علی قبر معاوية شرح قصيدة محمّد المجذوب

هوية الکتاب

شَرحُ

قَصيدَةِ مُحمَّدِ المجذُوبِ

عَلَی قَبرِ مُعَاوِیَة

شَرحُ

الشَّيخ حَمزَةَ السَّلامِيِّ الحائِريّ رحمه الله

المُلَقَّب بأبي العرب ( ت1431ه)

راجَعَهُ وَضَبَطَهُ وَوَضَعَ فَهَا رَسَهُ

وَحدَةُ التأليفِ والدَراسَاتِ

في

مَكتَبَةِ العَتَبَةِ العَبَّاسِيَّةِ المقَدَّسَةِ

ص: 1

اشارة

بٍسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرّحیم

ص: 2

شَرحُ

قَصيدَةِ مُحمَّدِ المجذُوبِ

عَلَی قَبرِ مُعَاوِیَة

شَرحُ

الشَّيخ حَمزَةَ السَّلامِيِّ الحائِريّ رحمه الله

المُلَقَّب بأبي العرب ( ت1431ه)

راجَعَهُ وَضَبَطَهُ وَوَضَعَ فَهَا رَسَهُ

وَحدَةُ التأليفِ والدَراسَاتِ

في

مَكتَبَةِ العَتَبَةِ العَبَّاسِيَّةِ المقَدَّسَةِ

ص: 3

لعتبة العباسية المقدمة

قسم الشؤون الفكرية والثقافية شعبة المكتبة

كربلاء المقدسة ص.ب. (233) / هاتف: 322600، داخلي: 251

www.alkafeel.net

library@alkafeel.net

alderasat@alkafeel.net

العرب السلامي، حمزة خضير عباس، 1939 - 2010 .

شرح قصيدة محمد المجذوب على قبر معاوية شرح حمزة السلامي الحائري الملقب بأبي العرب؛ راجعه وضبطه ووضع فهارسه وحدة التأليف والدراسات في مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية . - كربلاء : مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة، 1433ه- / 2012.

330 ص . - (مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة : وحدة التأليف والدراسات ؛ 2 )

المصادر في الحاشية.

المصادر : ص . [309] - 318

1. معاوية بن أبي سفيان معاوية بن صخر، 20 ق ه- - 40 ه-. - شبهات وردود - شعر عربي. 2. علي بن أبي طالب (ع) ، الإمام الأول، 23 ق. ه- - 40 ه- - شعر فخر ومدح . ألف. المجذوب، محمد مصطفی، 1907- 1999 . قصيدة على قبر ،معاوية شرح ب وحدة التأليف والدراسات في مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة . ب. العنوان. ج. العنوان : قصيدة على قبر ،معاوية، شرح.

الكتاب: شرح قصيدة محمد المجذوب على قبر معاوية. الشارح الشيخ حمزة السلامي الحائري.

PJ7850. A398 2737 2012

مراجعة وضبط : وحدة التأليف والدراسات في مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة.

الناشر: مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة.

الإخراج الفني حيدر نجم الحجيمي.

المدقق اللغوي: علي حبيب العيداني.

المطبعة: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات / كربلاء المقدسة - العراق، بيروت - لبنان.

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 2000

التاريخ: 20 / ذي القعدة 1433ه-.

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة إدارة المكتبة

وصلى الله على نبيه ومجتباه محمد و على آله الأئمة الهداة واللعنة الدائمة على أعدائهم البغاة ومن سار بموكبهم وبعدُ...

وأنا أُلملمُ صفحات هذا الكتاب (شرح قصيدة محمد المجذوب على قبر معاوية) للشيخ السلامي طافت بي الذكريات حتى أوقفتني عند أيام تأليفه الأولى قبل ما يقارب السبعة عشر عاماً.. بينا كنتُ أدرسُ في جامعة النجف الدينية وأنهل من معين القرب من أمير المؤمنين علیه السلام أخبرني الشيخ المؤلف المبرور حمزة السلامي (تَغمّدَه الله برحمته):

أنه مهتم ومتشوق لشرح قصيدة محمد المجذوب وكان يَردُ النجف الأشرف باحثاً عن مصادر تتعلق بالقصيدة وظروف نظمها، ودراستها، وكلّ ما يرتبط بها مدفوعاً برغبة قوية وشغفٍ بكل ماله صلة بها وارتباط. فلم تُحل العقبات والصعوبات الكثيرة التي واجهها دون عزمه على تحقيق مُبتغاه وقد وُفّقت لأكثر من مرة في مرافقته بعد الدرس للاستطلاع والبحث.

وقد رأيته يقضي الليالي والأيام في النجف الأشرف متردداً بين مكتباتها ومدارسها يُوصل الليل بالنهار بحثاً عن كلمة أو معنى أو معلومة وأتذكر

ص: 5

أن من بين ما كان يرجو معرفته وتوثيقه أنه هل زار الشاعر العراق؟ وهل نظم قصيدته في حضرة أمير المؤمنين علیه السلام ؟ ولكن الإجابة عن هذا السؤال وغيره ضمن ظروف تلك المرحلة الصعبة لم تكن هيّنة ..

بل إن المصدر الوثيق الأوحد المتوفر لديه فى ضمان صحة الإجابة هذه الأسئلة هو سماحة العلامة الحجّة آية الله السيد محمد علي الحمّامي رحمه الله صاحب كتاب (المطالعات في مختلف المؤلّفات) والذي كان حياً يومئذٍ ويسكن النجف الأشرف ولم يكن اللقاء به ممكناً كونه كان قيد الإقامة الجبرية أو شبه الجبرية. ومع اضطراب تلك الظروف وشدتها .. كنتُ أرى الشيخ يخطو بتفاؤل ويحدوه الأمل في الوصول إلى ما يصبو إليه، وفعلاً وجد رحمه الله ما أجهد وعانى في سبيله إذ حدث تغييرٌ في الوضع وحصل انفراج من نوع ما بعد مدة وخُفِّفت إجراءات فرض الإقامة على السيد الحمّامي بعد أن صُرفت عنه الأنظار وبدأ يلتقي بالناس وأقام الصلاة جماعة في مكان والده المرحوم المبرور أية الله العظمى المرجع الورع السيد حسين الحمّامي قدس سره في الصحن العلوي المقدّس، فقصدناه في ليلة من الليالي بعد أن إئتممنا به وبعد صلاة العشاءين تقدمتُ إليه والشيخ الله وعرفته بنفسي ( حيث كانت لوالدي صلة وثيقة بالسيد رحمه الله ) ثم قدّمت الشيخ السلامي له وعرّفت به كباحثٍ ولغوي وأديب وأنه يروم شرح قصيدة المجذوب وقد أطلق الشيخ عنان أسئلتهِ مستر شداً بجوابات السيد السديدة و مما يجدر بي ذكره للتاريخ أن من بين أسئلة الشيخ للسيد الحمّامي رحمه الله ما

ص: 6

معناه فهم البعض من كلامكم الذي ذكرتموه في كتاب المطالعات في مختلف المؤلّفات أن الدكتور المجذوب جاء إلى النجف الأشرف وألقى هذه القصيدة بنفسه في أحد المحافل ؟ فاضطرب السيد وتغيّر وجهه ورفع كلتا يديه قائلاً: والعياذ بالله، أنا لم أذكر ذلك أبداً، وإنما أُرسلت القصيدة وأُلقيت في أحد المحافل وتناقلتها الصحف والمجلات.

كان موقفه ذاك تجسيداً عملياً للأمانة والورع فيما يقول ويكتب.

وكثيراً ما كنّا (أنا والشيخ المرحوم) نتذاكر ذلك الموقف الرفيع للسيد الحمّامي رحمه الله وهذا هو دأب علمائنا في الضبط وأمانة النقل.

وبعد أن استجمع الشيخ السلامي شتات معلوماته شرع بالشرح للقصيدة والتعليق عليها وكان حلمه أن يُخرج هذا الشرح لينعم برفده عاشقو علي علیه السلام .. والحق.. والجمال، لكن الظروف أولاً ثم المنية لم تمنحه الوقت الكافي لنشر الكتاب.

من هنا وبتكليف أخلاقي تجاه الفقيد وبرغبة في إخراج هذا المؤلَّف، الأدبي الأخلاقي الوثائقي الرائع لفضاء القرّاء.

قامت مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية بواجبها في إتمام هذا العمل ونشره وأوكلت المَهمة إلى وحدة التأليف والدراسات متمثلة بفريق عملها المتكون من الشيخ علي صالح الأسدي والشيخ محمود عبد الرضا الصافي والسيد حسين جعفر الموسوي والأخ حيدر نجم الحجيمي.

ص: 7

حيث قاموا بمراجعة الشرح و دراسته وتخريج نصوصه وتقويمه.

وبعد الفراغ منه عُرض على سماحة المحقق الكبير والعلامة الخبير السيد محمد رضا الحسيني الجلالي دامت توفيقاته والذي أشار بدوره إلى نكات مهمة تم تثبيتها فيه، فجزى الله الجميع وثبّت عملهم في ميزان حسناتهم.

والحمد الله أولاً وآخراً.

السيد نوري الموسوي

إدارة مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة

20 شوال المبارك سنة 1433 ه

ص: 8

الصورة

ص: 9

ص: 10

ترجمة الشارح

الشيخ حمزة السلامي

هو الخطيب الشيخ حمزة بن خضير بن عباس ينتمي إلى أسرة (أبو العرب) المتفرعة منعشيرة (السلالمة) المعروفة في كربلاء .

ولادته : ولد سنة (1939م / 1385ه-) في كربلاء المقدسة من أبوين ينتميان إلى عشيرة السلالمة.

تحصيله : جمع بين الدراستين الحوزوية والأكاديمية فقد أكمل دراسة الإبتدائية والمتوسطة والإعدادية وكان يحضر حلقات الدرس الحوزوي في مدرسة الخطيب الرسمية وتخرج منها وبعد ذلك أصبح مُعلماً فيها، وتلمذ على العلامة الشيخ جعفر الرشتي (ت 1394ه) في المدرسة الهندية الكبرى والعلامة الشيخ هادي معرفة (ت 1427ه) وغيرهما من أساتذة الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة. برع في اللغة العربية وفروعها وصار يشار إليه بالبنان وبعدها انتقل إلى مدينة النجف الأشرف فدرس في كلية الفقه وحصل على شهادة البكالوريوس في العلوم الإسلامية بتقدير جيد جداً وذلك سنة 1970م. ومارس التعليم خمساً وعشرين سنة بعدها تقاعد سنة 1986م.

اهتماماته كان شغوفاً باللغة العربية وفروعها وبشكل منقطع النظير. مكتبة مهمة تضم أكثر من أربعة آلاف مصدر من أُمّات المصادر جمع في اللغة والأدب. إضافة إلى إنه كان خطيباً من الخطباء الكبار وكان مجلسه المنبري من المجالس العامرة. وأيضاً كان ينظم الشعر القريض

ص: 11

في أهل البيت علیهم السلام ، وله نصيب من الإخوانيات، عُيّن سنة 1430 ه في مكتبة ودار المخطوطات العتبة العباسية وأُنيطت له مهمة الإشراف اللغوي في وحدة التحقيق.

خطابته : امتهن الخطابة ورقى المنبر الحسيني وهو بعد لم يختط العذار، ولم يتتلمذ في الخطابة المنبرية لدى أستاذ معين بل كان يرتاد المجالس الحسينية فيستمع إلى كل القرّاء، ويغترف من معين الفضل والأدب.

مؤلفاته:

1 - الأسماء الخمسة لغتها وإعرابها (ط).

2 - الأخ في الأدب العربي (خ).

3- أعمدة أبيات (التورية، الكناية، التعريض) (ط).

4- الجني الداني في حقائق المعاني ( ط ).

5- الصديق في الأدب العربي (خ).

6- كشكول السلامي في العلم والأدب والنوادر (ط).

7- المجالس المنبرية في العترة المحمدية (ط).

8- مختارات السلامي من أمثال الميداني (خ).

9 - النخلة سلطانة الشجر (خ).

10 - نوادر النوادر (ط).

وفاته : توفي رحمه الله في الثاني من شهر ربيع الأول سنة 1431ه الموافق 2010/2/27م. ودفن في مقبرة كربلاء الجديدة، وقد ذكر في وصيته إنه أوقف مكتبته لمكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة بعد وفاته.

ص: 12

الصورة

ص: 13

ص: 14

ترجمة الشاعر بقلم الشارح رحمه الله

كيف حصلتُ على ترجمة الشاعر

بحثتُ عن ترجمة الشاعر كثيراً، وسألتُ الكثير من الأدباء هنا وهناك، وإذا بهم يضربون - لذلك - أخماساً لأسداس!! ولا يدرون أيّ طرفي الموضوع أطول، حتى سألتُ الكاتب الإسلامي الكبير (باقر شريف القرشي) حفظه الله، فأرشدني الشيخ الجليل - مشكوراً - إلى الأديب الشاعر المرحوم (محمدعباس الدراجي )صاحب كتاب (القصائد الخالدات في حب أهل البيت علهیم السلام ) وكانت تربطني به صداقة يوم كنتُ أدرس في النجف الأشرف، حيث كنتُ أذهب إليه في مكتبته العامة (مكتبة أهل البيت علیهم السلام ) ولمّا ذكرتُ له ما أريد رحّب بذلك وقال : لقد حصلتُ على ترجمة الشاعر مصادفةً، حيث أرسلتُ إلى مجلة (القافلة السعودية)(1) قصيدة من قصائدي، فأرسلت إلىّ العدد الذي فيه قصيدتي المهداة؛ وبينما أنا أتصفح صفحاتها؛ وأقرأ عناوينها إذ وقع نظري على عنوان يحمل ترجمة الشاعر..

ثم وعدني أن يجلب إلىَّ المجلة ومجلةً أخرى هي مجلة (الغري) النجفية التي تحكي قصة القصيدة وظروفها وكيفية وصولها إلى النجف الأشرف في مناسبة من المناسبات الحسينية التي كانت تقام في النجف الأشرف، ثم وفى الأخ الصديق بوعده.

وإليك أيها القارئ الكريم ما نقلتُهُ لك من المجلة السعودية:

ص: 15


1- مجلة القافلة السعودية العدد 136 ، آذار 1985 م /ص 18 رئيس تحريرها عبد الله حسين الغانمي.

× ولد في محافظة طرطوس في سوريا عام 1916م.

×نشأ في عائلة دينية وحفظ القرآن الكريم في عُمر الثامنة.

×أكمل دراسته الثانوية في مدينته، ثم انتقل إلى دمشق ليكمل كلية الآداب فرع اللغة العربية.

×عُيّن عام 1940م مدرساً للُّغة العربية في ثانوية طرطوس.

× عضو جمعية الأدب العربي في طرطوس.

× نشر قصائده الأولى في مجلة (التمدن الإسلامي).

×سافر إلى القاهرة والتقى بأعضاء مجمع اللغة العربية ثم أختير عضواً مشاركاً.

×أصبح عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق.

×كتب قصيدته المعروفة ( على قبر معاوية) عام 1946م وأرسلها إلى الشباب النجفي الذين يقيمون مأتم الإمام الحسين علیه السلامسلام في النجف الأشرف.

×تقاعد من الوظيفة ويعيش الآن في المملكة العربية السعودية (1) و يواصل نشر قصائده في المجلات والصحف العربيّة.

ص: 16


1- عاد من السعودية، إلى اللاذقية سنة 1996م ولزم بيته فلم يغادره إلا لضرورة، واعتزل الناس، وأكبّ على أوراقه وقلمه، وألف أربعة كتب، ثم وافاه الأجل المحتوم في شهر يونيو 1999م، وتناقل العلماء والأدباء والكتاب في أنحاء سورية ولبنان نبأ وفاته، وطالبوا بتأخير دفنه حتى يتمكنوا من الحضور إلى اللاذقية من أجل المشاركة في تشييعه، وكان لهم ما أرادوا، وبعد ثلاثة أيام من الوفاة شيعه الآلاف من تلاميذه وإخوانه وأصدقائه، وألقوا أمام قبره كلماتهم وقصائدهم، وبكاه كل من عرفه، ودعوا الله أن يرحمه ويسكنه الجنة، فلطالما عمل في ميادين الدعوة إلى الله، وامتحن بالسجن والاغتراب عن وطنه من أجل دينه وجماعته رحمه الله تعالى رحمة واسعة والحمد لله رب العالمين. ( ويكيبيديا الموسوعة الحرة - موقع إلكتروني).

ووجدتُ بعض المعلومات التي تَمُتُّ إلى ترجمة الشاعر بصلة على ظهر غلاف كتاب من تأليف الشاعر نفسه وعنوانه :

(محنة الديمقراطية والعروبة في لبنان)، وإليكها أيها القارئ الكريم :

تخرج الدكتور ( محمد المجذوب) من كلية المقاصد الإسلامية في صيدا عام 1949م ودرّس فيها اللغة العربية لمدة عامين، ثم توجه إلى فرنسا عام 1950م وانخرط في سلك كلية الحقوق في جامعة (اكس - مرسيليا) حيث نال الإجازة في الحقوق ثم الدكتوراه. وكان موضوع رسالته في الدكتوراه التي ناقشها في حزيران عام 1956م: (لبنان والشرق العربي من عام 1943 - 1956م)، وقد منحته اللجنة إثر مناقشة طويلة حامية لقب (دكتوراه دولة في القانون بدرجة امتياز وسمحت بطبع أطروحته وبيعها في أسواق العالم .(1)

وفي ديوان الشاعر (محمد المجذوب) الموسوم ب(نار ونور) الذي طبعته ونشرته المكتبة الكبرى للتأليف والنشر لصاحبها (فرحان نجاتي) دمشق.

في هذا الديوان أسماء مؤلفات للشاعر أحببتُ أن أنقلها فيما يأتي زيادة في التعريف بالشاعر :

1. فضائح المبشّرين / رسالة ترد شبهات بعض المبشرين (النصارى) على الإسلام وتكشف عن أغراضهم.

ص: 17


1- محنة الديمقراطية والعروبة في لبنان، محمد المجذوب دار منيمنة للطباعة والنشر - بيروت.

2. قصص من الصميم / مجموعة من الأقاصيص الاجتماعية ذات اللون المحلّي.

3. مقدمة اليوبيل الذهبي للعلامة الشيخ سليمان أحمد، وهو بحث أدبي عن الأوضاع الاجتماعية والدينية في الجيل العلوي وأثر المصلحين في نهضته.

4. من تراث الأبوة / مسرحية تعرض صوراً من الكفاح الرائع في العهد الصليبي.

5. نار ونور / ديوان شعر .

مراجع ترجمة محمد المجذوب:

ولقد أتحفني صديقنا العزيز - مشكوراً - الشاعر الشاب (محمد الورّاق الكربلائي) بقائمة المجلات التي تعرضت إلى ذكر الشاعر المترجَم، وقد نسّقها وجدولها فجاءت مصدراً ثراً للباحث المنقِّب :

ت *** اسم المجلة *** العدد *** الصفحه *** السنة

1 *** الأديب *** 3 *** 50 *** 1948 م

2 *** الرسالة *** 272 *** 464 *** 1948 م

3 *** الرسالة *** 778 *** 627 *** 1948م

4 *** العالم العربي *** 12 *** 66 *** 1948 م

5 *** العرفان *** 1 *** 123 *** 1947 م

6 *** المقتطف *** 2 *** 217 *** 1951 م

ص: 18

بِسمِ اللهِ الرَّحمن الرّحيم

مقدمة الشارح رحمه الله

والحمد والشكر الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد وآله الطاهرين وصحبه الكرام الصالحين وبعدُ: فقد أحببتُ قصيدة الأستاذ (محمد المجذوب) التي مطلعها:

أينَ القُصورُ أبا يزيدَ وَلَهْوُها *** والصَّافِناتُ وَزَهْوُها والسُّوْدَدُ

التي نظمها على قبر (معاوية) في الشام بعد أن زاره وتأمل عاقبته.

أحببتُ هذه القصيدة - التي اشتهرت اشتهاراً - لأنّها إحقاق لحقٍ طالما قد ضاع وأُهمل. إنها توقف القارئ على ما لأهل البيت علیهم السلام من تاريخ ناصع، وعلى ما لأعدائهم من الانحرافات والسير في طريق الضلال... وفيها بيان لعاقبة كلا الطرفين متجسداً في آثارهما، فهذا علي علیه السلام، وهذه آثاره في الحياة الدنيا؛ فهي تحكي عظمته وتشير إلى خلوده... أمّا أعداؤه فلا آثار لهم تحكي الصلاح؟

نجد هذه القصيدة في عشرات المؤلفات، فبعض المؤلفين ذكرها بكاملها، وبعضهم اقتطف منها ما يناسب كتابه، لأنها تجعل القارئ أمام عِبر التاريخ بالغة الأهمية، ولأنها قد فاه بها شاعر من أبناء الشام الذين لا يتوقع منهم أن يضعوا حاكم الشام التاريخي (معاوية) في قفص الاتهام

ص: 19

لمحاكمته وتبيان أخطائه... فضلاً على أن القصيدة نُظمت بإرادة حرة من دونما ترهيب أو ترغيب، فهي وثيقة تاريخية يستضيء بها من أراد البحث عن الحقيقية ...

أحببتُ القصيدة، بل شُغفت بها لسلاسة ألفاظها ووضوح معانيها، فخضتُ من أجل مفرداتها غمار اللغة، ثم ربطتُ بينها وبين تلك الاستعارات الرائعة التي استخدمها الشاعر للوصول إلى معانيه النيّرة، كلّ ذلك يدلّ على قدرة الشاعر على تطويع اللغة لإرادته ونواياه الحسنة الخيّرة، جزى الله الصالحين من أبناء هذه الأمة على تبيان الحقائق.

كربلاء المقدسة

الشيخ حمزة السّلامي

ص: 20

ظروف القصيدة

كتبت مجلة (العرفان)(1) اللُبنانية عن ظروف القصيدة ما كتبته مجلة (الغري) النجفية بعددها (11، 14) صفر 1367 ه / كانون الأول 1947م، وزيادة لذلك أنقل إليك أيها القارئ الكريم ما تحدثت عنه المجلة من ظروف القصيدة بالتفصيل وإليكها بتمامها :

على ضريح معاوية

يحتفل العالم الإسلامي في كل عام بذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي علیهما السلام شهيد الحقّ والكرامة والصدق . وكان الشباب النجفي في العراق قد أقام احتفالاً عظيماً رائعاً بمناسبة هذه الذكرى الدامية الخالدة، ودُعي الشاعر الأديب الأستاذ محمد المجذوب أستاذ الأدب واللغة العربية في تجهيز البنين والبنات بطرطوس (سوريا) إلى المساهمة في هذا الاحتفال الكريم، فحالت دون حضوره بنفسه ظروف قاهرة فبعث إلى لجنة الاحتفال بهذه القصيدة العصماء الرائعة الصادقة وأرفقها بالكلمة الطيبة الآتية:

نص رسالة الشاعر محمد المجذوب

« حضرة الإخوان لجنة الشباب النجفي المحترمين :

أُحييكم تحية العروبة والإسلام.

ص: 21


1- مجلة العرفان (ربيع الأول 1377 ه / تشرين الأول (1957م) الجزء الأول: المجلد 45 ص 25 .

وبعدُ:

لقد كنتُ أودّ لو يُتاح لي الحضور شخصياً للمساهمة في الذكرى الخالدة لولا ما يحول دون ذلك من عقبات لا قِبل لي باجتيازها. وفكّرت مليّاً في الكلمة التي تصلح لمثل ذاك المقام العظيم فلم أجد أفضل من قصيدة كنتُ قد نظمتها عقيب زيارتي لضريح معاوية بن أبي سفيان بدمشق إذ تفتحت في خيالي أبواب التاريخ فأشرقت من خلالها على تلك المآسي الفاجعة التي مُنيَ بها الإسلام منذ خروج أبي يزيد على أمير المؤمنين إلى كارثة كربلاء إلى مالا نهاية له من هذه النوازل التي استغرقت أمة محمد صلی الله علیه وآله وسلم ولا تزال

تستغرقها حتى يشاء الله تداركها برحمته.

وهاهي ذي القصيدة أضعها بين أيديكم، وفيها كلّ ما اختلجت به مشاعري واقتنع به عقلي من الشؤون التي تتصل بهذه الذكرى، ويسرّني جداً أن تنال رضاكم وتكون أحد موضوعات الحفلة، ولاشك فإن ذلك سيتيح لي سعادة الاتصال بنفوس زكية يربطني بها رحم الولاء الخالص لذلك البيت الذي أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا. هذا وختاماً أرفع إليكم أحر التمنّيات وأصدق التحيات».

ومن كلّ ما قدمناه في هذه الرسالة المتواضعة، إلى القارئ الكريم مما يدور حول قصيدة الأستاذ ( محمد المجذوب) يُعلم بأن الشاعر المجذوب لم يأتِ إلى العراق ليلقي قصيدته في النجف الأشرف.. إنما بعث بها من الشام لتُلقى في الاحتفالية الحزينة التي كان يقيمها الشباب النجفي بمناسبة يوم العاشر من المحرم.

ص: 22

ومن ادعّى غير هذا فهو غير دقيق كما علمنا مما مرّ . وكان بودِّي أن أكتب تقييماً لهذه القصيدة النادرة التي فاه بها شاعر الشام المفوّه.. إلا أن القصيدة بمبناها ومعناها لفتت نظري إلى أن تقييمها يكمن في ذاتها فهي تقيّم ذاتها بذاتها، وتزن نفسها بنفسها . فما عسى أن يقول شاعر أو ناقد في وصفها وفي أبياتها مثل هذا البيت البديع :

ورثت شمائلُه شمائلَ أحمد*** فَيَكادُ من بُرْدَيهِ يَشْرِقُ أَحمدُ

الذي حلّق الشاعر في معناه حتى بلغ الثريا فترك كلّ من رام شأوه دون المنال، بل في السفح لا يستطيع الصعود إليه ليوازيه في المبنى أو يحاذيه في المعنى.

وفي رأيي فإن هذا البيت يعدل القصيدة بتمامها وكمالها فهو البيت اليتيم في شكله ومحتواه.

وإليك أيها القارئ الكريم أسماء بعض المؤلّفات التي تعرّضَت لقصيدة الشاعر (محمد المجذوب) ثم مرّت به مرور الكرام :

1. الإمام علي ربيب الوحي / تأليف (صالح أحمد عاشور ) ص 49 .

2. ديوان السيد الحميري / شرح المرحوم (شاكر هادي شكر) ص 163.

3. سياحةُ في الغرب أو مصير الأرواح بعد الموت/ تأليف ( السيد محمد حسن النجفي القوجاني) ترجمة (جعفر صادق خليلي ) ص 109 .

ص: 23

4. فضائل آل الرسول في المعقول والمنقول / تأليف (حسون ملا رجي الدلفي) ص 308 ، نقلها عن كتاب (من يسمع ؟ ) للحوماني .

وهناك كتب أخر ذكرت قصيدة الشاعر ولم تُترجم له؟ يجدها القارئ المتتبع .(1)

ص: 24


1- عثرنا أخيراً على القصيدة في كتاب ( كَهَيْعَصْ) تأليف هاشم محمد الحرك، ص299.

القصیدة

على قبر معاوية

1 أَينَ القُصورُ أَبا يزيدَ وَلَهْوُها *** والصَّافِناتُ وَزَهْوُها والسُّوْدَدُ

2 أَينَ الدَّهَاء نَحَرْتَ عِزَّتَهُ على *** إِعْتابِ دُنْيا سِحْرُها لا يَنْفَدُ

3 آثَرْتَ فانيها على الحَقِّ الذي *** هُوَ لَو عَلِمْتَ عَلى الزَّمَانِ مُخَلَّدُ

4 تِلْكَ البَهَارِجُ قَدْ مَضَتْ لِسَبيلِها *** وَبَقيتَ وَحْدَكَ عِبرَةٌ تَتَجَدَّدُ

5 هذا ضَرِيحُكَ لَوْ نَظَرْتَ بِبُؤْسِهِ *** لَأَسالَ مَدْمَعَكَ المَصِيرُ الْأَسْوَدُ

6 كُتَلٌ مِنَ التُّرْبِ المَهِينِ بِخِرْبَةٍ *** سَكِرَ الذُّبابُ بِها فَراحَ يُعَرْبِدُ

7 خَفِيَتْ مَعَالِمُها على زُوّارِها *** فَكَأَنَّهَا فِي تَجْهَل لا يُقْصَدُ

8 وَمَشَى بِها رَكْبُ البِلَى فَجِدارُها *** عار يكادُ مِنَ الضّراعَةِ يَسْجُدُ

9 والقُبَّةُ الشَّمَاءُ نُكِّسَ طَرْفُها *** فَبِكلِّ جُزْءِ لِلْفَناءِ بِها يَدُ

10 تَهْمِي السَّحائِبُ مِنْ خِلالِ سُقُوفِها *** والرِّيحُ فِي جَنَباتِها تَتَرَدَّدُ

11 حتى المُصَلَّى مُظْلِمٌ فَكَأَنَّهُ *** مُذْ كَانَ لَمْ يَجْتَزْ بِهِ مُتَعَبِّدُ

12 أَأَبا يزيدَ لَتِلْكَ حِكمَةُ خَالِقٍ *** تُجلَى على قَلْبِ الحكيمِ فَيَرْشُدُ

13 أَرأَيتَ عاقبة الجموح ونَزْوَةِ *** أَودى بِلبَكَ عَيُّها المُتَرَصُدُ

14 أَغرتك بالدنيا فرحت تشنُّها *** حرباً على الحقِّ الصُّراح وتُوقِدُ

ص: 25

15 تَعْدُو بها ظلاً على مَنْ حُبُّهُ *** دين وبغضته الشقاء السَّرمدُ

16 عَلَمُ الهُدى وإمامُ كلِّ مُطَهَّرٍ *** وَمَثابَةُ العِلمِ الذي لا يُجْحَدُ

17 وَرِثَتْ شَائِلُهُ شَمائِلَ أحمدٍ *** فَيَكادُ مِنْ بُردَيْهِ يَشْرقُ أحمد

18 وغَلَوتَ حَتَّى قَدْ جَعَلْتَ زَمَامَهَا *** إرْثاً لِكلِّ مُذَمَّمٍ لا يُحْمَدُ

19 هَتَكَ المحارم واسْتَباحَ خُدورَها *** ومضى بغير هَواهُ لا يَتَرَدَّدُ

20 فَأَعادَها بَعدَ الْهُدى عَصَبِيَّةٌ *** جَهْلاءَ تَلْتَهِمُ النُّفوسَ وتُفْسِدُ

21 فَكَأَنها الإسلامُ سِلْعَةُ تاجرٍ *** وَكَأَنَّ أُمَتَهُ لَآلِكَ أَعْبُدُ

22 فَاسْأَلْ مَرابِضَ كَرْبَلاءَ وَيَشْرِبٍ *** عَنْ تِلكُمِ النَّارِ التي لا تُخْمَدُ

23 أَرْسَلْتَ مارِجَها فهاجَ بِحَرَّةٍ *** أَمسُ الحُدودِ وَلم يُجنّبها غَدُ

24 عَباً يعالج ذو الصَّلاحِ فَسادها *** ويطب معضلها الحكيم المرشدُ

25 أَينَ الذي يسلو مواجع أحمد *** وجراح فاطمة التي لا يُضمَدُ

26 والزاكيات من الدماء يُريقُها *** باغ على حَرَمِ النبوة مُفسِد

27 الطاهرات فديتُهُنَّ ثَواكلٌ *** تنشالُ في عبراتِهِنَّ الأَكْبُدُ

28 والطيبون من الصغارِ كأَنَّهم *** بيضُ الزَّنابق قد عداها المورد

29 تشكو الظماء الظالمينَ أَصَمَّهم *** حقدٌ أناخَ على الجوارح موقَدُ

30 والذائدونَ تبعثرت أشلاؤُهُمْ *** بَدَداً فَثَمَّةَ مِعْصَم وهنا يَدُ

31 تَطَؤُ السنابك بالطغاة أديمها *** مثلُ الكتابِ مشى عليه المُلحِدُ

ص: 26

32 فعلى الرّمالِ مِنَ الأُباةِ مُضَرَّجٌ *** وعلى الجيادِ مِن الهُداةِ مُصَفَّدُ

33 وعلى الرماح بقيةٌ من عابدٍ *** كالشمس ضاءَ بهِ الصَّفا والمَسجِدُ

34 قد طالما حنَّ الدجى لحنينه *** وحنا على زفراته المُتَهَجِّدُ

35 إن يجهلُ الأعداءُ موضعَ قدرِهِ *** فلقد دراه الراكعون السُجَّدُ

36 تلكَ الفَواجعُ ما تَزالُ طُيُوفُها *** في كلَّ جَارِحَةٍ تُحَسُّ وتُشْهَدُ

37 ما كانَ ضَرَّك لو كَفَفْتَ شُواظَها *** فَسَلَكْتَ نَهْجَ الحَقِّ وهو مُعَبَّدُ

38 وَلَزِمتَ ظِلَّ أَبِي تُرَابٍ وَهُوَ مَنْ *** في ظلّهِ يُرجى السَّدادُ ويُنشَدُ

39 وَلَو إِنْ فَعَلْتَ لَصُنْتَ شَرْعَ محَمَّدٍ *** وَحَيْتَ بَجْداً قد بَناهُ مُحَمَّدُ

40 ولعادَ دين الله يعْمُرُ نُورُهُ الد *** دُنْيا فلا عبدولا مُسْتعِيدُ

41 أَأَبا يَزيدَ وساءَ ذلكَ عِبرةً *** ماذا أَقولُ وبَابُ سَمْعِكَ موصَدُ

42 قُمْ وارمقِ النجف الشريف بِنَظْرَةٍ *** يَرْتَدُّ طَرْفُكَ وَهُوَ بِاكِ أَرْمَدُ

43 تلكَ العِظامُ أَعزَّ رَبُّكَ قَدْرَها *** فتكادُ لَولا خوف ربِّكَ تُعْبَدُ

44 أَبداً تُباكِرُها الوُفُودُ يحثُها *** من كلِّ صَوبِ شَوْقُها المتوفّدُ

45 نازعتها الدنيا ففزتَ بوِردِها *** ثمَّ أنطوى كالحلم ذاكَ المَوْرِدُ

46 وَسَعَتْ إلى الأُخرى فأصبح ذكرها *** في الخالدين وعطفُ رَبِّكَ أَخلَدُ

47 أَأَبا يَزيدَ وتلك آهةٌ موجَعٍ *** أفضى إليكَ بها فؤادُ مُقْصَدُ

48 أَنَا لَسْتُ بالقالي ولا أَنا شامِتٌ *** قَلْبُ الكَرِيمِ عن الشَّماتَةِ أَبَعَدُ

ص: 27

49 هيَ مُهْجَةٌ حَرَّى أَذابَ شَعَافَها *** حُزْنٌ على الإسلام لم يكُ يَهْمَدُ

50 أذكرْتُها الماضي فهاج دفينها *** شملٌ لِشَعْبِ المصطفى مُتَبَدِّدُ

51 فَبَعَثْتُهُ عَتْباً وإِنْ يَكُ قاسياً *** هُوَ مِنْ ضُلُوعِي زَفْرَةٌ تَتَرَدَّدُ

52 لَمْ أَسْتَطِعْ جَلَداً على غُلْوائِها *** أَيُّ القُلوب على اللَّظى تَتَجَلَّدُ

ص: 28

البیت الشعری رقم (1) وشرحه

(1)

أَينَ القُصورُ أَبا يزيدَ وَلَهْوها *** والصَّافِناتُ وَزَهْوُها والسُّوْدَدُ

أَينَ: يُسأَلُ بها عن المكان. وهو موضوع للتصور(1). لأنَّه يُسأَلُ به عن مفرد لا عن نسبة. فأين اسم استفهام مبنيّ على الفتح، خبر مقدم، والقصور مبتدأ مؤخّر.

وقد تخرج أين - كبقية أسماء الاستفهام الأخرى- عن معناها الحقيقي الذي وُضعت له، وهو السؤال عن المكان؛ إلى معانٍ أُخر تُفهم من سياق الجملة .. (2)

القَصْر: ماشُيّدَ من المنازل وعلا، جمعه قصور.(3)

أبا يزيد: كناية عن الاسم الحقيقي (معاوية). والكناية: ما بُدِئ بأب وأم، ومن فوائدها ستر الاسم الحقيقي، وقد يُنسى وتبقى الكناية عالقة في أذهان الناس كما نُسيَ اسم أبي طالب (عبد مناف) حين كُني باسم أكبر أولاده (طالب).

ص: 29


1- ينظر: البلاغة الواضحة : 196.
2- ينظر: البلاغة الواضحة : 199.
3- ينظر: المنجد في اللغة: 633(م/ قصر).

اللَّهو : مالَهَوْتَ بهِ وَشَغَلَكَ مِن هوى وَطَرَب ونحوهما. الشيء الذي يتلذذ به الإنسان فيلهيه، الولد، المرأة المَلْهُوُّ بها . (1)

الصّافنات : جمع صافن، وهو من الخيل القائم على ثلاث قوائم ،وعلى طرف حافر الرابعة.

قال الفراء (2) : رأيتُ العرب تجعل الصّافن؛ القائم على ثلاث وعلى غيرثلاث، قال: وأشعارهم تدل على أن الصفون القيام خاصة(3) . وفي القرآن الكريم «إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ »[ص/ 31].

وهي الخيل التي تقوم على ثلاث قوائم وترفع إحدى يديها حتى تكون على طرف الحافر. يقال: صفنت الخيل تصفن صفونا : إذا وقفت كذلك. والجياد (السراع التي تجود بالركض)(4).

