفعل حرام أو ترك واجب مثل الصَّلاة بلا طهارة من الخبث.

(مسألة 109) لا يعتنى بإخبار الطِّفل بتطهير الشَّيء أو تنجيسه إلاَّ إذا حصل من قوله الاطمئنان بسبب بعض القرائن، كالتَّجارب المثبتة لذلك أو تعويده من أهله على الإخبار الصَّحيح، أو أخبر بالطَّهارة الَّتي هي أصل في الأشياء من دون قرينة على العكس.

ص: 89

المَبْحَثُ الرَّابع في النَّجَاسَات المَعْفُوّ عَنْهَا في الصَّلاَة

(مسألة 110) يعفى في الصَّلاة عن نجاسات، وهي أمور: -

الأوَّل: دم الجروح والقروح - كالدَّماميل غير الملتئمة - الموجود في البدن واللباس، فهو معفو عنه ولا يضر بالصَّلاة بلا فرق بين قليله وكثيره وبلا فرق بين كون الجرح في ظاهر البدن أو في باطنه كالبواسير إذا سرى دمها إلى ظاهر البدن أو اللباس، ويلحق بهذا المعفو عنه القيح المتنجِّس به، وكذلك الدَّواء الموضوع عليه والعرق المتَّصل به.

(مسألة 111) يعتبر في المعفوّ عنه المذكور المشقَّة في الإزالة والتَّطهير أو تبديل الثَّوب، ومع عدم المشقَّة في ذلك لا عفو عن النَّجاسة المذكورة.

(مسألة 112) الدَّم المعفو عنه الموجود في البدن إن أمكن شدُّه بحيث لا يكون فيه ضرر - كبطء برئه مثلاً وغيره - وجب ذلك ليمنع سريانه إلى الملابس، وإن لم يمكن فلا يجب ذلك حتَّى لو سرى إلى ملابسه.

(مسألة 113) إذا شكَّ في برء الجرح أو القرح مع وجود المشقَّة في تطهيره بنى على العدم ويستمر العفو عنه إلى أن يحصل اليقين بعدم المشقَّة.

(مسألة 114) إذا شكَّ في دم في أنَّه من دم الجرح والقرح أو غيرهما لم يُعف عنه في الصَّلاة لوجوب إحراز كونه دم جرح أو قرح لا غير.

الثَّاني: الدَّم الأقل من الدِّرهم البغلِّي الموجود على البدن أو اللباس - وهو الَّذي سعته تساوي تقريباً قدر المنخفض من وسط الكف المعبَّر عنه ب- (الرَّاحة) الَّذي لا يمس الأرض عند وضعها عليها اعتياديَّاً إلصاقاً لا مثل الَّذي حول الرَّاحة من بقيَّة باطن الكف، أو ما يساوي عقد السبَّابة في الرَّجل المتوسِّط في حجم أصابعه وسبَّابته - فهو أيضاً ممَّا يعفى عنه في الصَّلاة أيضاً، والأحوط الاقتصار في العفو على أقل التَّحديدين إن أمكن إحرازه.

(مسألة 115) يشترط في العفو عن هذا المقدار المذكور أن لا يكون من الدِّماء الثَّلاثة - الحيض والاستحاضة والنَّفاس -، ولا من نجس العين كالكلب والخنزير والكافر والميتة،

ص: 90

بل ولا من الحيوان غير مأكول اللحم كالأرنب والقط ونحوها على الأحوط استحباباً في الطَّواهر غير المأكولة.

(مسألة 116) كل ما يتنجَّس بهذا المقدار من الدَّم أو المخلوط بالقيح في غير المعفوّ عنه الأوَّل وهو الجروح والقروح كعرق البدن والقيح أو الماء فيه بنجاسة خارجيَّة لا يلحق به في العفو عنه في الصَّلاة.

(مسألة 117) لو تفشَّى هذا الدَّم من أحد جانبي الثَّوب إلى الآخر فهو دم واحد، وكذا لو تفشَّى في قطعتي الظَّهارة والبطانة وكان الدَّم أيضاً متَّصلاً بحيث يراه العرف دماً واحداً فهو دم واحد، أمَّا لو تفرَّق في البدن واللباس أو فيهما أو تفشَّى في قطعتين منفصلتين فيلاحظ فيه ما كان مجموعه - على فرض اجتماعه - التَّقدير المذكور، فإن لم يبلغ هذا المقدار عفي عنه وإلاَّ فلا.

(مسألة 118) إذا شكَّ في مقدار الدَّم أنَّه يبلغ مقدار الدَّرهم أو لا، أو شكَّ - بعد العلم بالمقدار - في أنَّه من الدَّم المعفو عنه أم من غيره بنى على عدم العفو عنه على الأحوط وجوباً.

الثَّالث: اللباس المتنجِّس الَّذي لا تتم الصَّلاة فيه - وهو كل ما لا يقع ساتراً للعورتين كالجورب والقلنسوة والتركة والخاتم ونحوها - بنجاسة - ولو بنجاسة من غير مأكول اللحم إن لم يكن فيه شيء إضافي ممنوع من أجزاءه كشعر الأرنب مثلاً - فهو ممَّا يعفى عنه كذلك، وأمَّا مع وجود شيء من هذه الممنوعات في اللباس فلا يعفى عنه.

(مسألة 119) اللباس الَّذي لا تتم الصَّلاة فيه إذا كان متَّخذاً من نجس العين كأجزاء الميتة وشعر الكلب والخنزير لا يعفى عنه في الصَّلاة.

(مسألة 120) يجوز حمل المتنجِّس إذا كان ممَّا لا تتم الصَّلاة فيه كالجورب والمنديل الصَّغير وإن لم يلبس، إلاَّ ما أتُّخذ من نجس العين كشعر الكلب أو الخنزير ممَّا مرَّ فلا يعفى عنه، أمَّا حمل المتنجِّس ممَّا تتم الصَّلاة فيه بلا لبس فالأحوط وجوباً الاجتناب عنه.

الرَّابع: ثوب المربيَّة للطِّفل فهو ممَّا يعفى عنه كذلك، ولكن للعفو عنه في الصَّلاة شروط، وهي: -

ص: 91

أ. أن يتنجَّس ببوله فقط دون غائطه ولا يتعدَّى إلى بدنها دون الثَّوب.

ب. أن تكون المربيَّة هي الأم، ولا يتعدَّى من المربيَّة إلى المربِّي، وكذا لا تتعدَّى إلى المربيَّة لولد غيرها على الأحوط وجوباً.

ج. أن يكون الطِّفل ذكراً لا أنثى إحتياطاً وجوبيَّاً.

د. أن لا يكون للمربيَّة أثواب متعدِّدة حتَّى مع الحاجة إلى لبسها جميعاً، إلاَّ إذا كان حرجيَّاً عليها فيجوز من باب صلاة المضطر في الثَّوب المتنجِّس، كعدم تمكِّنها من بقيَّة أثوابها أو كانت كلُّها متنجِّسة.

ه. أن تغسله في اليوم والليلة ولو مرَّة واحدة مخيَّرة بين ساعاتهما.

المَبْحَثُ الخَامِس أَحْكَامُ الأَوَاني

(مسألة 121) أواني المشركين وسائر الكفَّار - بل كل ما بأيديهم من اللباس والفراش - طاهرة إذا احتمل أنَّها أو بعضها غير مستعمل من قبلهم، ككونها مشتراة من مسلمين ولم يستعملوها وكذا لو استعملوها أو بعضها بلا رطوبة مسرية، وأمَّا إذا علم - ولو إجمالاً - بملاقاتهم لها برطوبة مسرية فيجب الاجتناب عنها، ومع الشَّك في ملاقاتهم لها فالأحوط وجوباً اجتنابها لقرائن عدم المبالاة من قِبلهم كمبالاتنا في أحكامنا، بل الأحوط استحباباً ذلك الاجتناب مطلقاً، وبالأخص في الأمور الَّتي يكون أو يكثر استعمالها بالرُّطوبة كالأواني وإن لم يحصل شك .

(مسألة 122) يحرم استعمال أواني الذَّهب والفضَّة في الأكل والشُّرب وتحرم الطَّهارة بها من الحدث أو الخبث - بنحو الرَّمس فيها ولو كانت ممَّا يصح ذلك فيها لو كانت اعتياديَّة - وممَّا يعدُّ استعمالاً لها عرفاً، ولا يحرم نفس المأكول والمشروب بمجرَّد وضعها في تلك الأواني، كما لا بأس باقتنائها وبيعها وشراءها وصياغتها وأخذ الأجرة عليها، لكنَّ الأحوط عدم التَّزيين بها، لأنَّه قد يلحق بالاكتناز الَّذي لا فائدة فيه فيكره حتَّى لو أخرج خمسها، لأنَّ ذلك من تصرُّفات المترفين، وأمَّا مع عدم إخراج خمسها فهي ممَّا يحرم حتماً لو حال الحول عليها وهي على هذه الحال كما سيأتي في محلِّه.

ص: 92

(مسألة 123) المراد من الأواني المذكورة ما كان يُعد لأن يحرز فيه المأكول أو المشروب ونحوهما، على نحو تقبل الإنفكاك عن مظروفها - كالكأس والكوز والصِّينيَّة والقدر والسَّماور والفنجان وغيرها -، فمثل رأس الغرشة ورأس الشطب وقراب السَّيف والخنجر والسَّكين وقاب السَّاعة ومحل فص الخاتم ورأس ملعقة الشَّاي وبيت المرآة وأمثالها خارجة عن الآنية فلا بأس باستعمالها كلبس الخاتم الفضِّي للرِّجال مثلاً أو الذَّهبي للنِّساء كذلك وهكذا.

(مسألة 124) لا بأس باستعمال المموَّه (المطلي) بماء الذَّهب والفضة، كما لا بأس باستعمال المخلوط من أحدهما بغيرهما من الفلزَّات الأخرى ممَّا لا يصدق عليه آنية الذَّهب والفضَّة واقعاً، وأمَّا المخلوط منهما فقط فهو حرام.

(مسألة 125) لا فرق في الذَّهب والفضَّة بين الجيِّد والرَّديء والخالص والمغشوش بما لا يخرجه عن صدق الذَّهب والفضَّة عليه، كما لا فرق بين الأواني الكبيرة والصغيرة.

(مسألة 126) لا بأس بما يصنع بيتاً للتَّعويذ من الذَّهب والفضَّة كحرز الإمام الجواد عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ونحوه في بعض البلدان الإسلاميَّة.

(مسألة 127) يكره استعمال القدح المفضَّض في حاشيَّته، بل قد يحرم الشُّرب منه إذا وضع فمه على موضع الفضَّة.

المَبْحَثُ السَّادس في أَحْكَامِ المَسَاجِد

للبحث عن المساجد في الفقه أكثر من مقام واحد مناسب، وهي من المواقع الَّتي ترتبط بأكثر من عبادة وفي الأعم من الوجوب كالصَّلاة، والصِّيام، والاعتكاف والحج والعمرة وإن كان الأخيران في خصوص المسجد الحرام، بل الأكثر من ذلك ككراهيَّة البيع والشِّراء فيها وإنشاد الشِّعر ونحو ذلك، فهي حريَّة لأن يتكلَّم عنها في المقدِّمات العامَّة الحاليَّة، وإن كانت الصَّلاة أقرب إليها من كل شيء.

(مسألة 128) يحرم تنجيس المسجد من دون فرق في ذلك بين أرض المسجد وسقفه وسطحه وجدرانه وبنائه من داخل المسجد، وكذا فراشه وسائر آلاته، ويجب تطهيرها عند

ص: 93

العلم بالتَّنجس،

والأحوط وجوباً ترك تنجيس الجدران من الخارج ولزوم التَّطهير لها عند تنجسها.

(مسألة 129) لو لم يتمكَّن من تطهير المسجد منفرداً يجب عليه أخذ المساعد على ذلك ولو ببذل مال إليه في سبيل ذلك مع التَّمكُّن، أمَّا إذا لم يتمكَّن أو لم يوجد المساعد بتاتاً فالأحوط وجوباً أن يخبر من يتمكَّن من التَّطهير بنحو من الإنحاء مع الإمكان على الأقل.

(مسألة 130) لو تنجَّس جزء من المسجد وتوقَّف تطهيره على تخريب مقدار منه كالحفر أو الهدم وجب ذلك - إذا كان يسيراً لا يعتدُّ به - وإعادة المهدوم مع الإمكان على الأحوط، كما لو تنجَّست لبنة (طابوقة) أو ما يشابهها وقلعت للتَّطهير فيجب إرجاعها بعده إلى مكانها، وأمَّا إذا كان التَّخريب كثيراً بحيث يضر بالوقف فلا يجب التَّطهير وعند ذلك يجب التَّحفُّظ من تلك الأماكن المتنجِّسة، إلاَّ أن يوجد باذل يعمره فعندئذ يجب ذلك.

(مسألة 131) لو أغتصب مسجد وجعل طريقاً أو بيتاً أو متَّجراً وما شابهه - أو انهدم أو أصبح خربة - بحيث لا يمكن الصَّلاة فيه، ففي هذه الصُّور أيضاً يحرم تنجيسه ويجب تطهيره لبقاء الوقفيَّة على حالها إلاَّ في بعض الضَّرورات ككون بعض تلك الَّتي قد صارت طريقاً مثلاً لا منفذ إلى المقصد الأهم سواه فلا مانع من المرور السَّريع عليها مع الإمكان دون البقاء أو المسير البطيء، ويخف هذا الأمر عن شدَّته فيما لو كانت الأرض مفتوحة عنوة كبعض أراضي العراق عدا ما تعيَّن من قِبل الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ من بعض المساجد كما لو إنهدمت لوحدها وصارت أرضاً، مع الاحتياط بالتَّحرُّج عنه كذلك حتَّى في هذا المورد.

(مسألة 132) المشاهد المشرَّفة والأضرحة المقدَّسة ملحقة بالمساجد، فيحرم تنجيس داخلها وما فيه، ويجب تطهيرها لاستلزامه هتكاً وإهانة للإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ المدفون فيها، وكذا المصحف الشَّريف وتربة الرَّسول صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والتُّربة الحسينيَّة وسائر الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ.

(مسألة 133) لو تنجَّس ما في المسجد من فرش وغيره لابدَّ من تطهيره، ولكن إذا كان قطع المقدار المتنجِّس أقل ضرراً من تطهيره مع بقاء الباقي الطَّاهر على نفس الفائدة وإن قلَّت فيتعيَّن القطع كما في بعض الفرش الرَّخيص.

ص: 94

(مسألة 134) يحرم إدخال النَّجاسة إلى المسجد، من غير فرق بين المتعدِّية منها أو غيرها، لاستلزامها الهتك لحرمة المسجد كإدخال الدَّم أو العذرة أو الميتة أو الكلب فيه، وكذا إدخال نجس العين البشري كالكافر وما يلحق به مع التَّمكن ما لم يكن استبصار وهداية مضمونة تحفظ بها الحرمة لو توقَّف الأمر على ذلك، ويمكن استفادة ذلك من قوله تعالى ] فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا[ في أنَّ النَّهي كان بدخولهم باختيارهم لا بإدخالهم من قبل المسلمين لغرض ما ذكرناه مع مساعدة بعض الأدلَّة، وكذا إدخال ذوي النَّجاسات المعنوية كالجنب والحائض والنُّفساء إلاَّ اجتيازاً ما عدا المسجدين الأعظمين على ما سيجيء.

نعم لا مانع من إدخال ما لا يعتد به من النَّجاسات في المسجد لكونه تابعاً للدَّاخل فيه مثلاً، كما إذا كان على ثوب الدَّاخل أو بدنه شيء من النَّجاسة المعفو عنها في الصَّلاة كدم القروح والجروح ونحوه، وكذا يجوز إدخال المتنجِّس إذا لم يكن مشتملاً على عين النَّجس مع عدم تأثيره على المكان.

(مسألة 135) وجوب تطهير المساجد - من النَّجاسة - كفائي، فلا يختص وجوب إزالتها عن المسجد بمن صار سبباً في تنجيسه، لاحتمال أن يكون غير عامد في هذه السَّببيَّة، أو صار غير قادر على الإزالة بعد أن تعمَّد ذلك، أو تعمَّد ولم يقدر عليه أحد في أن يلزمه بالإزالة، كما أنَّه غير ضامن للمال الَّذي يتوقَّف تطهير المسجد عليه، إلاَّ مع عمده في إيجادها أو تعمُّده في عدم إزالتها مع قدرته وإن لم يوجدها هو، لكونه كان ممَّن يجب عليه الإزالة كفائيَّاً ثمَّ انحصر الأمر فيه فأثَّرت أثرها في هتك الحرمة، ولكن لا ينكر أنَّ المسبِّب المتعمِّد والقادر على الإزالة هو الأولى من غيره فيها إضافة إلى الوجوب الكفائي المشمول به، بل قد يتعيَّن عليه ذلك لو انحصر الأمر فيه.

(مسألة 136) لا يحرم تنجيس معابد الكفَّار كالكنائس وعلى ما تعارف بين الكفَّار أنفسهم ذلك التَّنجيس في عرفنا وإن لم يكن ذلك تنجيساً في عرفهم فلا يجب منعهم من ذلك لو مارسوه، وكذا لا تجب إزالة تلك النَّجاسة عنها، نعم لو أخذها ولي الأمر وجعلها مسجداً جرت عليها أحكام المساجد الَّتي منها حرمة تنجيسها ووجوب تطهيرها إذا

ص: 95

تنجَّست، بل وكذا لو كانت مشتركة يستفيد منها المسلمون أيضاً، كبعض مواقع فلسطين المقدَّسة إسلاميَّاً، وإن اعتبرها الأعداء مواقع لهم دون المسلمين، فيجب على المسلمين المحافظة على تلك المواضع بعدم فسح المجال للأعداء أن ينجِّسوها، وتلحق بها معابدهم لو اضطرَّ إلى تواجد المسلمين فيها مثلاً وأمكنهم مزوالة عباداتهم الإسلاميَّة هناك في عدم جواز فسح المجال منهم لأيِّ أحد بإيصال النَّجاسات إلى مواقع العبادات الإسلاميَّة إن أمكن.

(مسألة 137) يجوز إقامة الشَّعائر الدِّينيَّة في المساجد، كمجالس الوعظ والإرشاد وإحياء ذكريات النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وآله في أفراحهم وأتراحهم المعظِّمة للشَّعائر الدِّينيَّة، ومن أهم ذلك إقامة مجالس العزاء لسيِّد الشُّهداء أبي عبد الله الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وكذلك إنشاء مجالس فواتح العلماء والمختومة بمجالس العزاء الحسيني كذلك.

وكذلك يجوز تغطية المسجد بالسَّواد ونصب الخيم وإدخال أدوات الشَّاي والقهوة وغيرهما فيه لصالح العزاء الحسيني، لكون ذلك من حالات تعظيم الشَّعائر الدِّينيَّة، بشرط أن لا يضر بالمسجد ولا يزاحم المصلِّين، والأحوط وجوباً ترك فواتح سائر النَّاس فيه إلاَّ ما نصَّ عليه في وقفيَّات المساجد بإقامة مثل تلك مع اشتراط ختمها بمجالس العزاء الحسيني حسب ما هو المألوف شرعاً فيها بشرط عدم مصاحبة المتنجِّسات بما هو مسري أو الكافر لنجاسته المنهي عنها هناك بحجَّة عدم لزوم التَّقيُّد بذلك شرعاً في العزاء الحسيني، ولكن مع وجود الإضرار بها في ذلك فلا مانع من تعيُّن هذه الأمور في مواقع الحسينيَّات المعدَّة لها حسب لو كانت ممَّا يختم في آخره بالمجلس الحسيني وإن كان التَّطهُّر راجحاً في هذه المواقع ولما يقام فيها كذلك.

(مسألة 138) تحرم زخرفة المسجد بالذَّهب، ونقشه بصور ذوي الأرواح، وأمَّا غير ذلك كصور الورود والأشجار فمكروه لا غير.

(مسألة 139) يحرم بيع المسجد، أو إتِّخاذه ملكاً، أو جعله جزء من الطَّريق اختياراً حتَّى لو انهدم وأصبح أرضاً مهملة، لأنَّه مسجد من تخوم الأرض إلى عنان السَّماء، ما عدا الأراضي المفتوحة عنوة كما مرَّ، فإنَّ مسجديَّتها ثابتة ما دامت أبنيتها موجودة، ولو

ص: 96

شكَّ في مصداقيَّة كون أرض مسجداً بعد انهدامه - مثلاً - أنَّها هل هي من المفتوحة عنوة أم لا ؟ كبعض أراضي العراق، مع وجود قرائن للمسجديَّة عرفاً، كأوراق الطَّابُّو والمؤيدة من جهة شرعيَّة، ونحو آثار دالَّة أخرى على ذلك ولو ببعض أحجار مسوَّرة ؟ فالأحوط وجوباً بقاؤها على المسجديَّة.

(مسألة 140) يحرم بيع أبواب المسجد وشبابيكه وكل ما يتعلَّق به، ولو خرب المسجد فلابدَّ من حفظها وجعلها في نفس المسجد عند إعادة بنائه، وأمَّا إذا لم تصلح لذلك المسجد بأي نحو فلابدَّ من جعلها في مسجد آخر قريب منه، وإذا لم تصلح لغيره من المساجد أيضاً فيجوز بيعها ويجب صرف ثمَّنها في نفس المسجد الَّذي كانت فيه - وإن لم يمكن ففي المساجد الأخر، على أن يكون ذلك بإشراف الحاكم الشَّرعي أو من ينيبه، لإتقان الأمر أكثر ولرعاية الأهم فالأهم.

هذا إذا كانت من أجزاء المسجد، وأمَّا إذا كانت وقفاً على المسجد وسقطت عن الاستفادة فيه خاصَّة وأريد صرفها في مسجد آخر فلا مانع إذا تشترى لأجل المسجد الآخر ويصرف ثمَّنها في شؤون المسجد الأوَّل للعائديَّة الأصليَّة.

(مسألة 141) يستحب إنشاء المساجد وتعميرها، كما يستحب ترميمها وتصليحها، ويجوز هدمها وتأسيسها من جديد إن كانت خربة جدَّاً بحيث لا يمكن ترميمها، بل يجوز هدم المسجد العامر لغرض توسيعه على المصلِّين بشرط أن يكون ذلك بإضافة على أرضه لا ببناء اسطواناته وحيطانه بقطر أقل كي يصبح داخله أوسع ومن خالص مال التَّبرع لا من الحقوق الشَّرعيَّة في خصوص الهدم المذكور أخيراً.

وكذا يجوز هدم العامر إذا كان على أسس بالية غير قابلة للدَّوام وخطرة في نفس الوقت على المصلِّين لبنائها حتَّى من الحقوق الشَّرعيَّة إن اقتضى الأمر وتحت إشراف الفقيه أو نائبه كذلك، لكن لابدَّ من مراعاة كون أرض المسجد في جواز الهدم من غير الأراضي المفتوحة عنوة فقط جهد الإمكان، وأمَّا فيها لو اقتضى الأمر ولم يمكن التَّرميم وقوِّمت مسجداً من جديد فالأحوط تجديد الوقفيَّة للمسجديَّة من الفقيه، وإن كانت في تلك الأراضي بعض العلائم فضلاً عمَّا لو لم تكن.

ص: 97

(مسألة 142) يستحب تنظيف المساجد وإنارتها والاهتمام بشؤونها.

(مسألة 143) يستحب لمن رام الذَّهاب إلى المسجد مراعاة الأمور التَّالية: -

1 - استعمال الطِّيب.

2 - لبس الثَّوب النَّظيف الفاخر.

3 - الفحص عن حذائه، مخافة وجود النَّجاسة فيه.

4 - تقديم الرِّجل اليمنى عند الدُّخول واليسرى عند الخروج.

5 - أن يكون أوَّل من يدخل إلى المسجد وآخر من يخرج.

(مسألة 144) يستحب عند الورود إلى المسجد بعد التَّطهُّر أن يصلِّي ركعتين تحيَّة واحتراماً للمسجد، بل لا ينبغي تركها، وإذا صلَّى ركعتين وجوباً أو لغير التَّحيَّة من المستحبَّات فيكفي ذلك عن صلاة التَّحيَّة.

(مسألة 145) يكره أن تقع الأمور التَّالية في المسجد: -

1 - النَّوم، إلاَّ في حال الاضطرار.

2 - التَّكلم حول أمور الدُّنيا.

3 - الاشتغال بالصِّناعة.

4 - إنشاد الشِّعر إلاَّ في المناسبات الدِّينيَّة والمتضمِّنة للحكمة والموعظة.

5 - البصاق الإمتخاط وإلقاء النُّخامة وأخلاط الصَّدر في أرضه.

6 - إنشاد الضَّالة (الضَّائع)، إلاَّ عند بابه من جهة الخارج.

7 - رفع الصَّوت لغير الأذان.

(مسألة 146) يكره فسح المجال للمجانين والأطفال في المسجد إلاَّ لتربية الأطفال المميِّزين بمصاحبتهم وتحت إشراف كبارهم، كما ويكره الدُّخول في المسجد لمن أكل البصل أو الثُّوم أو كل ما يورث رائحة كريهة تؤذِّي الآخرين، ولمثل هذا أستحبَّ استعمال السُّواك إضافة إلى التَّطيُّب.

ص: 98

المَقْصَدُ الثَّاني المُطَهِّرَات الإِثْنَي عَشَر

تمهيداً لكل ما يحتاجه المسلم من أمر الطَّهارة فقهيَّاً لجميع الحالات العباديَّة - كما مرَّ التَّنبيه عليه - وغيرها المتمثِّلة بلزوم إزالة النَّجاسات العارضة عليها أو انقلاعها ذاتيَّاً ومعنويَّاً وحكميَّاً أوَّلاً، لابدَّ وأن نذكر بعد ذلك جميع المطهِّرات لما قد يطرأ على الشَّيء من أمور النَّجاسات الماضية ما يحوج إلى هذا الذِّكر لأجل أن يفهم كيفيَّة الطَّهارة بها - ولو باستطراد مختصر -.

وتلك المطهِّرات هي إثنا عشر، ليتسنَّى للمكلَّف ما يجب عليه وما ينبغي له حول هذا الأمر، ولتعقبها التَّفاصيل في الفقه في مواضيع الرِّسالة كلٍ بحسبه، وفي مقدِّمتها ما يتعلَّق بالطَّهارات الثَّلاث (الوضوء والغُسل والتَّيمُّم) الثَّابت أمرها لأسباب الأحداث الصَّغيرة والكبيرة والآتي ذكر جميعها في آخر هذا الكتاب، لأنَّها من المقدِّمات على ما مرَّ بيانه وما سيجيء إن شاء الله تعالى.

الأَوَّل: المَاء

فالماء أهم المطهِّرات وأبلغها في التَّطهير في أغلب مقامات الفقه المناسبة له، من جهة قابليَّته لإزاحة

النَّجاسات العارضة على جسم المكلَّف - وفي أوانيه وألبسته وأفرشته ومأكولاته ومشروباته، وفي الوضوء من الأحداث الصغيرة الآتية، وفي الاغتسال من الأحداث الكبيرة الآتية كذلك وما يلحق بها - وفي تغسيل الموتى من أمور الواجبات والمستحبَّات - كما سيأتي -، إلاَّ نجس العين فلا ينفعه تطهير أبداً إلاَّ إذا استحال أو انقلب أو نحوهما - كما مرَّ وكما سيأتي - عدا الكافر فيما إذا دخل الإسلام وأقرَّ بالشَّهادتين فإنَّه سرعان ما يطهر - على ما سيجيء -، ولهذا وأمثاله نقدِّم الماء في الذِّكر.

(مسألة 147) يطهِّر الماء المطلق الطَّاهر - دون المضاف - كل ما يعرض على الشَّيء

ص: 99

من النَّجاسات العرضيَّة الماضية بإزالتها به، وكذا الحكميَّة الَّتي لم يبق لها عين وإنَّما بقي الأثر الحكمي فقط بغسل مواقعها، بشرط استيلاء الماء عليها سواء كان قليلاً أم كثيراً وحسب الكيفيَّة المرسومة شرعاً على ما سيجيء تفصيله.

وأمَّا إذا كانت عينها باقية فلا تنمحي النَّجاسة عنها،كنجاسة الكلب إلاَّ باستحالته ملحاً والكافر إلاَّ بإسلامه، ويلحق بحكم النَّجاسات الماضية المتنجِّسات المتأثِّرة بملاقاتها برطوبة وإن كانت طاهرة في نفسها.

(مسألة 148) ضمان صحَّة التَّطهير بالماء المطلق بالدَّرجة الأعلى لا يحصل إلاَّ إذا كان كثيراً معتصماً واستولى الماء على المتنجِّس تماماً - على ما سيتَّضح في أقسام المياه -، وأمَّا القليل منه فليس بممكن إلاَّ بأمور: -

1 - طهارة الماء قبل استعماله في التَّطهير، فلو لم يكن كذلك فلا يكون صالحاً للتَّطهير لأنَّه هو المحتاج إلى الطَّهارة فكيف يكون مطهِّراً.

2 - سكب الماء الطَّاهر على المتنجِّس وانفصال ماء الغسالة على النَّحو المتعارف فيه، كسكب ذلك الماء فوراً عن الإناء مثلاً بعد صبِّه ظاهراً عليه، أمَّا فيما ينفذ نفوذاً في الشيء كالقطن والصُّوف والفراش والملابس المتنجِّسة فلابدَّ من عصرها أو غمزها بالكفِّ - مثلاً - حتَّى ينفصل عنها ماء الغسالة النَّجسة.

3 - زوال عين النَّجاسة دون أوصافها الَّتي لا تلحظ بالاعتبار كحالة عدم وجود أيِّ جرميَّة من تلك العين في الموقع المتنجِّس، كبعض الألوان والرَّوائح ذات الأثر الطَّفيف جدَّاً، وإن كان الأحوط سكب الماء على المتنجِّس باستمرار إلى زوال عين النَّجاسة مع أوصافها تماماً مع الإمكان.

4 - تعدُّد الغَسل بهذا الماء فيما يشترط فيه التَّعدُّد، كالمتنجِّس بالبول وبولوغ الكلب والخنزير كما سيأتي، وكذا في الأفرشة والملابس المتنجِّسة بالبول إلى أن تزول النَّجاسة بعصرها - ولو مرَّات - بتطهيرها بمرَّتين على الأقل، وإن لم تكن بالبول فيكفي فيه استيلاء الماء عليه - بعد إزاحة النَّجاسة - مرَّة واحدة مع الاحتياط بالمرَّة الثَّانية.

(مسألة 149) لا يعتبر التَّوالي فيما يعتبر فيه التَّعدُّد بمعنى أنَّه يجوز غسل المتنجِّس في وقت مرَّة وفي وقت آخر المرَّة الأخرى، نعم يعتبر - على الأحوط - المبادرة إلى العصر فيما

ص: 100

يشترط فيه ذلك.

(مسألة 150) يجب في تطهير أواني الطَّعام والشَّراب المتنجِّسة غسلها - بالماء القليل - ثلاث مرَّات إحتياطاً، إلاَّ في الإناء المتنجِّس من شرب الخنزير فإنَّه لابدَّ من غسله سبع مرَّات، وكذا من موت الجرذ - وهو كبير الفئران البريَّة - على الأحوط في الأخير.

(مسألة 151) يجب غسل أواني الخمرة ثلاث مرَّات بالماء الكثير أو القليل، وإن كان الأولى سبع مرَّات.

(مسألة 152) يجب في تطهير الآنية المتنجِّسة بولوغ (شرب) الكلب تعفيرها بالتُّراب الطَّاهر المخلوط بشيء من الماء، ثمَّ غسلها بالماء الكثير مرَّة واحدة، وإلاَّ فمرَّتين، وبذلك تكون مع تعفير التُّراب ثلاث مرَّات، وكذا الحكم في (لطع) الكلب بدون شرب على الأحوط.

فإن لم يجد التُّراب لتعفيرها بقيت على نجاستها إلى حين حصوله، أمَّا لو وجد التُّراب لكن لا يتمكَّن من تعفيرها كالآنية الَّتي فوَّهتها ضيِّقة فيكفي إدخال التُّراب الممزوج بشيء من الماء إلى داخلها وتحريكها - ليستوعب تمام الإناء - ثمَّ تطهيرها بالماء الخالص.

(مسألة 153) إذا ولغ الكلب في آنية ثمَّ صبَّ ماؤه الَّذي ولغ فيه الكلب في آنية أخرى وجب تعفير الثَّانية بالتُّراب وتطهيرها أيضاً احتياطاً.

(مسألة 154) إذا تنجَّس الإناء بوقوع لعاب الكلب فيه أو عرقه أو سائر فضلاته أو بملاقاة بعض أجزائه غير حالة الولوغ لم يجب تعفيره بالتُّراب، بل حكمه حكم بقيَّة النَّجاسات.

(مسألة 155) الأرض الصلبة وأمثالها ممَّا لا ينفذ الماء إلى داخله كالحديد والأحجار والبلاستك والبلاسكو وما يلحق بذلك كالنَّايلون يكفي في تطهيرها - بعد إزالة النَّجاسة - إجراء الماء عليها، وإن كان ممَّا ينفذ إلى الدَّاخل كالأرض الرخوة وغيرها فلابدَّ من سحب الماء منه كما في عملية البزل في الأرض اذا احتيج إلى طهارة شيء من أعماقها، لئلاَّ تبقى فيه آثار النَّجاسة أو عصره إن كان ممَّا يعصر كالإسفنج - كما مرَّ في مسألة (147) فرع (2).

وكذا ما إذا نفذت رطوبة المتنجِّس إلى داخلها كالصَّابون والطَّين الجامد والخزف

ص: 101

والخشب ولو بطيئاً، فلا يكفي في تطهير ظاهرها بمجرَّد إجراء الماء عليه، كما في الأرض الصلبة والحديد والأحجار والنَّايلون - كما مرَّ - مع وجود تلك الرَّخاوة فيها، بل لابدَّ أن تخرج تلك النَّجاسة إلى الظاهر كما دخلت إن أمكن بإرسال المياه الطَّاهرة لتدخل وتنفذ حتَّى الوصول إلى الخارج بمقدار نفوذ المتنجِّس وزيادة حتَّى يستولي على المحل وإذا لم يمكن ذلك يكون المتنجِّس كالمعدوم، إلاَّ ما كان ممَّا يقبل العصر كما مرَّ سابقاً على الأحوط، من غير المأكول والمشروب كالقطن والإسفنج والطِّين ونحوه فهو باق على إفادته بعد التَّطهير والعصر.

وأمَّا لو لم يقبل العصر كالَّذي لا يمكن الاستيلاء عليه إلاَّ باضمحلاله غالباً كالمضافات فهو مشكل في تطهيره والأحوط اجتنابه كبعض الصَّوابين إلاَّ أن يلتزم باستعماله في الغَسل على هذه الحالة من غير أن يدخل إلى الجوف ولا أن يلتزم باستعماله على طهارة، بل للدَّلك ومحو الدُّسومة والوسخ فقط فلا مانع حينئذ ثمَّ يعقِّبه المكلَّف بعمليَّة التَّطهير منه بالماء الطَّاهر الكافي وحده، وأمَّا الخشب المتنجِّس فبالإمكان ان لم يرد طهارة عمقه الاستفادة منه في غير موارد ما يجب فيه الطَّهارة كذلك ولو بغسل ظاهره وان أريد ذلك فالإشكال واقع إلاَّ بنحو الشَّرح لا غير ولو احتياطاً.

(مسألة 156) الغسالة المتَّصلة الَّتي كانت على الأرض المتنجِّسة واندفعت بالمياه الطَّاهرة المستحوذة عليها طاهرة ما لم تحمل تلك النَّجاسة معها، والغسالة المنفصلة عن المياه الطَّاهرة باقية على نجاستها لو لم تتأثَّر وتزول حالتها باتِّصالها الأوَّل، من غير فرق بين انفصالها عن البدن وغيره إن ثبت مصاحبتها للنَّجاسة.

(مسألة 157) الدُّسومة الطَّبيعيَّة في اللحم أو الجسم إن كانت تحول دون وصول الماء إلى الظَّاهر الطَّبيعي عند تنجُّسه لابدَّ من إزالتها لأنَّها تعتبر حاجباً على الأحوط، كالَّذي يخرج من المسامات دوماً، لكونه يحجب عن وصول الماء إلى البشرة المتنجِّسة بحيث لو سكب الماء على تلك البشرة الدِّهنيَّة لتفرق وانتشر رأساً، وإن كانت قليلة بحيث لا تحول فلا تمنع من التَّطهير.

وأمَّا الدُّسومة والحواجب الأخرى غير الطَّبيعيَّة من الشُّحوم الأخرى وكالبوية وصبغ الأظافر والأحبار الجافَّة والمواد الدِّهنيَّة التَّجميليَّة أو الدِّهنيَّة الطِّبيَّة إذا لم تكن من

ص: 102

نوع سريع الانتشار المعروف ب- (الكِريم) فلابدَّ من إزالتها كثيرة كانت أم قليلة، لغرض تطهير ما يحتاج إليه الجسم المتنجِّس، وأمَّا خصوص الكِريم إن حصل بطء في زواله بعض الأحيان، فلابدَّ من مسحه بقماش أو منديل (ورقي) مثلاً لغرض سرعة الإزالة أوَّلاً ثمَّ الإلتزام بالتَّطهير بالماء، وإلاَّ فلا مانع من ممارسة التَّطهير معه فوراً.

(مسألة 158) لا يطهر العجين المتنجِّس بخبزه وتجفيفه ووضعه في الماء الكثير بحيث قد يفهم منه نفوذ الماء إلى أعماقه ظاهراً، وكذا الحليب اذا تنجَّس لا يطهر بتجبينه ووضعه في الماء الكثير حتَّى لو عصر ذلك الخبز أو ذلك الجبن من الماء الَّذي تعلَّقت فيه النَّجاسة الحكميَّة على الأقل الَّتي كانت لأنَّها لن تزول بذلك ولو احتياطاً اذا كان كل من الحالتين حالة عائدة إلى الأكل لا غير وليست كما ذكرناه في الأنفحة لأنَّها مستثناة وقد نبَّهنا عن أمر لزوم استثناء المأكولات من هذا القبيل، وكذا المشروبات المضافة عن عمليَّة إمكان التَّطهير، وكما سيجيء في باب الأطعمة والأشربة.

(مسألة 159) يكفي في تطهير الحبوب اليابسة المتنجِّسة كالرز والعدس مع أوانيها إذا كانت متنجِّسة بعد إزالة عين النَّجاسة بصورة إدخال الماء القليل مثلاً فيها واستغراق الأواني به ثمَّ سكبه ثمَّ إدخاله واستغراق الإناء بالماء مرَّة أخرى إن كانت النَّجاسة بالبول، ما لم يكن ذلك الإناء إناء أكل وشرب وقد أصابته النَّجاسة، فإنَّه يحتاج إلى تثليث ذلك العمل، وفي الكثير تكفي الإفاضة المستوعبة للجميع بعد تلك الإزالة، ما لم تكن تلك الحبوب مستنفعة بالنَّجاسة إلى أعماقها فلا فائدة بهذا الأسلوب من التَّطهير حينئذ.

(مسألة 160) كيفيَّة تطهير الأواني الضَّيقة من حيث الرَّأس صغرت أم كبرت بالماء الكثير هو وضعه فيها بحيث يستولي عليها إلى حد ما يطفح على الفوَّهة مرَّة واحدة.

وأمَّا القليل فهو بوضعه في دواخلها مع إدارة الإناء ليستغرق جميع أجزائه ثمَّ سكبه فوراً ليفعل ذلك ثلاث مرَّات.

(مسألة 161) المصوغات الَّتي يصوغها الكافر - بأنواعها بحيث علمت مباشرته لها برطوبة - نجسة إحتياطاً إلاَّ أنَّه يجوز استعمالها بعد تطهير ظاهرها، والأحوط لمستعملها تطهير ظاهرها بالغسل عند استعماله إذا حصل احتكاك فيها مع شيء يوجب زوال شيء

ص: 103

قشري من ظاهرها ونحو ذلك، لاحتمال ظهور باطنها عند كثرة استعمالها مع الاحتياط الاستحبابي بترك مثل تلك المصوغات.

(مسألة 162) التَّنور المتنجِّس بكل جوانبه وأطرافه يكفي في تطهيره صبُّ الماء القليل من الإبريق عليه بحيث يستوعب تمام أجزائه ومن أعلاه إلى أدناه ولا يحتاج إلى التَّعدُّد مرَّة أخرى إلاَّ إذا كانت النَّجاسة بولاً مع رجحان الاحتياط بالتَّعدد حتَّى في غير البول.

الثَّاني:الأَرْض

فإنَّها تطهِّر باطن القدم وكل ما يوقَّى به من النَّعل والخف والحذاء بالمشي عليها أو المسح بها بشروط وهي:-

1 - أن تكون النَّجاسة حاصلة من الأرض النَّجسة، مشياً أو وقوفاً على الأحوط وجوباً.

2 - طهارة الأرض وجفافها.

3 - زوال عين النَّجاسة بالمشي عليها أو المسح بها، ولا تكفي المماسَّة وحدها وإن زالت النَّجاسة قبلها.

(مسألة 163) لا فرق في الأرض بين التُّراب والرمل والحجر، وفي إلحاق الجص والآجر بها إشكال يوجب الاحتياط باجتنابهما في عملية التَّطهير، وكذا يجب اجتناب ما يشكَّ في أن ما تحت قدمه كان أرضاً أو شيئاً آخر، لأنَّه لابدَّ من إحراز كونه أرضاً.

(مسألة 164) إذا كان المشي على ظاهر القدم أو على عيني الرُّكبتين أو على اليدين وحصلت النَّجاسة فيها فلا تطهر بالأرض - على الأحوط - بل بالماء، وكذا أسفل خشبة الأقطع وحواشي القدم القريبة من الباطن.

(مسألة 165) إذا شكَّ في طهارة الأرض بنى على طهارتها، إلاَّ إذا علم بسبق النَّجاسة عليها فيستصحبها، وكذا إذا شكَّ في جفاف الأرض ورطوبتها فلا يحكم بمطهِّريتها إلاَّ مع سبق الجفاف فيستصحبه، بل وكذا إذا شكَّ في أنَّ نجاسة القدم أو ما يوقَّى به كالحذاء حصلت من المشي أو الوقوف عليها أو من مكان آخر فلا يكتفى بتطهيرها بالأرض، بل لابدَّ من غسلها بالماء.

ص: 104

الثَّالِث: الشَّمْس

فإنَّها تطهِّر الأرض وكل ما لا ينقل من الأبنية وما اتَّصل بها من الأخشاب والأبواب والأعتاب والأوتاد،

وكذا الأشجار والنَّباتات والأثمَّار والخضروات على منابتها وإن حان قطافها وغير ذلك حتَّى الأواني الكبيرة المثبَّتة ونحوها، بل حتَّى ما يعد جزءاً من الأرض كالحصى والطَّين والتُّراب والأحجار وإن كانت في أنفسها منقولات، بخلاف ما إذا لم تكن معدودة من الأرض.

وفي تطهير الحصر والبواري ونحوها ممَّا ينقل بها إشكال مقتضاه الاحتياط وجوباً بالاجتناب عن اعتبار تطهير الشَّمس لها إذا تنجَّست ويتعيَّن بالماء فقط.

(مسألة 166) يعتبر في طهارة المذكورات ونحوها بالشَّمس أمور: -

1- زوال عين النَّجاسة عنها إن كانت لها عين.

2- أن تكون رطبة برطوبة مسرية ثمَّ تجفِّفها الشَّمس تجفيفاً يستند إلى إشراقها بدون واسطة، ولا يضر مشاركة غيرها - كالرَّيح - في التَّجفيف.

ويطهر بذلك باطن الشَّيء الواحد تبعاً لظاهره بإشراقها عليه على الوجه المذكور.

(مسألة 167) لو أراد تطهير المتنجِّس من المذكورات بالشَّمس وكان جافَّاً صبَّ عليها سائلاً سواء كان طاهراً أو نجساً لترطيبها حتَّى تجفِّفها الشَّمس بإشراقها.

(مسألة 168) لو تنجَّس ما لا ينقل بالبول كفى في تطهيره جفافه بإشراق الشَّمس عليه من دون حاجة إلى الماء.

(مسألة 169) المسامير المتنجِّسة الثَّابتة في الأرض أو البناء حكمها حكم الأرض في تطهير الشَّمس لها ما لم تقلع، وإن كان الأحوط تطهيرها بالماء أيضاً.

الرَّابع:الاسْتِحَالَة

وهي تبدُّل حقيقة الشَّيء وتغيُّرها إلى حقيقة أخرى تخالفها في حكم الشَّارع المقدَّس عليها، فيطهر

النَّجس أو المتنِّجس بإستحالته إلى شيء أخر كإستحالة الكلب إلى ملح، أو العذرة إلى

ص: 105

تراب، أو النُّطفة إلى حيوان أو الخشبة المتنجِّسة تصير رماداً بالإحتراق أو الماء المتنجِّس إلى بخار.

أمَّا إذا إستحال البخار النَّجس إلى عرق فيبقى على نجاسته كالعرق المتَّخذ من الخمرة لإنَّه مسكر مائع.

وأمَّا ما أحالته النَّار من تلك الذَّوات النَّجسة أو المتنجِّسة فحماً أو خزفاً أو آجرَّاً أو جصَّاً أو نورة فهو باق على النَّجاسة أيضاً، وكذا الزُّيوت المتنجِّسة فضلاً عن النَّجسة إذا استصبح بها وصعدت إلى سقف البيت فإنَّها باقية على نجاستها على الأحوط وجوباً.

(مسألة 170) يطهر كل حيوان أو حشرة تكَّون من نجس أو متنجِّس، كالدود المتكِّون من العذرات والميتة والدَّم.

(مسألة 171) إذا تغذَّى حيوان مأكول اللحم على الأطعمة والأشربة النَّجسة أو المتنجِّسة فلحمه ولبنه وبوله وخرؤه محكوم بالطَّهارة، عدا الَّذي تغذَّى على عذرة الإنسان وما يلحق بها إحتياطاً، لأنَّه جلاَّل وهو نجس ولا يطهر إلاَّ باستبراءه بالمقدار المحدَّد له شرعاً كما سيأتي.

وكذا لو صار الطَّعام النَّجس أو المتنجِّس جزءاً من الأشجار والخضروات والنَّباتات والأثمار فهي محكومة بطهارتها.

