زبدة المسائل

هوية الکتاب

جمَمِيعُ الحُقُوقِ محَفُوظَة

الطَّبعَةُ الثَّانِيَة

مَزِيدَة ومُنقَّحَة

1424ه- / 2003م

النَّجف الأشرف

آيت الله العظمي السيد علاءالدين الموسوي الغريفي دامت برکاتة

ص: 1

اشارة

مُصحَّحة ومُنقَّحَة ومَزِيدةَ

هوية الكتاب

اسم الكتاب: زبدة المسائل للمتفقه والسائل

فتاوی: سماحة المرجع الديني السيد الغريفي (دام ظله)

الناشر:موسسة العلامة الفقیه السید حسین الغریفی قدس سره الثقافیة

الطبعة:

الثانية

موس العلامة الفقيه السيد حسين العربي الية الثقافية

سنة الطبع: 1435ه- / 2014م

الكمية:

1000 نسخة

ص: 2

كلمة النَّاشر

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمَّد المصطفى الأمين، وعلى آله الغر الميامين، وصحبه المنتجبين، وبعد:-

نظراً لنفاد الطَّبعة الأولى من الرِّسالة العمليَّة (زبدة المسائل للمتفقِّه والسَّائل) لسماحة سيِّدنا المرجع الدِّيني الفقيه آية الله العظمى السيِّد علاء الدِّين الموسوي الغريفي "دامت إفاضاته" لما فيها من سلاسة التَّعبير وبساطته، ووضوح البيان وانسيابيَّته، ودقة الفتاوى وعمق الفكرة فيه.

ألزمنا نحن في مؤسَّسة العلاَّمة الفقيه السيِّد حُسين الغريفي " قدس سره " أن نبرزها في حُلة جديدة وطبعة منقَّحة بعد إبداء نظرة جديدة عليها من قِبل سماحته "دام ظلُّه" وتأمُّلاته الرَّصينة بالرَّغم من كثرة انشغالاته في مرجعيَّته الرَّشيدة.

نسأل الله تعالى أن يديمه علينا ذخراً في خير وعافية، وأن يديم توفيقاته علينا لإنجاز جميع ما يعطيه يَراعه الكريم، إنَّه سميع مجيب.

ص: 3

توثيق

بسمه تعالى شأنه وله الحمد

لا بأس بالعمل بهذه الرِّسالة الوجيزة الشَّريفة المسمَّاة ب- (زبدة المسائل) الملِّخصة لرسالتنا المعروفة بالمسائل المنتخبة مع مراعاة جوانب الاحتياط الوارد في مضامينها فإنَّه مجزئ ومبرئ للذمَّة إن شاء الله تعالى.

النَّجف الأشرف

ص: 4

المقدِّمة

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على محمَّد وآله الطَّاهرين، واللَّعن الدَّائم على أعدائهم من الآن إلى يوم الدِّين، وبعد:

فقد طلب مني الكثيرون من أعزَّاءنا من عرب جمهوريَّة إيران الإسلاميَّة وغيرهم من بقيَّة البلدان مع أعزَّاءنا العراقيين كتابة موجز فقهي مبسَّط يسهل تناوله لكل أحد، فلخَّصت رسالتي المسمَّاة ب- (المسائل المنتخبة من موسوعة غنية المتَّقين) لهم - مع كثرة الأشغال وتبلور البال - ممَّا سنح لي جمعه وبيانه، وممَّا أراه وأعمل على طبقه، مع بعض الاحتياطات الممكنة والمناسبة.

وسميِّت هذا الملخَّص ب- (زبدة المسائل للمتفقِّه والسَّائل)، مع سؤالي من الباري التَّوفيق والتَّسديد والعفو، إنَّه سميع مجيب.

الغريفي

ص: 5

أحكام الدِّين الإسلامي

اشارة

وهي: على نوعين:

1 - أصول الدِّين: الاعتقاديَّة وهي الَّتي يجب معرفتها - وعقد القلب عليها - عقلاً، ونُصَّ عليها في النُّصوص إرشاداً.

2 - فروع الدِّين: وهي الَّتي يُلتزم بها عملاً، عبادات وغيرها على طبق الأحكام التَّكليفيَّة والوضعيَّة كما سيجيء توضيحه.

(أصول الدِّين والمذهب)

أصول الدِّين عموماً خمسة، ثلاثة منها يطلق عليها أصول الدِّين، وهي (التَّوحيد والنُّبوَّة والمعاد) واثنان يطلق عليهما أصلا الإيمان، يضافان إلى الثَّلاثة المذكورة، وهما (العدل والإمامة).

لتكتمل الخمسة الَّتي يطلق عليها اسم أصول الدِّين والمذهب، أو أصول الإسلام والإيمان، وبالثَّلاثة يتحقَّق الإسلام، وبه تحقن الدِّماء والأعراض والأموال، وبالاثنين مع الثَّلاثة يتحقَّق الإسلام والإيمان، وهو التَّشيع وموالاة أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ومعاداة أعدائهم، وبذلك تضمن بقيَّة الحقوق والاعتبارات.

وعليه يجب على كل مكلَّف بالغ عاقل الاعتقاد بأصول الدِّين والمذهب عن الدَّليل القطعي الفطري، ولا يجوز فيهما التَّقليد أو الاكتفاء بالظن، لأنَّ تقليد الآباء وغيرهم في الاعتقاديَّات الضَّروريَّة والتَّخرص الظنِّي فيها مرفوض عقلاً ونقلاً.

ومعانيها حسب التَّسلسل الآتي:-

ص: 6

الأوَّل: التَّوحيد:

اشارة

وهو الاعتقاد بوجود خالق لهذا الكون بصفاته الثُّبوتيَّة، ككون الله تعالى واحداً، والسَّلبية ككونه لا شريك له، وهو (الله) الذي سمَّى نفسه بهذا اللَّفظ العظيم، واختَّص به من بين أسماءه الحسنى جلَّ وعلا.

الثَّاني: العدل:

وهو الاعتقاد بأنَّ الله تعالى عادل لا يفعل القبيح مثل الظلم، ولا يترك الواجب مثل اللطف، كبعث الأنبياء وإرسال الرُّسل ونصب الأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ من بعد الرَّسول صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ لتحمُّل الخلافة الإلهيَّة للأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، ولئلا تبقى للنَّاس على الله أيَّة حجَّة حينما يُنعم على المطيعين أو يعذِّب العاصيين، كما قال تعالى [فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ] وقال أيضاً [لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ].

الثَّالث: النبوَّة:

وهي الاعتقاد بأنَّ الله عز و جل بعث بلطفه الأنبياء لإرشاد النَّاس، وأوَّلهم آدم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وخاتمهم سيِّدنا محمَّد ابن عبد الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، وهو الَّذي جاء بشريعة الإسلام خير الشَّرائع وأضمنها لحياة الإنسان السَّعيدة دنياً وآخره وإلى أخر الزَّمن.

وعدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً، وقد ذكر القرآن منهم خمسة وعشرين رسولاً، منهم خمسة أولوا العزم، وهم:

ص: 7

1 - نوح 2 - إبراهيم 3 - موسى 4 - عيسى عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ 5 - نبيُّنا محمَّد صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ .

وشِرعة نبيِّنا صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وهي الإسلام جبَّت ما قبلها ونسختها، وأوجب الله الرُّضوخ إليها دون ما سبق، لأنَّها جمعت خير كل ما مضى وزيادة.

الرَّابع: الإمامة:

وهي الاعتقاد بأنَّ للنَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ خلفاء ينوبون عنه بأمر من الله سبحانه في أمور الدِّين والدُّنيا وإدارة شؤون النَّاس، وهم اثنا عشر، وسيأتي ذكر أسمائهم الشَّريفة، لأنَّ هذه الإمامة هي الامتداد الطَّبيعي للرِّسالة وسلطتها التَّشريعيَّة والمكمِّلة التَّنفيذيَّة للُّطف الإلهي، لأنَّ النبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ كبقيَّة من سبقه يموت كما يموتون، وقد ثبتت الإمامة ببيعة يوم الغدير وغيرها وبالنُّصوص القطعيَّة مع الدَّليل العقلي كدليلي الرِّسالة والإمامة.

تعداد المعصومين الأربعة عشر

هم:

1 - سيِّدنا محمَّد، وهو خاتم النَّبيين وسيِّد المرسلين صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، وهو قاعدة الامتداد الإلهي العظمى في بعثته وإرسال الله تعالى له.

2 - فاطمة الزَّهراء، سيِّدة نساء العالمين عَلَيْها اَلسَّلاَمُ ، وهي مثال المرأة المسلمة المثلى، وسيِّدة نصف المجتمع النِّسوي على الإطلاق، والمقتداة الأولى لعموم نساء العالم.

3 - الإمام أمير المؤمنين ومولى المتَّقين (علي بن أبي طالب عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ )، وهو المنصوص عليه ببيعة الغدير وغيرها في خلافته، وفي الأخذ منه وعنه من كل ما يحتاج إليه من أمور الدُّنيا والدِّين، وهو أوَّل الخلفاء والأئمَّة الرَّاشدين، بل الأرشدين.

4 - الإمام (الحسن بن علي)، المجتبى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وهو الإمام الثَّاني، لكونه الوصي والإمام والخليفة من بعد أبيه المرتضى.

ص: 8

5 - الإمام (الحسين بن علي)، سيد الشُّهداء وسفينة النَّجاة عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وهو ثالث الأئمَّة الهُداة، لكونه الوصي والإمام والخليفة من بعد أخيه.

6 - الإمام (علي بن الحسين)، السجَّاد عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وهو رابع الأئمَّة الهُداة.

7 - الإمام (محمَّد بن علي)، الباقر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وهو خامس الأئمَّة الهُداة.

8 - الإمام (جعفر بن محمَّد)،الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وهو سادس الأئمَّة الهُداة.

9 - الإمام (موسى بن جعفر)، الكاظم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وهو سابع الأئمَّة الهُداة.

10 - الإمام (علي بن موسى)، الرِّضا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وهو ثامن الأئمَّة الهُداة.

11 - الإمام (محمَّد بن علي)، الجواد التَّقي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وهو تاسع الأئمَّة الهُداة.

12 - الإمام (علي بن محمَّد)، الهادي النَّقي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وهو عاشر الأئمَّة الهُداة.

13 - الإمام (الحسن بن علي)، العسكري عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وهو حادي عشر الأئمَّة الهُداة.

14 - الإمام (الحجَّة المهدي)، صاحب العصر والزَّمان، عجَّل الله فرجه وسهَّل مخرجه، وجعلنا من أنصاره وأعوانه، وهو ثاني عشرهم الخاتم.

وهو الَّذي اعتُرف بلا بُديَّة ظهوره في آخر الزمان - واحتياج الكل إليه - من قبل جميع الأديان والمذاهب في العالم، وإن اختلفوا في بعض الخصوصيَّات غير المهمَّة تجاهه، لأنَّه لابدَّ من وجود منقذ له، بعد ما عجز ويعجز جميع طلاَّب الحكم الدُّنيوي من أن يسودوه، مع بطشهم وظلمهم واستبدادهم.

وهذا الإمام بحسب الأدلَّة الوافرة هو صاحب دولة آل محمَّد عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ المشار إليها في قوله تعالى [وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ] وغيره مع توضيح الرِّوايات لهذا الأمر من الفريقين وبكثرة.

وأدلَّة كون الأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ من قريش - وأنَّهم اثنا عشر، وأنَّهم الذين ذكرناهم جميعاً - كثيرة جدَّاً من الفريقين سنَّة وشيعة ومن كتبهم العامَّة والخاصَّة، وقد أوردنا بعضها في موسَّعاتنا المناسبة.

ص: 9

الخامس: المعاد:

هو الاعتقاد بأنَّ الله تعالى لا بدَّ وأن يبعث النَّاس بأجسامهم بعد الموت ليحاسبوا على أعمالهم في الدُّنيا، فيجزيهم أو يجازيهم بما يستحقوُّنه من الثَّواب والعقاب، لما مرَّ من الآيتين الكريمتين وغيرهما في الكلام عن أصل العدل ، ولما ورد في بعض الرِّوايات المشهورة (الدُّنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي الشُّبهات عتاب) وغيره، مع الأدلَّة العقليَّة المذكورة في الموسَّعات، لضرورة الاعتقاد بشكر المنعم تعالى وأهميَّة إطاعته في هذه الدُّنيا وخطورة معصيته فيها.

ص: 10

أبواب الفقه في هذه الوجيزة

اشارة

وهي العبادات والمعاملات والأخلاق والآداب وغيرها من الأحكام الشَّرعيَّة الَّتي لابدَّ من الالتزام بها.

والعبادات: هي ما تجتمع فيها الفروع العشرة الآتية، وهي الَّتي يحويها الجزء الأوَّل من هذه الرسالة الوجيزة بعد المقدِّمات الآتية.

والمعاملات: هي ما يجمع كل تعامل بين اثنين من بيع وشراء وإيجار واستيجار وعقود أخرى، ويلحق بها بعض الإيقاعات وفروض وأحكام أخرى، وهي الَّتي يحويها الجزء الثَّاني.

والأخلاق والآداب: وهما كل ماله علاقة بالمكارم الخلقيَّة والأدبيَّة والحفاظ عليها، لنبذ الرَّذائل الخلقية وما يخالف الآداب الَّتي تدخل في عموم الأحكام الخمسة التَّكليفيَّة - وهي الوجوب والتَّحريم والاستحباب والكراهة والإباحة - والأحكام الوضعيَّة، وهي كل ماله علاقة بالصحَّة من الأعمال والالتزامات وبالبطلان وبالقبول وبالرَّد كذلك، ونحو ذلك.

وهي أحكام نوردها في هذه الوجيزة حسب ما يناسب هذه الأمور من الأخلاق والآداب وما يخالفها من ذات العلاقة بالأبواب الفقهيَّة المناسبة.

ولنذكر شيئاً من مهمَّات هذه البحوث في هذا الكتيِّب ضمن مباحث:

المبحث الأول: في تعداد فروع الدِّين

فروع الدِّين كثيرة، وأهمُّها عشرة وهي:

الصَّلاة، والصَّوم، والحج، والزَّكاة، والخمس، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنَّهي

ص: 11

عن المنكر، والتَّولي للنَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وآله عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ، والتَّبرِّي من أعدائهم.

على أساس التَّعلُّق بالمشهور من هذا التِّعداد وهو الأساس في ذلك، وإذا لم يكن كما في الفروع الأخرى فلا داعي لكونه فرعاً أساسياً، بل إنَّما هو يبحث عنه كمسألة فرعيَّة وإن استقلَّت أو كبرت كما في بعض البحوث كما سيجيء من المسائل:

المبحث الثَّاني: في العمل بفروع الدِّين ومسائلها

لابدَّ أن يكون العمل بفروع الدِّين مستنداً إلى أحد الأمور الثَّلاثة:

الأوَّل: الاجتهاد:

وهو استنباط الفروع من الأصول كتاباً وسنَّة وإجماعاً وعقلاًَ من غير الضَّروريَّات واليقينيَّات، لأنَّ الأخيرين لا اجتهاد يناسبهما.

(مسألة 1) يجب الالتزام به في حالة عدم وجود المجتهدين أو افتقادهم وبنحو الوجوب الكفائي، أي إذا قام به البعض سقط عن الباقي وإذا لم يقم به الجميع أثم الجميع مع توفُّرالشروط الآتية في المجتهد ولو لصالح الرُّجوع إليه.

الثَّاني: التَّقليد:

وهو تطبيق فتاوى المجتهد الجامع للشَّرائط الآتية من قبل العامي في أعماله المشار إليها فيما يأتي لوجوب الرُّجوع إليه.

وهو لا يمنع من الالتزام تعبُّداً بالتَّقيُّد به حتَّى قبل حلول وقت العمل بعد البلوغ عمراً وعقلاً تهيُّأ له مع توفُّر الفقيه والتَّفطُّن له.

ص: 12

ولا يمنع أيضاً ممَّا ذكرناه في المسألة العاشرة الآتية مع عدم ذلك للدَّليل الَّذي أوردناه في بحوثنا العلميَّة على العروة.

(مسألة 2) يجب التَّقليد على العامي مع توفُّر المجتهد الجامع للشَّرائط كما سيجيء، وبالخصوص إذا لم يقدر على الاجتهاد والاحتياط وإلاَّ يكون عمله باطلاً.

(مسألة 3) يشترط في مرجع التَّقليد لجمع الشَّرائط أمور، وهي:

1 - البلوغ.

2 - العقل.

3 - الإيمان.

4 - الحريَّة.

5 - الاجتهاد.

6 - الضبط الاعتيادي، كي يكون مهيَّأً للإفادة والاستفادة الصَّحيحتين.

7 - العدالة، خلاصاً من الإغراء المتعمَّد بالجهل، ومن التَّشريع الباطل للمصالح الخاصَّة والعامَّة وغير ذلك.

8 - طهارة المولد، أي أن لا يكون ولد زنا.

9 - الحياة - في التَّقليد الابتدائي - لعدم قبول تقليد الميِّت ابتداءً عدا البقاء كما سيجيء في مسألة 5.

10 - الذكورة.

الثَّالث: الاحتياط:

وهو محاولة الحفاظ على المقدار المشروع ولو بثقيل الأعمال الممكن، أو الجمع بين شيئين أو أشياء، لأنَّ اشتغال الذمَّة اليقيني يستدعى الفراغ اليقيني.

ص: 13

(مسألة 4) يجب الالتزام به مع الإمكان إذا عُدم المجتهد الَّذي يرجع إليه أو لم يكن المكلَّف مقتدراً على الاجتهاد، لبطء تحصيل القدرة عليه تجاه الواجبات الفوريَّة كالصَّلوات اليوميَّة مثلاً وبقيَّة العبادات في أحكامها والتَّعاملات والعقود في أحكامها، ويستحب في باقي الأحوال على ما سنوضِّحه في بعض المقامات ممَّا يأتي.

مسائل في الاجتهاد والتَّقليد

(مسألة 5) يجوز البقاء على تقليد المجتهد الميِّت في جميع المسائل الَّتي حفظها وعمل بها بعد الاستجازة من المجتهد الحي الكامل القائل بجواز البقاء استمراراً، وأمَّا البقيَّة والمستحدثات الجديدة فيجب فيها الرجوع إلى ذلك الحي الَّذي أجاز له البقاء استمراراً على تقليد ذلك الميِّت، نعم يمكن أن يقبل العمل الموسَّع على طبق فتوى الميِّت أيضاً في المسائل من رسالته إذا كانت تطابق فتاوى الحي تماماً تقليداً للحي، كما يجوز للمكلَّف أن يرجع إلىأحد الفقهاء الموجودين إذا عرف كمالهم من دون ارتباط بالمتوفَّى، إلاَّ إذا أوجب ذلك الحي البقاء على تقليد المتوفَّى لكونه الأعلم في نظره مثلاً.

(مسألة 6) من لم يقلِّد أساساً عالماً وخالف عمله الواقع، أثمَ وكان عمله باطلاً ويتعيِّن عليه إعادته في الوقت وقضاؤه في خارجه في الأمور الَّتي تقضى لو لم يُعد أداءاً.

(مسألة 7) يجب على كل أحد أن يتعلَّم المسائل الَّتي يبتلى بها من فتاوى مجتهده.

(مسألة 8) يثبت اجتهاد المجتهد بالأمور التَّالية:

1 - الاختبار.

2 - شهادة عدلين من أهل العلم في هذا الخصوص على الأقل.

3 - الشِّياع المفيد للاطمئنان.

4 - إخبار من يوجب قوله الوثوق لو انحصر الأمر فيه.

ص: 14

(مسألة 9) للمجتهد الجامع للشَّرائط الحق في الأمور التَّالية:

1 - الفتوى.

2 - القضاء بين النَّاس، والواجب على النَّاس مراجعته في القضاء وينفذ حكمه لو علموا بكفاءته والحاجة إليه، ولا يجوز لأحد أن يراجع الحكَّام الَّذين يحكمون على خلاف الإسلام الصَّحيح في تعاليمه.

3 - التَّدخُّل في الأمور الحسبيَّة، كحفظ أموال القاصرين، وتولِّي الأوقاف، وما أشبههما.

4 - أخذ سهم الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وحقِّ السَّادة، والزَّكاة وتقسيمها في مواردها.

5 - الحكم في الهلال وما أشبه.

6 - تولِّي الأمور العامَّة بما تسعه الحسبة، كالسِّلم، والحرب الدِّفاعي، والمعاهدات الدَّاخليَّة والدُّوليَّة وما أشبهها.

وبالجملة فهو ممثِّل (الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ) في جميع الأمور حتَّى الجهاد إن دلَّ دليله، إلاَّ ما علم استثناؤه ممَّا لم يكن التَّوظُّف للفقيه في الغيبة الكبرى واصلاً إلى بقيَّة الصَّلاحيَّات الَّتي لن تكون إلاَّ للسُّفراء الأربعة في الغيبة الصُّغرى.

(مسألة 10) من لم يقلِّد مدَّة من عمره، يلزم عليه أن يقلِّد فعلاً، وأعماله السَّابقة لو كانت مطابقة لتقليده الحالي الصَّحيح كفت إذا لم يتعمَّد ذلك.

وإذا بلغ الولد أو البنت وجب عليهما جميع أحكام الإسلام، من الصَّلاة والصِّيام والحج وغيرها الآتي بيانها، وعلى أوليائهما تنبيههما على ذلك، بل وكذا غيرهم أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.

(مسألة 11) التَّقليد جار في جميع المسائل الَّتي يبتلي بها الشَّخص في عبادة كانت، أو معاملة، أو عمارة أو غيرها، وأمَّا ما كان من ضروريَّات الدِّين كأصل الصَّلاة والصَّوم والحجِّ والزَّكاة ونحو ذلك ممَّا لا اختلاف فيه، فإنَّه معلوم لا يحتاج إلى التَّقليد.

ص: 15

كتاب الطَّهارة

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: أقسام الماء

(مسألة 12) الماء على قسمين:

1- الماء المطلق، وهو الِّذي يطلق عليه اسم الماء، نحو مياه الأنهار والعيون وما أشبهها، من دون إضافة تسلب عنه الإطلاق الِّذي يصح به الاستعمال، وهو الَّذي يصح به التَّطهير.

2- الماء المضاف، وهو الَّذي لا يطلق عليه اسم الماء إلاَّ بإضافة مغايره كماء الرمَّان وماء العنب، وغير ذلك مما يغيَّر فيه اللون والطَّعم والرَّائحة من المغيِّرات للإطلاق، وهو الَّذي لا يصح به التَّطهير.

وأمَّا في بعض الإضافات اللفظيَّة كما في ماء البحر أو ماء النَّهر أو ماء البئر أو ماء المطر فإنَّ ذلك لا يسلب المطلق عن إطلاقه، لكونه للتَّعريف بأقسام المطلقات المائيَّة، لا لعدم تصحيح الاستعمال بها، لأنَّ مياهها مطلقة غير مضافة شرعاً.

(مسألة 13) الماء المطلق على أقسام نذكر منها:

1 - الكر، وهو ما كان كل من طوله وعرضه وعمقه (ثلاثة أشبار ونصف) أي مجموعه (اثنان وأربعون شبراً وسبعا الشبر) أو كان وزنه (880،464) كيلو غراماً تقريباً، بل لابدَّ من جعل الأشبار ثلاثة ونصف فيزيد بنسبته في الكيلوات وزناً بعض الشيء احتياطاً.

والكر من نوع المعتصم الَّذي لا يتنجَّس إلاَّ بما يغيِّر لونه وطعمه ورائحته.

2 - الماء القليل، وهو ما كان أقل من الكر، وهو غير المعتصم والَّذي يتأثَّر بالنَّجس

ص: 16

والمتنجِّس وإن لم يتغيَّر فعلاً بالأوصاف الثَّلاثة، ولكن يصح التَّطهير به إن لم يتنجَّس بهما كصبِّ الماء من الأعلى على ما يحتاج إلى التَّطهير عن طريق الإبريق مثلاً.

3 - ماء المطر حين نزوله، إذا كان بنسبة معتبرة في التَّطهير، لا كالقطرات القليلة المتفرِّقة.

4 - ماء البئر، والنَّزيز وما أشبههما ممَّا له مادَّة ولا يجري مع عدم تأثُّره بالنَّجاسة.

5 - الماء الجاري، وماء العيون.

وكل هذه الأنواع إضافة إلى ما ذكرناه عن القليل من حالة التَّطهُّر به قابلة لأن يستفاد منها على ما سيجيء.

(مسألة 14) الماء المضاف - بإضافة غير نجسة أو متنجِّسة - طاهر بنفسه، ولكنَّه لا يطهِّر شيئاً، وإذا وقعت فيه نجاسة ذاتيَّة أو حكميَّة تنجَّس ولو كان كثيراً.

(مسألة 15) الماء المطلق القليل طاهر ويطهِّر غيَّره بما حدَّدناه آنفاً، لكن يتنجَّس بملاقاة النَّجس أو المتنجِّس، وأمَّا غيره من الأقسام المذكورة فلا يتنجَّس بمجرَّد الملاقاة إلاَّ أن يتغيَّر طعمه أو لونه أو رائحته بالنَّجس أو المتنجِّس على الأقوى مع التَّغيُّر.

(مسألة 16) الأحوط يجب العصر في غسل اللِّباس ونحوه، وبالأخص إذا أريد استعمال هذه الأمور بعد التَّطهير فيما يشترط فيه الطَّهارة التَّامَّة للظاهر والباطن، كلباس المصلِّي وإحرام المحرم، وأمَّا الفراش لو أريد تطهيره فيكفي فيه غسل الظاهر بدون حاجة إلى العصر، إذا جفَّ الظاهر بعد التَّطهير من دون أن يستمص من نجاسة الباطن.

(مسألة 17) الجلود واللحوم والشُّحوم المستوردة من خارج البلاد الإسلاميَّة محكومة بالنَّجاسة وحرمة الاستعمال، إلاَّ إذا استوردت من بلاد المسلمين ثمَّ صُدِّرت إليهم أو من الجاليات المسلمة الملتزمة في ذلك الخارج وكانت متِّبعة لشروط التَّذكية ونحو ذلك.

ص: 17

(مسألة 18) لا بأس بسائر الأشياء الأخرى الَّتي تستورد من الخارج، فهي محكومة بالحليَّة والطَّهارة ما لم يُعلم نجاسة ظاهرها منهم.

(مسألة 19) اللباس المشكوك المجلوب من الخارج محكوم بالطَّهارة إذا كان جديداً وتجوز الصَّلاة فيه، ويجوز سائر استعمالاته، وأمَّا المستعمل والمغسول بأيدي أهل الكفر فلابدَّ من تطهيره.

(مسألة 20) سوق المسلمين محكوم بطهارة وحليَّة كل ما فيه، ما لم تنتف مصداقيَّة هذا السُّوق ولو بأكثريَّة التَّساهلات المخالفة للشَّرع واقعاً على الأحوط، ومن ذلك حالة الظن المقلق، وضياع الباقي بين مصاديق تلك الأكثريَّة.

المبحث الثَّاني: في النَّجاسات

(مسألة 21) النَّجاسات عشرة:

1،2 - البول، والغائط نجسان من الحيوان بشروط ثلاثة:إحداها: كونه ذا نفس سائلة((1)

ففضلات غير ذي النَّفس وشبهه كالسَّمكة طاهرة، لأنَّ دمه باق في محلِّه.

ثانيها: كونه محرَّم اللَّحم، كالهر والمحلَّل الموطوء والمحلَّل الجلاَّل الَّذي يقتات على العذرات.

ثالثها: أن لا يكون طيراً، فبول وذرق الطيور طاهران، حتَّى لو كانت ذات نفس سائلة كالهدهد أو حرم أكلها كهذا الطائر وكالخفاش، مع الاحتياط بالتَّجنب عن بول وفضلات المحرَّمين من ذوات النَّفس السَّائلة.

3 - الدَّم، من كلِّ حيوان ذي نفس سائلة، وإن حلَّ لحمه كالشَّاة، بخلاف دم

ص: 18


1- ([1]) وهي مثل: الدَّم الشَّاخب من الحيوان عند الذَّبح.

السَّمك والبرغوث وشبههما، فإنَّه طاهر لعدم النَّفس السائلة فيهما.

4 - المني من حيوان ذي نفس سائلة وإن حلَّ لحمه.

5 - الكلب البرِّي، وكل جزء منه نجس حتَّى ما لا تحلُّه الحياة منه كالشَّعر، وأمَّا البحري فطاهر.

6 - الخنزير البرِّي، وكل جزء منه نجس، حتَّى ما لا تحلُّه الحياة منه كالشَّعر، وأمَّا البحري فطاهر.

7 - الميتة، من حيوان ذي نفس سائلة وإن حلَّ لحمه بالتَّذكية، فميتة ما لا نفس له طاهرة، كالوزغ والعقرب والسَّمك ونحوها.

وبحكم الميتة الجزء المبان من الحي إذا كان ممَّا تحلُّه الحياة، فالشَّعر والقِرن وشبههما ممَّا لا تحلُّه الحياة المنفصل عن الميتة من غير نجس العين طاهر، وكذا القشور والبثور والفالول المنفصلة عن الحي طاهرة.

8 - الكافر، وهو من لا دين له، أو له دين غير الإسلام - كبعض الدِّيانات المختلفة من البوذيَّة وغيرها أو السَّماوية المحرَّفة والمنسوخة بالإسلام العزيز -، أو أنكر الألوهيَّة كالملحد، أو كفر كفراً أصليَّاً من مثل الحربي أو الذمِّي، أو كان مسلماً وأنكر ضروريَّاً كالصَّلاة - ولو رجع ذلك إلى إنكار جزء من الرِّسالة - فضلاً عمَّا لو ارتد كليَّاً عن فطرته، أو كان كافراً ثمَّ أسلم ثمَّ ارتدَّ عن ملَّة، أو خرج عن الدِّين وعليه وعلى الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أو نصب العِداء لأهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ أو غالى فيهم ونحو ذلك.

(مسألة 22) الكتابي هو الَّذي يعتقد بكتاب من كتب الله المعروفة كالتَّوراة أو الإنجيل أو غيرهما، ولكنَّه يعتقد حتَّى بكتابه المحرَّف، وأمَّا غير المحرَّف لو كان فلا شكَّ أنَّ صاحبه لو حكَّم عقله وضميره فإنَّه قد يُلزم نفسه باعتناق الإسلام، لأنَّ الكتب الصَّحيحة تنص حتماً على أحقيَّة الإسلام وصحَّة نبوَّة ورسالة نبيِّنا صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ .

وعلى كل فإن جحد هذا الكتابي ولم يذعن لدين الله فالأحوط وجوباً الاجتناب

ص: 19

عنه حتَّى لو كان موحِّداً فضلاً عمَّا لو كان مثلِّثاً لأنَّ الأقوى فيه أنَّه يلحق بالمشركين.

9 - المسكر المائع بالأصل كالخمر (دون الجامد كالحشيشة حتَّى لو اسخن فماع) وإنكان محرَّم الاستعمال.

(مسألة 23) عصير الزَّبيب والكشمش والتَّمر ليس بنجس ولا يحرم ظاهراً لو غلى، فيجوز وضعها في المطبوخات كالمرق والطَّبيخ، لأنَّه ذهب ثلثاها على الشَّجر - مثلاً - أو بالتِّيبيس بعد إنزالها، مع رجحان الاحتياط بترك الغلي لها لو ضمَّ بعضها إلى المطبوخات وإنَّما تستعمل بالأقل من ذلك.

10 - عرق الجنب من الحرام وعرق الحيوان الجلال نجسان، والجلاَّل هو الَّذي يتغذَّى بعذرة الإنسان مدَّة حتى يتشبَّع جسمه بها، ولا تجوز الصَّلاة في حالهما من دون تطهير منهما، وفي الأوَّل إمَّا بالغسل بالماء البارد فقط ولو ترتيباً حتَّى في الشِّتاء أو بالماء الحار بصورة الغسل ارتماساً بالكثير.

مسائل في النَّجاسات

(مسألة 24) الجلود واللحوم والشُّحوم المستوردة من خارج البلاد الإسلاميَّة ذكرنا أنَّها محكومة بحرمة الأكل واللبس في الصَّلاة ما لم تحرز التَّذكية الشَّرعيَّة فيها، فملاقيها برطوبة في المرق وغيره يجب اجتنابه حتَّى في مورد الشَّك لو كان الاحتمال للتَّذكية موجوداً لكون احتمال عدمها أيضاً كان موجوداً، لأنَّه ورد الاحتياط في اللحوم والفروج والدِّماء.

وأمَّا ما قيل من ترك اللحم وشرب المرق فهو مشكل جدَّاً، لكون المرق وقت حرارته - وإن لم يظهر فيه بعض جزئيَّات اللحوم والشُّحوم - إلاَّ أنَّه إذا برد فإنَّ تلك الأشياء تظهر لا محالة، فالحرمة سارية حتَّى في هذا المورد حتَّى لو أصرَّ القائل بذلك على عدم مثبت النَّجاسة فضلاً عمَّا لو ظهرت بالنَّتيجة.

ص: 20

(مسألة 25) لا بأس بسائر الأشياء الأخرى المشكوكة الطَّهارة المستوردة من خارج البلاد الإسلاميَّة فيحكم عليها:

1 - بالطَّهارة.

2 - حليَّة الأكل.

3 - الصَّلاة معها إن كان لا يخلو الوضع عادة من تعامل تجَّار المسلمين الملتزمين في ذلك وكان ممَّا يطمئن بذلك تفرُّعاً عن الاطمئنان بالتزامهم الشَّرعي ومع عدم مماسَّة أهل الكفر لها برطوبة.

4 - الممارسات الأخرى إذا لم تشجِّع على الحرام في مثل المأكولات والمشروبات، وكذا ما كان يعرف أنَّ الأساسيَّات كانت مستوردة من نفس البلدان الإسلاميَّة ومنها الجلود في غير المأكول كالملبوس ثمَّ ترجع إليها مدبَّغة أو مصنَّعة لذلك.

(مسألة 26) تثبت النَّجاسة بالعلم، وبشهادة العدلين، وبإخبار ذي اليد، بل مطلق الثِّقة.

(مسألة 27) يحرم أكل النَّجس والمتنجِّس وشربه، ويجوز الانتفاع به فيما لا يشترط فيه الطَّهارة كحالة التَّسميد للزِّراعة والإنارة بالزُّيوت المتنجِّسة تحت السَّماء ونحو ذلك.

(مسألة 28) لا يجوز بيع الميتة والخمر والخنزير والكلب غير كلب الصَّيد، نعم يمكن التَّعامل بغير البيع على كلب الحراسة ونحوها من الكلاب المعلَّمة بما يعوِّض عن حقِّ الاختصاص من المال بمثل رفع اليد.

ولا بأس ببيع غيرها من الأعيان النَّجسة والمتنجِّسات إذا كانت لها منفعة محلَّلة عند العقلاء من غير ما يشترط فيه الطَّهارة.

(مسألة 29) يحرم تنجيس المساجد وأجزائها وآلاتها وبنائها وفراشها، وإذا تنجَّس شيء منها وجبت المبادرة إلى تطهيرها، ويلحق بذلك العتبات المقدَّسة للأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ .

ص: 21

(مسألة 30) يلحق بالمساجد المصحف الشَّريف وأروقة العتبات المقدَّسة وتربة الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ والرَّسول 3 وسائر الأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ المأخوذة للتَّبرك، إلاَّ أنَّ التُّربة الحسينيَّة هي المباح استعمالها للاستشفاء بتذويبها بالماء بمقدار الحمُّصة أو الأقل دون الغير احتياطاً، ولا يجوز مسُّها إلاَّ مع الوضوء على الأحوط أيضاً.

المبحث الثَّالث: المطهِّرات

(مسألة 31) المطهِّرات أربعة عشر:

الأوَّل: الماء

وهو طاهر ومطهِّر لكل نجس بعد زوال عين النَّجاسة، ومصداقه الأهم هو الماء المعتصم(1)1)، بل حتَّى القليل، فتكفي في عموم هذا الماء غَسلة واحدة بعد زوال عين النِّجاسةلجميع النَّجاسات، سوى الموارد التَّالية:

1 - الإناء المتنجِّس بغير الخمر يُغسل بالماء القليل ثلاث مرَّات، وبالماء المعتصم تكفي مرَّة واحدة والأحوط مرَّتان.

2 - الإناء المتنجِّس بالخمر، فإنَّه يُغسل ثلاث مرَّات، سواء بالماء المعتصم أو القليل.

3 - الثَّوب إذا تنجَّس بالبول غُسل مرَّتين بالماء القليل أو الكر احتياطاً، وتكفي مرَّة واحدة بالجاري.

ولابدَّ من الدَّلك حين الغَسل - أو العصر - ولو بعد الغسل، والأحوط الغَسل مرَّتين بالقليل لكل متنجِّس بالبول، سواء البدن وغيره، بل لابدَّ من المرِّتين ليطهر لا لرفع النَّجاسة وإلاَّ فقد يحتاج إلى الأكثر.

ص: 22


1- كماء المطر والبئر والجاري والكر ومنه ماء الإسالة مع استمرار جريانه وكل كثير.

4 - في شرب الخنزير وموت الجرذ - على الأحوط في الثَّاني - الغَسل سبع مرَّات، سواء بالماء المعتصم أو القليل.

5 - إذا ولغ الكلب في الإناء لابدَّ من غَسله بالتُّراب الممزوج بالماء أوَّلاً، ثمَّ غسله بالماء القليل مرَّتين، أو بالمعتصم مرَّة واحدة، والأولى ثلاثاً.

(مسألة 32) لابدَّ في الغَسل بالقليل من انفصال الغُسالة بمثل سكبها بعد كل غَسلة، فلابدَّ من عصر الثَّوب وشبهه أوَّلاً وتفريغ الإناء ونحو ذلك.

الثَّاني: الشَّمس

وهي تطهِّر الأرض من الحصى والتُّراب وغيرها ممَّا يُعد جزءاً من الأرض إذا تنجَّست ببلل نجس أو متنجِّس كان قد جفَّ بسببها.

وكذا تطهِّر ما لا ينقل من بناء وشجر ونبات ومسمار ثابت والأبواب وشبهها لو كان رطباً ولو مع سكب الماء على النَّجاسة الجافَّة أوَّلاً - لا بالتَّرك وحده إذا كانت جافة -، لتحصيل الجفاف من رطوبته بواسطة الشَّمس، إلاَّ أن مجرَّد ذلك التَّرك إذا أزال عرضاً فيه جرميَّة قد يساعد على زوال الأثر الحكمي بذلك الماء المسكوب على تلك النَّجاسة بصورة أفضل، لأنَّ نفس التَّرك وحده لا يفيد وإن زال ذلك العرض.

ويشترط في التَّطهير بها أمور:

1 - زوال عين النَّجاسة.

2 - مع رطوبة الموضع النَّجس.

3 - زوال الرُّطوبة بإشراق الشَّمس.

الثَّالث: الأرض

كالتُّراب والرَّمل والحصى والحجر وشبهها، وهي تطهِّر باطن القدم وما توقِّي به كالحذاء والنَّعل بشروط:

ص: 23

1 - زوال عين النَّجاسة بالمضي على الأرض، أو المسح بها.

2 - كون النَّجاسة حاصلة من المشي عليها على الأحوط وجوباً، بل لابدَّ من المشي في الحذاء والعربة ونحوهما.

3 - طهارة الأرَّض على الأقوى.

4 - جفاف الأرض على الأقوى.

الرَّابع: الإسلام

فإنَّه مطهِّر للكافر - من نجاسة الكفر - بجميع أجزائه حتَّى الشَّعر، والحكم عام لجميع الكفَّار حتَّى المرتد الفطري، وإن كان حكمه القتل فوراً، ولكن الأحوط تنجيز الطَّهارة وأحكامها بعد تطهير البدن ولو من النَّجاسات العرضيَّة أو الغَسل.

الخامس: الاستحالةوهي تبدُّل حقيقة النَّجس إلى شيء طاهر كالعذرة تصير رماداً أو دوداً، فجميع النَّباتات المتكوِّنة من النِّجس طاهرة.

السَّادس: الانقلاب

بأن تتبدَّل بعض صفات الشَّيء بما لا يسمَّى الشَّيء الأوَّل نفسه بذلك الاسم، كالخمرة تنقلب خلاًّ.

السَّابع: الانتقال

كدم الإنسان المنتقل إلى البق والبرغوث وشبهها - بحيث يُعد جزءاً منها - فإنَّه طاهر، إلاَّ أنَّه يَحتاط منه البعض ونحن كذلك، والأخص القراد ودود العلق وأمثاله ولكن في بداية الأخذ.

ص: 24

الثَّامن: خروج الدَّم المتعارف من الذبيحة

فإنَّه مطهِّر لما بقي في بدنها من الدَّم وإن حرم شربه، وبالخصوص بعد تطهير المذبح بالماء.

التَّاسع: أحجار الاستنجاء

كما سيأتي، فإنَّها مطهِّرة لمحل النَّجو.

العاشر: الاستبراء بالخرطات

كما سيأتي، فإنَّه مطهِّر للبلل المشتبه.

الحادي عشر: استبراء الحيوان الجلاَّل

فإنَّه مطهِّر له، وهو ما يكون بثلاثة أيَّام للدَّجاج، وبسبعة للأكبر كالشَّاة، وبأربعين للأكبر وهو البعير.

الثَّاني عشر: إذا غاب المسلم

فإنَّه موجب للحكم بطهارة ذلك المسلم وثيابه وفراشه ومتعلَّقاته إذا كانت نجسة وعلم بها فغاب ذلك المسلم ثمَّ استعملها الآخر إذا رجع إليه، فإنَّ التَّعامل مع حاجاته كالتَّعامل مع الحاجات الطاهرة إذا لم يكن ممَّن لا يبالي ذلك المسلم بالنَّجاسة.

فإن عدل عن رأيه في المعصية الَّتي تُخل بالطَّهارة ففعلها كشرب الخمرة فإنَّه يجب التَّوقِّي منه احتياطاً حتَّى إذا احتمل أنَّه يطهِّر الإناء.

الثَّالث عشر: زوال النَّجاسة

بالنِّسبة إلى بدن الحيوان، وبواطن الإنسان كداخل العين والفم، وكذا مخرج الغائط

ص: 25

- إذا لم تكن النَّجاسة متعدِّية - فإنَّه يطهِّر موقع الغائط بزوال عين النَّجاسة عنه بثلاثة أحجارطاهرة (وشبهها من الأجسام القالعة للنَّجاسة - عدا ما استثني -).

الرَّابع عشر: تبعيَّة ظرف الخمر

إذا صار خلاً، فإنَّ الظرف يطهر أيضاً ما لم تأتِ نجاسة إضافية، وكذا إذا أسلم الكافر يطهر ولده الصَّغير التَّابع له في ذاته مع أهميَّة إزالة النَّجاسات العرضيَّة.

المبحث الرَّابع: أحكام التَّخلِّي

(مسألة 33) يجب على كل إنسان أن يستر عورته عن النَّاظر المحترم، والمراد من العورة هنا للرجال القبل والدُّبر والبيضتان، والأحوط استحباباً ستر ما بين السرَّة والرُّكبة، ويشتد ذلك فيما لو يثير ذلك الشَّهوة المحرَّمة.

وللمرأة القبل والدُّبر أمام نسوتها ومحارمها من الرِّجال، والأحوط سترهن ما بين السرَّة والرُّكبة أيضاً وجوباً. لأهميَّة تحفُّظ النِّساء عن أمثالهن خشية المساحقة والفسق وأمام رجالهن، لئلا تثار شهوة محارمهنَّ منهم، وأمَّا إذا كانت أمام غير المحارم منهم فكلُّها عورة حتَّى الوجه على الأحوط، وأمَّا زوجها فلا حاجب بينها وبينه إلاَّ كراهيَّة النَّظر إلى موقعها الخاص في حالة الجماع.

(مسألة 34) الحيوان والطفل الِّذي لم يميِّز والزَّوجة والزَّوج والمولى والأمة ليسوا من النَّاظر المحترم، احترام التَّحاشي بالتَّحجُّب عن كل منهم إلاَّ عمَّا مرَّ وسيأتي بيانه عن المنظور المحرَّم.

(مسألة 35) يحرم في حال التَّخلِّي استقبال القبلة، أو استدبارها، حتَّى مع وجود حواجز الأبنية.

ص: 26

(مسألة 36) إذا بال الإنسان، أو تغوَّط، غَسل مخرج البول بالماء مرَّتين على الأحوط وجوباً، حتَّى بالمعتصم كالكر، وغسل مخرج الغائط الملوَّث حتَّى تزول العين ولا حاجة إلى التَّعدُّد، بل المرة بعد النَّقاء كافية.

(مسألة 37) يجوز تنظيف مخرج الغائط إذا لم تكن النَّجاسة متعدِّية - بأحجار طاهرة (وشبهها من الأجسام القالعة للنَّجاسة - عدا ما استثني -) حتَّى تزول العين، والأحوط وجوباً كونها ثلاثة وإن نقى بأقل.

(مسألة 38) للتَّخلِّي أحكام شرعيَّة: صحيَّة، وروحيَّة، وأخلاقيَّة واجتماعيَّة، تراها في كتب الفقه الموسَّعة من رسائلنا، فاللازم التَّعرُّف عليها بالاستطلاع لمعرفة بعض الأحكام الواجبة عنه.

المبحث الخامس: في الوضوء

وفيه فصول:

الفصل الأوَّل: موجبات الوضوء

(مسألة 39) ما ينقض الوضوء - ويعبَّر عنه ب- (ما يوجب الوضوء) في بعض الأحوال أمور:

1 - البول.

2 - الغائط.

3 - الرِّيح الخارج من محل الغائط.

4 - النَّوم الغالب على القلب والسَّمع والبصر، بحيث لا يسمع الإنسان ولا يفهم.

5 - ما يزيل العقل، من جنون، أو سكر، أو إغماء.

ص: 27

6 - كلَّ ما يوجب الغُسل، ممَّا سيأتي، غير الجنابة فإنَّها توجب الغُسل فقط وتُغني عن الوضوء.

(مسألة 40) الوضوء مستحب في نفسه، ويجب لأمور:

1 - الصَّلاة واجبة أو مستحبَّة، لحرمة تشريع عدم الحاجة إلى الوضوء حتَّى في الصَّلوات المستحبَّة، وهكذا ركعات الاحتياط، وأجزاء الصَّلاة المنسيَّة، واحتياطاً لسجود السَّهو.

2 - الطَّواف الواجب.

3 - مس كتابة القرآن، والأحوط كذلك أن لا يمس أسماء الله وصفاته بغير وضوء، والأحوط كذلك إلحاق أسماء الأنبياء والأوصياء عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ والصدِّيقة عَلَيْها اَلسَّلاَمُ .

4 - يجب الوضوء بالنَّذر وشبهه من العهد واليمين

الفصل الثَّاني: شروط الوضوء

(مسألة 41) يشترط في صحَّة الوضوء أمور:

1 - إطلاق الماء إلى تمام الغَسل والمسح، فلا يصح الوضوء بالماء المضاف.

2 - طهارة الماء

3 - طهارة أعضاء الوضوء.

4 - إباحة الماء، ومكان الوضوء وفضائه، ومصب مائه، فلا يصح الوضوء إذا كان أحدها مغصوباً، وكذلك إباحة ظرفه، وبالأخص في الوضوء الإرتماسي.

5 - أن لا يكون ماء الوضوء مستعملاً في رفع الخبث، فلا يصح الوضوء بماء استنجي به، بل الأحوط أن لا يكون مستعملاً في رفع الحدث كالماء الَّذي اغتسل به.

6 - أن لا يكون مانع من استعمال الماء كمرض يضر به الماء، فإنَّه يجب التَّيمُّم حينئذ

ص: 28

على ما سيجيء.

7 - عدم الحاجب على الأعضاء المانع من وصول الماء إلى البشرة، ومنه أصباغ الأظفار الَّتي تستعملها النِّساء أو ما يبقى من أصباغ الصبَّاغين في أظفارهم.

8 - أن يباشر الشخص بنفسه، في حالة الاختيار احتياطاً بأن لا يوضأه غيره، وإن قيل بكراهته.

9 - مراعاة التَّرتيب، بأن يقدِّم الوجه على اليد اليمنى، واليد اليمنى على اليسرى، وهكذا في مسح الرَّأس ثمَّ الرِّجل اليمنى وبعدها اليسرى.

10 - الموالاة، بأن يتابع بين أعضاء الوضوء، فلا يصح أن يغسل وجهه صباحاً، ويده ظهراً والباقي بعد ذلك مثلاً، وإن صحَّ ذلك في الغُسل.

11 - النيَّة، بأن ينوي الوضوء قربة إلى الله تعالى لعباديَّة الوضوء في جميع موارده الواجبة والمستحبَّة.

12 - الخلوص، بأن يكون وضوؤه لله سبحانه، فلا يضم إليه رياء أو سمعة، أو قصداً آخر كالتَّبرُّد أو النَّظافة.

الفصل الثَّالث: أفعال الوضوء

(مسألة 42) الوضوء عبارة عن:

1 - غسل الوجه، من قصاص شعر الرَّأس إلى طرف الذقن - طولاً - وما دارت عليه الإبهام والوسطى - عرضاً - مبتدئاً بأعلى الوجه إلى الأسفل فالأسفل عرفاً.

2 - ثمَّ غسل اليد اليمنى من المرفق إلى رؤوس الأصابع، مبتدئاً بالمرفق إلى الأسفل فالأسفل، وكلمة (إلى المرافق) في قوله تعالى [فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ] من آية الوضوء هي لتحديد المغسول لا لتحديد الغَسل، للاختلاف في مصداقيَّة اليد مذهبيَّاً عند غيرنا في بعض المقامات الفقهيَّة كما في يد السَّارق للقطع.

ص: 29

3 - ثمَّ غسل اليد اليسرى من المرفق إلى رؤوس الأصابع مبتدئاً بالمرفق إلى الأسفل فالأسفل كاليد اليمنى.4 - ثمَّ مسح المقدَّم من الرأس وهو ربعه لمكان الباء في قوله تعالى [وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ]، والأحوط وجوباً كونه ببلل الوضوء الباقي بباطن الكف اليمنى من الأعلى إلى الأسفل.

5 - ثمَّ مسح ظاهر الرِّجل اليمنى، من الأصابع إلى الكعب، والأحوط المسح إلى مفصل السَّاق بالكف اليمنى، والمسح هنا لكون الباء زائدة في قوله تعالى [وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ] مع نصب أرجلكم المعروف، وحرمة العطف على البعيد نحويَّاً وهو وجوهكم، ولمرجوحيَّة المسح على الخفَّين عند العامَّة في حالة الاختيار، أو ما يقرب وأهميَّة المسح للبشرة وجوباً لما تريده الآية بعد طهارة ظاهر القدم.

6 - ثمَّ مسح ظاهر الرِّجل اليسرى، من الأصابع إلى الكعب، والأحوط المسح إلى مفصل السَّاق، وأن يكون باليد اليسرى، ويجوز النَّكس في مسح الرِّجلين، بأن يمسح من المفصل إلى رؤوس الأصابع.

الفصل الرَّابع: الجبيرة وأحكامها

(مسألة 43) الجبيرة هي (الألواح والخرق والخيوط والأدوية الَّتي يشد بها الجرح أو تُوضع عليه).

(مسألة 44) صاحب الجبيرة في اليد مثلاً إن تمكَّن من الغُسل أو الوضوء أو التَّيمُّم التَّام بدلاً عن أحدهما بلا ضرر عليه فعل ذلك وجوباً، وإن لم يتمكَّن غَسل أو مسح على نفس الجبيرة، وضمَّ التَّيمُّم احتياطاً، وبالأخص إذا كانت الجبيرة أكبر من مستوى الكسر أو الجرح وتطهَّر بذلك ما دامت الجبيرة.

ص: 30

(مسألة 45) يجب أن تكون الجبيرة الَّتي يمسح عليها طاهرة، فإن كانت نجسة أو متنجِّسة وهو محتاج لها جعل عليها خرقة طاهرة ومسح عليها.

(مسألة 46) الجروح والقروح المعصَّبة واللطوخ على العضو بحكم الجبيرة، دون الحاجب كالقير فإنَّه واجب القلع، وإن لم يمكن قلعه يتيمَّم إن لم يكن الحاجب في مواضع التَّيمُّم، وأمَّا إذا كان في مواضعه جمع بين التَّيمُّم والوضوء بالميسور فيها ولو حجب بعضها، وفي غير المعصَّبة منها إذا أضرَّه الماء ففي الجروح والقروح يَغسل ما حولها، والأحوط - استحباباً - المسح عليها إن أمكن، وفي الكسور فالمتعيَّن فيها التَّيمُّم مع الاحتياط بالوضوء إن أمكن.

(مسألة 47) متيِّقن الوضوء الشَّاك في الحدث متطهِّر، وعكسه محدث، ومن تيَّقنهما وشكَّ في المتقدِّم فهو بحكم المحدث.

(مسألة 48) يجوز الوضوء بالماء البارد والحار، إلاَّ أنَّه يكره بالحار بسبب حرارة الشَّمس.

(مسألة 49) لا يجب في الوضوء قصد غاية من الغايات الشَّرعيَّة المفصَّلة، بل يكفي قصد امتثال الأمر فقط، على وجه القربة كما لو كان للكون على الطَّهارة ولو خارج الوقت.

(مسألة 50) يصح الوضوء مع نجاسة البدن بشرط طهارة أعضاء الوضوء، ويصلِّي بوضوئه بعد إزالة النَّجاسات من البدن.

(مسألة 51) يجوز الوضوء من الأنهار الكبيرة، وكذا في الأراضي الوسيعة جدَّاً، ولو كانت مملوكة لأشخاص خاصَّة ما لم ينه المالك، أو علم أنَّ المالك صغير، أو مجنون، والأحوط وجوباً أخذ الإذن من الولي الشَّرعي أو المالك في الواجبات الذَّاتيَّة إن لم يتيسَّر له أخذ الإذن من المالك، بل حتَّى لو تمكَّن من أخذ الإذن منه واحتمل

ص: 31

عدم موافقته، وبالأخص لو ضاق الوقت، وأمَّا القضاء عن الغير فلا.

(مسألة 52) يكفي وضوء واحد عند تعدُّد أسباب الوضوء وكذلك الغُسل، لكن الملتزم ما هو المقدَّم في النيَّة والباقي بالضميمة، والأحوط تقديم الواجب على المستحب، وإذا قصد الكون على الطَّهارة فلا داعي لذلك كما مرَّ.

(مسألة 53) لا يبطل الوضوء بخروج المياه التَّالية، وهي طاهرة:

أ - الودي (البلل الخارج بعد البول).

ب - المذي (البلل الخارج بالملاعبة).

ج - الوذي (البلل الخارج بعد المني).

ما لم يكن الماء الخارج من هذه المياه مشكوكاً بين البول أو المني وبين أنواعها الطَّاهرة ولم يحصل الاستبراء بالتَّبوُّل أو الخرطات كما سيأتي، فيبطل الوضوء بالماء الخارج منه إذا كان مشتبهاً بالبول لو لم يستبرأ بالخرطات.

المبحث السَّادس: في الأغسال

وفيه فصول:

الفصل الأوَّل: موجبات الأغسال

(مسألة 54) الأغسال أسبابها منها ما هي واجبة، ومنها ما هي مستحبَّة، والواجبة سبعة:

1 - الجنابة، وهي كل ما يحصل به خروج المني، أو إخراجه بالاحتلام، أو الجماع ولو لم يخرج المني كما في إدخال الميل بالمكحلة وحده - سواء بحلال أو غيره - أو إخراجه بواسطة العادة السِّريَّة المحرَّمة أو اللواط، كما سيأتي.

2 - الحيض، وهو العادة النِّسائيَّة المتعارفة من كل شهر كما سيجيء.

ص: 32

3 - النَّفاس، وهو خروج الدَّم عند الولادة أو بعدها كالحيض وهو سوف يأتي كذلك.

4 - الاستحاضة، وهي رؤية الدَّم بعد العادة حيضاً ونفاساً أو غير ذلك كما سيجيء أيضاً.

5 - مس الميِّت، بعد برده بالموت وقبل تغسيله.

6 - غسل الميِّت، بالغَسلات الثَّلاث سدراً وكافوراً وقراحاً.

7 - ما التزمه الإنسان بنذر أو عهد أو يمين أو شرط في عقد من الأغسال وإن لم تجب في أصلها.

وسنذكر هذه الأسباب الموجبة للغُسل كلاًّ على حدة، عدا الأخير فيرجع فيه إلى أحكام النَّذر واليمين، وهي:-

الموجب الأوَّل: الجنابة وأحكامها

(مسألة 55) الجنابة لها سببان:

1 - خروج المني من الموضع المعتاد، ولو كان مقدار رأس أبرة.

2- الجماع، وذلك بإدخال الحشفة وهي (رأس الذَّكر بالمقدار المختون) في قبل المرأة أو دبرها من الإنسان أو الحيوان على الأحوط.

(مسألة 56) ليس كل ماء غليظ من الرَّجل منياً، وإنَّما للمني علامة هي (الشَّهوة) و(الدِّفق) و(فتور الجسد) بالنِّسبة إلى الرَّجل الصَّحيح، و(الشَّهوة) و(فتور الجسد) بالنِّسبة إلى المرأة الصَّحيحة، لندرة حصول الدِّفق منها، وإذا كان أحد هذه الأمور فقط احتاط بالغُسل والوضوء.

(مسألة 57) إنَّما يجنب الإنسان إذا خرج المني، أمَّا إذا تحرَّك من محلِّه ولم يخرج -

ص: 33

ولو بأن ضبط آلته - لم يجب الغُسل، ومن ذلك ما لو أسرع بالبول فأنسد المجرى المنوي بضبط آلته.

(مسألة 58) الإدخال موجب للغُسل، ولو لم يحصل إنزال.

(مسألة 59) يحرم الاستمناء، وهو (طلب خروج المني بنظر أو تفكير أو لمس أو ماأشبه)، إلاَّ مع الزَّوجة والأمة بمثل الملامسات والمباشرات معها لا بمثل العبث باليد لحرمة الاستمناء.

الموجب الثَّاني: الحيض

(مسألة 60) دم الحيض في الغالب، أحمر، غليظ، يخرج بلذعة وحرقة، وإذا خرج هذا الدَّم من المرأة ترتَّبت عليه أحكامه.

(مسألة 61) إنَّما يخرج هذا الدَّم من المرأة بعد البلوغ، فلا تراه الصَّبيَّة قبل تسع سنوات حيضاً، بل إن رأته يُعد استحاضة، وإن كان بصفة دم الحيض كبعض البنات الصِّغار الأفريقيَّات، كما أنَّ هذا الدَّم لا يخرج من المرأة بعد سن بلوغ (خمسين سنة) في غير القرشيَّة على المشهور، ولكن الأحوط في القرشيَّة أو غيرها إن رأته الجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة فيما بين الخمسين والستيِّن حتَّى إذا رأته بصفة الحيض أو كان في أيَّام عادتها.

(مسألة 62) أقل الحيض ثلاثة أيَّام، وأكثره عشرة أيَّام، وأقل فاصلة بين الحيضتين عشرة أيَّام وإن ندر، وأكثرها سبع وعشرون حسب المألوف، وإن كانت هناك ندرة بكونها في الأكثر، فإمَّا لبعض العوارض أو غيرها.

(مسألة 63) قد يجتمع الحيض مع الحمل، ولذا قد يسمَّى المولود من هذا القبيل ابن حيضة أو بنت حيضة لو صادف انعقاد النطفة حينه، وإن كان المألوف أنَّ الحائض

ص: 34

لا تحمل إلاَّ بعد طهرها وقد يكون خروجه أيَّام الحمل بعد الانعقاد أيَّام الطهر.

(أقسام دم الحائض)

(مسألة 64) المرأة بالنِّسبة إلى رؤية الدَّم على أقسام:

1 - ذات العادة، وهي الَّتي جرت لها عادة خاصَّة بالنِّسبة إلى رؤية الدَّم.

2 - المبتدئة، وهي الَّتي لم تر الدَّم من قبل.

3 - المضطربة، وهي الَّتي تضطرب في رؤية الدَّم وقتاً وعدداً.

(مسألة 65) ذات العادة على ثلاثة أقسام:

الأوَّل: ذات العادة العدديَّة والوقتيَّة معاً

وهي الَّتي استقرَّت لها عادة بأن رأت الدَّم مرَّتين متساويتين في الوقت والعدد، كما لو رأت أوَّل شهر رجب وشعبان، كل مرَّة ثلاثة أيَّام مثلاً.

الثَّاني: ذات العادة العدديَّة فقط

وهي الَّتي رأت الدَّم مرَّتين متساويتين من حيث العدد، لا من حيث الوقت، كما لو رأت أوَّل رجب ثلاثة أيَّام ونصف شعبان ثلاثة أيَّام كذلك بنفس المواصفات.

الثَّالث: ذات العادة الوقتيَّة فقط

وهي الَّتي رأت الدَّم مرَّتين متساويتين من حيث الوقت، لا من حيث العدد كما لو رأت أوَّل رجب ثلاثة أيَّام وأوَّل شعبان خمسة أيَّام وبنفس المواصفات.

(مسألة 66) ذات العادة الوقتيَّة والعدديَّة وذات العادة الوقتيَّة فقط تتحيَّضان بمجرَّد رؤية الدَّم، وذات العادة العدديَّة فقط إذا رأت الدَّم واجداً لصفات الحيض تتحيَّض بمجرَّد الرؤية، وإن كان دمها غير واجد لصفات الحيض احتاطت استحباباً

ص: 35

بالجمع بين تروك الحيض وأعمال المستحاضة إلى ثلاثة أيَّام، ككونها تغتسل غُسل الاستحاضة الكبرى أو الوسطى حسب مقدار الخارج منها من الدَّم على ما سيجيء بيانه أو الصُّغرى إذا كان بقلَّة فتتوضأ لكل فريضة وتصلِّى ونحو ذلك.

ولا تدخل المساجد ولا تمس كتابة القرآن ولا يجامعها زوجها وتجعل إمساكها في شهر رمضان صوماً ثمَّ تقضي بعد الشَّهر، ثمَّ بعد ذلك إن استمرَّ الدَّم بعد الثلاثة عملت بوظيفة الحائض الكاملة وتركت العبادات المشروطة بالطَّهارة بلا حاجة إلى ذلك الجمع.

(مسألة 67) حكم المبتدئة حكم ذات العادة العدديَّة، ومثلها النَّاسيَّة وهي الَّتي كانت لها عادة ثمَّ نسيت عادتها.

(مسألة 68) حكم المضطربة حكم ذات العادة العدديَّة كذلك.

(أحكام الحائض)

(مسألة 69) تختص الحائض بأحكام هي:

1 - عدم صحَّة الصَّلاة منها، ولو حاضت في أثناء الصَّلاة بطلت.

2 - عدم صحَّة الصَّوم منها، ولو حاضت ولو قبل الغروب بلحظة بطل صومها.

3 - عدم صحَّة الطَّواف منها وإن كان مستحبَّاً لحرمة دخولها للمسجد، لأنَّ النَّهي في العبادات يدل على الفساد.

4 - عدم صحَّة طلاقها بشروط ثلاثة:

الأوَّل: كونها مدخولاً بها من قبل زوجها.

الثَّاني: كون الزَّوج حاضراً.

الثَّالث: أن لا تكون حاملاً وقت حيضها وإن ندر.

ص: 36

فلو كانت غير مدخول بها، أو زوجها غائباً، أو كانت حاملاً صحَّ طلاقها حتَّى في حال الحيض لكن لا في بداية أيام الحمل احتياطاً كما سيجيء.

5 - حرمة دخولها في المسجد الحرام، ومسجد الرَّسول 3 ولو اجتيازاً.

6 - حرمة لبثها في سائر المساجد، والمشاهد المشرَّفة.

7 - حرمة وطيها، والأحوط تركه إذا نقيت إلاَّ بعد الاغتسال لمكان قراءة [حتَّى يطهّرهن] بتشديد الهاء.

8 - سائر ما يحرم على المحدث، وما يحرم على الجنب ممَّا تقدَّم.

(مسألة 70) إذا انقطع دم الحيض وجب على الحائض الغُسل لأداء الواجبات المشروطة بالطَّهارة، وغسلها كغسل الجنابة.

الموجب الثَّالث: النَّفاس

(مسألة 71) وهو دم يخرج مع ولادة الطِّفل، أو بعدها، ولا حدَّ لأقلَّه، ولا يتجاوز عن العشرة إلاَّ في حالة وجود توأم، كما في ولادة المولود الثَّاني في أوَّل العشرة الثَّانية فيمتد الحكم إلى الثَّانية وهكذا.

(مسألة 72) لو انقطع الدَّم على العشرة كان الجميع نفاساً، ولو تجاوز العشرة رجعت ذات العادة العدديَّة إلى عادتها إذا احتكت بالحيض مثلاً والزَّائد عن العادة استحاضة.

(مسألة 73) النُّفساء كالحائض في جميع الأحكام، وأقل الطُّهر بين النَّفاس والحيض المتأخِّر عشرة كما في الحائض، وإن كان نادراً كذلك.

ص: 37

الموجب الرَّابع: الاستحاضة

(مسألة 74) دم الاستحاضة - في الغالب - بارد رقيق أصفر يخرج بفتور، ولا حدَّ لقلَّته ولا لكثرته، وتراه المرأة قبل البلوغ، وبعد سنِّ اليأس، ولا حدَّ للفصل بين الاستحاضتين.

(مسألة 75) كل دم يخرج من الفرج ولم يحكم عليه بالحيض وليس من جرح أو نفاس أو بكارة فهو محكوم بكونه استحاضة.

(مسألة 76) الاستحاضة على ثلاثة أقسام:

1 - قليلة، وهي ما تلوَّث ظاهر القطنة - الدَّاخلة في الفرج - ولا ينفذ فيها.

2 - متوسِّطة، وهي ما ينفذ في باطن القطنة، ولا يخرج منها.

3 - كثيرة، وهي ما ينفذ ويسيل منها.

(مسألة 77) ليس على المستحاضة القليلة غُسل، بل تتوضَّأ لكل صلاة وإن أرادت الجمع بين الظهرين والعشاءين، بعد تغيير ما تلوَّث بالدَّم والقطنة والخرقة، وتغسل ظاهر الفرج إن تلوَّث.

(مسألة 78) يجب على المستحاضة المتوسِّطة أن تغتسل كلَّ يوم غُسلاً واحداً قبل صلاة الصُّبح، وللصَّوم قبل الفجر لأداء واجبه على طهر كذلك.

(مسألة 79) يجب على المستحاضة الكثيرة أن تغتسل كلَّ يوم ثلاثة أغسال، غُسلاً قبل صلاة الصُّبح، وغُسلاً قبل صلاة الظهرين، وغُسلاً قبل صلاة العشاءين إن جمعت بين الظهرين والعشاءين، وإن فرَّقت فعليها خمسة أغسال بعدد الصلوات.

(مسألة 80) غُسل الاستحاضة لا يكفي عن الوضوء، وكيفيَّة غُسلها كما تقدَّم في الجنابة.

ص: 38

(مسألة 81) إذا لم تتمكَّن المستحاضة من الاغتسال، تيمَّمت بدل كل غُسل.

(مسألة 82) دم البكارة ليس حيضاً ولا استحاضة ولا نفاساً، ولا يجري عليه أحكامها، بل هو كدم الجرح يجب تطهيره لو تجاوز المهبل للصَّلاة، وإذا كان ازالة البكارة بسبب الدُّخول يجب غسل الجنابة أيضاً، وإذا كان في أيَّام الحيض والنَّفاس ولو شذَّ في الثَّاني كالتَّي تحمل من دون ادخال وتضع طفلها مع البكارة بعد فتحها من زوجها فيغلبه أحكامهما.

الموجب الخامس: مسِّ الميِّت

(مسألة 83) يجب الغُسل بمسِّ الميِّت الآدمي بعد برده وقبل تغسيله.

(مسألة 84) كل قطعة لحم مبانة من الحي أو الميِّت من ذوات العظم يجب الغُسل بمسِّها كذلك.

الموجب السَّادس: غُسل وأحكام الأموات

(مسألة 85) للأموات أحكام قبل الموت وبعده:

1 - الاحتضار.

2 - الغُسل.

3 - الحنوط.

4 - الكفن.

5 - الصَّلاة.

6 - الدَّفن.

(مسألة 86) يجب توجيه المحتضر إلى القبلة، بأن يستلقي على قفاه ويجعل وجهه

ص: 39

وباطن رجليه إلى القبلة.

(مسألة 87) يجب غسل الميِّت بثلاثة أغسال:

الأوَّل: بماء فيه شيء من السِّدر.

الثَّاني: بماء فيه شيء من الكافور.

الثَّالث: بالماء الخالص.

ولو لم يمكن الغُسل يُمِّم بثلاثة تيميمات بيد الحي، وبما سيأتي بيان كيفيَّته في الكلام عن التَّيمُّم إنشاء الله قريباً.

والمحرم لا يُغسَّل بماء الكافور، بل بالسِّدر وبماءين واحداً عن الكافور المتروك والثَّاني هو المسمَّى بالقراح.

(مسألة 88) يجب بعد الغُسل مسح مواضع سجود الميِت (السَّبعة) بالكافور، ويسمَّى ب(الحنوط) إذا لم يكن محرماً كما أشرنا.

(مسألة 89) يكفن الميِّت بثلاث قطع:1 - المئزر، وهو ما بين السرُّة والرُّكبة.

2 - القميص، وهو يستر ما بين الصَّدر إلى نصف السَّاق.

3 - الإزار، وهو يشتمل على جميع البدن، بحيث يلف فيه الميِّت، وفي هذا يشترك الرَّجل والمرأة أو الذكر والأنثى، إلاَّ أنَّ هناك بعض الفوارق المستحبَّة تركناها للاختصار.

(مسألة 90) تجب الصَّلاة على كل ميِّت مسلم، وهي تشتمل على خمس تكبيرات بهذه الكيفيَّة المختصرة وإلى القبلة وهي:

1 - الله أكبر، أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله.

2 - الله أكبر، اللَّهم صلِّ على محمَّد وآل محمَّد، وصلِّ على جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى ملائكتك المقرَّبين.

ص: 40

3 - الله أكبر، اللَّهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات.

4 - الله أكبر، اللَّهم اغفر لهذا الميِّت.

5 - الله أكبر.

(مسألة 91) إذا كان الميِّت طفلاً دعا له عقيب التَّكبيرة الرَّابعة بقوله (اللَّهم اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً).

(مسألة 92) إذا كان الميِّت منافقاً دعا عليه عقيب التَّكبيرة الرَّابعة.

(مسألة 93) يجب في هذه الصَّلاة النيَّة، والقيام، والاستقبال، ولا تجب الطَّهارة على المصلِّي إلاَّ أنَّها مستحبَّة.

(مسألة 94) يجب أن يكون الميِّت في حال الصَّلاة قدَّام المصلِّي، ورأسه إلى طرف يمينه، مستلقياً على قفاه.

(مسألة 95) تجب مواراة الميِّت في الأرض، بحيث تحفظ جثَّته عن السِّباع، ورائحته عن الانتشار، ويوضع على طرفه الأيمن، بحيث يكون وجهه ومقاديم بدنه إلى القبلة.

(مسألة 96) لابدَّ أن يكون المدفن غير مغصوب، وغير موجب لهتك الميِّت.

(مسألة 97) يحرم نبش القبر إلاَّ في موارد مذكورة بتفصيل في كتابنا (المسائل المنتخبة من غنيَّة المتقين)، ومختصرها هو حرمة الدَّفن حالة الاغتصاب لموقع الدَّفن، وكونه مسجداً، وكونه عند كنيف أو قرب مزبلة لا تناسب كرامة المتوفَّى، أو كون الميِّت لم تجر عليه مراسيم التَّغسيل والتَّكفين والتَّحنيط.

(مسألة 98) يعتبر في تجهيز الميِّت إذن الولي كالوالد وكالولد الأكبر وكالزَّوج بالنِّسبة إلى الزَّوجة، وطبقات الأرحام أولى بالميِّت، في جميع أموره وأولاهم به أولاهم بالميراث، وعلى الأخص الوالد أو الولد الأكبر أو الزَّوج لو كان، ولو لم يكن للميِّت رحم ونحوها، كان أمره إلى الحاكم الشَّرعي ولو لم يكن فعموم المؤمنين والوجوب في

ص: 41

ذلك كفائي.

(مسألة 99) تجب المماثلة بالتَّغسيل، إلاَّ إذا كان الزَّوج موجوداً في أمر تجهيز المرأة، لأنَّه أولى بها، ولو لم يمكن لا هذا ولا ذاك ككون المرأة لم يتوفَّر لشؤونها بصحَّة إلاَّ الرَّجل - أو أنَّ الرَّجل لم يتوفَّر له إلاَّ المرأة - فلا مانع، ولكن من وراء حجاب ساتر مع لبس كيس(بلاستيك) أو كف مطاطِّي أو نحوهما ومزاولة ما يجب.

(مسألة 100) لو لم يكن للسِّقط أربعة أشهر لفَّ في خرقة ودفن، ولو تمَّ له أربعة أشهر غُسِّل وكفِّن ودفن، ولو كان له ست سنوات وجب أن يُصلَّى عليه أيضاً.

(مسألة 101) يجب المماثلة أيضاً في الإسلام وفي الإيمان مع الإمكان للتَّفاوت الفقهي بين المذاهب، وبالأخص إذا كان غير المؤمن خارجيَّاً ومكفِّراً ونحوهما، بل إنَّ الكافر للمسلم أهم من المسلم النَّاصبي، مع التَّحفُّظ بالحجاب السَّاتر مع الكفوف المطَّاطيَّة، وعلى الأخص إذا كان بإشراف مسلم مؤمن يعلِّمه لو لم يقدر هو أن يقوم بشيء مباشر.

الفصل الثَّاني: ما يشترط بالغُسل

(مسألة 102) يشترط بالغُسل من الجنابة أو الحيض أو النَّفاس أو الاستحاضة أو مسِّ الميِّت أمور:

1- الصَّلاة، واجبة ومندوبة، وكذلك الرَّكعات الاحتياطيَّة والأجزاء المنسيَّة، وسجود السَّهو ولو احتياطاً على بعض الآراء.

2 - الصَّوم، على ما يأتي تفصيله.

3 - الطَّواف الواجب، أمَّا الطَّواف المستحب فلا يشترط بالغُسل، نعم يحرم دخول المسجد الحرام حال الجنابة أو بسبب الحيض أو النَّفاس أو الاستحاضة الكبيرة

ص: 42

والمتوسِّطة على ما سيجيء.

4 - مس أسماء الله سبحانه، وكتابة القرآن، وأسماء الأنبياء والأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ - ولو على الأحوط في بعضها.

(مسألة 103) يشترط الغُسل عن الجنابة أو الحيض أو النَّفاس في حالات:

1 - دخول المساجد لوضع شيء فيها، وإلاَّ فلا يجوز، نعم لا بأس بالعبور بأن يدخل من باب ويخرج من باب، ما عدا المسجدين الأعظمين.

2 - اللَّبث في المساجد اعتكافاً وغيره، ودخول المسجدين: مسجد مكَّة، ومسجد النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ولو اجتيازاً.

3 - قراءة العزائم الأربع، وهي [والنَّجم] و [حم فصِّلت] و [ألم تنزيل] و [اقرأ].

4 - ما نذر إتيانه بالغُسل، كما لو نذر زيارة الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مع الغُسل.

(مسألة 104) مشاهد الأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ في حكم المساجد، فلا يجوز مكث الجنب فيها.

الفصل الثَّالث: كيفيَّة الغُسل

(مسألة 105) للغُسل كيفيَّتان:

1 - التَّرتيبي، وهو يشتمل على ثلاثة أعمال:

الأوَّل: غسل الرَّأس والرَّقبة.

الثَّاني: غسل الطَّرف الأيمن من البدن، (أي: النِّصف الأيمن من الصَّدر والظهر واليد اليمنى وتمام العورتين مع السرَّة والرجل اليمنى).

الثَّالث: غسل الطَّرف الأيسر من البدن كما ذكرنا في الأيمن حتَّى السرَّة والعورتين وتخليل بقيَّة الحواجب أو ما يحتمل حجبها كالخواتيم والحلقات ونحو ذلك.

ص: 43

2 - الإرتماسي، وهو أن يغمس بجميع جسده في الماء مرَّة واحدة عرفيَّة من دون أن يلتصق بالأرض أو أي جانب من الحوض أثناء الإرتماس مع رفع الحواجب تماماً.

(مسألة 106) يعتبر في الغُسل أمور:

1 - النيَّة، كأن ينوي (أغتسل غُسل الجنابة قربة إلى الله تعالى).

2 - الإخلاص، بأن لا يكون رياء أو استهداف سمعة أو لأجل التَّبرُّد أو النَّظافة، فلو ضمَّ إلى القُربة أحد هذه الأمور بطل العمل.

3 - أن يكون الماء مطلقاً، مباحاً، طاهراً، فلا يصح الغُسل بالماء المضاف، ولو بشيء من ماء الورد أو المغصوب، أو النَّجس أو المتنجِّس.

4 - أن تكون أعضاء الغُسل طاهرة، قبل غسلها.

5 - إباحة مكان الغُسل، وآلته، ومصبُّ مائه.

6 - أن يغسل تمام ظاهر البدن حتَّى لا يبقى مكان شعره جافَّاً.

7 - التَّرتيب في الغُسل التَّرتيبي، بأن يقدِّم الرَّأس والرَّقبة، ثمَّ الطَّرف الأيمن ثمَّ الطَّرف الأيسر، ولا داعي إلى الموالاة بخلاف الوضوء.(مسألة 107) يكفي غسل الجنابة عن الوضوء، ولكن لا يكفي سائر الأغسال الواجبة فضلاً عن المستحبَّة عنه كما مر.

(مسألة 108) حكم الجبيرة جار في الأغسال - عدا غسل الميِّت لان الميت لا يشعر بالألم المغيِّر للتَّكليف - كما في الوضوء، لكن يختلف عنه بأنَّ المانع عن الغُسل إذا كان قرحاً أو جرحاً مكشوفاً تخيَّر بين الغُسل والتَّيمُّم، فإن اختار الغُسل فالأحوط وضع خرقة على موضعهما والمسح عليها، والأظهر جواز الاجتزاء بغسل أطرافهما مع الاحتياط بالتَّيمُّم.

وأمَّا إذا كان المانع كسراً فإن كان مجبَّراً اغتسل ومسح على الجبيرة، وإن كان مكشوفاً أو لم يتمكَّن من المسح على الجبيرة تعيَّن التَّيمُّم، والأحوط الجمع بين

ص: 44

الطَّهارتين في المقام كذلك.

المبحث السَّابع: التَّيمُّم

وفيه فصول

الفصل الأوَّل: موجبات التَّيمُّم

(مسألة 109) يجب التَّيمُّم فيما إذا لم يمكن للمكلَّف استعمال الماء عقلاً أو شرعاً، وذلك يتحقَّق بأمور:

1 - عدم وجود الماء.

2 - ضيق الوقت عن تحصيل الماء، أو استعماله.

3 - الخوف من تحصيل الماء أو استعماله، على نفسه أو عرضه أو ماله، أو نفس محترمة، للحاجة الأهم إلى الأمور الأخرى.

4 - توقف تحصيل الماء على مال يضر بحاله.

5 - عدم كفاية ما عنده من الماء لرفع الحدث والخبث، فيرفع بالماء الخبث ويُيمَّم الميِّت لرفع الحدث.

6 - أن يكون في تحصيل الماء مهانة أو ذلَّة لا تتحمَّل عادة.

7 - أن يكون الغُسل باستعمال الماء يوجب تهرأ لحم الميِّت.

الفصل الثَّاني: كيفيَّة التَّيمُّم

(مسألة 110) لو انعدم الماء أو لم يمكن استعماله في الغُسل أو الوضوء للحي أو الأموات كما مرّ فلابدَّ من التَّيمُّم بدلاً عنهما بما صورته:

1 - أن يضرب بباطن كفَّيه على الأرض دفعة واحدة، ونفض اليدين بعد الضرب،

ص: 45

ويمسح بهما جبهته، من قصاص الشَّعر إلى طرف الأنف الأعلى، والأحوط مسح الحاجبين أيضاً.

2 - يمسح ظهر الكف اليمنى بباطن الكف اليسرى، من الزَّند إلى رؤوس الأصابع.3 - ثمَّ يمسح ظهر الكف اليسرى بباطن الكف اليمنى، من الزَّند إلى رؤوس الأصابع.

2- أن يضرب بيديه على الأرض مرَّة ثانية، ثمَّ يمسح بهما ظهر الكفَّين فقط - الأيمن بالأيسر والأيسر بالأيمن كما تقدَّم -.

الفصل الثَّالث: شروط التَّيمُّم

(مسألة 111) يشترط في التَّيمُّم أمور:

1 - العذر من الماء، كما مر.

2 - طهارة التُّراب وإباحته، وعدم امتزاجه بما يجعل الغلبة لغيره عليه.

3 - إباحة الفضاء على الأحوط.

4 - طهارة أعضاء التَّيمُّم على الأحوط الأولى.

5 - النيَّة، والقربة خالصة لله تعالى.

6 - التَّرتيب.

7 - كونه من الأعلى إلى الأسفل على الأحوط.

8 - الموالاة كالوضوء.

9 - المباشرة حال الاختيار.

10 - عدم الحاجب على أعضاء التَّيمُّم.

ص: 46

الفصل الرَّابع: مسائل في التَّيمُّم

(مسألة 112) يجوز التَّيمُّم بالأرض من تراب أو رمل، أو حجر أو صخر أملس، ومنها أرض الجص قبل أن يفخر، والنُّورة قبل الإحراق، ولا يجوز بغير الأرض كالنَّبات والمعادن، ولو عجز عن الأرض تيمَّم بالغبار المجتمع على الفراش الطَّاهر وغيره، ومع العجز عنه فبالطِّين مع التَّيمُّم بالجص، أو الآجر، أو النُّورة احتياطاً، ومع العجز عن الطِّين يتيمَّم بالجص أو الآجر أو النُّورة ويصلِّي، ثمِّ يقضي خارج الوقت احتياطاً صلاة واجدة للشَّرائط.

(مسألة 113) إذا عجز عن الجميع كما لو كان المكلَّف فاقداً للطَّهورين فالأحوط الصَّلاة حتَّى بلا طهارة ثمَّ القضاء، اعتماداً على أن (الصَّلاة لا تترك بحال)، وإن كان الأظهر عند البعض عدم وجوب الأداء، لكنَّه أبقى لديمومة الحرص على مظهر الشَّرع للتَّعظيم وان كان لهم دليلهم.

(مسألة 114) لا يجوز التَّيمُّم قبل الوقت لأنَّه مبيح وليس برافع كالماء.

(مسألة 115) إذا تيمَّم المجنب ثمَّ أحدث بالأصغر انتقض تيمُّمه وعليه تجديد التَّيمُّم عند الحاجة مع الوضوء إن أمكن، وكذلك غير الجنب ممَّن عليه الغسل إذا تيمَّم بدله ثمَّ أحدث بالأصغر، وإلاَّ يتيمَّم تيمُّماً آخر بدلاً عنه.

(مسألة 116) يجوز للمتيمِّم كل ما منع عنه بسبب الحدث ما دام عاجزاً عن استعمال الماء، لأنَّه مبيح وغير رافع كما مرَّ ولاحتمال وجود الماء، ولذا فالأحوط التَّأخير إلى أن يحصل اليأس مع هذا الاحتمال، وأمَّا مع عدمه المؤكَّد فالجواز كما هو.

(مسألة 117) لو كانت عليه أسباب عديدة للغُسل أو الوضوء ولم يتمكَّن منهما كفى تيمُّم واحد عن جميعها، فيأتي بالمقصود الأهم والباقي بالضميمة.

ص: 47

كتاب الصَّلاة

اشارة

والكلام في مقاصد:

المقصد الأوَّل: أهميَّة الصَّلاة:

وهي أهم العبادات والفروع الدِّينية العشرة، بل أهم الأركان الخمسة الَّتي بُني عليها الإسلام، كما في الرِّواية عن أبي جعفر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ

(بُنِيَ الإسْلاَمُ عَلَى خَمْسَةِ أشْيَاءٍ الصَّلاَة وَالزَّكَاَةِ وَالحَجِّ وَالصَّومِ وَالوِلاَيَةِ)، بل هي (عمود الدِّين إن قُبلت قُبل ما سواها وإن رُدَّت رُدَّ ما سواها).

المقصد الثَّاني: في المقدِّمات العامَّة

وقد مرَّ الكلام عن بعضها إجمالاً، وهي الوقت، والقبلة، والسَّتر، والمكان، وأمَّا طهارة البدن والملابس من النَّجاسات - إلاَّ ما استثني - والطهارة - من الحدث الأصغر - بالوضوء أو التَّيمُّم، ومن الحدث الأكبر بالغُسل أو التَّيمُّم أيضاً فقد أنهينا الكلام عنها في كتاب الطَّهارة العام قبل كتاب الصَّلاة هذا.

المقصد الثَّالث: المقدِّمات الخاصَّة

(أوقات الصَّلوات وأعدادها):

(مسألة 118) الصَّلوات الواجبة - سواء كانت بمعنى ذوات الأركان الآتية أو بالمعنى اللغوي الموسَع في اصطلاحه - ست:

ص: 48

1 - اليوميَّة.

2 - الآيات.

3 - الطَّواف.

4 - صلاة الميِّت وهي الَّتي بمعنى الدُّعاء.

5 - صلاة الاستيجار، والنَّذر، والعهد، واليمين، ونحوها.

6 - ما فات الوالد بالنِّسبة إلى الولد الأكبر ويلحق بالوالد الوالدة احتياطاً.

(مسألة 119) الفرائض اليوميَّة سبع عشرة ركعة - في خمس صلوات -:

1 - صلاة الظهر، وهي أربع ركعات وقت الحضر أو محل الإقامة أو في البلد الَّذي تردَّد فيه ثلاثين يوماً بين السَّفر والبقاء، ولو بقي فيه يوماً واحداً بعد ذلك.

2 - صلاة العصر، وهي أربع ركعات وقت الحضر أو محل الإقامة أو نحوهما كما في الظهر.

3 - صلاة المغرب، وهي ثلاث ركعات حضراً أو سفراً.

4 - صلاة العشاء، وهي أربع ركعات وقت الحضر أو غيره كما في الظهر والعصر.

5 - صلاة الصُّبح، وهي ركعتان حضراً وسفراً.

(مسألة 120) خصوصيَّات الصَّلاة من الَّذي مرَّ من المقدِّمات العامَّة (الَّتي يجب إعدادها قبل الصَّلاة)، وإن كان بعضها لا تختص به الصَّلاة في هذا الأمر كما مرَّت الإشارة إليه، وقد سبق بيان بعضها في الكلام عن المقدِّمات العامَّة فلا نذكرها ولنذكر الباقي، وهي الخاصَّة:

1 - الوقت، لأنَّ الصَّلاة موقوتة.

2 - القبلة، لأنَّها رمز وضعه الله لعبادته.

3 - الستر، للرِّجال والنِّساء، والنِّساء أكثر.

4 - المكان، لأنَّها لا تكون في الفضاء إلاَّ بمستقر ثابت منه.

ص: 49

5 - طهارة البدن والملابس من النَّجاسات إلاَّ ما أستثني، كثوب المربِّية للطِّفل، ودم الجروح والقروح، والدَّم الأقل من الدِّرهم البغلِّي - كما هو موضَّح في كتابنا (المسائلالمنتخبة من غنية المتَّقين) - ممَّا يعفى عنه في الصَّلاة(1)

6 - الطَّهارة من الحدث الأصغر بالوضوء أو التَّيمم، ومن الحدث الأكبر بالغُسل أو التَّيمُّم.

وفيما يلي تفصيلها في بعض من المسائل في مباحث:-

المبحث الأوَّل: (الوقت)

(مسألة 121) لكل صلاة من هذه الصَّلوات وقت خاص، فلا يجوز تقديمها على ذلك الوقت، ولا تأخيرها عنه ووقت فضيلة، ف:

1 - صلاة الظهر والعصر وقتهما من زوال الشَّمس إلى غروبها، فالظهر مختصَّة بأوَّل الزَّوال بعد الفراغ من نافلته من بداية أوَّله بمقدار أداء أربع ركعات، وهو نفسه وقت فضيلتها.

والعصر مختصَّة قبل المغيب بمقدار أداءها، ووقت فضيلتها هو ما بعد نافلتها إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه، وما بين الوقتين مشترك بينهما.

2 - صلاة المغرب والعشاء من المغرب الشَّرعي - أي ذهاب الحمرة المشرقيَّة - إلى نصف الليل للمختار، ونافلة كل منهما بعد كل منهما بعكس الظهرين، وأمَّا المضطر لنوم أو نسيان أو حيض في المرأة أو غير ذلك فإلى الفجر الصَّادق، وعليه يكون الوقت المختص للمغرب من أوَّل الغروب إلى مقدار أداء ثلاث ركعاته، ويكون الوقت الخاص بالعشاء ما قبل الأخير بمقدار أداء أربع ركعاتها، وما بينهما مشترك.

ص: 50


1- راجع كتابنا المسائل المنتخبة فيما يعفى عنه من النَّجاسات.

ووقت فضيلة المغرب هو نفس ذلك الأوَّل، ووقت فضيلة العشاء هو ما بعد المغرب بساعة وربع تقريباً أو إلى ذهاب الحمرة المشرقيَّة.

3 - صلاة الصُّبح، وقتها بعد نافلتها من طلوع الفجر الصَّادق إلى طلوع الشَّمس، وقد أيَّد ذلك بعض المذاهب الأخرى كذلك، ووقت الفضيلة في بداية الفجر.

المبحث الثَّاني: (القبلة)

(مسألة 122) تجب مراعاة القبلة والتَّوجُّه إليها في أحوال:

1 - جميع الصَّلوات، إلاَّ المندوبة حال المشي والركوب مع عدم التَّمكُّن من ذلك التَّوجُّه التَّام أثناء الوقوف أو المشي إلى القبلة تاماً، للحفاظ على هذا الاستحباب.

2 - حال تذكية الحيوان.

3 - حال الاحتضار، فيجب على الحاضرين توجيه الميِّت إليها - بل الأحوط وجوب ذلك على المحتضر نفسه إن أمكنه - وحال وضع الميِّت للصَّلاة عليه، وحال دفنه.

ويحرم استقبال واستدبار القبلة حال التَّخلِّي، وإن حجب جسمه ببناء بيت الخلاء.

المبحث الثَّالث: (السَّتر والسَّاتر)

(مسألة 123) يجب ستر العورة في الصَّلاة، والرَّكعات الاحتياطيَّة والأجزاء المنسيَّة، وإن لم يكن هناك ناظر محترم، أو كان في ظلمة.

(مسألة 124) العورة في الرَّجل (القبل) و(الدبر)، وفي المرأة جميع الجسد، إلاَّ الوجه والكفَّين وظاهر القدمين، في مورد التَّعلُّق بالصَّلاة والطَّواف، وأمَّا في غيرهما فيجب ستر الوجه والبقيَّة في غير اضطرار احتياطاً.

(مسألة 125) يشترط في لباس المصلِّي أمور:

ص: 51

1 - أن يكون مباحاً - كما تقدَّم - ومن ذلك تعلُّق الأخماس به.

2 - أن لا يكون نجساً.

3 - أن لا يكون من غير المأكول، كجلد الهرَّة، بل لا تصح الصَّلاة في لباس عليه شعرة من غير مأكول اللحم أو جزء آخر منه.

4 - أن لا يكون ممَّا تحلُّه الحياة من الميتة، ولا بأس بما لا تحلُّه الحياة منها، كصوف الغنم الميِّت.

5 - أن لا يكون حريراً محضاً للرِّجال، ويجوز للنِّساء، نعم يجوز الممزوج من الحرير بحيث لا يجعل للخالص ميزة غالبة على غيره ومعتبرة فيه بل الميزة للعكس.

6 - أن لا يكون من الذَّهب للرِّجال ولو كان خاتماً مخلوطاً.

(مسألة 126) يحرم للرِّجال لبس الذهب، وإن لم يكن ظاهراً، كما يحرم عليهم التَّزيين به، ولو من غير لبس.(مسألة 127) لو جهل النَّجاسة قصوراً وصلَّى ثمَّ علم بعد انتهاء الوقت صحَّت صلاته مع الاحتياط بالقضاء، ولو كان عن تقصير حتَّى مع عدم الالتفات فيجب الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه ولو احتياطاً.

المبحث الرَّابع: (مكان المصلِّي)

(مسألة 128) يشترط في مكان المصلِّي - أي ما يستقرُّ عليه والفضاء الَّذي يشغله - أمور:

1 - الإباحة، أي أن لا يكون مغصوباً.

2 - الطَّهارة، لخصوص مسجد الجبهة، أمَّا باقي المساجد فيجب أن لا يكون نجساً مسرياً.

ص: 52

3 - الاستقرار، لا مثل الأرجوحة ونحوها.

4 - عدم محاذاة الرَّجل المصلِّي للمرأة المصلِّية بما يعتد به من المسافة من أحد الجانبين احتياطاً، بل يجب الابتعاد من كلِّ منهما عن الآخر وعدم تقدُّمها عليه بأقل من عشرة أذرع أو بساتر يحجبها عنه، وأمَّا تأخرها عنه فليس بمانع حتَّى بأقل من ذراع.

5 - أن لا يتقدَّم على قبر المعصوم، إذا كان موجباً للهتك، حتَّى مع عدم قصد الهتك مع العلم بحصول ذلك ولو في نظر الآخرين.

(مسألة 129) يعتبر في مسجد الجبهة - مضافاً لما تقدَّم من وجوب طهارته - أن يكون من الأرض أو ما أنبتته كما سيأتي.

المقصد الرَّابع: (الآذان والإقامة)

(مسألة 130) يستحب الآذان للصَّلوات اليوميَّة، استحباباً مؤكَّداً، ويكتفى به لمن يجمع بين الظهر والعصر بواحد، ولمن يجمع بين المغرب والعشاء بواحد، وهذه صورة الآذان:

الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.

أشهد أن لا إله إلاَّ الله.. أشهد أن لا إله إلاَّ الله.

أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله.. أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله.

أشهد أنَّ عليَّاً ولي الله(1). أشهد أنَّ عليَّاً ولي الله.

حيَّ على الصَّلاة.. حيَّ على الصَّلاة.

حيَّ على الفلاح.. حيَّ على الفلاح.

حيَّ على خير العمل.. حيَّ على خير العمل.

ص: 53


1- الشَّهادة الثَّالثة مستحبَّة في الآذان والإقامة.

الله أكبر.. الله أكبر.

لا إله إلاَّ الله.. لا إله إلاَّ الله.(مسألة 131) الأحوط وجوباً الإتيان بالإقامة لكل صلاة من اليوميَّات الخمسة، وصورة الإقامة هكذا:

الله أكبر.. الله أكبر .

أشهد أن لا إله إلاَّ الله.. أشهد أن لا إله إلاَّ الله.

أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله.. أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله.

أشهد أنَّ عليَّاً ولي الله(1). أشهد أنَّ عليَّاً ولي الله.

حيَّ على الصَّلاة.. حيَّ على الصَّلاة.

حيَّ على الفلاح.. حيَّ على الفلاح.

حيَّ على خير العمل.. حيَّ على خير العمل.

قد قامت الصَّلاة.. قد قامت الصَّلاة.

الله أكبر.. الله أكبر.

لا إله إلاَّ الله.

(مسألة 132) ليعلم المسلمون والمؤمنون أنَّ الشَّهادة الثَّالثة راجحة ومهمَّة غاية الأهميَّة في الآذان والإقامة، وكل مقام يذكر فيه الله تعالى ورسوله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ لأمور مهمَّة:

منها: آية الولاية العظمى والتَّصدُّق بالخاتم.

ومنها: كلام النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في خطبة يوم الغدير وهو (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) وكلامه (من شهد لي بالرِّسالة فليشهد لعلي بالولاية).

ومنها: تقريره لما كان يقوم به بعض الأصحاب الموالين من ذكر علي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بالآذان

ص: 54


1- الشَّهادة الثَّالثة مستحبَّة في الآذان والإقامة.

بعد ذكر النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ حيث أمضى النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ له ذلك بسكوته عنه حينما اشتكى إليه عنه في ذلك بعض المنافقين.

إضافة إلى أنَّ الشَّهادة الثَّالثة لم تكن فصلاً عن الشَّهادة الثَّانية، مع عدم مانعيَّة الإضافة للتَّكبير بكلمة (ليس أكبر من الله شيء)، وللشَّهادة له بالتَّوحيد بكلمة (شهد بذلك لحمي ودمي وعظمي)، وللنَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ بالرِّسالة بكلمة (صلَّى الله عليه وآله)، والمقام في الشَّهادة الثَّالثة لا يختلف عن هذه الفواصل، وقد فصلَّنا هذا الأمر في بعض مفصَّلاتنا مع ذكر بعض المؤيِّدات لأهل التَّسنُّن.

المقصد الخامس: أفعال الصَّلاة

(مسألة 133) أفعال الصَّلاة أحد عشر: النيَّة، تكبيرة الإحرام، القيام، القراءة، الذكر، الرُّكوع، السُّجود، التَّشهد، التَّسليم، التَّرتيب، الموالاة.

وخمسة منها وهي النيَّة وتكبيرة الإحرام والقيام (وهو المصاحب لتكبيرة الإحرام والمتِّصل بالركوع) والركوع والسَّجدتان.

أوَّلها واجب ملحق بالرًُّكن في أحكامه وان لم تكن ركناً واقعاً وهي النِّيَّة، والأربعة الأخرى كلُّها (أركان) أي: تبطل الصَّلاة بنقيصتها عمداً وسهواً، وفي حكم زيادتها تفصيل يأتي موجزه إنشاء الله.

والكلام عن هذه الأفعال يأتي في مباحث:-

المبحث الأوَّل: (النيَّة)

وهي ركن حكماً لا واقعاً، لأنَّها ليست بفعل وإنَّما هي روح العبادة تبطل الصَّلاة بدونها سهواً وعمداً ونسياناً.

ص: 55

(مسألة 134) تجب النيَّة في الصَّلاة، وهي القصد إلى الفعل قربة إلى الله تعالى.

ولا يعتبر التَّلفظ بها إلاَّ في أعمال الحج، ولا نيَّة الوجوب والنُّدب، بل تكفي الإرادة الإجماليَّة المترتِّبة على المكلَّف الواعي، لما تدل عليه القرائن على الفعل العبادي العقلائي، مع تعيين الصَّلاة الَّتي يريد الإتيان بها.

(مسألة 135) يجب الخلوص في النيَّة، بأن يأتي بالصَّلاة قربة إلى الله تعالى مجرَّدة عن كل الطموحات الدُّنيويَّة ومنها الرِّياء، وهكذا سائر العبادات.

(مسألة 136) لو نوى الرِّياء أو السُّمعة، أو غرضاً آخر بطلت الصَّلاة.

المبحث الثَّاني: (القيام)

(مسألة 137) يجب القيام في الصَّلاة، حال تكبيرة الإحرام، وحال القراءةوالسبحانيَّات، وقبل الركوع، وبعد الركوع، ولكنَّه في حال تكبيرة الإحرام والمتِّصل بالركوع هو الَّذي يُعد من الأركان الأربعة المشار إليها آنفاً.

والفرق بين الرُّكن وغيره هو أنَّ غيره لو نسيه أو غفل عنه أو أزاده لم تبطل صلاته، إلاَّ إذا تعمَّد ذلك كما سيأتي بعض أحكامه الأخرى.

(مسألة 138) يشترط في القيام مع الإمكان: الاعتدال والانتصاب والاستقرار، والأحوط استحباباً الوقوف المتساوي على الرِّجلين معاً، والاستقلال بأن لا يعتمد على شيء حتَّى لو احتاج إلى شيء من الاستناد في الجملة.

(مسألة 139) العاجز عن القيام الكامل يأتي به حسب الإمكان من الانحناء وغيره.

(مسألة 140) العاجز عن أصل القيام يصلِّي جالساً، وعن الجلوس يضطجع على الأيمن ووجهه إلى القبلة، والعاجز عن الأيمن يضطجع على الأيسر ووجهه إلى القبلة

ص: 56

أيضاً، والعاجز عن الأيسر يستلقي وباطن رجليه إلى القبلة كذلك بحيث لو جلس لكان وجهه مقابلاً لها.

المبحث الثَّالث: (تكبيرة الإحرام)

(مسألة 141) تفتتح الصَّلاة بتكبيرة الإحرام، ولفظها (الله أكبر)، وهي إحدى ثلاثة أو خمسة أو سبعة، واحدة منها تكبيرة الإحرام وهي الواجبة والباقيات مستحبَّات.

(مسألة 142) يعتبر حال التَّكبير حال الاختيار الاستقبال والقيام والاستقرار والاستقلال وقصد الافتتاح.

(مسألة 143) يستحب رفع اليدين حال التَّكبير مبتدئاً بابتدائه، ومنتهياً بانتهائه.

المبحث الرَّابع: (القراءة والذِّكر)

(مسألة 144) تجب في الرَّكعة الأولى والرَّكعة الثَّانية من كل صلاة واجبة قراءة (الحمد) و(سورة كاملة) بتقديم الحمد على السُّورة.

(مسألة 145) لا يجوز قراءة العزائم الأربع(1)1)، والسُّور الطوال الَّتي تفوِّت الوقت.

(مسألة 146) يجوز العدول من سورة إلى أخرى ما لم تبلغ النِّصف، إلاَّ سورة [قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ] وسورة [قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ] فلا يجوز العدول منهما.

(مسألة 147) سورتا (الفيل، والإيلاف) سورة واحدة، وكذا سورتا (الضحى، وألم نشرح) سورة واحدة.

(مسألة 148) في الرِّكعتين الأخيرتين، يتخيَّر المصلِّي بين قراءة الحمد وحدها

ص: 57


1- تقدَّمت في ص 43.

إخفاتاً، وبين الإتيان بالتَّسبيحات الأربع وصورتها.

(سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاَّ الله، والله أكبر)

ويأتي بها ثلاث مرَّات، ولا تكفي المرَّة الواحدة احتياطاً إلاَّ حين ضيق الوقت.

(مسألة 149) تجب الموالاة والتَّرتيب والعربيَّة الصَّحيحة في القراءة ولو بتعليم معلِّم وبذل مال له وفي حال عدم القدرة عليه يتعيَّن الإئتمام خلف إمام عارف عادل.

(مسألة 150) يجب الجهر بالقراءة على الرِّجال - دون النِّساء - في صلاة الصبح، والرَّكعتين الأوليين من صلاة المغرب وصلاة العشاء، ويجب الإخفات في قراءة الظهر والعصر، والرَّكعة الثَّالثة من صلاة المغرب، والأخيرتين من صلاة العشاء على الرِّجال والنِّساء.

(مسألة 151) ليس على النِّساء جهر، وإنَّما يتخَّيرن بين الجهر والإخفات، في موارد الجهر ما لم يكن عندهن رجال، وأمَّا مع وجودهم فلابدَّ من الإخفات احتياطاً.

(مسألة 152) في سائر أذكار الصَّلاة يتخيَّر المكلَّف بين الجهر والإخفات.

المبحث الخامس: (الركوع)

(مسألة 153) يجب في كل ركعة ركوع واحد بعد القراءة من الأوَّليتين، وبعد التَّسبيح من الأخيرتين، ويلزم فيه الانحناء على النَّحو المتعارف، بقدر ما تصل أطراف أصابعه إلى الرُّكبتين.

(مسألة 154) يتخيَّر الرَّاكع في الذِّكر بين (سبحان ربي العظيم وبحمده) مرَّة واحدة وبين (سبحان الله) ثلاث مرَّات، والأفضل الجمع، ويكتفي ب- (سبحان الله) مرَّة واحدة حال ضيق الوقت وسائر الضَّرورات.

(مسألة 155) يجب الاطمئنان والاستقرار والاستقلال حال الذِّكر، وحال رفع

ص: 58

الرَّأس منه - إلى حدِّ القيام مطمئنَّاً - بعده.

(مسألة 156) الرُّكوع ركن تبطل الصَّلاة بتركه أو زيادته سهواً أو عمداً أو نسياناً.

المبحث السَّادس: (السُّجود)

(مسألة 157) يجب في كل ركعة سجدتان، بأن يهوي إلى الأرض ويجعل المساجد السَّبعة (جبهته وكفَّيه وركبتيه وإبهامي رجليه) على الأرض، إلاَّ ما لو قطع شيء منها فيكفي الموجود.

(مسألة 158) يتخيَّر السَّاجد في الذِّكر بين (سبحان ربيَّ الأعلى وبحمده) مرَّة واحدة، وبين (سبحان الله) ثلاثاً، والأفضل الجمع.

ويكتفي ب- (سبحان الله) مرَّة واحدة حال ضيق الوقت وسائر الضَّرورات.

(مسألة 159) يجب في السُّجود الاطمئنان والاستقلال والاستقرار حال الذِّكر، وتساوي موقع الجبهة مع الموقف، ويسمح التَّفاوت في بعض الحالات بمقدار أربع أصابع مضمومة من الارتفاع أو الانخفاض، ومن ذلك التَّسريح في الأرض في إحدى الجهتين من الأمام أو الخلف.

(مسألة 160) يجب إمساس الجبهة بالأرض، أو بما أنبتته غير المأكول منه والملبوس، فلا يجوز على المعادن والطَّعام والقطن، ويجوز على الخشب أو ورق الشَّجر غير المأكول أو القرطاس إذا لم يكن من القطن، إلاَّ إذا اختلط مع غيره واستحال في جوهره الأصلي إلى شيء آخر، ويطلق عليه الآن عرفاً بالورق المتحوِّل من حقيقة ما سبقه.

(مسألة 161) أفضل ما نسجد عليه من الأرض هو التُّراب الخالص، وهو المطابق للحديث الشَّريف المعروف بين الفريقين (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، وأفضله تراب الأرض الَّتي ساحت فيها دماء الشَّهادة في سبيل الله، كما كان يُسجد على

ص: 59

التُّراب من الأرض الَّتي استشهد عليها حمزة سيِّد الشُّهداء عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وحينما استشهد الإمام الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سيد الشُّهداء اتُّخذت تربته للسُّجود وللتَّسبيح وللاستشفاء على تفصيل تجده في موسَّعاتنا.

ومن لم يرتض من المخالفين ذلك لشبهة الوهابيين وأمثالهم القائلين بأنَّ مثل هذا هو عبادة للحجر وغيره، فإنَّه ينصح بأن يترك هذه الشُّبهات في مقابل البديهيَّات ممَّا أفادته النُّصوص وأدركته مقاصد الصَّالحين من عباد الله الواعين لمعانيها، للزوم التَّفرقة بين السُّجود على الشَّيء وبين السُّجود للشَّيء إن كان في كمال وعيه.

(مسألة 162) تشترط طهارة موقع مسجد الجبهة من الأرض دون غيره من بقيَّة المساجد السَّبعة منها، لكن مع الجفاف فيما بين ذلك الغير من المساجد الأخرى من الأرض المتنجِّسة وبين بقيَّة المساجد من الأعضاء الستَّة الطَاهرة حذراً من سريان أثر النَّجاسة.

المبحث السَّابع: (التَّشهد)

(مسألة 163) يجب التَّشهُّد في الرِّكعة الثَّانية من كل صلاة، وكذا في الثَّالثة من المغرب، وكذا في الرَّابعة من الرُّباعية، وموضعه بعد السَّجدة الثَّانية.

(مسألة 164) يجب حال الجلوس للتَّشهُّد الأوسط أو الأخير - قبل السَّلام كما سيجيء - أن يكون مطمئنَّاً مستقراً مستقلاًّ، ويقول: صحيحاً فصيحاً ولو بالتَّعلُّم (أشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، اللَّهم صلِّ على محمَّد وآل محمَّد).

ص: 60

المبحث الثَّامن: (السَّلام)

(مسألة 165) يجب السَّلام في الرَّكعة الثَّانية من الصبح، والثَّالثة من المغرب والرَّابعة من الظهرين والعشاء، وذلك بعد التَّشهُّد، وبه يخرج عن الصَّلاة.