ص: 30


1- ينظر: المنجد في اللغة: 737 (م/ لهو).
2- الفرّاء: يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، مولى بني أسد، أبو زكريا المعروف بالفراء (144 - 207ه- = 761 - 822 م) ، إمام الكوفيين، وأعلمهم بالنحو واللغة، وفنون الأدب. كان يقال الفراء أمير المؤمنين في النحو ومن كلام ثعلب: لولا الفراء ما كانت اللغة. ولد بالكوفة وانتقل إلى بغداد، وعهد إليه المأمون بتربية ابنيه، فكان أكثر مقامه بها، فإذا جاء آخر السنة انصرف إلى الكوفة فأقام أربعين يوماً في أهله يوزع عليهم ما جمعه ويبرهم وتوفي في طريق مكة. اشتهر بالفراء ولم يعمل في صناعة الفراء. فقيل: لأنه كان يفري الكلام. ولما مات وجد (كتاب سيبويه) تحت رأسه. فقيل : إنه كان يتتبع خطأه ويتعمد مخالفته . (الأعلام: 145/8).
3- لسان العرب : 7/ 369 (م/ صفن).
4- مجمع البيان في تفسير القرآن: 474/8.

الزهو: صفةٌ للصّافنات، والمراد به الخيل الزاهية بألوانها، النضرة الفتية ذات الألوان المشرقة ، والزهو: هو المنظر الجميل .(1)

السُّؤْدَد: والسُّؤدد - بفتح الدال الأولى وضمها - كرم المنصب. السيادة: القدر الرفيع(2).

حينَ وقف الشاعر السوري (محمد مجذوب) أمام قبر معاوية(3)؛ ليزوره؛ تراءَت له - عن قرب - تلك القصور الممرّدَة، ذات الألوان الخلابة، التي كان معاوية يعيش في حدائقها، ومنتزهاتها، ينعم بكلّ ما لذَّ وطاب آمراً ،ناهياً، تحيطه الأُبَّهة مِن جميع نواحيه، فهو سلطان دنياه، وملك حياته، قد أحاط نفسه بكلّ ما يهفو إليه القلب وتصبو إليه النفس مِن مظاهر الهيبة .والرهبة والإجلال والعظمة.

ص: 31


1- معجم مقاييس اللغة: 441 (م/ زهو).
2- المنجد في اللغة: 361 (م/ ساد).
3- معاوية بن أبي سفيان، صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي (20ق . ه- 60 ه- = 603 - 680 م ) : مؤسس الدولة الأموية في الشام وأحد دهاة العرب ولد بمكة وأسلم يوم فتحها (سنة 8ه). تعلَّم الكتابة والحساب فجعله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في كتابه . ولّاه عمر الأردن، ثم دمشق، وجمع له عثمان الديار الشامية كلها وجعل ولاة أمصارها تابعين له. ولما ولي على علیه السلام وجه لفوره بعزله وعلم معاوية بالأمر قبل وصول البريد، فنادى بثأر عثمان وأتهم علياً بدمه. مات في دمشق، له (130 حديثاً) اتفق البخاري ومسلم على أربعة منها. (الأعلام : 261/7 ) .

ولم ينس ما للقصور من ليال تميس فيها الجواري، وتترنح فيها المطربات وتتعانق فيها الكؤوس، حينها ينسى إنسانها كلّ شيء بعد أن يستحيل إلى نغمة من نغماتها، فلا حياة في هذه الدنيا سوى هذا الأنس الغامر الذي جاد به کرم معاوية ليكون به (كسرى العرب) كما قيل...

استهل الشاعر قصيدته بسؤال، حظيت (أينَ) من بين أخواتها (أدوات الاستفهام) به؛ بعد أن أخرجها من معناها الحقيقي الذي هو: (طلب العلم بشيٍ لم يكن معلوماً مِن قبل) إلى معنىً مجازي جميل؛ هو (التعجب)، وبذلك كان الشاعر كريماً معها غاية الكرم بما أهدى إليها؟

فالشاعر لا يسأل أبا يزيد عن ذلك العالَم المفعم بالملاهي والموبقات الذي عاشه عُمُراً طويلاً - في أجمل عاصمة ، وأبهى قصور - أين هو الآن مِن هذه النهاية المحزنة؛ لأن أبا يزيد أصبح في خبر كان، إنما يسأل الشاعر الحال عن تلك القصور التي يعرفها، أين هي الآن من هذا القبر الخرب الذي وصفه بأنه:

كتل من الترب المهين بخربة *** سكر الذباب بها فراح يعربد...!؟

وبهذه المقارنة بين الماضي والحاضر يعجب الشاعر كلّ العجب من النهاية المؤلمة التي آل إليها ذلك الماضي الزاهي بألوانه الرائعة!!

ص: 32

البیت الشعری رقم (2) وشرحه

(2)

أينَ اللَّهَاء نَحَرْتَ عِزَّتَهُ على *** إغتاب دُنْيا سِحْرُها لا ينفد

الدَّهاء: جودة الرأي والحذق وتأتي بمعنى المكر والاحتيال .(1)

نَحَرْتَ : نحر البهيمة : أصاب نحرها. ذبحها من نحرها . النحر : جمعه نحور: أعلى الصدر .(2)

عِزَّتَهُ : العِزَّة : مصدر (عَزَّ ، يَعِزُّ ) صار عزيزاً. والعِزُّ: خلاف الذُّلّ. وعِزَّةُ الدَّهاء: اشتدادُهُ وقوته(3).

على : ومعناها هنا الظرفية، فهي حرف جر بمعنى (في)(4). فيكون المعنى: نحرت عزته في إعتاب .دنيا. أي مِن أجل رضا الدنيا، وإرضائها.

الإغتاب: مصدر (أعتبه ) أعطاه العُتبى (الرِّضا) ورجع إلى مسرته.(5) وتقول: قد أعتبني فلان، أي ترك ما كنت أجد عليه من أجله، ورجع إلى ما أرضاني عنه(6) .

ص: 33


1- المنجد في اللغة: 228 (م/ دهى ) .
2- المنجد في اللغة: 794(م/ نحر ) .
3- لسان العرب: 186 (م/ عزز).
4- الجنى الداني في حروف المعاني : 445.
5- لسان العرب : 29/9 - 30 (م / عتب ) .
6- ينظر: إعتاب الكتاب: 26 .

وسمّى ابن الأبار (1) أحد كتبه بإعتاب الكُتّاب أي إرضاؤهم(2) .

الدنيا: اسم لهذه الحياة لبعد الآخرة عنها، وهي نقيض الآخرة والدنيا وزانها فُعلى فهي اسم تفضيل مشتقة مِن الدنو، مذكرها: أدنى وجمعها دُنا مثل كُبرى وَكُبَر، وصُغرى وَصُغَر .

والدنيا تنوّن فيقال: ماله دنياً ولا آخرة. وقد انقلبت الواو فيها ياء؛ لأن فُعلى إذا كانت اسماً من ذوات الواو ؛ أبدلت واوها ياءً.(3)

ص: 34


1- ابن الآبار أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي البلنسي (595 - 658 ه- = 1199 - 1260 م) من أعيان المؤرخين أديب، من أهل بلنسية (بالأندلس) ومولده بها، رحل عنها لما احتلها الإفرنج، واستقر بتونس فقربه صاحبها السلطان أبو زكرياء، وولاه كتابه (علامته) في صدور الرسائل، مدة، ثم صرفه عنها ، وأعاده. وم-ات أبو زكرياء وخلفه ابنه المستنصر، فرفع هذا مكانته، ثم علم المستنصر أن ابن الأبار كان يزري عليه في مجالسه، وعزيت إليه أبيات في هجائه، فأمر به فقتل قغصاً بالرماح في تونس. من كتبه (التكملة لكتاب الصلة - ط) في تراجم علماء الأندلس، و (المعجم - ط) في التراجم و(الحلة السيراء - ط) في تاريخ أمراء المغرب، و إعتاب الكتاب - ط) في أخبار المنشئين، و (إيماض البرق في أدباء الشرق والغصون اليانعة في محاسن شعراء المئة السابعة - ط) و (مظاهرة المسعى الجميل ومحاذرة المرعى الوبيل - ط) في معارضة ملقى السبيل للمعري و (تحفة القادم) نشرت مجلة المشرق مختصراً له، و درر السمط في خبر السبط - خ) في الرباط (2081) (ك) ينال فيه من بني أمية، وله شعر رقيق. ولعبد العزيز عبد المجيد كتاب (ابن الآبار حياته وكتبه - ط) يرجع إليه (الأعلام (233/6).
2- إعتاب الكُتّاب: 26 .
3- لسان العرب: 420/4 (م/ دنا ) .

السحر : صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره، فكأنَّ الساحر لما أرى الباطل في صورة الحق وخيّل الشيء على غير حقيقته، فقد سحر الشيء عن وجهه، أي صرفه(1).

ينفد: نَفِدَ الشيء - بالكسر - نَفاداً - بالفتح - فَنِي وذهب(2). وفي التنزيل العزيز: «ما نَفِدَتْ كلماتُ الله» [ لقمان / 27].

استعار الشاعر للدهاء كلمة (نحر) الموضوعة أصلاً- في اللغة - لذبح مالَهُ نحر، ومنه البهيمة؛ لأن الدهاء معنى مجرد (غير مادي)؛ فهو ليس مما يُذبح، ولكن الشاعر أخرجه من معناه المجرد، إلى معنى مادي؛ لذلك احتاج أن يستعير له ما يختص بالمعنى المادي دون غيره (النحر) بجامع الإفناء والانتهاء في المعنيين. حيث إن الدهاء ينمو ويبقى عندما يستعمل في موضع الخير ، ويفنى ويضيع عندما يوظف في عالم الخديعة والمكر !! وبهذا الضياع يكون كأنه (ذُبح) وفُني.

وعن ضياع هذا الدَّهاء الذي وُصِفَ به معاوية في حياته، والاستهانة بقدره كَنّى الشاعر، بقوله: «نحرت عزته على.. » .

وقد فرق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام بين توظيف الدَّهاء في الخير وتوظيفه في الشر؛ بقوله: «والله ما مُعاويةُ بأَدْهَى مِنّي، ولكِنَّهُ يَغْدِرُ

ص: 35


1- تاج العروس: 516/11 (م/ سحر ).
2- مختار الصحاح (م/ نفد) 280 .

وَيفْجرُ، وَلَوْلا كَراهِيَّةُ الغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدهى النَّاسِ، ولكِنْ كلّ غَدْرَةٍ فَجْرَة، وكلّ فَجْرَةٍ كَفْرَة، وَلِكلّ غادِرٍ لِواءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ .. »(1)

وقال علیه السلام في مكان آخر من نهج البلاغة: «.. وَلَقَدْ أَصْبَحْنا في زَمَانٍ قَدِ اتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ الغَدْرَ كَيْساً، وَنَسَبَهُمْ أَهْلُ الجَهْلِ فِيهِ إِلى حُسْنِ الحِيلَةِ. مَالَهُمْ؟ قاتَلَهُمُ اللهُ! قَدْ يَرَى الحُوَّلُ القُلَّبُ وَجْهَ الحيلَةِ وَدُونَهُ مانِعٌ مِنْ أَمْرِ الله وَنَهْيهِ، فَيَدَعُها رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَيَنْتَهِرُ فُرْصَتَها مَنْ لَا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ». (2)

عندما نعرف أن الغدر معناه في اللغة ترك الوفاء وأن الفجور هو (الكذب والفسوق ) والميل عن القصد والصدق؛ نعلم علم اليقين مدى كراهية أمير المؤمنين علیه السلام لهذه الصفات، وعجبه الشديد ممن يعُدّ (الغدر) كيساً من أهل ذلك الزمان الذي عاش فيه الإمام علیه السلام.

ثم أوضح علیه السلام بأن هذه الحيَل - التي عُدّ ذووها من العقلاء والحكماء- لم تكن بعيدة عن متناول نظره؛ بل هو يعرفها، ويراها رَأي عين إلّا أنّه لا ينتهز فرصتها كعدوه، لما يحول بينه وبينها من التحرّج عن المآثم وارتكاب المعاصي والعواقب التي تؤدي إلى سفك الدماء وقتل الأبرياء وضرب هذه الفئة بهذه الفئة وإثارة الفتن والنزاعات القبلية.. كلِّ ذلك من أجل الوصول إلى غاية معينة وهدف منشود.

ص: 36


1- نهج البلاغة: 346 .
2- نهج البلاغة: 100 - 101 .

يقول (سليمان كتاني) عن الدَّهاء والحقيقة، أن الدَّهاء درجة عالية من درجات الذكاء، يتصرف به العقل في لباقة الإخراج لكلّ القضايا المعقدة التي تعترض سير الحياة في تطلبها الحلول والمعالجات.

وهو إذ يكون محكاً لقوة العقل وعمق مداه يكون في الوقت نفسه، في كيفية تصرفه، تعبيراً عن قوى النفس ومدى الصفاء في جوهرها.

ولن يكون له أمر جليل إن لم يكن وليد تزاوج بين العقل السليم والنفس الكريمة.

إلا أنه في مفهومه الذي أبرزوه مع أبطاله الأربعة - المغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان - لم يكن إلا سلاحاً يلجأ إليه أهل الدنيا في الوصول إلى أغراضهم.. وهو سلاح تتراكب ضلوعه على المكر والخداع أكثر مما تتآلف على الصدق والصراحة.

لذلك، فإنه أكثر استعمالاً، وأنفذ مجالاً، وأطوع وسيلةً، عند أرباب المنافع والغايات منه عند المستخفين بالدنيا ومباهجها وبريقها الخدّاع.

وليس معنى ذلك أن أهل هذه الفئة الأخيرة من الناس ليس لديهم عقل يصلح مسرحاً لهذا التلاعب الملون بالمواهب، ولكنهم يربؤون بأنفسهم عن أن يلجؤوا إلى الأساليب التي تتلوّن بأي صنف من أصناف الختل والخداع.

ص: 37

وليس يُفهم مطلقاً أن هؤلاء الزاهدين كانوا يرفضون الدنيا ولا يعيرونها أيّ اهتمام، ولكنهم كانوا يرمون من التشديد في امتهانها إلى التخفيف من الإقبال عليها إقبال الجائع النهم حتى لا يكون التهافت المجنون سبيلاً لإضاعة جوهر الإنسان عن مُثُلهِ الجميلة التي تكون العفة أبهى معانيها، من حيث يتردى المجتمع الإنساني في انحطاط خلقي يكون سبباً في تخلفه عن كسب كلّ مقومات المجتمعات الحية المتحضرة.

ولذلك كان الدَّهاء سلاح أهل الدنيا في المعركة القائمة بين ابن أبي طالب في جبهة، وبين ابن أبي سفيان في جبهة ثانية.

وهذا هو بالواقع الصريح .. كلّ الذي عاد فقسم الجبهة العربية بعد وحدتها بفترة قصيرة من الزمن إلى شطرين متناحرين شطر الدنيا وشطر الزهد بها .(1)

و معاوية، بعد أن تروّى فعل.. وعلي بعد أن تروّى فعل.

وصحت رويّة معاوية فسيطر على حقبة من الزمن، وصحت رويّة علي فامتلك الزمن.(2)

نماذج من دهاء معاوية

أولاً : يقول :العقاد كان أي معاوية - لا يطيق أن يرى رجلين ذوي

ص: 38


1- الإمام علي نبراس ومتراس: 228 229.
2- الإمام علي نبراس ومتراس: 230 .

خطر على وفاق، وكان التنافس (الفطري) بين ذوي الأخطار مما يعينه على الإيقاع بينهم كما كان يحدث بين المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص بغير تدبير منه، أو بتدبير هيّن لا تخفى خبيئته على الرجلين؛ فكان يسمع لكلّ منهما في الآخر ويطيع كليهما في دسّه وإغرائه ليعلمها بعد ذلك بما صنعه كلّ منهما من الكيد لصاحبه، فلا يتفقان عليه .. (1)

ودأبه في الوقيعة بين أهل بيته كدأبه في الوقيعة بين النظراء من أعوانه فلم يكن يطيق أن يتفق بنو أمية من غير بيت أبي سفيان، ولم يكن ليهدأ ويستريح أو يوقع بين آل عمومته من بني العاص.. قال ابن الأثير (2) أخبار سنة أربع وخمسين وفيها عزل معاوية سعيد بن العاص عن المدينة واستعمل مروان، وكان سبب ذلك أن معاوية كتب إلى سعيد بن العاص أن يهدم دار مروان ويقبض أمواله كلّها ليجعلها صافية ويقبض منه فدك وكان وهبها له، فراجعه سعيد بن العاص في ذلك فأعاد معاوية الكتاب بذلك فلم يفعل سعيد، ووضع الكتابين عنده فعزله معاوية وولّى مروان وكتب إليه يأمره بقبض أموال سعيد بن العاص وهدم داره، فأخذ الفَعَلة وسار إلى دار سعيد ليهدمها فقال له :سعيد يا أبا عبد الملك أتهدم داري؟

ص: 39


1- معاوية (موسوعة العقاد ) 4 / 235 ، واسم الكتاب المعتمد في الشرح (معاوية في الميزان) وهو لعباس محمود العقاد، وقد غُيّر اسم الكتاب في موسوعته المطبوعة أخيراً باسم (معاوية بن أبي سفيان)، فلاحظ .
2- الكامل في التاريخ : 3/ 497 .

قال نعم كتب إليَّ أمير المؤمنين ولو كتب إليك في هدم داري لفعلتَ . فقال : ماكنتُ لأفعل . قال : بلى والله .. ! قال كلا.. وقال لغلامه إئتني بكتاب معاوية، فجاءه بالكتابين فلما رآهما مروان قال : كتب إليك فلم تفعل ولم تعلمني؟ قال :سعيد: ماكنت لأمنَّ عليك وإنما أراد معاوية أن يحرض بيننا، فقال مروان: أَنتَ والله خير مني. وعاد ولم يهدم دار سعيد.

وكتب سعيد إلى معاوية: العجب مما صنع أمير المؤمنين بنا في قرابتنا أن يضغن بعضنا على بعض .. فوالله لو لم نكن أولاد أب واحد لما جمعنا الله عليه من نصرة أمير المؤمنين الخليفة المظلوم وباجتماع كلمتنا لكان حقاً على أمير المؤمنين أن يرعى ذلك..

فكتب إليه معاوية يعتذر ويتنصل وإنه عائد إلى أحسن ما يعهده.. ومضى معاوية على هذه الخطة التي لا تتطلب من صاحبها حظاً كبيراً من الحيلة والروية، ولعلها تناقض الدَّهاء فيما ينكشف من عللها التي لا تدق على فهم أحد.. ولو حاسبه التاريخ حسابه الصحيح لما وصفه بغير مفرّق الجماعات.. لأنه فرق الأمة شيعاً شيعاً فلا تعرف كيف تتفق إذا حاولت الاتفاق..

وفرّق بين المهاجرين والأنصار، وفي عهده تجرأ الأخطل على هجاء الأنصار، حيث قال:

ذهَبَتْ قريش بالمكارم كلّها *** واللؤم تحت عمائم الأنصارِ

ص: 40

ولما وفد إليه وفد الأنصار؛ أمر أن يُدعى كلّ منهم باسمه إلى حضرته بمشورة عمرو بن العاص الذي كره أن يُدعى الجمع كلّه باسم الأنصار ! وعمد إلى أهل مكة والطائف في بقعة واحدة ففرّق بينهما حين آثر الثقفيّين وهم أهل الطائف - بزلفاه، وسَنّ لمن بعده سُنّةَ هذا الإيثار، فكان من رجال بني أمية :المغيرة ، وزياد، والحجاج.. ورهط من الأقربين والصنائع ..(1)

ثانياً : كان معاوية إذا أراد أن يستميل أحد البطارقة من دولة الروم فاستعصى عليه كتب له رسالة مودة وثناء وأنفذها مع رسول يحمل إليه الهدايا كأنه جوابٌ على طلب منه يساوم فيه على المصالحة والغدر برؤسائه من دولة الروم، ويخرج الرسول العربي من طريق متباعد كأنه يتعمد الروغان من العيون والجواسيس، فإذا اعتقله الروم، وقعت الشبهة على البطريق المقصود وتعذّر الاطمئنان إليه من قبل قومه بعد ذلك، وعزلوه وأبعدوه إن لم ينكّلوا به أشد النكال.

ثالثاً: قَتل مالك الأشتر رضی الله عنه:

جاء في أخبار سنة ثمان وثلاثين لابن الأثير : خرج الأشتر يتجهز إلى مصر وأتت معاوية عيونه بذلك فعظُم عليه وكان قد طمع في مصر فعلم أن الأشتر إن قدمها كان أشد عليه من محمد بن أبي بكر فبعث معاوية إلى المقدم

ص: 41


1- ينظر: معاوية (موسوعة العقاد ) 235/4 - 237.

على أهل الخراج بالقُلزُم (1) وقال له : إِنَّ الأشتر قد ولي مصر فإن كفيتنيه لم آخذ منك خراجاً ما بقيتُ وبقيتَ. فخرج الجايسات- وفي رواية الطبري الجايستار - حتى أتى القلزم وأقام به وخرج الأشتر من العراق إلى مصر فلما انتهى إلى القلزم استقبله ذلك الرجل فعرض عليه النزول فنزل عنده فأتاه بطعام فلما أكل أتاه بشربة من عسل قد جعل فيه سُماً فسقاه إيّاه فلما شربها مات.. وقام معاوية خطيباً ..(2)

ثم قال: أمّا بعدُ فإنه كانت لعلي يمينان فقُطعت إحداهما بصفين - يعني عمار بن ياسر - وقطعت الأخرى اليوم - يعني الأشتر.(3)

رابعاً: قَتل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد:

اتفق ابن الأثير والطبري على رواية واحدة في الجملة عن موت عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وكان سبب موته كما جاء في الكامل - أنه كان قد عظم شأنه عند أهل الشام ومالوا إليه لما عندهم من آثار أبيه ولغنائه في بلاد الروم ولشدة بأسه، فخافه معاوية وخشي منه، وأمر ابن آثال النصراني أن يحتال في قتله وضمن له أن يضع عنه خراجه ما عاش وأن

ص: 42


1- القُلْزُم بالضم ثم السكون ثم زاي مضمومة، وميم، هي من كور مصر القبلية وفيه غرق فرعون (معجم البلدان: 4 / 387).
2- ذكر السبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص: 114) : لما بلغ معاوية موت الأشتر قال لأصحابه:« إن لله جنوداً من عسل» وقد عُدّ هذا القول مثلاً من أمثال العرب (ينظر: المستقصى في أمثال العرب : 413/1 ، المثل : (1757).
3- الكامل في التاريخ: 3 / 353 وينظر : تاريخ الطبري: 71/4-72 .

يولّيه خراج حمص، فلما قدم عبد الرحمن من الروم دسّ له ابن آثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه فشربها فمات ( بحمص) فوفى له معاوية بما ضمن له، وقدم خالد بن عبد الرحمن المدينة فجلس يوماً إلى عروة بن الزبير، فقال له عروة ما فعل ابن آثال؟

فقام من عنده وسار إلى حمص فقتل ابن آثال فحُمل إلى معاوية فحبسه أياماً ثم غرمه ديته ورجع خالد إلى المدينة فأتى عروة، فقال عروة: ما فعل ابن آثال؟ فقال: قد كفيتك ابن اثال ولكن ما فعل ابن جرموز؟ يعني قاتل الزبير فسكت عروة !(1)

خامساً: قتل الإمام الحسن علیه السلام :

ونقل الخبر عن دسّ السم للحسن رضوان الله عليه مؤرخ من الأمویین هو أبو الفرج الإصفهاني صاحب الأغاني المشهور.

وقال في كتابه مقاتل الطالبيين: «أرسل معاوية إلى ابنة الأشعث إني مزوّجك بيزيد ابني على أن تسمّي الحسن بن علي... وبعث إليها بمائة ألف درهم فقبلت وسمّت الحسن فسوغها المال ولم يزوّجها من يزيد..»(2)

وشاعت الشوائع بمثل ذلك عن آخرين من أعداء معاوية ومنافسيه، يملى للناس في تصديقها أن هؤلاء الأعداء ماتوا بغير علة موصوفة في

ص: 43


1- الكامل في التاريخ : 3 / 453 وينظر : تاريخ الطبري: 171/4.
2- معاوية (موسوعة العقاد): 241/4 ، عن مقاتل الطالبيين : 80.

الموعد الذي يبغيه معاوية وتترتب عليه سياسته التي كان يرجئها إلى مواعيدها.. فالحسن يموت قبل بيعة يزيد كي لا يخرج معاوية على شرطه المكتوب للحسن، ومالك الأشتر يموت على أبواب مصر وعبد الرحمن بن خالد يموت وهو في أوج سمعته بين قوم أعجبوا من قبله بأبيه... (1)

ص: 44


1- معاوية (موسوعة العقاد): 4 / 243 .

البیت الشعری رقم (3) وشرحه

(3)

آثَرتَ فانيها على الحَقِّ الَّذي *** هُوَ لَو عَلِمْتَ على الزَّمانِ مُخَلَّدُ

أَثَرْتَ : أَثَرَ ، وآثَرَ كلّهُ : فضَّلَ وقدَّمَ . وفي التنزيل العزيز: «قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ »[يوسف/ 97 ] .

فانيها. الفناء: مصدر :خلاف البقاء. الهلاك.(1)

والفاني: اسم فاعل بمعنى الذي يفنى من الدنيا ولا يبقى مهما ظل الإنسان يتمتع به.

الحق: مصدر جمعه حقوق : اليقين .(2)

الزمان :جمعه أزمنة : العصر: الوقت طويلاً كان أو قصيراً. أزمنة السنة :فصولها وهي: الربيع ..(3)

مُخَلَّد: اسم مفعول، مأخوذ من الفعل المضارع المبني للمجهول (يُخَلَّدُ). والمعنى: أن الحق باق ببقاء الزَّمان، مخلّد بخلوده.

ص: 45


1- المنجد في اللغة: 597(م/ فني ).
2- المنجد في اللغة: 144(م/ حق ).
3- المنجد في اللغة 306 (م/ زمن ).

بهذا البيت يخاطب الشاعر معاوية ويُذكّره بإيثاره الدنيا وزينتها على الآخرة، وما أعدّ الله للمؤمنين في جنانها؛ بإيثاره ما يفنى ويذهب جفاءً من لذائذ العيش على مايدوم ويظل ويبقى؛ مما ينفع الناس من الجهد المثمر والعمل الطيب النافع، والاتصاف بشمائل الصالحين .. من أجل الذكر الخالد في دنيا القيم والفضيلة.

يُذكّره بأنّه فضّل أن يحيا منغمساً في لذائذ الهوى، وشهوات النفس، رغد العيش نعيم البال.. وإن كان ذلك يؤدي به إلى الضلال، والبعد عن الحق وارتكاب المحارم، وانتهاك الحرمات، وأكل السحت، وجمع أموال المسلمين، وإغداقها على غير مستحقيها من أعوانه وذويه، وسفك الدم من دونما حقّ، وقتل الأبرياء من دونما ذنب .. سوى ما نهضوا به من معارضة صُلبة - لا تأخذهم فيها لومة لائم - لما يدعو إليه من سب أهل البيت والتعتيم على فضائلهم ومناقبهم، والنيل من قدسيتهم، والتقليل من شأنهم والاستخفاف بمواقفهم في سوح الجهاد التي لولاها لما خفقت للإسلام راية، ولا اخضرَّ للإيمان عود..!؟

لنترك الحديث - عن صفات معاوية الدنيوية البحتة - للكاتب الشهير الأستاذ عباس محمود العقاد (ت 1964) ، حيث أماط اللثام عنها، فجعلها سافرة واضحة.. قال العقاد :

«تميزت لبني أمية في الجاهلية وصدر الإسلام خلائق عامة يوشك أن - تُسمى - لعمومها بينهم خلائق أموية، وهي تقابل ما نسميه في عصرنا

ص: 46

بالخلائق الدنيوية أو النفعية ويراد بها أن المرء يؤثر لنفسه ولذويه ولايؤثر عليها وعليهم في مواطن الإيثار .. وهذه الخلائق الأموية دنيوية نفعية كما قدمنا تميل بالمتخلقين بها إلى مناعم الحياة وتحبب إليهم العيش الرّغد والمنزل الوثير (1)وتغريهم بالنعم واللذات يغدقونها على أنفسهم وعلى الأقربين، فهي عندهم قسطاس البر بمن يحبون كما يحبون». (2)

وقال أيضاً: «وليس من أخبار بني أمية في الجاهلية وصدر الإسلام خبر واحد ينفي عنهم هذه الخليقة الغالبة عليهم جميعاً من الأثرة والكلف بالمناعم الدنيوية وتقديمها على غيرها من مناقب الإيثار والمثل العليا ».(3)

ومن حديثه: كان معاوية ينازع طبعه بين الخليقة الأموية وبين آداب الدين الذي يتولى خلافته، فينزل بنفسه درجات دون منزلة الخلفاء الراشدين لافتتانه بالدنيا واستسلامه لغوايتها، وله أكثر من كلمة في هذا المعنى يقول في بعضها: «إِنَّ أبا بكر سلم من الدنيا وسلمت منه، وعمر عالجها وعالجته، وعثمان نال منها ونالت منه أمّا أنا فقد تضجعتها ظهراً لبطن وانقطعتُ إليها فانقطعت إليّ». (4)

ص: 47


1- الوثير: الفراش الوطيء، وكل وطيء وثير ومنه: امرأة وثيره، أي سمينة. (كتاب العين: (234/8) .
2- معاوية (موسوعة العقاد): 273/4 .
3- معاوية (موسوعة العقاد) 284/4 .
4- ينظر : ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: 90/1.

ويقول في بعضها من خطبة بالمدينة: «إن أبا بكر رضي الله عنه لم يرد الدنيا ولم ترده، وأمّا عمر فأرادته الدنيا ولم يردها، وأما عثمان فنال منها ونالت منه، وأمّا أنا فمالت بي وملت بها ، وأنا ألبنها فهي أُمي وأنا ابنها، فان لم تجدوني خيركم فأنا خيرٌ لكم» .(1)

وكأنّما كان يشهد على نفسه هذه الشهادة تواضعاً مِن جهة وتزكية لقدرته على الملك الدنيوي من جهة أخرى. فإن كان الرعية لايرتضونه قدوة للصلاح والتقوى، فهم مرتضوه مُدَبِّراً لشؤونهم وقائماً على مصالح

دنیاهم..(2)

حوار فيما يفكر به الإنسان آخر عُمره

حدث هذا الحوار بين معاوية وعمرو بن العاص و (وردان) مولی عمرو بن العاص . وكان يدور حول مايهتم به الإنسان - آخر عُمُره - من مكارم الأخلاق وجلائل الأعمال، وفضائل الصفات وروائع الشمائل، ونوادر السجايا.

ولنترك الواقدي يحدثنا بهذا الحوار الذي ظهر فيه معاوية نادماً على ما قاله وفاه به، وبدر منه ؛ قال الواقدي: دخل عمرو بن العاص يوماً على معاوية بعدما كبُر ودقَّ ومعه مولاه وردان، فأخذا في الحديث وليس معهما أحد غير وردان، قال عمرو : يا أمير المؤمنين ! ما بقي مما تستلذه؟ فقال: أمّا

ص: 48


1- العقد الفريد: 340/4 .
2- معاوية (موسوعة العقاد): 282/4 .

النساء فلا أرب لي فيهن وأمّا الثياب فقد لبست من لينها وجيدها حتى وهي بها جلدي فما أدري أيها ،ألين وأمّا الطعام فقد أكلت من لذيذه وطيبه حتى ما أدري أيُّه ألذ وأطيب، وذكر مثل ذلك عن الطيب وغيره من مناعم الحياة. ثم قال: فما شيء ألذ عندي من شراب بارد في يوم صائف، ومن أن أنظر إلى بَنيَّ وبَنِي بَنِيَّ يدورون حولي.

وعطف معاوية سائلاً: فما بقي منك يا عمرو ؟

قال عمرو: مالٌ أغرسه فأصيب من ثمرته ومن غلّته.. فالتفت معاوية إلى وردان فقال : مابقى منك ياوردان؟

قال :وردان صنيعة كريمة سنية أعلقها في أعناق قوم ذوي فضل واصطبار، لا يكافئونني بها حتى ألقى الله تعالى، وتكون العقبي في أعقابهم بعدي. فقال معاوية : تبّاً لمجلسنا سائر اليوم.. إن هذا العبد غلبني وغلبك .. !(1)

خليقة أموية عربية. مضى الرجل على سجيته فلم يخطر له أن يستبقى من متاع الدنيا الذي عجز عنه إلا شيئاً يذاق وشيئاً يسره من النظر إلى ذريته، ثم نبّه المنبه إلى المكرمات المأثورة فلم يجحدها ولم يعزب عنه حميد أثرها .. وهكذا كانت الخليقة الأموية مع المروءة العربية في كل مأثرة محمودة بين عشائر العرب الكبرى وبين العرب خاصة وعامة، وأولها

ص: 49


1- معاوية (موسوعة العقاد): 283/4 .

مناقب الشجاعة والكرم والنخوة، فما كان في وسع بني أُمية أن يغمضوا أعينهم عن هذه المناقب ولا أن يصغروا من حقها، ولكن التسليم للمنقبة شيء والجهد في تحصيلها شيء آخر ، ولهذا مضى تاريخ بني أمية في الجاهلية وليس بينهم واحد معدُودٌ؛ حين يعدّ العرب فرسانهم المقدمين وأجوادهم المشهورين وذوي النجدة من صفوة عشائرهم ونخبة ساداتهم، وظهر فيهم الشجعان في صدر الإسلام كيزيد بن أبي سفيان -وهو أخ غير شقيق لمعاوية - ولكنه لا يحسب عندهم ولا عند غيرهم من فرسان هاشم في جيل واحد كعلي وحمزة.(1)

وسُئل معاوية نفسه - وسائله عمرو بن العاص - والله ما أدري يا أمير المؤمنين أشجاع أنت أم جبان؟ فقال:

شجاعٌ إِذا ما أَمكنتْنِي فرصةً *** فإن لم تكن لي فرصة فجبانُ

ولم يؤثر لمعاوية موقف واحد يحسب من مواقف الشجاعة البينة، بل حسب عليه أنه كان يأوي إلى قبة يحيط بها الحراس في معارك صفين، وأنه أسرع إلى فرسه في ليلة الهرير لينجو بحياته، ثم هدأ الخطر بعض الشيء فراجع نفسه وتراجع إلى مكانه وهو آمن من عاقبة هذه الرجعة، بعد أن خفت الهجمة على موضعه من ميدان القتال.(2)

ص: 50


1- معاوية (موسوعة العقاد): 284/4 .
2- معاوية (موسوعة العقاد): 4 / 284 .

الإفراط في الأكل هواية من هوايات معاوية

جاء في تاريخ الطبري أنه كان يأكل في اليوم سبع مرات بلحم . ويقول: والله ما أشبع وإنما أعيا.(1)

ولم يزل بعد الإمارة يفرط في مأكله من اللحوم والحلوى والفاكهة حتى ترهل وعجز عن القيام طويلاً فكان يخطب على المنبر وهو جالس، وكان أَول مَن جلس في خطبة منبرية . (2)

موائد معاوية الملونة

قال الأحنف بن قيس (3) : دخلتُ على معاوية، فقدّم إليّ من الحلو والحامض ما كثر تعجبي منه، ثم قال: قدّموا ذلك اللون؛ فقدّموا لوناً ما أدري ما هو ؟ فقلت ما هذا؟ فقال: مصارين البط محشوة بالمخ ودهن الفستق قد ذُرَّ عليه السكر !! قال فبكيتُ فقال : ما يبكيك؟ فقلت: الله دَرُّ ابن أبي طالب ! لقد جاد من نفسه بما لم تسمح به أنت ولا غيرك؟ فقال: وكيف؟ قلت: دخلت عليه ليلةً عند إفطاره ، فقال لي: قم فتعش مع الحسن

ص: 51


1- لم نعثر على هذه العبارة في تاريخ الطبري . نعم ذكرها بنصها ابن كثير الدمشقي في كتابه البداية والنهاية : 128/8 ، فراجع.
2- معاوية (موسوعة العقاد): 279/4.
3- أبو بحر الأحنف بن قيس بن معاوية بن حُصَين المرّي السعدي المنقري التميمي (3 ق . ه - 72 ه= 619 - 691 م ): سيد تميم وأحد العظماء الدهاة الفصحاء الشجعان الفاتحين يضرب به المثل في الحلم. ولد في البصرة وأدرك النبي صلی الله علیه وآله وسلم ولم يره. (الأعلام، حرف الألف: 276/1) .

والحسين، ثم قام إلى الصلاة فلما فرغ دعى بجراب مختوم بخاتمه فأخرج منه شعيراً مطحوناً ثم ختمه فقلت: يا أمير المؤمنين! لم أعهدك بخيلاً، فكيف ختمت على هذا الشعير ؟

فقال: لم أختمه بخلاً؛ ولكن خفت أن يبسّه(1) الحسن والحسين بسمن، أو أهالة ! (2)

فقلت: أَحرام هو؟

قال: لا ولكن على أئمة الحق أن يتأسوا بأضعف رعيتهم حالاً في الأكل واللباس ولايتميزون عليهم بشيء لا يقدرون عليه ليراهم الفقير فيرضى عن الله تعالى بما هو فيه، ويراهم الغني فيزداد شكراً وتواضعاً.(3)

الرسول صلی الله علیه وآله وسلم يدعو على معاوية لكثرة أكله

فمن أخبار الإمام أحمد المسندة إلى ابن عباس أنه قال: كنت ألعب مع الغلمان فإذا رسول الله قد جاء فقلت: ما جاءَ إِلّا إليّ، فأختبأت على باب فجاءني فخطاني خطاة، أو خطاتين ثم قال اذهب فادع لي معاوية، وكان يكتب الوحي، فذهبت فدعوته له.