الخَامِس: الاِنْقِلاَب

وهو التَّبدُّل في الحالات لا في الحقيقة ولها مصداق واحد، وهو انقلاب الخمر خلاًّ، سواء كان بنفسه أو بعلاج، ولكنَّ الأحوط وجوباً الاقتصار على ترك الخمر المراد انقلابه إلى خل لمدَّة أربعين يوماً ثمَّ استعماله لا أن يُلتزم بالخَليَّة بواسطة العلاج السَّريع على ما يتعارف عمليَّاً في هذا الزَّمان.

(مسألة 172) يشترط في الطَّهارة بالانقلاب عدم تنجُّس الخمرة بنجاسة خارجيَّة فلو وقع فيها - أو لاقاها - نجس من النَّجاسات ثمَّ انقلبت إلى خل لم تطهر بالانقلاب.

ص: 106

(مسألة 173) إذا أضيف إلى الطُّرشي شيء يسير من الدِّبس أو التَّمر لأجل أن يكون طعمه مزَّاً كما هو متعارف في بعض البلدان - كالنَّجف الأشرف - فلا ضير في استعماله بشرط أن لا يسبِّب ذلك تحوُّله إلى الخمرة من جديد، كما لو أريد استعماله للاستهلاك السَّريع ممَّا مرَّ ذكره على أن يحتفظ به في أماكن باردة ولمدة غير طويلة بحيث يخاف منها انتشار البكتريا في ذلك الطُّرشي مرَّة أخرى وتخميره وسيأتي تفصيل أخر عن ذلك في باب الأطعمة والأشربة بإذن الله تعالى.

السَّادِس: ذِهَابُ الثُّلَثَين

بناءاً على ما ذكرناه من نجاسة العصير العنبي إذا اشتدَّ في غليانه بالنَّار وأسكر فلا يطهر حينئذ، ولا يجوز

استعماله إلاَّ بعد ذهاب ثلثيه ويبقى الثُّلث الثَّالث طاهراً لا غير، وإن كان الأحوط استحباباً تجنُّب طهارته في حالة عدم اشتداد الغليان أيضاً، أمَّا الحرمة في الاستعمال فباقية سواء حصل الاشتداد أم لا، ولا ترتفع إلاَّ بعد ذهاب الثُّلثين إلى غير ذلك ممَّا مرَّ في مسألة 64 ص80.

السَّابِع: الاِنْتِقَال

وهو موجب لطهارة المنتقل إذا أضيف إلى المنتقل إليه وعُد جزءاً منه، كانتقال دم الإنسان وغيره ممَّا له

نفس إلى جوف ما لا نفس له كالبقِّ والقمَّل على ما وصفناه، وكانتقال فضلات الإنسان إلى النَّبات والشَّجر ونحوهما بالتَّسميد مثلاً.

(مسألة 174) يشترط في الإنتقال أن يكون على وجه لا يسند إلى المنتقل عنه بعد ذلك، وإلاَّ لم يطهر، كما مرَّ ذكره عن البق إذا وقع على جسد الشَّخص فقتله بعد مصِّدمه فوراً في أنَّ حكمه كدم العلق إحتياطاً ما لم يتعطَّل فترة.

ص: 107

الثَّامِن: الإِسْلاَم

فإنَّه مطهِّر للكافر بجميع أقسامه حتَّى المرتد الفطري على الأقوى من جهة قبول توبته باطناً وظاهراً وغير

المرتبطة بوجوب قتله، فحين بقاءه على قيد الحياة - كما لو كانت الحدود معطَّلة بسبب بعض الموانع الشَّرعية كعدم القدرة أو اقتضت المصلحة إبقاءه من قِبل الحاكم الشَّرعي حتَّى لو كان مبسوط اليد لحاجة الإسلام إليه في علمه ونحو ذلك أو انفلاته لشبهة وغيرها - تصح عباداته لو أسلم ويطهر بدنه، وأنَّ توبته لا علاقة لها بوجوب قتله على الغير سواء الآن أو بعد حين مع القدرة أو عدمها، كما أنَّه يجوز له ممانعة نفسه من قتله إذا لم يصدر في حقه القتل شرعاً وبالأخص ما إذا كانت الممانعة لشبهة حصلت له.

وأمَّا اعتداد زوجته منه - حال الارتداد - وانتقال أمواله إلى ورثته فيجوز له بعد التَّوبة إرجاع زوجته بعقد جديد حتَّى قبل خروج العدَّة، وأمَّا الأموال فيملكها بعد توبته مع عدم الحكم عليه.

وأمَّا المرتدَّة فهي أهون من الرَّجل لأنَّه لا قتل عليها، بل تحبس ويضيَّق عليها في المطعم والمشرب وتضرب أوقات الصَّلاة لأجلها حتَّى تتوب وتأدِّيها.

ويكفي في قبول توبة الكافر بأقسامه الإقرار بالشَّهادتين ولو من جهة ظاهريَّة فقط في بعض الحالات وكان لم يعلم مخالفة قلبه للسانه لقوله تعالى ]لاَ تَقُولُوا آمَنَّا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ[، لترحيب الإسلام العزيز بالمهتدين والمستغفرين من ذنوبهم - حتَّى عند خروج بعضهم من الإسلام ارتداداً كما قلنا إذا رحَّبوا بدعوته لهم انصياعاً إليه - ولو للاستفادة منه إبتداءاً إلى حين التَّعود على تعاليم الإسلام وأحكامه الَّتي قد يصل تطبيقها مستمرَّاً إلى حدوث الإيمان المطلوب في هذه الآية وغيرها.

فإن علم مخالفة قلبه للسانه وتجلَّى النِّفاق بوضوح كالخروج على الإمام - مثلاً - أو نصب العداء له أو الزَّندقة ضدَّه لكونه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يمثِّل النُّبوَّة والشَّريعة المقدَّسة فترجع النَّجاسة لا محالة إلى واقعها، ولأنَّها قد تفوق حالات الكفر في ترتيب أثر النَّجاسة على صاحبها ربطاً بواقعيَّته الخسيسة.

(مسألة 175) إذا أسلم الكافر تتبعه فضلاته المتَّصلة به من شعره وظفره وبصاقه

ص: 108

وفضلاته الطَّعاميَّة كالقيء لجواز مساورته، وكذا نخامته وقيحه ما عدا النَّجاسات العينيَّة الَّتي كان يستعملها أو هي في جسمه أو أكله وشربه الَّذي يمارسه أو أوانيه، إذ لابدَّ له من أن يطهِّر أشياءه منها عند قبولها للتَّطهير، وكذا جسمه ولو بالإلتزام بغسل التَّوبة المستحب والمشرع دينيَّاً لهذا وأمثاله.

التَّاسِع: التَّبَعيَّة

إذا أسلم الكافر تبعه ولْده في الطًّهارة أباً كان أو جدَّاً أو أمَّاً، فلو كان المسلم أحد الأبوين فإنَّه يتبع أشرفهما، فضلاً عمَّا لو كان كلاهما كذلك، بشرط عدم إظهار الطِّفل المميِّز الكفر.

كما أنَّ الطِّفل الأسير يتبع المسلم الَّذي أسَّره إذا لم يكن معه أحد آبائه وإن كان الأسير محسوباً من عبيد المأسِّر، لكن فيه إشكال، وهو أنَّه إذا عدَّ مسلماً حين تأسيره فلا يصح استملاكه حينذاك، ولذا فالأحوط اجتناب مساورته إلى حين بلوغه فلو أسلم كان من الطَّاهرين حينئذ، أمَّا لو كان معه أحد آبائه فإنَّه يتبعه كما هو.

(مسألة 176) يتبع الميِّت بعد طهارته بالتَّغسيل آلات تغسيله من السدَّة والخرقة الموضوعة عليه وثيابه الَّتي غُسِّل فيها ويد الغاسل إذا غمرتها مياه التَّغسيل مرَّة في الكثير ومرَّتين في القليل.

وأمَّا باقي بدن الغاسل وثيابه الَّتي لم تتَّصل بحالة التَّغسيل فإشكال، أحوطه عدم التَّبعيَّة بل الأولى الاحتياط فيما عدا يد الغاسل حسب.

العَاشِر: زَوَال عَيْنِ النَّجَاسَة

وتتحقق الطَّهارة بذلك في ثلاثة مواضع: -

الأوَّل: بواطن الإنسان، كباطن الأنف والأذن والعين ونحو ذلك، فإذا خرج الدَّم من داخل الفم أو أصابته نجاسة خارجيَّة فإنَّه يطهر زوال عينها، فملاقاة الطَّاهر للنَّجس في واقعه برطوبة إذا كانت في الباطن دون الظَّاهر لا توجب سراية النَّجاسة إلى الظَّاهر كملاقاة المذي للبول في الباطن حينما خرج المذي وحده.

(مسألة 177) إذا شكَّ في كون الشَّيء من الباطن أو الظاهر يحكم ببقائه على

ص: 109

النَّجاسة شرعاً وتورُّعاً بعد زوال العين فضلاً عن عدمه.

(مسألة 178) مطبق الشَّفتين من الباطن، وكذا مطبق الجفنين، فالمناط في الظَّاهر فيهما ما يظهر منهما بعد التَّطبيق الطَّبيعي.

الثَّاني: بدن الحيوان، فإذا أصابته نجاسة خارجيَّة أو داخليَّة كمنقار الدَّجاج إذا تلوَّث بالعذرة فإنَّه يطهر بزوال عينها، وهكذا الحشرات الطَّاهرة من باب أولى كالذُّباب ونحوه، لأنَّه ممَّا لا تظهر عليه آثار التَّلوُّث.

الثَّالث: مخرج الغائط فإنَّه يطهر بزوال عين النَّجاسة، ولا حاجة معه إلى الغُسل كما سيأتي في أحكام التَّخلِّي إذا لم يتجاوز المخرج، ولذا يكتفي بالاستجمار.

الحَادِي عَشَر: غَيْبَةُ المُسلِم

فإنَّها مطهِّرة للإنسان البالغ العاقل إذا حضر أمام مسلم آخر، وإن كان بحسب عقيدة الثَّاني أنَّه كان ملوَّثاً بنجاسة أو مباشراً لمتنجِّس برطوبة مسرية عن عمد أو غير عمد في حالة ما قبل الغيبة، بل مطهِّرة لثيابه وفرشه وأوانيه وغيرها من توابعها أيضاً ولكن بشروط: -

1 - علم المسلم الغائب بملاقاة بدنه - أو ثيابه أو غيرهما - للنَّجاسة كما مرَّ، فلو جهل ذلك فلا قرينة على احتمال التَّطهير من قبله.

2 - أن يكون صاحبه معتقداً بتنجُّس ذلك الشَّيء الَّذي فيه، كما إذا وصل إلى ثيابه عرق الجنب من الحرام، فإذا لم يعتقد بنجاسة ذلك العرق اجتهاداً أو تقليداً لا يحكم بها عنده فلا تنفع الغيبة لانتفاء موضوعها.

3 - استعماله فيما يشترط فيه الطَّهارة بعد إعتقاده بشرطيَّة ذلك فيما يستعمل فيه، فلو لم يعتقد بذلك فلا موضوع كذلك.

4 - أن يكون ممَّن يهتم بالطَّهارة والنَّجاسة، وإلاَّ كمن كان ضعيفاً في دينه فلا يهتم بهما فلا يمكن اعتبار طهارته.

5 - أن يكون تطهيره لذلك الشَّيء محتملاً، وأمَّا مع العلم بعدم التَّطهير فلا تكفي الغيبة فيه.

ص: 110

ومن تقييدنا الأمر بالمسلم - وأنَّه هو الَّذي قد يهتم بهذه الأمور ولو احتمالاً دون من لم يكن مسلماً - لابدَّ أن يفهم منه أنَّ غيبة الكافر غير مطهِّرة، فهي مبقية له على نجاسته بالنِّسبة إلى ما يتبعه، لأنَّ ذاته نجسة إحتياطاً كما لا يخفى ممَّا سبق ذكره.

(مسألة 179) يعتبر في حكم الغياب العمى والظُّلمة في الشَّخص الأخر إذا مضت على ذلك مدَّة بعد حصولهما يحتمل عادة فيها إمكان تطهير المتنجِّس مع العلم بسلامة دينه والتزامه.

الثَّاني عشر اِسْتِبْرَاء الحَيَوَان الجَلاَّل

وهو الحيوان المأكول اللحم الَّذي يعتاد في غذائه على أكل عذرة الإنسان - كما مرَّ - ولأجله يحرم أكله وينجس بوله وخرؤه، وكذا أكل الجيف على الأحوط - كما مضى - ولا يطهر إلاَّ باستبراءه بما يخرجه عن اسم الجلل.

ومعنى الإستبراء هو منع الحيوان عن أكل العذرات وتغذيته بالعلف الطَّاهر مدَّة عيَّنها الشَّارع المقدَّس وهي في: -

الواحد من الإبل أربعين يوماً، وفي البقر عشرين يوماً والأحوط ثلاثين، وفي الغنم عشرة أيَّام، وفي البط خمسة أيَّام والأحوط سبعة، وفي الدَّجاج ثلاثة أيَّام.

ص: 111

المَقْصَدُ الثَّالِث في الطَّهَارَة المَائيَّة والتُّرَابِيَّة

بعد الفراغ من الأمور العامَّة للطَّهارة - وموجباتها للفقه نوعاً وللعبادات المشروطة بها بصورة أخص وبيان المطهِّرات بصورة مجملة - ناسب - أوَّلاً - أن نذكر ما يتعلَّق بالأمور الخاصَّة القريبة لحاجة المكلَّف الماسَّة لمبحثي الطَّهارة المائيَّة والتُّرابيَّة، ثمَّ بعد ذلك نتعرض إلى ما يناط بالأمور العامَّة حول ذلك.

فنقول: إنَّ هاتين الطَّهارتين (المائيَّة والتُّرابيَّة) تجبان لأمرين هما الخبث والحدث في موارد وجوبهما ومستحبَّان في موارد استحبابهما.

أمَّا الخبث فهو النَّجاسات الطَّارئة على الجسم من بدن الإنسان وغيره كما مرَّ، إذا تلوث بها بدنه وتلحق به ثيابه وكل ما يرتبط بهما من الأشياء المرتبطة بهما عادة مثل الأواني وغيرها، ولا يرتفع ذلك إلاَّ بغَسله بالماء وحده في مقاماته أو مع غيره من المطهِّرات الماضية في بعض الأحوال كالتَّعفير أو الإستجمار إن كان الماء غير موجود في بعض الأحوال ونحوه كما سيأتي تفصيله.

وأمَّا الحدث، فهو القذارة المعنويَّة الَّتي توجد في الإنسان فقط بأحد أسبابها وهو قسمان: -

أصغر وأكبر، والأصغر يوجب الوضوء بالماء وقد يوجب الغُسل إلحاقاً كما في الإستحاضة كما سيجيء، والأكبر يوجب الغُسل فقط بالماء، ومع فقد الماء في الحدثين يجب التَّيمُّم بالتُّراب بدلاً عن الماء على تفصيل آتٍ في محلِّه.

ص: 112

المَبْحَثُ الأَوَّل في الطَّهَارَة المَائيَّة

بما أنَّ الماء هو العمدة في كثير من الأمور ومفضَّل في الإزالة والتَّطهير أقوى من غيره كما سبق ذكره وأوَّل المطهِّرات ناسب ذكر شيء عنه وما له من أقسام، ومن خلال بيانها يظهر ما يصلح منها للتَّطهير ممَّا لا يصلح، ثمَّ إنَّ بيان الطَّهارة المائيَّة يقع في فصول وهي: -

الفَصْلُ الأَوَّل أَقْسَامُ المِيَاه وَأَحْكَامُهَا

الماء قسمان: إمَّا مطلق أو مضاف.

والمضاف ما لا يصحُّ إطلاق لفظ الماء عليه بلا إضافة شيء إليه كالمعتصر من الأجسام مثل ماء الرَّقِّي والرُّمَّان والممتزج بغيره بشكل يخرجه عن صدق اسم الماء عليه كماء السُّكَّر والملح ولو ظاهراً وماء المرق ولو بشكل أعمق، والمصعَّد مع شيء يخرجه عن إطلاقه الطَّبيعي كماء الورد.

والمطلق عكس ذلك وهو ما يصح استعمال لفظ الماء فيه بلا إضافة منه إلى شيء آخر.

وما يستعمل في أقسام المطلق - الأتي ذكرها - من الإضافات اللَّفظيَّة - كقولنا ماء الجاري ونحوه من المياه المطلقة - فهو للتَّعيين لا لتصحيح استعماله.

(مسألة 180) المطلق أو المضاف النَّجس أو المتنجِّس كالبول والخمر والميتة يطهر بالتَّصعيد، لأنَّه استحالة إلى البخار ثمَّ إلى الماء حسب الدَّرجة الحراريَّة المجرِّدة للشَّيء النَّجس أو المتنجِّس عن أصول موادِّه الأخرى، ما لم يكن واصلاً عرقه إلى حدِّ عرقيَّة الخمريَّة والمسكريَّة، وعينيَّة الأعيان المتنجِّسة الأخرى كالمضاف المتنجِّس، حسب الدَّرجة الحراريَّة القصوى المبقية للمواد النَّجسة والمتنجِّسة على حالها.

ص: 113

القسم الأوَّل الماء المطلق

(مسألة 181) الماء المطلق - بجميع أقسامه المتقدِّمة وغيرها كالجاري والرَّاكد والقليل والكثير - يتنجَّس فيما إذا تغيَّر - بسبب ملاقاة النَّجاسة - بأحد أوصافها الثَّلاثة من اللَّون والطَّعم والرَّائحة ولو بشيء جزئي.

وكذلك يتنجَّس بملاقاة المتنجِّس المتأثر بأوصاف النَّجاسة الثَّلاثة، بل حتَّى بغير المتأثِّر إذا كان الماء قليلاً لتأثّره بمجرَّد الملاقاة من النَّاحية الحكميَّة - كما سيأتي -.

ولا ينجس فيما إذا تغيَّر بسبب المجاورة في قليله وكثيره كما إذا كان قريباً من جيفة فصار ذا رائحة كريهة ولو كانت بقوَّة.

(مسألة 182) لا يتنجَّس الماء بخصوص أوصاف المتنجِّس الأصليَّة إذا تغايرت مع أوصاف النَّجاسة العالقة بها إذا كان الماء كثيراً كالكر فما فوق، بل بأوصاف النَّجاسة، وإن كان لا يصح التَّطهير به لناحية ذلك التَّغيُّر، كما إذا وقع متنجِّس كان لونه الطَّبيعي أحمر مثل الدَّواء أو الحبر الأحمرين وكانت النَّجاسة الواقعة فيه غريبة عنه كالبول، فإنَّ ذلك الماء باق على طهارته لعدم تأثُّره بأوصاف النَّجاسة نفسها، إلاَّ ما إذا كان قليلاً في نسبته كالأقل من الكر فإنَّه يتأثَّر كما مرَّ.

(مسألة 183) المناط في التَّغير بالنَّجاسة هو حصوله بسببها - كما مرَّ - وإن كان التَّغير من غير سنخ أوصاف النَّجس تماماً، فيكفي في نجاسة الماء بوقوع الدَّم الأحمر فيه اصفراره.

(مسألة 184) إذا تغيَّر الماء بما عدا الأوصاف المذكورة في النَّجس، كالحرارة والبرودة والخفَّة والثِّقل والغلظة والرقَّة ونحوها، فلا يؤثِّر فيه نجاسة ما لم يتحوَّل إلى كونه مضافاً فيتأثَّر لذلك إن وقعت النَّجاسة فيه، وإن لم تقع فيه وحصلت الإضافة فقط فهو طاهر ولكنَّه لم يكن مطهِّراً.

(مسألة 185) لو وقع مقدار من النَّجاسة على ماء ولم يتغيَّر لونه ولا طعمه ولا رائحته، فإن كان عدم التَّغيُّر مستنداً إلى سبب في عين النَّجاسة كما لو كانت فاقدة لتلك الأوصاف كشعر الميتة أو عظمها فحينئذ لا مقتضي لنجاسة الماء إذا كان كثيراً، وكذا لو كان

ص: 114

عدم تغيُّره مستنداً إلى أمر خارجي لا إلى عين النَّجاسة كالبرودة أو الخفَّة ونحوها.

وأمَّا إذا كان عدم التَّغيُّر غير مستند إلى سبب في عين النَّجاسة ولا إلى سبب خارجي، بل إلى سبب في الماء ككونه أحمر اللون - بسبب وقوع كميِّة من الصُّبغ الأحمر فيه - ووقع فيه دم فحينئذ يتنجس الماء - على الأحوط - على احتمال كونه متغيِّراً بأحد أوصاف النَّجس واقعاً وكان اللون الأحمر مانعاً من ظهوره في الخارج، بل هو الأقوى حتَّى إذا كانت قطرة منه قد وردت على الماء بعد إضافته بالصُّبغ، أمَّا ورودها قبلها وكان كثيراً فهو باق على طهارته لعدم تأثير القطرة في الكثير عادة، الاَّ أنَّه لا يُطهِّر لإضافته.

(مسألة 186) لا يخرج المطلق عن إطلاقه بالتَّصعيد، لأنَّه يبدأ بخاراً وهو ما يسمَّى بعده بالماء المقطَّر، إلاَّ إذا صاحبه ما يخرجه عن إطلاقه - على الأحوط - كالأوراد الَّتي تضم إليه الرَّوائح الغريبة المنعشة، بحيث تخرجه عن طبيعة القراحيَّة، فإنَّ لم يكن كذلك فهو طبيعي في طهارته ومطهِّريَّته.

المِيَاه الَّتي لهَا مَادَّة

(مسألة 187) ينقسم الماء المطلق إلى ما له مادَّة، وإلى ما ليس له مادَّة.

والثَّاني ينقسم إلى كثير كالكر فما فوق، وقليل كماء الإبريق وستأتي أحكامهما.

والأوَّل ينقسم إلى ثلاثة أقسام وهي:

الأوَّل: الجاري.

وهو السَّائل دائماً أو غالباً فوق الأرض كالأنهار أو تحتها كالقنوات، وكذا المنحدر من الجبال النَّاشئ جريانه من ذوبان الثُّلوج الكثيرة شيئاً فشيئاً.

ويسمَّى أيضاً - كل هذا وأمثاله كالمطر والبئر والكر - بالماء المعتصم، لاعتصامه عن النَّجاسة بمجرَّد وقوعها فيه أو ملاقاتها له.

فلا ينجس الجاري وما بحكمه بمجرد ملاقاة النَّجس - فضلاً عن المتنجِّس كثيراً كان أو قليلاً - بل إنَّما ينجس بالتَّغير كما مرَّ، ويلحق به النَّابع الواقف كبعض العيون المتَّصلة بما

ص: 115

تحت الأرض من مخزونها الإلهي بحيث لو أخذ من ذلك الواقف شيء لنبع مكانه ما يعيد الواقف إلى نسبته في حوضه وهو الَّذي يشبه حالة البئر، بل حتَّى الصِّناعي إذا أدَّى نفس المؤدَّى وله نفس المنبع، لكنَّ الأحوط في عصمة النَّابع الواقف كونه بكثرة لا بقلَّة على احتمال ضعف النَّبع في بعض الأحيان كما سيأتي.

(مسألة 188) الرَّاكد المتَّصل بالجاري حكمه حكم الجاري، فالغدير المتَّصل بالنَّهر - بواسطة ساقية - كالنَّهر في حكمه، وكذا أطراف النَّهر، وإن كان ماؤها واقفاً بسبب انحصارها في زواياه وحفائره الجانبيَّة مع بقاء الاتِّصال.

(مسألة 189) الرَّاكد المتَّصل بواسطة النَّاعور أو بالوسائل الحديثة ك- (الماطور) بذي المادَّة في حالة استمراره حكمه حكم الجاري المعتصم وإن كان اتِّصاله من الأسفل إلى الأعلى.

(مسألة 190) لا يعتبر في الجاري النَّابع عن المادَّة الدَّفع والفوران، بل يكفي أن يكون على نحو الرَّشح الطَّبيعي، وكذلك الحال في النَّابع الواقف.

(مسألة 191) يعتبر في اعتصام الجاري النَّابع أن يتَّصل بمادَّته، فلو انفصل منها اندرج في الماء القليل، فالعيون في غير الجاري الَّتي تنبع في وقت وتنقطع في وقت آخر تلحق بالجاري حين نبعها فقط لا حين عدمه إلاَّ أن يعتصم بالكثرة.

(مسألة 192) لا يعتبر في المادَّة دوام النَّبع والجريان بالفعل، بل يكفي كونها بحيث لو أُخذ منها مقدارٌ من الماء لنبعَ وجرى بذلك المقدار كما في البئر ولكن هذا يحتاج إحتياطاً لأن يكون موجوده الأساسي كثيراً لا قليلاً كي يتم اعتصامه.

(مسألة 193) المياه المعتصمة - كالجاري والبئر ونحوهما - مطهَّرة للمياه المتنجِّسة بالاتِّصال بها، من دون فرق بين أنحاء الاتِّصالات، ككون المعتصم محاذياً للمتنجِّس بمباشرة - كما في كيفيَّة الأواني المستطرقة - أو كونه أعلى منه فينزل عليه، أو كون الاتِّصال على نحو الامتزاج،أو بمجرَّد الاتِّصال ولو بأن يكون المعتصم في الأسفل والمتنجِّس في خزَّان فوقي ويسحب من الأرض إلى ما فوق بواسطة (الماطور) مستمرَّاً ومأثِّراً.

أمَّا في صورة ما إذا كان المعتصم في الأسفل كذلك والمتنجِّس في الأعلى أيضاً

ص: 116

وينسكب ماؤه على المعتصم، ويودع هذا الاتِّصال بالمعتصم طهارة في ذلك المتنجِّس الباقي الَّذي لم ينزل بعد فهو غير معقول حتماً.

(مسألة 194) الأنابيب (الحنفيَّات) المتعارف وضعها في الدور حكمها حكم الجاري إن كان ماءها مستمَّداً من الجاري المستحدث (الإسالة) أو الخزانات الكبيرة الَّتي مقدار ماءها كر أو أكثر من الكر - الأتي بيانه - والَّتي يتعارف وضعها في أعالي الدور والمواقع المرتفعة للاستفادة منها حين انقطاع ماء الإسالة مثلاً.

وبهذا يظهر حكم (الدُّوش) المتداول استخدامه في العصر الحاضر في الحمَّامات المستمد ماءه من الجاري - وما بحكمه - فإنَّ الماء النَّازل منه - بقطرات قوية متلاحقة - على البدن المتنجِّس ماء معتصم، وإلاَّ - كما إذا انقطع اتِّصاله أو كانت القطرات غير متلاحقة - فهو في حكم الماء القليل وكالمطر القليل في قطراته.

(مسألة 195) الأحواض الصِّغار المتعارف وضعها في الحمَّامات إذا كانت مستمدِّة في مياهها من الحنفيَّات المتَّصلة بالجاري أو بالخزَّانات ذات الكريَّة كان ماءها معتصماً ولا ينفعل بملاقاة النَّجاسة وما دامت الخزَّانات في الأخير باقية على كميَّاتها لاحتوائها على الماء الأكثر من الكر.

(مسألة 196) الإناء المملوء من الماء المتنجِّس إذا وضع تحت الحنفيَّة المفتوحة أو أغمس في الحوض يطهر ولا يحتاج إلى سكب مائه وغسله ما لم يتغير بأوصاف النَّجاسة.

(مسألة 197) إذا تغيَّر بعض الجاري دون بعضه الآخر فإن كان هذا التَّغيُّر في تمام قطر (عرض وعمق) ذلك البعض حكم للطَّرف المتَّصل بالمادَّة ممَّا عدا المتغير بعدم تنجُّسه بالملاقاة وإن كان قليلاً لكونه ذا مادة، والطرف الآخر حكمه حكم الرَّاكد سواء من حيث كثرته أو قلَّته كما سيأتي.

وأمَّا إذا كان التَّغيُّر في بعض من عرض وعمق ذلك فيحكم بنجاسة ذلك المقدار المتغيِّر فقط وقوَّة اعتصام الباقي بأجمعه.

(مسألة 198) إذا شكَّ في الجاري - وما بحكمه - في أنَّه متِّصل بمادَّة أم لا لقلَّته - مثلاً -

ص: 117

فحينئذ يستصحب الحالة السَّابقة له، فإن كان مسبوقاً بالاتِّصال بالمادَّة حكم بعدم التَّنجُّس بالملاقاة، وإن كان مسبوقاً بالانقطاع حكم بتنجُّسه وعدم الاتِّصال.

وإن كان له حالتان متضادَّتان من الاتِّصال بالمادَّة في زمان والانقطاع عنها في زمان آخر مع اشتباه المتقدِّم منهما بالمتأخِّر حكم بطهارته ولو ظاهراً.

أمَّا إذا لم يحرز حالته السَّابقة من اتِّصال أو انقطاع حكم بانفعاله بالملاقاة وعدم الاتِّصال على الأحوط وجوباً للزوم الإحراز.

الثَّاني: المطر حين نزوله من السَّماء.

كثيراً كان أم قليلاً، بشرط أن يصدق عليه المطر عرفاً، لا مثل القطرات الطَّفيفة، فلا ينجس إلاَّ إذا تغيَّر بأحد أوصاف النَّجاسة - كما مرَّ -، سواء جرى في الميزاب من على السَّطح أو على وجه الأرض أم لا.

(مسألة 199) يطهِّر المطر كل المتنجِّسات القابلة للتَّطهير بالماء من الماء والأرض والفراش والأواني، أمَّا إذا توقَّف تطهيره على غير الماء كالاستحالة والإسلام والتُّراب وغيرها فلا ينفعه حينئذ المطر، فإذا كانت الآنية متنجِّسة بولوغ الكلب فلا تطهر بدون التَّعفير أوَّلاً بالتُّراب ثمَّ بالماء تحت ذلك المطر المستمر وإن لم يتعدَّد كما مضى وكما سيتَّضح.

(مسألة 200) الأواني المتنجِّسة كبيرة كانت أم صغيرة كالقدور والحباب تطهر باستيلاء ماء المطر عليها وعلى ظهورها وجوانبها كل بحسبه، وكذا لو كانت الأواني محتوية على ماء متنجِّس فتطهر نفس الأواني وظهورها وجوانبها بمجرد تساقط ماء المطر عليها، ولا يتوقَّف على استيعاب المطر لتمام سطح الإناء، وإن كان هو الأحوط.

(مسألة 201) تطهر الأراضي المتنجِّسة ونحوها بتساقط المطر عليها، سواء كان تساقطه مستقيماً - كالحوض المتنجِّس الواقع تحت السَّماء - أو منحنياً بشرط أن يكون وصوله إلى المتنجِّس باتِّصال ولو كان بإعانة الرِّيح ، بخلاف ما إذا أطارت الرَّيح القطرات المتساقطة وفصلتها عن المطر وأدخلته مكاناً مسقَّفاً وأصابت الموقع المتنجِّس فلا يطهر حينئذ.

(مسألة 202) إذا استوعب ماء المطر جميع أجزاء الفراش بحيث نفذ مع النَّجاسة إلى

ص: 118

الخارج فلا يحتاج إلى العصر والتَّعدُّد. بل حتَّى الأواني لا تحتاج أيضاً إلى التَّعدُّد.

(مسألة 203) الفراش المتنجِّس إذا وصل المطر إلى بعضه يطهر ذلك البعض دون الباقي وإذا أصاب ظاهره ولم يصب باطنه أو ينفذ فيه فيطهر ظاهره فقط ما لم يتأثَّر ذلك الظَّاهر برطوبة الباطن المتنجِّسة السَّارية بالنَّداوة مثلاً بانعكاس.

(مسألة 204) لو نزل المطر على جسم كأوراق الأشجار وتقاطر منها على ما تحتها من الأرض المتنجِّسة أو الماء المتنجِّس كان مطهِّراً لما أصابه حين نزول المطر لا ما نزل بعدانقطاعه كما أشرنا.

(مسألة 205) لو نزل المطر على سقف ثمَّ تقاطر منه على أرض متنجِّسة أو ماء متنجِّس، فإن كان التَّقاطر حال نزول المطر عليه حكم بتطهيره لذلك، وإلاَّ فلا يكون التَّقاطر من ذلك السَّقف مطهِّراً.

(مسألة 206) ماء المطر إذا تقاطر على عين النَّجس ثمَّ ترشَّح منه ووقع على شيء طاهر فإذا لم يكن حاملاً لعين النَّجس ولم يكن متغيِّراً لونه أو طعمه أو رائحته فهو طاهر باستمرار نزوله وإلاَّ فهو نجس وينجس معه ما وقع عليه.

(مسألة 207) ماء المطر إذا تقاطر على التُّراب المتنجِّس وجعله طيناً أو وحلاً يصبح طاهراً، ولكن الأحوط أن يكون ذلك الماء غير قليل.

الثَّالث: البئر.

البئر هو المحل المنخفض من الأرض بحيث له مادَّة مائيَّة مترشِّحة أو نابعة منها باستمرار بمعنى أنَّه كلَّما أخذ منه مقدار خرج مكانه مقدار مثله عادة كما مضى ذكره فهو كالجاري في اعتصامه عن التَّنجُّس إلاَّ بالتَّغيُّر سواء كان قليلاً أم كثيراً مع الاحتياط بترجيح الكثرة حتَّى في حال عدم التَّغيُّر.

وأمَّا في حالة وقوع النَّجاسة وعدم تغيُّره أو تغيَّر بها ثمَّ زال عنه التَّغيُّر من قِبل نفسه حكم بطهارته ولكن مع كثرته على الأحوط من دون حاجة إلى إلقاء كر عليه لاتَّصاله بمادَّته المذكورة سابقاً، إلاَّ أنَّه يستحب النَّزح بما قدِّر لها في بعض الرِّوايات وهي المذكورة في كتبنا الموسَّعة.

ص: 119

بل قد يجب في حالات أخرى، ومنها ما لو تغيَّر ماؤها جميعاً أو غالباً وما بقي إلاَّ القليل ولم يذهب التَّغيُّر الَّذي كان بالأوصاف الثَّلاثة كنزح الكل فيما لا نصَّ فيه ولا شهرة معتبرة عليه أو المقدر الوارد في النُّصوص أو الشهرة المعتبرة.

وهذا ما يتعلَّق بالآبار التَّقليديَّة ولكنَّها نادرة في هذا الزَّمان فتقلُّ الفائدة في التَّوسع فيها ونوكلها إلى الموسَّعات.

وأمَّا الارتوازيَّة المتعارفة اليوم فلم يصبها ما يصيب النَّادرة القديمة عادة فلابدَّ من إغلاق الكلام عنها من جهة أولى.

(مسألة 208) إذا لم يكن للبئر مادَّة واجتمعت فيها مياه الأمطار ونحوها فهو راكد ينفعل بملاقاة النَّجاسة، إلاَّ أن يكون بقدر الكر.

المِيَاهُ الَّتي لَيْسَتَ لَهَا مَادَّة

وهي قسمان: -

الأوَّل: الكر.

وهو مقدَّر محدود بمقدار خاص من قِبل الشَّارع المقدَّس ليستفاد منه في مجالاته.

(مسألة 209)

الرَّاكد إذا بلغ كرَّاً أو أكثر لا ينجس بالملاقاة فقط، بل ينجس بتغيُّره بأوصاف النَّجاسة كالجاري، وإذا تغيَّر بعضه فإن كان الباقي بمقدار الكر فإنَّه يبقى غير المتغيِّر على طهارته، ويطهر المتغيِّر إذا زال تغيُّره لأجل اتِّصاله بذلك الباقي المقدَّر بالكر كما مرَّ فيالجاري، وإذا كان الباقي دون الكر يتنجَّس الجميع، وهما المقدار المتغيِّر والباقي المتأثِّر بالملاقاة.

(مسألة 210) الكر بحسب الوزن الشَّرعي ألف ومائتا رطل بالعراقي القديم، والرَّطل يساوي مائة وثلاثين درهماً شرعيَّاً، والدِّرهم يساوي سُبعَ المثقال الشَّرعي، فكل عشرة دراهم تساوي سبعة مثاقيل شرعيَّة، والمثقال الشَّرعي يساوي ثلاثة أرباع الصَّيرفي، فالرَّطل يساوي بالمثقال الشَّرعي واحداً وستِّين مثقالاً، وبالصَّيرفي ثمانية وستِّين مثقالاً ورُبع

ص: 120

المثقال، وعليه يكون مجموع الكر بالمثقال الشَّرعي مائة وتسعة آلاف ومائتي مثقالاً، وبالصَّيرفي واحداً وثمانين ألفاً وتسعمائة مثقالاً.

والدِّرهم القديم بحسب الوزن الوافي - في زماننا - بالغرام يساوي 2,98 غراماً حسب ما هو موجود في بعض المتاحف الأجنبيَّة والدَّاخليَّة، فيكون مجموع الكر ما يساوي 880, 464 كغم على الأحوط، وهو الحاصل من ضرب ألف ومائتي رطل في مقدار الرطل من الدَّراهم وهو المائة والثلاثون درهماً من مقدار الدِّرهم من الغرام.

(مسألة 211) مقدار الكر بحسب الأشبار المعتدلة ما مكعَّبه (الطول في العرض في العمق) ثلاثة أشبار ونصف على الأحوط، فيكون المجموع ثلاثة وأربعون شبراً إلاَّ ثمن الشِّبر.

(مسألة 212) إذا قلَّ مقدار الكر عن هذا التَّقدير ولو برُبع المثقال فهو قليل ينجس بملاقاة النَّجس والمتنجِّس إحتياطاً.

(مسألة 213) تثبت كريَّة الماء إضافة إلى ما مضى بطرق ثلاثة: -

1- أن يتيقَّن الإنسان بالكريَّة.

2- شهادة العَدلَين.

3- حصول الاطمئنان من قول ذي اليد كصاحب الحمَّام السوقي أو صاحب الدَّار.

(مسألة 214) إذا جمد الماء الكثير كالكر خرج عن اعتصامه فيتنجَّس بالملاقاة في كل جهة من جهاته، فلو جمد بعض الحوض وإصابته نجاسة وكان المقدار الباقي أقل من الكر تنجَّس بالملاقاة، ما دام ذلك الإنجماد موجوداً، بل إذا ذاب تدريجاً ينجس أيضاً على الوتيرة المذكورة حتَّى لو كان الجميع كرَّاً على الأحوط فضلاً عن الأقل.

(مسألة 215) إذا كان الماء بقدر كر ثمَّ شككنا في نقصانه أثناء الاستعمال، فإن كانت هناك أمارات دالَّة على نقصانه ولو ضعيفة جدَّاً بسبب كثرة الاستعمال فالأحوط البناء على ذلك النُّقصان ولو احتمالاً للكثرة الاعتياديَّة، فينفعل بالملاقاة وحدها فضلاً عن التغيُّر.

وإن لم تكن تلك الاحتمالات موجودة وبما لا دليل على ذلك النُّقصان أبداً بعد

ص: 121

إحراز تلك الكريَّة سابقاً فهو طاهر ومطهِّر.

أمَّا إذا فرض كون الخزَّان يكفي للأكثر من الكر وكان ماؤه فعلاً كذلك ثمَّ حصل ذلك الشَّك بين النُّقصان وبين مساواة الكر على الأقلِّ بعد ذلك الاستعمال فلا مانع فيه من البناء على بقاء الكريَّة وهو كذلك وعلى القاعدة، وأمَّا مع فرض كون الماء سابقاً أقل من الكر ثمَّ شككنا في بلوغه كرَّاً وكان الخزَّان قد يساعد على ذلك البلوغ، لاحتمال صعود ماء الإسالة إليه كالمألوف فهو كالماء القليل لوجوب إحرازه كرَّاً على الأقل لا للاحتمال.

(مسألة 216) لو طرأ على الماء - المسبوق بالكريَّة - حالتان إحداهما القلَّة وثانيتهما الملاقاة للنجاسة وشكَّ في المتقدِّم والمتأخِّر منهما حكم ببقاء أثر الكريَّة وهو طهارة الماء وعدم انفعاله بالملاقاة لاحتمال كونها أثناء الكريَّة، سواء علم تأريخ الملاقاة دون القلَّة، أو علم تأريخالقلَّة دون الملاقاة، أم لم يعلم تأريخهما معاً إلاَّ إذا كانت الملاقاة قد سبَّبت تغيُّراً أو بقي إلى حين طرؤ الاثنين.

أمَّا لو طرأ على الماء - المسبوق بالقلَّة - حالتان إحداهما الكريَّة وثانيتهما الملاقاة واشتبه السَّابق منهما عن اللاحق فيحكم - على الأحوط - ببقاء القلَّة وانفعاله بالملاقاة في الصور المتقدِّمة كلِّها.

(مسألة 217) لو شوهدت نجاسة في كر كامل مسبوق بالقلَّة وشكَّ في وقوعها فيه قبل الكريَّة أم بعدها ؟ حكم ببقاء الكريَّة وطهارة الماء.

(مسألة 218) إذا حدثت الكريَّة والملاقاة في آن واحد فالأحوط فيه الاجتناب لوجوب إحراز حالة الاعتصام في تلك الحال.

(مسألة 219) الماء القليل المتنجِّس لا ينفع في تطهيره إتمامه كراً، بل يبقى على نجاسته سواء أتمَّه بالطَّاهر أو بالمتنجِّس، بل الَّذي يطهره إلقاء كر كامل طاهر عليه.

الثَّاني: الماء القليل.

الرَّاكد بلا مادَّة إذا كان أقل من الكر يتنجَّس بملاقاة النَّجس والمتنجِّس، سواء كان وارداً على النَّجاسة كنزوله في الحفيرة المتنجِّسة أو كانت النَّجاسة واردة فيها.

ص: 122

ويطهر بالاتِّصال بالماء المعتصم كالجاري والكر الماضي في تقديره، وماء المطر حال نزوله ولو لم يحصل الامتزاج سريعاً على الأقوى إذا فرض عدم وجود تغيُّر بيِّن يختلف عن أوصاف الماء.

وأمَّا في حالة فرض وجود تغيُّر بأوصاف غريبة عن أوصافه، فلابدَّ من التَّفاعل بمدَّة حتَّى يحصل الامتزاج ويظهر التَّأثير بغلبة الماء الكثير عليه حتَّى يطهر ولو بإلقاء ماء أكثر ممَّا ألقي سابقاً.

(مسألة 220) سطوح الماء القليل إذا اختلفت في حجمها ينجس العالي منها بملاقاة السَّافل كالعكس بحيث كان مجموع ما في جميعها أقل من الكر مع امتلائها، كما إذا كان هناك ماء متجمِّع في حفر متعدِّدة متلاصقة فيما بينها ومختلفة في أحجامها.

القِسْمُ الثَّاني المَاءُ المُضَاف

(مسألة 221) الماء المضاف طاهر في نفسه إذا لم يتنجَّس بنجس أو متنجِّس، ولكنَّه غير مطهِّر لغيره لا من الحدث ولا من الخبث، وإن أجاز بعض القدامى وغيرهم ذلك في ماء الورد، كما أنَّه لو لاقى نجساً أو متنجِّساً ينجس جميعه حتَّى لو كان قدر كر وكان النَّجس أو المتنجِّس قدر أنملة.

نعم إذا كان جارياً من العالي إلى الدَّاني ولاقى أسفله النَّجاسة أو ما بحكمها فإنَّ النَّجاسة تختص بموضع الملاقاة فقط ولا تسري إلى ما فوق ومنه العمود، كما يفعله باعة العصير (الشَّربت) من صبِّ تلك السَّوائل من فوَّهات مخازنها الطَّاهرة في بعض الكؤوس المتنجِّسة مثلاً وقد مرَّ ما يشبه هذا.

(مسألة 222) الماء المضاف إذا صُعِّد وصدق عليه عنوان المضاف بعد ذلك كذلك وجداناً جرى عليه حكمه كما ذكرنا ذلك في المصعَّد المسكر حسب الدَّرجة الحراريَّة.

(مسألة 223) إذا شكَّ في مائع أنَّه مطلق أو مضاف فإن كان قليلاً فلا أثر فيه للإطلاق والإضافة، لأنَّه ينفعل بملاقاة النَّجس أو المتنجِّس، وإن كان كثيراً بمقدار الكر فإن لم يكن لهحالة سابقة أصلاً أو كانت له حالة لكن لا يعلم السَّابق من اللاحق فيما بين

ص: 123

الإطلاق والإضافة فالأحوط حينئذ الحكم بانفعاله بملاقاة النَّجس أو المتنجِّس كذلك لوجوب إحراز ما يساعد على حكم عدم الانفعال.

أمَّا لو كان فيه حالتان سابقتان متضادَّتان بأن يكون في وقت مطلقاً وفي آخر مضافاً من دون تعيُّن الأسبق منهما فيبنى على طهارة الماء في نفسه فقط من دون أن يكون مطهِّراً للحدث أو الخبث لوجوب إحراز الإطلاق في هذه الحالة.

(مسألة 224) إذا انحصر الماء في المضاف لاختلاطه بالطِّين من دون إمكان صفاءه، فعند ضيق وقت الصَّلاة يتيمَّم لها، لصدق أنَّه فاقد للماء، ومع سعة الوقت فالأحوط الانتظار إلى أن يصفو الماء ليتوضأ به حتَّى لو كان كماء النَّهر وإن لم يصف تماماً مثل ماء الإسالة.

تَتِمَّةٌ في أَسْئَارِ الحَيوَانَات

(مسألة 225) أسئار الحيوانات (فضلات الطَّعام أو الشَّراب) كلُّها طاهرة، عدا نجس العين (الكلب والخنزير والكافر بأنواعه وما يلحق به) والجلاَّل على الأحوط، نعم يكره سؤر الحيوان غير مأكول اللحم، بل وكذا يكره سؤر مكروه اللحم وإن كان مأكولاً في أساسه لاستغلاله على الأكثر في الرُّكوب وحمل السِّلع، بل وكذا يكره سؤر مكروه اللحم كالخيل والبغال والحمير وإن أُلف أكلها في بعض الأوساط، وكذا سؤر الحائض غير المأمونة، بل مطلق غير المأمون عدا ما استثني في الرِّوايات وهو الهرَّة والمؤمن ففي بعضها أنَّ ((سؤر المؤمن شفاء من سبعين داء)).