(مسألة 166) يجب حال الجلوس للسَّلام أن يكون مطمئنِّاً مستقرَّاً مستقلاً، وصورة السَّلام صحيحاً فصيحاً ولو بالتَّعلُّم (السَّلام عليك أيُّها النَّبي ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته) والسَّلام الأوَّل من هذه الثَّلاثة مستحب، ويكتفي بأحد الأخيرين، وإن كان الاحتياط ذكر الثَّالث لو ذكر الثَّاني، والأحوط كذلك أن لا يلتفت يميناً أو يساراً إلاَّ بعد إنهاء ذكر الثَّالث.

المبحث التَّاسع: (التَّرتيب)

(مسألة 167) يجب التَّرتيب بين أفعال الصَّلاة كما مضى شيء من معناه وكما يلي:

1 - النيَّة.

2 - تكبيرة الإحرام.

3 - قراءة الحمد ثمَّ السُّورة قائماً مع المقدرة الاعتياديَّة.

4 - الرُّكوع والذِّكر متأنِّياً، ثمَّ القيام منه وقوله (سمع الله لمن حمده) استحباباً.

5 - السُّجود والذِّكر متأنِّياً، ثمَّ الجلوس منه مكبِّراً كذلك، ثمَّ السُّجود ثانياً كذلك مكبِّراً والذِّكر متأنِّياً أيضاً، ثمَّ الجلوس مكبِّراً منه كذلك بجلسة تسمَّى جلسة الاستراحة، وبذلك تنتهي الرِّكعة الأولى.

ص: 61

(وفي الركعة الثَّانية) مبتدئاً ب-

6 - القيام وقراءة الحمد، ثمَّ السُّورة قائماً كما مرَّ - وبعدها يستحب القنوت كما سيأتي - ثمَّ الرُّكوع والذِّكر متأنِّياً، ثمَّ القيام منه كذلك وقوله (سمع الله لمن حمده) استحباباً، ثمَّ السَّجدتان مع التَّكبيرات - كما سبق في رقم 5 - ثمَّ التَّشهُّد.

فإن كانت الصَّلاة ثنائيَّة كالصُّبح يأتي بالسَّلام بعد التَّشهُّد ويُتم الصَّلاة، وإن كانت ثلاثيَّة أو رباعيَّة فلا يسلِّم، بل يأتي ب:

(الرَّكعة الثَّالثة) مبتدئاًً ب:7 - القيام للرَّكعة الثَّالثة وقراءة التَّسبيحة الكبرى قائماً وهي (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاَّ الله والله أكبر) ثلاث مرَّات أو الحمد اخفاتاً كما مرَّ، ثمَّ الرُّكوع، ثمَّ السَّجدتان والتَّكبيرات، وبعد الجلوس من السَّجدة الثَّانية بجلسة الاستراحة - إن كانت صلاة المغرب - تشهَّد وسلَّم وأتمَّ الصَّلاة.

وإن كانت الصَّلاة رباعيَّة كالظهرين والعشاء يأتي ب:

(الرَّكعة الرَّابعة) مبتدئاً ب:

8 - القيام للرَّكعة الرَّابعة وقراءة التَّسبيحة الكبرى كما مرَّ ثلاثاً قائماً أو الحمد اخفاتاً، ثمَّ الركوع، ثمَّ السَّجدتان والتَّكبيرات، وبعد الجلوس من السَّجدة الثَّانية يأتي ب:

9 - التَّشهد الَّذي مرَّ ذكره.

10 - السَّلام الَّذي مرَّ أيضاً، وبه إتمام الصَّلاة.

المبحث العاشر: (الموالاة)

(مسألة 168) تجب الموالاة في أفعال الصَّلاة، والمراد منها (التَّتابع وعدم الفصل

ص: 62

بين أجزائها الموجب لمحو صورة الصلاة في نظر أهل الشَّرع عرفاً كما مرَّ).

(القنوت)

(مسألة 169) يستحب القنوت في الرَّكعة الثَّانية من كل صلاة بعد السُّورة وقبل الرُّكوع، ويجوز فيه كل ذكر أو دعاء، وهو مهم جداَّ لا ينبغي التَّهاون فيه، وممَّا يفضَّل قراءته (لا إله إلاَّ الله الحليم الكريم، لا إله إلاَّ الله العلِّي العظيم، سبحان الله ربِّ السَّماوات السِّبع وربِّ الأرضين السِّبع، وما فيهنَّ وما بينهنَّ، وما فوقهنَّ وما تحتهنَّ، وربِّ العرش العظيم، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين).

وقد منع السَّلام بعض العلماء نتيجة لضعف راويه على ما ادَّعوه، ولكن لا مانع من قراءته بنيَّة الدُّعاء أو بنيَّة أنَّه من القرآن.

وقد ذكره السيِّد بحر العلوم قدس سره في أرجوزته بقوله في ضمن ما قاله في القنوت:-

وفي سلام المرسلين فيها *** شيء وليس حظره وجيها

لكن روى النَّهي ابن حفص المروزي *** عنه بفرض جمعة فنزز

وهناك أدعية أخرى قرآنيَّة وغيرها يُهتم بذكرها في كتب الأدعية.

المقصد السَّادس: مبطلات الصَّلاة

(مسألة 170) مبطلات الصَّلاة أمور:

1 - فقدان بعض الشَّرائط حال الصَّلاة، ككونه مستدبر القبلة، أو بلا ستر، أو نحوهما ممَّا مرَّ بيانه.

2 - الحدث، كبيراً كان أو صغيراً، أو الخبث، في البدن أو في اللباس الَّذي يستر

ص: 63

جميع العورتين، ولو قبل السَّلام الأخير.

3 - التَّكلُّم عمداً، ولو بحرف واحد مفهم نحو (قِ) أي (احفظ) أو (عِ) بمعنى الأمر بالوعي.

4 - السَّلام على شخص ابتداءاً عمداً، نعم يجب الجواب بمثل ما خوطب به المصلِّي من السَّلام لو سلَّم عليه أحد.

5 - انحراف البدن، إلى اليمين الكامل أو اليسار الكامل، أو الخلف، وكذا الانحراف بالوجه إلى الخلف، عمداً لوجوب الاحتفاظ بالقبلة جهد الإمكان، بل حتَّى الانحراف بالوجه يسيراً إلى اليمين واليسار بتعمُّد ولو احتياطاً.

6 - وضع إحدى اليدين على الأخرى لغير تقيَّة، أمام من يعتبر هذا الوضع واجباً من بعض المذاهب، وإلاَّ فالشَّوافع يقولون بالتَّخيير، والمالكيَّة يقولون بحرمة هذا الوضع في الفرائض.

7 - البكاء لأمر دنيوي، ولا بأس به لأمور الآخرة.8 - القهقهة، وهي الضَّحك المشتمل على الصَّوت الخاص، ولا بأس بالتَّبسم إن حصل قهراً وإن كان ينبغي التَّحرُّز عنه كذلك لو قدر عليه لمنافاته للتَّوجُّه إلى المعبود تعالى بإخلاص.

9 - الفعل الماحي لصورة الصَّلاة، كالوثبة والطَّفرة ونحوهما.

10 - استقرار الشَّك في الثُّنائيَّة - كالصبح - أو الثُّلاثيَّة - كالمغرب - أو الأوليِّين من الرُّباعية، وفيما عدا الشُّكوك التِّسعة الصَّحيحة الأخرى من تلك الرُّباعية الآتية.

11 - الأكل والشُّرب، إلاَّ إذا كان قليلاً لا يمحو صورة الصَّلاة - كابتلاع بقايا الطَّعام بين الأسنان - مع اضطراره، وأمَّا مع عدمه فالأحوط وجوباً إخراجه.

12- قول (آمين) بعد الحمد، حتَّى لو كانت بمعنى الدُّعاء أي (استجب)، لكونها مبتدعة في أساسها، والمشروع من الألفاظ بعد قراءتها المطلوبة هو قول الحمد لله ربِّ

ص: 64

العالمين.

المقصد السَّابع: الشُّكوك

(مسألة 171) الشُّكوك الَّتي تقع في الصَّلاة تنقسم إلى ثلاثة وعشرين قسماً، نذكرها في ثلاث مباحث:

1 - الشُّكوك المبطلة للصَّلاة، وهي ثمانية أقسام.

2 - الشُّكوك الَّتي لا يُعتنى بها، وهي ستَّة أقسام.

3 - الشُّكوك الَّتي تصح الصَّلاة معها، وهي تسعة أقسام.

المبحث الأوَّل: (الشُّكوك المبطلة للصَّلاة)

وهي ثمانية أقسام:

1 - الشَّك في الثُّنائيَّة، كالصُّبح وما يجب فيه القصر من الصَّلوات الرباعيَّة على المسافر أو صلاة الخوف المقصورة في الرباعيَّة.

2 - الشَّك في الثُّلاثيَّة كصلاة المغرب.

3 - الشَّك في الرُّباعية (وهي الظهرين والعشاء للحاضر) بين ركعة وأكثر.

4 - الشَّك في الرُّباعيَّة قبل إتمام السَّجدة الثَّانية بين ركعتين وأكثر.

5 - الشَّك في الرُّباعيَّة بين اثنين وخمسة، أو اثنين وأكثر من خمس ركعات.

6 - الشَّك فيها بين الثَّالثة والسَّادسة، أو الثَّالثة وأكثر من ست ركعات.

7 - الشَّك فيها بين الأربعة والستَّة أو الأربعة وأكثر من ست ركعات.

8 - الشَّك في عدد الرَّكعات بأن لا يدري كم ركعة صلَّى.

ص: 65

المبحث الثَّاني: (الشُّكوك الَّتي لا يُعتنى بها)

وهي ستَّة:

1 - الشَّك بعد المحل وكان من عادته الالتزام، كما إذا شكَّ في تكبيرة الإحرام وهو في الحمد، أو شكَّ في الحمد وهو في السُّورة، أو شكَّ في الآية السَّابقة وهو في اللاحقة، أو شكَّ أوَّل الآية وهو في أخرها، أو شكَّ في القراءة وهو في الرُّكوع، أو شكَّ في الرُّكوع وهو في السُّجود، أو شكَّ في السُّجود وهو في التَّشهُّد أو في القيام، أو شكَّ في التَّشهُّد وهو في القيام أو في التَّسليم، أمَّا لو شك في أول فعل بدؤه من الواجب وهو في أخره، فإنَّه يحتاج إلى الإعادة احتياطاً.

وأمَّا إذا شكَّ في السَّلام فعليه أن يسلِّم، ما لم يأت بالمنافي حتَّى مع السَّهو.

ولو شكَّ (في صحَّة الصادر من هذه الأمور) بعد الفراغ منه فلا يلتفت إلى شكِّه، وإن لم يدخل في الجزء الَّذي بعده، بل يبني على صحَّة الصَّلاة.

2 - الشَّك بعد السَّلام.

3 - الشَّك بعد الوقت.

4 - الشَّك في صلاة الجماعة إماماً كان أو مأموماً مع حفظ الآخر، فإذا شكَّ الإمام رجع إلى المأموم الحافظ وبالعكس.

5 - الشَّك في عدد الرَّكعات في الصَّلوات المستحبَّة، فإنَّ له البناء على الأقل وعلى الأكثر إذا لم يكن الأكثر مفسداً، لكنَّه خلاف الاحتياط في الرَّكعات الخاصَّة المرسومة في الرَّوايات فيبني على الأقل، وأمَّا المطلق منها فأمرها سهل في أدلَّة السنن للتَّسامح المعروف فيها، ولكنَّ أدلة (من بلغ) تقيه الزِّيادة بغية التَّحوُّط بالأفضل وهو الزَّائد بغير ما فيه التَّشريع فإنَّه باطل.

6 - شكُّ كثير الشَّك فيما كثر شكُّه فيه.

ص: 66

المبحث الثَّالث: (الشكوك الصَّحيحة)

وهي تسعة:

وموردها: الصَّلاة الرُّباعية فقط كالظهرين والعشاء للحاضر.

1 - الشَّك بين الاثنين والثَّلاثة بعد إتمام ذكر السَّجدة الثَّانية.

(الحكم) يبني على ثلاثة ويأتي بالرَّابعة ويسلِّم، ثمَّ يأتي بصلاة الاحتياط ركعة قائماً - على الأحوط وجوباً -.

2 - الشَّك بين الاثنين والثَّلاثة والأربعة بعد ذكر السَّجدة الثَّانية.

(الحكم) يبني على أربعة ويتم صلاته، ثمَّ يحتاط بركعتين قائماً ثمَّ بركعتين جالساً.

3 - الشَّك بين الاثنين والأربعة بعد ذكر السَّجدة الثانية.

(الحكم) يبني على أربعة ويتم صلاته، ثمَّ يحتاط بركعتين قائماً.

4 - الشَّك بين الثَّالثة والرَّابعة في أي موضع كان.

(الحكم) يبني على أربعة ويتم صلاته، ثمَّ يحتاط بركعتين جالساً، أو ركعة قائماً.

5 - الشَّك بين الأربعة والخمسة بعد ذكر السَّجدة الثَّانية.

(الحكم) يبني على أربعة ويتم صلاته، ثمَّ يسجد سجدتي السَّهو.

6 - الشَّك بين الأربعة والخمسة حال القيام.

(الحكم) أن يهدم القيام بالجلوس، فينقلب شكُّه إلى ثلاثة وأربعة، فيعمل كرقم (4)، ولكن يحتاط بسجود السَّهو لاحتمال الزِّيادة.

7 - الشَّك بين الثَّالثة والخامسة حال القيام.

(الحكم) أن يهدم القيام بالجلوس، فينقلب شكُّه إلى اثنين وأربعة، فيعمل كرقم (3)، ويحتاط بسجود السَّهو لاحتمال الزيادة.

8 - الشَّك بين الثَّلاثة والأربعة والخمسة حال القيام.

ص: 67

(الحكم) أن يهدم القيام بالجلوس فينقلب شكُّه إلى ما بين اثنين وثلاثة وأربعة، فيعمل كرقم (2)، ويحتاط بسجود السَّهو لاحتمال الزيادة.

9 - الشَّك بين الخامسة والسَّادسة حال القيام.

(الحكم) أن يهدم للقيام بالجلوس، فينقلب شكُّه إلى أربعة وخمسة، فيعمل كرقم (5)، ويضيف العمل بالاحتياط وهو أن يأتي بالسُّجود والإعادة.

ملحوظات:

1 - في صورة ستة وسبعة وثمانية وتسعة يسجد سجدتي السَّهو احتياطاً كما مرَّ- بعد صلاة الاحتياط - لذلك لقيام الزَّائد المهدوم لا قبلها.

2 - سيأتي ذكر كيفيَّة سجود السَّهو وما يتبعه، وكيفيَّة صلاة الاحتياط قريباً.

3 - الشَّاك في الرَّكعات لو غلب ظنُّه إلى أحد الطَّرفين بنى على ظنِّه.

المقصد الثَّامن: (كيفيَّة سجدتي السَّهو)

(مسألة 172) كيفيَّة سجود السَّهو سجدتان متواليتان بعد النيَّة وقصد القربة، ويشترط السُّجود على ما يصح السُّجود عليه كما مرَّ، ولا يجب التَّكبير، بل يسجد رأساً، ويقول في سجوده - على الأحوط وجوباً - :

(بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)

ثمَّ يجلس ويسجد ثانياً، ويقول كما قال في السَّجدة الأولى ثمَّ يجلس ويقول:

(أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، اللُّهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد، السَّلام عليكم) ويضيف (ورحمة الله وبركاته) على الأحوط الأولى اختصاراً للسَّلام.

ص: 68

(مسألة 173) موارد سجود السَّهو.

1 - التَّكلُّم حال الصَّلاة سهواً.

2 - السَّلام في غير محلِّه.

3 - نسيان التَّشهُّد.

4 - الشَّك بين الأربعة والخمسة كما مرَّ.

5 - نسيان السَّجدة الواحدة - على الأحوط وجوباً - أو زيادتها.

6 - الأحوط وجوباً للقيام موضع الجلوس، وللجلوس موضع القيام، والأحوط - استحباباً - لكل زيادة ونقيصة.

المقصد التَّاسع: قضاء الأجزاء المنسيَّة

وفيه مسائل:

(مسألة 174) إذا نسي السَّجدة الواحدة ولم يذكر إلاَّ بعد الدُّخول في الرُّكوع وجب قضاؤها بعد الصَّلاة وسجود السَّهو.

(مسألة 175) إذا نسي التَّشهُّد ولم يذكر إلاَّ بعد الركوع قضاه بعد الصَّلاة - على الأحوط وجوباً - ومعه سجود السَّهو.

(مسألة 176) تجب في القضاء نيَّة البدليَّة عن الأداء خارج الوقت، وتوفُّر ما وجب في المقضي من جزء وشرط.

(مسألة 177) لا يجوز الفصل بين القضاء التَّداركي والصَّلاة بالمنافي، فإذا فصل وجب إعادة الصَّلاة، والأولى أن يقضي الفائت قبل الإعادة.

ص: 69

المقصد العاشر: (كيفيَّة صلاة الاحتياط)

(مسألة 178) كيفيَّة صلاة الاحتياط:

تجب الرَّكعة الاحتياطيَّة الواحدة هكذا: النيَّة - بالقلب - متقرِّباً (بدون النُّطق)كما يلزم، ثمَّ تكبيرة الإحرام وقراءة سورة الحمد إخفاتاً حتَّى البسملة - على الأحوط -، ولا حاجة إلى السُّورة، ثمَّ الرُّكوع والسُّجود والتَّشهُّد والسَّلام.

وتجب الرَّكعتان قائماً: كصلاة الصُّبح لكن يقرأ الحمد إخفاتاً بلا سورة، والنيَّة بالقلب متقرِّباً بدون أن ينطق كما يلزم كذلك.

الرَّكعتان جالساً: النيَّة - بالقلب - متقرِّباً وهو جالس فيكبِّر للإحرام ويقرأ الحمد بلا سورة، ثمَّ يركع الرُّكوع الجلوسي، وهو الهوي إلى الأرض، وعند تقارن الوجه للرُّكبتين يستقر ويأتي بذكر الركوع، ثمَّ يجلس فيسجد سجدتين مع ذكر السُّجود، ثمَّ يجلس للرَّكعة الثَّانية ويفعل كما فعل في الرَّكعة الأولى ثمَّ يتشهَّد ويسلِّم.

(مسألة 179) لابدَّ من اتِّصال صلاة الاحتياط بالصَّلاة الأصليَّة وعدم تخلُّل المنافي وإلاَّ بطلت ولزمت إعادة أصل الصَّلاة.

المقصد الحادي عشر: صلاة المسافر

(مسألة 180) يجب على المسافر قصر الصَّلاة الرُّباعية، أي يصلِّي كلاًّ من الظهر والعصر والعشاء ركعتين كصلاة الصُّبح، إذا تمَّت شروط القصر التَّالية، أمَّا صلاتا الصبح والمغرب فعلى حالهما.

ص: 70

(شروط القصر للمسافر)

(مسألة 181) يتحقَّق السَّفر للمسافر بشروط، وهي:-

1 - قصد قطع المسافة، وهي 8 فراسخ وهي تساوي (48 كيلو متراً تقريباً) ذهاباً فقط أو رجوعاً فقط، أو ملَّفقة من أربعة ذهاباً وأربعة رجوعاً في نفس اليوم.

2 - استمرار القصد للمسافة، فقبل بلوغ المسافة لو تردَّد أو عدل عن السَّفر أتم.

3 - أن لا يتحقَّق قبل بلوغ المسافة قاطع للسَّفر كالمرور بالوطن، أو نيَّة الإقامة عشرة أيَّام في مكان، أو البقاء في مكان ثلاثين يوماً متردِّداً، وإلاَّ أتم، وكذا لا يكون ناوياً ذلك في أوَّل السَّفر.

4 - أن لا يكون عمله السَّفر، وفي حكمه من عمله في السَّفر.

فالأوَّل مثل السَّائق والملاح، والمكاري، والثَّاني هو التَّاجر المتجوِّل لا كالمسافر المستورِد صدفة، والعامل الَّذي يدور في عمله كالنَّجَّار والنقَّار والبنَّاء، وهكذا من كان السَّفر مقدِّمة لعمله كمن يسافر من بلده أكثر الأيَّام إلى المسافة أي (48) كيلو متراً فأكثر لعمل كالطبابة، أو التِّجارة أو الدِّراسة، فإنَّ هؤلاء كلُّهم يُتمُّون في تلك الإسفار.

5 - أن لا يكون بيته معه كأهل البوادي، فإنَّهم يُتمُّون كمن يرتحل من أرض إلى أرض طيلة عمره ولم يتَّخذ لنفسه مقرَّاً، وأن لا يكون سائحاً ينتقل من بلد إلى بلد ولم يتَّخذ لنفسه وطناً.

6 - أن لا يكون سفره معصية كالعبد الآبق، أو لغاية محرَّمة كالسَّفر للسرقة، أو الزِّنا، أو قتل نفس محترمة، أو شرب الخمر، أو إعانة الظالم، ونحو ذلك.

7 - أن لا يكون سفره للصَّيد لهواً، فإنَّه يجب عليه الإتمام في ذهابه ولكن عليه القصر في رجوعه إذا كان الرُّجوع ثمان فراسخ فأكثر مع الاحتياط بالجمع عند الشَّك، وإذا كان الصَّيد لقوت أو تجارة، فالقصر ذهاباً ورجوعاً.

ص: 71

8 - الابتعاد عن وطنه إلى حدٍّ لا يسمع أذانه ولا يرى أهله وجدرانه، وهو المسمَّى بمحل التَّرخُّص مع تصميمه على قطع تلك المسافة، وإلاَّ فيكون ذلك عند قطع كامل تلك المسافة وفعلاً هي الفراسخ الثَّمانية أو الأربعة في الذَّهاب والإياب.

(مسألة 182) يتخيَّر المسافر بين القصر والتَّمام في أربعة مواضع:

مسجدي مكَّة والمدينة، ومسجد الكوفة، والحرم الحسيني دون رواقه، والأحوط وجوباً هو خصوص المساجد القديمة، وخصوص الحائر بما كان تحت القبَّة.

المقصد الثَّاني عشر: صلاة القضاء

(مسألة 183) يجب قضاء الصَّلوات اليوميَّة الفائتة في وقتها عمداً أو سهواً، أو جهلاً أو للنَّوم - وإن استوعب الوقت - أو لغير ذلك، كما لو أتى بها فاسدة وانتهى الوقت، أو أراد القضاء عن والده أو والدته بعد وفاتهما أو أحدهما، أو آجَر نفسه في صلاة إجارة عن أحدالموتى وقبض الأجرة.

(مسألة 184) لا يجب القضاء في الموارد التَّالية:

أ - الفائتة حال الصِّبا.

ب - الفائتة حال الكفر الأصلي، لأنَّ (الإسلام يجب ما قبله) إلاَّ أيَّام الكفر غير الأصلي، فمن كفر عن إسلام ثمَّ أسلم فعليه قضاء صلاته أيَّام ذلك الكفر.

ج- - الفائتة حال الجنون (مع استيعاب الجنون لتمام الوقت) دون ما لو كان في وقت دون وقت قد فاته صلاة أو صلوات.

د - الفائتة حال الحيض والنَّفاس (مع استيعاب الدَّم لتمام الوقت) على الأحوط، لأنَّها لو انقطع عنها الدَّم بعض الأيَّام كمن كانت عادتها خمسة أيَّام ورأت في ثلاثة منها ونقت في اليومين، مع احتمال اختلال نظام عادتها في العدد، فعليها الغُسل والصَّلاة في

ص: 72

اليومين مع القضاء إذا لم تُصلِّ فيهما أداءاً لاحتمال عدم الاختلال كذلك.

ه- - الفائتة حال الإغماء (مع استيعاب الإغماء لتمام الوقت) إذا لم يكن بفعله فضلاً عمَّا لو يستوعب تمامه وقد فاته شيء من الصَّلوات.

(مسألة 185) إذا بلغ الصَّبي أو أفاق المجنون والمغمى عليه أو أسلم الكافر أثناء الوقت فإن تمكَّنوا من الصَّلاة ولو بادراك ركعة في الوقت مع الشَّرائط وجبت الصَّلاة، فإن لم يصلُّوها وجب القضاء.

(مسألة 186) يجب قضاء ما فات المكلَّف حال تسُّبب الإغماء والردَّة كما مرَّ وحال السُّكر.

(مسألة 187) يجوز القضاء في كل وقت من الليل والنَّهار والسَّفر والحضر.

(مسألة 188) يجب على الولد الأكبر قضاء ما فات أباه من الفرائض لعذر، والأحوط - وجوباً - ذلك فيما إذا فاتته بغير عذر أيضاً، وكذا الأم احتياطاً ما دام كلِّ منهما مؤمناً بوجوبها وبالأخص لو صلَّى بعض الوقت أداءاً وقضاءاً.

(مسألة 189) يجوز لمن عليه قضاء الفريضة الإتيان بالنَّافلة - على الأقوى - ، لكن الأظهر وجوب القضاء أوَّلاً لأكبر نسبة ممكنة تعطيه الأمل إذا كان يخاف على نفسه من الفوت بدون القضاء، لأهميَّة الواجب على المستحب.

(مسألة 190) لا يجب الفور في القضاء مع عدم مؤشِّر مخوف من سرعة الموت، ولكن الأحوط الاهتمام به مع الفراغ عن المهمَّات المشغلة الأخرى.

(مسألة 191) يجوز الإتيان بالقضاء جماعة، لأهميَّتها إلاَّ مع كثرة الواجب القضائي وضيق الأوقات بمؤشِّر الموت ببطء صلاة الجماعة مثلاً.

(مسألة 192) يجب قضاء الصَّلاة (الفائتة في الحضر) تماماً وإن كان فعلاً مسافراً، وكذا ما فاته في السَّفر يجب قضاؤه قصراً وإن كان فعلاً في الحضر.

ص: 73

(مسألة 193) لو فاتته صلوات متعدِّدة لا يجب التَّرتيب في قضائها، إلاَّ فيما كان أداؤها مترتِّبا بالأصل، كالظهرين والعشاءين من يوم واحد، فإذا فاته ظهر وعصر من يوم لزم تقديمالظهر، وكذا في المغرب والعشاء، وأمَّا إذا فاته ظهر من يوم وعصر من يوم آخر ولم يعلم بتقدُّم أحد اليومين على الآخر فهو مخيَّر في تقديم ما شاء، وأمَّا مع تقدُّم يوم الظهر على يوم العصر فالأحوط تقديم ظهر الأقدم على عصر القديم، وكذا التَّخيير لو فاته صبح من يوم وظهران من يوم بلا تركيز أيضاً فلا يجب تقديم الصُّبح ما لم يحصل العلم بالأسبقيَّة، وإن وجب تقديم الظهر على العصر وهكذا، بل حتَّى لو كان الصُّبح من يوم الظهرين، لأنَّ بداية اليوم من الظهرين على قول، إلاَّ أنَّ الاحتياط لا ينبغي تركه في تقديمه.

(مسألة 194) يجب قضاء غير اليوميَّة من الفرائض كالآيات في بعض الصُّور - عدا العيدين - كما سيجيء حتَّى النَّافلة المنذورة في وقت معين - على الأظهر -، ولعلَّ ذلك من جهة أنَّ المعوِّض هو الكفَّارة عند تعمُّد التَّرك مع الاحتياط بالقضاء لو لم تجب الكفَّارة عند عدم تعمُّد التَّرك.

(مسألة 195) يجوز الاستيجار للصَّلاة ولسائر العبادات عن الأموات وتفرُّغ ذمَّتهم بفعل الأجير كاملاً، سواء استأجره الوصي، أو الولي أو الوارث، أو الأجنبي. كما يتَّفق فيه القول على نهج المشروع بين الفقهاء.

المقصد الثَّالث عشر: صلاة الجماعة

(مسألة 196) تستحب الجماعة في جميع الصَّلوات المفروضة عدا النَّوافل المنذورة، ولا تشرع في النَّوافل الابتدائيَّة، إلاَّ الاستسقاء.

(مسألة 197) لا يجوز علو الإمام على المأموم أزيد من شبر، إلاَّ إذا كان المكان

ص: 74

انحداريَّاً على المأموم، ويجوز علو المأموم على الإمام أزيد من ذلك.

(مسألة 198) لا يجوز الفصل الكثير بين الإمام والمأموم بأزيد من منام (الشَّاة) - احتياطاً - وكذا فصل المأمومين بعضهم مع بعض إلاَّ بما بين النِّساء عن الرِّجال فيجوز الأكثر أو الحاجز كالنَّار .

(مسألة 199) إذا انفصل المأموم عن الإمام - أو عن المأموم المتِّصل بسببه - انقلبت صلاته فرادى، كما لو كان المأموم المنفصل في طرف الصَّف الأوَّل أو طرف الثَّاني أو الأكثر ولم يكن أمامه مأموم يتَّصل به.

(مسألة 200) يترك المأموم الحمد والسُّورة - في الجماعة - في قراءة الرَّكعتين الأوَّليَّتين من الرباعيَّة والثُّلاثية وركعتي الثُّنائية ويأتي بسائر وظائف الصَّلاة الأخرى من القراءات والأذكار ونحوها.

(مسألة 201) إذا رفع المأموم رأسه قبل الإمام عن الرُّكوع سهواً أو ركع قبله كذلك، وكذا في السُّجود، والقنوت، رجع إلى المتابعة وصحَّت صلاته.

(مسألة 202) يجب أن تكون تكبيرة الإحرام للمأموم بعد تكبيرة الإحرام للإمام، وكذا سائر الأفعال - احتياطاً -.

(مسألة 203) إذا كبَّر الإمام، جاز للمأموم البعيد أن يكبِّر إذا كان في الصَّف الأوَّل وإن لم يكبِّر من بسببه كان اتِّصاله، لسبب تهيؤ الواسطة للتَّكبير، وأمَّا فيمن كان من ذوي الصُّفوف الأخرى فلابدَّ من تقدُّم الصَّف الأوَّل في التَّكبير ثمَّ من بعده الثَّاني وهكذا على الأحوط.

المقصد الرَّابع عشر: صلاة الآيات

(مسألة 204) وسببها كسوف الشَّمس، وخسوف القمر، والزِّلزلة، وسائر الآيات

ص: 75

المخوفة السَّماوية والأرضيَّة من بقاعها.

(مسألة 205) يجب الإتيان بهذه الصَّلاة حال حدوث الآية، فلا يجوز تأخيرها إلى ما بعد تمام انجلاء الشَّمس والقمر مثلاً، أو تأخيرها إلى ما بعد الزِّلزلة بمدَّة، فإن حصل التَّأخير فلابدَّ من نيَّة القضاء إذا كان الخسوف أو الكسوف كاملين بعد الانجلاء، وكذا لو كان فيهما نقصان إذا حصل العلم بذلك حينهما، وأمَّا بعد انتهاء الزِّلزلة فالأداء واجب إلى نهاية العمر على ما أثبتته الأدلَّة الشَّريفة.

(مسألة 206) كيفيَّة هذه الصَّلاة في أساسها:

1 - أن تكبِّر، وتقرأ الحمد والسُّورة، وتركع.

2 - وتقوم من الرُّكوع، وتقرأ الحمد والسُّورة، وتقنت، وتركع.

3 - وتقوم من الرُّكوع، وتقرأ الحمد والسُّورة، وتركع.

4 - وتقوم من الرُّكوع، وتقرأ الحمد والسُّورة، وتقنت، وتركع.

5 - وتقوم من الرُّكوع، وتقرأ الحمد والسُّورة، وتركع.6 - وتقوم من الرُّكوع قائلاً استحباباً (سمع الله لمن حمده)، ثمَّ تهوي إلى الأرض، وتسجد سجدتين، وتقوم للرَّكعة الثَّانية، وتقرأ الحمد والسُّورة، وتقنت، وتركع.

7 - وتقوم من الرُّكوع، وتقرأ الحمد والسُّورة، وتركع.

8 - وتقوم من الرُّكوع، وتقرأ الحمد والسُّورة، وتقنت، وتركع.

9 - وتقوم من الرُّكوع، وتقرأ الحمد والسُّورة، وتركع.

10 - وتقوم من الرُّكوع، وتقرأ الحمد والسُّورة، وتقنت، وتركع.

ثمَّ تقوم من الرُّكوع قائلاً (سمع الله لمن حمده) ثمَّ تهوي إلى الأرض، وتسجد السَّجدتين، وتتشهَّد وتسلِّم.

فهي صلاة ذات ركعتين، فيها عشر ركوعات، وخمس قنوتات.

لكن القنوتات مستحبَّات، فللإنسان أن لا يأتي بها، أو يأتي بالقنوت الأخير بلحاظ

ص: 76

الرَّكعتين اللَّتين في أساس الكيفيَّة الكليَّة.

(مسألة 207) يجوز للمصلِّي أن لا يقرأ قبل كل ركوع الحمد وسورة كاملة، وإنَّما يبعِّض سورة واحدة في كل ركعة، فيقرأ بعد تكبيرة الإحرام (الحمد) ويقسِّم السُّورة هكذا [بسم الله الرحمن الرحيم، إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ] فيركع، ويقوم ويقرأ [وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ] فيركع ويقوم، ويقرأ [لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ] فيركع ويقوم ويقرأ [تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ] فيركع ويقوم ويقرأ [سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ] فيركع، ويقوم، ويسجد السَّجدتين ويقوم للرَّكعة الثَّانية، ويفعل فيها ما فعل في الرَّكعة الأولى، وإن أراد الاختصار الأكثر فيبعِّض سورة التَّوحيد مع البسملة المتكوِّنة من خمس فقرات.

(مسألة 208) للمكلَّف أن يختار في هذه الصَّلاة الجهر أو الإخفات وسائر أحكامها كأحكام الصَّلاة اليوميَّة إلاَّ الشُّكوك فإنَّها باطلة لأنَّها ثنائيَّة.

المقصد الخامس عشر: (الصَّلوات المستحبَّة)

وهي كثيرة، نذكر بعضاً منها:

الأولى: صلاة العيدين

وهي واجبة عند حضور الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، ومستحبَّة في عصر الغيبة، ويؤتى بها جماعة وفرادى، ولها كيفيَّة خاصَّة وأدعية مأثورة تراها في رسالتنا العمليَّة المفصَّلة.

ومختصرها أنَّها كصلاة الصُّبح في الرَّكعة الأولى بعد قراءة الحمد والسُّورة خمس قنوتات، ثمَّ يركع، وفي الثَّانية بعد الحمد والسُّورة كذلك يقنت ولكن بأربع قنوتات، إلى أن ينتهي من الرِّكعتين، على أن يقرأ في كل قنوت هذا الدُّعاء وهو:

ص: 77

((اَللَّهُمَّ أَهْلَ اَلكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ، وَأَهْلَ اَلجُودِ وَالجَبَرُوتِ، وَأَهْلَ اَلعَفْوِ وَاَلرَّحْمَةِ، وَأَهْلَ اَلتَّقْوَى وَالمَغْفِرَةِ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذَا اَليَومِ اَلَّذِي جَعَلَتُهُ لِلمُسِلِمِينَ عِيدَاً، وَلمِحُمَّدٍ1 ذُخْرَاً وَشَرَفَاًوَكَرَامَةً وَمَزِيدَاً، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى محمد وَآَلِ محمد ، وَأَنْ تُدْخِلَنِي فِي كُلِّ خَيْرٍ أَدْخَلْتَ فِيهِ محمد اً وَآَلَ محمد ، وَأَنْ تُخْرجَنِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ أَخْرَجْتَ مِنْهُ محمد اً وَآَلَ محمد ، صَلَوَاتُكَ عَلَيهِ وَعَلَيهِمْ أجْمَعِين، اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا سَأَلَكَ بِهِ عِبَادُكَ اَلصَّالِحُونَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِمَّا اِسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ اَلمُخْلصُون)).

الثَّانية: صلاة الوحشة

ووقتها الليلة الأولى من الدَّفن، وهي ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي، وفي الثَّانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرَّات، ويقول بعد السَّلام (اللُّهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد وابعث ثوابها إلى قبر فلان) - ويسمَّي الميت - ، وهناك صورة أخرى لا داعي لسردها فهي في مفصَّلاتنا.

الثَّالثة: صلاة يوم أوَّل الشَّهر

وهي ركعتان، يقرأ في الأولى بعد الحمد سورة التَّوحيد ثلاثين مرَّة، وفي الثَّانية بعد الحمد سورة القدر ثلاثين مرَّة، ويتصدَّق بعد الصَّلاة، فإنَّه يشتري بذلك سلامة الشَّهر.

الرَّابعة: صلاة الغُفيلة

وهي ركعتان بين صلاة المغرب والعشاء.

تقرأ في الأولى بعد الحمد آية [وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ

ص: 78

فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ].

وفي الثَّانية بعد الحمد آية [وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ]

ثمَّ يقنت ويقول: اللُّهم إنِّي أسألك بمفاتح الغيب الَّتي لا يعلمها إلاَّ أنت، أن تصلِّي على محمَّد وآل محمَّد وأن تفعل بي - كذا وكذا - ويذكر حاجته.

ثمَّ يقول: اللُّهمَّ أنت وليُّ نعمتي، والقادر على طلبتي، تعلم حاجتي، فأسألك بحقِّ محمِّد وآله لما قضيتها لي (ثمَّ يسأل الله حاجته)، وبفعل هذا يعطيه الله ما سأل كما تفيده الرِّواية الشَّريفة.

ص: 79

كتاب الصَّوم

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: أهميَّة الصَّوم

الصَّوم فريضة حتميَّة لا يجوز تركها، وقد اعتبرت من ضروريَّات الدِّين، وهو أحد فروع الدِّين العشرة وأحد أركانه الخمسة الَّتي بني عليه الإسلام، وقد أشبعنا البحث عن أهميَّة هذه الفريضة في كتابنا (مختصر أحكام الصَّوم) فليراجع.

المبحث الثَّاني: معنى الصَّوم وشروط وجوبه

(مسألة 209) الصَّوم هو الكف عن المفطِّرات العشرة - الآتية - قربة إلى الله تعالى، من طلوع الفجر إلى المغرب الشَّرعي، وهو ذهاب الحمرة المشرقيَّة.

(مسألة 210) يجب الصَّوم على من جُمعت فيه شروط ستة:

1 - البلوغ، وهو في الذَّكر إكمال خمسة عشر سنة هلاليَّة، والأنثى تسع سنوات وإن لم ترَ الدَّم، ورؤيتها له قبل ذلك كما في بنات المناطق الحارَّة لا أثر له، وقد يتحقَّق البلوغ قبل ذلك للذكور (كالثَّلاثة عشر سنة بالاحتلام أو نبوت الشَّعر الغليظ على العانة)، فلا يجب على غير البالغ، وإن استحب أن يعوَّد الطِّفل المميِّز على أن يصوم وأن يحاسب بشدة لو بلغ التَّاسعة تربويَّاً لو ترك ذلك.

2 - العقل، فلا يجب على المجنون.

3 - الأمن من الضَّرر، والضَّرر قسمان: بدني وغيره، وفي البدني لو خاف حدوث المرض - ومنه الرَّمد - أو خاف شدَّة المرض أو طول مدَّته أو بطء برئه فلا يجب الصَّوم

ص: 80

عليه حينئذ.

بل قد يحرم في بعض الأحوال إذا كان المرض مضراً بالصائم كثيراً، لكن لو عُوفي في تلك السَّنة وجب قضاؤه، وأمَّا لو كان المرض لا يضر بالصَّائم إذا صام - كبعض الأمراض البدنيَّة الَّتي لا يضر بسببها الصَّوم أو كانت تُشفى أو تخف به - فالواجب ثابت لا يتغيَّر، ولكن لا يجوز قصد الاستشفاء به، وإنَّما يجب قصد العبادة لله به دون ذلك القصد لأنَّه لا يصح.

وفي الضَّرر غير البدني فإنَّه لا يُسقط الفريضة أصلاً إلاَّ في بعض حالات التَّقيَّة، كالصَّوم الواجب في عيد العامَّة أو البقاء وقت غياب قرص الشَّمس عندهم لا في الوقت الحقيقي للإفطار، أو بعض حالات كسب الرِّزق الشَّاق عليه لو انحصر الأمر به من دون قدرة على الصَّوم معه، لا في جميعها كحالات الاختفاء الممكن عنهم حينذاك، لكن لو أفطر لا يسقط القضاء بعد نهاية الشَّهر لو اضطر إليه.

4 - أن لا تكون المرأة حائضاً ولا نفساء، ولو في لحظة من النَّهار حتَّى من آخره، وعليهما القضاء.5 - الحضر (وما بحكمه من الوطن الجديد غير الأصلي وبلد الإقامة وغيرها)، فلو سافر قبل الظهر - وكان مع تبييت النيَّة - في سفر تقصر فيه الصَّلاة(1)1) لم يصح منه الصَّوم وعليه القضاء.

نعم لو كان جاهلاً بحكم الصَّوم في السَّفر فصام ثمَّ علم بعد الغروب صحَّ صومه وكذا في قصر الصَّلاة..

6 - أن يكون سالماً من الإغماء الغالب على الحواس من السَّمع والبصر ونحوهما.

ص: 81


1- تقدَّمت شروط القصر ص71 وهي نفس شروط الإفطار في السَّفر فراجع.

المبحث الثَّالث: شروط صحَّة الصوم

(مسألة 211) يشترط في صحَّة الصَّوم أمور:

1 - كلُّ ما يشترط في وجوبه، فإنَّه إذا فقد الشَّخص أحد تلك الشُّروط لم يصح صومه، نعم قد عرفت صحَّة صوم الصَّبي وصحَّة صوم الجاهل في السَّفر فهما تابعان لدليلهما، وكذلك صحَّة الإمساك التَّأدبي في حالات أخرى.

2 - الإيمان، فلا يصح الصَّوم من غير المؤمن، وإن وجب عليه.

3 - قابليَّة الزَّمان للصَّوم، فلا يصح صوم العيدين - أي الفطر والأضحى - أو أيام التَّشريق لمن كان بمنى - سواء في حال النُّسك أو لا - أو يوم عاشوراء للتَّشفِّي لأنَّه من بدع الحاقدين المكفِّرة والمنافقين الأمويين وأنصارهم.

4 - الطَّهارة من حدث (الجنابة) و(الحيض) و(النَّفاس) و(الاستحاضة الكبيرة والمتوسِّطة)، فلو صام أحد من المحدثين بهذه الأحداث بدون الغُسل قبل الفجر بطل صومه على تفصيل في محلِّه.

5 - إذن الزَّوج للزَّوجة، وإذن الوالدين للولد، وإذن المولى للعبد، حتَّى يصح من هؤلاء الصَّوم المستحب.

6 - فراغ الذمَّة من الصَّوم الواجب بالأصالة لصحَّة الصوم المندوب، فلو كان على المكلَّف قضاء رمضان لم يصح منه الصَّوم المندوب، إلاَّ مع سعة الوقت وعدم الضيق الصحِّي عليه.

7 - نيَّة القربة والإخلاص فيها، فبدونهما لا يصح الصَّوم.

ص: 82

المبحث الرَّابع: المفطِّرات وأحكامها

(مسألة 212) المفطِّرات الَّتي يجب الإمساك عنها عشرة:

1 - الأكل، ولو كان قليلاً، أو غير معتاد كالتُّراب ولو ذرة.

2 - الشُّرب، ولو كان قليلاً، أو غير معتاد كالدَّواء المشروب ولو قليلاً.

3 - الجماع، ولو لم ينزل، قبلاً ودبراً، فاعلاً ومفعولاً، حيَّاً وميِّتاً حتَّى البهيمة - على الأحوط وجوباً.

4 - الاستمناء، وهو طلب خروج المني بغير الجماع (العادة السريَّة) كما مرَّ، حتَّى في المرأة وإن كان ذلك فيها نادراً على الأحوط وجوباً.

5 - تعمُّد البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر في صوم رمضان وقضائه فقط، وهكذا البقاء على حدث الحيض والنَّفاس تعمُّداً، ولكن في خصوص صوم رمضان دون غيره.

وأمَّا المستحاضة فصاحبة القليلة يصح منها الصَّوم مطلقاً، والمتوسِّطة والكثيرة يشترط في صحَّة صومهما غسل الليلة السَّابقة مع إضافة الأغسال النَّهاريَّة للكثيرة على الأحوط.

6 - تعمُّد الحقنة بالمائع، أمَّا الجامد فلا بأس به، إلاَّ أنَّه مكروه ينبغي اجتنابه.

7 - تعمُّد إدخال الغبار الغليظ الحلال في أساسه كالطِّحين، أو الحرام في أساسه كالتُّراب، أو غير الغليظ في الحلق على الأحوط، والأحوط وجوباً إلحاق الدُّخان والبخار بالغبار.

8 - تعمُّد التَّقيؤ اختياراً ولو كان لعلاج كما في حالة الخلاص من التُّخمة وغيرها.

9 - الكذب على الله والرَّسول صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ، بل الأحوط إلحاق الصدِّيقة الطَّاهرة عَلَيْها اَلسَّلاَمُ وباقي الأنبياء والأوصياء عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ، سواء في أمر ديني كالَّذي يرتبط بأمور العبادات وأمور الآخرة، أو دنيوي كالَّذي يرتبط بأمور المعاش، وإن كان نقل القول

ص: 83

عنهم ناشئاً من عدم المبالاة بشروط النَّقل المثيرة للجهل.

10 - الإرتماس في الماء، بإدخال تمام الرَّأس، ولو كان البدن خارجاً.

(أحكام المفطِّرات)

(مسألة 213) المفطرِّات المذكورة تبطل الصوم إذا وقعت عمداً، بل حتَّى لو كان جاهلاً قاصراً على الأحوط أو مقصِّراً على الأقوى، وأمَّا نسياناً فلا تبطل إلاَّ في البقاء على الجنابة فإنَّه لو علم بالجنابة ونسي الغُسل وجب القضاء.

(مسألة 214) النَّوم ليس بمبطل للصَّوم حتَّى لو كان في جميع النَّهار إذا سبقت النيَّة في اللَّيل.

(مسألة 215) وقت النيَّة مقارن لطلوع الفجر، بمعنى وجوب كون أوَّل لحظة منه عن نيَّة، ويجوز تقديمها في الليل لإحراز هذه البداية، وتجزي لشهر رمضان كلِّه نيَّة واحدة قبل الشَّهر، وإن كان الأفضل مع هذا كله سبق النيَّة لكل ليلة منه، أو مجرَّد تجديدها في كلِّ ليلة إذا لم يوفَّق للنيَّة الواحدة لكلِّ الشَّهر.(مسألة 216) لا بأس ببلع الرِّيق وإن جمع في الفم، وكذا الأخلاط النَّازلة من الرَّأس أو الصَّاعدة من الصَّدر ما لم يصل شيء منهما إلى فضاء الفم.

(مسألة 217) حدوث الحيض والنَّفاس ولو في لحظة من النَّهار مبطل للصوم كما تقدَّم، وإن كان هذا لا يمنع من رجحان الإمساك التُّأدُّبي ولو أمام الصَّائمين.

(مسألة 218) لا بأس باستعمال القطرة في العين والأذن، وكذا زرق الإبرة، سواء في العضلة أو العِرق، وكذا قلع السن إلاَّ أنَّها جميعاً مكروهة، والأحوط إن وصل طعم المرورة في الحلق ونحو ذلك من قطرة العين أو الأنف إخراج البصاق الممزوج بذلك فوراً.

ص: 84

(مسألة 219) من أفطر في نهار شهر رمضان عمداً عليه قضاؤه، وتجب عليه الكفَّارة أيضاً (وهي: عتق رقبة، أو صوم شهرين متتابعين، أو إطعام ستِّين مسكيناً) مخيَّراً بينها، إذا علم بمفطريَّته وكان محلَّلاً في أساسه، نعم ما علم حرمته كالاستمناء فإنَّه موجب للكفَّارة حتَّى لو لم يعلم بمفطريَّته، ولكن الأحوط وجوباً في ذلك كفَّارة الجمع للتَّحريم، فضلاً عن غير الاستمناء من المحرَّمات كالزِّنا واللواط وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير ولحم الأرنب والجرِّي.

(مسألة 220) يجب القضاء على كل من فاته الصَّوم عمداً أو لسفر أو حيض، أو نفاس (أو مرض لم يطل سنة)، وأمَّا إذا طال المرض إلى آخر السَّنة، فإنَّه يفدي عن كل يوم بمد من الطَّعام بدل تأجيل القضاء إلى ما بعد شهر رمضان الثَّاني كما سيجيء ليتوَّسع القضاء إلى ما بعد تلك السَّنة.

(مسألة 221) تجب الفدية في موارد:

أ - الشَّيخ والشَّيخة وذي العُطاش إذا تعذَّر أو شقَّ عليهم الَّصوم، والحامل المقرب، والمرضعة القليلة اللبن إذا أضرَّ بطفلهما الصَّوم وعليهما القضاء، وإذا أضرَّ بهما فالقضاء بلا فدية، كما أنَّ الأحوط لذي العُطاش القضاء إذا تمكَّن مع الشَّيخ والشَّيخة لو تمكَّنا أيضاً بعد المشقَّة احتياطاً.

ب - من فاته الصَّوم في شهر رمضان لمرض واستمرَّ المرض إلى شهر رمضان الثَّاني كما تقدَّم.

ج- - من أخَّر قضاء شهر رمضان عن السنة الأولى مع تمكُّنه منه.

(مسألة 222) الفدية: مد من طعام، ومقداره تسعمائة غرام تقريباً على الأحوط، ومصرفها: الفقير، ولا تجزي القيمة، ولا يجزي الإشباع عن المد إن قلَّ عنه.

(مسألة 223) يجب على الولد الأكبر قضاء ما فات أباه من الصِّيام كالصَّلاة لعذر إذا وجب عليه قضاؤه، بل الأحوط - لزوماً - قضاء ما فاته حتَّى عمداً أيضاً إذا مات

ص: 85

مسلماً عن اعتقاد به وتساهل فيه لا عن ارتداد فيه وفي غيره من الضَّروريَّات.

المبحث الخامس: أحكام الصَّوم في السَّفر

(مسألة 224) لا يصح الصَّوم من المسافر إذا اجتمعت في سفره شروط القصرالمذكورة ص(72).

(مسألة 225) يجوز السَّفر في شهر رمضان، لكنَّه مكروه بلا احتياج له إلاَّ إذا تجاوز الثَّالث والعشرين من الشَّهر، بل الأحوط عدم قصد الفرار من الصَّوم قبل ذلك.

(مسألة 226) يجوز للمسافر في نهار رمضان التَّملِّي من (الطَّعام والشَّراب وكذا الجماع) لكنَّه مكروه، لو لم يصل إلى ما يضر، والأحوط - استحباباً - التَّرك خصوصاً في الجماع.

(مسألة 227) يعتبر في جواز الإفطار للمسافر المستمر في سفره تجاوز حدِّ التُّرخُّص، وهو الحد الَّذي لا يسمع فيه آذان بلده ولا يرى بيوت أهله.

(مسألة 228) للمسافر (في نهار رمضان ذهاباً أو إياباً) فروع :-

أ - السَّفر قبل الظهر - وكان ناوياً للسَّفر من الليل -

(حكمه) الإفطار وإن لم يأكل ثمَّ القضاء وقد مر بيانه.

ب - السَّفر صباحاً - ولم يكن ناوياً للسَّفر من الليل ورجع قبل الظهر -

(حكمه) إتمام الصَّوم احتياطاً واجباً والقضاء.

ج- - السَّفر بعد الظهر

(حكمه) إتمام الصَّوم وصحَّته، بل وجوبه.

د - الرُّجوع إلى الوطن - أو إلى محل يريد الإقامة فيه عشرة أيَّام - قبل الظهر ولم يفطر في السفر حينما لم يكن هذا السَّفر بادياً من الصَّباح.

ص: 86

(حكمه) الصَّوم بعد تجديد النيَّة.

ه- - الرُّجوع إلى الوطن - أو إلى محل الإقامة - الَّتي نواها أوَّل وصوله إليه قبل الظهر وقد أفطر في السَّفر.

(حكمه) الإفطار مع استحباب الإمساك التَّأدُّبي ثمَّ القضاء وجوباً.

و - الرجوع إلى الوطن - أو إلى محل الإقامة - بعد الظهر

(حكمه) الإفطار ثمَّ القضاء وجوباً، سواء أفطر في السَّفر أم لم يفطر.

(مسألة 229) الأحكام المذكورة للوطن تجري لمن كان محلُّه بحكم الوطن - كالمحلِّ الدِّراسي والوظيفة العلميَّة - ولمحل الإقامة عشرة أيام، أو بعد التَّردُّد ثلاثين يوماً بين الخروج والبقاء وبقي يوماً أو أكثر.

(مسألة 230) لا يجوز الصَّوم في السَّفر إلاَّ في موارد واجبة ومستحبَّة:

1 - صوم ثلاثة أيَّام في السَّفر وسبعة بعد الرجوع بدل الهدي وجوباً في الحجِّ.

2 - بدل البُدنة وجوباً في الحجِّ.

3 - صوم يوم عرفة لمن لا يضعفه عن الدُّعاء استحباباً.

4 - صوم ثلاثة أيَّام في المدينة لطلب الحاجة استحباباً.

5 - الصَّوم المستحب بنحو النَّذر أو العهد أو اليمين.

المبحث السَّادس: أحكام ثبوت الهلال

(مسألة 231) يثبت الهلال بالعلم الحاصل من الرؤية المباشرة للشَّخص أو الشَّاهدين العادلين، أو التَّواتر، أو بالاطمئنان الحاصل من الشِّياع المفيد للعلم، أو بمضي ثلاثين يوماً من شعبان (لأوَّل رمضان)، ومضي ثلاثين يوماً من رمضان (لأوَّل شوال)، و ثبوته بحكم الحاكم الشَّرعي إلاَّ إذا يعلم خطأه أو خطأ مستنده.

ص: 87

(مسألة 232) إذا ثبت الهلال في بلد كفى في الثبوت لغيره(1) مع اتِّفاقه في الآفاق.

المبحث السَّابع: زكاة الفطرة

(مسألة 233) تجب الفطرة على البالغ العاقل الحر الغني، بأن يدفع عن نفسه وعن جميع عائلته، من أولاد وزوجة وخادم وخادمة والأبوين، وكل مرتبط من القريب والبعيد، من المسلم والكافر، الكبير والصغير، حتَّى الطِّفل والرَّضيع والضَّيف النَّازل قبل الهلال إذا بات عنده ليلة العيد وإن لم يأكل عنده، وكذلك فيما إذا نزل بعده على الأحوط.

والمناط: صدق عنوان (العائلة) وما يلحق بها مؤقَّتاً الشَّامل لكل من ذكر.

(مسألة 234) من دعي للإفطار فقط ليلة العيد لا يُعد من العيال، فلا تجب فطرته علىمن دعاه، لكنَّ الأحوط إذا بات عنده ولو من إلحاح المضيِّف وإن كان من أهل البلد أن يدفعها عنه استحباباً.

(مسألة 235) وقت وجوب الفطرة حين غروب الشَّمس من ليلة عيد رمضان، فلو كان الشَّخص قبل الغروب جامعاً للشَّرائط، وجبت عليه الفطرة وإلاَّ لم تجب عليه.

(مسألة 236) وقت أدائها من طلوع فجر عيد الفطر إلى الظهر، والأحوط إخراجها أو عزلها قبل صلاة العيد لمن يصليِّها وإلاَّ فتمتد للظهر، فلو لم يخرجها أخرجها بعد ذلك بنيَّة القربة المطلقة.

(مسألة 237) العائلة الفقيرة تستحب لها فطرة واحدة مع التَّمكُّن منها دون الباقي، بأن يعطي أحدهم الفطرة للآخر، وهو للثَّالث، إلى أن ينتهي الدَّور ثمَّ يخرجها

ص: 88


1- إذا أردت معرفة التَّفصيل لهذا فراجع كتابنا مختصر أحكام الصَّوم.

آخرهم إلى فقير من غيرهم، وإلاَّ فتُعاد على أحدهم.

(مسألة 238) يجوز عزل الفطرة في مال خاص في الوقت المذكور وإذا عزلها المكلَّف تعيَّنت فلا يجوز تبديلها، ثمَّ إخراجها بعينها إلى المستحق بعد ذلك.

(مسألة 239) نوع الفطرة هو القوت، من الحنطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب وغيرها، والأحوط الاقتصار على الأربعة المذكورة إذا كانت من القوت الغالب مع أفضليَّة التَّمر لأنَّه أسرع في التَّغذِّي به.

(مسألة 240) يجوز إعطاء النُّقود بسعر الطَّعام، والعبرة بقيمة وقت ومكان الإخراج.

(مسألة 241) الفطرة عن كل إنسان ممَّا يعادل (ثلاث كيلوات وستُّمائة غرام تقريباً) عن كل فرد احتياطاً.

(مسألة 242) مصرفها مصرف الزَّكاة الآتي ذكرها في كتاب الزَّكاة، وهم (الفقراء والمساكين وابن السبيل والمؤلَّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون والعاملون عليها وفي سبيل الله)، لكن لا يعدو أمر المدفوع لهم كونه لمستحقِّيها المؤمنين عدا المؤلَّفة قلوبهم.

(مسألة 243) تجب فيها النيَّة قربة إلى الله تعالى كما في زكاة المال.

(مسألة 244) كل من وجبت فطرته على غيره سقطت عنه وإن كان غنيَّاً.

(مسألة 245) الأحوط - وجوباً - أن لا يدفع للفقير أقل من صاع وهو (ثلاث كيلوات وستُّمائة غرام)، إلاَّ إذا اجتمع جماعة لا تسعهم هذه الزَّكاة وهم محتاجون إلى هذا الصَّاع معها وإن قل، ولكن لا يترك الاحتياط في أخذ الموافقة ممَّن تعطى له منهم هذا الصَّاع أو الأكثر من هذه الزَّكاة لتتَّسع إلى الأكثر، ويجوز إعطاء الواحد أصواعاً.

(مسألة 246) يجوز للمالك دفعها إلى الفقير فوراً، والأفضل الرَّحم ثمَّ الجيران ثمَّ أهل العلم والفضل ثمَّ بقيَّة المؤمنين، والأولى إعطاؤها للفقيه، لأنَّه

ص: 89

وشؤونهم.

(مسألة 247) يجوز نقلها إلى غير بلد التَّكليف مع عدم المستحق فيه، أمَّا مع وجوده فالأحوط - وجوباً - ترك النَّقل، وإذا سافر من بلد التَّكليف إلى غيره وما دفعها وصاحبته جاز دفعها في البلد الآخر، مع الاحتياط الاستحبابي بما ذكرناه سابقاً إذا كان السَّفر طارئاً.

ص: 90

كتاب الزَّكاة

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: أهميَّة الزَّكاة

وهي أحد الأركان الخمسة الَّتي بُني عليها الإسلام، ووجوبها من ضروريَّات الدِّين، وقد قرنها الله سبحانه وتعالى بالصَّلاة في كثير من الآيات الكريمة، كما قد ورد في بعض الرِّوايات أنَّ (الصَّلاة لا تقبل من مانعها) وأنَّ (من منع قيراطاً من الزَّكاة فليمت إن شاء يهوديَّاً أو نصرانيَّاً).

المبحث الثَّاني: شرائط وجوبها

(مسألة 248) يشترط في وجوب الزَّكاة أمور ستَّة:

1 - البلوغ، في تمام الحول فيما يشترط فيه الحول، وعند تعلُّق الوجوب فيما لا يعتبر فيه الحول.

2 - العقل وهو كالبلوغ - فيما تقدَّم -.

3 - الحريَّة.

4 - الملكيَّة التَّامَّة، فلا يجب في الموهوب قبل القبض.

5 - التَّمكُّن من التَّصرُّف، فلا يجب في المال المسروق، والمرهون .

6 - النِّصاب، أي وصول المال إلى قدر خاص لما سيجيء.

ص: 91

المبحث الثَّالث: فيما تتعلَّق به الزَّكاة

(مسألة 249) تجب الزَّكاة في تسعة أشياء، وهي ثلاث فئات:-

أوَّلاً: (الغلاَّت الأربع):-

1- الحنطة

2- الشَّعير

الغلاَّت الأربع

3- التَّمر

4- الزَّبيب

ويشترط في وجوب زكاتها ما يلي:

1 - الملك وقت تعلُّق الوجوب، وهو حين صدق الاسم عليه كالتَّمر وغيره عند صدق الاسم عرفاً عليه.

2 - النِّصاب وهو بلوغ يابس كل منها (847) كيلو تقريباً.

ومقدار زكاتها في المسقي سيحاً وشبهه: العشر، وفي المسقي بالواسطة نصف العشر، وبهما مشتركاً ثلاثة أرباع العشر.

ولا تجب إلاَّ مرَّة واحدة لكل غلَّة، ولا يشترط فيها الحول.

ثانياً: (الأنعام الثَّلاث)

1 - الإبل

2 - البقر الأنعام الثَّلاث

3 - الغنم

ويشترط في وجوب زكاتها ما يلي:

1 - الحول.

ص: 92

2 - أن لا تكون عوامل.

3 - السَّوم طول الحول.

4 - النِّصاب.

وإليك تفصيل نصبها:

(نصب الغنم) 40 رأس وزكاتها شاة، ثمَّ 121 وفيها شاتان، ثمَّ 201 وفيها 3 شياه، ثمَّ 301 وفيها 4 شياه، ثمَّ 400 فما زادت ففي كل مائة شاة، وما بين كل من هذه النُصب يعتبر عفواً.

(نصب البقر) 30 رأس وفيها تبيع أو تبيعة، والأحوط الاقتصار على التَّبيع ثمَّ 40 وفيها مسنَّة.

ثمَّ ما زاد يُعد بثلاثين، أو بأربعين، وما زاد على كل منهما ولم يصل إلى المضاعف من كل منهما فعفو.

(نصب الإبل) كثيرة، أوَّلها خمس رؤوس وفيها شاةثالثاً: (النَّقدان)

1 - الذهب النقدان

2 - الفضة

ويشترط فيهما:

1 - السكَّة، فلا زكاة على الحلِّي والسَّبائك وشبههما.

2 - الحول.

3 - النِّصاب وهو كالآتي:

(نصب الذهب) 15 مثقالاً صيرفياً وفيها ربع العشر، ثمَّ كل ثلاثة مثاقيل فثلاثة وفيها أيضاً ربع العشر.

ص: 93

(نصب الفضة) 105 مثاقيل وفيها ربع العشر.

ثمَّ 21 مثقالاً - بعد المائة وخمسة مثاقيل - وفيها أيضاً ربع العشر وهكذا كلَّما زاد 21 مثقالاً.

فالقاعدة في زكاة النَّقدين ربع العشر.

المبحث الرَّابع: المستحقِّون للزَّكاة

(مسألة 250) مصرف الزَّكاة ثمانية أصناف كما مرَّ في زكاة الفطرة، ونذكرها ثانياً للإيضاح أكثر:

1 - الفقراء، وهم من لا يجد مؤونة سنته لنفسه، ولعياله.

2 - المساكين، وهم أسوء حالاً من الفقراء.

3 - العاملون، وهم من عينه الإمام أو المجتهد لجمع الزكاة وضبطها وسائر شؤونها.

4 - المؤلفة قلوبهم، وهم الكفَّار الَّذين يُراد ألفتهم بالإسلام أو للجهاد أو لدفع شرِّهم عن المسلمين، والمسلمون المستضعفون الَّذين قد يترسَّخ فيهم الإسلام كثيراً بإعطائهم الزَّكاة.

5 - الرِّقاب، وهم العبيد الَّذين تحت الشدَّة، يشترون بالزَّكاة، ويعتقون.

6 - الغارمون، وهم الَّذين استدانوا لإدارة شؤونهم فركبتهم الدُّيون، ولا يتمكَّنون من دفع شيء منها.

7 - سبيل الله، وهو مطلق المصالح للمسلمين، من بناء المدارس، والمساجد، وإصلاح المدن وطبع الكتب الدِّينيَّة النَّافعة، وغيرها.

8 - ابن السبيل، وهو المسافر الَّذي نفد ماله، فلا يتمكَّن من الرجوع إلى أهله، فيعطى من الزَّكاة مؤونة رجوعه وإن كان غنيَّاً في بلده.

ص: 94

المبحث الخامس: شروط المستحق

(مسألة 251) يشترط في المستحق أمور:

أ - الإيمان، وهو من لم يخالف الحق في عقيدته وعمله.

ب - أن لا يكون من أهل المعاصي، بحيث يصرف الزَّكاة في المعاصي، والأحوط عدم إعطائها لتارك الصَّلاة أو شارب الخمرة، أو المتجاهر بالفسق وإن كان من ظواهره صرفها في الحلال فقط.

ج- - أن لا يكون هاشميَّاً بالنِّسبة إلى زكاة غير الهاشمي.

د - أن لا يكون واجب النَّفقة بالنِّسبة إلى نفقته الخاصَّة كالأب أو الابن.

مسائل متفرِّقة

(مسألة 252) يجوز نقل الزَّكاة من بلد إلى آخر، وبالأخص عند اقتضاء الواجب الشَّرعي لذلك.

(مسألة 253) يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النَّصيب وترجيح الأقارب، ومن لا يسأل على من يسأل، وصرف صدقة المواشي على أهل التَّجمل، لتخصيص الأخبار في ذلك بسبب كونه أرفع من صدقات الأموال لاستحياء أهل التَّجمُّل من أن يأخذوا صدقات الأموال.

(مسألة 254) لا يجب إعلام الفقير بأنَّ المدفوع إليه زكاة.

(مسألة 255) إذا كان له دين على الفقير جاز احتسابه من الزَّكاة.

(مسألة 256) لا يجوز تأخير دفع الزَّكاة من دون عذر.

ص: 95

(مسألة 257) من يقدر على تكسب - أو تعلم صنعة أو حرفة - تكفي لمؤونة السَّنة لا يجوز له أخذ الزَّكاة بعنوان الفقر، إلاَّ في بعض الفروض، كحاجته إلى ما يكمل لا إلى كل شيء.

(مسألة 258) من له رأس مال لا يكفي ربحه لمؤونة سنته جاز له أخذ الزَّكاة لسدِّ حاجته إن لم يكن هاشميَّاً كما مرَّ في زكاة العوام.

(مسألة 259) مصارف المال الزَّكوي حتَّى البذور لا تخرج - على الأحوط - إلاَّ ما يتعلَّق بالزَّرع أو الثَّمر بعد تعلُّق الزَّكاة من الأمور الأخرى كالتَّنظيف والحمل، فيجوز إخراجه بأذن الحاكم الشَّرعي.

(مسألة 260) الأحوط وجوباً الزَّكاة في الحبوب النَّابتة، كالأرز، والحمص، والذرة، والسِّمسم، والماش، والعدس، وشبهها، وكذا في مال التِّجارة وفي الخيل الإناث على أن يكون عنوان الكل العام زكاة مال التِّجارة.

ولا تستحب في الخيل الذكور، ولا في البغال، والحمير ولا في الخضروات كالخيار والبقل، والبطيخ ونحوها.(مسألة 261) يجوز دفع النُّقود بدلاً عن الزَّكاة.

(مسألة 262) لابدَّ من قصد القربة في دفع الزَّكاة لأنَّها من العبادات.

(مسألة 263) يجوز للهاشمي أخذ زكاة الهاشمي كما أشرنا.

(مسألة 264) الهاشمي هو المنتسب - شرعاً - إلى هاشم بالأب، ولا يكفي الانتساب بالأم، ويثبت بالعلم والبينة والشِّياع المفيد للاطمئنان دون مجرَّد الدَّعوى.

(مسألة 265) المحرَّم ثابتاً من صدقات غير الهاشمي على الهاشمي هو زكاة المال وزكاة الفطرة، وأمَّا غيرهما فلا بأس به مثل الصَّدقات المندوبة أو الواجبة (غير الزَّكاتين) كالكفَّارات، وردِّ المظالم، ومجهول المالك، واللقطة، ومنذور الصدقة،

ص: 96

والموصى به إلى الفقراء، فكل هذه الصَّدقات يجوز دفعها إلى الهاشمي ولو كانت من غير الهاشمي، إلاَّ أنَّ الأحوط وجوباً الاجتناب والتَّنزُّه عمَّا عدا ردِّ المظالم ومجهول المالك والفديات واللَّقطات ومنذور الصَّدقة والموصى به إلى عموم الفقراء كذلك، إلاَّ في مورد الحاجة الشَّديدة والَّتي منها عدم وجود الخمس، مع رجحان التَّنزُّه عن الباقي أيضاً استحباباً إلاَّ مع الحاجة الماسَّة.

(مسألة 266) لا يجوز إعطاء الزَّكاة للأبوين وإن علوا، ولا للأولاد وإن نزلوا (ذكوراً أو إناثاً) ولا للزَّوجة الدَّائمة - إذا لم تسقط نفقتها- ولا للمملوك، وذلك باعتبار وجوب نفقتهم على المعطي.

نعم. يجوز إعطاؤهم لمصرف لا يجب على المعطي كنفقة زوجاتهم الإضافيَّة من غير المكلَّفين بها، وأداء ديونهم.

وكذا يجوز للزَّوجة دفع زكاتها إلى الزَّوج ولو للإنفاق عليها.

(مسألة 267) يجوز للمالك التَّوكيل في أداء الزَّكاة، كما يجوز للفقير التَّوكيل في القبض عنه.

(مسألة 268) الجاموس والبقر جنس واحد، كما أنَّ المعز والضأن جنس واحد، ولا فرق بين الذكر والأنثى في الجميع.

(مسألة 269) لا زكاة على الحُلي (الخشل) وإن كان فيها 10 ليرات فأكثر إذا لم يبق على رواجها في هذه الحالة، وإلاَّ فالأحوط إخراجها.

ص: 97

كتاب الخمس

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: أهميَّة الخمس

وهو من الفرائض المهمَّة، وقد جعله الله تعالى لنبيِّنا محمّد صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ و ذريَّته عوضاً عن الزَّكاة إكراماً لهم، فعن الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (إنَّ الله لا إله إلاَّ هو، لمَّا حرَّم علينا الصَّدقة أنزل لنا الخمس، فالصَّدقة علينا حرام، و الخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال)، فمن منع منه درهماً - أو أقل - كان من الغاصبين لحقِّهم، بل من كان مستحلاًّ لذلك كان من الكافرين، ففي الخبر عن أبي بصير، قال: ( قلت لأبى جعفر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ما أيسر ما يدخل به العبد النَّار؟ قال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ من أكل من مال اليتيم درهماً، ونحن اليتيم).

المبحث الثَّاني: ما يقع فيه الخمس

(مسألة 270) يجب على كل مكلَّف - بالغ، عاقل - إعطاء واحد من خمسة من الأشياء التَّالية:

الأول: (الغنائم) المنقولة الَّتي يستولي عليها المسلمون من الكفَّار حال الحرب المرخَّص بها من الإمام أو نائبه الخاص، سواء كان القتال غزواً للدَّعوة إلى الإسلام، أم لغير ذلك، أو كان القتال دفاعاً كما سيأتي في كتاب الجهاد.

الثاني: (المعدن) كالذهب والفضة والملح والنَّفط والكبريت ونحوها، ولكن يشترط فيه:

1 - النِّصاب، وهو قيمة (20) ديناراً من الذهب المسكوك بسكَّة المعاملة وهو ما

ص: 98

يعادل (15) مثقالاً صيرفيَّاً قبل استثناء مؤونة الإخراج، فإذا بلغ ذلك أخرج خمس الباقي بعد استثناء المؤونة.

2 - وحدة الإخراج عرفاً، فلو أخرجه دفعات لا يجب الخمس لو صار المجموع نصاباً، ولو اشترك جماعة في تلك الوحدة كفى بلوغ مجموع الحصص النِّصاب.

الثَّالث: الكنز، وهو المال المدخور تحت الأرض، بشرط كونه في دار الحرب، أو الموات من أرض الإسلام مع عدم أثر الإسلام عليه، لأنَّه إذا كان كذلك كان مجهول المالك وله أحكامه الخاصة.

الرَّابع: (ما أخرج بالغوص) من البحر أو النَّهر العظيم، بشرط بلوغه مقدار دينار شرعي، وكذلك إذا أخرج بآلة من البحر دون الغوص على الأحوط من الجوهر وغيره، دون الحيوان البحري كالسَّمك.

الخامس: (المال المخلوط بالحرام) إذا لم يتميَّز الحرام ولم يعرف مقداره ولا صاحبه، فإنَّه يحل بإخراج خمسه.السَّادس: (أرض انتقلت إلى الذِّمي من المسلم) حتَّى بغير البيع، فعلى الذمِّي التَّخميس.

السَّابع: الأرباح (فاضل المؤونة)، وهو كل ما ينتفع الإنسان من تجارته، أو زراعته، أو صناعته، أو أجارة أملاكه، أو إجارة نفسه أو سائر أنواع المنافع، حتَّى الهبات والهدايا احتياطاً والمواريث غير المحتسبة عدا - المحتسب منها -، والمهر وعوض الخلع.

المبحث الثَّالث: مسائل الخمس

(مسألة 271) ينبغي لكل مسلم تعيين رأس سنة الخمس عند المرجع المقلَّد أو

ص: 99

وكيله الأمين.

(مسألة 272) المؤونة المستثناة من الأرباح نوعان:

الأوَّل: مصارف تحصيل الربح كمصرف الدكَّان والزَّرع والحيوان، وغيرها من الإيجار والنَّقل والكاتب والدَّلاَّل والحارس والضَّرائب والاستهلاك وغيرها داخل السَّنة.

الثَّاني: مصارف معاش نفسه وعياله وإدارة شؤونه اللائقة بحاله، كمصرف البيت - من الأثاث، والطَّعام وغيرهما - والضَّيف والهدايا المناسبة، والأسفار والزِّيارات وأداء الدَّين والغرامات والدَّواء، وواسطة النَّقل والكتب والدار والتَّزويج وغيرها ممَّا يحتاجه في إدارة شؤونه ومتعلِّقيه داخل السَّنة أيضاً.

(مسألة 273) كلُّ ما زاد على المؤونة يحب فيه الخمس، سواء النقود والبضائع وغيرهما من الحنطة والأرز، والسكَّر والسَّمن والوقود وغيرها.

(مسألة 274) لو اشترى شيئاً للمؤونة من مال مخمَّس فزادت قيمته بعد السنة لا يجب فيه الخمس ف(إنَّ المخمَّس لا يخمَّس)، إلاَّ إذا باعه مستغنياً عنه وظهرت الزِّيادة في القيمة وجاء رأس السنة الثَّاني فعليه تخميس الزَّائد لا أصل المخمَّس، وهكذا إذا اختلط هذا الحلال بحرام ولم يُعلم مقداره ولا عينه للتَّنظيف.

(مسألة 275) من حصل على أرباح تدريجيَّة فاشترى عرصة في سنة، ثم اشترى مواد البناء في سنة أخرى، ثمَّ بنى في سنة ثالثة للسُّكنى، لا يكون ما اشتراه سابقاً من مؤونة تلك السنة الأولى أو الثَّانية، بل عليه خمس تلك الأعيان ما عدا مال السنة الثَّالثة إذا سكن في ما بناه.

(مسألة 276) لو بنى دار سكنى في سنة واحدة من ربح السَّنة وسكن فيها فلا خمس فيها عليه، وكذا لو استدان واشترى داراً وسكن فيها في نفس السَّنة أو بعدها قبل سنة الرِّبح الَّذي ناله أو في سنة الرِّبح الَّذي أدَّى به دينه فلا خمس عليه حتَّى لو

ص: 100

سدَّد دينه في السِّنين اللاحقة إذا لم تظهر عنده زيادة على ذلك، وكذا الحكم في أثاث البيت، ومال الزَّواج وغيرهما من المؤونة.

(مسألة 277) يحرم التَّصرف في العين الزَّائدة بإبدالها مثلاً وكذا الاتِّجار بها بعد انتهاء السَّنة قبل دفع الخمس حذراً من نقصان قيمتها ونحوه، لكن إذا اتَّجر بها - وإن كانآثماً - فالظاهر صحَّة المعاملة إذا كان طرفها الآخر مؤمناً، وينتقل الخمس إلى البدل إذا كانت المعاملة جارية بشخص البدل، وأمَّا إذا كانت بالذمَّة وكان ما أعطى وفاءاً فينتقل إلى ذمَّة المعطي لما فيه الخمس، مع الاحتياط بضم الزِّيادة المنقوصة لو فوتت بالمعاملة عند التَّخميس.

كما أنَّه لو وهب العين لمؤمن صحَّت الهبة وانتقل الخمس إلى ذمَّة الواهب.

(مسألة 278) إذا علم الوارث البالغ أنَّ مورثه لم يؤد خمس التركة الَّتي خلَّفها لوجوب الخمس عليه في حياته وجب عليه تخميس حصَّته على الأقل إن تعدَّد الوارث مع تنبيه الباقين وبدأ بنيَّة تفريغ ذمَّة مورِّثه إذا كان أباً أو أماً إذا علم تعمُّدهما أو أحدهما في ترك الدَّفع لذلك، ولو علم أنَّ المورِّث أتلف ما فيه الخمس وجب إخراج خمسه من باقي التَّركة كالديون.

(مسألة 279) إذا حلَّ رأس السنة ولم يدفع الخمس عن فاضل مؤونتها ثمَّ دفعه تدريجاً من ربح السَّنة الثَّانية لم يحسب ما دفعه من المؤونة إذا كان ربح السَّنة السَّابقة موجوداً غير تالف، بل يجب فيه الخمس كما أنَّ زائد السَّنة الثَّانية فيه الخمس كذلك.

(مسألة 280) يتعلَّق الخمس بالعين، لكن يتخيَّر المالك بين دفع العين أو قيمتها إذا تساويا، وإلاَّ إذا كانت القيمة أنفع فتتعيَّن.

(مسألة 281) الخمس يتعلَّق بالرِّبح في الأساس بمجرَّد حصوله وإن جاز له تأخير الدَّفع إلى رأس السَّنة، بل هو أفضل في مشتبك الأمور التِّجارية عند أهلها وإن يرجح الفور في بعض الأحوال.

ص: 101

(مسألة 282) إذا كان له دين في ذمَّة المستحق وأراد احتسابه خمساً عليه لحاجته فالأحوط - وجوباً - الاستئذان من الحاكم الشَّرعي، وبعد الاستئذان يستلمه من المدين ثمِّ يُرجعه عليه، أو يدفع مقدار الدِّين من الخمس الَّذي بين يديه إلى المدين المحتاج ثمَّ يأخذه منه وفاءاً.

(مسألة 283) لا بأس بتصرُّف المؤمن في أموال من لا يخمِّس برضائه إذا كان ممَّن يجب عليه ذلك ومن ذلك المحتاج، ولا يضره عدم تخميسه فإنَّ (الوزر على المالك والمهنأ للمؤمن)، إلاَّ أنَّ الأحوط في هذا أن لا يكون عن إصرار في عدم الدَّفع لا احتمال في رجوعه عنه، فضلاً عمَّا لو كان ذلك مشجِّعاً له في التَّرك، بل قد يجب الابتعاد عن الدُّخول في بيوت أمثال هؤلاء إلاَّ لردعهم عن هذه المعصية، لا لما مضى من السَّبب.

(مسألة 284) لا بأس بالشِّركة مع من لا يخمِّس، فيجزيه إخراج خمس حصَّته من الرِّبح، مع أهميَّة مراعاة إبداء النَّصائح المستمرَّة للشَّريك أو الانجرار من شركته عند انتقاء الحاجة إليه احتياطاً، بل قد يصل الأمر إلى حرمة البقاء معه إذا كان الاشتراك مشجِّعاً على التَّمرُّد من الواجب.

المبحث الرَّابع: مصرف الخمس

يُقسَّم الخمس إلى سهمين:

الأول: حق الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ

وهو مجموع أسهم حقِّ الله والرَّسول وذي القربى، وأمره راجع إلى الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في حال حضوره، وفي حال غيبته الصغرى إلى أحد النوَّاب الأربعة وفي حال الغيبة الكبرى إلى المجتهد الجامع للشَّرائط، لترويج الدِّين ودعم الحوزة العلميَّة أو إلى وكيله الأمين إمَّا بالدَّفع إليه، أو الاستئذان منه للغايات المشروعة الَّتي يعينها له.

ص: 102

الثَّاني: حق السَّادة

وهو مجموع أسهم اليتامى والمساكين وابن السَّبيل، ويُعطى إلى السيِّد الهاشمي - المنتسب بالأب إلى هاشم - ، وهو اليوم قد تعارف انحصاره في العلويين والفاطميين، ويشترط مع الإيمان كونه فقيراً متديِّناً، ويصرف إليه بإذن المجتهد أيضاً احتياطاً لتشخيص المستحق كثيراً.

(مسألة 285) لا يجوز إعطاء الخمس لمن تجب نفقته على المُعطي - على الأحوط - إلاَّ إذا كانت عليه نفقة غير واجبة على المعطي.

ص: 103

كتاب الحج

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: في أهميَّته

وهو ركن من أركان الدَّين، وإنكار أصل فرضه - إذا لم يكن مستنداً إلى شبهة - كفر، قال الله تعالى: [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ](1)

وروي عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال: (من مات ولم يحج حجَّة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه، فليمت يهوديَّاً أو نصرانيَّاً) (2)

المبحث الثَّاني: في وجوب الحج وأعماله

(مسألة 286) يجب حجَّة الإسلام (مرَّة واحدة) مشروطاً على كل مكلَّف - بالغ، عاقل، حر - مستطيع لحج بيت الله الحرام مالاً ونفقة ذهاباً وإيَّاباً وعدم المانع من عدو وحيوان مفترس.

وهو عبارة عن عمرة التَّمتُّع وحجِّه، ويتحقَّق على من كان البعد بين أهله والمسجد الحرام ستَّة عشر فرسخاً وما زاد.

ص: 104


1- الآية 97 من سورة آل عمران.
2- الكافي ج4 كتاب الحج ص268.

فالأوَّل: وهو عمرة التَّمتُّع

فأعمالها خمسة:

1 - الإحرام . من المواقيت المعروفة، كمسجد الشَّجرة والجحفة وذات عرق ويلملم وقرن المنازل ووادي العقيق والجعرانة وحدود الحرم (أدنى الحل)، بعد لبس ثوبي الإحرام متلفِّظاً ناوياً معنى قول (أحرم لعمرة التَّمتُّع لحج التَّمتُّع حجَّة الإسلام قربة إلى الله تعالى ملبيِّاً بقول (لبَّيك اللَّهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريك لك، لبيك).

2 - الطَّواف حول البيت سبعاً، مبتدأ من ركن الحجر الأسود.

3 - صلاة الطَّواف ركعتين خلف المقام.

4 - السَّعي سبعاً بين الصَّفا والمروة، مبتدئاً من الصَّفا.

5 - التَّقصير بعد الفراغ من السَّعي

المبحث الثَّالث: تروك الإحرام للعمرة والحج وكفَّارتها

(مسألة 287) تروك الإحرام - وهي الَّتي يجب تركها أثناء الإحرام سواء في العمرة أو الحج - أربع وعشرون تركاً، وهي:

1 - الصَّيد البري، وكفَّارته مختلفة باختلافه، ففي قتل النَّعامة بُدنة (بعير)، وفي قتل بقرة الوحش بقرة، وفي قتل حمار الوحش بُدنة أو بقرة

2 - مجامعة النِّساء، وكفَّارتها بُدنة.

3 - الاستمناء، وكفَّارته مثل كفارة الجماع على الأحوط.

4 - عقد النِّكاح، وكفَّارته بُدنة.

ص: 105

5 - الشَّهادة على النِّكاح، وكفَّارته الاستغفار.

6 - استعمال الطِّيب، وكفَّارته شاة.

7 - لبس المخيط للرِّجال دون النِّساء، وكفَّارة استعماله - حتى لو جاز استعماله بضرورة كالبرد - شاة.

8 - الاكتحال للزِّينة بالسَّواد، وكفَّارة ذلك لو حصل هو الاستغفار.

9 - النَّظر في المرآة، وكفَّارته الاستغفار.

10 - لبس الخف والجوراب، وكفَّارته الاستغفار.

11 - الفسوق، وهو الكذب، وكفَّارته الاستغفار.

12 - الجدال، وهو قول (لا والله وبلى والله)، فكفَّارة الصَّادق فيها في المرَّة الأولى والثَّانية الاستغفار، وفي الثَّالثة شاة، وكفَّارة الكذب في الأولى شاة، وفي الثَّانية بقرة مشهوراً، وفي الثَّالثة بُدنة على الأحوط.13 - قتل هوام الجسد كالقمَّل، وكفَّارته الاستغفار.

14 - التَّختُّم للزِّينة، وكفَّارته الاستغفار.

15 - الإدِّهان، وكفَّارته ولو للضَّرورة الاستغفار.

16 - إزالة الشَّعر من البدن، وكفَّارته لو مسح رأسه أو لحيته عبثاً وسقطت شعره أو شعرتان تصدَّق بكف من الطَّعام.

17 - ستر الرَّأس للرِّجال فقط، وكفَّارته شاة.

18 - ستر المرأة وجهها، وكفَّارة السَّتر الملاصق شاة.

19 - التَّظليل للرِّجال، وكفَّارته شاة.

20 - إخراج الدَّم من بدن نفسه، وكفَّارته شاة.

21 - تقليم الأظفار، وكفَّارة الظفر الواحد مد من الطَّعام، وكفَّارة أظفار اليدين جميعاً شاة، وكفَّارة القدمين شاة كذلك.

ص: 106

22 - قلع الضِّرس إذا كان مدمياً، وكفَّارته شاة.

23 - لبس السلاح، وكفَّارته الاستغفار.

24 - قلع نبت الحرم وشجره، وكفَّارة ذلك في الشَّجرة الكبيرة بقرة والشَّجرة الصَّغيرة شاة، وفي قلع بعض الشَّجرة قيمته، وفي قطع الحشيش الاستغفار.

الثَّاني/ حجِّ التَّمتُّع

وأعماله ثلاثة عشر:

1 - الإحرام من مكَّة، وأفضله من المسجد خلف المقام، بعد لبس الثَّوبين بالنيَّة الَّتي لفظها (أحرم لحجِّ التَّمتُّع حجَّة الإسلام قربة إلى الله تعالى) ومن بعدها التَّلبية الماضية في العمرة.

2 - المكث بعرفات (من زوال يوم التَّاسع إلى الغروب)، والأحوط أن يهتم في سكناه بمكَّة المكرَّمة لو أقام فيها عشراً مثلاً بابتعاده عن عرفة حين الوصول إليها للوقوف فيها يوم التَّاسع بنحو يوجب عليه القصر في صلواته ولو بقطع نصف المسافة ملفَّقاً.

3 - المكث بمزدلفة (يوم العيد من الفجر إلى طلوع الشَّمس).

4 - رمي جمرة العقبة بسبع حصيَّات بمنى يوم العيد.

5 - النَّحر أو الذَّبح بمنى يوم العيد، وإن لم يقدر - كهذه الأيَّام - فمِن مكَّة القديمة مع الاحتياط بالصِّيام ثلاثاً في الحجِّ وسبعة عند الرجوع.

6 - الحلق أو التَّقصير - حسب الوظيفة - بمنى يوم العيد.

7 - الطَّواف - طواف الحج - بعد الرُّجوع إلى مكَّة سبعة أشواط.

8 - صلاة الطَّواف ركعتين خلف المقام، كما في العمرة.

9 - السَّعي بين الصَّفا والمروة سبعة أشواط.

ص: 107

10 - طواف النِّساء سبعاً على الرِّجال والنِّساء كطواف العمرة والحج.

11 - صلاة طواف النِّساء ركعتين خلف المقام، بلا حاجة إلى السَّعي.

12 - المبيت بمنى ليلة 11 و12 (وليلة 13 في بعض الصور) كحجِّ الصَّرورة وعند ارتكاب المعصية وعند البقاء إلى الغروب.

13 - رمي الجمار الثَّلاث يوم 11و12 (ويوم 13 في بعض الصور)، كما مرَّ آنفاً، أمَّا من كان البعد بين أهله ومسجد الحرام أقل من ستَّة عشر فرسخاً فوظيفته حجُّ الأفراد، أو القِران، كما وأنَّه يجب على الحاج مفرداً العمرة المفردة إذا تمكَّن منها فقط وإن لم يجب عليه الحج في السَّنة لها ما عدا أيَّام الحج الخاصَّة، فإنَّه لا تجوز العمرة المفردة فيها.

وتفصيل ذلك وفروعه في كتابينا من (غنية النَّاسكين في أحكام الحجَّاج والمعتمرين)، و (زبدة المناسك للمعتمر والنَّاسك).

ص: 108

كتاب الجهاد

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: أقسام الجهاد، متضمّنة بعض معانيه

(مسألة 288) يجب الجهاد على كل مسلم بشروطه الآتية، وهو نوعان:

الأوَّل/ جهاد النَّفس، بترويضها على الواجبات والفضائل، وتجنيبها عن المحرَّمات والرَّذائل، فقد ورد أنَّ النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ (بعث بسريَّة فلما رجعوا، قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال جهاد النَّفس).

الثَّاني/ جهاد البدن مع الكفَّار، وهو قسمان: دفاع وهجوم:

أوَّلهما الدِّفاع: وذلك إذا هجم الكفَّار على المسلمين، فحينئذ يجب على المسلمين الدِّفاع عن أنفسهم وبلادهم ودينهم وعقائدهم، وما يتعلَّق بهم من أعراض وأموال، ويلحق به دفع الشُّبهات لساناً وقلماً، ومن ذلك إبداء النَّصائح قبل المحاربة الدِّفاعيَّة كما سيتَّضح.

ثانيهما الهجوم: وهو وجوب الجهاد لإعلاء كلمة الإسلام، وهو مشروط بإذن الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أو نائبه الخاص، وهناك شروط أخرى مذكورة في المطوَّلات، قال الله عزَّ وجل [قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ].

وقال رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ من ترك الجهاد ألبسه الله عزَّ وجل ذلاًّ وفقراً في معيشته ومحقاً في دينه.

ص: 109

وقال النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أخبرني جبرائيل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بأمر قرَّت به عيني وفرح به قلبي قال: يا محمَّد من غزا من أمَّتك في سبيل الله فأصابه قطرة من السَّماء، أو صداع كتب الله عزَّ وجل له شهادة.

وفي الحديث جهاد المرأة حسن التَّبعل، ولكن قد تدخل في بعض المرجِّحات الشَّرعية من الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أو نائبه الخاص لإدارة بعض الأمور الَّتي تتناسب معها في الحرب كطهي الطَّعام وحدِّ السُّيوف أو تعبئة السِّلاح بالعتاد والتَّضميد لمن لا مانع منه شرعاً أو الإعانة على ذلك.

(مسألة 289) الجهاد مع النَّفس، واجب (عيني) على كل أحد بما مرَّ ذكره.

والجهاد مع الكفَّار واجب كفائي، أي: إذا قام من به الكفاية سقط عن الآخرين، وإلاَّ فهو واجب على الكل حتَّى ينتدب من به الكفاية، وبالأخص إذا صدر الأمر الشَّرعي العام أو الخاص من الإمام أو نائبه الخاص، ولو لم يقم به أحد بعد الأمر أثم الجميع واستحقُّوا العقاب، ولا يجوز إعانة الكافر على محاربة نفسه وعرضه وماله لأنَّه من الركون المحرَّم لقوله تعالى [وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ]، والكفر من أظلم الظلم والخروج من الدين وعليه - من بعض فرقه الضالَّة ومنهم المكفِّرة - أكفر من الكفر.

(مسألة 290) يحرم الجهاد في الأشهر الحرم، وهي (رجب، ذو القعدة، ذو الحجَّة،محرَّم) إلاَّ إذا ابتدأ الخصم، وأقلُّه أن يكون في كل عام مرَّة، مع تمكُّن المسلمين.

(مسألة 291) تجب الهجرة من بلاد الكفر لمن لا يتمكَّن من إظهار شعائر الإسلام فيها، كما كان الحال في مكَّة من الاستضعاف والوصول إلى الضعف ثمَّ صارت الهجرة إلى اليمن وإلى المدينة، وهكذا في هذه الأيَّام من وضع المسلمين في بعض أو كثير بلدان الكفر إلاَّ في مستثنيات خاصَّة مطمئنَّة على دين الشَّخص ومن معه ومنها التَّبليغ السرِّي والعلني والعلاج والتَّعلُّم.

ص: 110

(مسألة 292) تستحب المرابطة، وهي التَّجنيد في الحدود (حرس الحدود) للدِّفاع عن بلاد الإسلام، بل تجب في بعض الظروف والطوارئ - كتسلل الإرهابييِّن النَّواصب إلى بلادنا ممَّا يخيف المسلمين - لمنعه، ولو بنحو الوجوب الكفائي.

المبحث الثَّاني: شروط الجهاد

(مسألة 293) يجب الجهاد على المسلم بشروط:

1 - البلوغ.

2 - العقل.

3 - الحريَّة.

4 - الذكورة.

5 - أن لا يكون شيخاً كبيراً.

6 - أن لا يكون (أعمى) أو (مقعداً) أو مريضاً بما لا يتمكَّن معه من الجهاد.

7 - أن لا يكون فقيراً لا يملك عدَّة الجهاد.

8 - إذن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أو الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، أو نائبهما الخاص، أو العام في بعض الحالات أو على بعض الأقوال كما في الدِّفاع أو الهجوم الدِّفاعي.

المبحث الثَّالث: من يجب قتاله

(مسألة 294) يجب مناجزة الكفَّار بأمور ثلاثة عند اقتضاء الواجب الشَّرعي من الأمر الصَّادر أو الإذن ضدَّ طوائف ثلاثة وهم الكفَّار الكتابيُّون كاليهود والنَّصارى والمجوس ومن يلحق بهم وغير الكتابيِّين كسائر الكفَّار، وهي:

1 - التَّوجيه الثَّقافي كما في الدِّفاع، والرَّد لشبهاتهم، والتَّفاوض المنجح لإبعادهم عنَّا

ص: 111

إن لم يفد هدايتهم للصِّراط السَّوي.

2 - إعطاء الجزية إذا كانوا يعيشون في بلادنا بأن يدفعوا كل سنة كميَّة من المال.

3 - المحاربة معهم وهي الحالة الأخيرة.

(مسألة 295) من حالات توجيههم الثَّقافي الأوليَّة هو دعوتهم إلى الإسلام، وهو أن يشهدوا (أن لا إله إلاَّ الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله)، وأن يلتزموا بأحكام الإسلام.

(مسألة 296) للجزية شرائط، فإذا التزموا بها سمُّوا (أهل الذمَّة) وحقنت دماؤهم وأموالهم وأعراضهم كبقيَّة المواطنين.

(مسألة 297) شرائط (الذمَّة) هي:

1 - أن يؤدُّوا مقداراً من المال كل سنة كما أشرنا، حسب ما يقرره حاكم المسلمين الشَّرعي.

2 - أن لا يحدثوا كنيسة، ولا يضربوا ناقوساً.3 - أن لا يؤذوا المسلمين، ولا يتظاهروا بالمحرَّمات، كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير.

4 - أن يجري عليهم أحكام المسلمين، ولا يعلوا بنائهم على أبنية المسلمين - احتياطاً - .

ص: 112

كتاب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: في وجوبهما وأهميَّتهما

الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر من فروع الدِّين العشرة المهمَّة، وقد شدَّد الباري عزَّ وجل على الالتزام بهما، قال تعالى [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ]، وقال أيضاً [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ]، وغيرهما من الآيات.

كما شدَّدت عليهما الرَّوايات الشَّريفة، فقد قال رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ : إذا أمتي تواكلت الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله تعالى)، وقال أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (لا تتركوا الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر فيولَّى عليكم شراركم ثمَّ تدعون فلا يستجاب لكم)، وعن الباقر والصَّادق عَلَيْهِما اَلسَّلاَمُ ، (ويل لقوم لا يدينون الله الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر)، وعن الباقر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (بئس القوم قوم يعيبون الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر)، وغير ذلك الكثير.

المبحث الثَّاني: معنى المعروف والمنكر

(مسألة 298) المعروف هو كل ما أوجبته الشَّريعة المقدَّسة في (الإسلام)، كالصَّلاة والصِّيام أو ندب إليه، كالتَّصدُّق وعموم الإطعام.

(مسألة 299) المنكر هو كل ما حذَّرت عنه الشَّريعة المقدَّسة في (الإسلام)، كالزِّنا

ص: 113

وشرب الخمر، أو كرهته كمجالس البطَّالين، والأكل على الشِّبع.

المبحث الثَّالث: وجوب الأمر والنَّهي واستحبابهما

(مسألة 300) يجب الأمر بالمعروف الواجب، ويستحب الأمر بالمعروف المندوب.

(مسألة 301) يجب النَّهي عن المنكر المحرَّم، ويستحب النَّهي عن المنكر المكروه.

المبحث الرَّابع: شرائط الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر

(مسألة 302) للأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر شرائط:

1 - أن يعرف الآمر، والنَّاهي، المعروف، والمنكر، لئلا يكون الأمر والنَّهي إغراء بالجهل، أو لا أقل من الوقوع في الاشتباه من الجهالة.

2 - احتمال التَّأثير، فلو علم أنَّ الشَّخص الَّذي يأمره بالمعروف - أو ينهاه عن المنكر -لا يبالي، لم يجب الأمر والنَّهي.

3 - عدم معذوريَّة تارك المعروف أو فاعل المنكر كحالات الضرورة أو التَّقيَّة الخانقتين.

4 - أن يكون الفاعل للمنكر، والتَّارك للمعروف، مصرَّاً على عمله، فإذا كانت هناك علامة على أن المرتكب ندم، وأنَّه يفعل المعروف فيما بعد، أو أنَّه يتجنَّب عن المنكر بعدئذٍ، لم يجب الأمر والنَّهي، لئلا ينعكس احتمال النَّدم إلى عناد على المحرَّم.

5 - أن لا يلزم ضرر معتد به على الآمر والنَّاهي، وإلاَّ لم يجب الأمر والنَّهي.

ص: 114

المبحث الخامس: مسائل في الواجبين

(مسألة 303) الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، واجبان (كفاية) أي إذا قام بهما البعض سقط عن الباقي، وإن لم يقم بهما أحد أثم الجميع.

(مسألة 304) لا يختص وجوبهما على رجال الدِّين، بل يجب على كل مسلم ومسلمة بالنِّسبة إلى من دونهما في المعرفة، سواء العلماء وغيرهم، العدول والفسَّاق، السلطان والرعيَّة، الأغنياء والفقراء، ولذا قال تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ] وغيره، وقال صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ (كلُّكم راع وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته) وغيره، نعم يجب الأمر والنَّهي عن العلم والمعرفة كما مرَّ، ولكن كل بحسبه.

(مسألة 305) لو أمر (علي) لكنَّه لم يُفد، واحتمل (محمَّد) أن يفيد أمره، يجب أن يأمر هو كذلك، وهكذا.

(مسألة 306) معنى احتمال التَّأثير، أنَّه مثلاً ينقلع أحد هؤلاء المائة الَّذين أنهاهم بنهي، عن شرب الخمر - مثلا -، ولو في المستقبل، ولو لأنَّه تتراكم لديه النَّواهي، من نهيي إيَّاه، ونهي (علي) و(حسن) وغيرهما معي من النَّاصحين.

(مسألة 307) إنَّما لا يجب الأمر والنَّهي مع الضرر، إذا لم يكن الإسلام في خطر، وإلاَّ وجب، وإن أدَّى ذلك إلى الضَّرر، أو الهلاك لوجوب التَّضحية حينئذ، وبهذه المرحلة المتعيِّنة يتَّصل هذان الواجبان ببعض مصاديق الجهاد في النَّتيجة.

(مسألة 308) من الأمر بالمعروف، الأمر بالأخذ بأحكام الإسلام في جميع شؤون الحياة، في البيع والإجارة، والرَّهن والوقف، والنِّكاح والطَّلاق، والقضاء، والشَّهادة، والإرث والحقوق، والقصاص، والديات، وغيرها، كما أنَّ من النَّهي عن المنكر النَّهي عن الأحكام الغربيَّة والشَّرقيَّة المنحرفة السَّارية في البلاد الإسلاميَّة لئلاَّ تطبَّق في بلادنا.

ص: 115

المبحث السَّادس: مراتب هذين الواجبين

(مسألة 309) مراتب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ثلاثة:-

الأولى: الإنكار بالقلب بإظهار الانزعاج، أو الإعراض أو نحوهما.

الثَّانية: الإنكار باللسان والقول بالموعظة الحسنة والنَّصيحة.

الثَّالثة: الإنكار باليد بالضرب.

وهذه المرتبة بعد عدم تأثير الأولين، وقد ينعكس الأمر بأن ينكر باليد أوَّلاً ثمَّ باللسان ثمَّ بالقلب حسب ما يطابق مقتضى المقام وحكمته كما نطقت به بعض الرِّوايات.

ولكل مرتبة درجات: خفيفة وشديدة، فيبدأ بالأخف إلى الأشد.

ذلك في مرتبات الخلُقُ التَّعلُّقي بسيرة المتشرِّعة الدَّائمين في اطاعتهم لا سائر النَّاس، لأنَّ سائر النَّاس فيهم المطيع والعاصي، فالفاسق يجب عليه ذلك لكن لا يسقط عنه إذا فعللقوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ]، لكون الوجوب كفائيَّاً من جهة الإنكار القلبي فإنَّه لم يكن في الفاسق.

المبحث السَّابع: بعض أنواع المعروف

(مسألة 310) تعداد بعض أنواع المعروف:

1 - التَّوكُّل على الله، قال تعالى [وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ].

2 - الاعتصام بالله، قال تعالى [وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ]

3 - حسن الظن بالله، فعن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ (إنَّ حسن الظن بالله ثمن الجنة).

4 - الصَّبر عند البلاء وعن محارم الله، وقال أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (الصبر صبران: صبر

ص: 116

عند المصيبة حسن جميل، وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرّم الله تعالى عليك).

5 - العفَّة، قال الإمام الباقر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (ما عبادة أفضل عند الله من عفَّة بطن وفرج).

6 - الحلم، قال الإمام الرِّضا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (لا يكون الرَّجل عابداً حتَّى يكون حليماً).

7 - التَّواضع، قال النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ (من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبَّر خفضه الله).

8 - إنصاف النَّاس ولو من نفسك، روي عن رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ (سيِّد الأعمال إنصاف النَّاس من نفسك).

9 - اشتغال الإنسان بعيوب نفسه عن عيوب الناس، قال رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ (طوبى لمن شغله خوف الله عز وجل عن خوف الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين).

10 - إصلاح النَّفس عند ميلها إلى الشَّر، قال أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (من أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيَّته، ومن عمل لدينه كفاه الله دنياه، ومن أحسن فيما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين النَّاس).

11 - الزُّهد في الدُّنيا وترك الرَّغبة فيها، قال أبو عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، وبصره عيوب الدنيا، داءها ودواءها).

المبحث الثَّامن: بعض أنواع المنكرات

(مسألة 311) تعداد بعض المنكرات وشيء من الكلام عنها:

1 - الغضب، عن رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ (الغضب يفسد الإيمان)، وعن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (الغضب مفتاح كل شر).

2 - الحسد، قال الباقر والصَّادق عَلَيْهِما اَلسَّلاَمُ (إنَّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النَّار الحطب).

وقال رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ذات يوم لأصحابه (إنَّه قد دبَّ إليكم داء الأمم ممَّن قبلكم

ص: 117

وهو الحسد، ليس بحالق الشَّعر ولكنه حالق الدِّين، وينجي فيه أن يكفَّ الإنسان يده ويخزن لسانه، ولا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن).

3- الظلم، قال الَّصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده).

وقال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (ما ظفر بخير من ظفر بالظلم).أمَّا أنَّ المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر ممَّا يأخذ الظالم من مال المظلوم، فلا تجوز معاونة الظالم إذا دافع المظلوم ليأخذ المظلوم بحقِّه، بل يجب أن تُعين المظلوم في حالات الوجوب، كالإعانة على قطع دابر الظلم وإعانته على كيفيَّة أخذه بحقِّه قضاها.

4- كون الإنسان ممَّن يتقَّى شرُّه، قال رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ (شر النَّاس عند الله يوم القيامة الَّذين يكرهون اتِّقاء شرِّهم).

وقال الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ومن خاف النَّاس لسانه فهو في النَّار، وقال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (إنَّ أبغض خلق الله من اتَّقى النَّاس لسانه).

المبحث التَّاسع: تعداد الذنوب الكبيرة

(مسألة 312) قائمة بتعداد الذنوب الكبيرة وهي من المنكرات الكبائر أيضاً:

1 - الشِّرك بالله.

2 - اليأس من روح الله.

3 - إنكار ما انزل الله.

4 - الفرار من الزحف.

5 - اليمين الغموس الفاجرة.

6 - نقض العهد.

ص: 118

7 - ترك الصَّلاة أو الفرائض.

8 - الاستخفاف بالحج.

9 - المحاربة لأولياء الله.

10 - الإصرار على الصَّغائر.

11 - استحقار الذنب.

12 - معونة الظالمين.

13 - الولاية للظالمين.

14 - الركون إلى الظالمين.

15 - شهادة الزُّور.

16 - كتمان الشَّهادة.

17 - غش المسلمين.

18 - الرِّياء.

19 - عقوق الوالدين.

20 - قذف المحصنة.

21 - الارتشاء والتَّشجيع عليه.

22 - الزِّنا.

23 - اللًّواط.24 - المساحقة.

25 - شرب الخمور.

26 - الرِّبا.

27 - الكذب.

28 - المقامرة.

ص: 119

29 - النَّظرة بعد النَّظرة للأجنبيَّة.

30 - تبرُّج النِّساء وخلع الحجاب أمام الأجانب.

(مسألة 313) قد نفسَّر الصَّغائر فيما بين ما مرَّ ذكره من الكبائر للفرق بين كبيرة وكبيرة كالفرق بين المقامرة والكذب باعتبار أنَّ الأولى صغيرة تجاه نسبتها إلى الثَّانية وهو صحيح أخلاقيَّاً، إلاَّ أنَّ الشَّرع الشَّريف لا يفرِّق بين كبيرة وأخرى مثلها، وقد ورد (لا تنظر إلى صِغر المعصية بل انظر إلى من عصيت)، إضافة إلى أنَّ الإصرار على الصَّغيرة بعد اعتباره شرعاً وأخلاقيَّاً كبيرة فلابدَّ من أن تتساوى هذه الصَّغيرة المُصر عليها مع تلك الكبيرة.

إلاَّ أنَّ الأوضح في الفرق هو أنَّ الصَّغائر هي المُعبَّر عنها في القرآن الكريم باللَّمم والَّتي فُسِّرت بمثل جفاء النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ بترك زيارته عند الحج والعمرة وهجران صلاة اللَّيل بالمرَّة وترك الأولى هجراناً والالتزام بلباس الشُّهرة وترك كل ما رجح شرعاً وكان واجباً بالعنوان الثَّانوي ونحو ذلك.

ص: 120

كتاب التَّولِّي

(مسألة 313) التَّولِّي للنَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وأهل بيته - وبأعلى درجة منه باطناً وظاهراً مع إمكان الأخير - هو واجب شرعي، إضافة إلى الاعتقاد بأولئك الصَّفوة لمنازلهم الموجبة لذلك وإمامتهم على كل مؤمن ومسلم، بل حتَّى على الكافر وإن كان خارجاً من الإسلام، لكن لا على أساس لزوم أن يكون ذلك مثل ذلك الاعتقاد بالنُّبوَّة والإمامة الماضيين في أصول الدِّين الخمسة، لأنَّ ذلك أمر مرَّ الكلام فيه إذ عند ملاحظته مع هذا الأمر يتبيَّن الفرق بين المطلبين.