ص: 52


1- البَسُّ : اتخاذ البسيسة وهو أن يُلَتَّ السويق أو الدقيق أو الأقط المطحون بالسمن أو بالزيت ثم يُؤكل ولا يطبخ مختار الصحاح: 21(م/ بسس).
2- الإهالة: ما أذبت من الشحم، وقيل: الإهالة الشحم والزيت، وقيل: كل دهن اوتدم به إهالة. لسان العرب: 255/1م أهل ) .
3- تذكرة الخواص: 118 .

فقيل : (إنَّه يأكل)، فأتيت رسول الله، فقلت: (إنَّه يأكل) فقال : اذهب فادعه، فأتيته الثانية، فقال: (إنَّه يأكل)، فأخبرته فقال في الثالثة لا أشبع الله بطنه.. فما شبع بعدها .(1)

شغف معاوية باللباس الموشى والثياب المزخرفة

يقول العقاد رحمه الله : «وشغف معاوية بالأكسية كما شغف بالأطعمة، فلبس الحرير وتختم بالذهب والجوهر وولع بالثياب المزخرفة والموشاة وتزين بالزينة التي كرهها الإسلام لعامة الرجال فضلاً عن الخلفاء والأمراء.. »(2)

ومما مضى من النصوص التاريخية نستشف ما كان عليه معاوية من البذخ والترف ومناعم الحياة وتسخير ما للدولة من أموال لحياته الخاصة التي كان يدأب في تلوين موائدها بكلّ ما لذ وطاب من أنواع الأطعمة والأشربة والفواكه مما يدل على شغفه وولعه بالطعام واستهتاره بالأكل حتی سقطت أسنانه من أدواء التخمة(3)، كما ذهب ابنه يزيد في عنفوانه بداء لتخمة (داء الجنب)(4) فلم يخلفه.

ص: 53


1- معاوية (موسوعة العقاد) : 4 / 278 - 279 ، عن مسند أحمد: 1/ 291 بتصرف.
2- معاوية (موسوعة العقاد): 279/4 .
3- معاوية (موسوعة العقاد): 323/4.
4- معاوية (موسوعة العقاد 327/4 .

إن ذات الجنب مرض من أمراض الكبد، وأمراض الكبد قضاء حتم على المنهوم بطعامه، والمفرط في شهواته.. (1)

فالخراج والأموال التي تجبى، فتنهال عليه من جميع نواحي البلاد الإسلامية هی ملكه وبستانه وما الناس فيها إلا عامل أو فلاح ليس إلا بقدر ما يعملون ويخدمون، وما هو في هذه الدولة إلا ملك ينعم في ظلالها ويتمتع بخيراتها ويتصرف بمواردها وأموالها كيفما شاء له الهوى من دونما حساب من أحد.

ملك مصان غير مسؤول عمّن يبيت خميص البطن، طاوي الحشا قد أفناه شغف العيش فأضواه البؤس فذهب بماله من رواء..!

فأموال المسلمين هو خازنها، وعنده مفاتيحها، ولا أهمية بعد ذلك للخازن والمفاتيح ؟؟

تلك مشكلة لازالت قائمة في أجزاء من الوطن العربي. فالدولة هي دولة الحكام وليست دولة المواطنين؛ ولو كانت دولة المواطنين لما بقي فيها من إنسان فقير لما في هذه البلدان من خيرات وثروات طبيعية، أودعها الله بطون الأرض، لتكون رافداً ثراً يسعد بها الإنسان وينعم.

ص: 54


1- معاوية (موسوعة العقاد): 328/4 .

البیت الشعری رقم (4) وشرحه

(4)

تِلْكَ البَهارِجُ قَدْ مَضَتْ لِسَبيلِها *** وَبَقيتَ وَحْدَكَ عِبَرَةٌ تَتَجَدَّدُ

البَهْرَج: الباطل. الزينة. الشيء المزيف. جمعه : بهارج.(1)

وَحْدَك . الوَحدة: الانفراد . تقول: رأيته وحده. وهو منصوب عند أهل الكوفة على الظرف وعند أهل البصرة على المصدر. (2)

عِبرةً. العِبرة - بالكسر - معناها الاعتبار بما مضى(3). وهو الاستدلال به على غيره.

البهارج التي أولع بها معاوية

قال عبد الله بن مسعدة: انتقل معاوية من بعض كور الشام - الكورة بوزن صورة المدينة جمعها : كور - إلى بعض عمله، فنزل منزلاً بالشام، فَبُسِطَ له على ظهر إجّار - الإجّار: السطح بلغة الشام- مشرف على

ص: 55


1- ينظر : تاج العروس: 432/5 (م/ بهرج)، المنجد في اللغة: 51 (م/ بهر).
2- مختار الصحاح : 296(م/ وحد).
3- لسان العرب: 18/9(م/ عبر).

الطريق، فأذن لي فقعدت معه، فمرَّت القُطُرات(1) والرَّحائل(2)والجواري والخيول، فقال: يابن مسعدة رحم الله أبا بكر ، لم يُرد الدُّنيا ولم رده الدُّنيا، وأمّا عمر - أو قال ابن حنتمة - فأرادته الدُّنيا ولم يردها. وأمّا عثمان فأصاب مِن الدُّنيا وأَصابَتْ منه، وأما نحن فتمرَّغنا فيها، ثم كأنه ندم فقال: والله إنَّه لملك آتانا الله إياه.(3)

يظهر معاوية في هذا النص التاريخي ملكاً من الملوك، وليس خليفة من الخلفاء، وما لديه من أموال المسلمين ما هي إلُا ملكٌ صرفُ له؛ يتمرغ في نعيمها تمرغاً، ويتقلب على فراشها الوثير تقلباً ناعماً هانئاً.. فليست هي - كما هو مفهوم و معروف - أموال الله أو حقوقاً للمسلمين، تنتظر التوزيع على أصحابها، ومن هم بأشد الحاجة إليها !!

فمعاوية ليس أميناً على خزائنها؛ بل هو مالكها، إن شاء أنفق ووهب.. وإن شاء أمسك ومنع وعاقب بالحرمان..

وقال معاوية: ما من شيء أحبُّ إليَّ مِن عینٍ خرّارة، في أرض خَوَّارة- لينة سهلة-، فقال عمرو بن العاص : ما مِن شيءٍ أَحبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أبيتَ عروساً بعقيلةٍ من عقائل العرب.

ص: 56


1- القُطرات: هي أن تشدُّ الإبلُ على نسق واحداً خَلْفَ واحد. (لسان العرب: 216/11).
2- الرَّحائل : هي مراكب الرجال دون النساء. (لسان العرب: 169/5 ) .
3- تاريخ الطبري 247/4 .

فقال وردان(مولى عمرو بن العاص : مامن شيء أحبُّ إليَّ من الإفضالِ على الإخوانِ !! فقال معاوية: أنا أحقُّ بهذا منكَ. قال: ما تحبُّ فافعل.(1)

وهذا النص - هو الآخر - يُظهر لنا مدى حب معاوية للدنيا ولذائذها وابتعاده عن الأعمال الجليلة وطرق الخير وإسداء المعروف وتطويق ما يستطيع تطويقه من الرقاب بالفضل والإحسان في سبيل الله والمعروف..!

فقصارى ما يتمنى معاوية في حياته عين خرّارة ينبع منها الماء ويتدفق على تراب أرض خوّارة لينفذ من تربتها الماء، لتهتز، ثم لتنبت ما يسرّ النفس ويفرح القلب من كلّ زوج بهيج.

وقد كنّى معاوية بعبارته السابق ذكرها عن المال الوفير الذي سوف تدرّه عليه هذه العين في مثل هذه الأرض؟!

وقد كبر عليه وعنَّ أن يتمنى مولى لعمرو بن العاص ما تكون له به اليد العليا في الحياة.

وهي اليد التي امتدحها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حيث قال فيها: «اليد العليا خير من اليد السفلى» .(2)

وهذه المقولة كناية من كناياته صلی الله علیه و آله وسلم عن اليد التي تنفق وتعطي دائماً حيث تكون هي العليا أثناء العطاء ويد السائل والمحتاج هي السفلى ؟!

ص: 57


1- تاريخ الطبري: 248/4 .
2- مسند أحمد: 4/2 .

ثم أصبحت هذه الكناية مثلاً يتمثل به الناس، تشويقاً وترغيباً إلى عمل الخير.

كتب معاوية إلى عثمان يطلب زيادة عطائه، ويطلب غير ذلك أن يقطعه الأرض التي قتل أصحابها من الروم أو تركوها وهاجروا إلى بلاد غير البلاد المفتوحة من أرض الدولة البيزنطية، وتعلل له بكثرة وفود الأمصار والرسل وأن هذه الضياع المتروكة لا يؤخذ عليها الخراج ولا تحسب من أموال أهل الذمة كما جاء في تاريخ ابن عساكر(1) وكانت هذه الضياع وأمثالها تلحق ببيت المال وينفق منها على المصالح العامة ومعونة المعوزين وذوي الحاجات، فلما أذن له عثمان بزرعها والانتفاع بثمراتها حبسها على نفسه وعلى أهل بيته وخدّامه وأعوانه في سياسته، وعمد إلى كلّ معترض عليه وعلى إنفاقه لهذه الأموال في غير وجوهها. (2)

وكان صوت (أبي ذَرّ) من بين الأصوات التي علت وارتفعت تحذّر الولاة والحكام من اكتناز الذهب والفضة وعدم إنفاقها في سبيل الله« وَالَّذِينَ يَكْذِرُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِیمٍ»[ التوبة/ 34].

ص: 58


1- ينظر: تاريخ مدينة دمشق: 206/2.
2- معاوية (موسوعة العقاد): 287/4 .

يقول الدكتور حسن إبراهيم حسن: «إن جمهور المسلمين كانوا يرون بين الأمويين رجالاً كثيرين لم يعتنقوا الإسلام إلا سعياً وراء مصالحهم الشخصية. ولا غرو فقد كان معاوية يرمي إلى جعل الخلافة ملكاً كسروياً وليس أدل على ذلك من قوله : أنا أول الملوك» .(1)

يقول العقاد: «إن معاوية لم يضيّع عملاً حاضراً في سبيل متعة حاضرة، ولكنه أوشك أن يضيّع الغد كلّه في سبيل اليوم الذي يشهده أو في سبيل العمر الذي يحياه... ألجأته الحاجة إلى إنفاق المال في أبهة الملك والإغداق على الأعوان والخدام إلى إرهاق الرعية بالضرائب ومخالفة العهود مع أصحاب الجزية، فكان من الولاة من يطيعه ومنهم من يجيبه معترضاً كما فعل وردان في مصر حين أمره بذلك فأجابه سائلاً : كيف أزيد عليهم وفي عهدهم أَلا يزاد عليهم ؟ »(2)

«ومن الولاة الذين أنكروا أن تُستصفى الأموال لبيت مال الخليفة والي خراسان الذي كتب إليه زياد يأمره ألا يُقسّم في الناس ذهباً ولا فضة فكتب الوالي إلى زياد: بلغني ما ذكرتَ مِن كتاب أمير المؤمنين وإني وجدت كتاب الله تعالى قبل كتاب أمير المؤمنين وإنه والله لو أن السماء والأرض كانتا رتقاً على عبدٍ ثم اتقى الله جعل له مخرجاً و السلام..

ص: 59


1- تاريخ الإسلام السياسي: 279/1 ، عن تاريخ اليعقوبي: 2/ 232 .
2- معاوية (موسوعة العقاد): 318/4.

وكلّ ما اشتدَّت الحاجة إلى المال اشتدَّ الطلب على الرعية، وعمد بيت المال إلى احتجاز حصة الزكاة من الأعطية لحسبانها في الهبات والهدايا، وفتح هذا الباب على مصراعيه فتوسع فيه كلّ خليفة بعد معاوية حتى جعلوا يحاسبون الناس على (التخمين) ويحصون عليهم ثمراتهم قبل أن تُنبتها الأرض. وتمادى هذا العسف إلى عهد عمر بن عبد العزيز الذي استنكره.

ولم ينته هذا العسف حتى كانت نهايته بداية للخراب وإفلاس الدولة في ختام عهدها فكان إفلاسها هذا -على حين حاجتها إلى مضاعفة المورد- سبباً مِن أسباب التعجيل بزوالها ».(1)

معاوية وأواني الذهب

لم يعد خافياً على أحد من الناس في الشام، أو في غيرها- ما كان يتصف به معاوية من خروج على المألوف من صفات الورع والزهد والتقوى؛ وما يتحلى به الخليفة من مظاهر يستشف منها الالتزام بأحكام الشريعة والحفاظ على مظاهرها المقدسة ليقتدي به الناس في هذا السلوك خاضعين الأوامره ونواهيه في هذا الحكم أو ذاك مقتنعين به، راضين عنه كلّ الرضا. وقد قيل في الأمثال الناس على دين ملوكهم.(2)

ص: 60


1- معاوية (موسوعة العقاد): 318/4
2- ينظر: مجمع الأمثال : 358/2.

كيف يلتزم الناس بأحكام الشرع المقدس ومعاوية كلف بمظاهر الأبّهة والزينة، فكان عظيم العناية بأطايب الخوان(1)، كثير الزهو بالثياب الفاخرة، والحلية الغالية، وكان يأكل ويشرب في آنية الذهب والصحاف المرصعة بالجوهر، ويأنس للسماع واللهو ولا يكتم طربه بين خاصة صحبه».(2)

قصر الخضراء

لا يشك أحد -قديماً وحديثاً- في أن بناء القصور الفخمة التي كان يتمتع بها الخلفاء والولاة والسلاطين والملوك والأمراء، كان على حساب حقوق الرعية. فتلك المبالغ التي صرفت على بناء تلك القلاع المحصنة وتأثيثها وتزيينها؛ لو أنفقت على ذوي الحاجة لأغنتهم عن السؤال وأنقذتهم من الحيرة، ولغيّرت حياتهم من التعاسة والشقاء إلى السعادة والهناء ..!!

ولكن الغرام بأبّهة الملك. والولع بالزهو والتفاخر يأبيان على معاوية وأمثاله أن يسلك كلّ منهم سلوك من يهتم بالرعية أكثر مما يهتم بنفسه !! فهذا معاوية كان لا يبالي أن يتباهى بقصوره، ويباهي بها من يصادفه، ولو كان من الزهّاد المنكرين للترف والسرف وخيلاء الثراء والفخر بالبناء والكساء فلما بنى قصر الخضراء وبلغ من إعجابه بالبناء؛ أن سأل أبا ذر داعية الزهد والكفاف من الرزق: كيف ترى هذا ؟

ص: 61


1- الخوان: بالكسر الذي يُؤكل عليه مُعرَّب. مختار الصحاح: 81 (م/ خون).
2- معاوية (موسوعة العقاد): 317/4.

فسمع منه جواباً كان خليقاً أن يترقّبه لو لم يكن لزهوه بما ابتناه لا يصدّق أن أحداً يراه بغير ما رآه قال أبو ذر : «إن كنتَ بنيته من مال الله فأنتَ من الخائنين، وإن كنتَ بنيته من مالك فأنتَ من المسرفين» .(1)

ص: 62


1- معاوية (موسوعة العقاد): 319/4.

البیت الشعری رقم (5) وشرحه

(5)

هذا ضَرِيحُكَ لَوْ نَظَرْتَ بِبُؤْسِهِ *** لَأَسالَ مَدْمَعَكَ المَصِيرُ الْأَسْوَدُ

هذا. الهاء: للتنبيه. ذا: اسم إشارة ، يُشار به إلى المفرد القريب العاقل وغير العاقل أي إلى الإنسان والحيوان والجماد وهو مبني على السكون أي: لا تظهر عليه الحركات الثلاث.(1)

الضَّريح: الشق في وسط القبر. واللَّحد: الشق في جانبه. والضريح وزانه فعيل. وهو هنا بمعنى مفعول؛ أي مشقوق. قال الأزهري: سميّ ضريحاً؛ لأنه يشقُ في الأرض شقاً. وقيل: الضريح: القبر كله. وقيل: هو قبر بلا لحد. وقد اشتقّ منه فعل؛ حيث قيل: ضرحَ الضريحَ للميت يَضْرَحُهُ -من باب قطع- ضَرْحاً حفر له ضريحاً.(2) وهذا الاشتقاق من باب الاشتقاق من الأعيان.

البؤس : مصدر (بَئِس) - بالكسر - الرجلُ : اشتدّت حاجته، فهو بائس وبئيس، والبؤس الشدّة. الخوف. الفقر(3) ، وابتأس: إذا اكتأب واستكان من الكآبة.(4)

ص: 63


1- ينظر : المنهاج في القواعد والإعراب: 244 (م/ ذا).
2- لسان العرب: 43/8 (م / ضرح ) .
3- لسان العرب: 302/1 (م/ بأس ) .
4- أساس البلاغة: 27 (م/ بأس).

و مما يُستشفّ مِن النصوص اللغوية؛ أن كلمة البؤس لا يوصف بها غير العاقل ( الحيوان والجماد) لذلك جاءت هنا وصفاً للقبر الذليل المستكين على سبيل الاستعارة، ليس إلّا.

المَدْمَع: وزان (مَفْعَل) - بالفتح - : اسم مكان ؛ وفعله : دَمَعَ يَدْمَعُ - من باب (قطع يقطع) فهو مفتوح العين في الماضي والمضارع وهو موضع للدمع ومجراه جمعه مدامع.(1)

المصير: جمعه مصاير : منتهى الأمر وعاقبته(2). وهو مصدر ميمي، مبدلة فيه ياء المضارعة ميماً، وفعله : صارَ يصيرُ صَيْراً ومَصِيراً وصَيْرُورَةً.(3)

الأسوَد: جمعه سود و سودان مؤنثهُ سوداء: ما كان لونه السواد وهو خلاف البياض ، فكلمة أسود: صفة للمصير؛ وهي ليست أفعل تفضيل وإن جاءت على وزنه؛ لأن فعله سَوِدَ، يسوَدُ، سَوَداً: صار أسود - من أفعال الألوان- وهي مما لا يُبنى منها أفعل التفضيل.(4)

استعار الشاعر هذا اللون الأسود - من حقيقته اللغوية ليصف به منتهى القبر الذي انتهى إليه، والعاقبة التي صار إليها صاحبه.

ص: 64


1- المنجد في اللغة 225(م/دمع).
2- المنجد في اللغة: 442 (م/ صار).
3- تاج العروس: 371/12 (م/ صير).
4- ينظر : شرح قطر الندى وبل الصدى: 324 .

البیت الشعری رقم (6) وشرحه

(6)

كُتَلٌ مِنَ التُّرْبِ المَهِينِ بِخِرْبَةٍ *** سَكِرَ الذُّبابُ بِها فَراحَ يُعَرْبِدُ

كُتَل . الكُتلَة : القطعة المجتمعة من الطين ،وغيره جمعها كُتل.(1)

التّرْب- بالفتح- والتُّرْب- بالضم.

التراب وهو الأرض وما نَعُمَ منها جمعه. أترِبة وتِرْبان.(2)

المَهين: - وزان فعيل. وفعيل هنا بمعنى مفعول المهان المحتقر من المهانة وهي الحقارة والصغر.(3)

الخَرِبة : - بالفتح - والخربة - بالكسر - موضع الخراب جمعه خَرِبات وخَرِبٌ وخَرائِب.

وقال سيبويه : فَعِلَة لا تُكسَر لقلّتها في كلامهم.(4)

ص: 65


1- لسان العرب: 29/12 (م/ كتل).
2- المنجد في اللغة 60 (م/ ترب).
3- لسان العرب: 212/13(م/ مهن).
4- تاج العروس: 2/ 340 (م/ ضرب).

سَكِرَ. سَكِر كَفَرِحَ، سُكْراً- بالضم - وسُكُراً - بضمتين - وسَكْراً - بالفتح - وسَكَراً - محركة - وسكراناً- بالتحريك - : نقيض صحا.

السُّكْر حالة تعترض بين المرء وعقله، وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب المسكر ، وقد يكون من غضب وعشق.(1)

الذُّباب. جمعه أَذبَّة، وذبَّان ،وذُبّ ، واحدته : ذبابة: حشرات من ذوات الجناحين، وهي أجناس شتى. كثيراً ما تتغذى بالأوساخ فتنقل الجراثيم والأمراض.(2)

ويطلق الذباب عند العرب على الزنابير والنحل والبعوض.

راح. راحَ يُرُوحُ رَواحاً : جاء وذهب في الرواح. أي العشيّ وعمل فيه. ويستعمل لمطلق الذهاب والمضيّ.(3)

يعربد. العَرْبَدَة: سوء الخُلُق. والمُعَرْبِدُ: مُؤذِي نَديمه في سكره.

ورجل عِربيدٌ، ومُعربِدٌ: شرّير، وهو يُعَرْبِدُ على أصحابه عَرْبَدَة السكران.(4)

ص: 66


1- تاج العروس: 55/12 (م/ سكر).
2- المنجد في اللغة: 233 (م/ ذبّ).
3- المنجد في اللغة: 285 (م/ راح).
4- تاج العروس: 376/8 (م/ عربد).

وتقول : حسب المعربد أن اشتقاقه من العِربد وهو ضرب من الحيّات.(1)

وقول الزمخشري (ت 538 ه) هذا في أساس البلاغة يشير إلى اشتقاق الفعل (عَرْبَدَ ، يُعَرْبد) من أسماء الأعيان العربد:

(حيّة حمراء خبيثة)، وقد أقرَّ هذا الاشتقاق مجمع اللغة العربية بمصر.

وهو تصحيح لما ذهب إليه (الأستاذ محمد كاظم الملكي) في كتابه القيّم معجم حياة الحيوان الحديث المصوّر من أن «العربد أصله الأربد» .(2)

استعار الشاعر الفعل (سَكِرَ) من معناه الحقيقي: (ما يعترض بين المرء وعقله في حالة السكر) الذي يُستعمل للإنسان؛ ليستعمله للذباب؛ الذي فقد حالته الطبيعية لما أصابه في تلك الخَرِبة.

والمرء يتساءل: لماذا راح الذباب في مثل هذه الخَرِبة يعربد فاقداً اتّزانه خارجاً عن طوره المعتاد؟

هل كانت هذه العربدة بدافع الطرب مما يجده من الأوساخ والقمامة التي كان يرتع منها، ويتغذى عليها، ويأنس بمنظرها؟!

أم كانت بدافع الغضب مما أصابه من تلك الرويحات المنبعثة من ذلك الترب المتعفّن مما أثار حفيظته، فأفقده صوابه؛ فراح معربداً كالسكران؟

ص: 67


1- أساس البلاغة: 413 (م/ عربد).
2- معجم حياة الحيوان الحديث المصوَّر : 253/4 .

وعلى كلّ حال، فالعربدة؛ هي الأخرى مستعارة له؛ لأنها موضوعة أصلاً لمن تلعب برأسه الخمرة، فتخرجه عن طوره، فيخيف نديمه بما يظهره من سوءِ خلقٍ وشراسةٍ وأذىً.

والشطر الأخير من البيت كله كناية عمّا حلّ بالقبر من المهانة والاحتقار..

ص: 68

البیت الشعری رقم (7) وشرحه

(7)

خَفِيَتْ مَعَالِمُها على زُوّارِها *** فَكَأَنَّهَا فِي مَجْهَل لا يُقْصَدُ

خَفِيَتْ: استترت من خَفِيَ يَخْفى خَفَاءً وخُفْيَةً(1) . وخَفِيَ عليه الأثر؛ فهو خافٍ وجمعه خفايا. وخفاه كتمه وأظهره فهو من الأضداد.(2)

المعالِم. المَعْلَم - وزان مَفْعَل - : ما يُستدلّ به على الطريق، جمعه معالم. ومعلم الشيء : معهده. يقال خفيت معالم الطريق، أي الأمكنة التي كانت تُعهد فيها الطريق(3)، والعَلَم : ما يُنصب في الطريق ليكون علامة يُهتدى بها .(4)

والمعلَم: اسم مكان مفتوح اللام لأن مضارعه (يَعْلَمُ) الفعل مفتوح اللام وهي عين.

الزّائر: جمعه زوّار، وزُوّر ، وزائرون . مؤنثه زائرة جمعها زُوَّر ، وزَوْر وزائِرات. وفعله زارَهُ، يَزُورُه زيارَةً : أتاه بقصد الالتقاء به.(5)

ص: 69


1- كتاب العين: 313/4 (م/ خفي).
2- مختار الصحاح: 77(م/ خفي).
3- المنجد في اللغة 526(م/علم).
4- كتاب العين: 153/2(م/ علم ).
5- المنجد في اللغة: 310 (م/ زار).

المَجْهَل: المفازة لا أعلام فيها ، أولا يهتدى فيها، جمعه مجاهل .(1) والمَجْهَل اسم مكان وزانه ( مَفْعَل ) بفتح الهاء لأن مضارع فعله (يَجْهَل) مفتوح العين.

أصبح القبر بلا معالم يهتدي بها القاصدون إليه. وكأنَّ قول الشاعر في هذا البيت كناية عن الضياع الناتج عن إهمال التاريخ ونسيانه له، مع أنه كان علماً في حقبة من حقب التاريخ والأعلام تبقى آثارها.

لكن إرادة الله اقتضت أن تعفى المعالم وتختفي ليضيع صاحبها؛ لأنه كان أهون على الله من أن يظل له أثر ؛ وهذا شأن الطغاة الظالمين.

ص: 70


1- المنجد في اللغة: 108 (م/ جهل).

البیت الشعری رقم (8) وشرحه

(8)

وَمَشَى بِها رَكْبُ البِلَى فَجِدَارُها *** عار يكادُ مِنَ الضَّراعَةِ يَسْجُدُ

مشَى. مشَى يمشي - من باب رَمى يَرمي - مشياً وتِمشاءً نقل القدم من مكان إلى مكان بإرادة، سريعاً كان أو بطيئاً(1). وتمشّى ومشى تمشيَةً. وتمشّت فيه حُميا الكأس. وكلّ مستمرّ ،ماشٍ، وإن لم يكن من الحيوان فيقال : قد مشى هذا الأمر .(2)

الرَّكْبُ. جمعه أَرْكُبْ ورُكُوب: رُكبان الإبل أو الخيل وهو اسم جمع وقيل جمع.(3) وفي كتاب العين (أمّا الرُّكبان والأَرْكوب والرَّكب فراكبو الدابة).(4)والركب في الأصل، هو راكب الإبل خاصة، ثم اتسع، فأُطلق على كلّ مَن ركب دابة .(5)

البِلى . البلى مصدر ( بَلِيَ يَبْلَى بِلىً وبَلاءً)، وبَلِي الثوب رَثَّ فهو بالٍ.(6)

الجدار. جمعه جُدْر وجُدُر : الحائِط.(7)

ص: 71


1- المنجد في اللغة: 764 (م/ مشى ) .
2- لسان العرب : 118/13 (م/ مشی ).
3- المنجد في اللغة: 276 (م / ركب).
4- كتاب العين: 363/5 (م / ركب).
5- لسان العرب: 5/ 295 (م / ركب ) .
6- لسان العرب: 500/1 ( م/ بلى ) .
7- المنجد في اللغة: 81 (م/ جدر).

عارٍ: اسم فاعل وفعله (عَرِيَ يَعْرَى) من ثوبه عُرْياً وعُرْيَةً فهو عارٍ وعُرْيان أي خلع ثيابه. والعُرْيَة والعِرْيَة : حالة العُريان(1). والعُرْي خلاف اللَّبْس.

يكاد. كاد يكادُ كَوْداً ومَكادَاً ومَكادَةً : قارب الفعل ولم يفعل، نحو «كادَ يضرب» أي قارب الضرب ولكنه لم يضرب وهو من أفعال المقاربة.(2)

الضّراعة: مصدر (ضَرَعَ يضرعُ) إليه ضراعةً، وضرعاً خضع ،وذل فهو ضارع. وتضرع: تذلَّل وتخشَّع. (3)

یَسْجُدُ: سَجَدَ يَسْجُدُ - بضم الجيم - سجوداً: انحنى ووضع جبهته على الأرض خاضعاً. وبابه (دخل). فهو ساجد، جمعه سُجَّد وسُجُود .(4) في هذا البيت جملة من الاستعارات الموفقة نتبينها فيما يأتي: استعار الشاعر كلمة (الركب) التي تختص بكلّ ما يركب -على سبيل الاتساع - من الحيوانات. استعار هذه الكلمة من معناها الحقيقي إلى كلمة (البِلى) لأن البِلى ليس مما يُركب فهي مجاز فيه وليس بحقيقة. كما استعار للجدار كلمة (عارٍ) و (يكاد) و (الضراعة) و (يسجد) لأنها جميعها مما يتصف بها الإنسان صاحب الإحساس والإدراك والإرادة وليس للجدار من ذلك قسط.

وبعد: فالبيت كلّه يُعدّ كناية من الكنايات البارعة ويُراد من وراء تراكيبه ومفرداته اللغوية ما آل إليه قبر معاوية في تلك الخربة التي شاهدها الشاعر ؛ فرسم حالة بؤسها بريشة متفنن مرهف الإحساس امتزجت ألوانه فرسم بأحاسيسه، فصوّر مالم يدركه غيره من الشعراء!؟

ص: 72


1- لسان العرب: 179/9 (م/ عرا).
2- المنجد في اللغة: 702 (م/كود).
3- لسان العرب: 54/8(م/ ضرع ) .
4- المنجد في اللغة: 321 (م/ سجد).

البیت الشعری رقم (9) وشرحه

(9)

والقُبَّةُ الشَّماءُ نُكْسَ طَرْفُها *** فَكُلِّ جُزءٍ لِلْفَناءِ بِهايَدُ

القُبَّة جمعها قباب - بكسر القاف - وقُبَب - بضمها - : بناءٌ سقفهُ مستدير مقعّر . القبة الخضراء أو الزرقاء : قبة السماء .(1)

الشَّتاء. الشَّمِم : المرتفع. الأَشَمّ مؤنثه : شَاء جمعه شُمّ.(2)

نُكِّسَ نَكَسَ رأسه أماله - گنگس - نكوساً والتشديد للمبالغة.(3) ونكَّسَ رأسه : طأطأه من ذلٍّ .(4)

ونُكِّسَ: فعل ماض مبني للمجهول لذلك هو مضموم الأول مكسور ما قبل الآخر. أي: نَكَّس الإهمال أو النسيان طَرْفَها.

الطَّرْف: حرف الشيء (5)، ومنتهى كلّ شيء.(6)

ص: 73


1- المنجد في اللغة: 604(م / قب).
2- المنجد في اللغة: 400 (م/ شم ) .
3- تاج العروس: 176/16 (م/ نكس ).
4- المنجد في اللغة: 837 (م/ نكس ) .
5- المنجد في اللغة: 464(م/ طرف ) .
6- تاج العروس: 24/ 70 (م/ طرف).

وهذه العبارة (نُكِّس طرفها) كناية عما أصاب هذه القبة من الخراب عبر عصور الإهمال و النسيان؛ حيث أصبحت منهارة الدعائم متداعية الجدران.

ولعلّ فيها معنى من معاني التعريض بقبة القصر الأخضر الذي بناه معاوية وباهى به أبا ذر الغفاري وغيره وأن تلك القبة الشماء أبدلت بهذه القبة الخربة التي نكّس طرفها وقمتها حتى أصبح أعلاها أسفلها بعد أن استهان بها الزمان بل الله استهان بها لحقارة صاحبها عنده.

كلّ. لفظ كلٍّ لِضمِّ أجزاء الشيء، وذلك ضربان: أحدهما: الضّامُّ لذات الشيء وأحواله المختصة به ويفيد معنى التمام.

والثاني: الضّامُّ للذوات، وذلك يضاف تارةً إلى جمع معرّف بالإلف واللام (كلّ القوم) أو إلى نكرة مفردة «وَكلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ» [الإسراء/ 13].

ولم يرد في شيء من القرآن ولا في شيء من كلام الفصحاء (الكلّ) بالألف واللام وانما ذلك شيء يجري..(1)

الجزء - بضم الجيم - النصيب والقطعة من الشيء. جزء الشيء ما يتقوَّم به جملته، كأجزاء السفينة، وأجزاء البيت . (2)

ص: 74


1- المفردات في غريب القرآن: 437 (م /كل).
2- تاج العروس: 1/ 174 (م/ جزأ).

الفَناء. الفَناء (مصدر) : خلاف البقاء الهلاك. وفعله (فَني، يفنى : عَدِم وهلك).(1)

اليَد: الكَفُّ، أو من أطراف الأصابع إلى الكتف، واليَدُ مؤنثة ولامها محذوفة. والأصل: يَدي. مثناها : يدان. والجمع : أَيدي، ويُدِي مثل ( عُصِي) بضم العين وكسرها. وجمع الجمع: أيادي. ومعنى اليد: القوّة. وأكثر استعمال الأيادي بمعنى النِعم.(2)

استعار الشاعر كلمة (اليد) من معناها الحقيقي، إلى (الفَناء) ليكون تأثيره أكثر فعالية وأبلغ تخريباً. فصوّر لنا في هذا البيت البليغ تلك القبة التي هزّتها عواصف الزمن وكأن المعاول والفؤوس قائمة عليها - في كلّ طرف من أطرافها- تعبث بها هدماً وتخريباً؛ لتحيلها إلى أنقاض، يعتبر بها المعتبرون في كلّ جيل وعصر !! لأنها لم تبن على أسس من الإيمان والتقوى، وهل العاقبة في الدنيا إلّا للمتقين ؟!

ص: 75


1- المنجد في اللغة: 597 (م/ فني).
2- مختار الصحاح 309 ( م / يدي) .

ص: 76

البیت الشعری رقم (10) وشرحه

(10)

تَهْمِي السَّحَائِبُ مِنْ خِلالِ سُقُوفِها *** والرِّيحُ فِي جَنَباتِها نَتَرَدَدُ

تَهْمِي: همی يهمي - باب رمى يرمي - الماء: سال لا يثنيه شيء.(1)

السَّحائِبُ : السَّحاب جمعه ،سُحُب، والواحدة سَحَابة جمعها سَحَائِب : الغيم .(2)

مِنْ خِلال: الخَلَل : الفُرْجَة بين الشَّيئين والجمع خِلال(3)، كَخَلَلِ الدار والسحاب، والرَّماد وغيرها. وفي القرآن: «فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ »[النور/ 45]

وقوله تعالى: «فَجَاسُواْ خِلالَ الدِّيَارِ» [الإسراء/ 5]

قال الشاعر: (أرَى خَلَلَ الرَّمَادِ وَمِيضَ جَمْرٍ ) (4).(5)

وخلال ظرف من الظروف المكانية كما في الآية، وخلال الديار بمعنى وسط الديار.

ص: 77


1- المنجد في اللغة: 874 (م/ همي ) .
2- المنجد في اللغة: 323 (م/ سحب ) .
3- المصباح المنير : 246(م /خلّ).
4- هذا صدر لبيت شعري عجزه ( ويوشك أن يكون له ضرام)، وهو للشاعر نصر بن سيّار الكناني. (ينظر ديوان نصر بن سيّار الكناني 40)
5- المفردات في غريب القرآن: 153 (م/ خلّ ).

السَّقْف: السَّقْف من البيت جمعه سقوف: أعلاه مقابلاً لأرضه. ويُجمع على سُقُف.(1)

الرِّيح: الريح جمعه أرياح وأرواح ورياح ورِيَح وجمع الجمع أراويح. وأراييح الهواء نسيم كلّ شيء وهي مؤنثة.(2) الريح: معروف وهي: الهواء المتحرك. وعامة المواضع التي ذكر الله تعالى فيها إرسال الريح بلفظ الواحد فعبارة عن العذاب، وكل موضع ذكر فيه بلفظ الجمع فعبارة عن الرحمة ..(3)

جَنَباتُ: جَنَبَةُ الوادي: جانبه وناحيته. وهي بفتح النون والجمع جنبات.(4)

تتردَّدُ: أي تتكرر فهي تذهب وتجيء كالحائرة.(5)

في هذا البيت صورة شعرية جميلة جسّد الشاعر معانيها تجسيداً لأنَّك ترى المطر رؤيا العين شاخصاً أمامك ينزل من خلال شقوق هذه القبة وتصدّع ذلك السقف المتداعي الذي يكاد أن ينهار بين الفينة والأخرى !!

وهذه هي الريح تصفق بأبواب خربة ذلك القبر البائس، حتى كأَنك تسمع صوتها من بعيد وبعد؛ فالبيت يكاد أن يكون لوحة فنية، منسجمة الألوان، بديعة التصميم، لما له من ألفاظ مناسبة، ومعانٍ متوائمة، تحكي لنا عاقبة تلك القبة.

ص: 78


1- المنجد في اللغة: 340 (م/ سقف ).
2- المنجد في اللغة: 285 (م/ راح ) .
3- المفردات في غريب القرآن: 206 (م/ روح ) .
4- لسان العرب: 2/ 375 (م/ جنب ) .
5- أساس البلاغة: 227 (حرف الراء).

البیت الشعری رقم (11) وشرحه

(11)

حتى المُصَلَّى مُظْلِم فَكَأَنَّهُ *** مُذْ كانَ لَمْ يَجْتَزْ بِهِ مُتَعَبِّدُ

حتّى: حرف ابتداء، والكلام بعدها؛ مستأنف، فهو : مبتدأ وخبر.(1)

المُصَلّى: اسم مكان -معناه الذي تحدث فيه الصلاة- مصاغ على وزن فعله المضارع - يصليّ - مع أبدال حرف المضارعة مياً مضمومة، وفتح ما قبل الآخر.