الفَصْلُ الثَّاني المَاءُ المُسْتَعْمَل

(مسألة 226) الماء المستعمل في رفع الحدث الأصغر - كما في الوضوء الواجب لغيره بالأصالة كالواجب للفريضة وإن رجح في نفسه استحباباً - طاهر ومطهِّر، فيصح الغسل والوضوء به ثانياً، وكذا إذا لم يكن رافعاً بل كان مبيحاً - كما اخترناه - كالمستعمل في الغسل أو الوضوء المندوب أو كان واجباً لعارض كالنَّذر

ص: 124

وشبهه من العهد واليمين، فيجوز استعماله لرفع الحدث (الأكبر والأصغر) وفي الخبث كذلك حتَّى في مرَّات ما لم يتأثَّر بالنَّجاسة.

(مسألة 227) الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر - وكان البدن طاهراً - يرتفع به الخبث، وأمَّا رفع الحدث به فالأحوط اجتنابه إذا تمكَّن من ماء آخر، وإلاَّ - كمن احتاج إلى إكمال رفع الحدث بنفس القطرات الَّتي تسقط من غسله أو وضوءه - فعليه الجمع بين الغسل أو الوضوء به والتيمُّم.

(مسألة 228) الأحوط وجوباً - إن لم يكن أقوى - الاجتناب عن الماء المستعمل في رفع الخبث المسمَّى بالغسالة وماء الاستنجاء والَّذي تتبعه طهارة المحل، إذا لم يحرز فيه عدم التَّلوث والطَّهارة المشروطين في صحَّة التَّطهير كما مرَّ الكلام عليه.

الفَصْلُ الثَّالِث المَاءُ المُشْتَبَه

(مسألة 229) الماء المعلوم نجاسته سابقاً مع الشَّك في الطَّهارة نجس، وأمَّا الماء المعلوم طهارته سابقاً، والمشكَّوك في طهارته ونجاسته بنحو التَّردُّد الكامل فعلاً فهو طاهر - كما مرَّ -.

(مسألة 230) لو علم - ولو إجمالاً - بنجاسة أحد الإناءين وطهارة الآخر فلا يجوز له استعمالهما في رفع الخبث أو الحدث بكلا قسميه، ويحكم لملاقيه بحسب حالته السَّابقة فإن كانت النَّجاسة تنجَّس وإلاَّ فهو طاهر.

(مسألة 231) إذا اشتبه المطلق بالمضاف كماء قراح بماء ورد وكان المكلَّف فاقداً للشامة أو مزكوماً ولم يحصل مميَّز غيره جاز رفع الخبث بالغسل بأحدهما، ثمَّ الغسل بالآخر، وكذلك رفع الحدث - بأن يتوضأ أو يغتسل مرَّتين بكل منهما - لإحراز المطلق في أحدهما لا على التَّعيين .

(مسألة 232) إذا اشتبه الماء المباح بالمغصوب فلا يجوز التَّصرف بكل منهما في رفع الحدثين، وكذا في رفع الخبث، ولكن إن تصرَّف في أحدهما في رفع نجاسة خبثيَّة - فقد حصل وإن كان آثماً - وتحققت الطَّهارة إلاَّ الطَّهارة من الأحداث فلا تتم.

ص: 125

(مسألة 233) إذا اشتبه نجس أو مغصوب في عدد محصور - كإناء في عشرة - وجب الاجتناب عن الجميع، أمَّا إذا اشتبه في غير المحصور - كالواحد في ضمن مليون - فلا يجب الاجتناب عن شيء منه للزوم العسر والحرج.

والفرق بين المحصور وغيره: هو أنَّ غير المحصور ما بلغت كثرة أطرافه حدَّاً يوجب الاطمئنان بالخروج عن عهدة التَّكليف ومحل الابتلاء لو التزم به لضياعه بين تلك الأفراد كما فيما نحن فيه وإن كان في الواقع غير المعيَّن بعض الموانع الشَّرعية للزوم الحرج والضَّرر بمتابعتها ولو في بعض الأحوال.

والمحصور بخلافه وإن كان مجملاً في الظاهر لعدم ذلك محرزاً في الواقع كصورة عدم الحصر ولإمكان التَّخلُّص منه بلا عسر وحرج ولو من جهة شرعيَّة تعبديَّة.

(مسألة 234) إذا شكَّ في ماء أنَّه مطلق أو مضاف لحالة من الحالات ولم يعلم السَّابق منهما فالأحوط الجمع بين الوضوء به والتَّيمُّم.

(مسألة 235) إذا علم - ولو إجمالاً - أنَّ هذا الماء إمَّا نجس أو مضاف جاز شربه، ولكن لا يجوز التَّوضؤ به، وكذا إذا علم أنَّه إمَّا مضاف أو مغصوب ما لم تكن الإضافة سامَّة ولو في جملة احتمال السُّميَّة عقلائيَّاً، أمَّا إذا علم أنَّه إمَّا نجس أو مغصوب، فلا يجوز شربه أيضاً فضلاً عن التَّوضؤ به.

(مسألة 236) لو أريق أحد الإناءين المشتبهين من حيث النَّجاسة أو الغصبيَّة فلا يجوز التَّوضؤ بالآخر لإحراز عدم صحَّة التَّوضؤ به من الأوَّل، أمَّا لو أريق أحد المشتبهين من حيث الإضافة والإطلاق فلا يكفي الوضوء بالآخر، بل الأحوط الجمع بينه وبين التَّيمُّم.

ص: 126

المَبْحَثُ الثَّاني في الطَّهَارَة التُّرَابِيَّة

وهي الواجب الثَّانوي بعد الماء في مقام الوضوء والغُسل، حتَّى في الموتى إذا افتقدت المياه أو بعضها على ما سيجيء بالنِّسبة إلى أحكامهم، وتسمَّى هذه الطَّهارة في هذه المقامات بالتَّيمُّم، ويلحق به التَّيمُّم المستحب في مقامات مستحبَّة آتية.

ويلحق بالطَّهارة التُّرابيَّة التَّعفير على ما مضى، وكذا يلحق بالتُّراب الإستجمار بالأحجار في حال التخلي بدل الاستنجاء بالماء بعد فقده لكون الأحجار أصلها من التُّراب كما مرَّ وكما سيأتي.

وسيأتي الكلام عن تفاصيل هذه الطَّهارة في خصوص التَّيمُّم بعد الكلام عن الوضوء والغُسل لأنَّه بعدهما في المرتبة ذكراً تكليفيَّاً عمليَّاً - كما مرَّ -.

ص: 127

المَقْصَدُ الرَّابِع في التَّخَلِّي وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ

بما أنَّ استمرار الطَّهارة من الحدث بكلا نوعيه - لما يتوقَّف عليها أمر العبادات وغيرها - قد يحتاج إلى إحراز عدم مضايقة المكلَّف في نفسه أوقات ما ينبغي كونه على طهارة من خبثي وحدثي البول والغائط، فذلك لا يتم إلاَّ بأمور ولو في رجحان لا وجوب فيه شرعاً، كمن يقدر أن يتحمَّل بعض حالات الضِّيق في نفسه فيترك فعل ما يكون ناقضاً، وهذه الأمور الَّتي يرجح فعلها على الأقل هي: -

1 - محاولة التَّخلِّي في بعض الحالات لو كان هناك شيء عنده يحوج إليه ولو يسيراً.

2 - الاضطرار إلى دفع الخبثين البول والغائط في خروجهما ونحوهما في بعض الحالات.

3 - استكشافه لو كان للاطمئنان بحالته، فلو لم يكن فلابدَّ أن تبقى الطَّهارة معه مدَّة أطول.

4 - الإستبراء من الجنابة بالبول لما فيه من الفائدة على ما سيجيء.

5 - الإستبراء من البول بالخرطات التِّسعة في حال التَّخلِّي والجنابة ممَّا قد يخرج من البقايا البوليَّة وغيرها بعادة غير مستغربة ولو في الجملة.

6 - الاستنجاء.

7 - الإستجمار بالأحجار أو الخرق الثَّلاث لو فقد الماء.

فلهذا كلِّه ناسب ذكر شيء من هذه الأحكام - قبل البدء بالكلام عن الطَّهارتين المائيَّة والتُّرابيَّة (وضوءاً وغسلاً وتيمُّماً) - في مباحث: -

ص: 128

المَبْحَثُ الأوَّل في أَحْكَامِ التَّخلِّي

لا يخفى أنَّ في هذا الموضوع قد يتجاوز الكلام حوله عن خصوص الطَّهارة بمعناها الخاص إلى ما هو العام كذلك وهو الَّذي بمعنى النَّزاهة، كوجوب السَّتر والسَّاتر وعدم جواز النَّظر إلى عورة الغير وحرمة استقبال القبلة واستدبارها، وهو ما يتناسب وطرحه في هذا الكتاب أكثر من كون البحث لخصوص الصَّلاة وما يشترط فيه الطَّهارة بالمعنى الخاص من غيرها.

(مسألة 237) يجب في حال التَّخلِّي - بل جميع الأحوال - ستر العورة عن المكلَّفين - رجلاً كان أو امرأة - حتَّى مثل الأم والأخت أو أي محرم، بل وكذا المجنون والطفل بتعليمهما وتعويدهما الأدب والحشمة إحتياطاً أن توقَّف أمر عدم تساهلهما عليه إلى حين العقل والبلوغ كما يحرم النَّظر إلى عورة الغير ولو كان مجنوناً أو طفلاً مميزاً على الأحوط، أمَّا الزَّوج والزَّوجة فيجوز لكل منهما النَّظر إلى عورة الآخر.

والمراد من العورة في المرأة هنا القبل والدُّبر فقط، لكن لا بمعنى جواز أن تبدي نفسها من غير العورتين أو أن ينظر إليها الأجنبي من غير المحارم، وأمَّا في غير حالة التَّخلِّي فكلها عورة عن كلِّ ناظر أجنبي، ولنا موضوع ذو مسائل تخص حجاب المرأة سيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى في السَّتر والسَّاتر من كتاب الصَّلاة وفي إحرام الحج وفي كتاب النِّكاح فليراجع.

وفي الرَّجل القبل والدُّبر مع البيضتين، والأحوط له مع ذلك ستر ما بين السُّرَّة والركبة، وستر العورة واجب في جميع الأحوال ولا يختص بحالة التَّخلِّي.

والمراد بستر العورة مطلق ما يمنع وقوع النَّظر إلى البشرة فيه ولو كان بيده أو بيد زوجته أو مملوكته.

(مسألة 238) لا يجوز النَّظر إلى عورة الغير من وراء الزُّجاج أو في المرآة أو الماء الصَّافي ونحوها ممَّا قد يكشفها ذلك.

(مسألة 239) يحرم النَّظر إلى عورة الغير اختياراً لكنَّه لا يمنع اضطراراً كما في مورد

ص: 129

العلاج الطِّبي لإجراء العمليَّات المتوقِّفة على النَّظر ونحوه إذا لم تكن هناك مرآة يكتفى بها بالنَّظر إليها عن النَّظر إلى العورة كمرتبة أقل المحذورين، فإن كانت المرآة كافية مثلاً فضلاً عن (السُّونار) فالحرمة المباشرة باقية لا محالة وإن كانت المرآة في نفسها محرَّمة للنَّظر أيضاً ولكن الفرق واضح بين المباشرة والواسطة فلابدَّ من مراعاته في مجالاته.

(مسألة 240) لا يجوز في حال التَّخلِّي استقبال القبلة واستدبارها وإن أحال العورة عنها، بل الأحوط وجوباً ترك الاستقبال بالعورة وإن لم تكن مقاديم البدن إلى القبلة.

وهذا التَّحريم لا فرق فيه بين الفضاء المكشوف أو المرافق المبنيَّة المتعارفة، ولو اضطرَّ إلى الاستقبال أو الاستدبار لضيق المكان تخيَّر، وكذا لو جهل وجهة القبلة ولم يتمكَّن من الفحص والسُّؤال أو استلزم الحرج أو الضَّرر والضَّرورة تقدر بقدرها.

(مسألة 241) يحرم التَّخلِّي في أربعة أمَّاكن وهي: -

1- في الطَّريق النَّافذ مع الإضرار بالمارَّة، وفي غير النَّافذ الَّذي يكون ملكاً لملاَّك البيوت حتَّى مع عدم الضَّرر إذا لم يُرض المالكين.

2- في ملك الغير إلاَّ مع رضاه بدلالة قرائن الإباحة المقبولة، وأهمُّها وأحوطها الاستئذان، وإن أستكشف فحوى أنَّ صاحب الدَّار قد يرضى من الضَّيف أن يفعل ذلك إذا كان قد بذل له الأكثر وهو الطَّعام والرَّاحة.3- في الأوقاف الخاصَّة لطوائف معيَّنة كبعض مدارس طلاَّب العلوم الحوزويَّة، إلاَّ إذا كان في تلك المدارس أو بعضها من النُّصوص الشَّرعيَّة كالمدوَّنات في الوقفيَّات الخاصَّة ما يسمح للضِّيافة ثلاثة أيَّام مثلاً أو نحو ذلك فعند ذلك لا مانع.

4- على قبور المؤمنين إذا كان موجباً للهتك، بل حتَّى غير الهتك إذا كانت بقاعها مملوكة لأهاليهم، بل حتَّى لو لم تكن مملوكة، لأنَّها حصَّة أرضيَّة اختصَّت لدفين مسلم مؤمن لا تجوز إهانة كرامته حيَّاً وميِّتاً ونحو ذلك.

ص: 130

المَبْحَثُ الثَّاني الاسْتِنْجَاء

(مسألة 242) يجب غسل مخرج البول مرَّتين إن كان بالماء غير المعتصم كماء الإبريق، وإلاَّ يكفي المرَّة، ولا يجزي في البول غير الماء، ويتخيَّر في محلِّ الغائط بين الغسل بالماء أو المسح بشيء قالع للنَّجاسة كما سيتَّضح كالحجر والمدر والخرق والمناديل الورقيَّة المتعارفة وذلك بشروط: -

أ - إن لم يتعدَّ الغائط عن المخرج.

ب - إن لم تخرج معه نجاسة أخرى كالدَّم.

ج - إن لم تحصل نجاسة خارجيَّة في الموقع نفسه.

فإن فقد أحد هذه الشُّروط تعيَّن الغَسل بالماء.

ولا يعتبر في غسل محلِّ الغائط التَّعدُّد بخصوص المرَّتين في القليل، بل المناط هو النَّقاء وزوال العين النَّجسة، فلو احتاج إلى الأكثر لوجب في الماء القليل، بل حتَّى الكثير عند الحاجة إلى الإكثار وإن حصل ذلك بالمرَّة في الكثير كان مجزياً.

(مسألة 243) يجب في الغسل بالماء إزالة عين النَّجاسة وأثرها، حتَّى اللَّون والرَّائحة إن ارتبطا بشيء من عينها ولو طفيفاً، أمَّا المسح كما سيأتي فتجزي فيه إزالة العين، ولا تجب إزالة الأثر لكونه لا قيمة له ظاهراً وشرعاً بعد إزالة العين بتلك الأحجار مثلاً، ولكن لابدَّ من التَّكميل بثلاثة أحجار ونحوها وإن حصل الَّنقاء بالأقل على ما سيتَّضح أكثر آتياً في أمور الإستجمار.

(مسألة 244) لو شكَّ في أنَّه استنجى أم لا ؟ بنى على العدم.

المَبْحَثُ الثَّالِث أَحْكَامُ الاِسْتِجْمَار

(مسألة 245) لا يجوز الإستجمار بالأشياء المحترمة كالخبز والعظام، ولكن لو فعل آثمَّاً طهر المحل ولابدَّ له من الاستغفار، مع رجحان الاحتياط بإعادة التَّطهير بالمشروع.

ص: 131

(مسألة 246) يجب عند المسح بالأحجار أن يكون بثلاثة، وكذا غيرها من الخرق والمدر والمناديل الورقيَّة كما مرَّ، حتَّى لو حصل النَّقاء بالأقل فلا يكفي الحجر الواحد وإن كان الإستجمار به ممكناً من جوانب ثلاثة، وإذا لم يحصل النَّقاء بالثَّلاثة فلابدَّ من الزِّيادة حتَّى يحصل النَّقاء.

(مسألة 247) يجب فيما يمسح به عند الإستجمار: -

1 - الطَّهارة، فلا يجزي النَّجس أو المتنجِّس، حتَّى لو كان الحجر مثلاً بكراً في الاستعمال، بل لابدَّ من كونه بكراً طاهراً أو متنجِّساً وقد طُهِّر، وكذا بقيَّة القوالع.

2 - أن يكون الماسح جافَّاً، فلا يجزي الطَّين والخرقة المبلولة المسرية، إلاَّ إذا أزيلت الرُّطوبات المسرية منها، نعم لا تضر الرُّطوبة الَّتي لا تسري كما لا يخفى.

3 - أن يكون الجسم قالعاً للنَّجاسة، فلا تجزي الصَّقيلة كالُّزجاجيَّات والحصى الصَّيقل.

(مسألة 248) إذا شكَّ في خروج نجاسة أخرى مع الغائط بنى على العدم، فيتخيَّر بينالغسل والمسح بالأحجار.

المَبْحَثُ الرَّابع الاِسْتِبْرَاء

وهو محاولة استكشاف النَّقاوة من بقايا البول من مجراه الطَّبيعي وفيه مسائل: -

(مسألة 249) يستحب الإستبراء، وله طرق والمشهور فيها أن يمسح ما بين المقعد إلى أصل القضيب ثلاثاً، ثمَّ منه إلى رأس الذَّكر ثلاثاً ثمَّ ينتره ثلاثاً.

وفيه فائدة مهمَّة: وهي أنَّه إذا رأى بعد ذلك رطوبة مشتبهة لا يدري أنَّها بول أو غيره كالمذي فإنَّه يحكم بطهارتها وعدم ناقضيَّتها للوضوء لو كان قد حصل بعده.

وبتركه ضرر: وهو فيما إذا لم يستبرء وخرجت فإنَّه يحكم بنجاستها وناقضيَّتها للوضوء.

ولكن لو شكَّ من لم يستبرء في خروج أصل بلل بنى على عدمه، وكذا لو علم أنَّ

ص: 132

الخارج منه الودي وهو الَّذي يخرج بعد البول، ولكن شكَّ في أنَّه خرج معه بول أم لا يحكم بالطَّهارة وعدم النَّاقضيَّة.

(مسألة 250) لا يلزم المباشرة في الإستبراء بل يكفي وإن باشره غيره كزوجته أو مملوكته.

(مسألة 251) لو شكَّ في الإستبراء بنى على عدمه فإذا خرجت منه رطوبة تكون ناقضة للوضوء.

(مسألة 252) إذا بال واستبرأ واستنجى وتوضَّأ ثمَّ خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول والمني يجب عليه الجمع بين الغُسل والوضوء إحتياطاً، لكونه تجاوز في شكَّه هذا عن شكل الشَّك الماضي وهو البول والمذي بجعل المني مكانه.

(مسألة 253) لا استبراء للنِّساء وإنَّما يصبرن ويعصرن المحل عرضاً فإن خرجت منهنَّ رطوبة بعد ذلك وشكَّ في بوليَّتها يحكم بطهارتها وعدم ناقضيَّتها للوضوء لو أجرينه بعد العصر وخروج الرُّطوبة.

المَبْحَثُ الخَامِس مُسْتَحَبَّات التَّخلِّي وَمَكْرُوهَاتِه

(مسألة 254) يستحب في التَّخلي أمور: -

1- تقديم الرِّجل اليسرى عند الدخول في مكان التَّخلِّي وتقديم اليمنى عند الخروج.

2- الجلوس في مكان لا يراه فيه أحد.

3- تغطية الرَّأس عند التَّخلِّي.

4- أن يتَّكئ حال الجلوس على رجله اليسرى لتسهيل خروج الغائط، ومن حكمته أنَّه بالإتِّكاء على اليسرى يحصل ضغط على الأمعاء وبه يتحقَّق هذا التَّسهيل.

(مسألة 255) يكره في التَّخلي أمور: -

1- استقبال قرص الشَّمس أو القمر بوجهه.

2- استقبال الرِّيح بالبول، وكذا التَّطميح به، لئلاَّ يرجع البول على جسمه.

3- الجلوس في الشَّوارع.

ص: 133

4- الجلوس في مشارع الأنهار، لأنَّها مواقع قد يستسقى فيها الماء، أو تغسل عندها الأواني.5- الجلوس عند أبواب الدور بلا إيذاء لأصحابها، وإلاَّ فيحرم.

6- الجلوس في أماكن فيء النُّزَّال من أهل القوافل.

7- الجلوس تحت الأشجار المثمَّرة.

8- الجلوس في أي موقع يسبِّب اللَّعن.

9- الجلوس في الأراضي الصُّلبة، لئلا يتطاير بعض البول مثلاً على جسمه.

10- التَّبول في ثقوب الحيوانات، لئلاَّ تهيج.

11- التَّبول في الماء، وبالأخص الرَّاكد لكونه ينافي الصحَّة.

12- الأكل أثناء التَّخلِّي.

13- التَّكلُّم حالة التَّخلِّي بغير ذكر الله ولغير الضَّرورة.

14- البول واقفاً، إلاَّ ما قد يحصل حالة استعمال النُّورة.

15- مدافعة الأخبثين، بل يحرم مع الضَّرر.

(مسألة 256) يستحب البول قبل الصَّلاة وقبل النَّوم وقبل الجماع وبعد خروج المني.

ص: 134

مُلاَحَظَةٌ مُهِمَّة

إلى هنا انتهى ما يلزم بيانه ملخَّصاً ممَّا يتعلَّق بالتَّخلِّي الرَّاجح قبل التَّطهير، الَّذي قد يحتاجه المكلَّف للوضوء أو الغُسل أو التَّيمُّم - الآتي كلٌ منها وما يلحق به -، كي تدوم طهارته لمدَّة أطول، إلاَّ ما قد يُتحمَّل من ذلك ولو كان مكروهاً لأنَّه قد ترفع كراهيَّته لضيق وقت العبادة.

وهناك أمور أخرى - تدعى بالأحداث الصغرى المشابهة لحالة التَّخلِّي كالنَّوم والرِّيح والإغماء ونحوها - قد أعرضنا عن ذكرها الآن، لأنَّها سوف تأتي في المطهِّرين المائي والتُّرابي في الحديث عن الأحداث الصغرى وهما الوضوء أو التَّيمُّم بدلاً عنه، سواءاً كانا للعبادات أو للكون على الطَّهارة وعلى التَّفصيل الآتي في محلِّه بعون الله .

وكذلك هناك أحداث كبرى أعرضنا عن ذكرها في هذه المقدِّمات الخاصَّة إلى مواقع آتية أنسب، لاختيارنا في أن تكون في ضمن بيان الطَّهارتين الآتيتين وهما الغُسل والتَّيمُّم، وأشرنا إلى ذكرها استطراداً في ضمن الكلام عن معنى الطَّهارة وأنواع مصاديقها ومسبِّبات مشروعيَّتها، ليستفاد من ذكرها في بحوث الفقه العامَّة الأخرى، نهجاً على ديدن أعلامنا من فقهاء السَّلف الصَّالح.

ص: 135

المَقْصَدُ الخَامِس في الوُضُوء

الوضوء اسم مصدر يطلق ويراد منه إجراء كيفيَّة شرعيَّة خاصَّة للخلاص من أحداث صغرى خاصَّة أيضاً سوف تأتي، إمَّا للكون على الطَّهارة أو لتصحيح بعض الأعمال المتوقِّفة عليها شرعاً مشروطة بها كالصَّلاة مثلاً أو لاستباحة بعض الحالات وإن لم تكن شرطاً، على ما سيجيء تفصيله.

والوضوء يعطي طهارة معنويَّة ووضاءة نورانيَّة، يرجح الإتيان به للواجبات والمستحبَّات حتَّى لو تكرَّر، ولذا ورد الحثُّ على تكراره من قِبل المعصومين عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ لكونه ((نوراً على نور)).

(مسألة 257) الوضوء في نفسه مندوب شرعاً في جميع الأحوال، بل هو طاعة وعبادة للمعبود وهو الله تعالى لمحبوبيَّته، ولكنَّه قد يكون شرطاً لتحقُّق بعض الأعمال الواجبة والمستحبَّة به صحيحة كما سيأتي، فهو واجب لغيره للواجبات المتَّفق عليها مع اشتداد وجوبه عند وقت الضِّيق وكأنَّه يكون واجباً في نفسه، له شأنه المهم في المستحبَّات بما يناسبها من جهة شرطيَّة صحَّتها المتوقِّفة على الطَّهارة.

وهذه الكيفيَّة موجزاً هي غسلتان ومسحتان بمعنى (غسل الوجه واليدين ومسح الرَّأس والرِّجلين)، ويلحق بها بعض الشُّروط والحالات المستحبَّة.

فهو إذن - مركَّب من أفعال واجبة وشرائط وأحكام وآداب - فيلزم أو ينبغي بيانه في ضمن مباحث:

ص: 136

المَبْحَثُ الأوَّل أفعال الوُضُوء الوَاجِبَة تَفْصِيلاً

الوضوء الواجبة أربعة، وهي: -

الأوَّل:غسل تمام الوجه طولاً وعرضاً، أي من قصاص شعر الرَّأس - لمستوي الخلقة - إلى طرف الذقن طولاً وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى عرضاً.

وأمَّا غير مستوي الخلقة بحيث لا تناسب بين الوجه والكف فيه - لطول أصابعه أو قصرها - مثلاً - أو لكبر الوجه وصغره مع التَّفاوت المذكور - فيرجع في الحدِّ الواجب عليه إلى ما لو كانت خلقته متساوية وطبيعيَّة في كلٍّ من الوجه واليد فيقيس مقياسهما المستوي.

وكذا الأصلع - وهو ما انحسر الشَّعر عن مقدَّم رأسه - والأغم - وهو من نبت الشَّعر على جبتهه - فإنَّه يرجع إلى المتعارف الطَّبيعي كذلك.

ولا يجب غَسل الخارج عن الحدِّ - بمعنى عدم وجوب غَسل الأكثر ممَّا زاد على دورة الوجه - إلاَّ لغرض الاطمئنان المفيد بحصول تمام ما يجب غسله من هذا المحدود من باب المقدِّمة العلميَّة فلا مانع، بل قد يرجح إحتياطاً وجوبيَّاً عند حصول الشَّك في استيعاب ما يجب للزوم إحرازه.

(مسألة 258) يعتبر في غسل الوجه أمور: -

1 - أن يبتدأ بأعلى الوجه إلى الأسفل ولا يسوغ العكس (النَّكس) لخلو الأدلَّة الشَّريفة عن اعتبار صحَّته لو كان مقصوداً في ذلك من الأوَّل، نعم لو سكب الماء بحالة النَّكس (من أسفل الوجه) ولكن لم يقصد بذلك غسله وضوءاً من ذلك المكان الأسفل، بل قصد بدايته حين إدارة ذلك الماء من الأعلى إلى الأسفل لو كان باقي الماء حين الإرجاع كافياً للغسل ففعل ذلك فلا مانع منه.

2 - أن يكون الغسل مستوعباً لتمام الوجه ممَّا بين المبدأ والمنتهى، ولا يسوغ ترك ما كان داخلاً في دورة الوجه عرضاً ولو بمقدار ذرَّة، ولكن يجب غسل ظاهر الشَّعر دون الباطن، بلا فرق في ذلك بين الشَّعر المحيط بالبشرة - كما في اللحية الكثيفة - وبين غير المحيط بها، ولا يجب غسل ذات البشرة المستورة بالشَّعر الكثيف مع استحباب التَّخليل إحتياطاً، إلاَّ إذا كان الشَّعر من نوع الخفيف الَّذي لا يمنع من وصول الماء إلى البشرة عادة فيجب.

ص: 137

3- إزالة الموانع - عن وصول الماء إلى ما في داخل الحد المذكور - من كحل أو قيح طافح في آماق العيون وجوانبها أو الحواجب من الأوساخ والوسمات وغيرهما ممَّا يمنع عن غسل ما تحتها.

(مسألة 259) لا يجب غسل باطن العين وباطن الأنف (ثقبه) وموضع الحلقة (الخزامة) - وإن لم تكن فيه إذا لم يظهر داخله - والفم ومطبق العينين والشَّفتين والشَّعر النَّابت خارج الحدِّ المتدلِّي على داخله، وكذا ما تجاوز شعره بمدِّه عن حدِّه (أي المقدار النَّابت في داخل الحدِّ وزاد عن حدِّه)، وكذا لا يجب غسل ما تحت الأظفار إلاَّ ما كان معدوداً من الظَّواهر.

الثَّاني: غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع وباستيعاب كالأوَّل، بل يجب إحتياطاً ضمِّ شيء من العضد بالغَسل من باب المقدِّمة لإحراز ذلك الاستيعاب.

(مسألة 260) إنَّما البداية في غسل اليدين من المرفقين (وهو مجمع عظمي الذِّراع والعضد)، لأنَّهما أقرب إلى الطَّبيعة التَّكوينيَّة في إسبال اليدين حين الولادة إضافة إلى كونها البادية من الأعلى إلى الأسفل فيه شرعاً كذلك، بحيث لم يرد في الكتاب والسنَّة الصَّحيحةالواردة عن الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ ما يُجوِّز العكس وعلى ما أفادته المعارف الأدبيَّة المتقنة نحويَّاً تجاه المضمون القرآني الوارد في المقام.

فقوله تعالى في آية الوضوء ] وَأَيدِيكُمْ إِلى اَلمَرَافِقِ [ لا يراد من كلمة (إلى) فيه سوى تحديد المغسول لا الغسل، ولكون المذاهب الإسلاميَّة قد اختلفوا في يد السَّارق في أنَّها هل هي كل الطَّرف حتَّى العضد، أم أنَّها إلى المرفق أم الكف مع الأصابع أم الأصابع فقط، على ما هو مفصَّل في يد السَّارق، وكذا ما يدل عليه قوله تعالى في المقام ] فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ [ أي بأناملهم، ففي المقام لمَّا كان الغرض هو التَّحديد النَّافع الَّذي لا اختلاف فيه جاء النَّص كما يصح.

(مسألة 261) يجب رفع جميع ما يمنع الماء - أو تحريكه - عن البشرة المغسولة - كالخاتم الضَّيق أو الحلقة - أثناء ذلك الغسل دون الواسع من ذلك ولو بعض الشَّيء، فإنَّه يكفي التَّحريك والفر المحقِّق لجريان الماء على ما تحته من البشرة وهو مستحب حينذاك.

ص: 138

الثَّالث: مسح مقدَّم الرَّأس، ويكفي مسمَّاه طولاً وعرضاً ولو بمقدار إصبع واحد، والأحوط الأولى أن يكون بمقدار ثلاثة أصابع عرضاً وبمقدار إصبع طولاً، وعليه يكون المسح بمقدار ربع الرَّأس طولاً أو عرضاً تقريباً.

(مسألة 262) يعتبر في مسح الرَّأس أمور: -

1 - أن يكون الممسوح جافَّاً من الرُّطوبة والبلل، وجفافه يكون على وجه لا ينتقل البلل من أجزاءه إلى يد الماسح لئلاَّ يختلط البلل مع ماء الوضوء.

2 - أن يكون المسح بباطن الكف، ويمرُّها امراراً على الممسوح، فلو انعكس بأن أوقف الماسح وجرَّ الممسوح إلى الوراء لم يصح، نعم الحركة اليسيرة الَّتي لا تمنع من صدق المسح عرفاً لا تضر وبالأخص إذا لم تكن الحركة مقصودة.

3 - أن تكون باليمنى - على الأحوط - لا اليسرى إلاَّ إذا كانت مقطوعة أو معوقة أو مصابة بأذى مانع.

4 - أن يكون المسح بما بقي في يده من نداوة الوضوء بلا أخذ ماء جديد، ولو جفَّ ما فيها من الماء - بالهواء مثلاً أو بغيره - فليس له حينئذ إلاَّ الأخذ من أطراف وجهه وحاجبيه ولحيته الدَّاخلة فيه - لا من غيره - تعويضاً عمَّا حصل، ولو لم يكن فلابدَّ له من إعادة وضوءه.

(مسألة 263) لا يجب المسح على بشرة الرَّأس دائماً، بل يكفي المسح على الشَّعر النَّابت على مقدَّمه لو كان كثيفاً، وأمَّا إذا كان خفيفاً فلابدَّ فيه من الحرص على مسح البشرة ولو إحتياطاً إن احتمل الكثافة مع ذلك، هذا في المقدار الاعتيادي من الشَّعر.

وأمَّا لو كان طويلاً يتجاوز بمدِّه عن حدِّ مقدَّم الرَّأس - كما في أغلب النِّساء - فلا يجوز المسح على الزَّائد المتجاوز عن الحدِّ، بل يجب المسح على ما كان فوق البشرة فقط وللاحتفاظ ببقيَّة البلل لمسح الرِّجل.

(مسألة 264) لا بأس بمسح الرَّأس منكوساً أي من الأسفل إلى الأعلى.

الرَّابع: مسح القدمين اليمنى واليسرى بمسح ظاهرهما من أطراف الأصابع إلى المفصل على الأحوط طولاً وعرضاً بما يتحقَّق به اسم المسح، والأفضل بل الأحوط أن

ص: 139

يكون بتمام الكف، ولا يكفي وضع تمام الكف على تمام ظهر القدم من طرف الطول إلى المفصل بلا جر الماسح على الممسوح، بل لابدَّ أن يجرها جرَّاً طبيعيَّاً، ولا يكفي الجر القليل إحتياطاً، فيجرُّها من أطراف الأصابع إلى المفصل، ويجوز العكس.(مسألة 265) الأحوط وجوباً مسح اليمنى باليمنى أوَّلاً، ثمَّ مسح اليسرى باليسرى ثانياً، وإن جوَّز بعض الأعلام المصاحبة الزَّمنيَّة في المسحتين .

(مسألة 266) أحكام مسح القدمين نفس أحكام مسح الرَّأس.

(مسألة 267) حكم المسح على الرِّجلين في الوضوء تعبُّدي، على ما يظهر من آي الذِّكر الحكيم الخاصَّة في الوضوء - وفي آخر عمل فيه - مع تأييد النُّصوص الكثيرة الصَّحيحة الواردة عن أهل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ حول ذلك.

فإنَّ قوله تعالى ] وَامْسَحُوا بِرُؤسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلى اَلكَعْبَينِ [ - بناء على قراءة كسر (أرجلِكم) عطفاً على (رؤسكِم) المكسورة بالباء ظاهراً أو باطناً - تدل بوضوح على لزوم المسح بناءاً على جعل الباء زائدة عربيَّاً وتفسيريَّاً، بل حتَّى على قراءة (أرجلكم) بالنَّصب، على اعتبار أن الباء في (برؤسكم) زائدة أيضاً، فيكون (أرجلكم) معطوفاً على محلِّ (رؤسكم) المنصوب وبهذا يكون واضح الدِّلالة أيضاً وأكثر على لزوم المسح، وكذا لو لم تكن زائدة - بمعنى أنَّها للتَّبعيض - لكون العطف حاصلاً على محلِّها في الآية.

وأمَّا حالة العطف على (اغسلوا وجوهكم) المنصوبة - ليلتزم بغسل الأرجل كما هو رأي كثير من المذاهب الأخرى - فهو مرفوض عند النَّحوييِّن - كما هو مدَّون في كتبهم - لأنَّه عطف على البعيد مع إمكان العطف على القريب.

فلكون العطف على رؤسكم أنسب وللأقربيَّة - ولو على المحل مع المحافظة على نصب الأرجل - لابدَّ من أن يُتعبَّد حينئذ بالمسح.

أمَّا لو كانت الأرجل وسخة -

كما هي شبهة بعض من يلتزم بترجيح غَسلها في الوضوء لكونه رفعاً للأوساخ - فلتغسل قبل البدء بالوضوء ثمَّ تجفَّف لتهيأ لذلك المسح التَّعبُّدي.

وهناك تفاصيل أخرى نافعة نتركها للمفصَّلات من كتبنا الأخرى.

ص: 140

(مسألة 268) لا يجب على مقطوع القدم شيء إلاَّ إذا كان المقطوع بعض من القدم فيجب المسح على الباقي.

(مسألة 269) لو عجز عن المسح بباطن الكف - لقطع أو غيره - مسح ببقيَّتها إن كانت موجودة وإلاَّ مسح بظاهرها إن أمكن وإلاَّ فبالذِّراع.

(مسألة 270) لا يجزئ المسح على الحائل - كالخفِّ والجورب - وإن كان تقيَّة، بل حتَّى مع الضَّرورات الأخرى، والأحوط وجوباً ضم التَّيمُّم إليها لو كان شيء من ذلك.

نعم لو دار الأمر بين المسح على الخف والغَسل للرجلين حال التَّقيَّة، اختار الثَّاني على شكل مسح في بداية الأمر ثمَّ يغسلها.

(مسألة 271) يعتبر عدم المندوحة (المجال) في مكان التَّقيَّة، فلو تمكَّن من ترك التَّقيَّة وإراءة المخالف عدم المخالفة لم تشرع تلك التَّقيَّة، بل يعتبر عدمها في الحضور في زمانها كالمكان أيضاً كالحضور أمام شخص مخيف في وقت خاص في مكان لا حرج فيه أصلاً كأماكننا، ولا يترك الاحتياط حتَّى ببذل المال لرفع الاضطرار وإن كان عن تقيَّة ما لم يستلزم الحرج.

(مسألة 272) لا يبعد عدم وجوب الإعادة فيما لو توضأ على خلاف التَّقيَّة، وإن كان الأولى ذلك مع الاستغفار.

(مسألة 273) لو شكَّ في شيء - موجود على عضو من أعضاء الوضوء - أنَّه حاجب أم لا وجب إزالته أو إيصال الماء إلى ما تحته كالخاتم وسير السَّاعة ومعاضد النِّساء المشكوك في حاجبيَّتها.لكن لو شكَّ في أصل وجود الحاجب على العضو لم يلتفت إليه، إذا لم يكن هناك منشأ عقلائي لاحتمال وجوده، وأمَّا إذا كان هناك هذا المنشأ لكثرة أعمال له تسبِّب وجود حواجب على تلك الأعضاء - وإن لم يحس بها أثناء الوضوء - ككونه صبَّاغاً أو ذا أعمال ترابيَّة قد يكثر منها ما يلصق على جسده وهو لم يعرف، فعند ذلك يجب عليه التَّفحص عنها قبل الوضوء لإزالتها لو كانت.

ص: 141

المَبْحَثُ الثَّاني في شَرَائطُ الوُضُوء

يشترط في تحقُّق الوضوء أمور وهي: -

الأوَّل:طهارة الماء.

فلا يصح بالماء المتنجِّس من قبل الجاهل والنَّاسي والغافل فضلاً عن العالم، وفي حكمه المشتبه بالمتنجِّس في الشُّبهة المحصورة ككون الماء بين ماءين في إناءين أحدهما طاهر والآخر متنجِّس ولكن كلٌ منهما غير معلوم بشخصه.

الثَّاني: عدم استعماله في إزالة الخبث على الأحوط، كما تقدَّم في الماء المستعمل في الاستنجاء ولو في المرَّة الثَّانية، فضلاً عمَّا لو احتمل التَّلوُّث فيها.

الثَّالث: إطلاق الماء.

فلا يصح الوضوء بالماء المضاف حتَّى لو كان ماء ورد وإن قال به بعض القدامى - كما مرَّ -، وفي حكمه المشتبه به حتَّى لو كان في ضمن شبهة محصورة لو احتمل عقلائيَّاً وقوعه فيها - وقد تقدَّم حكمه في الماء المشتبه - لوجوب إحراز إطلاقه في الوضوء عند سعة الوقت.

(مسألة 274) لا فرق في بطلان الوضوء بالماء المضاف في صورة العمد وغيره.

الرَّابع: إباحة الماء.

فلا يصح بالمغصوب، وفي حكمه المشتبه بالمغصوب في الشُّبهة المحصورة - كما تقدَّم في الماء المشتبه -.

(مسألة 275) إذا توضأ بماء فانكشف بعد الفراغ أنَّه كان مغصوباً فالظَّاهر أنَّه باطل، وإن اشتهر بين الفقهاء رضي الله عنهم صحَّته، لكونهم أدرجوه في باب الصَّلاة في (اللِّباس المغصوب جهلاً) وعدم الفرق بين الحالتين فيه تأمُّل، ولا أقل من الاحتياط بالإعادة، نعم لا مانع من تصحيح الوضوء به ولو كان مغصوباً إذا كان المتوضئ به غير الغاصب فقط إذا كان عن نسيان مع رجحان الإعادة إحتياطاً.

ص: 142

الخامس: إباحة الأواني الموجود فيها الماء.

وكذا المصب في خزانه أو في الإبريق، فلو كان أحدهما مغصوباً ولو في شبهة محصورة بين فردين مثلهما فإنَّ الماء لا يكون الوضوء منه صحيحاً إذا انحصر الأمر فيهما، ولا يجوز إخراجه منهما حتَّى إذا كان مباحاً في ذاته، ولذلك لا يتم الأمر العبادي إلاَّ بالتَّيمُّم مع عدم وجود ماء آخر مباح في آنية مباحة.

السَّادس: إباحة محل الوضوء الأرضي مثلاً.

ويتبعه فضاؤه ولو في شبهة محصورة كالحصص الأرضيَّة أو حصص الدَّار المشتركة المستغلَّة من بعض الشُّركاء دون البعض الآخر مع عدم رضاهم في ذلك الاستغلال أو لكون تلك الأرض بدون تصفية عادلة أو نحو ذلك فلو كان كذلك كان الوضوء باطلاً.السَّابع: طهارة أعضاء الوضوء المغسولة والممسوحة.

بمعنى أن يكون كل عضو طاهراً حين غسله أو مسحه، ولا يعتبر طهارة جميع الأعضاء عند الشُّروع فيه، بل تكفي طهارة كل عضو حين غسله ولو بماء الوضوء المصبوب نفسه - إذا كان من الماء الكثير المنصب على العضو - المطهرِّ من أوَّله والموضئ من آخره.

وإن كان في الماء القليل فإنَّه يغسل الموقع مرَّتين أوَّلاً ثمَّ يثلِّثه للوضوء، على شرط أن لا يخل ذلك بالموالاة العرفيَّة - الآتي ذكرها - إذا كان هذا العضو من الوسطيَّات المغسولة لا العضو الأوَّل، أمَّا لو كانت الأعضاء باقية على تنجُّسها ولم يتبع ما ذكرناه على الأقل فإنَّ الوضوء باطل إلاَّ أن يسبقه التَّطهير المذكور.

الثَّامن: عدم وجود حواجب على شيء من أعضاء الوضوء.

بحيث يمنع وصول الماء إليه كالبوية والأصباغ الأخرى - إذا كانت فيها جرميَّة - والوارنيش وآثار الدَّملوك والأحبار الجافَّة، وكذا ميش الشَّعر للنِّساء إذا كان فيه مادَّة قشرية، فلا يصح الوضوء مع وجود هذه الأَمور إلاَّ بقلعها بالأشياء القالعة، ولو لم يجد المتوضئ قالعاً يصبر في سعة الوقت مع بذل الجهد المستمر للتَّفحص عن القالع إلى ضيق

ص: 143

الوقت الكافي للصَّلاة مثلاً، لاحتمال أن يجده فإن وجده توضأ، ومع عدمه يتوضأ بالميسور مع ما فيه مع إضافة التَّيمم إحتياطاً ويصلِّي، ويلحق بذلك الجبائر واللطوخ الدِّهنيَّة العلاجيَّة أو ما يبتلي أهل الصَّنائع الدِّهنيَّة به على ما سوف يأتي أيضاً، وإن كان يفضَّل لمثل هؤلاء بل قد يجب في بعض الحالات - ممَّن يعرف بأنَّه يريد أن يزاول هذه الأمور وعليه صلاة الفريضة المحتاجة إلى الطَّهارة المشروطة بعدم الحاجب - أن يتوضأ قبل ذلك.

التَّاسع: أن لا يكون مانع من استعماله شرعاً.

كالمرض الجلدي المانع أو الإستبراد المضر - لضعف مزاجه - إذا توضأ بالماء أو لمانع العطش بحيث تتوقَّف حياته أو حياة غيره من الأرواح المحترمة على ذلك الماء أو نحو ذلك، ومع حصول تلك الموانع لا يجوز الوضوء به ويتيمَّم المكلَّف حينئذ بدل الوضوء، على أن يختار ضيق وقت العبادة إذا احتمل ارتفاع المانع عند التَّأجيل على تفصيل يأتي.

العاشر: النيَّة.

وهي القصد إلى الفعل بعنوان الامتثال للأمر الإلهي ولو بنحو الامتثال للأمر الاستحبابي، وهو المراد بنيَّة القربة خطيرا، أو أن يكون بنحو الدَّاعي إلى ذلك الفعل مع القربة، وستأتي بعض تفاصيل عنها في نيَّة الصَّلاة.

الحادي عشر: الإخلاص في النيَّة.

بحيث لو ضم إليها ما ينافيه من الرِّياء أو نيَّة التَّنظيف أو نيَّة التَّبرد لبطل.

الثَّاني عشر: استدامة حكم النيَّة فيه إلى الفراغ منه.

بمعنى أنَّه لا يتردَّد في نيَّته ولا ينوي العدم، فلو تردَّد أو نوى العدم وأتمَّ الوضوء على هذا الحال لكان باطلاً، ولكن لو عدل إلى النيَّة بعد ذلك التَّردُّد قبل فوات الموالاة الآتي معناها وضمَّ إلى ما أتى به مع تلك النيَّة من البدائيَّات باقي الأفعال الَّتي بعدها صحَّ وضوءه مع الاحتياط بالإعادة.

ص: 144

الثَّالث عشر: المباشرة.

بأن يباشر المكلَّف بنفسه أفعال الوضوء إذا أمكنه ذلك، بحيث يبطل الوضوء لو قام بالعمل غيره، ومع عدم الإمكان يجوز أن يوضأه الغير لكنَّه يتولى النيَّة بنفسه.

وفي حالتي مسح الرَّأس والرِّجلين فيلزم أن يكون ذلك بيد نفس المتوضئ إن أمكنه ذلك أيضاً أولاً، فإن لم يمكنه ذلك فلا مانع من أن يجرَّ يديه غيره للمسح حينئذ كما في حالتي غسل الوجه واليدين.

الرَّابع عشر: التَّرتيب.