وخلاصته هو واجب شرعي في الانقياد الذَّاتي تقليداً للمجتهد ومعرفة به بالاتِّصاف بهذا التَّولِّي والمطاوعة الدِّينيَّة ولو تمسُّكاً به من وجهة تعبُّديَّة وبدافع المودَّة وما يتبعه من الاقتداء العملي والتَّطبيقي لما رسموه لنا في كلِّ ما يرتبط بالحياة الشَّرعيَّة وأحكامها الفقهيَّة مسبوقة بتلك العاطفيَّات الشَّريفة - إذ لا يتم فقهنا إلاَّ بالأخذ عنهم ومنهم وترك الأخذ من غيرهم، إلاَّ ما وثِّق وطابق ما ورد عنهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ وما رضوا به في كل الفروع الفقهيَّة من عوامل الوفاق بين المذاهب حتَّى فيما يخص موارد التَّقيَّة من مواردها الاضطراريَّة -، وبمحاربة الأعداء في كل أمر يخالف ذلك حسب المراتب الدِّفاعيَّة المناسبة شرعاً وعلى الأقل لساناً وقلَّما، بل لا يتم الاعتقاد المذكور بهم إلاَّ بالموالاة لهم في كل ذلك وبالتَّبرِّي من أعدائهم الآتي ذكره بعد هذا التَّولِّي.

(مسألة 314) حالة التَّولِّي والتَّبرِّي الآتي ذكره مقرُّهما في القلب من حيث البداية، لأنَّ معنى الأوَّل الحب متصاعداً إلى أعاليه، وهكذا الثَّاني الذَّي على عكسه تجاه الأعداء كما سيجيء، وأمَّا خروجهما إلى الخارج العملي الفقهي لفظاً وقلماً وعملاً لصالح واجبهما الشَّرعي المناط بما ذكرناه في المسألة آنفة الذِّكر فهو على طبق ما يناسب

ص: 121

ما أوردناه في كتاب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر وكتاب الجهاد الماضي ممَّا لا يخفى على المتتبِّع وممَّا لا يحتاج إلى الإعادة فما بقي لنا في رجحان بيانه هنا مناسباً إلاَّ أمور وقد تكون مناسبة أنسب فيهما ولو كأطروحة يبقى ذكرها أن تكون نافعة في المقام قد فصَّلنا بعضها في كتاب العبادات من رسالتنا العمليَّة والمسائل المنتخبة.

(مسألة 315) لا تجب بل لا تجوز الموالاة بنفس المعنى المذكور سابقاً لمن هم دون من ذكرناهم من الصَّفوة، وإن صدق على بعضهم أنَّهم من الأولياء، إلاَّ بما فسح لنا الأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ المجال به من مستوى التَّمسُّك المحدود بهم من الحواري مثلاً، ككونهم رواة أحاديثهم أو أنهم الفقهاء وأهل الفُتيا، نقلاً عنهم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ولو اجتهاداً أو أنَّهم العلماء لنتعلَّم منهم أو المقتدون في الأمور الأخرى بمحبَّتهم والإخلاص إليهم أو الاقتداء بهم بمستوى كونهم نوَّابهم الخاصِّين أو العامِّين، لأنَّ الإمامة الموجبة للموالاة ذات العلاقة بالفرع الدِّيني التَّاسع محصورة في الاثنا عشر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بعد النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ مع الزَّهراء عَلَيْها اَلسَّلاَمُ لا أكثر فضلاً عن الأدون من هذا المستوى أو من لم تعرف واقعيَّاتهم الدِّينيَّة المقبولة لإحدى المثاليَّات وإن كانوا من العلماء والفقهاء في زمن الغيبة الكبرى، فلا يجوز أكثر من الاقتداء بهم في الجماعة للعدالة الظَّاهريَّة وغيرها وتقليدهمبعد إحراز جامعيَّتهم للشَّرائط ولو ظاهراً وإضمار وإظهار مودَّتهم، بل قد يجب ذلك دفاعاً عن الدِّين لو انحصر الأمر فيهم بسبب اقتضاءه وعدم مانعيَّته، لأنَّ الرَّاد عليهم راد على الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ والرَّاد على الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ راد على الله جل جلاله ، وهو في قوَّة الشِّرك بالله، فضلاً عمَّن كان رأيه القول بالولاية العامَّة كذلك عند العامَّة، بل لا يجوز مخالفته من مقلِّديه ولو لم يكن ذلك كذلك ومنه الحمل على الصَّحَّة أو حسن الظن وإلاَّ لأختلَّ النِّظام الشَّرعي.

(مسألة 316) بناء على التَّقييد في أمر الموالاة في المسألتين الماضيتين فلابدَّ من أن يكون من باب أولى القول بعدم جواز تولِّي أحد - من غير من نصَّ عليهم بوجوب موالاتهم أو محبَّة الأدون من حواريهم - من أعدائهم، لأنَّ القول بموالاة الأعداء يعد من

ص: 122

حالات التَّناقض في الانتساب إلى أصحاب الشَّرع الشَّريف ولا يطاع الله

من حيث يعصى وإن كان في بعضهم بعض المظاهر الإنسانيَّة والسِّياسيَّة المجاملة لأهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ، ولذا قال تعالى ]لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ[، وقال أيضاً [وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119)] وقال أيضاً [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)] وقال بعد ذلك [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا الله إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)].

(مسألة 317) يجب امتثال أوامر الشَّرع في التَّولِّي على كل بالغ عاقل مع قصد القربة، لأنَّ هذا من نوع العبادات وتترتَّب عليه كثير من الأمور الشَّرعيَّة، بل يجب على من يعلم إجمالاً بوجود شيء يحتاج إلى تعلُّمه تفصيلاً أن يتعلَّمه، بل يجب توعية من لم يعرف ذلك من قبل كل من يعرف حتَّى المعارف الإجماليَّة، وقد مرَّ ما يشبه ذلك في مباحث التَّقليد وغيره.

بل ينبغي تعريف الأطفال معنى ذلك وحثِّهم عليه تربية عليه لينفعهم في كبرهم لهم ولمن يعيش معهم والعلم في الصِّغر كالنَّقش في الحجر ورحم الله

القائل: -

لا عذَّب الله أمِّي أنَّها شربت *** حبَّ الوصي وغذَّتنيه باللَّبن

وكان لي والد يهوى أبا حسن *** فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسن

(مسألة 318) لا يعتبر المحب بغير ما فسَّرناه للولاء موالياً كما يرام وإن حقِّق حبُّه ما يُثلج الصَّدر، وعليه فلو لم يكن كذلك مع علمه بأهميَّة الموالاة مع الإصرار عليه يكون آثماً حتَّى لو تصوَّر أنَّه في هذه الحال من الموالين إذا كان ذلك من شَّدة جهالته

ص: 123

التَّقصيريَّة في عدم التَّفريق بين المعاني، وقد لا يكون آثماً كعلم من يعلم تماماً إذا كان في تدرُّج من المودَّة النَّامية والَّتي قد تصل إلى حد الولاء ولو بعد حين، ومثل هذا قد يحتاج إلى تقيَّة موجِّهة ومسايسة، لأنَّ كثيراً من هؤلاء قد يكونون من بعض المذاهب الإسلاميَّة الأخرى وإن كان أكثر الشِّيعة كذلك ومع الجهل المطبق يجب التَّعلُّم أو التَّعليم ممَّن يعلم ولو على نحو الاستدراج كما قلنا إلى حين الهداية الكاملة وكما قال تعالى [سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ(44)] بناءاً على مفاده العام وبدون أن يتهوَّر في حقِّه إلى صدق الولاء والاستبصار الكامل باستعجال الواعظ ببيان ما هو الأرقى من التَّعليم لو لم تأت مرحليَّته.

(مسألة 319) يجب الإتِّباع الدِّيني للفقيه الجامع للشَّرائط إلحاقاً بما مضى سواء كان سيِّداً هاشميَّاً أو غير سيِّد لو تعيَّن أمره وبنحو الولاية التَّطبيقيَّة الخاصَّة وإن كان دليل العموم متوفِّراً عند من يقول بالعامَّة لعدم إمكان التطبيق تامَّاً عند من لم يقل بها، وعليه فيضاف إلى الأمور الحسبيَّة بعض الصَّلاحيَّات الإضافيَّة ممَّا يمكن أن يدركه الفقيه لا غيره كحكم الحاكم الشَّرعي والجهاد الدِّفاعي هجوماً لردع العدو عن هجومه مرَّة ثانية ونحو ذلك على ما أثبتته الأدلَّة.

(مسألة 320) يجب شرعاً لتحقيق الموالاة لأهلها تماماً أخذ العلوم والمعارف الدِّينيَّة والَّتي أشرفها الفقه بعد العقائد ممَّن أعطاهم الله

تعالى العلم وأبان فيهم الفضل والفهم من بعد رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ بوسام شرف لم ينله غيرهم لحفظهم كافَّة أمور الشَّريعة المقدَّسة بالإلهام المعروف، وهم من شهد بحقِّهم القريب والبعيد والعدو والصَّديق، وهم أهل بيت النُّبوَّة ومعدن الرِّسالة علي وبنوه عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ، بحيث لا يؤخذ من غيرهم مستقلاًّ إلاَّ بما يؤيِّد كلامهم، لأنَّهم القرآن النَّاطق ولسان السُّنَّة الشَّريفة، ولأنَّهم العترة في حديث الثَّقلين المشهور وعلى نهج شروط عرفت في علمي الرِّجال والدِّراية والحديث وبما فصِّل في علم الأُصول.

ص: 124

كِتَابُ التَّبَرِّي

(مسألة 321) يجب التَّمسُّك بهذا الفرع العاشر من فروع الدِّين والالتزام بأحكامه الشَّرعيَّة الَّتي مجملها هي البراءة من أعداء الله ورسوله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ظاهراً وباطناً مع توفُّر شروط التَّظاهر على كلِّ مكلَّف بالغ عاقل، وأمَّا في حال عدم القدرة على التَّظاهر لا يجوز التَّقصير في أمر ذلك في جوِّه الخاص، ولا أقل من الإنكار القلبي لو لم يمكن الأكثر لما مرَّ ذكره وما يأتي من أمور التَّقيَّة، وإن كان الإنكار القلبي أضعف الإيمان لقوله تعالى إضافة إلى ما مرَّ [يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ] وجمعه مع قوله تعالى [لاَ يُكَلِّفُ الله

نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا] وقولهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ((لا يترك الميسور بالمعسور)).

(مسألة 322) لا يجوز التَّفريق في التَّبرِّي الواجب ممَّن يستحق التَّبرِّي لكفره وضلالته ونحوهما بين الأجانب والأقارب لأدلَّة منها قوله تعالى [ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِي (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)] ولقد أجاد القائل على ضوء تعاليم الإسلام وأدلَّته:-

لعمرك ما الإنسان إلاَّ ابن دينه *** فلا تترك التَّقوى اتِّكالاً على

النَّسب فقد رفع الإسلام سلمان فارس *** وقد وضع الشَّرك الشَّريف أبا لهب

نعم تجب صلة الأقارب المنحرفين بدوام نصحهم وعدم اصطناع فجوة بين الطَّرفين بسبب الإهمال - الكافر مثلاً ورحمه المسلم المتبرئ منه - لأنَّ التَّسرُّع بهذه الفجوة قد تؤثِّر استمراريَّة الجفوة الَّتي لا تمكن الرَّحم من ممارسة النُّصح لرحمه إن أمكن لكي يتحقَّق هذا النَّوع من الصِّلة لقولهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً).

(مسألة 323) ينبغي تعليم الأطفال من هو الَّذي يجب أن يتبرأ منه إذا أحرز

ص: 125

وجوب التَّبرِّي من شخص معيَّن يستحق ذلك إذا كان مصِّراً على انحرافه كفراً ونفاقاً أو نصباً كي يبتعد عنه فكراً ومصاحبة وإلاَّ ينبغي تعليمه ذلك بلا تركيز على شخص معيَّن لو حصل ، بل قد يفضَّل التَّعميم حتَّى لو كان المقصود هو معيَّن لبعض الأسباب، لأنَّه لو ركَّز في هذا التَّوجيه على الشَّخص المعيَّن لم يحرز فيه الرُّجحان دائماً، إذ ربَّما احتملت هدايته فلا يكون هذا التَّوجيه إذن صحيحاً أو ربَّما يحصل تهور ضدَّه من الطِّفل بما يضر، وقد تنفعهم حالة عدم التَّركيز أيضاً في مستقبل أمرهم إذا بلغوا بأن لا يختلط عليهم أمر المستحق للتَّبري بالمرَّة من أمر غيره إذا ضبط أمر التَّمييز عندهم فيما بعد .

(مسألة 324) لا يجوز استعمال السَّب والشَّتم بين المسلمين على حدِّ حرمة إثارة المشاحنات الَّتي نحن في غنى عنها تماماً بل هي الَّتي تجر علينا الويلات تلو الويلات لو التزمنا بها وإن حصلت بعض موارد استحقاق ذلك شرعاً، وبالأخص لو أمكن إجراء المصالحات لاعتبار أنَّ الصُّلح سيِّد الأحكام، بل إنَّ السَّب والشَّتم حين التَّخاصم أشد حرمة من الأمور الأخرى حتَّى مع من أحرزت البراءة منهم ممَّن ظاهرهم الإسلام، بل حتَّى الكافرلأنَّه قد يسب الله والمُقدَّسات في مقابل سب مبادئه الضَّالَّة أو الكافرة من قبلنا، وهذا ما يكون ضرره أكثر كما قال تعالى [وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله فَيَسُبُّوا الله عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ].

وليدع المسلمون الغيارى قاطبة حالات محاولات شفاء الغليل النَّفسيَّة الانتقاميَّة الَّتي ضررها أكثر من نفعها جهد إمكانهم إذا كانت تفوت علينا منافع المسايسات والأخلاقيَّات الجذَّابة أو الدَّافعة للشَّر، اللَّهمَّ إلاَّ ما صرَّح القرآن به من آيات اللعن وكذا النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في رواياته الصَّحيحة المشهورة الشَّريفة والمعتبرة عند أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ بل عند الفريقين حيث لعن الكذَّابُّون والزَّنادقة والمنافقون والوضَّاعون وأمثالهم في نصوصهما الشَّريفة كثيراً.

ص: 126

(مسألة 325) لا يجوز سب وشتم المؤمنين فضلاً عن أولياء الله

وبالأخص الأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ مع رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ، بل إنَّ سبَّ النَّبي والأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ من موجبات الكفر والارتداد الموجب لهدر الدَّم الشَّرعي كما هو موضَّح في قسم العقوبات الإسلاميَّة والكتب المفصَّلة لما نحن فيه لأدلَّة كثيرة منها قوله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ (يا علي من أحبَّك فقد أحبَّني ومن أحبَّني فقد أحبَّ الله ومن سبَّك فقد سبَّني ومن سبَّني فقد سبَّ الله).

بل إنَّ القاصدين ذلك والنَّاطقين به هم المنافقون أيَّام زهوهم وتجاهرهم، بل هم الَّذين انقلبوا على أعقابهم كالَّذين سبقوهم على ما نطق به التَّنزيل في قوله تعالى ]وَمَا محمَّد إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ الله شَيْئًا وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ (144)[، علماً بأنَّ أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ هو نفس رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ في آية المباهلة وهي قوله تعالى ]وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ[.

وأمَّا ما روي عن أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ من جواز السَّب له في قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ((أمَّا السَّب فسبُّوني لأنَّه لكم نجاة ولي زكاة وأمَّا البراءة فلا تتبرَّؤوا منِّي لأنِّي ولدت على الفطرة)) فالمحتَّم فيه هو غير حالة الجواز الطِّبيعيَّة بناءاً على صحَّته - لما ابتليت به الأمَّة من أعداءه القاسطين الأموييِّن حينما كانوا يجبرون الشِّيعة على سبِّه وشتمه، لأنَّه قتل أسلاف القاسطين من المشركين وغير ذلك - لا غير، وإن حكمه لا يعدو حالة التَّورية في ذلك، والضَّرورة تقدَّر بقدرها، ولذا لمَّا رأى من تلاهم من خلفائهم - وهو عمر بن عبد العزيز - ضرر وخطر الاستمرار على هذه الحالة، وإنَّه سوف يجر عليهم أبشع الفضائح على استمرار حكمهم رفع السَّب والشَّتم عنه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ .

(مسألة 326) قد يقتضي التَّبرِّي في بعض الأحوال اللَّعن لأعداء الله تعالى وكما ورد في القرآن الكريم ولو على إجماله، لما فيه من معنى الدُّعاء عليهم، لما فيه من فوائد:-

ص: 127

أحدها: تهيئة المسلمين والمؤمنين المتوجِّعين من أولئك الأعداء لعدم الخضوع لهؤلاء الأعداء، بل وعدم تمكين الأعداء من جلبهم إيِّانا لهم، لأنَّ باللَّعن يتحقَّق الإبعاد وهو من ثمار كونه دعاء عليهم بالإبعاد، ولذا قالوا بأنَّ التَّبرِّي يوجد الحاجز النَّفسي عن الانحراف أعني الانحراف نحو الشَّر وأهله، ولذا ورد في القرآن والسُّنَّة والسِّيرة المستمرَّة في موارده الخاصَّة كما مرَّ.

ثانيها: شفاء غليل المؤمنين منهم بذلك الدُّعاء عليهم، خصوصاً إذا كان اللَّعن منمظلوم، لأنَّه سريع الإجابة.

ثالثها: تعظيم الشَّعائر كرجم الجمار من جهة عمليَّة، ولكن اقتضاؤه لا يكون هنا إلاَّ باللعن العلني في موارد خاصَّة لا كل مورد كلعن العدو المشترك ضدَّ المسلمين، وأمَّا غير تلك الخاصَّة فلابدَّ من السِّر كما مرَّ في التَّقيَّة، كما لو احتمل حصول المشاكل المتعلِّقة بالمعاداة من قبل من يستحقُّه من الكفَّار والمنافقين، ولذلك شرع لعن المنافقين عند الصَّلاة على جنائزهم عند قراءة الدُّعاء الرَّابع بدل الدُّعاء له.

(مسألة 327) من مستلزمات البراءة وجوب التَّعبئة العلميَّة والدَّليليَّة الكاملة والتَّهيؤ الدِّفاعي عن الحق الَّذي رفضه أو يرفضه الأعداء وأهل الباطل، ولدفع الشُّبهات الَّتي استحوذت على أفكار البسطاء والمغفَّلين، وبالأريحيَّة والمرونة غير التَّعصبيَّة، ولو للحفاظ على المؤاخاة الدِّينيَّة بين المذاهب الإسلاميَّة الباقية، والَّتي هي أهم شيء أمام العدو المشترك الواحد، لو لم ينفع الوعظ والنُّصح العلمي والتَّركيز على خصوص من يريد التَّفرقة ممَّن لا يرغب به كل ذوي الإنصاف من كافَّة المذاهب، الَّتي طالما جمعتهم علاقات وعلاقات من صدر الإسلام وحتَّى الآن، والَّتي لا يشفي غليل العدو الكافر الواحد للجميع إلاَّ تكفير بعضهم البعض الآخر والعياذ بالله.

(مسألة 328) لو أشكل مستشكل في أنَّ التَّولِّي لأولياء الله بمعناه المذكور والتَّبرِّي من أعداءهم بمعناه المذكور أيضاً لو كانا محصورين في هذين الأمرين فما مصير

ص: 128

من لم يكن من الطَّرفين وهم الطَّبقة الوسطى وما واجبنا تجاههم فهل نتولاَّهم أم نعاديهم أم ماذا ؟

فنقول كما قلنا في التَّولِّي أنَّ هؤلاء لو كان بعضهم بين أيدينا يجب العناية بهم - والتَّركيز على ملاحظتهم إيجابيَّاً تورُّعاً - بحسن التَّعامل معهم وحملهم على الصحَّة في الحالات المناسبة، رعاية لحسن الظَّاهر فيهم ولو في الجملة ممَّن يشك في بغضهم وإظهار أخلاق الإسلام أو الإيمان معهم بأعلى معانيها، بل حتَّى من يقال عنهم بالمؤلَّفة قلوبهم والمستضعفين، لأجل أمل انتفاعهم من هذا الطَّبع الإسلامي الشَّريف وإن كان بعضهم من أطلق عليهم بالأعداء، لكونهم لم يصلوا إلى درجة أهل الولاء وإن أحبُّوا لو خُلُّوا وطباعهم كالَّذين سمعوا واعية الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ولم ينهضوا معه ضد أعداءه مع كونهم لم يكونوا في صفوف الأعداء في المقاتلة تماماً أو كونهم اعتزلوا الحرب لمَّا رأوا مضايقته بالقتال، ولذا قبل منهم وممَّن كان من التَّوابين بعد انتهاء الحرب ووصل الأمر إلى حد الرِّضا عن بعضهم من قبل الأئمَّة الباقين عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ، لأنَّ الاشتباه الحاصل منهم وإن كان قد يوقعهم ولو اجتهاداً في مجال كونهم مستحقِّين للبراءة منهم ظاهراً لأنَّهم سمعوا واعية الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وما أجابوه بالتَّلبية وهو من أعظم الكبائر في حينها ولكن يمكن درء الحد عنهم لو عثر على شبهة تثبت لهم، بل حتَّى أنَّ بعض الأعداء والَّذين تجب البراءة منهم واقعاً حينما داموا على انحرافهم فإنَّهم قد كسبوا - في البداية للأسباب المهمَّة - عناية الإسلام بهم وعلى لسان إمامه الشَّهيد عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ على ما حدَّثنا به التَّأريخ الصَّحيح في مجالات أحداث عديدة، ولذا آمن منهم من آمن والَّتي منها مضرب المثل الكربلائي وهو الحر بن يزيد الرِّياحي، حيث أنَّ الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ما قاتل أعداءه رأساً، بل أحصيت له خطب ثلاث في نصحهم وغيرها من متفرِّقات الكلام النَّاصحيضاف إليها خطب أصحابه وأنصاره ممَّا ملؤه النَّصيحة والرَّأفة والشَّفقة لهم في الوهلة الأولى لئلاَّ يدخلوا النَّار بسببه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ جهالة بقدرة إلى أن تأكَّد من اليأس منهم كما قال القائل على لسان

ص: 129

حاله: -

بلسانه وسنانه صد *** قان من طعن وقيل

خلط البراعة بالشَّجاعة *** فالصَّليل عن الدَّليل

فهكذا واجبنا نحن إذا داهمنا مثل هذا الموقف فضلاً عن الأقرب فعلينا أن نسعى سعينا، وبالأخص إذا كان هناك أمل في هداية من كان متوسِّطاً في وضعه إن أمكن أن لا يترك وإلى حد تكامله في إيمانه واستحقاقه درجة الولاء أو يصبر عليه مع الحذر منه في مجال نصحه ومحاولة توجيهه نصرة له كما ورد ((أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) لو جهل حاله إلى حين بدو ما يوجب الحكم له أو عليه.

(مسألة 329) ليس معنى البراءة هو عدم المعاملة الجيِّدة في بعض مراحلها حتَّى مع من كان جاهلاً بسيطاً أو مغفَّلاً يمكن معالجة أمره ونحو ذلك ولو بالتَّنازل عن بعض الحقوق الممكن فيها ذلك، بل يجب إبداء الأخلاق العالية معه كما كان يصنعه النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وآله عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ وخيرة أصحابه 4 مع أعدائهم حتَّى أخضعوهم للإسلام والإيمان لهذه الغاية المحتملة نفسها لقوله تعالى [وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] وقوله [وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ] وقوله [ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)] وقوله [ وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ (6)]، وهكذا من دونهم من المسلمين المصابين بأمراض الانحراف الاعتقادي والفقهي من باب أولى.

ص: 130

المعاملات

ص: 131

ص: 132

كتاب المكاسب

اشارة

وفيه مقاصد:

المقصد الأوَّل: أقسام الكسب

(مسألة 330) ينقسم الكسب إلى: (واجب) و(محرم) و(مندوب) و(مكروه) و(مباح).

(مسألة 331) يجب التَّكسُّب للعيش للنَّفس والعيال إذا توقَّف الأمر عليه وبما هو محلَّل عينيَّاً وإلاَّ فهو كفائي.

(مسألة 332) لا يجوز التَّكسُّب بالأعيان النَّجسة، ك- (الخمر) و(الخنزير) و(الغائط) و(البول).

(مسألة 333) يستحب الاكتساب بالزِّراعة والتِّجارة.

(مسألة 334) يكره امتهان الذِّباحة والحياكة ونحوهما، ولا مانع منهما خدمة للنَّفس والغير لا امتهاناً.

(مسألة 335) يجوز بيع الرَّقيق (الكافر) وإجارة (الكافر) للخدمة والاسترضاع للمسلمات، كما يجوز بيع (كلب الصَّيد)، وفي (كلب الماشية والحائط وأمثالهما) إشكال، والأحوط الَّتصالح، كما أنَّ الاحتياط بالصُّلح أيضاً عن (العذرة) للتَّسميد وعن (الدَّم) إذا كان له منفعة محلَّلة مقصودة والزِّيت المتنجِّس للاستصباح به تحت السَّماء.

(مسألة 336) يجوز بيع ما لا تحلُّه الحياة من الميتة ، كالصُّوف، والشَّعر، والمخلب، كما لا إشكال في بيع الأرواث والأبوال والدِّماء الطَّاهرة إذا كان لها منفعة.

(مسألة 337) يجوز بيع المتنجِّس الَّذي يقبل التَّطهير، والَّذي لا يقبل التَّطهير إذا

ص: 133

لم يتوقَّف الانتفاع منه على الطَّهارة كما مرَّ في مثال زيت الاستصباح.

(مسألة 338) يجوز بيع أقسام السِّباع، ممَّا له منفعة محلَّلة مقصودة.

(مسألة 339) يحرم التَّكسُّب ببيع آلات اللهو كالمزامير، وآلات القمار كالشِّطرنج وأمثاله حتَّى مجرَّد اللهو، والصَّليب، والصَّنم إلاَّ أن يُراد من بيعه الاستثمار من خشبه ونحوه من الفوائد المحلَّلة.

(مسألة 340) يحرم التَّعامل بالنُّقود المغشوشة المعمولة لأجل الغش لا لأجل أصل التَّعامل المتَّفق عليه ممَّا لا يجلب خسارة للمقابل.

(مسألة 341) يحرم بيع العنب والتَّمر وغيرهما ليعمل خمراً وبيع الخشب لصنع آلة لهو، أو صليب، أو صنم، أو آلة قمار.

(مسألة 342) يحرم بيع السِّلاح لأعداء الدِّين حال مقاتلتهم للمسلمين، بل حتَّى إذا أرادوه لذلك ولو في حال الهدنة، نعم لا مانع من بيعه للأحلاف منهم إذا كان الغرض منه إعانة المسلمين مع التَّأكُّد من ذلك.

(مسألة 343) يحرم تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان، ويحرم صنع الصُّورالمجسَّمة، ولا بأس بتصوير وتجسيم غير ذي الروح بل حتَّى تصوير ذوي الأرواح بالكاميرات الحديثة، بلا أن يتجاوز ذلك عن حالة الحجاب الواجب على النِّساء المسلمات إلى حالة المكاشفة المحرَّمة أمام الأجانب.

(مسألة 344) الغناء حرام فعله، وسماعه، والاكتساب به.

(مسألة 345) إعانة الظالمين حرام، والتَّكسُّب بذلك محرَّم، خصوصاً إذا كان الظالم يحارب الإسلام وإيمان المؤمنين.

(مسألة 346) يحرم اقتناء وحفظ كتب الضَّلال، وكتابتها، والتَّكسُّب بها، إلاَّ للرَّد عليها وما أشبهه، وكتب الضلال هي كل كتاب فيه تسبيب انحراف العقيدة أو الأخلاق

ص: 134

أو العمل بما حرَّمه الإسلام، ومن ذلك كتب السِّحر والشَّعوذة وكتب الوهابيَّة وما يثير الشُّبهات قليلها وكثيرها ضدَّ الدِّين ومذهب أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ .

(مسألة 347) يحرم السِّحر، عمله وتعليمه والتُّكسُّب به، كما يحرم الرجوع إلى السَّاحر حذراً من توريطاته المحرَّمة، وكذلك الكاهن والقائف والمشعبذ.

(مسألة 348) يحرم الغش بجميع أنواعه كخلط اللَّبن الخاثر بالماء إلاَّ مع علم المقابل ورضاه.

(مسألة 349) يحرم أخذ الأجرة على الواجبات الدِّينيَّة العباديَّة المفروضة على المكلَّفين، كالصَّلاة والصِّيام إلاَّ في القضاء عن الغير ممَّا عدا الأبوين من الولد الأكبر الذكر، وعلى بعض الواجبات الكفائيَّة، كتغسيل الموتى والصَّلاة عليهم ودفنهم.

(مسألة 350) يحرم الرِّبا والاحتكار في موارد الاحتكار المحرَّمة كالغلاَّت الأربعة، ويلحق بها الأدوية للاضطرار إليها بأسعارها الطَّبيعيَّة وتأريخ صنعها المناسب للانتفاع بها.

(مسألة 351) لا يجوز الدُّخول في المناصب الحكوميَّة الَّتي لا تعمل بالإسلام، فضلاً عن الَّتي تضر بالمسلمين والمؤمنين، وإن سمَّت نفسها باسم الإسلام إلاَّ بإذن الحاكم الشَّرعي، لمن يطمئن به في السِّر أو العلن ليعمل في مجتمعه بما ينفع أو يدفع الضَّرر.

المقصد الثَّاني: في البيع وتوابعه

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: في عقد البيع

(مسألة 352) البيع يحتاج إلى الإيجاب والقبول، والإيجاب هو (بعت) والقبول

ص: 135

(قبلت)، وإذا حصل العقد الصَّحيح يكون عقد البيع واجباً ولا يفسخ إلاَّ بالتَّفاسخ أو التَّقايل، وتصح المعاطاة بأن يعطي البائع السِّلعة ويقبضها المشتري ويدفع الثَّمن من دون عقد لفظي، سواء قدر على الكلام أو لا، أو كان بلفظ لا فصاحة اصطلاحيَّة فيه، إلاَّ أنَّ هذا العقد جائز لا لزوم فيه، وللمتعامل به حق الإرجاع متى شاء ما دام الثَّمن والمثمن موجودين لدى البائع والمشتري.

(مسألة 353) يقع البيع من المالكين، أو وكيليهما أو ولييِّهما أو باختلاف كوكيل البائع مع نفس المشتري أو بالعكس.

(مسألة 354) إذا عُلِّق البيع من البائع في عقده على شيء كأن قال (بعت إن جاء زيد) أو من المشتري كذلك كأن قال في قبوله (قبلت إن جاء عمرو لم يصح، لأنَّ البيع لابدَّ من تنجيزه.

(مسألة 355) يشترط كمال المتعاقدين ب(البلوغ) و(العقل) و(القصد) و(الاختيار)، فلا يصح بيع غير البالغ إلاَّ إذا كان آلة صرفٍ ينتقل ويتناول بإشراف من المتعاملين كما في الصبية غير المميِّزين، أو مميَّزاً مأذوناً من قرائن دالَّة على ذلك، كما لا يصح بيع المجنونوغير القاصد والمكره.

المبحث الثَّاني: شروط العوضين

(مسألة 356) يشترط في العوضين أمور:

1. أن يكون متموِّلاً، سواء كان عيناً كالحيوان أو عملاً كالخياطة.

2. تعيين مقدار العوضين بالكيل أو الوزن أو العد أو المساحة أو الذَّرع أو المشاهدة، كل بالنِّسبة إلى ما من شأنه ذلك.

3. معرفة جنس العوضين وأوصافهما الَّتي تختلف بسببها القيمة والرَّغبة.

ص: 136

4. كون العوضين ملكاً طلقاً، فلا يصح بيع المباحات قبل حيازتها، ولا بيع الوقف الخيري ولا الذرِّي إلاَّ فيما يستثنى ممِّا سيجيء في محلِّه.

5. القدرة على التَّسليم، فلا يصح بيع الطير المملوك إذا طار ولم يرجع غالباً.

المبحث الثَّالث: أقسام البيع

(مسألة 357) البيع على أربعة أقسام:

1- النَّقد، وهو أن يكون كل من الثَّمن والمثمن حالاًّ نقداً.

2- النَّسيئة، وهو أن يكون المثمن نقداً، والثَّمن مؤجَّلاً، نعم لابدَّ في النَّسيئة من كون الثَّمن كليَّاً في ذمَّة المشتري وإن توحَّد جنسه كالرِّيال أو الدِّينار، أمَّا إذا كان شخصيَّاً كهذا الرِّيال أو هذا الدِّينار وقد اشترط تأخير تسليمه، فالشَّرط المذكور وإن كان نافذاً إلاَّ أنَّ البيع لا يكون نسيئة حينئذٍ.

3- السَّلف، وهو أن يكون الثَّمن نقداً والمثمن مؤجَّلاً بمعنى تسليفه، ويقال له (السَّلم) أيضاً بمعنى تسليم الثَّمن.

4- الكالي بالكالي، وهو أن يكون كل من الثَّمن والمثمن مؤجَّلاً، وهذا القسم الأخير باطل كما سيتَّضح.

المبحث الرَّابع: في النَّقد والنَّسيئة

(مسألة 358) يجوز لكل من المتبايعين في المعاملة النَّقدية مطالبة الآخر تسليم عوض ماله بعد المعاملة في الحال، والتَّسليم الواجب في المنقول وغيره هو التَّخلية برفع يده عنه ورفع المنافيات بحيث يتمكَّن من التَّصرّف فيه، ويختلف صدقها بحسب اختلاف الموارد والمقامات.

ص: 137

(مسألة 359) يعتبر في النَّسيئة ضبط الأجل بحيث لا يتطرَّق إليه احتمال الزِّيادة والنُّقصان، فلو جعل الأجل وقت الحصاد مثلاً لم يصح لعدم ضبطه بدقَّة.

(مسألة 360) لا يجوز مطالبة الثَّمن من المشتري في النَّسيئة قبل الأجل، نعم لو ماتوترك مالاً فللبائع مطالبته من ورثته قبل الأجل، لانتهاء حياة من كانت المعاملة جارية معه.

(مسألة 361) يجوز مطالبة الثَّمن من المشتري في النَّسيئة بعد انقضاء الأجل، ولو لم يتمكَّن المشتري من أدائه فللبائع إمهاله أو فسخ البيع وإرجاع شخص المبيع إذا كان موجوداً، وإن كان تالفاً استقرَّ في ذمَّة المشتري بدله من المثل أو القيمة.

(مسألة 362) إذا عيّن عند المقاولة لبضاعته ثمناً نقداً وآخر مؤجلاً بأزيد منه فابتاعها المشتري بأحدهما المعين صحّ ، وأمَّا لو باعها بثمن نقداً وبأكثر منه مؤجلاً بإيجاب واحد - بأن قال مثلاً بعتك هذا الكتاب بعشرة نقداً وبعشرين مؤجلاً إلى شهر - وقبل المشتري فالمعاملة باطلة عند المشهور من الفقهاء رضي الله عنهم وهو كذلك.

(مسألة 363) إذا باع شيئاً نسيئة وبعد مضي مدَّة من الأجل تراضيا على تنقيص مقدار من الثَّمن وأخذه نقداً فلا بأس به، لكون التَّأجيل له قسط من الثَّمن.

المبحث الخامس: في بيع السَّلف أو السَّلم

وفيه فصول:

الفصل الأوَّل: في معناه

وهما بمعنى تسليف المثمن وتسليم الثَّمن

(مسألة 364) بيع السَّلف هو (ابتياع كلي مؤجَّل بثمن حال) عكس النَّسيئة كما

ص: 138

مر، فلو قال المشتري للبائع: (أعطيك هذا الثَّمن على أن تسلِّمني المتاع بعد ستَّة أشهر) وقال البائع: (قبلت)، أو أنَّ البائع قبض الثَّمن من المشتري وقال: (بعتك متاع كذا، على أن أسلِّمه لك بعد ستة أشهر) وحصل القبول فهذه المعاملة صحيحة.

(مسألة 365) لا يجوز بيع الذَّهب أو الفضَّة سلفاً بالذَّهب أو الفضَّة ويجوز بغيرهما، كما يجوز بيع غير الذَّهب والفضَّة سلفاً بالذهب أو الفضة أو بمتاع آخر كما سيأتي، والأحوط الأولى أن يجعل بدل المبيع في السَّلف من النُّقود.

الفصل الثَّاني: في شرائط بيع السَّلف أو السَّلم

( مسألة 366) يعتبر في بيع السَّلف سبعة أمور:

1 - أن يكون المبيع مضبوطاً من حيث الصِّفات الموجبة لاختلاف القيمة ولا يلزم الاستقصاء والتَّدقيق، بل يكفي الضبط عرفاً، ولا يصح فيما لا يمكن ضبط أوصافه مما لا ترتفع الجهالة فيه إلاَّ بالمشاهدة.

2 - قبض تمام الثَّمن قبل افتراق المتبايعين، ولو كان البائع مديوناً للمشتري بمقدار الثمن وكان الدَّين حالاًّ أو حلَّ قبل افتراقهما وجعل ذلك ثمناً كفى، ولو قبض البائع بعض الثَّمن صح البيع بالنسبة إلى المقدار المقبوض فقط، وثبت الخيار له في فسخ أصل البيع.

3 - تعيين زمان تسليم المبيع مضبوطاً، فلا يصح جعله وقت الحصاد مثلاً.

4 - أن يتمكن البائع من تسليم المبيع عند حلول الأجل، سواء كان نادر الوجود أم لا.

5 - تعيين مكان تسليم المبيع مضبوطاً على الأحوط لزوماً ، إذا لم يكن تعيّن عندهما ولو لانصراف ونحوه.

ص: 139

6 - تعيين وزن المبيع أو كيله أو عدده ، والمتاع الذي يباع بالمشاهدة يجوز بيعه سلفاً، ولكن يلزم أن يكون التفاوت بين أفراده غير معتنى به عند العقلاء كبعض أقسام الجوز والبيض، وإلاَّ فلا جواز لعدم ضبط الدقَّة الكاملة فيهما.

7 - أن لا يلزم منه الرِّبا، فإذا كان المبيع سلفاً من المكيل أو الموزون لم يجز أن يجعل ثمنه من جنسه، بل ولا من غير جنسه من المكيل والموزون على الأحوط لزوماً، وإذا كان من المعدود فالأحوط وجوباً أن لا يجعل ثمنه من جنسه بزيادة عينيَّة، لأنَّ التَّأخير له قسط من الثَّمن كما بين النُّقود والنُّقود فهو يجب كونه من حالات الصَّرف وصحَّة التَّعامل فيها مرتبطة بالمجلس الواحد لا غير.

الفصل الثَّالث: في أحكام بيع السَّلف

(مسألة 367) لا يجوز بيع ما اشتراه سلفاً من غير البائع قبل انقضاء الأجل، ويجوز بعد انقضائه ولو لم يقبضه، نعم لا يجوز بيع الحنطة والشَّعير وغيرهما ممَّا يباع بالكيل أو الوزن - عدا الثِّمار - قبل القبض إلاَّ أن يبيعه بمقدار ثمنه الَّذي اشتراه به أو بوضيعة منه.(مسألة 368) لو سلَّم البائع المبيع على طبق ما قُرِّر بينه وبين المشتري في بيع السَّلف بعد حلول الأجل وجب على المشتري قبوله، ومنه ما إذا كان واجداً لصفة مقبولة لم يشترط وجودها أو انتفاؤها فيه.

(مسألة 369) إذا سلّمه المبيع قبل الأجل، أو كان فاقداً للصِّفة الَّتي اشترطها لم يجب القبول، وكذا إذا أعطاه زائداً على المقدار المقرر بينهما.

(مسألة 370) إذا قبل المشتري تسلم المبيع قبل حلول الأجل، أو رضي بما دفعه إليه البائع وان لم يطابق المقرر بينهما - كماً أو كيفاً - جاز ذلك.

ص: 140

(مسألة 371) إذا لم يوجد المبيع سلفاً في الزَّمان الَّذي يجب تسليمه فيه فللمشتري أن يصبر إلى أن يتمكَّن منه، أو يفسخ البيع ويسترجع العوض أو بدله، وكذا إذا دَفَعَ البعض وعجز عن الباقي، ولا يجوز له أن يبيعه من البائع أكثر ممَّا اشتراه به على الأحوط لزوماً.

(مسألة 372) إذا باع متاعاً في الذمة مؤجَّلاً إلى مدَّة بثمن مؤجَّل بطل البيع، وهو ما يسمَّى الكالي بالكالي.

المبحث السَّادس: بيع الذَّهب والفضَّة (الصَّرف)

وهو المراد منه ذلك في زمن العُمل الذَّهبيَّة والفضيَّة

(مسألة 373) لا يجوز بيع الذَّهب بالذَّهب والفضَّة بالفضَّة مع الزِّيادة، سواء في ذلك المسكوك وغيره.

(مسألة 374) لا بأس ببيع الذَّهب بالفضَّة وبالعكس نقداً، ولا يعتبر تساويهما في الوزن، وأمَّا بيع أحدهما بالآخر نسيئة فلا يجوز مطلقاً.

(مسألة 375) يشترط في بيع الذَّهب أو الفضَّة بالذَّهب أو الفضَّة تقابض العوضين قبل الافتراق وإلاَّ بطل البيع، ولو قبض البائع تمام الثَّمن وقبض المشتري بعض المبيع أو بالعكس وافترقا صحَّ البيع بالنسبة إلى ذلك البعض ويبطل البيع بالنِّسبة إلى الباقي، ويثبت الخيار في أصل البيع لمن لم يتسلَّم التَّمام.

(مسألة 376) لا يجوز أن يشتري من الصَّائغ أو غيره خاتماً أو غيره من المصوغات الذَّهبيَّة أو الفضِّيَّة بجنسه مع زيادة بملاحظة أجرة الصياغة، بل إمَّا أن يشتريه بغير جنسه أو بأقل من مقداره من جنسه مع الضَّميمة على ما سيأتي في كيفيَّة التَّخلُّص من الرِّبا.

(مسألة 377) إذا كان له دراهم فضيَّة في ذمَّة غيره فقال له حوِّلها دنانير ذهبيَّة في

ص: 141

ذمَّتك فقبل المديون صحّ ذلك وتحوَّل ما في الذمَّة إلى دنانير، وهكذا الحكم في غيرهما من العملات النَّقديَّة إذا كانت في الذمَّة فيجوز تحويلها من جنس إلى آخر بلا قبض.

(مسألة 378) لا يجري حكم الصرف على الأوراق النَّقديَّة الَّتي تعارف التَّعامل بها في عصورنا، سواء رصدت لها الحكومات ذهباً أم لا مع ثبوت الاعتبار للقوَّة الاعتباريَّة في العملة . فيصح بيع بعضها ببعض وصرفه من دون تقابض، سواء كانت لدولة واحدة كالدِّيناربالدِّينار، أم لدولتين كالتُّومان بالدِّينار.

(مسألة 379) إذا انشغلت ذمَّة الإنسان بنقد معين - كالدِّينار العراقي - وجب عليه في مقام الوفاء الدَّفع منه مهما طال الزَّمان وإن تغيَّرت قيمته السُّوقيَّة زيادة أو نقيصة، ولا يجب ملاحظة قيمته حين انشغال الذمَّة به. سواء كان انشغال الذمَّة به لاقتراضه، أم لإتلافه، أم لجعله ثمناً في بيع أو مهراً في نكاح، أو نحو ذلك، وهكذا الحال في كل ما تنشغل به الذمَّة من الأعيان المثليَّة إلاَّ أنَّه إذا حلَّ وقت الوفاء ولم يدفع مشغول الذمَّة ما عليه عمداً مع قدرته وسبَّب هذا التعطيل خسارة فإنَّ الواجب كسب رضا المالك لذلك المال بالمصالحة الَّتي تدفع خسارته.

(مسألة 380) إذا كان النَّقد الَّذي تنشغل به الذمَّة بدلاً عن مضمون قيمي - عيناً كان أو منفعةً - فاختلف سعر المضمون وجب دفع الثَّابت حين انشغال الذمَّة - من دون زيادة ولا نقيصة - إذا كان اختلاف السِّعر لاختلاف ماليَّة المضمون مع الموعد المتَّفق عليه في الوفاء، كما لو كان عزيز الوجود فابتذل أو كان مبتذل الوجود فعز، أمَّا إذا كان لاختلاف ماليَّة النَّقد كحالات الارتباك السُّوقي بين الصُّعود والنُّزول فالأمر لا يخلو عن إشكال، والأحوط وجوباً التَّصالح بين الطَّرفين.

(مسألة 381) إذا اقترض نقداً معيَّناً وكان المدفوع فئة خاصة منه - كفئة الخمسة وعشرين ديناراً - أو طبعة خاصَّة منه لو تفاوتت، لم يجب حفظ الخصوصيَّة المذكورة في مقام الوفاء لو كان الاعتبار واحداً، بل يكفي دفع أي فرد شاء يصدق عليه النَّقد

ص: 142

المذكور، وإن اختلف سعر الخصوصيَّتين فيما بينهما بعد ذلك، إلاَّ أن يشترط في القرض حفظ الخصوصيَّة المذكورة عند الوفاء، وكذا الحال في إتلاف بعض الأفراد منه، فإنَّه لا يجب حفظ الخصوصيَّة الَّتي يمتاز بها المتلف إذا لم يكن لها حين الإتلاف فرق في الماليَّة الخارجيَّة، وإن اختلفت قيمتها بعد ذلك، وكذا إذا ضمنها بسبب آخر غير الإتلاف، فإنَّه لا يجب الوفاء بواجد الخصوصيَّة الموجودة أو الشَّائعة الوجود حين الضمان، نعم إذا كان الاقتراض أو الإتلاف بعد اختلاف الخصوصيَّات في السِّعر الخارجي وجب الوفاء بواجد الخصوصيَّة المقترضة أو المتلفة.

(مسألة 382) إذا انشغلت ذمَّة الشَّخص بنقد خاص ثمَّ أسقطت الدَّولة الطَّبعة الشَّائعة منه واستبدلتها بطبعة أخرى تساويها وجب الوفاء من الطَّبعة الثَّانية، وأمَّا إذا أسقطت العملة رأساً بلا مقابل أو سقطت العملة بنفسها عن الماليَّة لسقوط الدَّولة فلا يجب الوفاء بغيرها ممَّا كان بسعرها من النُّقود أو الأعيان الأخرى لانتظار العملة المستبدلة حين مجيء الدَّولة الجديدة، وإذا تعطَّلت ونحو ذلك وكاد أن يلحق بالدَّائن ضرر فلا مانع.

(مسألة 383) إذا انشغلت الذمَّة بنقد معين ثمَّ منعت الدَّولة من التَّعامل به من دون أن تسقط ماليَّته وجب الوفاء به مهما بلغت قيمته.

(مسألة 384) تراب الصَّاغة إذا علم بأنَّ فيه ذهباً فقط وجهل قدره لم يجز بيعه بالذَّهب، بل يتعيَّن بيعه بالفضَّة مثلاً نقداً أو بغير الذهب والفضَّة نسيئة أو نقداً، وينعكسالحال لو علم باشتماله على الفضَّة فقط، فلا يجوز بيعه بالفضَّة، أمَّا لو علم باشتماله على الذَّهب والفضَّة فقط أو مع غيرهما ممَّا له قيمة جاز بيعه بالذَّهب فقط أو بالفضَّة فقط لكن بشرط العلم بزيادة الثَّمن إذا كان من الفضَّة عمَّا فيه من الفضَّة، وإذا كان من الذَّهب عمَّا فيه من الذَّهب، كما يجوز بيعه بالذَّهب والفضَّة معاً، ويجب فيه وفيما قبله التَّقابض، ويجوز بيعه بجنس ثالث كالأوراق النَّقدية والطَّعام، ولا يجب حينئذٍ

ص: 143

التَّقابض، وهذا هو الحال كذلك في كل ما اشتمل على الفضَّة أو الذَّهب من الأمتعة كالأواني والسُّيوف المحلاَّة وغيرها.

(مسألة 385) تراب الصَّاغة المشتمل على الذَّهب والفضَّة وغيرهما من الفلزَّات إن كان ما فيه منها باقياً على ملك أصحابه الأُول من دون أن يعرضوا عنه فمع معرفتهم بأعيانهم يجب مراجعتهم فيه، ومع تردِّدهم بين أفراد جماعة خاصَّة يجب مراجعة الكل والصلح معهم، ومع تردِّدهم بين جماعة غير معيَّنة مع حصول اليأس من أصحابه يتصدَّق به عنهم على الفقراء، أمَّا إذا كان ملكاً للصَّائغ فثمنه له، كما هو الغالب، إمَّا للبناء على إعراض أصحابه الأُول إن كانوا عنه، لعدم أهميَّته، أو للصُّلح معهم عنه بضمان الصَّائغ لنقص ما يأتون به منه وتعويضهم عنه أو نحوهما، ويجري التَّفصيل المذكور في أمثال الصَّاغة ممَّن تجتمع عندهم فضلات ما يعملون به، كالحديد عند الحدَّادين والقماش عند الخيَّاطين المالكين له، مع أهميَّة إبراء الذمَّة لو احتمل انشغالها بأموال النَّاس بدفع ما يسمَّى بمجهول المالك أو ردِّ المظالم ولو احتياطاً.

المبحث السَّابع: في الرِّبا

(مسألة 386) يحرم الرِّبا حرمة مغلَّظة، وهو قسمان (ربا معاملي) و(ربا قرضي).

(مسألة 387) الرِّبا المعاملي يقع في البيع قطعاً، وفي سائر المعاملات - احتياطاً - وهو أن يبيع شيئاً بجنسه مع الزِّيادة (العينيَّة) كأن يبيع كيلو من الحنطة، بكيلو ونصف، أو (الحكميَّة) كأن يبيع كيلو من حنطة نقداً بكيلو من حنطة نسيئة فيجب الابتعاد عنه عدا ما استثني.

(مسألة 388) يشترط في الرِّبا المعاملي أمران:

1- اتِّحاد الجنس، بأن يسمَّى كل من العوض والمعوض باسم واحد، وإن كان

ص: 144

أحدهما جيِّداً والآخر رديئاً.

2- كون العوضين من المكيل أو الموزون، فلا ربا فيما يُعد كالبيض، ولا فيما يذرع كالبزَّة من القماش، ولا فيما يمسح كالأرض في أمتارها.

(مسألة 389) ما ذكر من أنَّه لا ربا في غير المكيل والموزون إنَّما يصح التَّعامل في غيرهما إذا كان عقلائيَّاً، فتبديل ألف دينار بألف ومائة - باعتبار أنَّ الدِّينار معدود - غير صحيح، إذ ليس هذا بمعاملة عقلائيَّة، وإنَّما هي اضطراريَّة - لو صدرت عن عاقل، إذ طبيعة الزِّيادة في مثل الصَّرف هي ألف وواحد لا أكثر.

(مسألة 390) الحنطة والشَّعير - في باب الرِّبا - جنس واحد، فلا يصح تعويض أحدهما بالآخر بزيادة.

(مسألة 391) كل شيء مع أصله جنس واحد، كاللبن والجبن، والتَّمر ودبسه، والأرز وطحينه.

(مسألة 392) اللحوم والألبان والأدهان وأقسام الخل وما أشبهها، تختلف باختلاف الأصول، فلحم الغنم والإبل جنسان، ولبن الشَّاة والبقر جنسان، وخل التَّمر والعنب جنسان.

(مسألة 393) لا يصح بيع الجاف والرَّطب متماثلين أو متفاضلين كالزَّبيب والعنب، والتَّمر والرطب.

(مسألة 394) لو كان شيء مكيلاً في بلد ومعدوداً في بلد - كالسَّمك وبعض الفواكه - اعتبر لكل بلد حكمه.

(مسألة 395) لا يجوز التَّعامل مع البنوك الرَّبويَّة بالاستقراض مع الزِّيادة، أو الإقراض معها، من غير فرق بين الحكوميَّة والأهليَّة، نعم يجوز التَّعامل معها إيداعاً وحوالة وما أشبههما بشرط أن لا يعطي ولا يأخذ الرِّبا، إلاَّ إذا أحرزت الزِّيادة غير

ص: 145

المقصودة بالرِّبا بنحو الهديَّة.

وأمَّا البنوك الأجنبيَّة الكافرة فلا مانع من أخذ الزِّيادات منهم بشرط التَّخميس للزَّائد ما لم يكن الإيداع عندهم مضرَّاً بالمسلمين ومساعداً لمحاربتهم إيَّانا فلا يجوز حينئذ أصل الإيداع لذلك.

(مسألة 396) صندوق التَّوفير المتعارف في هذه الأزمنة قسم من مسِّببات الرِّبا، فلا يجوز مع قصد الرَّبويَّة في الزِّيادات.

(مسألة 397) لا يصح ضميمة (شخَّاطة) أو (سيكارة) احتياطاً مع مال مكيل أو موزون والتَّبادل مع الأزيد منه بما تخرج المعاملة عن العقلائيَّة، نعم لا مانع من الضَّميمة الَّتي لها ماليَّة عقلائيَّة كأن يضم توماناً أو ديناراً إلى كيلو من الحنطة ويبدلها بكيلوين، لأنَّها موجبة للتَّخلُّص من الرِّبا.

(مسألة 398) الرِّبا القرضي، وهو كلُّ ما جرَّ نفعاً، فلو أقرضه بيضاً مكسوراً بشرط أن يعطيه بيضاً صحيحاً كان من الرِّبا.

(مسألة 399) يصح فتح البنوك الإسلاميَّة، بأن تعمل جميع أعمال البنوك الموجودةباستثناء أخذ الرِّبا وإعطائه، وليس الرِّبا عصب البنك حتَّى يتوهَّم أنَّ ذلك موجب لعدم الرِّبح، أو عدم إمكان الإدارة من جهة وظائف المستخدمين، فإنَّ البنك كما يأخذ الرِّبا يعطيه، فلا يبقى لديه من الرِّبا إلاَّ شيء ضئيل - غالباً - وإنَّما غالب أرباحه من الحوالات وسائر أنواع التِّجارة الجائزة، كما أنَّ على الحكومة المسلمة أن تزوِّد البنك من رصيدها المالي، كما تزوِّد سائر المشاريع الإسلاميَّة إذا أفلست حتَّى لا يتجرَّأ بالمراباة تحجُّجاً بالحاجة إليها.

ص: 146

المبحث الثَّامن: في الإقالة

وهي فسخ العقد من أحد المتعاملين بعد طلبه - رجاءاً مثلاً - من الآخر، والظَّاهر جريانها في عامَّة العقود اللازمة حتَّى الهبة اللازمة، نعم لا تجري في النِّكاح، وفي جريانها في الضَّمان والصَّدقة إشكالٌ فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك، وتقع بكل لفظ يدل على المراد وإن لم يكن عربيَّاً، بل تقع بالفعل كما تقع بالقول، فإذا طلب أحد المتبايعين مثلاً الفسخ من صاحبه فدفع إليه ما أخذه منه كان فسخاً وإقالة ووجب على الطَّالب إرجاع ما في يده من العوض إلى صاحبه.

(مسألة 400) لا تجوز الإقالة بزيادة عن الثَّمن أو المثمن أو نقصان، فلو أقال كذلك بطلت وبقي كل من العوضين على ملك مالكه.

(مسألة 401) إذا جعل له مالاً خارجيَّاً أو في الذمَّة ليقيله بأن قال له أقلني ولك هذا المال، أو أقلني ولك عليّ كذا صحّ ذلك فيستحق المال بعد الإقالة.

(مسألة 402) لو أقال بشرط مال عين أو عمل كما لو قال للمستقيل: أقلتك بشرط أن تعطيني كذا، أو تخيط ثوبي فقبل صح.

(مسألة 403) لا يقوم وارث المتعاقدين مقامهما في صحَّة الإقالة فلا ينفسخ العقد بتقايل الوارثين.

ص: 147

كتاب الشُّفعة

اشارة

وفيه مبحثان:

الأوَّل: في معناها وثبوتها

(مسألة 404) إذا باع أحد الشَّريكين حصَّته من شخص أجنبي فللشَّريك الآخر أن ينزع الحصَّة عن الأجنبي، وهذا يسمَّى بحق (الشُّفعة) وصاحبه بالشَّفيع.

(مسألة 405) تثبت الشُّفعة في البيع وما يفيد فائدته كالهبة المعوَّضة والصُّلح بعوض، كما تثبت في المنقول كالبضاعة ونحوها وغير المنقول كالمزَارع والعقار سواء قَبِل القسمة أم لم يقبلها، وتثبت أيضاً في الوقف كالذرِّي فيما يجوز للحاكم الشَّرعي بيعه لبعض الاعتبارات لا في أساس حكمه.

المبحث الثَّاني: في شروطها

(مسألة 406) للشُّفعة شروط هي:

1 - أن يكون الانتقال بالبيع، لا يمثل الصِّداق ولا الهبة بدون عوض، ولا الصُّلح بدونه كذلك.

2 - أن تكون شركة في العين المملوكة، فلا شفعة في الجوار.

3 - أن تكون العين بين الشَّريكين لا أزيد، فإذا كانت مشتركة بين ثلاثة فما زاد وباع أحدهم لم تكن لأحدهم شفعة، وكذا إذا باعوا جميعاً إلاَّ واحداً منهم ما لم يصبه ضرر من ذلك.

ويستثنى ممَّا تقدَّم ما إذا كانت القضيَّة في دارين يختص كل منهما بشخص يملكه وكانا مشتركين في طريقهما فبيعت إحدى الدَّارين مع الحصَّة المشاعة من الطَّريق، ففي

ص: 148

مثل ذلك تثبت الشُّفعة لصاحب الدَّار الأخرى.

4 - أن يكون الشَّفيع قادراً على أداء الثَّمن، فلا تثبت للعاجز عنه وإن بذل الرَّهن أو وجد له ضامن إلاَّ أن يرضى المشتري بذلك، نعم إذا طلب الشُّفعة وادَّعى غيبة الثَّمن أُجِّل ثلاثة أيَّام فإن لم يحضره بطلت شفعته فإن ذكر أنَّ المال في بلد آخر أُجّل بمقدار وصول المال إليه وزيادة ثلاثة أيَّام فإن انتهى فلا شفعة، ويكفي في الأيَّام الثَّلاثة التَّلفيق، كما أنَّ مبدأها زمان الأخذ بالشُّفعة لا زمان البيع.

5 - أن يكون الشَّفيع مسلماً إذا كان المشتري مسلماً، فلا شفعة لكافر على مسلم.

6 - أن يأخذ الشَّفيع جميع الحصَّة، فليس له الأخذ ببعضها.

7 - أن يعلم الشَّفيع بالثَّمن حين الأخذ بالشُّفعة، فلا يصح بدونه وإن قال أخذت بالشُّفعة بالغاً ما بلغ الثَّمن - احتياطاً - .

8 - أن يكون الشَّيء المشاع قابلاً للقسمة كالأراضي والبساتين، فلو لم يكن قابلاً للقسمة، ففي ثبوت الشُّفعة فيه خلاف والأحوط اجتنابه.

(مسألة 407) الشَّفيع يتملَّك المبيع بإعطاء قدر الثَّمن لا بأكثر منه ولا بأقل، ولا يلزم أن يعطي عين الثَّمن في فرض التَّمكُّن منها، بل له أن يُعطي مثله إن كان مثليَّاً.

(مسألة 408) في ثبوت الشُّفعة في الثَّمن القيمي بأن يأخذ المبيع بقيمة الثَّمن إشكال والأحوط اجتنابه.

(مسألة 409) يلزم المبادرة إلى الأخذ بالشُّفعة، فيسقط مع المماطلة والتَّأخير بلا عذر، ولا يسقط إذا كان التَّأخير عن عذر - ولو كان عرفيَّاً - كجهله بالبيع أو جهله باستحقاق الشُّفعة أو توهُّمه كثرة الثَّمن فبان قليلاً، أو كون المشتري زيداً فبان عمرواً، أو أنَّه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو العكس، أو أنَّه واحد فبان اثنين أو العكس، أو أنَّ المبيع هو النِّصف بمائة دينار فتبيَّن أنَّه الرُّبع بخمسين ديناراً، أو كون الثَّمن ذهباً فبان فضَّة، أو لكونه محبوساً ظلماً أو بحق يعجز عن أدائه، وأمثال ذلك من الأعذار.

ص: 149

كتاب الصُّلح

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: في معناه وثبوته

(مسألة 410) الصُّلح هو التَّراضي بين شخصين على شبهة صارت بينهما لإسقاط أو تمليك عين أو منفعة أو حق بعوض مادي أو مجاناً ممَّا جعل الشَّارع أمره بين المتصالحين ولكن لا يشترط كونه مسبوقاً بالنزاع.

(مسألة 411) كل صلح جائز بين النَّاس، إلاَّ ما حرَّم حلالاً، أو حلَّل حراماً، أو غيَّر حكماً، فلا يصح على الفراق بدون الطَّلاق، أو الوطيء بدون نكاح، أو الإرث بدون سبب أو نسب.وهذا ما يستعمل كثيراً للأسف وبنحو شايع من بعض ما يسمَّى بشيوخ العشائر من المنتفعين أو الطَّاغوتيَّة أو المجتهدين ضدَّ شرع الله.

(مسألة 412) الصُّلح يحتاج إلى الإيجاب والقبول، وأمَّا إسقاط الحق أو الدَّين فلا يحتاج إلى قبول، ولا يتوقَّف على لفظ خاص.

(مسألة 413) إذا وقع عقد الصُّلح لزم، حذراً من المشاكل وتفاقمها، فليس لأحد الطَّرفين فسخه إلاَّ بالإقالة والتَّراضي.

(مسألة 414) يصح الصُّلح عن العين كالدار، والمنفعة كالإيجار، والدِّين، كالمال الَّذي بذمَّة شخص، والحق كحق التَّحجير، وفي كل صورة يصح الصُّلح بعوض، ويصح بلا عوض.

ص: 150

المبحث الثَّاني: في شروطه

(مسألة 415) يجب في المتصالحين أمور:

1 - البلوغ، فلا يصح الصُّلح من الصَّبي والصَّبيَّة.

2 - العقل، فلا يصح من المجنون والمجنونة.

3 - القصد، فلا يصح الصُّلح من الفاقد والفاقدة لقصدهما لسهو أو نوم.

4 - الاختيار، فلا يصح الصُّلح من المضطر والمضطرَّة بالتَّهديد ونحوه.

5 - أن لا يكونا محجوراً عليهما لسفه أو فلس.

(مسألة 416) لا يعتبر في الصُّلح العلم بالمصالح به، فإذا اختلط مال أحد الشَّخصين بمال الآخر جاز لهما أن يتصالحا على الشِّركة بالتَّساوي أو بالاختلاف، كما يجوز لأحدهما أن يصالح الآخر بمال خارجي معين، ولا يفرق في ذلك بين ما إذا كان التَّمييز بين المالين متعذراً وما إذا لم يكن متعذراً.

المبحث الثَّالث: في مسائله

(مسألة 417) لو علم المديون بمقدار الدين، ولم يعلم به الدَّائن وصالحه بأقل منه لم يحل الزَّائد للمديون، إلاَّ أن يعلم برضا الدَّائن بالمصالحة حتَّى لو علم بمقدار الدَّين أيضاً.

(مسألة 418) إذا كان شخصان لكل منهما مال في يد الآخر أو على ذمَّته وعلمت زيادة أحدهما على الآخر، فإن كان المالان بحيث لا يجوز بيع أحدهما بالآخر لاستلزامه الرَّبا لم يجز التَّصالح على المبادلة بينهما أيضاً، لأنَّ حرمة الرِّبا تعم الصُّلح على هذا النَّحو، وهكذا الحكم في صورة احتمال الزِّيادة وعدم العلم بها على الأحوط لزوماً.

ص: 151

ويمكن الاستغناء عن الصُّلح بالمبادلة بين المالين بالصُّلح على نحو آخر بأن يقول أحدهما لصاحبه في الفرض الأول (صالحتك على أن تهب لي ما في يدي وأهب لك ما في يدك) فيقبل الآخر، ويقول في الفرض الثَّاني (صالحتك على أن تبرأني ممَّا لك في ذمَّتي وأبرأك ممَّا لي في ذمَّتك) فيقبل الآخر.

(مسألة 419) لا بأس بالمصالحة على مبادلة دينين على شخص واحد أو على شخصين فيما إذا لم يستلزم الرِّبا على ما مرَّ في المسألة السَّابقة، مثلاً إذا كان أحد الدينين الحالّين من الحنطة الجيِّدة والآخر من الحنطة الرَّديئة وكانا متساويين في المقدار جاز التَّصالح على مبادلة أحدهما بالآخر، ولا يجوز ذلك في صورة عدم التَّساوي.

(مسألة 420) يصح الصُّلح في الدَّين المؤجَّل بأقل منه إذا كان المقصود إبراء ذمَّة المديون من بعض الدَّين وأخذ الباقي منه نقداً لا المعاوضة بين الزَّائد والنَّاقص، هذا فيما إذا كان الدَّين من جنس الذَّهب أو الفضَّة أو غيرهما في المكيل أو الموزون، وأمَّا في غير ذلك كالعملات الورقيَّة فتجوز المعاوضة عنه - صلحاً وبيعاً - بالأقل نقداً، سواء من المديون وغيره ومن ذلك خصم الصكوك وتنزيل الكمبيالات من المصارف وغيرها كما مرَّ لكنالاحتياط يقضى بالتَّفاهم في المجلس الواحد بدون تأجيل.

(مسألة 421) ينفسخ الصُّلح بتراضي المتصالحين بالفسخ، وكذا إذا فسخ من جعل له حق الفسخ منهما في ضمن الصُّلح.

ص: 152

كتاب الإجارة

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: في أنواعها

(مسألة 422) الإجارة على نوعين:

1 - الإجارة الَّتي تتعلَّق بأعيان مملوكة، كإجارة الإنسان دابَّته، أو عبده، أو داره، أو ما أشبهها للانتفاع بها مدَّة معيَّنة.

2 - الإجارة الَّتي تتعلَّق بنفس الإنسان، كأن يؤجِّر الإنسان نفسه لعمل معيَّن، كالخياطة والبناء، والإرضاع من المرضعات لأطفال يحتاجون له كفقد أمهاتِّهم أو جفاف لبنهنَّ ونحو ذلك.

المبحث الثَّاني: في شروطها

(مسألة 423) يشترط في الإجارة اللازمة الإيجاب والقبول الاصطلاحييَّن، وتصح فيها المعاطاة، سواء بلفظ أحد الطَّرفين وقبول الآخر بلا لفظ أو من سكوت الاثنين أو بلفظ غير اصطلاحي من الاثنين، مع وجود القرائن على صدق الإيجار، إلاَّ أنَّ المعاطاة لا تفيد إلاَّ الجواز بلا أيِّ لزوم ولو بالمناولة السكوتيَّة.

(مسألة 424) يشترط في صحَّة الإجارة أمور:

الأوَّل: يعتبر في المتعاقدَين البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر، فلا يصح من الصَّبي والمجنون والغافل والمكره والسَّفيه أو المفلس.

الثَّاني: يعتبر في العين المستأجرة أمور:

ص: 153

1 - أن تكون معيَّنة، فلا تصح إجارة إحدى الدَّارين بلا تعيين.

2 - المعلوميَّة، فلا تصح إجارة داره الَّتي في مكان كذا بدون المشاهدة وذكر الأوصاف، لعدم العلم بالنَّتيجة.

3 - كونها مقدور على تسليمها، فلا تصح إجارة الدابَّة الشَّاردة الَّتي لا يقدر المالك على تسليمها أو الطَّير في السَّماء والسَّمك في الآجام (الأحواض النَّهريَّة).

4 - كونها ممَّا يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها، فلا يصح إجارة أرض الزِّراعة، مع كونها سبخة لا تزرع أصلاً، ولا إجارة الخبز للأكل، لعدم إمكان الانتفاع في الأرض، وعدم بقاء العين في الخبز.

5 - أن تكون مملوكة بما يصح إجارتها، فلا تصح إجارة غير المملوك، ولا ما لا تصح إجارته كالدَّار الموقوفة للسُّكنى فقط.

الثَّالث: يعتبر في المنفعة أمور:

1 - أن تكون مباحة، فلا تصح إجارة الدكَّان لصنع المسكر، ولا الجارية للغناء.

2 - أن تكون متموِّلة ببذل العقلاء بإزائها المال، فلا تصح إجارة الدجاجة لأكل بعض الذباب.

3 - أن يعيِّن أحد أفراد المنفعة أو نوعها أو جميعها، فيما كان للعين منافع متعدِّدة كإجارة الدابة للركوب، أو الحمل، أو الطحن أو سقي المزارع.

4 - أن تكون المنفعة معلومة، إمَّا بالزَّمان كإجارة الدَّار شهراً، أو بتقدير العمل كإجارتها لعصر ألف برتقالة فيها.

الرَّابع: يعتبر في الأجرة أمور:

1 - معلوميَّة الأجرة كمائة دينار، أو مَنٍّ مِن حنطة، أو عشر بيضات، أو عشرين ذراعاً بزَّة كذائيَّة.

2 - أن تكون معيَّنة في أنَّها هل هي كليَّة في الذمَّة أو خارجيَّة، عملاً أو منفعة، أو

ص: 154

حق في شخصها.

المبحث الثَّالث: في مسائلها

(مسألة 425) لا يشترط اتِّصال زمان الإجارة بالعقد، فلو آجر داره من أوَّل محرَّم، وهما في شهر رمضان صحَّت.

(مسألة 426) عقد الإجارة لازم من الطَّرفين، لا تنفسخ إلاَّ بالتَّقايل أو الفسخ من أحدهما.

(مسألة 427) يجري في عقد الإجارة خيار تخلُّف الوصف وخيار الغبن، وخيار الشَّرط، وخيار العيب، وخيار الرؤيَّة، وخيار التَّبعيض.

المبحث الرَّابع: في السَّرقفليَّة

من المعاملات الشَّائعة بين التُّجَّار والكسبة ما يسمَّى ب- (السَّرقفليَّة ) ويراد بها تنازل المستأجر عمَّا تحت تصرُّفه بإيجار المحل الَّذي يشغله لآخر إزاء مقدار من المال يتَّفق عليه الطَّرفان ، وتطلق أيضاً على تنازل المالك للمستأجر عن حقِّه في إخراجه من المحل أو زيادة بدل الإيجار بعد نهاية مدَّة الإجارة إزاء مقدار من المال يتَّفقان بشأنه كما سيجيء بعض الأحكام عنها.

(مسألة 428) استئجار الأعيان المستأجرة كمحلاَّت الكسب والتِّجارة لا يُحدث حقَّاً للمستأجر فيها بحيث يمكنه إلزام المؤجِّر عدم إخراجه منها وتجديد إيجارها منه بمقدار بدل إيجارها السَّابق بعد نهاية الإجارة، وكذا طول إقامة المستأجر في المحل، ووجاهته في مكسبه الموجبة لتعزيز الموقع التِّجاري للمحل لا يوجب شيء من ذلك حقَّاً له في البقاء، بل إذا تمَّت مدَّة الإجارة يجب عليه تخلية المحل وتسليمه إلى صاحبه.

ص: 155

وإذا استغلَّ المستأجر القانون الحكومي الوضعي الَّذي يقضي بمنع المالك عن إجبارالمستأجر على التَّخلية أو عن الزِّيادة في بدل الإيجار فامتنع عن دفع الزِّيادة أو التَّخلية فعمله هذا محرَّم، ويكون تصرُّفه في المحل بدون رضا المالك غصباً، وكذا ما يأخذه من المال إزاء تخليته حراماً.

(مسألة 429) إذا آجر المالك محلَّه من شخص سنة بمائة دينار مثلاً وقبض إضافة على ذلك مبلغ خمسمائة دينار مثلاً إزاء اشتراطه على نفسه في ضمن العقد أن يجدِّد الإيجار لهذا المستأجر - أو لمن يتنازل له المستأجر من الآخرين على المائة بدون زيادة أو بزيادة متعارفة، وكذا إذا أراد المستأجر الثَّاني التَّنازل عن المحلِّ لثَّالث أن يعامله بمثل ذلك وهكذا - صحَّ هذا الاشتراط، وحينئذ يجوز للمستأجر أن يأخذ إزاء تنازله عن حقِّه مبلغاً يساوي ما دفعه إلى المالك نقداً أو أكثر أو أقل حسب ما يتَّفقان عليه.

(مسألة 430) إذا آجر المالك محلَّه من شخص مدَّة معلومة وشرط على نفسه - إزاء مبلغ من المال أو بدونه - في ضمن العقد أن يجدِّد إيجاره له سنويَّاً بعد نهاية المدَّة بالصُّورة الَّتي وقع عليها في السَّنة الأولى أو على النَّحو المتعارف في كل سنة، فاتَّفق أنَّ شخصاً دفع مبلغاً للمستأجر إزاء تنازله عن المحل وتخليته فقط - حيث لا يكون له إلاّ حقّ البقاء وللمالك الحريّة في إيجار المحلّ بعد خروجه كيف ما شاء - فعندئذٍ يجوز للمستأجر أخذ المبلغ المتّفق عليه ، وتكون السَّرقفليَّة بإزاء التَّخلية فحسب، لا بإزاء انتقال حق التَّصرُّف منه إلى دافعها.

(مسألة 431) يجب على المالك الوفاء بما اشترطه على نفسه في ضمن عقد الإجارة، فيجب عليه في مفروض المسألة (429) أن يؤجِّر المحل للمستأجر أو لمن يتنازل له عنه بدون زيادة أو بزيادة متعارفة عليه حسب ما اشترط على نفسه كما يجب عليه في مفروض المسألة السَّابقة أن يجدِّد الإيجار للمستأجر ما دام يرغب في البقاء في المحل بمقدار بدل الإيجار السَّابق أو بما هو بدل إيجاره المتعارف حسبما هو مقرَّر في الشَّرط.

ص: 156

وإذا تخلَّف المالك عن الوفاء بشرطه وامتنع عن تجديد الإيجار فللمشروط له إجباره على ذلك ولو بالتَّوسُّل بالحاكم الشَّرعي أو غيره من غير ظلم، ولكن إذا لم يتيسَّر إجباره - لأيِّ سبب كان - فلا يجوز له التَّصرُّف في المحل من دون رضا المالك.

(مسألة 432) إذا جعل الشَّرط في عقد الإجارة في مفروض المسألتين (429 - 430) على نحو شرط النَّتيجة - لا على نحو شرط الفعل، أي اشتراط تجديد الإجارة كما فرضناه - بأن اشترط المستأجر على المؤجِّر أن يكون له أو لمن يعيِّنه مباشرة أو بواسطة حقِّ إشغال المحل والاستفادة منه إزاء مبلغ معيَّن سنويَّاً، أو بالقيمة المتعارفة في كلِّ سنة، فحينئذٍ يكون للمستأجر - أو لمن يعيِّنه - حقُّ إشغال المحل والاستفادة منه ولو من دون رضا المالك، ولا يحق للمالك أن يطالب بشيء سوى المبلغ الَّذي اتَّفقا عليه إزاء الحق المذكور.

ص: 157

كتاب الوديعة

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: في معناها وأقسامها

(مسألة 433) الوديعة هي أن يودع الإنسان شيئاً عند غيره، ليحفظه لمالكه بغير أجرة، ويقال لذلك الشَّخص (المودع) ولذلك الغير (الودعي).

(مسألة 434) الوديعة (الأمانة) على قسمين مالكيَّة وشرعيَّة:

أمَّا الأولى: فهو ما كان باستئمان من المالك وإذنه، سواء أكان عنوان عمله ممحَّضاً في الحفظ والصِّيانة كالوديعة، أم كان يتبع عنواناً آخر مقصوداً بالذَّات كما في الرَّهن والعاريَة والإجارة والمضاربة.

وأمَّا الثَّانية: فهو ما لم يكن الاستيلاء فيه على العين باستئمان من المالك وإذنه وقد صارت تحت اليد لا على وجه العدوان، بل إمَّا قهراً كما إذا أطارت الرِّيح الثَّوب إلى بيت الجار فصار في يده، وإمَّا بتسليم المالك لها من دون اطِّلاع منهما كما إذا تسلَّم البائع أو المشتري زائداً على حقِّهما من جهة الغلط في الحساب، وإمَّا برخصة الشَّارع كاللَّقطة والضالَّة وما ينتزع من يد السَّارق أو الغاصب من مال الغير حسبة للإيصال إلى صاحبه، فإنَّ العين في جميع هذه الموارد تكون تحت يد المستولي عليها أمانة شرعيَّة يجب عليه حفظها، فإن كان يعرف صاحبها لزمه إعلامه بكونها عنده والتَّخلية بينها وبينه بحيث لو أراد أن يأخذها أخذها، وأمَّا لو كان صاحبها مجهولاً كما في اللَّقطة فيجب الفحص عن المالك على ما سيأتي من التَّفصيل في ذلك.

(مسألة 435) الوديعة عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول، ويصح بالمعاطاة، وهي جائزة من الطَّرفين وإن كانت مؤجَّلة فلكل منهما فسخها متى شاء.

ص: 158

المبحث الثَّاني: في شروطها

(مسألة 436) يعتبر في الطَّرفين، البلوغ، والعقل، والقصد، والاختيار، فلا يجوز استقلال الصَّبي بإيداع ماله عند آخر وإن كان مميِّزاً وإن إذن وليه في ذلك فلا مانع، كما لا يصح استيداعه مطلقاً وإن جاز بتفريط المودع، نعم يجوز أن يودع الطفل المميِّز مال غيره بإذنه كما في البيع.

ويعتبر في المودع أيضاً أن لا يكون سفيهاً ولا محجوراً عليه لفلس إلاّ إذا لم تكن الوديعة من أمواله الَّتي حجر عليها.

كما يعتبر في الودعي أن لا يكون محجوراً عليه في ماله لسفه أو فلس إذا كانت صيانة الوديعة وحفظها تتوقَّف على التَّصرفات النَّاقلة أو المستهلكة فيه كالبيع ونحوه.

(مسألة 437) يشترط في المستودع القدرة على حفظ المال، فمن لا يتمكَّن من حفظ الوديعة لا يجوز له قبولها، ولو تسلَّمها كان ضامناً، نعم مع علم المودع بحاله يجوز له القبول ولا ضمان عليه.

المبحث الثَّالث: في مسائلها

(مسألة 438) لو أودع الصَّبي أو المجنون مالاً عند أحد فأخذه صارت أمانة شرعيَّة، على آخذها إعلام الولي بذلك لا وديعة مالكيَّة، كما أنَّه لو أودع عند الصَّبي أو المجنون فتلف ولو بالتعدِّي لم يضمناه، لأنَّه هو سبب إتلاف ماله.

(مسألة 439) لو عيَّن المودع خصوصيَّة كحفظها في مكان خاص لزم، وإن لم يعيِّن كان على المستودع حفظها بما جرت العادة بحفظها ك- (القاصة).

(مسألة 440) لو تلفت الوديعة في يد المستودع، بلا تعد أو تفريط أو أخذها الجائر

ص: 159

قهراً بلا إمكانه لدفعه لم يضمن، لأنَّه أمين أساساً، ولو تعدَّى أو فرَّط ضمن.

(مسألة 441) لا يجوز تسلُّم ما يودعه الصَّبي من أمواله ومن أموال غيره بدون إذن مالكه، فإن تسلَّمه الودعي ضمنه ووجب ردِّ مال الطِّفل إلى وليه، وردِّ مال الغير إلى مالكه، نعم لو خيف على ما في يد الطِّفل من التَّلف والهلاك خوفاً عاديَّاً عقلائيَّاً بدون مبالغة زائدة جاز أخذه منه حسبة ووجب ردُّه إلى الولي أو المالك ولا يضمنه الآخذ حينئذٍ من دون تعدٍّ ولا تفريط.

(مسألة 442) إذا طلب شخص من آخر أن يكون ماله وديعة لديه فلم يوافق على ذلك ولم يتسلّمه منه ومع ذلك تركه المالك عنده ومضى فتلف المال لم يكن ضامناً، وإن كان الأولى أن يحفظه بقدر الإمكان.

(مسألة 443) لو فسخ الودعي الوديعة وجب عليه أن يوصل المال فوراً إلى صاحبه أو وكيله أو وليه أو يخبره بذلك، وإذا لم يفعل من دون عذر شرعي وتلف فهو ضامن.(مسألة 444) إذا لم يكن للودعي محل مناسب لحفظ الوديعة وجبت عليه تهيئته على وجه لا يقال في حقِّه أنَّه قصَّر في حفظها، فلو أهمل وقصَّر في ذلك ضمن.

(مسألة 445) لا يضمن الودعي المال إلاّ بالتَّعدي أو التَّفريط، والتَّعدي هو أن يتصرَّف فيه بما لم يأذن له المالك كأن يلبس الثَّوب أو يفرش الفراش ونحو ذلك إذا لم يتوقَّف حفظها على التَّصرف.

والتَّفريط هو أن يقصِّر في حفظه بأن يضعه - مثلاً - في محل لا يأمن عليه من السَّرقة، فلو تعدَّى أو فرَّط ضمنه، ولو رجع عن تعدِّيه أو تفريطه ارتفع الضمان، ومعنى كونه مضموناً عليه بالتَّعدي والتَّفريط هو كون بدله عليه لو تلف وإن لم يكن تلفه مستنداً إلى تعدِّيه أو تفريطه الشَّخصي.

ص: 160

(مسألة 446) لو أخذت الوديعة من يد الودعي قهراً بأن انتزعت من يده أو أمره الظالم بدفعها إليه بنفسه فدفعها كرهاً لم يضمنها، ولو تمكَّن من دفع الظالم عنه بالوسائل المشروعة الموجبة لسلامة الوديعة وجب، حتَّى أنَّه لو توقَّف دفعه عنها على إنكارها كاذباً، بل لو توقَّف الحلف على ذلك جاز، بل وجب فإن لم يفعل ضمن ، ولكن مع التفاته إلى التَّورية وتيسُّرها له فالأحوط وجوباً اختيارها بدلاً عن الكذب.

(مسألة 447) إذا عيَّن المودع للوديعة محلاًّ معيَّناً وكان ظاهر كلامه - ولو بحسب القرائن - أنَّه لا خصوصيَّة لذلك المحل عنده وإنَّما كان تعيينه نظراً إلى أنَّه أحد موارد حفظه فللودعي أن يضعه في محل آخر أحفظ من المحل الأوَّل أو مثله ولو تلف المال - حينئذٍ - لم يضمن مع الاحتياط بإرضاء المودع لو لم يرض بهذا التَّلف.

(مسألة 448) إذا أودع الغاصب ما غصبه عند أحد لا يجوز له ردُّه عليه مع الإمكان، بل يكون أمانة شرعيَّة في يده فيجب عليه إيصاله إلى صاحبه أو إعلامه به ، هذا إذا عرفه وإلاَّ عرَّف به فإن يأس من الوصول إليه تصدَّق به عنه مع الاستجازة في ذلك من الحاكم الشَّرعي على الأحوط لزوماً، كل ذلك في مورد الإمكان وعدم التَّضرُّر من الغاصب، وإلاَّ فالضَّرورة تقدَّر بقدرها.

(مسألة 449) إذا مات المالك المودع بطلت الوديعة فإن انتقل المال إلى وارثه من غير أن يكون متعلِّقاً لحق الغير وجب على الودعي إيصاله إلى الوارث أو وليِّه أو إعلامه بذلك - بخلاف ما إذا لم ينتقل إليه أصلاً كما لو أوصى بصرفه في الخيرات وكانت وصيَّته نافذة أو انتقل متعلِّقاً لحق الغير كأن يكون عيناً مرهونة اتَّفق الرَّاهن والمرتهن على إيداعها عند ثالث - فإن أهمل لا لعذر شرعي ضمن، ومن العذر عدم علمه بكون من يدِّعي الإرث وارثاً أو انحصار الوارث فيه، فإنَّ في مثل ذلك يجوز له التَّأخير في ردِّ المال لأجل التَّروي والفحص عن حقيقة الحال ولا يكون عليه ضمان مع عدم التَّعدِّي والتَّفريط.

ص: 161

(مسألة 450) لو مات المودع وتعدَّد مستحق المال وجب على الودعي أن يدفعه إلى جميعهم أو إلى وكيلهم في قبضه، فلو دفع تمام الوديعة إلى أحدهم من دون إجازة الباقين ضمن سهامهم.(مسألة 451) لو مات الودعي أو أغمي عليه إغماءاً مطبقاً بطلت الوديعة ووجب على من بيده المال إعلام المودع به فوراً أو إيصاله إليه ، وأمَّا لو كان إغماؤه مؤقَّتاً ففي بطلان الوديعة به إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك بمثل التَّوقُّف عن إعلام المودع به.

(مسألة 452) إذا أحسَّ الودعي بإمارات الموت في نفسه ولم يكن وكيلاً في تسليمها إلى غيره فإن أمكنه إيصالها إلى صاحبها أو وكيله أو وليه أو إعلامه بذلك تعيَّن عليه ذلك على الأحوط لزوماً، وإن لم يمكنه لزمه الاستيثاق من وصولها إلى صاحبها بعد وفاته ولو بالإيصاء بها والاستشهاد على ذلك وإعلام الوصي والشَّاهد باسم صاحب الوديعة وخصوصيَّاته ومحلِّه، ولو لم يعمل بما تقدَّم كان ضامناً للوديعة، وإن برء من المرض أو ندم بعد مدَّة لو قصَّر وعمل بما تقدَّم ارتفع عنه الضمان فحينما تلفت لم يكن ضامناً.

ص: 162

كتاب الشِّركة

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: في أسبابها وشرائطها

(مسألة 453) الشِّركة كون شيء واحدٍ لاثنين أو أزيد، وهي إمَّا في عين كالدَّار، أو دين كمقدار من المال، أو منفعة كخدمة عبد، أو حق كالشُّفعة، وسببها أحد أمور:

1 - الإرث، كأن يتوارثا مالاً لأبيهما، فيكون مشتركاً بينهما.

2 - العقد، كأن يشتريا مالاً، أو ينتقل إليهما بسائر أنواع العقود من صلح أو هبة أو إجارة أو تحجير أو غيرها، وتسمى ب- (الشَّركة العقديَّة) وتقع على أنحاء بعضها صحيح وبعضها فاسد كما سيأتي.

3 - الحيازة، كأن يقتلع اثنان معاً شجرة أو يصيدا صيداً.

4 - الامتزاج، كما لو امتزج ماءان لشخصين، أو ماء ولبن لهما، ومن الامتزاج مزج الحنطة بالحنطة والشَّعير بالشَّعير، لكن إذا اشتركا بأن عمل شخص عملاً له أرباحه فيه وعمل الآخر عملاً له أرباحه الخاصَّة كذلك وبما قد يزيد ربح كل منهما على ما يصل إلى الآخر منه أو ينقص عنه على أن يجمعا المالين في آخر النَّهار ويقتسماه بالسَّويَّة فهو مرفوض محرَّم في خصوص الأرباح، لأنَّ هذا من ملحقات شركة الأعمال.

(مسألة 454) تنعقد الشِّركة العقديَّة بإيجاب أحدهما وقبول الآخر، وبقولهما (اشتركنا)،أو المعاطاة بأن يخلطا المالين بقصد الاكتساب الجديد.

(مسألة 455) يعتبر في الشِّركة العقديَّة (البلوغ) و(العقل) و(القصد) و(عدم الحجر)، فلا يصح شركة الصَّبي والمجنون والمكره والسَّفيه الَّذي يصرف أمواله في غير موقعه والمفلس فيما حجِّر عليه من أمواله.

ص: 163

المبحث الثَّاني: في أنواعها

( مسألة 456) لو اتَّفق شخصان - مثلاً - على الاتِّجار والتَّكسُّب بعين أو أعيان مشاعة بينهما على أن يكون بينهما ما يحصل من ذلك من ربح أو خسران كانت الشِّركة صحيحة، وتسمَّى هذه ب- (الشِّركة الإذنيَّة).

ولو أنشأ شخصان - مثلاً - المشاركة في رأس مال مكوَّن من مالهما للإتِّجار والتَّكسُّب به وفق شروط معيَّنة كانت الشِّركة صحيحة أيضاً، وتسمَّى ب- (الشِّركة المعاوضيَّة) لتضمنها انتقال حصَّة من مال كل منهما إلى الآخر، وستأتي في نفس المسألة المشار إليها.

المبحث الثَّالث: في مسائلها

(مسألة 457) لو قرَّر شخصان - مثلاً - الاشتراك فيما يربحانه من أُجرة عملهما، كما لو قرَّر حلاَّقان أن يكون كل ما يأخذانه من أجرة الحلاقة مشتركاً بينهما كانت الشِّركة باطلة، لكونها من شركة الأعمال كما سلف نظيره، نعم لو صالح أحدهما الآخر بنصف منفعته إلى مدَّة معيَّنة - كسنة مثلاً - بإزاء نصف منفعة الآخر إلى تلك المدَّة وقَبل الآخر صحَّ واشترك كل منهما فيما يحصله الآخر في تلك المدَّة من الأجرة، وهذا ما قد يفضلِّه صاحب المحل الأصلي للحلاقة عادة حينما تكون محاصيله في الحلاقة قليلة ومحاصيل عامله كثيرة.

(مسألة 458) لا يجوز اشتراك شخصين - مثلاً - على أن يشتري كل منهما متاعاً نسيئة لنفسه ويكون ما يبتاعه كل منهما بينهما، فيبيعانه ويؤدِّيان الثَّمن ويشتركان فيما يربحانه منه لكونه يؤل بالتَّالي إلى شِركة الأعمال، نعم لا بأس بأن يوكل كل منهما

ص: 164

صاحبه في أن يشاركه فيما اشتراه بأن يشتري لهما وفي ذمَّتهما، فإذا اشترى شيئاً كذلك يكون لهما ويكون الرِّبح والخسران أيضاً بينهما.

(مسألة 459) لا بأس باشتراط زيادة الرِّبح عما تقتضيه نسبة المالين لمن يقوم بالعمل من الشَّريكين، أو الَّذي يكون عمله أكثر أو أهم من عمل الأخر، ويجب الوفاء بهذا الشَّرط أو الاتِّفاق، وهكذا الحال لو اشترطت الزِّيادة لغير العامل منهما أو لغير من يكون عمله أكثر أو أهم من عمل صاحبه، ولو اشترطا أن يكون تمام الرِّبح لأحدهما أو يكون تمام الخسران على أحدهما ففي صحَّة العقد إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك ولو بمسمَّى الرِّبح لمن تراد الخسارة له ولو كانت قليلة.

(مسألة 460) إذا لم يشترطا لأحدهما زيادة في الرِّبح على الآخر، فإن تساوى المالان تساويا في الرِّبح والخسران، وإلاَّ كان الرِّبح والخسران بنسبة المالين، فلو كان مال أحدهما ضعف مال الآخر كان ربحه وضرره ضعف الآخر، سواء تساويا في العمل أو اختلفا أو لم يعمل أحدهما أصلاً.

(مسألة 461) لو اشترطا في عقد الشِّركة أن يشترك في العمل كل منهما مستقلاًّ، أو يعمل أحدهما فقط، أو يعمل ثالث يستأجر لذلك وجب العمل على طبق الشَّرط.

(مسألة 462) إذا لم يعيِّنا العامل فإن كانت الشِّركة إذنيَّة كما مرَّ تصويرها لم يجز لأيٍّ منهما التَّصرُّف في رأس المال بغير إجازة الآخر، وإن كانت الشِّركة معاوضيَّة كما مرَّ كذلك جاز تكسُّب كل منهما برأس المال على نحو لا يضر بالشِّركة.

(مسألة 463) يجب على من له العمل أن يكون عمله على طبق ما هو المقرَّر بينهما، فلو قرَّرا - مثلاً - أن يشتري نسيئة ويبيع نقداً، أو يشتري من المحل الخاص وجب العمل به، ولو لم يعيِّن شيء من ذلك لزم العمل بما هو المتعارف على وجه لا يضر بالشَّركة، وممَا يضر بها ما لا يرضى به الطَّرف الآخر وإن قلَّ جزئيَّاً عن المتعارف حتَّى لو احتمله صاحبه بأنَّه قد يرضى لو علم به.

ص: 165

(مسألة 464) لو تخلَّف العامل عما شرطاه، أو عمل على خلاف ما هو المتعارف في صورة عدم الشَّرط أثم ولكن تصح المعاملة، فإن كانت رابحة اشتركا في الرِّبح وإن كانتخاسرة أو تلف المال ضمن العامل الخسارة أو التَّلف.

(مسألة 465) الشَّريك العامل في رأس المال أمين، فلا يضمن التَّالف كلاً أو بعضاً من دون تعدٍّ أو تفريط.

(مسألة 466) لو ادَّعى العامل التَّلف في مال الشَّركة فإن كان مأموناً عند صاحبه لم يطالبه بشيء، وإلاَّ جاز له رفع أمره إلى الحاكم الشَّرعي.

(مسألة 467) لو جعلا للشَّركة أجلاً فإن كانت معاوضيَّة لزم مطلقاً، وإن كانت إذنيَّة لم يلزم، فيجوز لكل منهما الرُّجوع قبل الانقضاء، نعم لو اشترطا عدم فسخها إلى أجل معيَّن صحَّ الشَّرط ووجب العمل به، ولكن مع ذلك تنفسخ بفسخ أي منهما وإن كان الفاسخ آثماً.

(مسألة 468) إذا مات أحد الشُّركاء لم يجز للآخرين التَّصرُّف في مال الشَّركة، وكذلك الحال في الجنون والإغماء والسَّفه إلى حين حضور الورثة أو الأولياء الشَّرعيِّين واطِّلاعهم لتطبيق ما تقتضيه المصلحة الشَّرعيَّة.

(مسألة 469) لو اتَّجر أحد الشَّريكين بمال الشِّركة ثمَّ ظهر بطلان عقد الشِّركة، فإن لم يكن الإذن في التَّصرُّف مقيَّداً بصحَّة الشِّركة صحَّت المعاملة ويرجع ربحها إليهما، وإن كان الإذن مقيَّداً بصحَّة العقد كان العقد بالنِّسبة إلى الآخر فضوليَّاً، فإن أجاز صاحبه صحَّ وإلاَّ بطل.

(مسألة 470) لا يجوز لبعض الشُّركاء التَّصرُّف في المال المشترك إلاَّ برضا الباقين، ومتى طلب أحدهم القسمة فإن كانت قسمة ردَّ (أي يتوقَّف تعديل السِّهام على ضمِّ مقدار من المال إلى بعضها ليعادل البعض الآخر) أو كانت مستلزمة للضَّرر لم يجب

ص: 166

على الباقين القبول وإلاَّ وجب عليهم ذلك، ولو طلب أحدهم بيع ما يترتَّب على قسمته ضرر ليقسِّم الثَّمن تجب إجابته ويجبر عليه الممتنع لانسجام أمر الحق مع هذا الجبر، وبالأخص لو انحصر الأمر فيه.

ص: 167

كتاب المضاربة

اشارة

وفيه مبحثان:

الأوَّل: في معناها وشروطها

(مسألة 471) المضاربة: هي (عقد واقع بين شخصين على أن يدفع أحدهما إلى الأخر مالاً ليتَّجر به ويكون الرِّبح بينهما)، ويعتبر فيها أمور:

(الأوَّل): الإيجاب والقبول، ويكفي فيهما كل ما يدل عليهما من لفظ أو فعل.

(الثَّاني): البلوغ والعقل والرُّشد والاختيار في كل من المالك والعامل، وأمَّا عدم الحجر من فلس فهو إنَّما يعتبر في المالك دون العامل إذا لم تقتض المضاربة تصرفه في أمواله التي حجر عليها.

(الثَّالث): تعيين حصَّة كل منهما بالكسور الاعتياديَّة مثلاً من نصف أو ثلث أو نحو ذلك، إلاَّ أنَّ يكون هناك تعارف خارجي ينصرف إليه الإطلاق، ولا يجوز تعيين حصَّة أي منهما بغير ذلك، كأن تُعيَّن حصَّة المالك بمائة دينار في كل شهر، نعم يجوز بعد ظهور الرِّبح أنَّ يصالح أحدهما الآخر عن حصَّته منه بمبلغ محدَّد.

(الرَّابع): أن يكون الرِّبح بينهما، فلو شرط مقدار منه لأجنبي لم تصح المضاربة إلاَّ إذا اشترط عليه عمل متعلَّق بالتِّجارة.

(الخامس): أن يكون العامل قادراً على التِّجارة فيما كان المقصود مباشرته للعمل، فإذا كان عاجزاً عنه لم تصح.

هذا إذا أخذت المباشرة قيداً، وأمَّا إذا كانت شرطاً لم تبطل المضاربة ولكن يثبت للمالك الخيار عند تخلُّف الشَّرط.

وأمَّا إذا لم يكن لا هذا ولا ذاك وكان العامل عاجزاً عن التِّجارة حتَّى بالتَّسبيبب

ص: 168

طلت المضاربة، ولا فرق في البطلان بين تحقُّق العجز من الأوَّل وطروِّه بعد حين فتنفسخ المضاربة من حين طرو العجز.

المبحث الثَّاني: في مسائلها

(مسألة 472) العامل أمين لا ضمان عليه لو تلف المال أو تعيب تحت يده إلاَّ مع التَّعدِّي أو التَّفريط، كما أنَّه لا ضمان عليه من جهة الخسارة في التِّجارة بل هي واردة على صاحب المال.

(مسألة 473) عقد المضاربة قابل للشُّروط الصَّحيحة، فلو اشترط أحدهما على الآخر قرضاً أو قِراضاً أو بضاعة أو بيعاً أو مالاً أو عملاً صحَّ، و كذا لو اشترط المالك على العامل ضمان المال أو كون الخسران بينهما أو اشترط العامل على المالك عدم جبر الرِّبح للخسران مطلقاً أو على نحو خاص، فإذا تخلَّف الشَّرط فللمشروط له فسخ العقد، فيرجع الرِّبح لو كان إلى المالك ويستحق العامل عليه أجرة المثل، وبذلك يفترق عن الفسخ المتفرِّع على جواز العقد، فإنَّه لا يؤثِّر في الرِّبح الحاصل وإنَّما يؤثِّر في إبطال الاستمرار.

ولو اشترط أن يكون تمام الخسارة على ذمَّته صحَّ الشَّرط ولكن يكون تمام الرِّبح أيضاً للعامل من دون مشاركة المالك فيه، ولو اشترط عليه أن يعوِّضه عمَّا يقع من الخسارة في رأس المال - كلاًّ أو بعضاً - صحَّ الشَّرط ولزم العامل الوفاء به.

(مسألة 474) المضاربة وهي - المشاركة الإذنيَّة الَّتي مرَّت وهي المرتبطة بالرِّبح والخسارة معاً - عقد جائز من الطَّرفين، بمعنى أنَّ للمالك أن يسحب إذنه في تصرُّف العامل في ماله متَّى شاء، كما أنَّ للعامل أن يكفَّ عن العمل متَّى ما أراد، سواء أكان قبل الشُّروع في العمل أم بعده، وسواء كان قبل تحقُّق الرِّبح أو بعده، وسواء كان العقد

ص: 169

مطلقاً أو مقيَّداً إلى أجل خاص، نعم لو اشترطا عدم فسخه إلى أجل معيَّن صحَّ الشَّرط ووجب العمل به، ولكن مع ذلك ينفسخ بفسخ أي منهما وإن كان الفاسخ آثماً في صورة مخالفة الشَّرط.

(مسألة 475) يجوز للعامل مع إطلاق عقد المضاربة التَّصرف حسب ما يراه مصلحة من حيث البائع والمشتري ونوع الجنس، نعم لا يجوز له أن يسافر به إلى بلدٍ آخر إلاَّ إذا كان أمراً متعارفاً بحيث يشمله الإطلاق أو يستأذن المالك فيه بالخصوص، ولو سافر من دون إذنه وتلف المال أو خسر ضمن.

(مسألة 476) تبطل المضاربة الإذنيَّة بموت كل من المالك والعامل، أمَّا على الأوَّل فلفرض انتقال المال إلى وارثه بعد موته فإبقاء المال بيد العامل يحتاج إلى مضاربة جديدة، وأمَّا على الثَّاني فلفرض اختصاص الإذن به دون وارثه.

(مسألة 477) يجوز لكل من المالك والعامل أن يشترط على الآخر في عقد المضاربة مالاً أو عملاً كخياطة ثوب ونحوها، ويجب الوفاء بالشَّرط ما دام العقد باقياً لم يفسخ سواء تحقُّق ربح أم لا.

(مسألة 478) ما يرد على مال المضاربة من خسارة أو تلف - بحريق أو سرقة أوغيرهما - يجبر بالرِّبح ما دامت المضاربة باقية، من دون فرق في ذلك بين الرِّبح اللاحق والسَّابق، فملكيَّة العامل لحصَّته من الرِّبح السَّابق متزلزلة كلَّها أو بعضها بعروض الخسران أو التَّلف فيما بعد، ولا يحصل الاستقرار إلاَّ بانتهاء أمد المضاربة أو حصول الفسخ، نعم إذا اشترط العامل على المالك في ضمن العقد عدم كون الرَّبح جابراً للخسران أو التَّلف المتقدِّم على الرِّبح أو المتأخِّر عنه صحَّ الشَّرط وعمل به.

(مسألة 479) يجوز إيقاع الجعالة على استثمار الأموال بطرقه المشروعة بجزء من الرِّبح العائد منه، بأن يدفع مالاً إلى شخص ويقول له (استثمر هذا المال في العمل الكذائي - كالتِّجارة - ولك نصف الرِّبح) فيكون جعالة تفيد فائدة المضاربة.

ص: 170

كتاب المزارعة

اشارة

وفيه مبحثان:

الأوَّل: في معناها وشروطها

(مسألة 480) المزارعة هي (الاتِّفاق بين مالك الأرض أو من له حق التَّصرف فيها وبين الزَّارع على زرع الأرض بحصَّة من حاصلها).

(مسألة 481) يعتبر في المزارعة أمور:

(1) الإيجاب من المالك والقبول من الزَّارع، بكل ما يدل عليهما من لفظ - كأن يقول المالك للزَّارع (سلَّمت إليك الأرض لتزرعها)، فيقول الزَّارع (قبلت) - أو فعلٍ دالٍ على تسليم الأرض للزَّارع وقبوله لها.

(2) أن يكونا بالغين عاقلين مختارين غير محجورين، نعم يجوز أن يكون الزَّارع محجوراً عليه لفلس إذا لم تقتض المزارعة تصرُّفه في أمواله الَّتي حُجر عليها.

(3) أن يجعل لكل واحد منهما نصيب من الحاصل وأن يكون محدَّداً بالكسور كالنِّصف والثُّلث، فلو لم يجعل لأحدهما نصيب أصلاً - أو عيَّن له مقدار معيَّن كطن مثلاً ، أو جعل نصيبه ما يحصد في الأيَّام العشرة الأولى من الحصاد والبقيَّة للآخر - لم تصح المزارعة، نعم لا بأس أن يشترط اختصاص أحدهما بنوع - كالَّذي يحصد أولاً - والآخر بنوع آخر، فلو قال المالك (ازرع ولك النِّصف الأوَّل من الحاصل، أو النِّصف الحاصل من القطعة الكذائيَّة) صحَّت المزارعة.

(4) تعيين المدَّة بمقدار يدرك الزَّرع فيه عادة، ولو عيَّنا أوَّل المدَّة وجعلا آخرها إدراك الحاصل كفى.

(5) أن تكون الأرض قابلة للزَّرع ولو بالعلاج والإصلاح.

ص: 171

(6) تعيين المزروع من حيث نوعه، وأنَّه من حبوب الحنطة أو الشَّعير أو الرز أو غيرها أو من جميعها، وكذا تعيين صنفه إذا كان للنَّوع صنفان فأكثر تختلف فيها الأغراض، ويكفي في التَّعيين الانصراف المغني عن التَّصريح - لتعارف أو غيره - ولو صرَّحا بالتَّعميمصحَّ ويكون للزَّارع حق اختيار أي نوع أو صنف شاء.

(7) تعيين الأرض فيما إذا كانت للمالك قطعات مختلفة في مستلزمات الزِّراعة وسائر شؤونها، وأمَّا مع التَّساوي فلا يلزم التَّعيين.

(8) تعيين ما عليهما من المصارف إذا لم يتعيَّن مصرف كل منهما بالتَّعارف خارجاً.

المبحث الثَّاني: في مسائلها

(مسألة 482) لو اتَّفق المالك مع الزَّارع على أن يكون مقدار من الحاصل لأحدهما ويقسَّم الباقي بينهما بنسبة معيَّنة بطلت المزارعة، وإن علما ببقاء شيء من الحاصل بعد استثناء ذلك المقدار، نعم يجوز الاتِّفاق على استثناء مقدار الخراج (الضريبة) وكذا مقدار البذر لمن كان منه.

(مسألة 483) إذا حدَّدا للمزارعة أمداً معيَّناً يدرك الزَّرع خلاله عادة، فانقضى ولم يدرك، فإن لم يكن للتَّحديد المتَّفق عليه بينهما إطلاق يشمل صورة عدم إدراك الزَّرع على خلاف العادة أُلزم المالك ببقاء الزَّرع في الأرض إلى حين الإدراك من المدَّة، وإن كان له إطلاق من هذا القبيل فمع تراضي المالك والزَّارع على بقاء الزرع - بعوض أو مجَّاناً - لا مانع منه، وإن لم يرض المالك به فله أن يجبر الزَّارع على إزالته وإن تضرَّر الزَّارع بذلك، وليس للزَّارع إجبار المالك على بقاء الزَّرع ولو بأجرة.

(مسألة 484) إذا ترك الزَّارع الأرض بعد عقد المزارعة فلم يزرع حتَّى انقضت

ص: 172

المدَّة فإن كانت الأرض في تصرُّفه ضمن أجرة مثلها للمالك، وإن لم تكن في تصرُّفه بل في تصرُّف المالك فلا ضمان عليه إلاَّ مع جهل المالك بالحال، هذا إذا لم يكن ترك الزَّرع لعذر عام كانقطاع الماء عن الأرض وإلاَّ كشف ذلك عن بطلان المزارعة.

(مسألة 485) عقد المزارعة من العقود اللازمة ولا ينفسخ إلاَّ برضا الطَّرفين، نعم لو اشترط في ضمن العقد استحقاق المالك أو الزَّارع أو كليهما للفسخ جاز الفسخ حسب الشَّرط، وكذا لو خولف بعض الشُّروط المأخوذة فيه من أحدهما على الآخر.

(مسألة 486) لا تنفسخ المزارعة بموت المالك أو الزَّارع، بل يقوم الوارث مقام مورثه، إلاَّ إذا قُيِّدت بمباشرة الزَّارع للعمل فمات قبل انتهائه منه فإنَّها تنفسخ بموته، وإذا كان العمل المستحق على الزَّارع كليَّاً مشروطاً بمباشرته في حياته لم تنفسخ المزارعة بموته لإمكان أن يقوم وارثه بوضع اتِّفاق جديد بين المتعاملين، وإن كان للمالك حق فسخها، كما لا تنفسخ إذا مات الزَّارع بعد الانتهاء ممَّا عليه من العمل مباشرة ولو قبل إدراك ثمر الزَّرع، فتكون حصَّته من الحاصل لوارثه، كما أنَّ له سائر حقوقه، ويحق للوارث أيضاً إجبار المالك على بقاء الزَّرع في أرضه حتَّى انتهاء مدَّة المزارعة.

(مسألة 487) إذا ظهر بطلان المزارعة بعد الزَّرع فإن كان البذر للمالك فالحاصل له، وعليه للزَّارع ما صرفه، وكذا أُجرة عمله وأجرة الآلات الَّتي استعملها في الأرض، وإن كان البذر للزَّارع فالزَّرع له وعليه للمالك أُجرة الأرض وما صرفه المالك وأُجرة آلاته الَّتي استعملت في ذلك الزَّرع.

(مسألة 488) إذا كان البذر للزَّارع فظهر بطلان المزارعة بعد الزَّرع فإن رضي المالك والزَّارع على إبقاء الزَّرع في الأرض بأجرة أو مجَّاناً جاز، وإلاَّ فالأحوط لزوماً للمالك عدم إجبار الزَّارع على إزالة الزَّرع لو أراد إبقاءه في الأرض بأجرة، ولو أراد الزَّارع قلعه فليس للمالك إجباره على إبقائه ولو مجَّاناً.

( مسألة 489) الباقي من أصول الزَّرع في الأرض بعد الحصاد وانقضاء المدَّة - إذا

ص: 173

أخضر في السنة الجديدة وأدرك - فحاصله لمالك البذر إن لم يشترط في المزارعة اشتراكهما في الأصول، وإلاَّ كان بينهما بالنسبة.

ص: 174

كتاب المساقاة

اشارة

وفيه مبحثان:

الأوَّل: في معناها وشروطها

(مسألة 490) المساقات هي معاملة بين شخصين على سقي الأشجار ورعايتها وإصلاح شؤونها بحصَّة من ثمرها، وهي عقد لازم يحتاج إلى الإيجاب والقبول، وتصح فيه المعاطاة الجائزة في أحكامها.