مُظْلِمُ: اسم فاعل مصاغ من الفعل المضارع (يُظْلِمُ) مع إبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة، وكسر ما قبل الآخر فهو مظلم لا نور فيه.

مذ: ظرف مبني على السكون منصوب محلاً، مضاف إلى الجملة الفعليّة بعده.(2)

لم يجتز به: لم يمرَّ به من اجتاز بالمكان مرَّ به.(3)

وأصل (لم يجتز) لم يجتاز ، فلما سُكِّن الفعل للجازم؛ التقي ساكنان، الزاي والألف فحذف الألف لأنه حرف علة.

ص: 79


1- الجنى الداني في حروف المعاني: 504 .
2- مغني اللبيب: 442/1 .
3- المنجد في اللغة: 109 (م/ جاز ) .

مُتَعَبِّدُ . المتعبّد : المنفرد للعبادة والمتنسّك .(1)

والمتعبّد : اسم فاعل مصاغ على وزن فعله المضارع (يتعبَّد) مع إبدال حرف المضارعة ميما مضمومة، وكسر ما قبل الآخر.

خصَّ الشاعر (المصلّى) بالظلام دون بقية أجزاء المكان؛ لأن المصلّى مما يهتم به لأنه محراب الصلاة ، فإذا كان هو مظلماً ، فمن باب أولى أن المكان كلّه مظلم لا نور فيه. ومن قارن بين قبر معاوية وقبر حفيده معاوية بن يزيد بن معاوية، رأى أنَّ الفرق كبير وكبير جداً - وكلاهما في الشام - لأن حفيده قد تعلّق بأهل بيت النبوة علهیم السلام وأحبهم وبكى من أجل مظلوميّتهم بينما جدّه معاوية تخلّى عنهم، بل وظلمهم.

ص: 80


1- المنجد في اللغة: 483(م عبد).

البیت الشعری رقم (12) وشرحه

(12)

أأبا يزيدَ لَتِلكَ حِكمَةُ خَالِقٍ *** تُملى على قلب الحكيم فَيَرْشُدُ

أَ: هذه الألف، تسمى الألف المفردة، ينادى بها القريب، فهي حرف نداء.(1)

أبا: منادى مضاف، علامة نصبه الألف لأنه من الأسماء الخمسة. وكلمة (أبا) كناية عن اسم الشخص. والكناية: مابُدىء بأب وأم .

يزيدَ: مضاف إليه علامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعَلَمية ووزن الفعل، لأنه في الأصل فعل مضارع من (زاد يزيد).

ويزيد هو ابن معاوية الذي أخذ له البيعة من المسلمين جبراً بحدّ السيف فسلّطه على رقاب الأشراف من الناس، فلم يلبث أن جاء بالفضائح والفضائع فكان من ذلك قتل الحسين علیه السلام ريحانة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ومن ذلک رمي الكعبة وتهديمها، وختم سنينه الثلاث بإباحة المدينة وقتل خيرة أصحاب رسول الله صل الله علیه وآله و سلم من المهاجرين والأنصار ...!؟

ص: 81


1- مغني اللبيب: 1/ 17.

لتلكَ: اللام في هذه الكلمة للتوكيد، وتلك: اسم إشارة. يستعمل للبعيد المؤنث مفرداً وجمعاً وعاقلاً وغير عاقل.

حكمة. الحكمة: مرجعها إلى العدل والعلم والحلم (1) والحكمة: إصابةُ الحقِّ بالعلم والعقل فالحِكْمَةُ مِنَ الله تعالى: معرفةُ الأشياء وإيجادُها على غايةِ الإحكام، ومِنَ الإنسان مَعْرِفَةُ الموجداتِ وفعلُ الخَيرات.(2)

خالق. الخالق: اسم فاعل مشتق من الفعل الثلاثي (خلَقَ يخلُق - من باب نَصَرَ يَنصُر - ) ومعنى خلقه ابتدأه وأوجده وأبدعه من العدم.(3)

تُجلَى: فعل مضارع مبني للمجهول. وهو من الفعل (جلا يجلو ، جلواً وجلاءً) بمعنى (ظهر وانكشف) وجلية الأمر: ما ظهر من حقيقته. الخبر اليقين.(4)

فَيَرْشُدُ. يَرْشُدُ: فعل مضارع مبني للمعلوم. اشتقاقه من (رَشَدَ يَرْشُدُ - باب نَصَر يَنصُر -) فهو مضموم العين ( يعني حرف الشين). وقد ورد من باب (فَرِحَ يفرَحُ) أي مكسور العين في الماضي، مفتوحها في المضارع. ومصدره رُشداً ورَشاداً. ومعناه: اهتدى واستقام .(5)

ص: 82


1- كتاب العين : 3 / 66 (م/ حكم ) .
2- المفردات في غريب القرآن : 127 (م/ حكم).
3- المنجد في اللغة: 193 (م/ خلق).
4- المنجد في اللغة : 99 (م/ جلى). وينظر : المصباح المنير : 146/1 (م/ جلا).
5- المنجد في اللغة : 261(م/ رشد).

البیت الشعری رقم (13) وشرحه

(13)

أَرَأَيْتَ عاقبة الجموح ونَزْوَةٍ *** أَودى بِلُبّكَ غَيُّها المُتَرَصِّدُ

أَرأَيْتَ الراء والهمزة والياء أصل يدل على نظ-ر وإبصار بعين أو : بصيرة (1) . وقد تترك الهمزة للتخفيف في الماضي والمضارع؛ فيكون الفعل بغير همزة (أرى ، يرى). والرؤية بالعين تتعدّى إلى مفعول واحد، وبمعنى العلم تتعدّى إلى مفعولين. (2) والمراد بها هنا رؤية العين.

عاقبة : عَاقَبَةُ كُلَّ شَيء آخِرُهُ (3) والعُقْبُ- بالضم- والعُقُبُ - بضمتين- مثل؛ عُسْر وعُسُر : العاقبة. ومنه قوله تعالى: خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً [الكهف/ 44] أي عاقبة .(4)

الجُمُوح : جَمَحَ الرجل : إذا ركب هواه وأسرع إلى الشيء فلم يمكن ردُّه فهو: (جَمُوح) تشبيهاً له بالجَموح من الخيل الذي يتغلّب على راكبه ويذهب به لاينثني .(5) والجُموحُ: مصدر.

ونزْوَةٍ. النزوةُ: الوَثبةُ. وهي مصدر (نَزا، يَنْزو، نَزْوَا، نُزُوّاً ، ونَزَواناً)(6)

ص: 83


1- معجم مقاييس اللغة: 472/2(م/ رأي).
2- مختار الصحاح: 96 (م/ رأى ) .
3- مختار الصحاح : 186 (م/ عقب).
4- تاج العروس: 396/3(م/ عقب).
5- المنجد في اللغة: 100(م/ جمح ).
6- المنجد في اللغة: 803 (م/ نزو).

أَودى: هلك. وأودى به، أو بالشيء: ذهب به، واشتقاقه من: وَدَى يدي. (1)

بلبّك. اللُّبُّ جمعه أَلباب وأَلبّ ، وأَلْبُب: خالصُ كلّ شيء. العقل، الخالص من الشوائب، أو ما ذكا من العقل، فكلّ لُبِّ عقلٌ ولا يعكس.(2)

غَيُّها الغَيّ: الضَّلال والخيبة وفعله: (غَوَى يَغْوِي - بالكسر - غَيّاً. وغَوِي يَغْوَى غَوَايَةٌ - بالفتح - : ضلَّ وخاب).(3)

المترصد : اسم فاعل مشتق من الفعل الرباعي: (تَرَصَّد) أي يترقّب والراصد والمترصد للشيء : المترقّب له. (4)

في هذا البيت يخاطب الشاعر معاوية (بروحه) لا بجسده؛ فيسأله؛ كيف وجد عُقبى ذلك الهوى، وآخر ذلك الطيش ؟ كيف وجد تلك الوثبات المتسرعة على الحق الواضح الصُراح ؟؟ أين كان عقله الخالص من الضلال الذي كان ينصب له شراكه ؛ كما ينصب الصياد شباكه للطير حتى إذا تعامى عن رؤيتها؛ سقط فيها فأطبقت عليه كذلك هو مثل معاوية في مضرب الأمثال، فقد كان يتعامى عن رؤية عليّ علیه السلام وحقه في الحكم، فكان الغيّ يترصّده ترصّداً حتى إذا وقع في شباكه أطبق عليه فأهلكه لخروجه على بيعة شرعية كانت قد عُقدت من قبل علية القوم وجُلُّ المسلمين من المهاجرين والأنصار !؟

ص: 84


1- لسان العرب: 259/15 (م/ ودي).
2- المنجد في اللغة : 709 (م/ لبّ).
3- المنجد في اللغة: 563 (م/ غوي).
4- مختار الصحاح : 103 (م/ رصد).

البیت الشعری رقم (14) وشرحه

(14)

أَغرتك بالدُّنيا فرحْتَ تشنُّها *** حرباً على الحق الصراح وتُوقِدُ

أغرتكَ : أَغْرَاه بكذا: حضَّهُ عليه(1) . أي حمله عليه وحثَّهُ، وأغراه بالدنيا جعله مولعاً بها .(2)

الدُّنيا: سبق شرحها .

فَرُحْتَ: راحَ، يَرُوحُ رَوَاحاً : جاءَ أو ذهب في الرواح، أي العشيّ، وعمل فيه. ويستعمل لمطلق الذهاب والمضيّ .(3)

تشنُّها: شَنَّ ، يَشُنُّ على الحيّ الغارة: صَبَّها، وبَيَّها وفَرَّقَها من كل وجه. وفي الحديث: أنه أمره أَن يَشُنَّ الغارة على بني الملوّح(4)أي يفرقها عليهم من جميع جهاتهم.(5)

حَرْباً. الحَرْبُ : المقاتلة والمنازلة جمعه حروب. مؤنثةً وقد تذكّر. (والحرب) مصدر حَرَبَ يَحْرُبُ - باب نَصَرَ حرباً نقيض السِلْم. (6)

پ

ص: 85


1- المنجد في اللغة 550(م/غرو).
2- لسان العرب: 62/10م / غرا ) .
3- المنجد في اللغة: 285 (م/ راح).
4- النهاية في غريب الحديث: 507/2.
5- لسان العرب: 219/7 (م/شنن).
6- لسان العرب : 99/3 - 100 (م / حرب).

إنما نصبت كلمة (الحرب) في البيت لأنها تمييز (مفسر (النسبة )(1)

الحَق: ضدّ الباطل، وهو مصدر حَقَّ يَحُقُّ - باب نصر - الأمرُ : ثبت ووجب جمعه حقوق (2)

الصراح : الصُّراح بالضم والفتح والكسر : الخالص من كلّ شيء وهو (مصدر) الفعل (صارح)(3)

تُوقِدُ: فعل مضارع - باب وعد أي مكسور العين في المضارع- وماضيه ثلاثي مزيد (أو قد يوقد) النار أشعلها.(4) والفعل توقد، مستعار(5)من معناه؛ لأنه موضوع أصلاً للنار ، إلا أن الشاعر استعاره للحرب، لوجود الشبه والعلاقة بينهما. فالنار تقضي على الحياة بعد أن تحيلها إلى رماد؛ هي الحرب تقضي على الحياة بعد أن تحيل شيبها وشبابها إلى جثث هامدة لاحراك بها !

لقد شنّ معاوية حرب (صفّين) المأساوية في التاريخ الإسلامي، على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام، متذرّعاً في هذه الحرب الطاحنة - التي كادت أن تأتي على الجيشين وخيرة المقاتلين المسلمين - بدم عثمان وهو يعلم علم اليقين ببراءة أمير المؤمنين من ذلك براءة الحق من الباطل !؟

ص: 86


1- ومفسر النسبة على قسمين محوّل وغير محوّل . والأول على ثلاثة أقسام وهنا- حرباً من المحوّل عن المفعول (ينظرشرح قطر الندى وبل الصدى: 241).
2- المنجد في اللغة: 144 (م/ حق).
3- المنجد في اللغة: 421(م/ صرح ) .
4- المنجد في اللغة: 912 (م/ وقد).
5- المصباح المنير : 2/ 920 (م/ وقد ) .

ولكن ماذا يصنع معاوية ولم يكن له سواها من وسيلة يلجأ إليها لتبرير هذه الحرب الضروس، وتمريرها !؟

وهذا عمرو بن العاص وزيره وشريكه في هذه الحرب، وفي كلّ أمر حُبكَت به الخلافة لمعاوية، يشهد الله شهادة حق - قبل أن يتورّط مع معاوية في شؤون الخلافة - بأن أمير المؤمنين عليّا علیه السلام كان أبعد ما يكون عن هذه التهمة، بل هي كذب وتلفيق محض ! لايراد منه إلّا التمويه والخداع لغاية في نفس مدّعيها؟

وإن شئت أيها القارئ الكريم أن تقف على مقولة (عمرو بن العاص) التي جسّد فيها افتراء ،معاوية، فهاكها في (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي: قال عمرو بن العاص في رسالة بعث بها إلى معاوية «وأما قولك: إن أمير المؤمنين أشلى(1) الصحابة على قتل عثمان فهو كذب وزور وغواية !! ويحك يا معاوية ؟ أما علمت أن أبا الحسن بذل نفسه الله تعالى ... »(2)

وإليك أيها القارئ العزيز، اعترافاً آخر ببراءة عليّ أدلى به صحابي كبير، ذلك هو عمار بن ياسر، حيث يقول - وهو يحمل على عمرو بن العاص في يوم من أيام صفّين بعد أن اشتراه معاوية بمصر -: «ويحك ياعمرو بعت دينك بمصر. تَبَّاً لك طالما بغيت في الإسلام عوجاً والله ما قصدك وقصد عدوّ الله ابن عدو الله بالتعلّل بدم عثمان إلّا الدنيا ..!؟»(3)

ص: 87


1- أشلى : من أشلى الكلب على الصيد، أي أرسله لسان العرب: 18/7 (م/ شلا).
2- تذكرة الخواص: 93 .
3- تذكرة الخواص: 99.

تضليل معاوية لشرحبيل

هاك أيها القارئ الكريم تضليلاً عجيباً من مفتريات معاوية موّه به على قائد شامي مغفّل، وخلاصة قصته ما ذكره نصر بن مزاحم المنقري (ت قبل سنة 170 ه) في كتاب ( وقعة صفّين) وهذا نصه : كتب معاوية إلى شرحبيل «إن جرير بن عبد الله قدم علينا من عند عليّ بن طالب بأمر فضيع، فاقدم».

ودعا معاوية يزيد بن أسد، وبسر بن أرطاة، وعمرو بن سفيان، ومخارق بن الحارث الزبيدي، وحمزة بن مالك، وحابس ابن سعد الطائي - وهؤلاء رؤوس قحطان واليمن، وكانوا ثقات معاوية وخاصَّته- وبني عَمّ شرحبيل بن السمط، فأمرهم أن يَلْقَوه ويخبروه أن علياً قتل عثمان. فلما قَدِم كتاب معاوية على شرحبيل وهو بحمص استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه، فقام إليه عبد الرحمن بن غَنْم الأزدي، وهو صاحب معاذ بن جبل وختنه، وكان أفقه أهل الشام فقال : ياشر حبيل بن السمط، إنَّ الله لم يزل يزيدك خيراً مُذْ هاجرت إلى اليوم، وإنَّه لا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من الناس ولا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، إِنّه قد قد أُلْقِيَ إِلينا قتل عثمان، وأن علياً قتل عثمان، فإن يك قتله فقد بايعه المهاجرون والأنصار ، وهم الحكّام على الناس، وإن لم يكن قتله فعلام تصدِّق معاوية عليه؟ لا تُهلك نفسك وقومَك. فإن كرهت أن يذهب بَحظِّها جرير فسر إلى عليّ فبايعه على شامك وقومك. فأبى شرحبيل إِلَّا أن يسير إلى معاوية، فبعث إليه عياض الثمالي، وكان ناسكاً:

ص: 88

يا شُرْحُ يابنَ السَّمط إنك بالغٌ *** بِوُدِّ علىٍّ ما تريدُ مِنَ الأمرِ

وياشُرحُ إِنَّ الشّامَ شامك مابِها *** سِواکَ فدع قولَ المظلَّل مِن فهرِ

فإِنَّ ابنَ حرب ناصبٌ لكَ خُدْعَةً تكون علينا مثل راغيةِ البَكْرِ

فإن نال ما يرجو بنا كان مُلْكُنا هنيئاً ل-ه، والحرب قاصمة الظهر

فلا تبغين حرب العراق فإنها *** تحرِّم أطهارَ النِّساء من الذُّعر

وإن عليّاً خير من وطيء الحصى *** من الهاشميين المداريك للوِترِ

له في رقاب الناس عهدٌ وذمةٌ *** كعهد أبي حفص وعهد أبي بكر

فبايع ولا ترجع على العقب كافراً *** أعيذُك بالله العزيز من الكُفْرِ

ولا تسمعن قول الطغام فإنما *** يُريدون أن يُلقوكَ في لُجَّةِ البَحْرِ

وماذا عليهم أن تطاعن دونهم *** عليّاً بأطرافِ المثقَّفة السُّمر

فإن غلبوا كانوا علينا أئمةً *** وكنَّا بحمد الله من ولد الظَّهر

وإن غلبوا لم يَصْلَ بالحرب غيرنا *** وكان على حربنا آخرَ الدَّهر

يهون على عُليا لؤي بن غالب *** دِماء بني قحطان في ملكهم تجري

فدع عنك عثمان بن عفان إننا، *** لك الخير، لاندري وإنك لا تدري

على أي حال كان مصرع جنبه *** فلا تسمعن قول الأعيور أو عمرو(1)

ص: 89


1- وقعة صفين : 46-46 .

وفي حديث محمد بن عبيد الله الجرجاني قال : لمّا قدم شرحبيل على معاوية تلقّاه الناس فأعظموه، ودخل على معاوية فتكلّم معاوية فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ياشرحبيل، إن جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة عليّ، وعليّ خير الناس لولا أنه قتل عثمان بن عفان [ وقد ] حبستُ نفسي عليك، وإنما أنا رجل من أهل الشام أرضى ما رَضُوا، وأكرَهُ ماكرهوا. فقال شرحبيل : أخرجُ فأنظر. فخرج فلقيه هؤلاء النفر الموطَّؤون له، فكلّهم يخبره بأن عليّاً قتل عثمان بن عفان، فخرج مغضباً إلى معاوية فقال: يا معاوية، أبى الناس إلّا أن عليّاً قتل عثمان ووالله لئن بايعت له لنخرجنّك من الشام أو لنقتلنّك.

قال معاوية: ما كنتُ لأخالف عليكم، وما أنا إلّا رجل من أهل الشام. :قال فردَّ هذا الرجل إلى صاحبه إذن . قال : فعرف معاوية أن شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق، وأن الشام كلّه مع شرحبيل. فخرج شرحبيل فأتى حصين بن نمير فقال : ابعث إلى جرير [فليأتنا] فبعث إليه حصين: أن زرنا، فإن عندنا شرحبيل بن السمط. فاجتمعا عنده فتكلّم شرحبيل. فقال : ياجرير، أتيتنا بأمر مُلَفَّف لتُلقينا في لهوات الأسد، وأردت أن تخلط الشام بالعراق، وأطرأت عليّاً وهو قاتل عثمان، والله سائلكَ عَمّا قلتَ يوم القيامة. فأقبل عليه جرير :فقال يا شرحبيل، أما قولك إني جئت بأمر مُلَفَّف فكيف يكون أمراً مُلَفَّفاً وقد اجتمع عليه المهاجرون والأنصار، وقوتل على ردّه طلحة والزبير. وأما قولك إني ألقيتك في لَهَوات الأسد ففي

ص: 90

لَهَواتها ألقيتَ نفسك. وأمّا خلط العراق بالشام فخلطهما على حقٍ خيرٌ من فرقتهما على باطل، وأمّا قولك : (إن عليّاً قتل عثمان) فو الله ما في يديك من ذلك إلّا القذف بالغيب من مكان بعيد، ولكنك ملت إلى الدنيا، وشيء كان في نفسك على زمن سعد بن أبي وقاص.

فبلغ معاوية قول الرجلين فبعث إلى جرير فزجره..

وكتب جرير إلى شرحبيل :

شرحبیل يا ابن السمط لا تتبع الهوى *** فمالك في الدنيا من الدين من بدل

وقل لابن حرب مالك اليوم حرمة *** تروم بها ما دُمت، فاقطع له الأمل

شرحبيل إن الحق قد جدَّ جدُّهُ *** وإنك مأمون الأديم من النَّغَل

فأرود ولا تفرط بشيء نخافه *** عليك ولا تعجل فلا خير في العجل

ولاتك كالمجري إلى شرّ غاية *** فقد خُرِقَ السربالُ واستنوق الجمل

وقال ابن هند في عليّ عضيهةً *** والله في صدر ابن أبي طالب أجل

وما لعلي في ابن عفان سقطةٌ *** بأمرٍ، ولا جلب عليه، ولا قتل

وما كان إلا لازماً قعر بيته *** إلى أن أتى عثمان في بيته الأجل

فمن قال قولاً غير هذا فحسبه *** من الزور والبهتان قول الذي احتمل

وصي رسول الله من دون أهله *** وفارسه الأولى به يُضرَبُ المثل

فلما قرأ شرحبيل الكتاب ذُعِرَ وفكّر، وقال: هذه نصيحةٌ لي في ديني ودنياي [و] لا والله لا أعجل في هذا الأمر بشيء وفي نفسي منه حاجة.

ص: 91

فاستتر له القوم، ولَفَّقَ له معاوية الرجال يدخلون إليه ويخرجون، ويعظمون عنده قتل عثمان ويرمون به عليّاً، ويقيمون الشهادة الباطلة والكتب المختلفة، حتّى أعادوا رأيه، وشحذوا عزمه، وبلغ ذلك قومه فبعث ابن أخت له من بارق - وكان رأى عليّ بن أبي طالب فبايعه بعد وكان ممن لحق من أهل الشام، وكان ناسكاً- فقال:

لعمر أبي الأشقى ابن هند لقد رمى *** شرحبيل بالسهم الذي هو قاتله

ولفَّف قوماً يسحبون ذيولهم *** جميعاً وأولى الناس بالذنب فاعله

فألقى يمانياً ضعيفاً نُخاعَهُ *** إلى كلّ ما يهوون تُحدى رواحِله

فطأطالهالمارموه بثقلها *** ولا يرزق التقوى من الله خاذله

ليأكل دنيا لابن هند بدينه *** ألا وابن هند قبل ذلك آكله

وقالوا عليّ في ابن عفان خدعةً *** ودبت إليه بالشنان غوائله

ولا والذي أرسى ثبيراً مكانه *** لقد كُفّ عنه كَفُّه ووسائله

وما كان إلا من صحاب محمدٍ *** وكلّهم تغلي عليه مراجله»(1)

هذا مقتضب من النصوص التاريخية؛ تركنا الخوض في تفاصيلها حذراً من الملل. ومنها نعرف كيف ضلّل (معاوية) قائد أهل الشام وزعيمها المطاع (شرحبيل) بعد أن تلاعب بعقله، وزوّق له الأباطيل بشهادة أهل الزور والبهتان من اشترى منهم ذممهم وأغرى بالدنيا نفوسهم، فمالوا عن الحق الصراح!

ص: 92


1- وقعة صفين : 49 - 50 .

فبهم قامت الحرب، وخفقت أعلامها، ورفعت مصاحفها، فكانت خاتمة مطافها، أن أطيح بخلافة شرعية قامت على رضاً من المهاجرين والأنصار، واختيار صريح من أهل الحلّ والعقد.

ومما قاله الإمام عليّ ابن ابي طالب في ذلك : «وبَسَطتُم يَدي فَكَفَفْتُها، ومَدَدْتموها فقبضتها، ثم تداكَكْتُمْ عليَّ تَدَاكَ الإبل الهيم على حياضها يومَ وُرُودِها، حتى انْقَطَعَتِ النَّعْلُ، وسَقَطَ الرِّداءُ، وَوُطِئَ الضَّعِيفُ، وبلغ من سرورِ النَّاسِ بِبَيْعَتِهِمْ إِيَّايَ أَنْ ابْتَهَجَ بِها الصَّغيرُ ، وهَدَج - مشى مرتعشاً- إليها الكبير، وتحامل نحوَها العَليلُ، وحَسَرَتْ إِليها الكِعاب(1)»(2)

بهذه الكلمات يرسم لنا الإمام عليّ علیه السلام - في نهج البلاغة - الصورة التي كانت عليها بيعة الناس له، وكيف خَفَّ الناس إليها مبتهجين بها، فرحين ببزوغها بعد غياب طويل ! فلم يشذّ عنها سوى معاوية، ومن أغواه بزخرف الدنيا وبهرجها؛ فتخلّف عنها ضالاً، وخرج عليها ظالماً، حسداً منه، وبغضاً لأمير المؤمنين، بل ارتداداً عن محجّة الإيمان، وبيضة الإسلام، ونور اليقين والصراط المستقيم، والبحر الخضم العليم، عيبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم و باب مدينة ،علمه من بات على فراشه ففداه بنفسه، وحمل راية كفاحه، فكان رمز الفداء والتضحية في حياته ؟

ص: 93


1- الكعاب - كسحاب - الجارية حين يبدو ثديها للنهود وهي الكاعب . و(حسرت) أي: كشفت عن وجهها متوجهة إلى البيعة لتعقدها بلا استحياء لشدة الرغبة والحرص على إتمام الأمر لأمير المؤمنين. والغرض من الكلام الاحتجاج على المخالفين بأن الأمة بايعته مختارة.
2- نهج البلاغة: 378 .

إغواء معاوية عمرو بن العاص

هذه صورة أخرى من صور التضليل - التي كان معاوية يخطّط لها - علقت بشراكها رِجْلُ عمرو بن العاص ؛ فلم يستطع منها انفلاتاً فسقط في فَخَّ معاوية فكان عوناً من أعوانه، وشريكاً له في ما حاك ونسج من مفتريات وأكاذيب بها ضلّل الناس؛ فجنّدهم لحرب أمير المؤمنين في صفّين. وإليك أيها القارئ الكريم بعض ما كتب عنها في السِّير والتاريخ:

ذكر العلامة سبط ابن الجوزي (ت 654ه) المالكي الحنفي في كتابه (تذكرة الخواص):

قال أهل السِّيَر : لما حصر عثمان خرج عمرو بن العاص إلى الشام فنزل فلسطين وكان يؤلّب على عثمان لانحرافه عنه، فإنه لما ولي الخلافة لم يلتفت إلى عمرو ولا ولّاه وعزله عن مصر؛ فأقام بفلسطين حتى قتل عثمان. فقيل لمعاوية : إنه لا يتمّ لك الأمر إلا بعمرو بن العاص فإنّه دويهية العرب، فكتب إليه يستدعيه إليه ويستنطقه(1) فكتب إليه عمرو: أما بعد فإني قرأت كتابك وفهمته؛ فامّا ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي والتهون معك في الضلالة، وإعانتي إياك على الباطل واختراط السيف في وجه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وهو أخو رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم و وليّه و وصيه و وارثه وقاضي دينه ومنجز وعده وصهره على ابنته سيدة نساء

ص: 94


1- وفي نسخة : ( ويعده المواعيد إن هو وافقه على قتال أمير المؤمنين ويذكر ما جرى على عثمان)، ينظر: تذكرة الخواص: 92 الهامش.

العالمين وأبو السبطين الحسن الحسين سيدي شباب أهل الجنة. وأما قولك إنك خليفة عثمان فقد عُزِلتَ بموته، وزالت خلافتك، وأما قولك إن أمير المؤمنين (أشلى) الصحابة على قتل عثمان؛ فهو كذب وزور، وغواية! ويحك يا معاوية ؟ أما علمت أن أبا الحسن بذل نفسه الله تعالى وبات على فراش رسول الله صلی اله علیه وآله وسلم وقال فيه: «من كنت مولاه فعليّ مولاه...» فكتابك لا يخدع ذا عقل وذا دين والسلام.

فلما قرأ كتابه، قال عتبة بن أبي سفيان لا تيأس منه. فكتب إليه وأرغبه في الولاية. وشركه معه في سلطانه وكان في أسفل كتابه:

جهلتَ ولم تعلم محلّك عندنا *** فأرسلت شيئاً من عتاب وما تدري

فثق بالذي عندي من اليوم آنفاً *** من العزّ والإكرام والجاه والقدرِ

واكتب عهداً ترتضيه مؤكداً *** وأشفعه بالبذل منّي وبالبرِ

فكتب إليه عمرو يقول:

أبى القلب مني أن يخادع بالمكر *** بقتل ابن عفان أجر الى الكُفر

وإني وإني لعمري ذو دهاء وفطنةٍ *** ولستُ أبيع الدين بالرشح(1) والدفر(2)

أليس صغيراً ملك مصر بِبَيعةٍ *** هي العار في الدنيا على الآلِ من عمرو

ص: 95


1- الرشح : العطاء. لم يرشح له بشيء : إذا لم يعطه . (تاج العروس: 394/6).
2- الدَّفَر : (النَّتْنُ) خاصةً، ولا يكون الطيب البَتَّةَ ، (ويُسْكَنُ) . (تاج العروس: 303/11).

وذكر سيف عن هشام بن محمد أنه كتب عمرو إلى معاوية:

معاوية لا أعطيك ديني ولم أنل *** به منك دنيا فانظرن كيف تصنعُ

فإن تُعطني مصراً فأربخ بصفقةٍ *** أخذتُ بها شيخاً يضر وينفعُ

فكتب إليه معاوية : قد أقطعتك مصراً طعمة وأشهد عليه شهوداً. وبات عمرو طول ليلته متفكراً. فدعا غلاماً له يقال له: (وردان)(1) فقال له: ما ترى ياوردان؟ فقال: إن مع عليّ آخرة ولا دنيا، وإن مع معاوية دنيا ولا ،آخرة، فالتي مع عليّ تبقى، والتي مع معاوية تفنى.

فلما أصبح ركب فرسه ومعه عبد الله بن عمرو - أي ابنه- وهو يقول له: لا تذهب إلى معاوية لاتبع آخرتك بدنيا فانية، وهو متحيّر فلم يزل حتى وصل إلى طريقين: إحداهما تأخذ إلى المدينة، والأخرى إلى دمشق فوقف عندهما؛ ثم ضرب رأس فرسه نحو دمشق وقال: معاوية أرفق بنا من عليّ، وأتى معاوية .(2)

الحرب غير المعلنة بعد قتل على علیه السلام

إن المواقف التاريخية المعادية التي وقفها معاوية بعد استشهاد الإمام علي علیه السلام لتشير إشارة واضحة إلى أن معاوية كان منهمكا في نسج مخطط دقيق رهيب تهتزّ منه النفوس بشاعةً ورعباً؛ لقتل علىّ بعد قتله؛ بل لمحو ذكره من سِجِلّ الخالِدين الذين يتركون وراءهم ما يحيون به أبد الدهر؛ من

ص: 96


1- وردان هو الذي ينسب إليه مكان بمصر يقال له: سوق وردان.
2- تذكرة الخواص: 92 - 94 .

الآثار المادية أو الروحية التي تأبى الموت أو الفناء !؟

أولئك الذين ترقد مبادئهم - ريثما ينتهي الطغاة - لتنهض من جديد بعد سبات! وقد يتوهّم أعداؤهم بأنهم قد قضوا عليهم قضاءً تامّاً ! إلا أن الثورة تظلّ كامنة في تلك المبادئ دائماً - تبحث لها عن منفذٍ لتثور منه ثوران البُركان المتفجّر الذي لا يقوى أي شيء على ردّه أو صدّه، فينطلق حُراً طليقاً من مكمنه ليأخذ دوره في الحياة والوجود!

كذلك هي مبادئ العظماء الخالدين تحيا بحياة المثل، وظهور المصلحين ليتّخذوا منها منهلاً عذباً، ونوراً ساطعاً به يهتدون في متاهات الفكر، ودروب الإصلاح..

وإنه لمن معجزات الله سبحانه أن تخرج فضائل الإمام عليّ علیه السلام بعد ستة قرون من الحكم الجائر الظالم له ولأهل بيته، ولم يكن العباسيّون أقلّ بغضاً وحسداً ونكاية وتقتيلاً لأهل البيت النبوي من أسلافهم الأمويين، حتى قال أبو فراس الحمداني مخاطباً بني العباس:

مانال منهم بنو حربٍ وإن عظمت *** تلك الجرائرُ إلا دون نيلكم(1)

وقال الشافعي: «عجبتُ لرجل كتم أعداؤه فضائله حسداً، وكتمها محبّوه خوفاً، وخرج ما بين ذين ما طبّق الخافقين».(2)

ص: 97


1- ديوان أبي فراس: 257.
2- الروضة في فضائل أمير المؤمنين علیه السلام: 19.

لِننظر - بعد هذا التمهيد المقتضب - إلى صور تلك الحرب غير المعلنة التي شنّها ابن أبي سفيان على أمير المؤمنين تلك الحرب التي لم يسلك فيها معاوية مساراً واحداً، ولم يتخذ فيها أسلوباً معيناً، لذلك كانت حرباً قاسية جلبت لأهل البيت ومحبيهم ما لم يخطر على بال من مآسي الحياة وأحزانها حتى حوّلت أيامهم البيضاء إلى ليالٍ سوداء لا نجم فيها ولا قمر ..!

الصورة الأولى لتلك الحرب [قتل اهل البيت علیهم السلام وشيعتهم]

فی هذه الصورة؛ اتّخذ معاوية أسلوب الترهيب وقتل أهل البيت وشيعتهم شعاراً غير معلن فقد لمح إليه لمحاً، وكنّى عنه كناية؛ حيث قال: (إن الله جنوداً من عسل).

يقول جورج جرداق:

وكان هذا القول؛ شعار معاوية، وهو يعني العسل الذي يُداف بالسم فيقضي به على خصومه.(1)

وبهذا العسل قتل معاوية الحسن بن علي علیهما السلام، ومالك الأشتر النخعي كما هو مفصل في التاريخ وكتب السِّيَر.

وقد تناقلت كتب الأمثال قوله هذا؛ بعدما شاع وذاع بين الناس، حتى أصبح مثلاً، يضربه الناس عند الشماتة بما يصيب العدو.(2)

ص: 98


1- الإمام على صوت العدالة الإنسانية : 39/4 .
2- ينظر: مجمع الأمثال: 11/1 .

يقول المرحوم (عباس محمود العقاد) : مات الحسن، ومات مالك بن الأشتر الذي ولّاه الإمام مصر بعد عزل (قيس) ومات عبد الرحمن بن خالد ابن الوليد وعوجلوا جميعاً بغير علة ظاهرة فسبق إلى الناس ظنٌّ كاليقين أنها غيلة ،مدبرة، وأن صاحب الغيلة من كان له نفع عاجل بتدبيرها، وهو معاوية. وكان موت الأشتر بعد شربة من العسل لم تمهله غير ساعات.(1)

ونقل الخبر عن دسّ السم للحسن رضوان الله عليه مؤرّخ من الأمويين هو أبو الفرج الإصفهاني صاحب الأغاني المشهور.

قال في كتابه مقاتل الطالبيين: «أرسل معاوية إلى ابنة الأشعث: إني مزوّجك بيزيد ابني على أن تسمّي الحسن بن عليّ... وبعث إليها بمائة ألف درهم فقبلت وسمّت الحسن فسوّغها المال ولم يزوّجها من يزيد، فخلف عليها رجل من أهل طلحة فأولدها، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيروهم وقالوا: يا بني مسمَة الأزواج».(2)

قتل حجر وأصحابه

يقول المسعودي: «وفي سنة ثلاث وخمسين قتل معاوية بن أبي سفيان حجر بن عدي الكندي وهو أوّل من قتل صبراً في الإسلام، وكان حجر هذا من الموالين لعليّ بن أبي طالب والمنكرين سبّه على المنابر، فحمله زياد من الكوفة، ومعه تسعة نفر من أصحابه من أهل الكوفة، وأربعة من غيرها، فأرسل لهم معاوية برجل تلقاهم في الطريق فقال

ص: 99


1- معاوية (موسوعة العقاد) : 241/4 .
2- معاوية (موسوعة العقاد) 241/4 ، عن مقاتل الطالبيين : 80.

لحجر: إن أمير المؤمنين - يعني معاوية - أمرني بقتلك يا رأس الضلال ومعدن الكفر والطغيان، والمتولي لأبي تراب، وبقتل أصحابك إلّا أن ترجعوا عن كفركم، وتلعنوا ،صاحبكم وتتبَرَّؤوا منه».(1)

ففعل البعض وتبرأ خوفاً، أمّا حجر وجماعته ممن كانوا معه فلم يفعلوا، وقال حجر : «إن الصبر على حدّ السيف الأيسر علينا مما تدعونا إليه، ثمّ القدوم على الله وعلى نبيه وعلى وصيّه أحبّ إلينا من دخول النار». ثمّ نُحِرَ حجر بن عدي كما تنحرُ النعاج وألحق به من وافقه على قوله من أصحابه .. !!(2)حدث هذا على مشهد من الرائح والغادي وليس له من سبب سوى حب طاهر عميق، وولاء صادق كل الصدق لرجل قال فيه رسول الله صله : « من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي، ويسكن جنة عدنٍ غرسها ،ربي، فليوال عليّاً من بعدي وليوال وليَّه، وليقتدِ بأهل بيتي من بعدي فإنهم عترتي، خُلقوا من طينتي، ورُزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي».(3)

وقال فيه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: «من أحبّ أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربيّ، وهي جنة الخلد فليتول عليّاً وذريته من بعده، فإنهم لن يُخرجوكم من باب هدى، ولن يُدخلوكم باب ضلالة» .(4)

ص: 100


1- مروج الذهب: 3/ 3-4 .
2- الإمام على نبراس ومتراس: 44 - 45 .
3- المراجعات: 79 (المراجعة10) ، عن كنز العمال: 12 / 103 - 104 .
4- المراجعات: 79-80 ( المراجعة 48) ، وذكر الحديث صاحب كنز العمال: 611/11 - 612 مع اختلاف يسير في اللفظ.