بأن يغسل المتوضئ الوجه أوَّلاً، ثمَّ اليد اليمنى، ثمَّ اليد اليسرى، ثمَّ يمسح الرَّأس ثمَّ الرِّجلين بلا تقديم أو تأخير فيما بينها، فإن قدَّم أو أخَّر يكون الوضوء باطلاً، والأحوط وجوباً كذلك رعاية التَّرتيب نفسه فيما بين مسح الرِّجلين كما أشرنا من دون أن يمسحهما معاً.

الخامس عشر: الموالاة.

ويتحقَّق ذلك بالشُّروع في غسل كل عضو أو مسحه من أعضاء الوضوء قبل أن تجفَّ الأعضاء السَّابقة عليه، فإذا أخَّره إلى مدَّة حتَّى جفَّت جميعها بل حتَّى بعضها بطل الوضوء، وكذا لو مضت مدَّة - مأخِّرة للعمل - غير طبيعيَّة وإن لم تجف بعض تلك الأعضاء، نعم لا بأس بالجفاف السَّريع من جهة الحر أو البرد أو الرِّيح أو تجفيف الغير لبعض أعضاءه بمنديل إذا كانت الموالاة العرفيَّة موجودة.

السَّادس عشر: سعة الوقت الكافي لوضوئه وصلاته.

بحيث لم يلزم من ذلك الوضوء وقوع الصَّلاة أو بعضها في خارج الوقت، وإلاَّ فعليه أن يتيمَّم، وهذه الحالة لا تفرض بحسب العادة والغالب في سعة الوقت كلِّها، لإمكان سرعة التَّخلص، وإنَّما هي في حالة من حالات ضيقه.

ص: 145

المَبْحَثُ الثَّالِث في أَحْكَامِ الوُضُوء

يتحقَّق بيان أحكام الوضوء في مسائل ذات عناوين مختلفة في فصول، وهي: -

الفَصْلُ الأوَّل في أَحْكَامِ الخَلَل

(مسألة 276) من تيقَّن الوضوء وشكَّ في الحدث بنى على الطَّهارة، ومن تيقَّن الحدث وشكَّ في الوضوء بنى على الحدث، ومن تيقَّنهما معاً وشكَّ في المتقدِّم والمتأخِّر منهما وجب عليه الوضوء، سواء علم بتأريخ الوضوء ولم يعلم الثَّاني أو بالعكس أولم يعلم تأريخهما معاً.

(مسألة 277) لو شكَّ في أثناء الوضوء في غسل عضو أو مسحه أتى به وبما بعده مراعياً التَّرتيب والموالاة وبقيَّة الشَّرائط، كالشَّك في غسل الوجه وغيره.

(مسألة 278) لو شكَّ أثناء الوضوء في أنَّه هل غسل العضو كاليد اليمنى - مثلاً - بصورة صحيحة وجب - على الأحوط - أن يعود إلى ما شكَّ فيه ليأتي به بصورة صحيحة، إلاَّ إذا كان الشَّك في الجزء الأخير وكانت هناك إمارة تطمئن على انتهائه من الوضوء، أو كان شكَّه بعد الدُّخول فيما يشترط فيه الطَّهارة كالصَّلاة فحينئذ يبني على الإتيان به.

(مسألة 279) من شكَّ في أصل الوضوء بعد الفراغ من الصَّلاة واحتمل الإلتفات إلى وجوب إحراز الطَّهارة قبل الصَّلاة وكان ليس من عادته إلاَّ الوضوء في ذلك بنى على صحَّتها، وهو مبني على ما يسمَّى بقاعدة الفراغ، ولكنَّه يتوضأ للصَّلوات الآتية حتماً، ولو كان من حالته الغفلة عنه فالأحوط الوضوء لإحراز الصَّلاة عن الطَّهارة، ومن شكَّ في أثنائها قطعها وأعادها بعد الوضوء، وبالأخص إذا كان ممَّا يصادفه عدم الوضوء أحياناً.

(مسألة 280) إذا علم إجمالاً بعد الصَّلاة ببطلان صلاته لنقصان ركن فيها مثلاً أو بطلان وضوئه وجبت عليه إعادة الصَّلاة فقط في المثال الأول، مع وجوب إعادة الوضوء

ص: 146

للصَّلوات الأخرى في المثال الثَّاني لوجوب إحراز الطَّهارة.

(مسألة 281) الوسواسي - وهو الَّذي يحصل له الشَّك كثيراً - لا اعتبار بشكَّه مطلقاً إلاَّ إذا كان على الوجه المتعارف عند سائر النَّاس.

(مسألة 282) من شكَّ في الوضوء بعد الحدث وجب عليه الوضوء - كما مرَّ - فمن نسي شكَّه وصلَّى بطلت صلاته ووجبت عليه الإعادة في الوقت أو القضاء في خارجه.

(مسألة 283) لو توضَّأ وضوءين وصلَّى بعدهما ثمَّ علم بحدوث حدث بعد أحدهما لا على التَّعيين وجب الوضوء للصَّلوات الآتية، وأعاد الصَّلاة على الأحوط وجوباً.

(مسألة 284) لو تيقَّن بعد الفراغ من الوضوء أنَّه ترك جزءاً منه لكن لا يدري هل أنَّه الواجب أو المستحب فالظَّاهر الحكم بصحَّة وضوءه إن كان ممَّن تعوَّد على إتيان الأجزاء المستحبَّة وعدم التَّقصير أو القصور في الواجبات حسب العادة، وإلاَّ فالأحوط الإعادة.

(مسألة 285) لو علم بوجود الحاجب قبل الوضوء وشكَّ بعد الفراغ منه أنَّه هل أزاله أثناء الوضوء أو أوصل الماء إلى ما تحته حينذاك بنى على صحَّة وضوءه لاحتمال الإزالةالمذكورة مع الإمكان العقلي وقاعدة الفراغ.

(مسألة 286) من كان متوضِّأً وكان يعلم بعدم إمكان الوضوء بعد ذلك مرَّة أخرى إلى حين نهاية وقت الفريضة الآتية مثلاً فلا يجوز له نقض وضوءه بعد دخول وقت الصَّلاة مع القدرة على تحمُّل عدم النَّقض.

الفَصْلُ الثَّاني في دَائِمِ الحَدَث وَمَا يُلْحَقُ بهِ

(مسألة 287) المبتلى باستمرار الحدث كالمبطون وهو (الَّذي لا يتمكَّن من إمساك غائطه أو ريحه)، والمسلوس وهو (الَّذي لا يتمكَّن من إمساك بوله) لوضوئه صور: -

الأولى: أن تكون له فترة تسع الطَّهارة (الوضوء) مثلاً والصَّلاة بجميع شرائطهما وأجزائهما - ولو بمقدار الإتيان بالواجبات فقط وترك جميع المستحبَّات - فلابدَّ له من

ص: 147

إتيانهما في تلك الفترة إن حصل الإمكان سواء كان أوَّل الوقت أو وسطه أو أخره، ويحرم عليه الإتيان بالمستحبَّات كالقنوت وغيره إذا كان يخاف عقلائيَّاً طرؤ الحدث المذكور بسبب التَّعطيل لأجل تلك المستحبَّات، لئلاَّ تزاحم الواجبات، وأمَّا مع عدم خوفه فلا مانع منها.

الثَّانية: أن تكون للحدث فترة انقطاع تسع الوضوء وبعض الصَّلاة فلابدَّ له من انتظار هذه الفترة والتَّوضؤ والصَّلاة فيها مع وضع الماء عنده لتجديد الوضوء - حين مفاجأة الحدث له وهو في أثناء الصَّلاة - إذا لم يكن حرجيَّاً عليه بشرط عدم الإتيان بالمنافي كالانحراف عن القبلة والتَّكلم ونحوهما، أمَّا لو كان تجديد الوضوء حرجيَّاً فيجتزئ بوضوء واحد كما سيجيء في الصُّورة الثَّالثة ويتم صلاته ما لم ينقضه بحدث آخر غير الحدث المستمر معه ممَّا عفي عنه كالنَّوم أو الإغماء فلابدَّ من استئناف الطَّهارة والصَّلاة حينئذٍ.

الثَّالثة: أن يكون الحدث مستمرَّاً بلا انقطاع، بحيث لا يتمكَّن من الوضوء الرَّافع للحدث والإتيان حتَّى بجزء من الصَّلاة بلا حدث فيه فيجب عليه - في هذه الصورة - الوضوء لكلِّ صلاة وفي أي وقت شاء على الظَّاهر، بل هو الأقوى، لأنَّ الصَّلاة لا تترك بحال، إلاَّ مع احتمال خفَّته في آخر وقتها وبلا حاجة أيضاً إلى إعادته في أثنائها وإن حصل النَّاقض فيه بعد ذلك الوضوء إلاَّ أنَّه إذا حصل النَّقض قبلها وبعد ذلك الوضوء فلابدَّ من الإعادة ولو إحتياطاً.

(مسألة 288) إنَّ مستمر الرِّيح يعتبر من المبطون في الأدلَّة الشَّريفة فحكمه حكمه، وكذا المسلوس.

(مسألة 289) يجب على من استمرَّ به الحدث (كالمبطون والمسلوس) التَّحفظ من وصول النَّجاسة إلى بدنه أو ثوبه مهما أمكنه - بوضع حفَّاظة للأوَّل إذا كان من الغائط وقاية من نجاسته وكيس (نايلون) لاحليله وقاية من نجاسة إدراره -.

(مسألة 290) إذا برء المسلوس ومن بحكمه لا يجب عليه قضاء ما صلَّى حال ابتلائه بهذا المرض، نعم إذا برء في داخل الوقت يجب عليه إعادتها فضلاً عمَّا لو صلَّى أوَّل الوقت مع احتمال زوال عذره في آخره.

ص: 148

الفَصْلُ الثَّالث في أَحْكَامِ الجَبَائِر

الجبيرة هي الألواح الَّتي توضع على الكسور العظميَّة، وألحق بها حكماً الخرق والأدوية الَّتي توضع على الجروح والقروح والدَّماميل.

(مسألة 291) من كان على بعض أعضاء وضوئه جبيرة، فإن أمكن نزعها وغسل ما تحتها من العضو المغسول أو مسحه من الممسوح - أو غمسها في الماء لو لم يمكن النَّزع مع كون الغسل من الأعلى إلى الأسفل في المغسول، بل حتَّى الممسوح لو شمله عدم الإمكان - إذا لم تكن مشقَّة أو ضرر في الحالتين وجب ذلك وإن لم يتمكَّن منهما أو كانت في ذلك مشقَّة أو ضرر مسح عليها في المغسول والممسوح مع الاحتياط بالتَّيمُّم في صورة عدم إمكان ما مضى من الحالتين.

(مسألة 292) الجروح والقروح والكسور الموجودة في الأعضاء المغسولة - كالوجه واليدين إذا كانت مكشوفة - إن لم يضر بها الماء وجب أن يتوضأ لها بالصُّورة الطَّبيعيَّة، وإن كان يضر بها الغَسل ولكن لا يضرها المسح عليها ببلل اليد فلابدَّ أن يمسح عليها ببللها على الأحوط وجوباً.

وإن كان يضر بها الماء بتاتاً - أو كان الموضع نجساً ولا يمكن تطهيره - وجب غسل أطرافه من الأعلى ومن الأسفل وبقيَّة ما حولها ويضع عليه خرقة طاهرة ويمسح عليها، وإذا لم يتمكَّن من ذلك أيضاً وجب غسل الأطراف فقط مع ضمِّ التَّيمُّم إليه على الأحوط وجوباً.

(مسألة 293) إذا كانت الجروح أو القروح أو الكسور في موضع المسح كالرَّأس والرِّجلين وكانت مكشوفة فإن أمكن المسح عليها مسح، وإن لم يمكن وَضعَ خرقة طاهرة على الموضع ويمسح عليها بالبلل الموجود في اليد - كما مرَّ -، فإن لم يتمكَّن سقط المسح فقط من وضوئه ووجب عليه التَّيمُّم بعد الانتهاء من هذا الوضوء إحتياطاً.

(مسألة 294) إذا كان الجرح والجبيرة نجسين وأمكن تطهيرهما مع عدم الضَّرر وجب التَّطهير وغسل الموضع، وأمَّا مع الضَّرر - أو عدم إمكان وصول الماء - وجب غسل

ص: 149

الأطراف والمسح على الجبيرة إذا كانت طاهرة، أمَّا مع نجاستها فيشد عليها خرقة طاهرة ويمسح عليها، وإذا لم يمكن ذلك أيضاً وجب عليه أن يضم إليه التَّيمم إحتياطاً، بل يضم حتَّى مع وجود الخرقة الطَّاهرة والمسح عليها.

(مسألة 295) لو كانت وظيفته المسح على الجبيرة وجب عليه أن يستوعب المكان الممسوح، فإن تعسَّر الاستيعاب فالأحوط أن يضم إليه التَّيمُّم، بل يضمُّه حتَّى مع قدرته على الاستيعاب.

(مسألة 296) ما يعصَّب به العضو لا لجرح أو قرح بل لوجع أو ورم فلا يجري عليه حكم الجبيرة، وكذلك الحاجب اللاصق - اتِّفاقاً - كالقير ونحوه، فإن تمكَّن من دفعه أو غسل المحل وجب عليه ذلك، وإن لم يتمكَّن فيتعيَّن عليه مع الوضوء التَّيمُّم كما سبق.

(مسألة 297) من كانت على بعض أعضاء تيمُّمه أو غُسله جبيرة فحكمها حكم جبيرة الوضوء، ولكنَّ الأحوط وجوباً في الغُسل أن يكون ترتيبيَّاً كما سيتَّضح.

(مسألة 298) إذا استوعبت الجبيرة جزءاً آخر من أعضاء الوضوء - كالوجه والرَّأس - أو جميعها وجب إزالتها عند الوضوء إن تمكَّن، فإن كانت حرجيَّة توضأ جبيرة وضمَّ إليه التَّيمُّم أيضاً.

(مسألة 299) إذا كانت في العضو جبائر متعدِّدة بينها فواصل وجب غسل تلك الفواصل -إن كانت من الأعضاء المغسولة - أو مسحها - إن كانت من الممسوحة -.

(مسألة 300) ما دام خوف الضَّرر باقياً تبقى الجبيرة في محلِّها، فإن ارتفع الضَّرر يجب نزعها، ولا يجب عليه إعادة الصَّلوات الَّتي صلاَّها بوضوء الجبيرة، بل يتوضأ للصَّلوات الآتية.

(مسألة 301) إذا استلزم في رفع الجبيرة وغسل المحل في حال الوضوء - عند التمكَّن منه - فوات الوقت ينتقل إلى التَّيمُّم ولا يجوز الوضوء، لأنَّ الصَّلاة مرهونة بأوقاتها وإن استلزم ذلك الإلزام بالمطهِّر الأدنى.

(مسألة 302) لو كان الماء مضرَّاً للعضو وإن كان من غير جرح ولا قرح ولا كسر كما في بعض الأمراض الجلديَّة وجب عليه التَّيمُّم دون الوضوء - كما مرَّ في الشَّرط التَّاسع

ص: 150

من شرائط الوضوء -، وكذا لو كان الجرح أو القرح أو الكسر في غير محال الوضوء، إلاَّ أنَّ استعمال الماء في مواضعه يكون مضرَّاً به للمجاورة مثلاً، فإنَّ الوظيفة هي التَّيمُّم، وكذا لو كان العضو خالياً عن الأمور المذكورة ولكنَّه كان نجساً ولم يمكن تطهيره فالمتعيِّن عليه التَّيمُّم أيضاً كما مرَّ.

(مسألة 303) الأرمد - وهو المصاب بعينيه لعارض خاص - لو أضرَّه استعمال الماء تعيَّن عليه التَّيمُّم مع وضوء الجبيرة على الأحوط وجوباً إن أمكن، كوضع قطن عليهما أو على أحدهما من موقعي الحاجة مع اللاصق الطبِّي.

(مسألة 304) لا يشترط في الجبيرة أن تكون ممَّا تصح فيه الصَّلاة، فلا مانع من أنَّ تكون حريراً أو ممَّا لا يؤكل لحمه لو احتاج إليه.

(مسألة 305) الأدوية الَّتي توضع على الجرح أو القرح إذا اختلطت مع الدَّم وصارا كالشَّيء الواحد ولم يمكن رفعه بعد البرء - كما إذا استلزم عدم الإمكان جرح العضو وخروج الدَّم -، فإن استحالت إلى مادَّة أخرى بحيث لا يصدق عليها أنَّها دم - كما لو صارت كالجلد - جرى عليها حكم الجبيرة فيمسح عليها بعد غسل موضعها إحتياطاً إن أمكن، وإن لم تكن مستحيلة كانت كالجبيرة المتنجِّسة فيضع عليها خرقة طاهرة ويمسح عليها، والأحوط وجوباً في كلتا الحالتين ضم التَّيمُّم إلى مثل هذا الوضوء.

(مسألة 306) إذا كانت الجبيرة على العضو الماسح - كما إذا كانت على الكف أو الأصابع - يجب المسح ببلها الحاصل من المسح عليها بدل الغسل لكونها جبيرة وهو ما يستلزم المسح عليها ببلل كاف ليمسح به.

(مسألة 307) ما تقدَّم من الأحكام الرَّاجعة إلى الجبيرة لا يفرق فيها بين استناد الجرح إلى الصدفة والاتِّفاق أو إلى سوء الإختيار ولو جهلاً، أو على وجه العصيان والعمد.

(مسألة 308) إذا شكَّ في مورد أنَّ وظيفته وضوء الجبيرة أو التَّيمُّم، وجب الجمع بينهما على الأحوط.

ص: 151

الفصل الرَّابع في أحكام عامَّة للوضوء

تقدَّم الكلام عن أحكام الوضوء في المواضع الخاصَّة له وبقي الكلام عن الأحكام العامَّة الَّتي لا يمكن دخولها في تلك المواضع من حيث الخصوص، فنقول: -

الوضوء في نفسه مندوب - كما مرَّ -، لكنَّه تتوقَّف عليه صحَّة الصَّلاة - واجبة كانت أو مندوبة كما مرَّ وكما سيأتي -، وكذا أجزاؤها المنسيَّة، - بل سجود السهَّو أيضاً على الأحوط، وكذلك تتوقَّف عليه صحَّة الطواف الواجب - كما سيأتي حتَّى المنذور على الأحوط - دون المندوب، إلاَّ أنَّه قد يجب بالعارض كالنَّذر وشبهه.

بل هو شرط في كمال بعض المستحبَّات - كالطَّواف المندوب وقراءة القران - وإحراز تمام ثوابها، كما أنَّه رافع لكراهة بعض الأعمال كالأكل على الجنابة وإن لم يرفع الحدث لو كان بهذه النيَّة، وقد يكون مبيحاً لا رافعاً في مقامات أخرى قد يمر بعضها أو تذكر في المفصَّلات.

(مسألة 309) لا يجوز للمحدث - بالأكبر أو الأصغر - مسُّ كتابة القران حتَّى المد والتَّشديد ونحوهما من التَّوابع، ولا مسِّ اسم الجلاَّلة، بل حتَّى سائر أسمائه وصفاته، ويلحق به - على الأحوط وجوباً - أسماء الأنبياء والأوصياء، بل حتَّى سيدة النِّساء فاطمة الزَّهراء (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

بلا فرق في كتابة القران بين العربيَّة والفارسيَّة واللاتينيَّة وغيرهما، ولذا حرمت التَّرجمة الَّتي هي ليست من التَّفسير، ولا بين كتابته بالمداد والحفر والتَّطريز وغيرهما، كما لا فرق في المكتوب عليه بين الكاغد واللوح والأرض والجدار والثَّوب، بل وبدن الإنسان، فإذا كتب على يده لا يجوز مسُّه عند الوضوء، بل يجب محوه أوَّلاً ثمَّ الوضوء.

كما لا فرق في الماسِّ بين ما تحلُّه الحياة وغيره، حتَّى الشَّعر غير التَّابع للبشرة لطوله إن كان موصولاً طبيعيَّاً بالتَّابع - على الأحوط -.

(مسألة 310) لو كانت الكلمة أو الآية القرآنيَّة - أو الكلمات الملحقة بها - مكتوبة في

ص: 152

غير المصحف الشَّريف - كالكتاب العادي أو الرِّسالة أو الخاتم أو غيرها - فلا يجوز مسها على الأحوط.

(مسألة 311) لا يحرم المس من وراء الزُّجاج (الجام) كشاشة أجهزة المرئيَّات - وإن كان الخط مرئيَّاً - إلاَّ إذا استلزم الهتك، وكذا إذا وضع عليه كاغد رقيق ليرى ما تحته من الخط كما يصنع في بعض المصاحف، بل وكذا المنطبع في المرآة.

نعم لو نفذ المداد في الكاغد حتَّى ظهر الخط من الطَّرف الآخر فلا يجوز مسُّه، خصوصاً إذا كتب بالعكس فظهر من ذلك الطَّرف الآخر مكتوباً معتدلاً أنَّه من تلك الألفاظ بالكلمات المخطوطة ومن تلك الآيات ونحوها كما فيما يسمَّى بالمهر أو الأوسع منه لا ما يلمس معكوساً.

(مسألة 312) الأحوط للمحدث اجتناب كتابة آية من القرآن بإصبعه على الأرض أو غيرها، لأنَّه يوجد بين بدن المحدث والخط مصاحبة وارتباط في الزَّمان غير المبيح.

وأمَّا الكتابة على بدن المحدث - وإن كان الكاتب على وضوء - فلا يجوز خصوصاً إذا كان ممَّا يبقى أثره والمحدث باق على حدثه.

(مسألة 313) لا يجب منع الأطفال والمجانين من المسِّ إلاَّ إذا عدَّ هتكاً أو منافياً للتَّربيَّة الَّتي لو لم تكن لكانت خطرة على مستقبلهما حتماً، نعم الأحوط عدم التَّسبيب لمسِّهم، ولو توضأالصَّبي الممِّيز فلا إشكال في مسِّه، بناءاً على القول بصحَّة وضوئه وسائر عباداته.

(مسألة 314) يجوز الإتيان بالوضوء بقصد فعل الفريضة لو دخل وقتها - كما سيأتي - كما يجوز بقصد الكون على الطَّهارة وإن لم يدخل وقتها، أو بقصد قراءة القران ويقرأ منه ولو يسيراً، أو بقصد دخول المسجد ولو بأن يصلِّي ركعتين تحيَّة له.

(مسألة 315) يجوز الوضوء والشُّرب من الأنهار الكبيرة - والجداول والسَّواقي والعيون النَّابعة - المملوكة ممَّا جرت عليه عادة النَّاس بالتَّصرف فيها ولو بالفحوى، ما لم يعلم عدم رضا أصحابها، بل إن الأحوط استحباباً لأصحابها عدم المنع من تلك التَّصرفات.

ص: 153

(مسألة 316) لا يجوز التَّصرف في الموقوفات - كالحياض الواقعة في المساجد والمدارس - إلاَّ إذا عُلمت كيفيَّة وقفها، فإن كانت خاصَّة على فئة معيَّنة كالطُّلاب السَّاكنين في المدارس أو المصلِّين في خصوص هذا المسجد - مثلاً -، فلا يجوز لغير هؤلاء الوضوء منها، فلو خالف - غير الموقوف عليه - وتوضَّأ منها - وإن كان عن غفلة - بطل وضوءه مطلقاً، وكذا ما خُصِّص من المياه للشُّرب - في الآونة الأخيرة - كما في بعض البرَّادات، فلا يجوز التَّصرف في غير المخصَّص له ويجري عليه حكم الغصب حينذاك.

ص: 154

المَبْحَثُ الرَّابع في نَوَاقِضِ الوُضُوء

ينتقض الوضوء بسبعة أمور: -

الأوَّل والثَّاني: خروج البول والغائط من الموضعين المعتادين، وكذا من غيرهما كما إذا كان لعارض بعد إحراز أنَّهما بول أو غائط، ولو خرج شيء من أحد الموضعين كالدود أو نوى التَّمر أو حصى المثانة ولم يكن متلطِّخاً أو ملوَّثاً بأحدهما - البول أو الغائط - فلا ينتقض الوضوء.

الثَّالث: خروج الرِّيح من محل الغائط (الدُّبر)، أو من منفذ آخر قد صار اعتياديَّاً بدله، بل الأحوط النَّقض لو كان بدله وقتيَّاً كذلك.

الرَّابع: النَّوم الغالب على العقل، ويعرف بغلبته على السَّمع والبصر، سواء وقع النَّوم حال الجلوس أو القيام أو الاضطجاع، فلو غلب النَّوم على البصر فقط وكان يسمع الأصوات فلا ينتقض الوضوء.

الخامس: كل ما يزيل العقل كالسُّكر والجنون والإغماء أو غير ذلك.

السَّادس: الإستحاضة على تفصيل يأتي في محله إن شاء الله إضافة إلى الغُسل في بعض الحالات.

السَّابع: ما يوجب غسل الجنابة كالجماع أو خروج المني وإن كانت توجب الغُسل لا الوضوء لكونه مغنياً عنه.

(مسألة 317) لا ينتقض الوضوء بخروج القيح الخارج من مخرج البول أو الغائط، ولا بالدَّم الخارج منهما وإن كان الأحوط ذلك، إلاَّ إذا أحرز أن بوله أو غائطه صار دماً

ص: 155

أو مخلوطاً به كما لا ينتقض بخروج المذي والوذي والودي وقد مرَّت معاني الثَّلاثة ص74.

(مسألة 318) لا ينتقض الوضوء بما يخرج بعد استبراءه من البول أو الجنابة من البلل المشتبه به، وأمَّا إذا خرج قبل الإستبراء منهما فهو ناقض للوضوء، بل محكوم بالنجاسة أيضاً، وهذه فائدة الإستبراء كما مرَّ في أحكامها.

(مسألة 319) إذا خرج ماء الاحتقان ولم يكن معه شيء من الغائط أو غيره ممَّا في الدَّاخل لم ينتقض الوضوء إلاَّ أن يندفع بالهواء، وكذا لو شكَّ في خروج الغائط معه، إلاَّ أنَّ الأحوط إعادته.

(مسألة 320) إذا شكَّ في خروج أحد النَّواقض بنى على العدم.

ص: 156

المَبْحَثُ الخَامِس في مُسْتَحبَّات الوُضُوء

مستحبَّات الوضوء ستَّة عشر، وهي: -

1 - التَّسمية.

2 - الدُّعاء حين النَّظر إلى الماء قائلاً (بِسْمِ الله وَبِالله وَاَلحَمْدُ للهِ اَلَّذِي جَعَلَ المَاَءَ طَهُورَاً وَلَمْ يَجْعَلْهُ نَجِسَاً).

3 - وضع الإناء الَّذي يغترف منه على اليمين.

4 - غسل اليدين ويستحب أن يقول حين الغَسل بعد التَّسمية، (اللَّهمَّ اجعَلْنِي مِنَ التَّوابِين واجعَلْنِي مِنَ المُتطهِّرِين).

5 - الإستياك ولو بالإصبع، والأفضل بعود الأراك.

6 - المضمضة وهي إدارة الماء في الفم، ويستحب أن يقول حينذاك (اللَّهمَّ لَقِّنِي حُجَّتِي يَوَمَ ألقَاكَ وَأطْلِق لِسَانِي بِذِكرِكَ).

7 - الاستنشاق وهو جذب الماء بالأنف، ويستحب أن يقول (اللَّهمَّ لاَ تَحِرمْ عَلَيَّ رِيحَ الجَنَّةِ وَاجعَلْنِي مِمَّنْ يَشَمُّ رِيحَهَا وُروحَهَا وَطِيبَهَا).

8 - الاغتراف باليمنى ولو لأجل غسل اليمنى بأن يغترف بها ثمَّ يصب ماءها في اليسرى ثمَّ يغسل اليمنى بها من الماء الَّذي فيها فضلاً عن الاغتراف باليمنى لغسل اليسرى بها.

9 - الدُّعاء عند غسل الوجه ويقول (اللَّهمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوَمَ تَسْوَدُّ فِيهِ اَلوُجُوهُ وَلاَ تُسَوِّدْ وَجْهِي يَوَمَ تَبْيَضُّ فِيهِ اَلوُجُوه).

10 - أن يقول حين غسل اليد اليمنى (اللَّهمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَالخُلْدَ فِي الجِنَانِ بِيَسَارِي وَحَاسبنِي حِسَابَاً يَسِيَرَاً).

11 - ويقول حين غسل اليد اليسرى (اللَّهمَّ لاَ تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي وَلاَ مِنْ وَرَاءِ

ص: 157

ظَهْرِي وَلاَ تَجْعَلْهَا مَغْلُولَة إِلى عُنُقِي وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ مقْطِعَاتِ النِّيرَان).

12 - ويقول عند مسح الرَّأس (اللَّهمَّ غَشِّنِي بِرَحْمَتِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَعَفْوَك).

13 - ويقول عند مسح الرِجلين (اللَّهمَّ ثَبِّتْنِي عَلَى الصِّرَاطِ يَوَمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقَدَام وَاجْعَلْ سَعْيِي في مَا يُرْضِيكَ عَنِّي يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَام).

14 - تثنية الغسلات، مع كون الأحوط في اليد اليسرى ترك الغسلة الثَّانية.

15 - أن يبدأ الرَّجل بظاهر الذِّراع، والمرأة تبدأ بالباطن.

16 - ويكره الإستعانة في الأفعال غير الواجبة فضلاً عن الواجبة إذا كان ممَّن لا يعجزه شيء، وقد ترتفع الكراهيَّة مع الحاجة والعجز.

ص: 158

المَقْصَدُ السَّادِس في الغُسْل

وهو أسم مصدر يطلق ويراد منه شرعاً الكيفيَّة المعهودة الآتية بواجباته، والغُسل بعمومه مستحب في نفسه - وسيأتي تعداد الأغسال المستحبَّة -.

وقد يجب لنفسه لأمور تصل إلى تسعة، خمسة منها تدعى بالأحداث الكبيرة واثنان ملحقان بها واثنان ليسا بحدثين، وإنَّما يجبان بمُلزم شرعي خاص سيأتي بيانها.

أمَّا الأحداث فهي الَّتي يتوقَّف على الخلاص منها كل العبادات المشروطة بالطَّهارة، وهذه الأمور هي المسمَّاة بالأحداث الكبيرة أو ما يلحق بها كما في ضيق الوقت.

ويسمَّى الغُسل - لهذا - واجباً لغيره، وسيأتي تعداد أنواعه وبيان كل واحد منها ببيان مناسب أكثر.

والعبادات المشروطة - بالطَّهارة (الغُسل) من الحدث الأكبر وما يلحق به - هي أمور: -

الأوَّل: الصَّلاة وأجزائها المنسيَّة واجبة كانت أو مستحبَّة، أدائيَّة أو قضائيَّة، وكذا صلاة الاحتياط وسجود السَّهو عدا ما يستثنى في محلِّه.

الثَّاني: الصَّوم على تفصيل يأتي في كتاب الصَّوم - من هذه الرِّسالة - إنشاء الله تعالى.

الثَّالث: الاعتكاف لعلاقته بالصَّوم والمسجد، كما سيتَّضح.

الرَّابع: الطَّواف واجباً كان أو مستحبَّاً إذا كان الطَّائف للمستحب أراد أن يتبعه بصلاته سواء كان ذلك الطَّواف للحج أو العمرة.

كما قد يجب الغُسل - للخلاص من الأحداث الكبيرة فقط - لإباحة فعل من الأفعال الآتية، أي إن المحدث بالأكبر قبل اغتساله لا يجوز أن يفعل أموراً إلاَّ بالغُسل وهي: -

1 - مس لفظ الجلاَّلة، وهو ( الله ) جلَّ جلاله، وسائر أسمائه وصفاته الخاصَّة به.

ص: 159

2 - مس كتابة المصحف الشَّريف.

3 - دخول المسجد الحرام (مكَّة) ومسجد النَّبي 2 ولو اجتيازاً.

4 - المكث في سائر المساجد الأخرى، وأمَّا الاجتياز فيها فيجوز بأن يدخل من باب ويخرج من باب آخر، وكذا يجوز دخوله بقصد أخذ شيء منه مع الاجتياز.

5 - وضع - المحدث بالأكبر - شيئاً في المساجد بالدخول أو بغيره.

6 - قراءة آية السَّجدة من سور العزائم الأربع وهي: -

أ. سورة ألم السَّجدة آية 15.

ب. سورة فُصلِّت آية 37.

ج. سورة النَّجم آية 62.

د. سورة العلق آية 15.

(مسألة 321) لا فرق في حرمة دخول الجنب في المسجد بين المعمور والخراب وإن لم يُصلِّ فيه أحد.

(مسألة 322) من شكَّ في مسجديَّة مكان - كصحن المسجد -، فلا يجري عليه حكم المسجد.

وللغُسل واجبات وأحكام يأتي الكلام عنها في ضمن مباحث: -

المَبْحَثُ الأوَّل في وَاجِبَات الغُسْل

يجب حين الغُسل تحقُّق أمور، تسمَّى واجبات الغُسل أو شروطه، وهي نفس واجبات الوضوء، ولكن لا بأس بذكرها هنا إجمالاً وهي: -

1 - إطلاق الماء وطهارته، فلا يصح بالمضاف أو المتنجِّس.

2 - إباحة الماء، بل ومكانه ومصبُّه، فلا يصح بالماء والمكان المغصوبين.

3 - سعة الوقت، فلو كان مضيَّقاً - بحيث لو اغتسل وقع بعض صلاته أو كلُّها خارج الوقت - تبدلَّت وظيفته إلى التَّيمُّم.

4 - المباشرة كما مرَّ في الوضوء.

5 - عدم المانع من استعماله لمرض أو ضرر ونحوهما، وإلاَّ تبدلَّت وظيفته إلى التَّيمُّم.

6 - طهارة العضو قبل الغُسل في التَّرتيبي على التَّفصيل المتقدِّم في الوضوء.

ص: 160

7 - النيَّة تقربُّاً إلى الله تعالى باستمرار إلى نهاية العمل، بحيث لو سأله سائل أثناء العمل لأجابه على طبق نيَّته .

8 - الإخلاص، فلو ضم إليه الرِّياء بطل، لأنَّه من العبادات المشروطة بذلك الإخلاص.

9 - غسل ظاهر البشرة على وجه يتحقَّق به مسمَّاه، فيجب رفع الحواجب الواقعة على الأعضاء وتخليل ما لا يصل إليه الماء إلاَّ بالتَّخليل.

المَبْحَثُ الثَّاني في كَيفِيَّة الغُسْل

للغُسل بعمومه كيفيَّتان، وهما التَّرتيبي والإرتماسي، والأوَّل أفضل في الحالات الاعتياديَّة، لكن قد يتَّعين كما لو أراد أن يغتسل وهو في نهار شهر رمضان فلا يجوز له الإرتماس حينئذ لأنَّه مبطل للصَّوم حال العلم كما سيأتي، أو في حالة كون حوض الماء للغير ولا يرضى بالإرتماس،كما في بعض وقفيَّات المدارس الدِّينيَّة فيجب عليه الغسل التَّرتيبي.

وقد يتعيَّن الإرتماس كما في حالة ضيق الوقت عن التَّرتيبي إلاَّ إذا كان الحوض مغصوباً فيتعين التَّيمُّم، والكيفيَّتان هما: -

الكَيفِيَّة الأولى الغُسْل التَّرتِيبِي

وهو عبارة عن غُسل تمام الرَّأس والرَّقبة - أوَّلاً - بعد التَّوجه بالنيَّة، ثمَّ غسل تمام الطَّرف الأيمن،ثمَّ غسل تمام الطَّرف الأيسر.

فلابدَّ من رعاية التَّرتيب في هذه الكيفيَّة، فلو ترك التَّرتيب عمداً أو نسياناً أو جهلاً فغُسله باطل، كما لو قدَّم الطَّرف الأيسر على الأيمن، إلاَّ أن يتدارك التَّرتيب بأن يغسل الأيسر من جديد بعد الأيمن المغسول.

(مسألة 323) لا يعتبر في الغُسل التَّرتيبي الغُسل من الأعلى إلى الأسفل، بل يجوز العكس، كما لا يعتبر فيه كيفيَّة خاصَّة، بل يكفي المسمَّى بأيِّ استيعابيَّة حصلت في

ص: 161

الأعضاء.

(مسألة 324) الأحوط وجوباً في غُسل السُّرَّة والعورتين أن يكون مع كلا الجانبين الأيمن والأيسر.

(مسألة 325) لابدَّ في غُسل كل طرف من الأطراف من إدخال شيء من غيره من بابالمقدِّمة العلميَّة إحتياطاً حتَّى يحصل العلم بغُسل تمام الطَّرف.

(مسألة 326) لابدَّ من تحقُّق التَّرتيب بعد العلم بعدم وصول الماء إلى جزء من بدنه، فلو علم بعد غسله الطَّرف الأيمن عدم غسل الرَّأس والرَّقبة فيجب عليه الرجوع وإعادة الترتيب، وكذا لو علم بعد غسله الطَّرف الأيسر عدم غسله الطَّرف الأيمن فيرجع ويحقِّق التَّرتيب.

(مسألة 327) لو علم بعد الانتهاء من الغُسل بعدم وصول الماء إلى جزء من البدن ولا يعرف موضعه فيجب عليه إعادة الغُسل.

(مسألة 328) من شكَّ قبل إتمام الغُسل في غسل جزء من البدن فلابدَّ من أن يحقِّق التَّرتيب بإعادة غسل المشكَّوك وما بعده - كما مرَّ -، أمَّا من شكَّ بعد الإتمام فلا يعتني بشكِّه لقاعدة الفراغ.

(مسألة 329) لا تشترط الموالاة في الغُسل التَّرتيبي لغسل الأعضاء، فيجوز الفصل الطَّويل بأن يغسل رأسه في زمان ويغسل بقيَّة أعضائه في زمان آخر متأخِّر، كما في حالة انعدام بعض الماء المكمِّل للغُسل فجأة واحدة، لكن بلا أن يعتريه حدث صغير في الأثناء إحتياطاً.

الكَيفيَّة الثَّانِية الغُسْل الإِرْتِمَاسِي

وهو عبارة عن تغطيس تمام بدنه - في الماء الكثير أو القليل المستوعب لكل البدن الَّذي ليس فيه نجاسة خبثيَّة - غطسة واحدة، على نحو يتحقَّق بها غسل جميع البدن فيخلِّل شعره وما يحتاج إلى التَّخليل، ويرفع قدمه عن الأرض إن كانت موضوعة عليها، ليحرز وصول الماء إلى جميع جسمه مع مصاحبة النيَّة الواجبة أثناء الإرتماس.

ص: 162

(مسألة 330) الأحوط وجوباً أن ينوي للغُسل الإرتماسي قبل الابتداء به مقارناً لأوَّل جزء منه ويستمر بها إلى حين تغطية جميع بدنه، وهو ما إذا كان بنحو الخطور، وأمَّا بنحو الدَّاعي فهو المحرز فيه ذلك.

(مسألة 331) من كان في داخل الماء وأراد الاغتسال إرتماساً فعليه إخراج جزء من بدنه ولو قليلاً من الماء قبل الغُسل، ثمَّ يغطس فيه مرَّة أخرى بقصد ذلك الغُسل الإرتماسي إحتياطاً.

(مسألة 332) لو تيقَّن بعدم وصول الماء إلى موضع من بدنه في الغُسل الإرتماسي وجب عليه إعادة الغُسل سواء علم الموضع أو لم يعلم.

(مسألة 333) تعمُّد الإرتماس مفطِّر للصَّائم كما سيأتي، وكذلك لا يجوز للمُحرِم الإتيان به في الحج والعمرة، لأنَّه تغطية للرَّأس وهو ترك من تروك الحج والعمرة كما سيأتي، ولو نسي وارتمس فغُسله صحيح.

المَبْحَثُ الثَّاني في أَحْكَامِ الغُسْل

(مسألة 334) يجب على المرتمس قبل البدء بالإرتماس أن يطهِّر جميع بدنه، أمَّا المغتسل بالتَّرتيبي فيكفي أن يطهِّر كل عضو قبل غسله.

(مسألة 335) يجب غسل داخل ما يرى من ثقب الأذن المعد لوضع القرط (التِّرجيَّة)، وأمَّا ما لا يرى من البدن - كباطن الأنف والأذن أو ثقب الأذن نفسه إذا لم ير - فلا يجب، أمَّا لو شكَّ في أنَّه من الظَّاهر أو الباطن فالأحوط وجوباً غسله، لوجوب إحراز ما يقطع الشكَّ في ذلك إحتياطاً.(مسألة 336) يجب الفحص قبل الغُسل حين الشَّك في وجود مانع من موانع وصول الماء إلى البشرة، لكسب الاطمئنان بعدمه للعثور على بعض الموانع، بسبب بعض الغفلات، ولا تظهر إلاَّ بالفحص.

(مسألة 337) الشَّعر إن كان يُعد من توابع البدن - كالقصير - يجب غسله وخصوصاً إذا كان كثيفاً لعدم السَّيطرة عليه لو ترك، أمَّا ما كان خفيفاً فأمر السَّيطرة عليه

ص: 163

أهون في وصول الماء إليه وإن ترك، أمَّا ما لا يُعد من توابعه (كالطَّويل) فلا يجب.

(مسألة 338) لو أحدث أثناء سائر الأغسال التَّرتيبيَّة بالحدث الأصغر فالأحوط وجوباً إتمامه وإعادة الغُسل بقصد ما في ذمته والإتيان بالوضوء بعده.

(مسألة 339) لو أحدث بالأكبر في أثناء الغُسل، فإن كان مماثلاً للحدث السَّابق - كالجنابة في أثناء غُسلها، أو مسِّ الميِّت في أثناء غُسله - فلا إشكال في وجوب الاستئناف، وإن كان مخالفاً له - كالجنابة في أثناء غُسل المس - فالأحوط له إتمام الغُسل برجاء احتمال أن واجبه الإتمام، ثم إعادة الغُسل بقصد ما في الذمة.

(مسألة 340) إذا اغتسل باعتقاد سعة وقت ما يشترط له الغُسل - كالصَّلاة - ثمَّ انكشف ضيقه إلاَّ بمقدار الاغتسال مع ركعة واحدة من الصَّلاة فغسله صحيح ويدرك صلاته بمقدار ما وصل إليه، وإن كان الوقت أقل من ذلك فغُسله باطل على المشهور، وعليه الإعادة مع قضاء الصَّلاة.

(مسألة 341) إذا اجتمعت عليه أغسال واجبة متعدِّدة كالجنابة ومسِّ الميِّت كفى غسل واحد بنيَّة المجموع للكون على الطَّهارة، وكذا إذا نوى غُسل الجنابة كفى عن الجميع، ولا تُغني هذه الأغسال المتعدِّدة عن الوضوء إلاَّ إذا كان معها غسل الجنابة - كما سيأتي.

(مسألة 342) لو شكَّ المكلَّف في أنَّه اغتسل من الحدث أم لا بنى على العدم واغتسل، أمَّا لو اغتسل وشكَّ بعده في صحَّته بنى على الصحَّة لأنه بعد الفراغ.

(مسألة 343) إذا شكَّ في الغُسل بعد الفراغ من الصَّلاة فإن كان شكُّه بعد انتهاء وقتها فلا يجب عليه إعادة الصَّلاة قضاء، بل يغتسل للصَّلوات الآتية، وإن كان شكُّه في داخل وقتها فالأحوط وجوباً إعادة غسله وصلاته.

(مسألة 344) إذا اعتقد المحدث بالأكبر بأنَّه اغتسل فدخل في الصَّلاة، ثمَّ شكَّ في أثنائها، هل أنَّه اغتسل ؟ أم لا وجب عليه الاغتسال وإعادة الصَّلاة من جديد، إذا كان شكُّه اعتياديَّاً لا عن وسوسة.

ص: 164

(مسألة 345) لو دخل إلى حمام السُّوق للاغتسال من الحدث وكان قاصداً عدم دفع الأجرة لصاحب الحمَّام - أو قاصداً تأجيل الثمَّن مع عدم علمه برضاه - فغُسله باطل وإن استرضاه بعد ذلك.

(مسألة 346) لو طلب المحدث تأجيل الثمَّن مع قصده عدم دفعها ورضي صاحب الحمَّام بالتَّأجيل واغتسل فغسله باطل، إلاَّ إذا علم بذلك، وكذا لو قصد دفعها من المال الحرام أو من مال غير مخمَّس على الأحوط وجوباً.

ص: 165

المَقْصَدُ السَّابع مُوجِبَات الغُسْلِ وَأَحْكَامُهَا من أَحْدَاث وغيرها

الأحداث الَّتي توجب الاغتسال منها تسعة وهي: -

1 - الجنابة 2 - الحيض 3، 4 - الإستحاضة الكبرى والوسطى

5 - النَّفاس 6 - غُسل الميِّت 7- غُسل مسِّ الميِّت.

وسنتعرَّض لإحكام هذه الأحداث كلاً على إنفراد وفي مباحث.

8- الغُسل الواجب بالنَّذر وشبهه

9- غُسل من فاتته صلاة الآيات عمداً منه مع احتراق تمام القرص على الأحوط وجوباً.

فالجنابة والحيض والنَّفاس والميِّت والمس له تدعى بموجبات للغُسل، لكونها أحداث كبيرة لا تصح العبادات المشروطة بالطَّهارة إلاَّ بالاغتسال منها، وكذا لا يجوز الممارسة لأمور اختصَّت بستة مرَّت ص 159 ، 160، إلاَّ به ما عدا حدث المس فهو أخف من وطأة غيره من الأحداث الكبيرة في بعض الممنوعات الستَّة كما لا يخفى.

والاستحاضة الكبرى والوسطى فهما حدثان صغيران ملحقان بالكبيرة في أحكامها وممنوعاتها إلاَّ بالاغتسال وما يلحق به كما سيأتي.

والغُسل المنذور وما يشبهه من العهد واليمين وما وجب لمن فاتته صلاة الآيات عمداً فهما ليسا واجبين لحدثيَّة، وإنَّما لعارض شرعي فقط ألزم المكلَّف نفسه به بدون أيِّ سبب طبيعي أو عادي.