(مسألة 491) يشترط في المساقات أمور:

1 - البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر لسفه أو فلس في كل من المالك والفلاح، نعم لا بأس بكون الفلاَّح محجوراً عليه لفلس إذا لم تقتض المساقات تصرفه في أمواله الَّتي حجر عليها.

2 - أن تكون الأشجار مملوكة عيناً ومنفعة، أو منفعة فقط، أو يكون تصرفه فيها نافذاً بولاية أو وكالة.

3 - أن تكون الأشجار معلومة معيَّنة مغروسة ثابتة، فلا تصح في الفصيل قبل الغرس، ولا على مثل الخيار والفجل ممَّا لا أصل له قبل البذر له.

4 - أن تكون المدَّة معلومة مقدَّرة كالأشهر والسِّنين، أو بلوغ الثَّمر مع تعيين ابتداء الشُّروع في السَّقي.

5 - أن تكون الحصَّة مقدَّرة مشاعة بينهما كالنِّصف أو الثُّلث، ولا يعتبر في الكسر أن يكون مشاعاً في جميع الحاصل كما تقدّم نظيره في المزارعة، وإن اتَّفقا على أن يكون طن من الثَّمرة للمالك والباقي للفلاح بطلت المساقاة.

6 - تعيين ما على المالك من الأمور وما على الفلاح من الأعمال، ويكفي

ص: 175

الانصراف - إذا كان - قرينة على التَّعيين.

المبحث الثَّاني: في مسائلها

(مسألة 492) لا يعتبر في المساقاة أن يكون العقد قبل ظهور الثَّمرة فتصح إذا كان العقد بعده أيضاً، إذا كان قد بقي عمل يتوقَّف عليه اكتمال نمو الثَّمرة أو كثرتها أو جودتها أو وقايتها عن الآفات ونحو ذلك، وأمَّا إذا لم يبق عمل من هذا القبيل وإن احتيج إلى عمل من نحو آخر - كاقتطاف الثَّمرة وحراستها أو ما يتوقَّف عليه تربية الأشجار - ففي الصحَّة إشكال، والأحوط في ذلك الاقتصار على أجرة خصوص هذا العمل لا على أساس المساقاة.

(مسألة 493) تصح المساقاة في الأصول غير الثَّابتة كالبطيخ والخيار بعد البذر لها، كما تصح في الأشجار غير المثمرة إذا كانت لها حاصل آخر من ورد أو ورق ونحوهما ممَّا له ماليَّة يُعتد بها عرفاً كشجر الحنَّاء الَّذي يستفاد من ورقه.(مسألة 494) تصح المساقاة في الأشجار المستغنية عن السَّقي بالمطر أو بمص رطوبة الأرض إن احتاجت إلى أعمال أُخر ممَّا تقدَّم في المسألة (492).

(مسألة 495) عقد المساقاة لازم لا يبطل ولا ينفسخ إلاَّ بالتَّقايل والتَّراضي أو الفسخ ممَّن له الخيار ولو من جهة تخلُّف بعض الشُّروط الَّتي جعلاها في ضمن العقد أو بعروض مانع يوجب البطلان.

(مسألة 496) لا تنفسخ المساقاة بموت المالك، ويقوم ورثته مقامه.

(مسألة 497) إذا مات الفلاَّح قام وارثه مقامه إن لم تؤخذ المباشرة في العمل قيداً ولا شرطاً، فإن لم يقم الوارث بالعمل ولا استأجر من يقوم به فللحاكم الشَّرعي أن يستأجر من مال الفلاَّح من يقوم بالعمل، ويقسَّم الحاصل بين المالك وورَّاث الفلاَّح،

ص: 176

وأما إذا أخذت المباشرة في العمل قيداً انفسخت المعاملة، كما أنَّها إذا أخذت شرطاً كان المالك بالخيار بين فسخ المعاملة والرِّضا بقيام الوارث بالعمل مباشرة أو تسبيباً.

(مسألة 498) إذا اتَّفق المالك والفلاَّح على أن يكون تمام الحاصل للمالك وحده من دون أن تكون حصَّة للفلاَّح لم يصح العقد ولم يكن مساقاة، ومع ذلك يكون تمام الحاصل للمالك، وليس للفلاَّح مطالبته بالأجرة لأنَّه أقدم على العمل مجَّاناً، ولو بطلت المساقاة لفقد شرط آخر وجب على المالك أن يدفع للفلاَّح أجرة ما عمله على النَّحو المتعارف.

(مسألة 499) تجب الزَّكاة على كل من المالك والعامل من كل ما يجب فيه الزَّكاة إذا بلغت حصَّة كل منهما حدِّ النِّصاب فيما إذا كانت الشَّركة قبل زمان الوجوب وإلاَّ فالزَّكاة على المالك فقط.

(مسألة 500) المغارسة جائزة وهي أن يدفع أرضاً إلى الغير ليغرس فيه أشجاراً على أن يكون الحاصل لهما، سواء اشترط كون حصَّة من الأرض أيضاً للعامل أم لا، وسواء كانت الأصول من المالك أم من العامل، والأحوط الأولى ترك هذه المعاملة، ويمكن التَّوصُّل إلى نتيجتها بمعاملة لا إشكال في صحَّتها كإيقاع الصُّلح بين الطَّرفين على النَّحو المذكور، أو الاشتراك في الأصول بشرائها بالشَّركة ثمَّ إجارة الغارس نفسه لغرس حصَّة صاحب الأرض وسقيها وخدمتها في مدَّة معيَّنة بنصف منفعة أرضه إلى تلك المدَّة أو بنصف عينها مثلاً.

ص: 177

كتاب الدَّين والقرض

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: في أسبابه

(مسألة 501) الدَّين هو المال الثَّابت في ذمَّة شخص لأخر، وسببه أحد أمور ثلاثة:

1 - الإقراض، كأن يقرض (محمَّد) ألف دينار (عليَّاً)، فإنَّ (عليَّاً) يكون مديوناً، و(محمَّد) دائناً.

2 - سائر الأسباب الاختياريَّة، كالثَّمن في باب النَّسيئة، والصَّداق الغائب في باب النِّكاح، وغيرهما.

3 - الأمور القهريَّة، كنفقة الزَّوجة، والضَّمانات الَّتي توجب اشتغال ذمَّة الضَّامن.

المبحث الثَّاني: في مسائله

(مسألة 502) الدَّين إمَّا حال وإمَّا مؤجَّل، والحال ما كان للدَّائن مطالبته به، ولا يجوز للمديون المماطلة مع اليسار والتَّمكن، والمؤجَّل بعكسه.

(مسألة 503) يجوز التَّبرُّع بأداء دين الغير حيَّاً كان أو ميِّتاً.

(مسألة 504) لا يتعيَّن الدَّين فيما عيَّنه المديون قبل قبض الدَّائن وإلاَّ يبقى كليَّاً في الذمَّة، ولو تلف قبل القبض كان من مال المديون ما لم يكن التَّقصير من الدَّائن، كما في حالة حصول أجل وجوب دفع الدَّين وحصلت المطالبة من الدَّائن وهيَّأ المدين ذلك المال وكان قد عرف الدَّائن بأنَّ مال الدَّين في خطر، لأنَّه لا محرز له عنده، إلاَّ أن يأخذه الدَّائن واعترف الدَّائن بهذا الأمر وما أخذه، فإنَّ صاحب القضاء لو علم بذلك لأعطى

ص: 178

المدين الحق.

(مسألة 505) يحرم على الدَّائن الضغط على المديون المعدم لقضاء دينه، بل ينتظره إلى اليسار لقوله تعالى [فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَة].

(مسألة 506) يجب على الدَّولة الإسلاميَّة قضاء دين المديون الَّذي لم يصرفه في معصية، ولا يتمكَّن من أدائه، حيَّاً كان المديون أم ميِّتاً.

(مسألة 507) يجبر الحاكم الشَّرعي المديون المتمكِّن على أداء دينه إذا حلَّ الأجل، فإن لم يفعل باع الحاكم بعض ممتلكاته وأدَّى الدين.

(مسألة 508) لا يجوز شرط الزِّيادة في القرض، فإنَّ ذلك من الرِّبا المحرَّم، سواء كانت الزِّيادة عينيَّة كأن يشترط ردَّ الدِّينار دينارين، أو حكميَّة كأن يشترط ردَّ الجيِّد مكان الرَّديء أو يشترط إقراضه الدِّينار بشرط أن يعمل له عملاً.

ولا فرق بين كون المال مكيلاً وموزوناً أم لا، ولا فرق في كون الشَّرط صريحاً أو ضمنيَّاً مبنيَّاً عليه وإن لم يصرَّح به كما تفعل البنوك، ولا فرق بين أن يجعلا الزِّيادة شرطاً أوأن يجعلاها باسم أجرة الكتَّاب ومصارف المحل، كما تفعل بعض البنوك الِّتي تريد أن تموِّه أنَّها لا تفعل الحرام إذا كان قصدها الواقعي هو الرِّبا، نعم لا مانع من بعض تصرُّفات لم تكن هي من الرِّبا سوف تأتي في الكلام عن البنوك، كما لو تأخذ البنوك الزِّيادة بنيَّة أجور الكتَّاب والموظَّفين ونحوهما واقعيَّاً.

المبحث الثَّالث: في مسائل البنوك

وهي في الاقتراض - والإيداع وأحكامهما

(مسألة 509) إنَّ المصارف والبنوك على ثلاثة أصناف:

(1) الأهلي: وهو ما يتكوَّن رأس ماله من مال شخص واحد أو أشخاص

ص: 179

مشتركين.

(2) الحكومي: وهو الَّذي يكون رأس ماله مكوناً من أموال الدَّولة.

(3) المشترك: وهو الَّذي تشترك الدَّولة والأهالي في تكوين رأس ماله.

(مسألة 510) لا يجوز الاقتراض من البنوك الأهليَّة بشرط دفع الزِّيادة لأنَّه ربا محرَّم، ولو اقترض كذلك صح القرض وبطل الشَّرط، ويحرم دفع الزِّيادة وأخذها وفاءً للشَّرط.

وقد ذكر للتَّخلص من الرِّبا طرق:

منها: أن يشتري المقترض من صاحب البنك أو من وكيله المفوَّض بضاعة بأكثر من قيمتها الواقعية 10 % أو 20 % مثلاً، بشرط أن يقرضه مبلغاً معيَّناً من النَّقد لمدَّة معلومة يتَّفقان عليها، أو يبيعه متاعاً بأقل من قيمته السُّوقيَّة، ويشترط عليه في ضمن المعاملة أن يقرضه مبلغاً معيَّناً لمدَّة معلومة فيقال: أنَّه يجوز الاقتراض عندئذ ولا ربا فيه.

ولكنَّه لا يخلو عن إشكال إذا كان اشتراط الإقراض متلازماً مع تلك الأكثريَّة، والأحوط لزوماً الاجتناب من تلك القيمة غير الواقعيَّة أو الأقليَّة من تلك القيمة السُّوقيَّة بحيث لولا ذلك لم يكن مقبولاً عنه، ومثله الحال في الهبة والإجارة والصُّلح بشرط القرض إلاَّ أن يكون اشتراط الإقراض لا علاقة له بخصوص الزِّيادة أو النَّقيصة في الشِّراء أو البيع أصلاً.

وفي حكم جعل القرض شرطاً في المعاملة المحاباتيَّة الَّتي ترجع مصلحتها بعد ضبط التَّعامل لصالح الرِّحم أو الصَّديق جعل الإمهال في أداء الدَّين شرطاً فيها.

ومنها: تبديل القرض بالبيع، كأن يبيع البنك مبلغاً معيناً كمائة دينار بأزيد منه - كمائة وعشرين ديناراً - نسيئة لمدة شهرين مثلاً.

ولكن هذا وإن لم يكن قرضاً ربويَّاً على التَّحقيق، غير أن صحَّته بيعاً محل إشكال، وبالأخص لو جعلنا هذه الدَّنانير الورقيَّة هي عبارة عن المقادير الذَّهبيَّة الدَّاعمة لها في

ص: 180

اعتبار التَّعامل السُّوقي الثَّابت نوعاً بلا زيادة أو نقيصة إلاَّ على نحو بيع الصَّرف الَّذي لا يتم فيه التَّبادل الصَّحيح إلاَّ في المجلس الواحد لا بالتَّأجيل، لأنَّه مع التَّأجيل يختلف أثره، وتظهر فيه الحالة الرَّبويَّة وإن عدَّت الدَّنانير من المعدود لناحية الدَّعم بالذَّهب، نعم لا ربا في هذا المعدود في الصَّرف المذكور.

نعم لا مانع من أن يبيع البنك مبلغاً كمائة دينار نسيئة إلى شهرين مثلاً، ويجعل الثَّمن المؤجَّل عملة أخرى تزيد قيمتها على المائة دينار بموجب أسعار صرف العملات بمقدار ما تزيد المائة والعشرون على المائة، وفي نهاية المدَّة يمكن أن يأخذ البنك من المشتري العملة المقرَّرة أو ما يساويها من الدَّنانير، ليكون من الوفاء بغير الجنس.

ومنها: أن يبيع البنك بضاعة بمبلغ كمائة وعشرين ديناراً نسيئة لمدَّة شهرين مثلاً، ثمَّ يشتريها من المشتري نقداً بما ينقص عنها كمائة دينار.

وهذا أيضاً لا يصح إذا اشترط في البيع الأوَّل قيام البنك بشراء البضاعة نقداً بالأقل من ثمنه نسيئة و لو بإيقاع العقد مبنيَّاً على ذلك، وأمَّا مع خلوِّه عن الشَّرط فلا بأس به.

ويلاحظ أنَّ هذه الطُّرق ونحوها - لو صحَّت - لا تحقِّق للبنك غرضاً أساسيَّاً شرعيَّاً وهو استحقاق مطالبة المدين بمبلغ زائد لو تأخَّر عن أداء دينه عند نهاية الأجل وازدياده كلَّما زاد التَّأخير، فإن أخذ الفائدة بإزاء التَّأخير في الدَّفع يكون من الرِّبا المحرَّم ولو كان ذلك بصيغة جعله شرطاً في ضمن عقد البيع مثلاً حتَّى لو كان في عسر.

(مسألة 511) لا يجوز الاقتراض من البنوك الحكوميَّة بشرط دفع الزِّيادة، لأنَّه ربا، بلا فرق بين كون الاقتراض مع الرَّهن أو بدونه، ولو اقترض كذلك بطل القرض والشَّرط معاً، لأنَّ البنك لا يملك ما تحت يده من المال ليملكه للمقترض إلاَّ بما يأذن به الشَّرع أو يمضيه.

ولذا للتَّخلص من ذلك عند الحاجة الماسَّة يجوز للشَّخص أن يقبض المال من البنك

ص: 181

بعنوان مجهول المالك وهو أحد أفراد عمومه لا بقصد الاقتراض، بل بعنوان استنقاذه لنفسه، والأحوط أن يكون ذلك بإذن الحاكم الشَّرعي، ثمَّ يتصرَّف فيه مع الحاجة إليه بعد المراجعة إليه لإصلاحه، ولا يضره العلم بأنَّ البنك سوف يستوفي منه أصل المال والزِّيادة قهراً مع تلك الحاجة، فلو طالبه البنك جاز له الدَّفع حيث لا يسعه التَّخلُّف عن ذلك لاضطراره، مع وجوب كتم عدم رضاه.

(مسألة 512) يجوز الإيداع في البنوك الأهليَّة - بمعنى إقراضها - مع عدم اشتراط الحصول على الزِّيادة، بمعنى عدم إناطة القرض بالتزام البنوك بدفع الزِّيادة، لا بمعنى أن يبني في نفسه على أن تلك البنوك لو لم يدفع الزِّيادة لم يطالبها بها، فإنَّ البناء على المطالبة يجتمع مع عدم الاشتراط، كما يجتمع البناء على عدم المطالبة مع الاشتراط، فأحدهما أجنبي عن الآخر، لصحَّة أخذ الهديَّة غير المقصودة بالاشتراط ونحوه.

(مسألة 513) لا يجوز الإيداع في البنوك الأهليَّة - بمعنى إقراضها - مع شرط الزِّيادة، ولو فعل ذلك صحَّ الإيداع وبطل الشَّرط، فإذا قام البنك بدفع الزِّيادة لم تدخل في ملكه، ولكن يجوز له التَّصرف فيها إذا كان واثقاً من رضا أصحابه بذلك حتَّى على تقدير علمهم بفساد الشَّرط وعلمهم بعدم استحقاقه للزِّيادة شرعاً إذا احتمل قصدهم لما هو الأعم من التَّمليك وهومجرَّد إباحة التَّصرُّف - كما هو الغالب - دون أن يكون على نحو التَّملُّك بأن يرجعها لهم بعد ذلك، أمَّا إذا قصد من الزِّيادة مجرَّد الهديَّة بلا اشتراط فلا مانع - كما مر - مع الاحتياط بعدم القصد لها بتوقع مصاحب للعمل الَّذي هو الإيداع، أمَّا إذا كان العمل المصاحب للإيداع غيره كبعض الخدمات التَّسهيليَّة لعمل البنك فلا مانع من كون الهديَّة مقصودة به.

(مسألة 514) لا يجوز الإيداع في البنوك الحكوميَّة - بمعنى إقراضها - مع اشتراط الحصول على الزِّيادة، فإنَّه ربا، بل إعطاء المال إليها و لو من دون شرط الزِّيادة بمنزلة الإتلاف له شرعاً، لأنَّ ما يمكن استرجاعه من البنك ليس هو مال البنك، بل من المال

ص: 182

المجهول مالكه، وعلى ذلك يشكل إيداع الأرباح والفوائد الَّتي يجنيها الشَّخص أثناء سنته في البنوك الحكوميَّة قبل إخراج الخمس منها، لأنَّه مأذون في صرف ماله في مؤونته وليس مأذوناً في إتلافه، فضلاً عن اتلاف خمسه، فلو أتلفه ضمنه لأصحابه.

(مسألة 515) لا فرق في الإيداع - فيما تقدَّم - بين الإيداع الثَّابت الَّذي له أمد خاص - بمعنى أنَّ البنك غير ملزم بوضع المال تحت الطَّلب - و بين الإيداع المتحرَّك - المسمَّى بالحساب الجاري - الَّذي يكون البنك ملزماً بوضع المال تحت الطَّلب وإن سلم هذا الحساب من الزِّيادات الرَّبويَّة لبقاء محذور مجهول المالك بسبب الخلط في مثل البنوك الحكوميَّة المحتاجة إلى إذن الحاكم الشَّرعي أو التَّخميس لمشكلة الخلط بالحرام كما سيأتي.

(مسألة 516) تشترك البنوك المشتركة مع البنوك الحكوميَّة فيما تقدَّم من الأحكام، لأنَّ الأموال الموجودة لديها يتعامل معها معاملة مجهول المالك، فلا يجوز التَّصرُّف فيها من دون مراجعة الحاكم الشَّرعي.

(مسألة 517) ما تقدَّم كان حكم الإيداع و الاقتراض من البنوك الأهليَّة والحكوميَّة في الدُّول الإسلاميَّة، وأمَّا البنوك الَّتي يقوم غير محترمي المال من الكفَّار بتمويلها - أهليَّة كانت أم غيرها - فيجوز الإيداع فيها بشرط الحصول على الفائدة، لجواز أخذ الرِّبا منهم على الأظهر مع التَّخميس.

وأمَّا الاقتراض منها بشرط دفع الزِّيادة فهو حرام، ويمكن التَّخلُّص منه عند الحاجة بقبض المال من البنك لا بقصد الاقتراض بل استنقاذاً، فيجوز له التَّصرُّف فيه وإن احتاج إلى مراجعة الحاكم الشَّرعي احتياطاً، ونحن نجيزه مع الحاجة الشَّرعيَّة ولو مع جهة استفادتهم الزِّيادات من أموالنا، وبالأخص إذا دفعت ربا بنيَّتهم لا بنيَّتنا لأنَّنا في إرغام وإكراه عند الحاجة وإلاَّ فلا يجوز.

(مسألة 518) لو علم الموظَّف الَّذي يعمل في البنك الرَّبوي على الصندوق قبضاً

ص: 183

وإقباضاً بعدما يأتيه أمر بقبض مبلغ أو إقباض مبلغ أنَّه من الرِّبا فلا يجوز له ذلك، ولا يحل له الأجر منها.

(مسألة 519) للمسلم أن يأخذ من البنك غير الإسلامي من الزِّيادات كل ما يدفع له بنحو الاستنقاذ عند الحاجة، فضلاً عن أصل المال الَّذي أودعه أو اذَّخره أو نحو ذلك وإن اختلط بأموال أخرى، لكن يجب مع الاستلام الأخذ نيابة عنَّا للخلاص من مشكلة مجهولالمالك وتخميس الزَّائد ويمتلك الباقي، وبالأخص لو كان البنك من جهة غير اسلاميَّة محاربة لصدق الغنيمة على المأخوذ زائداً، وأمَّا الزَّيادة الَّتي تحصل في بنوك الدَّولة الإسلاميَّة غير النَّظاميَّة في الشَّرع فمجهول المالك ويقبضه نيابة عنَّا وله حق التَّصرف بنصفه مع فقره وحاجته وإرجاع الباقي إلينا، هذا فيما لو كانت موجودة عيناً فينوي قبضها عنَّا، وأمَّا لو تلفت فيعمل بمقدارها مداورة بيده من قبلنا ثمَّ يقبض ذلك لنفسه.

وكذا لو كانت البنوك مشتركة أي بعض رأس مالها للمسلمين وبعضه الآخر للكفَّار فنأذن لمقلِّدينا القبض عنَّا نيابة عنَّا ليرجع المال خاصَّاً فيقبض الزبون لنا بيد نيابة عنَّا ثمَّ يقبض ذلك لنفسه باليد الثَّانية.

(مسألة 520) لا يجوز المشاركة في شركات أربابها كفرة أو ظلمة مع تعيُّن رجوع أغلب الفوائد إليهم أو غالبها أو حتَّى بعضها واحتمل أنَّ بعض ما يعود إلينا يحسب من فوائدهم وكان من فوائدهم ما يعود علينا بالضَّرر مع التَّسامح والتَّساهل من قبلنا في ذلك، بل حتَّى مع الاضطرار لو كان الإنسان المسلم من جاليات المسلمين في بلدان الكفر وكان عالماً مسبقاً بالحكم السَّلبي وتورَّط ونال فوائده فلابدَّ من أخذ الفوائد باسمنا وتناولها منَّا إليه بشرط التَّخميس، ومع تأكُّد اختلاط الحلال بالحرام فلابدَّ من التَّخميس الثَّاني وهو تخميس التَّنظيف.

(مسألة 521) إذا جاء شخص ليودع أمواله لدى بعض البنوك الأهليَّة أو البنوك

ص: 184

المشتركة بين المسلمين والكفَّار في حساب الادخار وخيَّره البنك بين الربح وعدمه، بحيث إذا اختار الربح أي نسبة مئوية (فائدة الأموال) لا يسع البنك التَّخلف عن دفعها إلى المودع، فإذا كان هذا التَّخيير بين الرِّبا وعدمه فلا شكَّ في حرمته، وكذا لو لم يعلم الرِّبا في القصد ولكن كان اختيار الرِّبح كاشتراطه عند الإيداع بحيث إن لم يدفع له يطالب به ويستلمه على أي تقدير، أمَّا إذا كان التَّخيير لا بين الرِّبح وعدمه بل ما بين الهديَّة وعدمها تنزُّلاً عند وضع النَّاس المتحذِّرين من أخذ الرِّبا فلا مانع ولكن يجب الابتعاد عن حالة الاشتراط.

(مسألة 522) لا مانع من التَّسهيلات الماليَّة الَّتي تقدِّمها بعض البنوك والشَّركات كإصدار كارت يتم على أساسه شراء السلع دون دفع نقد، ثم يسجل في حساب المشتري فيتقاضى منه بعد ذلك، مثل كارت (أمريكن أكسبريس) المعروف، ولكن بشرط عدم تأخير ما على الزبون من المال بدل الكارت للبنك حتَّى لا تتحقَّق عليه فوائد ربويَّة، لأنَّ هذا يسبِِّب حرمة أساس التَّعامل، بل عند العلم المسبق بحصول نيَّة التَّأخير إلاَّ في حالات الاضطرار المفاجئة أو حالة التَّفاهم الجدِّي على أجور الكتَّاب والخدمات من الموظَّفين ممَّا مرَّ الكلام فيه من صحيح الحالات.

(مسألة 523) ما تقدِّمه بعض البنوك من شهادات استثمار تحصل بدفعك (مثلاً) للبنك 5000 ريال مثلاً كوديعة لك حق سحبها في أي وقت كاملة غير منقوصة على أن يعطوا بدل كل 1000 ريال نصيباً (سهماً) واحداً في قرعة شهريَّة للرِّبح ثابتة ما دمت لم تسحب المبلغ، فلا يجوز ذلك مع الاشتراط لا في قضيَّة الأرباح المحتملة للزُّبون في القرعة الشَّهريَّة وإن كانت غير مضمونة عادة ولا في قضيَّة استرباحات البنك من مال الزبون عند تعطيل أخذه، وأمَّا بدون الاشتراط بحيث إن لم يعطوا الزبون مثلاً شيئاً من الرِّبح لا يطالبهم به فلا مانعوإن كان يعلم به ويريد أن يأخذه.

غاية الأمر أنَّه إذا كان من البنوك الأجنبيَّة فيستلمه بعنوان الاستنقاذ ويتصرَّف في

ص: 185

أصل المال ويخمِّس الزَّائد، وإن كان من البنوك الحكوميَّة في البلدان الإسلاميَّة غير الخالية من الظلم والحرام فضلاً عن الشُّبهات فيستلمه من باب الاستيلاء على مجهول المالك من الزَّائد بإذننا ويدفع نصفه إلى بيت المال الشَّرعي ويتصرَّف بالباقي بعد تخميسه إن لم يقصد الحالة الرَّبويَّة وعند القصد فيدفعه إلى بيت المال الَّذي يشرف عليه الفقيه.

(مسألة 524) إذا أودع الإنسان ماله في بنك فيه معاملات ربويَّة في الحساب الجاري يجب عليه في كل مرَّة يريد أن يسحب من أمواله أن يستحضر نية استلام الأموال نيابة عن الحاكم الشَّرعي بعد إجازته، سواء كان له رأس سنة في الخمس أو لا من جهة اختلاط الأموال في هذه البنوك.

ص: 186

كتاب التَّأمين

اشارة

وفيه مبحثان:

المبحث الأوَّل: في معناه وشروطه

(مسألة 525) تعريف التَّأمين لو كان على الحياة - المسمَّى التأمين المختلط مع الاشتراك في الأرباح - هو أن يدفع مبلغ التَّأمين عند وفاة المؤمَّن عليه أو عند انتهاء مدَّة التَّأمين وعلى أن تدفع الأقساط مسبقاً في قيد الحياة إلى غاية الوفاة وعلى الأكثر حتَّى انتهاء مدَّة التَّأمين، وللمؤمِّن الحل في الاشتراك والاشتراط في الأرباح بناء على نتيجة عملية تقدير الأرباح ويضاف نصيب كل وثيقة في الأرباح على مبلغ التَّأمين، ويدفع مع مبلغ التأمين عند استحقاقه سواء بالوفاة أو عند انتهاء التَّأمين.

(مسألة 526) يشترط في طرفي عقد التَّأمين أمور:

1 - البلوغ، فلا يصح من الصَّبي.

2 - العقل، فلا يصح من المجنون.

3 - القصد، فلا يصح من الهازل.

4 - الاختيار، فلا يصح من المكره.

5 - عدم الحجر لسفه أو فلس، فلا يصح من المحجور عليه.

6 - معلوميَّة مورد التَّأمين وعوضه.

المبحث الثَّاني: في مسائله

(مسألة 527) إذا كان دفع الأقساط إلى هذه الشَّركة التَّأمينيَّة بعنوان الإيداع -

ص: 187

الَّذي قد يُعد من القرض شرعاً لاستفادة الشَّركة به - للاشتراك في ربحها الَّذي منه حالات الإنقاذ المالي وقت الشَّدائد للمودع فهو حرام، لصدق هذا القرض الرَّبوي لتوقُّع الزَّيادة، وإن كان بعنوان الهبة من الزبون من غير اشتراط الرِّبح ولا كانت الزِّيادة مقصودة منه قصداً ربويَّاً على الأحوط، وإن كانت الشَّركة قد قصدتها هديَّة في الأساس فلا بأس به، بل الأحوط استحباباً عدم قصد المودع أخذ الهديَّة من الشَّركة بعد العلم بها مسبقاً أنَّها كذلك، ويشتد الاحتياط بل يحرم أخذ هذه الزَّيادة لو جهل أمرها في أنَّها هديَّة أم ربا مع احتمال وجود الرَّبويَّة، وإن قصدها المودع هديَّة لعدم الأثر في قصدها من قبله ودفع الأقساط من الزبون هبة بشرط الاشتراك في الرِّبح - كما هو ظاهر السؤال - غير جائز.

نعم دفعها بل مطلق الإيداع بعنوان المضاربة لتشتغل الشَّركة بهذه الأموال ويكون الدَّافع شريكاً في الرِّبح والخسارة ليستفيد الدَّافع والمودع لو ربح ماله مع مال الشَّركة بما ينفعه أو أهله في أزمانه فلا مانع من ذلك، كما مضى بيانه.

(مسألة 528) ما يسمى ب- (إعادة التَّأمين)، أو (التَّأمين المضاعف) وهو ما تقوم بهبعض شركات التَّأمين من إعادة التَّأمين لدى شركات أوسع منها لتوزيع الخطر على عدَّة أشخاص دون الاقتصار على جماعة معيَّنة، ولتوزيع الخسارة فيما لو حدث الخطر المأمَّن ضدَّه، إذا كانت بصورة التَّأمين في المسألة السَّابقة وعلى ما فصَّلناه في الجواب عنه فلا بأس فيه، وفي فروض الحالات الرَّبويَّة يكون من الرَّبويَّات المضاعفة المحرَّمة.

(مسألة 529) ما تلتزم به بعض شركات التَّأمين بدفع مبالغ إلى المؤمَّن له إضافة إلى مبلغ التَّأمين، كما في بعض البورصات أنَّ الشَّركة تدفع فائدة سنوية أو نصف سنويَّة أو ربع سنويَّة

أو شهريَّاً بمعدل 23% بالنسبة على المبلغ الَّذي تحتفظ به الشَّركة، ويكون أول دفعة من الفائدة في نهاية السَّنة أو نصف السَّنة أو ربع السَّنة أو ربع الشَّهر حسب طريقة دفع الفوائد المختارة، وعند وفاة المستحق يدفع المبلغ الَّذي تحتفظ به الشَّركة، مع

ص: 188

ما يكون قد تجمَّع عليه من فائدة إلى القائمين على تركته ومنفِّذي وصيَّته، ما لم ينص إشعار الاختيار على خلاف ذلك.

فلمَّا كان التَّأمين المتعارف في صدقه صحيحاً حسب إجاباتنا الشَّرعيَّة مبنيَّاً على دفع مبلغ مقرَّر هبة من المستأمن إلى الشَّركة بشرط تدارك ما يحدث من خسارات للمستأمن، فإن دفعت الشَّركة فائدة لصاحب التَّأمين لم تحسب من ربا القرض المحرَّم كما أوضحناه في المسألتين السَّابقتين.

(مسألة 530) التَّأمين على الحياة (السكورته) - بأن يتَّفق شخص مع شركة معيَّنة بأن يدفع لها مبلغاً من المال وفق أقساط شهريَّة، وفي مقابل ذلك تتعهد له الشَّركة بالتَّعويض عما يصيبه من عوارض قد تؤدِّي بحياته، وهو القسم الأوَّل المذكور في (المسألة 525).

وأمَّا القسم الثَّاني فهو التَّأمين على الممتلكات من بيت أو سيارة أو متَّجر ضد السَّرقة أو الحريق أو الحوادث، فتدفع الشَّركة للمتعاقد معها التَّعويض عن التَّلف الَّذي يحصل -

وعليه فبيان الحكم هو أنَّه معاملة جائزة على نحو المسائل السَّابقة، سواء في الرِّبح الَّذي هو الزِّيادة الَّتي تمنحها الشَّركة بعد دفع الأقساط هبة أو المجازي الَّذي هو المال المحفوظ في البنك من إتلاف صاحبه له لو بقي عنده مع خسارة الشَّركة له مبالغ الحفظ وأموال الصِّيانة، وإن كانت الصُّورة الثَّانية أسهل مؤونة في بعض الصور ما دام كلتا الصورتين مبنيَّاً على دفع الأقساط هبة لا إيداعاً.

(مسألة 531) لا يجوز بعد التَّعاقد استعمال الغش فيما بين المأمِّن والشَّركة أو الشَّركات المسلمة والمؤمنة بأن يحرق المأمِّن سيَّارته مثلاً أو داره أو نحو ذلك ليأخذ من الشَّركة حقوقه حتَّى لو أمن بأن لا يعرفوه بالتَّأكيد، وكذلك الشَّركات غير المسلمة الَّتي جرى فيما بين المسلمين وبينها معاهدات تحقن المال والنُّفوس والأعراض، وإن اقتصر

ص: 189

ذلك على تحديد المرجعيَّات الدِّينيَّة في زمن الغيبة للإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وبنحو الحكم الثَّانوي.

وأمَّا غير المسلمة المحاربة فلا يجوز التَّعامل معها أصلاً، حذراً من الإحراج والتَّحفُّظ المفروض على المسلمين من مشاكل هذه الشَّركات لأنَّها غادرة أو لا أقل من انتفاعاتها بأموال المسلمين لمحاربتهم، وعلى فرض الاضطرار إلى ذلك في بلدانهم كجالياتنا المؤمنة مع ضمان النَّفع لبعض المؤشِّرات المعقولة، وإن كان المحاربون مهدوري المال شرعاً، لكنلا ينبغي استعمال الغش معهم، حذراً من عثورهم على عثرات لبعض المسلمين من هذا القبيل ممَّا قد يشوِّه صورة ديننا وتعاليمه السَّليمة ولو في نظر المستضعفين من أهل الكفر.

إضافة إلى أهميَّة كرامة أقل مسلم من أبنائنا حذراً من إهانته من النَّاحية النَّوعيَّة، فضلاً عمَّا لو كانت الشَّركات من نوع لا تحرز فيه الحربيَّة التَّامَّة لنا والضَّرورة تقدَّر بقدرها وبالخصوص في حالة عدم عثور أهل الكفر على أيِّ شيء من التَّحايل من مسلمينا أو مسلميَّة اختفائه عليهم في ذلك عند حاجته فلا مانع.

(مسألة 532) لو كان هناك عطل في السيَّارة (مثلاً) وادُّعي أنَّه من تأثير الحادث لأجل تصليحها فإن كان العطل العادي غير مشمول في عقد التَّأمين على السِّيارات كالخدشة وكان الحادث المذكور في السُّؤال المفروض غير العطل العادي كخراب الماكنة فلا يجوز ذلك، وأمَّا إذا كان العطل العادي مشمولاً في التَّأمين وكان الحادث المدَّعى غير العطل فليس بضار بأصل الاستفادة من التَّأمين الجائز، إلاَّ أنَّه ينال الإثم بكذبه، وقد يكون مؤثِّراً على أصل التَّعامل أثره الوضعي كذلك في المقام لو كان الحادث المدَّعى بسبب استفادة شيء أضخم من العطل العادي، ولكن إن تورَّط في هذا وكان العقد مع كافر وفي شركته وكان الاستثمار من مستحقَّات الزبون فلا يحل الزَّائد إلاَّ بإجازة الحاكم الشَّرعي.

(مسألة 533) لو ألزمت الحكومة المواطنين التَّأمين على سيَّاراتهم (مثلاً) فلا

ص: 190

يصح ذلك ولا تترتَّب عليه أحكامه الشَّرعيَّة، إلاَّ إذا فرض تنفيذ القانون الخاص به من قبل من له الولاية الشَّرعيَّة وفق مقتضيات المصلحة العامَّة للمسلمين، وكان الزبون راجعاً إليه وواثقاً بمقرَّراته، أو لم يكن ولكن مرجعه الشَّخصي أمضى له ذلك، لضرورة الانتفاع به، ولو تبيَّن ذلك بعد حين فإنَّه لا مانع منه، ولو لم يكن وحصلت هذه الزَّوائد فلابدَّ فيها من مراجعة الحاكم الشَّرعي الخاص به.

(مسألة 534) لا ينفسخ عقد التَّأمين إلاَّ برضا الطَّرفين، نعم إذا اشترط في ضمن العقد استحقاق المأمِّن له أو المأمِّن أو كليهما للفسخ جاز الفسخ حسب الشَّرط.

ص: 191

كتاب الرَّهن

اشارة

وفيه مبحثان:

الأوَّل: في معناه وشروطه

(مسألة 535) الرَّهن هو دفع عين للاستيثاق من الدِّين، وهو عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول، ولو معاطاةً.

(مسألة 536) عقد الرَّهن لازم من طرف الرَّاهن، جائز من طرف المرتهن.

(مسألة 537) يشترط في صحَّة الرِّهن:-

1 - كمال الرَّاهن والمرتهن من البلوغ والعقل والقصد والاختيار .

2 - عدم كون الرَّاهن سفيهاً ولا محجوراً عليه لفلس، إلاًّ إذا لم تكن العين المرهونة ملكاً له أو لم تكن من أمواله الَّتي حجر عليها.

3 - القبض للعين المرهونة بإذن الرَّاهن.

4 - أن تكون العين المرهونة مملوكة فلا يصح رهن الخمر ونحوها.

5 - جواز تصرُّف الرَّاهن في العين المرهونة ولو بالرَّهن فقط، فإذا رهن مال الغير فصحَّته موقوفة على إجازة المالك.

المبحث الثَّاني: في مسائله

(مسألة 538) لا يعتبر في الرَّهن أن يكون المديون هو الرَّاهن - وإن كان هذا هو الغالب - بل يصح أن يكون غيره، بأن يجعل شخص ماله رهناً لدين آخر، كما لا يعتبر فيه القبض، نعم مقتضى إطلاقه كون العين المرهونة بيد المرتهن، إلاَّ أن يشترط كونها بيد

ص: 192

ثالث أو بيد الرَّاهن فيصح ما لم يناف التَّأمين المقوّم له.

(مسألة 539) إذا استدان شيئاً وجعل عليه رهناً، جاز أن يجعل الرَّهن رهناً مرَّة ثانية لدين آخر من المدين الأوَّل أو غيره، لكن بشرط قبول المرتهن الأوَّل، والمرتهن الثاني لذلك.

(مسألة 540) إذا رهن شيئاً على دين، جاز أن يرهن شيئاً ثانياً على نفس ذلك الدَّين أيضاً.

(مسألة 541) لا يجوز للرَّاهن أن يتصرَّف في العين المرهونة إلاَّ بإذن المرتهن، وكذا لا يجوز للمرتهن أن يتصرَّف إلاَّ بإذن الرَّاهن.

(مسألة 542) يعتبر في العين المرهونة أن تكون عيناً خارجيَّة مملوكة يجوز بيعها وشراؤها فلا يصح رهن الخمر ونحوه، ولا رهن الدَّين قبل قبضه ولا رهن الوقف ولو كان خاصَّاً إلاًّ مع وجود أحد مسوِّغات بيعه النَّادرة.

(مسألة 543) منافع العين المرهونة لمالكها - سواء أكان هو الرَّاهن أم غيره - دون المرتهن.

(مسألة 544) يجوز لمالك العين المرهونة أن يتصرَّف فيها بما لا ينافي حق الرَّهانة بأن لا يكون متلفاً لها أو موجباً للنقص في ماليَّتها أو مخرجاً لها عن ملكه، فيجوز له الانتفاع من الكتاب بمطالعته ومن الدَّار بسكناها ونحو ذلك، وأمَّا التَّصرُّف المتلف أو المنقص لماليَّتها فغير جائز إلاَّ بإذن المرتهن، وكذلك التَّصرُّف النَّاقل فيها ببيع أو هبة أو نحوهما فإنَّه لا يجوز إلاَّ بإذنه، وإن وقع توقَّفت صحَّته على إجازته فإن أجاز بطل الرَّهن.

(مسألة 545) لو باع المرتهن العين المرهونة قبل حلول الأجل بإذن المالك بطل الرَّهن ولا يكون ثمنها رهناً بدلاً عن الأصل، وكذلك لو باعها فأجازه المالك، ولو باعها المالك بإذن المرتهن على أن يجعل ثمنه رهناً فلم يفعل بطل البيع إلاَّ أن يجيزه المرتهن.

ص: 193

(مسألة 546) إذا حان زمان قضاء الدَّين وطالبه الدَّائن فلم يؤدِّه جاز للدَّائن بيع العين المرهونة، واستيفاء دينه إذا كان وكيلاً عن مالكها في البيع واستيفاء دينه منه أو كان المدين متمرِّداً، وإلاَّ على الدَّائن لزوم استجازته فيهما، فإن لم يتمكَّن من الوصول إليه استجاز الحاكم الشَّرعي على الأحوط وجوباً، وإذا امتنع من الإجازة رفع أمره إلى هذا الحاكم ليلزمه بالوفاء أو حلول الأجل في البيع، فإن تعذَّر على الحاكم إلزامه باعها عليه بنفسه أو بتوكيل الغير، وعلى التَّقديرين لو باعها وزاد الثَّمن على الدَّين كانت الزِّيادة أمانة شرعيَّة عليه أن يوصلها إلى مالكها.

(مسألة 547) إذا كانت العين المرهونة من مستثنيات الدَّين كدار السُّكنى وأثاث المنزل جاز للمرتهن بيعها واستيفاء دينه من ثمنها كسائر الرهون.

ص: 194

كتاب الحجر

اشارة

وفيه مبحثان:

الأوَّل: في معناه وأسبابه

(مسألة 548) الحجر هو كون الإنسان ممنوعاً عن التَّصرف في ماله كلاًّ أو بعضاً، ويستثنى من ذلك موارد منها: الأشياء اليسيرة الَّتي جرت العادة بتصدِّي الصَّبي المميِّز لمعاملتها لبعض الأمارات الدَّالة على ذلك.

وأسباب الحجر سبعة:

1 - الصِّغر: فلا حقَّ للصَّغير إلاَّ بإذن وليِّ أمره أو القيِّم عليه أو الحاكم الشَّرعي أو كفيله.

2 - الجنون: فلا حقَّ للمجنون حتَّى الإدواري وقت جنونه إلاَّ بإذن وليِّه أو القيِّم عليه أو الحاكم الشَّرعي أو كفيله.

3 - السَّفه: فلا حقَّ لمن لا يحسن التَّصرُّف في ماله إلاَّ بإذن وليِّه أو القيِّم أو الحاكم أو كفيله.

4 - الفلس: فلا حقَّ لمن ركبته الدُّيون وليس عنده إلاَّ شيء قد يسدُّ أو لا يسد إلاَّ بإذن ولي الأمر أو القيِّم أو الحاكم أو كفيله.

5 - المرض: فلا حقَّ لمن كان مريضاً بمرض الوفاة في منجزاته إلاَّ بالوصيَّة في الثُّلث، وأمَّا الأزيد فبعد موافقة الورثة.

6 - الملك: فلا حقَّ للمملوك بالتَّصرف في المال الَّذي عنده إلاَّ بإذن سيِّده حتَّى في العبد المملَّك.

7 - الموت: فلا حقَّ بما بعد الموت أن تكون الوصيَّة بما يزيد على الثُّلث إلاَّ بإذن

ص: 195

الورثة.

المبحث الثَّاني: في بعض مسائله

(مسألة 549) الصَّغير الَّذي لم يبلغ بلوغاً شرعيَّاً - أو بلغ وليس له رشد - ممنوع عن التَّصرُّف في ماله، ولو كان تصرُّفه صلاحاً.

(مسألة 550) للبلوغ ثلاث علامات في الذَّكر والأنثى قد مرَّت ونعيدها للتَّأكيد:

1 - إنبات الشَّعر الخشن على العانة، ولا عبرة بالشَّعر الضَّعيف.

2 - خروج المني، وهو في النِّساء قليل جدَّاً، في أوائل البلوغ.

3 - السِّن، بأن يدخل الذَّكر في السَّادسة عشرة، والأنثى في العاشرة.

(مسألة 551) يجوز للمالك صرف ماله في مرض موته في الإنفاق على نفسه ومن يعوله، والصَّرف على ضيوفه، وفي حفظ شأنه واعتباره، والتَّصدق لأجل عافيته وشفائه،وغير ذلك ممَّا يليق به، ولا يُعد سرفاً وتبذيراً، وكذا يجوز له بيع ماله بالقيمة المتعارفة وإجارتها كذلك، وأمَّا تصرُّفه في ماله بغير ذلك فسيأتي بيانه في منجَّزات المريض في كتاب الوصيَّة.

ص: 196

كتاب الضَّمان

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: في أقسامه

(مسألة 552) الضَّمان هو أن يتعهَّد الإنسان للدَّائن بما في ذمَّة المدين، وهو على قسمين:

الأوَّل: نقل الدَّين من ذمَّة المضمون عنه (المدين) إلى ذمَّة الضَّامن للمضمون له (الدَّائن)، ومقتضاه اشتغال ذمَّة الضَّامن بنفس المال المضمون، فلو مات قبل وفائهِ أخرج من تركته مقدَّماً على الإرث كسائر ديونه.

وهو عقد لازم فلا يجوز للضَّامن فسخه ولا المضمون له، كما لا يصح اشتراط حقِّ الفسخ فيه على الأحوط لزوماً، ولو اشترط لأحدهما وفسخ فلابدَّ من مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك.

الثَّاني: التزام الضَّامن للمضمون له بأداء مال إليه، ونتيجته وجوب الأداء تكليفاً دون اشتغال الذمَّة وضعاً، فلو مات قبل الأداء لم يخرج من تركته إلاّ إذا أوصى بذلك.

وهو عقد لازم من طرف الضَّامن ويجوز للمضمون له إبراء الضَّامن من الضَّمان فيسقط.

المبحث الثَّاني: في شروطه

(مسألة 553) يعتبر في الضَّمان أمور:

1 - الإيجاب من الضَّامن والقبول من المضمون له بلفظ أو فعل مفهم - ولو بضميمة

ص: 197

القرائن - للتَّعهُّد بالمال من الأوَّل ورضا الثَّاني بذلك، ولا يعتبر رضا المديون للمضمون له.

2 - كمال الضَّامن والمضمون عنه من البلوغ، والعقل، والرُّشد، والاختيار وعدم الحجر لسفه، بل الأحوط ذلك في المضمون له.

3 - كون الدَّين ثابتاً في ذمَّة المضمون عنه.

4 - أن يكون الدَّين وأطراف الضَّمان معلومين، فلو قال أقرض فلاناً وأنا ضامن لم يصح، وكذا لو كان الدَّين مجهولاً، أو المضمون عنه أو له أو الضَّامن مجهولاً.

5 - التَّنجيز في الضَّمان، فلو قال أنا ضامن لو أذن لي أبي لم يصح.

المبحث الثَّالث: في مسائله

(مسألة 554) إذا تحقَّق الضمان انتقل حقُّ المضمون عنه في ذمَّته إلى ذمَّة الضَّامن، وبرئت ذمة المضمون عنه.(مسألة 555) إذا ضمن بإذن المضمون عنه كان للضَّامن - بعد الأداء - الرُّجوع إلى المضمون عنه، ولو ضمن بدون إذنه لم يكن له الرجوع إليه.

(مسألة 556) إذا أبرأ الدَّائن (المضمون له) الضَّامن فليس للضَّامن مطالبة المديون (المضمون عنه) بشيء، وإذا أبرأ بعضه فليس له مطالبته بذلك البعض.

(مسألة 557) إذا كان الضَّامن حين الضَّمان قادراً على أداء المال المضمون فليس للدَّائن المضمون له فسخ الضَّمان ومطالبة المديون المضمون عنه حتَّى لو عجز الضَّامن عن الأداء بعد ذلك، وكذلك إذا كان الدَّائن المضمون له عالماً بعجز الضامن ورضي بضمانه، وأمَّا إذا كان جاهلاً بذلك ففي ثبوت حقِّ الفسخ له إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك.

ص: 198

(مسألة 558) ليس للضَّامن (أي الطَّرف الثَّالث) مطالبة المديون (أي المضمون عنه) بالدَّين إذا كان الضَّمان بإذن من الضَّامن أو طلب منه وإلاَّ فله مطالبته به ولو قبل وفائه، وإذا أدَّى الدَّين من غير جنسه لم يكن له إجبار المديون المضمون له إذا كان وافياً بالمطلوب ولم يشترط الدَّائن نفس الجنس فضلاً عمَّا لو كان الغير أولى.

ص: 199

كتاب الحوالة

اشارة

وفيه مبحثان:

الأوَّل: في معناها وشروطها

(مسألة 559) الحوالة هي (تحويل المدين ما في ذمَّته من الدَّين إلى ذمَّة غيره بإحالة الدَّائن عليه) فهي متقوِّمة بأشخاص ثلاثة:

(المحيل) وهو المديون، و(المحال) وهو الدَّائن، و(المحال عليه).

فإذا تحقَّقت الحوالة وفق شروطها الشَّرعيَّة الآتية برئت ذمَّة المحيل، وانتقل الدَّين إلى ذمَّة المحال عليه، فليس للدَّائن مطالبة المديون وهو الأوَّل بعد ذلك.

(مسألة 560) يشترط في الحوالة أمور:

1 - الإيجاب من المحيل والقبول من المحال له والمحال عليه، سواء كان بريئاً كالمهدى له أو الموكَّل بفتح الكاف وتشديدها في إيصالها إلى شخص آخر أو ادِّخارها عنده أم مديناً لشخص، ويكفي في الإيجاب والقبول كل قول وفعل دال عليهما.

2 - كمال المحيل والدَّائن والمحال عليه من البلوغ والعقل والاختيار ونحوها.

3 - أن يكون المحال به وهو المال ثابتاً في ذمَّة المحيل، فلا تصح حوالة مال الجعالة مثلاً قبل أن يعمل العامل.

4 - تعيين المال المحال به قدراً وجنساً ووصفاً، بما يرتفع عن التَّرديد والإبهام.

5 - رضا المحال عليه وقبوله، ولا يشترط في صحَّة الحوالة اشتغال ذمَّة المحال عليه بمال المحيل، فتصح الحوالة على البريء كذلك.

ص: 200

المبحث الثَّاني: في مسائلها

(مسألة 561) الحوالة عقد لازم فليس للمحيل ولا المحال عليه فسخها، وكذلك المحال وإن أعسر المحال عليه بعدما كان موسراً حين الحوالة، بل لا يجوز فسخها مع إعسار المحال عليه حين الحوالة إذا كان المحال عالماً بحاله، نعم لو لم يعلم به - حينذاك - كان له الفسخ، إلاَّ إذا صار المحال عليه غنيَّاً حين استحقاق المحال عليه للدَّين، فإنَّ في ثبوت حق الفسخ له في هذه الصُّورة إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك.

(مسألة 562) يستحق المحال عليه البريء أن يطالب المحيل بالمحال به وهو مال الحوالة ولو قبل أدائه بعد إجراء العقد لأنَّه يصبح كالدَّين وبالأخص لو كان المحال عليه رحماً، نعم إذا كان الدَّين المحال به مؤجَّلاً لم يكن له مطالبة المحيل به إلاَّ عند حلول أجله وإن كان قد أدَّاه قبل ذلك، ولو تصالح المحال له وهو الدَّائن مع المحال عليه على أقل من الدَّين لم يجز له أن يأخذ من المحيل إلاَّ الأقل.

(مسألة 563) يجوز اشتراط حق الفسخ للمحيل والمحال والمحال عليه أو لأحدهم.

(مسألة 564) إذا أدَّى المحيل الدَّين، فإن كان بطلب من المحال عليه وكان مديوناً للمحيل فله أن يطالب المحال عليه بما أدَّاه، وإن لم يكن بطلبه أو لم يكن مديوناً فليس له ذلك.

(مسألة 565) لا فرق في المحال به بين كونه عيناً في ذمَّة المحيل وبين كونه منفعة أو عملاً لا يعتبر فيه المباشرة، كما لا فرق فيه بين كونه مثليَّاً كالنُّقود أو قيميّاً كالحيوان.

(مسألة 566) تصح الحوالة مع اختلاف الدَّين المحال به مع الدَّين الَّذي على المحال عليه جنساً ونوعاً كما تصح مع اتِّحادهما في ذلك، فلو كان على ذمَّته لشخص دنانير وله على ذمَّة غيره دراهم جاز أن يحيله عليه بالدَّراهم أو بالدَّنانير بما يساوي المال

ص: 201

المطلوب.

(مسألة 567) إذا أحال البائع دائنه على المشتري بدينه وقبل المشتري هذه الحوالة عليه على أساس كونه مديناً للبائع بالثَّمن ثمَّ تبيَّن بطلان البيع بطلت الحوالة، وهكذا إذا أحال المشتري البائع بالثَّمن على شخص آخر ثمَّ ظهر بطلان البيع فإنَّه تبطل الحوالة أيضاً، بخلاف ما إذا انفسخ البيع بخيار أو بالإقالة فإنَّه تبقى الحوالة ولا تتبع البيع فيه.

ص: 202

كتاب الكفالة

معنى الكفالة ومسائلها

(مسألة 568) الكفالة هي التَّعهُّد والالتزام لشخص بإحضار إنسان ولذلك الشَّخص حق على ذلك الإنسان، ويسمَّى المتعهِّد (كفيلاً)، كأن يتكفَّل (علي) ل(محمد) بإحضار (جواد) إذا كان ل- (محمَّد) حق على (جواد).

وهي المسمَّاة بالكفالة الشَّخصية الماليَّة ليدفع المال للمكفول له أمامه، أو الكفالة الماليَّة فقط كما سيجيء.

(مسألة 569) الكفالة عقد لازم يحتاج إلى الإيجاب والقبول، وتصح بلفظ أو بفعل مفهم - ولو بحسب القرائن - بالتَّعهُّد المذكور وبالقبول من المكفول له، والأحوط لزوماً اعتبار رضا المكفول ليكون رضاه حجَّة عليه، بل كونه طرفاً للعقد بأن يكون عقدها مركَّباً من إيجاب من الكفيل وقبولين من المكفول له والمكفول.

(مسألة 570) يعتبر في الكفيل: البلوغ، والعقل، والاختيار، والقصد، والأحوط لزوماً اعتبار ذلك في المكفول أيضاً، كما يعتبر في الكفيل القدرة على إحضار المكفول، وعدم الحجر عليه من التَّصرف في ماله - لسفه أو فلس - إذا كان إحضار المكفول يتوقَّف على التَّصرف فيه.

(مسألة 571) تصح الكفالة بالنِّسبة إلى كل مديون، وكل من يستحق عليه الحضور إلى مجلس الشَّرع، بأن تكون عليه دعوى مسموعة، ولا تصح كفالة من عليه حد أو تعزيز.

(مسألة 572) تسقط الكفالة بأحد أمور خمسة:

ص: 203

(1) أن يسلِّم الكفيل المكفول للمكفول له، أو يبادر المكفول إلى تسليم نفسه إليه، أو يقوم المكفول له بأخذ المكفول بحيث يتمكَّن من استيفاء حقِّه أو إحضاره مجلس الحكم.

(2) قضاء حق المكفول له كاستيفائه حقَّه بسكناه في دار المكفول بما يعادل مال دينه.

(3) إسقاط المكفول له لحقِّه على المكفول، أو نقله إلى غيره إذا كان قابلاً للنَّقل كما في الدين.

(4) موت الكفيل أو المكفول، وأمَّا موت المكفول له فلا يوجب بطلان الكفالة، بل ينتقل حقُّه إلى ورثته.

(5) إبراء المكفول له الكفيل من الكفالة.

(مسألة 573) من خلَّص غريماً من يد صاحبه قهراً أو حيلة وجب عليه تسليمه إيَّاه أو أداء ما عليه إن كان قابلاً للأداء كالدَّين، ولو خلِّي القاتل عمداً من يد ولي الدَّم لزمه إحضاره ويحبس لو امتنع من ذلك، فإن تعذَّر الإحضار لموت أو غيره دفع إليه الدِّية.

ص: 204

كتاب الوكالة

اشارة

وفيه مبحثان:

الأوَّل: في معناها وشروطها

(مسألة 574) الوكالة هي أن يستنيب الإنسان غيره لإمضاء أو تصرُّف من قبله، فيما كان له ذلك كأن يوكل شخصاً في بيع داره، أو قبض الثَّمن له.

(مسألة 575) يشترط في الوكالة أمور:

1 - الإيجاب والقبول، ولو معاطاة، فلو دفع ماله إلى شخص لبيعه وقبضه الوكيل بهذا العنوان صحَّت الوكالة، وهكذا لو كتب إلى شخص بأنَّه قد وكَّله في بيع ماله فقبل ذلك فإنَّه تصح الوكالة، وإن كان الوكيل في بلد آخر وتأخَّر وصول الكتاب إليه.

2 - الكمال في الموكِّل والوكيل من العقل، والبلوغ، والاختيار، والقصد.

3 - التَّنجيز، بأن لا يعلِّق الوكالة بشي، فلا يصح أن يقول: إذا جاء زيد فأنت وكيلي.

4 - عدم الحجر في متعلِّق الوكالة، فلا يصح توكيل المحجور عليه في أمواله كالسَّفيه والمفلس والمجنون والصَّغير.

5 - أن يكون متعلَّق الوكالة سائغاً، وللموكِّل سلطة التَّصرُّف فيه، فلا تصح الوكالة في الغصب، ولا في بيع مال الغير.

6 - أن يكون متعلَّق الوكالة قابلاً للنِّيابة، فلا تصح الوكالة في إتيان الصَّلوات اليوميَّة عن الموكِّل، كما يعتبر أن يكون أمراً سائغاً في نفسه فلا تصح الوكالة في المعاملات الفاسدة كالبيع الرَّبوي والطَّلاق الفاقد للشُّروط الشَّرعيَّة.

7 - أن يكون متعلَّق الوكالة معلوماً، فلا تصح لو كان مجهولاً، كأن يقول: وكَّلتك

ص: 205

في أمر، من دون التَّصريح به نوعاً أو شخصاً أو مقداراً أو كيفيَّة، نعم قد تكون وكالة مطلقة وقد تكون مقيَّدة.

المبحث الثَّاني: في مسائلها

(مسألة 576) تبطل الوكالة ببلوغ العزل إلى الوكيل، والعمل الصَّادر منه قبل بلوغ العزل إليه بطريق معتبر شرعاً صحيح.

(مسألة 577) للوكيل أن يعزل نفسه وإن كان الموكِّل غائباً.

(مسألة 578) ليس للوكيل أن يوكِّل غيره في إيقاع ما توكل فيه لا عن نفسه ولا عن الموكِّل، إلاَّ أن يأذن له الموكِّل في ذلك، فيوكِّل في حدود إذنه، فإذا قال له: (اختر وكيلاً عني) فلابدَّ أن يوكِّل شخصاً عنه، لا عن نفسه.

(مسألة 579) إذا وكَّله في بيع سلعةٍ أو شراء متاع ولم يصرِّح بكون البيع أو الشِّراء من غيره أو ممَّا يعم نفسه جاز للوكيل أن يبيع السِّلعة من نفسه أو يشتري المتاع من نفسهإلاَّ مع انصراف الإطلاق إلى غيره.

(مسألة 580) إذا وكَّل شخص جماعة في عمل على أن يكون لكل منهم القيام بذلك العمل وحده جاز لكل منهم أن ينفرد به، وإن مات أحدهم لم تبطل وكالة الباقين، وإن وكَّلهم على أن يكون لكل واحد منهم القيام بالعمل بعد موافقة الآخرين لم يجز لواحد منهم أن ينفرد به، وإن مات أحدهم بطلت وكالة الباقين، وإن وكَّلهم على العمل مجتمعين فلن يقبل من أحدهم الانفراد به، وإن أمكن إكماله له بانفراده وعند موت أحدهم بطل ذلك التَّوكيل.

(مسألة 581) تبطل الوكالة بموت الوكيل أو الموكِّل، وكذا بجنون أحدهما أو إغمائه إن كان مطبقاً، وأمَّا إن كان ادواريَّاً فبطلانها في زمان الجنون أو الإغماء - فضلاً

ص: 206

عما بعده - محل إشكال، فلا يترك مراعاة الاحتياط في مثل ذلك، وتبطل أيضاً بتلف مورد الوكالة كالحيوان الَّذي وكل في بيعه.

(مسألة 582) لو جعل الموكِّل عوضاً للعمل الَّذي يقوم به الوكيل وجب دفعه إليه بعد إتيانه به.

(مسألة 583) إذا لم يقصِّر الوكيل في حفظ المال الَّذي دفعه الموكِّل إليه - ولم يتصرَّف فيه بغير ما أجازه الموكِّل فيه - فتلف اتِّفاقاً لم يضمنه، وأمَّا لو قصَّر في حفظه - أو تصرَّف فيه بغير ما أجازه الموكِّل فيه وتلف ضمنه ، فلو لبس الثَّوب الَّذي وُكِّل في بيعه وتلف حينذاك لزمه عوضه.

(مسألة 584) لو تصرَّف الوكيل في المال الَّذي دفعه الموكِّل إليه بغير ما أجازه لم تبطل وكالته، فيصح منه الإتيان بما هو وكيل فيه، فلو توكَّل في بيع ثوب فلبسه ثمَّ باعه صحَّ البيع ولكنَّه يضمن فرق الاستعمال وهو لبسه لو بان الفرق عند العقد.

ص: 207

كتاب الإقرار

اشارة

وفيه مباحث:

الأوَّل: في معناه وكيفيَّته

(مسألة 585) الإقرار : هو (إخبار الشَّخص عن حق ثابت عليه أو نفي حق له، سواء كان من حقوق الله تعالى أم من حقوق النَّاس)، كأن يقول: ل(محمَّد) عليَّ ألف دينار، أو يقول: ليس لي على (علي) ولا دينار واحد، وهو حجَّة لقاعدة (إقرار العقلاء على أنفسهم حجَّة) ما لم يكن في ذلك تهمة.

(مسألة 586) لا يعتبر في الإقرار لفظ خاص، فيكفي كل لفظ مفهم له عرفاً، بل لا يعتبر أن يكون باللفظ فتكفي الإشارة المفهمة له أيضاً حتَّى من غير الأخرس، بل لا يعتبر في تحقق الإقرار وأخذ المقر به من مثل المال لمالكه دلالة الكلام عليه بأحد طرق الدِّلالة اللَّفظيَّة من (المطابقة والتَّضمُّن والالتزام) بدقَّتها، ولا كونه مقصوداً بالإفادة إن لم يفهمه المتبعِّض كالَّذي أقرَّ ببعض من لفظ الإقرار وأكمل الباقي بالإشارة، فيؤخذ المتكلِّم بلوازم كلامه المتعارفة وإن لم ينعقد له ظهور تام فيها إن علم المقصود منه ذلك، بل وحتَّى مع جهله بالملازمة أو غفلته عنها لو قصد ذلك وعرفه المقر له الذَّكي بذكائه، فإذا نفى الأسباب الشَّرعيَّة لانتقال مال إليه واحداً بعد واحد كان ذلك اعترافاً منه بعدم مالكيَّته له فيلزم به.

المبحث الثَّاني: في شروطه

(مسألة 587) يعتبر في المقر أمور:

ص: 208

1 - البلوغ، فلا ينفذ إقرار الصَّبي، نعم لا يبعد صحَّة إقرار الصَّبي إذا تعلَّق بما يحق له أن يفعله، كبيع الأشياء اليسيرة مع أمارة رضا وليِّه ولو كانت سطحيَّة.

2 - العقل، فلا ينفذ إقرار المجنون.

3 - القصد، فلا ينفذ إقرار السَّكران والهازل والسَّاهي والغافل.

4 - الاختيار، فلا ينفذ إقرار المكره.

5 - عدم الحجر عليه لسفه أو فلس، فلا ينفذ إقرار السَّفيه في أمواله وما يلحق بها وينفذ في غيرها كالطَّلاق ونحوه، وأمَّا المفلس فلا ينفذ إقراره فيما يتعلَّق بماله الَّذي حُجر عليه، وينفذ فيما عدا ذلك كدار سكناه وأثاث بيته ونحوهما، وكذا ينفذ إقراره في الدَّين الَّذي له سابقاً ولاحقاً ولكن لا يشارك المقر له الغرماء، لكونهم قد لا يشملهم إقرار شرعي منه لهم بنحو يُلزم لهم به مثل المُقر له شرعاً أو أنَّهم ألزموه شرعاً بمال آخر غير الدَّينين فلا داعي للمشاركة.

(مسألة 588) ينفذ إقرار المريض كالصَّحيح إلاَّ في مرض الموت مع التُّهمة في أنَّه كذلك، فلا ينفذ إقراره فيما زاد على الثُّلث، سواء أقرَّ لوارث أو أجنبي كما سيأتي.

(مسألة 589) يشترط أن يكون المقر له ممَّا يمكن له الحق، كأن يقول: ما في يدي ل(باقر) أو وقف لهذا المسجد، أمَّا لو قال: ما في يدي ل(هذه الدابَّة) لم ينفذ الإقرار، لعدم إمكان ملك الدابَّة وكون الغرض الملكيَّة.

(مسألة 590) يعتبر في المقر به أن يكون ممَّا لو كان المقر صادقاً في إخباره لأمكن إلزامه به شرعاً، وذلك بأن يكون المقر به مالاً في ذمَّته أو عيناً خارجيَّة أو منفعة أو عملاً أو حقَّاً - كحقِّ الخيار والشُّفعة وحقِّ الاستطراق في ملكه أو إجراء الماء في نهره أو نصب ميزاب على سطح داره - أو يكون فعلاً مستوجباً للحدِّ شرعاً كالزنا وشرب الخمر وما شاكل ذلك، وأمَّا إذا أقرَّ بما لا يمكن إلزامه به شرعاً فلا أثر له، فإذا أقرَّ بأنَّ عليه لزيد شيئاً من ثمن خنزير ونحو ذلك لم ينفذ إقراره.

ص: 209

المبحث الثَّالث: في مسائله

(مسألة 591) يصح الإقرار بالمجهول، كأن يقول: ل- (حسن) عليَّ دين، وكذا الإقرار بالمردَّد، كأن يقول: ل- (تقي) علي أحد هذين الشَّيئين، وكذا إذا كان المقر له مجهولاً أو مردِّداً كأن يقول: ل- (شخص) أو ل- (احد هذين) علي دين.

(مسألة 592) إذا أقرَّ بشيء ثمَّ عقبه بما يضادُّه وينافيه ينفذ إقراره الأوَّل ولا أثر للمنافي، فلو قال لزيد عليَّ عشرون ديناراً ثمَّ قال لا بل عشرة دنانير ألزم بالعشرين، وليس الاستثناء من التَّعقيب بالمنافي ليبقى بالإقرار عشرة وينفى الثَّاني لأهميَّة المعنى العرضي وعدم أهميَّة المعنى الطولي في لسان الأدلَّة، بل يكون المقر به ما بقي بعد الاستثناء إن كان الاستثناء من المثبت، ونفس المستثنى إن كان الاستثناء من المنفي، فلو قال هذه الدَّار الَّتي بيدي لزيد إلاَّ الغرفة الفلانيَّة كان إقراراً بالدَّار ما عدا الغرفة، ولو قال ليس لزيد من هذهالدَّار إلاَّ الغرفة الفلانيَّة كان إقراراً له بالغرفة خاصَّة.

(مسألة 593) لو أقرَّ بعين ل(كاظم) ثمَّ أقرَّ بها ل(رضا) حكم بكونها للأوَّل، وأغرم قيمتها للثَّاني.

(مسألة 594) يسمع الإقرار بالنَّسب ونحوه، فإذا أقرَّ بولد أو أخ أو أخت أو غير ذلك نفذ إقراره مع احتمال صدقه فيما عليه من وجوب إنفاق أو حرمة نكاح أو مشاركة في إرث ونحو ذلك، وأمَّا بالنِّسبة إلى غير ذلك ممَّا عليه من الأحكام ففيه تفصيل، فإن كان الإقرار بالولد وكان صغيراً وتحت يده ثبت النَّسب بإقراره مع احتمال صدقه عادة وشرعاً وعدم المنازع، ولا يشترط فيه تصديق الصَّغير ولا يلتفت إلى إنكاره بعد بلوغه، ويثبت بذلك النسب بينهما، وكذا بين أولادهما وسائر الطَّبقات على إشكال لا يترك معه مراعاة الاحتياط في ذلك بالتَّدقيق في الشُّبهات، وأمَّا في غير الولد

ص: 210

الصَّغير فلا أثر للإقرار إلاَّ مع تصديق الآخر فإن لم يصدق الآخر لم يثبت النَّسب وإن صدَّقه ولا وارث غيرهما توارثا، وفي ثبوت التَّوارث مع الوارث الآخر إن لم يكن مقرَّاً إشكال والاحتياط لا يترك، وكذلك في تعدِّي التَّوارث إلى غيرهما، ولا يترك الاحتياط أيضاً فيما لو أقرَّ بولد أو غيره ثمَّ نفاه بعد ذلك.

ص: 211

كتاب الهبة

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: في معناها وأقسامها

(مسألة 595) الهبة في أساسها هي تمليك شيء لأخر مجانَّاً، وتحتاج إلى الإيجاب والقبول، وتصح المعاطاة فيها، وهي قسمان:

الأوَّل: الهبة المطلقة، وهي ما لا يجب التَّعويض فيها وإن كان من الأدنى كالمتوسِّط في ثروته إلى الأعلى في ثروته، كما لا يجب على الواهب قبول العوض لو بذله الموهوب له، ولكن لو قبل وأخذه لزمت الهبة ولم يجز له الرُّجوع فيما وهبه، كما لا يجوز للموهوب له الرجوع فيما أعطاه.

الثَّاني: الهبة المشروطة، وهي ما يجب على الموهوب له العمل بالشَّرط فإذا وهب شيئاً بشرط أن يهبه شيئاً وجب على الموهوب له العمل بالشَّرط، فإذا تعذَّر أو امتنع من العمل بالشَّرط جاز للواهب الرجوع في الهبة - ولو لم يكن الموهوب قائماً بعينه - بل يجوز الرُّجوع في الهبة المشروطة قبل العمل بالشَّرط أيضاً، نعم إذا كان تدريجيَّاً وشرع فيه الموهوب له لم يكن للواهب الرُّجوع إلاَّ مع عدم الإكمال في المدَّة المضروبة أو المتعارفة.

المبحث الثَّاني: في شروطها

(مسألة 596) يعتبر في الهبة أمور:

1 - كمال الواهب من البلوغ، والعقل، والقصد، والاختيار، وأن لا يكون محجوراً

ص: 212

بسفه أو فلس، وتصح الهبة من المريض في مرض الموت على تفصيل يأتي في منجَّزات المريض في كتاب الوصيَّة.

2 - القبض، ولابدَّ فيه من إذن الواهب، إلاّ أن يهبه ما كان في يده، فلا حاجة حينئذٍ إلى قبض جديد، وإن كان الأحوط لزوماً اعتبار الإذن في القبض بقاءاً.

(مسألة 597) لا تعتبر الفوريَّة في القبض ولا كونه في مجلس العقد، فيجوز فيه التَّراخي عن العقد بزمان كثير، ومتى تحقَّق القبض صحَّت الهبة من حينه، فإذا كان للموهوب نماء سابق على القبض قد حصل بعد الهبة كان للواهب دون الموهوب له، وإن أوهبه شيئين فقبض الموهوب له أحدهما دون الآخر صحَّت الهبة في المقبوض دون غيره.

(مسألة 598) تصح الهبة في الأعيان المملوكة وإن كانت مشاعة ولا تصح هبة المنافع ، ويصح إبراء الدَّين ممَّن للدَّائن على المدين ويكون قبضه بقبض مصداقه، ولو وهبه ما في ذمَّته قاصداً به إسقاطه كان إبراءاً ولا يحتاج إلى القبول.

المبحث الثَّالث: في صور ثبوتها

(مسألة 599) إذا تمَّت الهبة وقبض الموهوب له، كان للواهب فسخها واسترجاع المال إلاَّ في صور:

الأولى: إن كانت الهبة لذي الرَّحم عرفاً، قريباً كان كالأبوين أو بعيداً كأبناء العم والخال، ولا يلحق به الزَّوج والزَّوجة إن كانا من غير ذي الرَّحم، وإن كان الأحوط استحباباً لهما عدم الرجوع فيها ولو قبل القبض، لئلا يقع في النَّفس شيء.

الثَّانية: إن تلفت الهبة كلاًّ أو بعضاً.

الثَّالثة: إن كانت الهبة معوَّضة ولو كان العوض قليلاً، كما لو وهبه داراً تساوي

ص: 213

ألفاً بمقابل درهم مع الرِّضا الثَّابت في ذلك.

الرَّابعة: إن قصد الواهب بعمله القربة إلى الله تعالى.

الخامسة: إن مات الواهب قبل القبض فلا أثر للاسترجاع أو الفسخ لانتقاء الشَّيء من أساسه، وكذا تبطل بموت الموهوب له قبل القبض ويبقى الموهوب في ملك الواهب.

السَّادسة: إن تصرَّف الموهوب له في الهبة بالبيع ونحوه، أو بتغيُّر العين ولو مثل أن يطحن الحنطة، وله الرجوع في غير ذلك كما في لبس الثَّوب وفرش الفراش، فإن رجع وكانت العين معيبة فليس له أن يطالب بالتَّفاوت وإن كانت لها زيادة منفصلة كالولد أو زيادة متَّصلة قابلة للانفصال كالصُّوف والثَّمرة فهي للموهوب له وإن كانت زيادة متَّصلة غير قابلة للانفصال كالسِّمن والطُّول فهي تابعة للعين.

المبحث الرَّابع: في بعض مسائلها

(مسألة 600) للأب والجد للأب ولاية القبول والقبض عن الصَّغير والمجنون إذا بلغمجنوناً، أمَّا لو جنَّ بعد البلوغ فالأحوط لزوماً أن يتم القبول والقبض بالتَّوافق مع الحاكم الشَّرعي، ولو وهب ولي الصَّغير أو المجنون ما بيده إلى أحدهما لم يحتج إلى قبض جديد.

(مسألة 601) يتحقَّق القبض في المنقول وغير المنقول باستيلاء الموهوب له على الموهوب وصيرورته تحت يده وسلطانه، ويختلف صدق ذلك بحسب اختلاف الموارد.

(مسألة 602) لو مات الواهب أو الموهوب له بعد القبض لزمت الهبة فليس للواهب الرُّجوع إلى ورثة الموهوب له بعد موته كما أنَّه ليس لورثة الواهب بعد موته الرجوع إلى الموهوب له.

(مسألة 603) لا يعتبر في صحَّة الرُّجوع اطلاع الموهوب له فيصح الرُّجوع من

ص: 214

دون علمه أيضاً.

(مسألة 604) العوض المشروط إن كان معيَّناً تعيَّن، وإن كان غير معيَّن فإن اتَّفقا على شيء فهو، وإلاّ فالأحوط لزوماً أن يعوَّض بالمساوي من مثل أو قيمة إلاَّ إذا كانت قرينة من عادة أو غيرها على الاجتزاء باليسير.

(مسألة 605) لا يعتبر في التَّعويض أن يكون العوض هبة، بل يجوز أن يكون غيرها من العقود أو الإيقاعات كبيع شيء على الواهب أو إبراء ذمَّته من دين له عليه ونحو ذلك، بل يجوز أن يكون عملاً خارجيَّاً - ولو في العين الموهوبة - يتعلَّق به غرض الواهب كأن يشترط على الموهوب له أن يبني في الأرض الموهوبة مدرسة أو مسجداً أو غيرهما.

ص: 215

كتاب الوقف

اشارة

وفيه مقاصد:

الأوَّل: في الوقف

وفيه مبحثان:

المبحث الأوَّل: معنى الوقف وبعض خصوصيَّاته

(مسألة 606) الوقف هو تحبيس العين وتسبيل المنفعة على نحو اللزوم والتَّأبيد، وله ثواب عظيم في الكتاب والسنَّة والإجماع والسِّيرة.

(مسألة 607) لا إشكال في صحَّة الوقف، كأن يقول: (وقَّفت)، وفي صحَّته بالمعاطاة خلاف، ولإحراز المثوبة وعدم إخضاعه إلى أن ينفكَّ عن الوقفيَّة يحتاج إلى الصِّيغة، وهو أحوط.

(مسألة 608) الوقف على قسمين:

1 - الوقف العام، أي الوقف على الجهات العامَّة، كالمساجد والمقابر العامَّة والقناطر والشَّوارع والرُبط والحسينيَّات ونحوها.

2 - الوقف الخاص، أي الوقف على جهة خاصَّة، كالوقف على الذريَّة.

(مسألة 609) يجوز للواقف في وقف غير المسجد أن يجعل تولية الوقف و نظارته لنفسه ما دام في الحياة أو إلى مدَّة مستقلاً أو مشتركاً مع غيره، و كذا يجوز جعلها للغير كذلك، بل يجوز أن يجعل أمر التَّولية لنفسه أو لشخص آخر لنفسه ولغيره، بأن يكون المتولِّي كل من يعيِّنه هو نفسه أو ذلك الشَّخص، بل يجوز أن يجعل التَّولية لشخص ولكن يجعل أمر تعيين المتولِّي بعده بيده، و هكذا كل متول يعيِّن المتولِّي بعده.

ص: 216

المبحث الثَّاني: في شروطه

(مسألة 610) يشترط في الوقف أمور، وإن كان بعضها محل خلاف:

1 - قصد القربة لإحراز المثوبة بها.

2 - القبض من المتولِّي، أو الموقوف عليهم ولو بعضهم، ولو بأن يصلِّي واحد في المسجد، أو يدفن ميت في المقبرة الموقوفة وهكذا.

3 - الدَّوام، فلو وقَّف الدَّار على زيد فقط، بطل لأنَّ زيداً يموت ولا تدوم له الحياة، نعم يجوز التَّحبيس لمدَّة كما سيأتي.

4 - أن لا يكون الوقف منقطع الأوَّل، كما إذا وقَّف من أوَّل السنة الآتية لخلو السنة الأولى من نيَّة التَّوقيف اللازم من البداية.

5 - التَّنجيز، بأن لا يعلِّق الوقف على أمر، فلو قال: وقَّفت إذا جاء زيد بطل.

6 - يعتبر في الواقف البلوغ، والعقل، والاختيار، وعدم الحجر لسفه أو فلس.

7 - يعتبر في العين الموقوفة التَّعيين، فلا يصح وقف أحد دارين - مثلاً - .

8 - يعتبر في الموقوفة أن تكون عيناً مملوكة يصح الانتفاع بها منفعة محلَّلة مع بقاء عينها وإمكان قبضها، فلا يصح وقف الدَّين، ولا ما لا يملك كالخمر والخنزير، ولا ما يتلف بالاستعمال كالفواكه، ولا ما لا يحل كآلات اللهو، ولا ما لا يمكن قبضه كالطَّير النَّافر.

9 - يعتبر أن يكون من يوقف له أهلاً، فلا يصح الوقف على الكافر الحربي.

10 - يعتبر في صحَّة الوقف إخراج الواقف نفسه من الوقف، فلو قال: (هو وقف عليَّ) أو عليّ وعلى أولادي لم يصح، أمَّا لو وقَّف على الجهات العامَّة، صح الانتفاع به، كما لو وقَّف على الطلاَّب وكان هو أحدهم.

(مسألة 611) لا يجوز بيع الوقف ولا نقله بأحد أسباب النَّقل، سواء كان الوقف

ص: 217

عامَّاً أو خاصَّاً، نعم لو خرج الوقف الخاص عن الانتفاع مطلقاً، أو كان نفعه ملحقاً بالمعدوم، أو وقع بين ذويه اختلاف شديد يمكن أن يؤدِّي إلى تلف الأموال أو النُّفوس فضلاً عن حصوله في كليهما، أو إذا اشترط الواقف في الوقف أن يباع عند حدوث أمر كقلَّة المنفعة ونحوها مع ضمان النَّفع الكثير بالبيع جاز البيع حينئذ، ويصرف ثمنه في جنس تلك المصلحة، وفي غير صورة الاشتراط فيها يصرف الثَّمن فيما عيَّن الواقف.

المقصد الثَّاني: في الحبس وأخواته

ممَّا ألحق فقهيَّاً بالوقف هو الحبس وأخواته والصَّدقات العامَّة والخاصَّة.

أمَّا الحبس: فهو حبس مطلق الملك على جهة معيَّنة بأن تصرف منافعه فيها بحيث لا يخرج بذلك عن ملكه، بخلاف الوقف وإن شابهه في بعض الأمور.

(مسألة 612) يجوز للمالك أن يحبس ملكه على كل جهة يجوز الوقف عليها ممَّا مرَّ ذكره، فلو حبس ملكه على سبل الخير ومواقع قرب العبادات مثل الكعبة المقدَّسة والمشاهدالمشرَّفة الَّتي تقدِّم منها الخدمات لروَّادها أو إبداء الخدمات من المواقع المحبَّسة للعلماء والفقراء وسبيل الله ونحو ذلك أو جعل نماء المحبَّس ليصرف في مثل هذه الأمور وكان قد قصد القربة بتحبيسه هذا وكان حبسه مطلقاً أو مقيَّداً بالدَّوام لزم ما دامت العين، ولا يجوز له الرجوع فيه، وإن كان مقيَّداً بمدَّة معينة وزمان خاص لا يجوز له الرُّجوع قبل انقضاء المدَّة المعدَّة وإذا انتهى التَّحبيس رجع الملك إلى صاحبه.

(مسألة 613) إذا حبَّس المالك داره أو غيره على نيَّة من نوايا الخير المومى إليها وحصل القبض ممَّن حبَّس ذلك له أو لهم ثبت ذلك لا محالة بما يتناسب ومصاديق القبض عرفاً كما مرَّ في الوقف وإلاَّ فعند رجوع المالك عن تحبيسه يكون ساقطاً.

(مسألة 614) إنَّ الحبس ومعه ما يأتي من أخواته كلها من العقود المتوقِّفة على

ص: 218

الإيجاب والقبول، ويعتبر فيهما ما يعتبر في الإيجاب والقبول في سائر العقود، وكذا يعتبر في المتعاقدين ما يعتبر فيها في جميع العقود، ولكن العقد هنا قد تتفاوت مصداقيَّته فإذا حبَّس المالك بيته مثلاً للمجالس الحسينيَّة وقال حبَّست داري لهذا الأمر وطبَّق شخص إنشاء مجلس العزاء الحسيني تحقَّق العقد كما مرَّ في الوقف، وإذا أسكن داره شخصاً مدَّة عشر سنين مثلاً وقال له أسكنتك داري هذه عشر سنين وأجابه بكلمة قبلت ذلك تحقَّق أيضاً بما يشبه عقد الإيجار.

(مسألة 615) يجوز بيع المحبَّس قبل انتهاء أجل التَّحبيس فتنتقل العين إلى المشتري صحيحاً ولكنَّها مسلوبة المنفعة حسبما يقتضيه التَّحبيس إلى أن تنتهي مدَّة استثمار من حبَّس الشَّيء له.

(مسألة 616) إذا كان التَّحبيس لمدَّة كعشر سنين ومات المالك المحبِّس لذلك الشَّيء قبل الانتهاء منها بقي الحبس على حاله إلى انتهاءها.

وأمَّا أخوات الحبس فهي ثلاثة:

(السُّكنى والعمرى والرُّقبى)

أمَّا السُّكنى فتختص بالمسكن والأخيرتان تجريان فيه وفي غيره من العقار والحيوانات والأثاث ونحوها ممَّا لا يتحقَّق فيه الإسكان.

فإن كان المجعول هو الإسكان قيل له (سكنى) فإن قُيِّد بعمر المالك أو السَّاكن قيل له أيضاً (عمرى) وإن قُيِّد بمدَّة معيَّنة قيل له (رقبى) وهو ما يرتقب فيه من الموعد المتَّفق عليه، وإذا كان المجعول غير الإسكان كما في الأثاث والحيوان ونحوهما ممَّا لا يتحقَّق فيه السُّكنى لا يقال له سكنى، بل يقال (عمرى) إن قُيِّد بعمر المحبَّس أو عمر المحبَّس له ويقال (رقبى) إن قُيِّد الاستثمار بمدَّة معيَّنة وأطلق على هذه الثَّلاثة بأخوات الحبس لما

ص: 219

لم يخف على المطالع المتابع لما ذكرناه من التَّشابه.

(مسألة 617) مشابهة هذه الأمور الثَّلاثة للحبس ظاهرها أنَّ القبض ليس شرطاً في الصحَّة بل في اللُّزوم كما تقدَّم في الحبس لأنَّ المالك ما دام لم يرجع عن قراره في أمورهاقبل قبض ما حبست له من الأمور فإنَّها باقية على ما عليها من قرار مالكها.

(مسألة 618) إذا أسكنه داره مدَّة معيَّنة كعشر سنين أو مدَّة عمر المالك أو مدَّة عمر السَّاكن لم يجز الرجوع قبل انقضاء المدَّة لتحقُّق الإقباض والقبض، فإن انقضت المدَّة في الصور الثَّلاث رجع المسكن إلى المالك أو ورثته.

(مسألة 619) إذا مات الحابس قبل انقضاء المدَّة بقي الحبس على حاله إلى أن تنتهي المدَّة فيرجع ميراثاً، وإذا حبَّس عليه مدَّة حياة نفسه يعني الحابس لم يجز له الرُجوع ما دام حيَّاً، فإذا مات رجع ميراثاً وإذا حبَّسه على شخص مدَّة حياة ذلك الشَّخص فلا حقَّ للمالك ولا لورثته إذا مات إلى أن يموت ذلك، وإذا حبَّسه على شخص ولم يذكره مدَّة معيَّنة ولا مدَّة حياة نفسه ولا حياة المحبَّس عليه الملك وكان من قصده أحد هذه الأمور ولم يظهر فالأحوط البقاء على التَّحبيس إلى نهاية مدَّة حياة أبعد الأشخاص ثمَّ يرجع ميراثاً.

المقصد الثَّالث: الصَّدقات

فإنَّها الَّتي تواترت الرِّوايات في الحثِّ عليها والتَّرغيب فيها، وقد ورد أنَّها دواء المريض وبها يدفع البلاء وقد أبرم إبراماً وبها يستنزل الرِّزق وأنَّها تقع في يد الرِّب قبل أن تقع في يد العبد وأنَّها تخلف البركة وبها يقضى الدَّين وأنَّها تزيد في المال وأنَّها تدفع ميتة السُّوء والدَّاء والدَّبيلة والحرق والغرق والجذام والجنون وغيرها إلى سبعين باباً من السُّوء.

ص: 220

ويستحب التَّبكير بها، فإذا حصل فإنَّه يدفع شرُّ ذلك اليوم وفي أوَّل اللَّيل يدفع شر اللَّيل.

(مسألة 620) يعتبر في الصَّدقة القربة إلى الله، فإذا وهب أو أبرأ أو وقَّف بلا قصد القربة كان هبة وإبراءاً ووقفاً، ولا يكون صدقة، ومن الصَّدقة بل أهم مصاديقها الصَّدقة الجارية.

(مسألة 621) أحكام الصَّدقات ما ذكرناه في باب الزََّّكوات من مثل صدقة العوام للعوام وصدقة السَّادات لفقراءهم ولغيرهم فراجع.

ص: 221

كتاب اليمين

اشارة

وفيه مبحثان:

الأوَّل: في صيغته وأقسامه

(مسألة 622) اليمين - ويسمَّى حلفاً - وهو ما انعقد بلفظ الجلالة، أو بسائر صفاته سبحانه كالرَّحمن أو ربِّ الكعبة ونحوه، ولو كان بغير العربيَّة احتياطاً، بلا فرق بين أن يقول: (والله) أو (أقسمت بالله) أو (وتالله)، وهو على أقسام ثلاثة:

الأوَّل: أن يقع تأكيداً للأخبار كقوله (جاء محمَّد والله)، فإذا كان كاذباً فحرمته شديدة، فعن الإمام الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنَّه قال (من حلف على يمين وهو يعلم أنَّه كاذب فقد بارز الله)، وقد ورد عنهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ (أنَّها تقطع النَّسل وتذر الدِّيار من أهلها بلاقع).

وإذا كان صادقاً فمكروه، بل يستحب ترك طلب الحق إذا توقَّف على اليمين المذكورة، ففي الحديث قال رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ (من أجلَّ الله أن يحلف به أعطاه الله خيراً ممَّا ذهب منه) والكلام الأنسب عن هذا في باب اليمين القضائي الآتي.

الثَّاني: أن يقع تأكيداً للطَّلب كقوله (أسالك بالله أن تفعل كذا)، وهو المسمَّى بيمين المناشدة فلا يترتَّب عليه شيء، إلاَّ أنَّ الأفضل إنجاح مسؤول طلب السَّائل.

الثَّالث: أن يقع تأكيداً لما بني عليه، كقوله: (والله أصوم غداً)، وهو اليمين العقدي فهو محل الكلام الآن.

(مسألة 623) لا تنعقد اليمين بمثل قدرة الله وعظمته وعلمه، بل حتى حق الله تعالى، إلا أن يقصد به اليمين بالذات المقدَّسة، كما هو غير بعيد في كثير من الموارد إلاَّ أنَّه محل إشكال والأحوط اجتنابه، نعم ينعقد بقول: (لعمرو الله)، لأن المقصود به الذات المقدسة.

ص: 222

(مسألة 624) لا ينعقد اليمين بالحلف بالنَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أو سائر الأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ وإن عظم شأنها، أو بالطَّلاق والعتاق، أو بالمخلوقات، أو المقدَّسات وإن كان لبعضها حرمة.

نعم ينبغي رفع قدرها عن أن يحلف بها من دون وفاء، لما فيه من الامتهان لها والاستهانة بشأنها، بنحو قد يبلغ مرتبة التحريم، إلاَّ أنَّ ذلك ليس لانعقاد اليمين بها بنحو يلزم بالحنث بها الكفَّارة الَّذي هو محل الكلام.

المبحث الثَّاني: في شروطه وبعض مسائله

(مسألة 625) يعتبر في اليمين أمور:

1 - أن يكون الحالف بالغاً عاقلاً قاصداً مختاراً.

2 - لا ينعقد يمين الولد مع نهي الوالد، ولا يمين الزَّوجة مع نهي الزوج، ولا يمين المملوك مع نهي المالك، من غير فرق بين أن يحلف هؤلاء ثمَّ يقع النَّهي، أو يقع الحلف بعد النَّهي، بل المحتمل عدم الانعقاد إلاَّ بالإجازة.3 - أن لا يكون متعلَّق الحلف فعل حرام أو ترك واجب كالحلف بترك الصَّلاة، أو شرب الخمر.

4 - أن يكون المتعلَّق مقدوراً، فلو حلف على الطَّيران لم ينعقد، ولو كان مقدوراً ثم طرأ العجز انحلَّ اليمين.

5 - أن لا يكون المتعلَّق مصادفاً لأمر شرعي على خلافه، فلو حلفت المرأة أن تصوم كل جمعة ثمَّ تزوَّجت لم تنعقد بالنِّسبة إلى زمان التَّزويج، إلاَّ إذا كان وقت استمتاع زوجها بها في خصوص اللَّيل، أو حلف أحد أن يكون في كربلاء كل عرفة ثمَّ استطاع، لم تنعقد بالنِّسبة إلى زمان الاستطاعة، لأنَّ الحج عندها واجب في العمر مرَّة واحدة لا يمكن معارضتها بشيء فيه وهكذا.

ص: 223

(مسألة 626) تجوز اليمين الكاذبة لدفع مظلمة عن النَّفس وعن المؤمن، بل قد تجب اليمين حينئذٍ، كما إذا كان الضرر اللازم من تركها مهماً يجب دفعه، كما تجب لدفع الحرام إذا أكره عليه لولا اليمين، كما لو طلب الظالم منه الغناء فيحلف له أنَّه لا يحسنه، أو طلب منه أن يدفع له مال شخص فيحلف له أنَّه ليس عنده، والأحوط وجوباً عند التَّمكُّن من التَّورية في المقام أن لا يقصد الحالف الكذب في حلفه.

(مسألة 627) لا ينعقد اليمين من الغضبان إذا أوقعه في صورة غضبه، من دون تروٍ وهدوء أعصاب، وإن كان قاصداً لها في الجملة.

(مسألة 628) لا تنعقد اليمين إذا صدرت اندفاعاً بسبب عادة، كما يشيع عند كثير من النَّاس لقوله تعالى [لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ]، بخلاف النَّذر والعهد فإنَّهما ينعقدان حينئذٍ مع تحقق القصد بنحو معتد به عند العقلاء كما سيجيء.

(مسألة 629) كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، والكسوة ثوب تام، والأفضل بل الأحوط استحباباً ثوبان، فإن عجز صام ثلاثة أيَّام متتابعة.

ص: 224

كتاب النَّذر والعهد

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: في معناهما

(مسألة 630) النَّذر هو الالتزام بعمل لله تعالى، وصيغته: (لله علي.. كذا) وينعقد بغير العربيَّة احتياطاً.

والعهد: هو أن يقول (عاهدت الله على كذا)، بل يكفي في العهد كل ما يدل على التعاهد مع الله تعالى، مثل: عاهدت الله، أو: علي عهد الله، أو: عاهدتك يا رب، أو نحو ذلك، بل لا يترك الاحتياط بترتيب الأثر على عقده في النَّفس من دون لفظ.

وهو كالنَّذر في الأحكام، إلاَّ في المتعلَّق فإنَّه كاليمين إذا كان من ثالث أقسام اليمين لا غيره مع الاحتياط بكون كفَِّارته كفَّارة الإفطار في شهر رمضان.

المبحث الثَّاني: في شروطهما

(مسألة 631) يشترط في النَّذر والعهد أمور:

1 - كمال النَّاذر والمعاهد من البلوغ، والعقل، والقصد، والاختيار، وعدم الحجر في النُّذور الماليَّة.

2 - أن يكون انعقاد النَّذر والعهد لله تعالى، ولا يكفي فيه جعل المكلَّف الشَّيء على نفسه من دون أن يضيفه له تعالى، فلا يكفي أن يقول: علي كذا، أو: جعلت علي كذا، أو نذرت كذا، بل لابدَّ أن يقول مثلاً: لله تعالى علي كذا، أو: علي لله كذا، أو: علي كذا لله، أو: علي لله نذر، أو: نذرت لله علي كذا، أو نحو ذلك، نعم لا يشترط ذكر لفظ

ص: 225

الجلالة، بل يقوم مقامه كل ما يدل على الذَّات المقدَّسة، نظير ما تقدَّم في اليمين كالخالق ونحوه.

ولا ينعقدان أيضاً لغيره تعالى، كالنَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والأئمة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ والأولياء والمشاهد الشَّريفة وإن عظم شأنهم، فلا يجب الوفاء به شرعاً، لكنَّه وعد يحسن الوفاء به، خصوصاً بلحاظ رفعة مقام الموعود لأجله وعظم شأنه لا بمعنى التَّقرُّب إليه في ذلك، حيث قد يكون عدم الوفاء به منافياً لاحترامه، ولاسيَّما إذا كان معلَّقاً على تحقيق مطلوبٍ كشفاعته عند الله تعالى أو عظيم حقِّه عنده، حيث قد يكون عدم الوفاء هضماً لحق عرفي له، بل يخشى من مغبَّة ذلك وعاقبته.

وللتَّخلُّص من الإشكال الشَّرعي بتمامه على الإنسان أن ينذر المنذور لله وحده أو يعاهده على ذلك الشَّيء وحده كذلك، ويكون موقع الذَّبح للمنذور أو المعاهد عليه هو محل صاحب المقام من الأولياء وأن يكون الثواب له ونحو ذلك.

3 - أن يكون متعلَّق النَّذر مقدوراً للنَّاذر، وأن يكون راجحاً، وفي انعقاد نذر المباح خلاف.(مسألة 632) لا يشترط في نذر الولد وعهده إذن أبيه، وإن نذر أو عاهد بدون إذنه لم يكن له حله ولا أمره بالمخالفة، نعم إذا نهاه قبل النَّذر والعهد عن أمر نهياً يوجب كونه مرجوحاً في حقِّه - بأن كان الأب في حاجة لترك ذلك الأمر مثلاً - لم ينعقد منه نذره ولا العهد عليه، كما أنَّه لو نهاه بعد النَّذر والعهد عنه نهياً يوجب كونه مرجوحاً في حقِّه بطل النَّذر والعهد.

(مسألة 633) يشترط في نذر الزَّوجة وعهدها إذن الزَّوج إذا كانا منافيين لحقِّه وكان مطالباً بالحق، أمَّا إذا لم ينافيا حقَّه - ولو لعدم مطالبته به - فالظاهر عدم اشتراط إذنه، فيصح منها النَّذر والعهد حينئذٍ وليس له حلهما ولا أمرها بمخالفتهما.

(مسألة 634) لا ينعقد النَّذر من الغضبان إذا أوقعه في صورة غضبه، من دون تروٍ

ص: 226

وهدوء أعصاب، وإن كان قاصداً له في الجملة، بخلاف العهد فإنَّه ينعقد حينئذٍ مع تحقُّق القصد بنحو معتد به عند العقلاء لا مع عدم القصد بتمامه.

المبحث الثَّالث: في مسائلهما

(مسألة 635) يكره النَّذر والعهد، بل حتَّى أن يتعرَّض الإنسان للحقوق لتثبيتها على نفسه مطلقاً، لأنَّه مظنَّة الخلف، إلاَّ مع الرُّجحان الشَّرعي لو تمَّ التَّصميم على عدم التَّخلُّف مع القدرة.

(مسألة 636) النَّذر إمَّا نذر بِر، وهو ما عُلِّق على أمر، كأن ينذر أن يصوم إذا جاء ولده مثلاً، وإمَّا نذر تبرُّع، وهو ما أطلق، كأن ينذر أن يصوم بلا أن يكون في مقابل شيء.

(مسألة 637) إذا نذر صيام كل خميس مثلا فصادف العيد أو الحيض للنَّساء أو نحوهما أفطر المكلَّف في ذلك اليوم، وقضاه بعداً.

(مسألة 638) لو عجز النَّاذر عن نذره في وقته انحلَّ، كما لو نذر المشي إلى الحج فعجز عن ذلك.

(مسألة 639) إذا حلفت المرأة أو نذرت أو عاهدت ثمَّ تزوَّجت، لم يبطل يمينها ولا نذرها ولا عهدها، حتَّى لو كانت منافية لحق الزَّوج، بل ليس له المطالبة بالحق حينئذٍ. نعم تبطل الأمور المذكورة إذا كانت مطالبة الزَّوج موجبة لكون مخالفتها خيراً من العمل عليها لما يأتي، وكذا إذا كان النفوذ حرجيَّاً في حقِّها بنحو معتد به، لاستلزامه تعطيلها عن الزَّواج - لعدم إقدام أحد عليها مع نفوذ ما جعلته عليها - وكانت محتاجة للزَّواج، ولم تكن قد أقدمت على تحمُّل الحرج المذكور بيمينها أو نذرها أو عهدها، لغفلتها عن ذلك أو لتخيلها عدمه.

ص: 227

(مسألة 640) من نذر شيئاً للكعبة أو المشهد الفلاني، فإن أمكن الانتفاع به بعينه في مصالح الكعبة أو المشهد - من سراج وفراش وتنظيف وعمارة - تعيَّن، وإلاَّ بيع وصرف ثمنه في ذلك، وإن تعذَّر الانتفاع به في ذلك لعدم استئمان السَّدنة صرف للمحتاجين من القاصدين والزَّائرين للكعبة والمشهد المقدَّس في الطَّعام ونفقة الطَّريق ونحوهما.

أمَّا مع نذر المال للنَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أو الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أو الولي بشخصه فإنَّه ينفق في القرباتوالمبرَّات ويجعل ثوابها للمنذور له، لأنَّه أظهر وجوه انتفاعه بالمال، إلاَّ أن يكون النَّاذر قد قصد وجهاً شرعيَّاً آخر من الإنفاق، فيتبع قصده، نعم نفوذ النَّذر في جميع ذلك مشروط بجعله لله تعالى، وإلاَّ كان ممَّن النَّذر لغيره الَّذي يجري فيه ما سبق من الإشارة التَّحذيريَّة.

(مسألة 641) لو خالف النَّذر اختياراً تحقَّق الحنث، ووجبت الكفَّارة.

(مسألة 642) في كفَّارة النَّذر قولان:

الأوَّل: أنَّه كفارة حنث اليمين.

الثَّاني: أنَّه كفَّارة من أفطر في شهر رمضان والثَّاني أحوط.

وكفَّارة العهد عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستِّين مسكيناً، لكل مسكين مُد (تسعمائة غرام تقريباً) من طعام.

ص: 228

كتاب السَّبق والرِّماية

اشارة

وفيه مبحثان:

الأوَّل: في معناهما وشروطهما

(مسألة 643) السَّبق هو عقد يقتضي استحقاق السَّابق لجعل معيَّن، والرِّماية عقد يقتضي استحقاق الأجود رمياً لجعل معيّن، وأطراف العقدين جميع المشتركين في التَّسابق والمغالبة، ويضاف إليهم باذل الجعل إذا لم يكن منهم.

(مسألة 644)يشترط في السَّبق والرِّماية أمران:

الأوَّل: كمال أطراف العقد من البلوغ، والعقل، والاختيار، والقصد، وعدم الحجر.

الثَّاني: الإيجاب من بعضهم والقبول من الباقي، ويكفي كل ما يدل على الإلزام والالتزام بذلك من قول أو فعل كسائر العقود، وإذا تمَّ لزم العقد، ووجب التَّسابق ولا يجوز الامتناع عنه مع المطالبة إلاَّ بعروض المبطل للعقد، كعجز بعض الأطراف أو موته، أو بالتَّقايل الرَّاجع لحل العقد.

هذا إذا ابتنى السَّبق والرِّماية على الالتزام بالتَّسابق ثمَّ استحقاق الجعل للسَّابق نظير الإجارة، أمَّا إذا ابتنيا على استحقاق السَّابق الجعل من دون إلزام بالتَّسابق كانا من الإيقاعات، وكفى فيهما الالتزام من باذل الجعل بجعله للسَّابق من دون حاجة لالتزام الباقين ولم يقتضيا وجوب التَّسابق وجاز العدول عنهما قبل العمل كالجعالة وجرى عليهما حكمها.

ص: 229

المبحث الثَّاني: في مسائلهما

(مسألة 645) يجوز اشتراط العوض لمن سبق من المتسابقين على الخيل والبغال والحمير والإبل والفيلة، لا على أساس المقامرة ولكن على أساس التَّمرُّن والتَّقوِّي لحماية الوطن الإسلامي بما يتناسب، وهذه الأمور في وقتها، وكذا فيما يناسب هذه الأزمنة من الوسائل الحديثة، لكن لا بمعنى ما تريده الشَّركات المشبوهة إلاَّ بالعناية الخاصَّة المحرز فيها ما يصح به العمل الشَّرعي.

(مسألة 646) يجوز اشتراط العوض على السَّيف والسَّهم والحراب للغرض الإسلامي الماضي لا للمقامرة.

(مسألة 647) لا يجوز اشتراط العوض في المسابقة على غير الأمور المذكورة، نعم أصل المسابقة جائزة حتَّى في غير ما ذكر، سواء كانت بالمصارعة أو السُّفن أو الطيَّارات أو الطُّيور أو العَدو أو السِّباحة أو رفع الأحجار ورميها أو نحو ذلك، كل ذلك إذا لم تكن جهة محرَّمة في البين.

نعم يجوز أن يجعل إنسان جعالة لمن سبق من المتسابقين في أحد الأمور المذكورة.

(مسألة 648) الملاكمة المتعارفة الآن لا تجوز بالعوض، أمَّا بدونه فإن لم تكن موجبة لضرر محرَّم شرعاً ولو بلبس أقنعة واقية جازت، وإلاَّ لم تجز.

(مسألة 649) مصارعة الثِّيران ونحوها ممَّا عرَّف في بعض البلاد لا تجوز إذا كانت مظنَّة للضَّرر وإلاَّ جازت، وهكذا الدِّيكة فضلاً عمَّا لو كانت مع المقامرة.

(مسألة 650) يشترط تعيين العوض (الجعالة)، ولكن يجوز أن يكون من المتسابقين التَّأكُّد من كون مشروعيَّة الجعل من خصوص الأجنبي أو من أحدهما، أو من بيت المال، أو من أجنبي.

ص: 230

(مسألة 651) لا يشترط في المسابقة وجود المحلِّل، وهو الَّذي يدخل بين الطَّرفين.

(مسألة 652) يجوز أن يكون العوض عيناً خارجيَّة، وأن يكون ذميَّاً كألف دينار في ذمَّة الجاعل.

(مسألة 653) يجوز أن يكون العوض من أحد المتسابقين، ومن جميعهم، كما لو بذَّل كل منهم مائة دينار للسَّابق بحيث يكون للسَّابق مجموع ما يبذله الكل، كما يجوز أن يبذل العوض من غير المتسابقين كما مرَّ.

(مسألة 654) لا يجوز جعل الرِّهان جعالة لغير السَّابق من المتسابقين، كما تعارف في عصورنا من مراهنة بعض المشاهدين على سبق أحد المتسابقين، بحيث لا يكون سبق السَّابق سبباً لاستحقاقه الرِّهان بنفسه، بل لاستحقاق أحد المتراهنين له، فإنَّ ذلك من الرهن المحرَّم، وهو المعروف في عصورنا ب- (الرايسز).

(مسألة 655) لابدَّ في المسابقة من تحديد الجهات الدَّخيلة فيها، كالزَّمان والمكان ومقدار الرَّمي ونحو ذلك، بنحو تنضبط به المسابقة ويحدِّد معيار السَّبق واستحقاق الجعل،ولا يجب ما زاد على ذلك.

(مسألة 656) في المسابقات المحلَّلة الَّتي لا يجوز فيها الرَّهن إذا بذلت فيها آلة اللعب للمتسابقين مجَّاناً فلا إشكال، وإن كانت بأجرة فلا يجوز الاتِّفاق على أن يتحمَّلها المغلوب وحده، ويجوز اشتراك المتسابقين فيها، أو تحمل بعضهم المعيَّن لها.

(مسألة 657) ينبغي للمؤمن أن يترفع عن اللهو واللعب، بل يلزمه ذلك وإن كان حلالاً في بعضه، فعن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أنَّه قال: (كل لهو المؤمن باطل إلاَّ في ثلاثة: تأديبه فرسه ورميه عن قوسه وملاعبته امرأته، فإنَّهنَّ حق).

ويتأكَّد ذلك فيما يبتني على المغالبة والتَّسابق، فإنَّه يجرُّ للتَّباهي والتَّفاخر والأشر والبطر، وهي من وسائل الشَّيطان المهلكة.

ص: 231

وكثيراً ما تكون عاقبة ذلك التَّنافر والتَّباغض والعدوان والتَّحاسد، ولا أقل من كون ذلك مضيعة للوقت الثَّمين الَّذي هو رصيد الإنسان في دنياه، والَّذي يستطيع أن يكتسب به أربح المكاسب وينال به أسمى المطالب وأسنى المراتب، ومنه سبحانه نستمد التَّوفيق والتَّسديد في كل ما يحل من المآرب.

ص: 232

كتاب الصَّيد

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: في كيفيَّته وشروطه

(مسألة 658) كما يُذكَّى الحيوان المحلَّل اللحم بالذَّبح كذلك يذكَّى بالصَّيد في بعض حالاته، والصَّيد إمَّا بالكلب وإمَّا بالآلة، أمَّا الصَّيد بغيرهما فلا يحل.