وقال فيه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «أُوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي

طالب، فمن تولّاه فقد تو لاني، ومن تولاني فقد تولّى الله ، ومن أحبّه فقد أحبني ومن أحبّني فقد أحبّ الله ، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل».(1)

أما كانت هذه الأحاديث النبوية الشريفة تمنع معاوية وأمثاله من قتل حجر وأمثاله من ولاة أهل البيت علیهم اسلام ومحبيهم الذين ضربوا أروع الأمثلة في الثبات؛ فكان حدّ السيف أهون عليهم من أن يتنكروا لآل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، أو يتبرأوا منهم.

كوكبة أخرى من الشهداء

هذه كوكبة أخرى من شهداء العقيدة والولاء؛ حيث لم يتوقف قتل من أحبّ أهل البيت ووالاهم عند قتل (حجر) وأصحابه؛ بل تجاوزهم إلى غيرهم؛ أمثال (جويرية بن مسهر، وميثم التمار ، ورشيد الهجري، وكميل بن زياد، وقنبر مولى عليّ علیه السلام ) ، أولئك الذين مثّل بهم زياد، وابنه عبيد الله، من بعده، والمتعطّش إلى سفك الدماء الحجّاج بن يوسف الثقفي، فمنهم من ذُبح ونُحر كما ينحر الحيوان، ومنهم من مثّل به تمثيلاً؛ حيث قُطعت أطرافه حياً، ثم قُتل طعناً، أو تُرك مصلوباً على نخلته لينزف آخر قطرة من دمه .(2)

ص: 101


1- المراجعات: 80 (المراجعة10)، عن تاريخ مدينة دمشق52 / 7-8، وكنز العمال: 610/11 .
2- ينظر إرشاد المفيد: 170 - 171.

مأساة في اليمن

هذه المأساة الدموية التي تكاد - لبشاعتها - لا تصدق كان بطلها بسر بن أرطاة الذي ضرب مثلاً متناهياً في القسوة وانعدام الرحمة، والتنكر لكلّ معاني المروءة.. يبعثه معاوية في جيش كثيف، ويأمره أن يقتل كلّ من كان في طاعة على سلام، فقتل خلقاً كثيراً، وقتل فيمن قتل ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب.(1)

الحق يحيا والباطل يموت: يقول جورج جرداق: وهو يشير إلى أبيات المعري في عليّ والحسين علیهما السلام حين قال:

وعلى الدهر من دماء الشهيدي *** ن عليّ ونجله شاهدان

فهما في أواخر الليل فجرا *** ن وفي أولياته شفقان

ثبتا في قميصه ليجيء ال *** حشر مُستعدياً إلى الرحمان(2)

وإني لأرى من لوعة العاطفة في هذه الأبيات الثلاثة، ومما يختفي وراءها من ثورة الفكر والوجدان ما هو حقيقٌ بأن يجمع القول المتلوّع الثائر في امتداد المأساة العلوية إلى مآسي أنصار الحق الذين أُوذوا، وجُلدوا وأُضطهدوا، وشُرّدوا في المفاوز والفلوات ليموتوا جوعاً، وبرداً، ودفنوا أحياء، وصلبوا، وأُحرقوا مع أبنائهم وإخوانهم أنفةً منهم لأن یخونوا

ص: 102


1- الإمام علي نبراس ومتراس : 45 ، عن شرح نهج البلاغة: 1 / 340 .
2- ديوان سقط الزند لأبي العلاء المعري: 134 .

ضمائرهم، فيتبرأوا من عليّ أسوةً بالعبيد. وينكروا شرف الخلق الإنساني الذي أُستشهد الإمام في سبيله؟! ولكأنّي أحسُّ أن المأساة العلوية التي امتدّت عصوراً طوالًا تحيا بهذه الأبيات الثلاثة مادةً وروحاً !(1)

ويقول السيد أحمد صقر رحمه الله في مقدمة مقاتل الطالبيين:

ولا يعرف التاريخ أسرة كأسرة أبي طالب بلغت الغاية من شرف الأرومة، وطيب النجار، ضَلّ عنها حقّها - إلى أن يقول - وقد أسرف خصوم هذه الأسرة الطاهرة في محاربتها ، وأذاقوها ضروب النكال، وصَبّوا عليها صنوف العذاب، ولم يرقبوا فيها إلا ولا ذمةً، ولم يرعوا لها حقّاً ولا حُرمةً، وأفرغوا بأسهم الشديد على النساء والأطفال، والرجال جميعاً في عنفٍ لا يشوبه لينٌ، وقسوةٍ لا تمازجها رحمةٌ، حتى غدت مصائب أهل البيت مضرب الأمثال في فضاعة النكال، وقد فجّرت هذه القسوة البالغة ينابيع الرحمة والمودة في قلوب الناس، وأشاعت الأسف الممض في ضمائرهم وملأت عليهم أقطار نفوسهم شجناً، وصارت مصارع هؤلاء الشهداء حديثاً يُروى، وخبراً يتناقل، وقصصاً يجد فيها الناس إرضاءَ عواطفهم، وإرواء مشاعرهم فتطلبوه وحرصوا عليه.(2)

ص: 103


1- الإمام علي صوت العدالة الإنسانية: 223/5.
2- مقاتل الطالبيين : 13.

معاوية يُفصح عن مخططه الرهيب

حدَّث المطرِّف بن المغيرة بن شعبة (ت 77 ه) قال: كنتُ أدخل مع أبي على معاوية فكان أبي يأتيه فيتحدّث معه، ثم ينصرف إليَّ، فيذكر معاوية وعقله ويعجب بما يرى منه. وجاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتماً، فانتظرته ساعة، وظننتُ لأمر حدث فينا، فقلت: مالي أراك مغتماً منذ الليلة؟ فقال: يابني جئتُ من عند أكفر الناس وأخبثهم !

قلت وما ذاك ؟ قال : قلتُ له وقد خلوت به : إنك قد بلغتَ سنّاً يا أمير المؤمنين فلو أظهرت عدلاً، وبسطت خيراً وقد كبرتَ!

ولو نظرتَ إلى إخوتك من بني هاشم فوصلتَ أرحامهم، فو الله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه فقال هيهات هيهات! أيَّ ذكرٍ أرجو بقاءه؟

ملك أخو تيمٍ - يعني أبا بكر - فعدل وفعل ما فعل فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: (أبو بكر )، وملك أخو عديٍّ - يعني عمر - فاجتهد وشمَّر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكرُه إلا أن يقول قائل: (عمر)، وإنَّ ابن أبي كبشة لَيُصاحُ به كلّ يومٍ خمسَ مرات : (أشهد أن محمداً رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ) فأيُّ عملٍ يبقى؟ وأي ذكر يدوم؟ بعد هذا، لا أباً لك !(1)

ص: 104


1- الإمام علي صوت العدالة الإنسانية: 34/4-35.

هذا هو معاوية في دخيلة نفسه وسريرته، وما انطوت عليه أحقاده وضغائنه لأهل هذا البيت الطاهر ، تأبى سجيته أن ينفرد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ببقاء الذكر، وأن يتميز ذكره في الأذان دون غيره من الحكام لذلك هو يريد أن يقضي على أهل بيته ويستأصل شأفتهم، لعلّه يمحو بذلك كلّ أثر بقي لمحمد صلی الله علیه وآله وسلم .

وقد تمثلت إرادة معاوية هذه شر تمثيل في خطة ابنه يزيد في إفناء أهل البيت إفناءً تامّاً ! وإلّا فما هو المبرر لقتل أطفالهم ورضعانهم - يوم الطف - الذين لم يجنوا جناية؟

وإذا ما تذكرنا خطبة عقيلة بني هاشم السيدة زينب أخت الحسين - وهي تردّ على يزيد في مجلسه بالشام - قائلة: «.. فكِد كيدَك، واسعَ سعيك، وناصب جهدَك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميتُ وحينا، ولا تدرك ،أمدَنا ولا تدحضُ عنك عارَها، وهل رأيك إلّا فَنَدٌ، وأيامُك إِلَّا عَدَدٌ، وجمعُک إِلَّا بَدَدٌ، يوم ينادي المنادي ألّا لعنة الله على الظالمين..»(1)

إذا ما تذكّرنا هذه الفقرات - من خطبتها علیه السلام - علمنا علم اليقين بأن يزيد كان ينفّذ خطة مرسومة وضُعت في زمن أبيه نفّذ معاوية منها ما استطاع تنفيذه، وبقي على من يأتي بعده أن يكمل ما تبقى منها!؟

الصورة الثانية [وضع الأكاذيب على أمير المؤمنين علیه السلام]

الصورة الثانية لتلك الحرب غير المعلنة هي وضع الروايات الكاذبة في

ص: 105


1- زینب الکبری: 73 .

عليّ أمير المؤمنين علیه السلام لتشويه صورته الصافية النقية، أو التشكيك في شخصيته الفذة التي فدى بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في مواقفه الحرجة مع كفار قریش ومشركي العرب.

وإليك أيها القارئ الكريم بعض ما ورد من ذلك في هذا الموضوع: روى ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة: أن أبا هريرة عبد الرحمن بن صخر (ت 59 ه) حين قدم العراق مع معاوية عام الجماعة - الذي يسميه عام التفرقة(1)- جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه، ثم ضرب صلعته مراراً وقال:

يا أهل العراق، أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق نفسي بالنار! والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لكلّ نبي حرماً وإن حرمي بالمدينة مابين عِير إلى ثور - يعني به الجبل - فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»، وأشهد بالله أن عليّاً أحدث فيها. فلما بلغ معاوية قوله ، أجازه، وأكرمه ، وولاه إمارة المدينة. (2)

لم يقصد أبو هريرة من الحدث معناه الشرعي، وهو ما ينقض الطهارة إنما قصد معناها اللغوي، وهو:« الأمر الحادث المنكر، الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة »(3)وإلا لما أجازه معاوية تلك الجائزة السنية، وهي إمارة المدينة المنورة ولما رضي عنه ذلك الرضا المتمثل في إكرامه وتقديره.

ص: 106


1- ينظر: معاوية (موسوعة العقاد): 4 / 236 - 319.
2- شرح نهج البلاغة: 67/4 .
3- ينظر: تاج العروس: 213/5 م / حدث).

ولعمر الحق والتاريخ إن عليّ بن أبي طالب كان أتقى الله مما ذهب إليه أبو هريرة، وألصقه به.

وكيف نسي أبو هريرة أية التطهير «لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ...» [الأحزاب / 33] ولعليّ فيها نصيب وفير من القداسة والطهارة، وغيرها من الآيات التي نصّت على طهارته، وبعده عما رماه به أبو هريرة ممّا هو أحقّ وأولى ببني أُميّة أعلام الفسق والفجور. وكيف نَسِيَ أبو هريرة تلك النصوص النبوية والوصايا الشريفة التي خصّ رسول الله بها عليّاً علیه السلام حتى قال (عمرو بن العاص) في قصيدته الجلجلية :

وكم قد سمعنا من المصطفى *** وصايا مخصصّة في عليّ(1)

وما ذهب إليه أبو هريرة من معنى الحدث، لهو أولى بيزيد بني أُميّة؛ يزيد الفجور والخمور ، الذي أحدث في مدينة الرسول من الأحداث الفضيعة التي يهتزّ لها ضمير الإنسان ووجدانه استغراباً وفضاعة. كيف لا، وقد أباحها ثلاثة أيام!؟

ولنستمع إلى التاريخ يحدّثنا عن أحداثها الموجعة بلسان قائدها المشؤوم مسلم بن عقبة الذي وصفه التاريخ بأنه كان أعور، أمغر - الحمرة في بياض - ثائر الرأس، كأنما يقلع رجليه من وحل إذا مشى. وقال عنه العقاد: بأنه مخلوق مسمم الطبيعة، في مسلاخ إنسان .(2)

ص: 107


1- ينظر: الغدير : 2/ 115 .
2- الإمام علي نبراس ومتراس : 48 ، عن معاوية (موسوعة العقاد): 204/2.

كتب مسلم بن عقبة إلى يزيد يخبره بما فعل بالمدينة وأهلها - بعد كلام طويل - :.. فأدخلنا الخيل عليهم.. فما صليتُ الظهر - أصلح الله أمير المؤمنين - إلا في مسجدهم بعد القتل الذريع، والانتهاب العظيم، وأوقعنا السيوف، وقتلنا من أشرف لنا منهم، وأتبعنا مدبرهم!! وأجهزنا على

بهم جريحهم وانتهبناها ثلاثاً. كما قال أمير المؤمنين - أعزّ الله نصره - وجعلت دور بني الشهيد عثمان بن عفان في حرز وأمان، والحمد الله الذي شفا صدري من قتل أهل الخلاف القديم، والنفاق العظيم، فطالما عتوا، وقديما ما طغوا.(1)

يقول المرحوم عباس محمود العقاد في تعليل هذا الحقد:

«وكلّ هذا الحقد المتأجج في هذه الطوية العفنة إنما هو الحقد في طبائع المسخاء الشائهين، يوهم نفسه أنه الحقد من ثأر عثمان أو من خروج قوم على ملك يزيد»(2)

فهل فعل على ابن أبي طالب علیه السلام بالمدينة وأهلها كما فعل بنو أُميّة حتی يقال: إنه أحدث في المدينة؟

وليت أبا هريرة كان حياً يوم استعرض مسلم بن عقبة أهل المدينة بالسيف جزراً كما يجزر القصاب الغنم، حتى ساخت الأقدام في الدم..!!

ص: 108


1- الإمام علي نبراس ومتراس: 49 ، عن معاوية (موسوعة العقاد): 2/ 204-205.
2- الإمام علي نبراس ومتراس : 49 - 50 ، عن معاوية (موسوعة العقاد): 2/ 205.

وقتل أبناء المهاجرين والأنصار، وذرية أهل بدر وأخذ البيعة ليزيد ابن معاوية على كلّ من استبقاه من الصحابة والتابعين على أنه عبدٌ قِنٌ لأمير المؤمنين.. وبلغ عدد القتلى في تقدير (الزهري) سبعمائة من وجوه الناس، وعشرة آلاف من الموالي !.(1)

سمرة بن جندب ووضع الأكاذيب:

وإن تعجب أيها القارئ العزيز فأعجب من (سمرة بن جندب)(2)

ص: 109


1- معاوية (موسوعة العقاد): 204/2.
2- كان لسمرة بن جندب عَذق (نخلة) في حائط (بستان) أنصاري، وكان الدخول إلى الحائط من دار الأنصاري، وكان يدخل بلا استئذان، فشكا ذلك الأنصاري إلى النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم فساوَمَ النبيّ سمرة بالمال، وبعَذق في الجنة، فأبى كلِّ ذلك ! فأمر النبي صلی الله علیه وآله وسلم بقلع عذقه ورميها إليه، وقال كلمته المشهورة: «الاضرر ولا ضرار». التي هي من جوامع الكلم ، وأصبحت أصلاً من الأصول الفقهية التي بني عليها كثير من الفروع. إن هذه الحادثة تبين لنا ما كان عليه سمرة من النفاق، وخبث النفس، ولؤم السريرة والخلق السيء، والبعد الشاسع عن التعامل بالحسنى مع إخوانه المسلمين! استخلف زياد سمرة على البصرة، أكثر القتل فيها . فقال ابن سيرين قتل سمرة في غيبة زياد ثمانية آلاف فقال له :زياد أتخاف أن تكون قتلت بريئا؟ قال: لو قتلت معهم مثلهم ما خشيت !! وقال أبو السوار العدوي: قتل سمرة من قومي في غداةٍ واحدةٍ سبعة وأربعين رجلاً كلهم قد جمع القرآن. كان سمرة آخر الثلاثة ( أبو هريرة ، وأبو محذورة، وسمرة) موتاً. وقد قال لهم النبي صلی الله علیه وآله وسلم آخر كم موتاً في النار». (ينظر: الكامل في التاريخ : 3 / 462 - 463 ، الإصابة في تمييز الصحابة: 3 / 150 ، بحار الأنوار: 134/22).

وتسخير معاوية له في وضع الروايات الكاذبة، ودسّ المفتريات في علي علیه السلام ابن عم الرسول وزوج البتول، وأبي الريحانتين الحسن والحسين، ومَن فداه بنفسه ليلة الهجرة، فبات في فراشه والسيوف محدقة به لتجعل منه ( لحماً على وضم)..!

بذل معاوية لسمرة بن جندب بن هلال الفزاري (ت 60 ه) مائة ألف درهم حتى يروي أن الآية: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهُ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد» [ البقرة / 204 - 205] قد أنزلت في علي علیه السلام.

وأن الآية الكريمة: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ» [البقرة/ 207] قد أنزلت في عبد الرحمن بن ملجم!!

فلم يقبل سمرة بذلك، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل.(1)

وهكذا كان يضع معاوية قوماً من الصحابة، وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليّ علیه السلام، تقضي الطعن فيه والبراءة منه، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة ابن الزبير.(2)

ص: 110


1- شرح نهج البلاغة: 73/4 .
2- شرح نهج البلاغة: 63/4 .

وهذا باب واسع اكتفينا منه بهذا القدر، وتركنا الباقي للمنصف المتتبع ليقف عليه، ويعجب من تلك المتناقضات التي وضعها بنو أُميّة لتشويه صورة أهل البيت علیهم السلام التي كانت كالقمر نوراً ساطعاً يعجز الظلام عن حجبه عن أعين الناس، وهل يخفى عن الناس القمر ؟!

يقول الإمام الشافعي: «عجبتُ لرجلٍ كتمَ أعداؤُهُ فضائله حسداً، وكتمها محبّوه خوفاً، وخرج مابين ذين ما طبَّق الخافقين».(1)

هذا وقد خرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم و علیه مرط (2)مرجل(3) من شعر أسود له فجاء الحسن بن عليّ فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء عليّ فأدخله ثم قال:« إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً »(4)[الأحزاب/ 33].

وإن تعجب أيها القارئ الكريم فاعجب من حريز بن عثمان بن جبر الرحبي المشرقي الحمصي ( 80 - 163ه ) محدّث أهل الشام وراويتهم الثقة الثبت!

ص: 111


1- الروضة في فضائل أمير المؤمنين: 19.
2- المرط: بكسر الميم واحد (المروط) وهي أكسية من صوف أو خز كان يؤتزر بها. مختار الصحاح 259 (م/ مرط).
3- وردت في بعض الكتب (مرط مرحل) منها : صحيح مسلم : 130/7 ، السنن الكبرى 149/2 .
4- ينظر : المصنّف لابن أبي شيبة : 501/7 ، المستدرك على الصحيحين: 3/ 147.

كيف يُحرّف فضائل أمير المؤمنين ويغيّر ما شاء له العداء أن يغيّر من ألفاظ الأحاديث التي وردت فيه ولما عوتب على ذلك أجاب: لا أحبّه قتل آبائي قتل آبائي - يعني عليّاً - لا أحبّ من قتل لي جدّين.(1)

وإليك أيها القارئ الكريم نماذج من موضوعاته:

قال إسماعيل بن عياش : سمعت حَریز بن عثمان يقول: «هذا الذي يرويه الناس عن النبي صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال لعليّ أنت مني بمنزلة هارون من موسى حقّ، ولكن أخطأ السامع قلت : فما هو ؟ قال : إنما هو أنت مني بمنزلة قارون من موسى».(2)

وذكر الأزدي أن حريز بن عثمان روى أن النبي صلی الله علیه وآله وسلم لما أراد أن يركب جاء عليّ ابن أبي طالب فحلّ حزام البغلة ليقع النبي صلی الله علیه وآله وسلم.(3)

قيل ليحيى بن صالح (الوحاظي. محدث من الفقهاء شامي من أهل حمص 137 - 222 ه) : لِمَ لا تكتب عن حريز؟ فقال: كيف أكتب عن رجل صليت معه الفجر سبع سنين فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن عليّا سبعين مرة. فقيل له في ذلك، فقال: هو القاطع رؤوس أبائي.(4)

ص: 112


1- ينظر تاریخ بغداد ذكر من اسمه (حريز): 261/8.
2- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 117.
3- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 117.
4- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 117.

قال محفوظ بن المفضل بن عمر : قلت ليحيى بن صالح الوحاظي: قد رويت عن مشايخ من نظراء حريز فما بالك لم تحمل عن حريز ؟ قال : إني أتيته فناولني كتاباً فإذا به حدثني فلان عن فلان أن النبي صلی الله علیه وآله وسلم لما حضرته الوفاة أوصى أن تقطع يد عليّ بن أبي طالب علیه السلام .(1)

مما يؤسف له أن حريز هذا من رواة صحيح البخاري الذي قالوا عنه: أنه أصحّ كتب الحديث .(2)

والمرء يتساءل حقاً؛ أيّ يد لعليّ علیه السلام أوصى النبي بقطعها؟ أتلك التي طوّحت برأس (الوليد بن عتبة) في أول لقاء - يوم بدر(3) – بين المسلمين والمشركين ؟!.

فكانت يد عليّ يداً ولا كلّ الأيدي، كما كانت ضربته ضربةً فذة في موقف كان له ما بعده؟

أم تلك التي قتل بها حملة رايات المشركين يوم أحد - وكان عددهم ثمانية من بني عبد الدار - قتلهم أمير المؤمنين واحداً واحداً، وبقي لواؤهم مطروحاً على الأرض لا يدنو منه أحد، فانكشف الكفار حينئذ عن المسلمين هاربين على غير انتظام ودخل المسلمون عسكرهم ينهبون ما تركوه من أسلحة وأمتعة وذخائر ومؤن؟0(4)

ص: 113


1- شرح نهج البلاغة: 70/4 .
2- ينظر: النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 117.
3- ينظر: السيرة النبوية : 456/2 .
4- الفصول المهمة في تأليف الأمة: 116.

أم تلك التي كان يحمل بها لواء الإيمان - يوم أحد فتنكشف أمامه الرجال كأنها المعزى إذا حلّ بها الذئب؟

أم تلك التي كان يستنجد بها الرسول صلی الله علیه وآله وسلم يوم أحد فيكشف بها علي الهم والحزن عن وجه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حيث كان له في ذلك اليوم - وقد حمى الوطيس - كلّما أبصر جماعة من الأعداء، يقول: «اكفينيهم يا علي» فيشد عليهم بسيفه فلا يرجع حتّى يفرّق شملهم ويمزّق جمعهم وقد عجبت بذلك ملائكة السماء من مواساته فقال جبرائیل علیه السام: يارسول الله هذه المواساة، فقال صلی الله علیه وآله وسلم «إنه مني وأنا منه»، فقال جبرائيل علیه السلام: وأنا منكما، وسمعوا حينئذ منادياً ينادي: «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي».(1)

أيّ يَدٍ لعليّ أوصى الرسول صلی الله علیه وآله وسلم بها أن تقطع ؟

أتلك التي أطاحت بفارس يليل عمرو بن ود العامري، فجعلته أثراً بعد عين، هنالك فرح المسلمون بعد أن نكصوا عن مبارزته جميعهم؟

أهذه اليد التي يحبّ النبي أن تقطع؟ أم تلك التي لاقى بها مرحباً فكان بها صريعاً، وبها كان النصر والفتح المبين!؟

أم تلك اليد التي أخذها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فرفعها أمام مائة ألف منالمسلمين أو يزيدون - بغدير خم - ثم قال:« من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ..» !؟

ص: 114


1- الفصول المهمة في تأليف الأمة: 117 ، عن تاريخ الطبري: 197/2 والكامل في التاريخ: 154/2.

وإني لأعجب كلّ العجب من فقهاء الحديث، وعلماء الرواية والأخبار كيف يرضون لأنفسهم بأن يسجلوا في كتبهم تلك المفتريات التي يُقذف بها أهل البيت علیهم السلام على أنها أحاديث مروية عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من دون محاكمة لنصوصها، وإحاطة وإلمام بما انطوت عليه رواتها من سوء النية وإضمار الكراهية والبغض والعداء لآل محمد صلی الله علیه وآله وسلم وهم يعلمون كلّ العلم بأن أهل البيت علیه السلام أجلى وأنصع وأزكى وأطهر وأبهى وأن--ور م-ن أن تحجبهم عن أعين الناس أكاذيب عروة بن الزبير، وحريز بن عثمان ومروان بن الحكم، وعمران بن حطان وأمثال هؤلاء من رواة السوء والكذب والبهتان ممن باعوا رضا الله بنعيم يفنى ولذة لا تبقى وحليت دنيا الولاة والسلاطين في أعينهم وراقهم زبرجها ونسوا أيام الله فويل لمن نَسِي أيام الله من العذاب:

الصورة الثالثة [سن سب أمير المؤمنين علیه السلام]

في هذه الصورة ستقرأ ما تعجب منه أيها القارئ الكريم مما صنعه معاوية من سَنّ الشتم والسب واللعن لعلي أمير المؤمنين علیه السلام ، بل لم يكتف بما ابتدعه - مما لم يكن في دين من الأديان- حتى أطاره في الآفاق ونشره في القرى والأرياف والمدن، فأمر عماله أن يلعنوه على سبعين ألف ألف منبر كانت في عهدهم، فصار ذلك شعاراً من شعائر الدين، وذكراً يُلقن به الصغار في كتاتيبهم ، ويردّده الكبار بعد صلواتهم، ويجهر به أئمة المساجد في مساجدهم، ويلعنه الخطباء من فوق منابرهم في الجمع والأعياد حتى غيروا في أحكام صلاة العيدين حيث قدموا الخطبة على الصلاة لأن التذمر كان

ص: 115

يبدو على من يسمعون شتم أهل البيت علناً وسب آل الرسول علیهم السلام جهراً، فصاروا لا يبقون لسماع تلك الخطبة التي يكيل بها الخطيب - لأهل البيت - التهم الباطلة والسباب الرخيص فيخرجون وهو لمّا ينته بعد!

بهذا استمر الحال مدة عهد بني أُمية - بعرضه وطوله - حتى ربا عليه الصغير وشاب فيه الكبير ، وأمسى الناس في الشام وغيرها من المدن النائية - عن مكة والمدينة - لا يعرفون قرابة للنبي سوى بني أُمية وآل أقرباؤه وألصق الناس به رحماً، وهم الذين يجب أن تضفى ،مروان، فهم عليهم أكاليل القداسة والاحترام..؟!

فإذا ما سمع الناس في الشام وغيرها - خطيباً فاحش القول بذيء اللسان - يذكر عليّاً بما لا يستحقه، لم يدروا من يعني هذا الخطيب فوق أعواده، فيظنونه من رجال الفتن وقطاع الطريق؛ لأن الناس حيل بينهم - في هذه الأقطار - وبين معرفة الحقيقة لما ألقيت بينهم وبينها من حجب التعتيم والتضليل ، ولما ينشر - بينهم من إعلام مزيف مضلل على ألسنة الرواة وفقهاء الحديث ورواة الأخبار الذين جنّدهم معاوية ليمحو بهم ذكر عليّ ابن أبي طالب أول فدائي في الإسلام وأَعَزَّ شهيد في محرابه.

وإليك أيها القارئ الكريم بعضاً من ذلك مما حمله إلينا التاريخ وكتب السِّيَر :

معاوية يسنّ السبّ ويأمر به عماله

نقل (أبو عثمان الجاحظ ) في كتاب الرد على الإماميّة: أن معاوية كان يقول في آخر خطبته : اللهم إن أبا تراب ألحَدَ في دينك، وصَدَّ عن سبيلك فالعنه لعناً وبيلاً، وعذّبه عذاباً أليماً، قال وكتب بذلك إلى الآفاق فكانت

ص: 116

هذه الكلمات يُشاد بها على المنابر إلى أيام عمر بن عبد العزيز.(1)

وروى فيه أيضاً : أن قوماً من بني أميّة قالوا لمعاوية: يا أمير المؤمنين، إنك قد بلغت ما أمّلتَ فلو كففتَ عن هذا الرجل؟ فقال: لا والله حتى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضلاً. (2)

قال أبو الحسن المدائني في كتاب الأحداث فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كلّ منبر بعد عام الجماعة يلعنون عليّاً ويبرؤون منه، ويقعون فيه، وفي أهل بيته.(3)

كتبت أم سلمة هند بنت سهيل (ت (62) زوج النبي صلی الله علیه وآله وسلم إلى معاوية: إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم وذلك أنكم تلعنون علياً بن أبي طالب ومن أحبّه، وأنا أشهد أن الله أحبّه ورسوله فلم يلتفت أحد إلى کلامها مع علمهم بصحة روايتها وشرف مقامها .(4)

مرَّ ابن عباس رضي الله عنهما (ت 68) بقوم ينالون من عليّ ويسبّونه، فقال لقائده: أدنني منهم فأدناه، فقال: أيكم السابّ الله؟ قالوا: نعوذ بالله أن نسب الله، فقال: أيكم السابّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قالوا: نعوذ بالله أن نسبّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فقال : أيكم السابّ علياً بن أبي طالب ؟ قالوا: أمّا هذه فنعم قال أشهد لقد سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول: «من سبّني فقد سبّ الله ومن سبّ علياً بن أبي طالب فقد سبّني» فأطرقوا، فلما ولى قال لقائده:

ص: 117


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 97 .
2- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 97 .
3- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 97 .
4- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية :96.

كيف رأيتهم؟ قال:

نظروا إليك بأعينٍ محمرّةٍ *** نظر التُيوس إلى شِفار الجازِرِ

قال: زدني فداك أبي وأمي فقال:

خزر العُيونِ منكسي أذانِهم *** نظر الذليلِ إلى العزيزِ القاهرِ

فقال: زدني فداك أبي وأمي، قال ما عندي مزيد قال: ولكن عندي:

أحياؤُهم عارٌ على أمواتِهم *** والميّتون فضيحة للغابر(1)

روی عمرو بن میمون قال : إني لجالس عند ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا يا بن عباس إمّا أن تقوم معنا ، وإمّا أن تخلو بنا من بين هؤلاء، فقال ابن عباس: بل أنا أقوم معكم، قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى قال فابتدؤوا ، فتحدّثوا، فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أفٍ وتف، وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره، وقعوا في رجل قال له النبي صلی الله علیه وآله وسلمالله : لأ بعثنّ رجلاً لا يخزيه الله أبداً، يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله فاستشرف لها من استشرف فقال: أين عليّ؟ فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر ، فنفث في عينيه، ثم هزّ الراية ثلاثاً، فأعطاها إياه، فجاء عليّ بصفيّة بنت حُيي، قال ابن عباس: ثم بعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلاناً . التوبة، فبعث عليّاً خلفه، فأخذها منه، وقال: لا يذهب بها إلّا رجل هو منّي وأنا منه. قال ابن عباس : وقال النبي صلی الله علیه وآله وسلم لبني عمه : أيكم

ص: 118


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 102.

يُواليني في الدنيا والآخرة؟ قال: وعلي جالس معه فأبوا، فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة فقال لعليّ : أنت وليّي في الدنيا والآخرة، قال ابن :عباس وكان عليّ أول من آمن من الناس بعد خديجة، قال: وأخذ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثوبه فوضعه على عليّ وفاطمة وحسن وحسين، وقال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » [الأحزاب/ 33].

قال: وشرى عليّ نفسه فلبس ثوب النبي، ثم نام مكانه وكان المشركون يرمونه، إلى أن قال: وخرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في غزوة تبوك وخرج الناس معه فقال له عليّ : أأخرج معك ؟ فقال صلی الله علیه وآله وسلم : لا . فبكى علي، فقال له رسول صلی الله علیه وآله وسلم : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس بعدي نبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة.

قال ابن عباس وسدّ رسول الله أبواب المسجد غير باب علي، فكان يدخل المسجد جُنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره قال وقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: من كنت مولاه، فإنّ مولاه علي.. الحديث، قال الحاكم بعد إخراجه هذا حديث صحيح الإسناد وأخرجه الذهبي في تلخيصه، ثم قال: صحيح.(1)

ص: 119


1- المراجعات: 197 (المراجعة 26) ، عن المستدرك على الصحيحين: 132/3 - 134 .

معاوية في قنوته:

نقل ابن الأثير : أن معاوية كان إذا قنت سبّ عليّاً وابن عباس والحسن والحسين والأشتر ؟!(1)

قال ابن عبد ربه في العِقد : لمّا مات الحسن بن عليّ حجّ معاوية فدخل المدينة وأراد أن يلعن عليّاً على منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقيل له : إن ها هنا سعد بن أبي وقاص ولا نراه يرضى بهذا فابعث إليه وخذ رأيه فأرسل إليه وذكر له ذلك فقال: إن فعلت ذلك لأخرجن من المسجد ثم لا أعود إليه، فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات ،سعد، فلما مات لعنه على المنبر وكتب إلى عماله أن يلعنوه على المنابر ففعلوا.(2)

حقاً إن الإنسان - بعد هذا ليتساءل ويقول : هل هناك من عذر يبقى لمن يتولى معاوية وهو يسمعه يسبّ رجالاً أذهب عنهم الرجس محكمُ التنزيل وهبط بتطهيرهم جبرائيل وباهل بهم النبي صلی الله علیه وآله وسلم بأمر ربّه الجليل أولئك الذين فرض الله مودّتهم وأوجب الرسول ولايتهم..؟!

عمال معاوية ينفذون أوامره:

المغيرة بن شعبة

ولمّا استعمل معاوية المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي ( ت 50 ه ) على الكوفة دعاه وقال له امّا بعد فإن الذي الحلم قبل

ص: 120


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 96 ، عن الكامل في التاريخ : 333/3.
2- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 96 ، عن العقد الفريد: 2/ 127 .

اليوم ما تقرع العصا)(1)وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم وقد أردت إيصاءَك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتماداً على بصرك، ولست تاركاً إيصاءَك بخصلة واحدة لا تترك شتم عليّ ،وذمه والترحم على عثمان والاستغفار له والعيب لأصحاب عليّ والإقصاء لهم، والإطراء لشيعة عثمان والإدناء لهم، فقال له المغيرة قد جربت وجربت وعملت لغيرك قبلك فلم يذمني، وستبلو فتحمد أو تذم، فقال: بل نحمد إن شاء الله .

فأقام المغيرة عاملاً على الكوفة وهو أحسن شيء سيرة غير أنه لا يدع شتم عليّ والوقوع فيه والدعاء لعثمان والاستغفار له فإذا ذلك ابن عدي قال : بل إياكم ذمّ الله ولعن انتهى من الكامل.(2)

قال المغيرة لصعصعة بن صوحان ، وهو من أصحاب علي علیه السلام: إياك أن يبلغني عنك أنك تعيب عثمان، وإياك أن يبلغني أنك تظهر شيئاً من فضل عليّ، فإننا أعلم بذلك منك، ولكن هذا السلطان قد ظهر، وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس، فنحن ندع شيئاً كثيراً مما أمرنا به، ونذكر الشيء الذي لا نجد منه بداً ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا، فإن كنت ذاكراً فضله فاذكره بينك وبين أصحابك في منازلكم سراً، وأما علانية في المسجد فهذا لا يحتمله الخليفة لنا . انتهى من الكامل.(3)

ص: 121


1- ما بين القوسين صدر لبيت شعري عجزه ( وما عُلَّمَ الإنسانُ إلا ليعلما) وهو للشاعر جرير بن عبد المسيح المعروف ب (المتلمس) ، ( الشعر والشعراء: 1/ 180 ).
2- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 100 ، عن الكامل في التاريخ: 472/3 .
3- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 100 ، عن الكامل في التاريخ: 430/3 .

وكان المغيرة صاحب دنيا يبيع دينه بالنزر القليل منها يُرضي به معاوية، حتى إنه قال يوماً في مجلس معاوية : إنَّ عليّاً لم ينكحه رسول الله صلی الله علیه وآله سلم حباً له ولكن أراد أن يكافئ بذلك إحسان أبي طالب.(1)

مروان بن الحكم:

استعمل معاوية على المدينة مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية (ت 65 ه) فكان لا يدع سبّ عليّ علیه السلام على المنبر كلّ جمعة تنفيذاً لأوامر معاوية. ثم ولي بعده سعيد بن العاص فكان لا يسبّ، ثم أعيد مروان فعاد للسبّ وكان الحسن علام يعلم ذلك ولا يدخل المسجد إلا عند الإقامة، فلم يرض بذلك مروان حتى أرسل للحسن في بيته بالسب البليغ لأبيه وله، ومنه ما وجدت مثلك إلا مثل البغلة يقال لها : مَن أبوك؟ فتقول: أمي الفرس.. الخ.(2)

وفي صحيح البخاري من حديث لأبي سعيد رضی الله عنه :

قال أبو سعيد: خرجتُ مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى فإذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجذبته بثوبه فجذبني فارتفع فخطب قبل الصلاة فقلت له: غيّرتم والله.

ص: 122


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 100 - 101 .
2- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية :101 .