ص: 166

المَبْحَثُ الأوَّل الجَنَابَة وَأَحْكَامُهَا

الجنابة شرعاً هي البُعد أو الابتعاد عن الطَّهارة بسبب أحد موجباتها كما سيجيء، وهي من الأحداث الكبيرة، ويتعلَّق الكلام عنها وعن أحكامها في فصول: -

الفَصْلُ الأوَّل في أَسْبَابِ غُسْلِ الجَنَابَة

وهي أمران، وهما: -

الأوَّل: خروج أو إخراج المني من الموضع المعتاد إلى خارج الجسد، سواء كان اختياراً أو اضطراراً، وسواء كان في اليقضة أو النَّوم، قليلاً أو كثيراً وبالصُّورة المباحة أو غيرها، فلو تحرَّك عن محلِّه ولم يخرج لا يجب الغُسل كما سيجيء، وكذا يلحق بهذا السَّبب خروجه من غير الموضع المعتاد - كثقب أو منفذ للخروج مستحدث بإجراء عمليَّة أو تكوينيَّاً - بشرط أن يصدق عليه الإنزال والإمناء، وإلاَّ فعليه الجمع بين الغُسل والوضوء لو كان محدثاً بالأصغر إضافة إلى ما حدث من ذلك.

(مسألة 347) علامة المني في الرَّجل السَّليم اجتماع ثلاثة أمور: -

1- الشَّهوة 2- الدِّفق 3- فتور الجسد حين خروجه

ومع انتفاء واحد منها لا يحكم بكونه منياً، وإن كان الأحوط استحباباً مع عدم اجتماع الثَّلاثة - كلِّها بل بعضها - الغُسل والوضوء إذا كان مسبوقاً بالطُّهارة، إلاَّ المريض فلا يعتبر فيه الدِّفق، بل يكفي الشَّهوة والفتور وإن كان في الأخير محل تأمُّل، لأنَّ الفتور قد يعتري المريض أحياناً.

أمَّا النِّساء فالدِّفق غير معتبر فيهن أيضاً وإن لم يكنَّ مريضات، بل يعرف مني المرأة من وصول هيجانها وشهوتها الجنسيَّة حدَّ الذروة، فإن خرج وكانت محدثة بالحدث الأصغر وجب - على الأحوط - الجمع بين الغُسل والوضوء، وإلاَّ فعليها الغُسل فقط.

ص: 167

وإن لم يحصل لها شهوة وخرجت منها رطوبة مشتبه فيها فلا شيء عليها وإن كان الأحوط لها استحباباً الاغتسال.

هذا كلُّه فيما لو لم يكن معها عمليَّة الجماع، وأمَّا لو كان ذلك معها فالحدث ثابت والغُسل واجب كما سيجيء.

(مسألة 348) لو خرجت رطوبة من السَّليم وعلم بوجود إحدى العلامات الثَّلاث فيه كالشَّهوة وشكَّ في وجود البقيَّة، فإن لم يحدث بالحدث الأصغر وجب عليه الغُسل لعدم احتمال وجود تلك العلامة في كونها من الحدث الأصغر، وإنَّما هي من الأكبر على الاحتمال - على الأحوط - وإلاَّ فيأتي بالوضوء بعد الغُسل إحتياطاً.

(مسألة 349) لو خرج المني على غير صورته المتعارفة لمرض - مثلاً - كاصفراره، فإذا علم أنَّه مني وجب عليه الغُسل، وأمَّا مع الشكَّ في كونه منياً فلا يجب.

الثَّاني: الجماع وإن لم ينزل، ويتحقَّق بدخول الذَّكر - ولو بمجرَّد الحشفة إن كانت سليمة، أو مقدارها من الذَّكر إن كانت مقطوعة - في قبل المرأة فيجب الغُسل، والأحوط إلحاق بعضالحشفة في صدق الجماع كذلك.

(مسألة 350) يجب الغُسل حالة وطئ دبر المرأة أو الرَّجل أو البهيمة على الأحوط، مع إضافة الوضوء إن كان محدثاً بالحدث الأصغر قبل الغُسل إحتياطاً كذلك.

(مسألة 351) لا فرق في تحقُّق الوطء بين الكبير والصَّغير والفاعل والمفعول والميِّت والحي والعاقل والمجنون والمختار وغيره، إلاَّ أنَّ الصَّغير والميِّت والمجنون والمغتصب لا إثم عليهم إذا فعل فيهم ذلك وإن تحققَّت الجنابة في بعضهم وحسن تأديب الصَّبي والصَّبيَّة، بل قد يلزم التَّعزير لهما لو كان عن قرب من البلوغ، بل حتَّى الأقل من ذلك من حالات التَّمييز لو انتفى التَّأثير فيهما بمجرَّد النُّصح لو اختارا ذلك، بل حتَّى المجنون في بعض أدواره، بل لو فعل المجنون نفسه ذلك رتِّب شرعاً عليه بعض حالات الحدِّ وغيره كما سيأتي في محلِّه.

(مسألة 352) يجب الغُسل حالة وطئ دبر الخنثى المشكل اعتياديَّاً ولو إحتياطاً - كالوطء في قبلها - ، سواء حصل إنزال للمني أم مجرَّد الإدخال، فضلاً عمَّا لو كانت غير

ص: 168

مشكل، لكونها ممَّن يلحق شرعاً بالإناث بالإمكان المعقول ولو احتمالاً على الأحوط.

وأمَّا غير المشكل ممَّن يلحق شرعاً بالذُّكور فلا تتحقَّق الجنابة من القبل بمجرَّد الدُّخول إلاَّ مع مصاحبته بنزول المني من قبل الواطئ، وأمَّا خصوص الموطوءة المشكل فيلزمها رعاية الاحتياط وإن لم تنزل للعلم الإجمالي بتوجُّه تكاليف الرِّجال والنِّساء إليها لكونها لم تفحص مثلاً لتعرف من أيِّ جنس كانت، بل يجب عليها حتماً لو كانت ملحقة بالإناث شرعاً.

وأمَّا حالة إلحاقهنَّ الشَّرعي بالرِّجال فليس له علاقة بالجنابة، إلاَّ فيما ذكرناه من اللَّواط بالدُّبر، لأنَّ القبل فيه شكلي لو ثبت تعطُّل عضوه حسب الفحوص أنثويَّاً وكان لم ينزل منه ماؤه المتعارف جنسيَّاً فلا جنابة عليه، إلاَّ بنحو احتياطي استحبابي ومع إنزال تلك الخنثى بالصُّدفة غير المتوقَّعة ماء فعليها الاغتسال وجوباً لانكشاف أنوثتها.

(مسألة 353) لو خرج ما يشبه المني ممتزجاً بشيء من الدَّم، فإن علم أنَّه مني قبل ابيضاضه وجب الغُسل وإلاَّ فلا.

الفَصْلُ الثَّاني في أَحْكَامِ غُسْلِ الجَنَابَة

(مسألة 354) لو وجد في لباسه أو بدنه منياً وعلم أنَّه منه ولم يغتسل فيجب عليه إعادة الصَّلوات الَّتي علم إتيانها بعد حصول ذلك المني أداءاً أو قضاءاً - بعد الغُسل -، وأمَّا في حالة شكَّه بإتيانها بعد ذلك المني فلا يجب عليه شيء.

(مسألة 355) يجوز للرَّجل مقاربة زوجته ووطؤها بعد دخول وقت الصَّلاة وإن لم يقدر على الغسل لحاجته، فيكون حكمه حينئذ التَّيمُّم بدل الغُسل، إلاَّ إذا لم يتمكَّن حتَّى من التَّيمُّم فلا يجوز، بخلاف الوضوء فلا يجوز له إبطال الوضوء بعد دخول الوقت - كما مرَّ -.

(مسألة 356) لو شكَّ في تحقُّق الدُّخول لا يجب عليه الغُسل.

(مسألة 357) إذا تحرَّك المني عن محلِّه بالاحتلام ولم يخرج إلى الخارج فلا يجب عليه الغُسل.

ص: 169

(مسألة 358) غُسل الجنابة يُغني عن الوضوء حتماً دون سائر الأغسال الواجبة والمستحبَّة احتياطاً ، إلاَّ إذا حصلت حالة الجنابة وحصل الغُسل وكانت قد نويت تلك الأغسال الأخرى أو بعضها تابعة لغُسل الجنابة بنحو الضمينة، أو كان غُسل الجنابة منضمَّاً إلى الأغسال الواجبة.

الفَصْلُ الثَّالِث فيمَا يُكْرَه ويُسْتَحَبُّ لِلمُجْنِب فِعْلُه

(مسألة 359) يكره للمجنب فعل أمور، وهي:

1-2 - الأكل والشُّرب إلاَّ بعد الوضوء أو غَسل اليدين والمضمضة وغَسل الوجه.

3- قراءة ما زاد على سبع آيات من غير سور العزائم، والأحوط استحباباً عدم قراءة شيء من القرآن ما دام جُنباً.

4 - مسُّ ما عدا كتابة القران من جلده وحاشيته وبين الخطوط بأيِّ جزء من بدنه.

5 - حمل القرآن.

6 - النَّوم إلاَّ بعد الوضوء أو التَّيمم إن لم يجد ماء بدلاً عن الغُسل.

7 - الخضِّاب بالحنَّاء وغيرها رجلاً كان الفاعل أو امرأة.

8 - التَّدهين.

9 - الجماع بعد الاحتلام، وترتفع بعض الكراهيَّة بالبول قبل ذلك الجماع وكمالاً بالاغتسال.

(مسألة 360) يستحب للمجنب فعل أمور قبل الاغتسال، وهي: -

1 - الإستبراء من المني بالبول قبل الغُسل، لحصول الاطمئنان بنقاء المجاري الخاصَّة من بقايا المني - كما مرَّ - في الإستبراء من البول، فإن خرجت رطوبة بعد الغُسل - وبعد الإستبراء بالبول - وشكَّ في أنَّها مني أو بول حكم بالطَّهارة ولا شيء عليه، أمَّا لو لم يستبرء وخرجت رطوبة مشتبهة فهي بحكم المني وعليه الاغتسال.

أمَّا لو استبرأ ولم يخرج منه بول فيكفي الاطمئنان بعدم بقاء المني الإستبراء بالخرطات التسعة - المارَّة في بيانها - ولا شيء عليه.

ص: 170

2 - غسل اليدين ثلاثاً إلى المرفقين، أو إلى نصف الذِّراع، أو إلى الزَّندين.

3 - المضمضة والاستنشاق بعد غَسل اليدين ثلاث مرَّات ويكفي مرَّة أيضاً.

4 - أن يكون ماؤه في التَّرتيبي بمقدار صاع (ثلاث كيلوات وستمائة غرام تقريباً).

5 - إمرار اليد على الأعضاء لزيادة الاستظهار.

6 - تخليل الحاجب غير المانع.

7 - غسل كل من أعضاء الجسم الثَّلاثة ثلاثاً.

8 - التَّسمية.

9 - الدُّعاء بالمأثور حال الاشتغال، وهو (اللَّهمَّ طَهِّرْ قَلَبِي وَتَقَبَّلْ سَعْيي وَاجْعَلْ مَا عِنْدَكَ خَيرَاً لي، اللَّهمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطهِّرِين).

أو يقول (اللَّهمَّ طَهِّرْ قَلَبِي وَاشْرَحْ صَدَرِي وَأَجْرِ عَلَى لِسَانِي مِدْحَتَك وَالثَّنَاءَ عَلَيْكَ، اللَّهمَّ اجْعَلْهُ لي طَهُورَاً وَشِفَاءَاً وَنُورَاً، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير)، ولو قرأ هذا الدُّعاء بعد الفراغ أيضاً كان أولى.

10 - الموالاة والابتداء بالأعلى في كل عضو من الأعضاء في التَّرتيبي.

ويكره عند الاغتسال الإستعانة بالغير في المقدِّمات.

ص: 171

المَبْحَثُ الثَّاني الحَيْضُ وَأَحَكَامُه

الحيض لغة هو السَّيل، وشرعاً هو الدَّم الَّذي يقذفه رحم المرأة البالغة بطبيعتها إلى الخارج في كل شهر أيَّاماً مخصوصة حسب عادتها وإن كان قليلاً، لكن لا يقل عن ثلاثة أيَّام.

وتسمَّى هذه الأيَّام ب- (الدَّورة أو العادة الشَّهريَّة) - وسيأتي بيان كيفيَّة معرفتها -.

وهذا الحدث يعتبر من الأحداث الكبيرة الَّذي يشترك مع الجنابة في جملة من الأحكام، فيجب الغسل عند انقطاع هذا الحدث (الدَّم)، ويسمَّى ب- (غسل الحيض).

وقد تعرضنا إلى أكثر مسائل هذا الحدث وبقيَّة الأحداث الَّتي تخص النساء في كتابنا (دليل المرأة المسلمة)، وكما أنَّ هناك حواريَّة بين الأم وابنتها - تخص هذه الأحداث نظَّمها بعض المؤمنين (وفَّقهم الله تعالى لمراضيه) مع إرشاداتنا في تنسيق الأجوبة وتعديل الأسئلة وبعض الإضافات - طبقاً لفتاوانا لابدَّ أن تجد المرأة المسلمة فيها ضالَّتها بإذن الله على اختصارها.

وفي هذه الرِّسالة نتعرَّض لجملة وافية من مسائل (الحيض)، وكذا بقيَّة الأحداث التي تتعلَّق بالنِّساء - تعميماً للفائدة وللمناسبة المناسبة للمقام - في فصول: -

الفصل الأوَّل في أوصاف الحيض

(مسألة 361) دم الحيض في الغالب أسود أو أحمر غليظ حار يخرج بحرقة ودفع، وهذه الصِّفات مع الشَّرائط - الآتية - تعتبر كقواعد أساسيَّة في تمييز حالة المرأة كما سيتَّضح من خلال بيان المسائل الآتية.

(مسألة 362) الأظهر إجراء أحكام الحائض فيما إذا انصبَّ الدَّم من الرَّحم إلى فضاء الفرج ولم يخرج منه، إلاَّ أنَّ الأحوط وجوباً الجمع بين أحكام الطَّاهر والحائض

ص: 172

لعدم خروج الدَّم إلى الخارج حتَّى يلتزم بالوظيفة الخاصَّة فقط.

(مسألة 363) الدَّم الخارج من فرج المرأة على أقسام، فلابدَّ من تمييزه لرفع الاشتباه إن حصل وهي: -

الأوَّل: دم العادة الشَّهريَّة وهو (دم الحيض)، وقد تقدَّمت أوصافه، وعند الاشتباه وفقد الأوصاف تختبر نفسها بما سيأتي إن شاء الله .

الثَّاني: دم يخرج من الباطن ليس بحيض ولا نفاس ولا بكارة ونحوها، ويسمَّى (استحاضة).

الثَّالث: دم يخرج حال الولادة ويسمَّى ب- (دم النَّفاس).

الرَّابع: دم يخرج بسبب افتضاض البكر ويسمَّى ب- (دم البكارة أو العذرة) ويلحق به دم الجرح أو القرح بسبب إجراء عمليَّة جراحية لرحم المرأة، ولا شيء على المرأة في هذا الحال سوى إحراز طهارة موضع الدَّم بتطهيره بعد انقطاع ذلك الدَّم.

ولكل من الثَّلاثة الأُول أحكام تخصُّه يأتي بيانها في محلِّها.(مسألة 364) يجتمع الحيض مع الحمل إن تحقَّقت صفاته أو كان في أيَّام عادتها وإن لم تتحقَّق كلُّها - وإن كان اجتماعه مع الحمل نادراً - وإن لم يكن من الحيض في جميع علاماته يعتبر استحاضة، وكذلك يجتمع الحيض مع الإرضاع وهنا يكون اجتماعه أكثر وبالأخص إذا قلَّ الإرضاع تكويناً أو قللَّته المرضعة برغبتها أو مجَّه الطِّفل لأسباب أخرى.

(مسألة 365) إذا شكَّت المرأة في الخارج منها في أنَّه هل هو دم أو لا ؟، أو علمت أنَّه دم لكن لا تدري أنَّه خرج من رحمها أو من غيره ؟، فلا تجري عليها أحكام الحيض ولا شيء عليها، وإن حسن منها الاحتياط في بعض الأمور مع الإمكان إلى حين انكشاف الواقع.

(مسألة 366) لو خرج دم من رحم المرأة حال افتضاض بكارتها أو إجراء عمليَّة جراحيَّة في رحمها وأشتبه عليها هذا الدَّم في أنَّه حيض أو بكارة ونحوه حيث كانت فاقدةً في فترة من الفترات مثلاً لصفات الحيض - المتقدِّمة الذِّكر -؟، فيجب أن تختبر نفسها بإدخال

ص: 173

قطنة في موضعها وتركها فيه مليَّاً ثمَّ تخرجها برفق، فإن كانت مطوَّقة بالدَّم فهو بعدُ دم بكارة وعذرة، وإن كانت مستنقعة فهو حيض.

(مسألة 367) لو تعذَّر عليها الاختبار المذكور لسبب من الأسباب رجعت إلى حالتها السَّابقة فإن كانت حيضاً بنت عليه، وإن لم تكن أو كانت جاهلة بها فعليها الاحتياط بالجمع بين أفعال الطَّاهرة وتروك الحائض، بأن تؤدِّي صلاتها وصيامها، وتترك ما يحرم عليها كالمكث في المساجد ومسِّ القرآن وغيرهما من الأمور الآتية في محلِّها.

(مسألة 368) لو اشتبهت بالدَّم الخارج منها في أنَّه حيض أو قرح ؟، فالأحوط لها الجمع بين أفعال الطَّاهرة وتروك الحائض.

(مسألة 369) لو اشتبهت بالدَّم الخارج من رحمها في أنَّه حيض أو استحاضة فإن كان بصفات الحيض فهو حيض سواء كان في أيَّام عادتها أو لم يكن كما إذا كانت مضطربة أو كانت عادتها عدديَّة فقط، وإن لم يكن بصفات الحيض ولم يكن في أيَّام عادتها فهو استحاضة وسيأتي تفصيل ذلك.

الفَصْلُ الثَّاني في شَرَائِطُ تَحَقُّقِ الحَيْض

يعتبر في تحقق الحيض توفر أمور خمسة: -

1- أن تكون المرأة بالغة، ويتحقق بلوغها بإكمال تسع سنين هلاليَّة، فلو رأت الدَّم

قبله ولو بلحظة لا يجري عليه أحكام الحيض وإن كان فيه صفاته سواء كانت قرشيَّة أم لا، والمشكَّوك في بلوغها يحكم بعدمه.

2- أن لا يتجاوز عمرها سن اليأس وهو ستِّين سنة إن كانت قرشيَّة، وخمسين إن كانت غير قرشيَّة، وفي حال الشَّكَّ بكونها قرشيَّة فإن كان خروجه في أيَّام عادتها وبصفات الحيض فهو حيض، وإلاَّ فالأحوط وجوباً الجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة، كما سيأتي بيانها.

3- أن يستمر خروج الدَّم ثلاثة أيَّام استمراراً عرفيَّاً ولو في باطن الفرج على الأحوط، فلا يضر انقطاعه في فترات وجيزة لا تتجاوز الحد المألوف للنِّساء.

ص: 174

(مسألة 370) ليلة اليوم الأوَّل والرَّابع خارجتان عن حكم الحيض، ويبقى حكمها في الليلتين المتوسطتين، فلو رأت الدَّم في أيِّ ساعة من النَّهار - مثلاً - يستمر إلى نفس تلك الليلة من نهار اليوم الرَّابع فقط بحيث إذا دخلت لم تحسب منه.4- أن لا يتجاوز استمرار خروج الدَّم عن عشرة أيَّام، فإذا استمرَّ فلا يكون حيضاً من ابتدائه، إلاَّ إذا كان بصفة الحيض ويكون الزَّائد استحاضة، وعليه تكون أيَّام العشرة الأولى أو بعضها من الإستحاضة مع عدم الاتِّصاف بصفات الحيض، كما في العادة العدديَّة، لا الوقتيَّة الآتية أو المبتدئة أو المضطربة كما سيجيء.

(مسألة 371) لو رأت الدَّم ثلاثة أيَّام وانقطع ثمَّ رأته يوم العاشر ولم يتجاوز عن اليوم العاشر فمجموع الدَّم والنَّقاء المتخلِّل يكون بحكم الحيض.

5- أن لا يكون نقاءها من الدَّم بين الحيتين - إن حصل - أقل من عشرة أيَّام، وهي ما يسمَّى بأقل الطُّهر، والأحوط استحباباً في حالة انقطاعه بأقل من هذا المقدار العمل بتروك الحائض وأعمال المستحاضة الآتي بيانها.

الفَصْلُ الثَّالث في أَحْكَامِ المُبْتَدِئَة

هناك أحكام خاصَّة تتعلَّق بالمرأة المبتدئة بالحيض - وقبل أن تصبح ذات عادة - ينبغي بيانها قبل الدخول بأقسام العادة وأحكامها، لما في ذلك من منافع مهمَّة، فنقول: -

المبتدئة وهي (الَّتي ترى الدَّم لأول مرَّة في حياتها من محلِّها الخاص) فلابدَّ لها أن تتحقَّق من توفر صفات وشرائط الحيض الَّتي مرَّت آنفاً، وإلاَّ تتَّبع أحكام المستحاضة.

(مسألة 372) لو تجاوز العشرة أيَّام وكان كلُّه بصفات الحيض فلابدَّ أن ترجع في وظيفتها إلى عادة أقربائها من النِّساء عدداً ووقتاً - إن اتَّفقن - فتجعلها حيضاً والزَّائد استحاضة، وإن اختلفن - في العدد والوقت - أو لم يوجد لها أقارب فلها أن تتحيَّض بستَّة أو سبعة أيَّام في كل شهر إن استمرَّ عندها إلى أن يستقر، إلاَّ أن الأحوط وجوباً اختيار

ص: 175

السَّبعة أيَّام.

(مسألة 373) لو اختلف لون الدَّم عندها في فترات خروجه - كما لو خرج فترة من الزَّمن بلون الحيض وأخرى بلون الإستحاضة - فتجعل ما بصفات الحيض حيضاً إن توفرت شرائطه الماضية، وما بصفات الإستحاضة استحاضة، وإلاَّ تجعل الدَّم كلَّه استحاضة، لأنَّها مبتدأة وقد لا تكون مكلَّفة بعدُ.

(مسألة 374) لو اختلفت صفات الدَّم في فترات خروجه - كما لو خرج فترة من الزَّمن لونه أسود وأخرى أصفر وأخرى حارَّاً - فتجعل ما يغلب عليه صفات الحيض حيضاً وإلاَّ فيعتبر استحاضة.

الفَصْلُ الرَّابِع في عَادَةِ الحَائِضِ وَأَقْسَامُهَا

لو تكرَّر خروج الدَّم (الحيض بصفاته) من المرأة - المبتدئة أو المضطربة - مرَّتين متماثلتين - أصبحت ذات عادة مستقرَّة، وهي على أقسام: -

الأوَّل: ما لو تماثلت مرَّتين في الوقت والعدد معاً، بأن ترى المرأة الدَّم - مثلاً - في أوَّل كل من الشَّهرين أو في وسطهما أو في آخرهما ستَّة أيَّام، وهذه لابدَّ وأن تتحيَّض بمجرَّد رؤية الدَّم في موعده - في الأشهر اللاحقة - وإن لم يكن بصفات الحيض في بعض الحالات كالمرض، وتسمَّى بذات عادة وقتيَّة وعدديَّة.

الثَّانية: ما لو تماثلتا في الوقت فقط، بأن ترى المرأة الدَّم في كل شهر وقتاً واحداً كأوَّله فقط أو وسطه كذلك أو آخره مستمرَّاً باختلاف في العدد، وهذه تتحيَّض برؤية الدَّم - حتَّى لوتقدَّمت رؤيته على الوقت بيوم أو يومين أو تأخَّرت كذلك -، سواء كان الدَّم واجداً لصفات الحيض أم لا في بعض الحالات، بشرط أن لا يقل عن ثلاثة أيَّام، وتسمَّى بذات عادة وقتيَّة فقط.

الثَّالثة: ما لو تماثلتا في العدد فقط، بأن ترى المرأة الدَّم في كل شهر عدداً واحداً مع اختلاف الوقت فيه - فمثلاً خمسة أيَّام في أوَّل شهر أو خمسة في وسطه أو مثلها في آخره -، فهذه تتحيَّض بمجرَّد رؤية الدَّم بصفاته المتقدِّمة، وإن كان فاقداً لصفاته تتحيَّض بعد ثلاثة

ص: 176

أيَّام، والأحوط وجوباً في الأيَّام الثَّلاثة الجمع بين أحكام الحائض والمستحاضة الآتي بيانهما، وتسمَّى بذات عادة عدديَّة فقط.

(مسألة 375) لو رأت الدَّم من أيَّام عادتها ثلاثة أيَّام - مثلاً - ثمَّ انقطع ثمَّ رأته ثلاثة أيَّام أخرى أو أزيد فإن كان المرئي الثَّاني واجداً للصِّفات أو كان أحدهما واجداً والآخر كان في أيَّام العادة، وان لم يكن واجداً لها وكان مجموع الدَّمين والنَّقاء الَّذي بينهما عشرة أيَّام أو أقل كان الكل حيضاً حتَّى النَّقاء المتخلِّل بينهما فيجب - مثلاً - قضاء الصَّوم لو صامت في هذا النَّقاء.

أمَّا لو لم يكونا معاً واجدين للصِّفات أو كان أحدهما واجداً لها ولكن لم تكن الأيَّام أيَّام عادة فيكون الفاقد للصِّفات دم استحاضة، هذا كلُّه في حالة عدم تجاوز الدَّمين والنَّقاء عشرة أيَّام.

فإن تجاوز المجموع العشرة فإن تخلَّل بين الدَّمين أقل الطُّهر - وهو عشرة أيَّام - كان كل من الدَّمين حيضاً مستقلاًّ إذا كان كلٌّ منهما في العادة أو واجداً للصِّفات أو كان أحدهما في العادة والآخر واجداً للصِّفات مع اشتراط كون كل من الدَّمين المرئيين ثلاثة أيَّام على الأقل، إذ فاقد الصِّفات في غير أيَّام العادة استحاضة.

وإن لم يتخلَّل بينهما أقل الطهر جعلت ما في عادتها حيضاً والآخر استحاضة، وإذا لم تعرف أيَّام عادتها جعلت الواجد للصِّفات حيضاً والفاقد استحاضة، ومع التَّساوي جعلت الحيض أوَّل زمان رؤية الدَّم.

الفَصْلُ الخَامِس في أَحْكَامِ المُضْطَرِبَة

وهي من لم تستقم لها عادة لا وقتاً ولا عدداً، بأن كانت سابقاً منتظمة ثمَّ اضطربت، بسبب بعض العوارض الطَّارئة عليها - كمن ترى الدَّم في خمسة أيَّام من العشرة الأولى في شهر، ثمَّ رأته أربعة أيَّام في العشرة الأخيرة من شهر آخر، ثمَّ رأته سبعة أيَّام في العشرة الوسطى من الشَّهر الثَّالث وهكذا، واستمرَّ هذا الاضطراب - فحكمها حينئذ حكم المبتدئة، إلاَّ أنَّ الفرق بينهما أنَّ المضطربة تختبر حالتها أوَّلاً بالصِّفات

ص: 177

والشَّرائط - المتقدِّمة - فإن لم يكن الدَّم واجداً لهما فتتحيَّض بسبعة أيَّام على الأحوط وجوباً، والمبتدئة - الَّتي لم تره سابقاً حتَّى تكون لها عادة - ترجع إلى عادة أقاربها أوَّلاً ثمَّ مع عدم الإمكان فإلى العدد وهو السَّبعة كما مرَّ.

الفَصْلُ السَّادس في أَحْكَامِ نَاسِيةِ العَادَة

ناسية العادة الشَّهريَّة على حالات ثلاث، وهي: إمَّا ناسية للعدد فقط، أو للوقت فقط، أو للعدد والوقت كليهما.

الأولى: وهي الَّتي تعرف وقت عادتها ولكن لا تدري - مثلاً - أنَّها ثلاثة أيَّام أو أربعة أيَّام أو خمسة أو أكثر، فحكمها أن ترجع إلى صفات الحيض، فإن كان واجداً له في كل الأيَّام بشرط أن لا تتجاوز العشرة اعتبرت الكل حيضاً، وإن تجاوز حيضها العشرة أخذت بأكثر الاحتمالاتمن عدد عادتها، كما إذا احتملت ما بين الخمسة أيَّام أو الستَّة أو السَّبعة فتجعل حيضها سبعة أيَّام والزَّائد استحاضة.

الثَّانية: وهي الَّتي تعرف عدد أيَّام حيضها ولكن نسيت وقته في أنَّه هل هو في أوَّل الشهر - مثلاً - أو وسطه أو آخره ؟، وخرج الدَّم حال احتمالها أنَّ بعض هذه الأيَّام كان يصادف أيَّام حيضها فحكمها كالحكم السَّابق فيما لم يتجاوز العشرة وكان بصفات الحيض فهو حيض حينئذ.

أمَّا لو لم يكن عندها واجداً للصِّفات فيجب عليها الاحتياط في جميع الأيَّام الَّتي رأت الدَّم فيها بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة.

وكذلك يجب عليها الاحتياط لو تجاوز - عند هذه النَّاسية - الدَّم الأكثر من العشرة ولم يكن بمقدورها تحديد أيَّام حيضها ولو بالقرائن، وإن لم يكن بصفات الحيض لكونها قد تكون مريضة.

أمَّا لو لم تكن النَّاسية للوقت تحتمل مصادفة أيَّام الحيض خلال رؤيتها للدَّم فيجب عليها إن رأته ولم يكن بصفات الحيض أن تعمل - في كل الأيَّام - عمل المستحاضة حتَّى لو تجاوز خروج دمها العشرة، وفي حال تجاوزه ووجدانه للصِّفات تجعل عدد أيَّام عادتها

ص: 178

حيضاً والباقي استحاضة.

وإن كان متجاوزاً العشرة وكان مختلفاً في ألوانه - بأن كان في فترة بصفة الحيض وفي فترة أخرى بصفة الإستحاضة - فحكمها أن تعتبر ما بصفة الحيض حيضاً - بشرط أن لا يقل عن ثلاثة أيَّام ولا يزيد على عشرة -، وما بصفة الإستحاضة استحاضة.

الثَّالثة: وهي الَّتي لا تعرف وقت عادتها ولا عددها، وهذه حكمها كسابقتها، فلو خرج الدَّم وكان واجداً لصفات الحيض تجعله حيضاً - بشرط أن لا يزيد على العشرة -، بلا فرق بين احتمالها بمصادفة رؤية الدَّم لوقت عادتها الاعتيادي وعدمه، فإن تجاوز العشرة وكان بصفة الحيض وكانت لا تحتمل مصادفته لأيَّام عادتها الطَّبيعية فحكمها أن تأخذ بأكثر الاحتمالات وتجعله حيضاً والزَّائد استحاضة، وإن كانت تحتمل مصادفة الحيض لعادتها فيجب عليها أن تحتاط في تمام مدَّة خروج الدَّم بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة.

الفَصْلُ السَّابع في اِسْتِبَراء الحَائِضِ وَاِسْتِظَهَارُهَا

مرَّ الكلام حول الإستبراء في أحكام التخلِّي بخصوصه، وكذلك في أحكام المجنب، أمَّا الحائض ففيها أمران هما الاستظهار والإستبراء.

أمَّا الاستظهار فهو معرفة حالها وما عليها من الأحكام حين اضطرابها أو نسيان عادتها بواسطة الصِّفات والعدد وقد بيَّنَّا بعض الحالات.

والإستبراء هو اختبار حالها في حالة انقطاع الدَّم ظاهراً واحتمال بقاءه في رحمها، فيجب عليها الإستبراء إذا لم تتمكَّن من الاحتياط حال تركها الإستبراء.

ويتحقَّق استبراءها بإدخال قطنة في داخلها إن كانت ثيِّباً أو تقريبها من موضع الدَّم جيِّداً إن كانت بكراً، فإن خرجت ملوَّثة - ولو بصفرة -، فحكمها أن تبقى على التَّحيُّض إن كانت مبتدئة، أو لم تستقر لها عادة، أو كانت عادتها عشرة مع مراعاة الأمور الشَّرعية الأخرى لكون العشرة لم تكن في وقت معيَّن.

وإن استبرأت بعد انقضاء العادة وخرجت القطنة ملوَّثة بقيت على التَّحيُّض في

ص: 179

داخل العشرة استظهاراً يوماً أو يومين، فإن انقطع على العشرة اغتسلت وعملت أعمال الطَّاهرة، وإلاَّ يجب عليها أحكام الإستحاضة.وتظهر فائدة الإستبراء هنا أنَّه لو تركته عمداً واغتسلت فغُسلها باطل إلاَّ إذا ثبت لديها أنَّها كانت نقيَّة تماماً.

الفَصْلُ الثَّامِن في أَحْكَامِ الحَائِض

(مسألة 376) يحرم على الحائض أمور، وهي: -

1- كل ما يحرم على المجنب إتيانه، إلاَّ أن يغتسل كجميع العبادات الَّتي يشترط فيها الطَّهارة كالصَّلاة والصَّوم وغيرهما - كما مرَّ - إلاَّ أنَّ الحائض لا تغتسل إلاَّ بعد نقاءها من الدَّم دون ما لا يشترط فيه كصلاة الميِّت فلا تسقط حتَّى لو كانت المرأة حائضاً.

2- الجماع وطئاً في القبل - ولو كان بالحشفة فقط، بل حتَّى الأقل إحتياطاً - حتَّى ولو لم ينزل، والأحوط وجوباً ترك وطئها دبراً كذلك.

(مسألة 377) لا بأس بالاستمتاع بها بغير الوطء كالتَّقبيل والتَّفخيذ والضَّم، كما لا بأس بوطيها حال نقاوتها من الحيض - بعد غسل موضع الدَّم على الأحوط وجوباً - وإن لم تغتسل ولا شيء عليها أو على زوجها، وإن كان الأحوط استحباباً ترك وطئها مطلقاً حتَّى تغتسل.

(مسألة 378) تجب الكفَّارة احتياطاً على الزَّوج لو غلبته الشَّهوة ووطأ زوجته في أيَّام حيضها، ولا شيء على السَّاهي والنَّاسي والمجنون والجاهل بالموضوع والجاهل بالحكم القاصر دون المقصِّر فتجب عليه إذا كان ملتفتاً على الأحوط.

(مسألة 379) مقدار الكفَّارة في الثُّلث الأوَّل من أيَّام الحيض دينار ذهبي وهو (مثقال شرعي) مع الإمكان أو قيمته من غيره، وفي الثُّلث الثَّاني نصف دينار، وفي الثُّلث الثَّالث ربع دينار، والاعتبار بقيمة يوم الدَّفع لو اختلفت القيم إلاَّ إذا كانت يوم الاستحقاق أكثر مع تقصيره بالتَّأخير فيجب دفع الأكثر حينئذ.

ص: 180

(مسألة 380) لو اتَّفق حيضها مع مقاربتها جماعاً وجب على زوجها الابتعاد عنها فوراً، وإلاَّ وجبت عليه الكفَّارة.

(مسألة 381) تتكرَّر الكفَّارة بتكرُّر الجماع في حال الحيض على الأحوط وجوباً، فلو جامعها في وقت واحد - كالثُّلث الأوَّل مثلاً - مرَّتين فيجب عليه أن يدفع دينارين.

وكذا لو جامعها في الحالات الثَّلاث فتجب الكفَّارات الثَّلاث المذكورة (دينار وثلاثة أرباع الدِّينار).

(مسألة 382) تصرف الكفَّارة - المذكورة - إلى المساكين.

(مسألة 383) لا يجب على الحائض قضاء ما فاتها من الفرائض اليوميَّة أيَّام حيضها إلاَّ في حال دخول وقت الصَّلاة ومضي مقدار أدائها منه ولم تصلِّ وجاءها الحيض، أو نقت من الدَّم وبقي من وقت الصَّلاة ولو ركعة ولم تُصلِّ فعليها القضاء، وكذا لا يجب قضاء مثل صلاة الطَّواف والصَّلاة المنذورة في وقت خاص وصلاة الآيات مع وجود هذا الحدث.

نعم يجب قضاء ما فاتها من الصِّيام الواجب في حيضها، وكذا الاعتكاف المنذور إعادة لو كان مطلقاً أو قضاءاً لو كان معيَّناً، وكذا طواف الحج والعمرة بعد أيَّام نقائها في بعض الموارد كما هو موضَّح في محلِّه.

(مسألة 384) لا يصح طلاق المرأة - ولا ظهارها حال الحيض - فيما لو توفَّرت فيها الأمور الآتية: -1 - أن تكون مدخولاً بها ولو في الدُّبر.

2 - أن لا تكون حاملاً إلاَّ إذا مضى عليها ثلاثة أشهر.

3 - أن يكون زوجها متمكِّناً من استعلام حالها بسهولة، سواء كان حاضراً أو غائباً.

فلو لم تكن مدخولاً بها أو كانت حاملاً ومضى عليها ثلاثة أشهر أو كان زوجها غير متمكِّن من استعلام حالها صحَّ طلاقها في خصوص ما لو كان غائباً عنها على الأحوط، وكذا يصحَّ حال نقاءها وإن لم تغتسل.

(مسألة 385) لو طلَّقها باعتقاد أنَّها طاهرة فبانت حائضاً كان الطَّلاق باطلاً، وإن

ص: 181

طلَّقها باعتقاد أنَّها حائض فبانت طاهرة كان صحيحاً.

(مسألة 386) يستحب للحائض التَّنظيف، وتبديل القطنة أو الخرقة، والوضوء في أوقات الفرائض اليوميَّة، والجلوس في مصلاَّها، والاشتغال بذكر الله تعالى والصَّلاة على محمد وآل محمد صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، وقراءة القران وإن كانت مكروهة في غير هذا الوقت وبمقدار لا يزيد على سبع آيات، والأولى اختيار التَّسبيحات الأربع.

(مسألة 387) يكره للحائض كل ما يكره للمُجنب فعله راجع ص170.

الفَصْلُ التَّاسِع في أَحْكَامِ غُسْلِ الحَيْضِ

(مسألة 388) غُسل الحيض كغُسل الجنابة مستحب نفسي حال النَّقاء، وكذلك غيري لكل ما يستحب فيه الطَّهارة، أمَّا الأعمال الَّتي يشترط فيها الطَّهارة - عباديَّاً كان كبعض الواجبات أو ما يحرم مسُّه أو غير عبادي كدخولها المسجد لغرض غير عبادي - فيجب عليها الاغتسال كالصَّلاة ومسِّ كتابة القرآن كما تقدَّم، مع التَّصميم على فعل هذه الأعمال.

(مسألة 389) كيفيَّة غسل الحيض ككيفيَّة غُسل الجنابة وبقيَّة الأغسال الأخرى من التَّرتيب والإرتماس فراجع ص161 - 162.

(مسألة 390) غسل الحيض لا يُغني عن الوضوء على الأحوط وجوباً، والأفضل أن يقدِّم الوضوء على الغُسل.

(مسألة 391) يصح اغتسالها من الحدث الأكبر أي كان نوعه - غير الحيض - لو وجب عليها، فلا يحتاج إلى إعادة غُسل الجنابة مثلاً لو أدته - بعد نقاءها من الدَّم - بل حتَّى لو احتملت خروج شيء من الدَّم مع التَّحشي، وكذا يصحُّ منها الأغسال المندوبة والوضوء في بعض القضايا على ما مرَّ، لكن لا ينفعها في الأخيرة فيما يشترط فيه الطَّهارة من العبادات إلاَّ الغُسل الرَّافع كغُسل الجنابة أو غُسل الحيض مثلاً.

ص: 182

المَبْحَثُ الثَّالث الإِسْتِحَاضَة وَأَحْكَامُهَا

(مسألة 392) دم الإستحاضة غالباً أصفر بارد رقيق يخرج بفتور من غير قوَّة ولا دفع ولا حرقة - بعكس دم الحيض - وقد يأتي بصفاته في بعض الحالات نادراً، ولا حدَّ لقليله ولا لكثيره.

(مسألة 393) كل دم تراه المرأة قبل بلوغها أو بعد اليأس أو كان أقل من ثلاثة أيَّام أو أكثر من عشرة أيَّام ولم يكن دم قرح أو جرح أو نفاس أو بكارة فهو محكوم بحكم الإستحاضة.

(مسألة 394) خروج دم الإستحاضة ولو كان بمقدار أبرة ناقض للطَّهارة وموجب للحدث.

(مسألة 395) تنقسم الإستحاضة إلى ثلاثة أقسام وهي: -

1 - القليلة، وهي ما يلوِّث دمها القطنة فقط - حال وضعها في المحل الخاص - ولا يغمسها.

2 - المتوسِّطة، وهي الَّتي دمها أكثر من السَّابقة بحيث يغمس دمها القطنة - ولو من بعض جوانبها - ولكن لا يسيل منها إلى الخارج.

3 - الكثيرة، وهي ما كان دمها كثيراً بحيث يغمس دمها القطنة ويسيل منها إلى الخارج.

(مسألة 396) لو أرادت المستحاضة العبادة - كالصَّلاة أو الصَّوم أو الاعتكاف أو الطَّواف - ولا تعرف من أيِّ أقسامها هي، فلابدَّ لها - قبل أن تبدأ بعبادتها - أن تختبر نفسها، وذلك بأن تُحشِّي (تدخل) في فرجها قطنة وتنتظر حالها أو تقرِّب القطنة منه جيِّداً لو كانت بكراً - كالحائض -، لكي تعرف وتتيقَّن من حكمها، فإن لم تختبر نفسها - عمداً أو سهواً - وأتت بأعمال المستحاضة فلا يجزي عنها إلاَّ إذا طابق عملها الواقع المقرَّر لها كما

ص: 183

لو عرضت عملها على الحاكم الشَّرعي فأمضى لها ذلك.

(مسألة 397) لو لم تتمكَّن من اختبار نفسها - لضيق الوقت مثلاً - أخذت بما تعرف من حالتها السَّابقة لها من القلَّة أو التَّوسط أو الكثرة، وإن لم تعرف حالتها السَّابقة - أو كانت قد تردَّدت - أخذت بحكم القدر المتيقَّن به وهو القسم الأقل.

(مسألة 398) حكم الإستحاضة القليلة تبديل القطنة - أو تطهيرها - وتطهير الموضع الظَّاهري إن تنجَّس بالدَّم، ثمَّ الوضوء لكل صلاة فريضة كانت أو نافلة على الأحوط وجوباً، دون الأجزاء المنسيَّة وسجود السَّهو وصلاة الاحتياط ولكنَّه أحوط.

(مسألة 399) حكم الإستحاضة المتوسِّطة كالحكم السَّابق مع وجوب غسل واحد في اليوم، فإن كان حدثها قبل أو أثناء صلاة الفجر اغتسلت ثمَّ صلَّت ويستفاد منه للظُّهرين، وإن كان قبل أو أثناء الظهرين كفى غسل واحد لهما وللعشاءين ثمَّ صلَّت، وإن كان قبل أو أثناء العشاءين اغتسلت ثمَّ صلَّت والأحوط أن تتوضَّأ بعد الاغتسال.

(مسألة 400) حكم الإستحاضة الكثيرة كالحكمين السَّابقين بإضافة غُسلين آخرين، أحدهما للظهرين تجمع بينهما، وثانيهما للعشاءين تجمع بينهما أيضاً، ولا يجوز لها الجمع بين أكثر من صلاتين في غُسل واحد.

(مسألة 401) إذا أرادت المستحاضة بالكبيرة عدم الجمع بين الصَّلاتين فلابدَّ لها من أن تغتسل لكلِّ صلاة تؤدِّيها.(مسألة 402) يرتفع حدث الإستحاضة بانتهاء الدَّم وبنقاء باطن المحل الخاص من الدَّم وإلاَّ - بأن كان فيه شيء - فالحدث مستمر والحكم باقي وإن لم يكن خارجاً على الأحوط.

(مسألة 403) وجوب تجديد الوضوء في الأحكام الماضية إنَّما يكون عند استمرار الدَّم للمستحاضة، وإلاَّ فلو علمت بأنَّ لها فترة تسع الطَّهارة والصَّلاة وجب تأخير الصَّلاة إليها، ولو قدَّمت الصَّلاة بطلت ووجبت الإعادة.

(مسألة 404) يجب على المستحاضة بعد الوضوء أو الغُسل - على اختلاف نوعيَّة الإستحاضة - المبادرة إلى الصَّلاة إن لم ينقطع الدَّم بعدهما أو خافت عوده قبل

ص: 184

الصَّلاة أو أثنائها لو انقطع وأرادت التَّأخير.

(مسألة 405) يجب على المستحاضة - بعد إتيانها الوضوء أو الغُسل - التَّحفُّظ من خروج الدَّم - مع عدم خوف الضَّرر - بحشو المحل بقطنة أو نحوها وشدها بخرقة أو نحوها أو تشميل نفسها بما ينفع لو كانت بكراً، فإن قصَّرت في التَّحفظ وخرج الدَّم قبل الصَّلاة أو أثنائها وجبت إعادة الغُسل والصَّلاة، نعم لو كان خروج الدَّم لغلبة كالنَّزف لا لتقصير منها في التَّحفظ فلا بأس.

(مسألة 406) إذا تبيَّن - حال الاختبار - انتقال استحاضتها من القليلة إلى المتوسِّطة أو الكثيرة أو من المتوسِّطة إلى الكثيرة صحَّت عبادتها الماضية إن كانت عاملة على طبق ما يجب عليها من الأحكام المتقدِّمة.

وأمَّا الصَّلوات المستقبليَّة فيجب عليها - قبل أدائها - أن تعمل على طبق حكم الحدث الجديد الَّذي انتقلت إليه.

(مسألة 407) يصحُّ الصَّوم من المستحاضة القليلة حتَّى لو لم تتوضأ، وأمَّا المتوسِّطة فيتوقَّف صحَّة صومها على غسل الفجر مقدِّمة له عليه، وأمَّا الكثيرة فيتوقَّف على الأغسال النَّهاريَّة مع غسل الغداة تقدِّمه على الفجر للصِّيام كذلك كما سيأتي في كتاب الصَّوم.

(مسألة 408) المستحاضة تجب عليها صلاة الآيات وتفعل لها كما تفعل لليوميَّة، ولا تجمع بين الآيات واليوميَّة بغُسل وإن اتَّفقت في وقتها.