(مسألة 659) يشترط في تذكية الوحش المحلَّل أكله إذا اصطيد بالسِّلاح أُمور:

(الأوَّل) أن تكون الآلة كالسَّيف والسِّكين والخنجر وغيرها من الأسلحة القاطعة، أو كالرُّمح والسَّهم والعصا ممَّا يُشاك بحده ويخرق جسد الحيوان، سواء كان فيه نصل - من حديد أو فلز غيره - كالسَّهم أو صنع خارقاً وشائكاً بنفسه كالمعراض، ولكن يعتبر فيما لا نصل فيه أن يخرق بدن الحيوان ولا يحل فيما لو قتله بالوقوع عليه، وأمَّا ما فيه نصل فلا يعتبر فيه ذلك فيحل الحيوان لو قتله وإن لم يجرحه ويخرق بدنه، ولو اصطيد الحيوان بالحجارة أو العمود أو الشَّبكة أو الحبالة أو غيرها من الآلات الَّتي ليست بقاطعة ولا شائكة حرم أكله وحكم بنجاسته إلاَّ ما أخذ حيَّاً ثمَّ ذكِّي، وإذا اصطاد بالبندقيَّة فإن كانت الطلقة تنفذ في بدن الحيوان وتخرقه حل أكله وهو طاهر، وأمَّا إذا لم تكن كذلك بأن قتلته بسبب ضغطها أو بسبب ما فيها من الحرارة المحرقة لم يحل أكله ولم يكن طاهراً.

(الثَّاني) أن يكون الصَّائد مسلماً أو بحكمه كالصَّبي المميِّز الملحق به، ولا يحل صيد الكافر، وكذا المنتحل للإسلام المحكوم بالكفر كالنَّاصب المعلن بعداوة أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ على ما سيأتي في الذبح.

(الثَّالث) قصد اصطياد الحيوان المحلَّل بالصَّيد، فلو رمى هدفاً أو عدوَّاً أو خنزيراً

ص: 233

فأصاب غزالاً مثلاً فقتله لم يحل.

(الرَّابع) التَّسمية عند استعمال السِّلاح في الاصطياد، ويقوى الاجتزاء بها قبل إصابة الهدف أيضاً لو استمرَّ القصد إليها إلى حين الإصابة، ولو أخلَّ بها متعمِّداً لم يحل صيده، ولا بأس بالإخلال باستمرار أثرها نسياناً مع تأسيس البداية، لكن الأحوط وجوباً اجتناب المصطاد بدون التَّسمية أساساً عن النِّسيان بلا ضرورة.

(الخامس) أن يدركه ميِّتاً، أو يدركه وهو حي ولكن لم يكن الوقت متَّسعاً لتذكيته، فلو أدركه حيَّاً وكان الوقت متَّسعاً لذبحه ولم يذبحه حتَّى خرجت روحه لم يحل أكله.

المبحث الثَّاني: في مسائله

(مسألة 660) لو اصطاد اثنان صيداً واحداً ولم تتوفَّر الشُّروط المتقدِّمة إلاّ في أحدهما فقط كأن سمَّى أحدهما ولم يسمِّ الآخر متعمِّداً لم يحل أكله.

(مسألة 661) يعتبر في حلية الصِّيد أن تكون الآلة مستقلَّة في قتله، فلو شاركها شيءآخر كما إذا رماه فسقط الصَّيد في الماء ومات وعلم استناد الموت إلى كلا الأمرين لم يحل، وكذا الحال فيما إذا شكَّ في استناد الموت إلى الرَّمي بخصوصه.

(مسألة 662) لا يعتبر في حليَّة الصَّيد إباحة الآلة، فلو اصطاد حيواناً بالكلب أو السَّهم المغصوبين حل الصَّيد وملكه الصَّائد دون صاحب الآلة أو الكلب، ولكن الصَّائد ارتكب معصية ويجب عليه دفع أجرة الكلب أو الآلة إلى صاحبه.

(مسألة 663) لو أبانت آلة الصَّيد كالسَّيف ونحوه عضواً من الحيوان مثل اليد والرِّجل كان العضو المبان ميتة يحرم أكله ويحل أكل الباقي مع اجتماع شروط التَّذكية المتقدِّمة، ولو قطعت الآلة الحيوان نصفين فإن لم يدركه حيَّاً أو أدركه حيَّاً إلاَّ أن الوقت

ص: 234

لم يتَّسع لذبحه تحل كلتا القطعتين مع توفُّر الشُّروط المذكورة، وأمَّا إذا أدركه حيَّاً وكان الوقت متِّسعاً لذبحه فالقطعة الفاقدة للرَّأس والرَّقبة محرَّمة والقطعة الَّتي فيها الرَّأس والرَّقبة طاهرة وحلال فيما إذا ذبح على النَّهج المقرَّر شرعاً.

(مسألة 664) لو قسَّم الحيوان قطعتين بالحبالة أو الحجارة ونحوهما ممَّا لا يحل به الصَّيد حرمت القطعة الفاقدة للرَّأس والرَّقبة، وأمَّا القطعة الَّتي فيها الرَّأس والرَّقبة فهي طاهرة وحلال فيما إذا أدركه حيَّاً واتَّسع الوقت لتذكيته وذبحه مع الشُّروط المعتبرة وإلاَّ حرمت هي أيضاً.

(مسألة 665) الجنين الخارج من بطن الصَّيد أو الذبيحة حيَّاً إذا وقعت عليه التَّذكية الشَّرعية حلَّ أكله وإلاَّ حرم، سواء اتَّسع الوقت لتذكيته أو لم يتَّسع.

(مسألة 666) الجنين الخارج من بطن الصَّيد أو الذبيحة ميِّتاً طاهر وحلال بشرط عدم سبق موته على تذكية أمِّه، وعدم استناد موته إلى التَّواني في إخراجه على النَّحو المتعارف، وكونه تام الخلقة وقد أشعر أو أوبر.

المبحث الثَّالث: حكم الصَّيد بالكلب

(مسألة 667) إذا اصطاد كلب الصَّيد حيواناً وحشيَّاً محلَّل اللَّحم فقتله فالحكم بطهارته وحليَّته بذلك يتوقَّف على شروط ستَّة:

(1) أن يكون الكلب معلَّماً، بحيث يسترسل ويهيج إلى الصَّيد متى أغراه صاحبه به وينزجر عن الهياج والذَّهاب إذا زجر، ويعتبر على الأحوط أن يكون من عادته أن لا يأكل من الصَّيد شيئاً حتَّى يصل إليه صاحبه، نعم لا يضر عدم انزجاره بزجره إذا قرب من الصَّيد ووقع بصره عليه كما هو الغالب في الكلاب المعلَّمة، كما لا بأس بأن يكون معتاداً بتناول دم الصَّيد.

ص: 235

(2) أن يكون صيده بإرساله للاصطياد، فلا يكفي استرساله بنفسه من دون إرسال، كما لا يكفي إذا استرسل بنفسه وأغراه صاحبه بعد الاسترسال حتَّى فيما إذا أثَّر فيه الإغراء - كما إذا زاد في عَدْوه بسببه - على الأحوط لزوماً في هذه الصُّورة.

(3) أن يكون المرسل مسلماً على ما مرَّ في شروط الصَّيد بالسِّلاح.(4) تسمية المرسل عند إرساله أو قبل الإصابة، ولو تركها متعمِّداً حرم الصَّيد وإن سمَّى غيره، ولا يضر تركها نسياناً كما مرَّ مع الاحتياط بالاجتناب عنه.

(5) أن يستند موت الحيوان إلى جرح الكلب وعقره، فلو مات بسبب آخر كخنقه وإتعابه في العدو أو ذهاب مرارته من شدَّة خوفه لم يحل.

(6) أن لا يدرك صاحب الكلب الصَّيد إلاَّ بعد موته، أو إذا أدركه حيَّاً ولكن لا يتَّسع الوقت لذبحه بشرط أن لا يستند ذلك إلى توانيه في الوصول إليه، فلو تمكَّن من إدراكه حيَّاً ومن ذبحه أو أدركه كذلك واتَّسع الوقت لتذكيته فلم يفعل حتَّى مات لم يحل.

(مسألة 668) إذا أدرك مرسل الكلب الصَّيد حيَّاً والوقت متَّسع لذبحه، ولكنه اشتغل عن التَّذكية بمقدِّماتها من سل السِّكين ونحوه على النَّهج المتعارف فمات قبل تذكيته حلَّ، وأمَّا إذا استند تركه التَّذكية إلى فقد الآلة كما إذا لم يكن عنده السكِّين - مثلاً - حتَّى ضاق الوقت ومات الصَّيد قبل تذكيته لم يحل على الأحوط لزوماً، نعم لو تركه على حاله إلى أن قتله الكلب وأزهق روحه بعقره حل أكله.

(مسألة 669) لو أرسل كلاباً متعدِّدة للاصطياد فقتلت صيداً واحداً فإن كانت الكلاب المرسلة كلُّها واجدة للشُّروط الماضية حلَّ الصَّيد، وإن لم يكن بعضها واجداً لتلك الشُّروط لم يحل، نعم إذا استند القتل إلى الكلب الواجد للشُّروط حلَّ كما إذا سبق أحد الكلاب فأثخن بالجراح وأشرف على الموت ثمَّ جاء الآخر فأصابه يسيراً.

(مسألة 670) إذا أرسل الكلب إلى صيد حيوان محلَّل بالصَّيد كالغزال وصاد

ص: 236

الكلب حيواناً آخر كذلك فهو طاهر وحلال، وكذا الحال فيما إذا أرسله إلى صيد حيوان فصاده مع حيوان آخر مع الاحتياط باجتناب غير المقصود إذا اصطيد ميِّتاً.

(مسألة 671) لو كان المرسل متعدِّداً بأن أرسل جماعة كلباً واحداً ولم يسم أحدهم متعمِّداً حرم صيده، وكذا الحال فيما إذا تعدَّدت الكلاب ولم يكن بعضها معلَّماً على النَّحو المتقدِّم فإنَّ الصَّيد حينئذٍ نجس وحرام.

(مسألة 672) لا يحل الصَّيد إذا اصطاده غير الكلب من أنواع الحيوانات كالعقاب والصقر والباشق والنمر وغيرها، نعم إذا أدرك الصَّائد الصَّيد وهو حي، ثمَّ ذكَّاه على النَّهج المقرر في الشَّرع حلَّ أكله.

المبحث الرَّابع: صيد السَّمك والجراد

(مسألة 673) ذكاة السَّمك - الَّذي له فلس في الأصل وإن زال بالعارض - بإخراجه من الماء حيَّاً وموته احتياطاً، ولو مات في الماء أو نبذه الماء على السَّاحل ومات - وإن أدركه الإنسان قبل موته - لم يحل وإن كان طاهراً، إلاَّ إذا أخذه بعد خروجه وقبل موته.

(مسألة 674) لو وثبت السَّمكة خارج الماء أو نبذتها الأمواج إلى السَّاحل أو غار الماء وبقيت السَّمكة وماتت قبل أخذها حرمت، نعم إذا نصب الصَّائد شبكة أو صنع حظيرة فدخلتها السَّمكة فماتت فيها قبل أن يستخرجها الصَّائد أثناء سحبها حلَّ أكلها، وهكذا الحال لو أخذها من الماء بآلة أخرى فماتت قبل أن يخرجها منه.

(مسألة 675) إذا أخرج السَّمكة من الماء ثمَّ أعادها إليه كأن وضعها في صحن من الماء فماتت فيه حرم لحمها.

(مسألة 676) إذا طفا السَّمك على وجه الماء بسبب ابتلاعه ما يسمَّى ب- (الزهر)

ص: 237

مثلاً فإن أخذه حيَّاً حلَّ أكله وإن مات قبل ذلك حرم.

(مسألة 677) لا يشترط في حليَّة السَّمك أن يموت بنفسه، بل لو قطعه بآلة خارج الماء فمات حلَّ.

(مسألة 678) إذا قطعت من السَّمكة الحيَّة بعد أخذها قطعة وأعيد الباقي إلى الماء حيَّاً حلَّت القطعة المبانة عنها، سواء أمات الباقي في الماء أم لم يمت، ولكن الاجتناب أحوط استحباباً.

(مسألة 679) لا يشترط في ذكاة السَّمك (التَّسمية) ولا (كون الصَّائد مسلماً) إذا أخذه المسلم منه حيَّاً ولا (التَّوجُّه إلى القبلة) ولا (فريه بالحديد)، نعم لو كان في يد الكافر، ولم نعلم أنَّه أخذه من الماء بعد موته أو مات بعد أخذه لم يحل.

(مسألة 680) السَّمكة الميِّتة إذا كانت في يد المسلم يحكم بحليَّتها وإن لم يعلم أنَّها ماتت في خارج الماء بعد أخذها أو في آلة الصَّيد قبل إخراجها - لحمل ظواهر الأشياء في متناول يده على الصحَّة الشَّرعيَّة - أو أنَّها ماتت على وجه آخر ليد المسلم، لاحتمال كونه قدقطعها وهي حيَّة، وهكذا يحكم بحليَّتها وإن لم يعلم كونها من ذوات الفلس إذا كان ذو اليد المسلم قد عرضها للأكل ولم يكن ممَّن يستحل غير ذوات الفلس من الأسماك، لاحتمال أنَّه قد أزاح قشورها الفلسيَّة أو أنَّ تلك القشور قليلة جدَّاً أو كثيراً ما تزول بسرعة كبعض الأسماء أو أنَّ تلك المعدومة القشور قد هيأها المسلم لتأكلها الحيوانات أو من يستحلُّها المسلمون من بقيَّة المذاهب الأخرى مع الاحتياط بعدم تمكين الموالي بقيَّة المذاهب من أكلها إذا كانت بيده كما في الجرِّي وإن كان يجوز بيعها نقلاً بالحيازة لتُصنع منها بعض الأدوية كمادَّة البنسلين.

وإذا كانت السَّمكة الميِّتة في يد الكافر لم يحكم بحليَّتها وإن أخبر باصطيادها على الوجه الموجب للحليَّة، ككونها كانت مصطادة من يد مسلم أو تحت اشرافه وكان الكافر كالآلة لكون اخباره وحده لا يُحقِّق الشَّرعيَّة إلاَّ أن يحرز ذلك ولو من جهة

ص: 238

الاطمئنان باصطيادها بنفس الصَّيد الَّتي تعتمد تلك الجهة إخراج الأسماك من الماء قبل موتها ويندر أن يختلط بها شيء من الميتة، كما لو شهد بعض المسلمين أو الكافر مع المسلم وتناولها المسلم.

وهكذا لا يحكم بحليَّة ما في يد الكافر من السَّمك إذا شكَّ في كونه من ذوات الفلس وإن أخبر بكونه منها إلاَّ أن يطمئن بذلك كما في شهادة بعض المسلمين.

(مسألة 681) الجراد إذا استقلَّ بالطَّيران وأخذ حيَّاً باليد أو بغيرها من الآلات حلَّ أكله، ولا يعتبر في تذكيته إسلام الآخذ ولا التَّسمية حال أخذه ولا القبلة ولا الحديد، نعم لو وجده في يد كافر ميِّتاً ولم يطمئن أنَّه أخذه حيَّاً لم يحل وإن أخبر بتذكيته كما مرَّ في السَّمك.

ص: 239

كتاب الذِّباحة

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: في الحيوان المذكَّى

(مسألة 682) الحيوان - ما عدا الإبل والسَّمك والجراد - إذا ذكِّي بالذَّبح على التَّرتيب الآتي في هذا الباب وخرجت روحه يحل أكله، سواء كان وحشيَّاً أم أهليَّاً - غير المحرَّم أكله ولو لعارض، وسيأتي بيان المحرَّم أكله في أحكام الأطعمة والأشربة، وأمَّا الإبل والسَّمك والجراد فتذكَّى بغير الذَّبح على ما سيتَّضح في المسائل الآتية.

(مسألة 683) الحيوان الوحشي المحلَّل لحمه - كالغزال - والحيوان الأهلي المحلَّل إذا استوحش - كالبقر - يحل لحمهما بالاصطياد أيضاً، وأمَّا الحيوانات المحلَّلة الأهلية كالشَّاة والدَّجاجة والبقر غير المتوحِّش ونحوها، وكذلك الحيوانات الوحشيَّة إذا تأهلت فلا يحكم بطهارة لحمها ولا بحليَّتها بالاصطياد.

(مسألة 684) الحيوان الوحشي الحلال أكله إنَّما يحكم بحليَّته وطهارته بالاصطياد فيما إذا كان قادراً على العدو أو ناهضاً للطَّيران، فولد الوحش قبل أن يقدر على الفرار وفرخ الطَّير قبل أن ينهض للطَّيران لا يحلاَّن بالاصطياد ولا يحكم بطهارتهما حينئذٍ، فلو رمى ظبياً وولده غير القادر على العدو فماتا حلَّ الظبي وحرم الولد.

(مسألة 685) الحيوان المحلَّل لحمه الَّذي ليست له نفس سائلة كالسَّمك إذا مات بغير تذكية حرم أكله لكنَّه طاهر.

(مسألة 686) الحيوان المحرَّم أكله إذا لم تكن له نفس سائلة - كالحيَّة - لا أثر لذبحه أو صيده لأنَّ ميتته طاهرة.

ص: 240

(مسألة 687) الكلب والخنزير لا يقبلان التَّذكية فلا يحكم بطهارتهما ولا بحليَّتهما بالذَّبح أو الصَّيد، وأمَّا السِّباع وهي ما تفترس الحيوان وتأكل اللَّحم كالذَّئب والنِّمر فهي قابلة للتَّذكية، فلو ذبحت أو اصطيدت بالرَّمي ونحوه حكم بطهارة لحومها وجلودها وإن لم يحل أكلها بذلك، نعم إذا اصطيدت بالكلب الصَّائد ففي تذكيتها إشكال فالأحوط لزوماً عدم طهارتها.

(مسألة 688) لا يبعد أن يكون حكم القرد والفيل والدُّب حكم السِّباع فيما مرَّ، وأمَّا الحشرات - والمقصود بها هي الدَّواب الصِّغار الَّتي تسكن باطن الأرض - والأكبر - كالضب والفأر - فهي لا تقبل التَّذكية، فإن كانت لها نفس سائلة وذبحت - مثلاً - لم يحكم بطهارة لحومها وجلودها.

(مسألة 687) لو خرج الجنين ميِّتاً من بطن أمِّه المحلَّلة في حال حياتها لم يحل أكله.

المبحث الثَّاني: كيفيَّة الذَّبح

(مسألة 690) الكيفيَّة المعتبرة في الذَّبح هي: أن تقطع الأوداج الأربعة تماماً، فلا يكتفى - على الأحوط لزوماً - بشقِّها عن قطعها، ولا بقطع الحلقوم وحده، ولا يتحقَّق قطع الأوداج إلاَّ إذا كان القطع من تحت العقدة المسمَّاة ب- (الجوزة)، والأوداج الأربع هي المريء (مجرى الطَّعام والشَّراب) والحلقوم (مجرى النَّفس) والعرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم.

(مسألة 691) يعتبر في قطع الأوداج الأربعة - بالإضافة إلى قصد الذَّبح به - أن يكون في حال حياة الحيوان، فلو قطع الذَّابح بعضها وأرسله فمات لم يؤثِّر قطع الباقي، ولا يعتبر فيه التَّتابع، فلو قطع الأوداج قبل زهوق روح الحيوان إلاَّ أنَّه فصل بينها بما هو

ص: 241

خارج عن المتعارف المعتاد لم يضر بحليَّته ما دامت النَّتيجة كما مر.

(مسألة 692) لو قطعت الأوداج الأربعة على غير النَّهج الشرعي - كأن ضربها شخص بآلة فانقطعت أو عضَّها الذِّئب فقطعها بأسنانه أو غير ذلك - وبقيت حياة الحيوان فإن لم يبق شيء من الأوداج أصلاً أو لم يبق شيء من الحلقوم يصلح للذَّبح فلا يحل أكله، وهكذا إذا بقي مقدار من الجميع معلَّقاً بالرَّأس أو متَّصلاً بالبدن على الأحوط لزوماً، نعم إذا كان المقطوع غير المذبح كقسم من الجوزة وكان الحيوان حيَّاً حلَّ أكله بالذَّبح.

المبحث الثَّالث: شروط الذَّبح

(مسألة 693) يشترط في تذكية الذَّبيحة أُمور:

(الأوَّل) أن يكون الذَّابح مسلماً - رجلاً كان أو امرأة أو صبيَّاً مميِّزاً - فلا تحل ذبيحة غير المسلم حتَّى الكافر الكتابي وإن سمَّى على الأحوط لزوماً، كما لا تحل ذبيحة المنتحلين للإسلام المحكومين بالكفر ومنهم النَّاصب المعلن بعداوة أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ .

(الثَّاني) أن يكون الذَّبح بالحديد مع الإمكان، فلا يكفي الذَّبح بغيره حتَّى الحديد المخلوط بالكروم ونحوه المسمَّى ب- (استالس ستيل) على الأحوط لزوماً إذا لم تعتبر الحِدَّة فيه طبيعيَّةعرفاً، نعم لو أمكن من ذلك ما يتحقَّق به الحِدَّة الكاملة فلا مانع، بل إذا لم يوجد الحديد جاز ذبحها بكل ما يقطع الأوداج من الزَّجاجة والحجارة الحادَّة ونحوهما، حتَّى إذا لم تكن هناك ضرورة تدعو إلى الاستعجال في ذبحها كالخوف من تلفها بالتَّأخير.

(الثَّالث) أن يفري الأوداج الأربعة الماضي ذكرها أي يقطعها، واللازم أن تكون بتمامها في جانب الرَّأس.

ص: 242

(الرَّابع) الاستقبال بالذَّبيحة حال الذَّبح إلى القبلة، ويتحقَّق هذا الاستقبال فيما إذا كان الحيوان حالة اضطجاعه إلى جانبه الأيمن وكون وجهه إلى القبلة مع مقاديمه الأخرى وبما يتحقَّق به استقبال الإنسان حال الصَّلاة حالة الذَّبح، وهكذا الاضطجاع إلى الجانب الأيسر في حالة الاضطرار فيتحقَّق باستقبال المذبح والبطن والمقاديم، وإن لم يمكن الاضطجاع فلابدّ من الاستقبال حتَّى في القيام أو القعود بالوجه والمذبح وما يتيسَّر من المقاديم.

وتحرم الذَّبيحة بالإخلال بالاستقبال متعمِّداً، ولا بأس بتركه نسياناً أو خطأً أو للجهل القصوري بالاشتراط أو لعدم العلم بجهتها أو عدم التَّمكن من توجيه الذَّبيحة إليها ولو من جهة خوف موت الذَّبيحة لو اشتغل بتوجيهها إلى القبلة في بعض الحالات.

(الخامس) التَّسمية، بأن يذكر الذَّابح اسم الله وحده عليها بنيَّة الذَّبح حين الشُّروع فيه أو متَّصلاً به عرفاً، ويكفي في التَّسمية الإتيان بذكر الله تعالى مقترناً بالتَّعظيم مثل (بسم الله و الله أكبر)، بل يكتفى بمجرَّد ذكر لفظ الجلالة لو لم يُحسن التَّمام ولو بما يرادفه في سائر اللغات، ولا أثر للتَّسمية من دون نيَّة الذَّبح، ولو أخلَّ بها نسياناً لم تحرم الذَّبيحة ولو تركها جهلاً حرمت.

(السَّادس) خروج الدَّم المتعارف، فلا تحل إذا لم يخرج منها الدَّم أو كان الخارج قليلاً - بالإضافة إلى نوعها - بسبب انجماد الدَّم في عروقها أو نحوه، وأمَّا إذا كانت قلَّته لأجل سبق نزيف الذَّبيحة - لجرح مثلاً - لم يضر ذلك بتذكيتها.

(السَّابع) أن تتحرَّك الذَّبيحة بعد تماميَّة الذَّبح ولو حركة يسيرة، بأن تطرف عينها أو تحرك ذنبها أو تركض برجلها، هذا فيما إذا شكَّ في حياتها حال الذَّبح وإلاَّ فلا تعتبر الحركة أصلاًْ.

(مسألة 694) الأحوط لزوماً عدم إبانة الرأس عمداً قبل خروج الرُّوح من الذَّبيحة وإن كانت لا تحرم بذلك، ولا فرق في ذلك بين الطيور وغيرها، كما أنَّ

ص: 243

الأحوط لزوماً عدم كسر رقبة الذَّبيحة أو إصابة نخاعها عمداً قبل أن تموت وإن لم تحرم بذلك أيضاً، والنُّخاع هو الخيط الأبيض الممتد في وسط الفقار من الرَّقبة إلى الذنب.

والأحوط وجوباً أن يكون الذَّبح في المذبح من القدَّام، كما أنَّ الأحوط وجوباً وضع السكِّين على المذبح ثمَّ قطع الأوداج ولا يكفي إدخال السكِّين تحت الأوداج ثمَّ قطعها من خلف إلاَّ اضطراراً.

(مسألة 695) يعتبر في حليَّة لحم الإبِل وطهارته - مضافاً إلى الشُّروط الستَّة المتقدِّمة في الذَّبح ما عدا طريقة الذَّبح الماضية - أن تنحر بأن يدخل سكيِّناً أو رمحاً أو غيرهما من الآلات الحادَّة الحديديَّة في لبَّتها وهي الموضع المنخفض الواقع بين أصل العنق والصَّدر.(مسألة 696) يجوز نحر الإبل قائمة وباركة وساقطة على جنبها والأولى نحرها قائمة.

(مسألة 697) لو ذبح الإبل بدلاً عن نحرها أو نحر الشَّاة أو البقرة أو نحوهما بدلاً عن ذبحها حرم لحمها وحكم بنجاستها، نعم لو قطع الأوداج الأربعة من الإبل ثمَّ نحرها قبل زهوق روحها، أو نحر الشَّاة مثلاً ثمَّ ذبحها قبل أن تموت حلَّ لحمهما وحكم بطهارتهما.

(مسألة 698) لو تعذَّر ذبح الحيوان أو نحره لاستعصائه أو لوقوعه في بئر أو موضع ضيِّق لا يتمكَّن من الوصول إلى موضع ذكاته وخيف موته هناك جاز أن يعقره في غير موضع الذَّكاة بشيء من الرُّمح والسكِّين ونحوهما، فإذا مات بذلك العقر طهر وحلَّ أكله وتسقط فيه شرطيَّة الاستقبال لعدم القدرة عليه، نعم لابدَّ من أن يكون واجداً لسائر الشُّروط المعتبرة الأخرى في التَّذكية.

ص: 244

المبحث الرَّابع: مستحبَّات الذِّباحة والنَّحر

(مسألة 699) ذكر الفقهاء (رضوان الله عليهم) أنَّه يستحب عند ذبح الغنم أن تربط يداه وإحدى رجليه، وتطلق الأخرى ويمسك صوفه أو شعره حتَّى يبرد، وعند ذبح البقر أن تعقل يداه ورجلاه ويطلق ذنبه، وعند نحر الإبل أن تربط يداها ما بين الخفَّين إلى الرُّكبتين أو إلى الإبطين وتطلق رجلاها، هذا إذا نحرت باركة، أمَّا إذا نحرت قائمة فينبغي أن تكون يدها اليسرى معقولة، وعند ذبح الطَّير أن يرسل بعد الذَّباحة حتَّى يرفرف، ويستحب عرض الماء على الحيوان قبل أن يذبح أو ينحر، ويستحب أن يعامل مع الحيوان عند ذبحه أو نحره ما يبعده عن الأذى والتَّعذيب، بأن يحد الشفرة ويمر السكين على المذبح بقوة ويجد في الإسراع وغير ذلك.

المبحث الخامس: مكروهات الذِّباحة والنَّحر

(مسألة 700) يكره في ذبح الحيوانات ونحرها - كما ورد في جملة من الرِّوايات - أُمور:

(الأوَّل) سلخ جلد الذَّبيحة قبل خروج روحها.

(الثَّاني) أن تكون الذَّباحة في الليل أو في يوم الجمعة قبل الزَّوال من دون حاجة.

(الثَّالث) أن تكون الذَّباحة بمنظر من حيوان آخر من جنسه.

(الرَّابع) أن يذبح ما ربَّاه بيده من النعم.

ص: 245

كتاب الأطعمة والأشربة

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: فيما يحل أكله وما يحرم

(مسألة 701) يحل أكل كل طائر ذي ريش إلاَّ ما كان من السِّباع بأن يكون ذا مخلب, سواء كان قويَّاً يقوى به على افتراس الطَّير كالبازي والصقر أو ضعيفاً لا يقوى به على ذلك كالنِّسر والبغات.

والظاهر أنَّ كل طائر يكون صفيفه - وهو بسط الجناحين عند الطَّيران - أكثر من دفيفه - وهو تحريكهما عنده - يكون ذا مخلب فيحرم لحمه، بخلاف ما يكون دفيفه أكثر من صفيفه فإنَّه محلَّل اللحم.

وعلى هذا فيتميز المحرَّم من الطيور عن غيره بملاحظة كيفيَّة طيرانها المذكورة, وإن لم يعرف كيفيَّة طيرانها فيتميَّز المحرَّم بوجود هذه الأشياء فيه وهي:

الحوصلة وهي (الَّتي يج-تمع فيه الحب و غيره من المأكول عند الحلق).

أو القانصة وهي (الَّتي تجتمع فيه الحصاة الدِّقاق الَّتي يأكلها الطير).

أو الصِّيصية وهي (شوكة في رجل الطَّير خارجة عن الكف).

فما تكون له إحدى الثَّلاث يحل أكله دون غيره.

وعلى ذلك فالأحوط لزوماً الاجتناب عن أكل الغراب بجميع أنواعه حتَّى الزاغ.

(مسألة 702) ما عدا ما ذكر من الطيور ممَّا له ريش فهو محلَّل الأكل بجميع أنواعه من الدَّجاج و الحمام و العصفور وغيرها إلاَّ النَّعامة والَّلقلق والطَّاووس على الأحوط.

(مسألة 703) وردت كراهيَّة قتل جملة من الطُّيور كالهدهد و الخطَّاف و الشِّقراق وهو كذلك.

ص: 246

(مسألة 704) ما ليس له ريش ويطير فيحرم ومنه الخفَّاش بل الزنبور والبق والبرغوث ونحوها من الحشرات الطَّائرة على الأحوط.

(مسألة 705) بيض الطَّير يتبعه في الحل والحرمة وما اشتبه أنَّه من المحلَّل والمحرَّم يؤكل ما اختلف طرفاه و تميَّز أعلاه من أسفله مثل بيض الدَّجاج دون ما اتَّفق وتساوى طرفاه.

(مسألة 706) لا يحل من حيوان البحر إلاَّ الأسماك بشرط أن يكون له فلس ولو بالأصل، فلا يضر زواله بالعارض كما مر، فيحل الكنعت والربيثا والبز والبني والشبوط والقطان والطبراني والابلامي وغيرها، حتَّى الإربيان المسمَّى في زماننا هذا ب- (الرُّوبيان)، ولا يحل ما ليس له فلس في الأصل كالجرِّي والزمير والزهو والمارماهي، وإذا شكَّ في وجود الفلس وعدمه بنى على العدم، وبيض السَّمك يتبعه والمشتبه أنَّه من المحلَّل أو من المحرَّم يجب الاجتناب عنه, وأمَّا ما كان ذا حياتين (البرمائي) كالضفادع والسَّرطانوالسُّلحفاة فالأقوى حرمته, وأمَّا طيور الماء - من السَّابحة والغائصة وغيرهما - فيحل منها ما يحل مثله من طيور البر.

(مسألة 707) البهائم البريَّة من الحيوان صنفان: أهليَّة ووحشيَّة.

أمَّا الأهليَّة فيحل منها جميع أصناف الغنم والبقر والإبل والخيل والبغال والحمير على كراهيَّة في الثلاثة الأخيرة، ويحرم منها الكلب والسَّنوُّر ونحوهما.

وأمَّا الوحشيَّة فيحل منها الظباء والغزلان والبقر والكباش الجبليَّة واليحامير والحمر الوحشيَّة، ويحرم منها السِّباع وهي ما كان مفترساً وله ظفر أو ناب, قويَّاً كان - كالأسد والنِّمر والفهد و الذئب - أو ضعيفاً كالثَّعلب وابن آوى، وكذا يحرم الأرنب وإن لم يكن من السِّباع.

(مسألة 708) يحرم أكل المسوخ ومنها الخنزير والقرد والفيل والدب، كما تحرم الحشرات ويقصد بها الدَّواب الصِّغار الَّتي تسكن باطن الأرض كالضب والفار

ص: 247

واليربوع والقنفذ والحيَّة ومطلق الدِّيدان، عدا ديدان الفواكه ونحوها من الثِّمار إذا أكلت معها إلاَّ مع تيسُّر إزالتها فإنَّه لا يترك الاحتياط حينئذ بالاجتناب عنها.

(مسألة 709) يحرم أكل ما وطأه الإنسان من البهائم وإن كانت ممَّا يؤكل لحمه كالبقر، وكذا لبنه ونسله المتجدِّد بعد الوطء على الأحوط، بل يجب أن يذبح ويحرق, ويجب عليه أن يغرم قيمته لمالكه إن لم يكن لنفسه.

وأمَّا البهائم الَّتي يركب ظهرها ووطئت كالخيل و البغال و الحمير فيجب نفيها من البلد وبيعها في بلد آخر ويغرم الواطئ - إذا كان غير المالك - قيمته ويكون الثَّمن له, وأمَّا الَّتي يطلب لحمها ويركب ظهرها معاً كالإبل فيلحقه حكم القسم الأوَّل على الأظهر.

(مسألة 710) لا فرق في الواطئ بين الصَّغير والكبير - على الأحوط - كما لا فرق بين العاقل والمجنون والعالم والجاهل والمختار والمكره، ولا فرق في الموطوء بين الذكر والأنثى، ولا يحرم الحمل إذا كان متكوِّناً قبل الوطيء، كما لا يحرم الموطوء إذا كان ميِّتاً، والحكم المذكور يختص بالبهائم فلا يحرم بالوطء سائر أنواع الحيوان, وإذا وطئ الإنسان بهيمة يطلب لحمها واشتبه الموطوء بين عدَّة أفراد أخرج بالقرعة.

(مسألة 711) يحرم الجدي - ولد المعز - إذا رضع من لبن خنزيرة واشتدَّ لحمه وعظمه ويحرم نسله ولبنه أيضاً, ولو لم يشتد فالأحوط أن يستبرأ سبعة أيَّام بلبن طاهر إن لم يكن مستغنيا عن إرضاع، وإلاَّ استبرئ بالعلف و الشَّعير ونحوهما ثمَّ يحل بعد ذلك, وفي حكم الجدي العجل وسائر الحيوانات المحلَّل لحمها على الأحوط, ولا تلحق بالخنزيرة الكلبة ولا الكافرة، ولا يعم الحكم الشُّرب من دون رضاع والرِّضاع بعد الكبر والفطام .

(مسألة 712) لو انفصل جزء ممَّا تحلُّه الحياة من بدن الحيوان، كالإلية أو مقدار من اللحم يقطع من الغنم الحي - مثلاً - فهو نجس وحرام.

ص: 248

(مسألة 713) كل حيوان محلَّل الأكل - حتَّى الطَّير و السَّمك - إذا صار جلاَّلاً حرم لحمه ولبنه وبيضه, فإذا استبرأ حلَّ, وقد تقدَّم معنى الجلل وكيفيَّة الاستبراء.

المبحث الثَّاني: محرَّمات الذَّبيحة

(مسألة 714) يحرم أكل الأجزاء التَّالية من الحيوان المحلَّل اللحم المذكَّى:-

1 - الرَّوث.

2 - الدَّم.

3 - الذَّكر (القضيب).

4 - الفرج.

5 - المشيمة.

6 - الغدد، وهي كل عقدة في الجسم تشبه البندقة غالباً.

7 - الأنثيان (البيضتان).

8 - خرزة الدماغ، وهي خرزة وسط الدماغ بقدر الحمُّصة.

9 - النُّخاع وهو خيط ابيض كالمخ في وسط فقار الظهر.

10 - العلباوان، وهما عصبتان صفراوان ممتدان على الظهر من الرقبة إلى الذنب.

11 - الطَّحال.

12 - المرارة.

13 - المثانة.

14 - الحدقة وهي السواد في العين.

15 - ذات الأشاجع، وهو الشَّيء الموجود بين الظلف.

هذا في غير الطيور, وأمَّا الطيور فيحرم ممَّا يوجد فيها من المذكورات (الدَّم

ص: 249

والرَّجيع)، وأمَّا تحريم غيرهما فمبني على الاحتياط اللُّزومي.

المبحث الثَّالث: مسائل حول المحرَّمات

(مسألة 715) لا تحل أبوال ما لا يؤكل لحمه، بل و ما يؤكل لحمه أيضاً حتَّى الإبل على الأحوط, نعم لا بأس بشرب أبوال الأنعام الثَّلاثة للتَّداوي والأحوط أن ينحصر العلاج فيها، وعلى الأخص بول الإبل للاستشفاء من مرض الاستسقاء.

(مسألة 716) يحرم أكل الطِّين والمدر، وكذا التُّراب والرمل على الأحوط, ويستثنى من ذلك اليسير من تربه سيد الشُّهداء أبي عبد الله الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ للاستشفاء بما يقل عن الحمُّصة, والأحوط الأولى حلَّه في الماء وشربه، ولا بأس بأكل الطِّين الأرمني والطَّين الدَّاغستاني وغيرهما من العقاقير للتَّداوي عند انحصار العلاج فيها, و لا يلحق بتربة سيِّد الشُّهداء طين قبر غيره حتَّى قبر النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ .نعم لا بأس بأن تمزج هذه الأخيرة بماء أو مشروب آخر على نحو يستهلك فيه والتَّبرك بالاستشفاء بذلك الماء وذلك المشروب, والقدر المتيقَّن من محل أخذ التُّربة هو القبر الشَّريف للمعصوم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وما يقرب منه على وجه يلحق به عرفاً، والأحوط وجوباً الاقتصار عليه ممزوجاً بماء أو مشروب آخر على نحو تستهلك فيه ويستشفى به رجاءاً، لا كالتُّربة الحسينيَّة للخصوصيَّة المعروفة فيها.

(مسألة 717) لا يحرم بلع النُّخامة والأخلاط الصَّدريَّة الصاعدة إلى فضاء الفم للإنسان نفسه, وكذا بلع ما يخرج بتخليل الأسنان من بقايا الطعام, ويحرم القيح والبلغم والنُّخامة ونحوها من فضلات بقيَّة أنواع الحيوان ممَّا تعافه الطِّباع وتستخبثه النُّفوس.

(مسألة 718) يحرم تناول كل ما يضر الإنسان ضرراً بليغاً كالهلاك وشبهه حتَّى

ص: 250

بالتُّخمة من نفس المحلَّل.

(مسألة 719) يحرم شرب الخمر وغيره من المسكرات, بل يحرم الأكل من مائدة يشرب عليها شيء من الخمر أو المسكر, بل يحرم الجلوس عليها أيضاً على الأحوط، وفي بعض الرِّوايات أنَّه من أعظم المعاصي, وروي عن الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنَّه قال (إنَّ الخمر أم الخبائث، ورأس كل شر, يأتي على شاربها ساعة يسلب لبَّه فلا يعرف ربَّه، ولا يترك معصية إلاَّ ركبها، ولا يترك حرمة إلاَّ انتهكها، ولا رحماً ماسَّة إلاَّ قطعها، ولا فاحشه إلاَّ أتاها، وإن شرب منها جرعة لعنه الله وملائكته ورسله والمؤمنون، وإن شربها حتَّى سكر منها نزع روح الإيمان من جسده و ركبت فيه روح سخيفة خبيثة ولم تقبل صلاته أربعين يوماً).

وكذا الفقَّاع حرام شربه، وهو شراب يوجب النَّشوة عادة لا السُّكر، وكان يتَّخذ في الصَّدر الأوَّل من الشَّعير في الأغلب, وليس منه ماء الشَّعير الَّذي يستعمله الأطبَّاء في معالجاتهم، وكذا يحرم عصير العنب إذا غلى بنفسه أو بالنَّار أو بالشَّمس، وأمَّا العصير الزَّبيبي فلا يحرم به ما لم يوجب الإسكار، ولو قليلاً والماء الَّذي تشتمل عليه حبَّة العنب بحكم عصيره في تحريمه بالغليان - على الأحوط - نعم لا يحكم بحرمته ما لم يعلم بغليان ما في جوفها من الماء.

(مسألة 720) يجب على كل مسلم أن يطعم أو يسقي المسلم المحتاج الآخر حاجة ملحَّة متوقِّفة عليه، بل وكذا بقيَّة أنواع الإنسان المحترم المشرف على الموت جوعاً أو عطشاً، لوجوب أن ينقذه من الموت والهلاك المحتَّم عليه.

ص: 251

المبحث الرَّابع: في آداب الطَّعام والشَّراب

وفيه فصول:

الفصل الأوَّل: ما يستحب عند أكل الطَّعام

(مسألة 721) يستحب عند أكل الطَّعام أمور :

الأوَّل: غسل اليدين قبل الأكل.

الثَّاني: غسل اليدين بعد الأكل وتجفيفهما بالمنديل.

الثَّالث: أن يبدأ صاحب المنزل بالأكل قبل الجميع وينتهي بعدهم.

الرَّابع: أن يسمِّي الله عند الشُّروع في الأكل، وإذا كان على المائدة عدة أنواع من الطَّعام استحبَّ أن يسمِّي الله عند أكل كل لون.

الخامس: أن يأكل باليمين.

السَّادس: أن يحمد الله تعالى بعد الانتهاء من الأكل.

السَّابع: أن يستلقي بعد الأكل على قفاه ويجعل رجله اليمنى على اليسرى بعد الغداء وأن يتمشَّى بعد العشاء.

الثَّامن: أن يفتتح الأكل ويختتمه بالملح.

التَّاسع: أن يغسل الفواكه قبل تناولها بالماء.

الفصل الثَّاني: ما يكره عند الأكل

(مسألة 722) يكره عند الأكل أمور :

الأوَّل: الأكل عند السَّير والمشي.

ص: 252

الثَّاني: الإكثار من الأكل، ففي الخبر (ما من شيء أبغض إلى الله من بطن مملوء).

الثَّالث: النَّظر في وجوه النَّاس عند الأكل.

الرَّابع: أكل الطَّعام الحار.

الخامس: النَّفخ في الشَّيء الَّذي يأكله أو يشربه.

السَّادس: أن يبالغ في أكل اللحم الَّذي على العظم حتَّى لا يبقى عليه شيء.

السَّابع: تقشير الفاكهة.

الثَّامن: رمي الثَّمرة قبل أكلها كلِّها.

الفصل الثَّالث: ما يستحب عند الشُّرب

(مسألة 723) يستحب في الشُّرب أمور :

الأوَّل: أن يشرب الماء مصَّاً لا عَبَّاً.

الثَّاني: أن يشرب الماء في النَّهار واقفاً، وفي الليل قاعداً.

الثَّالث: أن يسمِّي الله قبل شرب الماء، ويحمد الله بعد ذلك.

الرَّابع: أن يذكر الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وأهل بيته ويلعن قاتليه.

الفصل الرَّابع: ما يكره عند الشُّرب

(مسألة 724) يكره شرب الماء بكثرة، وبعد أكل الطَّعام الدَّسم، والشُّرب قياماً في الليل، وكذا الشُّرب باليسار، والشُّرب من الموضع المكسور من الكوز ومن عند عروته.

ص: 253

كتاب الغصب

في حرمته وبعض أحكامه

(مسألة 725) الغصب هو الاستيلاء على مال الغير عدواناً، سواء كان عيناً كغصب الثَّوب، أو منفعة كغصب دار الغير وسكناها، أو غيرهما كغصب المسجد والمدرسة في غير ما أوقفا له أو اغتصابهما لغرض منع الآخرين إذا كان المغتصبان ممَّن ينطبقا عليهم ونحوهما.

وهو حرام، بل هو من كبائر المحرَّمات، وقد ورد التَّشديد بشأنه كثيراً، وعن النَّبي الأكرم صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أنَّه قال: (من غصب شبراً من الأرض طوَّقه الله من سبع أرضين يوم القيامة).

(مسألة 726) يجب ردُّ المغصوب فوراً، ويضمن الغاصب أجرته فيما له أجرة وتلفه لو تلف، ولو حدث فيه عيب فعليه أرش النُّقصان.

(مسألة 727) الاستيلاء على الأوقاف العامَّة وما فيه النَّاس شرع سواء كالمساجد والشَّوارع والقناطر ونحوها ومنع النَّاس من الانتفاع بها مثل الاستيلاء على الأملاك الخاصَّة غصبٌ محرَّم، ومن سبق إلى مكان في المسجد للصَّلاة أو لغيرها من الأغراض الرَّاجحة كالدُّعاء وقراءة القرآن والتَّدريس لم يجز لغيره إزاحته عن ذلك المكان ومنعه من الانتفاع به، سواء توافق السَّابق مع المسبوق في الغرض أم تخالفا فيه، نعم يحتمل عند التَّزاحم في بيت الله تقدُّم الطَّواف على غيره فيما يتعارف اتِّخاذه مطافاً حول الكعبة المعظمة، كما يحتمل تقدُّم الصَّلاة على غيرها في سائر المساجد، فلا يترك الاحتياط للسَّابق بتخلية المكان للمسبوق في مثل ذلك.

ص: 254

(مسألة 728) لو استولى على طفل حر فحبسه لم يتحقَّق الغصب، وإن كان آثماً بذلك، فلو مرض أو مات صدفة لم يضمن، إلاَّ إذا عُدَّ سبباً كحجزه لإيذائه أو إيذاء أبويه عقوبة تسبيب المرض أو الموت، كما لا يضمن منافعه إلاَّ إذا كان كسوباً فتوقف عن كسبه بسبب الحبس فإنَّه يضمن عندئذٍ أجرة مثله من حيث تفويت منافعه عليه.

(مسألة 729) يتقوَّم الغصب - كما تقدَّم - باستيلاء الغاصب على المغصوب وصيرورته تحت يده عرفاً، ويختلف ذلك باختلاف المغصوبات، فيتحقَّق في المتاع والطَّعام والنُّقود ونحوها بأخذها بيده أو نقلها إلى ما تحت يده من بيت ونحوه ولو بأمر الغير بذلك، ويتحقَّق في مثل السيَّارة بركوبها وقيادتها مثلاً وفي مثل الدَّار بالسُّكنى فيها مع عدم حضور المالك أو كونه ضعيفاً لا يقدر على مدافعته وإخراجه.

(مسألة 730) لو منع الحر عن ماله فتلف - كما لو منعه من إمساك دابَّته فأكلها السَّبع - فإن كان السَّبع يأكلها على كل تقدير لم يضمن وإلاَّ ضمن.

(مسألة 731) لو اشترك الغاصب مع المالك في العين، فإن عُدَّ أحدهما مستقلاًّ كان الحكم تابعاً له، وإلاَّ كان ضامناً بقدر فإذا سكن الدَّار مع المالك وكان المالك بحيث يعد كلاشيء في قبال الغاصب كان غاصبا لتمام الدَّار، ولو انعكس بأن عُدَّ الغاصب كلا شيء لم يضمن، وإن عُدَّا مشتركين ضمن بقدر.

(مسألة 732) نماء المغصوب من الأعيان الخارجية - كالولد واللبن - ملك لمالكه، فيجب على الغاصب ردّه إليه ما دام باقياً وردّ عوضه على تقدير تلفه، وأمَّا منافعه الأخرى - كسكنى الدار وركوب السيارة فيجب على الغاصب أن يعوِّض المالك عنها، سواء استوفاها أم تلفت تحت يده كما لو بقيت الدار معطَّلة لم يسكنها أحد.

(مسألة 733) المال المغصوب من الصَّبي أو المجنون أو السَّفيه يرد إلى وليهم ومع التَّلف يرد إليه عوضه، ولا يرتفع الضَّمان بالرد إليهم أنفسهم.

ص: 255

(مسألة 734) إذا اشترك اثنان في الغصب، فإن كان كل واحد ضعيفاً - بحيث كان الاستيلاء بانضمام أحدهما إلى الآخر - فالضَّمان على كل بقدره، وإن كان كل واحد قويَّاً بحيث يُعد مستقلاًّ، كان كل منهما ضامناً للجميع، فللمالك أن يرجع إلى أيِّهما شاء.

(مسألة 735) لو كان المغصوب باقياً لكن نزلت قيمته السُّوقيَّة ردَّه ولم يضمن نقصان القيمة كنزول العملة العالميَّة ما لم يكن ذلك بسبب نقصان العين، ولو بزوال صفة كمال منها.

ص: 256

كتاب إحياء الموات

في معناه وبعض أحكامه

(مسألة 736) الموات هي الأرض العاطلة الَّتي لا مالك لها فعلاً سواء لم يكن لها مالك أصلاً كأكثر المفاوز، أم كان ثمَّ فقده وطرأ عليها الخراب، كالمدن القديمة الدَّارسة، ويجوز لكل أحد إحياء هذه الأرض وتكون للمحيي.

(مسألة 737) إذا كانت الأرض لشخص ثمَّ طرأ عليها الخراب، فإن أعرض المالك عنها صارت كالموات بالأصل، وإن لم يعرض عنها - لكنَّه لا يعمرها - روعي الاحتياط في باب تعميرها.

(مسألة 738) من أحيا مواتاً وله حريم لا يجوز لأحد تعميره، وحريم كل شيء بحسبه، فحريم الدَّار مطرح ترابها وكناستها ومسلك الدُّخول والخروج فيها وهكذا، وحريم النَّهر مطرح طينه وترابه، وحريم الحائط من غير الدَّار ما يحتاج إليه لبل الطِّين وطرح التُّراب، وحريم البئر ما يحتاج إليه لأجل السَّقي منها والانتفاع بها، وحريم القرية أطرافها الَّتي يحتاج إليها لأجل السَّقي والرَّعي ونحوهما، إلى غير ذلك.

(مسألة 739) لو أحدثت الأمور المذكورة في أرض عامرة فليس لها حريم، وإنَّما الحريم هو فيما لو أحدثت في الموات.

(مسألة 740) يشترط في التَّمليك بالإحياء أن لا يسبق إليه غيره بالتَّحجير، والمراد به إحداث ما يدل على الإحياء كتسوية الأرض، وإدارة الحصار وما أشبههما.

(مسألة 741) التَّحجير الَّذي يمنع عن إحياء الغير هو ما إذا كان المحجِّر قادراً على الإحياء، وإلاَّ فلا أثر لتحجيره.

ص: 257

(مسألة 742) المسجد مشترك بين المسلمين يجوز فيه العبادة وسائر الأعمال غير المنافية للمسجديَّة، كمجالس الدَّرس والوعظ الحسيني ونشر الكتب الدينية للمطالعة ونحو ذلك، وحق الصَّلاة مقدَّم، فلو أشغله أحد بسائر الأمور وقامت الصَّلاة ولو فرادى بما لم يكن هناك محل لها إلاَّ المحل المشتغل فيه قُدِّمت على غيرها.

(مسألة 743) يراعى في المسجد حق السَّبق، فمن سبق إلى مكان كان أحق به، إلاَّ أن يذهب ولم يخلِّف رجلاً فيسقط حقُّه، وإذا خلَّف رجلاً وذهب بدون رجوع إلاَّ بعد مدَّة بما يستلزم التَّعطيل سقط حقه مع احتياج النَّاس إلى ذلك المكان.

(مسألة 744) المشاهد المُقدَّسة كالمساجد إلاَّ أنَّه لم يعلم أولويَّة المصلِّي في صلاته والزَّائر في زيارته على غيرهما من التَّصرُّفات فيها كحالات الصِّيانة والتَّنظيف في غير الضَّرورة لها وبالعكس كما لم يعلم أولويَّة الزَّائر على المجاور، والأحوط أن يعطى الحق للزَّائرين في مدار الضَّريح القريب أوقات الازدحام إلاَّ إذا جاء وقت الفريضة وعقدت جماعة والمكان ضيِّق، وهكذا الخانات القديمة والموقوفات العامَّة اليوم للزَّائرين باستقرارهم نوماًواستراحة على بقيَّة التَّصرُّفات لو ظهر أنَّهما الأهم.

(مسألة 745) المدارس العلميَّة مشتركة بين الطَّلبة، فالسَّابق أحق إلاَّ أن يستلزم تعطيل المكان بسبب سفر طويل، أو كان خلاف شرط الواقف.

ص: 258

كتاب اللَّقطة

في معناها وبعض أحكامها

(مسألة 746) اللَّقطة كل مال عثر عليه بعد ضياعه عن مالكه المجهول، وهي إمَّا حيوان أو غير حيوان، وتفصيله مختصراً بما يأتي من المسائل:

(مسألة 747) لا يجوز أخذ الحيوان في العمران، فلو أخذه صار ضامناً، ووجب عليه الفحص عن صاحبه وليس له الرُّجوع إلى صاحبه بنفقته.

(مسألة 748) إذا دخل حيوان دار شخص لزم تعريفه إلى حد اليأس والأحوط أن يكون اليأس بعد مرور السنة، ثمَّ التَّصدُّق به.

(مسألة 749) لو وجد الحيوان ضالاًّ في المفازة ونحوها جاز أخذه، إذا كان ممَّا لا يحفظ نفسه عن صغار السِّباع كالشَّاة أو كان كبيراً كالبعير أو الجاموس، لكنَّه في قفر بلا ماء وكلاء أو كان مريضاً لا يقدر على حفظ نفسه فملاقيه الآدمي أولى ممَّا ذكر، وإلاَّ بأن كان كبيراً صحيحاً في ماء وكلاء، لم يجز أخذه، ومهما جاز الأخذ عرَّفه في حوالي ذلك المكان، فإن لم يجد صاحبه جاز له أن يملكه مع الضَّمان، بمعنى أنَّه إذا وجد صاحبه ردَّ ثمنه إليه، ومثل حال ما لا يجوز أخذه ممَّا مرَّ حال الحيوان الضَّال في العمران.

(مسألة 750) إذا أعرض الشَّخص عن حيوانه وتركه - كما يتَّفق فيما يمرض من بعض الدواب، جاز للإنسان أخذه وتملُّكه.

(مسألة 751) ما يجده الشَّخص ضالاً عن مالكه من غير الحيوان يجوز أخذه إذا لم تكن للمال الملتقط علامة فارقة يصفه بها من يدَّعيه - كالمسكوكات المفردة - كثيرة الأمثال وإن بلغت قيمته الدِّرهم الشَّرعي (أي نصف مثقال وربع عشر مثقال) أو زادت عليه، فإذا جاء مالكها وقد تلفت لم يضمن، لكنَّ الأحوط استحباباً التَّصدُّق به عن مالكه.

ص: 259

أمَّا لو كانت اللقطة لها علامة يمكن أن يصفها بها من يدَّعيها وكانت قيمتها دون الدِّرهم فهو وإن لم يجب تعريفها والفحص عن مالكها لقلَّته لكنَّ الأحوط وجوباً أن لا يتملَّكها الملتقط بل يتصدَّق بها عن مالكها للعلامة فضلاً عن الأكثر.

(مسألة 752) اللقطة إذا كانت لها علامة يمكن الوصول بها إلى مالكها وبلغت قيمتها درهماً فما زاد وجب على الملتقط تعريفها في مجامع النَّاس أو ما بحكمها سنة هلاليَّة كاملة من يوم الالتقاط، سواء أكان مالكها مسلماً أو كافراً محترم المال كغير المحارب.

(مسألة 753) لا تعتبر المباشرة في التَّعريف، بل للملتقط الاستنابة فيه مع الاطمئنان بوقوعه، ويسقط وجوبه عنه مع تبرع غيره به.

(مسألة 754) يسقط وجوب التَّعريف المباشر فيما إذا كان الملتقط يخاف من التُّهمة والخطر إن عرّف باللقطة، كما يسقط مع الاطمئنان بعدم الفائدة في تعريفها أو في الاستمرار فيه، ولو لأجل إحراز أنَّ مالكها قد سافر إلى بلد بعيد لا يصله خبرها وإن عرّفها، وفي مثلذلك الأحوط وجوباً أن يحتفظ باللقطة لمالكها ما دام لم ييأس من الوصول إليه - ولو لاحتمال أنَّه بنفسه يتصدَّى للتَّعريف على ماله الضَّائع ليصل إلى الملتقط خبره - ومع حصول اليأس من ذلك يتصدَّق بها عن المالك بإذن الحاكم الشَّرعي ولا ينتظر بها حتى تمضي سنة، ولو صادف مجيء المالك كان بالخيار بين أن يرضى بالتَّصدُّق وبين أن يطالبه ببدلها فيدفعها له، وإذا دفعها إلى الحاكم الشَّرعي قبل مجيء المالك فلا شيء عليه.

(مسألة 755) إذا عرَّف اللقطة سنة ولم يظهر مالكها فإن كانت اللقطة في الحرم - أي حرم مكَّة زادها الله شرفاً - وتورَّط في أخذها فالأحوط لزوماً أن يتصدَّق بها عن مالكها، وأمَّا إذا كانت في غير الحرم تخيَّر الملتقط بين أن يحفظها لمالكها - ولو بالإيصاء أو التَّوكيل عليها بمؤتمن ما لم ييأس من إيصالها إليه - وله حينئذ أن ينتفع بها مع حاجته مع

ص: 260

التَّحفظ على عينها، وبين أن يتصدَّق بها عن مالكها، والأحوط وجوباً عدم تملكها.

(مسألة 756) لو عرَّف اللقطة سنة ولم يظفر بمالكها فقصد التَّحفظ بها للمالك فتلفت من دون تعدٍ ولا تفريط لم يضمنها لمالكها وإن ظفر به، وأمَّا إذا كان قد تصدَّق بها عن مالكها ثمَّ توصل إليه كان المالك بالخيار بين أن يرضى بالتَّصدُّق وبين أن يطالبه ببدلها.

(مسألة 757) لو أخَّر تعريف اللقطة عن أوَّل زمن الالتقاط عصى إلاَّ إذا كان لعذر، ولا يسقط عنه وجوبه على كل تقدير، فيجب تعريفها بعد ذلك إلاًّ إذا كان التَّأخير بحد لا يرجى معه العثور على مالكها وإن عرَّف بها.

(مسألة 758) إذا كان الملتقط صبيَّاً أو مجنوناً وكانت اللقطة ذات علامة وبلغت قيمتها درهماً فما زاد فللولي أن يتصدَّى لتعريفها - بل يجب عليه ذلك مع استيلائه عليها - فإذا لم يجد مالكها جرى عليها التَّخيير المتقدِّم.

(مسألة 759) لو تلفت اللَّقطة قبل تمام السَّنة، فإن لم يخلّ بالمبادرة إلى التَّعريف ولم يتعدَّ في حفظها ولم يفرِّط لم يكن عليه شيء، وإلاًّ ضمن عوضها ويجب عليه الاستمرار في التَّعريف، فإذا عثر على المالك دفع إليه العوض من المثل أو القيمة.

(مسألة 760) لو عثر على مال وحسب أنَّه له فأخذه ثمَّ ظهر أنَّه مال ضائع للغير كان لقطة وتجري عليه أحكامها.

(مسألة 761) يعتبر في التَّعريف أن يكون على نحو لو سمعه المالك لاحتمل - احتمالاً معتداً به - أن يكون المال المعثور عليه له، وهذا يختلف بحسب اختلاف الموارد، فقد يكفي أن يقول (من ضاع له شيء أو مال) وقد لا يكفي ذلك، بل لابدَّ أن يقول (من ضاع له ذهب) أو نحوه، وقد لا يكفي هذا أيضاً بل يلزم إضافة بعض الخصوصيَّات إليه، كأن يقول (من ضاع له قرط ذهب) مثلاً، ولكن يجب على كل حال

ص: 261

الاحتفاظ بإبهام اللقطة فلا يذكر جميع صفاتها حتَّى لا يتعيَّن بل الأحوط لزوماً عدم ذكر ما لا يتوقَّف عليه التَّعريف.

(مسألة 762) لو ادَّعى اللقطة أحد ولم يعلم أنَّها له سئل عن أوصافها وعلاماتها، فإذا توافقت الصِّفات والعلائم الَّتي ذكرها مع الخصوصيَّات الموجودة فيها، وحصل الاطمئنان بأنَّها له - كما هو الغالب - أعطيت له، ولا يعتبر أن يذكر الأوصاف الَّتي لا يلتفت إليها المالكغالباً، وأمَّا مع عدم حصول الاطمئنان فلا يجوز دفعها إليه.

(مسألة 763) اللقطة ذات العلامة إذا لم يعمل الملتقط فيها بما تقدَّم ضمنها، فلو وضعها في مجامع النَّاس كالمسجد والزُّقاق فأخذها شخص آخر أو تلفت ضمن بدلها للمالك.

(مسألة 764) لو كانت اللقطة ممَّا لا يبقى سنة لزم الملتقط أن يحتفظ بها لأطول مدَّة تبقى محتفظة بصفاتها الدَّخيلة في ماليَّتها، والأحوط وجوباً أن يعرِّف بها خلال ذلك، فإن لم يظفر بمالكها كان بالخيار بين أن يقوِّمها على نفسه ويتصرَّف فيها بما يشاء وبين أن يبيعها ويحفظ ثمنها لمالكها، ولا يسقط عنه بذلك ما سبق من التَّعريف، فعليه أن يحفظ خصوصيَّاتها وصفاتها ويُتمَّ تعريفها سنة كاملة، فإن وجد صاحبها دفع بدلها إليه وإلاَّ عمل فيه بما تقدَّم في المسألة (751).

هذا فيما إذا اختار الملتقط أن يقوِّمها على نفسه أو تيسَّر بيعها فباعها، ومع عدم الأمرين يجب عليه أن يتصدَّق بها، ولا يلزمه تعريفها بعد ذلك ولو عثر على مالكها لم يضمن له قيمتها، والأحوط وجوباً أن يكون التَّقويم والبيع والتَّصدُّق في الموارد المتقدِّمة بإجازة الحاكم الشَّرعي أو وكيله إن أمكنت.

(مسألة 765) لا تبطل الصَّلاة بحمل اللقطة حالها وإن لم يكن من قصده دفعها إلى المالك على تقدير الظفر به.

(مسألة 766) إذا تبدَّل حذاء الشَّخص بحذاء غيره جاز له التَّصرُّف فيه بكل نحو

ص: 262

يحرز رضا صاحبه به، ولو علم أنَّه قد تعمَّد التَّبديل ظلماً وعدواناً جاز له أن يقابله بالمثل فيأخذ حذاءه بدلاً عن حذاء نفسه، بشرط أن لا تزيد قيمة المتروك على قيمة المأخوذ، وإلاَّ فالزِّيادة من مجهول المالك وتترتَّب عليه أحكامه إذا لم يُعلم صاحبه، وهكذا الحكم فيما لو علم أنَّه قد اشتبه أوَّلاً ولكنَّه تسامح وتهاون في الرَّد بعد الالتفات إلى اشتباهه، وأمَّا في غير هاتين الصورتين - سواء علم باشتباهه حدوثاً وبقاءاً أم احتمل الاشتباه ولم يتيَّقنه - فتجري على المتروك حكم مجهول المالك الآتي في المسألة اللاحقة، هذا فيما إذا لم يكن الشَّخص هو الَّذي بدَّل ماله بمال غيره - عمداً أو اشتباهاً - وإلاَّ فلا يجوز له التَّقاضي منه بل يجب عليه ردُّه إلى مالكه.

(مسألة 767) إذا وقع المال المجهول مالكه - غير اللقطة - بيد شخص فإن علم رضا مالكه بالتَّصرف فيه جاز له التَّصرف على النَّحو الَّذي يحرز رضاه به، وإلاَّ وجب عليه الفحص عنه ما دام يحتمل الفائدة في ذلك، وأمَّا مع العلم بعدم الفائدة في الفحص فإن لم يكن قد يئس من الوصول إلى المالك حفظ المال له، ومع اليأس يتصدَّق به أو يقوِّمه على نفسه أو يبيعه ويتصدَّق بثمنه، والأحوط لزوماً أن يكون ذلك بإجازة الحاكم الشَّرعي، ولو صادف فجاء المالك ولم يرض بالتَّصدق ضمنه له على الأحوط لزوماً.

(مسألة 768) إذا وجد مالاً في دار سكناه ولم يعلم أنَّه له أو لغيره فإن لم يكن يدخلها أحد غيره أو يدخلها قليل من النَّاس فهو له وإن كان يدخلها كثير كما في المضايف والدَّواوين ونحوهما جرى عليه حكم اللقطة.

ص: 263

كتاب النِّكاح

اشارة

وفيه مقاصد:

المقصد الأوَّل: في فضله وأقسامه

(مسألة 769) يستحب النِّكاح استحباباً مؤكَّداً، وأن ينظر الإنسان فيما يختاره من زوج أو زوجة، فيهتم بالدِّين والأخلاق الَّذين ينبغي أن يكونا أحسن صفات المرغوب فيهما.

وقد يجب إذا زاحمت الإنسان المعاصي وعلم عدم انفكاكها إلاَّ بالزَّواج، ولذلك جاء الأمر بقوله تعالى [وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] وقال النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ (النِّكاح سنَّتي فمن رغب عن سنَّتي فليس منِّي) إلى غير ذلك الكثير والجم الغفير.

(مسألة 770) ينبغي أن لا يردَّ الخاطب إذا كان ممَّن يرضى خلقه ودينه فعن رسول الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ : (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوِّجوه إلاَّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

(مسألة 771) النِّكاح هو (عقد بين الرَّجل والمرأة يحل بسببه كل منهما للآخر)، وهو على قسمين: دائم ومنقطع.

فالعقد المنقطع هو (ما تعيَّن فيه المدَّة) كساعة أو يوم أو سنة أو أكثر أو أقل، وتسمَّى الزَّوجة ب- (المتمتَّع بها والمنقطعة) وسيأتي أحكامها، أمَّا الأوَّل فهو:

ص: 264

المقصد الثَّاني: في النِّكاح الدَّائم

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: في عقد النِّكاح

هو (عقد لا يتعيَّن فيه مدَّة الزَّواج)، وتسمَّى الزَّوجة ب- (الدَّائمة).

ويشترك النِّكاح الدَّائم والمنقطع في لزوم المهر للزَّوجة.

(مسألة 772) يشترط في النِّكاح - دواماً ومتعة - الإيجاب والقبول اللفظيَّان، فلا يكفي فيه مجرَّد التَّراضي القلبي كما لا يكفي - على الأحوط لزوماً - الإيجاب والقبول بالكتابة وحدها، ويجوز لكل من الطرفين توكيل الغير - رجلاً كان أو امرأة - في إجراء الصِّيغة كما يجوز لهما المباشرة فيه.

(مسألة 773) إذا وكَّلا الغير في إجراء الصِّيغة لم تجز لهما الاستمتاعات الزَّوجيَّة حتَّى النَّظر الَّذي لا يحل لهما قبل الزَّواج ما لم يطمئنَّا بإجراء الوكيل عقد النِّكاح، ولا يكفي مجرَّد الظن، ولو أخبر الوكيل بذلك فإن حصل الاطمئنان بخبره كفى، وإلاَّ فلا عبرة به على الأحوط لزوماً.

(مسألة 774) يجب على الوكيل أن لا يتعدَّى عما عيَّنه الموكِّل لأجله من حيث المهر والخصوصيَّات الأخرى وإن كان على خلاف مصلحة الموكِّل حسب اعتقاده، فإن تعدَّى كان فضوليَّاً موقوفاً على إجازته.

(مسألة 775) يجوز أن يكون شخص واحد وكيلاً عن الطَّرفين، كما يجوز أن يكون الرَّجل وكيلاً عن المرأة في أن يعقدها لنفسه، وإن كان الأحوط - استحباباً - أن لا يتولَّى شخص واحد كلا طرفي العقد.

(مسألة 776) إذا باشر الطَّرفان العقد الدَّائم وبعد تعيين المهر قالت المرأة مخاطبة

ص: 265

الرَّجل (زوَّجتك نفسي على الصَّداق المعلوم)، وقال الرَّجل من دون فصل مخل معتد به (قبلت التَّزويج) صحَّ العقد، ولو وكَّلا غيرهما وكان اسم الرَّجل (أحمد) واسم المرأة (فاطمة) مثلاً فقال وكيل المرأة لوكيل الرَّجل: (زوَّجت موكِّلك أحمد موكِّلتي فاطمة أو زوَّجت موكِّلتي فاطمة من موكِّلك أحمد على الصداق المعلوم) وقال وكيل الرَّجل من دون فصل معتد به (قبلت التَّزويج لموكِّلي أحمد على الصَّداق المعلوم) صحَّ العقد، والأحوط الأولى تطابق الإيجاب والقبول، مثلاً لو قالت المرأة (زوَّجتك) فعلى الزَّوج أن يقول: (قبلت التَّزويج) ولا يقول (قبلت النِّكاح) مثلاً، إلاَّ إذا كان الإيجاب قبل ذلك (أنكحتك).

المبحث الثَّاني: في شروطه

(مسألة 777) يشترط في عقد الزَّواج أمور:

(1) العربيَّة - مع التَّمكُّن منها - على الأحوط لزوماً، ويكفي غيرها من اللغات المفهمةلمعنى النِّكاح والتَّزويج لغير المتمكِّن منها وإن تمكَّن من التَّوكيل لكن التَّوكيل أحوط مع عدم القدرة التَّامَّة أو الجمع بين العملين.

(2) القصد إلى إيجاد مضمون العقد، بمعنى أن تقصد المرأة بقولها: (زوَّجتك نفسي) إجراء الزَّواج وصيرورتها زوجة له، كما أنَّ الرَّجل يقصد بقوله (قبلت) إنشاء قبول زوجيَّتها له، وهكذا الوكيلان.

(3،4) أن يكون العاقد - موجباً كان أم قابلاً - عاقلاً، وكذا بالغاً على الأحوط لزوماً.

(5) تعيين الزَّوج والزَّوجة على وجه يمتاز كل منهما عن غيره بالاسم أو الوصف أو الإشارة، فلو قال: (زوَّجتك إحدى بناتي) بطل، وكذا لو قال (زوَّجت بنتي أحد

ص: 266

ابنيك أو أحد هذين)، ولذلك جوَّز الشَّارع المقدَّس أن ينظر أحدهما إلى الآخر بما يملأ العين النَّاظرة منهما من محاسن أحدهما للآخر للمرَّة الواحدة الجائزة دون التِّكرار وبلا شهوة حالة الخطبة قبل العقد.

(6) رضا الطَّرفين واقعاً، فلو أذنت المرأة متظاهرة بالكراهة مع العلم برضاها القلبي صحَّ العقد، كما أنَّه إذا علمت كراهتها واقعاً وإن تظاهرت بالرِّضا بطل العقد إلاَّ أن تجيز بعده.

(مسألة 778) إذا أُلحِنَ في الصِّيغة بحيث لم تكن معه ظاهرة في المعنى المقصود لم يكف، وإلاَّ كفى وإن كان اللحن في المادَّة على قول، فيكفي (جوَّزتك) في اللغة الدَّارجة بدل (زوَّجتك) إذا كان المباشر للعقد من أهل تلك اللغة، ولكن الأحوط وجوباً الاقتصار على الصَّحيح.

(مسألة 779) لو أُكره الزَّوجان على العقد ثمَّ رضيا بعد ذلك وأجازا العقد صحَّ، وكذلك الحال في إكراه أحدهما، والأحوط الأولى إعادة العقد في كلتا الصُّورتين.

(مسألة 780) الأب والجد من طرف الأب لهما الولاية على الطَّفل الصَّغير والصَّغيرة والمتِّصل جنونه بالبلوغ، فلو زوَّجهم الولي صحَّ، إلاَّ أنَّه يحتمل ثبوت الخيار للصَّغير والصَّغيرة بعد البلوغ والرُّشد، فإذا فسخا فلا يترك الاحتياط بتجديد العقد لو أرادا الزَّواج أو الطَّلاق إن لم يفسخا إن اختارا الفراق بعد ذلك، هذا إذا لم تكن في العقد مفسدة على القاصر بنظر العقلاء في ظرف وقوعه من الولي، وأمَّا مع المفسدة فيكون العقد فضوليَّاً، ولا يصح إلاَّ مع الإجازة بعد البلوغ والرشد أو الإفاقة.

(مسألة 781) يجب في نكاح البالغة الرَّشيدة البكر أخذ إذن أبيها أو جدِّها من طرف الأب إذا لم تكن مالكة لأمرها ومستقلَّة في شؤون حياتها، بل الأحوط لزوماً اشتراط إذن أحدهما حتَّى إذا كانت مستقلَّة أيضاً وإن صحَّ العقد الشَّرعي بالاستقلال، ولا تشترط إجازة الأم والأخ وغيرهما من الأقارب، لأنَّ الأمر يعود إليها في الرِّضا

ص: 267

وعدمه حتَّى لو رضي وليُّها، وسكوتها رضاها لو لم تكن مضغوطاً عليها، ولكن يرجح الاستشارة للأخ عندما كان ملتزماً وناصحاً.

ولا فرق فيما ذكر بين الزَّواج الدَّائم والمؤقَّت ولو مع اشتراط عدم الدخول في متن العقد.(مسألة 782) يصح زواج البالغة الرَّشيدة البكر من غير استئذان من أبيها أو جدِّها وإن أثمت أو لم تأثم لترسُّلها، وبالأخص إذا تعقَّب بالإجازة من أحدهما.

(مسألة 783) لا يعتبر إذن الأب والجد إذا كانت البنت ثيِّباً، وكذلك إذا كانت بكراً ومنعاها عن الزَّواج بكفؤها شرعاً وعرفاً مطلقاً، عداء لها لإيمانها أو للكفوء أو لكليهما، وبالأخص لو انحصرت الكفاءة في ذلك الكفوء وخافت على نفسها من بعض المشاكل لو تركته، أو اعتزلا التَّدخل في أمر زواجها مطلقاً، أو سقطا عن أهليَّة الإذن لجنون أو نحوه، وكذا إذا لم تتمكَّن من استئذان أحدهما لغيابهما مثلاً عنها عن تقصير ونحوه، فإنَّه يجوز لها الزَّواج حينئذ مع حاجتها الملحَّة تلك إليه فعلاً حتَّى من دون إذن أيّ منهما، لكنَّ الأحوط الاستئذان من الحاكم الشَّرعي فيه.

(مسألة 784) المقصود بالبكر - هنا - من لم يدخل بها زوجها، فمن تزوَّجت ومات عنها زوجها أو طلَّقها قبل أن يدخل بها فهي بكر، وكذا من ذهبت بكارتها بغير الوطء من وثبة أو نحوها، وأمَّا إن ذهبت بالوطء شبهة أو بالاغتصاب فهي بمنزلة البكر أيضاً دون الزَّانية البغيَّة على الظاهر، وأمَّا من دخل عليها زوجها للدخول بها للقرائن المتعارفة فهي ثيِّبة وإن لم يفتض بكارتها وإن كان الاحتياط يقضي بإعطائها حق البكر لو طُلِّقت ثمَّ تزوَّجت بآخر ووجدها بكراً.

(مسألة 785) لا يجوز ترك وطي الزَّوجة أكثر من أربعة أشهر إلاَّ بإذنها أو لعذر مشروع.

(مسألة 786) يجوز عزل المني عن المرأة لو اتَّفق الزَّوجان على ذلك على

ص: 268

الأحوط، وإذا استقرَّ المني في الرِّحم لا يجوز إسقاطه.

المبحث الثَّالث: الأسباب المانعة للزَّواج

(مسألة 787) يحرم التَّزويج إذا كان أحد الأسباب المانعة في البين ممَّا يأتي، وهي:-

أ / النَّسب

(مسألة 788) يحرم الزَّواج من جهة النَّسب بالأم وإن علت، وبالبنت وإن نزلت، وبالأخت، وببنات الأخ والأخت وإن نزلن، وبالعمَّات وبالخالات وإن علون، أي عمَّة الأب والأم وخالاتهما وهكذا.

ب / الرِّضاع

(مسألة 789) يحرم التَّزوُّج من بعض النِّساء بسبب الرِّضاع، وكما عرف من القواعد (لحمة الرِّضاع كلحمة النَّسب)، وسيأتي توضيح هذا الأمر في كتاب الرِّضاع الآتي إنشاء الله تعالى.

ج / المصاهرة

(مسألة 790) تحرم من جهة المصاهرة أم الزَّوجة وجدَّاتها من طرف الأب أو الأم، فلا يجوز الزَّواج بهنَّ وإن لم يدخل بزوجته، وكذلك تحرم بنت الزَّوجة المدخول بها، سواء أكانت بنتها بلا واسطة أو مع الواسطة، وسواء أكانت موجودة في زمان زوجيَّة الأم أم ولدت بعد طلاق الأم وتزوجها برجل آخر، ولا تحرم بنت الزَّوجة ما لم يدخل بأُمها، نعم لا يصح نكاحها ما دامت أمُّها باقية على الزَّوجيَّة على الأحوط لزوماً، فلو تزوَّجها لم يحكم بصحَّة نكاح البنت ولا ببقاء زوجيَّة الأم.

(مسألة 791) يحرم الزَّواج بمعقودة الأب أو أحد الأجداد كما يحرم التَّزويج

ص: 269

بمعقودة الابن، أو أحد الأحفاد أو الأسباط.

(مسألة 792) يحرم الجمع بين الأختين، فإذا عقد على إحداهما حرمت عليه الثَّانية ما دامت الأولى باقية على زواجها، ولو عقد عليهما في زمان واحد بطلا، ولا فرق في ذلك بين العقد الدَّائم والمنقطع.

(مسألة 793) إذا طلَّق زوجته - رجعيَّاً - لم يجز له نكاح أختها في عدِّتها، وإذا كان الطَّلاق بائناً صحَّ ذلك، وإذا تزوَّج بامرأة بعقد منقطع فانتهت المدَّة أو أبرأها فالأحوط لزوماً عدم الزَّواج بأختها في عدَّتها.

(مسألة 794) إذا عقد على امرأة لم يجز له أن يتزَّوج ببنت أخيها أو ببنت أختها إلاَّ بإذنها، ولو عقد بدون إذنها توقَّفت صحَّته على إجازتها، فإن أجازته صحَّ وإلاَّ بطل، وإن علمت بالزَّواج فسكتت ثمَّ أجازته صحَّ أيضاً.

(مسألة 795) لو زنى بخالته أو عمَّته قبل أن يعقد على بنتها حرمت عليه البنت علىالأحوط لزوماً، ولو زنى بالعمَّة أو الخالة بعد العقد على البنت لم تحرم عليه وإن كان الزِّنا قبل الدُّخول بها مع الاحتياط بتجنُّبها، ولو زنى بغير العمة والخالة لم تحرم عليه بنتها على قول كذلك ، ولكن الأحوط أن لا يتزوجها، ولكن لو زنى بأم زوجته لم تحرم عليه الزَّوجة.

(مسألة 796) إذا لاط البالغ شرعاً بغير البالغ فأوقب ولو ببعض الحشفة حرمت على اللائط أمُّ الملوط وأخته وبنته، والأحوط لزوماً ثبوت هذا الحكم فيما إذا كان اللائط غير بالغ أو كان الملوط بالغاً أو كان اللواط بعد الزَّواج بإحدى المذكورات، ولا يحكم بالتَّحريم مع الشَّك في الدخول بل ولا مع الظن به أيضاً، لأنَّ مفرز الأحكام الثَّابتة هذه هو القطع واليقين لا غير.

(مسألة 797) لا تحرم على اللائط بنت أخت الملوط ولا بنت أخيه، كما لا تحرم

ص: 270

على الملوط أمُّ اللائط ولا ابنته ولا أخته.

د / الارتداد

(مسألة 798) المرتد - وهو من خرج عن الإسلام واختار الكفر - بقسميه المعروفين وهما: الفطري وهو من ولد على إسلام أبويه أو أحدهما واختار الإسلام بعد أن وصل إلى حدِّ التَّمييز ثمَّ كفر.

ويقابله الملِّي وهو من كان كافراً في أساسه ثمَّ أسلم ثمَّ كفر.

فلو كان قد حصل عنده هذا الارتداد بعد أن تزَّوج امرأة عن ملَّة أو ارتدَّت الزَّوجة عن ملَّة أو فطرة بطل النِّكاح لذلك، فإن كان الارتداد قبل الدُّخول بها أو كانت الزَّوجة يائسة أو صغيرة لم تكن عليها عدَّة، وأمَّا إذا كان الارتداد بعد الدُّخول وكانت المرأة في سن من تحيض وجب عليها أن تعتد عدَّة الطَّلاق في الملِّي وإذا رجع عن ارتداده إلى الإسلام قبل انقضاء العدَّة بقي الزَّواج على حاله.

وإذا ارتدَّ الزَّوج عن فطرة حرمت عليه مؤبَّداً زوجته ووجب عليها أن تعتد عدَّة الوفاة، وثبوت العدَّة حينئذ على غير المدخول بها واليائسة والصَّغيرة مبني على الاحتياط اللزومي، وإن رجع عن ارتداده في أثناء العدَّة فالأحوط وجوباً عدم ترتيب آثار الفرقة ولا الزوجيَّة إلاَّ بعد الطَّلاق أو تجديد العقد لو لم يطارد، ويأتي مقدار عدَّة الوفاة في باب الطَّلاق ولو إلحاقاً.

ه- / عدم الكفاءة

(مسألة 799) لا يجوز للمسلمة أن تتزوَّج دواماً أو متعة من الكافر وإن كان كتابيَّاً، وكذلك لا يجوز للمسلم أن يتزوَّج بغير الكتابيَّة من أصناف الكفَّار مطلقاً، ويجوز له الزَّواج متعة من اليهوديَّة والنَّصرانيَّة إذا لم تكن له زوجة مسلمة، وإلاَّ لم يجز له الزَّواج منهما من دون إذن المسلمة بل ولا بإذنها على الأحوط وجوباً، لاستحالة ثبوت

ص: 271

العدالة الحقوقيَّة إذا كانت زوجته حاضرة عنده، كما لا يجوز - على الأحوط - أن يتزوَّج منهما دواماً ولا من المجوسيَّة ولو متعة.

(مسألة 800) لا يجوز للمؤمن أو المؤمنة أن يتزوَّج دواماً أو متعة بعض المنتحلين لدين الإسلام ممَّن يحكم بنجاستهم كالنَّواصب، لأنَّ المؤمن لا ينكح إلاَّ مؤمنة وبالعكس كما في الآية، وكذا المسلم ويجوز زواج المؤمن من المخالفة غير النَّاصبيَّة لو لم يضره ذلك ولومستقبلاً، كما يجوز زواج المؤمنة من المخالف غير النَّاصبي مع الاطمئنان بسلامة إيمانها وأطفالها عنده في حاضرهم ومستقبلهم على كراهة، نعم إذا خيف على المؤمن أو المؤمنة الضَّلال والانحراف حرم بلا شك كهذه الأزمنة وإن صحَّ العقد.

(مسألة 801) لو زنى بامرأة ليس لها زوج وليست بذات عدَّة رجعيَّة - بل حتَّى غيرها احتياطاً - لم يجز له أن يتزوَّجها إلاَّ بعد توبتها على الأحوط وجوباً، ويجوز لغيره أن يتزوَّجها قبل ذلك لو لم يعلم بأمرها إلاَّ أن تكون امرأة مشهورة بالزِّنا، فإنَّ الأحوط وجوباً عدم الزَّواج بها قبل أن تتوب، كما أنَّ الأحوط وجوباً عدم الزَّواج بالرَّجل المشهور بالزِّنا إلاَّ بعد توبته، والأحوط الأولى استبراء رحم الزَّانية من ماء الفجور بحيضة على الأقل قبل التَّزوج بها، سواء ذلك بالنِّسبة إلى الزَّاني وغيره.

(مسألة 802) لا تحرم الزَّوجة على زوجها بزناها، وإن كانت مصرَّة على ذلك، والأولى - مع عدم التَّوبة - أن يطلِّقها الزَّوج.

و / استيفاء العدد

(مسألة 803) في الزَّواج الدَّائم لا يجوز التَّجاوز عن الأربع نساء لأنَّ الخامسة محرَّمة حتَّى لو طلَّق إحداهنَّ رجعيَّاً إلاَّ ما بعد إكمال عِدَّتها لأنَّ المطلَّقة رجعيَّاً زوجة، وفي هذا تفصيل مذكور في موسَّعاتنا.

ص: 272

ز / الاعتداد

(مسألة 804) لو زنى بذات بعل أو بذات العدَّة الرجعيَّة حرمت عليه مؤبَّداً على الأحوط لزوماً، أمَّا الزِّنا بذات العدَّة غير الرَّجعيَّة فلا يوجب حرمة المزني بها، فللزَّاني الزَّواج بها بعد انقضاء عدَّتها مع رجحان الاحتياط بجريان الحكم كالرَّجعيَّة، بل وجوبه مع الجهل التَّقصيري.

(مسألة 805) يحرم الزَّواج بالمرأة دواماً أو متعة في عدَّتها من الغير، رجعيَّة كانت أو غير رجعيَّة، فلو علم الرجل أو المرأة بأنَّها في العدَّة وبحرمة الزَّواج فيها وتزوَّج بها حرمت عليه مؤبَّداً وإن لم يدخل بها بعد العقد، وإذا كانا جاهلين بأنَّها في العدَّة أو بحرمة الزَّواج فيها وتزوَّج بها بطل العقد كما لو انكشف له ذلك، فإن كان قد دخل بها في عدَّتها حرمت عليه مؤبَّداً أيضاً، وإلاَّ جاز الزَّواج بها بعد تمام العدَّة على تأمُّل، ومقتضاه الاجتناب احتياطاً.

(مسألة 806) لو تزوَّج بامرأة عالماً بأنَّها ذات بعل حرمت عليه مؤبداً - دخل بها أم لم يدخل -، ولو تزوَّجها مع جهله بالحال فسد العقد ولم تحرم عليه لو لم يدخل بها، حتَّى مع علم الزَّوجة بالحال مع الاحتياط بالاجتناب، إذ عليها أن تبيِّن له ذلك، وأمَّا لو دخل بها فتحرم عليه مؤبَّداً على الأحوط لزوماً.

(مسألة 807) إذا تزوَّجت المرأة ثمَّ شكَّت في أنَّ زواجها وقع في العدَّة أو بعد انقضائها لم تعتن بالشَّك.

ح / التَّحريم عند الإحرام

(مسألة 808) لو أحرم بالطِّفل المغلوف للحج أو أحرم الحاج من دون أن يطوف طواف النِّساء لا تحل لهما النِّساء إلاَّ بعد الاختتان وأداء المناسك ثانية وطواف النِّساء على الَّذي لم يطفه، وهكذا على كل من أحرم للحج والعمرة لا يحل له الجماع إلاَّ بعد

ص: 273

الفراغ ممَّا عليه من المناسك وآخرها طواف النِّساء، وهكذا لا يجوز عقد الزَّواج حينئذ وإن حصل فهو باطل.

ط / جماع الصَّغيرة مع إعابتها

(مسألة 809) لا يجوز الدُّخول بالزَّوجة قبل إكمالها تسع سنين، ولكنَّه لو فعل لم يحرم عليه وطؤها بعد بلوغها وإن كان قد أفضاها، وأمَّا سائر الاستمتاعات فلا بأس بها، وأمَّا إذا كان إفضاؤه لها أن جعل المسلكين واحداً حرمت عليه مؤبَّداً، وكان عليه نفقتها مدى الحياة.

ي / طلاق الزَّوجة ثلاثاً وتسعاً

(مسألة 810) تحرم المطلقة ثلاثاً على زوجها المطلِّق لها، نعم لو تزوَّجت بغيره ودخل بها فطلَّقها حلَّت لزوجها الأوَّل - على تفصيل يأتي في أحكام الطَّلاق - وأمَّا لو طلَّقها تسعاً فإنَّها تحرم عليه مؤبَّداً على التَّفصيل المذكور أيضاً هناك.

المبحث الرَّابع: موجبات خيار الفسخ من العيب والتَّدليس

(مسألة 811) يثبت للزَّوج خيار العيب إذا علم بعد العقد بوجود أحد العيوب الستَّة الآتية في الزَّوجة حين العقد فيكون له الفسخ من دون طلاق:

1 - الجنون، ولو كان ادواريَّاً، وليس منه الإغماء والصَّرع.

2 - الجذام.

3 - البرص.

4 - العمى.

5 - العرج، ولو لم يبلغ حد الإقعاد.

ص: 274

6 - العفل، وهو لحم أو عظم ينبت في الرَّحم، سواء منع من الحمل أو الوطء في القبل أم لا.

وفي ثبوت خيار العيب للزَّوج فيما لو علم بكون زوجته مفضاة حين العقد إشكال، فلو فسخ فالأحوط لزوماً لهما عدم ترتيب أثر الزَّوجيَّة أو الفرقة إلاَّ بعد تجديد العقد أو الطلاق.

ولا يثبت الخيار للزَّوج في العيوب المتقدِّمة إذا حدثت بعد العقد وإن كان قبل الوطء.

(مسألة 812) يثبت خيار العيب للزَّوجة إذا كان الزَّوج مجبوباً (أي كصغير الذَّكر أو مقطوعه بحيث لم يبق منه ما يمكنه من الوطء به) أو مصاباً بالعنن (وهو المرض المانع عن انتشار العضو بحيث لا يقدر معه على الإيلاج)، سواء كان الجب أو العنن سابقاً على العقد أم كان حادثاً بعده أو بعد العقد والوطء معاً.

وهل يثبت للزَّوجة خيار العيب في جنون الزَّوج سواء كان سابقاً على العقد أم حادثاً بعده أو بعد العقد والوطء أم لا ؟ فيه إشكال، وكذا فيما لو كان خصيَّاً حين العقد (بأن خرج أنثياه عن محلِّهما) أو وجّياً (بأن رُضَّ أنثياه إلى حيث بطل أثرهما) أو مجذوماً أو أبرصاً، فإن اختارت الفسخ فلا يترك الاحتياط في جميع ذلك بعدم ترتيب أثر الزَّوجيَّة أو الفرقة إلاَّ بعد تجديد العقد أو الطلاق.

(مسألة 813) يثبت في النِّكاح خيار التَّدليس وهو (توصيف المرأة للرَّجل عند إرادة الزَّواج بالسَّلامة من العيب مع العلم به أو بالسكوت عن بيان العيب ممَّن عليه البيان مع إقدام الزَّوج بارتكاز السَّلامة منه) - في غير العيوب الَّتي مرَّ أنَّه يثبت بسببها خيار العيب - عند التَّستر على عيب في أحد الزَّوجين، سواء كان نقصاً عن الخلقة الأصليَّة - كالعور ونحوه أو زيادة عليها كاللحية للمرأة - أو الإيهام بوجود صفة كمال لا وجود لها كالشَّرف والنَّسب والجمال والبكارة ونحوها.

ص: 275

فلو خطب امرأة وطلب زواجها على أنَّه من بني فلان فتزوَّجته المرأة على ذلك فبان أنَّه من غيرهم كان لها خيار التَّدليس، فإن فسخت فلها المهر إذا كان بعد الدُّخول وإن كان قبله فلا شيء لها.

(مسألة 814) إنَّما يتحقَّق التَّدليس الموجب للخيار فيما إذا كان عدم العيب أو وجود صفة الكمال مذكوراً في العقد بنحو الاشتراط أو التَّوصيف، ويلحق بهما توصيف الزَّوج أو الزَّوجة بصفة الكمال أو عدم العيب أو إراءته متَّصفاً بها قبل العقد عند الخطبة والمقاولة ثمَّ إيقاع العقد مبنيَّاً عليه، ولا يتحقَّق بمجرَّد سكوت الزَّوجة وولِّيها مثلاً مع اعتقاد الزَّوج عدم العيب فيها أو وجود صفة الكمال فيها، وكذا العكس.

(مسألة 815) إذا فسخ الرَّجل بأحد عيوب المرأة فإن كان الفسخ بعد الدخول استحقَّت المرأة تمام المهر وعليها العدَّة كما في الطَّلاق، وإن كان الفسخ قبله لم تستحق شيئاً ولا عدَّة عليها، هذا إذا لم يكن تدليساً، وأمَّا مع التَّدليس فإن كان المدلِّس نفس المرأة لم تستحق المهر إذا اختار الرَّجل الفسخ وإن اختار البقاء فعليه تمام المهر لها، وإن كان المدلِّس غير الزَّوجة فالمهر المسمَّى يستقر على الزَّوج بالدُّخول ولكن يحق له بعد دفعه إليها أن يرجع به على المدلِّس.وإذا فسخت المرأة بعيب الرَّجل استحقَّت تمام المهر إن كان بعد الدُّخول وإن كان قبله لم تستحق شيئاً إلاَّ في العنن فإنَّها تستحق عليه فيه نصف المهر المسمَّى.

(مسألة 816) إذا تزَّوج امرأة على أنَّها بكر بالاشتراط فبانت ثيِّباً ففسخ - حيث يكون له الفسخ - فإن كان قبل الدخول فلا مهر، وإن كان بعده استقرَّ المهر ورجع به على المدلِّسة، وإن كانت هي المدلِّس لم تستحق شيئاً، وإذا اختار البقاء أو لم يكن له الفسخ - كما في صورة اعتقاد البكارة من دون اشتراط أو توصيف أو بناء - كان له أن ينقص من مهرها بنسبة ما به التَّفاوت بين مهر مثلها بكراً وثيِّباً.

ص: 276

المبحث الخامس: في نكاح المريض

(مسألة 817) يصح نكاح المريض بشرط الدخول بالزَّوجة إذا مات في مرضه بعد الدخول، ويترتَّب على هذا كل العلاقات والآثار من المهر والميراث والعِدَّة، فإن لم يدخل حتَّى مات في مرضه هذا بطل العقد ولا مهر لها، فضلاً عن آثار ما بعد موته ممَّا ذكرناه، وكذا لو مات بسبب آخر كالمرض المصاحب لمرضه أو القتل كذلك.

أمَّا إذا برئ من مرضه فمات من غير أن يدخل بها ورثته زوجته وكان لها نصف المهر، وكذا لها نصفه إذا تزوَّجت وهي مريضة فماتت في مرضها أو بعد ما برئت ولم يدخل بها وهو يرثها أيضاً مع صحَّته، ولو تزوَّجها في مرضه فماتت قبل الدخول ثمَّ مات في مرضه لم يرثها.

المبحث السَّادس: بعض آداب النِّكاح

(مسألة 818) للنِّكاح آداب كثيرة، نذكر جملة منها:

1 - يكره تزويج المرأة لمالها أو جمالها، والزَّانية مع الاحتياط بأن لا يكون إلاَّ بعد توبتها واستبرائها، ويكره كذلك المتولِّدة من الزِّنا، وأن يتزوَّج الشَّخص قابلته أو بنتها.

2 - يستحب تزوُّج الولود الودود العفيفة النَّجيبة الجميلة.

3 - يكره أن تختار المرأة زوجاً سيء الخلق، أو مخنثاً أو فاسقاً أو شارب الخمر أو مخالفاً، وبالأخص في هذه الأيَّام لاختلاط اللينين بالنَّواصب والاحتياط واجب بالابتعاد لو تأكَّدت الخطورة.

4 - يستحب الإشهاد في العقد، والإعلان به.

5 - يستحب إن يكون الزَّفاف ليلاً، والوليمة ليله أو نهاره.

ص: 277

6 - يستحب التَّعجيل في تزويج البنت عند بلوغها الشَّرعي كما يستحب تقليل المهر.

7 - يكره الجماع عرياناً، وعقيب الاحتلام، وقائماً، وتحت السَّماء، وتحت الشَّجرة المثمرة، وليلة الخسوف، ويوم الكسوف، ويوم هبوب الرياح السَّوداء وما أشبه، والزِّلزلة، وفي السَّفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به، وفي أوَّل ليلة من كل شهر إلاَّ شهر رمضان، وعندالمحاق، وليلة الأربعاء، وليلة الفطر والأضحى ، ونكاح العجائز، وعلى الامتلاء، وعند الطلوع والغروب للشَّمس إلى غير ذلك.

8 - يكره أن تكون خرقة الرَّجل والمرأة واحدة.

المبحث السَّابع: حكم النَّظر جوازاً وحرمة وملحقاته

(مسألة 819) يجوز نظر كل من الزَّوجين إلى جميع جسد الآخر، ويجوز نظر المحارم كل إلى جسد الآخر باستثناء العورة واستثناء ما يُثير الشَّهوة ممَّا زاد عليها، وكذا نظر الرِّجال للرِّجال، والنِّساء للنِّساء، ما عدا العورات وبدون تلذُّذ وريبة، وكذا ما عدا تمكين الكافرة للنَّظر إلى المسلمة لئلاَّ تنتقل أوصافها إلى رجالها، ولا يجوز نظر النِّساء إلى الأجنبي على تفصيل يأتي في المسألة الآتية، ولا نظر الرِّجال إلى الأجنبية حتَّى الوجه والكفَّين إلاَّ للكافرة ولما تبديه بلا تلذذ وريبة.

(مسألة 820) لا يجوز للرَّجل الأجنبي أن ينظر إلى ما عدا الوجه والكفَّين من جسد المرأة الأجنبيَّة عند الحاجة شرعاً إذا لم يكن الأكثر لازماً اضطراريَّاً، خوف الوقوع في الحرام، وبالأخص إذا كان النَّظر الزَّائد بتلذذ شهوي، بل الأحوط وجوباً تركه بدون ذلك أيضاً إن أمكن التَّعويض بالإخبار عن حال المرأة الشَّكلي للتَّشخيص أو بما يعطيه العكس الفوتغرافي لحاجة رؤية الطَّبيب أو ضابط السَّفر والجنسيَّة ونحو

ص: 278

ذلك، وكذلك الحال في نظر المرأة إلى الرَّجل الأجنبي على الأحوط لزوماً الاقتصار على ما جرت السِّيرة على عدم الالتزام بستره كالرَّأس واليدين والقدمين ونحوها عند الحاجة أيضاً إذا لم يلزم الأكثر، من دون تلذُّذ شهوي أيضاً، وبالأخص عند خوف الوقوع في الحرام وإن كان الأحوط - استحباباً - تركه أيضاً إن أمكن التَّعويض بالإخبار عن الشَّكل أو بالعكس المحتاج إليه.

(مسألة 821) يجوز النَّظر إلى النِّساء المبتذلات اللاتي لا ينتهين إذا نهين عن التَّكشُّف، بشرط أن لا يكون بتلذذ شهوي ولا يخاف الوقوع في الحرام منه، وكذلك نساء الأعراب والقواعد والَّلاتي لا يبغين نكاحاً، ولا فرق في ذلك بين نساء الكفار وغيرهن، كما لا فرق فيه بين الوجه والكفَّين وبين سائر ما جرت عادتهن على عدم ستره من بقيَّة أعضاء البدن إن أُحرج الرَّجل بالنَّظر إليه.

(مسألة 822) يجب على المرأة أن تستر شعرها وما عدا الوجه والكفَّين ممَّا مرَّ ذكره من بدنها عن غير الزَّوج والمحارم من البالغين مطلقاً إذا لم يلزم الأكثر، بل الأحوط لزوماً أن تتستر عن غير البالغ أيضاً إذا كان مميِّزاً مراهقاً وأمكن أن يترتَّب على نظره إليها ثوران الشَّهوة فيه وفيها، وأمَّا الوجه والكفَّان فيجوز لها إبداؤهما إلاَّ مع خوف الوقوع في الحرام أو كونه بداعي إيقاع الرَّجل في النَّظر المحرَّم فيحرم الإبداء حينئذٍ حتَّى بالنِّسبة إلى المحارم في حالات الخطورة.

هذا في غير المرأة المسنَّة الَّتي لا ترجو النِّكاح، وأمَّا هي فيجوز لها إبداء شعرها وذراعها ونحوهما مع ترسلها - ممَّا لا يستره الخمار والجلباب عادة - من دون أن تتبرَّج بزينة برغبتها أو غيرها، مع رجحان الاحتياط لها أن تتورَّع ولو من جهة احتمال من كان قد ينظرها بسوء لجمال في بعض محاسنها.

(مسألة 823) يحرم النَّظر إلى عورة الغير - غير الزَّوج والزَّوجة - سواء كان النَّظر مباشرة أم من وراء الزُّجاج أو في المرآة أو في الماء الصافي ونحو ذلك، نعم حرمة النَّظر

ص: 279

إلى عورة الكافر المماثل في الجنس والصَّبي المميِّز تبتني على الاحتياط اللُّزومي، فضلاً عن الرؤية مع الشَّهوة فإنَّها من الحرام الصَّريح.

(مسألة 824) يجوز لكل من الرَّجل والمرأة أن ينظر إلى بدن محارمه - ما عدا العورة منه - من دون تلذذ، وأمَّا النَّظر مع التَّلذذ فلا فرق في حرمته بين المحارم وغيرهم، والمقصود بالمحارم كل من يحرم عليه نكاحه مؤبَّداً لنسب أو رضاع أو مصاهرة دون المحرم بغيرها كالزِّنا واللواط واللعان.

(مسألة 825) الأحوط لزوماً ترك النَّظر إلى صورة (عكس) المرأة الأجنبيَّة غير المبتذلة إذا كان النَّاظر يعرفها، ويستثنى من ذلك الوجه والكفَّان فيجوز النَّظر إليهما في الصُّورة من دون تلذُّذ شهوي وعدم خوف الوقوع في الحرام الإضافي.

(مسألة 826) إذا دعت الحاجة الماسَّة طبيَّاً إلى أن يحقن الرَّجل رجلاً أو امرأة غير زوجته أو أن يغسل عورتهما لزمه التَّحفظ مع الإمكان كما مرَّ في تغسيل الموتى من لمسالعورة بيده بلبس الكف المطاطي عند الضَّرورة أو النَّظر إليها بكفِّ بصره عمَّا يريد، وكذلك المرأة بالنِّسبة إلى المرأة أو الرَّجل غير زوجها.

(مسألة 827) إذا اضطرَّت المرأة إلى العلاج من مرض وكان الرَّجل الأجنبي أرفق بعلاجها جاز له النَّظر إلى بدنها ومسِّه بيده إذا توقَّف عليهما معالجتها، والضَّرورة تقدَّر بقدرها، ومع إمكان الاكتفاء بأحدهما - النَّظر والمس - لا يجوز الآخر، فلو تمكَّن من المعالجة بالنَّظر فقط لا يجوز له المس وكذلك العكس، بل لو أمكن التَّعويض بالنَّظر إلى ما يعرضه (السُّونار) أو المس بالكف المطَّاط لا تجوز المباشرة.

(مسألة 828) لو اضطرَّ الطَّبيب في معالجة المريضة إذا كانت غير زوجته إلى النَّظر إلى عورتها فالأحوط لزوماً أن لا ينظر إليها مباشرة بل في المرآة وشبهها كما مرَّ، إلاَّ إذا اقتضى ذلك النَّظر حصوله لفترة أطول ممَّا قد يضر أو لم تتيسَّر المعالجة بغير النَّظر مباشرة فلا مانع.

ص: 280

المبحث الثَّامن: مسائل متفرِّقة

(مسألة 829) لا يجوز الخلوة بالمرأة الأجنبيَّة مع عدم الأمن من الفساد وإن تيسَّر دخول الغير عليهما، ولا بأس بها مع الأمن منه تماماً إلاَّ أنَّها مكروهة.

(مسألة 830) لو تزوَّج امرأة على مهر معيَّن وكان من نيَّته أن لا يدفعه إليها صحَّ العقد ووجب عليه دفع المهر.

(مسألة 831) إذا اشترطت المرأة في عقدها أن لا يخرجها الزَّوج من بلدها مثلاً وقبل زوجها ذلك لم يجز له إخراجها منه بغير رضاها.

(مسألة 832) إذا كانت لزوجة الرَّجل بنت من غيره جاز له أن يزوِّجها من ابنه من زوجة غيرها، وكذلك العكس لعدم وجود رابط تحريم بينهما.

(مسألة 833) إذا حملت المرأة من السِّفاح لم يجز لها أن تسقط جنينها.

(مسألة 834) لو زنى بامرأة ليست بذات بعل ولا في عدَّة الغير ثمَّ تزوَّج بها فولدت ولم يعلم أن الولد من الحلال أو الحرام فهو يلحق بهما شرعاً ويحكم عليه بأنَّه من الحلال، لاحتمال كون انعقاد نطفته بعد التَّزوُّج بها.

(مسألة 835) لو تزوَّج بامرأة جاهلاً بكونها في العدَّة بطل العقد، وإن كان قد دخل بها في عدَّتها تحرم عليه مؤبَّداً كما مرَّ، وإن ولدت بعد ذلك فإن أمكن لحوق الولد به دون الزَّوج الأوَّل أُلحِق به وكذلك العكس، وإن أمكن لحوقه بكلٍّ منهما - كما لو مضى من وطء كل منهما ستَّة أشهر فأكثر ولم يتجاوز أقصى مدَّة الحمل - أُقرع بينهما إن لم يمكن رفع الاشتباه بالرجوع إلى طريقة علميَّة بينة لا تتخللها الاجتهادات الشَّخصيَّة المعارضة للشَّرع في جميع حالاته كما يدَّعى ذلك بشأن بعض الفحوصات الحديثة الَّتي لا تمنع منها الظواهر الشَّرعيَّة من عموماتها وإطلاقاتها والَّتي قد ترفع بها

ص: 281

الإشكالات.

هذا في لحوق الولد بأبيه، وأما لحوقه بأمِّه فان كانت المرأة جاهلة بكونها في العدَّة أوبحرمة التَّزويج فيها لحق الولد بها، وإن كانت عالمة بذلك لم يلحق بها شرعاً فإنَّها زانية حينئذٍ.

(مسألة 836) لو ادَّعت المرأة أنَّها يائسة لم تسمع دعواها ولو ادَّعت أنَّها خليَّة من الزَّوج صدقت إلاَّ إذا كانت متَّهمة في دعواها فإنَّ الأحوط لزوماً عدم الزَّواج منها إلاَّ بعد الفحص عن حالها.

(مسألة 837) لو تزوَّج بامرأة ادَّعت أنَّها خليَّة وادَّعى - بعد ذلك - مدَّع أنَّها زوجته لم تسمع دعواه إلاَّ بالبيِّنة، فإن أقامها حكم له بها وإلاَّ فليس له طلب توجيه اليمين إليهما.

(مسألة 838) حضانة الولد وتربيته وما يتعلَّق بها من مصلحة حفظه ورعايته تكون في مدة الرِّضاع - أعني حولين كاملين - من حق أبويه بالسويَّة ما داما في العلاقة الزَّوجيَّة، فلا يجوز للأب أن يفصله عن أُمه خلال هذه المدَّة كالأنثى، وكذا لو طُلِّقت الأم، والأحوط الأولى عدم فصله عنها حتَّى يبلغ سبع سنين وإن كان ذكراً ما دام الارتباط الزَّوجي موجوداً أو عُرفت الأم بحسن تربيتها للولد، وأمَّا الأنثى فتُصاحب أُمَّها سبع سنوات.

وإذا افترق الأبوان بطلاق ونحوه قبل أن يبلغ الولد السنتين لم يسقط حق الأم في حضانته ما لم تتزوَّج من غيره، فلابدَّ من توافقهما على حضانته بالتَّناوب ونحوه، ويسقط بالطَّلاق مصاحبة الأم له بما يزيد على السَّنتين.

(مسألة 839) إذا صالحت المرأة زوجها على أن لا يتزوَّج عليها ويكون له مهرها صحَّت المصالحة ووجب على زوجها أن لا يتزوَّج عليها كما ليس لها أن تطالب زوجها بالمهر.

ص: 282

(مسألة 840) المتولِّد من ولد الزِّنا إذا لم يكن الحمل به بالزِّنا فهو ولد حلال.

(مسألة 841) إذا جامع زوجته حراماً كما في نهار شهر رمضان أو في حيضها ارتكب معصية إلاَّ أنَّها إذا حملت فولدت يعتبر الولد ولداً شرعيَّاً لهما.

(مسألة 842) إذا تيقَّنت زوجة الغائب بموت زوجها فتزوَّجت بعد ما اعتدَّت عدَّة الوفاة ثمَّ علمت بحياة زوجها الأوَّل انفصلت عن زوجها الثَّاني بغير طلاق، وهي محلَّلة لزوجها الأوَّل، ثمَّ إنَّ الثَّاني إن كان دخل بها لزمه مهر مثلها ويجب عليها الاعتداد من وطئها شبهة فلا يجوز لزوجها الأوَّل مقاربتها أيَّام عدَّتها وأمَّا سائر الاستمتاعات فيجوز لَهُ، ولا تجب على الواطئ نفقتها في مدَّة العدَّة وإنَّما هي على زوجها.