فقال : يا أبا سعيد ذهب ما تعلم، فقلت ما أعلم والله خير مما لا أعلم فقال : إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة.(1)

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن ابن المنذر : أما مروان فراعي مصلحتهم في إسماع الخطبة، لكن قيل إنهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سبّ من لا يستحق السبّ - يعني عليّاً - والإفراط في مدح بعض الناس - يعني عثمان - فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه،انتهى.(2)

وقد ذكر العلامة الحفظي في أرجوزته هذا الحديث فقال:

وفي البخاري عن أبي سعيد *** خطبة مروان بيوم العيد

قبل الصلاة حين كلّ الناس *** بعد الصلاة ينفر الجلاس

لأنه كما حكاه المنذري *** يذكر فيها المرتضى ويجتري

سحقاً له من وَزَغ ملعون *** وكلّ من في صلبه يكون

قلتُ: إِلا الصالحين منهم وقليل ماهم.(3)

قال السبط ابن الجوزي - عن أبي حازم - جاء رجل إلى سهل بن سعد فقال : هذا فلان يذكر عليّاً بن أبي طالب عند المنبر فقال : ما يقول؟

ص: 123


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 101 ، عن صحيح البخاري: 4/2 .
2- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 101 ، عن فتح الباري: 376/2 .
3- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 101 - 102 .

قال: يقول أبو تراب ويلعن أبا تراب؛ فغضب سهل وقال: والله ما كناه به إلا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و ما كان اسم أحبّ إليه منه، دخل عليّ علیه السلام على فاطمة رضی الله عنه فأغضبته في شيء(1) فخرج إلى المسجد فاضطجع على التراب وفي لفظ فسقط رداءه على التراب وخلص التراب على ظهره، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمسح التراب عن ظهره وقال: «اجلس أبا تراب». متفق عليه، وقال الزهري : والذي سبّ عليّاً في تلك الحالة مروان بن الحكم؛ لأنه كان أميراً في المدينة من قبل معاوية.

وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري كان بنو أُميّة ينتقصون عليّاً علیه السلام بهذا الاسم الذي سمّاه به رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ويلعنونه على المنبر بعد الخطبة مدة ولايتهم وكانوا يستهزئون به وإنما استهزؤوا بالذي سماه به وقد قال تعالى: «قُلْ أَبِالله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ» [التوبة/ 65-66].

والذي ذكره الحاكم صحيح فإنهم ما كانوا يتحاشون من ذلك بدليل ما روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل على معاوية بن أبي سفيان فقال له: ما منعك أن تسبّ أبا تراب ؟ الحديث.. وقيل: إن بعض بني أُميّة كان يقول: اللهم صلّ على معاوية وحدَه، لقد لقينا من عليّ جهده.(2)

ص: 124


1- الفرقة الحقة تُنكر هذه الدعوى فالزهراء علیها السلام أجلُّ من أن تُغضب زوجها أمير المؤمنين علیه السلام وأحاديث أدبها معه صلوات الله عليهما مشهورة معروفة.
2- تذكرة الخواص: 7.

بسر بن أرطاة:

وولّى معاوية بسر بن أرطاة العامري القرشي (ت 86 ه) البصرة، فكان یشتم عليّاً علیه السلام على المنبر . قال أبو جعفر الطبري في تاريخه حدثنا عمر قال : حدّثنا عليّ بن محمد قال خطب بسر على منبر البصرة فشتم علياً علیه السلام ، ثم قال: ناشدت الله رجلاً علم أني صادق إلا صدقني، أو كاذب إلا كذّبني قال: فقال أبو بكرة (1) : اللهم إنا لا نعلمك إلا كاذباً، قال: فأمر به فخُنق، قال: فقام أبو لؤلؤة الضبّي فرمی بنفسه عليه فمنعه، انتهى. (2)

واستعمل معاوية زياداً فكان من أشدّ العمال حرصاً ودعوةً إلى لعن عليّ علیه السلام وسبّه .(3)

غرائب تعقبها غرائب :

ومن عجيب ما يحكى من ذلك : أن الوليد بن عبد الملك كان لحّاناً، وأنه خطب في خلافته وذكر عليّاً فقال : (إنه كان لصٍ ابن لصٍ) بالجر، فعجب الناس من لحنه فيما لا يلحن فيه أحد، ومن نسبته عليّاً إلى اللصوصية وقالوا: ماندري أيهما أعجب .(4)

ص: 125


1- أبو بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي (... - 52 ه- = ...- 672 م)، صحابي من أهل الطائف له «132حديثاً »توفي بالبصرة، وأنما قيل له: (أبو بكرة لأنه تدلى ببكرة من حصن الطائف إلى النبي صلی الله علیه وآله وسلم ... (الأعلام: 44/8).
2- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 102 ، عن تاريخ الطبري: 128/4 .
3- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 102 - 103.
4- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 105.

وأعجب من هذا ما ذكره المبرد في الكامل، قال: إن خالد بن عبد الله القسري لما كان أمير العراق كان يلعن عليّاً علیه السلام على المنبر فيقول: اللهم العن علياً بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم صهر رسول الله على ابنته وأبا الحسن والحسين، ثم يقبل على الناس ويقول : هل كنيت.(1)

وأغرب من الكلّ ما ذكره ابن الكلبي في غرائبه عن عبد الرحمن بن السائب، قال: قال الحجاج يوماً لعبد الله بن هاني، وهو رجل من بني أود- حي من قحطان- وكان شريفاً في قومه شهد مع الحجاج مشاهده كلّها، وكان من أنصاره وشيعته والله ما كافأتك بعد، ثم أرسل إلى أسماء بن خارجة سيد بني فزارة أن زوّج عبد الله بن هاني بابنتك فقال: لا والله ولا كرامة، فدعا له بالسياط فلما رأى الشر قال: نعم أزوّجه، ثم بعث إلى سعيد ابن قيس الهمداني رئيس اليمانية أن زوج ابنتك من عبد الله بن هاني الأودي، قال : ومَن أود؟ لا والله لا أزوجه ولا كرامة فقال: علي بالسيف فقال: دعني حتى أشاور أهلي فشاورهم، فقالوا: زوّجه ولا تعرّض نفسك لهذا الفاسق، فزوجه فقال الحجاج لعبد الله : قد زوجتك بنت سيد فزارة وبنت سيد همدان وعظيم كهلان، وما أود هناك ، فقال : لا تقل ذاك أصلح الله الأمير فإن لنا مناقب ليس لأحد من العرب. قال: وما هي: قال: ما سُبّ أمير المؤمنين عبد الملك في نادٍ لنا قطّ ، قال منقبة والله قال: وشهد مناصفين مع أمير المؤمنين معاوية سبعون رجلاً، وما شهد منا مع أبي تراب إلا رجل ،واحد، وكان والله ما علمته امرأ سوء قال منقبة والله قال منّا نسوةٌ نذرن

ص: 126


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 105 ، عن الكامل في اللغة والأدب: 1/ 187 .

إن قُتل الحسين بن عليّ أن تنحر كلّ واحدة عشر قلائص ففعلن قال: منقبة والله قال وما منّا رجل عُرض عليه شتم أبي تراب ولعنه إلا فعل وزاد بنيه حسناً وحسيناً وأمهما ،فاطمة قال منقبة والله قال: وما أحد من العرب له الصباحة والملاحة مالنا، فضحك الحجاج وقال: أما هذه يا أبا هاني فدعها. وكان عبد الله ذمياً شديد الأدمة مجدوراً، في رأسه عجز مائل الشدق أحول قبيح الوجه شديد الحول، انتهى .(1)

وقال أبو عثمان الجاحظ: خطب الحجاج بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالمدينة فقال : تباً لهم إنما يطوفون بأعواد ورُمّة بالية، هلاّ طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك، ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله .انتهى.(2)

ذكر العلامة ياقوت الحموي في معجم البلدان في ذكر سجستان بعد أن ذكر مَن بها من الخوارج وكثرتهم وتعصبهم في مذهبهم قال: قال محمد بن بحر الرهني: وأجل من هذا كلّه أن علياً بن أبي طالب رضی الله عنه لُعن على منابر الشرق والغرب ولم يُلعن على منبرها - يعني سجستان - إلا مرة، وامتنع-وا على بني أميّة حتى زادوا في عهدهم: وأن لا يُلعن على منبره أحد قال: وأيّ شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم على منبرهم، وهو يُلعن على منابر الحرمين مكة والمدينة. انتهى.(3)

ص: 127


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 105 - 106 .
2- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 106.
3- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 106 - 107 ، عن معجم البلدان: 191/3.

تمادي معاوية في نشر تلك البدعة الشنيعة القبيحة التي أخبر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنها علامة النفاق وسبٌ لله ولرسوله، وحمل الناس عليها بالسيف وإلزام شرار العمال النداء بها على المنبر في سائر أقطار الإسلام حتى في المدينة النبوية تجاه القبر الشريف على منبر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم غير مراعٍ في ذلك خوف الله تعالى ولا حرمة رسوله صلی الله علیه و آله وسلم ثم جعلها سنة باقية لأتباعه وخلفائه ملوك الضلالة وأئمة الجور والظلم فنهج أولئك الجبابرة منهجه واقتفوا سبيله، وأعلنوا سب علي علیه السلام ولعنه نحواً من ستين سنة.

ذكر الحافظ السيوطي رحمه الله، أنه كان في أيام بني أُميّة أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها عليّ بن أبي طالب علیه السلام بما سنه لهم معاوية من ذلك، وفي ذلك يقول العلامة أحمد الحفظي الشافعي في أرجوزته:

وقد حكى الشيخ السيوطي أنه *** قد كان فيما جعلوه سُنَّه

سبعون ألف منبر وعشرة *** من فوقهن يلعنون حيدرة

وهذه في جنبها العظائم *** تصغر بل توجّه اللوائم

فهل ترى من سنّها يعادي *** أم لا وهل يستر أو يهادي

أو عالم يقول عنه نسكت *** أجب فإني للجواب منصت

ولیت شعري هل يقال اجتهدا *** كقولهم في بغيه أم ألحدا

أليس ذا يؤذيه أم لا فاسمعن *** إن الذي يؤذيه يؤذي من ومن

بل جاء في حديث أم سلمة *** من فيكم الله يسبّ مه لمه

عاون أخا العرفان بالجواب *** وعادِ من عادى أبا تراب(1)

ص: 128


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 104 - 105 .

ولم تزل هذه السُّنة السيئة معمولاً بها في زمن بني أُميّة في جميع الأقطار والأمصار والقرى، حيث نفذت أوامرهم وأنى بلغ ملكهم يوصون بها عمالهم ويجبرون عليها رعاياهم حتى أبطلها إمام الهدى عمر بن عبد العزيز رضی الله عنه وأبدل مكانها من الخطبة. قول الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ

تَذَكَّرُونَ» [النحل/ 90].

وفي ذلك يقول كثير بن عبد الرحمن يمدح عمر ويذكر قطعه السّب:

ولیت فلم تشتم عليّاً ولم تخف *** برياً ولم تقبل إساءة مجرم(1)

فانظر رحمك الله إلى جرأة هؤلاء الظلمة العتاة على الله تعالى، وما قدموه لأنفسهم من الكبائر والعظائم، وما تعرضوا له من الوعيد الشديد من المنتقم الجبار الشديد العقاب، على أن كلّ ما فعلوه من السب والشتم واللعن وإن عمّ وطمّ وانتشر وتتابع منهم لا ينقص من مقام الإمام

علیّ علیه السلام مثقال ذرة ولا تلحقه بذلك غضاضة ولا معرّة.

فإن مقداره عند الله وجلالته في قلوب الصالحين من عباده أعظم وأجل من أن يهتك حرمتها هذر معاوية وأتباعه، كما أن ضعة رتب معاوية وأتباعه وحقارة شأنهم عند الله، وسوء مواقعهم في قلوب المؤمنين المتقين أقل أو أحقر من أن يرفعها، أو يؤثر فيها تعظيم هؤلاء المتعصبين لهم وتسويدهم قدر أنملة، جف القلم بما هو كائن، وكلّ ميسر لما خلق له.

ص: 129


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 107.

ربّما قيل: إن لهؤلاء القوم صلوات وزكوات وشيئاً من العبادات أوما تراها مغنية عنهم شیئاً يوم القيامة؟

قلت: لا أخال أنه ينفعهم شيء من ذلك ورسول الله صلى الله عليه وآله سلم يقول من أثناء حديث أخرجه الحاكم وصححه: «فلو أن رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار».(1)

وصح أيضاً أنه صلی الله علیه وآله وسلم قال: «والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا

أدخله الله النار». (2)

وورد أيضاً من أثناء حديث صحيح قوله : «من آذاني في عترتي فقد آذى الله » . (3)

[ وقوله صلی الله علیه وآله وسلم: ] «إن الله حرّم الجنة على من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبّهم» .(4)

وأخرج في الفردوس : بغضُ علىّ سيئة لا تنفع معها حسنة (5). إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة ، فبغض عليّ وعترته وعداوتهم من موجبات الضلال، ومحبطات الأعمال، وما أحسن ما قاله الناصر العباسي في هذا المعنى اقتباساً من تلك الأحاديث شعراً :

ص: 130


1- المستدرك على الصحيحين : 149/3 .
2- المستدرك على الصحيحين : 3/ 150 .
3- سبل الهدى والرشاد: 9/11 .
4- ينابيع المودة: 192/3.
5- ينظر : فردوس الأخبار : 347/1 والحديث منقول بتصرف.

قسماً بمكة والحطيم وزمزم *** والراقصات وسعيهن إلى منى

بغضُ الوصي علامة مكتوبة *** كُتبت على جبهات أولاد الزنا

من لم يوال من البرية حيدراً *** سيّان عند الله صلى أو زنى

وله أيضاً:

لو أن عبداً أتى بالصالحات *** غداً ووَدَّ كل نبي مرسل وولي

وعاش ما عاش آلافاً مؤلفةً *** خلواً من الذنب معصوماً من الزلل

وقام ما قام قوّاما بلا كللٍ *** وصام ما صام صوّاما بلا ملل

وطار في الجو لا يأوي إلى جبل *** وغاص في البحر لا يخشى من البلل

فليس ذلك يوم البعث ينفعه *** إلا بحُبّ أمير المؤمنين عليّ(1)

رجال امتنعوا عن السبّ:

1 سعد بن أبي وقاص 5 عبد الرحمن بن حسان

2يفي بن فسيل 6 الأحنف بن قيسر

3عطية بن سعد 7 رش رشيد الهجري

4 ابن أبي لیلی 8 حجر بن عدیّ

ص: 131


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 108 - 109 .

1- سعد بن أبي وقاص: (ت 55 ه).

هو في طليعة من امتنع عن سبّ أمير المؤمنين لما يعرفه من فضله وسمو مكانه وجلالة قدره، وقد طلب منه معاوية ذلك، وقال له: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال سعد: أما ما ذكرت ثلاثاً سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قالهنّ له، فلن أسبه أبداً، لئن تكون لي واحدة منهن أحبّ إلي من حُمر النعم.

سمعت رسول الله صل الله علیه و آله وسلم يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه فقال له عليّ: يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان، فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فتطاولنا لها، فقال ادعوا لي عليّا فأتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه.

ولمّا نزلت هذه الآية: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ » [آل عمران/ 61 ].

دعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي.(1)

لمّا قال سعد هذه المقالة لمعاوية ؛ قال له معاوية : ما كنت عندي ألأم منك الآن، فألا نصرته ولِمَ قعدت عن بيعته ؟ وكان سعد قد تخلّف عن بيعته علیه السلام، ثم قال معاوية أما إني لو سمعتُ من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ما سمعتُ في عليّ بن أبي طالب لكنتُ له خادماً ما عشت ! !(2)

ص: 132


1- ينظر: تذكرة الخواص: 22 .
2- تذكرة الخواص : 23 ، عن مروج الذهب: 354/1 .

يظهر مما يرويه ابن حجر في صواعقه؛ أن معاوية كان يعرف من فضائل عليّ أكثر مما كان يعرفه سعد، إلا أنه تجاهل ذلك حيث أراد أن يسكت سعداً ويبكِّتَه، كيف لا وابن حجر يقول : أخرج أحمد : أن رجلاً سأل معاوية مسألة، فقال: سل عنها عليّاً فهو أعلم، قال: جوابك فيها أحب إلي من جواب عليّ، قال: بئس ما قلت لقد كرهت رجلاً كان رسول الله يغرّه بالعلم غَرّاً، ولقد قال له: أنت مني بمنزلة هارون من ، إلا أنه لا نبي بعدي، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذه منه، إلى آخر كلامه(1). حيث قال: وأخرجه آخرون قال ولكن زاد بعضهم قم لا أقام الله رجليك ومحا اسمه من الديوان إلى آخر ما نقله في ص 107 من صواعقه.(2)

2 - صيفي بن فسيل الشيباني : (قتل سنة 51 مع حجر بن عدي).

أحد الشجعان المذكورين كان يقيم في الكوفة(3). قال ابن الأثير : بعث زياد بن أبيه في طلب (صيفي بن فسيل الشيباني) فأتي به، فقال له: يا عدو الله ما تقول في أبي تراب؟ فقال: لا أعرفه فقال: ما أعرفك به أتعرف عليّاً ابن أبي طالب؟ قال: نعم. قال: فذاك أبو تراب . قال : كلّا ذاك أبو الحسن والحسين، فقال له صاحب الشرطة : يقول الأمير هو أبو تراب وتقول لا!؟ قال: فإن كذب الأمير أكذب أنا وأشهد على باطل كما شهد؟!

ص: 133


1- المراجعات 200 (المراجعة (28) ، عن الصواعق المحرقة: 177.
2- المراجعات:200 (المراجعة 28) .
3- الأعلام: 211/3.

فقال له :زياد وهذا أيضاً؟ عليّ بالعصا فأُتي بها، فقال: ما تقول في عليّ؟ :قال أحسن قول قال: اضربوه، فضربوه حتى لصق بالأرض، ثم قال: اقلعوا عنه، ما قولك في عليّ ؟ قال : والله لو شرّحتني بالمواسي ما قلت فيه إلّا ما سمعت مني ، قال لتلعننَّه أو لأضر بنَّ عنقك قال: لا أفعل، فأوثقوه حديداً وحبسوه.(1)

3- أبو الحسن الكوفي عطية بن سعد العوفي التابعي الشهير :

كان عطية بن سعد فقيهاً في زمن الحجاج. كان أبوه سعد بن جنادة من أصحاب عليّ، وقد جاءه وهو في الكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين: إنه وُلد لي غلام فسمّه ، قال علیه السلام هذا عطية الله فسُمي عطية. قال ابن سعد وخرج عطية مع ابن الأشعث على الحجاج، فلما انهزم جيش ابن الأشعث هرب عطية إلى ،فارس، فكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم: أن ادع عطية فإن لعن عليّاً بن أبي طالب وإلا فاضربه أربعمائة سوط واحلق رأسه ولحيته، فدعاه فأقرأه كتاب الحجاج، فأبى عطية أن يفعل، فضربه أربعمائة سوط، وحلق رأسه ولحيته، فلما ولي قتيبة خراسان خرج عطية إليه، فلم يزل بخراسان حتى ولي عمر بن هبيرة ،العراق، فكتب إليه عطية يسأله الإذن له في القدوم فأَذنَ له، فقدم الكوفة، ولم يزل بها إلى أن توفي سنة إحدى عشرة ومئة .(2)

ص: 134


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 103 ، عن الكامل في التاريخ: 478/3 .
2- المراجعات 154 (المراجعة 16) ، عن الطبقات الكبرى: 304/6.

4 - ابن أبي ليلى:

محمد بن عبد الرحمن الأنصاري الكوفي القاضي الفقيه (74 - 148ه) (1)امتنع عن سبّ عليّ أمير المؤمنين، فضربه الحجاج مع جلالة قدره...؟!(2)

5 - عبد الرحمن العنزي يدفن حيّاً:

هو عبد الرحمن بن حسان العنزي من بني ربيعة: شجاع قوي المراس (قتل سنة 51 ه) قبض عليه زياد بن أبيه وأرسله إلى الشام، فدعاه معاوية إلى البراءة من عليّ، فأغلظ عبد الرحمن في الجواب، فردّه إلى زياد(3)، وأمره أن يقتله شر قتلة، فدفنه حيّاً !!(4)

قال عبد الرحمن - وقد عرض على السيف مع أصحاب حجر في مرج عذراء - ابعثوا بنا إلى معاوية فنحن نقول فی هذا الرجل مثل مقالته، فأُخبر معاوية بذلك فأمر بإحضاره فلما دخل عليه، قال له معاوية: إيه يا أخا ربيعة ! ما قولك في عليّ ؟ قال دعني ولا تسألني فإنه خير لك، قال: والله لا أدعك حتى تخبرني عنه ؛ قال : أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيراً، ومن الأمرين بالحق والقائمين بالقسط والعافين عن الناس، قال: فما قولك في عثمان؟ قال: هو أول من فتح باب الظلم، وأرتج أبواب الحق، قال: قتلت

ص: 135


1- ينظر الأعلام 6/ 189 .
2- ينظر : النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 118.
3- الأعلام : 3/ 303 .
4- الفصول المهمة في تأليف الأمة: 140 .

نفسك، قال : بل إياك قتلت .. فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه أما بعد فإن هذا العنزي شرّ من بعثت، فعاقبه عقوبته التي هو أهلها، واقتله شرّ قتلة، فلما قدم به على زياد، بعث به زياد إلى قُسّ الناطف(1) فدفن به حيّاً !! (2)

6 - الأحنف بن قيس:

الأحنف بن قيس بن معاوية بن حُصين المرّي السّعدي المنقري التميمي، أبو بحر سيد تميم، وأحد العظماء الدهاة الفصحاء الشجعان الفاتحين، يُضرب به المثل في الحلم، وُلد في البصرة (3 ق. ه – 72 ه)(3)

کان من سادات التابعين، ولما أتى النبي صلی الله علیه وآله وسلم بنو تميم يدعوهم إلى الإسلام كان الأحنف فيهم، ولم يجيبوا إلى اتّباعه، فقال لهم الأحنف: إنه ليدعوكم إلى مكارم الأخلاق وينهاكم عن ملائمها، فأسلموا وأسلم الأحنف .. (4)

الأحنف ومعاوية في مواجهة كلامية حادة:

حدّث الكندي عن أبيه قال: إن معاوية بن أبي سفيان بينا هو جالس وعنده وجوه الناس فيهم الأحنف بن قيس إذ دخل رجل من أهل الشام فقام

ص: 136


1- موضع قرب الكوفة على شاطىء الفرات، وفيه كانت أول وقعة بين المسلمين وبين فارس وهي يوم الجسر. (الروض المعطار في خبر الأقطار: 480/1).
2- تاريخ الطبري: 4 / 206 .
3- الأعلام : 276/1.
4- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: 499/2.

خطيباً، فكان آخر كلامه أن سبَّ عليّاً رضی الله عنه، فأطرق الناس وتكلم الأحنف فقال : يا أمير المؤمنين، إن هذا القائل آنفاً لو يعلم أن رضاك في لعن المرسلين لفعل، فاتق الله ودع عنك عليّاً فقد لقي ربَّه، وأُفرد في قبره، وخلا بعمله، وكان والله المبرز سيفه، الطاهر ثوبه، الميمون نقيبته، العظيم مصيبته.

فقال معاوية : يا أحنف لقد أغضيت العين عن القذى وقلت فيما ترى وأيم الله لتصعدنّ المنبر ولتلعننَّه طوعاً أو كرهاً. فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين، إن تعفني فهو خير لك وإن تجبرني فو الله لا تجري به شفتاي أبداً. قال: قم فاصعد، قال الأحنف: أما والله مع ذلك لأنصفنّك في القول والفعل ؛ قال : وما أنت قائل يا أحنف إن أنصفتني؟ قال: أصعد المنبر فأحمد الله تعالى بما هو أهله وأصلي على نبيه صلی الله علیه وآله وسلم.

ثم أقول: أيها الناس، إن أمير المؤمنين معاوية أمرني أن ألعن عليّاً، ألا وإن عليّاً ومعاوية اقتتلا واختلفا فادّعى كلّ منهما أنه مبغيٌّ عليه وعلى فئته، فإذا دعوت فأمّنوا رحمكم الله.

ثم أقول : اللهم العن أنت وملائكتك وأنبياؤك وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه ، والعن الفئة الباغية لعناً كثيراً، أمنوا رحمكم الله ؛ لا أزيد على هذا حرفاً، ولا أنقص منه حرفاً، ولو كان فيه ذهاب نفسي.

فقال معاوية : إذن نعفيك أبا بحر . (1)

ص: 137


1- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: 2/ 505.

وبهذه الطريقة الأدبية الذكية استطاع عقيل بن أبي طالب أن يبكت معاوية تبكيتاً، ويرد الشر إلى نحره، ويغيضه في مجلسه - بين المنافقين من أصحابه وجلّاسه - يوم قال له معاوية : إن عليّاً قد قطعك ووصلتك، ولا يرضيني منك إلا أن تلعنه على المنبر :قال أفعل، قال: فاصعد المنبر، فصعد قال: بعد أن حمد الله وأثنى عليه، أيها الناس أمرني أن ألعن عليّاً بن أبي طالب أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان فالعنوه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ثم نزل، فقال له معاوية : إنك لم تبين، قال: والله لا زدت حرفاً ولا نقصت آخر، والكلام على نية المتكلم .(1)

7- رشید الهَجری

7 - رُشيد الهَجَري.(2)

و مما ذكر من موقف رشيد في امتناعه عن سبّ أمير المؤمنين علیه السلام حيث أدى به أن قُتل شرّ قتلة وهذا ما ذكره الشيخ المفيد في الاختصاص عن قنوا بنت رشيد الهجري قالت: سمعت من أبي يقول: قال حدثني أمير المؤمنين علیه السلام فقال : يا رشيد كيف صبرك إذا أرسل إليك دعيُّ بني أُميّة فقطع يديك ورجليك ولسانك ؟ فقلت: يا أمير المؤمنين آخر ذلك الجنة؟ قال: بلى يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة، قالت: فوالله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه الدعيّ عبيد الله بن زياد فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين علیه السلام فأبى أن يتبرّأ منه. فقال له الدعيّ: فبأيّ ميتة قال لك تموت؟ قال: أخبرني

ص: 138


1- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: 505/2 .
2- رُشید: بضم الراء مصغراً . والهَجَري : بفتح الهاء والجيم نسبة إلى هجر. (رجال الكشي: 71).

خليلي أنك تدعوني إلى البراءة منه فلا أتبرّأ منه فتقدمني فتقطع يديّ ورجليّ ولساني.

فقال: والله لاُ كذبنّ قوله فيك، قدّموه فاقطعوا يديه ورجليه واتركوا لسانه. فحملت طوائفه(1) لما قطعت يداه ورجلاه فقلت له: يا أبه كيف تجد ألماً لما أصابك ؟

فقال : لا يا بنيّة إلّا كالزحام بين الناس، فلما حملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله فقال : ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم ما يكون إلى أن تقوم الساعة فإنّ للقوم بقية لم يأخذوها مني بعد فأتوه بصحيفة فكتب الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم.

وذهب العين (2) فأخبره أنه يكتب للناس ما يكون إلى أن تقوم الساعة فأرسل إليه الحجّام حتى قطع لسانه فمات في ليلته تلك.

وكان أمير المؤمنين علیه السلام يسمّيه رشيد البلايا وكان قد ألقى إليه علم البلايا والمنايا فكان في حياته إذا لقى الرجل قال له يا فلان تموت بميتة كذا وكذا وتقتل أنت يا فلان بقتلة كذا وكذا فيكون كما يقول رشيد؛ وكان أمير المؤمنين علیه السلام يقول له : أنت رشيد البلايا إنّك تُقتل بهذه القتلة فكان كما قال أمير المؤمنين علیه السلام.(3)

ص: 139


1- وفي رجال الكشي (71) : (فحملت أطراف يديه ورجليه).
2- المراد بالعين هنا الجاسوس.
3- الاختصاص: 77 - 78 ، بحار الأنوار: 137/42.

8 - حجر بن عدي

قصة حجر (1) وأصحابه مع معاوية قصة مثيرة تجلّى الإيمان فيها بأهل البيت والوفاء لهم، والحرص على محبتهم والتمسك بولائهم؛ إلى حدّ اختيار القتل والفناء على الحياة والبقاء في ظلّ أعدائهم، والناكرين فضلهم، والمتنكرين لمكانتهم في الإسلام، وقربهم من رسول الله سيد الأنام، وما قال الله ورسوله فيهم من ثناء جميل وقول كريم..

وإليك أيها القارئ الكريم طرفاً مما ذكره الطبري في تاريخه عنهم؛ بعد أن جيء بهم إلى مَرْج عَذارء ، وهي قرية بينها وبين دمشق اثنا عشر ميلاً: فجاء رسول معاوية إليهم بتخلية ستة وبقتل ثمانية، فقال لهم رسول معاوية: إنّا قد أُمرنا أن نعرض عليكم البراءة من عليّ واللعن له، فإن فعلتم تركناكم، وإن أبيتم قتلناكم وإن أمير المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلّت له بشهادة أهل مصركم عليكم، غير أنه قد عفا عن ذلك، فابرؤوا من هذا الرجل نخَلّ سبيلكم. قالوا: اللهم إنا لسنا فاعلي ذلك. فأمر بقبورهم فحفرت، وأدليت أكفانهم، وقاموا الليل كله يصلّون، فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية يا هؤلاء، لقد رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة، وأحسنتم

ص: 140


1- حجر بن عدي بن جبلة الكندي (... - 51 ه- = ... - 671 م)، ويسمى حجر الخير: صحابي . - شجاع، من المقدمين، وفد على رسول الله و وشهد القادسية، ثم كان من أصحاب عليّ وشهد معه وقعتي الجمل وصفين. وسكن الكوفة إلى أن قدم زياد بن أبي سفيان والياً عليها.. فجيء به إلى دمشق فأمر معاوية بقتله في مرج عذراء من قرى دمشق مع أصحاب له. (الأعلام: 169/3).

الدعاء، فأخبرونا ما قولكم في عثمان ؟ قالوا هو أول من جار في الحكم وعمل بغير الحق؛ فقال أصحاب معاوية: أمير المؤمنين كان أعلم بكم، ثم قاموا إليهم فقالوا: تبرؤون من هذا الرجل قالوا بل نتولاه ونتبرأ ممن تبرأ منه، فأخذ كل رجل منهم رجلاً ليقتله.. ثم إن حجراً قال لهم: دعوني أتوضأ، قالواله توضأ، فلما أن توضأ، قال لهم: دعوني أصل ركعتين فأيمن الله ما توضأت قط إلا صليت ركعتين؛ قالوا: لتصل؛ فصلّى، ثم انصرف فقال : والله ما صليت صلاة قط أقصر منها، ولولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لأحببت أن أستكثر منها، ثم قال: اللهم إنا نستعديك

على أمتنا، فإن أهل الكوفة شهدوا علينا، وإن أهل الشام يقتلوننا، أما والله لئن قتلتموني بها إني لأول فارس من المسلمين هلك في واديها، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها. فمشى إليه الأعور هدبة بن فياض بالسيف فأرعدت خصائله، فقال: كلا؛ زعمت أنك لا تجزع من الموت فأنا أدع-ك فابرأ من صاحبك، فقال: مالي لا أجزع وأنا أرى قبراً محفوراً، وكفناً منشوراً، وسيفاً مشهوراً، وإني والله إن جزعت من القتل لا أقول ما يسخط الرب، فقتله؛ وأقبلوا يقتلونهم واحداً واحداً.. وهم: حجر بن عدي وشريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل الشيباني، وقبيصة بن ضبيعة العبسي، ومحرز بن شهاب السعدي، ثم المنقري، وكدام بن حيان العنزي، وعبد الرحمن بن حسان العنزي، فبعث به إلى زياد فدفن حياً بقُس الناطف، فهم سبعة قُتِلوا وكُفنوا وصلي عليهم.

قال: فزعموا أن الحسن علیه السلام لما بلغه قتل حجر وأصحابه، قال :

ص: 141

صلّوا عليهم، وكفنوهم، واستقبلوا بهم القبلة، قالوا: نعم، قال: حجوهم ورب الكعبة !(1)

تلك كانت مجزرة فضيعة من مجازر الظلم والطغيان جُزر فيها خيرة المسلمين جَزْرَ الضحايا ما كان لها من سبب سوى سبب واحد، هو التمسك بأهل البيت ولحمة الرسول وقرباه ، والامتناع من التطاول عليهم، وسبّهم وشتمهم لا لشيء إلا إرضاءً لمعاوية الذي أمسى وبات وأصبح وأضحى يتميّز غيضاً لأهل البيت؛ حيث أصبح شتمهم دواءً مشافياً لنفسه التي عادت لا ترتاح إلا على نغمات السب البذيء وكيل الشتائم وقذف قربى الرسول صلی الله علیه وآله وسلم بكل شائنة وعيب..؟!

وقد كان لتلك المجزرة، وقتل أولئك الأباة الأخيار حجر وأصحابه من ردود الفعل والاستنكار بين المسلمين وصحابة الرسول والصلحاء من التابعين؛ ماندم عليه معاوية أشد الندم. كانت أم المؤمنين عائشة قد غضبت لقتل حجر ، فأنبت معاوية أشدّ التأنيب حين التقته، حيث قالت ل-ه ي-ا معاوية، أين كان حلمك عن حجر ! (2)وفي رواية أخرى: يا معاوية، أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه ؟ فكان جوابه - مرة - : إنما قتلهم من شهد عليهم (3)، ومرة: يا أم المؤمنين، لم يحضرني رشيد!.(4)

ص: 142


1- ينظر: تاريخ الطبري: 205/4 - 207 .
2- تاريخ الطبري: 191/4.
3- تاريخ الطبري : 4 / 208 ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب : 1/ 331
4- تاريخ الطبري: 191/4.

الحسن البصري يغضب لقتل حجر

قال أبو مخنف عن الصقعب بن زهير ، عن الحسن، قال: أربع خصال كنّ في معاوية، لو لم يكن فيه منهنّ إلا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذو الفضيلة.. وقتله حجراً، ويلاً له من حجر! مرتين .(1)

قال أبو مخنف: وزعموا أنّ معاوية قال عند موته: يوم لي من ابن الأدبر طويل ثلاث مرات - يعني حجراً - . (2) وفي رواية، قال ابن سيرين(3) فبلغنا أنه لما حضرته الوفاة جعل يُغرغر بالصوت ويقول: يومي منك يا حجر يوم طويل ! (4)

تلك صور نادرة من صور البطولة والثبات على المبدأ ذكرناها لك أيها القارئ الكريم لتعرف ما كان عليه بنو أمية من الابتعاد عن الدين والتنكر الشريعة سيد المرسلين، والعداء والبغضاء لأهل البيت، ومن كان يتبع أثرهم في الدين ويهتدي بهديهم، فصبوا جام غضبهم على كبيرهم وصغيرهم، ولاحقوهم في كل مكان حتى جعلوا لياليهم سوداء حالكة لا ينام فيها أحد منهم إلا خائفاً مذعوراً.. لا يدري متى يؤتى؟ ولا من أين؟ ليُكبّل بالحديد، ثم يُذبح كما يُذبح الحيوان فيذهب دمه هدراً ولا مطالب له

ص: 143


1- تاريخ الطبري: 208/4 .
2- تاريخ الطبري: 208/4 .
3- محمد بن سيرين البصري إمام وقته في علوم الدين بالبصرة (ت 110ه).
4- تاريخ الطبري: 191/4.

في الوادي؟! أو ليُؤخذ به إلى طاغية من طواغيت بني أميّة؛ ليزجّ به في طوامير السجون، وتحت أطباق الثرى ليهلك دون أن يدري به أحد!!

تلك قصص من قصص القتل وسفك الدماء، وإزهاق الأنفس؛ تكاد أن تكون خيالاً في ذاكرة التاريخ، أو أسطورة من أساطير الماضي !؟ لكنها حدثت من دونما شكّ فتناقلتها الرواة راوٍ عن راوٍ حتى وصلت إلينا بكلّ ما تحمل من فكرة وعبرة ومأساة..

الصورة الرابعة [منع ذكر فضائل علي بن أبي طالب علیه السلام]

1. معاوية يكتب إلى عماله بمنع فضائل عليّ علیه السلام.

2 . معاوية ينهى ابن عباس عن تأويل القرآن.

3. الحسين علیه السلام يتصدى لمعاوية.

4 . التأثير الفعلي لما قام به معاوية وانعكاساته على المستقبل.

5. سعيد بن جبير.

6 . والد عمر بن عبد العزيز.

7. النسائي يُقتل من أجل الرواية في عليّ علیه السلام.

8. الواسطي وحديث الطير.

9 . البخاري والرواية.

10. الحسن والحسين وزين العابدين والحمزة علیهم السلام.

11 . الصلاة على أهل البيت علیهم السلام.

ص: 144

معاوية يمنع من ذكر فضائل أهل البيت علیهم السلام

روى أبو الحسن المدائني في كتاب الأحداث، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كل منبر يلعنون عليّاً ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاءً حينئذٍ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة عليّ علیه السلام، فاستعمل عليهم زیاد ابن سمية، وضم إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف؛ لأنه كان منهم أيام عليّ علیه السلام، فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم.(1)

ابن عباس ومعاوية في مجابهة كلامية

قدم معاوية حاجا - في خلافته - بعد صلح الحسن، ومرّ بحلقة من ،قریش ، فلما رأوه قاموا إليه غير عبد الله بن عباس، فقال له يا بن عباس ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلا لموجدة عليّ بقتالي أياكم يوم صفين يا بن عباس إن ابن عمي عثمان قتل ،مظلوماً، قال ابن عباس: فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوماً فسلم الأمر إلى ولده، وهذا ابنه. قال: إن عمر قتله مشرك، قال ابن عباس : فمَن قتل عثمان؟ قال: قتله المسلمون. قال: فذاك

ص: 145


1- شرح نهج البلاغة 11 : 44 ، النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 97 .