(مسألة 409) يجب على المستحاضة حين انقطاع الدَّم الاغتسال - حتَّى لو كانت مغتسلة قبله بفترة يسيرة لفرائضها - وذلك لرفع الحدث تامَّاً كي تكون جاهزة لأداء ما يجب من العبادات المشروطة بالطَّهارة كالأوَّل.

(مسألة 410) إذا أحدثت بالحدث الأصغر أثناء غُسل الإستحاضة، فالظَّاهر أنَّه كغسل الجنابة فتتمُّه وتعيده و يجب عليها الوضوء بعده وإن توضأت قبله على الأحوط.

(مسألة 411) الأحوط للمرأة عدم قضاء الفوائت الموسَّعة حال الإستحاضة، وأمَّا المضيَّقة فلا إشكال في وجوب إتيانها بعد الإلتزام بما يجب عليها كقضاء الصَّوم المضيَّق.

(مسألة 412) يتوقَّف أداء الفرائض المشروطة بالطَّهارة كالصَّلاة والصِّيام والاعتكاف

ص: 185

والحج والعمرة وغيرها كدخول المساجد - للمستحاضة - والمكث فيها والوطء للزَّوجة وقراءة العزائم - عدا مسِّ القران واسم الجلالة من المكتوبات المباركة إحتياطاً - على الاغتسال - كما مرَّ -، فلو أخلَّت بالأغسال الصَّلاتيَّة ومنها تبديل القطنة لا يجوز لها ذلك واجتنبت ما أبيح لها حتَّى تطهر إحتياطاً.

وأمَّا مسُّ القرآن وما يتبعه فيتوقَّف على الغُسل والوضوء الَّذي بعد النَّقاء - لحرمة المسِّ على المُحدث بالأكبر أو الملحق به أو الأصغر -، لصدق الحدثيَّة، وهو استمرار الدَّم ولعدمالحاجة إلى المس بصفة أكثر، بل حتَّى من دخول المساجد مع الاحتياط أيضاً بعدم دخولها في حالة عدم الحاجة إليه.

ص: 186

المَبْحَثُ الرَّابِع النَّفَاس وَأَحْكَامُه

وفيه فصول: -

الفَصْلُ الأوَّل في صِفَةِ دَمِ النَّفَاس

النَّفاس دم يقذفه الرَّحم عند الولادة بظهور أوَّل جزء من الولد أو بعده، على نحو يُعلم استناد خروج الدَّم إليها، سواء كان الولد تامَّ الخلقة أم لا، كالسِّقط وإن لم تلج فيه الروح، بل ولو كان مضغة أو علقة بشرط أن يعلم بكونها مبدأ نشوء الإنسان.

(مسألة 413) لا حدَّ لأقل النَّفاس فيمكن أن يكون لحظة بين العشرة، وأكثره عشرة أيَّام، وإن كان الأولى استحباباً رعاية الاحتياط فيما لو استمرَّ الدَّم بعدها أو بعد العادة إلى ثمانية عشر يوماً من الولادة، ويكون مبدأ حسابها من تمام الولادة فتجتنب عمَّا يجب اجتنابه على النُّفساء مع الإلتزام بوظيفة المستحاضة حين أداء العبادات.

(مسألة 414) بما أنَّه يحتمل أن لا ترى المرأة دماً عند ولادتها، فحينئذ لو لم تره إلى انتهاء عشرة أيَّام من حين الولادة فليس لها نفاس أصلاً.

(مسألة 415) إذا رأت المرأة الدَّم بعد العشرة من ولادتها فهو استحاضة إن لم يكن فيه صفات الحيض ولم يكن مصادفاً لذلك في أيَّام عادتها الحيضيَّة، وكذا إذا رأت الدَّم قبل العشرة منفصلاً عن الولادة وتجاوز العشرة، أمَّا لو رأت الدَّم قبل العشرة وانقطع إلى العشرة فهو نفاسها.

(مسألة 416) لو ولدت أثنين (توأماً) بفاصل زمني بينهما بلا قيد في مدَّته كان لها نفاسان، أي أنَّ النَّقاء الحاصل بينهما يعتبر طهراً فيجب العمل بأحكام الطَّاهرة، وحينئذ لا فصل بعشرة أيَّام ليكون أقل الطهر بين النَّفاسين كما في الحائض حتَّى يلزم التَّقيُّد به، فإذا

ص: 187

ولدت - مثلاً - ورأت الدَّم إلى عشرة أيَّام ثمَّ ولدت مولوداً آخر بعد يوم أو يومين أو أكثر من تلك العشرة ورأت الدَّم الثَّاني إلى عشرة أخرى أو الأقل فالدَّمان جميعاً نفاسان وإن لم يفصل بينهما عشرة أيَّام تامَّة في الطُّهر، بل يمكن حتَّى الأقل بل قد يتواليا بلا فاصل.

(مسألة 417) لو لم تر المرأة دماً حين ولادتها بل رأته قبل مضي عشرة أيَّام ثمَّ انقطع عنها بالمرَّة كان هذا الدَّم نفاساً، أمَّا لو رأته حين الولادة ثمَّ انقطع ثمَّ رأته قبل العشرة وانقطع عنها بعد العشرة فيكون الدَّمان والنَّقاء المتخلِّل بينهما نفاساً واحداً ما لم تكن الرؤية أزيد من العشرة كما مضى.

الفَصْلُ الثَّاني في أَقْسَامِ النَّفَاس

(مسألة 418) دم النَّفاس باعتبار عدد أيَّامه على ثلاثة أقسام: -

الأوَّل: أن لا يتجاوز خروج الدَّم عشرة أيَّام فهذا نفاس يجري عليه أحكامه.

الثَّاني: أن يستمر خروج الدَّم ويتجاوز العشرة أيَّام وكانت لها عادة عدديَّة في حيضها فهذه حكمها الرجوع إلى مقدار أيَّام الحيض فتجعل النَّفاس بعدد أيَّام عادتها،والزَّائد على أيَّامحيضها تعمل فيه عمل المستحاضة وإلاَّ فسيأتي حكمه.

الثَّالث: أن يتجاوز استمرار الدَّم العشرة أيَّام ولم يكن لها عادة عدديَّة، أو كانت مضطربة ناسية فحكمها النَّفاس في تمام العشرة والزَّائد عليها يجري عليها فيه حكم الإستحاضة.

(مسألة 419) لو انقطع دم النَّفاس ظاهراً وكانت تحتمل بقاءه وجب عليها حينئذ الإستبراء، وقد تقدَّمت كيفيَّتها ص179.

(مسألة 420) النُّفساء بعد انتهاء مدِّة نفاسها لو إستمرَّ بها الدَّم إلى أن تجاوز العشرة فإن كانت لها عادة مستقرِّة معروفة وكان بين النَّفاس وعادتها عشرة أيَّام اعتبرت أيَّام العادة حيضاً والزَّائد استحاضة، وإن لم يكن لها عادة كالمضطربة فترجع هنا إلى التَّمييز، فإن كان الدَّم بصفات الحيض فتتحيَّض بعشرة أيَّام والزَّائد استحاضة.

ص: 188

أمَّا لو لم يكن لها عادة ولا تمييز أو كان لها إحدى الحالتين ولكن لم يكن بين عادتها وبين النَّفاس عشرة أيَّام، فهذه لابدَّ لها من الرجوع إلى العدد كما مرَّ في الحيض.

الفَصْلُ الثَّالث في أَحْكَامِ النَّفَاسِ

(مسألة 421) النُّفساء بحكم الحائض في الاستظهار عند تجاوز الدَّم أيَّام العادة، وفي لزوم الإستبراء عند ظهور انقطاع الدَّم.

(مسألة 422) النُّفساء كالحائض في الواجبات والمحرمَّات وبقيَّة الأحكام كعدم صحَّة طلاقها فلتراجع هناك.

(مسألة 423) يجب على النُّفساء الاغتسال من نفاسها حال نقائها من الدَّم للواجبات المتوقِّفة على الطَّهارة.

ص: 189

المَبْحَثُ الخَامِس غُسْلُ مَسِّ الميِّت

(مسألة 424) يجب الغُسل على من مسَّ الميِّت الإنسي - دون غيره - سواء كان الماسُّ - عاقلاً أو مجنوناً - يُأمر به بعد إفاقته ووجوبه، في حال الإختيار أو الاضطرار، في اليقضة أو في المنام، وسواء كان الميِّت مسلماً أو كافراً كبيراً أو صغيراً، حتَّى السِّقط إذا تمَّ له أربعة أشهر، وإذا لم يتم له أربعة أشهر فالأحوط إستحباباً الغُسل، وسواء كان الممسوس ظاهراً كاليد والوجه أو باطناً كاللسان وذلك بشرطين: -

1- أن يكون المس بعد برد تمام جسد الميِّت، فلا يجب الغُسل قبل البرد، نعم يتنجَّس العضو الماس مع الرطوبة المسرية في أحدهما فيجب تطهيره، أمَّا مع الجفاف فالأحوط إستحباباً غسل الموضع أيضاً.

2- أن يكون المس قبل الفراغ من الأغسال الثَّلاثة للميِّت، فلو مسَّه بعدها لا يجب الغُسل، أمَّا إذا كان المس بعد تيميم الميِّت عوضاً عن الغُسل، أو كان المغسِّل كافراً لفقد المماثل، أو غُسِّل الميِّت بالماء القراح فقط - لفقد السِّدر والكافور - فالأحوط وجوباً الاغتسال رعاية لتكليف الماس لا الميِّت الَّذي لم يتوفَّر في أمره الأوليَّان أو ما سبق كتيميم الميِّت وتغسيل الكافر.

(مسألة 425) لا فرق بين الماس والممسوس بعد صدق المسِّ بين أن يكون ممَّا تحلُّه الحياة وما لا تحلُّه الحياة كالظفر والعظم فيجب الغسل بمس ظفر الميِّت ولو بظفره.

ويستثنى من ذلك الشَّعر الطَّويل، فلا يجب الغُّسل بمسِّ شعر الميِّت، بخلاف من مسَّ أصول الشَّعر من المتعلِّق ب- (البشرة) مباشرة، أو كان الشَّعر قصيراً جدَّاً بحيث يطلق عليه عرفاً، أنَّه مسَّ جسد الميِّت فيجب عليه الغُسل ولو إحتياطاً.

(مسألة 426) يجب الغُسل بمسِّ القطعة المبانة من الحي أو الميِّت - ولم تُغسل - إذا كانت مشتملة على العظم ، وأمَّا مسُّ غير المشتملة على العظم أو كان العظم مجرَّداً أو

ص: 190

مسَّ السِّن المنفصل منه دون المنفصل من الحي - قبل غُسله - فالأحوط الغُسل بمسِّه.

(مسألة 427) ليس على الطِّفل أو المجنون الماسِّين لجسد الميِّت غُسل، بل بعد بلوغه أو إفاقته.

(مسألة 428) غُسل مسِّ الميِّت لا يُغني عن الوضوء - على الأحوط وجوباً -، فيجب الوضوء مع الاغتسال لكل عبادة مشروطة بالطَّهارة.

(مسألة 429) لا يجب تكرار الغُسل حال تعدُّد مسِّ الأموات أو الميِّت الواحد عدَّة مرَّات فيكفيه غُسل واحد.

(مسألة 430) مسُّ الميِّت قبل الاغتسال منه ليس كالجنابة والحيض، بل هو كالحدث الأصغر في بعض الأمور، فيجري عليه أحكامه كجواز دخول المساجد وما بحكمها وعدم جواز مسِّ كتابة القران ونحو ذلك إلاَّ بعد الاغتسال منه والوضوء.

ص: 191

المَبْحَثُ السَّادس أَحْكَامُ الأَمَوَات

وفيه فصول: -

الفَصْلُ الأوَّل فيمَنْ ظَهَرَتْ عِنْدَهُ إِمَارَاتُ المَوْت

(مسألة 431) يجب على من ظهرت عنده إمارات الموت أداء الحقوق الواجبة الرَّاجعة إلى النَّاس أو إلى الله تعالى، بل حتِّى من كان صحيحاً على الأحوط إستحباباً، وأنفع له من أن يُناب عنه بعد وفاته.

فالأول: كرد الأمَّانات الَّتي عنده أو الإيصاء بها إذا إطمئنَّ بالوصي، وكذلك الدُّيون المترتِّبة عليه من حقوق النَّاس الأخرى والخمس - وإن كان منه حق الله - والزَّكاة - وإن كان منها سبيل الله - وكذلك ردود المظالم واللقطات ومجهول المالك ونحو ذلك.

والثَّاني: كقضاء الواجبات العباديَّة من الصَّلاة والصَّوم والحج ممَّا لا نيابة فيه في قيد الحياة حتَّى الحج مع القدرة وكالتَّوبة عن المعاصي، وأمَّا الحج مع عدم القدرة ففيه النِّيابة على التَّفصيل في محلِّه من كتابنا (غُنية النَّاسكين) وفيما يأتي هنا مناسباً.

(مسألة 432) حقيقَّة التَّوبة النَّدامة والرجوع إلى الله محمد، وهي من الأمور القلبيَّة، مع الاحتياط الواجب في إبرازها بالتَّلفُّظ بقول (أستغفر الله ) أيضاً.

(مسألة 433) إذا كان عليه واجب لا يقبل النِّيابة كالصَّلاة والصَّوم والحج حال الإستطاعة، فيجب المبادرة لأدائها، وإن لم يتمكَّن فيجب الإيصاء بها إذا خاف الفوت وخاف أن لا يعتنى بأمره لولا الوصيَّة إذا كان له مال، وفي حال وجود الولد الأكبر يتخيَّر بين إعلامه للنِّيابة وبين الإيصاء به من ماله الخاص.

(مسألة 434) لا يجب عليه نصب القيِّم على أطفاله الصِّغار إلاَّ إذا كان تركه تضييعاً لهم ولحقوقهم ويجب أن يكون القيِّم أميناً.

ص: 192

الفَصْلُ الثَّاني الإِحْتِضَار

(مسألة 435) يجب توجيه المسلم حال الإحتضار إلى القبلة وجوباً كفائيَّاً، بأن يُلقى على ظهره ويجعل باطن قدميه ووجهه إلى القبلة، بشكل ما لو أُجلس لكان وجهه إلى القبلة، بل يجب ذلك على نفس المحتضر إذا تمكَّن منه، رجلاً كان المحتضر أو امرأة، صغيراً كان في وجوب توجيهه أو كبيراً، كما يعتبر في التَّوجيه إذن الولي إذا كان الموجِّه غيره.

(مسألة 436) الأحوط مراعاة الاستقبال بالكيفيَّة الَّتي ذكرناها في جميع الحالات إلى ما بعد الفراغ من الغُسل، وأمَّا في فترة ما بعد الغُسل إلى الدَّفن فالأولى وضعه بنحو ما يوضع حال الصَّلاة عليه.

(مسألة 437) المشهور بين العلماء (رضوان الله عليهم) استحباب الأمور التَّالية عند الإحتضار، وهي: -

1 - نقل المحتضر إلى مصلاَّه إن إشتدَّ عليه النَّزع ليسهل عليه.

2 - تلقينه الشَّهادتين والإقرار بالأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ وسائر الإعتقادات الحقَّة، وكذلك كلمات الفرج الَّتي تبدأ بقول (لا إله إلاَّ الله الحليم الكريم) إلخ.

3 - قراءة القران عنده، والأولى (سورة يس والصَّافات) لكي يسهل عليه الإحتضار.

كما يكره الأمور التَّالية: -

أ - أن يحضره جُنب أو حائض، لإنَّ المُحتضر تحضر عنده الملائكة، فتتأذَّى بحضورهما.

ب - أن يُمسَّ حال النَزع.

فينبغي تطبيق هذه الأمور.

(مسألة 438) يستحب بعد الموت إجراء الأمور التَّالية وهي: -

1- تغميض عينيه، وتطبيق فمه، وشد فكَّيه، ومدِّ يديه إلى جنبيه، ومدِّ رجليه، وتغطيته بثوب.

ص: 193

2- الإسراج في مكان الموت إن مات في الليل.

3- إعلام المؤمنين بموته للقيام بتشييعه.

4- التَّعجيل في دفنه، فلا يؤخَّر إلى الليل إن مات نهاراً، إلاَّ إذا لم يُعلم موته فينتظر حتَّى اليقين.

كما يكره الأمور التَّالية وهي: -

1- تثقيل بطنه بحديد وغيره لئلاَّ تخرج أحشاؤه.

2- أن يترك وحده.

3- كثرة الكلام والبكاء عنده.

4- حضور الجُنب والحائض عنده، بل إختلاء النِّساء عنده.

الفَصْلُ الثَّالث الغُسْلُ وَشَرَائِطُه

(مسألة 439) يجب - كفائيَّاً - تغسيل الميِّت المسلم، من أيِّ المذاهب كان، نعم يجب أن يكون التَّغسيل على طريقة المذهب الإثنى عشري، وإن لم يكن الميِّت منهم، لإنَّه مبرئ للذمَّة أكثر، على كل التَّقادير الإختلافيَّة المذهبيَّة الأخرى، وعلى ما هو محقَّق.

(مسألة 440) أطفال المسلمين - حتَّى ولد الزِّنا - بحكم آبائهم في وجوب تغسيلهم، وكذا السِّقط إذا تمَّ له أربعة أشهر، أمَّا إذا لم يتم له أربعة أشهر فإن ولجته الروح ولو نادراً يجب تغسيله، وإلاَّ فلا يجب، بل يُلف في خرقة كيف إتَّفق ثمَّ يدفن.

(مسألة 441) لا يجوز تغسيل الكافر - وإن كان من زنا لا ذنب له في الأساس لثبوت الأدلَّة لهذا الحكم التَّعبُّدي - من بحكمه من المسلمين كالنَّواصب والخوارج والغلاة.

والنَّواصب هم الَّذين يتظاهرون بعداوة الأئمَّة المعصومين عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ.

والخوارج هم الَّذين خرجوا على إمام معصوم مفترض الطَّاعة كأهل النَّهروان الَّذين خرجوا على أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ .

والغُلاة هم الَّذين رفعوا الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ إلى مصافِّ الإلوهيَّة، وأخرجوهم عن مرتبة الإنسانيَّة.

ص: 194

(مسألة 442) يستثنى من وجوب التَّغسيل حالات وهي: -

1- الشَّهيد المقتول في المعركة عند الجهاد مع الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أو نائبه الخاص، بشرط أن لا يدركه المسلمون وبه رمق.

2- من وجب قتله برجم أو قصاص، فيجب أن يُأمر بالاغتسال قبل إجراء القتل عليه فإذا اغتسل لا يجب تغسيله - والأحوط أن يُغسل بعد القتل أيضاً إستحباباً -، ويُجهَّز ببقية التجهيزات عليه كذلك.

3- السِّقط الَّذي لم يصل إلى أربعة أشهر لكونه لم تلجه الروح.

(مسألة 443) يجب قبل الشُّروع بالتَّغسيل إزالة النَّجاسة عن كل عضو من أعضاء الميِّت، والظَّاهر كفاية غسل كل عضو متنجِّس قبل الشُّروع في تغسيله، إلاَّ أنَّ الأحوط إستحباباً تطهير تمام الجسد قبل الشُّروع في التَّغسيل.

(مسألة 444) الأحوط ترك تقليم أظافر الميِّت وقص شاربه وحلق رأسه أو عانته، وكذا نتف شعر إبطيه، فإن إنفصل منه شيء فليدفن معه حتَّى السِّن، بل الأحوط عدم التَّخليل إلاَّ فيما لا يصل الماء إلى ظاهر البشرة.

(مسألة 445) لا يجوز ختان الرَّجل بعد موته.

(مسألة 446) يشترط قبل تغسيل الميِّت توفُّر أمور وهي: -

1- إزالة الحاجب والمانع من وصول الماء إلى البشرة.

2- طهارة الماء وإباحته.

3- إباحة السِّدر والكافور.

4- إباحة المحل بل الفضاء.

5- إباحة مجرى الغسالة، والسَّدة الَّتي يُغسَّل عليها الميِّت.

(مسألة 447) يجب تغسيل الميِّت بثلاثة أغسال - مع النيَّة - بالتَّرتيب التَّالي: -

1- ماء السِّدر 2- ماء الكافور 3- ماء القراح

(مسألة 448) كيفيَّة التَّغسيل في المياه الثَّلاثة ككيفيَّة الأغسال الأخرى - الجنابة

وأخواتها - التَّرتيبيَّة، وفي كفاية الإرتماس في هذا الغُسل إشكال سواء أمكن التَّرتيبي أم لا

ص: 195

والأحوط المنع.

(مسألة 449) يشترط في كل من الخليطين - السِّدر والكافور - أن لا يكون كثيراً بمقدار يخرج الماء عن كونه مطلقاً، كما يشترط أن لا يكون قليلاً بمقدار لا يصدق عليه أنَّه مخلوط.

(مسألة 450) إذا كان الميِّت محرماً - للحجِّ أو العمرة - فلا يُغسَّل بالكافور لإنَّه طيب فلا يقرب المحرم، بل يُغسَّل بالماء القراح عوضاً عنه.

(مسألة 451) إذا تعذَّر خلط السِّدر والكافور وجب تغسيله ثلاث مرَّات بالماء القراح (المطلق)، ويكون الأوَّلان بدلاً من السِّدر والكافور، وإذا تعذَّر أحدهما قام ماء القراح مقامه وينوي به بدل السِّدر أو الكافور، مع الاحتياط في الموضعين بتيميمه أيضاً بدل الخليط المتعذِّر.

(مسألة 452) لو فُقد ماء القراح ووجد ماء الخليطين غُسِّل بما هو موجود بإضافة التَّيمم ثلاث مرَّات بدلاً عن الأغسال الثَّلاثة على التَّرتيب.

(مسألة 453) إذا تنجَّس بدن الميِّت بعد انتهاء الغُسل أو في أثنائه - سواء كان التَّنجُّس من بدنه أو من الخارج - وجب تطهير الموضع المتنجِّس - فقط - ولو بعد الوضع في القبر قبل الدَّفن، وأمَّا بعد الدَّفن فلا يجب.

إلاَّ أنَّ الأحوط إعادة الغُسل فيما لو خرج منه - في أثناء الغُسل - بول أو مني، خصوصاً إذا كان في أثناء الغُسل بالقراح.

(مسألة 454)

إذا دفن الميِّت من دون تغسيل تام - عمداً كان أو غير عمد أو كان تغسيلهباطلاً - وجب نبش قبره لتغسيله أو تيميمه إذا لم يستلزم محذوراً من هتكه أو الإضرار ببدنه أو الإضرار بالإحياء، وكذا الحكم في ترك السِّدر أو الكافور أو تبين بطلانها.

(مسألة 455) إذا وجد بعض الميِّت وفيه الصَّدر والقلب جُهِّز تجهيزاً كاملاً من تغسيل وتحنيط وتكفين والصَّلاة عليه ثمَّ الدَّفن، وكذا لو كان الصَّدر وحده أو بعضه على الأحوط وجوباً، وفي الأخيرتين يقتصر في التَّكفين على القميص والإزار، وإن وجد غير

ص: 196

عظم الصَّدر مجرَّداً كان أو مشتملاً على اللحم غُسِّل وحُنِّط ولُفَّ في خرقة ودفن على الأحوط وجوباً، ولا تجب الصَّلاة عليه وإن لم يكن فيه عظم لُفَّ في خرقة.

شُروطُ المغُسِّل

يعتبر في المُغسِّل توفُّر أمور وهي: -

الأوَّل: البلوغ فلا يجزئ تغسيل الصَّبي للبالغ - مع وجود البالغ - وإن كان تغسيله على الوجه الصَّحيح إلاَّ في حالة إنحصاره به، فالصَّبي المسلم - مع معرفته بطريقة التَّغسيل - مقدَّم على الكتابي، وكذا الصَّبي المؤمن مقدَّم على المخالف.

الثَّاني: العقل، فلا يجزئ تغسيل المجنون أو السَّكران.

الثَّالث: الإسلام، والإيمان، بمعنى أن يكون إماميَّاً إثنى عشريَّاً.

(مسألة 456) لا يجزئ تغسيل الكافر للميِّت المسلم ومن بحكمه، إلاَّ في صورة انحصار المماثل للميِّت - المسلم - في الكافر أو الكافرة الكتابيَّة، بأن يأمر المسلم المرأة الكتابيَّة - أو تأمر المسلمة الرَّجل الكتابي - أن يغتسل أوَّلاً ثمَّ بعدها يُغسِّل الميِّت - المسلم -، ولا يمس الماء ولا بدن الميِّت إن أمكن - على الأحوط وجوباً - مع لبس الكفوف المطَّاطيَّة المتعارفة اليوم، وإلاَّ غسَّله بالماء المعتصم كالجاري والكر، والأحوط وجوباً أن ينوي الغُسل كل من الآمر والمُغسِّل نفسه.

(مسألة 457) إذا انحصر المماثل للميِّت المسلم في المخالف، فيقدَّم من أصنافه الرَّحم وإن كان رضاعيَّاً، والأحوط أن يأمر المؤمن المخالفة - أو تأمر المؤمنة الرَّجل المخالف - بتغسيل الميِّت وينوي الآمر النيَّة مع المغسِّل، ولا حاجة إلى اغتساله قبل التَّغسيل.

(مسألة 458) المخالف مقدَّم على الكتابي، ولو لم يوجدا سقط الغُسل.

(مسألة 459) الأحوط وجوباً عند تغسيل غير المماثل في الدِّين - كالكافر - أن يكون من وراء الثِّياب - إذا يستلزم نزعها النَّظر ونحوه - ومن غير لمس ونظر، ثمَّ ينشِّف بدنه بعد التَّغسيل قبل التَّكفين لاحتمال بقاء نجاسته، ويفضَّل في المقام الأعمى الماهر مع لبس

ص: 197

القفَّازين.

الرَّابع: المماثلة مع الميِّت في الأنوثة والذكورة، فلا يجزئ تغسيل الذَّكر للأنثى، ولا الأنثى للذَّكر كما بيَّنَّا - ولو كان من فوق اللباس ولم يلزم لمس أو نظر - إلاَّ في حالات وهي:-

الأوَّلى: إذا كان الميِّت ذكراً لا يزيد سنُّه عن ثلاث سنين، فيجوز لكل من الذَّكر والأنثى تغسيله ولو مع وجود المماثل، أمَّا الصَّبيَّة ففيه إشكال مع وجود المماثل فالأحوط إجراؤه من قبل المماثل فقط.

الثَّانية: الزَّوج والزَّوجة، فيجوز لكل منهما تغسيل الآخر - ولو مع وجود المماثل -، سواء كانت الزَّوجة دائمة أم منقطعة، أمَّا المطلَّقة الرَّجعيَّة في عدَّتها فيجوز مع الاحتياط بعدم النَّظرإلى العورة.

الثَّالثة: المحارم بالنَّسب أو الرَّضاع أو المصاهرة، وهم من لا يجوز التَّزاوج فيما بينهم، والأحوط وجوباً اعتبار فقد المماثل وأن يكون من وراء الثَّياب مع وجوب التَّحفُّظ عن نظر ولمس العورتين حتَّى في المماثل.

الشَّرط الخامس: قصد القربة، ولو إشترك اثنان يجب على كل واحد منهما النيَّة.

الشَّرط السَّادس: أن لا يأخذ أجراً على تغسيل الميِّت، لكن يجوز أخذ العوض على بذل الماء ونحوه - كمكان التَّغسيل - ممَّا لا يجب بذله مجَّاناً.

(مسألة 460) يجوز تغسيل الميِّت من وراء الثِّياب حتَّى لو كان المُغسِّل مماثلاً، وإن كان الأفضل أن يكون الميِّت - في غير ما ذكرناه من المُستثنيات - عارياً ما عدا العورتين.

(مسألة 461) يحرم النَّظر إلى عورة الميِّت، ولكنَّه لا يبطل الغُسل بذلك.

(مسألة 462) يجب الإستئذان من ولي الميِّت لو أراد غيره التَّغسيل، وإذا إمتنع الولي عن المباشرة والأذن سقط اعتبار إذنه، ومراتب الأولياء على التَّرتيب الآتي: -

1 - الزَّوج أولى بزوجته من جميع أقاربها.

ص: 198

2 - المالك أولى بعبده ومملوكته من غيره.

3 - طبقات الأرحام بترتيب الإرث، الطَّبقة الأولى (الأبوان والأولاد)، والطَّبقة الثَّانيَّة (الأخوة والأجداد)، والطَّبقة الثَّالثة (الأعمام والأخوال).

4 - مولى المُعتق، وهو من ملك عبداً ثمَّ أعتقه على فرض وجوده.

5 - ضامن الجريرة، وهو من عاقد غيره على أن يتَّحمل كل منهما جناية الآخر بشرائطه المذكورة في محلِّه.

6 - الحاكم الشَّرعي، فإنَّه ولي من لا ولي له.

7 - عدول المؤمنين لو لم يكن أحد الطَّبقات الماضية ولا حاكم شرعي.

آدَابُ غُسْلِ الميِّت

يستحب في غسل الميِّت أمور وهي: -

1 - جعل الميِّت في مكان مرتفع من سرير أو دكَّة.

2 - وضعه مستقبل القبلة كحالة الإحتضار.

3 - أن يُنزع قميصه من طرف الرِّجلين، وإن استلزم فتقه فيجوز بإذن الوارث.

4 - أن يكون تحت الظِلال من سقف أو خيمة.

5 - أن يكون عارياً مستور العورة.

6 - ستر عورته وإن كان الغاسل والحاضرون ممَّن يجوز لهم النَّظر إليها كعورة الطِّفل أو كان النَّاظر زوجة.

7 - تليين أصابعه برفق، وكذا جميع مفاصله إن لم يتعسَّر.

8 - غسل رأسه برغوة السِّدر أو الخطمي.

9 - غسل فرجيه بالسِّدر أو الأشنان ثلاث مرَّات قبل التَّغسيل.

10 - مسح بطنه برفق ما لم يكن إمراة حاملاً، لإنَّها لو كانت حاملاً يخشى على حملها أن يخرج بذلك المسح إلاَّ إذا عرفت حياته فلا مانع، بل قد يجب في حالات لإنقاذ حياته.

11 - غسل كل عضو من الأعضاء من الرَّأس والجانب الأيمن والأيسر في كل غُسل من الأغسال الثَّلاثة ثلاث مرَّات.

ص: 199

12 - غَسل الغاسل يديه إلى المرفقين، بل إلى المنكبين ثلاث مرَّات في كل من الأغسال الثَّلاثة.

13 - تنشيفه بعد الفراغ بثوب طاهر نظيف، وغير ذلك من المستحبَّات.

ويكره في غُسل الميِّت أمور، وهي: -

1 - إقعاده حال الغُسل.

2 - جعل الغاسل إياه بين رجليه.

3 - غسله بالماء الحار بالنَّار أو مطلقاً إلاَّ مع الاضطرار.

4 - التَّخطي عليه حين التَّغسيل.

5 - إرسال غسالته إلى بيت الخلاء والبالوعة، بل يستحب أن يحفر لها حفيرة خاصَّة.

تَيمِيمُ الميِّتِ بَدَلَ تَغْسِيلِهِ

(مسألة 463) إذا تعذَّر وجود الماء أو خيف من تناثر لحم الميِّت بالغُسل - لكثرة جروحه أو شدَّة

حروقه أو نحوها - يُمَّم ثلاثاً، ونوي بكلِّ واحد منها ما في الذمَّة.

(مسألة 464) يجب أن يكون التَّيمُّم بيدَي الحي، بأن يضرب يديه على الأرض ويمسح بهما وجه الميِّت وظهر يديه، مع الاحتياط الوجوبي بالتَّيمُّم بيدَي الميِّت أيضاً مع الإمكان، وسيأتي كيفيَّة التَّيمُّم وما يشترط فيه تفصيلاً في أحكام التَّيمُّم.

(مسألة 465) لو لم يكن للميِّت مواضع التَّيمُّم - الوجه واليدين - سقط وجوب

التَّيمُّم، وثمَّ لو لم يمكن تغسيله ولا تيميمه دُفن من غير ذلك.

(مسألة 466) لو احتمل تجدُّد القدرة على التَّغسيل فلا يجوز الإنتقال إلى التَّيمُّم إلاَّ بعد حصول اليأس من القدرة، ولو إتَّفق تجدُّد القدرة قبل الدَّفن وجب التَّغسيل، وأمَّا بعد الدَّفن فسيأتي في موارد جواز النَّبش ما يخص ذلك.

(مسألة 467) من مات وعليه غُسل واجب - كالجنابة والحيض - يجزي عنه غُسل الميِّت أو تيميمه مع تعذُّر المياه بإشراكه في النِّية على الأحوط.

ص: 200

الفَصْلُ الرَّابع التَّحْنِيط

التَّحنيط هو مسح الكافور على بدن الميِّت.

(مسألة 468) يجب تحنيط الميِّت - إلاَّ المُحرم بالحج أو العمرة - بعد التَّغسيل - أو التَّيمُّم - وقبل التَّكفين أو في أثنائه أو بعده بإمساس مساجد الميِّت السَّبعة بالكافور، وهي: -

1- الجبهة 2،3 - باطن الكفَّين 4،5 - الرُّكبتان 6،7 - إبهاما الرِّجلين

ويكفي المسمَّى منه، والأحوط وجوباً أن يكون بالرَّاحة ومراعاة التَّرتيب في المساجد، سواء كان الميِّت صغيراً أو كبيراً ذكراً أو أنثى أو خنثى وعلى ما هو عليه من الحكم الخاص به حراً كان الميِّت أو عبداً.

(مسألة 469) يشترط في الكافور الطَّهارة والإباحة وأن يكون مسحوقاً له رائحة، فيسقط وجوبه إن لم يتمكَّن من الكافور الطَّاهر أو المباح أو ما لا رائحة له، ولا يجزئ عنه مطلق الطِّيب كالمسك والعنبر والعود وغيرها، بل الأحوط وجوباً تركها.

(مسألة 470) لا يعتبر في التَّحنيط قصد القربة لكونه واجباً على كل حال وإن توقَّف الثَّواب عليه.

(مسألة 471) إذا ماتت المرأة في حال عدَّة وفاة زوجها يجب تحنيطها، وإن وجب عليها اجتناب التَّطيب في حال حياتها حداداً.

(مسألة 472) لو لم يوجد الكافور أو وجد بمقدار الغُسل فقط سقط التَّحنيط، ولا يقوم طيب آخر عوضاً عنه.

(مسألة 473) لو زاد الكافور عن الغُسل ولكنَّه لا يكفي لإمساس المساجد السَّبعة، بل يكفي بعضها فالأحوط وجوباً تقديم الجبهة على غيرها.

(مسألة 474) إذا شكَّ في صحَّة التَّحنيط بعد الفراغ منه بنى على الصحَّة.

(مسألة 475) يستحب في التَّحنيط أمور وهي: -

1- أن يكون مقدار الكافور وزناً ثلاثة عشر درهماً وثلث، وهو ما يعادل بحسب الدرهم الوافي أربعين غراماً إلاَّ ربع الغرام.

ص: 201

2- إمساس طرف الأنف ومفاصله.

3- خلط الكافور بشيء من التُّربة الحسينيَّة، بمقدار لا يخرجه عن اسم الكافور، ولكن لا يمسح به المواضع المنافية للإحترام بل يوضع عليها الكافور وحده.

(مسألة 476) يكره إدخال الكافور في عين الميِّت أو أنفه أو أذنه.

الفَصْلُ الخَامِس التَّكْفِين

(مسألة 477) يجب تكفين الميِّت المسلم وجوباً كفائيَّاً سواء كان رجلاً أو امرأة أو خنثى أو صغيراً أو كبيراً بإلباسه

ثلاثة أثواب وهي: -

الأوَّل: المئزر، ويستر به ما بين سرَّة الميِّت وركبتيه، والأولى أن يستر به من الصَّدر إلى ما فوق القدم.

الثَّاني: القميص، ويستر به ما بين المنكبين إلى نصف السَّاق، والأولى وصوله إلى ظهر القدم.الثَّالث: الإزار، ويستر به تمام البدن، ويجب أن يكون طوله زائداً على الجسد بمقدار يمكن عقده من طرف الرَّأس والرِّجلين، وأن يكون عرضه بمقدار يمكن أن يوضع أحد الجانبين على الآخر ويلف عليه.

(مسألة 478) يجب - على الأحوط - أن تكون كل واحدة من القطع الثَّلاثة ساترة لما تحتها غير حاكية عنه، وإن حصل السَّتر بالمجموع.

(مسألة 479) يشترط في التَّكفين إذن الولي كما في التَّغسيل، لكن لا يشترط فيه قصد القربة مع الاحتياط بالإتيان به.

(مسألة 480) إذا تعذَّر الحصول على القطع الثَّلاثة، فلا مانع من الاقتصار على ما يتيَّسر من الأثواب السَّاترة، فلو دار الأمر بين أحد الثَّلاث قدَّم الأزار، وإذا دار الأمر بين المئزر والقميص قدَّم القميص، فإذا لم يكن لديه إلاَّ ما يستر به العورة فقط تعيَّن السَّتر به، وإذا دار الأمر بين ستر القبل والدبر تعيَّن ستر القبل.

ص: 202

(مسألة 481) القدر الواجب من الكفن يخرج من أصل التَّركة مقدَّماً على الدُّيون والوصايا والميراث، وهكذا مؤونة سائر التَّجهيزات الواجبة من الدَّفن والسِّدر والكافور وقيمة الأرض وغيرها، ويشترى بأقل القيمة إن أمكن لرعاية مصلحة الوارث في الباقي إذا لم يكن ديون أخر.

وفي إستخراج الزِّيادة من أصل التَّركة لابدَّ من رضا جميع الورثة إذا لم يكن فيهم صغير أو غير رشيد، وإلاَّ تعيَّن إخراجه من حصَّة البالغين الكاملين برضاهم.

(مسألة 482) تنفَّذ الوصية - بالمقدار المستحب من الكفن - من ثلث ماله.

(مسألة 483) كفن المملوك على سيِّده، والزَّوجة على زوجها - ولو كانت غنيَّة - ما لم يتبرع لها متبِّرع، سواء كانت صغيرة أو كبيرة مدخولاً بها أو لا، وكذا المطلَّقة الرَّجعيَّة والمنقطعة والنَّاشز، بلا فرق في الزَّوج بين أن يكون عاقلاً أو مجنوناً، صغيراً أو كبيراً، فيجب على ولي المجنون والصغير إخراجه من مالهما.

(مسألة 484) الأحوط وجوباً للزِّوج إخراج مؤونة سائر تجهيزات زوجته الآخرى.

(مسألة 485) يشترط في وجوب كفن الزَّوجة على الزَّوج أمور وهي: -

1 - تمكُّنه من ذلك، ولو ببيع ما هو زائد على مؤونته الفعليَّة، أو الإقتراض بحيث لا يكون ذلك محرجاً.

2 - أن لا يكون محجوراً عليه قبل موت الزَّوجة بالفلس.

3 - أن لا يكون ماله متعلِّقاً لحق الغير برهن أو غيره.

4 - أن لا يقترن موتها بموته.

5 - أن لا يكون الكفن متعيِّناً بوصيَّة منها، ككونه من ثلث مالها أو غيرها ككونه من ثلث مال غيرها.

(مسألة 486) كفن واجب النَّفقة - عدا الزَّوجة - من الأقارب يخرج من ماله.

(مسألة 487) تكفين المُحرم كغيره، فلا بأس بتغطية رأسه ووجهه، فليس حالهما حال الطِّيب في حرمة تقريبه من الميِّت المُحرم.

ص: 203

شُروطُ الكَفَن

(مسألة 488) يشترط في كفن الميِّت - القطع الثَّلاثة - أمور: -

الأوَّل: أن لا يكون رقيقاً بحيث يحكي البدن كما مرَّ.

الثَّاني: أن يكون طاهراً حتَّى من النَّجاسة المعفو عنها في الصَّلاة.

الثَّالث: أن يكون مباحاً، فلا يجوز بالمغصوب - ولو مع الإنحصار به، فإن لم يرض المالك ببقائه جاز نبش القبر لإخراجه كما سيأتي -، ولو لم يوجد غيره يدفن عارياً.

الرَّابع: أن يكون ممَّا تجوز فيه الصَّلاة إختياراً، فلا يجوز بالذَّهب أو الحرير الخالص وإن كان طفلاً أو امرأة، و لا بما لا يؤكل لحمه، أمَّا في حالة الاضطرار والعجز عن غيره فلا بأس.

الخامس: أن لا يكون من جلد المأكول على الأحوط وجوباً، وأمَّا شعره ووبره فيجوز التَّكفين به.

(مسألة 489) لو تنجَّس الكفن - بنجاسة من الميِّت أو من الخارج - وجبت إزالتها - بتطهير أو قرض - ولو بعد وضعه في القبر، ما لم يَخل بالمقدار الواجب، وإلاَّ فلابدَّ من تبديله مع الإمكان.

(مسألة 490) لو دار الأمر بين ثوب متنجِّس من غير الحرير وبين الحرير غير المتنجِّس فإن أمكن الجمع بينهما وجب على الأحوط - كإلباسه أثواباً من غير المتنجِّس وأثواباً أخرى من المتنجِّس أو قميصاً من شيء ومئزراً من آخر وهكذا - وإلاَّ قدَّم الأوَّل.

مُسْتَحَبَّاتُ الكَفَنِ وَمَكْرُوهَاتِه

يستحب في الكفن توفُّر أمور: -

1- أن يكون من خالص المال.

2- أن لا يكون من الكتِّان أو ممتزجاً به، بل يكون قطناً.

ص: 204

3- أن يكون أبيض.

4- أن يكون من الثَّوب الَّذي أحرم أو صلَّى فيه.

5- أن يكتب على حواشي قطع الكفن الواجبة والمستحبَّة، حتَّى العمامة: -

(فلان بن فلان - ويذكر إسمه وإسم أبيه - يشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له، وأن محمداً صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ رسول الله ، ثمَّ يذكر الأئمَّة الإثني عشر عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ واحداً بعد واحد وأنَّهم أولياء الله وأوصياء رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وأئمَّتي، وأنَّ البعث والثَّواب والعقاب حق).

6- أن يكتب على الكفن القرآن ودعاء الجوشن الكبير والصَّغير، وكذا كتابة السَّند المعروف المسمَّى ب- (سلسلة الذَّهب).

7- إضافة عمامة للرَّجل، ويكفي فيها المسمَّى طولاً وعرضاً.

8- إضافة مقنعة للمرأة بدلاً عن العمامة مع كفاية المسمَّى أيضاً.

9- إضافة لفَّافة لثدي المرأة.

10- إضافة خرقتين للميِّت - ذكراً أو أنثى -، واحدة يعصِّب بها وسطه، والثَّانية يلفُّ بها فخذاه.

11- إضافة بردة يمانيَّة فوق الأزار يلف بها تمام البدن.

12- جعل شيء من القطن أو نحوه بين رجليه بحيث يستر عورتيه، ووضع شيء من الحنوط عليه، ولو خيف خروج شيء من دبره - أو دم من منخريه - يحشِّيهما بالقطنة.

13- أن يلقى عليه شيء من الكافور والذَّريرة، بل يستحب التَّبرُّك بتربة الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ومسحه بالضَّريح المقدَّس أو بضرائح سائر الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ بعد غسله بماء الفرات أو بماء زمزم إن أمكن.

14- أن يجعل الطَّرف الأيمن من اللفَّاف على الأيسر، وبالعكس.

15- إجادة الكفن، فقد ورد أنَّ ((الأموات يتباهون يوم القيامة بأكفانهم ويحشرون بها)) ولذا يستحب أعلاه خيطاً ونسجاً.

16- أن لا يكون مخيطاً، وإن احتاج إلى الخياطة يخاط بخيوطه.

17- أن يكون المباشر للتَّكفين على طهارة.

18- أن ترفق معه جريدتان على ما سيجيء قريباً ما يخصُّه بإستقلال.

ص: 205

كما يكره في الكفن أمور: -

1- قطعه بالحديد.

2- عمل الأكمام والأزرار إذا كان جديداً، ولو كفِّن في قميصه الملبوس له حال حياته قطع أزراره، ولا بأس بأكمامه.

3- بلِّ الخيوط الَّتي يخاط بها بريقه.

4- تبخرُّه بدخان الأشياء الطِّيبة الرِّيح.

5- كونه أسود، وأن يكتب بالسَّواد.

6- الممَّاكسة في شرائه.

7- كونه وسخاً غير نظيف.

الجَرَيدَتَان

(مسألة 491) يستحب - عند الإماميَّة - إستحباباً مؤكَّداً وضع جريدتين رطبتين مع الميِّت ذكراً كان أو

أنثى صغيراً أو كبيراً، فقد ورد أنَّ الجريدة تنفع المؤمن والكافر والمحسن والمسيء، وما دامت رطبة يرفع عذاب القبر عن صاحبها.

(مسألة 492) كيفيَّة وضع الجريدتين: -

أن توضع إحداهما في الجانب الأيمن من التُّرقوة إلى حيث تبلغ ملتصقة بجسده، والأخرى في الجانب الأيسر من التُّرقوة إلى حيث تنتهي تحت اللفَّافة وفوق القميص.

(مسألة 493) الأولى أن تتوفَّر في الجريدتين أمور: -

1 - أن تكون من النَّخل، فإن لم يتيسَّر فمن السِّدر، وإلاَّ فمن الخلاف (الصَّفصاف) أو الرُّمان، وإلاَّ فمن كل عود رطب.

2 - أن يكون طولها بمقدار ذراع اليد.

3 - أن يكتب عليهما ما يكتب على حواشي الكفن من اسم الميِّت وإسم أبيه، وأنَّه يشهد الشَّهادتين، وأنَّ الأئمَّة من بعد النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أوصياؤه ويذكر أسمائهم واحداً بعد واحد.

ص: 206

(مسألة 494) لو تركت الجريدتان لنسيان أو نحوه، فالأولى جعلهما فوق القبر واحدة عند رأسه، والأخرى عند رجليه.

الفَصْلُ السَّادِس التَّشِييع وَمُسْتَحَبَّاته وَمَكْرُوهَاته

(مسألة 495) يستحب إعلام المؤمنين وإخبارهم لكي يحضروا تشييع المتوفَّى والصَّلاة عليه والإستغفار له، كما يستحب للمؤمنين المبادرة إلى ذلك، والأخبار في فضله كثيرة ومتظافرة.