المبحث التَّاسع: أحكام التَّلقيح الصِّناعي

(مسألة 843) لا يجوز تلقيح المرأة بمنيّ غير الزَّوج، سواء أكانت ذات زوج أم لا ورضي الزَّوج والزوجة بذلك أم لا، وكان التَّلقيح بواسطة الزَّوج أم غيره.

(مسألة 844) لو تمَّ تلقيح المرأة بمنّي غير الزَّوج فحملت منه ثمَّ ولدت، فإن حدث ذلك اشتباهاً - كما لو أُريد تلقيحها بمنّي زوجها فاشتبه بغيره - فلا إشكال في انتسابه إلى صاحب المنّي، فإنَّه نظير الوطء بشبهة.

وأمَّا إن حدث ذلك مع العلم والعمد، فلا يبعد انتسابه إليه أيضاً وثبوت جميع أحكام الأبوَّة والبنوَّة بينهما، لحصول بعض ظواهر الانتساب إلاَّ المواريث، فالطِّفل يرث الأب المتعمِّد ولا عكس، وإن كان المستثنى من الإرث هو خصوص الولد عن زنا، وهذا ليس كذلك لعدم توسُّط الجماع لو أحرز في ذلك حتَّى يكون من الزِّنا ولو احتياطاً.

وهكذا الحال في انتسابه إلى أمّه لو اشتبهت فإنّه ينتسب إليها، ولا فرق بينه وبين

ص: 283

سائر أولادها أصلاً ظاهراً لو لم تتعمَّد الزِّنا مع ذلك، وكذا لو تعمَّدت هذا الحرام أو اشتركت مع الزَّوجة في هذا ولكنَّها لم ترثه وهو يرثها، ومن قبيل هذه الصُّورة ما لو ألقت المرأة منِّي زوجها في فرج امرأة أخرى بالمساحقة أو نحوها فحملت ثمَّ ولدت فإنَّه ينتسب إلى صاحب النُّطفة وإلى الَّتي حملته وإن كان العمل المذكور محرَّماً، ولكن الميراث وعدمه يرتبط بالشُّبهة وعدمها كما مرَّ.

(مسألة 845) لو أُخذت بويضة المرأة وحويمن الرَّجل فلُقِّحت به ووضعت في رحم صناعيَّة أو نحوها وفرض أنَّه تيسّر تنميتُها فيها حتَّى تكوَّن إنسان بذلك فالظاهر أنَّه ينتسب إلى صاحب الحويمن وصاحبة البويضة، ويثبت بين ذلك الإنسان وبينهما جميع أحكام النَّسب حتَّى الإرث إذا تحقَّق ذلك بعد العلاقة الشَّرعيَّة الزَّوجيَّة بين المرأة والرَّجل، نعم لا يرث ممَّن مات منهما قبل التَّلقيح.

(مسألة 846) لو نقلت بويضة المرأة الملقَّحة بحويمن الرَّجل صناعيَّاً إلى رحم امرأة أُخرى فنشأ فيها وتولَّد مولود ففي انتسابه إلى صاحبة البويضة أو إلى صاحبة الرحم إشكال، فلا تُترك مراعاة الاحتياط فيما يتعلَّق بذلك من أحكام الأمومة والبنوَّة، لعدم التَّزوُّج بصاحبةالبويضة لو كبر المولود وبتحجُّبها عنه، نعم لا يبعد ثبوت المحرميَّة كذلك بينه وبين صاحبة الرحم وان لم يحكم بانتسابه إليها مع التَّعمُّد وعدم الشُّبهة.

(مسألة 847) يجوز تلقيح المرأة صناعياً بمنيّ زوجها ما دام حيَّاً، ولا يجوز ذلك بعد وفاته على الأحوط لزوماً كما أشرنا، وحكم الولد المولود بهذه الطَّريقة حكم سائر أولادهما بلا فرق أصلاً، إلاَّ إذا كان التَّلقيح بعد وفاة الزَّوج فإنَّه لا يرث منه في هذه الصُّورة وإن كان منتسباً إليه.

ثمَّ إنَّه لا يجوز أن يكون المباشر لعمليَّة التَّلقيح الصِّناعي غير الزَّوج إذا توقَّفت على كشف المرأة عورتها للطَّبيبة - مثلاً - لتنظر إليها أو لتلمسها من غير حائل، نعم إذا لم يكن يتيسَّر لها الحمل بغير ذلك وكان الصَّبر على عدم الإنجاب حرجيَّاً عليها بحدٍّ لا يُتحمَّل

ص: 284

عادة جاز لها ذلك.

المبحث العاشر: أحكام تحديد النَّسل

(مسألة 848) يجوز للمرأة استعمال ما يمنع الحمل من العقاقير المعدَّة لذلك، وبالأخص لو وافقها زوجها على ذلك، بشرط أن لا يلحق بها ضرراً بليغاً ومنه العقم أو ما يلحق به، بل لا فرق في ذلك بين رضا الزَّوج به وعدمه مع الإضرار بها لو حملت حتَّى لو نافى شيئاً من حقوقه الشَّرعيَّة كحالة الزَّواج مع اشتراط عدم الحمل، أمَّا لو أراد وأرادت الحمل مع قدرتها عليه بلا ضرر وعدم اشتراط عدمه في عقد الزَّواج فلا يجوز لها استعمال أيِّ من الموانع، وليس من حقوق زوجها إعدام قدرتها على الحمل لو ألزمها عليه إلاَّ مع تضرُّرها به، أمَّا في الأقل كالعزل ونحو ذلك فله ذلك.

(مسألة 849) لا يجوز للمرأة استعمال اللولب المانع من الحمل ونحوه من الموانع بالشَّرط المتقدِّم في الحالة الاختياريَّة، وبالأخص إذا توقَّف وضعه في الرَّحم على أن يباشر ذلك غير الزَّوج كالطَّبيبة وأن تنظر أو تلمس من دون حائل ما يحرم كشفه لها اختياراً كالعورة، وفي غير ذلك يلزم الاقتصار على مورد الضَّرورة كما إذا كان الحمل مضرَّاً بالمرأة أو موجباً لوقوعها في حرج شديد لا يتحمَّل عادة من غير زوجها ولم يكن يتيسَّر لها المنع منه ببعض طرقه الأخرى أو كانت ضرريَّة أو حرجيَّة عليها كذلك.

هذا إذا لم يثبت لها أنَّ استعمال اللولب يستتبع تلف البويضة بعد تخصيبها، وإلاَّ فالأحوط لزوماً الاجتناب عنه مطلقاً حتَّى لو اختارت هي ذلك دفعاً لضررها كما مرَّ واتِّخاذ غير ذلك ومنه العزل.

(مسألة 850) لا يجوز للمرأة أن تجري عمليَّة جراحيَّة لغلق القناة التَّناسليَّة (النَّفير) اختياراً، لأنَّه يؤدِّي إلى قطع نسلها بحيث لا تحمل أبداً كما مرَّ، وبالأخص إذا توقَّف

ص: 285

ذلك على كشف ما يحرم كشفه من بدنها للنَّظر إليه أو للمسه من غير حائل، لعدم جواز الكشف إلاَّ في حال الضَّرورة القصوى حسب ما مرَّ في المسألة السَّابقة، ولا يجوز للمرأة أن تجري عمليَّة جراحيَّة لقطع الرَّحم أو نزع المبيضين ونحو ذلك ممَّا يؤدِّي إلى قطع نسلها كذلك، لأنَّهيستلزم ضرراً بليغاً بها وبمستقبلها إلاَّ إذا اقتضته ضرورة مرضيَّة، ونظير هذا الكلام كلِّه يجري في الرَّجل أيضاً.

(مسألة 851) لا يجوز إسقاط الحمل - وإن كان بويضة مخصَّبة بالحويمن - إلاَّ فيما إذا خافت الأم الضَّرر على نفسها من استمرار وجوده وكان موجباً لوقوعها في حرج شديد لا يتحمَّل عادة، فإنَّه يجوز لها عندئذٍ إسقاطه ما لم تلجه الروح، وأمَّا بعد ولوج الروح فيه فلا يجوز الإسقاط مطلقاً مع صحَّة الأم وقدرتها على تحمُّله، وإذا أسقطت الأم حملها حينئذ وجبت عليها ديته لأبيه لو لم يتَّفق معها في ذلك، أو لغيره من ورثته إن وافقها في ذلك، وإن أسقطه الأب فعليه ديته لأمِّه إن أرغمها، وإن أسقطه غيرهما - كالطبيبة - من دون تسبيبهما لزمته الدِّية لهما، وإن كان الإسقاط بطلبهما على الأحوط.

ويكفي في دية الحمل بعد ولوج الرُّوح فيه دفع (ألف دينار ذهبي) أو (سبعمائة وخمسين مثقالاً ذهبيَّاً) إن كان ذكراً، ونصف ذلك إن كانت أنثى كما سيجيء في كتاب الدِّيات، سواء أكان موته بعد خروجه حيَّاً أم في بطن أمِّه على الأحوط لزوماً، ويكفي في ديته قبل ولوج الرُّوح فيه دفع عشرين ديناراً للأربعين يوماً الأولى، وعشرين للثَّلاثين الَّتي بعدها، وعشرين للثَّلاثين الَّتي بعدها وعشرين أخرى للثَّلاثين الَّتي بعدها، ولا فرق في ذلك بين الذَّكر والأنثى - على الأحوط لزوماً-

(مسألة 852) يجوز للمرأة استعمال العقاقير الَّتي تؤجِّل الدَّورة الشَّهرية عن وقتها لغرض إتمام بعض الواجبات - كالصِّيام ومناسك الحج أو لغير ذلك - بشرط أن لا يلحق بها ضرراً بليغاً، وإذا استعملت العقار فرأت دماً متقطِّعاً لم يكن لها أحكام الحيض وإن رأته في أيَّام العادة، إلاَّ إذا كان الدَّم على نفس المواصفات الطَّبيعيَّة وصدق عليه

ص: 286

الاستمرار ثلاثة أيَّام على الأقل، ولاحتمال عدم تأثير تلك العقاقير كما هو المتعارف في بعضها أو عدم تأثيرها في بعض النِّسوة لقوَّة مزاجهن الطَّبيعي فعليها في حالة التَّقطُّع أن تجري عمل الحائض مع تلك المواصفات، وأمَّا في مورد الشَّك فتحتاط بالعملين.

المقصد الثَّالث: الحقوق والنَّفقات وما يتبعهما

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: في مسائل الحقوق والنَّفقات

(مسألة 853) يحرم على الزَّوجة الدَّائمة أن تخرج من دارها من دون إذن زوجها، وإن لم يكن ذلك منافياً لحقِّه في الاستمتاع بها، ويجب عليها أن تمكِّن زوجها من نفسها متى شاء، وليس لها منعه من المقاربة ونحوها من الممارسات الجنسيَّة المتعارفة إلاَّ لعذر شرعي، فإذا عملت بوظيفتها استحقت النَّفقة على زوجها من الغذاء واللباس والمسكن وسائر ما تحتاج إليه بحسب شانها بالقياس إليه.

(مسألة 854) إذا نشزت الزَّوجة على زوجها بأن منعت نفسها عنه مطلقاً أو في بعض دون بعض لم تستحق النَّفقة عليه، سواء خرجت من عنده أم لا، وأمَّا إذا منعت نفسها عنه في بعض الأحيان لا لعذر مقبول شرعاً أو خرجت من بيتها بغير إذنه من دون مسوِّغ شرعي وكانت تؤدِّي له أكثر من واجبها كالطَّبخ ورضاع الأولاد ورعايتهم وخدمة المنزل ونحو ذلك فالأحوط لزوماً عدم سقوط نفقتها بذلك، بل هو الأقوى في بعض الأمور أو كلِّها في بعض الاعتبارات كما سيجيء بيانه، وأمَّا المهر فهو لا يسقط بالنُّشوز بلا إشكال.

(مسألة 855) لا يستحق الزَّوج على زوجته خدمة البيت وما شاكلها وإن كان يستحب لها أن تقوم بذلك.

ص: 287

(مسألة 856) إذا استصحب الزَّوج زوجته في سفره كانت نفقتها عليه وإن كانت أكثر من نفقتها في الحضر، كما يجب عليه بذل أجور سفرها ونحوها ممَّا تحتاج إليه من حيث السَّفر، وهكذا الحكم فيما لو سافرت الزَّوجة بنفسها في سفر ضروري يرتبط بشؤون حياتها الطَّبيعيَّة معه، كأن كانت مريضة وتوقَّف علاجها على السَّفر إلى طبيب، وأمَّا في غير ذلك من السَّفر الواجب كسفر الحج أو السَّفر غير الواجب الَّذي أذن فيه الزَّوج لها فليس عليه بذل أجوره، ومن ذلك المرض الَّذي سبَّبته هي نفسها على نفسها مع نصح زوجها لها سابقاً، ولكن يجب عليه مع ذلك بذل نفقتها الاعتياديَّة فيه كاملة وإن كانت أزيد من نفقتها في الحضر، نعم إذا علَّق الزَّوج إذنه لها في السَّفر غير الواجب على إسقاطها لنفقتها فيه كلاً أو بعضاً وقبلت هي بذلك لم تستحقها عليه.

(مسألة 857) لو امتنع الزَّوج الموسر مصرَّاً عن بذل نفقة زوجته المستحقِّة لها مع اطاعتها له ومطالبتها وحاجتها الشَّرعيَّة جاز لها أن تأخذها من ماله بدون إذنه، ويجوز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشَّرعي لإجباره على الإنفاق، فإن لم يتيسَّر لها هذا ولا ذاك واضطرَّتإلى اتِّخاذ وسيلة لتحصيل معاشها لم يجب عليها إطاعة زوجها حال اشتغالها بتلك الوسيلة، والأحوط لزوماً أن لا تمتنع عن القيام بحقوقه في غير تلك الحال.

(مسألة 858) لا يعتبر في استحقاق الزَّوجة النَّفقة على زوجها فقرها وحاجتها، بل تستحقها عليه وإن كانت غنيَّة غير محتاجة، وإذا لم تحصِّلها - كلاً أو بعضاً - لفقر الزَّوج أو امتناعه بقي ما لم تحصِّله ديناً على ذمَّته يؤدِّيه متى ما تمكَّن، ويصح أن تسقط عنه ما تستحقه عليه فعلاً أو في الأزمنة المستقبلة بشرط أو بدونه.

وإذا كان للزَّوج مالٌ لا يفي بنفقته ونفقة زوجته جاز له تأمين نفقته منه فإن زاد صرفه إليها.

(مسألة 859) يثبت للأبوين حق إنفاق الابن عليهما مع إعسارهما ولا يتعارض هذا مع كون الابن متزوِّجاً، كما يثبت للولد ذكراً كان أو أنثى حق إنفاق أبيه عليه مع

ص: 288

إعساره، والأحوط لزوماً ثبوت حق الإنفاق للأبوين على البنت وثبوته عليها لهما مع فقد الولد أو إعساره على أولاد الأولاد أي أبناء الأبناء والبنات وبناتهم الأقرب فالأقرب كذلك.

وكذلك الأحوط لزوماً ثبوت حق الإنفاق للولد مع فقد الأب أو إعساره على جدِّه لأبيه وإن علا الأقرب فالأقرب، وثبوته مع فقد الجد أو إعساره على أمِّه، ومع فقدها أو إعسارها على الجد أو الجدَّة من قبلها ومن قبل أم الأب أو الجد مِن طرفه وإن علوا مع مراعاة الأقرب فالأقرب إليه.

وإذا تعدَّد من يثبت عليه حق الإنفاق كما لو كان للشَّخص أب مع ابن أو كان له أكثر من ابن واحد فيحتمل ثبوت الحق على كل واحد كفاية، كما يحتمل اشتراك الجميع فيه بالسويَّة، فالأحوط لزوماً فيما إذا لم يقم البعض منهم بما يلزمه على تقدير الاشتراك أن يقوم به البعض الآخر مع تحمُّل الآخر الإثم والمعصية أو كون الحصَّة الَّتي عليه ديناً في ذمَّته.

(مسألة 860) يشترط في ثبوت الإنفاق بالقرابة فقر المنفق عليه، بمعنى أن لا يتوفَّر له ما يحتاج إليه فعلاً من معيشته من طعام أو لباس أو مسكن أو دواء أو نحوها، ولا يتمكَّن أيضاً من توفيره بالاكتساب اللائق بشأنه ولا بالاقتراض من دون حرج ومشقَّة مع التَّمكُّن من الوفاء لاحقاً.

ولا يشترط في ثبوت الإنفاق بها كمال المنفق بالعقل والبلوغ فيجب على الولي أن ينفق من مال الصَّبي والمجنون على من يثبت له حق الإنفاق عليه، نعم يشترط تمكُّن المنفق منه بعد نفقة نفسه وزوجته الدَّائمة، فلو كان له من المال قدر كفاية نفسه وزوجته خاصَّة لم يثبت عليه الإنفاق على أقاربه ولو زاد صرفه في الإنفاق عليهم، والأقرب منهم مقدَّم على الأبعد، فالولد مقدَّم على ولد الولد، ولو تساووا وعجز عن الإنفاق عليهم جميعاً وجب توزيع الميسور عليهم بالسوية إذا كان ممَّا يقبل التَّوزيع ويمكنهم

ص: 289

الانتفاع به وإلاَّ تخيَّر في الإنفاق على أي منهم شاء.

وإذا امتنع من وجبت نفقة قريبه عليه عن بذلها جاز لمن له الحق إجباره عليه ولو باللجوء إلى الحاكم وإن كان الحاكم جائراً في بعض الشَّدائد ما دام احتمال عدم استعمال جوره الزَّائد في هذه القضيَّة موجوداً، ولكن إن لم ينفق حتَّى مضى زمانه سقط عنه فعلاً وإنكان آثماً مع الاحتياط بكونها ديناً في ذمَّة الممتنع.

(مسألة 861) إذا اضطرَّ شخص إلى التَّصرُّف في مال غيره من طعام أو دواء أو ثياب أو سلاح أو غيرها لإنقاذ نفسه من الهلاك أو ما يدانيه وجب على المالك مع حضوره وعدم اضطراره إليه أن يبذله له بعوض أو بدونه إن شاء، ويجوز للمضطر مع غياب المالك التَّصرُّف في ماله بقدر الضَّرورة مع ضمانه العوض وبعد الاستئذان من الحاكم الشَّرعي احتياطاً.

(مسألة 862) الأحوط وجوباً أن ينفق المالك على ما لديه من الحيوان أو ينقله إلى غيره أو يذكِّيه بذبح أو غيره إذا كان من المذكَّى ولم يعد ذلك تضييعاً للمال، ولا يجوز له حبسه من دون الإنفاق عليه حتَّى يموت لحرمة التَّفريط به.

المبحث الثَّاني: القِسم

(مسألة 863) إذا كان للرَّجل زوجتان دائمتان أو أزيد فبات عند إحداهنَّ ليلة ثبت لغيرها كذلك حق المبيت ليلة من أربع ليال للعدالة والزَّائد له، ولا يثبت حق المبيت للزَّوجة منهنَّ على زوجها غير ذلك، نعم الأحوط الأولى لمن عنده زوجة دائمة واحدة كذلك أن يقسِّم لها ليلة من كل أربع ليال والزَّائد له، ولو وهبته إحداهنَّ حصَّتها وضع ليلتها حيث شاء، ولو وهبت ضرَّتها بات عندها إن رضى بالهبة والواجب في هذه الليالي مجرَّد المضاجعة لا المواقعة، ولا يثبت حق المبيت للصَّغيرة ولا للمجنونة حال

ص: 290

جنونها ولا للنَّاشزة، كما يسقط حال سفر الزَّوج وفيما لو أسقطته الزَّوجة بعوض أو بدونه، ولا يجوز متاركة الزَّوجة الدَّائمة رأساً وجعلها كالمعلَّقة لا هي ذات بعل ولا هي مطلَّقة بدون مبرِّر شرعي.

(مسألة 864) تختص البكر عند الدُّخول بثلاث إلى سبع والثيِّب بثلاث.

(مسألة 865) يستحب التَّسوية بين الزَّوجات في الإنفاق وإطلاق الوجه والجماع وأن يكون في صبيحة كل ليلة عند صاحبتها وإن رضين أو بغضهن بالأقل.

(مسألة 866) لا يجوز ترك وطء الزَّوجة وبالأخص الشَّابَّة أكثر من أربعة أشهر، إلاَّ لعذر كالحرج والضَّرر أو مع رضاها أو نشوزها أو اشتراط تركه عليها حين العقد، والأحوط لزوماً شمول هذا الحكم للزَّوجة المنقطعة وإن لم تكن لها قسمة في الأيَّام، وأمَّا إذا كان الزَّوج مسافراً فلا يحق له أن يطيل السَّفر من دون عذر شرعي إذا كان يفوِّت على الزَّوجة حقَّها.

هذا وإذا لم تقدر الزَّوجة على الصَّبر إلى أربعة أشهر بحيث خاف الزَّوج وقوعها في الحرام إذا لم يقاربها فالأحوط وجوباً المبادرة إلى مقاربتها قبل تمام الأربعة أو طلاقها وتخلية سبيلها.

(مسألة 867) إذا كان المهر حالاًّ فللزَّوجة الامتناع من التَّمكين قبل قبضه، سواء كان الزَّوج متمكِّناً من الأداء أم لا، ولو مكَّنته من نفسها فليس لها الامتناع بعد ذلك لأجل أن تقبضه، وأمَّا لو كان المهر كلُّه أو بعضه مؤجَّلاً - وقد أخذت بعضه الحال - لم يكن لهاالامتناع من التَّمكين وإن حلَّ الأجل.

ص: 291

المبحث الثَّالث: في النشوز

(مسألة 868) النشوز هو ارتفاع أحد الزَّوجين عن طاعة صاحبه فيما يجب له، فمتى ظهر من المرأة إمارة العصيان وعظها، فإن لم ينجح هجرها في المضجع وصورته، أن يوليها ظهره في الفراش، فإن لم ينجح ضربها مقتصراً على ما يؤمل معه طاعتها ما لم يكن مبرحاً، ولو كان النشوز منه فلها مطالبته بحقوقها، ولو تركت بعض ما يجب أو كله استمالة جاز له القبول.

المقصد الرَّابع: النِّكاح المنقطع

(مسألة 869) النِّكاح المنقطع هو كالنِّكاح الدَّائم في الاحتياج إلى الإيجاب والقبول مع سائر الخصوصيَّات، ويشترط فيه ذكر المدَّة والمهر، وينقضي هذا العقد بانقضاء المدَّة، وبهبة المدَّة قبل انقضائها، ولا يقع بها طلاق، ولا تستحق المرأة بها قسمة ولا نفقة ولا توارث بين الزَّوجين فيها، ولا تحسب من الأربعة ويطلق عليه (المتعة).

ويكفي في المتعة بعد تعيين المدَّة والمهر أن تقول المرأة (متَّعتك نفسي في المدَّة المعلومة وهي من الآن إلى سنة مثلاً بالمبلغ المعلوم وهو دينار مثلاً)، ثم يقول الرَّجل بعد ذلك فوراً (قبلت التَّمتيع لنفسي على المهر المعلوم للمدَّة المعلومة)، وكذلك يجوز إجراء هذا العقد على نحو التَّوكيل.

(مسألة 870) يصح النِّكاح المنقطع، وإن كان الدَّاعي إليه أمراً آخر غير الاستمتاع كحصول المحرَميَّة، ولابدَّ فيه من تعيين المهر والمدَّة، فإن لم يتعيَّنا بطل العقد، ولا حدَّ للمدَّة قلة وكثرة، نعم يبطل العقد مع العلم بعدم وفاء عمر أحد الزَّوجين أو كليهما للمدَّة المعيَّنة.

ص: 292

(مسألة 871) يجوز للمرأة في النِّكاح المنقطع - وكذا الدَّائم - أن تشترط على زوجها عدم الدُّخول بها، فلو اشترطت عليه ذلك لم يجز له مقاربتها ويجوز له ما سوى ذلك من الاستمتاعات، نعم لو رضيت الزَّوجة بعد ذلك بمقاربتها جازت له.

(مسألة 872) لا تجب نفقة الزَّوجة في النِّكاح المنقطع وإن حملت من زوجها ولا تستحق من زوجها المبيت عندها، ولا توارث بينها وبين زوجها، ولو شرط ثبوت الإرث لهما أو لأحدهما ففي نفوذ الشَّرط إشكال، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه، ولو بالتَّصالح على شيء أو ترك المطالبة من المشترط أو إبراء الذمَّة.

(مسألة 873) إذا زوَّج الطفلَ أبوه أو جدُّه من أبيه بعقد انقطاع جاز لهما بذل نفقة مدَّة زوجته مع المصلحة، للرِّعاية والتَّربية ونحوهما وإلى حدِّ الاستمتاع بعد البلوغ، بحيث لو كانت المدَّة تزيد على زمان صباه، كما إذا كان عمر الصَّبي أربع عشرة سنة، وكانت مدَّة المتعة سنتين مثلاً، وليس لهما تطليق زوجته الدَّائمة لو كانت.

(مسألة 874) يصح العقد المنقطع ولو مع جهل الزَّوجة بعدم استحقاقها النَّفقة والمبيت، ولا يثبت لها حق على الزَّوج من جهة جهلها، ويحرم عليها الخروج بغير إذن زوجها، إذا كان خروجها منافياً لحقِّه، لا مع عدم المنافاة.

(مسألة 875) لو وكلت المرأة رجلاً في تزويجها لمدَّة معيَّنة بمهر معلوم فخالف الوكيل فعقدها دواماً أو متعة لغير تلك المدَّة أو بغير ذلك المهر، فإن أجازت العقد صحَّ وإلاَّ بطل.

(مسألة 876) لو زوج الأب أو الجد من طرفه بنته الصَّغيرة أو ابنه الصَّغير لفترة قصيرة لا لغاية الاستمتاع بل لغاية أخرى من حصول المحرميَّة ونحوه صحَّ العقد مع عدم ترتُّب مفسدة عليه، نعم مع عدم قابليَّة المدَّة المعيَّنة للاستمتاع من الصَّغيرة أو لاستمتاع الصَّغير فيها بوجه، فصحَّة العقد لا تخلو من إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك، وهو البناء على تحقُّق المحرميَّة التَّامَّة مع التَّحفُّظ من الزَّواج المقرون بالمواقعة إلاَّ

ص: 293

عند بلوغ المدَّة الوافية إلى ما بعد بلوغ كل منهما، وعلى أساس اشتراط عدم المواقعة لا تجوز ولا يبقى إلاَّ المحرَّميَّة.

(مسألة 877) لو وهب الزَّوج مدَّة زوجته المنقطعة بعد الدخول بها برغبة منه لزمه تمام المهر احتياطاً، وينتصف المهر إذا كانت الهبة قبل الدخول كذلك.

(مسألة 878) لا بأس على الزَّوج في الزَّواج من المتمتَّع بها في عدَّتها منه منقطعاً، ولكن لا يصح تجديد العقد عليها دائماً أو منقطعاً قبل انقضاء الأجل أو بذل المدَّة.

المقصد الخامس: أحكام الأولاد

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: في شروط ثبوتهم وبعض المسائل

(مسألة 879) يلحق ما ولدته المرأة بزوجها - في الدائم والمنقطع - بشروط ثلاثة:الأوَّل: الدُّخول أو جذب الرَّحم المني من الزَّوج أو إدخاله فيه بتوسُّط المحقنة كما يتَّفق في بعض الموارد.

الثَّاني: مضيّ ستة أشهر من حين الوطء ونحوه.

الثَّالث: عدم التَّجاوز عن أقصى الحمل، وهو تسعة أشهر على ما هو المتعارف بين النَّساء، فقد يزيد عليهما (الستَّة والتِّسعة) بأيَّام وإن لم تكن متعارفة، فإذا تحققَّت الشروط المذكورة لحق الولد بالزَّوج، ولا يجوز له نفيه، ولا ينتفي عنه إلاَّ باللِّعان في العقد الدَّائم، وفي المنقطع ينتفي منه ظاهراً، لكن عليه اليمين مع دعواها أو دعوى الولد النَّسب، فإن حلف انتفى، وإلاَّ فلا، ولكن التَّوارث الكامل بينه وبينهما يحتاج إلى الاعتراف.

ص: 294

(مسألة 880) إذا غاب الزَّوج أو اعتزل زوجته أكثر من أقصى الحمل ثمَّ ولدت لم يلحق الولد به.

(مسألة 881) لو طلَّق امرأة فاعتدَّت وتزوَّجت ثمَّ جاءت بولد لدون ستَّة أشهر كاملة فهو للأوَّل وإن كان لستَّة أشهر فصاعداً فهو للثَّاني.

(مسألة 882) لو تزوَّجت بشخص بعد الطَّلاق من زوجها وأتت بولد لأقل من ستَّة أشهر من عقد النِّكاح ودخوله بها فهو للأوَّل وتبيَّن بطلان العقد الثَّاني لوقوعه في العدَّة فتحرم عليه مؤبَّدة.

(مسألة 883) لو طلِّقت المرأة فوطأها رجل في غير العدَّة الرَّجعيَّة شبهة واشتبه إلحاق الولد بالمطلِّق والواطئ وأمكن لحوقه لكل منهما يلحق بالثَّاني، وكذا المتمتِّع بها إذا وهبها زوجها المدَّة أو انتهت المدَّة ووطأها رجل شبهة واشتبه إلحاق الولد بهما.

(مسألة 884) إذا وطئت الزَّوجة أو المعتدَّة الرَّجعيَّة شبهة ثمَّ ولدت وعلم لحوقه بالزَّوج أو الواطئ ألحق به، وإن اشتبه أمره أقرع بينهما وعمل على ما تقتضيه القرعة.

(مسألة 885) لو ولدت زوجتان لزوجين - أو لزوج واحد - ولدين واشتبه أحدهما بالآخر عمل بالقرعة إن ثبت الاشتباه.

(مسألة 886) لو وطأ المرأة أجنبيٌّ شبهة فحملت يلحق به الولد، فإن كان لها زوج ردَّت عليه بعد العدَّة من الثَّاني.

(مسألة 887) المراد بوطء الشبهة: الوطء غير المستحق مع بناء الواطئ على استحقاقه له، سواء كان معذوراً فيه شرعاً أم عقلاً أم غير معذور.

ص: 295

المبحث الثَّاني: أحكام الولادة وآدابها

(مسألة 888) يجب استبداد النِّساء في شؤون المرأة حين ولادتها دون الرِّجال إلاَّ في حال الاضطرار، ولا بأس بالزَّوج وإن وجدت النِّساء.

(مسألة 889) يستحب غسل المولود، والآذان في أذنه اليمنى والإقامة في اليسرى، وتحنيكه بتربة الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وبماء الفرات، وتسميته باسم أحد الأنبياء والأئمة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ كعلي، وتكنيته كأبي الحسن وتلقيبه كالمرتضى، ولا يكنى محمَّد بأبي القاسم، وخير الأسماء ما حُمِّد وعُبِّد، وحلق رأسه في اليوم السَّابع، والعقيقة بعده، والتَّصدق بوزن شعره ذهباً أو فضَّة، وثقب أذنه، وختانه فيه.

(مسألة 890) يجب عليه الختان بعد البلوغ لو لم يختن قبله، وكذا الكافر إذا أسلم غير مختون، والختان واجب لنفسه، وشرط لصحَّة طوافه في حج أو عمرة، ولا يعتبر في الختان الإسلام، وخفض الجواري مستحب، وهو متعارف في بعض البلدان كمصر.

(مسألة 891) الحدُّ الواجب في الختان أن تقطع الجلدة السَّاترة للحشفة المسمَّاة بالغلفة، بحيث تظهر ثقبة الحشفة ومقدار من بشرتها، وإن لم تستأصل تلك الجلدة ولم يظهر تمام الحشفة.

المبحث الثَّالث: في العقيقة

(مسألة 892) يستحب مؤكَّداً أن يعقّ عن الذكر بذكر وعن الأنثى بأنثى يوم السَّابع، وأن تتوفَّر فيها الأمور التَّالية:-

1 - أن تكون سالمة من العيوب سمينة، وفي الروايات هي شاة لحم يجزئ فيها كلّ شيء وإنّ خيرها أسمنها، وتجزي الشَّاة والبقرة والبُدنة والأفضل الكبش، ولو عجز

ص: 296

عنها أخَّرها إلى أن يتمكَّن، ولا يسقط الاستحباب.

2 - أن تجتمع فيها شروط الأضحية، وأن تقطع على المفاصل، وقيل يكره أن تكسر منها العظام.

3 - أن تعطى القابلة منها الربع وهو الورك ولو لم تكن قابلة أعطي الأم لتتصدَّق به ويقسّم الباقي على المحتاجين، وأفضل منه أن يطبخ ويعمل عليه وليمة، والأفضل أن يكون ما يطبخ به ماءً وملحاً وأن لا تشوى على النَّار.

4 - أن يدعى عليها المؤمنون وأقلُّهم عشرة.

(مسألة 893) ما اشتهر بين بعض السواد من استحباب لفّ العظام بخرقة بيضاء ودفنها فلا مدرك له.

(مسألة 894) يكره أن يأكل الأب منها أو أحد من عيال الأب، والأحوط للأم التَّرك.

(مسألة 895) من بلغ ولم يعق عنه استحب له أن يعق عن نفسه.

(مسألة 896) لا يجزئ عن العقيقة التَّصدُّق بثمنها ومن ضحِّي عنه أجزأته الأضحية عن العقيقة مع عدم التَّمكُّن، وأمَّا معه فالاستحباب باق على حاله.

(مسألة 897) لو مات الصَّبي يوم السَّابع فإن مات قبل الزَّوال سقطت العقيقة، ولو مات بعده لم يسقط الاستحباب.

ص: 297

كتاب الرَّضاع

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: شروط الرِّضاع

(مسألة 898) الرِّضاع لحمة كلحمة النَّسب، فيحرم به ما يحرم بالنَّسب، بشروط - وإن كان بعضها احتياطيَّاً -.

1 - أن يكون الوطء بسبب جائز شرعاً، وإن كان وطي شبهة، فلو درَّ اللبن من المرأة من دون ولادة أو ولدت من الزِّنا فأرضعت بلبنها منه طفلاً لم يكن لإرضاعها أثر.

2 - أن يكون شرب اللبن بالامتصاص من الثَّدي، فإذا ألقي اللبن في فم الطِّفل إلقاءاً أو شرب اللبن المحلوب من المرأة بلا امتصاص ونحو ذلك لم يكن له أثر.

3 - أن ترضع المرأة في حال حياتها جميع الرَّضعات المطلوبة، فلو ماتت في الأثناء وأكمل الرِّضاع بعد ذلك لم يحرم.

4 - خلوص اللبن، فالممزوج في فم الطفل بشيء آخر مائع أو جامد كاللبن والسكر لا أثر له.

5 - أن يكون المرتضع في أثناء الحولين، فلو رضع أو أكمل الرِّضاع بعد ذلك لم يؤثِّر شيئاً، وأمَّا المرضعة فلا يلزم في تأثير إرضاعها أن يكون دون الحولين من ولادتها.

6 - كون اللبن الَّذي يرتضعه الطِّفل منتسباً بتمامه إلى رجل واحد، فلو طلَّق الرَّجل زوجته وهي حامل أو بعد ولادتها منه فتزوَّجت شخصاً آخر وحملت منه وقبل أن تضعٍ حملها أرضعت طفلاً بلبن ولادتها السَّابقة من زوجها الأوَّل ثمان رضعات مثلاً وأكملت بعد وضعها لحملها بلبن ولادتها الثَّانية من زوجها الأخير بسبع رضعات لم

ص: 298

يكن هذا الرَّضاع مؤثِّراً، ويعتبر أيضاً وحدة المرضعة، فلو كان لرجل واحد زوجتان ولدتا منه فارتضع الطِّفل من إحداهما سبع رضعات ومن الأخرى ثمان رضعات - مثلاً - لم يكن لرضاعه أثر.

7 - بلوغ الرضاع حدُّ إنبات اللحم وشدِّ العظم، ويكتفي مع الشَّك في حصوله برضاع يوم وليلة (24 ساعة) أو بما بلغ خمس عشرة رضعة، وأمَّا مع القطع بعدم حصوله وتحقُّق أحد التَّقديرين - الزَّماني والكمِّي - فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط.

ويلاحظ في التَّقدير الزَّماني - أي اليوم والليلة - أن يكون ما يرتضعه الطِّفل من المرضعة هو غذاؤه الوحيد طيلة تلك المدَّة بحيث يرتضع منها متى احتاج إليه أو رغب فيه ، فلو منع منه في بعض المدَّة أو تناول طعاماً آخر أو لبناً من مرضعة أخرى لم يؤثِّر، نعم لا بأس بتناول الماء أو الدَّواء أو الشَّيء اليسير من الأكل بدرجة لا يصدق عليه الغذاء عرفاً، والأحوط وجوباً اعتبار أن يكون الطِّفل في أول المدَّة جائعاً - ليرتضع كاملاً - وفي آخرها رويَّاً.

كما يلاحظ في التَّقدير الكمِّي - أي الخمس عشرة رضعة - توالي الرَّضعات بأن لا يفصل بينها رضاع من امرأة أخرى ولا يضر تخلُّل غير الرِّضاع اليسير وإن تغذَّى به بشرط أن يرتضع بعده جائعاً فيرتوي من اللبن فقط، ويلاحظ فيه أيضاً أن تكون كل واحدة منها رضعة كاملة بأن يكون الصَّبي جائعاً فيرتضع حتَّى يرتوي، فلا تندرج الرَّضعة النَّاقصة في العدد، ولا تعتبر الرَّضعات النَّاقصة المتعدِّدة بمثابة رضعة كاملة، نعم إذا التقم الصَّبي الثَّدي ثمَّ رفضه لا بقصد الإعراض عنه، بل لغرض التَّنفس أو الانتقال من ثدي إلى آخر ونحوهما ثمَّ عاد إليه اعتبر عوده استمراراً للرَّضعة وكان الكل رضعة واحدة كاملة.

(مسألة 899) إذا كان الإرضاع العددي بما يقل عن الخمس عشرة رضعة إلى العشر ومن دون أن ينبت اللحم ويشد العظم فلابدَّ من الاحتياط بعدم التَّزوُّج مثلاً بين

ص: 299

الرَّضيع والمرضعة الأجنبيَّة لو كبر مع تحجُّبها عنه، وهكذا التَّوابع.

(مسألة 900) إذا أرضعت امرأة ولداً لغيرها أوجب ذلك حرمة النِّكاح بين عدد من الذكور والإناث، وتفصيل ذلك في المسائل الآتية.

المبحث الثَّاني: فيما يحرم على المرتضع

(مسألة 901) تحرم على المرتضع عدَّة من النِّساء:

1 - المرضعة، لأنَّها أمُّه من الرِّضاعة، حتَّى لو لم تلده، كما أنَّ صاحب اللبن أبوه وإن لم يكن من نطفته.

2 - أم المرضعة، وإن علت نسبيَّة كانت أم رضاعيَّة، لأنَّها جدَّته.

3 - بنات المرضعة ولادة، لأنَّهن أخواته، وأمَّا بنات المرضعة رضاعاً إذا ارتضعن بلبن رجل آخر فلا يحرمن على هذا المرتضع.

4 - البنات النَّسبيَّات والرِّضاعيَّات من أولاد المرضعة ولادة ذكوراً وإناثاً، لأنَّ المرتضعإمَّا أن يكون عمُّهن أو خالهن من الرِّضاعة.

5 - أخوات المرضعة - وإن كنَّ رضاعيَّات -، لأنَّهن خالات المرتضع.

6 - عمَّات المرضعةِ وخالاتها وعمَّات آبائها وأمهاتها، نسبيَّات كنَّ أم رضاعيَّات، فإنَّهن عمَّات المرتضع وخالاته من الرِّضاعة.

7 - بنات صاحب اللبن النَّسبيَّات والرَّضاعيَّات، بلا واسطة أو مع الواسطة، لأنَّ المرتضع إمَّا أن يكون أخاهنَّ أو عمُّهن أو خالهن من الرِّضاعة.

8 - أمَّهات صاحب اللبن النَّسبيَّات والرِّضاعيَّات، لأنهن جدات المرتضع من الرضاعة.

9 - أخوات صاحب اللبن النَّسبيَّات والرَّضاعيَّات، لأنَّهن عمَّات المرتضع.

ص: 300

10 - عمَّات صاحب اللبن وخالاته وعمَّات وخالات آبائه وأمهاته النَّسبيَّات والرِّضاعيَّات، لأنَّهن عمَّات المرتضع وخالاته من الرِّضاعة.

11 - حلائل صاحب اللبن، لأنَّهن حلائل أبيه.

المبحث الثَّالث: فيما يحرم على المرتضعة

(مسألة 902) تحرم المرتضعة على عدَّة من الرِّجال:

1 - صاحب اللبن، لأنَّه أبوها من الرِّضاعة، والمقصود به الأب الشَّرعي للولد الَّذي درَّ اللبن بولادته.

2 - آباء صاحب اللبن والمرضعة من النَّسب أو الرضاع، لأنَّهم أجدادها من الرِّضاعة.

3 - أولاد صاحب اللبن من النَّسب أو الرِّضاع وإن نزلوا، لأنَّها تكون أختهم أو عمَّتهم أو خالتهم، وكذلك أولاد المرضعة ولادة وأولادهم نسباً أو رضاعاً، وأمَّا أولاد المرضعة رضاعاً فإن لم يكونوا أولاداً لصاحب اللبن نسباً أو رضاعاً لم يحرموا عليها.

4 - أخوة صاحب اللبن من النَّسب أو الرِّضاع، لأنَّهم أعمامها من الرِّضاعة.

5 - أعمام صاحب اللبن وأخواله وأعمام آبائه وأمَّهاته من النَّسب والرِّضاع، لأنَّهم إمَّا أن يكونوا أعمامها أو أخوالها.

المبحث الرَّابع: في أحكام الرِّضاع

(مسألة 903) تحرم بنات المرتضع - أو المرتضعة - النَّسبيَّات والرِّضاعيَّات وإن نزلت على آبائه وأخوته وأعمامه وأخواله من الرِّضاعة.

ص: 301

(مسألة 904) تحرم على أبناء المرتضع أو المرتضعة أمَّهاته وأخواته وخالاته وعمَّاته من الرضاعة.

(مسألة 905) لا يجوز أن يتزوَّج أبو المرتضع أو المرتضعة بنات المرضعة النَّسبيَّات وإن نزلن، والأولى أن لا يتزوَّج بناتها الرَّضاعيَّات، وإن كان يحرم عليه أن ينظر منهنَّ إلى ما لا يحل النَّظر إليه لغير المحارم.(مسألة 906) لا يجوز - على الأحوط - أن يتزوَّج أبو المرتضع أو المرتضعة بنات صاحب اللبن النَّسبيَّات والرِّضاعيَّات.

(مسألة 907) لا تحرم أخوات المرتضع والمرتضعة على صاحب اللبن ولا على آبائه وأبنائه وأعمامه وإخوانه، والأولى أن لا يتزوَّج صاحب اللبن بهنَّ.

(مسألة 908) لا تحرم المرضعة وبناتها وسائر أقاربها من النِّساء على أخوة المرتضع والمرتضعة، كما لا تحرم عليهم بنات صاحب اللبن وسائر أقاربه من النِّساء.

(مسألة 909) إذا تزوَّج امرأة ودخل بها حرمت عليه بنتها الرِّضاعيَّة، كما تحرم عليه بنتها النَّسبيَّة، وإذا تزوَّج امرأة حرمت عليه أمُّها الرِّضاعيَّة وإن لم يكن دخل بها كما تحرم عليه أمُّها النَّسبيَّة.

(مسألة 910) لا فرق في نشر الحرمة بالرِّضاع بين ما إذا كان الرِّضاع سابقاً على العقد وما إذا كان لاحقاً له، مثلاً: إذا زوَّج الولي صغيراً من صغيرة فأرضعتها أم الصَّغير أو زوجة أبيه أو زوجة جدَّه صاحب اللبن بطل العقد وحرمت الصَّغيرة عليه، لأنَّها تكون أخته أو عمَّته أو خالته.

(مسألة 911) إذا أرضعت المرأة طفلاً لزوج بنتها سواء أكان الطِّفل من بنتها أم من ضرَّتها بطل عقد البنت وحرمت على زوجها مؤبَّداً، لأنَّه يحرم على أبي المرتضع بنات المرضعة النَّسبيَّات كما مرَّ، وأمَّا إذا أرضعت المرأة طفلاً لابنها لم يبطل عقد الابن على

ص: 302

زوجته ولم تحرم عليه، نعم يترتَّب عليه سائر الآثار كحرمة المرتضع أو المرتضعة على أولاد عمِّه وعمَّته لصيرورته عمَّاً أو عمَّة لأولاد عمِّه وخالاً أو خالة لأولاد عمَّته.

(مسألة 912) إذا أرضعت زوجة الرَّجل بلبنه طفلاً لزوج بنته سواء أكان الطِّفل من بنته أم من ضرَّتها بطل عقد البنت وحرمت على زوجها مؤبَّداً بناءاً على أنَّه يحرم على أبي المرتضع بنات صاحب اللبن.

(مسألة 913) يعتبر في تحقُّق الأخوَّة الرِّضاعيَّة بين مرتضعين اتِّحاد صاحب اللبن، فإذا أرضعت امرأة صبيَّاً رضاعاً كاملاً ثمَّ طلَّقها زوجها وتزوَّجت من آخر وولدت منه وتجدَّد لديها اللبن - لأجل ذلك - فأرضعت به صبيَّة رضاعاً كاملاً لم تحرم هذه الصبيَّة على ذلك الصَّبي ولا أولاد أحدهما على أولاد الآخر، لاختلاف اللَّبنين من ناحية تعدُّد الزَّوج كما سبق بيانه، وأمَّا إذا ولدت المرأة مرَّتين لزوج واحد وأرضعت في كل مرَّة واحداً معهما أو مع كل منهما أصبح الطِّفلان أخوين وحرم أحدهما على الآخر كما يحرم الرَّضيع على المرضعة والرَّضيعة على زوجها، وكذلك الحال إذا كان للرَّجل زوجتان ولدتا منه وأرضعت كل منهما واحداً منهما، فإنَّ أحد الطِّفلين يحرم على الآخر كما يحرمان على المرضعتين وزوجهما، فالمناط - إذن - في حرمة أحد الطِّفلين على الآخر بالرِّضاعة وحدة الرَّجل المنتسب إليه اللبن الَّذي ارتضعا منه، سواء اتِّحدت المرضعة أم تعدَّدت، نعم يعتبر أن يكون تمام الرِّضاع المحرَّم من امرأة واحدة كما تقدَّم.

(مسألة 914) إذا حرم أحد الطِّفلين على الآخر بسبب ارتضاعهما من لبن منتسب إلى رجل واحد لم يؤدِّ ذلك إلى حرمة أخوَّة أحدهما على أخوات الآخر، ولا إلى حرمة الأخوَّة على المرضعة.

(مسألة 915) لا يجوز الزَّواج ببنت أخ الزَّوجة وبنت أختها من الرِّضاعة إلاَّ برضاها، كما لا يجوز الزَّواج بهما من النَّسب إلاَّ برضاها، فإنَّ الرِّضاع بمنزلة النَّسب، وكذلك الأخت الرِّضاعيَّة بمنزلة الأخت النَّسبيَّة فلا يجوز الجمع بين الأختين

ص: 303

الرِّضاعيَّتين، كما لا يجوز الجمع بين الأختين النَّسبيَّتين، ويحرم على من ارتكب فاحشة اللواط ببنت الملوط وأمُّه وأخته الرَّضاعيَّات، كما هو الحال في النَّسبيَّات.

(مسألة 916) لا تحرم المرأة على زوجها فيما إذا أرضعت بلبنه من أقربائها أخاها أو أولاد أخيها، أو أختها أو أولاد أختها، أو عمِّها أو خالها أو أولادهما أو عمَّتها أو خالتها أو أولادهما أو ابن ابنها، وكذلك لا تحرم المرأة على زوجها فيما إذا أرضعت بلبنه من أقربائه أخاه أو أخته أو عمِّه أو عمِّته أو خاله أو خالته أو ولد بنته من زوجته الأخرى أو ولد أخته.

(مسألة 917) لا تحرم على الرَّجل امرأة أرضعت طفل عمَّته أو طفل خالته، وإن كان الأحوط الأولى ترك الزَّواج منها، كما لا تحرم عليه زوجته إذا ارتضع ابن عمِّها من زوجة أخرى له.

(مسألة 918) لا توارث في الرِّضاع فيما يتوارث به من النَّسب.

(مسألة 919) الأم أحق بإرضاع ولدها من غيرها، فليس للأب تعيين غيرها لإرضاعالولد، إلاَّ إذا طالبت بأجرة وكانت غيرها تقبل الإرضاع بأجرة أقل أو بدون أجرة، فإنَّ للأب حينئذٍ أن يسترضع له أخرى، وإن كان الأفضل أن لا يفعل ذلك ويتركه مع أمِّه لأنَّها خير له وأرفق به كما ورد في الخبر.

(مسألة 920) الأولى امتناع النِّساء من الاسترسال في إرضاع الأطفال، حذراً من نسيانهنَّ علاقات من ارتضع منهنَّ بتفصيل، وحصول الزَّواج المحرَّم عنه بلا التفات إلى العلاقة الرِّضاعيَّة المحرَّمة من غيرها.

(مسألة 921) لا يجوز للزَّوجة إرضاع ولد الغير إذا زاحم ذلك حق زوجها إلاَّ أن يأذن لها في ذلك.

(مسألة 922) ذكر بعض الفقهاء (رضوان الله عليهم) أنَّه يمكن لأحد الأخوين أن

ص: 304

يجعل نفسه محرَّماً على زوجة الآخر عن طريق الرِّضاع، وذلك بأن يتزَّوج طفلة ثمَّ ترضع من زوجة أخيه لتصير المرضعة أم زوجته، وبذلك تندرج في محارمه فيجوز له النَّظر إليها فيما يجوز النَّظر إلى المحارم، ولا يجب عليها التَّستُّر عنه مثلما يلزمها التَّستُّر عن الأجنبي، ولكن هذا محل إشكال لكون الطِّفلة في رضاعها تكون ابنة أخيه، إلاَّ إذا كان الرِّضاع بلبن رجل آخر غير الأخ فإنَّه يحقِّق الغرض المذكور، كما لو كان للمرأة زوج سابق قد أرضعت صبيَّة بلبنه فتزوَّجها أخو زوجها الثَّاني فإنَّه تحرم عليه المرضعة أي زوجة الأخ لأنَّها تصبح أم زوجته من الرِّضاعة.

(مسألة 923) إذا اعترف الرَّجل بحرمة امرأة أجنبيَّة عليه بسبب الرِّضاع وأمكن صدقه لم يسعه أن يتزوَّجها، وإذا ادَّعى حرمة المرأة عليه - بعد أن عقد عليها - وصدَّقته المرأة حكم ببطلان العقد وثبت لها مهر المثل إذا كان قد دخل بها ولم تكن عالمة بالحرمة وقتئذٍ، وأمَّا إذا لم يكن قد دخل بها أو كان قد دخل بها مع علمها بالحرمة فلا مهر لها، ونظير اعتراف الرَّجل بحرمة المرأة اعتراف المرأة بحرمة رجل عليها قبل العقد أو بعده، فيجري فيه التَّفصيل الآنف الذكر.

(مسألة 924) يثبت الرِّضاع المحرَّم بأمرين:

الأوَّل: إخبار شخص أو أكثر يوجب العلم أو الاطمئنان بوقوعه.

الثَّاني: شهادة عدلين على وقوع الرِّضاع المحرَّم بالتَّفصيل المتقدِّم، كأن يشهدا على خمس عشرة رضعة متوالية ونحو ذلك، وفي ثبوته بشهادة رجل مع امرأتين أو نساء أربع إشكال، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في مثله.

(مسألة 925) إذا لم يعلم بوقوع الرِّضاع أو كماله حكم بعدمه، وإن كان الاحتياط مع الظن بوقوعه كاملاً - بل مع احتماله - حسناً.

ص: 305

المبحث الخامس: في آداب الرِّضاع

(مسألة 926) ينبغي أن يختار - لرضاع الولد - المرضعة المؤمنة العاقلة ذات الصِّفات الحميدة خَلقاً وخُلقاً ومنها العفَّة، ففي الخبر عن علي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (أنظروا من يرضع أولادكم فإنَّ الولد يشب عليه)، ولا ينبغي أن تسترضع الكافرة والحمقاء والعمشاء وقبيحة الوجه، كما يكره استرضاع الزَّانية من اللبن الحاصل من الزَّنا أو المرأة المتولِّدة من الزِّنا.

(مسألة 927) يحسن إرضاع الولد واحداً وعشرين شهراً على الأقل، ولا ينبغي إرضاعه أقل من ذلك، كما لا ينبغي إرضاعه فوق حولين كاملين، ولو اتَّفق أبواه على فطامه قبل ذلك كتمام الحولين كان حسناً.

ص: 306

كتاب الطَّلاق

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: شروط الطَّلاق

(مسألة 928) يُشترط في المطلِّق أمور:

1 - البلوغ، فلا يصح طلاق الصَّبي المميِّز إلاَّ إذا بلغ حتَّى لو لم يصل إلى سنِّ الخامسة عشر، وأمَّا طلاق من بلغ السنة العاشرة فلا يترك مقتضى الاحتياط فيه لندرة بلوغ أمثاله، وليس لولي الصَّبي الطَّلاق عنه.

2 - العقل، فلا يصح طلاق المجنون وإن كان جنونه ادواريَّاً إذا كان الطَّلاق في دور جنونه، نعم لوليِّه الطَّلاق عنه مع مراعاة الغبطة له.

3 - الاختيار، فلا يصح طلاق المكره ومَن بحكمه وإن تعقَّبه الرِّضا.

4 - قصد الفراق حقيقة بالصِّيغة، فلا يصح الطَّلاق إذا صدرت الصِّيغة من السَّكران ونحوه ممَّن ليس له قصد معتد به كالعصبي إذا فقد قصده، كما لا تصح لو تلفَّظ بها في حالة النَّوم، أو هزلاً، أو سهواً.

(مسألة 929) إذا طلَّق ثمَّ ادَّعى عدم القصد فيه أو الإكراه عليه فإن صدَّقته المرأة فهو وإلاَّ لم يسمع منه.

(مسألة 930) لا يجوز الطَّلاق ما لم تكن المطلَّقة طاهرة من الحيض والنَّفاس، وتستثنى من ذلك موارد:

الأوَّل: أن لا يكون الزَّوج قد جامع زوجته حين طهرها السَّابق وهو ما مقتضاه عدم المانع من إيقاعه أثناء الحيض الَّذي يليه على اشكال مقتضاه الاحتياط بتجديد الطَّلاق في الطُّهر الَّذي بعده، وهذا الطَّلاق يسمَّى رجعيَّاً، وأمَّا إذا لم يدخل بها أصلاً

ص: 307

فإنَّه يكون بائناً.

الثَّاني: أن تكون الزَّوجة مستبينة الحمل، فإن لم يستبن حملها وطلَّقها زوجها - وهي حائض - ثمَّ علم أنَّها كانت حاملاً بناءاً على مجامعة الحيض للحمل كما هو الظَّاهر - وقتئذٍ - بطل طلاقها للزوم كونها حائلاً إذا دخل بها حين اشتراط خلوِّها من الحيض لطلاقها، وإن كان الأولى رعاية الاحتياط في ذلك ولو بتطليقها ثانياً عند الاستبانة.

الثَّالث: أن يكون الزَّوج غائباً أو نحوه، والمناط انفصاله عن زوجته بحيث لا يعلم حالها من حيث الطهر والحيض، فإنَّه يصح منه طلاقها حينئذٍ وإن صادف أيَّام حيضها، ولكن مع توفُّر شرطين:

أحدهما: أن لا يتيسَّر له استعلام حالها ولو من جهة الاطمئنان الحاصل من العلم بعادتها الوقتيَّة أو بغيره من الأمارات الشَّرعيَّة.

ثانيهما: أن تمضي على انفصاله عنها على الأحوط وجوباً مدَّة ثلاثة أشهر، ولو طلَّقها ولم يتوفَّر الشَّرطان وصادف أيَّام حيضها لم يحكم بصحَّة الطَّلاق.

وإذا انفصل الزَّوج عن زوجته وهي حائض لم يجز له طلاقها إلاَّ بعد مضي مدَّة يقطعبانقطاع ذلك الحيض وعدم طروء حيض آخر، ولو طلَّقها بعد ذلك في زمان لم يعلم بكونها حائضاً صحَّ طلاقها بالشَّرطين المتقدِّمين.

وإذا طلَّق الزَّوج زوجته في غير هذه الصُّور المستثناة الثَّلاث - وهي حائض - لم يجز الطَّلاق، وإن طلَّقها باعتقاد أنَّها حائض فبانت طاهرة صحَّ الطَّلاق.

(مسألة 931) كما لا يجوز طلاق المرأة في الحيض والنَّفاس كذلك لا يجوز طلاقها في طهر قد قاربها فيه كما أشرنا ولو بغير إنزال، فلو قاربها في طهر أو قبل طهرها لزمه الانتظار حتَّى تحيض وتطهر ثمَّ يطلِّقها بدون مواقعة، ويستثنى من ذلك الصَّغيرة واليائسة فإنَّه يجوز طلاقهما في طهر المواقعة، وكذلك الحامل المستبين حملها كما مرَّ، وأمَّا المسترابة الَّتي لا تحيض ومثلها تحيض فلا يجوز طلاقها إذا واقعها الزَّوج إلاَّ بعد أن

ص: 308

يعتزل عنها ثلاثة أشهر.

وإذا انفصل الزَّوج عن زوجته في طهر واقعها فيه لم يجز له طلاقها ما دام يعلم بعدم انتقالها من ذلك الطهر إلى طهر آخر، وأمَّا مع الشَّك فيجوز له طلاقها بالشَّرطين المتقدِّمين في المسألة السَّابقة وإن انكشف وقوعه في طهر المواقعة.

(مسألة 932) لا يقع الطَّلاق إلاَّ بالصِّيغة الخاصَّة الدَّالة على تعيين المطلقة والمشتملة على لفظ (طالق) كأن يقول الزَّوج مثلاً (زوجتي فلانة طالق) أو يخاطب زوجته ويقول (أنت طالق) أو يقول وكيله (زوجة موكِّلي فلانة طالق) وإذا كانت الزَّوجة معيَّنة لم يلزم ذكر اسمها، ولا يقع الطَّلاق بما يرادف الصِّيغة المذكورة من سائر اللغات مع القدرة على إيقاعه بتلك الصِّيغة، وأمَّا مع العجز عنه وعدم تيسُّر التَّوكيل أيضاً فيجزي إيقاعه بما يرادفها بأي لغة كانت، ويشترط في صحَّة الطَّلاق إيقاعه بمحضر عدلين ذكرين مجتمعين يسمعان الإنشاء.

(مسألة 933) لا يصح طلاق المستمتع بها، بل فراقها يتحقَّق بانقضاء المدَّة أو بذل الزَّوج لها، بأن يقول الرَّجل: (وهبتك مدَّة المتعة) ولا يعتبر في صحَّة البذل الإشهاد، ولا خلوها من الحيض والنَّفاس.

المبحث الثَّاني: عدَّة الطَّلاق

(مسألة 934) لا عدَّة على الصَّغيرة الَّتي لم تكمل التِّسع وإن دخل بها زوجها، وكذلك اليائسة - وهي الَّتي بلغت خمسين سنة قمريَّة في غير القرشيَّة أو العلوية وكذلك القرشيَّة أو العلويَّة إذا بلغت الستِّين سنة وقد انقطع عنها الدَّم ولا يرجى عوده لكبر السن -، فيسمح لهما بالزَّواج بمجرَّد الطَّلاق، وكذلك من لم يدخل بها زوجها وإن كانت بالغة إلاَّ إذا دخل ماؤه في فرجها بجذب أو نحوه فإنَّ عليها العدَّة منه.

ص: 309

(مسألة 935) إذا طلَّق الرَّجل زوجته المدخول بها الَّتي تحيض ومن بحكمها - غير الصَّغيرة واليائسة - وجبت عليها العدَّة، وعدَّة غير الحامل - الَّتي يكون الطهر الفاصل بين حيضتين منها أقل من ثلاثة أَشهر - ثلاثة أطهار، ويحسب الطهر الفاصل بين الطَّلاق وحيضهاولو كان لحظة طهراً واحداً، فتنقضي عدَّتها برؤية الدَّم الثَّالث.

(مسألة 936) المطلَّقة الحامل عدَّتها مدَّة حملها، فتنقضي بوضع الحمل تامَّاً أو سقطاً - حتَّى العلقة - ولو كان بعد الطَّلاق بساعة، ولكن يعتبر في ذلك إلحاق الولد بذي العدَّة في الانتساب، فلو لم يلحق به كما لو حملت من الزِّنا لم يكن وضعه موجباً للخروج عن العدَّة منه، بل تكون عدَّتها بالأقراء أو الشُّهور.

(مسألة 937) إذا حملت باثنين فانقضاء عدَّتها بوضع الأخير منهما.

(مسألة 938) المطلَّقة غير الحامل إذا كانت مسترابة - وهي الَّتي لا تحيض مع كونها في سن من تحيض ولو لانقطاع حيضها لمرض أو رضاع أو استعمال دواء ونحو ذلك - عدَّتها ثلاثة أشهر، ومثلها من يكون الطهر الفاصل بين حيضتين منها ثلاثة أشهر أو أزيد، فإذا طلَّقها في أوَّل الشَّهر اعتدَّت إلى ثلاثة أشهر هلاليَّة، وإذا طلَّقها في أثناء الشَّهر اعتدَّت بقيَّة شهرها وشهرين هلاليين آخرين ومقداراً من الشَّهر الرَّابع تكمِّل به نقص الشَّهر الأول ثلاثين يوماً على الأحوط، فمن طلِّقت في غروب اليوم العشرين من شهر رجب - مثلاً - وكان الشَّهر تسعة وعشرين يوماً وجب عليها أن تعتد إلى اليوم الحادي والعشرين من شوَّال، ليكتمل بضمِّه إلى أيَّام العدَّة من رجب ثلاثون يوماً.

(مسألة 939) عدَّة المتمتَّع بها إذا كانت بالغة مدخولاً بها غير يائسة حيضتان كاملتان، ولا تكفي حيضة واحدة على الأحوط لزوماً، وأمَّا من لا تحيض لمرض أو رضاع ونحوه فعدَّتها خمسة وأربعون يوماً، وعدَّة الحامل المتمتَّع بها وضع حملها.

(مسألة 940) ابتداء عدَّة الطَّلاق من حين وقوعه، فلو طلِّقت المرأة - وهي لا تعلم

ص: 310

به - فعلمت به والعدَّة - وهي المدَّة المطلوبة - قد انقضت جاز لها الزَّواج دون أن تنتظر مضي زمان ما، وإذا علمت بالطَّلاق - أثناء العدة - أكملتها، ومثلها المتمتَّع بها، فإنَّ ابتداء عدَّتها من حين انقضاء المدَّة أو هبتها وإن لم تعلم بهما.

المبحث الثَّالث: الطَّلاق البائن والرَّجعي

(مسألة 941) الطَّلاق البائن ما ليس للزَّوج بعده الرُّجوع إلى الزَوجة إلاَّ بعقد جديد وهو ستَّة:

1 - طلاق الصَّغيرة الَّتي لم تبلغ التِّسع.

2 - طلاق اليائسة.

3 - الطَّلاق قبل الدخول.

4 - الطَّلاق الَّذي سبقه طلاقان إذا وقع منه رجوعان - أو ما بحكمهما - في البين دون ما لو وقعت الثَّلاثة متوالية بدون رجوع.

5 - طلاق الخلع والمباراة مع عدم رجوع الزَّوجة فيما بذلت، وإلاَّ كانت له الرَّجعة كما سيأتي.

6 - طلاق الحاكم زوجة الممتنع عن الطَّلاق اللازم وعن الإنفاق عليها.

وستمر عليك أحكام تلك الأقسام، وأمَّا غير الأقسام المذكورة فهو طلاق رجعي، وهو الَّذي يحق للمطلِّق بعده أن يراجع المطلَّقة ما دامت في العدَّة.

(مسألة 942) تثبت النَّفقة والسُّكنى لذات العدَّة الرَّجعيَّة خلال عدَّتها، ويجب عليها أن تمكِّنه من نفسها في الاستمتاعات الَّتي يستحقُّها الزَّوج، ويستحب لها التَّزين له، ويحرم عليها أن تخرج من دارها بدون إذنه، إلاَّ في حاجة لازمة، كما يحرم عليه إخراجها من دار سكناها عند الطَّلاق إلاَّ أن تأتي بفاحشة مبيَّنة وأبرزها الزِّنا.

ص: 311

المبحث الرَّابع: الرَّجعة وحكمها

(مسألة 943) الرَّجعة عبارة عن (ردِّ المطلَّقة الرَّجعية في زمان عدَّتها إلى نكاحها السَّابق)، فلا رجعة في البائنة ولا في الرَّجعية بعد انقضاء عدَّتها، وتتحقَّق الرَّجعة بأحد أمرين:

الأوَّل: أن يتكلَّم بكلام دال على إنشاء الرُّجوع كقوله (راجعتك) ونحوه.

الثَّاني: أن يأتي بفعل يقصد به الرجوع إليها، فلا يتحقَّق بالفعل الخالي عن قصد الرُّجوع حتَّى مثل النَّظر بشهوة، نعم في تحقُّقه باللمس والتَّقبيل بشهوة من دون قصد الرُّجوع إشكال، فلا يترك مراعاة الاحتياط بتجديد العقد أو الطَّلاق، وأمَّا الوطء فالظاهر تحقُّق الرُّجوع به مطلقاً وإن لم يقصد به ذلك.

(مسألة 944) لا يعتبر الإشهاد في الرَّجعة وإن كان أفضل، كما لا يعتبر فيها اطلاعالزَّوجة عليها، وعليه فلو رجع بها عند نفسه من دون اطلاع أحد صحَّت الرَّجعة وعادت المرأة إلى نكاحها السَّابق.

(مسألة 945) إذا طلَّق الرَّجل زوجته طلاقاً رجعيَّاً ثمَّ صالحها على أن لا يرجع إليها بإزاء مال أخذه منها صحَّت المصالحة ولزمت، ولكنَّه مع ذلك لو رجع إليها بعد المصالحة صحَّ رجوعه في المدَّة الخاصَّة للعِدَّة، وبالأخص لو رجعت عن بذلها لو كان بائناً بالبذل كما سيأتي.

(مسألة 946) لو طلَّق الرَّجل زوجته ثلاثاً مع تخلُّل رجعتين أو عقدين جديدين أو عقد جديد ورجعة في البين حرمت عليه حتَّى تنكح زوجاً غيره.

(مسألة 947) يعتبر في زوال التَّحريم بالنِّكاح الثَّاني أُمور:

الأوَّل: أن يكون العقد دائماً لا متعة.

ص: 312

الثَّاني: أن يطأها الزَّوج الثَّاني، والأحوط لزوماً أن يكون الوطء في القبل، وإن كان يمكن الاكتفاء به من غيره وهو الدبر مع كراهيَّته أو حرمته.

الثَّالث: أن يكون الزَّوج الثَّاني بالغاً حين الوطء، فلا يكفي كونه مراهقاً على الأحوط لزوماً.

الرَّابع: أن يفارقها الزَّوج الثَّاني بموت أو طلاق.

الخامس: انقضاء عدَّتها من الزَّوج الثَّاني.

المبحث الخامس: الطَّلاق الخلعي

(مسألة 948) الخلع هو (الطَّلاق بفدية من الزَّوجة الكارهة لزوجها)، ويعتبر فيه بلوغ كراهتها حدَّاً يحملها على تهديد زوجها بعدم رعاية حقوقه الزَّوجيَّة وعدم إقامة حدود الله فيه.

(مسألة 949) صيغة الخلع أن يقول الزَّوج - بعد أن تقول الزَّوجة لزوجها: بذلت لك مهري أو الشَّي الفلاني على أن تطلِّقني (زوجتي فلانة طالق على ما بذلت) أو يقول (زوجتي فلانة خالعتها أو مختلعة - بالكسر - على ما بذلت)، والأحوط الأولى عندئذ أن يعقبه بكلمة (هي طالق)، وإذا كانت الزَّوجة معيَّنة لم يلزم ذكر اسمها في الخلع.

(مسألة 950) إذا وكَّلت المرأة أحداً في بذل مهرها لزوجها ووكَّله زوجها أيضاً في طلاقها قال الوكيل (عن موكلتي فلانة بذلْتُ مهرها لموكِّلي فلان ليخلعها عليه)، ويعقبه بقوله (زوجة موكِّلي طالق أو خالعتها أو مختلعة - بالكسر - على ما بذلت)، ولو وكَّلت الزَّوجة شخصاً في بذل شيء آخر غير المهر لزوجها يذكره الوكيل مكان كلمة المهر مثلاً إذا كان المبذول مائة دينار قال الوكيل (عن موكِّلتي بذلتُ مائة دينار لموكلي فلاناً

ص: 313

ليخلعها عليه)، ثمَّ يعقبه بما تقدَّم.

المبحث السَّادس: المباراة وحكمها

(مسألة 951) المباراة هي (طلاق الزَّوج الكاره لزوجته بفدية من الزَّوجة الكارهة لزوجها)، فالكراهة في المباراة تكون من الطَّرفين.

(مسألة 952) صيغة المباراة أن يقول الزَّوج - بعد أن تقول الزَّوجة لزوجها بذلت لك مهري أو الشَّيء الفلاني لتطلِّقني - (زوجتي فلانة طالق على ما بذلت) أو يقول (بارأت زوجتي فلانة على ما بذلت)، والأحوط لزوماً في الصِّيغة الثَّانية أن يعقبها بقوله (فهي طالق)، ولو وكَّل غيره في إجراء هذا الطَّلاق يقول الوكيل (زوجة موكِّلي فلانة طالق على ما بذلت) أو يقول (بارأت زوجة موكِّلي فلانة على ما بذلت فهي طالق) وإذا كانت المرأة معيَّنة لم يلزم ذكر اسمها في المباراة كما عرفت نظيره في الخلع.

(مسألة 953) تعتبر العربيَّة الصَّحيحة في صيغتي الخلع والمباراة مع القدرة على إيقاعهما بها كالطَّلاق السَّابق، وأمَّا مع العجز عن ذلك وعن التَّوكيل فيجزي ما يرادفهما بأي لغة كانت، ولا تعتبر العربيَّة في بذل الزَّوجة مالها للزَّوج ليطلِّقها، بل يقع ذلك بكل لغة مفيدة للمعنى المقصود.

(مسألة 954) لو رجعت الزَّوجة عن بذلها في عدَّة الخلع والمباراة جاز للزَّوج أيضاً أن يرجع إليها، فينقلب الطَّلاق البائن رجعيَّاً.

(مسألة 955) يعتبر في المباراة أن لا يكون المبذول أكثر من المهر، بل الأحوط الأولى أن يكون أقل منه، ولا بأس بزيادته في الخلع.

ص: 314

المبحث السَّابع: الظِّهار

(مسألة 956) معنى الظِّهار في الكتاب والسنَّة ونحوهما هو أن يقول الزَّوج لزوجته مخاطباً لها (أنت عليَّ كظهر أمِّي) أمَّام شاهدين عادلين مع كماله بالبلوغ والعقل والاختيار والقصد وعدم الغضب، وإيقاع هذه الصِّيغة في طهر لم يواقع زوجته فيه إذا كان حاضراً، أو طاهرة لم تحض ومثلها تحيض، والحكم شامل للمتمتَّع بها كذلك.

ومثل هذه الصِّيغة صيغة غير المخاطبة وهي (زوجتي فلانة عليَّ كظهر أمِّي)، ونحو هذا التَّعبير ممَّا يميِّزها ولم يقع في غير المدخول بها.

(مسألة 957) الظِّهار محرِّم للزَّوجة على زوجها حين وقوعه منه عند توفُّر الشُّروط المذكورة كما هو محرَّم في نفسه كما فيما لو أوقعه للإضرار بها، ولكن لو أراد أن يقاربها بعد هذا التَّحريم فلابدَّ من دفع الكفَّارة حتَّى لو طلَّقها رجعيَّاً بعد ذلك وأراد الرُّجوع إليها، لأنَّ المحلِّل هو تلك الكفَّارة لا مجرَّد الرُّجوع بعد الَّذي وقع.

(مسألة 958) إذا انتهت عِدَّة المطلَّقة أو كان الطَّلاق بائناً وتزَّوجها بعد انقضاء العدَّة الرَّجعيَّة بعقد جديد أو حتَّى أثناء عِدَّة البائن فلا داعي لتلك الكفَّارة.

(مسألة 959) لو وطئها قبل أن يكفِّر مع وجوب التَّكفير عن عمد لزمه كفَّارتان إحداهما للوطء وثانيتهما لإرادة العود إليه مع وجوب التِّكرار أيضاً حينما يتكرَّر الوطء كما أنَّها تتكرَّر بتكرار صيغة الظِّهار مع تعدُّد المجلس ومع العجز لا يكفي الاستغفار ولو احتياطاً.

(مسألة 960) للمظاهرة حق المرافعة إلى الحاكم الشَّرعي فإن رافعت زوجها إليه أنظره ذلك الحاكم ثلاثة أشهر من حين المواقعة فيضيِّق عليه بعدها حتَّى يكفِّر أو يطلِّق بلا خلاف بل ادُّعي الإجماع والنَّص يدل عليه في الجملة.

ص: 315

(مسألة 961) كفَّارة الظِّهار هي عتق رقبة، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستِّين مسكيناً، وسوف تأتي أيضاً في كتاب الكفَّارات.

المبحث الثَّامن: الإيلاء

(مسألة 962) الإيلاء وهو الحلف على ترك وطئ الزَّوجة، ولا ينعقد بغير الحلف باسم الله تعالى، ولا لغير إضرار بالزَّوجة ولو كان لمصلحة كالحلف على ذلك لما يصلح لعافيته أو عافيتها أو كونها راجعة إلى الطِّفل لئلاَّ يقل لبن رضاعته لو حملت ثانية لم ينعقد إيلاءاً، بل انعقد يميناً وجرى حكم الأيمان لو خالف بدفع كفَّارة خلف اليمين الآتية في الحديث عن الكفَّارات.

(مسألة 963) يشترط وقوع الإيلاء - مع ما مضى - من بالغ كامل مختار قاصد متمِّكن من الإيلاج وإن كان خصيَّاً أو مجبوباً، على إشكال قويِّ فيمن لا يتمكَّن من الإيلاج، إلاَّ إذا كان مقتدراً سابقاً حين تزوُّجه منها، ومع ذلك فلابدَّ من الاحتياط بالتَّكفير عند الرُّجوع.(مسألة 964) لابدَّ أن تكون المرأة منكوحة بالدَّائم مدخولاً بها وأن يولي مطلقاً أو أزيد من أربعة أشهر دون الأقل، وبهذه الشُّروط المذكورة في هذه المسائل الثَّلاثة الماضية لو حصل الإيلاء المذكور تحرم الزَّوجة.

(مسألة 965) للزَّوجة حق مرافعة زوجها لو فعل ذلك - إن لم تصبر عن حقِّ المواقعة - إلى الحاكم الشَّرعي، فإن رافعته أنظره الحاكم إلى أربعة أشهر من حين المرافعة، فإن رجع وكفَّر بعد الوطء فبها للتَّحليل المستمر، وإلاَّ ألزمه الحاكم بالطَّلاق أو الفئة والتَّكفير ويضيَّق عليه في المطعم والمشرب حتَّى يقبل أحدهما، لتخليص الزَّوجة من هذا الإحراج المضر.

ص: 316

(مسألة 966) لو طلَّق المولِّي يقع طلاقه رجعيَّاً وبائناً على حسب اختلاف موارده.

(مسألة 967) لو آلى زوجته إلى مدَّة فدافع عن الخضوع لأداء المواقعة حتَّى خرجت المدَّة فلا كفَّارة عليه، وعليه الكفَّارة لو وطئ قبله.

(مسألة 968) لو حصل الخصام بين الزَّوجين في مثل ما مرَّ وادَّعى الزَّوج الوطء فالقول قوله مع يمينه.

(مسألة 969) رجوع القادر هو الوطء قبلاً ورجوع العاجز هو إظهار العزم على الوطء مع القدرة.

(مسألة 970) كفَّارة الإيلاء هي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيَّام كما سيأتي ذكرها مكرَّراً للتَّأكيد في باب الكفَّارات.

(مسألة 971) لا تتكرَّر الكفَّارة بتكرُّر هذا اليمين إذا كان الزَّمان المحلوف على ترك الوطء فيه واحداً.

المبحث التَّاسع: طلاق المريض

(مسألة 972) يصح طلاق المريض لزوجته ولكنَّه على كراهيَّة كالصَّحيح وبما هو أشد من الصَّحيح، فإذا طلَّقها ورثته بعد موته، سواء أكان الطَّلاق رجعيَّاً أم بائناً إذا مات قبل انتهاء السَّنة ولم يبرئ من مرضه الَّذي طلَّق فيه ولم يكن الطَّلاق بسؤالها ولم يكن خلعاً ولا مباراة ولم تتزوَّج بغيره، أمَّا إذا كان موته بخلاف هذه القيود لم ترثه.

المبحث العاشر: فراق الموت

ممَّا يُلحق بكتاب الطَّلاق في بعض الآثار فراق الموت وهو في مسائل:

ص: 317

(مسألة 973) إذا توفِّي الزَّوج وجبت على زوجته العدَّة مهما كان عمر الزَّوجة فتعتد الصَّغيرة والبالغة واليائسة على السَّواء، من دون فرق بين الزَّوجة المنقطعة والدَّائمة والمدخول بها وغيرها، ويختلف مقدار العدَّة تبعاً لوجود الحمل وعدمه، فإذا لم تكن الزَّوجة حاملاً اعتدَّت أربعة أشهر وعشرة أيَّام، وإذا كانت حاملاً كانت عدَّتها أبعد الأجلين من هذه المدَّة ووضع الحمل، فتستمر الحامل في عدَّتها إلى أن تضع ثمَّ ترى، فإن كان قد مضى على وفاة زوجها - حين الوضع - أربعة أشهر وعشرة أيَّام فقد انتهت عدَّتها، وإلاَّ استمرَّت في عدَّتها إلى أن تكمل هذه المدَّة، ومبدأ عدة الوفاة - فيما إذا لم يبلغها خبر وفاته إلاَّ بعد مدة لسفر أو مرض أو حبس أو غير ذلك - من حين بلوغ خبر الموت إلى الزَّوجة، دون زمان الوفاة واقعاً لا كالمطلقة، على إشكال في المجنونة والصَّغيرة فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيهما.

(مسألة 974) كما يجب على الزَّوجة أن تعتد عند وفاة زوجها، كذلك يجب عليها - إذا كانت بالغة عاقلة - الحداد، بترك ما يُعدُّ زينة لها، سواء في البدن أو الثياب، فيحرم عليهالبس الأحمر والأصفر ونحوهما، واستخدام الحلي والتَّزين بالكحل والطِّيب والخضَّاب، وما إلى ذلك ممَّا يُعدُّ زينة الزَّوجات بحسب العرف الاجتماعي الَّذي تعيشه المرأة.

(مسألة 975) إذا غاب الزَّوج عن زوجته وبعد ذلك تأكَّدت الزَّوجة لقرائن خاصَّة من موت زوجها في غيبته كان لها أن تتزوَّج بآخر بعد انتهاء عدَّتها، فلو تزوَّجت شخصاً آخر ودخل بها ثمَّ ظهر أنَّ زوجها الأوَّل مات بعد زواجها من الثَّاني وجب عليها الانفصال من زوجها الثَّاني والاعتداد منه عدَّة وطء الشُّبهة، وهي تماثل عدَّة الطَّلاق، وتعتد من الأوَّل عدَّة الوفاة، ولا تتداخل العدَّتان على الأحوط وجوباً، وعليه فإذا كانت حاملاً اعتدَّت منه عدَّة وطء الشُّبهة إلى أن تضع حملها، ثمَّ تعتد أربعة أشهر وعشراً عدَّة الوفاة لزوجها الأوَّل، وأمَّا إذا لم تكن حاملاً فتعتد أوَّلاً عدَّة الوفاة للزَّوج

ص: 318

الأوَّل ثمَّ تعتد عدَّة وطء الشُّبهة للثَّاني.

(مسألة 976) إذا ادَّعت المرأة انقضاء عدَّتها قبلت دعواها، ويجوز الزَّواج بها ما لم تكن متَّهمة على الأحوط لزوماً، كأن تكون دعواها مخالفة للعادة الجارية بين النِّساء، كما لو ادَّعت أنَّها حاضت في شهر واحد ثلاث مرَّات فإنَّها لا تصدَّق، إلاَّ إذا شهدت النِّساء من بطانتها بأنَّ عادتها كانت فيما مضى كذلك، بناءً على ثبوت أنَّ أقل الطُّهر عشرة أيَّام قد حصلت فيها على ندرته.

المبحث الحادي عشر: مسائل متفرِّقة في الطَّلاق

(مسألة 977) إذا وطئ الرَّجل امرأة شبهة باعتقاد أنَّها زوجته اعتدَّت عدَّة الطَّلاق على التَّفصيل المتقدِّم، سواء تخيَّلت المرأة أنَّ الرَّجل زوج لها أم علمت بكونه أجنبيَّاً عنها، ومبدأ عدَّة وطء الشُّبهة المجرَّدة عن الزَّواج حين الفراغ من الوطء، وأمَّا إذا كان مع الزَّواج الفاسد فمبدؤها من حين تبين الحال على الأحوط لزوماً.

(مسألة 978) إذا زنى بامرأة - أي وطأها مع العلم بكونها أجنبيَّة - لم تجب عليها العدَّة مع علمها بالحال أيضاً، لكن لا تحل لغيره إلاَّ بعد رؤية الدَّم ولو حيضة، وأمَّا إذا اعتقدت أنَّه زوجها ثمَّ تبيَّن الخلاف فالأحوط لزوماً ثبوت العدَّة عليها.

(مسألة 979) لو اشترطت الزَّوجة على زوجها في عقد الزَّواج أن يكون اختيار الطَّلاق بيدها مطلقاً أو إذا سافر أو إذا لم ينفق عليها بطل الشَّرط، وأما إذا اشترطت عليه أن تكون وكيلة عنه في طلاق نفسها مطلقاً أو إذا سافر أو إذا لم ينفق عليها صح الشَّرط وصحَّ طلاقها حينئذٍ.

(مسألة 980) طلاق زوجة المجنون المطبق - سواء بلغ كذلك أو عرض عليه الجنون بعد البلوغ - بيد أبيه وجدِّه لأبيه، فيجوز لهما الطَّلاق مع مراعاة مصلحته، فإن لم يكن

ص: 319

له أب ولا جد كان الأمر بيد الحاكم الشَّرعي.

(مسألة 981) لو اعتقد الرَّجل بعدالة رجلين وطلَّق زوجته عندهما جاز لغيره أن يتزوَّجها بعد انقضاء عدَّتها وإن لم يحرز هو عدالة الشَّاهدين، بل يكفي أن يحتمل إحراز المطلِّق عدالتهما فيبني على صحَّة الطَّلاق ما لم ينكشف الخلاف، ولا يجب الفحص عن حالهما بأكثر ممَّا يظهر ولو من إحراز المطلِّق فقط.

(مسألة 982) لا يعتبر في صحَّة الطَّلاق إطلاع الزَّوجة عليه فضلاً عن رضاها به، نعم لو عرفها مرجعها الشَّرعي ببطلانه عليها أن تتمسَّك بالزَّوجيَّة ونحو ذلك.

(مسألة 983) المفقود المنقطع خبره عن أهله الَّذي لا تعلم زوجته حياته ولا موته إن كان له مال ينفق منه عليها أو يقوم وليُّه بالإنفاق عليها من مال المفقود لزمها الصَّبر والانتظار، إلى أن يرجع إليها أو يأتيها خبر موته أو طلاقه، وليس لها المطالبة بالطَّلاق قبل ذلك وإن طالت المدَّة.

وأمَّا إذا لم يكن للزَّوج مال ينفق منه على زوجته ولا ولي يُنفِق عليها من مال نفسالزَّوج جاز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشَّرعي فيؤجِّلها أربع سنين ويأمر بالفحص عنه خلال هذه المدَّة، فإن انقضت السَّنوات الأربع ولم تتبيَّن حياته ولا موته أمر الحاكم وليَّه بطلاقها، فإن لم يقدم على الطَّلاق ولم يمكن إجباره عليه طلَّقها الحاكم بنفسه أو بوكيله فتعتد أربعة أشهر وعشرة أيَّام عِدَّة الوفاة على الأحوط، فإذا خرجت من العدَّة صارت أجنبيَّة عن زوجها وجاز لها أن تتزوَّج ممَّن تشاء.

(مسألة 984) إذا رفعت زوجة المفقود أمرها إلى الحاكم الشَّرعي بعد أربع سنوات مثلاً من فقد زوجها مع قيامها بالفحص عنه خلال تلك المدَّة واطمئنَّ الحاكم بذلك وأمضاه أمر الحاكم بتجديد الفحص عنه مقداراً ما - ولو احتياطاً مع احتمال ترتُّب الفائدة عليه -، فإذا لم يبلغ عنه خبر أمر بطلاقها على ما تقدَّم.

وإذا تبيَّن بعد الطَّلاق وانقضاء العدَّة عدم تحقُّق الفحص على وجهه - أو تبيَّن عدم

ص: 320

وقوع بعض المقدِّمات الأخرى على الوجه المعتبر شرعاً - لزم التَّدارك والاستئناف، وإذا كان ذلك بعد تزوجها من الغير كان زواجها باطلاً، وإن كان الزَّوج الثَّاني قد دخل بها جاهلاً بالحال حرمت عليه أبداً على الأحوط، نعم إذا تبيَّن أنَّ العقد عليها وقع بعد موت زوجها المفقود وقبل أن يبلغ خبره إليها فالعقدُ وإن كان باطلاً إلاّ أنَّه لا يوجب الحرمة الأبديَّة حتَّى مع الدُّخول.

المبحث الثَّاني عشر: القذف واللِّعان

(مسألة 985) اللِّعان هو ملاعنة الزَّوج لزوجته وبالعكس، بمعنى دعاء كلِّ منهما على نفسه أمام الحاكم الشَّرعي إن كان من الكاذبين في أمر سبب اللِّعان الآتي ذكره.

(مسألة 986) سبب اللِّعان قذف الزَّوج لزوجته بالزِّنا مع ادِّعاء المشاهدة وعدم البيِّنة أو إنكاره ولداً يلحق به منها ظاهراً، لأنَّه وُلد على فراشه، ولذلك لا يمكن تحمُّل هذا الاتِّهام لها بالزِّنا أو بنكران الولد، إلاَّ إذا أقرَّت بذلك أو شهد بذلك أربع شهود عدول على تفصيل في محلِّه أو أن يجري اللِّعان الحافظ للنَّواميس ولو ظاهراً، ولو لم تثبت شيئاً من ذلك فعليه الحد للفرية الآتي في الحدود.

(مسألة 987) لو قذف زوجته بما مرَّ وكان عنده أربع شهود لا يجوز منه اللِّعان.

(مسألة 988) أثر القذف ثمَّ اللِّعان هو الحرمة المؤبَّدة ما بين الزَّوجة وزوجها حينما يحصلان.

(مسألة 989) يشترط في المتلاعنيَن التَّكليف وسلامة المرأة من الصَّمم والخرس ودوام النِّكاح والدُّخول وعدم شهرتها بالزِّنا أو الفحشاء.

(مسألة 990) صورة اللِّعان أن يقول الرَّجل (أشهد بالله أنِّي لمن الصَّادقين فيما قلته عن هذه المرأة) أربع مرَّات و (أن لعنة الله عليَّ إن كنت من الكاذبين)، ثمَّ تقول

ص: 321

المرأة أربع مرَّات أيضاً ( أشهد بالله أنَّه من الكاذبين وإن غضب الله عليَّ إن كان من الصَّادقين).

(مسألة 991) إنَّ الشَّهادة الَّتي ذكرناها في الصِّيغة يجب التَّلفُّظ بها أوَّلاً في الملاعنة ثمَّ اللَّعن في حالة قيام الزَّوج والزَّوجة، وبداءة الرَّجل كما بيَّنَّا، وتعيين المرأة لئلاَّ تشتبه بغيرها، والنُّطق بالعربيَّة مع القدرة - وجواز غيرها عند التَّعذُّر - وابتداء المرأة بالشَّهادة ثمَّ بالغضب كما نصَّت عليه الآية.

(مسألة 992) يستحب جلوس الحاكم مستدبر القبلة ووقوف الرَّجل عن يمينه والمرأة عن يساره وحضور من يستمع اللِّعان والوعظ قبل اللَّعن والغضب.

(مسألة 993) لو أكذب الزَّوج نفسه بعد انتهاء لعانه فلا حدَّ عليه للقذف، ولكن لم يزل التَّحريم المؤبَّد، وأمَّا تكذيبه أثناء اللِّعان فعليه الحد، ولا تثبت أحكام اللِّعان.

(مسألة 994) يرث الولد لو مات مع اعتراف الأب به بعد اللِّعان، ولا يرثه الأب لو مات الولد لو خلَّف مالاً.(مسألة 995) لو اعترفت المرأة بعد اللِّعان أربعاً ففي الحد تردُّد، والأظهر العدم لو كانت ظواهر النَّجابة بادية عليها والعكس باد على الزَّوج.

(مسألة 996) لو ادَّعت المرأة المطلَّقة الحمل منه فأنكر الدُّخول فأقامت بيِّنة بإرخاء السَّتر بينها وبينه بعد العقد فالأقرب ثبوت اللِّعان للدِّفاع عن الشَّرف ولو بالحرمة المؤبَّدة.

(مسألة 997) سقوط حدِّ القذف وهو الاتِّهام بالزِّنا من الرَّجل إذا لاعن وسقوط حدِّ الزِّنا عن المرأة إذا لاعنت.

ص: 322

كتاب القضاء والشَّهادات وتوابعها

اشارة

وفيه مقصدان:-

المقصد الأوَّل: في القضاء

والكلام عنه يأتي في مقدِّمة وتعريف ومسائل مرتبطة كل منها بعناوين فقهيَّة تناسبها، أمَّا المقدِّمة فهي:-

أنَّه تعارف بين الفقهاء المتديِّنين في محاكمهم عدم التَّورُّط في القضايا المشكلة، وبالأخص ما قد يصل إلى الحدود والتَّعزيرات والقصاص ونحو ذلك ممَّا لم يؤلف إجراؤه في زمن الغيبة الكبرى أو في البلدان الَّتي يكثر فيها الظلم والجور من حكِّامها إلاَّ ما يسهل أمره وتتبيَّن أحكامه أو ما يمكن إزاحة الإشكال عنه بالتَّدقيق الكامل فيه المبرئ للذمَّة وهو كذلك لو لم تتيسَّر الأمور ولكن على أساس احتمال توفُّر حكَّام العدالة مستقبلاً على ما تبدو ملامحه حتَّى قبل دولة إمامنا "عج" القادمة، فلنعرض ما يحتاج إليه.

وأمَّا التَّعريف: فإنَّه عمليَّة يجريها الحاكم الشَّرعي عند ترافع المتخاصمين إليه لحلِّ مشاكلهما الجنائيَّة في الجوارح والجوانح والحقوق والنَّفقات ونحو ذلك بالمواصفات المخصوصة للتَّحقيق فيها وإبداء حكمه سلباً وإيجاباً فيها.

وأمَّا المسائل: فهي الآتية ضمن مباحث:-

المبحث الأوَّل: شروط القاضي وتوابعها

(مسألة 998) يعتبر في القاضي أن يكون مكلَّفاً - بالبلوغ والعقل - مؤمناً مجتهداً عادلاً طاهر المولد رجلاً ضابطاً، فلا يصح نصب من يغلب عليه النِّسيان، وفي صحَّة قضاء المقلِّد عن فتوى مجتهده قولان؟ والأحوط اجتنابه، والظاهر عدم اشتراط الكتابة

ص: 323

إذا يتحقَّق كشف الحق حقَّاً بدونها، إلاَّ إذا طلب المدَّعي تدوين الحكم كما سيجيء ولو بتكليف من كان معدَّاً للكتابة، وبالأخص لو كان الضبط متوقِّفاً عليها.

(مسألة 999) ينبغي للقاضي مفاوضة العلماء دون من دونهم، وكثرة التَّطلُّع على مزايا الأمور وخفاياها، وتفريق الشُّهود لئلاَّ يحصل ما قد يشبه التَّواطؤ، وكثرة مطالعة أحوال القضاة المعتمدين شرعاً وقضاياهم، بالأخص قضايا سيِّد الكل في الكل الإمام أمير المؤمنين "عليه الصَّلاة والسَّلام" ممَّا اعتمد منها في المجال الفقهي، لاستزادة الخبرة.

(مسألة 1000) حيث أنَّ القضاء من الأمور المشكلة ينبغي للقاضي الاستعانة بالله في كشف الحق له، ثمَّ الاستعانة به سبحانه في تقويته للحكم على طبق ما تبيَّن له من الحق، فقد ورد أنَّ القاضي على شفير جهنم، وأنَّه بين جمرتين من نار.

(مسألة 1001) يجوز تعدُّد القضاة في بلد واحد، وبالأخص لو اتَّسعت آفاقه، ويكون حكم كل نافذاً في تعدُّد القضايا مع موافقة الشُّروط.(مسألة 1002) لا يجوز الحكم بغير الأحكام الشَّرعيَّة الصَّحيحة إطلاقاً، فقد قال سبحانه [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ] وقال أيضاً [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ] وقال [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ].

(مسألة 1003) تحرم الرَّشوة في الحكم، سواء كان للحكم بالحق أو بالباطل، ولا رسوم للحكم أساساً، كما يتعارف في محاكم هذا الزَّمان، ولذا يحرم أخذها ولو احتياطاً، وإن جاز من حيث بعض اللَّوازم الخارجة عنه كأخذ العريضة الَّتي تطالب بالحكم بالقضيَّة لقاء بعض المال في أبواب المحاكم، وإذا احتيج إلى ذلك فالأحوط أن يكون المبلغ بنحو الهديَّة.

ص: 324

(مسألة 1004) يجب على القاضي إحضار الخصم وهو المدَّعى عليه إذا طلب المشتكي ذلك، ولكن يجوز تصدِّي القاضي بنفسه إلى المرأة غير البارزة (العفيفة) والمريض ومن كان محترماً من المدَّعى عليهم ليحكم بينهما.

(مسألة 1005) يجب العدل في الحكم كما ورد في الآية الماضية، وينبغي التَّسوية بين الخصمين في الكلام والسَّلام والنَّظر والإنصات، إلاَّ في المسلم الَّذي خصمه كافر، فيجوز ترفيعه في المكان، أو كونه قاعداً والكافر قائماً لعزِّ الإسلام مع ضمان ما مرَّ من العدل في الجميع.

(مسألة 1006) يستحب للقاضي الجلوس في وسط البلد، مستدبر القبلة، والمترافعان بعكسه، ويكره القضاء مع شغل القلب بالغضب أو الجوع أو العطش أو الهم أو الفرح الشَّديد أو غيرها، كما يكره اتِّخاذ الحاجب وقت القضاء.

المبحث الثَّاني: الإقرار والإنكار

(مسألة 1007) إذا أقرَّ المدَّعى عليه بالحق عيناً أو ديناً و كان جامعاً لشرائط الإقرار وحكم الحاكم ألزمه به، وانفصلت الخصومة.

ويترتَّب عليه لوازم الحكم كعدم جواز نقضه، وعدم جواز رفعه إلى حاكم أخر، وعدم جواز سماع الحاكم الآخر دعواه وغير ذلك، ولو أقرَّ ولم يحكم الحاكم عليه فهو مأخوذ بإقراره، فلا يجوز لأحد التَّصرُّف فيما عنده إذا أقرَّ به إلاَّ بإذن المقر له، وجاز لغيره إلزامه، بل وجب من باب الأمر بالمعروف، وكذا الحال لو قامت البيِّنة على حقِّه من جواز ترتيب الأثر على البيِّنة، وعدم جواز التَّصرُّف إلاَّ بإذن من قامت على حقِّه، نعم في جواز إلزامه أو وجوبه مع قيام البيِّنة من باب الأمر بالمعروف إشكال، لاحتمال أن لا يكون الحق عنده ثابتاً ولم تكن البيِّنة عنده عادلة ومعه لا يجوز أمره ونهيه، بخلاف

ص: 325

الثبوت بالإقرار.

(مسألة 1008) بعد إقرار المدَّعى عليه ليس للحاكم على الظاهر الحكم إلاَّ بعد طلب المدِّعي، فإذا طلب منه يجب عليه الحكم فيما يتوقَّف استيفاء حقِّه عليه على الأقوى، و مع عدم التَّوقُّف فلا وجوب على الأحوط بل لا يخلو من وجه، وإذا لم يطلب منه الحكم أو طلب عدمه فحكم الحاكم ففي فصل الخصومة به تردُّد، للتَّناقض بين رفع المدَّعي الدَّعوى أوَّلاً وبين هذه الحالة ولو في الجملة.

(مسألة 1009) الحكم إنشاء ثبوت شيء لا على التَّعيين أو ثبوت شيء على ذمَّة شخص أو الإلزام بشيء ونحو ذلك، ولا يعتبر فيه لفظ خاص، بل اللازم الإنشاء بكل ما دلَّ على المقصود كأن يقول: قضيت أو حكمت أو ألزمت أو عليك دين فلان أو هذا الشَّيء لفلان وأمثال ذلك من كل لغة كان إذا أريد الإنشاء ودلَّ اللَّفظ بظاهره عليه ولو مع القرينة إن احتيج إليها.

(مسألة 1010) إذا اعترف المنكر حكم الحاكم على طبق الإدِّعاء، بشرط اجتماع الشَّرائط في المنكر من مثل عقله واختياره وانتباهه إلى ما يصلح له بما لا سفه فيه، وإذاطلب المدَّعي إثبات الحكم أثبت الحكم في كتاب بعد معرفته للمدِّعي باسمه ونسبه أو بعد معرفة عدلين إن استغنى عن اسم المدَّعي ونسبه.

(مسألة 1011) لو ادَّعى المنكر الإعسار وثبت إمَّا بالبينة أو باعتراف المدِّعي وما أشبه ذلك من المثبتات الشَّرعيَّة أنظره الحاكم ولا يسجن إلاَّ مع اتِّهامه.

(مسألة 1012) إذا أنكر المدَّعى عليه ما ادَّعاه المدَّعي طلب الحاكم من المدِّعي البيِّنة، فإن أتى بها قُبل قوله، وإلاَّ وجَّه الحلف إلى المنكر، فإن حلف فهو، وإلاَّ ففي توجُّه الحلف إلى المدِّعي - أو أنَّه يحكم على المنكر بمجرَّد نكوله - قولان أحوطهما توجُّه الحلف إلى المدِّعي، لو لم يكن في حذاقة القاضي وجه في إعادة المسألة من أساسها في وقت آخر.

ص: 326

المبحث الثَّالث : أحكام الحلف

(مسألة 1013) إذا حلف المنكر لم يكن للمدِّعي المقاصَّة، ولا تسمع بيِّنته بعد الحلف إن أتى بها، إلاَّ إذا كذب المنكر نفسه.

(مسألة 1014) الادِّعاء على الميِّت يحتاج إلى البيِّنة واليمين من المدِّعي.

(مسألة 1015) إذا سكت المنكر ولم يعترف ولم يرد فإن كان لآفة توصل إلى معرفة ضميره بالإشارة وما أشبه، وإن كان السكوت عناداً حبس حتَّى يجيب.

(مسألة 1016) لا يجوز الإحلاف، وكذا الحلف بغير اسم الله سبحانه، وإحلاف الذِّمي ومن شابهه بدينه ومقدَّساته إذا كان أردع جاز، ومن الفقهاء من أجاز الإحلاف بما يظهر منه الحق إذا كان متوقِّفاً عليه وإن لم يعد من اليمين عندنا وهو الواجب أو المجزي على الأقل لو لم يكن من الاستحسان الخالي من المدرك الشَّرعي.

(مسألة 1017) إنَّما يكون الحلف في مجلس القضاء، ويمين الأخرس بالإشارة.

(مسألة 1018) يلزم أن يكون الحلف على القطع بالشَّيء، إلاَّ إذا كانت بالنِّسبة إلى نفي فعل الغير، فإنَّها على نفي العلم.

(مسألة 1019) يستحب للحاكم وعظ الحالف وتخويفه، لئلاَّ يحلف كاذباً، ويجوز التَّغليظ في نصاب القطع فما زاد، أو ما أشبه ذلك بالقول كقول والله قاصم الجبارين والمكان كالحلف في المسجد والزَّمان كآخر ساعة من يوم الجمعة، وإذا أبى المنكر أن يحلف مغلَّظاً كان له ذلك، ويحتمل إمكان إلزام الحاكم له، لأنَّ له ذلك إن اقتضى الأمر في بعض القضايا كاحترام المنكر هذا التَّغليظ في موقع الجد إذا اتُّهم بعدمه في حلفه البسيط.

ص: 327

المبحث الرَّابع: مسائل متفرِّقة

(مسألة 1020) المدِّعي لابدَّ أن يكون بالغاً عاقلاً قاصداً مختاراً، ويكون الادِّعاء لنفسه أو لمن له الولاية عليه، كالصَّغير وموكِّله وما أشبههما.

(مسألة 1021) ذهب جمع من العلماء إلى أنَّه لا يجوز أن يلقَّن الحاكم الخصم ما فيهضرر على خصمه، ولا أن يهديه لوجوه الاحتجاج، وهو كذلك إذا لم يُعلم الحق في أي جانب، ولكن على القاضي التَّورُّع في مورد العلم بالحق في العبارة إذا كان مجرَّد علم نوعي لا شخصي لئلاَّ توصل الخصم إلى التَّشخيص المؤثِّر ولو ظاهراً.

(مسألة 1022) لا يجوز للحاكم أن يتعتع الشَّاهد، بأن يداخله في التَّلفظ بالشَّهادة أو يتعبه أو ما أشبه ذلك، بل يكف عنه حتَّى ينتهي.

(مسألة 1023) يقضى على الغائب من مجلس القضاء لسفر أو نحوه في حقوق النَّاس بما يسمَّى بالحكم القضائي، أمَّا في حقوق الله فلا.

(مسألة 1024) لو ادَّعى ملكيَّة شيء لم يكن لأحد يد عليه وكان ممكناً كونه ملكاً له قضي له به مع عدم المنازع وتكامل الأصول الشَّرعيَّة القضائيَّة.

(مسألة 1025) لو تنازع اثنان فيما لهما يد عليه بالسويَّة، أو لا يد لأحدهما عليه حكم لهما بالسَّوية كالدَّار المتنازع عليها، ولو كان أحدهما داخلاً والآخر خارجاً فللدَّاخل الحق مع يمينه إذا لم يكن للخارج بيِّنة.

ص: 328

المقصد الثَّاني: في الشَّهادة

وفيه مباحث:-

المبحث الأوَّل: في صفات الشَّاهد

(مسألة 1026) يشترط في الشَّاهد: البلوغ والعقل والإيمان والعدالة وانتفاء التُّهمة وطهارة المولد، وتقبل شهادة الصِّبيان في بعض المواضع، كما تقبل شهادة أهل الذمَّة في الوصيَّة مع عدم المسلمين لاعتبار قول الثِّقة حينئذ كيفما كان، وبالأخص لو توقَّف الأمر عليه.

(مسألة 1027) إذا تاب الفاسق قبلت شهادته بعد عدالته، ولا تقبل شهادة الشَّريك لشريكه في مال المشاركة للتهمة، وكذا لا تقبل شهادة الوصي فيما له الولاية فيه ولا شهادة الولد على والده، ولا شهادة العدو على عدِّوه، ولا شهادة القاذف، ولا شهادة المملوك على مولاه، وكذلك لا تقبل شهادة النِّساء في الهلال والطَّلاق والحدود إلاَّ شهادة النِّساء مع الآخرين في الشِّياع المفيد للعلم، وتقبل شهادتهُّن مع الرِّجال في الحقوق والأموال.

(مسألة 1028) تقبل شهادة النِّساء منفردة في البكارة، وعيوب النِّساء الباطنيَّة، وتقبل شهادة المرأة الواحدة في ربع الوصيَّة كما تقبل شهادة القابلة في ربع ميراث الطِّفل المستهل.

المبحث الثَّاني: فيما به يصير الشَّاهد شاهداً

(مسألة 1029) الضَّابط في ذلك العلم القطعي واليقين، فهل يجب أن يكون العلم

ص: 329

مستنداً إلى الحواس الظاهرة فيما يمكن كالبصر في المبصرات والسَّمع في المسموعات والذَّوق في المذوقات وهكذا فإذا حصل العلم القطعي بشيء من غير المبادئ الحسية حتَّى في المبصرات من السُّماع المفيد للعلم القطعي لم يجز الشَّهادة؟ أم يكفى العلم القطعي بأي سبب كالعلم الحاصل من التَّواتر والاشتهار؟ وجهان، الأشبه الثَّاني.

نعم يشكل جواز الشَّهادة فيما إذا حصل العلم من الأمور غير العاديَّة كالجفر و الرَّمل وإن كان حجَّة للعالم بناءاً على صحَّة مداركه عنده، والأحوط خلافه.

(مسألة 1030) لا يجوز للشَّاهد كتمان الشَّهادة إذا علم بالأمر، ولم يتوجَّه إليه ضرر معتد به ممَّا لا يستحقُّه.

(مسألة 1031) يجب لمن له أهليَّة الشَّهادة أن يتحمَّلها إذا دُعي إليها، والوجوب هنا كفائي، لحرمة كتمان الشَّهادة عند الحاجة، ولا يجوز للشَّاهد أن يشهد إلاَّ مع العلم، نعم يجوز أن يشهد بإقرار من عليه الحق.

المبحث الثَّالث: في أقسام الحقوق

(مسألة 1032) الحقوق على كثرتها قسمان: حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين، أمَّا حقوق الله تعالى فستأتي في كتاب الحدود أنَّ منها ما يثبت بأربعة رجال أو يثبت بثلاثة رجال وامرأتين، ومنها برجلين وأربع نساء، ومنها ما يثبت بشاهدين فليرجع إليه.

(مسألة 1033) حق الآدمي على أقسام: منها ما يشترط في إثباته الذكورة، فلا يثبت إلا بشاهدين ذكرين كالطلاق، فلا يقبل فيه شهادة النساء لا منفردات ولا منضمَّات، وهل يعم الحكم أقسامه كالخلع و المباراة ؟، الأقرب نعم إذا كان الاختلاف في الطَّلاق، وأمَّا الاختلاف في مقدار البذل فلا، ولا فرق في الخلع والمباراة بين كون المرأة مدعية أو الرَّجل على إشكال في الثَّاني .

ص: 330

(مسألة 1034) قيل ما يكون من حقوق الآدمي غير الماليَّة ولم يقصد منه المال لا تقبل شهادة النِّساء فيها لا منفردات ولا منضمَّات، ومثل ذلك بالإسلام والبلوغ والولاء والجرح والتَّعديل والعفو عن القصاص والوكالة والوصاية والرَّجعة وعيوب النِّساء والنَّسب والهلال، وألحق بعضهم الخمس والزَّكاة والنَّذر والكفَّارة، والضَّابط المذكور لا يخلو من وجه في الجملة وإن كان دخول بعض الأمثلة فيها محل تأمل والأحوط التَّفصيل، ولا تقبل شهادتهنَّ على الرِّضاع على الأقرب.

(مسألة 1035) من حقوق الآدمي ما يثبت بشاهدين، وبشاهد وامرأتين وبشاهد ويمين المدَّعي، وبامرأتين ويمين المدَّعي، وهو كل ما كان مالا أو المقصود منه المال كالديون بالمعنى الأعم، فيدخل فيها القرض وثمن المبيع والسَّلف وغيرها مما في الذمة، وكالغصب وعقود المعاوضات مطلقاً والوصيَّة له، والجناية الَّتي توجب الدية كالخطأ وشبه العمد وقتل الأب ولده والمسلم الذمِّي والمأمومة والجائفة وكسر العظام وغير ذلك، ممَّا كان متعلَّق الدَّعوى فيها مالاً أو مقصوداً منها المال، فجميع ذلك تثبت بما ذكر حتَّى بشهادة المرأتين واليمين على الأظهر، وتقبل شهادتهنَّ في النِّكاح إذا كان معهنَّ الرَّجل .