أدحض لحجتك، إن كان المسلمون قتلوه وخذلوه فليس إلا بحق وقال فإنا كتبنا إلى الآفاق ننهى عن ذكر مناقب عليّ وأهل بيته فكفَّ لسانك يا بن عباس قال: فتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال: لا، قال: فتنهانا عن تأويله؟ :قال نعم قال فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به؟ قال: نعم. قال: فأيهما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟ قال: العمل به، قال فکیف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا ؟ قال : سَلْ عن ذلك من يتأوله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك، قال: إنها أُنزل القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان وآل أبي معيط ؟ قال : فأقرأوا القرآن ولا ترووا شيئاً مما أنزل الله فيكم ومما قال رسول الله، وارووا ما سوى ذلك ! قال ابن عباس : قال الله تعالى: «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ »[التوبة / 32].

قال معاوية: يا بن عباس اكفني نفسك، وكفّ عنّي لسانك، وإن كنت لابد فاعلاً فليكن سراً ولا تسمعه أحداً علانية! ثم رجع إلى منزله واشتد البلاء بالأمصار كلّها على شيعة عليّ وأهل بيته، وكان أشد الناس بلية أه-ل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة، واستعمل عليها زياداً وجمع له العراقين وكان يتتبع الشيعة وهو بهم عالم؛ لأنه كان منهم، فقتلهم تحت كل كوكب وتحت كل حجر ومدر وأحلاهم وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل منهم، وصلبهم على جذوع النخل، وسمل أعينهم، وطردهم وشرّدهم.(1)

ص: 146


1- ينظر : كتاب سليم بن قيس : 315 - 317، بحار الأنوار: 33/ 178 - 179.

الحسين علیه السلام يتصدى لمعاوية

قال سليم بن قيس ولما كان قبل موت معاوية بسنة حج الحسين بن عليّ وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر فجمع الحسين بني هاشم ثم رجالهم ونساءهم ومواليهم ومن حج منهم من الأنصار ممن يعرفه الحسين علیه السلام وأهل بيته، ثم أرسل رسلاً لا تدعوا أحداً حجّ العام من أصحاب رسول الله صل الله علیه وآله وسلم المعروفين بالصلاح والنسك إلا اجمعوهم لي، فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل، وهم في سرادقه، عامتهم من التابعين، ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبي صلی الله علیه وآله وسلم فقام فيهم خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم .وشهدتم. وإني أريد أن أسألكم عن شيء فإن صدقت فصدقوني، وإن كذبت فكذبوني، اسمعوا مقالتي واكتبوا قولي ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم فمَن أمنتم من الناس، ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا. فإني أتخوف أن يدرس هذا الأمر ويذهب الحق ويغلب والله متم نوره ولو كره الكافرون.

وما ترك شيئاً مما أنزله الله فيهم من القرآن إلّا تلاه وفسره، ولا شيئاً مما قاله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، في أبيه وأخيه وأمه وفي نفسه وأهل بيته إلّا رواه.. وكلّ ذلك يقول أصحابه، اللهم نعم وقد سمعنا وشهدنا. ويقول التابعي: اللهم قد حدثني به من أصدقه وائتمنه من الصحابة. قال: أنشدكم الله إلا حدثتم به من تثقون به و بدينه.(1)

ص: 147


1- صلح الإمام الحسن علیه السلام : 324 - 325 ، عن كتاب سلیم بن قيس: 320-321.

إعلام معاوية وتأثيره

حقاً إن ما قام به معاوية من إعلام ضالّ مضلّل من أجل أن يمنع ما لعليّ ولأهل بيته من مناقب وفضائل، كان له تأثيره الفعليّ المباشر؛ حيث كُمَّتِ الأفواه، وأُخْرِسَتِ الألسن، وأُرْعِبَتِ النفوس.. فامتنع الناس حينها عن التحدث بما لعليّ من ميزات وخصائص ومواقف مع الرسول كان فيها المجاهد الفدائي لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

لم يقتصر ذلك التأثير المخيف على من عاصر معاوية؛ بل امتد إلى عصور أخرى، فهذا (سعيد بن جبير) أعلم التابعين على الإطلاق(1)؛ يكتم حديث (الراية) وقد سأله عنه الورع مالك بن دينار (ت 131ه)(2)؛ حيث قال له مالك : مَن كان حامل راية رسول الله ؟ قال : فنظر إلي وقال: كأنك رخي البال . قال مالك فغضبت وشكوته إلى إخوانه.(3)

لو لم يحذر (سعيد) من سيف مسلول مسلط عليه، وعلى كل من ينبس ببنت شفة نحو أهل البيت لنطق بها بصريح القول.. وهل هناك من كان يحمل راية رسول الله في الشدائد غير عليّ بن أبي طالب؟

ص: 148


1- ينظر الأعلام: 93/3.
2- أبو يحيى مالك بن دينار البصري ( . . . - 131 ه- = 748 م ) ، من رواة الحديث. كان ورعاً، يأكل من كسبه، ويكتب المصاحف بالأجرة، توفي في البصرة. (الأعلام : 5/ 260).
3- المستدرك على الصحيحين: 1373 ، المناقب للخوارزمي: 358 ، غاية المرام : 34/7.

وهذا والد عمر بن عبد العزيز يمتلئ علماً ودراية بفضائل علي علیه السلام ولكنه يكتمها ! لأنه لو فاه بها لتفرق الناس عنه وعن قومه، إلى أولاد عليّ.

يقول عمر بن عبد العزيز (ت 101ه) : كان أبي إذا خطب فنال من عليّ - رضی الله عنه - تلجلج !! فقلت يا أبت إنك تمضي في خطبتك فإذا أتيت على ذكر علي عرفت منك تقصيراً.

قال أو فطنت لذلك؟ قلت: نعم. قال: يا بني إنّ الذين حولنا لو يعلمون من عليّ ما نعلم تفرّقوا عنّا إلى أولاده .(1)

النسائي يُقتل من أجل الرواية في على علیه السلام

وهذا الحافظ النسائي أحمد بن عليّ (ت 303 ه) يجمع خصائص علي علیه السلام فيطالب أن يضع مثلها ( لمعاوية) فيجيب بما يعرفه عن معاوية قائلاً: لا أعرف فيه إلا قول النبي صلی الله علیه وآله وسلم : لا أشبع الله بطنه. فضرب بالنعال وعُصرت خصيتاه ثم مات شهيداً رحمه الله.(2)

الواسطي وحديث الطير

قال الذهبي في ترجمة الواسطي بارك الله في سِنّه وعلمه، واتفق أنه أملى حديث الطير فلم تحتمله عقولهم، فوثبوا به وأقاموه وغسلوا موضعه فمضى ولزم بيته ولم يحدّث أحداً من الواسطيين.(3)

ص: 149


1- الإمام علي نبراس ومتراس: 33 - 34 ، عن الكامل في التاريخ: 42/5 .
2- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 118.
3- النصائح الكافية لمن تولى معاوية : 118 ، عن سير أعلام النبلاء: 352/16 .

وذكر أبو الفرج في خبر (خندق بن بدر الأسدي) أنه وقف بالموسم، فقال كما روى عمر بن شبة في خبره: أيها الناس إنكم على غير حق، قد تركتم أهل بيت نبيكم، والحق لهم وهم الأئمة، ولم يقل إنه سبّ أحداً فوثب عليه الناس فضربوه ورموه حتى قتلوه، انتهى.(1)

قال الذهبي: إن عباداً بن العوام كان يتشيع فحبسه الرشيد زماناً.(2)

ولقد صدق الشاعر دعبل الخزاعي رحمه الله حيث قال:

إن اليهود بحبّها النبيها *** أمنت بوائق دهرها الخوّان

وكذا النصارى، حبُّهم لنبيهم *** يمشون زهواً في قرى نَجرانِ

والمسلمون بحبِّ آل نبيِّهم *** يرمون في الآفاق بالنيران(3)

وذكر (زين الدين العراقي (4)) رحمه الله : أنه كان في بعض أيام بني أُميّة إذا سمعوا بطفل سُميّ بعلي قتلوه فكان الناس يبدلون أسماء أولادهم .(5)

ص: 150


1- النصائح الكافية لمن تولى معاوية: 118 ، عن الأغاني : 354/3 .
2- النصائح الكافية لمن تولى معاوية : 118 ، عن تاريخ الإسلام: 202/12 .
3- دیوان دعبل بن علي الخزاعي: 112.
4- هو أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن زين الدين المعروف بالحافظ العراقي ( 25 - 806 ه- = 1325 - 1404م): بحاثة من كبار حفاظ الحديث، أصله من الكرد، ومولده في رازنان تحوّل صغيراً مع أبيه إلى مصر، فتعلم ونبغ فيها، وقام برحلة إلى الحجاز والشام وفلسطين، وعاد إلى مصر، فتوفي في القاهرة له مؤلفات كثيرة مطبوعة وغير مطبوعة (ينظر الأعلام (3 /344 ).
5- النصائح الكافية لمن تولى معاوية : 154 .

وكان الحسن البصري(1) : يروي أحاديثه التي عن عليّ علیه السلام مرسلة خوفاً من بني أُميّة، وهكذا كان الأمر في أيام بني العباس، وقد أشار إلى هذا العلامة أحمد الحفظي في أرجوزته حيث قال:

والحسن البصري يروي عن عليّ *** علومه وللسماع يجتلي

لكنه لوقال هذا قتلا *** فكان يروي للحديث مرسلا

قال الإمام أحمد بن حنبل *** لسائل عن فضل مولانا علي

ماذا أقول بعد كتمان العدا *** للنصف من فضل الولي حسدا

ونصفه خوفاً من القتل وذا *** حقيقة يعرفها من احتذا

وأظهر الله من الكتمين *** ما ملأ البرين والبحرين

والآن زال العذر والحق ظهر *** فاستلم الركن وقبل الحجر

وطلع النجم على الجهات *** وأمن الخلق من العاهات

وجاء نصر الله والفتح فما *** بعد الهدى إلّا الظلال والعمى(2)

ويمتدّ تأثير إعلام معاوية بن أبي سفيان المضلّل الذي ينتقص فيه أهل البيت، ويقلل من شأنهم، ويحاول فيه أن يميت ذكرهم، ويمحو أثرهم.

ذلك الإعلام الكاذب يمتد تأثيره إلى عصور متأخرة عن عصر بني أميّة، حيث يصل إلى علماء الحديث، ومدوني الأخبار وكُتّاب السِّيَر؛ فتجد

ص: 151


1- الحسن بن يسار البصري، تابعي إمام أهل البصرة (ت 110 ه).
2- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 154 - 155 .

التعليقات لكلّ حديث ورد في فضل علي علیه السلام ، ولو كان في أعلى مراتب الصحة والتأويلات لمعناه بما لا يطابق ظاهره في الغالب، لكي يطابق ويوافق ما رسخ في أذهانهم مما اعتقدوه ، وجمدوا عليه، هذا إذا سلم من دعوى وضعه أو ضعفه، ولا تجد شيئاً من هذا في شيء من الأحاديث الواردة في حق غيره.

هاهم قد شحنوا كتبهم الكلامية بذكر طبقات الصحابة رضی الله عنهم وترتيبهم في الفضل فقالوا أفضلهم بعد الخلفاء الأربعة باقي العشرة، فأهل بدر فأهل أحد، فأهل بيعة الرضوان،ثم عامة الصحابة، ولم يذكر إلا مَن ندر منهم الحسن، ولا الحسين، ولا الحمزة ولا العباس، ولا جعفر الطيار في هذا الترتيب، ففي أيّ مرتبة نضعهم ؟ أفي عوام الصحابة و أجلافهم؟ أو كيف الحال ؟(1)

وأعجب من هذا أن بعض علماء الشافعية أفرد في مؤلف له فصلاً في ذكر كبار التابعين وعدّ منهم نحو العشرة ، ولم يذكر فيهم (زين العابدين) ولا (الحسن المثنى) ولا (محمد بن الحنفية) ولا أدري ما الصارف له عن ذلك ..!؟ إن هذا والله لقريب من الجفاء إن لم يكن الجفاء بعينه.(2)

ص: 152


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 228.
2- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 228 - 229 .

الإمام الصادق جعفر بن محمد علیه السلام

احتجّ به الستة في صحاحهم ووثقوه إلا البخاري(1) فقد احتج (بسمرة بن جندب) وهو يبيع الخمر على عهد (الخليفة) عمر بن الخطاب حيث أخرج (أحمد بن حنبل) في مسنده من حديث عمر بن الخطاب في صفحة (25) من الجزء الأول، قال: ذكر لعمر أن سمرة باع خمراً، فقال: قاتل الله سمرة، إن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : لعن الله اليهود حُرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها.

الصلاة على أهل البيت علیهم السلام

ذَهَبَ أكثر فقهاء الشافعية إلى كراهة الصلاة على الآل في التشهد الأول من الصلوات مع أن ترك الصلاة عليهم مع الصلاة عليه صلی الله علیه وآله وسلم منهٍ عنه بما صحّ من قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا تصلوا على الصلاة البتراء.. الحديث» (2)، وعللوا تلك الكراهة التي زعموها ببناء التشهد الأول على التخفيف، وليت شعري أيّ إطالة تحصل بزيادة أربعة أحرف، أو سبعة نهى النبي عن تركها، وإذا كانت علة الكراهة عندهم بناءها على التخفيف فلِمَ كرهوها للمأموم الذي فرغ من تشهّده وجلس منتظراً الإمام؟ فإنهم قالوا: يدعو بدعاء آخر، أو يسكت، ولا يصلّي على الآل! وليتهم وقفوا عند الكراهة فقط، لا بل قالوا باستحباب سجود السهو في آ الصلاة إن أتى بها جبراً للخلل الواقع في صلاته بالإتيان بها.

ص: 153


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 119.
2- الصواعق المحرقة : 144، ينابيع المودة: 37/1.

ويقابل هذا ما ذكره الشيخ ابن حجر في شرح المنهاج في باب سجود السهو وكثير غيره، قالوا: يُستحبّ للمصلي أن يسجد للسهو إذا ترك الصلاة على الصحب في القنوت جبراً للخلل الواقع في الصلاة بتركها.

وأظن أن الشيخ كغيره لا يجهلون أنه لم ينقل عن النبي صلی الله علیه وآله وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم أنه صلّى على الصحب تبعاً للصلاة عليه صلی الله علیه وآله وسلم أو أمر بها لا في الصلاة ولا خارجها وإنما قاسها مَنْ بعدهم على الصلاة على الآل، والقياس الذي ذكروه فاسد لعدم الاطراد ولوجود الفارق، ولنفرض صحة القياس وسُنّية الصلاة على الصحب، لكن كيف يتصور اختلال صلاة تاركها حتى تجبر بسجود السهو (مع خُلُو صلاة النبي صلی الله علیه وآله وسلم منها إلى أن لقي الله تعالى)؟ فما لم يفعله النبي صلی الله علیه وآله وسلم ولو مرة، قالوا بسنّيته واستحبوا سجود السهو لتركه جبراً للخلل المزعوم!؟

و ما نهى النبي اصلی الله علیه وآله وسلم عن تركه كرهوا فعله، واستحبوا السجود لمن أتى به جبراً للخلل، كما قالوا ! فليمعن طالب الحق نظره في ذلك، امّا أنا فأقطع ببراءة الإمام الشافعي مما ذكروه إذ لم يرد عنه نصُّ في شيء من ذلك ولا قاعدة يُتخرّج عليها ما زعموا، بل هو القائل:

يا أهل بيت رسول الله حبّكُمُ *** فرضُ من الله في القرآن أنزَله

يكفيكم من عظيم القدر أنكمُ *** من لم يصلِّ عليكم لا صلاة لَهُ

وأكاد أجزم بأن سجود السهو في كلتا المسألتين مبطل للصلاة؛ لأنه زيادة في ركن غير مشروع انتهى جامعه .(1)

ص: 154


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 229 الهامش.

لو قام معاوية اليوم من قبره ؛ لهاله ما يقوله كُتاب مسيحيون عن نبل عليّ ابن أبي طالب علیه السلام ، وسُمُوّ مبادئه ومثله العليا في الحق والعدل والمساواة وخير البشر وسعادتهم، ومنهم الكاتب المسيحي الشهير (جورج جرداق) حيث سجّل آلافاً من الصفحات يكتبها إعجاباً بصوت علي الذي كان يستمع إليه وهو يتناهى إليه من بعيد منساباً من بين أنقاض التاريخ وتراكماته عبر الأجيال، ومنه كان يستلهم ( جرداق) جل المعاني الإنسانية التي نمت في ذات علي فكانت شخصيته المحببة التي عشقتها نفوس قوم لا تمت إلى عليّ بصلة من صلات الرحم أو النسب.. فكان صوته - عليه السلام - عبر العصور صوت العدالة الإنسانية.

وكم من أمنية كانت لمعاوية في عليّ بن أبي طالب علیه السلام لم يحقّقها الله له، وإن شمّر لها عن ساعد الكذب والغدر، وبذل لها كل ما كان في وسعه وطاقته من تعسّف وظلم جاوز به ظلم الكافرين.

ظنّ معاوية أن تعتيمه على نور علىّ علیه السلام سيظل ما بقيت الحياة، وأن علياً سيختفي من الوجود، ولن يعود له - بعدها - ذكر يحيا به أو يذكر !! وغاب عنه؛ أن أرادة الله فوق إرادة خلقه، ولن يكون إِلا ما يريد «وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ» [آل عمران/ 54]. ولو ظهر معاوية اليوم؛ لأدهشه وأفغر فاه ما نظمه شاعر مسيحي (بولس سلامة) في وصيّ محمد صلی الله علیه وآله وسلم وأخيه عليّ بن أبي طالب علیه السلام، من قصائد غاية في رهافة الحسّ وجزالة الألفاظ وروعة الجمال والإبداع، ولعجب معاوية أيما عجب بهيام هذا المسيحي بعليّ وهو يقول فيه في ملحمته الألفية (ملحمة الغدير):

ص: 155

جلجل الحق بالمسيحيّ حتّى *** عُدَّ من فرط حبّه علويّا

أنا مَنْ يعشق البطولة وإلا *** لهام والعدل والخلاق الرضيّا

فإذا لم يكن علي نبيّا *** فلقد كان خلقُه نَبويّا(1)

الصورة الخامسة [وضع الرواية في مدح أعداء عليّ علیه السلام]

أيها القارئ الكريم سترى عجباً مما سنسوقه إليك تحت هذا العنوان من الروايات والأخبار والأحاديث التي وضعت وافتعلت؛ مما يأباها العقل ويرفضها المنطق؛ لأنها لا تنسجم معه في وجه من الوجوه؛ حيث هی متنافرة في طريق الحق متباينة معه كلّ التباين !

وما وُضعت حباً لمن وُضعت فيهم؛ إنما وضعت حسداً لأهل البيت وبغضاً لهم ! لتقلل من شأن الآيات التي نزلت في حقهم ووصفهم بأجمل الأوصاف ولتلقي الشُّبه والريبة في الأحاديث التي قيلت فيهم وثبتت !

يقول الإمام الباقر أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام من حديث طويل يصف به ما وقع عليهم من الظلم والغدر والتنكيل والإعراض عنهم والكذب عليهم : «.... ثم لم نزل أهل البيت نستذل وتستض-ام ونُقصى ونُمتهن ونُحرم ونُقتل ونخاف ولا تأمن على دمائنا ودماء أوليائنا ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم، وقض-اة السوء وعمال السوء في كلّ بلدة، فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا

ص: 156


1- عيد الغدير (أول ملحمة عربية): 312.

عنا ما لم نقله وما لم نفعله ليبغضونا إلى الناس، وكان عظم ذلك وكبره زم-ن معاوية بعد موت الحسن علیه السلام و فقتلت شيعتنا بكلّ بلدة ..»(1)

معاوية يدعو إلى وضع الحديث

معاوية يفتح باب الكذب على الله ورسوله على مصراعيه، ويُجرىء من له ميل إلى الدنيا على وضع مالم ينزل الله به من سلطان أو بيان وعلى مالم يقله رسول الله صلی الله علیه وآله و سلم في حياته ويضع في سبيل ذلك من المغريات ما تشوّق النفس إليه.

كتب إلى عمّاله في جميع الآفاق: «أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته الذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته، ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه؛ لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كلّ مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا فليس يجد أمرؤ من الناس عاملاً من معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلّا كتب اسمه وقربه وشفّعه فلبثوا بذلك حيناً. ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كلّ وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا

ص: 157


1- شرح نهج البلاغة: 43/11 ، الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: 6 ، النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 152.

تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في (أبي تراب) إلا وأتوني بمناقضٍ له في الصحابة، فإن هذا أحبّ إليّ وأقرّ لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله، فقرئت كتبه على الناس، فرويت أحاديث كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها؛ وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وألقي إلى معلّمي الكتاتيب فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتى رووه و تعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله» .(1)

هذه هي الأمانة عند معاوية في المحافظة على التاريخ ومنازل الناس؛ ليعرف كلّ إنسان بما عمل في الحياة من عمل. لقد كان يجد ويجتهد ويبذل في هذا الجد أقصى ما يستطيعه طاغية توفّرت له كلّ وسائل البطش والخداع والإغراء لقلب الحقائق أو إخفائها، ليعود الناس - بخاصة أهل الشام - لا يعرفون الرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قرابة سوى بني أميّة وهذا ما وقع وحدث فعلاً !؟

كان عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب حين خرج في طلب مروان إلى الشام، وبعد قتله لمروان وجّه إلى أبي العباس السفاح أشياخاً من أهل الشام من أرباب النعم والرئاسة، فحلفوا لأبي العباس السفاح أنهم ما علموا الرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قرابة ولا أهل بيت يرثونه غير بني

ص: 158


1- ينظر : شرح نهج البلاغة: 44/11 - 45 ، الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: 6 - 7.

أُميّة!! وتجاوز أهل الشام كلّ حدّ من حدود الجهل حتى ظنوا - بعد أن طمست الحقائق أمامهم - أن علياً الملقب بأبي تراب لصُّ من لصوص الأعراب، وجفاة البوادي.

قال رجل من أهل الشام مَن زعمائهم وأهل الرأي والعقل منهم : مَن أبو تراب هذا الذي يلعنه الإمام على المنبر ؟

قال: أراه لصاً من لصوص الفتن ؟!(1)

يالَلهول !؟ المثل عليّ علیه السلام يُقال هذا ؟!

وهو ربيب الإسلام، ربيب الوحي، ولطالما شهدته شعاب مكة، وهو «ثاني اثنين» الرسول عليه السلام وعلي كرم الله وجهه يُصليان معاً بعيداً عن أعين القريشيين وأذاهم.(2)

أبهذا يُنعت أمير المؤمنين في عاصمة بني أُميّة؟ وهو فتى الإسلام وحامل لواء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يوم أحد الذي تكسّرت فيه السيوف على السيوف والنصال على النصال، فكان عليّ بن أبي طالب يبهر الألباب بقتاله حتى جلجل فيه صوت جبرائيل علیه السلام فملأ آفاق المعركة : «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا عليّ» !!(3)

وبعد انتهاء القتال تتقدم النساء المسلمات يداوين الجرحی.

ص: 159


1- الإمام علي نبراس ومتراس : 33 ، عن مروج الذهب: 32/3.
2- في رحاب عليّ [علیه السام]: 40 - 41 .
3- الإرشاد: 84/1 .

ورأى الرسول عليّاً وسط مجموعة منهنّ تكاد تعيهن جراحه الكثيرة حتى قلن لرسول الله حينَ رأينه: يارسول الله، لا نعالج منه جرحاً إلّا انفتق جرح!!

فاقترب الرسول من جسده المثخن وراح يسهم في تضميده ويقول: «إِنَّ رجلاً لقي هذا كلّه في سبيل الله، لقد أبلى وأعذر»(1)

مَن أبو تراب هذا الذي يلعنه إمام بني أميّة على المنبر ؟

هذا هو الفدائي في الإسلام !!!

هكذا تقول جريدة الأخبار المصرية (تاريخ 13/8/ 1967) تحت عنوان مشاهدات فدائية في تاريخ الإسلام حيث تقول : «إن تاريخ الإسلام حافل بضروب باسلة من أمثلة فدائية نبيلة.. وأظهر من نعرف من فدائيي العصر النبوي عليّ بن أبي طالب ومواقفه الفدائية أكثر من أن تحصر ، ولعل أولها في تاريخ الدعوة مبيته ليلة الهجرة على فراش ابن عمّيه متوقعاً ما سيحيق به من الموت المباغت إذ أحاط به الأعداء من كلّ صوب، فهانت عليه نفسه وراء ما ينشد من تفدية صاحب الدعوة ومكث الليل الطويل ينتظر الموت ما بين لحظة وأخرى، وقد برقت الأسنة، ولمعت السيوف ؟!»(2)

ص: 160


1- في رحاب علىّ [علیه السلام]: 71.
2- الحسين وبطلة كربلاء [ علیهما السلام] : 128.

مروان بن الحكم. عمران بن حطان حريز بن عثمان

هؤلاء الثلاثة تعتز بهم كتب الحديث، فهم من رواة صحيح البخاري الذي قالوا عنه : إنه أصح كتب الحديث.

وقال الذهبي في ترجمة المصعبي : إنه أنصر أهل زمانه للسنة، وإنه وإنه.. ثم قال: ولكنه يضع الحديث.(1) وقال في ترجمة الجوزجاني: إنه من الحفاظ الثقات، وكان يتحامل على عليّ، وفيه انحراف عنه(2). أفهؤلاء من الثقات الذين يحتج بهم في دين الله؟(3)

هل يستطيع أحد أن يأخذ عن مروان؟ وهل هو مؤتمن في نقل أحاديث أهل البيت بعد أن كان يسبّ أمير المؤمنين علناً، ومن دون حياء أو خشية من الله ورسوله؟ وهو الذي كان يجبه الإمام الحسن المجتبى ريحانة الرسول، وسبطه المحبوب، كان مروان يجبهه بقوله: «إنكم أهل بيت ملعونون»(4)

وهل من ملعون سواه وسوى أبيه؟ لقد لعن مروان ولعن أبوه، وهو في صلبه على لسان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قالت عائشة رضی الله عنها : إن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه .(5)

ص: 161


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 117 ، عن تذكرة الحفاظ : 804/3 .
2- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 117 ، عن تذكرة الحفاظ : 549/2 .
3- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 118.
4- تاريخ مدينة دمشق : 244/57 ، تاريخ الإسلام: 366/3 ، النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 117.
5- ينظر المستدرك على الصحيحين : 4 / 481 ، فتح الباري: 443/8 ، عمدة القاري: 169/19.

وروى الحاكم عن عمر بن مروه الجهني رضي الله تعالى عنه وكانت له صحبة قال: إن الحكم بن أبي العاص استأذن على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فعرف صوته فقال : إنذنوا له لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمن منهم ..(1)

وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، إنه قال: كان لا يولد لأحدٍ مولود إلا أتي به النبي صلى الله عليه وآله و سلم فيدعو له، فأدخل عليه مراون بن الحكم فقال: هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون ثم قال: صحيح الإسناد بعد أن رواه الحاكم في كتاب الفتن والملاحم من المستدرك.(2)

كيف يكون مروان من الثقات في نقل أخبار أهل البيت، وهو الذي أشار على أمير المدينة الوليد بن عتبة بقتل الحسين ريحانة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فاستعظم الوليد قائلاً: «والله ما أحبّ أن لي ما طلعت عليه الشمس وأني قتلت حسيناً»؟! (3)

كيف يكون أميناً ثقة في نقل الأخبار ورواية الحديث، وهو أشهر من نار على علم في اضطراب العقيدة؟

أليس مروان هو الذي كان يحرّض مسلم بن عقبة على أهل المدينة يوم الحرة فبلغ ذلك يزيد بن معاوية فشكره، وقربه، وأدناه، ووصله !(4)

ص: 162


1- حياة الحيوان الكبرى 2 / 215 ، عن المستدرك على الصحيحين : 481/4 .
2- حياة الحيوان الكبرى 2/ 215 ، عن المستدرك على الصحيحين: 479/4 .
3- تذكرة الخواص : 247 .
4- تذكرة الخواص :299.

والحَرَّةُ ؛ وما أدراك ما الحَرَّة !! قُتل فيها سبعمائة من وجوه الن-اس م-ن قريش والأنصار والمهاجرين، ووجوه الموالي؛ وأمّا مَن لم يعرف من عبد أو حُرِّ أو امرأة فعشرة آلاف وخاض الناس في الدماء حتى وصلت الدماء إلى قبر رسول الله ..، ووَلَدَتْ ألف امرأة بعد الحَرَّةِ من غير زوج !!(1)

عمران بن حطان

وهذا الآخر كيف يكون من الثقات مأموناً في نقل الأخبار، ورواية الحديث، وهو الذي رثى اللعين ابن ملجم بعد ما ضرب علياً أمير المؤمنين وهو قائم يصلي في محرابه في شهر الصيام؛ أشرف شهر وأجلّه عند الله ..

قال عمران بن حطّان الخارجيّ:

يا ضربةً من تقي ما أراد بها *** إلّا ليبلغَ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره يوماً فأحسبُهُ أوفى*** البريّة عند الله ميزانا

أكرم بقومٍ بطونُ الأرض أقبُرهم *** لم يخلطوا دينَهم بغياً وعدوانا(2)

كذبَ لعنه الله وإنّما صوابه ما نظمه طاهر بن محمد حيث قال:

يا ضربةً من لعينٍ ما أراد بها *** إلا إمام الهُدى ظلماً وعدوانا

ص: 163


1- تذكرة الخواص: 299.
2- روى البيتين الأولين المبرد في الكامل : 1213 - 122 ، وياقوت الحموي في معجم الأدباء:211/16 -- 212.

إني لأذكره يوماً فأثبتهُ *** اشقى البريّة عند الله خُسرانا

وقال هذا رسول الله سيّدنا *** وخاتم الرسل إعلاما وإعلانا

ولما بلغت تلك الأبيات القاضي أبا الطيب الطبري فقال مجيباً له:

إني لأبرأ تما أنتَ قائلهُ *** عن ابن ملجم الملعون بهتانا

إني لا ذكره يوماً فألعنهُ *** دينا وألعن عمران بن حطّانا

عليه ثمّ عليك الدهر مُتّصلاً *** لعائُن الله إسراراً وإعلانا

فأنتم من كلاب النارجاء بهِ *** نصُّ الشريعة بُرهانا وتبيانا

أشار القاضي إلى قوله عليه السلام: «الخوارج كلاب أهل النار»(1)

واستمرّ الوضع في الحديث والتلاعب بالألفاظ حتى وضعوا مقابل هذا الحديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها »(2)حديثاً آخر هو: «أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها، وعثمان سقفها، وعلي بابها »(3)

والوضع في هذا الحديث واضح لا يحتاج إلى كثير تفكير، إذ لا توجد مدينة في العالم لها سقف، وإذا كان الأمر كذلك بطل التشبيه..؟! والحديث يحكم بتقديم أبي بكر على النبي حيث جعله أساسها، حيث إن الأساس مقدم على البنيان؛ لأنه أصله وأقدم منه ولولاه لما قام البناء ؟ !(4)

ص: 164


1- تذكرة الخواص: 190 - 191 .
2- المستدرك على الصحيحين: 127/3 ، الاستیعاب: 3/ 1102 ، شرح نهج البلاغة: 219/7 .
3- لسان الميزان: 1 / 423 ، كشف الخفاء: 204/1 .
4- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 153 الهامش.

أبو حيان التوحيدي يضع رسالة كذب !!

يا لَلعجب من استمرار الكذب والبهتان وتزوير الحقائق من أجل تضليل الناس وإبعادهم عن أهل البيت عليّ وأهل بيته الذين طهرهم الله تطهيراً.

كيف استمرت تلك الموجة من العداء والبغضاء لآل الرسول حتى وصلت بكلّ ما تحمل من دنس النفوس إلى شواطىء القرن الرابع الهجري حيث انغمر بشوائبها أبو حيان التوحيدي(1) إلى قمة رأسه ولم يحل بينه وبين المفتريات المخزية ما عليه هذا العالم الأديب من غزارة في العلم والأدب؛ ولا عجب في هذا حيث كان سيء العقيدة، كذاباً، قليل الدين والورع عن القذف والمجاهدة بالبهتان، والقدح في الشريعة!!(2)

هذا ما يقوله عنه الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه) .

ولنستمع إلى المرحوم جعفر الخليلي وهو يحدّثنا عن رسالة أبي حيان التوحيدي التي وضعها على لسان أبي بكر وعمر وعلي، حيث يقول: «فهذا أبو حيان التوحيدي أحد علماء اللغة وأعلام الأدب في القرن الرابع الهجري لم يحل بينه وبين بغضه لعليّ ما هو عليه من أدب وعلم ، ولم يحل مرور أكثر من ثلاثة قرون ونصف قرن بينه وبين وفاة عليّ من أن يطلع علينا بتلك المراسلات المخزية التي اختلقها ووضعها على لسان الخليفة أبي بكر ، وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، تلك المراسلات المفعمة بالزراية بعليّ،

ص: 165


1- عليّ بن محمد بن العباس المتوفّى حدود الثمانين والثلاثمائة.
2- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة : 191 ، عن سير أعلام النبلاء: 17/ 119.

والتحقير لشأنه، وقد أثبتها عدد من المؤرّخين كنماذج لمقدرة أبي حيان الفنية في اختلاق الأكاذيب الأدبية ووضعها بذلك القالب البديع . ولقد فنّدها المؤرّخون وكذَّبوها منذ أول يوم انتشارها على لسان أبي حيان التوحيدي، بل إن أبا حيان نفسه قد اعترف باختلاقه لهذه الكذبة، وافترائه على الخلفاء بوضعه لها حين أخذه البعض على وضع مثل هذه المراسلة، فقال: إنه قد اضطر إلى ذلك نكاية بأحد محبّي عليّ وشيعته، وكان هذا يحضر المجلس الذي اعتاد أبو حيان ارتياده فلا يجيء ذكر عليّ في هذا المجلس حتى يبالغ هذا المتشيّع لعليّ بمزايا عليّ ويبدأ بالرواية عنه والتحدّث بأفضاله.

ويقول أبو حيان بما معناه وإني أردت أن أرغم أنف هذا الرجل فوضعت هذه المراسلة ليكفّ عن التبجّح بذكر عليّ وفضائله...»!(1)

سبحان الله ! ألأجل هذا توضع الأكاذيب وتنمَّق المفتريات في رسالة طويلة عريضة كانت موضع بحث ونقد لدى جمهرة من علماء الأدب وأدباء النقد لئلا يضيع الحق في خِضَمّ الباطل؟!

و ما كان يضير أبا حيان أن تذكر عنده فضائل «البدر الزاهر والقمر الباهر والنجم الثاقب والسنان النافذ والشهاب المنير والحسام المبير والسراط المستقيم والبحر الخضم العليم، فتى الإسلام، ومن كان أقدم المسلمين إسلاما وأرسخهم إيماناً، رباني هذه الأمة، وأسدها الغالب علي بن أبي طالب»؟!

ص: 166


1- مقدمة كتاب الإمام على نبراس ومتراس: 43 .

الصورة السادسة [إسقاط الشيعة ]

في هذه الصورة من صور مخطط معاوية الرهيب - يُسقط طاغية بني أمية كلّ مظهر اجتماعي الشيعة علي ؛ فليس لهم ما لغيرهم من حقوق طبيعية يتساوى الناس بالتمتع بها مالم يخالف أحد المألوف؛ حيث يخل بالأمن العام، أو يقترف ما يلام عليه منحرفاً عن الخط السوي.. ولعمر الحق ليس في أمثالهم من كان يصدق بهذا ؟ بل كانوا مثالاً يحتذى به في كلّ صفات الحق والعدل، في كلّ رائع وجميل..؟

ولنقرأ ما فعله معاوية في هذا الصدد: كتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق أن لا يجيزوا لأحد من شيعة على (شهادة) !!(1)

ليت معاوية وأشياعه وقفوا عند هذا الحد، بل إنهم يسومون من يتهمونه بحبّ علي وأهل بيته سوء العذاب، يحلقون لحيته، ويطوفون به في الأسواق ثم يرذلونه ويسقطونه ويحرمونه من كلّ حق حتى ييأس من عدل الولاة ويقنط من معاشرة الرعية، فإذا ذكر علياً ذاكر بخير برئت منه الذمة، وحلّت بساحته النقمة فتُستصفى أمواله، وتُضرب عنقه، وكم استلوا ألسنة نطقت بفضله، وسملُوا أعيناً رمقته باحترام، وقطعوا أيدياً أشارت إليه بمنقبة، ونشروا أرجُلاً سعتْ نحوه بعاطفة، وكم حرقوا على أوليائه بيوتهم، واجتثوا نخيلهم، ثم صلبوهم على جذوعها أو شردوهم عن عقر ديارهم .. ؟!(2)

ص: 167


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: 97 .
2- المراجعات: 296 (المراجعة 64) .

كتب معاوية نسخة واحدة إلى جميع البلدان انظروا من قامت عليه البينة أنَّه يحبّ علياً وأهل بيته؛ فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه.