ففي بعضها (مَنْ شيَّع جنازة مؤمن فله بكلِّ قدمٍ مائتا أَلف حسنة ويمحى عنه مائة أَلف سيئة ويُرفع له مائة أَلف درجة، وإن صلَّى عليه يشيِّعه حين موته مائة أَلف مَلك يستغفرون له إِلى أن يُبعث).

(مسألة 496) يستحب في التَّشييع أمور وهي: -

1- قول (إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون) عند رؤية الجنازة، وقول ( الله أَكْبَرُ هَذَا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُه، وَصَدَقَ الله وَرَسُولُه، اللَّهمَّ زِدْنَا إِيمَانَاً وَتَسْلِيمَاً، الحَمْدُ للهِ الَّذِي تَعَزَّزَ بالقُدْرَةِ وَقَهَرَ عِبَادَهُ بِالمَوتِ وَالفَنَاءِ) وغير ذلك من الأدعية.

2- أن يقول حين حمل الجنازة (بِسْمِ الله وَبِاللهِ وَصَلَّى الله عَلَى محمد وَآلِ محمد، اللَّهمَّ إِغفْرِ لِلمُؤمِنِينَ وَلِلمُؤمِنَات).

3- أن يمشي ولا يركب إلاَّ لعذر.

4- أن يحملوه على أكتافهم.

5- أن يكون المشيِّع خاشعاً متفكِّراً متصوِّراً أنَّه هو المحمول.

6- أن يمشي خلف الجنازة، أو طرفيها، ولا يمشي أمامها كما يفعله البعض.

7- أن يلقى عليها ثوب غير مزَّين.

8- أن يكون حامل الجنازة أربعة.

9- تربيع الشَّخص الواحد، وهو حمله الجنازة من جوانبها الأربعة، فقد روي عن الباقر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنَّه ((من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر الله له ذنوب أربعين

ص: 207

كبيرة)).

والأولى الابتداء بيمين الجنازة يضعها على عاتقه الأيمن، ثمَّ مؤخَّرها الأيمن يضعها على عاتقه الأيمن كذلك، ثمَّ مؤخَّرها الأيسر يضعه على عاتقه الأيسر، ثمَّ ينتقل إلى مقدَّمها الأيسر أيضاً واضعاً لها على عاتقه الأيسر.

10- أن يكون صاحب المصيبة حافياً بلا رداء، أو يغيِّر زيَّه بحيث يعلم أنَّه صاحب المصيبة.

(مسألة 497) يكره في التَّشييع أمور وهي: -

1- الضَّحك واللعب واللهو.

2- المشي بلا رداء من غير صاحب المصيبة.

3- الكلام بغير ذكر الله والدُّعاء والإستغفار.

4- إشتراك النِّساء في التَّشييع.

5- الإسراع في المشي على وجه ينافي الرِّفق بالميِّت.

6- ضرب اليد على الفخذ أو على الأخرى.

7- أن يقول المصاب: ((ترحَّموا عليه)) أو ((إستغفروا له)) وأمثال ذلك.

8- حمل النَّار خلف الجنازة كالمجمرة وما أشبهها إلاَّ في الليل للإنارة.

9- قيام الجالس عند مرور الجنازة عليه.

الفَصْلُ السَّابع الصَّلاةُ عَلَى الميِّت

ملاحظة مهمَّة:-

لم يكن الكلام عن صلاة الميِّت خروجاً عن المقدِّمات الَّتي مهَّدنا الكلام سابقاً، للتَّنبيه على ملازمة الكلام عنها حتَّى النِّهاية ولو مختصراً إلى الغايات كالصَّلوات والصِّيام والاعتكاف والحج والعمرة ودفن الموتى للتَّفرُّغ إلى أمورهم الواجبة بعد ذلك، وإنَّما الكلام عن هذه الصَّلاة إضافة إلى كونها لغوية بمعنى الدُّعاء لا كالصَّلوات الشَّرعيَّة المتعارفة ما زال مستمرَّاً عن كونها من المقدَّمات، لكونها من المهيَّئات لموارات الموتى للتَّفرغ إلى تنفيذ وصاياه

ص: 208

وقضاء ما عليهم وتقسيم مواريثهم ونحو ذلك.

(مسألة 498) تجب الصَّلاة - وجوباً كفائيَّاً - على كل ميِّت مسلم، سواء كان ذكراً أو أنثى أو خنثى مؤمناً أو مخالفاً عادلاً أو فاسقاً حتَّى الشَّهيد، وكذا لو وجد في بلد الإسلام ولم يعلم حاله - ولو بالقرائن -، لملاحظة الأغلبيَّة السَّاحقة بالاعتبار الإسلامي ولو ظاهراً.

(مسألة 499) لا تجب الصَّلاة على أطفال المسلمين إلاَّ بعد بلوغهم ست سنوات.

(مسألة 500) يعتبر في الصَّلاة على الميِّت أمور وهي: -

1 - أن تكون بعد الغُسل والتَّحنيط والتَّكفين، فلا تجزي قبلها ولو كان ناسياً أو جاهلاً.

2 - إذن الولي كما مرَّ في التَّغسيل، إلاَّ في الوصية بشخص معيَّن فلا يحتاج إلى الإذن حينئذ وإن منعه الولي وإن حرم عليه ذلك وتقدَّم آخر، فالأحوط وجوباً الاستئذان من الولي حينئذ.

3 - البلوغ، فلا تجزي صلاة الصَّبي المميِّز في أصل الباب عن البالغين - على الأحوط - وإن كانت صلاته صحيحة - كما مرَّ -.

4 - الإيمان في المصلِّي ككونه موالياً للنَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وأهل بيته من الأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ.

5 - استقبال المصلِّي القبلة.

6 - أن يكون المصلِّي قائماً، إلاَّ في حالة عدم التَّمكُّن من القيام فيصلِّي من جلوس.

7 - أن يكون مكان الصَّلاة مباحاً على الأحوط.

8 - أن لا يكون حائل بينهما من ستر أو جدار، ولا يضر السَّتر بمثل التَّابوت.

9 - أن يكون الميِّت مستور العورة بأكفانه، وإن لم يوجد فبأيِّ شيء آخر.

10 - حضور الميِّت ووضعه أمام المصلِّي، إلاَّ إذا كان مأموماً وكان في أحد جانبي صف طويل، فلا يضر ذلك.

11 - إستواء مكان المصلِّي مع موضع الميِّت، ولا يضر التَّفاوت القليل في الإنخفاض والإرتفاع.

12 - أن يكون موضع المصلِّي قريباً من الميِّت، إلاَّ في حالة الجماعة فلا يضر بُعد المأمومين عنها.

ص: 209

13 - أن يكون الميِّت مستلقياً على قفاه.

14 - أن يكون رأس الميِّت إلى جهة يمين المصلِّي، ورجلاه إلى يساره.

15 - أن يعين الميِّت عند تعدُّده.

16 - النيَّة، وقصد القربة لكون الصَّلاة هذه عبادة من العبادات المشروطة بهما.

17 - الموالاة بين التَّكبيرات والأدعية على نحو لا تنمحي صورة الصَّلاة.

(مسألة 501) لا تعتبر في صلاة الميِّت الطَّهارة من الحدث والخبث، وإباحة اللباسوطهارته، والأحوط إستحباباً مراعاة جميع ما يعتبر في بقيَّة الصَّلوات الواجبة الإعتياديَّة.

(مسألة 502) لا تعتبر الذُّكورة في الصَّلاة،فيجوز للمرأة مباشرة الصَّلاة على الميِّت.

كَيفِيَّة صَلاَةِ الجَنَائِز

(مسألة 503) يجب في الصَّلاة على الميِّت خمس تكبيرات، ولا يجوز أقل من ذلك إلاَّ للتَّقيَّة، وليس

فيها أذان ولا إقامة ولا ركوع ولا سجود، وهي: -

1 - يأتي بالشَّهادتين بعد الأولى.

ويكفي أن يقول (أشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وأشهد أنَّ محمداً رسول الله ).

والأولى أن يضيف بعد الشَّهادة الأولى (إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً حياً قيوماً دائماً أبداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً) وبعد الشَّهادة الثَّانية (أَرَسَلَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لُيظِهَرَه عَلَى الدِّينِ كُلِّه وَلَو كَرِهَ المُشْرِكُون).

2 - الصَّلاة على النَّبي وآله بعد الثَّانية.

ويكفي أن يقول (اللَّهمَّ صَلِّ عَلَى محمد وَآلِ محمد).

والأولى أن يضيف (وَبَارِكْ عَلَى محمد وَآلِ محمد وَتَرَّحَمْ عَلَى محمد وَآلِ محمد كَأَفْضَلِ مَا صَلَّيتَ وَبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيم وَآلِ إِبْرَاهِيم إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد وَصَلِّ عَلَى جَمِيعِ الأَنْبِياءِ وَالمُرْسَلِين).

3 - الدُّعاء والإستغفار للمؤمنين والمؤمنات بعد الثَّالثة.

ويكفي أن يقول (اللَّهمَّ إِغْفرْ لِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِنَات).

ص: 210

والأولى أن يضيف (وَالمُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ الأَحيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ تَابِعْ اللَّهمَّ بَينَنَا وَبَينَهُم بِالخَيْرَاتِ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير).

4 - الدُّعاء والإستغفار للميِّت بعد الرَّابعة.

ويكفي أن يقول (اللَّهمَّ إغفر لهذا الميِّت).

والأولى أن يضيف (اللَّهمَّ إنَّ هَذَا المُسَجَّى قُدَّامُنَا عَبْدُكَ وَأبْنُ عَبِدْكِ وَأبنُ أَمَتِكَ وَقَدَ نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيرُ مَنزُولٍ بِهِ، اللَّهمَّ إِنَّكَ قَبَضْتَ رُوحَهُ إِلَيكَ وَقَدْ إِحتَاجَ إِلى رَحْمِتَكَ وَأَنْتَ غَنِيٌ عَنْ عِقَابِهِ، اللَّهمَّ إنَّا لاَ نَعْلَمُ مِنْهُ إِلاَّ خَيْرَاً وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، اللَّهمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنَاً فَزِدْ في إِحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئَاً فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئاتِهِ وَإِغْفِرْ لَنَا وَلَهُ، اللَّهمَّ أُحشرْهُ مَعَ مَنْ يَتَوَلاَّهُ وَيُحِبُّهُ وَأبْعِدْهُ عَمَّنْ يَتَبَرأ مِنْهُ، اللَّهمَّ أَلْحِقُهُ بِنَبيِّكَ وَعَرِّفْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَأرحَمْنَا إِذَا تَوَفَّيتَنَا يَا إِلَهَ العَالَمِينَ، اللَّهمَّ أُكتْبُهُ عِنْدَكَ في أَعَلَى عِلِيِّين وَأُخلُفْ عَلَى عَقَبهِ في الغَابِرين وَإِجعَلْهُ مِنْ رُفَقَاءِ محمد وَآلِهِ الطَّاهِرِين، وَإِرحَمْهُ وَإِيَّانَا بِرَحمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اللَّهمَّ عَفَوَكَ عَفَوَكَ عَفَوَكَ.

هذا ويراعى في الدُّعاء للميِّت، التَّذكير إن كان مذكَّراً أو التَّأنيث إن كانت مؤنَّثة.

5 - ثمَّ يكبِّر الخامسة فيقول ( الله أَكْبَر) وينصرف.

(مسألة 504) لو شكَّ في التَّكبيرات بين الأقل والأكثر بنى على الأقل.

أَحْكَامُ صَلاَة الجَنَائِز

(مسألة 505) لو شكَّ في أنَّه صلَّى على الميِّت أم لا بنى على العدم، أمَّا لو شكَّ في صحَّتها وفسادها

بعد العلم بأصل إتيانها وبعد الفراغ منها بنى على الصحَّة، ومع العلم ببطلانها تجب الإعادة.

(مسألة 506) لو اعتقد شخص بطلان الصَّلاة، من جهة مخالفة رأيه لرأي المصلِّي - إجتهاداً أو تقليداً - وجب عليه الصَّلاة أيضاً لبقاء إنشغال الذمَّة بالنِّسبة للآخرين على أساس الوجوب الكفائي المتشعِّب بين كل المكلَّفين إذا إعتقدوا مثله ذلك بعد علمهم

ص: 211

بالوفاة، إلاَّ أن يحرز عدم الإنشغال بسبب الإكتفاء بالعمل الصَّحيح من قِبل المصلِّي الأوَّل والثَّاني فينحصر التَّكليف فيمن يعتقد البطلان فقط.

(مسألة 507) لو دفن الميِّت بلا صلاة - عمداً أو نسياناً أو لعذر أو علم بطلان الصَّلاة - صلَّى على قبره ما لم يتلاش جسده.

(مسألة 508) يجوز تكرار الصَّلاة على الميِّت الواحد إذا كان من أهل الشَّرف والكرامة والعلم والتَّقوى، وأمَّا غيره فمكروه.

(مسألة 509) إذا اجتمعت جنائز متعدِّدة جاز تشريكها بصلاة واحدة وهي على طريقتين: -

الأولى: أن توضع جميع الجنائز أمام المصلِّي بأن يكون محاذياً لأقرب جنازة إليه ثمَّ تليها بقيَّة الجنائز مبتعدة عنه على نفس الخط الأمامي وإلى الآخر بلا بعد فاحش بين كل منها، والأفضل في حالة إجتماع الرَّجل والمرأة أن يجعل الرجل أقرب إلى المصلِّي، وصدر المرأة محاذياً لوسط الرَّجل كما سيجيء.

الثَّانية: أن تجعل الجنائز صفَّاً واحداً وإلى أمام ويقوم المصلِّي وسط الجنازة الَّتي تليه من مقدِّمه بأن يجعل رأس كل واحدة عند إلية الأخرى شبه الدَّرج والمشهور عمليَّاً هو الأولى.

هذا ويراعى في الدُّعاء لهم بعد التَّكبير الرَّابع، تثنية الضَّمير أو جمعه وتذكيره أو تأنيثه، ويجوز التَّذكير في الجميع بلحاظ لفظ الميِّت، كما يجوز التَّأنيث بلحاظ لفظ الجنازة.

(مسألة 510) يستحب في صلاة الميِّت الجماعة، وحينئذ يعتبر في الإمام والجماعة مراعاة شرائطهما على الأحوط وجوباً، نعم لا تعتبر العدالة.

(مسألة 511) لا يتحمَّل الإمام في صلاة الميِّت شيئاً عن المأموم، فلابدَّ من إتيانه جميع التَّكبيرات والأدعية.

(مسألة 512) إذا أراد الإلتحاق بالإمام في أثناء الجماعة، كبَّر معه وجعله أوَّل صلاته ويتشهَّد الشَّهادتين بعده، ثمَّ يستمر ويأتي بوظيفة نفسه، فإن انتهى الإمام أتى ببقيَّة التَّكبير بدون دعاء رجاءاً للمطلوبيَّة، وإن كان الدُّعاء أحوط وأولى.

ص: 212

آدَابُ صَلاَةِ الميِّت

(مسألة 513) يستحب في صلاة الميِّت أمور وهي: -

1 - أن يكون المصلِّي متطهِّراً من الحدث الأصغر والأكبر - ولو بالتَّيمم - إذا خاف فوت الإلتحاق بالصَّلاة إذا إستعمل الماء في التَّطهير.

2 - أن تكون في المواضع الَّتي يكثر فيها إجتماع النَّاس كالمساجد العامَّة ونحوها من العتبات المقدَّسة.

3 - أن تكون الصَّلاة جماعة.

4 - أن يكون المصلِّي حافياً.

5 - أن يقف إمام الجماعة أو المنفرد مقابلاً لوسط الميِّت إن كان رجلاً ومقابل صدر الميِّت إن كان أنثى.

6 - أن تكون الفاصلة بينه وبين الميِّت قليلة، بحيث لو حرَّكت ثيابه لوصلت إلى بدن الميِّت أو ما حواه وهو التَّابوت المتعارف.

7 - أن يقف المأموم خلف الإمام وإن كان نفراً واحداً.

8 - إن أرادت المرأة الإقتداء - بالجماعة في صلاة الميِّت - وكانت حائضاً وقفت في صف وحدها، بل حتَّى لو لم تكن حائضاً على الأحوط إن كان هناك مجال واسع في المكان إرتباطاً بالصَّلوات الإعتياديَّة.

9 - أن يقول قبل الصَّلاة (الصَّلاة) ثلاث مرَّات.

10 - أن يرفع يديه عند كل تكبيرة.

11 - أن يجهر إمام الجماعة بالتَّكبيرات والأدعية ويخفت المأموم.

12 - أن يكثر من الدُّعاء للميِّت والمؤمنين.

ص: 213

الفَصْلُ الثَّامِن الدَّفْن

الدَّفن هو (مواراة الميِّت في حفيرة في الأرض بحيث يُؤمن على جسده من السِّباع وإيذاء رائحته للنَّاس وعلى أساس تكريمه)، فلا يجزي البناء عليه فوق الأرض أو وضعه في تابوت ولو كان من الصَّخر أو الحديد إلاَّ إذا لم يتمكَّن من الحفيرة وتوقَّف حفظه على هذه الصُّورة، ولذا جوَّز بعض الفقهاء مؤقَّتاً ما يسمَّى بالإيداع إلى أن يحين وقت ترحيل الجثمان إلى مدفن تكريمه الأرضي - كوادي السَّلام - أو يحين وقت دفنه المناسب من ذلك الموقع وإن لم يكن في المقابر المكرَّمة الإعتياديَّة لو لم يمكن.

(مسألة 514) يجب - كفاية - دفن الميِّت المسلم ومن بحكمه، وكذا كل جزء إنفصل عن الجسم - من شعر أو ظفر أو سن ونحوها - بعد الممات كما مرَّ، بخلاف ما لو إنفصل حال الحياة فلا يجب.

(مسألة 515) يجب أن تكون مواراة الميِّت مستقبل القبلة بأن يضجعه على جنبه الأيمن، موجِّهاً وجهه ومقاديم بدنه إليها، بحيث يكون رأسه إلى المغرب ورجلاه إلى المشرق - في العراق وما على جهته -، وكذا الحكم في الجسد الَّذي لا رأس له أو الرَّأس الَّذي لا جسد له أو الصَّدر وحده.

(مسألة 516) يجب الإستعلام عن القبلة عند إشتباهها، وإن لم يتمكَّن من الإستعلام العلمي الشَّرعي لئلاَّ يتأخَّر دفن الميِّت فيكفي حصول الظَّن بإتِّجاهها كالمقابر ومحاريب البلد في مساجدها وإتِّجاه العتبات المقدَّسة ونحو ذلك ممَّا إنضبط معتبراً من البوصلات الحديثة، وإذا لم يكن فإلى ما بين المشرق والمغرب بإتِّجاه الجنوب في مثل بلادنا، وإلاَّ فيسقط وجوب الاستقبال وما يلحق به، وفي حالة التَّعرف عليها بعد الدَّفن يجب تعديل الجثمان إلى حيث الصَّحيح مع إمكانه وعدم صدق إهانته في ذلك، ولكنَّ الأحوط في ذلك لو حصل اشتباه وأمكن (الإيداع) - كما مرَّ - في مكان مسوَّر من منخفض أرضي - كما هو متعارف في بعض الأماكن البعيدة عن البقاع المقدَّسة - للدَّفن في تلك الأماكن مؤقَّتاً وعلى أيِّ جهة حصلت ثمَّ علمت جهة القبلة فلابدَّ من الدَّفن إليها بعد ذلك دفناً أصليَّاً في تلك

ص: 214

الأرض لو لم يمكن الدَّفن في البقاع المقدَّسة بعد ذلك.

(مسألة 517) لو مات الإنسان في السَّفينة فإن أمكن تأخير الجثمان لإيصاله إلى السَّاحل ودفنه في الأرض - بالصُّورة المطلوبة الماضية - وجب ذلك.

وإن لم يتمكَّن - كما لو خيف فساده أو خيف عليه من نبش عدو أو حيوان - جهِّز بتجهيزات الميِّت المتقدِّمة ووضع في خابية ويُشد رأسها ويلقي في البحر، أو يثقَّل جسد الميِّت بشدِّ حجر أو نحوه برجليه ويلقى في البحر.

(مسألة 518) مصارف إلقاء الميِّت في البحر من الحجر أو الحديد وإحكام قبره لو مسَّت الحاجة إليه لحفظه من السِّباع مثلاً تكون من أصل المال.

(مسألة 519) لا يجوز الدَّفن في أمَّاكن وهي: -

1 - مقبرة الكفَّار - لو كان الميِّت مسلماً - إلاَّ عند الاضطرار والحرج، وكذا لا يجوز العكس بأن يدفن الكافر في مقبرة المسلمين، ولا إضطرار هنا، لإنَّه لا كرامة للكافر حينما يقابل بالمسلم، إلاَّ الكافرة الحامل من مسلم فتدفن هناك على خلاف القبلة، ليكون ما في أحشائها مواجهاً لها.

2 - المكان الموجب لهتك حرمته، كالمزبلة والبالوعة وسيلان سيل عليه، أو خيف عليه من سبع أو عدو.

3 - المكان المغصوب، ولا في أي مكان مملوك بغير إذن المالك.

4 - في المسجد إذا وقِّف خصيصاً للمسجديَّة، أمَّا لو وقفت قطعة من أرض مجاورة له للدَّفن، كما في مسجد براثا أو ما حصل في مجاور المسجد النَّبوي وأضرحة أئمَّة الهدى الَّتي جاورتها الأروقة الَّتي هي بحكم المساجد فضلاً عن حرمهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، وكذا يلحق في المسجد بقيَّة الموقوفات كالمدارس والحسينيَّات والخانات، بلزوم تطبيق شروط وقفيَّاتها حول ذلك.

5 - في قبر ميِّت آخر قبل إندراسه وقبل تبدُّله بالتُّراب.

(مسألة 520) لو مات شخص في البئر ولم يمكن إخراجه، فلابدَّ من طمِّه ويجعل البئر قبره.

(مسألة 521) لو مات الجنين في بطن أمه وخيف عليها من بقائه وجب إخراجه

ص: 215

بأسهل الطرق الممكنة، ومع التَّعذُّر يجوز إخراجه بأي نحو ولو بتقطيعه إحتفاظاً بحياة الأم.

(مسألة 522) لو ماتت الأم وكان الجنين حيَّاً وجب إخراجه ولو بشق بطنها، فيشق جنبها الأيسر، ثمَّ يخرج الطفل ويخاط الموضع بعد الإخراج، ولا فرق في وجوب الإخراج بين رجاء حياة الطَّفل بعده وعدمه إحتراماً للحياة المحتملة وإن ظهر أنَّه ميِّت بعد ذلك.

(مسألة 523) يجب أن يكون المباشر لعملية الإخراج هو الزوج إن كان ماهراً أو النِّساء، وإلاَّ فالمحارم من الرِّجال ومع التَّعذُّر فالأجانب حفظاً لنفسها المحترمة مع التَّحفُّظ من النَّظر والمس باليد مباشرة جهد الإمكان.

مُسْتَحَبَّاتُ الدَّفن

يستحب في الدَّفن أمور: -

1- أن يكون عمق القبر بمقدار طول رَجل إعتيادي.

2- أن يدفن في أقرب مكان من المقبرة الَّتي تعارف الدَّفن فيها بين المؤمنين، إلاَّ أن يكون للبعد مزيَّة، بأن تكون مقبرة للصُّلحاء، أو لأجل كثرة الزَّائرين كما في وادي السَّلام في النَّجف الأشرف.

بل وردت روايات شريفة في إستحبابه في الأماكن المقدَّسة كالحرم المكِّي قرب المسجد، والبقيع قرب المسجد النَّبوي وإستحبابه جوار قبور المعصومين عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، وبالأخص في وادي السَّلام جوار قبر أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في النَّجف الأشرف، وأنَّه ((فيه أمان من عذاب البرزخ)) وفي كربلاء المقدَّسة جوار قبر سيد الشُّهداء الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وأنَّه ((فيها أمان من ضغطة القبر)).

3- أن يجعل له لحد في الأرض الصُّلبة.

4- أن توضع الجنازة دون القبر بفاصلة أذرع، ثمَّ تنقل قليلاً فتوضع أيضاً، ويتكرَّر العمل ثلاث مرَّات، ليأخذ الميِّت إستعداده للدُّخول في القبر.

5- يوضع رأس الميِّت إن كان رجلاً عند طرف الرِجل من القبر، ثمَّ يُنزل في القبر من طرف رأسه، وإن كان الميِّت امرأة فتوضع إلى جانب القبلة، ثمَّ تنزل عرضاً.

6- أن يغطي القبر بثوب عند إدخال المرأة.

ص: 216

7- إخراج الجنازة من التَّابوت بسهولة ورفق.

8- الدُّعاء عند الإخراج من التَّابوت وعند الدَّفن بالأدعية الخاصَّة المذكورة في كتب الأدعية.9- أن يحل عقد الكفن بعد الوضع في القبر.

10- أن يكشف عن وجهه ويجعل خدَّه على الأرض، ويصنع له وسادة من التُّراب.

11- أن يسند ظهره بلبنة أو تراب لكي لا ينتقل إلى قفاه.

12- وقد ذكر استحباب جعل مقدار لبنة من تربة الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أمام وجهه بحيث لا تصل إليها النَّجاسة بعد الإنفجار.

13- تلقين الميِّت في اللحد قبل السَّتر باللبن، وذلك بأن يضرب بيده اليمنى على منكبه الأيمن، ويضع يده اليسرى على منكبه الأيسر بقوة، ويُدني فمه إلى أذنه، ويحركه تحريكاً عنيفاً.

ثمَّ يقول: إسمع إفهم ((يافلان بن فلان)) ثلاث مرَّات، ويذكر مكان ((فلان بن فلان)) اسم الميِّت وأبيه، ثمَّ يقول:

((هل أنت على العهد الَّذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلاَّ الله ، وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ عبده ورسوله وسيِّد النَّبيين وخاتم المرسلين، وانَّ عليَّاً أمير المؤمنين وسيِّد الوصييِّن وإمام إفترض الله طاعته على العالمين، وأنَّ الحسن والحسين، وعلي بن الحسين، و محمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، و محمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والقائم الحجَّة المهدي - صلوات الله عليهم - أئمَّة المؤمنين، وحجج الله على الخلق أجمعين، وأئمَّتك أئمَّة هدى أبرار.

يا فلان بن فلان (ويذكر أسمه وأسم أبيه أيضاً) إذا أتاك الملكان المقرَّبان، رسولين من عند الله تبارك وتعالى، وسألاك عن ربِّك، وعن نبيِّك، وعن دينك، وعن كتابك، وعن قبلتك، وعن أئمَّتك، فلا تخف ولا تحزن، وقل في جوابهما: الله ربِّي، و محمد صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ نبييِّ، والإسلام ديني، والقرآن كتابي، والكعبة قبلتي، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب إمامي، والحسن بن علي المجتبى إمامي، والحسين بن علي الشَّهيد بكربلاء إمامي، وعليَّاً

ص: 217

زين العابدين إمامي، و محمد الباقر إمامي، وجعفر الصَّادق إمامي، وموسى الكاظم إمامي، وعلي الرِّضا إمامي، و محمد الجواد إمامي، وعلي الهادي إمامي، والحسن العسكري إمامي، والحجَّة المنتظر إمامي، هؤلاء - صلوات الله عليهم أجمعين - أئمَّتي وسادتي وقادتي وشفعائي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرء في الدُّنيا والآخرة.

ثمَّ إعلم يا فلان بن فلان (وتذكر مكانه إسمه وأسم أبيه كذلك) إنَّ الله تبارك وتعالى نعم الرَّب وأنَّ محمداً صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ نعم الرَّسول، وأنَّ علي بن أبي طالب وأولاده المعصومين الأئمَّة الأثنى عشر نعم الأئمَّة، وأنَّ ما جاء به محمد صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ حق، وأنَّ الموت حق، وسؤال منكر ونكير في القبر حق، والبعث حق، والنُّشور حق، والصِّراط حق، والميزان حق، وتطاير الكتب حق، وأنَّ الجنَّة حق، والنَّار حق، وأنَّ السَّاعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعث من في القبور)).

ثمَّ يقول: ((أفهمت يا فلان)).

وجاء في الحديث أنه يقول: ((أفهمت))، ثمَّ يقول: ((ثبتَّك الله بالقول الثَّابت، وهداك الله إلى صراط مستقيم، عرَّف الله بينك وبين أوليائك في مستقرٍّ من رحمته)).

ثمَّ يقول: ((اللَّهمَّ جاف الأرض عن جنبيه، وأصعد بروحه إليك، ولقِّه منك برهاناً، اللَّهمَّ عفوك عفوك)).

والأولى أن يكون التَّلقين عربيَّاً - كما تقدَّم - وإن كان الملقِّن أعجميَّاً لمطابقة ألفاظ الرِّوايات الشَّريفة، وإن لم يكن الميَّت عربيَّاً فيكرِّر التَّلقين بلسانه أيضاً،

لإنسجامه النَّفسي معمعاني ألفاظه الخاصَّة إضافة إلى تلك الألفاظ العربيَّة الَّتي قرأت.

(مسألة 524) يستحب أن يكون الدَّافن على طهارة مكشوف الرَّأس حافي القدمين وأن يخرج من القبر من طرف الرِّجلين.

(مسألة 525) يستحب أن يهيل الحضور - غير الأقرباء - التُّراب بظهر الأكف، قائلين: ((إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون)).

(مسألة 526) يستحب أن يكون المباشر لدفن المرأة محارمها، ولو لم يوجد المحارم

ص: 218

يقوم مقامهم أقربائها.

(مسألة 527) يستحب تربيع القبر مربَّعاً حقيقيَّاً، أو مربَّعاً إلى إستطالة، وأن يرفع عن الأرض بمقدار أربع أصابع، وأن يجعل للقبر علامة لكي يتميَّز عن بقيَّة القبور، وأن يرشَّ الماء على القبر، ثمَّ يضع الحاضرون - بعد الرَّش - أيديهم على القبر مفرَّجات الأصابع، بحيث يبقى أثرها.

(مسألة 528) يستحب بعد الدَّفن أمور، وهي: -

1 - قراءة سورة القدر - على القبر - سبع مرَّات، وأن يطلب للميِّت الرَّحمة قائلاً:

((اللَّهمَّ جاف الأرض عن جنبيه وأصعد إليك روحه، ولقِّه منك رضواناً، وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك)).

2 - أن يقرأ ولي الميِّت - أو من يأذن له بعد تفرُّق المشيعيِّن - الأدعية، مع التَّلقين للميِّت.

3 - تعزية أهل الميِّت إلاَّ إذا مضت مدة تكون تعزيتهم سبباً لتذكُّرهم المفجع لهم وتجديد أحزانهم.

4 - إرسال الطَّعام إلى بيوت أهل الميِّت إلى ثلاثة أيَّام، ويكره الأكل عندهم.

5 - الصَّبر عند موت الأقرباء وخصوصاً الأولاد وأن يقول عند التَّذكُّر: (إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون).

6 - يستحب قراءة القرآن للميِّت، وطلب الحاجة عند قبر الأبوين.

الفَصْلُ التَّاسع صَلاَةُ لَيْلَةُ الدَّفن (الوَحْشَة)

(مسألة 529) يستحب في ليلة دفن الميِّت الصَّلاة ركعتين، وتسمَّى ب- (صلاة الهديَّة) أو (الوحشة) لإستيحاشه في القبر في تلك الليلة كي يدفع ذلك بها، فعن النَّبي الأعظم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أنَّه قال (لا يأتي على الميِّت ساعة أشد من أوَّل ليلة فإرحموا موتاكم بالصَّدقة، فإن لم تجدوا فليصلِّ أحدكم ركعتين)، وقد ورد في كيفيَّتها ثلاث روايات: -

ص: 219

الكيفيَّة الأولى: وهي المشهورة: -

1- أن يقرأ بعد الحمد في الرَّكعة الأولى (آية الكرسي) مرَّة واحدة.

2- أن يقرأ في الثَّانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرَّات.

3- أن يقول المصلِّي بعد الانتهاء من الصَّلاة (اللَّهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد، وأبعث ثوابها إلى قبر فلان) ويسمِّي الميِّت بدل كلمة (فلان).

الكيفيَّة الثَّانية: وهي: -

1- أن يقرأ بعد الحمد في الرِّكعة الأولى سورة الإخلاص مرَّتين.

2- أن يقرأ في الثَّانية بعد الحمد سورة (ألهاكم التَّكاثر) عشر مرَّات.3- أن يقول بعد الانتهاء من الصَّلاة (اللَّهمَّ … ألخ الدُّعاء).

الكيفيَّة الثَّالثة: وهي: -

كالكيفيَّة الثَّانية مع إضافة آية الكرسي في الرَّكعة الأولى.

(مسألة 30) وقت صلاة الوحشة من أوَّل ليلة الدَّفن إلى الفجر، والأحسن إتيانها أوَّل الليل.

(مسألة 531) لو نقل الميِّت إلى بلده الخاص أو تأخَّر دفنه لمانع، فلابدَّ من تأخير صلاة الوحشة إلى ليلة الدَّفن.

(مسألة 532) لا بأس بالإستيجار لهذه الصَّلاة، والأولى دفع المال إلى المصلِّي بقصد التَّبرع أو التَّصدق إن كان فقيراً، وهو يأتي بالصَّلاة بعنوان الإهداء والإحسان إلى الميِّت.

الفَصْلُ العَاشِر فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالمُعَزَّى (صَاحِبِ المُصِيبة)

(مسألة 533) يجوز البكاء على الميِّت - خصوصاً إذا كان مسكناً للحزن وحرقة القلب - بشرط أن لا يكون منافياً للرِّضا بقضاء الله تعالى، ولا يستلزم شيئاً من المحرَّمات الشَّرعيَّة، وكما ورد عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ لمَّا فجع بولده إبراهيم أنَّه قال ((العين تدمع والقلب يخشع ولا نقول ما يغضب الرَّب))، وأمَّا

ص: 220

الجزع وعدم الصَّبر إن لم يكن منافياً للرِّضا والتَّسليم فقد يوجب إحباط الأجر، كما في بعض الرِّوايات، وأمَّا لو كان منافياً للرِّضا والتَّسليم فهو من أشدِّ المحرَّمات كما لا يخفى.

(مسألة 534) لا يجوز في حال المصيبة اللطم والخدش وجزِّ الشَّعر، وكذا الصُّراخ الخارج عن حد الإعتدال خصوصاً النِّساء على الأحوط وجوباً.

(مسألة 535) لا يجوز شقِّ الثَّوب في المصيبة إلاَّ على الأب والأخ لو لم يصلا إلى حدِّ ما بيَّنَّاه من النَّهي المحرَّم.

(مسألة 536) كفَّارة جزِّ الشَّعر وخدش الوجه في المرأة عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، وكذا لو شق الرَّجل جيبه في موت زوجته أو إبنه، وكما سيأتي التَّفصيل في ذلك أكثر في كتاب الكفَّارات.

الفَصْلُ الحَادِي عَشَر نَبْشُ القُبُور

(مسألة 537) يحرم نبش قبر المسلم على نحو يظهر جسده وإن كان طفلاً أو مجنوناً، إلاَّ إذا مضت مدَّة بحيث علم إندراسه وصيرورته تراباً فلا مانع، ولا يكفي الظَّن بذلك.

(مسألة 538) يحرم نبش قبر أولاد الأئمَّة والشُّهداء والعلماء والصلحاء المعلومين والمقتدى بهم في حياتهم وبعد وفاتهم وإن مضت عليها سنين متمادية، فضلاً عن قبور الأنبياء والأئمَّة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ لعلاقة هذه الأمَّاكن بالدِّين وشعائره ومواطنها الَّتي ينبغي أن تعظَّم فيها دوماً بلا أن يتجرَّأ على هدمها، فلو حصل ما حصل - إضافة إلى المس بكرامتهم - لضعفت معالم الدِّين وإندرست آثاره بسببه ولو بعد حين، ولوجب على المؤمنين أن يضعوا البديل والمعوِّض ولو بعد النَّبش والإندراس، لإعادة بناء تلك المواقع من جديد، وبالأخص قبور الأنبياء والأئمَّة.

(مسألة 539) يجوز نبش القبر في الموارد التَّالية، ما لم يستلزم الهتك، وإلاَّ فيجبمراعاة الأهم، وهي: -

1 - ما لو دفن في أرض مغصوبة ولم يرض المالك ببقائه كما مرَّ.

ص: 221

2 - ما لو دفن في مسجد بعد توقيفه مسجداً، وأمَّا لو كان قبل ذلك ثمَّ صارت الوقفيَّة فلا ضير كما في بعض الأضرحة المقدَّسة.

3 - ما إذا كان كفن الميِّت مغصوباً، أو دفن معه مال لغيره، ولم يرض المالك بالبقاء.

4 - ما إذا لزم من ترك النَّبش ضرر مالي، كما لو دفن معه شيء من ماله ولم يرض الورثة ببقاءه.

5 - ما لو أوصى بدفن شيء معه لا يزيد على الثُّلث، كما إذا أوصى بأن يدفن معه قرآن أو خاتم مثلاً ولم يدفن معه.

6 - ما لو دفن بغير غسل أو تكفين أو تحنيط، أو تبين بطلانهما، أو كان دفنه على غير الوجه الشَّرعي كما لو وضع في القبر بغير إتِّجاه القبلة أو مع شخص آخر أو نحوهما.

7 - ما إذا توقَّف على نبشه أمر راجح جدَّاً، كما لو توقَّف إثبات حق من الحقوق أو نفي ظلامة على مشاهدة جسده.

8 - ما لو دفن في موضع موجب لمهانته كالمزبلة أو مقبرة الكفَّار.

9 - ما إذا دفن في موضع يُخاف عليه من سيل أو سبع أو عدو.

10 - ما إذا توقَّف واجب أهم على إخراجه، كما إذا دفنت الحامل وكان الجنين حيَّاً فيجب إخراجه.

11 - ما لو دفن على خلاف القبلة عمداً أو جهلاً أو سهواً أو نسياناً ثمَّ حصلت الهداية أو العلم أو الإنتباه وأمكن ذلك.

12 - ما لو بقيت قطعة من بدنه لم تدفن معه، لكنَّ الأحوط وجوباً في هذا المورد أن تدفن بصورة لا يرى فيها الجسد.

13 - ما إذا أريد نقله إلى المشاهد المشَّرفة إلاَّ في صورة الهتك كما إذا كان إخراجه مستلزماً لتقطيع بدنه أو إنتشار رائحة كريهة منه.

ص: 222

الأَغْسَالُ المَنْدُوبَة

وهي أقسام ثلاثة: زمانيَّة ومكانيَّة وفعليَّة، أمَّا الزَّمانيَّة فهي: -

1- غسل يوم الجمعة، وهو من المستحبَّات المؤكَّدة، بل قيل بوجوبه، وله آثار وفوائد جمَّة، ووقته من أذان الفجر إلى الزَّوال، وأفضل أوقاته ما يقرب من الزَّوال.

(مسألة 540) لو لم يغتسل المكلَّف قبل الزَّوال فالأحسن أن يأتي به بقصد القربة المطلقة بدون نيَّة الأداء ولا القضاء ما بين الزَّوال والمغرب.

(مسألة 541) لو فاته غُسل الجمعة فيستحب أن يقضيه يوم السَّبت من الفجر إلى الغروب.

(مسألة 542) يجوز تقديمه يوم الخميس لو خاف إعواز الماء يوم الجمعة، وإذا تمكَّن في يوم الجمعة يعيده بنحو رجاء المطلوبيَّة، وبالأخص لو انكشف عدم إعوازه فيه، بل يرجح في الأخير حتَّى الأتيان له مستحبَّاً تامَّاً.

(مسألة 543) يستحب الدُّعاء عند غُسل الجمعة، فقد ورد في حديث موثَّق عن الإمام الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أن تقول حين غُسل الجنابة (اللَّهمَّ طَهِّرْ قَلَبِي، وَتَقَبَّلْ سَعيِي، وَإِجْعَلْ مَا عِنْدَكَ خَيْرَاً لِي، اللَّهمَّ إِجْعَلْنِي مِنَ التَّوابِينَ، وَإِجْعَلْنِي مِنَ المُتَطهِّرِينَ).

وتقول حين غُسل الجمعة (اللَّهمَّ طَهِّرْ قَلَبِي مِنْ كُلِّ آفَةٍ تَمْحَقُ دِينِي وَتُبْطِلُ بِهِ عَمَلَي، اللَّهمَّ إِجْعَلْنِي مِنَ التَّوَابِينَ، وَإِجْعَلْنِي مِنَ المُتَطهِّرِين).

2- غُسل اليوم الأوَّل، والخامس عشر، والسَّابع والعشرين، واليوم الأخير من شهر رجب المرجَّب.

3- غُسل اليوم الخامس عشر من شهر شعبان المعظَّم، وهو يوم ولادة صاحب العصر والزَّمان عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ اَلشَّرِيفْ ويوم الليلة الَّتي يفرق فيها من كل أمر حكيم.

4- غُسل الليلة الأولى من شهر رمضان وكل ليلة فرد، كالثَّالث والخامس والسَّابع، كما يستحب الغُسل في جميع ليالي العشرة الأخيرة، وورد التَّأكيد بالنِّسبة إلى الليلة الأولى، والخامسة عشرة، والسَّابعة عشرة، والتَّاسعة عشرة، والواحدة والعشرين، والثَّالثة

ص: 223

والعشرين، والخامسة والعشرين، والسَّابعة والعشرين، والتَّاسعة والعشرين.

ووقتها تمام الليل والأحسن بين صلاتي المغرب والعشاء، وتزيد الليلة الثَّالثة والعشرون بغسل آخر في آخر الليل.

5- غُسل ليلة عيد الفطر، ووقته من أوَّل المغرب إلى الفجر، والأفضل في أوائل الليل.

6- غُسل يومي العيدين (الفطر والأضحى) ووقته من الفجر إلى الغروب وأفضل أوقاته قبل صلاة العيد.

7- غُسل اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة الحرام، وهو يوم دحو الأرض.

8- غُسل يوم التَّروية وهو الثَّامن من ذي الحجَّة الحرام ووقته من الفجر إلى الغروب.

9- غُسل يوم عرفة وهو التَّاسع من ذي الحجَّة الحرام، والأحسن الإتيان به قبل الظُّهر.

10- غُسل يوم الغدير، وهو اليوم الثَّامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام، وهو يوم تنصيب علي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أميراً للمؤمنين، والأحسن الإتيان به قبل الظُّهر.

11- غُسل يوم المباهلة، وهو اليوم الرَّابع والعشرون من شهر ذي الحجَّة الحرام، وهو اليوم الَّذي باهل فيه النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ نصارى نجران.

12- غُسل يوم مولد النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وهو اليوم السَّابع عشر من شعر ربيع الأوَّل.

13- غُسل يوم عيد النَّيروز، وهو يوم رأس السَّنة الشَّمسيَّة الهجريَّة لبعض المناسبات الإسلاميَّة الَّتي فيه.

14- تغسيل الطِّفل في أوَّل ولادته.

وأمَّا المكانيَّة فأهمُّها هي: -

1- عند دخول حرم مكَّة المكرَّمة.

2- عند دخول بلدة مكَّة المكرَّمة.

3- عند دخول الكعبة المشرَّفة.

4- عند دخول حرم المدينة المنوَّرة.

ص: 224

5- عند دخول المدينة المنوَّرة، وقد حدَّدناه في كتابنا (غُنية النَّاسكين).

6- عند دخول مسجد النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، ومشاهد الأئمَّة الأطهار عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ.

أمَّا الفعليَّة فهي قسمان: -

أ- ما لو كان الغُسل بعد وقوع فعل من الأفعال وهو: -

1- غُسل المرأة الَّتي إستعملت الطِّيب لغير زوجها.

2- غسل من نام سكراناً والعياذ بالله.

3- غسل من مسَّ ميِّتاً بعد تغسيله.

4- غسل من ذهب قاصداً إلى مشاهدة المصلوب ورآه، بل الأحوط الإلتزام به لو قصده بعد ثلاثة أيَّام وعدم التَّساهل فيه ولكن لو رآه صدفة أو إضطراراً، أو لأداء الشَّهادة فلا رجحان للغُسل.

ب - ما لو كان الغُسل لأجل إيقاع فعل من الأفعال وهو: -

1- الغُسل للإحرام.

2 - الغُسل للطواف.

3- الغُسل للوقوف بعرفات، أو المشعر الحرام، أو الذَّبح .

4- الغُسل لزيارة النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والأئمَّة الأطهار عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ من قرب أو بعد.

5- الغُسل لطلب الحاجة من الله تعالى.

6- الغُسل للتَّوبة ولأجل النَّشاط في العبادة.

7- الغُسل للسَّفر، سيَّما سفر زيارة الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ .

إلى غير ذلك من الأغسال المستحبَّة، فلتطلب توسُّعاً من مظانِّها.

(مسألة 544) يكفي الغُسل مرَّة واحدة وإن تكرَّر الدُّخول في يوم واحد، وإذا أراد دخول حرم مكَّة والمسجد الحرام والكعبة في يوم واحد، فإنَّه يكفي غُسل واحد بنيَّة الجميع، وكذا لو رام الدُّخول في حرم المدينة وبلدة المدينة ومسجد الرسول صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في يوم واحد.

وإذا أتى بأحد الأغسال المكانيَّة ثمَّ أحدث (أي أتى بما يوجب بطلان وضوءه) كما

ص: 225

لو نام مثلاً، فإنَّه يبطل غسله فيستحب إعادته لأجل الدُّخول في الأمكنة المذكورة.

(مسألة 545) قد عدَّ من المستحبَّات غُسل من ترك صلاة الآيات متعمِّداً، عند احتراق القرص كلِّه، ولكنَّ الأحوط وجوباً الإتيان به كما مرَّ.

(مسألة 546) الأغسال المستحبَّة لا تُغني عن الوضوء فلا يجوز معها الإتيان بالأعمالالمشروطة بالوضوء إلاَّ بعد الإتيان به.

(مسألة 547) إذا كان عليه أغسال مستحبَّة يكفيه غسل واحد بنيَّة الجميع.

(مسألة 548) الأغسال المستحبَّة تصبح واجبة بسبب النَّذر وشبهه.