المبحث الرَّابع: مسائل متفرِّقة

(مسألة 1036) إذا رجع الشَّاهدان عن شهادتهما، فإن كان قبل الحكم لم يحكم بها حسب الرُّجوع قبله، وان كان الرجوع بعد الحكم لم ينقض الحكم وغرم الشَّاهدان.

(مسألة 1037) لو قال شهود القتل بعد القصاص أخطأنا غرِّموا، وإن قالوا تعمَّدنا اقتُصَّ منهم، ولو شهدا بسرقة ثمَّ قالا أخطأنا بعد القطع غرِّما دية اليد، وكذا في سائر الجراحات.

ص: 331

(مسألة 1038) يجب إشهار شاهد الزُّور، وتعزيره حسب ما يراه القاضي.

(مسألة 1039) لو كان له عين - كالخاتم ونحوه - في يد إنسان، جاز له انتزاعها منه قهراً، ما لم تكن مفسدة، ولو كان ديناً وجحد المديون جاز له الاقتصاص، والأحوط كونه بإذن الحاكم.

(مسألة 1040) لا تسمع الدَّعوى في الحدود مجرَّدة عن البيِّنة، ولا يتوجَّه اليمين علىالمنكر، ولو ادَّعى على أحد السَّرقة ولا بيِّنة حلف المنكر ولا يثبت عليه حينئذ الحق.

ص: 332

كتاب الرَّقيق والاعتاق

اشارة

إنَّ من الكتب الفقهيَّة الَّتي أعرض الفقهاء أخيراً عن البحث عنها علميَّاً وفتوائيَّاً لعدم مصداقيَّة الحاجة إليه في نظرهم هما كتاب الرَّقيق - ومنه البحث عن نكاح الإماء ملكاً أو زواجاً - وكتاب العتق أيضاً إمَّا لعدم أو لندرة الحالة الواصلة إلى انقراض العبيد والإماء أو لعدم توفُّر الدَّولة الإسلاميَّة العادلة الضابطة لأمور الكتابين لو وجد المقتضي وانتفى المانع بهذا الاجمال.

ولكن لبناءنا على الحاجة إلى الكلام عنهما في هذه الأطروحة المختصرة العمليَّة كبقيَّة الكتب المتروكة ولو في الجملة بعد التَّطرُّق الاستدلالي المناسب موسوعيَّاً في مقامه الآخر كمن تكلَّم عنه ممَّن سبق علينا وعلى مقدار ما قصدوه مع كونهم كانوا تحت سلطة حكَّام الجور بحثاً علميَّاً وفتوى للتَّهيؤ ولو لبعض ما به المصداقيَّة قبل أيَّام قيام الإمام الحجَّة (عج) لئلاَّ نلام من قبله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ .

ولأنَّ من الرَّقيق اليوم ما يمكن تملُّكه أيضاً كما لو باعك كافر أحد منتسبيه من أمثاله في ظاهر ما يملك ممَّن يمكن تملُّكه، وكذا لو قتل كافر منك أحد أفراد من وليت عليهم من المسلمين فلك الحق في أن تتملَّكه أو يتملَّكه أربابه بدل العفو عنه أو قتله، وكذا لو سُلِّطت على كافر أو كافرة حربيَّة فلك الحق في أن تتملَّكهما أو أحدهما.

فلهذه الحالات على اختصارها رجَّحنا الكلام عن هذين الكتابين للحاجة إلى العتق الواجب على الأقل لو تحقَّق الرِّق عند ترتُّب الكفَّارة المتعلِّقة بالعتق في أبوابها أو مستحبَّاً بعد الإيمان ولو بما يظهر التَّسالم عليه إلى حين ما تحصل به الحاجة إلى التَّوسُّع.

فهنا بحثان:-

ص: 333

البحث الأوَّل : الرِّق

وقد جاء أساسه في الإسلام أنَّه من الغنائم الحربيَّة وممَّا نصَّت عليه الآيات الخاصَّة والمشتركة بين غنيمة الاستملاك الحربي في الغلبة وبين الغنائم التِّجاريَّة والمقصود منها الأرباح المشروط فيها الخمس على الشُّروط الخاصَّة في كتاب الخمس.

والحربيَّة هي كل ما يغنمه المحارب ومنها الرَّقيق كباراً وصغاراً إناثاً ورجالاً وهو حق لكل مسلم غانم بعد اشتراكه في الدِّفاع والهجوم لحماية الإسلام والمسلمين وبلادهم حينما يأتي الإذن الإلهي بالجهاد عن النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أو الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أو النَّائب الخاص أو النَّائب العام عند مداهمة المخاطر على بلاد المسلمين ودمائهم وأموالهم وأعراضهم.

(مسألة 1041) للمجاهد حق الاستملاك للعبيد والإماء بالاستفادة من خدماتهم ونحو ذلك - من البيع والهبة والتَّأجير لخدمة آخرين أو اعارة المملوك أو تزويج الأمَة من حر أو عبد أو يتَّخذها أمة خاصَّة له للاستمتاع أو للخدمات الأخرى لنفسه وغير ذلك - كذلك عليهواجبات تجاههم بالرِّعاية وكفالة الحياة الرَّغيدة الطَّبيعيَّة لهم - دون الشدَّة والقساوة منه - أو حولهم أو بعضهم على آخرين على أن يضمن لهم ذلك باشتراطه عليهم ونحوه.

(مسألة 1042) يجب علينا التَّربية الإسلاميَّة الولائيَّة لكل الرِّقيق لتخليصهم من كفرهم أو شذوذهم الاعتقادي جهد الإمكان.

(مسألة 1043) إنَّ الأرقاء حكمهم عندنا للتَّحرير الدِّيني المزبور لا لذل الاستعباد لا كما في البهائم عند غيرنا.

(مسألة 1044) من النُّصوص القرآنية القريبة للمورد آية الخمس وهي قوله تعالى [وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى

ص: 334

وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ] ومن النَّصوص الرَّاعية للرَّقيق إذا كانوا تحت الشدَّة آية المستحقِّين للزَّكاة وهو سهم في الرِّقاب[إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ]، ومنها آية كفَّارة اليمين [لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ] وآية كفَّارة القتل [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً] وآية الظهار [وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ] وغير ذلك.

البحث الثَّاني: الاعتاق

وقد اهتمَّ الإسلام كذلك به على يد زعمائه الأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ بعد النَّبي الرَّسول صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ بمحاولة الخلاص جهد الإمكان من هذه الظاهرة لئلاَّ تبقى استعباديَّة جائرة بما طفحت به الأدلَّة كتاباً وسنَّة وغيرهما، إلاَّ إذا كان وجودهم أرئف بحالهم تحت رعاية المالكين لهم من أهل الإيمان مؤقَّتاً وبالأخص الإماء أو تقييدهم لذلك وغيره بالتَّدبير كقول المالك لمملوكه (أنت حر دبر وفاتي) أو عتق قسم منهم ليسعوا بفك القسم الآخر ولو بالمسمَّى تحت اشراف المالك خوفاً عليهم ما خلا عبيد وإماء سلاطين الجور وأهل القساوة ليفتضحوا بدوام الإضرار بهم.

(مسألة 1045) قد نصَّت آية النِّكاح بما يفيد شيئاً من التَّكريم والرَّأفة بالإماء

ص: 335

وغيرهنَّ بما يؤدِّي إلى المساواة مع الأحرار في قوله تعالى [وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ]، حيث إنَّ نكاح الإماء لو ينتج ولداً أو أولاداً أو بناتاً تكون الأمة متشبِّثة بالحريَّة.

(مسألة 1046) ممَّن اشتهر بالإكثار من تحرير الرِّقاب المؤمنة المستحب كثيراً في آخر شهر رمضان وغيره الإمام زين العابدين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ حتَّى ضعفت أسواق النخَّاسين وإلى غير ذلك ممَّا لا حصر له من الأدلَّة على ذلك مؤكَّداً بعد أدلَّة الوجوب كتاباً ومن أحاديث النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والعترة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ على الاقتناء والتَّثقيف الدِّيني والاعتاق الواجب والمستحب كما صنع سلفه الصَّالح حتَّى نتج منهم صحابة وحواري أجلاَّء وأمَّهات جليلات يفخر بهم خيار الأحرار.

والحديث قابل للإطالة لا يناسبه هذا المختصر والأنسب ينبغي تأجيل التَّوسعة فيه إلى موسوعاتنا الفقهيَّة المفصَّلة.

(مسألة 1047) للمجاهد بعد انتهاء الحرب استملاك الغنيمة بعد اخراج خمسها ومنها الأمَة أو العبد.

(مسألة 1048) إذا اتَّخذ المالك الأمَة لنفسه في الاستمتاع الجنسي ليس له أن يشترك غيره معه.

(مسألة 1049) لا مانع من أن يملك العبد مالاً وبلا حد إلاَّ أنَّ العبد وما يملك يعود لمالكه إن شاء ارجاعه.

(مسألة 1050) إذا مات المالك كان عبيده وإماؤه ملكاً للورثة بعد ثلث الوصيَّة.

(مسألة 1051) لا ينحصر الملك في المقام بخصوص حالة الحرب وإن كان هو الأساس، بل يمكن شراء العبيد والإماء من سوق النخَّاسين الشَّرعي أو من أي مالك آخر بالشِّراء أو الهبات والعطايا.

ص: 336

كتاب الوصايا

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: أقسام الوصيَّة

(مسألة 1052) الوصيَّة على قسمين:

أ - الوصيَّة التَّمليكيَّة: وهي أن يجعل الإنسان شيئاً ممَّا له من مال أو حق لغيره بعد وفاته.

ب - الوصيَّة العهديَّة: وهي أن يعهد الإنسان بتولِّي شخص بعد وفاته أمراً يتعلَّق به أو بغيره كدفنه في مكان معيَّن أو تمليك شيء من ماله لأحد أو القيمومة على صغاره ونحو ذلك.

المبحث الثَّاني: شروط الوصيَّة

(مسألة 1053) يعتبر في الموصي أمور:

1 - البلوغ، فلا تصح وصيَّة الصَّبي إلاَّ إذا بلغ عشر سنين، فإنَّه تصح وصيَّته في المبرَّات والخيرات العامَّة، كما تصح وصيَّته لأرحامه وأقربائه، وأمَّا الغرباء ففي نفوذ وصيَّته لهم إشكال، كما يشكل نفوذ وصيَّة البالغ سبع سنين في الشَّيء اليسير، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيهما.

2 - العقل فلا تصح وصيَّة المجنون.

3 - الرُّشد، فلا تصح وصيَّة السَّفيه في أمواله، وتصح في غيرها كتجهيزه ونحوه ممَّا لا تعلُّق له بمال.

ص: 337

4 - الاختيار، فلا تصح وصيَّة المكره.

5 - أن لا يكون قاتل نفسه متعمِّداً على وجه العصيان، فإذا أوصى بعد ما أحدث في نفسه ما يجعله عرضة للموت من جرح أو تناول سم أو نحو ذلك لم تصح وصيَّته في ماله، وتصح في غيره من تجهيز ونحوه ممَّا لا تعلُّق له بالمال، وكذا تصح فيما إذا فعل ذلك خطأ أو سهواً أو على غير وجه العصيان، مثل الجهاد في سبيل الله حيث قاتل العدو فأصيب أو مع ظن السَّلامة فاتَّفق موته به، وكذا إذا عوفي ثمَّ أوصى، أو أوصى بعد ما فعل السَّبب ثمَّ عوفي ثمَّ مات، أو أوصى قبل أن يحدث في نفسه ذلك ثمَّ أحدث فيها، وإن كان قبل الوصيَّة بانياً على أن يحدث ذلك بعدها.

المبحث الثَّالث: أحكام الوصيَّة

(مسألة 1054) لا يعتبر في صحَّة الوصيَّة خصوص التَّلفظ بها أو كتابتها، بل يكفي كلما يدل عليها حتَّى الإشارة المفهمة للمراد وإن كان الشَّخص قادراً على النُّطق، ويكفي في ثبوت الوصيَّة وجود مكتوب للميت يعلم من قرائن الأحوال أنَّه أراد العمل به بعد موته، وأمَّا إذا علم أنَّه كتبه ليوصي على طبقه بعد ذلك فلا يلزم العمل به.

(مسألة 1055) إذا ظهرت للإنسان علامات الموت وجب عليه أمور:

منها: ردِّ الأمانات إلى أصحابها أو إعلامهم بذلك على تفصيل تقدَّم في كتاب الوديعة.

ومنها: الاستيثاق من وصول ديونه إلى أصحابها بعد مماته ولو بالوصيَّة بها والاستشهاد عليها، هذا في ديونه الَّتي لم يحل أجلها بعد، أو حلَّ ولم يطالبه بها الديَّان، أو لم يكن قادراً على وفائها، وإلاَّ فتجب المبادرة إلى أدائها فوراً وإن لم يخف الموت.

ص: 338

ومنها: الوصيَّة بأداء ما عليه من الحقوق الشَّرعيَّة كالخمس والزَّكاة والمظالم إذا كان له مال ولم يكن متمكِّناً من أدائها فعلاً أو لم يكن له مال واحتمل - احتمالاً معتدَّاً به - أن يؤدِّي ما عليه بعض المؤمنين تبرعاً وإحساناً، وأمَّا إذا كان له مال وكان متمكِّناً من الأداء وجب عليه ذلك فوراً من غير تقيُّد بظهور إمارات الموت.

ومنها: الاستيثاق من أداء ما عليه من الصَّلاة والصَّوم والكفَّارات ونحوها بعد وفاته ولو بالوصيَّة به إذا كان له مال، بل إذا لم يكن له مال واحتمل - احتمالاً معتدَّاً به - أن يقضيها شخص آخر عنه تبرعاً وجبت عليه الوصيَّة به أيضاً، وربما يغني الإخبار عن الإيصاء كما لو كان له من يطمئن بقضائه لما فات عنه - كالولد الأكبر - فيكفي حينئذٍ إخباره بفوائته.

ومنها: إعلام الورثة بما له من مال عند غيره أو في ذمَّته أو في محل خفي لا علم لهم به إذا عُدَّ تركه تضييعاً لحقهم، ولا يجب على الأب نصب القيِّم على الصِّغار إلاَّ إذا كان إهمال ذلك موجباً لضياعهم أو ضياع أموالهم فإنَّه يجب على الأب والحالة هذه جعل القيِّم عليهم، ويلزم أن يكون أميناً.

(مسألة 1056) الحج الواجب على الميِّت بالاستطاعة والحقوق الماليَّة - وهي الأموال الَّتي اشتغلت بها ذمَّته كالديون والزَّكاة والمظالم - تخرج من أصل المال، سواء أوصى بها الميِّت أم لا، نعم إذا أوصى بإخراجها من ثلثه تخرج من الثُّلث كما سيأتي.

(مسألة 1057) إذا زاد شيء من مال الميت - بعد أداء الحج وإخراج الحقوق الماليَّة إن وجب - فإن كان قد أوصى بإخراج الثُّلث أو الأقل منه فلابدَّ من العمل بوصيَّته، وإلاَّ كان تمام الزَّائد للورثة، ولا يجب عليهم صرف شيء منه عليه حتَّى في إبراء ذمَّته ممَّا تعلَّق بها من الواجبات المتوقِّفة على صرف المال كالكفَّارات والنّذورات الماليَّة والصَّلاة والصِّيام استيجاراً.

(مسألة 1058) لا تنفذ الوصيَّة بغير حجَّة الإسلام والحقوق الماليَّة فيما يزيد على

ص: 339

ثلث التَّركة، فمن أوصى بنصف ماله مثلاً لزيد أو للصَّرف في الاستيجار للصَّلاة والصِّيام عنه توقَّف نفوذها في الزَّائد على الثُّلث على إمضاء الورثة، فإن أمضوا في حياة الموصي أو بعد موته ولو بمدَّة صحَّت الوصيَّة، وإلاَّ بطلت في المقدار الزَّائد، ولو أمضاها بعضهم دون بعض نفذت في حصَّة المجيز خاصَّة.(مسألة 1059) إذا أوصى بأداء الخمس والزَّكاة وغيرهما من الدُّيون وباستئجار من يقضي فوائته من الصَّلاة والصِّيام وبالصَّرف في الأمور المستحبَّة كإطعام المساكين كل ذلك من ثلث ماله، وجب أداء الدُّيون أوَّلاً، فإن بقي شيء صرف في أجرة الصَّوم والصَّلاة، فإن زاد صرف الزَّائد في المصارف المستحبَّة، وإذا كان ثلثه بمقدار دينه فقط ولم يجز الوارث وصيَّته في الزَّائد على الثُّلث بطلت الوصيَّة في غير الدَّين.

(مسألة 1060) إذا أوصى بأداء ديونه وبالاستئجار للصَّوم والصَّلاة عنه وبالإتيان بالأمور المستحبَّة ولم يذكر إخراج ذلك من ثلث ماله وجب أداء ديونه من أصل المال، فإن بقي منه شيء صرف الثُّلث في الاستئجار للصَّلاة والصَّوم والإتيان بالأمور المستحبَّة إذا وفَّى الثُّلث بذلك، وإلاَّ فإن أجاز الورثة الوصيَّة في المقدار الزَّائد وجب العمل بها، وإن لم يجزها الورثة وجب الاستئجار للصَّلاة وللصِّيام من الثُّلث، فإن بقي منه شيء يصرف في المستحبَّات.

(مسألة 1061) إذا أوصى بوصايا متعدِّدة وكلُّها من الواجبات الَّتي لا تخرج من الأصل أو كلُّها من التَّبرعات والخيرات فإن زادت على الثُّلث ولم يجز الورثة جميعها ردَّ النَّقص على الجميع بالنِّسبة ما لم تكن قرينة حاليَّة أو مقاليَّة على تقديم بعضها على البعض عند التَّزاحم.

(مسألة 1062) إذا أوصى بإخراج ثلثه ولم يعيِّن له مصرفاً خاصَّاً عمل الوصي وفق ما تقتضيه مصلحة الميِّت، كأداء ما علُقَ بذمَّته من الواجبات مقدَّماً على المستحبَّات، بل يلزمه مراعاة ما هو أصلح له مع تيسُّر فعله على النَّحو المتعارف،

ص: 340

ويختلف ذلك باختلاف الأموات، فربَّما يكون الأصلح أداء العبادات الاحتياطيَّة الاستحبابيَّة عنه بعد الواجبات، وربَّما يكون الأصلح فعل القربات والصَّدقات.

(مسألة 1063) إذا أوصى بإخراج ثلثه، فإنَّ نصَّ على إرادة إبقاء عينه وصرف منافعه أو وجدت قرينة حاليَّة أو مقاليَّة على ذلك تعيَّن العمل بموجبه، وإلاَّ وجب إخراج الثُّلث عيناً أو قيمة وصرفه في موارده من غير تأخير في ذلك وإن توقَّف على بيع التَّركة الثَّابتة، نعم إذا وجدت قرينة على عدم إرادة الموصي التَّعجيل في الإخراج جاز التَّأخير فيه بمقدار ما تقتضيه القرينة، مثلاً لو أوصى بإخراج ثلثه مع الالتفات إلى أن الإسراع فيه يتوقَّف على بيع الدَّار السَّكنيَّة لورثته المؤدِّي إلى تشردِّهم - وهو ما لا يرضى به يقيناً - كان ذلك قرنية على إذنه في التَّأخير إلى الزَّمان الَّذي يتمكَّن فيه الورثة أو وليهُّم من تحصيل مسكن لهم ولو بالإيجار.

(مسألة 1064) إذا أوصى من لا وارث له إلاَّ الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بجميع ماله للمسلمين والمساكين وابن السبيل لم تنفذ إلاَّ بمقدار الثًُّلث منه، كما هو الحال فيما إذا أوصى بجميعه في غير الأمور المذكورة وسبيل الباقي سبيل سهم الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ من الخمس.

(مسألة 1065) إذا أوصى بوصيَّةٍ تمليكيَّة أو عهديَّة ثمَّ رجع عنها بطلت، فلو أوصى لزيد مثلاً بثلث ماله ثمَّ عدل عن وصيَّته بطلت الوصيَّة، وإذا أوصى إلى شخص معيَّن ليكون قيّماً على صغاره ثمَّ أوصى إلى غيره بذلك بطلت الوصيَّة الأولى وتصح الثَّانية.(مسألة 1066) يكفي في الرجوع عن الوصية كل ما يدل عليه، فلو أوصى بداره لزيد مثلاً ثمَّ باعها بطلت الوصيَّة، وكذا إذا وكَّل غيره في بيعها مع التفاته إلى وصيَّته.

(مسألة 1067) إذا أوصى بثلثه لزيد ثمَّ أوصى بنصف ثلثه لعمرو كان الثُّلث بينهما بالسويَّة، ولو أوصى بعين شخصيَّة لزيد ثمَّ أوصى بنصفها لعمرو كانت الثَّانية

ص: 341

مبطلة للأولى بمقدار النِّصف.

(مسألة 1068) إذا أوصى لشخص بمال فقبل الموصى له الوصيَّة ملك المال بعد موت الموصي وإن كان قبوله في حياته، ولا يكفي مجرَّد عدم رفضه للوصيَّة في دخول المال في ملكه بوفاة الموصي.

(مسألة 1069) إذا لم يردَّ الموصى له الوصيَّة ومات في حياة الموصي أو بعد موته قامت ورثته مقامه فإذا قبلوا الوصيَّة ملكوا المال الموصى به إذا لم يرجع الموصي عن وصيَّته.

(مسألة 1070) لا يعتبر في الوصيَّة العهديَّة وجود الموصى له في حال الوصيَّة أو عند موت الموصي، فلو أوصى بإعطاء شيء من ماله إلى من سيوجد بعد موته - كولد ولده - فإن وُجد أُعطي له وإلاَّ كان ميراثاً لورثة الموصي، نعم إذا فهم منه إرادة صرفه في مورد آخر إذا لم يوجد الموصى له صرف في ذلك المورد ولم يكن إرثاً.

وأمَّا الوصيَّة التَّمليكيَّة فلا تصح للمعدوم إلى زمان موت الموصي، فلو أوصى بشيء من ماله لما تحمله زوجة ابنه بعد وفاته لم تصح، وتصح للحمل حين وجود الوصيَّة، فإن ولد حيَّاً ملك المال بقبول وليِّه وإلاَّ بطلت ورجع إلى ورثة الموصي.

(مسألة 1071) إذا عيَّن الموصي شخصاً لتنفيذ وصيَّته تعيَّن ويسمَّى (الوصي)، ويعتبر أن يكون عاقلاً ويطمأن بتنفيذه للوصيَّة إذا تضمَّنت أداء الحقوق الواجبة عن الموصي بل مطلقاً على الأحوط لزوماً.

والمشهور بين الفقهاء (رضوان الله عنهم) أنَّه لا تصح الوصاية إلى الصَّبي منفرداً وإن كان كذلك إذا أراد منه التَّصرف في حال صباه مستقلاً، فهو لا يخلو من إشكال، فلو أوصى إليه كذلك فالأحوط لزوماً توافقه مع الحاكم الشَّرعي في التَّصرف، وأمَّا إذا أراد أن يكون تصرُّفه بعد البلوغ أو مع إذن الولي فلا بأس بذلك.

وإذا كان الموصي مسلماً اعتبر أن يكون الوصي في طبيعة الأحوال مسلماً أيضا إلاَّ

ص: 342

ما استثني سابقاً.

(مسألة 1072) يجوز للموصي أن يوصي إلى اثنين أو أكثر، وفي حالة تعدُّد الأوصياء إن نصَّ الموصي على أنَّ لكل منهم صلاحيَّة التَّصرف بصورة مستقلَّة عن الآخرين أو على عدم السَّماح لهم بالتَّصرف إلاَّ مجتمعين أخذ بنصِّه، وكذا إذا كان ظاهر كلامه أحد الأمرين ولو لقرينة حاليَّة أو مقاليَّة، وإلاَّ فلا يجوز لأي منهم الاستقلال بالتَّصرف ولابدَّ من اجتماعهم.

وإذا تشاحَّ الوصيَّان بشرط الانضمام ولم يجتمعا بحيث كان يؤدِّي ذلك إلى تعطيل العملبالوصيَّة فإن لم يكن السَّبب فيه وجود مانع شرعي لدى كل واحد منهما عن إتِّباع نظر الآخر أجبرهما الحاكم الشَّرعي على الاجتماع، وإن تعذَّر ذلك أو كان السَّبب فيه وجود المانع عنه لدى كليهما ضمَّ الحاكم إلى أحدهما شخصاً آخر حسب ما يراه من المصلحة وينفذ تصرفهما.

(مسألة 1073) لا يجب على من يعيِّنه الموصي لتنفيذ وصيَّته قبول الوصاية، بل له أن يردَّها في حياة الموصي بشرط أن يبلغه الرَّد، بل الأحوط لزوماً اعتبار تمكُّنه من الإيصاء إلى شخص آخر أيضاً، فلو كان الردُّ بعد موت الموصي أو قبل موته ولكن لم يبلغه حتَّى مات فلا أثر له وتكون الوصاية لازمة، وكذلك إذا بلغه الردُّ ولم يتمكَّن من الإيصاء إلى غيره لشدَّة المرض مثلاً على الأحوط وجوباً، نعم إذا كان العمل بالوصيَّة حرجيَّاً على الموصى إليه جاز له ردُّها.

(مسألة 1074) ليس للوصي أن يفوِّض أمر الوصيَّة إلى غيره، بمعنى أن يعزل نفسه عن الوصاية ويجعلها له، كما ليس له أن يجعل وصيَّاً لتنفيذها بعد موته إلاَّ إذا كان مأذوناً من قبل الموصي في الإيصاء، نعم له أن يوكِّل من يثق به في القيام بما يتعلَّق بالوصيَّة ممَّا لم يكن مقصود الموصي مباشرة الوصي له بشخصه.

ص: 343

(مسألة 1075) إذا أوصى إلى اثنين مجتمعين ومات أحدهما أو طرأ عليه جنون أو غيره ممَّا يوجب ارتفاع وصايته أقام الحاكم الشَّرعي شخصاً آخر مكانه، وإذا ماتا معاً نصب الحاكم اثنين، ويكفي نصب شخص واحد أيضاً إذا كان كافياً بالقيام بشؤون الوصيَّة إلاَّ إذا كان للاثنين خصوصيَّة لا يشخِّصها إلاَّ الموصي ولو احتمالاً فلا يكفي إلاَّ الاثنان.

(مسألة 1076) إذا عجز الوصي عن انجاز الوصيَّة - لكبر السنِّ ونحوه - حتَّى على سبيل التَّوكيل أو الاستيجار ضمَّ إليه الحاكم الشَّرعي من يساعده في ذلك.

(مسألة 1077) لا بأس بالإيصاء إلى عدَّة أشخاص على التَّرتيب، كأن يقول (زيد وصيِّي فإن مات فعمرو وصيِّي)، فوصاية عمرو تتوقَّف عندئذٍ على موت زيد.

(مسألة 1078) الوصي أمين، فلا يضمن ما يتلف في يده إلاَّ مع التَّعدَّي أو التَّفريط، مثلاً: إذا أوصى الميِّت بصرف ثلثه على فقراء بلده فنقله الوصي إلى بلد آخر وتلف المال في الطَّريق ضمنه لتفريطه بمخالفة الوصيَّة، بل حتَّى لو لم يتلف بأن وزَّعه بين فقراء البلد الثَّاني بلا اضطرار فغير مجاز شرعاً ويضمنه.

(مسألة 1079) تثبت دعوى مدَّعي الوصيَّة له بمال بشهادة مسلمين عدلين، وبشهادة مسلم عادل مع يمين المدَّعي، وبشهادة مسلم عادل مع مسلمتين عادلتين، وبشهادة أربع مسلمات عادلات، ويثبت ربع الوصيَّة بشهادة مسلمة عادلة، ونصفها بشهادة مسلمتين عادلتين، وثلاثة أرباعها بشهادة ثلاث مسلمات عادلات، كما تثبت الدَّعوى الآنفة الذكر بشهادة رجلين ذميين عدلين في دينهما عند الضَّرورة من بعض الحالات الاستثنائَّيَّة وعدم تيسُّر عدول المسلمين.

وأمَّا دعوى القيمومة على الصِّغار من قبل أبيهم أو جدِّهم أو الوصاية على صرف مال الميِّت فلا تثبت إلاَّ بشهادة عدلين من الرِّجال، ولا تقبل فيها شهادة النِّساء منفردات ولامنضمَّات إلى الرِّجال.

ص: 344

المبحث الرَّابع: منجَّزات المريض

(مسألة 1080) إذا تصرَّف المريض في مرض الموت تصرفُّاً منجَّزاً فإن لم يكن مشتملاً على المحاباة - كما إذا باع بثمن المثل أو آجر بأجرة المثل - فلا إشكال في صحَّته ولزوم العمل به، بخلاف ما لو باع أو آجر بأقل من ثمن وأجرة المثل.

وإذا كان مشتملاً على نوع من المحاباة والعطاء المجانِّي - كما إذا أعتق أو أبرأ أو وهب هبة مجانيَّة غير معوَّضة أو معوَّضة بأقل من القيمة أو باع بأقل من ثمن المثل أو آجر بأقل من أجرة المثل أو نحو ذلك - ممَّا يستوجب نقصاً في ماله فالظاهر أنَّه نافذ كتصرُّفه في حال الصحَّة لما ذكرناه من فرض التَّنجيز ولاستصحاب جريان قاعدة (النَّاس مسلَّطون على أموالهم وأنفسهم) ما دام بلا سفه أو إكراه، والقول بأنَّه يخرج من الثُّلث فإذا زاد عليه لم ينفذ إلاَّ بإجازة الوارث ضعيف لما ذكرناه وغيره.

(مسألة 1081) إذا أقرَّ بعين أو دين لوارث أو لغيره، فإن كان المقر مأموناً ومصدَّقاً في نفسه نفذ الإقرار من الأصل، وإن كان متَّهماً نُفِّذ من الثُّلث، هذا إذا كان المقر قريباً منه وكان الإقرار في مرض الموت.

والمقصود بالاتِّهام وجود أمارات يُظن معها بكذبه، كأن يكون بينه وبين الورثة معاداة يظن معها بأنَّه يريد بذلك إضرارهم، أو كان له محبَّة شديدة مع المقرِّ له يظن معها بأنَّه يريد بذلك نفعه.

ولكن في هذا الأخير حالة لا مانع فيه من إخراجه من الأصل، وهي فيما إذا كان أهله أو بعضهم يتَّهمونه بمعاداة لا واقع لها ولا سابق لها من غير حسن الظواهر في حين أنَّه قد وهب للمقر له مثلاً المال وإن كان من دون دفع إلاَّ بعد الوفاة مثلاً ممَّا واقعه أنَّه لا بنحو الهبة المعلَّقة حسب الفرض أو أنَّه دين له عليه في حياته لانتظار التَّصفية الماليَّة الَّتي لم يحن وقتها في الحياة أو الأبعد.

ص: 345

أمَّا إذا كان في حال الصحَّة أو في مرض غير مرض الموت أخرج من الأصل وإن كان متَّهماً.

(مسألة 1082) إذا قال المريض بمرض الوفاة هذا وقف بعد وفاتي، وأراد بما ظاهره من التَّعليق بالإيقاع هو الإخبار بما أوقفه في حياته من صيغة الوقف فهو صحيح غير متوقِّف على الإجازة أو يبقى محسوباً من الثُّلث.

(مسألة 1083) إذا قال المريض نفسه بعت أو آجرت أو صالحت أو وقَّفت بعد وفاتي بطل، ولا يجري عليه حكم الوصية بالبيع أو الوقف مثلاً، بحيث يجب على الورثة أن يبيعوا أو يوقِّفوا بعد وفاته، إلاَّ إذا فهم من كلامه أنَّه يريد الوصيَّة بالبيع أو الوقف فحينئذ كانت وصيَّته صحيحة ووجب العمل بها.

(مسألة 1084) إذا قال المريض أيضاً للمدين أبرأت ذمَّتك بعد وفاتي، وأجازه الوارث بعد موته برئت ذمَّة المدين، فإنَّ إجازة الإبراء بنفسها تنازل من قبل الورثة عن حقِّهم وإبراءلذمَّة المدين.

(مسألة 1085) إذا وهب بعض أمواله في مرض موته وأقبضه - من دون اتِّهام له - وأوصى ببعضها الآخر ثمَّ مات فإن وفَّى الثُّلث بالبعض الآخر (وهو الموصى به) أو أمضاه الورثة صحَّا جميعاً، وإلاَّ يحسب المال (الموصى به) من الثُّلث، فإن بقي شيء يعاد للورثة .

ص: 346

كتاب المواريث

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأوَّل: طبقات الورَّاث

(مسألة 1086) الأرحام في الإرث ثلاث طبقات، فلا يرث أحد الأقرباء في طبقة إلاَّ إذا لم يوجد للميِّت أقرباء من الطَّبقة السَّابقة عليها، وترتيب الطَّبقات كما يلي:

(الطَّبقة الأولى): الأبوان والأولاد مهما نزلوا، فالولد وولد الولد كلاهما من الطَّبقة الأولى، غير أنَّ الولد يمنع الحفيد والسِّبط عن الإرث عند اجتماعهما مع الولد.

(الطَّبقة الثَّانية): الأجداد والجدَّات مهما تصاعدوا، والأخوة والأخوات أو أولادهما عند فقدهما، وإذا تعدَّد أولاد الأخ منع الأقرب منهم الأبعد عن الميراث، فابن الأخ مقدَّم في الميراث على حفيد الأخ، وهكذا كما أنَّ الجد يتقدَّم على أبي الجد.

(الطَّبقة الثَّالثة): الأعمام والأخوال والعمَّات والخالات، وإذا لم يوجد أحد منهم قام أبناؤهم مقامهم ولوحظ فيهم الأقرب فالأقرب، فلا يرث أبناء الأعمام والأخوال مع وجود العم أو الخال أو العمَّة أو الخالة إلاَّ في حالة واحدة، وهي أن يكون للميِّت عم لأب، أي يشترك مع أبي الميِّت في الأب فقط، وله ابن عم من الأبوين، أي يشارك أبا الميِّت في الوالدين معاً، فإنَّ ابن العم - في هذه الحالة - يقدَّم على العم بشرط أن لا يكون معهما عم للأبوين ولا للأم ولا عمَّة ولا خال ولا خالة، ولو تعدَّد العم للأب أو ابن العم للأبوين أو كان معهما زوج أو زوجة ففي جريان الحكم المذكور إشكال، فلا يترك مقتضى الاحتياط في ذلك ولو بالتَّصالح.

وإذا لم يوجد للميِّت أقرباء من هذه الطَّبقات ورثته عمومة أبيه وأمِّه وعمَّاتهما وأخوالهما وخالاتهما وأبناء هؤلاء مع فقدهم، وإذا لم يوجد للميِّت أقرباء من هذا

ص: 347

القبيل ورثته عمومة جدِّه وجدَّته وأخوالهما وعمَّاتهما وخالاتهما، وبعدهم أولادهم مهما تسلسلوا بشرط صدق القرابة للميِّت عرفاً والأقرب منهم يقدَّم على الأبعد.

وهناك بإزاء هذه الطَّبقات الزَّوج والزَّوجة، فإنَّهما يرثان بصورة مستقلَّة عن هذا التَّرتيب على تفصيل يأتي.

المبحث الثَّاني: تفاصيل إرث الطَّبقات الثَّلاث

وفيه فصول:

الفصل الأوَّل: إرث الطَّبقة الأولى

وفيه قسمان:

القسم الأوَّل: إرث الأبناء

(مسألة 1087) إذا لم يكن للميِّت قريب من الطَّبقة الأولى إلاَّ أبناؤه ورثوا المال كله،فإنَّ كان له ولد واحد - ذكراً كان أو أنثى - كان كل المال له، وإذا تعدَّد أولاده وكانوا جميعاً ذكوراً أو إناثاً تقاسموا المال بينهم بالسويَّة، وإذا مات عن أولاد ذكور وإناث كان للولد ضعف البنت، فمن مات عن ولد وبنت واحدة قُسِّم ماله ثلاثة أسهم وأعطي للولد سهمان، وللبنت سهم واحد.

القسم الثَّاني: إرث الآباء

(مسألة 1088) إذا لم يكن للميِّت قريب من الطَّبقة الأولى غير أحد أبويه فقط أخذ المال كله، ومع وجود الأبوين معاً يأخذ الأب ثلثي المال وتأخذ الأم الثُّلث مع عدم الحاجب، ومع وجود الحاجب من الأقرباء ينقص سهم الأم من الثُّلث إلى

ص: 348

السُّدس ويعطى الباقي للأب، والمقصود بالحاجب أن يكون للميِّت أخوة أو أخوات تتوفَّر فيهم الشُّروط الآتية، فإنَّهم عندئذٍ وإن لم يرثوا شيئاً إلاَّ أنَّهم يحجبون الأم عن الثُّلث فينخفض سهمها من الثُّلث إلى السُّدس، والشُّروط هي:

1 - وجود الأب حين موت الولد.

2 - أن لا يقلوا عن أخوين، أو أربع أخوات، أو أخ وأختين.

3 - أن يكونوا أخوة الميت لأبيه وأمِّه أو للأب خاصَّة.

4 - أن يكونوا مولودين فعلاً، فلا يكفي الحمل.

5 - أن يكونوا مسلمين.

6 - أن يكونوا أحراراً.

صور اجتماع الأبوين مع وجود الأولاد

(مسألة 1089) لو اجتمع الأبوان مع الأولاد فلذلك صور:

منها: أن يجتمع الأبوان مع بنت واحدة ولا تكون للميِّت أخوة تتوفُّر فيهم الشُّروط المتقدِّمة للحجب فيقسَّم المال خمسة أسهم، فلكل من الأبوين سهم واحد وللبنت ثلاثة أسهم.

ومنها: أن يجتمع الأبوان مع بنت واحدة وللميِّت أخوة تجتمع فيهم الشُّروط المتقدِّمة للحجب فذهب بعض الفقهاء (رض) إلى أنَّ حكمها حكم الصُّورة السَّابقة فيقسَّم المال خمسة أسهم أيضاً ولا أثر لوجود الأخوة، ولكن المشهور قالوا إنَّ الأخوة يحجبون الأم فيقسَّم المال أسداساً، وتعطى ثلاثة أسهم كاملة منها للبنت كما تعطى أيضاً ثلاثة أرباع سدس آخر، وتنخفض حصَّة الأم إلى السُّدس فتكون حصَّة الأب السُّدس وربع السُّدس.

ص: 349

فبالنتيجة يقسَّم المال أربعة وعشرين حصَّة: تعطى أربعاً منها للأم وخمساً منها للأب، والباقي - وهو خمس عشرة حصَّة - للبنت، والمسألة لا تخلو عن إشكال، فلا تُترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيما به التَّفاوت بين الخمس والسُّدس من حصَّة الأم من الرُّجوع إلى الصُّلح.

ومنها: أن يجتمع الأبوان مع ابن واحد، فيقسَّم المال إلى ستَّة أسهم، يُعطى كل من الأبوين منها سهماً، ويُعطى الولد سهاماً أربعة، وكذلك الحال إذا تعدَّد الأولاد مع وجود الأبوين، فإنَّ لكل من الأب والأم السُّدس وتُعطى السِّهام الأربعة للأولاد يتقاسمونها بينهم بالسويَّة إن كانوا جميعاً ذكوراً أو إناثاً وإلاَّ قُسِّمت بينهم للذكر ضعف ما للأنثى.

صور اجتماع أحد الأبوين مع الأولاد

(مسألة 1090) إذا اجتمع أحد الأبوين مع الأولاد فله صور أيضاً:

منها: أن يجتمع أحد الأبوين مع بنت واحدة، فيُعطى ربع المال للأب أو الأم، ويُعطى الباقي كله للبنت.

ومنها: أن يجتمع أحد الأبوين مع ابن واحد أو عدَّة أبناء للميِّت، وفي هذه الحالة يُعطىأحد الأبوين سدس المال والباقي للابن، ومع التَّعدُّد يُقسَّم بينهم بالسويَّة.

ومنها: أن يجتمع أحد الأبوين مع بنات للميِّت، فيأخذ الأب أو الأم خمس المال ويكون الباقي للبنات يقسَّم بينهن بالسويَّة.

ومنها: أن يجتمع أحد الأبوين مع ابن وبنت معاً، فيُعطى سدس المال للأب أو الأم ويقسَّم الباقي بين أولاده للذكر ضعف حصَّة الأنثى.

(مسألة 1091) إذا لم يكن للميِّت ابن أو بنت بلا واسطة كان الإرث لأولادهما،

ص: 350

فيرث ولد الابن حصَّة أبيه وإن كان أنثى، ويرث ولد البنت حصَّة أمِّه وإن كان ذكراً، فلو مات شخص عن بنت ابن وابن بنت أخذت البنت سهمين وأخذ الابن سهماً واحداً، وإذا تعدَّد أولاد الابن أو أولاد البنت فإن كانوا جميعاً ذكوراً أو إناثاً تقاسموا حصَّة أبيهم أو أمِّهم بالسويَّة وإلاَّ قسِّمت بينهم للذكر ضعف ما للأنثى.

ما يسمَّى بالحبوة

(مسألة 1092) يعطى مجَّاناً من تركة الرَّجل لأكبر أبناءه حين وفاته مصحفه وخاتمه وسيفه وثياب بدنه دون ما أعدَّه للتِّجارة ونحوها، وإذا تعدَّد غير الثِّياب كما إذا كان له خاتمان مثلاً ففي كون الجميع من الحبوة إشكال، وكذلك الإشكال في مثل الرَّحل ومثل البندقية والخنجر وما يشبههما من الأسلحة من الحبوة، فلا يترك الاحتياط بمصالحة الابن الأكبر مع سائر الورثة بشأنها.

الفصل الثَّاني: إرث الطَّبقة الثَّانية

وفيه قسمان:

القسم الأوَّل: إرث الأخوة والأخوات

(مسألة 1093) سبق أنَّ الأخوة والأخوات من الطَّبقة الثَّانية، وعليه إرثهم يكون على أنحاء:

1 - أن يكون وارث الميِّت أخاً واحداً، أو أختاً واحدة، فللأخ أو الأخت - في هذه الحالة - المال كلُّه، سواء أكان من طرف الأب أم من طرف الأم أم من الطَّرفين معاً.

2 - أن يرثه أخوة أو أخوات أو أخوة وأخوات وكلهم لأبيه وأمِّه، أو كلُّهم لأبيه

ص: 351

فقط، فيقسَّم المال بينهم بالسويَّة إن كانوا جميعاً ذكوراً أو إناثاً، وإلاَّ قسِّم للذكر ضعف ما للأنثى، فللأخت سهم وللأخ سهمان.

3 - أن يرثه أخوة أو أخوات أو أخوة وأخوات وكلُّهم لأمِّه، فيقسَّم المال بينهم بالسويَّة.

4 - أن يجتمع الأخ للأبوين مع الأخ للأب دون أخ للأم، فيرث المال كلَّه الأخ للأبوين، ولا يرث الأخ للأب شيئاً، ومع تعدُّد الأخوة للأبوين - في هذه الحالة - يتقاسمون المالبالسويَّة، وهكذا الحكم عند اجتماع الأخت للأبوين مع الأخت للأب دون أخت للأم، ومع اختلاف الورثة في الذكورة والأنوثة يقسَّم المال للذكر ضعف ما للأنثى.

5 - أن يجتمع الأخوة أو الأخوات للأبوين - أو الأخوة أو الأخوات للأب إذا لم يكن أخوة أو أخوات للأبوين - مع أخ واحد أو أخت واحدة للأم، فيعطى للأخ أو الأخت للأم سدس المال، ويقسَّم الباقي على سائر الأخوة أو الأخوات بالسويَّة إلاَّ إذا اختلفوا في الذكورة والأنوثة فيُعطى للذكر ضعف ما للأنثى.

6 - أن يجتمع الأخوة أو الأخوات للأبوين - أو الأخوة أو الأخوات للأب إذا لم تكن أخوة أو أخوات للأبوين - مع أخوة أو أخوات أو أخوة وأخوات للام، فينقسم الميراث ثلاثة أسهم يُعطى سهم منها للأخوة من الأم، يتقاسمونه بالسويَّة ذكوراً وإناثاً، والسَّهمان الآخران للباقين للذكر ضعف ما للأنثى.

7 - أن يجتمع الأخوة من الأبوين مع أخوة للأب وأخ واحد أو أخت واحدة للأم، فيحرم الأخوة للأب من الميراث ويُعطى للأخ أو الأخت من الأم سدس المال، ويقسَّم الباقي - كله - على أخوته من الأبوين بالسويَّة، وهكذا الحكم عند اجتماع الأخوات من الأبوين مع الأخوات من الأب مع أخ واحد أو أخت واحدة للأم، ولو اختلفوا في الذكورة والأنوثة يُعطى للذكر ضعف ما للأنثى.

ص: 352

8 - أن يجتمع للميِّت أخوة أو أخوات أو أخوة وأخوات من الأبوين معاً ومن الأبِّ خاصَّة وأخوة أو أخوات أو أخوة وأخوات للأم فقط، فلا يرث الأخوة والأخوات للأب - كما في الصُّورة السَّابقة - ويُعطى للأخوة والأخوات من الأم ثلث المال، يقسَّم بينهم بالسويَّة ذكوراً وإناثاً، والثُّلثان الآخران لمن كان من الأبوين يقسَّم بينهم بالسويَّة إن كانوا جميعاً ذكوراً أو جميعاً إناثاً وإلاَّ قسِّم بينهم للذكر ضعف ما للأنثى لو اجتمعوا ذكوراً وإناثاً.

(مسألة 1094) إذا مات الزَّوج عن زوجة وأخوة ورثته الزَّوجة - ربع التَّركة أو ثمنها مع الولد على تفصيل يأتي - وورثه أخوته وفقاً لما عرفت في المسائل السَّابقة، وإذا ماتت الزَّوجة عن أخوة لها وزوج كان للزَّوج نصف المال والباقي للأخوة طبقاً لما سبق، غير أنَّه في بعض صور الورَّاث الأخوات تكون السِّهام المفروضة لهنَّ أكثر من الفريضة، فيرد النَّقص على الأخوات من الأبوين أو من الأب دون الأخوات من الأم.

مثلاً إذا ماتت المرأة عن زوج وأختين من الأبوين أو من الأب وأختين من الأم فإنَّ سهم المتقرِّب بالأم الثُّلث وسهم الأختين من الأبوين أو الأب الثُّلثان وذلك تمام الفريضة ويزيد عليها حصَّة الزَّوج فيرد النَّقص على الأختين من الأبوين أو الأب.

فإذا كانت التَّركة ستَّة دراهم مثلاً يُعطى للأختين من الأم درهمان منها كما لو لم يوجد زوج لأختهم المتوفَّاة، ويُعطى للزَّوج ثلاثة دراهم هي نصف التَّركة ويبقى درهم واحد للأختين من الأب أو الأبوين، وهذا معنى أنَّ الأخوات للأب أو الأبوين يرد النَّقص عليهنَّ دون الأخوات من الأم.

(مسألة 1095) إذا لم يكن للميِّت أخوة قامت ذريَّتهم مقامهم في أخذ حصصهم، فلو خلَّف الميِّت أولاد أخ لأم وأولاد أخ للأبوين أو للأب كان لأولاد الأخ للأم السُّدس وإن كثروا، ولأولاد الأخ للأبوين أو للأب الباقي وان قلُّوا، وتقسَّم حصَّة أولاد الأخوة أو الأخوات من الأم بينهم بالتَّساوي وإن اختلفوا في الذكورة والأنوثة،

ص: 353

أمَّا حصَّة أولاد الأخوة أو الأخوات من الأبوين أو الأب فهل تقسَّم بينهم بالتَّساوي أيضاً؟ أو يُعطى للذكر ضعف حصَّة الأنثى على المشهور؟ فيه إشكال لبعضهم، والأحوط لزوماً هو الرُّجوع إلى الصُّلح ولا مانع منه.

القسم الثَّاني: إرث الأجداد والجدَّات

(مسألة 1096) إنَّ الأجداد والجدَّات هم من الطَّبقة الثَّانية - كما سبق - ولكن لا يرث الجدُّ أو الجدَّة الأبعد مع وجود الأقرب، ولإرث الأجداد والجدَّات صور:

(1) أن ينحصر الوارث في جدٍّ أو جدَّة لأبيه أو لأمِّه، فالمال كلُّه للجد أو الجدَّة.

(2) أن يرثه جدُّه وجدَّته لأبيه، فللجد الثُّلثان وللجدَّة الثُّلث.

(3) أن يرثه جدُّه وجدَّته لأمِّه، فيقسَّم بينهم المال جميعاً بالسويَّة.

(4) أن يرثه أحد جدَّيه لأبيه مع أحد جدَّيه لأمِّه، فللجد أو الجدَّة من الأم الثُّلث والباقي للجد أو الجدَّة من الأب.

(5) أن يرثه جدَّاه لأبيه - الجد والجدَّة - وجدَّاه لأمِّه، فيُعطى للجدَّين من الأب ثلثان، للجدمنه ضعف ما للجدَّة، ويُعطى للجدَّين من الأم ثلث يقسَّم بينهما بالسويَّة كما مرَّ.

(مسألة 1097) إذا مات الرَّجل وله زوجة وجدَّان - جد وجدَّة - لأبيه وجدَّان لامه، يُعطى لجدَّيه من الأم ثلث مجموع التَّركة يقسَّم بين الجد والجدَّة على السَّواء وترث الزَّوجة نصيبها - على تفصيل سيأتي - ويُعطى الباقي لجدِّه وجدَّته لأبيه للذكر منهما ضعف حظ الأنثى.

(مسألة 1098) إذا ماتت المرأة عن زوج وجدٍّ وجدَّة أخذ الزَّوج نصف المال والباقي للجد والجدَّة وفقاً للتَّفصيلات السَّابقة.

ص: 354

صور اجتماع الأخوة والأجداد

(مسألة 1099) إذا اجتمع الأخ أو الأخت أو الأخوة أو الأخوات مع الجد أو الجدَّة أو الأجداد والجدَّات ففيه صور:

الأولى: أن يكون كل من الجد أو الجدَّة والأخ أو الأخت جميعاً من قبل الأم، ففي هذه الصُّورة يقسَّم المال بينهم بالسويَّة وإن اختلفوا في الذكورة والأنوثة.

الثَّانية: أن يكونوا جميعاً من قبل الأب، ففي هذه الصُّورة يقسَّم المال بينهم بالتَّفاضل للذكر ضعف حصَّة الأنثى مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة، وإلاَّ فبالسويَّة.

الثَّالثة: أن يكون الجد أو الجدَّة للأب والأخ أو الأخت للأبوين، وحكم هذه الصُّورة حكم الصُّورة الثَّانية، وقد تقدَّم أنَّه إذا كان للميِّت أخ أو أخت للأب فقط فلا إرث له إذا كان معه أخ أو أخت للأبوين.

الرَّابعة: أن يكون الأجداد أو الجدَّات متفرِّقين فكان بعضهم للأب وبعضهم للأم، سواء أكانوا جميعاً ذكوراً أم إناثاً أم مختلفين في الذكورة والأنوثة، وكان الأخوة أو الأخوات معهم كذلك، أي كان بعضهم للأم وبعضهم للأب وكانوا جميعاً ذكوراً أو إناثاً أو مختلفين فيهما، ففي هذه الصُّورة يقسَّم المال على الشَّكل التَّالي:

للمتقرِّب بالأم من الأخوة أو الأخوات والأجداد أو الجدَّات جميعاً الثُّلث يقسِّمونه بينهم بالسويَّة ولو مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة، وللمتقرِّب بالأب من الفريقين كذلك الثُّلثان الباقيان، لكن يقتسمونهما بينهم بالتَّفاضل للذكر ضعف حصَّة الأنثى مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة وإلاَّ فبالسويَّة.

الخامسة: أن يكون مع الجد أو الجدَّة من قبل الأب أخ أو أخت من قبل الأم، ففي هذه الصُّورة يكون للأخ أو الأخت السُّدس إن كان واحداً، والثُّلث إن كان متعدِّداً يقسَّم بينهم بالسويَّة، والباقي للجد أو الجدَّة واحداً كان أو متعدِّداً، نعم في صورة

ص: 355

التَّعدُّد يقسم بينهم بالتَّفاضل مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة وإلاَّ فبالسويَّة.

السَّادسة: أن يكون مع الجد أو الجدَّة للأم أخ للأب أو أخ وأخت أو أكثر، ففي هذه الصُّورة يكون للجد أو الجدَّة الثُّلث واحداً كان أو متعدِّداً ومع التَّعدُّد يقسَّم المال بينهم بالسويَّة، وللأخ الثُّلثان إن كان واحداً ومع التَّعدُّد يقسَّم بينهم بالسويَّة، ومع الاختلاف فيالذكورة والأنوثة يكون للذكر ضعف ما للأنثى.

وإذا كانت مع الجد أو الجدَّة للام أخت للأب فإن كانتا اثنتين فما فوق فلهنَّ الثُّلثان - وإن كانت واحدة فلها النِّصف - وللجد أو الجدَّة الثُّلث في كلتا الصُّورتين، فيبقى السُّدس زائداً من الفريضة في الصُّورة الأخيرة، ولا يترك الاحتياط بالصُّلح فيه.

السَّابعة: أن يكون الأجداد أو الجدَّات متفرِّقين فكان بعضهم للأب وبعضهم للأم وكان معهم أخ أو أخت للأب واحداً كان أو أكثر، ففي هذه الصُّورة يقسَّم المال على النَّحو التَّالي:

للجد أو الجدَّة من قبل الأم الثُّلث، ومع التَّعدُّد يقسَّم بينهم بالسويَّة ولو مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة، وللجد أو الجدَّة والأخ أو الأخت للأب جميعاً الثُّلثان الباقيان يقسَّمان بالتَّفاضل مع الاختلاف وإلاَّ فبالسويَّة، وإذا كان معهم أخ أو أخت للأم يكون للجد أو الجدَّة للام مع الأخ أو الأخت لها الثُّلث بالسويَّة ولو مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة، وللجد أو الجدَّة للأب الثُّلثان يقسَّمان بالتَّفاضل مع الاختلاف فيهما وإلاَّ فبالسويَّة.

الثَّامنة: أن يكون مع الأخوة أو الأخوات المتفرِّقين جد أو جدَّة للأب، ففي هذه الصُّورة يكون للأخ أو الأخت للام السُّدس إن كان واحداً والثُّلث إن كان متعدِّداً يقتسمونه بينهم بالسويَّة، وللأخ أو الأخت للأب مع الجد أو الجدَّة له الباقي يقتسمونه للذكر ضعف ما للأنثى مع الاختلاف وإلاَّ فبالسويَّة، وإن كان معهم جد أو جدَّة للأم فقط فللجد أو الجدَّة مع الأخ أو الأخت للأم جميعاً الثُّلث يقتسمونه بينهم بالسويَّة

ص: 356

وللأخ أو الأخت للأب الباقي يقتسمونه بينهم بالتَّفاضل مع الاختلاف وإلاَّ فبالسويَّة.

(مسألة 1100) أولاد الأخوة لا يرثون مع الأخوة شيئاً، فلا يرث ابن الأخ وإن كان للأبوين مع الأخ أو الأخت وإن كان للأب أو الأم فقط، هذا فيما إذا زاحمه، وأمَّا إذا لم يزاحمه كما إذا ترك جدَاً لأمِّه وابن أخ لأمِّه وأخاً لأبيه فإنَّ ابن الأخ حينئذٍ يشارك الجد في الثُّلث والثُّلثان للأخ.

الفصل الثَّالث: إرث الطَّبقة الثَّالثة

وهي قسمان:

القسم الأوَّل: مواريث العمَّ والعمَّة

(مسألة 1101) العم والعمَّة من الطبقة الثَّالثة، ولإرثهما صور:

منها: أن ينحصر الوارث في عم واحد أو عمَّة واحدة، فالمال كلُّه للعم أو العمَّة، سواء أكانا مشتركين مع أب الميِّت في الأب والأم معاً (العم أو العمَّة للأبوين) أم في الأب فقط (العم أو العمَّة للأب) أم في الأم فقط (العم أو العمَّة للأم).

ومنها: أن يموت الشَّخص عن أعمام أو عمَّات، كلُّهم أعمام أو عمَّات للأب، أو للأم أو للأبوين فيقسَّم المال عليهم بالسويَّة.

ومنها: أن يموت الشَّخص عن عم وعمَّة كلاهما للأب أو كلاهما للأبوين فللعم ضعف ما للعمَّة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون العم أو العمَّة واحداً أو أكثر من واحد.

ومنها: أن يموت الشَّخص عن أعمام وعمَّات للأم، وفي هذه الصُّورة أيضاً يقسَّم المال بينهم بالتَّفاضل، وإن كان الأحوط استحباباً التَّصالح في الزِّيادة.

ومنها: أن يموت الشَّخص عن أعمام وعمَّات، بعضهم للأبوين وبعضهم للأب وبعضهم للأم، فلا يرثه الأعمام والعمَّات للأب وإنَّما يرثه الباقون، فإذا كان للميِّت عم

ص: 357

واحد أو عمَّة واحدة للأم يُعطى السُّدس ويأخذ الأعمام والعمَّات للأبوين الباقي يقسَّم بينهم للذكر ضعف حظ الأنثى، وإذا كان للميِّت عم للأم وعمَّة لها معاً كان لهما الثُّلث يقسَّم بينهما للذكر ضعف ما للأنثى.

ومنها: أن يموت الشَّخص عن أعمام وعمَّات بعضهم للأب وبعضهم للأم، فيقوم المتقرِّب بالأب - في هذه الصُّورة - مقام المتقرِّب بالأبوين في الصُّورة السَّابقة.

القسم الثَّاني: مواريث الأخوال والخالات

(مسألة 1102) الأخوال والخالات من الطَّبقة الثَّالثة - كما مرَّ - وللخال المنفرد المال كلُّه، والخالان فما زاد كذلك يقسَّم بينهم بالسويَّة، وللخالة المنفردة المال كلَّه، وكذلك الخالتان والخالات، وإذا اجتمع الذكور والإناث بأن كان للميِّت خال فما زاد وخالة فما زادت - سواء أكانوا للأبوين أم للأب أم للأم - ففي كون القسمة بينهم بالتَّساوي أو بالتَّفاضل إشكال، فلايترك الاحتياط بالتَّصالح في الزِّيادة، وإذا اجتمع منهم المتقرِّبون بالأب والمتقرِّبون بالأم والمتقرِّبون بالأبوين ففي سقوط المتقرِّبين بالأب - أي الخال المتَّحد مع أمِّ الميِّت في الأب فقط - وانحصار الإرث بالباقين إشكال، فلا يترك الاحتياط بالصُلح، وعلى كل تقدير فمع الاختلاف في الذكورة والأنوثة يجري الإشكال المتقدِّم في كون القسمة بالتَّساوي أو بالتَّفاضل فلا يترك الاحتياط بالتصالح أيضاً.

صور اجتماع الأعمام مع الأخوال

(مسألة 1102) إذا اجتمع من الأعمام والعمَّات واحد أو أكثر مع واحد أو أكثر من الأخوال والخالات قسِّم المال ثلاثة أسهم فسهم واحد للخؤولة وسهمان للعمومة، وإذا لم يكن للميِّت أعمام وأخوال قامت ذريَّتهم مقامهم على نحو ما ذكرناه في

ص: 358

الأخوة، غير أنَّ ابن العم للأبوين يتقدَّم على العم للأب كما تقدَّم.

(مسألة 1103) إذا كان ورثة الميِّت من أعمام أبيه وعمَّاته وأخواله وخالاته، ومن أعمام أُمِّه وعمَّاتها وأخوالها وخالاتها، أعطي ثلث المال لهؤلاء المتقرِّبين بالأم، وفي كون التَّقسيم بينهم بالسويَّة أو بالتَّفاضل إشكال فلا يترك الاحتياط بالتَّصالح، وأعطي ثلث الباقي لخال الأب وخالته، ويقسَّم بينهما بالسويَّة ويُعطى الباقي لعم الأب وعمَّته، وفي كون التَّقسيم بينهما بالسويَّة أو بالتَّفاضل إشكال فلا يترك الاحتياط بالتَّصالح، وإذا لم يكن للميِّت أحد من هؤلاء كان الإرث لذريَّتهم مع رعاية الأقرب فالأقرب.

المبحث الثَّالث: إرث الزَّوج والزَّوجة

(مسألة 1104) للزَّوج نصف التَّركة إذا لم يكن للزَّوجة ولد وإن نزل، وله ربع التَّركة إذا كان لها ولد ولو من غيره، وباقي التَّركة يقسَّم على سائر الورثة، وللزَّوجة - إذا مات زوجها - ربع المال إذا لم يكن للزَّوج ولد وإن نزل، ولها الثُّمن إذا كان له ولد ولو من غيرها، والباقي يعطى لسائر الورثة.

(مسألة 1106) الزَّوجة لها حكم خاص في الإرث، فإنَّ بعض الأموال لا ترث منها مطلقاً ولا نصيب لها لا فيها ولا في قيمتها وثمنها، وهي الأراضي بصورة عامَّة كأرض الدَّار والمزرعة وما فيها من مجرى القنوات، وبعض الأموال لا ترث منها عيناً ولكنها ترث منها قيمة، بمعنى أنَّها لا حق لها في نفس الأعيان، وإنَّما لها نصيب من ماليَّتها، وذلك في الأشجار والزَّرع والأبنية الَّتي في الدور وغيرها، فإنَّ للزَّوجة سهمها في قيمة تلك الأموال.

والعبرة بقيمتها يوم الدَّفع، على أن لا يبخس حقُّها بتعطيله إذا كان موجوداً وهي محتاجة إليه أو كان يسبِّب نقصاً في القدرة الشِّرائيَّة من حيث تلك القيمة، ولو بذَّل

ص: 359

الوارث لها نفس الأعيان بدلاً عن القيمة وجب عليها القبول، فتصبح شريكة مع الوارث في العين.

وأمَّا غير تلك الأموال من أقسام التَّركة - المنقولة نقوداً وذهباً وفضَّة وملابسومأكولات - فترث منه الزَّوجة كما يرث سائر الورثة.

ثمَّ إنَّ طريقة التَّقويم فيما ترث الزَّوجة من قيمته هي ما تعارف عند المقوِّمين في تقويم مثل الدَّار والبستان عند البيع من تقويم البناء أو الشَّجر بما هو هو - لا بملاحظته ثابتاً في الأرض بدون أُجرة ولا بملاحظته منقوضاً أو مقطوعاً، فيُعطى إرث الزَّوجة من قيمته المستنبطة على هذا الأساس.

(مسألة 1107) لا يجوز لسائر الورثة التَّصرف فيما ترث منه الزَّوجة حتَّى فيما لها نصيب من قيمته كالأشجار وبناء الدار إلاَّ مع الاستئذان منها.

(مسألة 1108) إذا تعدَّدت الزَّوجات قسِّم الربع أو الثُّمن عليهنَّ، ولو لم يكن قد دخل بهنَّ أو ببعضهنَّ، نعم من لم يدخل بها وكان قد تزوَّجها في مرضه الَّذي مات فيه فنكاحها باطل ولا مهر لها ولا ميراث، ولكن الزَّوج إذا تزوَّج امرأة في مرض موتها يرث منها ولو لم يدخل بها كما مرَّ في منجَّزات المريض في آخر كتاب الوصيَّة.

(مسألة 1109) الزَّوجان يتوارثان - فيما إذا انفصلا بالطَّلاق الرَّجعي - ما دامت العدَّة باقية، فإذا انتهت أو كان الطَّلاق بائناً فلا توارث.

(مسألة 1110) ما تستعمله الزَّوجة من ثياب ونحوها بإذن من زوجها لها بذلك من دون تمليكها إيَّاها يعتبر جزءً من التَّركة، يرث منه مجموع الورثة ولا تختص به الزَّوجة.

المبحث الرَّابع: مسائل متفرِّقة في الإرث

(مسألة 1111) إذا كان على الميِّت دين فإن كان مستغرقاً للتَّركة وجب على الولد

ص: 360

الأكبر صرف مختصَّاته الآنفة الذكر في أداء الدَّين، وإذا لم يكن مستغرقاً كان عليه المساهمة في أدائه من تلك المختصَّات بالنِّسبة، فلو كان الدَّين يساوي نصف مجموع التَّركة كان عليه صرف نصف تلك المختصَّات في هذا السَّبيل.

(مسألة 1112) يعتبر في الوارث أن يكون مسلماً إذا كان المورِّث كذلك، فلا يرث الكافر من المسلم وإن ورث المسلم الكافر، وكذلك يعتبر فيه أن لا يكون قد قتل مورِّثه عمداً ظلماً، وأمَّا إذا قتله خطأً محضاً - كما إذا رمى بحجارة إلى طيرٍ فوقعت على مورِّثه ومات بها - أو خطأ شبيهاً بالعمد - كما إذا ضرب مورِّثه بما لا يقتل عادة قاصداً ضربه لا قتله فأدَّى إلى قتله - لم يمنع ذلك من إرثه منه، نعم لا يرث من ديته الَّتي تجب عليه.

(مسألة 1113) الحمل يرث إذا انفصل حيَّاً، ويجوز قبل ولادته تقسيم التَّركة على سائر الورثة، ولكن إذا لم يطمئن بكونه أنثى فالأحوط وجوباً أن يعزل له نصيب ذكر أو ذكرين بل أزيد منه إذا احتمل تعدَّده احتمالاً معتدَّاً به، فإن ولد حيَّاً وتبيَّن أنَّ المعزول أزيد من نصيبه قسِّم الزَّائد على سائر الورثة بنسبة سهامهم.

(مسألة 1114) لا توارث بين ولد الزِّنا وبين أبيه الزَّاني وأمِّه الزَّانية ومن يتقرَّب بهما، فلا يرثهم كما لا يرثونه، ويثبت التَّوارث بينه وبين أقربائه من غير الزِّنا كالولد والحفيد، وكذلك الزَّوج والزَّوجة فيرثهم ويرثونه، وإذا مات مع عدم الوارث الشَّرعي فإرثه للإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ .

(مسألة 1115) الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ هو وارث من لا وراث له بنسب أو سبب آخر كما سيأتي في ولاء الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وسبيل إرثه منه سبيل سهمه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ من الخمس وأمره في عصر الغيبة بيد الحاكم الشَّرعي، والأحوط لزوماً أن يرجع فيه إلى المرجع الأعلم المطَّلع على الجهات العامَّة مع سلامة دينه وتقواه وعدم تأثير الغير عليه.

(مسألة 1116) إذا غاب الشَّخص غيبة منقطعة لا يعلم معها حياته ولا موته فحكم أمواله أن يتربَّص بها أربع سنين يفحص عنه فيها بإذن الحاكم الشَّرعي، فإذا جهل خبره

ص: 361

قسِّمت أمواله بين ورثته الَّذين يرثونه لو مات حين انتهاء مدَّة التَّربص، ولا يرثه الَّذين يرثونه لو مات بعد انتهاء مدَّة التَّربص، ويرث هو مورِّثه إذا مات قبل ذلك ولا يرثه إذا مات بعد ذلك، ويجوز أيضاً تقسيم أمواله بعد مضيِّ اثني عشر سنة من فقده بلا حاجة إلى الفحص.

المبحث الخامس: في ملحقات المواريث

يلحق بالكلام عن المواريث حالات تعرف بها الاستحقاقات شرعاً لما سيتَّضح من أصحابها ضمن فصول:

الفصل الأوَّل: ميراث الخنثى

ومعناه وطرق وضوحه وأحكامه فيما يلي:

(مسألة 1117) الخنثى هو من له فرج الرِّجال وفرج النِّساء أو مخفي الآلتين مع وجود شيء من المخرجين، ومعرفة استحقاقه المواريث لا يمكن إلاَّ بمعرفته أنَّه من خصوص الرِّجال أو الإناث أو كونه مشكلاً.

(مسألة 1118) إن علم أنَّه من الرِّجال أو من النِّساء عمل به كما في شأن الطَّبيعة الشَّرعيَّة وإلاَّ رجع إلى الأمارات وهي:

البول من أحد المخرجين بعينه، فإن كان من مسلك الرِّجال عمل به، وإن كان من مسلك النِّساء عمل به، وإن كان يبول من كليهما كان المدار على سبق البول منه.

وهناك أمور اختلف فيها بين المشهور وبين بعض الرِّوايات لا داعي لها إلاَّ بالبناء على القرعة الَّتي هي (لكل أمر مشكل)، والأحوط من ذلك إسهامه من تركة مورِّثه بنصف سهم رجل ونصف سهم امرأة، وكذلك حكم من جهل أنَّه ذكر أم أنثى لفرق

ص: 362

ونحوه.

الفصل الثَّاني: ميراث الغرقى والمهدوم عليهم

والكلام عنه وعنهم فيما يلي:

(مسألة 1119) إذا غرق جماعة من الأقارب نسباً وسبباً فيما بينهم توارث إذا مات بعضهم قبل بعض ولكن صادف غرقهم في آن واحد أو لم يعلم المتقدِّم منهم عن المتأخر - وهكذا من هدم عليهم جدار ونحوه فأماتهم - فلابدَّ لذراريهم وغيرهم من أقاربهم الأحياء من أن يرثوا ما يخلِّفه أولئك من الأموال، لكن هذه الحالة الشَّائكة سبَّبت عرقلة معرفة نسب المواريث ومقاديرها لكل منهم، لعدم معرفة المتقدِّم في الموت من المتأخِر حتَّى يعرف الاستحقاق الشَّرعي إلى أن وصل الأمر إلى وجوب الحل الشَّرعي.

وتوضيح هذا الأمر وحلِّه مبني على شيئين:

الأوَّل: وجوب توفُّر شروط ثلاثة:

أ / أن يكون لهم أو لأحدهم مال على الأقل.

ب / أن يكون بينهم نسب أو سبب يوجب الإرث من دون مانع.

ج / أن يجهل المتقدِّم والمتأخِّر والمتقارن.

الثَّاني: بعد توفُّر هذه الشُّروط - واتِّضاح أمر وجوب التَّوارث المجهولة مقادير أمواله - جاء حكم الشَّرع الشَّريف الَّذي لا يترك الأمور على غموضها.

وهو أنَّه فيما لو كان الغرق أو نحوه حاصلاً في اثنين فإنَّهما إذا لم يعلم السَّبق واللحوق فيما بينهما بالموت يرث كل واحد منهما افتراضاً من صاحبه الَّذي مات عنه لا بما ورثه منه، فيفرض كل منهما حيَّاً حال موت الآخر فيما يرثه منه، يرثه إذا غرق معه مثلاً الزَّوجان واشتبه المتقدِّم والمتأخِّر وليس لهما ولد، فيرث الزَّوج النِّصف من تركة الزَّوجة وترث الزَّوجة ربع ما تركه زوجها فيدفع النِّصف الموروث للزَّوج إلى ورثته مع

ص: 363

ثلاثة أرباع تركته الباقية بعد إخراج ربع الزَّوجة ويدفع ربع الموروث للزَّوجة مع نصف تركتها الباقي بعدنصف الزَّوج إلى ورثتها، هذا حكم الميِّتَين فيما بينهما.

أمَّا حكم إرث الحي غيرهما من أحد الميِّتَين من ماله الأصلي، ففي مثل ما لو غرقت الزَّوجة وبنتها فالزَّوج الحي يرث من زوجته الرُّبع إذا لم يكن للزَّوجة غير البنت ولا يرث النِّصف، وكذا إرث البنت فإنَّها تفرض سابقة فيكون لأمُّها الَّتي غرقت معها الثُّلث ولأبيها الثُّلثان، وإذا غرق الأب وبنته الَّتي ليس له ولد سواها كان لزوجته الحيَّة الثَّمن ولا يفرض موته بعد البنت، وهكذا، وإذا كان الموتى ثلاثة فما زاد فرض الموت في كل واحد منهم وحياة الآخرين فيرثان منه كغيرهما من الأحياء وهكذا الباقي.

الفصل الثَّالث: الولاء وأنواعه

وهو ما إذا انعدم وجود الورَّاث الأصلييِّن وما ألحق بهم ممَّا مضى نسبيَّاً وسببيَّاً يأتي دور الولاء على نحو التَّتابع في الميراث

وهي ثلاثة: ولاء العتق وولاء ضمان الجريرة وولاء الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ .

النَّوع الأوَّل: ولاء العتق

هو وإن تعذَّر في هذا الزَّمان ولكن نذكره جرياً على نهج الماضين (قده) ولو مختصراً لبعض الفوائد ولو نادراً على تقدير توفُّر العبيد وعتقهم، فنذكر عنه ما يلي:

(مسألة 1120) العبد إذا أعتقه مالكه متبرِّعاً - لا في وجوب الكفَّارة بالعتق أو النَّذر ومن دون أن يتبرأ من ضمان جريرة هذا العبد إذا فعل جريرة بعد عتقه وبلا أن يكون للعبد المعتق قرابة قريبة أو بعيدة - يكون مالكه هو المستحق لتركته بعد موته دون غيره، ولكن تشاركه زوجته إن كان العبد رجلاً، أو يشارك المالك الزَّوج إذا كان الميِّت أمة

ص: 364

معتقة.

النَّوع الثَّاني: ولاء ضامن الجريرة

(مسألة 1121) يجوز لأحد الشَّخصين أن يتولَّى الآخر على أن يضمن جريرته إن اقترفها فيقول له مثلاً (عاقدُّتك على أن تعقل عنِّي وترثني) فيقول الآخر (قبلت)، فإذا عقدا العقد المذكور صحَّ وترتَّب عليه أثره وهو العقل والإرث كما يجوز التَّعاقد على العقل والتَّوريث بين الاثنين معاً كأن يقول أحدهما (عاقدُّتك على أن تعقل عنِّي وأعقل عنك وأرثك وترثني) فيقول الآخر (قبلت) فيترتَّب العقل والإرث من الطَّرفين للطَّرفين معاً.

(مسألة 1122) لا يصح العقد المذكور بصورتيه في المسألة الماضية إلاَّ إذا كان المضمون منهما أو كلا الضامنين لجريرة كل منهما لا وارث له من النَّسب أو ولاء العتق.

(مسألة 1123) الزَّوج للمضمون لها جريرتها مع استحقاق الضامن الأجنبي الإرث يصاحبه فيه باستحقاقه حصَّته والزَّوجة تصاحبه كذلك إذا كان المضمون له هو الزَّوج كما في ولاء العتق.

النَّوع الثَّالث: ولاء الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ

(مسألة 1124) إذا فقد الوارث النَّسبي والمولى المعتق وضامن الجريرة كان الميراث للإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إلاَّ إذا كان للميِّت زوج أو زوجة، فمن ماتت زوجته فإنَّه يأخذ النِّصف بالفرض ويرد الباقي عليه، ومن مات زوجها كان لها الربع والباقي للإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ .

(مسألة 1125) إذا كان الإمام موجوداً كان الميراث له يعمل به ما يشاء وكان أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يعطيه لفقراء بلده وإن كان غائباً كان المراجع فيه الحاكم الشَّرعي وسبيله

ص: 365

عنده سبيل سهمه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ من الخمس يصرف في مصارفه كما مرَّ في كتابه.

(مسألة 1126) إذا أوصى من لا وارث له إلاَّ الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بجميع أمواله في وجوه البر ومنها الفقراء والمساكين فالأحوط اليوم للمرجع الشَّرعي إمضاء ذلك كما كان أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، وأمَّا إذا كانت وصيَّته في غير ذلك فلا تنفذ الوصيَّة فيما أوصى ويكون التَّصرُّف للفقيه كما مضى.

الفصل الرَّابع: ميراث المجوس

(مسألة 1127) المجوس فرقة من أهل الكفر واعتبرهم البعض أنَّهم من الكتابييِّن واهتمَّ الفقهاء بهم في مواريثهم لشموليَّة ألطاف الشَّريعة الإلهيَّة بالأمَّة وبغيرها وبالأخص في المسائل الشَّائكة، واختصَّت هذه الاهتمامات بهؤلاء من الخارجين عن الدِّين دون غيرهم، لأنَّ غيرهم نوعاً في نكاح صحيح لقاعدة (لكل قوم نكاح)، وأمَّا هؤلاء فإنَّ انحرافهم منحالاته نكاح المحارم وهو محرَّم في جميع الشَّرائع السَّماويَّة فعند حصول مثل هذه الأمور اتَّخذ الشَّارع حلوله الآتية.

(مسألة 1128) عند التَّزواج بينهم بما عدا المحارم فإنَّه مشمول بالصحَّة كما لا يخفى، لأنَّ (لكل قوم نكاح).

وعند التَّزواج بالمحرَّمات كالأخت فقد حصل الاختلاف في الفتاوى، فمنها أنَّ التَّوارث ثابت بطبيعته نسباً وسبباً

ومنها أنَّه لا توارث أصلاً نسباً وسبباً.

ومنها التَّفصيل بين الاثنين فيصح في النَّسب، ولا يصح في السَّبب كالزَّوجة إذا كانت أختاً وولدت ولداً ومات أخوها الزَّوج، فإنَّ الميراث للولد وليس للزَّوجة، إلاَّ أنَّ القول الأوَّل مشهور ومروي، والاثنان الباقيان شهرة بلا رواية معلومة.

ص: 366

كتاب الكفَّارات

اشارة

وفيه مبحثان:

المبحث الأوَّل: أقسامها

(مسألة 1129) الكفَّارات على خمسة أقسام:

1 - معيَّنة.

2 - مرتَّبة.

3 - مخيَّرة.

4 - ما اجتمع فيها التَّرتيب والتَّخيير.

5 - كفَّارة الجمع.

وفيما يلي أمثلة للجميع:

أ - كفَّارة من حلف بالبراءة من الله أو من رسوله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ أو من دينه أو من الأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ إن فعل كذا وكذا ثمَّ حنث فعليه كفَّارة معيَّنة وهي إطعام عشرة مساكين، لاستنادهم في هذا إلى رواية معتبرة عندهم وقال بعض أنَّه لا مانع من العمل بها، وقيل هي كفَّارة ظهار، فإن عجز فكفَّارة اليمين مع استضعاف هذا القيل عند آخرين، ولكن مع القدرة ينبغي الاحتياط بإطعام ستِّين مسكيناً لأنَّ المعيَّنة في ضمنها، وإلاَّ فالمعيَّنة هي المقصودة في الوجوب ولو احتياطاً.

وقيل من هذه المعيَّنة ما لو تزوَّج الإنسان بامرأة في عِدَّتها فإنَّه بعد وجوب فراقه لها عليه التَّكفير بخمسة أصوع من دقيق وهو أحوط، وهكذا الاحتياط على من نام عن صلاة العشاء إلى الصَّباح أن يصبح صائماً.

ب - كفَّارة القتل خطأً - ومنه حالة الإجهاض الخطأي الَّذي مرَّ في باب النِّكاح -

ص: 367

والظِّهار مرتَّبة، وهي عتق رقبة فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستِّين مسكيناً، وأيضا كفَّارة من أفطر في قضاء شهر رمضان بعد الزَّوال مرتَّبة، وهي إطعام عشرة مساكينفإن عجز صام ثلاثة أيَّام.

ج - كفَّارة من تعمَّد الإفطار في يوم من شهر رمضان - أو خالف العهد على غير المحرَّم وجزِّ المرأة شعرها في المصيبة ومن يجامع زوجته وهو معتكف ليلاً ونهاراً - مخيَّرة، وهي عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستِّين مسكيناً، ومن ذلك على نحو الاستحباب لا الوجوب أنَّه لو عجز عن صوم يوم نذره تصدَّق استحباباً بمد أو مدَّين على مسكين يصوم عنه.

د - كفَّارة حنث اليمين والنَّذر - ونتف المرأة شعرها أو خدش وجهها في المصيبة إذا أدمته وشقِّ الرَّجل ثوبه في مصيبة موت ولده أو زوجته - اجتمع فيها التَّخيير والتَّرتيب، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن عجز صام ثلاثة أيَّام متواليات.

ه- - كفَّارة قتل المؤمن عمداً وظلماً - ومنه حالة الإجهاض العمدي الَّذي مرَّ في باب النِّكاح - والإفطار في شهر رمضان على محرَّم كفَّارة جمع، وهي عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستِّين مسكيناً.

المبحث الثَّاني: في أحكامها

(مسألة 1130) يشترط في أداء الكفَّارة النيَّة وقصد القربة والإخلاص مع إفراز نوع الكفَّارة لو تنوَّعت باختلاف تعدُّدي.

(مسألة 1131) إذا اشترك جماعة في القتل العمدي - بحيث لو لم يشترك كل منهم بما اشترك لما فارق المتصدِّي له الحياة - وجبت الكفَّارة على كل واحد منهم، وكذلك في قتل الخطأ، وقد مرَّت الإشارة إلى شيء من هذا المعنى في عمليَّة إسقاط الجنين وما

ص: 368

يترتَّب على المسقط من الكفَّارة انفرد أو اشترك، تعمَّد أو أخطأ فلا نعيد.

(مسألة 1132) إذا ثبت على مسلم حدٍّ يوجب القتل كالزَّاني المحصن بالرَّجم واللائط فقتله غير الإمام أو المأذون من قبله وجبت الكفَّارة على القاتل لدقَّة أمور الحدود، نعم لا كفَّارة في قتل المرتد إذا لم يتب لهدر دمه بين العموم.

(مسألة 1133) لو نذر صوم يوم أو أيَّام فعجز عنه فالأحوط وجوباً أن يتصدَّق لكل يوم بمدّ (900 غراماً تقريباً) من الطَّعام على مسكين.

(مسألة 1134) العجز عن العتق الموجب للانتقال إلى الصِّيام ثمَ الإطعام في الكفَّارة المرتَّبة متحقِّق في هذا الزَّمان لعدم الرَّقبة المملوكة، وأمَّا العجز عن الصِّيام الموجب لتعيُّن الطَّعام فيتحقَّق بالتَّضرر به أو بكونه شاقَّاً مشقَّة لا تتحمَّل عادة، وأمَّا العجز عن الإطعام والإكساء في كفَّارة اليمين ونحوها الموجب للانتقال إلى الصِّيام فيتحقَّق بعدم تيسُّر تحصيلهما ولو لعدم توفُّر ثمنهما أو احتياجه إليه في نفقة نفسِهِ أو واجبي النَّفقة عليه.

(مسألة 1135) المدار في الكفَّارة المرتَّبة على حال الأداء، فلو كان قادراً على الصَّوم ثمَّ عجز أطعم ولا يستقر الصَّوم في ذمَّته، ويكفي في تحقُّق العجز الموجب للانتقال إلى البدل فيها العجز العرفي في وقت التَّكفير، فلو كان عجزه لمدَّة قصيرة كأسبوع مثلاً لزمه الانتظار، ولو صدق العجز عرفاً فأتى بالبدل ثمَّ طرأت القدرة اجتزأ به، بل يكفي الشُّروع فيه، فإذا عجز عن الصَّوم فدخل في الإطعام ثمَّ تمكَّن منه اجتزأ بإتمام الإطعام مع رجحان الاحتياط بالصَّوم إذا عادت القدرة كاملة عليه.

(مسألة 1136) يجب التَّتابع في صوم الشَّهرين من الكفَّارة المخيَّرة والمرتَّبة وكفَّارة الجمع، كما يجب التَّتابع بين صيام الأيَّام الثَّلاثة في كفَّارة اليمين والنَّذر، والمقصود بالتَّتابع عدم تخلُّل الإفطار ولا صوم آخر غير الكفَّارة بين أيَّامها، فلا يجوز الشُّروع في الصَّوم في زمان يعلم أنَّه لا يسلم له بتخلُّل العيد أو تخلُّل يوم يجب فيه صوم آخر إلاَّ إذا

ص: 369

كان ذلك الصَّوم مطلقاً ينطبق على صوم الكفَّارة، كما لو نذر قبل تعلُّق الكفَّارة بأن يصوم اليوم الأوَّل من شهر رجب على نحو يصلح في إطلاقه كونه داخلاً في أيَّام الكفَّارة فإنَّ صومه لا يضرُّ بالتَّتابع على إشكال لا يرفعه إلا احتسابه من الكفَّارة مع قصدها، بخلاف ما إذا نذر أن يصومه شكراً - مثلاً - فإنَّه يضرّ بالتَّتابع.

(مسألة 1137) إنَّما يضر الإفطار في الأثناء بالتَّتابع فيما إذا وقع على وجه الاختيار، فلو وقع لعذر كالمرض وطروء الحيض والنَّفاس - لا بتسبيب منه - والسَّفر الاضطراري دون الاختياري ونسيان النيَّة إلى فوات وقتها لم يجب الاستئناف بعد زوال العذر، بل يبني على ما مضى.

(مسألة 1138) يكفي في تتابع الشَّهرين من الكفَّارة صيام شهر ويوم واحد متتابعاً، ويجوز له التَّفريق بعد ذلك لأي عارض يعدُّ عذراً عرفاً وإن لم يبلغ درجة الضَّرورة، وأمَّا التَّفريق اختياراً لا لعذر أصلاً فالأحوط لزوماً تركه.

(مسألة 1139) من وجب عليه صيام شهرين يجوز له الشُّروع فيه في أثناء الشَّهرولكنَّ الأحوط وجوباً حينئذٍ أن يصوم ستِّين يوماً وإن كان الشَّهر الَّذي شرع فيه مع تاليه ناقصين أو مختلفين من حيث ثبوت الأهلَّة شرعاً، وأمَّا لو شرع فيه من أوَّل الشَّهر فيجزيه شهران هلاليَّان وإن كانا ناقصين.

(مسألة 1140) يتخيَّر في الإطعام الواجب في الكفَّارات بين تسليم الطَّعام إلى المساكين وإشباعهم، ولا يتقدَّر الإشباع بمقدار معيَّن، بل المدار فيه عرض الطَّعام الجاهز عليهم بمقدار يكفي لإشباعهم مرَّة واحدة قلَّ في نفسه أو كثر، وأمَّا نوعه فيجب أن يكون ممَّا يتعارف التَّغذي به لغالب النَّاس من المطبوخ وغيره وإن كان بلا أدام، وهو ما جرت العادة بأكله مع الخبز ونحوه، والأفضل أن يكون مع الإدام وكل ما كان أجود كان أفضل.

وأمَّا في التَّسليم فأقل ما يجزي تسليم كل واحد منهم مدَّاً (900 غراماً تقريباً)

ص: 370

والأفضل بل الأحوط استحباباً مدَّين ( 1.8، كيلو وثمانمائة غراماً تقريباً)، ويكفي فيه مطلق الطَّعام كالتَّمر والأرز والزَّبيب والماش والذرة والحنطة وغيرها، نعم الأحوط لزوماً في كفَّارة اليمين والنَّذر الاقتصار على تسليم الحنطة أو دقيقها.

(مسألة 1141) التَّسليم إلى المسكين تمليك له وتبرأ ذمَّة المكفِّر بمجرَّد ذلك، ولا تتوقَّف على أكله الطَّعام فيجوز له بيعه عليه أو على غيره.

(مسألة 1142) يتساوى الصَّغير والكبير في الإطعام إذا كان بنحو التَّسليم، فيعطى الصَّغير مدَّاً كما يعطى الكبير وإن كان اللازم في الصَّغير التَّسليم إلى وليِّه الشَّرعي، وأمَّا إذا كان الإطعام بنحو الإشباع فاللازم احتساب الاثنين من الصِّغار بواحد إذا كانوا منفردين، بل وان اجتمعوا مع الكبار على الأحوط وجوباً، لحاظاً لقابليَّتهم المحدودة على الأكل، مع رجحان الاحتياط أيضاً بدفع باقي ما أكلوه من المد، ولا يعتبر فيه إذن من له الولاية والحضانة إذا لم يكن منافياً لحقِّه.

(مسألة 1143) يجوز التَّبعيض في التَّسليم والإشباع فيشبع البعض ويسلم إلى الباقي، ولا يجوز التِّكرار مطلقاً بأن يشبع واحداً مرَّات متعدِّدة أو يدفع إليه أمداداً متعدِّدة من كفَّارة واحدة ويجوز من عدَّة كفَّارات، كما لو أفطر تمام شهر رمضان فيجوز له إشباع ستِّين مسكيناً معينين ثلاثين مرَّة عن ثلاثين يوماً كفَّر لها لا ما يجب لليوم الواحد، أو تسليم ثلاثين مدَّاً من الطَّعام لكل واحد منهم.

(مسألة 1144) إذا تعذَّر إكمال العدد الواجب في الإطعام في البلد وجب النَّقل إلى غيره، وإن تعذَّر لزم الانتظار ولا يكفي التِّكرار على العدد الموجود على الأحوط وجوباً مع الإمكان به إلاَّ حالة الاستحالة القصوى.

(مسألة 1145) الكسوة لكل مسكين ثوب وجوباً، وثوبان استحباباً، ولا يكتفى فيها بكسوة الصَّغير جدَّاً كابن شهرين على الأحوط لزوماً لمألوفيَّة مصداقيَّة الكبير في ذلك على الظاهر، إلاَّ مع تعذُّر التَّيسير للكبار لعدمهم فعلاً وفوريَّة الوجوب مع عدم

ص: 371

القدرة على البدل.

(مسألة 1146) لا تجزي القيمة في الكفَّارة لا في الإطعام ولا في الكسوة بل لابدَّ في الإطعام من بذل الطَّعام إشباعا أو تمليكاً، كما أنَّه لابدَّ في الكسوة من بذلها تمليكاً.(مسألة 1147) يجب في الكفَّارة المخيَّرة التَّكفير بجنس واحد، فلا يجوز أن يكفِّر بجنسين كأن يصوم شهراً ويطعم ثلاثين مسكيناً في كفَّارة الإفطار في شهر رمضان.

(مسألة 1148) المراد بالمسكين الَّذي هو مصرف الكفَّارة هو الفقير المستحق للزَّكاة، وإن اختلف العنوان ظاهراً فضلاً عن الأشد منه، ويشترط فيه الإسلام بل الإيمان على الأحوط لزوماً، ولكن يجوز دفعها إلى الضُّعفاء من غير أهل الولاية - عدا النُصّاب - إذا لم يجد المؤمن، ولا يجوز دفعها إلى واجب النَّفقة كالوالدين والأولاد والزَّوجة الدَّائمة، ويجوز دفعها إلى سائر الأقارب المحتاجين بل لعلَّه أفضل.

(مسألة 1149) من عجز عن بعض الخصال الثَّلاث في كفَّارة الجمع أتى بالبقية وعليه الاستغفار على الأحوط لزوماً، وإن عجز عن الجميع لزمه الاستغفار فقط لكنَّه إن تمكَّن من الأصل بعد فترة يعود التَّكليف به.

(مسألة 1150) إذا عجز عن الإطعام في كفَّارة القتل خطأً فالأحوط وجوباً أن يصوم ثمانية عشر يوماً ويضم إليه الاستغفار، فإن عجز عن الصَّوم أجزأه الاستغفار وحده لو لم يتمكَّن من الأصل بعد ذلك، والأحوط مع عود القدرة على الميسور من هذه الكفَّارة المرتَّبة الالتزام بها.

(مسألة 1151) إذا عجز عن الخصال الثَّلاث في الكفَّارة المخيَّرة لإفطار شهر رمضان عمداً فعليه التَّصدُّق بما يطيق، ومع التَّعذُّر يتعيَّن عليه الاستغفار، ولكن إذا تمكَّن بعد ذلك لزمه التَّكفير على الأحوط وجوباً.

وإذا عجز عن الخصال الثَّلاث في الكفَّارة المخيَّرة لحنث العهد فليصم ثمانية عشر

ص: 372

يوماً، فإن عجز لزمه الاستغفار لو لم يتمكَّن من الأصل بعد ذلك، مع الاحتياط بعود التَّكليف عند عود القدرة.

(مسألة 1152) إذا عجز عن صيام ثلاثة أيَّام في كفَّارة الإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزَّوال، وفي كفَّارة اليمين والنَّذر فعليه الاستغفار.

(مسألة 1153) لو عجز عن إطعام عشرة مساكين في كفَّارة البراءة لو لم يتمكَّن من الأصل بعد ذلك عليه الاستغفار.

(مسألة 1154) يجوز التَّأخير في أداء الكفَّارة الماليَّة وغيرها بمقدار لا يعدّ توانياً وتسامحاً في أداء الواجب، وإن كانت المبادرة إلى الأداء أحوط استحباباً.

(مسألة 1155) يجوز التَّوكيل في أداء الكفَّارات الماليَّة ولا يجزئ التَّبرع فيها على الأحوط لزوماً أي لا يجزي أداؤها عن شخص من دون طلبه ذلك ، كما لا يجزي التَّبرع عنه من الكفَّارة البدنيَّة أي الصِّيام وإن كان عاجزاً عن أداءه، نعم يجوز التَّبرع عن الميِّت في الكفَّارات الماليَّة والبدنيَّة مطلقاً، ومن ذلك من لم يوص أو لا تركة له حتَّى يوصي لنفسه بالثُّلث.

(مسألة 1156) من الكفَّارات المندوبة ما روي عن الصَّادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ من أنَّ كفَّارة عمل السُّلطان قضاء حوائج الإخوان.وكفَّارة المجالس أن تقول عند قيامك منها (سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربِّ العالمين).

وكفَّارة الضحك أن يقول ( اللَّهمَّ لا تمقتني).

وكفَّارة الاغتياب الاستغفار للمغتاب مع وجوب الاعتذار منه لو كان ممَّن تحرم استغابته، ولم تضره مواجهته بما يزيد عن أصلها.

وكفَّارة الطِّيرة التَّوكُّل.

وكفَّارة اللَّطم على الخدود الاستغفار والتَّوبة.

ص: 373

كتاب الحدود والتَّعزيزات

والكلام عنهما يأتي بمقدِّمة ومقصدين، أمَّا المقدِّمة:-

فاعلم أنَّ هذا الكتاب اليوم هو من الكتب المعطَّلة أيَّام الغيبة الكبرى، كما فيما قبل ذلك ممَّا بعد النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والوصي والمجتبى عَلَيْهِما اَلسَّلاَمُ ، لعدم القدرة على تنفيذها نوعاً أيَّام تسلُّط حكَّام الجور وعدم بسط اليد لحكَّام الشَّرع فيها.

إلاَّ أنَّ بوادر الخير لمَّا بدت في بعض البقاع الإسلاميَّة - من الصحوة الدِّينيَّة العامَّة والتَّلهف للتَّفقُّه قبيل ظهور الإمام المفدَّى الحجَّة المنتظر عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ اَلشَّرِيفْ لإمكانيَّة السَّير على منهجه الشَّريف وما حوته المعلومات المهمَّة المخزونة فيما دوَّنه السَّلف الصَّالح من معارفه ومعارف أجداده الكرام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ من الكتاب والسنَّة وغيرهما من الأصول والمدارك حينئذ ولما تقتضيه الحاجة الملحَّة لردع المفاسد الشَّائعة والذائعة في أجواء بقاع عيشنا الإسلاميَّة أو تحديدها بما يمكن على الأقل ولو سعياً في ذلك أو إشعاراً بما صحَّ من سيرتهم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وعقوبات ما يحاربها شرعاً ولو بما ندوِّنه ليرتدع الغيارى على أنفسهم في مستقبلهم دنياً وآخرة إذا رأوا هذه المدوَّنات، للخلاص من المسؤوليَّة الشَّرعيَّة الملقاة على عاتق من يتصوَّر هذا الإمكان لئلاَّ يتَّسع الخرق على الرَّاقع أكثر ممَّا حصل ولدفع الغضب السَّماوي الإلهي لو عمَّ الفساد - لو ترك التَّنبيه على ذلك على الأقل كما لم يتركه قدامى السَّلف الصَّالح بعد الغيبة ولو لحفظ التراث فقط.

ناسبت العودة إلى البحث عنه وتدوين مسائله الشَّريفة مع أهميَّة الاحتياط في أمرهما تطبيقاً.

(مسألة 1157) قد يتصوَّر البعض من المغفَّلين - نتيجة لما يروَّج له مروُّجوا الفساد والإفساد من المنحرفين والملوَّثين داخلاً ومن يحرِّكهم من الماسونيَّة والصَّهاينة والطَّائفييِّن

ص: 374

في الخارج بحججهم الواهية - بأنَّ الفساد وانتشاره ضروري في هذه الأزمان، للتَّعجيل بظهور صاحب الزَّمان عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ اَلشَّرِيفْ، لاضطراره لذلك حين يشاهد هذه المفاسد وكثرتها، اعتماداً منه على علامة من علامات ظهوره، وهي كونه لا يظهر إلاَّ بعد أن تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً فيملأها قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.

وما دروا أو تغافلوا عمَّا دروا بأنَّ الأمر بيد الله لا بيد الإمام عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ اَلشَّرِيفْ، وأنَّ ظهوره بعد الامتلاء بالفساد لا يعني المباشرة بتعميم إصلاحه العظيم الموعود، بل قد يسبقه عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ اَلشَّرِيفْ نشاطات الغيارى من أهل الدَّين أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وجهاداً ونحو ذلك، لأنَّ الأرض لا تخلو من خيارها وإلاَّ لقلبت، وأنَّ (الحلال حلال إلى يوم القيامة والحرام حرام إلى يوم القيامة)، وكما قال تعالى [إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ] ونحوه من النُّصوص المهمَّة الَّتي تدعو لوجوب استمرار الاستقامة.

فلابدَّ إذن من الاهتمام بعدم فسح المجال لترويج مثل هذه الأمور، مثل استباحة المحرَّمات وقلب الموازين الشَّرعيَّة المسلَّمة، وإن تزيَّا بعض مروِّجيها زي أهل الدِّين خداعاً، لإبعاد النَّاس عن حقيقة مقام الإمام - الحجَّة بن الحسن العسكري عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ اَلشَّرِيفْ الموعود - الحقَّة، ولجعل عدم الموضوعيَّة لهذه الحدود والتَّعزيرات مع الإمكان المذكور وأنَّه انتهى وقتها.

وما اهتمامنا بتقديم هذه المسألة إلاَّ للتَّبليغ بواجب عدم فسح المجال لمن يدَّعي المهدويَّة من أهل الكفر والفسق والفجور، ممَّن يدعو إلى هذا الانحراف العقائدي والشَّرعي والفساد ونشره من السلوكييِّن الجدد، وبالأخص من يدَّعي لنفسه أو يُدَّعى له بأنَّه هو المولود في آخر الزَّمان كما يهواه المخالفون، وأنَّ ولادته كعيسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وأمثال ذلك، لأنَّ واقع هؤلاء سوف ينكشف حتماً بمخازيه لا محالة كما حصل بعضه.

وأمَّا المقصدان فهما عن الحدِّ والتَّعزير:-

ص: 375

المقصد الأوَّل: الحد

والكلام عنه في أمور:-

الأمر الأوَّل في تعريفه، وهو:

أنَّ الحد - إضافة إلى العلم المجمل الَّذي قد لا يخفى أمره على عموم النَّاس - عقوبة إلهيَّة دنيويَّة، أدرجت في المصادر الشَّرعيَّة كتاباً وسنَّة وغيرهما، وطُبِّقت في عهد النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وعهد أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ والإمام الحسن عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ضدَّ كل مقترف معصية وجريمة مخلَّة بالشَّرف والنَّاموس تثبت عليه، لإخلاء الأجواء الإسلاميَّة من هذه المظاهر المقيتة في دولة الحق الإسلاميَّة، ثمَّ عُطِّلت أيَّام اغتصاب الحكم، أو ما طبِّقت على ما يرام، وعادت في بعض الأزمنة والأمكنة المقدور على إجراءها، وإن قلَّت حتَّى في بعض أيَّام الغيبة الكبرى ممَّا مضى، وسيأتي تعيين موجبه وكميَّته وكيفيَّته.

الأمر الثَّاني : في موجباته:

ونختار منها المهمَّات اختصاراً.

وهي الزِّنا واللَّواط والسحق والقيادة والسَّرقة وشرب المسكر والقذف وهي في مباحث:-

المبحث الأوَّل: الزِّنا

وفيه فصول:

الفصل الأول: في بيان موضوعه شرعاً

وهو فيما يلي:

ص: 376

(مسألة 1158) الزِّنا الموجب للحد هو (إدخال الرَّجل ذكره الأصلي في فرج امرأة محرَّمة عليه ذاتاً أو بسبب بلا مجوِّز شرعاً أو في دبرها على الأحوط ولو لم ينزل منيه)، وفي مقطوع بعض الذَّكر يكفي صدق دخول مقدار الحشفة من باقيه.

الفصل الثَّاني: في شروط ثبوت الحد للزِّنا

وهي فيما يلي:

(مسألة 1159) يشترط في ثبوت الحد على كل من الزَّاني والمزني بها أمور:

الأوَّل: البلوغ، فلا حدَّ على الصَّغير والصَّغيرة إن فعلا ذلك، إذا كانا مميِّزين، وإنَّما يُعزَّران بمقدار ما يراه الحاكم كما سيجيء.

الثَّاني: العقل، فلا حدَّ على المجنون والمجنونة إلاَّ بما يصل إلى التَّعزير الآتي أو الحد بالصِّفة الآتية في ص400 وما بعدها.

الثَّالث: العلم بالحرمة حال وقوع الفعل اجتهاداً أو تقليداً، فلا حدَّ على الجاهل بالتَّحريم، ولو نسي أو غفل حال العمل به.

الرَّابع: الاختيار، فلا حدَّ على المكرَه والمكرَهة.

(مسألة 1160) يسقط الحد بادِّعاء الزَّوجيَّة، ولا يكلَّف المدِّعي بالبيِّنة أو اليمين.

(مسألة 1161) لو زنى المجنون الإدواري في دور إفاقته لا يسقط عنه الحد.

(مسألة 1162) الجاهل القاصر أو المقصِّر - موضوعاً أو حكماً - مع إمكان إزالة الجهل والشُّبهة عن نفسه لا يجري عليه أحكام وطئ الشُّبهة، خصوصاً إن أمكن ذلك بسهولة، نعم غير الملتفت إلى حالة الزِّنا وشهوتها يجري عليه حكمها بل يكون منه موضوعاً.

(مسألة 1163) لو شَبَّهَت امرأة نفسها بالزَّوجة ووطأها فعليها الحدَّ دون مَن

ص: 377

وطأها.

(مسألة 1164) لو ادَّعيا الإكراه أو ادَّعى ذلك أحدهما فلا حدَّ على مدِّعي الإكراه.(مسألة 1165) كل ما يصلح لأن تكون شبهة يسقط الحد معها، سواء كانت للطَّرفين أم لطرف واحد مع بقائه على الآخر.

الإحصان وما يتعلَّق به

يلحق بهذا الفصل الكلام عن الإحصان وما يتعلَّق به، وهو فيما يلي من المسائل والأمور:-

(مسألة 1164) يُعتبر في الإحصان الموجب للرَّجم الآتي أمور:

الأوَّل: وطئ أهله قبلاً، ولا يكفي الوطء في الدُّبر في موارد وهذا منها - وإن حقَّق بعض الأمور الزَّوجية الأخرى - على كراهته المغلظة، فضلاً عن مجرَّد العقد عليها والخلوة معها خلوة تامَّة، وكذا لا يكفي الجماع فيما بين الفخذين أو الدخول في ما دون الحشفة ولو في القبل أو دون قدرها من مقطوعها، ولو شكَّ في الدُّخول وعدمه لم يتحقَّق الإحصان لا في الرَّجل ولا في المرأة، ولا يُعتبر الإنزال، ولا سلامة الخصيتين بعد صدق الدُّخول.

الثَّاني: البلوغ في الواطئ، فلا إحصان في إيلاج الطِّفل ولو كان مراهقاً، كما لا تُحصن المرأة إلاَّ إذا كانت بالغة، فإذا وطأها في حال عدم البلوغ ثمَّ زنى بالغاً لم يكن محصناً، ولو كانت الزَّوجية باقية مستمرَّة.

الثَّالث: العقل، أي يكون عاقلاً حين الدخول بأهله، فإذا تزوَّج بامرأة في حال صحَّته ولم يدخل بها حتَّى جُنَّ فوطأها ثمَّ زنى سالماً وبالغاً لا يتحقَّق الإحصان.

ص: 378

الرَّابع: الحريَّة، فلا رجم على العبد والأمة، وهي شرط حين تحقُّقها في هذا الزَّمان.

الخامس: أن يكون الوطء في فرج مباح له بالعقد الدَّائم الصَّحيح أو ملك اليمين، فلا يتحقَّق الإحصان بالزِّنا ووطئ الشُّبهة ولا الوطء بنكاح المتعة حتَّى لو أخذ العشرات.

السَّادس: أن يكون متمكناً من وطئها متى شاء وأراد، فيغدو عليها ويروح.

(مسألة 1167) إذا لم يتمكَّن من وطئ زوجته، لبعدها عنه أو غيبته عنها أو لأجل مانع كالحبس أو منع الظالم عن اجتماعهما أو مرض لا يقدر معه على وطئها، لا يكون محصناً.

(مسألة 1168) الإحصان في المرأة كالإحصان في الرَّجل، فيعتبر في إحصانها كل ما يعتبر في إحصانه، فلا تُرجم غير البالغة وغير المدخول بها والمجنونة والمنقطعة ومَن لم يكن معها زوجها الَّذي يغدو عليها ويروح.

(مسألة 1169) لا يُشترط الإسلام في الإحصان في واحد منهما، فلو وطأ غير المسلم زوجته الدَّائمة ثمَّ زنى يُرجم، ويُشترط هذا الإحصان حتَّى في صحَّة العقد عندهم وإن بطل عندنا.

(مسألة 1170) لا تخرج المطلّقة الرَّجعيَّة أو زوجها المطلِّق لها عن الإحصان، فلو زنى أو زنت في الطَّلاق الرَّجعي كان عليهما الرَّجم مع تحقُّق سائر الشَّرائط، ولو جهلا أو جهل أحدهما يختص الحدُّ بالعالم دون الجاهل على ما فصَّلناه في محلِّه، ولو ادَّعى الجهل بالحكم أو الموضوع قبل منه إن أمكن ذلك في حقِّه.

(مسألة 1171) يخرج الزَّوجان بالطَّلاق البائن عن الإحصان كالخلع والمباراة، فلو راجع المخالع وصارت العدَّة رجعيَّة ليس عليه الرَّجم بالزِّنا إلاَّ بعد الدُّخول بالزَّوجة.

ص: 379

(مسألة 1172) إن ارتدَّ المحصن عن فطرة وزنا فلا إحصان، ولكنَّه يقتل من جهة ارتداده الفطري من دون استتابة، لا بالرَّجم الآتي من جهة زناه وإن وجب عليه مثل القتل حد زنا غير المحصن لو كان شيخاً كما سيجيء.

(مسألة 1173) يجب الحد - جلداً أو رجماً - على الأعمى، فإن ادَّعى الشُّبهة مع احتمالها في حقِّه يُقبل قوله فيها.

الفصل الثَّالث: في ما يثبت به الزِّنا

يثبت الزِّنا بأمرين: الإقرار، والبيِّنة.

الأوَّل: ثبوت الزِّنا بالإقرار

(مسألة 1174) يُشترط في الإقرار كمال المقر بالبلوغ والعقل، والاختيار والقصد، فلا عبرة بإقرار الصَّبي وإن كان مراهقاً، ولا بإقرار المجنون حال الجنون، ولا بإقرار المكره والسَّكران والسَّاهي والغافل والنَّائم والهازل ونحوهم.(مسألة 1175) يكفي في الإقرار الظهور العرفي، بحيث لا يحتمل الخلاف احتمالاً مقبولاً لدى المتعارف.

(مسألة 1176) يُعتبر في الإقرار بالزِّنا تكرار الإقرار أربعاً، والأحوط كونه في أربع مجالس، ولو أقرَّ دون الأربعة لا يثبت الحد، والحاكم يرى رأيه في تعزيره، ولا فرق في ما ذكر بين الرَّجل والمرأة.

(مسألة 1177) لو احتاج المقر في إقراره إلى التَّرجمة فلابدَّ فيها من شاهدين عدلين، وإشارة الأخرس المفهمة كالنطق، وإذا احتاجت إلى التَّرجمة فيكون بشاهدين

ص: 380

أيضاً.