ص: 226

المقصد الثَّامن في التَّيمُّم

وفيه فصول: -

الفَصْلُ الأوَّل مُسَوِّغَاتُ التَّيمُّم

الأسباب المجوِّزة أو الموجبة للتَّيمُّم سبعة أمور، ضابطها (العذر الشَّرعي المسقط لوجوب الطَّهارة المائيَّة) وهي:

الأوَّل: عدم وجدان كميَّة من الماء تكفيه لوضوئه أو غسله.

(مسألة 549) إذا حصل العلم بفقد الماء والى نهاية الوقت للصَّلاة مثلاً فلا يجب الفحص عنه، فينتقل حكم طهارته المائيَّة إلى التَّيمُّم، أمَّا لو احتمل الحصول عليه بحسب إمكانه - ولو بتعب كمن كان الماء في داخل بيته مقطوعاً عن أنابيبه واحتمل رجوعه أو احتمل وجود الماء في الخزَّانات الكبيرة الضَّخمة الَّتي في البلد، أو كان في الفلاة واحتمل وجود الماء عند رفاقه في القافلة - فالَّلازم عليه أن يفحص عنه إلى أن يحصل اليأس أو الاطمئنان بعدمه.

(مسألة 550) إذا كان المكلَّف في الفلاة مثلاً واحتمل وجود الماء لو طلبه، فيجب عليه أن يكون طلبه بمقدار غلوة سهم - من السِّهام القديمة الَّتي كانت ترمى بالقوس ضدَّ الأعداء - في الأرض الحزنة (الوعرة)، وسهمين في الأرض السَّهلة، وفي الجوانب الأربعة لو احتمل وجوده في واحد من الجميع لا بعينه، ويسقط من الجانب الَّذي يعلم بعدم وجود الماء فيه بتاتاً.

(مسألة 551) قد حدَّد بعض الأساطين غلوة السَّهم ب- (مائتي خطوة إعتياديَّة)، ولكنَّ الإحتياط لا يترك بالزِّيادة عن هذا المقدار لو احتمل وصول بعض أنواع السِّهام إلى ما هو أبعد ولو بحسب قوَّة دفع الرَّامي الطَّبيعيَّة.

ص: 227

(مسألة 552) لو احتمل وجود الماء فوق المقدار المذكور وكان بإمكانه الفحص عنه بسهولة قد تكون أكثر وفي نفس المدَّة المضروبة لغلوة السَّهم أو السَّهمين عن طريق بعض الوسائط الحديثة - كمن كانت لديه سيَّارة أو درَّاجة على الأقل يمكن أن يستفاد منها لسرعتها أكثر - ولم تكن لديه أعذار أخرى تمنعه كضيق الوقت - مثلاً - وجب عليه ذلك.

(مسألة 553) لا تجب المباشرة في الفحص عن الماء، بل يجوز إستنابة من يُطمئن بقوله، فيمكن إستنابة شخص واحد عن جماعة كالرَّجل عن النِّساء، إلاَّ إذا احتمل توقَّف الحصول على الماء بفحص أكثر عدد من الأشخاص لهم بنحو التَّعاون فيجب في نفس المدَّة المضروبة.

(مسألة 554) من فحص عن الماء قبل دخول وقت الفريضة وكان مطمئناً بفحصه وحصل اليأس من الحصول عليه، فلا يجب عليه الفحص ثانياً عند دخول الوقت ما دام اليأس مستمرَّاً وهو في ذلك المكان.

(مسألة 555) لو صلَّى فريضة - متيمِّماً - بعد الفحص عن الماء وبقي في نفس المكان ودخل وقت الفريضة الأخرى فلا يجب إعادة الفحص مرَّة ثانية، إلاَّ إذا احتمل وجدان الماء، بل الأحوط وجوباً إعادة التَّيمُّم مع سعة الوقت له وفقد الماء.

(مسألة 556) يسقط وجوب الفحص عند ضيق الوقت، أو الخوف على النَّفس أوالعرض، أو المال من لص أو سبع، وكذلك يسقط لو كان في فحصه حرج أو مشقَّة لا تتحمَّل عادة.

(مسألة 557) يحرم تأخير الفحص عن الماء حتَّى يضيق وقت الفريضة، لكن لو تيمَّم بعد ضيق الوقت فتيمُّمه صحيح وعليه الإستغفار من إثمه، الَّذي حصل بسبب تساهله لو كان.

(مسألة 558) إذا ترك الفحص عن الماء فصلَّى متيمِّماً فإن كان الماء غير موجود واقعاً فتيمُّمه صحيح، أمَّا لو طلب الماء ولم يجده فتيمَّم وصلَّى ثمَّ انكشف وجوده في محل الطَّلب أعاد صلاته إذا كان الإنكشاف في الوقت، وإذا كان بعد الوقت لم يجب عليه قضاؤها مع الاحتياط الاستحبابي بالقضاء في ذلك، ويشتدَّ الاحتياط لو تسبَّب الإنكشاف

ص: 228

عن تقصيره في الطَّلب.

(مسألة 559) من اعتقد بأنَّ الوقت لا يسع للفحص فتيمَّم وصلَّى ثمَّ بعد ذلك علم سعته لذلك، فالأحوط الوجوبي أن يعيد تلك الصَّلاة وإن مضى الوقت قضاها، وبالأخص لو كان هذا ناتجاً عن تقصير في البداية.

(مسألة 560) إذا دخل وقت الفريضة وكان الشَّخص على وضوء وهو يعلم بأنَّه إذا أبطل وضوءه لا يقدر أن يتوضَّأ مرَّة ثانية فحينئذ يجب عليه أن يحفظ ذلك الوضوء للصَّلاة وإن نقضه وجب عليه التَّيمُّم، وأمَّا قبل دخول الوقت فالأحوط الاستحبابي حفظه، هذا إذا تمكَّن من حفظ الوضوء بدون ضرر، وأمَّا معه فيرتفع التَّكليف به وينتقل إلى المعوِّض وهو التَّيمُّم.

الثَّاني: عدم التَّمكُّن من الوصول إلى الماء الموجود شرعاً أو عقلاً.

(مسألة 561) من لم يتمكَّن من الوصول إلى الماء لعجز، كضعف بدنه، أو عدم وجدانه لما يستخرج به الماء من البئر، أو خاف على نفسه أو عرضه أو ماله من وجود لص أو سبع في طريقه إلى الماء، وكذا لو كان المانع شرعيَّاً ككون الماء في الأرض المغصوبة أو الظرف المغصوب ولم يوجد ماء آخر غيره فيجب في جميع هذه الموارد التَّعويض عن الوضوء بالتَّيمُّم.

الثَّالث: ما إذا توقَّف تحصيل الماء على بذل مال يضر بحاله.

(مسألة 562) لو توقَّف تحصيل الماء - أو ما يستخرج به - على بذل مال بأزائه وكان متمكِّناً من الحصول على هذا المال - ولو بالإقتراض - بحيث لا يضر بحالته الماديَّة فيجب شراءه ولو بأضعاف القيمة، نعم لو كان يعلم بأنَّه لا يتمكَّن من أدائه لو إقترض فينتقل حكمه إلى التَّيمُّم.

(مسألة 563) من لم يجد الماء فإن أمكن حفر بئر ببذل مال أو غيره وبلا عسر وحرج - كما في بعض الأماكن الَّتي يُحفر فيها بعمق مترين مثلاً فيصل إلى الماء - وجب عليه ذلك الحفر.

ص: 229

الرَّابع: خوف الضَّرر من استعمال الماء.

(مسألة 564) لو خاف من إستعمال الماء لأجل حدوث المرض أو زيادته أو بطؤ برئه كصعوبة معالجته، أو خاف الضَّرر على نفسه أو بعض جسده كالرَّمد المانع من استعمال الماء، وكذا من خاف الشَّين الَّذي يعسر تحمله، كالخشونة المشوِّهة للخلقة والموجبة لتشقُّق الجلد في بعض الأبدان المتحسِّسة من أصل الماء إنتقل حكمه إلى التَّيمُّم.

(مسألة 565) من لم يستطع من استعمال الماء البارد في فصل الشِّتاء لرفع الحدث - الأصغر أو الأكبر - فيتعيَّن عليه الماء الفاتر، فإن تعذَّر الحصول عليه إنتقل إلى التَّيمُّم.

(مسألة 566) لا يلزم على المكلَّف دائماً أن يتيَّقن بضرر الماء لرفع حدثه، بل يكفي الاحتمال كحصول بعض الإمارات العقلائيَّة ولو كانت ظنيَّة مخيفة، لكن لا يكفي لو كان من نوعالطَّفيف الَّذي يداهم أهل الوسوسة والخيال الوهمي.

(مسألة 567) إذا تيقَّن المكلَّف أو خاف الضَّرر من استعمال الماء فتيمَّم ثمَّ التفت قبل الصَّلاة بأنَّ الماء لا يضرُّه فيجب عليه الوضوء أو الغُسل للصَّلاة، أمَّا إذا عرف ذلك بعد الصَّلاة فالأحوط وجوباً أن يتوضأ أو يغتسل ويعيد الصَّلاة أداءاً في داخل الوقت وقضاءاً في خارجه.

(مسألة 568) من علم بعدم الضَّرر في استعمال الماء فتوضَّأ ثمَّ بعد ذلك التفت إلى الضَّرر فوضوءه صحيح ولا يحتاج إلى التَّيمُّم لعدم تعمده على أساس العلم بالضرر.

الخامس: الخوف من استعمال الماء على نفسه وعياله.

(مسألة 569) إذا خاف - فعلاً أو في المستقبل - من استعمال الماء على نفسه من العطش أو على غيره ممَّن يجب عليه حفظه - كأولاده وعياله أو بعض متعلِّقيه وأصدقائه وغلمانه -، يجب عليه التَّيمُّم، وكذا لو خاف على نفس محترمة أو على دابَّته.

(مسألة 570) إذا كان عنده ماءان طاهر ونجس ويخاف على نفسه من العطش يجب عليه حفظ الماء الطَّاهر وينتقل حكمه إلى التَّيمُّم، لعدم جواز شرب النَّجس ولا استعماله في الوضوء أو الغسل، نعم لو كان الخوف على دابِّته وجب عليه الوضوء أو الغُسل

ص: 230

وصرف الماء النَّجس في حفظ الدابة.

السَّادس: معارضة استعمال الماء في الوضوء أو الغسل لواجب أهم.

(مسألة 571) لو دار الأمر بين إزالة الحدث وإزالة الخبث عن بدنه أو لباسه فيجب عليه التَّيمُّم وصرف الماء في إزالة الخبث، والأولى صرف الماء فيه ثمَّ إذا لم يبق ما يكفي للوضوء يتيمَّم، بل لا يجوز إلاَّ في حال ضيقه على الأحوط حتَّى لو حصل عنده اليأس في أوَّله.

السَّابع: ضيق الوقت عن تحصيل الماء أو عن استعماله.

(مسألة 572) لو ضاق وقت الفريضة بحيث إذا توضَّأ أو اغتسل وقعت أو بعضها خارج الوقت وجب عليه التَّيمُّم، بل لا يجوز الاَّ في حال ضيقه على الأحوط حتَّى لو حصل عنده اليأس في أوَّله.

(مسألة 573) من كان واجداً للماء وأخَّر صلاته عمداً بحيث ضاق وقتها وجب عليه التّيمُّم وعليه الإستغفار.

(مسألة 574) من شكَّ في بقاء الوقت بسعة أو ضيق توضأ أو اغتسل إستصحاباً للبقاء.

(مسألة 575) من تيمَّم - لأجل عذر ضيق الوقت فقط - للصَّلاة الحاضرة فلا يكفيه للصَّلوات الأخرى ولا أي غاية أخرى كدخول المساجد، بل لابدَّ من إعادة التَّيمُّم إحتياطاً لو حصل عذر آخر كفقد الماء لأنَّه مبيح لا رافع كالماء.

(مسألة 576) يُشترط في عذر ضيق الوقت أن يكون عن أداء الواجبات فقط، فإذا لم يكف المستحبَّات معها مثل القنوت ونحوه وجب الوضوء للواجبات فقط نيَّة وعملاً، بل لو لم يكف لقراءة السُّورة تركها وتوضَّأ وصلَّى بلا سورة.

(مسألة 577) إذا كان الوضوء حرجيَّاً أو ضرريَّاً بحيث لا يبلغ مرتبة الحرمة وتوضأً المكلَّف ولم يتيمَّم حكم بصحَّة وضوئه، وإذا بلغ الضَّرر مرتبة الحرمة بطل وضوؤه ووظيفته التَّيمُّم فقط.

ص: 231

(مسألة 578) إذا ترك التَّيمُّم في الموارد المذكورة لعذر كالغفلة أو النِّسيان وتوضَّأ صحَّوضوءه، وكذا لو تركه جهلاً بوجوب التَّيمُّم، إلاَّ أن يكون الوضوء محرَّماً في حقِّه، وإذا ترك التَّيمُّم عند ضيق الوقت وتوضَّأ وقصد به القربة المطلقة دون الأمر الفعلي بالوضوء حكم بصحَّة وضوئه.

الفَصْلُ الثَّاني في بَيَان مَا يَصُحُّ التَّيمُّم بهِ

(مسألة 579) يصح التَّيمُّم بكل ما يصحُّ إطلاق اسم الأرض عليه من أجزاءها التُّرابيَّة وملحقاتها، والأحوط إستحباباً

الإقتصار على التُّراب الخالص أوَّلاً ثمَّ الرَّمل والمدر والحجر والطَّين اليابس والحصى، ولا فرق في صحَّة التَّيمُّم بين أن يكون في الأرض أو في الحائط.

(مسألة 580) يجب ترك الأسمنت والجص والنُّورة بعد الإحراق، وكذا الطِّين المطبوخ كالخزف والطَّابوق والكاشي والموزائيك وغيرها وإن أعطت فتيتاً لإنَّه مفخور.

(مسألة 581) لا يصح التَّيمُّم بما لا يصدق عليه اسم الأرض وإن كان أصله منها كالرَّماد والنَّبات والمعادن - مثل الذَّهب والفضَّة والقير - ونحوها ممَّا لا يسمَّى أرضاً بالاعتبار الخاص حتَّى الأحجار الكريمة كالعقيق والفيروزج على الأحوط وجوباً وإن كان منها فعلاً.

(مسألة 582) إذا عجز عن التَّيمُّم بالأرض تيمَّم بغبارها المتجمِّع في ثوبه أو في عرف دابَّته أو لبدها بعد نفضه وجمعه إن أمكن وإلاَّ تيمَّم عليها.

(مسألة 583) إذا عجز عن التَّيمُّم بالغبار تيمَّم بالوحل (الطِّين) بعد تجفيفه إن أمكن، وإلاَّ تيمَّم به.

(مسألة 584) إذا عجز عن التَّيمُّم بالأرض والغبار والوحل، فيتيمَّم بما يتيسَّر له - كالطِّين المطبوخ مثلاً ويفضَّل المطبوخ طبخاً جزئيَّاً على المطبوخ طبخاً كاملاً - ويصِّلي ثمَّ يعيدها في داخل الوقت - عند وجدان الماء أو التُّراب - و يقضيها في خارجه على الأحوط وجوباً.

ص: 232

(مسألة 585) إذا وجد ثلجاً وأمكن إذابته تعيَّن الوضوء أو الغُسل به، وإلاَّ فيمسح أعضاء الوضوء أو الغُسل به بمهلة، بنحو تبتل به الأعضاء تماماً بسبب بعض الذَّوبان الَّذي يحدث، وإن لم يتمكَّن جمع بين التَّيمُّم والمسح به.

(مسألة 586) يجب تحصيل ما يُتيمَّم به إذا انحصر الأمر به ولو بالشِّراء مع الإمكان.

(مسألة 587) لو تيمَّم بما يعتقد جواز التَّيمُّم به فبان خلافه كان باطلاً، ولو صلَّى به أعاد صلاته في الوقت وخارجه كالجص المطبوخ.

(مسألة 588) لا يجوز التَّيمُّم بالأمور التَّالية: -

1- المأكول والملبوس وإن كانت حقيقتهما من الأرض، وكذا الخشب والحطب.

2- النَّجس، فلو لم يجد شيئاً طاهراً ممَّا يصح التَّيمُّم به كان فاقداً للطَّهورين، ولو اشتبه الطَّاهر بالنَّجس تيمَّم بكل منهما، وبالأخص حالة الإنحصار لا كما مرَّ في الماءين لأجل جفاف الإثنين هنا، ولكن عليه أن ينقِّي يديه من التُّرابين لئلاَّ يعلق المتنجِّس منهما في جسمه فيعرق أو يصيبه بلل آخر ويأثِّر ذلك فيه.

3- المغصوب، بل في المكان المغصوب كذلك، إلاَّ عند الإكراه في المكوث فيه وإنحصار التَّيمُّم فيه كالمحبوس فيتيمَّم ويصلِّي، ثمَّ عليه الإعادة أو القضاء في خارجه على الأحوط مع الإمكان، وفي حالة الاشتباه بالمباح يجب الاجتناب عنهما مع إمكان الإستغناء عنهما.(مسألة 589) لا يجوز التَّيمُّم في الفضاء المغصوب، بل لو ضرب بيديه الأرض في ملكه ودخل في ملك الغير ومسح بهما وجهه فتيمُّمه باطل على الأحوط الوجوبي، لإنَّ إثارة التُّراب إلى ملك الغير تسبَّبت من ضربته على الأرض وإن كانت في ملكه.

(مسألة 590) من تيمَّم جاهلاً أو ناسياً بالغصب صحَّ تيمُّمه إلاَّ إذا كان هو الغاصب، فالأحوط إعادة التَّيمُّم ثمَّ إعادة الصَّلاة فيما لو صلاَّها بهذا التَّيمُّم، بل حتَّى لو لم يكن هو الغاصب إذا كان يظن تحريم المغصوب منه له تحريماً نوعيَّاً، وكذا من يصدق عليه أنَّه جاهل مقصِّر ملتفت.

4- الممتزج بما يخرجه عن اسم الأرض، كما إذا إمتزج التُّراب بالتِّبن أو الرَّماد أو الملح بحيث يخرجه عن اسم التُّراب، نعم لو كان قليلاً مستهلكاً في الخالص جاز

ص: 233

ذلك.

(مسألة 591) يستحب في التَّيمُّم أمور: -

1- أن يكون التَّيمُّم من رُبى الأرض وعواليها.

2- أن يكون عليه غبار يلصق باليد.

3- أن ينفض الغبار بعد الضَّرب، ويجب لو كان الغبار كثيراً حاجباً عن مباشرة المسح على البشرة.

(مسألة 592) يكره التَّيمُّم بأمور: -

1- إن كان من مهابط الأرض.

2- إن كان من تراب يوطأ كتراب الطَّريق.

3- إن كانت الأرض سبخة إذا يعلوها الملح مع غالبيَّة التُّراب، إلاَّ إذا صفت من ذلك فلا كراهيَّة.

الفَصْلُ الثَّالث في كَيفَيَّة التَّيمُّم

ويجب فيها أمور: -

الأول:أن يضرب - بعد النيَّة - باطن يديه معاً دفعة واحدة على ما يتيمَّم به، ولا يكفي الوضع بدون الضَّرب، ولا الضَّرب بأحدهما، ولا بهما على التَّعاقب، ولا الضَّرب بظاهرهما إختياراً.

الثَّاني: أن يمسح بهما الجبهة بتمامها والجبينين من قصاص الشَّعر إلى طرف الأنف الأعلى والحاجبين، بل الأحوط مسح الحاجبين أيضاً.

الثَّالث: أن يمسح تمام ظاهر كفِّه اليمنى من الزَّند إلى أطراف الأصابع بباطن اليد اليسرى، ثمَّ مسح تمام ظاهر كفِّه اليسرى بباطن يده اليمنى كذلك.

(مسألة 593) يعتبر في مسح الجبهة واليدين إمرار الماسح على الممسوح، فلا اعتبار بجر الممسوح تحت الماسح، نعم الحركة اليسيرة المصادفة في الممسوح غير مضرِّة بصحته.

(مسألة 594) يجب المسح في الجبهة أن يكون على البشرة بعد رفع الشَّعر المسترسل

ص: 234

من الرَّأس عليها، أمَّا الشَّعر النَّابت عليها وعلى ظهر اليد فهو غير مانع من المسح.

(مسألة 595) لا يجب المسح بتمام الكفَّين، بل يكفي المسح ببعضهما على نحو يستوعب الجبهة والجبينين.(مسألة 596) يكفي الصِّدق العرفي في المسح ولا تجب الدِّقة أكثر من الواجب، نعم لو بقي جزء يسير - من الممسوح - متروكاً بطل التَّيمُّم بلا فرق بين العمد والجهل بالحكم والنِّسيان.

(مسألة 597) يجب مسح مقدار زائد على الحد من ظهر اليد - من باب المقدِّمة - حتَّى يتيقَّن بتماميَّة المسح بمقدار الواجب.

(مسألة 598) إذا تعذَّر الضَّرب والمسح بباطن الكفَّين إنتقل إلى ظاهرهما، وكذا إذا كان نجساً بنجاسة متعديَّة وغير قابل للإزالة، أمَّا إذا لم تكن متعديَّة أو أمكن الإزالة ضرب به ومسح.

(مسألة 599) إذا كان على الممسوح (الجبهة أو الجبين أو ظاهر الكفَّين) حائل كالجبيرة أو القير فإن أمكن رفعه وجب ذلك، وإلاَّ مسح عليها، وإذا كان على باطن الماسح حائل لا يمكن إزالته إحتاط بالجمع بين الضَّرب والمسح بظاهر الكفَّين وباطنهما.

(مسألة 600) الأحوط تعدُّد الضَّربات خصوصاً إذا كان التَّيمُّم بدلاً عن الغُسل، بأن يضرب ضربة للوجه وضربة للكفَّين، أو يضرب بيديه تارة ويمسح بهما جبهته ويديه معاً ثمَّ يضرب مرَّة أخرى ويمسح بهما يديه.

الفَصْلُ الرَّابع شُروط المتَيمِّم

(مسألة 601) يشترط في التَّيمُّم أمور: -

الأوَّل: النيَّة والإخلاص كما تقدَّم في الوضوء، ولا يجب فيها سوى القصد إلى التَّيمُّم متقرِّباً إلى الله تعالى ومقارنة لضرب اليدين على الأرض، وعلى هذا فإنَّ الأحوط تقديم هذه النِّيَّة على الضَّرب من باب المقدِّمة لو كانت بنحو الخطور، وأمَّا كونها بنحو الدَّاعي لو كان فهي حاصلة من طبيعتهامع استمرار ذلك الدَّاعي.

ص: 235

الثَّاني: المباشرة، حال الإختيار والتَّمكُّن.

الثَّالث: التَّرتيب بين أعضاء التَّيمُّم كما تقدَّم، فإن خالف وفات المنسَّق المرتَّب بطل سواء عن جهل أو نسيان، وكذا مع فوات المولاة أيضاً، بمعنى مرور مدَّة زمنيَّة لا يمكن فيها التَّدارك لتصحيح التَّرتيب، أمَّا إذا لم تفت أعاد على ما يحصل به التَّرتيب.

الرَّابع: الموالاة، وهي عدم الفصل بين أفعال التَّيمُّم بأزيد من المتعارف بحيث يخل بهيئته ويكون ماحياً لصورته كما مرَّ.

الخامس: الابتداء بالمسح من الأعلى إلى الأسفل.

السَّادس: عدم الحائل بين الماسح والممسوح كالخاتم فيجب نزعه، وكذا يجب رفع كل ما لصق بالوجه أو ظاهر اليدين.

السَّابع: طهارة الماسح والممسوح.

(مسألة 602) لا يجب قصد البدليَّة عن الوضوء أو الغسل، ولكن يجب قصد التَّعيين عند تعدُّد الأحداث والإشتباه في حالته، فلو عيَّن عوض رفع الجنابة - إشتباهاً - رفع حدث المسِّ للميِّت مثلاً قاصداً الأمر الواقعي فتيمُّمه صحيح.

(مسألة 603) الأقطع بإحدى اليدين يكتفي بضرب الأخرى على الأرض ويمسح بهاجبهته ثمَّ يمسح ظهرها بالأرض، وأمَّا الأقطع بكلتا اليدين فيمسح بجبهته على الأرض.

(مسألة 604) المكلَّف العاجز عن المباشرة يتيمَّم بواسطة غيره، بأن يأخذ الغير بيدي العاجز ويضرب بهما الأرض ثمَّ يمسح بهما لما وظِّف له، وإن لم يتمكَّن ضرب المباشر بيدي نفسه على الأرض ويمسح وجه العاجز وكفيه.

(مسألة 605) إذا شكَّ المتيمِّم في إتيان جزء من التَّيمُّم أو نسيانه بعد الفراغ لم يلتفت، ولو شكَّ في أثناء العمل وجب عليه الإلتفات، فيبدأ بمسح الجزء المشكوك ثمَّ بما بعده من الأجزاء، أمَّا لو شكَّ في الجزء الأخير (مسح اليد اليسرى) ولم تفت الموالاة ولم يدخل في الأمر المترتِّب عليه من صلاة ونحوها فالأحوط وجوباً الإلتفات إلى ذلك الشَّك

ص: 236

وإعادة مسحها.

الفَصَلُ الخَامِس أَحْكَامُ التَّيمُّم

(مسألة 606) بعد أن عرفنا أنَّ من مسوِّغات التَّيمُّم هو ضيق الوقت، فلا يصح التَّيمُّم لصلاة مؤقَّتة قبل دخول وقتها،وإنَّما يصحُّ بعد دخول وقتها وإلى أواخره إن حصل اليأس عن التَّمكن من الماء للوضوء أو الغُسل كما مرَّ، ولو إتَّفق التَّمكن منه بعد الصَّلاة فالأحوط إعادتها في داخل الوقت ولا يجب القضاء كما مرَّ.

(مسألة 607) يجوز للمكلَّف أن يتيمَّم - قبل دخول وقت الصَّلاة - لغاية أخرى غيرها وجوبيَّاً - كالطَّواف الواجب - أو إستحبابيَّاً - كالطَّواف المستحب - على حسب القضايا المختلفة، وكذا يجوز الاستفادة من هذا التَّيمُّم بعد دخول وقتها مع تقدير استمرار حالة العجز عن الماء للوضوء وإفتقاد التُّراب أيضاً لغرض التَّجديد، فلو بقي عذره إلى ما بعد الوقت مع ضيقه في المقام أو مع اليأس فله أن يصلِّي بذلك التَّيمُّم، لقاعدة الميسور مع الاحتياط بالقضاء في خارج الوقت لو تيسَّر الماء أو التُّراب حسب التَّكليف الشَّرعي المرتَّب في أمر هذين المطهِّرين.

أمَّا لو تمكَّن من التُّراب على الأقل في داخل الوقت فعليه التَّجديد للقيام بوظيفة الوقت عند تعذُّر أو تعسُّر الماء، ومع وجوده فهو مقدَّم لا محالة، بل هو مقدَّم كذلك ولا يجوز التَّفريط به لو أمكن حصوله لفريضة الوقت وأراد المكلَّف الطَّهارة قبله للأغراض الأخرى كما مرَّ لو أراده لما قبل ذلك الوقت، فإنَّه يتعيَّن عليه التَّيمُّم ويبقى الماء لوضوء فريضة الوقت.

(مسألة 608) يجوز المبادرة إلى الصَّلاة متيممَّاً في حال العلم ببقاء العذر إلى آخر الوقت، إما إذا ظنَّ زوال العذر وجب الصَّبر عن التَّيمُّم إلى إرتفاعه للصَّلاة مع الوضوء أو الغُسل.

(مسألة 609) التَّيمُّم بدلاً عن غُسل الجنابة لا يُغني عن الوضوء إحتياطاً لا كغُسل الجنابة، فضلاً عن التَّيمُّم بدلاً عن سائر الأغسال الأخرى، فيحتاج إلى الوضوء إن تمكَّن

ص: 237

من الماء وإلاَّ تيمَّم ثانياً بدلاً عنه، ولو تمكَّن من الوضوء دون الغُسل أتى به وتيمَّم عن الغُسل.

(مسألة 610) ينتقض تيمُّم الجنب بدلاً عن غسل الجنابة بالحدث الأصغر كالنَّوم والبول فيتيمَّم ثانية عن الغُسل مع استمرار عذره على الأحوط، ويتيمَّم بعده لرفع الحدث الأصغر مع عدم القدرة على الوضوء، وأمَّا مع القدرة عليه فعليه أن يتوضأ، وكذا إذا تيمَّمت المرأة بدلاً عن الحدث الأكبر - غير الجنابة - كالحيض، ثمَّ أحدثت بالأصغر وكذا غيرهما من الأحداث.

(مسألة 611) المستحاضة الوسطى إن تمكَّنت من الاغتسال فقط وجب عليها التَّيمُّم بدلاً عن الوضوء.(مسألة 612) ينتقض التَّيمُّم الواقع بدلاً عن الوضوء بكل ما ينتقض به الوضوء كما مرَّ، كما أنَّه ينتقض بالتَّمكُّن من الوضوء.

(مسألة 613) ينتقض التَّيمُّم البديل عن الغُسل بما ينقض به الغُسل كالجنابة والحيض والنَّفاس ومسِّ الأموات والاستحاضة الكبرى والوسطى.

(مسألة 614) لا تجوز إراقة الماء الكافي للوضوء أو الغسل بعد دخول الصَّلاة وبالأخص إذا علم بأنَّه إذا أتلفه لم يتمكَّن من تحصيله، ولو تعمَّد إراقته بعد دخول الوقت أثم ووجب عليه التَّيمُّم مع اليأس من حصوله على الماء، ولو تمكَّن من الماء بعد الصَّلاة وجب على الأحوط إعادتها في داخل الوقت دون خارجه كما تقدَّم، وأمَّا لو لم يدخل وقتها فلا يجب حفظه وإنَّما يستحب إحتياطاً.

(مسألة 615) من تيمَّم مرَّتين عن الغُسل وعن الوضوء ثمَّ وجد ماء يكفيه للوضوء فقط إنتقض تيمُّمه البديل عن الوضوء، ومن وجد ماءاً يكفيه للغُسل إنتقض تيمُّمه بدلاً عن الغُسل، ثمَّ لو إفتقد الماء بعد وجدانه أعاد التَّيمُّم بنية البدل عن الغسل، إذا كان ما وجده كافياً له، وبنيَّة البدل عن الوضوء إذا كان ما وجده كافياً له.

(مسألة 616) إذا وجبت على المكلَّف أغسال متعدِّدة ولم يتمكَّن من الماء أجزئه تيمُّم واحد عن الجميع، وعليه بالوضوء مع توفُّر مائه، وإلاَّ تيمَّم إحتياطاً بدلاً عنه في

ص: 238

جميع الأغسال إحتياطاً.

(مسألة 617) يستحب إعادة الصَّلوات، الَّتي صلاَّها مع التَّيمُّم في موارد: -

1- تعمُّد الجنابة مع خوف استعمال الماء.

2- لو أجنب نفسه مع العلم بعدم وجود الماء أو إحتماله.

3- خوف عدم التَّمكُّن من الصَّلاة بواسطة الإزدحام وصلَّى الجمعة مستعجلاً مع التَّيمُّم والماء موجود، ولكن الأقوى لزوم إعادته ظهراً مع الوضوء.

(مسألة 618) على فاقد الطَّهورين في الأحداث الكبيرة يجب ترك ما يجب تركه أثنائها إلى حين حصول إحدى الطَّهارتين في مرتبتها، وكذا فاقدهما في الأحداث الصَّغيرة إلى حين حصول طهارتيه كل بحسبه وإن وجبت عليه الواجبات إحتياطاً كما سيتَّضح في أجزاء العبادات.

ص: 239

خاتمة

ربَّما تمر في جزء العبادات الآتي أمور هي أنسب ما تكون أن يبحث عنها في هذا الكتاب الحالي، لكونها أقرب ما تكون إلى المقدِّمات العامَّة، كالقبلة والسَّتر والسَّاتر وإباحة المكان ونحوها، لكون هذه الأمور يجب إحرازها في الصَّلاة وغيرها وكوسيلة لغاية.

فالقبلة مثلاً يجب إحرازها للدفن، والصَّلاة، والاعتكاف، والحج، والذبح، والنحر.

والسَّتر والسَّاتر يجب توفُّرهما في التَّخلِّي وتجهيز الموتى، والصَّلاة، والحج ونحوهما من أمور الحجاب الإسلامي العام للنِّساء، وأقلُّه ستر العورتين للرجل مع الاحتياط بستر ما بين السُّرَّة والرُّكبتين له.

وإباحة المكان يجب توفُّرها لحالات الطَّهارة ولدفن الموتى وللصَّلاة والاعتكاف والحج ونحو ذلك من جميع حالات تصرُّفات النَّاس الشَّرعيَّة المتوقِّفة على المكان.

ولكن أعرضنا عن الإسهاب فيها في جزء المقدِّمات هذا إكتفاء بالبيان المختصر في هذه الخاتمة لتحقيق معروضنا الآن وبسرعة وسيراً على نهج قد سار عليه أساتذتنا (رفع الله شأنهم) على أساس ذكرهم لها للمقامات الخاصَّة المتعدِّدة الَّتي جعلت مقدِّمة لها موزَّعة على كلٍّ منها وللمناسبة الغالبة في باب العبادات أكثر من خصوص ما مرَّ في المقدِّمات.

حيث ذكروا القبلة ولو إشارة قبل الدَّفن مع كون ذلك متناسباً مع المقدِّمات المذكورة، لوجوب تحقيق دفن الموتى إليها مثلاً، وذكروها مع أحكام التَّخلِّي للاحتفاظ من الاتِّجاه إليها أثناءه أو من استدبارها كذلك، وكذلك ذكروها قبل الصَّلاة لتكون مقدِّمة للإتِّجاه إليها في عبادته تعالى فيها في كتاب العبادات، وذكروها قبل الاعتكاف إشارة، لإنَّه لا يمكن للمعتكف أن لا يصلي في كتاب العبادات، وذكروها قبل الحج لإنَّها مقصد الحجَّاج في حجِّهم طوافاً وصلاة وكذا العمرة في كتاب العبادات، وذكروها في باب الذِّباحة ليكون الإتِّجاه إليها حين إيقاعها للذَّبح والنَّحر في الجزء الثَّاني والثَّالث من العبادات في مقام الحج والمعاملات في كتاب الصَّيد والذِّباحة.

وذكروا السَّتر والسَّاتر في المقامات التنوِّعة المذكورة لرعاية الحالة الأكثر هناك، وكذا

ص: 240

اباحة المكان لتلك الغلبة، وإن كنَّا نبتغي ذكرهما في جزء المقدِّمات لما مرَّ ذكره.

أمَّا ما يتعلَّق بالمقدِّمات الأخرى كتعداد الفرائض ومواقيتها والآذان والاقامة وحالة التَّوجُّه فهي وان كانت على الأكثر معدَّة من المقدِّمات الخارجيَّة ممَّا يتناسب وذكرها في هذا الكتاب بنحو من الأنحاء، الاَّ أنَّ اختصاصها بالصَّلاة أو اشتراك غيرها من العبادات الآتية بعدها معها كحالة التَّوجُّه (الأخيرة) الَّتي ترتبط بأمر روح كل عبادة وهي النِّيَّة وآدابها يقتضي التحاقها بكتاب العبادات أكثر.

هذا آخر ما أردنا بيانه في هذا الجزء، وهو جزء ما يتعلَّق بالمقدِّمات العامَّة للفقهيَّات نوعاً من المسائل المنتخبة من رسالتنا الفقهيَّة القادمة الموسَّعة المسمَّاة ب- (غُنية المتَّقين في أحكام الدَّين)، تصريحاً أو إشارةً كأطروحة نأمل منها الإفادة ولو للسَّعي إلى ما هو أوسع في المستقبل القريب، لما سنوضِّحه فيها بإذن الله تعالى حول ما لخَّصناه في هذا الجزء عسى أن تكون حائزة رغبة الأفاضل والمحصِّلين (وفَّقهم الله تعالى)، ومن الله نستمدُّ العون والتَّوفيق، ومن صاحب الأمر (عجَّل الله تعالى فرجه الشَّريف) نبغي السَّماح والدُّعاء.

ويليه الجزء الآخر وهو كتاب العبادات ومن بعده المعاملات.

وقد تم إنجاز هذا الجزء في النَّجف الأشرف في الأوَّل من جمادى الآخرة لعام ألفوأربعمائة وعشرين من الهجرة النَّبوية الشَّريفة على مهاجرها وآله الأطهار ألاف الصَّلاة والسَّلام.

وقد تمَّ تصحيحه وتنقيحه في النَّجف الأشرف في غرَّة شوَّال من عام ألف وأربعمائة واثنين وعشرين من هجرة النَّبي الأعظم 5 و الله ولي التَّوفيق.

وَالحَمْدُ للهِ أَوَّلاً وَآخِرَاً

ص: 241

فهرس

توثيق سماحة السَّيِّد (دام ظلُّه)....... 4

المقدِّمة العامَّة للمسائل المنتخبة ....... 5

المقدَّمة الخاصَّة بأمر المقدِّمات العامَّة ....... 7

نبذ من مقدِّمات الرِّسالة العمليَّة ....... 9

القسم الأوَّل / في نبذ من مقدِّمات الرِّسالة الفقهيَّة العمليَّة ....... 11

النُبذة الأولى / في ما يجب إحرازه على المتفقِّهين من الإعتقاديَّات ....... 11

النُبذة الثَّانية / ما هي الرِّسالة ....... 17

النُبذة الثَّالثة / لماذا كانت الرِّسالة العمليَّة ....... 19

النُبذة الرَّابعة / متى كانت الرِّسالة العمليَّة ....... 21

النُبذة الخامسة / لماذا الإجتهاد في الرِّسالة ....... 23

النُبذة السَّادسة / متى كان الإجتهاد ....... 26

النُبذة السَّابعة / لماذا يجب التَّقليد للمجتهد في الرِّسالة ....... 29

النُبذة الثَّامنة / التَّقليد للمجتهد لا للإمام علیه السلام ....... 32

النُبذة التَّاسعة / ضرورة إتِّباع فتوى الفقيه خفَّت أو ثقلت ....... 34

النُبذة العاشرة / فكرة مقلِّدة الشَّيخ وأصحاب النِّهاية ....... 35

النُبذة الحادية عشرة / وجوب التَّعبُّد في الحكم الشَّرعي لا لخصوص العلَّة ....... 37

النُبذة الثَّانية عشرة / لماذا الاحتياط في الرِّسالة وغيرها ....... 39

النُبذة الثَّالثة عشرة / أهميَّة إحترام نوع العلماء من الأتقياء ممَّن قلِّد وغيرهم ....... 41

النُبذة الرَّابعة عشرة / لماذا تعدُّد المرجعيَّات ....... 43

ص: 242

النُبذة الخامسة عشرة / حول الأحكام من ذوات العناوين الثَّانويَّة ....... 45

النُبذة السَّادسة عشرة / فيها تنبيه مهم حول المسائل المستحدثة ....... 47

النُبذة السَّابعة عشرة / حسنات الأبرار سيِّئات المقرَّبين ....... 49

النُبذة الثَّامنة عشرة / بعض المصطلحات النَّافعة في الرِّسالة ....... 50

القسم الثَّاني / مقدِّمات التَّفقُّه في الدِّين ....... 53

مسائل الإجتهاد ....... 55

مسائل التَّقليد ....... 59

مسائل الاحتياط ....... 63

القسم الثَّالث / مقدِّمات العبادات وغيرها والطَّهارة ....... 65

كتاب الطَّهارة ....... 71

المقصد الأوَّل / في أسباب المطهِّرات (النَّجاسات الخبثيَّة) وأحكامها....... 72

المبحث الأوَّل / في تعداد النَّجاسات الأحد عشر ....... 72

المبحث الثَّاني / في كيفيَّة سراية النَّجاسة إلى ملاقيها ....... 83

المبحث الثَّالث / أحكام النَّجاسة ....... 86

المبحث الرَّابع / في النَّجاسات المعفوِّ عنها في الصَّلاة ....... 90

المبحث الخامس / في أحكام الأواني ....... 92

المبحث السَّادس / في أحكام المساجد ....... 93

المقصد الثَّاني / المطهِّرات الإثني عشر ....... 99

الأوَّل / الماء ....... 99

الثَّاني / الأرض ....... 104

الثَّالث / الشَّمس ....... 105

الرَّابع / الاستحالة ....... 105

الخامس / الإنقلاب ....... 106

السَّادس / ذهاب الثُلثين ....... 107

السَّابع / الإنتقال ....... 107

الثَّامن / الإسلام ....... 108

ص: 243

التَّاسع / التَّبعيَّة ....... 109

العاشر / زوال عين النَّجاسة ....... 109

الحادي عشر / غيبة المسلم ....... 110

الثَّاني عشر / إستبراء الحيوان الجلاَّل ....... 111

المقصد الثَّالث / في الطَّهارة المائيَّة والتُّرابيَّة ....... 112

المبحث الأوَّل / في الطَّهارة المائيَّة ....... 113

الفصل الأوَّل / أقسام المياه وأحكامها ....... 113

القسم الأوَّل / الماء المطلق ....... 114

المياه الَّتي لها مادَّة ....... 115

المياه الَّتي ليست لها مادَّة ....... 120

القسم الثَّاني / الماء المضاف ....... 123

تتمَّة في أسئار الحيوانات ....... 124

الفصل الثَّاني / الماء المستعمل ....... 124

الفصل الثَّالث / الماء المشتبه ....... 125

المبحث الثَّاني / في الطَّهارة التُّرابيَّة ....... 127

المقصد الرَّابع في التَّخلِّي وما يتعلَّق به ....... 128

المبحث الأوَّل / في أحكام التَّخلِّي ....... 129

المبحث الثَّاني / الاستنجاء ....... 131

المبحث الثَّالث / أحكام الإستجمار ....... 131

المبحث الرَّابع / الإستبراء ....... 132

المبحث الخامس / مستحبَّات التَّخلِّي ومكروهاتها ....... 133

ملاحظة مهمَّة ....... 135

المقصد الخامس / في الوضوء ....... 136

المبحث الأوَّل / أفعال الوضوء الواجبة تفصيلاً ....... 137

المبحث الثَّاني / في شرائط الوضوء ....... 142

المبحث الثَّالث / في أحكام الوضوء ....... 146

ص: 244

الفصل الأوَّل / في أحكام الخلل ....... 146

الفصل الثَّاني / في دائم الحدث وما يلحق به ....... 147

الفصل الثَّالث / في أحكام الجبائر ....... 149

الفصل الرَّابع / في أحكام عامَّة للوضوء ....... 152

المبحث الرَّابع / في نواقض الوضوء ....... 155

المبحث الخامس / في مستحبَّات الوضوء ....... 157

المقصد السَّادس / في الغُسل ....... 159

المبحث الأوَّل / في واجبات الغُسل ....... 160

المبحث الثَّاني / في كيفيَّة الغُسل ....... 161

الكيفيَّة الأولى / الغُسل التَّرتيبي ....... 161

الكيفيَّة الثَّانية / الغُسل الإرتماسي ....... 162

المبحث الثَّاني / في أحكام الغُسل ....... 163

المقصد السَّابع / مُوجِبَات الغُسْلِ وَأَحْكَامُهَا من أَحْدَاث وغيرها ....... 166

المبحث الأوَّل / الجنابة وأحكامها ....... 167

الفصل الأوَّل / في أسباب غُسل الجنابة ....... 167

الفصل الثَّاني / في أحكام غُسل الجنابة ....... 169

الفصل الثَّالث / في ما يكره ويستحب للمجنب فعله ....... 170

المبحث الثَّاني / الحيض وأحكامه ....... 172

الفصل الأوَّل / في أوصاف الحيض ....... 172

الفصل الثَّاني / في شرائط تحقُّق الحيض ....... 174

الفصل الثَّالث / في أحكام المبتدئة ....... 175

الفصل الرَّابع / في عادة الحيض وأقسامها ....... 176

الفصل الخامس / في أحكام المضطربة ....... 177

الفصل السَّادس / في أحكام ناسية العادة ....... 178

الفصل السَّابع / في إستبراء الحائض وإستظهارها ....... 179

الفصل الثَّامن / في أحكام الحائض ....... 180

ص: 245

الفصل التَّاسع / في أحكام غُسل الحيض ....... 182

المبحث الثَّالث / الإستحاضة وأحكامها ....... 183

المبحث الرَّابع / النَّفاس وأحكامه ....... 187

الفصل الأوَّل / في صفة دم النَّفاس ....... 187

الفصل الثَّاني / في أقسام النَّفاس ....... 188

الفصل الثَّالث / في أحكام النَّفاس ....... 189

المبحث الخامس / غُسل مسِّ الميِّت ....... 190

المبحث السَّادس / أحكام الأموات ....... 192

الأوَّل / في من ظهرت عنده إمارات الموت ....... 192

الفصل الثَّاني / الإحتضار ....... 193

الفصل الثَّالث / الغُسل وشرائطه ....... 194

شروط المغسِّل ....... 197

آداب غُسل الميِّت ....... 199

تيميم الميِّت بدل تغسيله ....... 200

الفصل الرَّابع / التَّحنيط ....... 201

الفصل الخامس / التَّكفين ....... 202

شروط الكفن ....... 204

مستحبَّات الكفن ومكروهاته ....... 204

الجريدتان ....... 206

الفصل السَّادس / التَّشييع ومستحبَّاته ومكروهاته ....... 207

الفصل السَّابع / الصَّلاة على الميِّت ....... 208

كيفيَّة صلاة الجنائز ....... 210

أحكام صلاة الجنائز ....... 211

آداب صلاة الميِّت ....... 213

الفصل الثَّامن / الدَّفن ....... 214

مستحبَّات الدَّفن ....... 216

ص: 246

الفصل التَّاسع / صلاة ليلة الدَّفن (الوحشة) ....... 219

الفصل العاشر / فيما يتعلَّق بالمعزَّى (صاحب المصيبة) ....... 220

الفصل الحادي عشر / نبش القبور ....... 221

الأغسال المندوبة ....... 223

المقصد الثَّامن / في التَّيمُّم ....... 227

الفصل الأوَّل / في مسوِّغات التَّيمُم ....... 227

الفصل الثَّاني / في بيان ما يصح التَّيمُّم ....... 232

الفصل الثَّالث / في كيفيَّة التَّيمُّم ....... 234

الفصل الرَّابع / في شروط المتيمِّم ....... 235

الفصل الخامس / أحكام التَّيمُّم ....... 237

خاتمة ....... 240

الفهرس ....... 242

ص: 247

ص: 248

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.