(مسألة 1178) إذا قال (زنيت بفلانة العفيفة) لم يثبت حدَّ الزِّنا إلاَّ إذا كرَّرها أربعاً، بل لا يثبت القذف بذلك للمرأة أيضاً لاعترافه بكونها عفيفة واحتمال أنَّه اغتصبها، نعم لو قال (زنيت بها وهي أيضاً زانية بزناي بها) يثبت حدُّ القذف الآتي عليه حينئذٍ.

(مسألة 1179) إذا أقر أربعاً أنَّه وطأ امرأة ولم يعترف بالزِّنا فلا حدَّ عليه وإن ثبت أنَّ المرأة لم تكن زوجته علناً لاحتمال عقده عليها سرَّاً، وإذا ادَّعى زوجيَّتها وأنكرت هي الوطء وأصل الزَّوجية فليس عليه حدُّ ولا مهر.

(مسألة 1180) لو ادَّعى أربعاً أنَّه وطأ امرأة وادَّعت المرأة بأنَّه اشتبه عليها أو أكرهها على الزِّنا فلا حدَّ على كل واحد منهما وعليه المهر.

(مسألة 1181) إذا أقرَّ بما يوجب الحد ولم يبيِّنه لا يُكَلَّف بالبيان، بل يضربه الحاكم حتَّى ينهى عن نفسه.

(مسألة 1182) لو أقرَّ أربعاً وحده بالزِّنا بامرأة حُدَّ دونها، وإن صرَّح بأنَّها طاوعته على الزِّنا يُحدّ للقذف أيضاً، وكذا لو أقرَّت أربعاً وحدها بأنَّه زنى بي وأنا طاوعته حُدَّت دونه.

(مسألة 1183) لو حملت المرأة الَّتي لا زوج لها لم تُحدّ إلاَّ بما يثبت به زناها من مثل إقرارها، وليس لأحد سؤالها ولا التَّفتيش عن حالها بظواهر عمل المسلمين الصَّحيحة.

(مسألة 1184) إذا أقرَّ بما يوجب الرَّجم الآتي ثمَّ أنكر سقط الرَّجم، ومثله الإقرار على نفسه بالقتل.

(مسألة 1185) لو أقرَّ بحدّ - رجماً كان أو غيره - ثمَّ تاب يتخيَّر الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بين

ص: 381

العفو عنه أو إقامة الحد عليه، ويثبت التَّخيير كذلك للحاكم الشَّرعي الجامع للشَّرائط النَّائب عن الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لو اجتهد متقناً ما يخوِّله به في ذلك مع قدرته وعدم المانع تجاه مقلِّديه.

الثَّاني: ثبوت الزِّنا بالبيِّنة

(مسألة 1186) يُعتبر في البيِّنة الَّتي يثبت بها الزِّنا أن لا تكون أقل من أربعة رجال، أو ثلاثة رجال وامرأتين، ولا يثبت الزِّنا بشهادة النِّساء منفردات، ولا شهادة رجل وست نساء، ولا تُقبل شهادة رجلين وأربع نساء في الرَّجم، ولكن يثبت بها الجلد دون الرَّجم.

(مسألة 1187) إذا شهد ما دون الأربعة وما بمنزلتها لا يثبت به الحدّ ولا الرَّجم، بليُحدَّون للفرية كما سيجيء، إلاَّ إذا التحق بهم الباقون بلا فاصل مخل.

(مسألة 1188) يُعتبر في شهادة الشُّهود ذكر المشاهدة للولوج في الفرج - كالميل في المكحلة - أو الإخراج منه بلا عقد ولا شبهة ولا إكراه، ولا يكفي مجرَّد اليقين بالزِّنا على الأحوط في أمر الفروج المعروف.

(مسألة 1189) لا يُعتبر في الشَّهادة ذكر المكان والزَّمان وسائر الخصوصيَّات والجهات، بل يكفي الشَّهادة بالإدخال والإخراج أو كالميل في المكحلة، ولكن لو ذكروا الخصوصيَّات واختلفت شهادتهم فيها - مثل ما إذا شهد أحدهم أنَّه زنى يوم الخميس، والآخر بأنَّه يوم الجمعة أو شهد أنَّه زنى في مكان خاص كذا، وشهد الآخر في مكان آخر غيره أو بفلانة، والآخر بغيرها - لم تُسمع شهادتهم ولا يُحدّ المشهود عليه، وإنما يُحدّ الشُّهود للقذف.

(مسألة 1190) لا يُعتبر تواطأ الشُّهود على الشَّهادة قبل إقامتها لاحتمال التَّآمر

ص: 382

المعادي، فلو تمَّت شهادة الأربعة بلا علم كل منهم بشهادة البقيَّة يثبت الزِّنا.

(مسألة 1191) لو حضروا جميعاً للشَّهادة فشهد بعضهم ونكل البعض عنها حُد غير النَّاكل ممن شهد للفرية.

(مسألة 1192) إذا شهد أربعة بالزِّنا وكانوا جميعاً أو بعضهم غير مرضيين حُدوا للقذف، ويختلف ذلك باختلاف الخصوصيَّات والجهات فلابدَّ للحاكم من التَّثبُّت التَّام فيها.

(مسألة 1193) تُقبل شهادة الأربعة على الاثنين فما زاد، فلو قالوا إنَّ فلاناً وفلاناً زنيا أو هذه الجماعة زنوا مع توفُّر الشُّروط المذكورة قبلت ويترتَّب عليه الأثر.

(مسألة 1194) إذا أكملت الشَّهادة يثبت الحدّ، ولا يثبت بتصديق المشهود عليه دون الأربعة لو كان الشُّهود ثلاثة والمشهود عليه رابعاً، وكذا لا يسقط بتكذيبه لو كملت الأربعة أو احتمل إكمالها قريباً.

(مسألة 1195) لو تاب قبل الثُّبوت بالبيِّنة أو الإقرار سقط الحد رجماً كان أو جلداً، ولا يسقط إن تاب بعده، وللإمام أن يعفو بعد الإقرار وليس له ذلك بعد قيام البيِّنة كما مرَّ.

(مسألة 1196) إذا اُخِذَ وادَّعى التَّوبة قبل الثُّبوت قُبل من غير يمين.

(مسألة 1197) تُقبل في الزِّنا شهادة الحسبة تبرُّعاً، ولا تتوقَّف على مطالبة أحد.

(مسألة 1198) الأحوط الأولى تفريق الشُّهود في الإقامة بعد الاجتماع، بل قد يجب، ولعلَّه لدفع شبهة التَّواطي المرفوض مقدِّمة لإتقان الحكم.

(مسألة 1199) يستحب للشُّهود ترك إقامتها مطلقاً، وبالأخص لو احتمل الإقلاع بالتَّوبة، كما يستحب للشَّخص ستر نفسه بالتَّوبة، بل هي أفضل من إقامة الحد عليه، لخطورة أمر الفروج ودقائقها الفاضحة بما يخزي الفرد والمجتمع لو صار التَّشهير بإقامتها

ص: 383

وإقامة الحد، وبالأخص بين أهل الشَّرف ولو ظاهراً، وليس هذا الاستحباب من موارد كتمان الشَّهادة المحرَّم، بعد ما عرفت ما قدَّمناه، ولا على أن يكون هذا مشجِّعاً على شيوع الفاحشة وكثرتها خلف بعض السَّتائر من هذا الكتمان، حتَّى لو وصل المجتمع إلى ما يوسِّع الخرق على الرَّاقع بسريانه إلى الخارج.

الفصل الرَّابع/ في أقسام حدِّ الزِّنا

وهي خمسة:

القسم الأوَّل: القتل وهو في موارد:

الأوَّل: يجب القتل على مَن زنى بذات محرم نسبي، كالبنت والأخت والأم وشبهها، ولا يلحق بها المحرَّمات بالرَّضاع، ولا ما يحصل من الزِّنا ولا المحرَّمات بالمصاهرة وإن اشتدَّ جرم الزِّنا بهنَّ.

الثَّاني: امرأة الأب، فإنَّها تلحق بالنَّسبية فيُقتل بالزِّنا بها.

الثَّالث: يُقتل الذمِّي إذا زنى بالمسلمة مطاوعة كانت أو مكرهة، سواء كان على شرائطالذمَّة أم لا، بل يجري هذا الحكم في مطلق الكافر، ولو أسلم لا يسقط الحكم.

الرَّابع: مَن زنى بامرأة مُكرِهاً لها وهي حالة الاغتصاب.

(مسألة 1200) لا يُشترط فيما تقدُّم الإحصان، بل يُقتل مطلقاً محصناً كان أو لا، شيخاً كان أو شابَّاً، مسلماً كان أو كافراً، حرَّاًَ كان أو عبداً.

(مسألة 1201) يصح الاكتفاء فيما تقدَّم بمجرَّد القتل لو اجتمع حكمان على المكلَّف كالجلد معه، ولا يجب الجمع بينهما وان اجتمع موجبهما، في غير الشَّيخ أو الشَّيخة إذا رأى الحاكم الشَّرعي ذلك.

ص: 384

القسم الثَّاني: الرَّجم

فيجب إجراؤه على الشَّاب البالغ العاقل المحصن إذا زنى بالبالغة العاقلة وعلى الشَّابَّة البالغة العاقلة المحصنة كذلك إذا زنت ببالغ عاقل.

(مسألة 1202) لو زنى البالغ العاقل المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة يُرجم الزَّاني وتعزَّر المزني بها، كما سيجيء في بحث التَّعزير.

(مسألة 1203) لو زنى المجنون أو غير البالغ بالبالغة العاقلة مع مطاوعتها له تُحد المزني بها رجماً أو غيره على ما مرَّ، ويعزَّر الزَّاني كما سيجيء في محلِّه.

القسم الثَّالث: الجلد خاصَّة

وهو على الزَّاني غير المحصن إذا لم يتزوَّج كاملاً، وعلى المرأة غير المحصنة إذا زنت كذلك، وعلى المرأة العاقلة البالغة إذا زنى بها طفل ولو كانت محصنة.

القسم الرَّابع: الجمع بين الجلد والرَّجم.

وهو حد الشَّيخ والشَّيخة إذا كانا محصنين فيُجلدان أولاً ثم يُرجمان، ومع عدم الإحصان فلا رجم، بل يجلدان فقط.

القسم الخامس: الجلد والتَّغريب وحلق الرَّأس

(مسألة 1204) الجلد والتَّغريب وحلق الرَّأس على مَن تزوَّج امرأة ولم يدخل بها وزنى.

(مسألة 1205) لا يُعتبر في التَّغريب تحقُّق المسافة الشَّرعية، بل المناط صدق الغربة والتَّبعيد عرفاً.

ص: 385

(مسألة 1206) مدَّة النَّفي سنة، من البلدة التي جُلِدَ فيها، وتعيين محل النَّفي منوط بنظر الحاكم.

(مسألة 1207) لو كان محل الحد غير وطنه لا يُنفى إلى وطنه، بل يُنفى إلى غيره،ولو حُدَّ في الفلاة يُنفى من محل الحد إلى غير وطنه، ولا فرق في محل الحد بين كونه مصرَّاً أو قرية.

(مسألة 1208) يحلق الرَّأس ولا يجوز حلق اللحية ولا الحاجب، ولا يكفي حلق النَّاصية فقط، بل يحلق الرَّأس جميعه.

(مسألة 1209) لا جزَّ على المرأة، بل ولا تغريب عليها أيضاً.

الفصل الخامس: في كيفيَّة إيقاع الحدّ بأنواعه

(مسألة 1210) في تكرار الزِّنا حد واحد مع عدم تخلُّل الحد في البين، سواء كان التِّكرار مرَّتين أم مرَّات في يوم واحد أو أيَّام متعدِّدة، قصرت المدَّة بين الأفراد أو طالت، هذا إذا كان من نوع واحد، وأمَّا التِّكرار من أنواع مختلفة فيتكرَّر كما إذا كان أحدهما جلداً والآخر رجماً مثلاً كما مرَّ في الشَّيخ والشَّيخة.

(مسألة 1211) إذا تكرَّر من الحر غير المحصن أو الحرَّة كذلك الزِّنا فأقيم الحد ثلاث مرَّات يُقتل في الرَّابعة.

(مسألة 1212) المملوك إذا أقيم عليه الحد سبعاً لو كان في زماننا قُتل في الثَّامنة.

(مسألة 1213) لو زنى الذمِّي بذميَّة أو كافرة كان حكمه ما يراه الحاكم من المصلحة في أنَّها هل يقتضي إقامة الحد عليه بحسب شريعة الإسلام، لكونه في بلد المسلمين، أو تقتضي دفعه إلى أهل ملَّته ليقيموا عليه حدَّهم، كما إذا كان من جالية خبيثة فيما بينهم، وهكذا لو زنت مثله.

ص: 386

(مسألة 1214) إذا زنى المسلم بكافرة يُحكم على المسلم بحكمه جلداً أو رجماً كما مضى، وفي الكافرة بالخيار كما تقدَّم إلاَّ إذا كانت حربيَّة ونوى المسلم تملكها بإذن الحاكم الشَّرعي وأمكن صدق ذلك عمليَّاً فلا شيء عليه.

(مسألة 1215) لا يُقام الحد - رجماً ولا جلداً - على الحامل، ولو كان حملها من زنا حتَّى تضع حملها وتخرج من نفاسها إن خيف من الجلد الضَّرر على الولد، وكذا لو لم تكن مرضعة وخيف من الضَّرر على ولدها، ولو وُجِدَ مَن يتحمَّل ذلك تُحد ولا تؤخَّر.

(مسألة 1216) يجب الحد على المريض وصاحب القروح والمستحاضة ونحوهم إن كان قتلاً أو رجماً، وإن كان الحد غيرهما لا يُجلد بل ينتظر البرء، ولو لم يتوقَّع البرء أو رأى الحاكم المصلحة في التَّعجيل ضربهم بالضغث المشتمل على العدد من سياط أو شماريخ أو نحوهما، ولا يعتبر وصول كل شمراخ أو سوط إلى الجسد فيكفي صدق المسمَّى عرفاً، ولو بَرَأ قبل الضرب بالضغث حُدّ كالصَّحيح، ولو برأ بعده لم يعد.

(مسألة 1217) لا يؤخَّر حدِّ الحائض إلى طهرها، ويؤخر في النُّفساء حتَّى ينقطع دمها على الأحوط.

(مسألة 1218) لا يسقط الحد باعتراض الجنون أو الارتداد، فلو ارتكب ما يوجب الحد وهو صحيح ثمَّ جُنَّ أقيم عليه الحدّ رجماً أو جلداً، وكذا المرتد.

(مسألة 1219) لو ارتكب المجنون الإدواري ما يوجب الحدّ في دور إفاقته وصحَّته أقيم عليه الحد ولو في دور جنونه ولا ينتظر به الإفاقة، ولا فرق بين أن يحس المجنون بالألم أو لا لغرض إقامة الحدود الَّتي لا يجوز تعطيلها مع إمكان إقامتها.

(مسألة 1220) لا يُجلد في شدَّة البرد ولا شدَّة الحر، بل يُجلد في الشِّتاء في حرِّ النَّهار وفي الصَّيف في وقت برده، ولا يُقام الحدّ في أرض العدو.

ص: 387

(مسألة 1221) لا يُقام الحدّ في الحرم على مَن التجأ إليه، بل يضيَّق عليه في المطعم والمشرب ليخرج منه لقداسته فيُقام عليه الحدّ في خارجه، ولكن يُقام على مَن أحدث موجبه فيه، لأنَّ المكان حينما كان مقدَّساً فللجرأة على الشَّرع فيه وحينما كان عاديَّاً فهو ما يناسب اقترافه الإثم فيه.

(مسألة 1222) لو اجتمعت حدود على شخص بدء بما لا يفوت معه الآخر مع الحياة، ففي مورد اجتماع الجلد والرجم يُجلد أولاً ثمَّ يُرجم، ولا يجب توقُّع بُرء جلده فيما اجتمعا فيه، ولا يجوز التَّأخير.

(مسألة 1223) لو اجتمع عليه حدّ البكر والمحصن يشكل كون الرَّجم بعد التَّغريب لاحتمال هزيمته من العقوبة.

(مسألة 1224) يدفن الرَّجل للرَّجم إلى حقويه لا أزيد، والمرأة إلى وسطها فوق الحقوة تحت الصَّدر.

(مسألة 1225) لو هربا من الحفيرة يُردَّان إن ثبت الزنا بالبيِّنة، وإن ثبت بالإقرار لم يردّا مطلقاً، هذا في الرجم، وأمَّا في الجلد فلا ينفع الفرار، بل يردَّان ويحدّان مطلقاً.

(مسألة 1226) إذا ثبت الزِّنا في المحصن بالإقرار كان أوَّل مَن يرجمه الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ثمَّ النَّاس، وإذا ثبت الزِّنا بالبيِّنة كان أوَّل من يرجمه البيِّنة ثمَّ الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ثمَّ النَّاس.

(مسألة 1227) يُجلد الرَّجل الزَّاني قائماً، مجرَّداً عن ثيابه ساتراً عورته، ويضرب أشدَّ الضرب، ويفرَّق على جميع جسده ويتَّقى وجهه ورأسه وفرجه، وتضرب المرأة جالسة وتربط عليها ثيابها.

(مسألة 1228) كل مَن قتله الحدّ فلا ضمان.

(مسألة 1229) لو التمس المرجوم أن يُقتل بنحو خاص لا يجوز إجابته بل يجب قتله بنحو ما أمر الشَّارع به.

ص: 388

(مسألة 1230) مَن يُرجم يأمره المتصدِّي لرجمه بأن يغسل نفسه بغُسل الميت - بتمام الأغسال الثَّلاثة - مع شرائطها ويكفَّن ويحنَّط بجميع ما يعتبر فيهما فيرجم ويصلَّى عليه ثمَّ يدفن في مقبرة المسلمين كسائر أهل الإسلام.

(مسألة 1231) لا يجوز قطع أعضائه بعد الرَّجم، ولا سبّه ولعنه وهتكه.

(مسألة 1232) لو قُطِعَ بقاطع جزءٌ من بدنه يجب ردُّه إلى البدن عند دفنه، ولو أخطأ في ذلك شخص يتحقَّق الضَّمان.

(مسألة 1233) لا يجوز الافتداء عن الرَّجم، ولا سائر الحدود ولو بلغت الفدية النَّفس، بل أكثر.

سُنن الحدود

(مسألة 1234) يُستحب لمن يريد استيفاء الحدِّ إعلام النَّاس بذلك، بل يأمرهم بالحضور لإقامة الحدِّ، والأحوط حضور إقامة الحد طائفة.

(مسألة 1235) يستحب أن تكون الأحجار صغاراً، بل هي الأحوط، ولا يجوز بمثل الحصى والصَّخرة ممَّا يقتله بالمرَّة الواحدة أو مرَّتين.

(مسألة 1236) يكره أن يُجري الحدّ مَن يكون لله عليه حدّ، سواء ثبت الزِّنا بالإقرار أو البيِّنة وسواء تاب عنه أم لا.

الفصل السَّادس: في اللواحق

(مسألة 1237) إذا شهد الشهود على امرأة بالزنا قُبلاً مع اجتماع جميع الشَّرائط فيهم فادَّعت أنَّها بكر وثبتت بكارتها بشهادة أربع نساء عادلات يُدرأ عنها الحد، ولو

ص: 389

علم الحاكم الشَّرعي بكارتها بالآلات الحديثة المطمئنة يعمل بعلمه، ولو شهد الشُّهود بالزِّنا مطلقاً - من غير تقييد بالقبل - فلا حدَّ عليها أيضاً، وكذا يسقط الحدُّ عن الرَّجل، سواء شهدوا بالزِّنا قُبلاً أم أطلقوا مع ثبوت بكارتها شرعاً، ولا يحدُّ الشُّهود للفرية، إلاَّ إذا صدقت الفرية عليهم عرفاً ببعض قرائنها.

(مسألة 1238) إذا شهد الشُّهود بالزِّنا بها دُبراً وثبت شرعاً كونها بكراً تحدُّ المرأة حينئذٍ بما سيأتي.

(مسألة 1239) لو شهدوا جامعين للشَّرائط على رجل بالزِّنا فثبت أنَّه كان مجبوباً حين النِّسبة إليه لا حدَّ عليه ولا على المرأة الَّتي شهدوا بأنَّه زنى بها ويحدّ الشُّهود للفرية.

(مسألة 1240) لا يُشترط حضور الشُّهود عند إقامة الحد مع تعذُّره - جلداً كان أو رجماً أو غيرهما - وإن وجب مع عدمه، فيقام الحد بعد ثبوته شرعاً ولو مع عدم حضورهم لموت أو غيبة، نعم لو فرُّوا وأوجب ذلك الشُّبهة سقط الحد حينئذٍ.

(مسألة 1241) إذا كان الزَّوج أحد الشُّهود الأربعة تُقبل الشَّهادة مع اجتماع الشَّرائط.

(مسألة 1242) يجب على الحاكم الشَّرعي إقامة حدود الله تعالى مع علمه بالسَّبب كالزِّنا وتمكُّنه مثلاً، كما يجب عليه مع الإقرار وقيام البيِّنة مع الفوريَّة الممكنة بلا كفالة ولا شفاعة في إسقاطها، وأمَّا حقوق النَّاس كالقصاص ونحوه فيتوقَّف إقامتها على مطالبة صاحب الحق حدّاً كان أو تعزيراً، فإن طلب فله العمل بعلمه بعد ذلك.

(مسألة 1243) لا فرق فيما ذكر في حدِّ الزِّنا بين الزِّنا بالحيَّة والميتة رجماً وجلداً.

المبحث الثَّاني: في اللَّواط وما يتعلَّق به

(مسألة 1244) اللواط: هو (وطء الذكر من الآدمي بإيقاب وغيره).

ص: 390

(مسألة 1245) لا يثبت اللواط إلاَّ بالإقرار أربع مرَّات، أو شهادة أربع رجال بالمعاينة كالميل في المكحلة مع اجتماع شرائط الشَّهادة، بلا فرق فيهما بين الفاعل والمفعول.

(مسألة 1246) يشترط في المقر - فاعلاً كان أو مفعولاً - البلوغ والعقل والحريَّة والقصد والاختيار.

(مسألة 1247) لا اعتبار بإقرار الصَّبي والمجنون والعبد والهازل والمكرَه.

(مسألة 1248) لو أقرَّ دون الأربع لم يُحدّ ويعزِّره الحاكم بما يراه كما سيجيء، ولو شهد بذلك دون الأربع فلا يثبت بل عليهم الحدّ للفرية.

(مسألة 1249) لا اعتبار بشهادة النِّساء منفردات أو منضمات، نعم للحاكم أن يحكم بعلمه.

(مسألة 1250) لو أوقب يثبت القتل على الفاعل والمفعول مع تحقُّق الشَّرائط السَّابقة، بلا فرق فيه بين المسلم والكافر والمحصن وغيره.

(مسألة 1251) إذا أوقب المكلَّف الصَّبي أو المجنون قُتِلَ المكلف وأُدِّب غيره بما يراه الحاكم مع شعور المجنون للتَّأديب.

(مسألة 1252) لو أوقب الصَّبي أو المجنونُ المكلَّفَ يُقتل المكلَّف ويؤدَّب الصَّبي أو المجنون، وفي الصَّبي مع الصَّبي أو المجنون بمثله أو المجنون مع الصَّبي أو العكس يؤدَّب الفاعل والمفعول مطلقاً.

(مسألة 1253) لو لاط الذمِّي بمسلم قُتِل الذمِّي وإن لم يوقب، ولو لاط الذمِّي بمثله يُقام عليه الحدّ إيقاباً كان أو غيره بما سيتَّضح.

(مسألة 1254) الإمام يتخيَّر في قتل اللائط بين ضرب عنقه بالسَّيف، أو إلقائه من شاهق موجب لإزهاق روحه، أو إحراقه بالنَّار، أو رجمه، أو إلقاء جدار عليه، ويجوز

ص: 391

الجمع بين القتل بأحد الأنحاء المذكورة ثمَّ الإحراق بالنَّار.

(مسألة 1255) إذا لم يكن إيقاب في البين بل كان من التِّفخيذ وما بين الإليتين فحدّه مائة جلدة، بلا فرق بين المحصن وغيره والمسلم والكافر، إذا لم يكن الفاعل كافراً والمفعول مسلماً وإلاّ فالقتل كما مرَّ.

(مسألة 1256) لو تكرَّر منه الفعل بما يوجب الحد وتخلَّله الحدّ قُتِل في الرَّابعة على الأحوط.

(مسألة 1257) لو تاب اللائط إيقاباً أو غيره قبل قيام البيِّنة فلا حدَّ عليه، ولو تاب بعده لا يسقط الحدّ، ولو كان الثبوت بإقراره فتاب يتخيَّر ولي الأمر بين الإجراء والعفو.

المبحث الثَّالث: في المساحقة وحدِّها

وهي دلك المرأة فرجها بفرج امرأة أخرى، وهي مع حدِّها في مسائل:

(مسألة 1258) يثبت السَّحق بكل ما يثبت به اللواط من الإقرار أربع مرَّات، وشهادةأربعة رجال بالمعاينة.

(مسألة 1259) حدُّ المساحقة مائة جلدة مع البلوغ والعقل والاختيار بلا فرق بين الفاعلة والمفعولة والمسلمة والكافرة والمحصنة وغيرها.

(مسألة 1260) لو تكرَّرت المساحقة مع تخلُّل الحدّ قُتِلت في الرَّابعة.

(مسألة 1261) يسقط الحدّ بالتَّوبة قبل قيام البيِّنة ولا يسقط إذا كانت بعده ولو ثبت بالإقرار يكون وليّ الأمر مخيَّراً بين العفو والإقامة.

ص: 392

المبحث الرَّابع: في القيادة وحدِّها

وهي الجمع بين الرَّجل والأنثى للزِّنا أو بين الرَّجل والرَّجل للواط، بلا فرق في الأنثى بين البالغة والصَّبيَّة، وكذا في الرَّجل الَّذي لاط به بين الصَّبي والبالغ، وذلك يتحقَّق في مسائل:

(مسألة 1262) تثبت القيادة بالإقرار مرَّتين وبشهادة عدلين.

(مسألة 1263) يشترط في المقر البلوغ والعقل والقصد والاختيار، فلا عبرة بإقرار الصَّبي والمجنون والهازل والمكره.

(مسألة 1264) حدُّ القيادة: ثلاثة أرباع حدِّ الزَّاني، خمس وسبعون جلدة، ويُنفى من البلد إلى غيره، والأحوط أن يكون النَّفي في المرَّة الثَّانية، ويحلق رأسه ويشهر.

(مسألة 1265) حدُّ النَّفي موكول إلى نظر ولي الأمر كما مرَّ شبهه.

(مسألة 1266) يستوي في ذلك كله الرَّجل والمرأة والمسلم والكافر، إلاَّ أنَّه ليس في المرأة نفي ولا حلق ولا شهر، بل تختص بالجلد فقط.

المبحث الخامس: في السَّرقة وحدِّها

وفيه فصول:

الفصل الأوَّل: في السَّارق:

(مسألة 1267) يشترط في وجوب الحد عليه شروط:

الأوَّل: البلوغ، فلو سرق الطِّفل، لم يحد ويؤدَّب، ولو تكرَّرت سرقته.

الثَّاني: العقل، فلا يقطع المجنون ويؤدَّب، وإن تكرَّرت منه.

ص: 393

الثَّالث: ارتفاع الشُّبهة، فلو توهَّم الملك فبان غير مالك لم يقطع.

الرَّابع: ارتفاع الشِّركة، فلو سرق من مال الغنيمة، فإن زاد ما سرقه عن نصيبه بقدر النِّصاب قطع، وإلاَّ فلا.

الخامس: أن يهتك الحرز بنفسه، منفردا كان أو مشاركاً، فلو هتكه غيره وأخرجه هو لم يقطع.

السَّادس: أن يخرج المتاع بنفسه أو مشاركاً، ويتحقَّق الإخراج بالمباشرة وبالتَّسبيب، مثل أن يشدَّه بحبل ثمَّ يجذبه من خارج، أو يضعه على دابة.

السَّابع: أن لا يكون والداً من ولد، ويقطع الولد لو سرق من الوالد، وكذا يقطع الأقارب، وكذا الأم لو سرقت من الولد.

الثَّامن: أن يأخذه سرِّاً، فلو هتك قهرا ًظاهراً وأخذ لم يقطع، وكذا المستأمن لو خان، ويقطع الذمِّي كالمسلم والمملوك مع قيام البيِّنة، وحكم الأنثى في ذلك كلِّه حكم الذكر.

(مسألة 1268) يثبت الحدُّ على السَّارق بشاهدين عدلين، أو بالإقرار مرَّتين، ولا يكفيالمرَّة، ويشترط في المقر: البلوغ، وكمال العقل، والحرية، والاختيار.

الفصل الثَّاني: في المسروق

(مسألة 1269) لا قطع فيما ينقص عن ربع دينار، ويقطع فيما بلغه ذهباً خالصاً مضروباً عليه السكَّة، أو ما قيمته ربع دينار، ثوباً كان أو طعاماً أو فاكهة أو غير ذلك، سواء كان أصله الإباحة أو لم يكن.

ص: 394

الفصل الثَّالث: في الحد

(مسألة 1270) وهو قطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى، ويترك له الرَّاحة والإبهام، ولو سرق ثانية قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم، ويترك له العقب يعتمد عليها، فإن سرق ثالثة حبس دائماً، ولو سرق بعد ذلك قتل، ولو تكرَّرت السِّرقة فالحد الواحد كاف لو لم يجر الحد في المرَّات السَّابقة.

الفصل الثَّالث: في بعض الأحكام

(مسألة 1271) يجب على السَّارق إعادة العين المسروقة، وإن تلفت أغرم مثلها أو قيمتها إن لم يكن لها مثل، وإن نقصت فعليه أرش النُّقصان.

(مسألة 1272) لو سرق ولم يقدر عليه لإقامة الحد، ثمَّ سرق ثانية قطع بالأخيرة، وأغرم المالين.

(مسألة 1274) قطع السَّارق موقوف على مطالبة المسروق منه، فلو لم يرافعه لم يرفعه الإمام وإن قامت البيِّنة، ولو وهبه المسروق منه يسقط الحد، وكذا لو عفا عن القطع، فأمَّا بعد المرافعة فإنَّه لا يسقط بهبة ولا عفو.

(مسألة 1276) لو سرق مالاً فملكه قبل المرافعة سقط الحد، ولو ملكه بعد المرافعة لم يسقط.

(مسألة 1277) لو أخرج المال وأعاده إلى الحرز لم يسقط الحد إن ثبت عليه، لحصول السَّبب الموجب التَّام وهو ثبوته بالمرافعة.

ص: 395

المبحث السَّادس: في شرب المسكر والفقَّاع وحدِّه

وفصوله ثلاثة:

الفصل الأوَّل: في شروط وجوب الحدِّ عليه:

(مسألة 1276) يُشترط في وجوب الحدِّ على شارب المسكر والفقَّاع أمور:

1 - تناول المسكر، أو الفقَّاع، والتَّناول يعم الشرب وأخذه ممزوجاً بالأغذية والأدوية، والمسكر هو ما من شأنه أن يسكر ولو قطرة منه.

2 - الاختيار، فلا حدَّ على المكره.

3 - العلم بالتَّحريم، فلا حدَّ على من جهل التَّحريم ولا على من جهل المشروب.

4 - كمال المتناول، من البلوغ والعقل.

(مسألة 1277) يستوي في ذلك الخمر وجميع المسكرات، التَّمريَّة والزَّبيبيَّة والعسليَّة والمزر المعمول من الشعير أو الحنطة أو الذرة، وكذا لو عمل من شيئين أو ما زاد، ويتعلَّق الحكم بالعصير إذا غلا واشتد.

(مسألة 1278) يثبت الحد بشهادة عدلين مسلمين، ولا تقبل فيه شهادة النِّساء منفردات، ولا منضمَّات، وبالإقرار دفعتين، ولا يكفي المرَّة.

(مسألة 1279) يشترط في المقر: البلوغ وكمال العقل والحريَّة والاختيار.

الفصل الثَّاني: في كيفيَّة الحد

(مسألة 1280) حدُّ شارب المسكر ثمانون جلدة كحد القذف والفرية، رجلاً كان أو امرأة، حرَّاً كان أو عبداً، أمَّا الكافر: فإن تظاهر به حد، وإن استتر لم يحد.

ص: 396

(مسألة 1281) يضرب الشَّارب عرياناً على ظهره وكتفيه، ويتَّقي وجهه وفرجه، ولا يقام عليه الحد حتَّى يفيق، وإذا حُدَّ مرَّتين قُتل في الثَّالثة، وقيل يُقتل في الرَّابعة وهو أحوط، ولو شرب مراراً قبل أن يحد كفى حد واحد.

الفصل الثَّالث: في أحكامه

(مسألة 1282) من شرب الخمر مستحلاًّ استتيب، فإن تاب أقيم عليه الحد، وإن امتنع قُتل.

(مسألة 1283) من باع الخمر مستحلاًّ يُستتاب، فإن تاب وإلاَّ قتل، وإن لم يكن مستحلاًّ عزِّر.

(مسألة 1284) إذا تاب قبل قيام البيِّنة سقط الحد، وإن تاب بعدها لم يسقط ولو كان ثبوت الحد بإقراره، وحتِّم عليه الاستيفاء منه إذا كان قد أجراه مرَّتين.

المبحث السَّابع: في القذف وحدِّه

وفيه أمور أربعة:

الأمر الأوَّل: في الموجب

(مسألة 1285) القذف هو الرَّمي بالزِّنا واللواط، كقوله: زنيت أو لطت أو ليط بك أو أنت زان أو لائط أو منكوح في دبره، وما يؤدِّي هذا المعنى صريحاً مع معرفة القائل بموضوع اللفظ بأي لغة اتِّفق.

(مسألة 1286) لو قال لولده الَّذي أقرَّ به: لست بولدي وجب عليه الحد، وكذا لو قال لغيره: لست لأبيك، ولو قال: زنت بك أمك، أو يا ابن الزَّانية، فهو قذف للأم،

ص: 397

وكذا لو قال: زنى بك أبوك، أو يا ابن الزَّاني، فهو قذف لأبيه.

(مسألة 1287) لو قال لابن الملاعنة: يا ابن الزَّانية، فعليه الحد.

(مسألة 1288) لو قال لابن المحدودة قبل التَّوبة لم يجب به الحد، وبعد التَّوبة يثبت الحد.

(مسألة 1289) لو قال: يا ديُّوث أو يا كشخان أو يا قرنان أو غير ذلك من الألفاظ، فإن أفادت القذف في عرف القائل لزمه الحد، وإن لم يعرف فائدتها أو كانت مفيدة لغيره فلا حد، ويعزَّر إن أفادت فائدة يكرهها المواجه.

(مسألة 1290) لو كان المقول له مستحقِّاً للاستخفاف فلا حدَّ ولا تعزير، وكذا كل ما يوجب أذى كقوله: يا أجذم أو يا أبرص.

الأمر الثَّاني: في القاذف

(مسألة 1291) يعتبر فيه: البلوغ، وكمال العقل، فلو قذف الصَّبي لم يحد وعُزِّر - بما سيجيء - وإن قذف مسلماً بالغاً حرَّا، وكذا المجنون.

الأمر الثَّالث: في المقذوف

ويشترط فيه: الإحصان، وقد مرَّ تعريفه وأحكامه في ص (378)، فمن فقده، فلا حدَّ وفيه التَّعزير.

الأمر الرَّابع: في الأحكام

(مسألة 1292) إذا قذف جماعة واحداً بعد واحد شخصاً فلكل واحد من

ص: 398

الجماعة حد، ولو قذفوه بلفظ واحد وجاؤوا به مجتمعين فالكل في حد واحد، ولو افترقوا في المطالبة، فلكل واحد حد.

(مسألة 1294) حد القذف موروث يرثه من يرث المال من الذكور والإناث، عدا الزَّوج والزَّوجة.

(مسألة 1294) لو قال: ابنك زان أو لائط أو بنتك زانية فالحد لهما، لا للمواجه فقط.

(مسألة 1295) إذا ورث الحد جماعة، لم يسقط بعضه بعفو البعض فللباقين المطالبة بالحد تامَّاً ولو بقي واحد.

(مسألة 1296) إذا تكرَّر الحد بتكرُّر القذف مرَّتين قتل في الثَّالثة، وقيل في الرَّابعة، وهو أحوط.

(مسألة 1297) لا يسقط الحد عن القاذف إلاَّ بالبيِّنة المصدَّقة، أو تصديق مستحق الحد أو العفو، ولو قذف زوجته، سقط الحد بذلك وباللِّعان.

(مسألة 1298) الحد ثمانون جلدة، حرَّا كان أو عبداً، ويجلد بثيابه ولا يجرَّد، ويقتصر على الضَّرب المتوسِّط، ولا يبلغ به الضَّرب في الزِّنا، ويشهَّر القاذف لتجتنب شهادته.

(مسألة 1299) يثبت القذف بشهادة عدلين، أو الإقرار مرَّتين، ويشترط في المقر: التَّكليف والحريَّة والاختيار.

مسائل ملحقة

(مسألة 1300) من سبَّ النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ جاز لسامعه قتله، ما لم يخف الضَّرر على نفسه أو ماله، أو غيره من أهل الإيمان، وكذا من سبَّ أحد الأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ والزَّهراء عَلَيْها اَلسَّلاَمُ .

ص: 399

(مسألة 1301) من ادَّعى النبوَّة وجب قتله، وكذا من قال: لا أدري محمَّد بن عبد الله صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ صادق أو لا، وكان على ظاهر الإسلام.

(مسألة 1302) من عمل بالسِّحر يقتل إن كان مسلماً، ويؤدَّب إن كان كافراً.

المقصد الثَّاني: في التَّعزير

والكلام عنه في أمور:-

الأمر الأوَّل: في تعريفه:

وهو عقوبة أو كعقوبة دنيويَّة إضافيَّة دون الحد، تخضع لتعيين من الحاكم الشَّرعي، حسبما يقتضيه أمر موجبه الَّذي قد يقل عن الجريمة في بعض الأحوال، ولو كتأديب أو تحديد لما قد يصل إليها أو يزيد بعض الشَّيء، ولذا يدخل في ذلك حتَّى الصَّبي والمجنون على تفصيل في محلِّه فيما يأتي.

الأمر الثَّاني: في بعض مسائله:-

(مسألة 1303) تقدير التَّعزير هو ما يختاره الحاكم بما بين الخمسة والعشرين سوطاً إلى التَّاسعة والسَّبعين دون حدِّ الفرية.

(مسألة 1304) التَّعزير يمضي حكمه للرَّدع والتَّأديب على كلِّ من يعلم الحاكم الشَّرعي بثبوت مقتضيه عليه ويختاره تعزيراً له.

(مسألة 1305) يكره أن يزاد في تأديب الصَّبي على عشرة أسواط، وكذا المملوك، وقيل: إن ضرب عبده في غير حد حدَّاً لزمه إعتاقه، وهو على الاستحباب.

(مسألة 1306) كل ما فيه التَّعزير من حقوق الله سبحانه، يثبت بشاهدين أو

ص: 400

الإقرار مرتين على قول، إلاَّ أنَّ الأحوط التَّأكد في أمر الصِّبيان والمجانين.

الأمر الثَّالث: في بعض موارده:-

(مسألة 1307) موارد التَّعزير أمور:

منها: من ترك فريضة كالصَّلاة والصَّوم ونحوهما متعمِّداً مع اعتقاده بالوجوب حين بلوغه وعقله بخمسة وعشرين سوطاً، ويتكرَّر هذا الأمر كلَّما يتكرَّر منه هذا التَّرك وإلى الثَّالثة وقيل إلى الرَّابعة يُقتل وهو في الرَّابعة أحوط حقناً للدِّماء.

ومنها: عند التَّجاهر بالإفطار في شهر رمضان على شرب الخمرة أو مطلق شربه حتَّى ليلاً للخمرة مضافاً إلى حدِّ الخمرة بما يراه الحاكم احتراماً للشَّهر.

ومنها: في الاستمتاعات الحاصلة بغير الدُّخول بلا مجوِّز شرعي من التَّقبيل والمضاجعة والمعانقة ونحو ذلك من أيِّ مكلَّف، سواء للغلام أو الرَّجل أو المرأة الصَّغيرة أو الكبيرة بشهوة.

ومنها: ما لو اجتمع اثنان تحت إزار واحد مع عدم الضَّرورة وعدم كونهما رحماً للآخر وكونهما مجرَّدين.

ومنها: ما لو أقرَّ أحد الزَّوجين بما يقل عن الأربع مرَّات فللحاكم حق الرَّأي في تعزيره ومقداره.

ومنها: تعزير المزني بها لو كانت صبيَّة أو مجنونة، وهكذا الزَّاني لو كان صبيَّاً أو مجنوناً.

ومنها: ما لو افتضَّ شخص بِكراً بإصبعه فيُعزَّر بما يراه الحاكم إضافة إلى ما مضى من باقي الحكم.

ومنها: ما إذا حصل موجب الحد ممَّا مضى في الأزمنة المباركة أو الأمكنة الشَّريفة

ص: 401

أو هما معاً فللحاكم الشَّرعي معاقبة المحدود بما يزيد عن الحد تعزيراً بما يعيِّنه.

ومنها: ما لو أقرَّ اللائط بما دون الأربع إقرارات تعزيراً بما يراه الحاكم.

ومنها: ما لو أوقب اللائط مجنوناً أدَّب الحاكم - غير عقوبة الَّلائط - هذا المجنون بمايراه لو كان يشعر استثماراً من التَّأديب التَّعزيري، وهكذا لو حصل الإيقاب من نفس المجنون أو الصَّبي أو اكتفى الصَّبي بالصَّبي أو المجنون بمثله أو العكس.

ومنها: ما لو تقاذف اثنان فيما بينهما فيعزَّران، بل حتَّى الواحد إذا قال ما يشبه القذف ككلمة (ابن الحرام أو أنت ابن حيضة أو أنت لم أجدك عذراء).

ومنها: ما لو قتل المسلم الذمِّي أو المستأمن عليه بمعاهدة أو مهادنة ممَّن لا يجوز قتلهم عزَّره الحاكم حسبما يراه من المصلحة، إضافة إلى ما يكون عليه من الدية كالذمِّي من اليهود والنَّصارى كما سيجيء.

ومنها: ما لو قتل الوالد ولده فإنَّه وإن لم يقتل قصاصاً إلاَّ أنَّ عليه التَّعزير بما يقدِّره الحاكم الشَّرعي مع الدية.

ص: 402

كتاب القصاص

اشارة

والكلام عنه بمقدِّمة وتعريف وفصول خمسة:-

وهي قصاص النَّفس وشروط القصاص ودعوى القتل وما يثبت به والقسامة وأحكام القصاص وقصاص الأطراف.

أمَّا المقدِّمة:-

فاعلم أنَّ بحث القصاص كان من الكتب الَّتي تركت الكتابة عنها فتوائيَّاً في الآونة الأخيرة من هذه الغيبة الكبرى، بل حتَّى اجتهاديَّاً، وإن كان الأخير مألوفاً إلى قريب من عهودنا عند البعض من السَّلف، ولعلَّه لعدم الابتلاء بمسائله، لخطورة التَّطبيق، لأنَّه قد يصل الأمر إلى الانتقام الأكثر ممَّا يلزم، وخفاء الظلمة في المظلومين، وعدم توفُّر السُّلطان العادل مع الخوف من حُكَّام الجور.

ومن حالاته المقابلة بالمثل مقاصَّة وإن وصلت إلى درجة القتل ثمَّ تقل شيئاً فشيئاً إلى أقل ما يكون من قطع الأطراف والأقل حتَّى الجروح البسيطة، بل حتَّى أمور المقاصَّة بالمال المأخوذ أو الممنوع عن دفعه حقَّاً، كما أشرنا إلى ذلك في باب الحقوق والنَّفقات.

وعموم ذلك قد يكون وارداً في نصوص شريفة منها قوله تعالى [وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] وغير ذلك.

ولكن الخوف من تعطيل حدود الله في هذه الغيبة - ووضوح بعض القضايا المسموح بإجرائها بعد أخذ الرُّخصة من الحاكم الشَّرعي ولو احتياطاً أو بوجوب ثابت لو لم يسبِّب هذا الأمر إخلالاً بالنِّظام العام، وبالأخص أيَّام حصول الصَّحوة الدِّينيَّة

ص: 403

المشجِّعة في بعض البلدان الإسلاميَّة هذه الَّتي قد تمنح حكَّام الشَّرع أو بعضهم سلطة وبسط يد يخاف منها حتَّى حكَّام الجور أنفسهم -

هو الَّذي سبَّب انعقاد الأمل في رجحان أو وجوب العود في الكتابة والنَّشر عن هذه الأمور ولو في الجملة المهمَّة، لئلاَّ يستضعف المؤمنون أكثر ممَّا استضعفوا، وينكَّل بهم دوماً وهم الأبرياء، ويكون المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وقد أشرنا في باب الجهاد الدِّفاعي ونحوه أنَّ من مسائله ما يصلح ليكون من أنواع الاقتصاص.

وأمَّا التَّعريف:

فهو الأخذ بالحق الشَّرعي العادل من قبل المعتدى عليه أو وليِّه مكان اعتداء المعتدي وبمقداره نفساً أو أطرافاً وبشروط خاصَّة، وقد ينخفض هذا الحكم إلى مستوى الدية في شبه العمد أو الخطأ المحض وكما سيجيء تفصيله.

وأمَّا الفصول:

فالأوَّل: قتل النَّفس

(مسألة 1308) لصعوبة بعض القضايا وأهمُّها قتل النَّفس ينبغي بل يجب في بعضها عدم جواز تطبيق أمورها إلاَّ مع وجود الحاكم الشَّرعي والقاضي المتقن موضوعاً وحكماً بإيصالها إليه، ليبتَّ بها أوَّلاً ولو بمعونة بعض الخبراء كما مرَّ في القضاء، بل الأحوط أخذ الرُّخصة من هذا الحاكم في التَّنفيذ، حتَّى لو اتَّضح أمر المظلوميَّة والاعتداء والحكم عند الغير وبالأخص المقود.

(مسألة 1309) في مثل الحالات الصَّعبة - من الجهة النِّظاميَّة أو الشَّخصيَّة أو لما قد يجر من هذا الأمر أو ذاك ما هو أشد على المقتص وإن كان محقَّاً بعض المشاكل غير

ص: 404

المحتملة أو على أهل المقتص منه بما يزيد على ثقل القضيَّة أو على نفس المقتص منه المعتدي من قرب الهداية المرجوَّة فيه أو فيهم ما هو عدمها، ولذا جعل العفو أقرب للتَّقوى كما قال تعالى [وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى] -

ينبغي بل قد يجب التَّنبُّه إلى ما هو الأهم تجاه المهم أو المهم تجاه غيره، وبالأخص أثقل القضايا وهي قتل النَّفس والقصاص بما يساويها.

(مسألة 1310) يثبت حق القصاص بقتل النَّفس المحترمة عمداً وعدواناً من قبل البالغ العاقل للقتل في قصده، سواء كان العلَّة التَّامَّة أو الجزء الأخير للعلَّة لو تعدَّدت أجزاؤها، وبالمباشرة التَّامَّة أو التَّسبيب الَّذي لولاه لما زهقت روح المقتول، وإن كان الواسطة إنساناً لاعتباره آلة طيِّعة لا غير، بل حتَّى لو كان التَّسبيب سحراً أو شعوذة، كعمليَّة الإخافة المهلكة كتصوير شبح لا يرى إلاَّ أنَّه ذلك الأسد الهاجم عليه فخاف حتَّى مات، وإن كان السِّحر والشَّعوذة لا موضوعيَّة لهما في الواقع.

(مسألة 1311) قد تتحقَّق الشِّركة في القتل إذا حصلت بفعل شخصين وإن تفاوتا في الشدَّة والضعف، كالتَّفاوت بين الضربة والضربتين إذا تنجزَّ القتل عنهما معاً، فللولِّي أن يقتل أحدهما أو يقتل كليهما مع دفع دية تقسَّم بين ورثة المقتولين.

الفصل الثَّاني: شروط القصاص

(مسألة 1312) يشترط في ثبوت القصاص أمور، وهي خمسة:

الأوَّل: التَّساوي في الحريَّة والعبوديَّة، فإذا قتل الحر الحر عمداً قُتل به، وكذا إذا قتل الحرَّة، ولكن بعد ردِّ نصف الدية إلى أولياء المقتص منه، لأنَّ دية المرأة نصف دية الرَّجل كما سوف يأتي.

وإذا قتل الحر العبد لا يُقتل به، وكذا الأمة - وسيأتي حكمهما في باب الديات ولو

ص: 405

إشارة - حينما لم يصدر العفو من أولياء المجني عليه، وإذا قتل العبد الحر أو الحرَّة فإمَّا أن يقتل بأحدهما أو يملَّك للأولياء ويضاف إلى قيمته ما يكمِّل الدية لو نقصت أو لا يضاف شيء إذا حصل التَّساوي أو يعوَّض مالكه لو زادت قيمته أكثر من الدية.(مسألة 1313) إذا كان القتل من الحر للحر أو الحرَّة خطأ محضاً أو شبيه عمد فلا قصاص، نعم تثبت الدية وهي على الأوَّل تحمل على عاقلة القاتل، وعلى الثَّاني في ماله على تفصيل يأتي موجزه في باب الديات بإذن الله.

ومعنى شبه العمد: أن يقصد قتل رجل أو امرأة بعمده ولكنَّه اشتبه فأصاب غير ما قصده.

الثَّاني: التَّساوي في الدِّين، فلا يقتل المسلم بقتله كافراً، ذميَّاً كان أو مستأمناً أو حربيَّاً، كان قتله سائغاً أم لم يكن، نعم إذا لم يكن القتل سائغاً كالذمِّي أو المستأمن فقتله عزَّره الحاكم حسبما يراه من المصلحة، إضافة إلى ما يكون عليه من الدية كالذمِّي من اليهود والنَّصارى كما سيجيء إذا لم يكن هذا العمل عن اعتياديَّة في قتل أمثاله، وأمَّا في فرض اعتياد قتل أمثاله من أهل الذمَّة إن اتَّبعوا شروطها اليوم في بلادنا الإسلاميَّة جاز لولي الذمِّي المقتول قتله بعد ردِّ فاضل ديته، لأنَّ دية الكتابي نصف دية المسلم.

(مسألة 1314) لو قتل الذمِّي مسلماً عمداً دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا عفوا عنه، وإن شاءوا استرقُّوه، وإن كان معه مال دفع إلى أولياء المقتول هو وماله، ولو أسلم الذمِّي قبل الاسترقاق، كانوا بالخيار بين قتله والعفو عنه وقبول الدية إن حصل الرِّضا بها من القاتل.

(مسألة 1315) إذا كان على مسلم قصاص فقتله غير الولي بدون إذنه ثبت عليه القود وهو القصاص.

(مسألة 1316) لا فرق في المسلم المجني عليه في حقوقه المذكورة له أو لأوليائه بين

ص: 406

الأقارب والأجانب، ولا بين الوضيع والشَّريف.

الثَّالث: أن لا يكون القاتل أبا للمقتول، فإنَّه لا يقتل بقتل ابنه وعليه الدية ويعزَّر، ولا عكس على المشهور.

(مسألة 1317) لو قتل الرَّجل زوجته، وكان له ولد منها لم يثبت له حق القصاص من أبيه على المشهور، وليس له إلاَّ الدية.

(مسألة 1318) لو قتل أحد الأخوين أباهما، والآخر أمُّهما فلكل واحد منهما على الآخر القود، فإن بدر أحدهما فاقتصَّ كان لوارث الآخر الاقتصاص منه.

الرَّابع : أن يكون القاتل عاقلا بالغاً، فلو كان مجنوناً لم يقتل، من دون فرق في ذلك بين كون المقتول عاقلا أو مجنوناً، نعم تحمَّل عاقلته الدية، لعدم وجود صواب فيه، وكذا الصَّبي لا يقتل بقتل غيره صبيَّاً كان أو بالغا، وتحمَّل عاقلته الدية لقصوره، والعبرة في عدم ثبوت القود بالجنون حال القتل، فلو قتل وهو عاقل ثمَّ جنَّ لم يسقط عنه القود، ومنه الإدواري في جنونه إذا قَتل في حال عقله ثمَّ جاءه دور الجنون.

(مسألة 1319) لو قتل العاقل مجنوناً لم يقتل به، نعم عليه الدية إن كان القتل عمديَّاً أو شبيه عمد وفي الخطأ على عاقلته، كما سيجيء في الديات.

(مسألة 1320) لو كان القاتل سكراناً فإن كان فكره عند سكره فيه حالة العلم بأنَّ ذلك ممَّا يؤدِّي إلى القتل نوعاً وكان شربه في معرض ذلك فعليه القوَد وعليه المشهور، وإن لم يكن كذلك بل كان القتل منه حينذاك اتِّفاقيَّاً فلا قود، بل عليه الدية.

الخامس: أن يكون المقتول محقون الدَّم، فلا قود في القتل السَّائغ شرعاً لمهدوره كسابِّ النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ والأئمَّة الطَّاهرين عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ مع الزَّهراء عَلَيْها اَلسَّلاَمُ ، وقتل المرتد الفطري ولو بعد توبته والمحارب والمهاجم القاصد للنَّفس أو العرض أو المال، وكذا من يقتل بقصاص أو حد وغير ذلك ممَّا ضابطه العام في جميع ذلك هو كون القتل سائغا للقاتل شرعاً بما أوجزناه.

ص: 407

(مسألة 1321) المشهور على أنَّ من رأى زوجته يزني بها رجل وهي مطاوعة جاز له قتلهما كما مرَّ ذكره في السَّابق، وهو كذلك حينما كانت المطاوعة بادية له بوضوح وعن رغبتها في كل العمل مقدِّمة وغاية، لا ما إذا كانت أسيرة زوجها المعادي لها مع عفَّتها المعروفة عنده واحتمال كون حالتها في الظاهر عن الاغتصاب من الزَّاني، وبالأخص أنَّ الرَّعشة الكبرى حينما تعروها قد يظهر منها ما يشبه المطاوعة ولكنَّها لا تنفي عنها حالة المضض، ولذلك يجب الاحتياط بالمعنى الأخير له وقتل الزَّاني حسب، ولا مانع من أن يطلِّقها إن لم يتحمَّل حالتها، وإن كره أصل الطَّلاق في بعض الأحوال.

الفصل الثَّالث: في دعوى القتل وما يثبت به

أمَّا ما يتعلَّق بدعوى القتل فنحصره فيما يلي من المسائل:

(مسألة 1322) يشترط في المدَّعي: العقل والبلوغ، وقيل باشتراط الرُّشد أيضاً، وهو في محلَّه إذا كان غير الرَّشيد من لم يكن متوازناً، بحيث لا يعتمد عليه في مثل هذه الأمور،لورود الاحتياط في أمر الدِّماء.

نعم لو لم يثبت فيه عدم التَّوازن ولم يُعلم رشده تامَّاً كمن يتوسَّط أمره واحتمل جدَّه فبالإمكان الأخذ بقوله في بعض الحالات الَّتي يطَّلع عليها الفقيه.

ويشترط في المدَّعى عليه: إمكان صدور القتل منه، فلو ادَّعاه على غائب لا يمكن صدور القتل منه عادة لم تقبل، حتَّى مع تمام رشده، وكذا لو ادَّعاه على جماعة بأنَّهم قتلوا أحداً يتعذَّر اجتماعهم على قتل واحد عادة، كأهل البلد مثلاً.

(مسألة 1323) لو ادَّعى القتل ولم يبيِّن أنَّه كان عمداً أو خطأ فهذا يتصوَّر على وجهين:

إمَّا لجهله بخصوصيَّاته، وإمَّا لمانع خارجي، وفي كليهما لابدَّ فيهما من الاستفصال

ص: 408

منه من قبل القاضي.

وبعد الاستفصال إن علم منه القاضي أنَّ القاتل كان قاصداً للقتل مع حالة عدم العلم المذكور فالقتل من قبيل الشَّبيه بالعمد، وإلاَّ فهو من الخطأ المحض، وفي كلا الأمرين لا قود فيه، وإنَّما الواجب الدية لا غير، لكن في الأولى على شخص القاتل، وفي الثَّانية على العاقلة.

وأمَّا ما يثبت به القتل ومعنى الدَّعوى وكميَّتها وعلى من تكون ففي أمور:

الأوَّل: الإقرار، وتكفي فيه مرَّة واحدة، ولكن يعتبر في المقر البلوغ وكمال العقل والاختيار والحريَّة، فإذا أقرَّ بالقتل العمدي ثبت القود، وإذا أقرَّ بالقتل الخطائي مع عموم قصده فالدية في ماله بالطَّبع، لأنَّ الإقرار هنا يشار به إلى شبه العمد لا الخطأ المحض.

الثَّاني: البيِّنة، وهي أن يشهد رجلان - بالغان عاقلان عدلان - بالقتل.

(مسألة 1324) لا يثبت القتل بشاهد وامرأتين، ولا بشهادة النِّساء منفردات، ولا بشاهد ويمين، نعم يثبت بشهادة المرأة الواحدة ربع الدية، وبالاثنين نصفها، وبالثَّلاثة ثلاثة أرباعها، وبالأربعة كلها.

(مسألة 1325) يعتبر في الشَّهادة على القتل أن تكون عن حسٍّ كامل، وإلاَّ فلا تقبل.

(مسألة 1326) يعتبر في قبول شهادة الشَّاهدين توارد شهادتهما على أمر واحد، فلا تعتبر في التَّفاوت ككون أحدهما يشهد بأنَّ القتل كان في اللَّيل والآخر في النهار.

الفصل الرَّابع: في القسامة

(مسألة 1327) لو ادَّعى ولي المقتول أنَّه قتله واحد أو جماعة فإن أقام البيِّنة على

ص: 409

مدَّعاه فهو وإلاَّ، فإن لم يكن هنا لوَث كآثار القتل من الدِّماء طُولب المدَّعى عليه بالحلف، فإن حلف سقطت الدَّعوى، وإن لم يحلف كان له ردُّ الحلف إلى المدَّعي.

فإن حلف فبها وإن لم يحلف وكان لوَث طُولب المدَعى عليه بالبيِّنة، فإن أقامها على عدم القتل فهو وإلاَّ، فعلى المدَّعي الإتيان بالقسامة لإثبات مدَّعاه وإلاَّ فعلى المدَّعى عليه القسامة كذلك، فإن أتى بها سقطت الدَّعوى وإلاَّ ألزم الدَّعوى.

(مسألة 1328) القسامة هي خمسون يميناً من خمسين رجلاً لتثبيت القتل العمدي،وخمس وعشرون لشبه العمد والخطأ المحض، وإن لم يتيسَّر العدد الكافي فيكتفى بالميسور منهم بتكرار القسم بما يصل إلى العدد المطلوب.

(مسألة 1329) لا يختص المدَّعي والمدَّعى عليه في تقديم القسامة عند الحاجة بكونه رجلاً، بل تدخل المرأة أيضاً، سواء كانت مدَّعية أو مدَّعى عليها ظاهراً كذلك.

(مسألة 1330) لا تختص القسامة في تثبيت الدَّعوى بقتل النَّفس، بل تثبت بها في الجروح كذلك، بالإضافة إلى الدية، وهي في الدية الكاملة على ما عرف بكونها خمسون أو خمس وعشرون كما في السَّابق.

(مسألة 1331) يعتبر في اليمين أن تكون مطابقة للدَّعوى، فلو ادَّعى القتل العمدي وحلف المنكر على الخطأي ألغي.

(مسألة 1332) إذا اتُّهم شخص بالقتل لشخص بعد رفع الدَّعوى عليه بذلك حبسه الحاكم الشَّرعي ستَّة أيَّام، فإن جاء أولياء المقتول بما يثبت به القتل فهو وإلاَّ خُلِّي سبيله.

الفصل الخامس: في أحكام القصاص

(مسألة 1333) الثَّابت في القتل العمدي القوَد دون الدية، فليس لولي المقتول

ص: 410

مطالبة القاتل بها، إلاَّ إذا رضي القاتل بذلك، وعندئذ يسقط عنه القود وتثبت الدية، ويجوز لهما التَّراضي على أقل من الدية، نعم إذا كان الاقتصاص يستدعي الرَّد من الولي، كما إذا قتل رجل امرأة، كان ولي المقتول مخيَّراً بين القتل ومطالبة الدية.

(مسألة 1334) لو تعذَّر القصاص لهرب القاتل أو موته - أو كان ممَّن لا يمكن الاقتصاص منه لمانع خارجي - انتقل الأمر إلى الدية، فإن كان للقاتل مال فالدية في ماله، وإلاَّ أخذت من الأقرب فالأقرب إليه، وإن لم يكن أدَّى الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ الدية من بيت المال.

(مسألة 1335) يتولَّى القصاص من يرث المال من الرِّجال دون الزَّوج ومن يتقرَّب بالأم، وأمَّا النِّساء فليس لهنَّ عفو ولا قود.

(مسألة 1336) إذا كان ولي المقتول واحداً جازت له المبادرة إلى القصاص، والأولى الاستئذان من الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أو نائبه ولاسيَّما في قصاص الأطراف.

(مسألة 1337) إذا كان للمقتول أولياء متعدِّدون يجوز لكل واحد منهم الاقتصاص من القاتل مستقلاًّ وبدون إذن الباقين إذا لم يعلم امتناع الباقين من ذلك كحالة رضاهم بالدية.

(مسألة 1338) لا تجوز المُثلة بالقاتل عند الاقتصاص، والمشهور بين الأصحاب أنَّه لا يقتص إلاَّ بالسَّيف، وهو المطابق للسَّيرة الشَّرعيَّة الأصيلة.

(مسألة 1339) الاقتصاص حق ثابت للولي، وله أن يتولاَّه مباشرة أو بتسبيب غيره مجَّاناً أو بأجرة.

(مسألة 1340) لا يقتص من المرأة الحامل حتَّى تضع، ولو كان حملها حادثاً بعد الجناية أو كان الحمل عن زنا، ولو توقَّفت حياة الطفل على إرضاعها إيَّاه مدَّة لزم تأخيرالقصاص إلى تلك المدَّة، ولو ادَّعت الحمل قُبل قولها على المشهور، إلاَّ إذا كانت إمارة

ص: 411

على كذبها، وفيه إشكال بل منع إذا احتمل عدمه بمثل الفحص الطبِّي لمعرفة الواقع.

(مسألة 1341) حق القصاص من الجاني إنَّما يثبت للولي بعد موت المجني عليه مثلاً، فلو قتله قبل موته كان قتله ظلماً وعدواناً، فيجوز لولي الجاني المقتول الاقتصاص منه، كما أنَّ له العفو والرِّضا بالدية، وأمَّا دية المجني عليه بعد موته فهي من مال الجاني.

الفصل السَّادس: في قصاص الأطراف

(مسألة 1342) يثبت القصاص في الأطراف بالجناية عليها عمداً، وهي تتحقَّق بالعمد إلى فعل ما يتلف به العضو عادة، أو بما يقصد به الإتلاف، وإن لم يكن ممَّا يتحقَّق به الإتلاف عادة.

(مسألة 1343) يشترط في جواز القصاص فيها أمور:

1 - البلوغ، فلا يقتص من الصَّبي.

2 - العقل، فلا يقتص من المجنون.

3 - أن لا يكون الجاني والد المجني عليه، فلا يقتص من الوالد بولده.

4 - التَّساوي في الحريَّة والرِقيَّة، فلا يقتص من الحر بالعبد.

5 - التَّساوي في الدِّين، فلا يقتص من مسلم بكافر، فلو قطع المسلم يد ذمِّي مثلاً لم تقطع يده، ولكن عليه دية اليد.

(مسألة 1344) المشهور اعتبار التَّساوي في السَّلامة من الشَّلل في الاقتصاص، فلا تقطع اليد الصَّحيحة بالشلاَّء، وإن بذل الجاني يده للقصاص، وأمَّا اليد الشلاَّء فتقطع باليد الصَّحيحة بلا إشكال، إلاَّ أن يحكم أهل الخبرة أنَّها لا تنحسم، فعندئذ لا يجوز قطعها خوف السِّراية وتؤخذ الدية.

(مسألة 1345) لو قطع يمين رجل قطعت يمينه إن كانت له يمين، وإلاَّ قطعت يساره

ص: 412

على إشكال، وإن كان لا يبعد جوازه، وإن لم تكن له يسار فالمشهور أنَّه تقطع رجله إن كانت، وفيه إشكال والأقرب الرجوع فيه إلى الدية في الإشكالين.

(مسألة 1346) لو قطع اثنان يد واحد، جاز له الاقتصاص منهما بعد ردِّ دية يد واحدة إليهما، وإذا اقتصَّ من أحدهما ردَّ الآخر نصف دية اليد إلى المقتص منه، كما أنَّ له مطالبة الدية منهما من الأوَّل.

(مسألة 1347) يثبت القصاص في الشِّجاج، الشجَّة بالشجَّة، ويعتبر فيه التَّساوي طولاً وعرضاً، وأمَّا العمق فالعبرة فيه بحصول الاسم.

(مسألة 1348) يثبت القصاص في الجروح فيما إذا كان مضبوطاً، بأن كان القصاص بمقدار الجرح، وأمَّا إذا كان غير مضبوط وموجباً لتعريض النَّفس على الهلاك أو زيادة في الجرح أو تلف العضو، كالجائفة والمأمومة والهاشمة والمنقلة ونحو ذلك لم يجز، وينتقل الأمر فيها إلى الدية الثَّابتة بأصل الشَّرع أو بالحكومة .

(مسألة 1349) كيفيَّة القصاص في الجروح هي أن يحفظ الجاني من الاضطراب حال الاستيفاء، ثمَّ يقاس محلُّ الشجَّة بمقياس ويعلم طرفاه في موضع الاقتصاص من ذلك الجاني، ثمَّ يشرع في الاقتصاص من إحدى العلامتين إلى العلامة الأخرى.

(مسألة 1350) المشهور اعتبار كون آلة القصاص من الحديد، ودليله غير ظاهر فالظاهر عدم الاعتبار، إلاَّ إذا كان الاعتداء حاصلاً بالحديد.

(مسألة 1351) يثبت القصاص في الجنايات الآتية:-

1 - الحاجبين واللحية وشعر الرأس وما شاكل ذلك.

2 - قطع الذكر، ولا فرق فيه بين ذكر الشَّاب والشَّيخ والأغلف والمختون وغير ذلك، والمشهور أنَّه لا فرق في الجاني بين الصَّغير والكبير، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع، فيدفع الولي عن صغيره الدية لا غير.

ص: 413

3 - الخصيتين، وكذا في إحداهما ، فإن قطعت اليمنى اقتصَّ من اليمنى وإن قطعت اليسرى فمن اليسرى.

4 - قطع الشِّفرين، فإن قطعت امرأة الشِّفرين من امرأة أخرى فلها الاقتصاص منها بالمثل، وكذلك الحال إذا قطعت إحداهما، وأمَّا إذا قطعهما الرَّجل فلا قصاص، وتجب عليه ديتهما، كما أنَّها لو قطعت ذكر الرَّجل فلا قصاص وعليها الدية، نعم لو قطع الرَّجل فرج امرأته وامتنع عن الدية وطالبت المرأة قطع ذكره قطع.

5 - في السن، فلو قلع سن شخص فله قلع سنِّه، ولو عادت اتِّفاقا كما كانت فالأقرب فيه القصاص إذا كان المعتدى عليه سنُّه ثابتاً والمعتدي كان سنُّه لبنيَّاً ثمَّ عاد إذا لم يعفُ ولم يقبل الدية.

6 - في قطع إصبع شخص، والمشهور أنَّه لو سرت الجناية إلى كفِّه اتفاقا، ثبت القصاص في الكف، وهو صحيح إذا كان تسبيب السِّراية من القطع وإلاَّ ففيه إشكال، والأظهر عدم ثبوته، وإنَّما له قطع إصبع الجاني وأخذ دية الكف منه.

(مسألة 1352) لا يقتص من الجاني عمداً إذا التجأ إلى حرم الله تعالى، ولكن يضيَّق عليه في المطعم والمشرب حتَّى يخرج فيقتص منه، ولو جنى في الحرم جناية اقتصَّ منه فيه، ولا يلحق به حرم النَّبي صلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ ومشاهد الأئمَّة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ .

ص: 414

كتاب الدِّيات

اشارة

والكلام فيه بمقدِّمة وتعريف ومباحث:

أمَّا المقدِّمة:

فإنَّ هذا الكتاب من الكتب الَّتي اهتمَّت بها الشَّريعة المقدَّسة على لسان الفقهاء (قده) نتيجة لما عرفوه من المصادر الشَرعيَّة وجعل في مألوفهم كما في مدَّوناتهم الجليلة أنَّه آخر الكتب الفقهيَّة كما أنَّ الطَّهارة أوَّلها، لأداء ما يستحقُّه المجني عليهم أو أوليائهم وأمثالهم لإيضاح عدالة الشَّرع تجاه الأمَّة ومن يعيش معها.

وقد هجر في الآونة الأخيرة التَّدوين له لعدم القدرة على تنفيذ هذه الحقوق كما يراد، لتسلُّط حكَّام الجور، وعدم بسط اليد لحكَّام الشَّرع، وضعف تديُّن الكثير من النَّاس إذا اعتدوا في اندفاعهم لدفع الديات كاملة إذا ثبت عليهم وجوبها ونحو ذلك، وإن كان القديم كان كذلك في أكثره، والتَّدوين لأحكامه مألوفاً عندهم لناحية تنبيه المسلمين إلى هذه الحقوق، ولئلاَّ ينسوا ما جاء به الشَّرع عليهم على الأقل أو تندثر أحكامه.

ولأمل أهميَّة عودة القدرة الشَّرعيَة على أداء حقوق الجماهير ودفع ظلامة المظلومين، ولأنَّ العودة قد تكون واجبة في مثل هذا الباب وغيره ممَّا نبِّهنا عليه سابقاً، لئلاَّ يحل محل هذه الأمور، ما يحاول إشاعته أهل الكفر والخوارج عن الدِّين وعليه من القول بوجوب نسخ الشَّريعة، أعاذنا الله منهم ومن أفكارهم السَّقيمة.

وأمَّا التَّعريف

فإنَّ الدِّيات هي مبالغ ماليَّة يعطيها الجاني - وجوباً في العمد وشبهه - أو عاقلته وهي

ص: 415

العشيرة - في الخطأ وشبهه - لأولياء المجني عليه في القتل أو لنفسه في الأطراف، وكما سيتَّضح بيانه.

وأمَّا المباحث:-

المبحث الأوَّل: أحكام الدِّيات ومقدارها

(مسألة 1353) إذا قتل أحد نفساً محترمة عمداً و عدواناً، فوليِّ المقتول مخيَّر بين العفو وبين قتل القاتل، أو أخذ الدِّية منه إن رضي الجاني بدفعه الدية كما مرَّ ذكره في باب القصاص، وأمَّا لو كان القتل شبه عمد أو خطأً - كما لو رمى حيواناً فأصاب أحداً فقتله خطأً - فلا يجوز للولي قتل القاتل ويجوز له أخذ الدِّية لكن من عاقلته.

(مسألة 1354) دية قتل المسلم تتحقَّق بأحد الأمور الستَّة التَّالية:

الأوَّل: مائة بعير داخلة في عامها السَّادس، والأحوط في دية القتل عمداً أن يكون البعيرفحلاً، وفي دية شبه العمد ينبغي الاحتياط فيها بأن تكون أربعين من الإبل من الإناث الحوامل الدَّاخلة في عامها السَّادس كبعض المعتبرات المعبَّر عنها فيها بالخلفة وإن كان روايات أخر عبَّر عنها بطروقة الإبل وهي القابلة لأن تحمل، وثلاثين من الإناث الدَّاخلة في عامها الرَّابع وثلاثين من الإناث الدَّاخلة في عامها الثَّالث.

وفي دية الخطأ المحض ثلاثون من الإبل الإناث الدَّاخلة في عامها الرَّابع وثلاثون من الإناث الدَّاخلة في عامها الثَّالث وعشرون من الذكور الدَّاخلة في عامها الثَّالث وعشرون من الإناث الدَّاخلة في عامها الثَّاني.

الثَّاني: مائتا بقرة.

الثَّالث: ألف شاة.

ص: 416

الرَّابع: مائتا حُلَّة، وكل حُلَّة ثوبان من أبراد اليمن.

الخامس: ألف دينار، وكل دينار هو مثقال شرعي من الذَّهب و يساوي ثمانية عشرة حمُّصة.

السَّادس: عشرة آلاف درهم، وكل درهم (6/12) حمُّصة من الفضَّة المسكوكة.

وليعلم أنَّ دية المرأة نصف دية الرَّجل من جميع الأجناس المتقدِّمة.

وإذا كان القتل في الأشهر الحرم وهي (ذو القعدة، ذو الحجة، محرَّم، رجب) زيدَ على الدية الكاملة ثلث الدية أيضاً مع الكفَّارة المفصَّلة في باب الكفَّارات.

(مسألة 1355) في قتل الخطأ تجب الدِّية والكفَّارة المرتبة، بأن يعتق رقبة، فإن لم يمكنه ذلك صام شهرين متتابعين، فإن لم يمكنه أطعم ستِّين مسكيناً على ما مضى في باب الكفَّارة.

وفي قتل العمد عدواناً إذا لم يقتصَّ منه - بأن عفي عنه كليَّاً - أو أخذت الدِّية لا تسقط عن القاتل كفَّارة الجمع بأن يصوم شهرين متتابعين ويطعم ستِّين مسكيناً ويعتق رقبة، فإن لم يجد الرَّقبة أبدل بأحد الماضيين كما مضى في بابها.

(مسألة 1356) يضمن راكب الدابَّة ما تجنيه تلك الدابَّة، إذا كانت الجناية مستندة إليه بأن كانت بتفريط منه، وكذلك يضمن العابث بتلك الدابَّة لو عبث بها فجنت على راكبها أو على غيره.

(مسألة 1357) إذا أفزع المرأة الحامل مفزع فأسقطت حملها وجبت عليه الدِّية، فإذا كان الحمل نطفة فديته عشرون مثقالاً شرعيَّاً من الذَّهب، وإن كان علقة فأربعون، وإذا كان مضغة (أي كان قطعة لحم) فستون، وإن صار عظماً فثمانون، وإن كسي لحماً ولم تلجه الروح فمائة دينار، وإن ولجته الروح فألف مثقال إن كان ذكراً، وخمسمائة إن كان أنثى.

(مسألة 1358) لو تصدَّت المرأة نفسها لإسقاط حملها، وجب عليها دفع الدِّية -

ص: 417

على التَّفصيل السَّابق - إلى ورثة الجنين، ولا ترث هي من الدِّية شيئاً.

ولا يجوز إسقاط الجنين، إلاَّ إذا لم تلجه الروح، وكان بقاؤه موجباً لضرر مهم، والأقوى جواز استعمال شيء يوجب فساد النُّطفة في موضعها، ولكن الأحوط الاجتناب عن ذلك بل يجب احتياطاً اجتناب اللولب كما مرَّ توضيحه في بابه.(مسألة 1359) لو قتل امرأة وهي حبلى فمات ولدها أيضاً، فعليه دية المرأة والحمل.

المبحث الثَّاني: في دية الأعضاء

(مسألة 1360) إن بعض الأعضاء ديتها كاملة كدية القتل وهي:

الأوَّل: العينان، كلاهما إذا أعماهما الجاني، وكذلك في إزالة الأجفان الأربعة، وأمَّا العين الواحدة ففيها نصف دية القتل والجفنان كذلك.

الثَّاني: الأذنان، إذا قطعهما الجاني أو أصابهما الصَّمم بسبب فعل الجاني، وفي قلع الأذن الواحدة أو صممها نصف الدية.

وفي قطع شحمتي الأذن ثلث الدية على المشهور، ويدل عليه الإجماع المنقول وخبر مسمع وخبر عبد الرحمن العرزمي.

الثَّالث: جدع الأنف أو قطع مأرنه.

الرَّابع: استئصال اللسان، وإذا قطع مقداراً من اللسان، فيعطى من الدية بحسابه، فلو قطع نصف اللسان، فيعطي نصف دية القتل.

الخامس: قلع الأسنان جميعها، ودية كل سن من الأسنان الاثنا عشر - وهي الأنياب والقواطع والثَّنايا، ستَّة في أعلى الفك و ستَّة في الأسفل - خمسون مثقالاً شرعيَّاً من الذَّهب، والمثقال الشَّرعي كما ذكرنا ثمانية عشر حمُّصة.

ص: 418

السَّادس: اليدان إذا قطعهما من الزَّند، وفي قطع اليد الواحدة نصف الدية.

السَّابع: قطع الأصابع العشرة جميعها، وفي قطع كل إصبع عشر الدية على الأظهر.

الثَّامن: كسر الظهر بصورة لا يمكن علاجه.

التَّاسع: قطع الثَّديين في المرأة، وفي قطع أحدهما نصف الدية.

العاشر: قطع الرِّجلين من المفصل، أو قطع أصابعهما العشرة جميعاً، وفي قطع كل إصبع من الرَّجل عشر الدية على الأظهر.

الحادي عشر: إتلاف البيضتين معاً.

الثَّاني عشر: الجناية على شخص بصورة يذهب معها عقله.

الثَّالث عشر: الجناية على شخص بصورة تزول منه حاسَّة الشَّم، وكذلك في قطع الشَّفتين.

و هناك موارد أخرى غير الموارد المذكورة لا مجال لذكرها، والقاعدة العامَّة في ذلك كما ذكر في صحيحة هشام بن سالم: ((كل ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية، وفي أحدهما نصف الدية، وما كان فيه واحد ففيه الدّية)).

ولكن الأخبار والأقوال في خصوص البيضة اليسرى والشفة السفلى مختلفة، ويدل بعضها على أن دية البيضة اليسرى أكثر من البيضة اليمنى وكذلك دية الشفة السفلى أكثر من العليا، ولذلك لابدَّ من مراعاة الاحتياط فيهما بالمصالحة المرضيَّة للمظلوم ولو على الاحتمال والظن.

المبحث الثَّالث: دية الشِّجاج

(مسألة 1361) الشَّجاج وهو الجرح المختص بالرأس والوجه على أقسام:

ص: 419

الأوَّل: الخارصة، وهي الَّتي تسلخ الجلد وتمزِّقه ولا تأخذ من اللَّحم، وفيها بعير.

الثَّاني: الدَّامية، وهي الَّتي تأخذ من اللحم يسيراً، وفيها بعيران.

الثَّالث: الباضعة، وقد يعبَّر عنها ب- (المتلاحمة) وهي الَّتي تأخذ من اللحم كثيراً، ولا تبلغ السِّمحاق، وفيها ثلاثة من الإبل.

الرَّابع: السِّمحاق، وهو الَّذي تبلغ الجلد الرَّقيق بين العظم واللحم، وفيه أربعة من الإبل.

الخامس: الموضِّحة، وهي الَّتي تظهر العظم، وفيها خمسة من الإبل.

السَّادس: الهاشمة، وهي الَّتي تهشِّم العظم، وفيها عشر من الإبل.

السَّابع: المنقلة، وهي الَّتي تنقل العظم من الموضع الَّذي خلقه الله تعالى فيه إلى موضع آخر، وفيها خمس عشرة من الإبل.

الثَّامن: المأمومة، وهي الَّتي تبلغ أمَّ الدماغ أي غشاء المخ، وفيها ثلاث وثلاثون من الإبل.

(مسألة 1362) في احمرار الوجه باللَّطمة أو غيرها مثقال ونصف من الذَّهب، وكل مثقال (18) حمُّصة، وفي اخضراره ثلاثة مثاقيل، وفي اسوداده ستَّة مثاقيل، وإن كانت هذهالأمور في البدن فديتها نصف ما كانت في الوجه.

(مسألة 1363) إذا جرح حيواناً مأكول اللحم - أو قطع بعض أعضائه - فعليه الأرش لصاحبه، أي التَّفاوت بين قيمتي الصَّحيح والمعيب، و إذا فقأ عينه فعلى الجاني ربع قيمته يوم الجناية.

(مسألة 1364) إذا قتل كلب الصَّيد فعليه واحد و عشرون مثقالاً صيرفيَّاً من الفضَّة المسكوكة أو ما يعادلها، يدفعها لصاحبه، وإذا أتلف الكلب الحارس للبيت أو الماشية فعليه عشرة مثاقيل ونصف من الفضَّة المسكوكة أو ما يعادلها، وإذا قتل كلب الزَّرع فعليه (36) كيلو غراماً من الحنطة تقريباً احتياطاً، أو دفع قيمته لصاحبه مصالحة.

ص: 420

(مسألة 1365) إذا أتلفت الدابَّة زرع أحد - أو ماله - ضمن صاحبها الزَّرع أو المال إذا فرَّط في حفظها.

(مسألة 1366) ما تعارف الأخذ به سابقاً ممَّا يسمَّى بسانيات العشائر - وبالأخص في باب الديات وتقديرها الَّذي لم يقرُّه الشَّرع ممَّا يختلف مقداره بين دية العمد ودية شبهه ودية الخطأ المحض وما يتفاوت أمره في باب العفو الكامل أو التَّنازل عن شيء من الدية الكاملة قلَّ أو كثر بين أولياء المقتول القصَّر وبين غيرهم أو غير المقتول ممَّن جني عليه في قطع طرفه أو أي شيء من أنواع الجنايات الماضية ممَّن يتفاوت أمره بين القاصر وغيره -

إذا لم تصل إلى ما يرضي الشَّرع في جميع المجالات فهو حرام، لأنَّه تحَّدٍ لوظيفة حاكم الشَّرع من قبل بعض العوام بدون إجازة وإن عرفوا بعض العرفيَّات.

نعم لا مانع من تسهيل بعض القضايا من قبل من يرتضي بهم فقهاء الأمَّة، بعد اختبارهم ليؤدُّوا ما تحتويه الرَّسائل الشَّرعيَّة المهمَّة بصحبة المعتمدين من رجال الدِّين، بلا أيِّ إحراج للمجنِّي عليهم وأوليائهم، وبالأخص من كان منهم من اليتامى، فالقصَّر ممَّن لا تبرأ الذمَّة بسبب وجودهم إلاَّ بانتظارهم إلى حين الرُّشد لابدَّ من تعجيل دفع تمام حصصهم أو انتظارهم في محرجات الأمور إلى وقت رشدهم بعد بلوغهم.

ص: 421

إلى هنا تمَّ ما تيسَّر لنا جمعه بما يناسب ما يصل إليه رأينا القاصر مع الاختصار، نسأل الله تعالى التَّسديد للوصول إلى ما به رضا مولانا صاحب الأمر (عج)، وكان ذلك يوم الثُّلاثاء الثَّالث عشر من جمادى الثَّانية 1427ه.

كما قد تمَّ إعادة النَّظر في هذه الرِّسالة وتعديل وإضافة ما ينبغي ويلزم تعديله وإضافته في الثَّاني من جمادى الآخرة 1435ه، نسأله تعالى تمام التَّوفيق.

والحمد لله أولاً وآخراً

ص: 422

فهرس

كلمة النَّاشر ....................................................... 3

المقدِّمة ........................................................... 4

توثيق ............................................................. 5

أحكام الدِّين الإسلامي ............................................ 6

(أصول الدِّين والمذهب) .......................................... 6

الأوَّل: التَّوحيد .................................................... 7

الثَّاني: العدل ...................................................... 7

الثَّالث: النبوَّة ..................................................... 7

الرَّابع: الإمامة .................................................... 8

تعداد المعصومين الأربعة عشر ..................................... 8

الخامس: المعاد .................................................... 10

أبواب الفقه في هذه الوجيزة ....................................... 11

المبحث الأول: في تعداد فروع الدين ............................... 11

المبحث الثَّاني: في العمل بفروع الدين ومسائلها ..................... 12

الأوَّل: الاجتهاد ................................................... 12

الثَّاني: التَّقليد ..................................................... 12

الثَّالث: الاحتياط .................................................. 13

مسائل في الاجتهاد والتَّقليد ........................................ 14

ص: 423

كتاب الطَّهارة ................................................ 16

المبحث الأوَّل: أقسام الماء .......................................... 16

المبحث الثَّاني: في النَّجاسات ....................................... 18

مسائل في النَّجاسات ............................................... 20

المبحث الثَّالث: المطهِّرات .......................................... 22

المبحث الرَّابع: أحكام التَّخلِّي ..................................... 26

المبحث الخامس: في الوضوء ....................................... 27

الفصل الأوَّل: موجبات الوضوء ................................... 27

الفصل الثَّاني: شروط الوضوء ..................................... 28

الفصل الثَّالث: أفعال الوضوء ..................................... 29

الفصل الرَّابع: الجبيرة وأحكامها ................................... 30

المبحث السَّادس: في الأغسال ...................................... 32

الفصل الأوَّل: موجبات الأغسال .................................. 32

الموجب الأوَّل: الجنابة وأحكامها .................................. 33

الموجب الثَّاني: الحيض ............................................ 34

(أقسام دم الحائض) ............................................... 35

(أحكام الحائض) ................................................. 36

الموجب الثَّالث: النَّفاس ........................................... 37

الموجب الرَّابع: الاستحاضة ....................................... 38

الموجب الخامس: مسِّ الميِّت ....................................... 39

الموجب السَّادس: غُسل وأحكام الأموات ......................... 39

ص: 424

الفصل الثَّاني: ما يشترط بالغُسل ................................... 42

الفصل الثَّالث: كيفيَّة الغُسل ....................................... 43

المبحث السَّابع: التَّيمُّم ............................................. 45

الفصل الأوَّل: موجبات التَّيمُّم ..................................... 45

الفصل الثَّاني: كيفيَّة التَّيمُّم ........................................ 45

الفصل الثَّالث: شروط التَّيمُّم ...................................... 46

الفصل الرَّابع: مسائل في التَّيمُّم .................................... 47

كتاب الصَّلاة .............................................. 48

المقصد الأوَّل: أهميَّة الصَّلاة ....................................... 48

المقصد الثَّاني: في المقدِّمات العامَّة .................................. 48

المقصد الثَّالث: المقدِّمات الخاصَّة ................................... 48

(أوقات الصَّلوات وأعدادها) ...................................... 48

المبحث الأوَّل: (الوقت) ........................................... 50

المبحث الثَّاني: (القبلة) ............................................ 51

المبحث الثَّالث: (السَّتر والسَّاتر) ................................... 51

المبحث الرَّابع: (مكان المصلِّي) .................................... 52

المقصد الرَّابع: (الآذان والإقامة) ................................... 53

المقصد الخامس: أفعال الصَّلاة ..................................... 55

المبحث الأوَّل: (النيَّة) ............................................. 55

المبحث الثَّاني: (القيام) ............................................ 56

المبحث الثَّالث: (تكبيرة الإحرام) .................................. 57

ص: 425

المبحث الرَّابع: (القراءة والذِّكر) ................................... 57

المبحث الخامس: (الركوع) ........................................ 58

المبحث السَّادس: (السُّجود) ....................................... 59

المبحث السَّابع: (التَّشهد) .......................................... 60

المبحث الثَّامن: (السَّلام) .......................................... 61

المبحث التَّاسع: (التَّرتيب) ......................................... 61

المبحث العاشر: (الموالاة) .......................................... 62

(القنوت) ......................................................... 63

المقصد السَّادس: مبطلات الصَّلاة .................................. 63

المقصد السَّابع: الشُّكوك ........................................... 65

المبحث الأوَّل: (الشُّكوك المبطلة للصَّلاة) ........................... 65

المبحث الثَّاني: (الشُّكوك الَّتي لا يُعتنى بها) ........................ 66

المبحث الثَّالث: (الشكوك الصَّحيحة) .............................. 67

ملحوظات ........................................................ 68

المقصد الثَّامن: (كيفيَّة سجدتي السَّهو) ............................. 68

المقصد التَّاسع: قضاء الأجزاء المنسيَّة ............................... 69

المقصد العاشر: (كيفيَّة صلاة الاحتياط) ............................ 70

المقصد الحادي عشر: صلاة المسافر .................................70

(شروط القصر للمسافر) .......................................... 71

المقصد الثَّاني عشر: صلاة القضاء .................................. 72

المقصد الثَّالث عشر: صلاة الجماعة ................................ 74

ص: 426

المقصد الرَّابع عشر: صلاة الآيات .................................. 75

المقصد الخامس عشر: (الصَّلوات المستحبَّة) ........................ 77

الأولى: صلاة العيدين ............................................. 77

الثَّانية: صلاة الوحشة .............................................. 78

الثَّالثة: صلاة يوم أوَّل الشَّهر ....................................... 78

الرَّابعة: صلاة الغُفيلة .............................................. 78

كتاب الصَّوم ................................................. 80

المبحث الأوَّل: أهميَّة الصَّوم ....................................... 80

المبحث الثَّاني: معنى الصَّوم وشروط وجوبه ........................ 80

المبحث الثَّالث: شروط صحَّة الصوم ............................... 82

المبحث الرَّابع: المفطِّرات وأحكامها ................................ 83

(أحكام المفطِّرات) ................................................ 84

المبحث الخامس: أحكام الصَّوم في السَّفر ........................... 86

المبحث السَّادس: أحكام ثبوت الهلال ............................. 87

المبحث السَّابع: زكاة الفطرة ....................................... 88

كتاب الزَّكاة .................................................. 91

المبحث الأوَّل: أهميَّة الزَّكاة ........................................ 91

المبحث الثَّاني: شرائط وجوبها ..................................... 91

المبحث الثَّالث: فيما تتعلَّق به الزَّكاة ................................ 92

المبحث الرَّابع: المستحقِّون للزَّكاة .................................. 94

المبحث الخمس: شروط المستحق ................................... 95

ص: 427

مسائل متفرِّقة ..................................................... 95

كتاب الخمس ................................................ 98

المبحث الأوَّل: أهميَّة الخمس ...................................... 98

المبحث الثَّاني: ما يقع فيه الخمس .................................. 98

المبحث الثَّالث: مسائل الخمس .................................... 99

المبحث الرَّابع: مصرف الخمس .................................... 102

كتاب الحج ................................................... 104

المبحث الأوَّل: في أهميَّته ........................................... 104

المبحث الثَّاني: في وجوب الحج وأعماله ............................ 104

الأوَّل: وهو عمرة التَّمتُّع ........................................... 105

المبحث الثَّالث: تروك الإحرام للعمرة والحج وكفَّارتها .............. 105

الثَّاني/ حجِّ التَّمتُّع ................................................ 107

كتاب الجهاد ................................................. 109

المبحث الأوَّل: أقسام الجهاد، متضمّة بعض معانيه ................. 109

المبحث الثَّاني: شروط الجهاد ...................................... 111

المبحث الثَّالث: من يجب قتاله..................................... 111

كتاب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ........................ 113

المبحث الأوَّل: في وجوبهما وأهميَّتهما ............................. 113

المبحث الثَّاني: معنى المعروف والمنكر ............................... 113

المبحث الثَّالث: وجوب الأمر والنَّهي واستحبابهما ................. 114

المبحث الرَّابع: شرائط الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ............ 114

ص: 428

المبحث الخامس: مسائل في الواجبين ............................... 115

المبحث السَّادس: مراتب هذين الواجبين ........................... 116

المبحث السَّابع: بعض أنواع المعروف ............................... 116

المبحث الثَّامن: بعض أنواع المنكرات ............................... 117

المبحث التَّاسع: تعداد الذنوب الكبيرة .............................. 118

كتاب التَّولِّي ............................................... 121

كِتَابُ التَّبَرِّي ................................................. 125

كتاب المكاسب .............................................. 133

المقصد الأوَّل: أقسام الكسب ...................................... 133

المقصد الثَّاني: في البيع وتوابعه ..................................... 135

المبحث الأوَّل: في عقد البيع ........................................ 135

المبحث الثَّاني: شروط العوضين .................................... 136

المبحث الثَّالث: أقسام البيع ........................................ 137

المبحث الرَّابع: في النَّقد والنَّسيئة ................................... 137

المبحث الخامس: في بيع السَّلف أو السَّلم ........................... 138

الفصل الأوَّل: في معناه ............................................ 138

الفصل الثَّاني: في شرائط بيع السَّلف أو السَّلم ...................... 139

الفصل الثَّالث: في أحكام بيع السَّلف .............................. 140

المبحث السَّادس: بيع الذَّهب والفضَّة (الصَّرف) ................... 141

المبحث السَّابع: في الرِّبا ............................................ 144

المبحث الثَّامن: في الإقالة .......................................... 147

كتاب الشُّفعة ................................................. 148

ص: 429

الأوَّل: في معناها وثبوتها ........................................... 148

المبحث الثَّاني: في شروطها ......................................... 148

كتاب الصُّلح ................................................. 150

المبحث الأوَّل: في معناه وثبوته ..................................... 150

المبحث الثَّاني: في شروطه .......................................... 151

المبحث الثَّالث: في مسائله .......................................... 151

كتاب الإجارة ................................................ 153

المبحث الأوَّل: في أنواعها .......................................... 153

المبحث الثَّاني: في شروطها ......................................... 153

المبحث الثَّالث: في مسائلها ......................................... 155

المبحث الرَّابع: في السَّرقفليَّة ........................................ 155

كتاب الوديعة ................................................ 158

المبحث الأوَّل: في معناها وأقسامها ................................. 158

المبحث الثَّاني: في شروطها ......................................... 159

المبحث الثَّالث: في مسائلها ......................................... 159

كتاب الشِّركة ................................................ 163

المبحث الأوَّل: في أسبابها وشرائطها ................................ 163

المبحث الثَّاني: في أنواعها .......................................... 164

المبحث الثَّالث: في مسائلها ...................................... 164

كتاب المضاربة ............................................... 168

الأوَّل: في معناها وشروطها ..................................... 168

ص: 430

المبحث الثَّاني: في مسائلها .......................................... 169

كتاب المزارعة ................................................ 171

الأوَّل: في معناها وشروطها ........................................ 171

المبحث الثَّاني: في مسائلها .......................................... 172

كتاب المساقاة ............................................... 175

الأوَّل: في معناها وشروطها ........................................ 175

المبحث الثَّاني: في مسائلها .......................................... 176

كتاب الدَّين والقرض ........................................ 178

المبحث الأوَّل: في أسبابه ........................................... 178

المبحث الثَّاني: في مسائله .......................................... 178

المبحث الثَّالث: في مسائل البنوك ................................... 179

كتاب التَّأمين .............................................. 187

المبحث الأوَّل: في معناه وشروطه ................................... 187

المبحث الثَّاني: في مسائله .......................................... 187

كتاب الرَّهن ................................................. 192

الأوَّل: في معناه وشروطه .......................................... 192

المبحث الثَّاني: في مسائله .......................................... 192

كتاب الحجر ................................................. 195

الأوَّل: في معناه وأسبابه ............................................ 195

المبحث الثَّاني: في بعض مسائله .................................... 196

كتاب الضَّمان................................................ 197

ص: 431

المبحث الأوَّل: في أقسامه .......................................... 197

المبحث الثَّاني: في شروطه .......................................... 197

المبحث الثَّالث: في مسائله ......................................... 198

كتاب الحوالة ................................................. 200

الأوَّل: في معناها وشروطها ........................................ 200

المبحث الثَّاني: في مسائلها .......................................... 201

كتاب الكفالة ................................................. 203

معنى الكفالة ومسائلها ............................................. 203

كتاب الوكالة ................................................. 205

الأوَّل: في معناها وشروطها ........................................ 205

المبحث الثَّاني: في مسائلها .......................................... 206

كتاب الإقرار ................................................. 208

الأوَّل: في معناه وكيفيَّته ............................................ 208

المبحث الثَّاني: في شروطه .......................................... 208

المبحث الثَّالث: في مسائله .......................................... 210

كتاب الهبة ................................................... 212

المبحث الأوَّل: في معناها وأقسامها ................................. 212

المبحث الثَّاني: في شروطها ......................................... 212

المبحث الثَّالث: في صور ثبوتها ..................................... 213

المبحث الرَّابع: في بعض مسائلها ................................... 214

كتاب الوقف ................................................. 216

ص: 432

الأوَّل: في الوقف .................................................. 216

المبحث الأوَّل: معنى الوقف وبعض خصوصيَّاته .................... 216

المبحث الثَّاني: في شروطه .......................................... 217

المقصد الثَّاني: في الحبس وأخواته .................................. 218

(السُّكنى والعمرى والرُّقبى) ....................................... 219

المقصد الثَّالث: الصَّدقات .......................................... 220

كتاب اليمين ................................................. 222

الأوَّل: في صيغته وأقسامه .......................................... 222

المبحث الثَّاني: في شروطه وبعض مسائله ........................... 223

كتاب النَّذر والعهد ........................................... 225

المبحث الأوَّل: في معناهما ......................................... 225

المبحث الثَّاني: في شروطهما ....................................... 225

المبحث الثَّالث: في مسائلهما ....................................... 227

كتاب السَّبق والرِّماية ......................................... 229

الأوَّل: في معناهما وشروطهما ..................................... 229

المبحث الثَّاني: في مسائلهما ........................................ 230

كتاب الصَّيد ................................................. 233

المبحث الأوَّل: في كيفيَّته وشروطه .................................. 233

المبحث الثَّاني: في مسائله .......................................... 234

المبحث الثَّالث: حكم الصَّيد بالكلب ............................... 235

المبحث الرَّابع: صيد السَّمك والجراد ............................... 237

ص: 433

كتاب الذِّباحة ................................................ 240

المبحث الأوَّل: في الحيوان المذكَّى .................................. 240

المبحث الثَّاني: كيفيَّة الذَّبح ........................................ 241

المبحث الثَّالث: شروط الذَّبح ...................................... 242

المبحث الرَّابع: مستحبَّات الذِّباحة والنَّحر .......................... 245

المبحث الخامس: مكروهات الذِّباحة والنَّحر ........................ 245

كتاب الأطعمة والأشربة ...................................... 246

المبحث الأوَّل: فيما يحل أكله وما يحرم ............................. 246

المبحث الثَّاني: محرَّمات الذَّبيحة .................................... 249

المبحث الثَّالث: مسائل حول المحرَّمات .............................. 250

المبحث الرَّابع: في آداب الطَّعام والشَّراب .......................... 252

الفصل الأوَّل: ما يستحب عند أكل الطَّعام ......................... 252

الفصل الثَّاني: ما يكره عند الأكل .................................. 252

الفصل الثَّالث: ما يستحب عند الشُّرب ............................ 253

الفصل الرَّابع: ما يكره عند الشُّرب ................................ 253

كتاب الغصب ................................................ 254

في حرمته وبعض أحكامه .......................................... 254

كتاب إحياء الموات ........................................... 257

في معناه وبعض أحكامه ........................................... 257

كتاب اللَّقطة ................................................. 259

في معناها وبعض أحكامها ......................................... 259

ص: 434

كتاب النِّكاح ................................................. 264

المقصد الأوَّل: في فضله وأقسامه ................................... 264

المقصد الثَّاني: في النِّكاح الدَّائم .................................... 265

المبحث الأوَّل: في عقد النِّكاح ..................................... 266

المبحث الثَّاني: في شروطه ............................................ 266

المبحث الثَّالث: الأسباب المانعة للزَّواج ............................. 269

المبحث الرَّابع: موجبات خيار الفسخ من العيب والتَّدليس .......... 274

المبحث الخامس: في نكاح المريض .................................. 277

المبحث السَّادس: بعض آداب النِّكاح .............................. 277

المبحث السَّابع: حكم النَّظر جوازاً وحرمة وملحقاته ................ 278

المبحث الثَّامن: مسائل متفرِّقة ...................................... 281

المبحث التَّاسع: أحكام التَّلقيح الصِّناعي ........................... 283

المبحث العاشر: أحكام تحديد النَّسل ............................... 285

المقصد الثَّالث: الحقوق والنَّفقات وما يتبعهما ....................... 287

المبحث الأوَّل: في مسائل الحقوق والنَّفقات ......................... 287

المبحث الثَّاني: القِسم .............................................. 290

المبحث الثَّالث: في النشوز ......................................... 292

المقصد الرَّابع: النِّكاح المنقطع ...................................... 292

المقصد الخامس: أحكام الأولاد .................................... 294

المبحث الأوَّل: في شروط ثبوتهم وبعض المسائل .................... 294

المبحث الثَّاني: أحكام الولادة وآدابها ........................... 296

ص: 435

المبحث الثَّالث: في العقيقة ......................................... 296

كتاب الرَّضاع ................................................ 298

المبحث الأوَّل: شروط الرِّضاع ..................................... 298

المبحث الثَّاني: فيما يحرم على المرتضع ............................. 300

المبحث الثَّالث: فيما يحرم على المرتضعة ............................ 301

المبحث الرَّابع: في أحكام الرِّضاع .................................. 301

المبحث الخامس: في آداب الرِّضاع ................................. 306

كتاب الطَّلاق ................................................ 307

المبحث الأوَّل: شروط الطَّلاق ..................................... 307

المبحث الثَّاني: عدَّة الطَّلاق ........................................ 309

المبحث الثَّالث: الطَّلاق البائن والرَّجعي ............................ 311

المبحث الرَّابع: الرَّجعة وحكمها ................................... 312

المبحث الخامس: الطَّلاق الخلعي ................................... 313

المبحث السَّادس: المباراة وحكمها .................................. 314

المبحث السَّابع: الظِّهار ............................................ 315

المبحث الثَّامن: الإيلاء ............................................. 316

المبحث التَّاسع: طلاق المريض ..................................... 317

المبحث العاشر: فراق الموت ........................................ 317

المبحث الحادي عشر: مسائل متفرِّقة في الطَّلاق ..................... 319

المبحث الثَّاني عشر: القذف واللِّعان ................................ 321

كتاب القضاء والشَّهادات وتوابعهما .......................... 323

ص: 436

المقصد الأوَّل: في القضاء .......................................... 323

المبحث الأوَّل: شروط القاضي وتوابعها ............................ 323

المبحث الثَّاني: الإقرار والإنكار .................................... 325

المبحث الثَّالث : أحكام الحلف .................................... 327

المبحث الرَّابع: مسائل متفرِّقة ...................................... 328

المقصد الثَّاني: في الشَّهادة .......................................... 329

المبحث الأوَّل: في صفات الشَّاهد .................................. 329

المبحث الثَّاني: فيما به يصير الشَّاهد شاهداً ......................... 329

المبحث الثَّالث: في أقسام الحقوق ................................... 330

المبحث الرَّابع: مسائل متفرِّقة ...................................... 331

كتاب الرَّقيق والاعتاق ........................................ 333

البحث الأوَّل : الرِّق ........................................... 334

البحث الثَّاني: الاعتاق ............................................ 335

كتاب الوصايا ................................................ 337

المبحث الأوَّل: أقسام الوصيَّة ...................................... 337

المبحث الثَّاني: شروط الوصيَّة ..................................... 337

المبحث الثَّالث: أحكام الوصيَّة ..................................... 338

المبحث الرَّابع: منجَّزات المريض ................................... 345

كتاب المواريث ............................................... 347

المبحث الأوَّل: طبقات الورَّاث ..................................... 347

المبحث الثَّاني: تفاصيل إرث الطَّبقات الثَّلاث ....................... 348

ص: 437

الفصل الأوَّل: إرث الطَّبقة الأولى .................................. 348

صور اجتماع الأبوين مع وجود الأولاد ............................ 349

صور اجتماع أحد الأبوين مع الأولاد .............................. 350

ما يسمَّى بالحبوة ................................................... 351

الفصل الثَّاني: إرث الطَّبقة الثَّانية ................................... 351

إرث الأخوة والأخوات ........................................... 351

إرث الأجداد والجدَّات ............................................ 354

صور اجتماع الأخوة والأجداد .................................... 355

الفصل الثَّالث: إرث الطَّبقة الثَّالثة .................................. 357

مواريث العمَّ والعمَّة .............................................. 357

مواريث الأخوال والخالات ........................................ 358

صور اجتماع الأعمام مع الأخوال ................................. 358

المبحث الثَّالث: إرث الزَّوج والزَّوجة .............................. 359

لمبحث الرَّابع: مسائل متفرِّقة في الإرث ............................. 360

المبحث الخامس: في ملحقات المواريث ............................. 362

الفصل الأوَّل: ميراث الخنثى ....................................... 362

الفصل الثَّاني: ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ...................... 363

الفصل الثَّالث: الولاء وأنواعه ..................................... 364

النَّوع الأوَّل: ولاء العتق ........................................... 364

النَّوع الثَّاني: ولاء ضامن الجريرة ................................... 364

النَّوع الثَّالث: ولاء الإمام علیه السلام ..................................... 365

ص: 438

الفصل الرَّابع: ميراث المجوس ...................................... 366

كتاب الكفَّارات .............................................. 367

المبحث الأوَّل: أقسامها............................................ 367

المبحث الثَّاني: في أحكامها ......................................... 368

كتاب الحدود والتَّعزيرات .................................... 374

المقصد الأوَّل: الحد ................................................ 376

المبحث الأوَّل: الزِّنا ............................................. 376

الفصل الأول: في بيان موضوعه شرعاً ............................. 376

الفصل الثَّاني: في شروط ثبوت الحد للزِّنا ........................... 377

الإحصان وما يتعلَّق به ............................................ 378

الفصل الثَّالث: في ما يثبت به الزِّنا ................................. 380

الأوَّل: ثبوت الزِّنا بالإقرار ......................................... 380

الثَّاني: ثبوت الزِّنا بالبيِّنة ........................................... 382

الفصل الرَّابع/ في أقسام حدِّ الزِّنا .................................. 384

القسم الأوَّل: القتل ............................................... 384

القسم الثَّاني: الرَّجم .............................................. 385

القسم الثَّالث: الجلد خاصَّة ........................................ 385

القسم الرَّابع: الجمع بين الجلد والرَّجم ............................. 385

القسم الخامس: الجلد والتَّغريب وحلق الرَّأس ..................... 385

الفصل الخامس: في كيفيَّة إيقاع الحدّ بأنواعه ........................ 386

سُنن الحدود ...................................................... 389

ص: 439

الفصل السَّادس: في اللواحق ...................................... 389

المبحث الثَّاني: في اللَّواط وما يتعلَّق به .............................. 390

المبحث الثَّالث: في المساحقة وحدِّها ................................ 392

المبحث الرَّابع: في القيادة وحدِّها ................................... 393

المبحث الخامس: في السَّرقة وحدِّها ................................ 393

الفصل الأوَّل: في السَّارق .......................................... 393

الفصل الثَّاني: في المسروق ......................................... 394

الفصل الثَّالث: في الحد ............................................ 395

الفصل الثَّالث: في بعض الأحكام .................................. 395

المبحث السَّادس: في شرب المسكر والفقَّاع وحدِّه ................... 396

الفصل الأوَّل: في شروط وجوب الحدِّ عليه ......................... 396

الفصل الثَّاني: في كيفيَّة الحد ....................................... 396

الفصل الثَّالث: في أحكامه ......................................... 397

المبحث السَّابع: في القذف وحدِّه ................................... 397

الأمر الأوَّل: في الموجب ........................................... 397

الأمر الثَّاني: في القاذف ............................................ 398

الأمر الثَّالث: في المقذوف .......................................... 398

الأمر الرَّابع: في الأحكام .......................................... 398

مسائل ملحقة ..................................................... 399

المقصد الثَّاني: في التَّعزير وتعريفه وبعض مسائله .................... 400

في بعض موارده ................................................... 401

ص: 440

كتاب القصاص .............................................. 403

الأوَّل: قتل النَّفس ................................................. 404

الفصل الثَّاني: شروط القصاص ................................... 405

الفصل الثَّالث: في دعوى القتل وما يثبت به ........................ 408

الفصل الرَّابع: في القسامة ......................................... 409

الفصل الخامس: في أحكام القصاص .............................. 410

الفصل السَّادس: في قصاص الأطراف ............................. 412

كتاب الدِّيات ............................................... 415

المبحث الأوَّل: أحكام الدِّيات ومقدارها ........................... 416

المبحث الثَّاني: في دية الأعضاء ..................................... 418

المبحث الثَّالث: دية الشِّجاج ....................................... 419

فهرس ....................................................... 423

ص: 441

تنبیه مهم

يرجى من أعزَّائنا المؤمنين ممَّن لديهم الطَّبعة الأولى من رسالتنا هذه أن يراجعوا هذه الطَّبعة الثَّانية لإفراغ الذِّمَّة والله الموفِّق

ص: 442

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.