وشفع ذلك بنسخة أخرى: «من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به واهدموا ،داره فلم یکن البلاء أشدّ وأكثر منه بالعراق ولاسيّما بالكوفة حتى إن الرجل من شيعة علي ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره، ويخاف من خادمه و مملوكه ولا يحدّثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمنَّ عليه، فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القُرّاء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحضوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا في مجالسهم، ويُصيبوا به الأم موال والضياع والمنازل حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلّون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنّون أَنها حقٌّ، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها، فلم يزل الأمر كذلك مات الحسن بن علي علیهما السلام ، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه، أو طريد على الأرض، ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين علیه السلام، وولي عبد الملك بن مروان فاشتد الأمر على الشيعة، وولي عليهم الحجّاج بن يوسف، فتقرّب إليه أهل النسك والصلاح ببغض علي وموالاة أعدائه .. »(1)

ص: 168


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 98 - 99 .

الصورة السابعة [تقريب أعداء أهل البيت علیهم السلام]

في هذه الصورة يسعى معاوية لهدم بناء أهل البيت بأسلوب مغاير لما سبق وبطريقة غير مباشرة؛ حيث هو يلحُّ إلحاحاً على تقريب أعداء أهل البيت وإغداق الأموال عليهم، وتشفيعهم، وإعلاء كلمتهم، وتمييز منازلهم عن غيرهم... واستمرّ هذا الحال حتى وصل إلى زمن الحجّاج وإلى الحجّاج نفسه حيث زاد على معاوية فعَدَّ عداء آل محمد منقبة من المناقب وعملاً من أعمال البر والإحسان يجب أن يّجزى عليه صاحبه، وقد مر بك أيها القارئ الكريم كيف جازى الحجّاج عبدَ الله بن هاني فزوجه ابنة سيد فزارة، وابنة سيد همدان؛ وما ذلك إلَّا لأن (عبد الله بن هاني) كان يناصب عليّاً العداء، ويسبّ ولديه الحسن والحسين وأمهما فاطمة سيدة نساء العالمين، فعدَّ الحجّاج هذا العمل الشنيع منقبة وفضيلة لابد من أن يُثاب عليها مرتكبها فزوجه ببنتين من بنات الأشراف الرؤساء، ولولا سيف الحجاج الذي سلّطه بنو أمية على الناس لكان الحجّاج أهون على الناس من أن يستهين بكرامتهم ويحطّ من شأنهم في نسائهم وبناتهم..؟!

لما علم المنافقون ومَن ليس لهم مسحة من إيمان رغبة الحجاج الملحة في الحطّ من شأن أهل البيت؛ تسابقوا إلى التقرّب بذلك إليه؛ حتى وقف إليه أحدهم ويقال إنه جدّ الأصمعي عبد الملك بن قريب فصاح به أيها الأمير إن أهلي عقوني فسموني علياً، وإني فقير بائس، وأنا إلى صلة الأمير محتاج، فتضاحك الحجاج، وقال: لطف ما توسلت به، قد وليتك موضع كذا !(1)

ص: 169


1- النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : 99.

هذا هو الحجّاج في عدائه المكشوف لآل محمد علیهم السلام ، بل هذه هي الثمار التي زرعَ شجرتها معاوية ورعاها وتعهدها بكل عناية حتى أثمرت أخبث ثمر جناه بنو أمية مدة حكمهم المشؤوم.

وبذلك العداء السافر لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام وأهل بيته عليهم السلام مهّدوا الطريق لمن يأتي بعدهم من حكّام الجور كي يسلكوا نفس الطريق في معاداة أهل البيت علیهم السلام وبدونما حرج من شيء..؟!

ص: 170

البیت الشعری رقم (15) وشرحه

(15)

تَعْدُو بها ظلماً على مَنْ حُبُّهُ *** دينٌ وبغضتُهُ الشقاءُ السَّرمدُ

تعدو بها ظلماً : عدا يعدو عَدْواً وعُدُوّاً وعُدواناً وعَداء - بالفتح والمد : ظلم وتجاوز الحد . وهو : عادٍ والجمع : عادون، مثل: قاض وقاضون .(1)

والعَدو: «التجاوز ومنافاة الالتئام. فتارة يعتبر بالقلب، فيقال ل-ه: العداوة والمعاداة وتارة بالمشي، فيقال له : العدو، وتارة بالإخلال بالعدالة في المعاملة فيقال له : العُدوان، والعدو، ويقال رجل عدو، وقوم عدو، وقد يجمع على عِدىّ وأعداء» .(2)

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: العين والدال، والحرف المعتلّ: أصل يدلّ على تجاوز شيء وتقدم لما ينبغي أن يقتصر عليه.(3)

دينٌ: دان بالإسلام ديناً - بالكسر - : تعبّد به، وتدين به كذلك، فهو دَیِّن مثل ساد فهو سَيِّد.(4)

ص: 171


1- المصباح المنير : 543/2 (م عدا ).
2- المفردات في غريب القرآن: 326 (م/ عدا).
3- معجم مقاييس اللغة: 249/4 (م/ عدو ).
4- المصباح المنير: 1/ 279 (م/ دين).

والدين:« يقال للطاعة والجزاء، واستعير للشريعة، والدين كاملة لكنه يقال اعتباراً بالطاعة والانقياد للشريعة». (1)

وبِغضَتُه: البغضة - بالكسر - والبغضاء : شدّة البغض(2). والبغض: نفار النفس عن الشيء الذي ترغب عنه، وهو ضدّ الحبّ، فإن الحبَّ: انجذاب النفس إلى الشيء الذي ترغب فيه .(3)

الشَّقاء: شقي يشقى شقاء: ضدّ سعد، فهو شقيٌّ. والشِّقوة- بالكسر - والشَّقاوة بالفتح- اسم منه.(4)

السرمد: الدائم. والميم فيه زائدة، وهو من سرد إذا وصل، فكأنه زمان متصل بعضه ببعض .(5)

في هذا البيت يصف الشاعر وثبة معاوية (نزوته) التي وثب بها على حق لم يكن له فيه نصيب، وأن تلك الوثبة - التي أودت بعقله فأهلكته - كانت عدواناً صارخاً مثل بها معاوية أقصى ما يمتلكه من قسوة البغض وشدّته ؛ وبها تجاوز حدود العدل ومشارف الحق؛ فكانت من بدايتها إلى نهايتها ظلماً لعلي أمير المؤمنين من كان حُبُّهُ مَحَكَ التدين الخالص، ومقياس الطاعة الله ورسوله، بينما كان عداؤه وبغضه يعدّ شقاء به يشقى المنافق مَن لم يدخل الإيمان في قلبه بعد ؟!

ص: 172


1- المفردات في غريب القرآن: 175 (م دين).
2- المصباح المنير: 79/1(م/ بغض).
3- المفردات في غريب القرآن: 55 (م/ بغض).
4- المصباح المنير : 435/1 (م/ شقى).
5- معجم مقاييس اللغة: 160/3 (م/ سرد ).

وكأن الاستاذ الشاعر (محمّد المجذوب) يشير بهذا البيت إلى ما ورد في حبّ عليٍّ من أحاديث لا يستوعبها هذا الشرح، وإليك أيها القارئ الكريم بعضاً منها:

1 - قال عمار بن ياسر: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «أُوصي مَنْ آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب، فمن تولاه فقد تولّاني ومن تولّاني فقد تولّى الله ، ومَن أحبّه فقد أحبّني ومَن أَحبّني فقد أحبّ الله، ومَن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل».(1)

2- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لبريدة: «لا تبغضن يا بريدة عليّاً، فإن عليّاً مني وأنا منه ، وهو وليكم بعدي».(2)

3- قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً، هذا علي فأحبوه بحبّي، وأكرموه بكرامتي فإنَّ جبرائيل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل» .(3)

4 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «علي باب علمي، ومبين من بعدي لأمتي ما أُرسلت به، حُبُّه إيمان، وبغضه نفاق».(4)

ص: 173


1- تاريخ مدينة دمشق: 7/52 8 ، كنز العمال: 11 / 610 ، عنهما المراجعات: 80 (المراجعة 10).
2- خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 99 ، عنه المراجعات: 224(المراجعة 36).
3- المعجم الكبير : 3/ 88 ، كنز العمال: 13 / 143 ، عنهما المراجعات: 241 (المراجعة 48).
4- كنز العمال: 11 / 614 - 615 ، عنه المراجعات: 243 (المراجعة 48).

5- قوله صلى الله عليه وآله وسلم : علي بن أبي طالب باب حطةٍ(1)، من دخلَ منه كان مؤمناً، ومَنْ خرج منه كان كافراً».(2)

6- قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن سبّ علياً فقد سبّني». (3)

7- قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا علي أنت سيّد في الدنيا، وسيّد في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله وعدوك عدوي، وعدوّي عدوّ الله، والويل لمن أبغضك مِن بعدي ».(4)

8- اختصم أعرابيان إلى عمر، فالتمس من عليّ القضاء بينهما، فقال أحدهما: هذا يقضي بيننا ؟! فوثب إليه عمر وأخذ بتلابيبه، وقال: ويحك ما تدري مَن هذا ؟! هذا مولاك ومولى كلّ مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.(5)

ليس من المعقول أن يكون (معاوية) بعيداً عن سماع هذه الأحاديث وأمثالها وهو نفسه الذي روى لعلي أمير المؤمنين حديث (المنزلة) حيث أخرج ابن حجر في صواعقه عن أحمد بن حنبل: أن رجلاً سأل معاوية عن مسألة، فقال: سل عنها علياً فهو أعلم. قال: جوابكَ فيها أحبّ إليَّ من

ص: 174


1- باب حِطَّة: منه الحديث في ذكر حطة بني إسرائيل، وهو قوله تعالى: « وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ» [البقرة/ 58]. أي قولوا حُطَّ عَنَّا ذنوبنا. (النهاية في غريب الحديث والأثر: (402/1 ).
2- کنز العمال: 603/11 ، عنه المراجعات: 243 (المراجعة 48).
3- مسند أحمد 6/ 323 عنه المراجعات: 245 (المراجعة 48).
4- المستدرك على الصحيحين: 3/ 128 ، عنه المراجعات : 247 (المراجعة 48).
5- الصواعق المحرقة : 177 ، عنه المراجعات 282 - 283 (المراجعة (60).

جواب عليّ، قال: بئس ما قلت لقد كرهت رجلاً كان رسول الله يغُرُّهُ بالعلم غراً، ولقد قال له: أنت مني بمنزلة هارون مِن موسى إلا أنه لا نبيَّ بعدي، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه.. إلى آخر كلامه.

قال ابن حجر وزاد بعضهم: «قم لا أقام الله رجليك، ومحا اسمه من الديوان.. إلى آخر ما نقله من صواعقه» .(1)

وكلام ابن حجر (وزاد بعضهم) يدل على أن جماعة من المحدثين غير أحمد أخرجوا حديث المنزلة بالإسناد إلى معاوية ؟!

«بلى والله لقد سمعوها، ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها ..» (2)

ص: 175


1- الصواعق المحرقة : 177، عنه المراجعات 200 الهامش.
2- نهج البلاغة : 55 ( الخطبة الشقشقية).

ص: 176

البیت الشعری رقم (16) وشرحه

(16)

عَلَمُ الهدى وإمامُ كلّ مُطَهَّرٍ *** وَمَثَابَةُ العِلم الذي لا يُجحَدُ

العَلمُ : المنار (موضع النور)، والعلامة . شيء ينصب في الفلوات (جمع فلاة) تهتدي به الضالة الراية التي تجتمع إليها الجند.

وقيل: هو الذي يُعقد على الرمح، جمع العلم: أعلام وعلام، نظيره: جبل وأجبال وجبال وجمل وأجمال وجمال وقلم وأقلام وقلام. (1)

استعار: الشاعر لفظ العلم من معناه ليصف به علياً لما بين المعنيين من شبه وعلاقة؟

الهُدى: مصدر الفعل هَدَى، يَهدي، هُدىً ، وهداية، وهَدْياً، وهِدْيةً، تقول: هدى الله زيداً الطريق، وإلى الطريق، وللطريق أي: بينه له، وأرشده إليه وعرفه به، فالهدی : ضدّ الضلال (2). وفعله لازم ومتعدٍ كما رأيت.

الإمام: المُؤتَمُ به إنساناً كأن يقتدي بقوله أو فعله، أو كتاباً، أو غير ذلك محقاً كان أو مبطلاً. وجمعه أئمة.(3)

ص: 177


1- لسان العرب : 372/9-373 (م/علم).
2- المنجد في اللغة 859(م/هدي).
3- المفردات في غريب القرآن : 24 م / أم).

المُطَهَّر : اسم مفعول مأخوذ من الفعل الرباعي المبني للمجهول «طهر يُطَهَّرُ ، فهو مُطَهِّر - اسم فاعل - ومُطَهَّر اسم مفعول والطهارة في هذه المادة اللغوية؛ تشمل طهارة الجسم وطهارة النفس وحُمِلَت عليهما عامة الآيات.

فالمُطَهَّر : من طَهَّرَ ،نفسه، وتنقى من درن الفساد، ودرن الدنيا وأنجاسها ومعايبها.(1)

مثابة : المَثابُ والمثابة ،واحد معناه الموضع الذي يثاب إليه (يُرجع إليه) مرة بعد أخرى. فالمثابة : اسم مكان مأخوذ لفظها من (ثاب الرجل يثوب) إذا رجع بعد ذهابه، فمثابة الناس ومثابهم: مجتمعهم، ومنه المنزل سمّي مثابة؛ لأن أهله يتصرفون في أمورهم ثم يثوبون (يرجعون) إليه.(2) هذا هو المعنى اللغوي للفظ (مثابة).

استعاره الشاعر من هذا المعنى ليصف به علياً (أمير المؤمنين) لما بين المعنيين من شبه، حيث كان عليّ علیه السلام مرجع الخلفاء والناس جميعاً في حلّ مشاكلهم ومبهمات المسائل والأحكام، فهو الموضع الذي يثوب إليه الناس بعد ذهاب.

العلم إدراك الشيء بحقيقته(3)، وهو نقيض الجهل.

الجحد، والجحود: الإنكار مع العلم(4) ، أو هو : نفي ما في القلب إثباته، وإثبات ما في القلب نفيه.(5)

ص: 178


1- المفردات في غريب القرآن : 308 (م/ طهر) .
2- لسان العرب: 144/2 (م/ ثوب).
3- المفردات في غريب القرآن: 343(م/ علم ) .
4- لسان العرب: 182/2 (م/ جحد).
5- المفردات في غريب القرآن: 88 (م/ جحد).

قال عز وجل: « وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَتَتْهَا أَنْفُسُهُمْ.. » [النمل/ 14].

وبعد هذا السرد اللغوي لمعاني الألفاظ والمفردات التي وظفها الشاعر أروع توظيف، واستخدمها أبلغ استخدام بعد هذا كله لابد من أن نولي بوجوهنا شطر المعنى العام لهذا البيت الذي وصف به الشاعر علياً كما ينبغي أن يوصف، حيث قال:

علم الهُدى:

فوصفه بالمنار الذي به يُهتدى في ظلمات الجهل، ويستنار في متاهات الضلال. وقد كان علي علیه السلام كذلك يَهتدي به الضالُّ، ويسترشد به الجاهل، لا يطمع القويّ في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله.. وصفه الحسن البصري ( ت 110 ه ) : بأنه رباني هذه الأمة، لم يكن بالسروقة لمال الله، ولا بالملولة لحق الله أعطى القرآن عزائمه، فيما عليه وله، حتى أورده الله على رياض مونقة، وجنان غسقه.(1)

ووصفه عمر بن الخطاب بقوله: «كُنّا ننظر إلى على في أيام النبي كما ننظر إلى النجم»(2)

وإمام كلّ مُطَهَّرٍ :

بهذا اللفظ الوجيز وصفه الشاعر ؛ بأنه الإمام الذي لا يأتمّ به إلّا

ص: 179


1- ذيل الأمالي والنوادر: 170.
2- الإمام علي صوت العدالة الإنسانية: 59/1.

المتطهّرون الذين طَهَّروا أنفسهم ونقوها من رجس الدنيا، وقذارة الذنوب.. وقد صدق الشاعر كلّ الصدق في هذا حيث ظل هؤلاء المتطهرون يأتمون بعليّ ولا يفضلون عليه غيره حتى آخر حياتهم، ومن هؤلاء المقداد، وسلمان وعمار بن ياسر ، وو ..

قاتَل عمار بن ياسر يوم صفين بين يدي علي بن أبي طالب وعُمُره: ثلاث وستون سنة؛ فكان في استشهاده ،فاروقاً، فرق بين الحق والباطل، وعلامة واضحة بها استدل على الفئة الباغية..

قال عبد الله بن عمرو بن العاص لأبيه: «قتلتم عماراً وقد سمعت رسول الله صل الله علیه وآله وسلم يقول له : تقتلك الفئة الباغية، فسمعه معاوية فقال له: إنك شيخ أخرق ما تزال تأتينا بهنّة ترحض بها في بولك ! أنحن قتلناه إنما قتله الذي أخرجه!

وفي رواية فبلغ ذلك عليّاً علیه السلام ، فقال : ونحن قتلنا حمزة لأنا أخرجناه إلى أحد ؟ ! (1)

وذكر ابن سعد أيضاً أن ذا الكلاع لما بلغه هذا؛ قال لعمرو : نحن الفئة الباغية وهَمَّ بالرجوع إلى عسكر علي سلام وكان تحت يده ستون ألفاً، وفي نسخة : فقُتل في ذلك اليوم ذو الكلاع فقال معاوية: «لو بقي ذو الكلاع لأفسد علينا جندنا بميله إلى ابن أبي طالب».(2)

ص: 180


1- تذكرة الخواص: 100 .
2- تذكرة الخواص: 100 .

لما قُتل عمار أقبل قاتلاه إلى معاوية يختصمان فيه؛ كلّ واحد منهما يقول: أنا قتلته، فقال لهما عمرو بن العاص : والله إن تختصمان إلا في النار، فقال معاوية ما صنعت؟ قوم بذلوا نفوسهم دوننا تقول لهم هذا !؟ فقال عمرو : هو والله كذلك وأنت تعلمه، وإني والله وددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة» !(1)

قال أبو نوح: إنه دعاني ذو الكلاع، وهو ذو رحم، فقال: أخبرني ع-ن عمار بن ياسر، أفيكم هو ؟ قلت: لم تسأل ؟ قال : أخبرني عمرو بن العاص في أمرة عمر بن الخطاب»، أنه سمع رسول الله يقول: «يلتقي أهل الشام وأهل العراق، وعمار في أهل الحق تقتله الفئة الباغية». فقلت: إن عماراً فينا. فسألني: أجاد هو على قتالنا ؟ فقلت: نعم والله أجد مني.. (2)

قال ابن أبي الحديد قلت: (واعجباه من قوم يعتريهم الشك في أمرهم لمكان عمار ولا يعتريهم الشك لمكان علي علیه السلام ؛ ويستدلون على أن الحق مع أهل العراق بكون عمار بين أظهرهم ولا يعبأون بمكان على علیه السلام ، ويحذرون من قول النبي صلی الله علیه وآله وسلم : «تقتلك الفئة الباغية»، ويرتاعون لذلك، ولا يرتاعون لقوله الله في عليّ علیه السلام : «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»، ولا لقوله: «لا يحبّك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق». وهذا يدلك على أن علياً علیه السلام اجتهدت قريش كلّها من مبدأ الأمر في إخمال ذكره وستر فضائله) .(3)

ص: 181


1- تذكرة الخواص : 101 .
2- وقعة صفين : 335.
3- شرح نهج البلاغة : 17/8 - 18 ، وكلامه هذا ينبغي أن يُكتب بماء الذهب.

ولا عجب في هذا من قوم كانوا يتصفون بالمتناقضات؛ قال ابن سعد: لما قتل عمار عطش ،قاتله، فاستسقى ماءً فأتى بقدح من زجاج فامتنع من الشرب فيه، وغير ابن سعد يقول: أُتي بقدح من فضة؛ فقال بعض أصحابه انظروا إلى هذا الأحمق يمتنع من الشرب في هذا الإناء، وينسى أنه قتل عماراً، وقد قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم «لا تقتلك الفئة الباغية».(1)

لم يصحب عمّار عليّاً لو لم يسمع فيه قول الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وهو آخذ بضبع

عليّ : «هذا إمام البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، ثم مَدَّ بها صوته» .(2)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم في عليّ علیه السلام : «مرحباً بسيد المسلمين وإمام المتقين»(3)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم فيه :«إن الله عهد إلي في عليّ أنه راية الهدى وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين».(4)

كيف لا يُقتل عمار بين يدي علي بن أبي طالب علیه السلام وقد قال له صلی الله علیه وآله وسلم مشافهة :« ياعمار إذا رأيت علياً سلك وادياً، وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع عليّ ودع الناس، فإنه لن يدلّك على ردى، ولن يخرجك من هدى».(5)

ص: 182


1- تذكرة الخواص: 101 .
2- المستدرك على الصحيحين: 129/3 ، كنز العمال: 11 / 602 ، عنهما المراجعات: 240 (المراجعة 48) .
3- حلية الأولياء : 66/1 ، شرح نهج البلاغة: 9/ 170 ، كنز العمال: 619/11 ، عنهم المراجعات: 240(المراجعة 48).
4- حلية الأولياء: 67/1 ، شرح نهج البلاغة : 9/ 167 ، عنهما المراجعات: 241(المراجعة 48).
5- كنز العمال: 11 / 613 - 614 ، عنه المراجعات: 248 (المراجعة 48).

ومثابَة العِلْم الذي لا يُجحَدُ:

لم يجحد أحد لا من الصحابة ولا من التابعين - عليّاً في مضمار العلم وقد مَرَّ بنا قبل قليل قول عمر: كنا ننظر إلى عليّ في أيام النبي كما ننظر إلى النجم مما يشير إشارة واضحة إلى أن عليّاً أصبح مفزع الأمة في ما يهمها من أمور الدين وقضايا الدنيا، عليه تقبل وعنه تصدر راضية مطمئنة بما يقول ويحكم، وما يقول لها إلا فصلاً، وما يحكم فيها إلّا عدلاً .. يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه؛ وكان يقول علیه السلام لمن يسمع من قومه، ولمن يريد أن لا يسمع: «سَلوني قبل أن تفقدوني ! فلأن-ا بطرق السماء أعلمُ منّي بطرق الأرض، قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها، وتذهب بأحلام قومها».(1)

قال السيد أحمد زيني دحلان في «الفتوحات الإسلامية» 2/ 337: (كان علىّ رضی الله عنه ، أعطاه الله علماً كثيراً وكشفاً غزيراً، قال أبو الطفيل: شهدت عليّاً يخطب وهو يقول: «سَلُوني من كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل، أم في جبل، ولو شئت أوقرتُ سبعين بعيراً من تفسير فاتحة الكتاب»، وقال ابن عباس رضی الله عنه : علم رسول الله من علم الله تبارك وتعالى، وعلمه من علم النبي وعلمي من علم علي رضی الله عنه ، وما علمي و علم أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم في علم علي رضی الله عنه إلا كقطرة في سبعة أبحر).(2)

ص: 183


1- نهج البلاغة : 309 ، ينابيع المودة: 208/1.
2- الغدير : 44/2-45 .

ولا عجب في كلّ ما يقوله علي علیه السلام بعد أن قال فيه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأُعطي علي تسعة أجزاء، والناس جزءاً واحداً»(1) . وقال ابن عباس:« والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شارككم في العشر -العاشر » . (2) كيف لا يكون على علیه السلام «مثابة العلم الذي لا يجحد»؟ وقد قالت السيدة عائشة في عُلُوّ كعبه في القضاء وتفرده في سلامة الحكم: «إنه أعلم الناس بالسُّنة ».(3)

لقد استشفت السيدة أم المؤمنين قولها هذا؛ من قول الرسول صلی الله علیه وآله وسلم الذي وصف به ما عليه عليّ أمير المؤمنين من التفرّد والتميز في القضاء؛ حيث قال صلی الله علیه وآله وسلم «أَعْلَمُ أمتي بالسنّةِ والقضاء بعدي علي بن أبي طالب».(4)

سُئل عطاء (عطاء بن أبي رباح ، تابعي من أجلاء الفقهاء، مفتي مكة ت 114 ه) : أكان في أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم أحد أعلم من علي ؟ قال : لا والله ما أعلمه .(5)

قال عبد الله بن مسعود(6) : «إن القرآن نزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلّا وله ظهر ،وبطن، وإن عليّاً عنده علم الظاهر والباطن» .(7)

ص: 184


1- حلية الأولياء : 65/1 ، عنه الغدير : 96/3 .
2- الاستيعاب : 3 / 1104 ، عنه الغدير : 3/ 98 .
3- ذخائر العقبى: 78 ، عنه الغدير: 44/2 .
4- كفاية الطالب : 297 ، عنه الغدير: 44/2 .
5- الغدير: 2/ 45 .
6- عبد الله بن مسعود بن غافل، صحابي ت 32 ه.
7- حلية الأولياء : 56/1 ، عنه الغدير : 2/ 45 .

ولما استُشهد علي قال معاوية: «لقد ذهب الفقه والعلم بموت علي بن أبي طالب».(1) وقد مر بنا سابقاً (في المراجعات قول ابن حجر في صواعقه) إن رجلاً سأل معاوية عن مسألة، فقال : سل عنها عليّاً فهو أعلم، قال: جوابك فيها أحبّ اليّ من جواب عليّ، قال: بئس ما قلت لقد كرهت رجلاً كان رسول الله يغرّه بالعلم غراً، ولقد قال له: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه.. إلى آخر كلامه.

لم يجد ما یردُّ به معاوية على هذا الجلف الجافي، فيفحمه، إلّا ما كان يعلمه من غزارة علم عليّ ! ولعل المسألة التي سألها الأعرابي كان جوابها يعجزه؛ فأراد أن يقنع السائل بما لعلي من القدرة العلمية في مضمار القضاء؟!

كان معاوية يشير في كلامه؛ إلى ما كان يأخذه عمر من على مطمئناً به، غير شاك بصحته وقد تكرر منه ذلك في غير مكان، وإليك - أيها القارئ الكريم - بعضاً من أقواله في الإشادة بقضاء عليّ وفتاويه حيث قال بعد عجزه عن إجابة ملك الروم، وإجابة علي علیه السلام على ما سئل عنه عمر: «أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن» .(2)وقال عمر: «لولا علي لهلك عمر»؛ . قال ذلك؛ في قضية المعتوهة التي أراد عمر رجمها بعد أن زنت، فأخبر علي علیه السلام بأن القلم رفع عنها لأنها مجنونة !(3)

ص: 185


1- الغدير: 3/ 98.
2- ينظر: تذكرة الخواص : 154 .
3- ينظر: تذكرة الخواص : 157.

وقال أيضاً: «اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب قال ذلك يوم أراد أن يرجم من وضعت لستة أشهر...(1) وقال أيضاً: «لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب، قال هذا القول عندما عجز عن كشف حيلة أراد رجلان أن يحتالا بها على امرأة، فكشفها أمير المؤمنين(2)، وبذلك أنقذ المرأة مما أراد الرجلان المحتالان أن يوقعا المرأة فيه..؟! وهذه المواقف القضائية هي التي دعت الصاحب بن عباد (الشاعر الوزير إسماعيل بن عباد بن العباس ت 385 ه) أن يقول من قصيدة:

هل مثل فتواك إذ قالوا مجاهرة *** لولا عليُّ هلكنا في فتاوينا(3)

ص: 186


1- ينظر: تذكرة الخواص : 157 .
2- ينظر: تذكرة الخواص : 157 - 158.
3- ديوان الصاحب بن عباد : 109.

البیت الشعری رقم (17) وشرحه

(17)

وَرِثَتْ شَمائِلُهُ شَمائِلَ أحمدٍ *** فَيكَادُ مِنْ بُردَيْهِ يَشرقُ أحمد

الشّمال : خليقة الإنسان، وجمعه شمائل.

قال لبيد:

هُم قَوْمى وقد أَنْكَرْتُ مِنْهُمْ *** شَمَائِلَ بُدِّلُوها من شِمَالِي(1)

ويقال: إنها لحسنة الشمائل ، أي : شكلها وحالاتها، ورجل كريم الشمائل ، أي : في أخلاقه وعشرته.(2)

البُرْدُ: بالضم - : اسم جنس جمعي؛ وهو الأكسية التي يلتحف بها، الواحدة بردة(3)، ويضاف للتخصيص، فيقال: برد وشي(4) وجمع البُرد أبراد، وأبرد وبرود.(5)

کاد یکاد کَوداً: كاد يفعل، قارب ولم يفعل. وضعت (كادَ) لمقاربة الشيء، فُعِل أم لم يُفعَل. وكاد فعل ناقص. أتى منه الماضي والمضارع فقط؛ له اسم مرفوع وخبر مضارع مجرد من أن.(6)

ص: 187


1- شرح دیوان لبيد بن ربيعة العامري: 94 .
2- كتاب العين: 6/ 265 (م/ شمل).
3- تاج العروس: 413/7 (م/ برد).
4- المصباح المنير : 59/1 (م/ برد).
5- تاج العروس: 413/7 (م/ برد).
6- تاج العروس: 117/9 ( م/كود).

يشرق: شرقت الشمس شرقاً وش-روق-اً: طلعت، كأشرقت. وقيل: أشرقت طلعت، وأشرقت أضاءت وانبسطت على الأرض.(1)

جعل الشاعر - بهذا البيت - عليا علیه السلام ، مرآة صافية، فيها يُرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بكلّ صفاته- حاشا النبوة-، فإذا ما اشتاق إنسان إلى رؤيته صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى علي علیه السلام لأنه لم يغادر صفةً من صفاته التي تخلّق بها، واستنار بسناها فهو علیه السلام؛ نسخةٌ فريدةٌ عنه صل الله علیه وآله وسلم.

وكان على الشاعر أن يشبه عليا علیه السلام برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، تمشياً مع أساليب التشبيه المعروفة، فيقول مثلاً : «فيكاد من بردي رسول الله يشرق عليّ »إِلَّا أنه عدل عن ذلك لأساليب فنية، حيث مال إلى التشبيه المقلوب وهو جعل المشبّه مشبّهاً به للمبالغة والإغراق - ذاهباً في ذلك مذهب البيانيين-، وهذا الأسلوب البياني مظهر من مظاهر الافتتان ،والإبداع، وهو منحي نحاه كبار الشعراء، أمثال المتنبي والبحتري ومَنْ ناظرهما.

لا يخلو أن يكون لفظ هذا البيت كله كناية عن تلكم الصفات التي كان يشارك فيها علىٌ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والتي كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يشير إليها ويُعرّف المسلمين بها في مناسبات شتى، يميّز بها منزلة وصيه من بعده.. ومنها: قال زيد بن أرقم(2) (ت 68 ه) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من يريد أن يحيا حياتي ويموت موتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربّي، فليتول علياً بن أبي طالب فإنه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة»(3)

ص: 188


1- تاج العروس: 25/ 494 (م/ شرق).
2- صحابي خزرجي أنصاري .
3- المستدرك على الصحيحين: 3/ 128 عنه :المراجعات: 80 (المراجعة 10).

ومنها حديث بريدة(1)( ت 63 ه) : ولفظه في صفحة 356 من الجزء الخامس من مسند أحمد، قال: بعث رسول الله بعثين إلى اليمن، على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعلي على الناس، وإن افترقتم فكلّ واحد منكما على جنده، قال: فلقينا بني زبيدة من أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين، فقاتلنا المقاتلة، وسبينا الذرية فاصطفى على امرأة من السبي لنفسه، قال بريدة فكتب معي خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخبره بذلك، فلما أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، دفعت الكتاب فَقُرىء عليه، فرأيت الغضب في وجهه فقلت: يا رسول الله هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أُرسلت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تقع في عليّ فإنه منّي وأنا منه، وهو وليكم بعدي، وإنه منّي وأنا منه، وهو وليكم بعدي» .(2) ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أبي بكر: «كَفَّي وكفُّ علي في العدل سواء».(3) ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «يا فاطمة أما تَرضَيْن أن الله صله عز وجل اطّلع إلى أهل الأرض فاختار رجلين: أحدهما أبوك والآخر بعلك». (4)

ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مكتوب على باب الجنة : لا إلهَ إلا الله محمد رسول الله،

على أخو رسولِ الله» .(5)

ص: 189


1- بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي من أكابر الصحابة.
2- المراجعات 223 (المراجعة 36) .
3- كنز العمال: 11 / 604 ، عنه المراجعات : 248 (المراجعة 48).
4- المستدرك على الصحيحين: 129/3 ، عنه :المراجعات: 248 (المراجعة 48).
5- كنز العمال: 11 / 624 ، تاريخ مدينة دمشق : 59/42 ، عنها المراجعات: 216 (المراجعة 34).

ومنها : أخرج ابن عبد البَرِّ في ترجمة الزهراء من استيعابه بالإسناد إلى ابن عمير قال: دخلتُ على عائشة فسألتها أيُّ الناس كان أحبَّ إلى رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قالت فاطمة قلت : فمن الرجال ؟ قالت زوجها».(1)

وأخرج في ترجمتها علیها السلام من الاستيعاب أيضاً عن بريدة قال: «كان أحبّ الناس إلى رسول الله من النساء فاطمة ومن الرجال علي». (2)

ومنها : قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «يا على أخصمك بالنبوّة فلا نبوّة بعدي وتخصم الناس

صل الله بسبع، ولا يحاجك فيها أحد من قريش، أنت أوّلهم إيمانا بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزيّة».(3)

هذه الأحاديث وغيرها - مما يجدها القارىء الكريم مبثوثة هنا وهناك - تؤكد مصداقية قول الشاعر الأستاذ محمد المجذوب (ورثت شمائله ...) حيث إن برديّ محمدصلی الله علیه وآله وسلم و بردي علي علیه السلام لافرق بينهما، فهما وجهان لقمر واحد ؛ فإذا ما أشرق منه علي فإنه يشرق بكلّ ما يتصف به الرسول من صفات -ما خلا پالنبوة - وإذا ما أشرق الرسول منه فإنه يشرق بكلّ ما استمده عليّ منه، فهي صفاته صلی الله علیه وآله وسلم ما يشرق بها من برده أو بردِ علي علیه السلام، لا فرق بين البردين.

ص: 190


1- الاستيعاب : 1897/4 .
2- الاستيعاب : 1897/4.
3- حلية الأولياء : 1 / 65 - 66 ، كنز العمال: 617/11 ، عنهما المراجعات: 253 (المراجعة 48).

البیت الشعری رقم (19) وشرحه

(18)

وغَلَوْتَ حَتَّى قَدْ جَعَلْتَ زَمَامَهَا *** إِرْثاً لِكُلِّ مُذَمَّمٍ لا يُحْمَدُ

الغُلَوّ: (من غلا يغلو) مجاوزة الحدّ .

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: الغين واللام والحرف المعتل : أصل صحيح في الأمر، يدل على ارتفاع ومجاوزة قَدْر ، يقال غلا الرجل في الأمر غُلُوّاً إذا جاوز حده.(1)

حتى قد: حتّى هنا: حرف ابتداء، حيث جاءت بعدها جملة فعلية.(2)

قد: حرف دخل على فعل ماض فهو للتحقيق.(3)

الزمام: الخيط الذي في أنف الناقة، وجمعه: الأَزِمَّة (زَمَّ: فعل من الزمام، تقول : زحمت الناقة أزُمُّها زمّاً.(4)

وقال ابن منظور، الزمام الخيط الذي يشدّ في الخشاش، ثم يشدّ في طرفه الِمِقْوَد وقد يسمى المقود ، زماماً .(5)

ص: 191


1- معجم مقاييس اللغة: 773 (م/ غلوى).
2- المنهاج في القواعد والإعراب: 238 (م/ حتى).
3- المنهاج في القواعد والإعراب: 273 (م/ قد).
4- كتاب العين: 354/7(م/ زم).
5- لسان العرب: 84/6(م/ زمم).

والخشاش - بالكسر - : ما يدخل في عظم أنف البعير من خشب يشدّ به الزمام ليكون ذا إسراع في انقياده.(1)

فالزمام هو المقود الذي يقاد به البعير عن طريق الأنف لا الفم.

وقد استعار الشاعر كلمة ( الزمام) من معناها الحقيقي (مقود البعير) إلى الإمارة لتكون مقوداً لها بيد الأمير أو القائد أو الرئيس؛ ليدير بها دفة الأمور.

الإرث الأمر القديم الذي توارثه الآخر عن الأول. وفي حديث الحج: «إنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم» يريد به ميراثهم ملّته، وأصل همزته واو لأنه من (ورث يورث)(2) حذفت منه الواو لأن ماضيه ثلاثي مجرد، وعين مضارعه مكسورة .(3)

المذمَّم: اسم مفعول بمعنى المذموم، مأخوذ من (ذممه)، بالغ في ذمه.(4)

وفي اللسان؛ رجل مُذَمَّم : مذموم جداً .(5)

والذم اللوم في الإساءة، ومنه التذمم ؛ يقال: افعل كذا وكذا خلاكَ ذم: أي خلاك لوم(6) . والذمّ: ضد المدح.

ص: 192


1- تاج العروس: 181/17 (م/ خشش).
2- النهاية في غريب الحديث والأثر : 37/1.
3- ينظر: مختصر الصرف: 60 .
4- المنجد في اللغة: 237 (مذم).
5- لسان العرب : 59/5 (م/ ذمم).
6- كتاب العين: 320/7 (م/ ذمم).

حقاً لقد غلا معاوية - كما قال شاعر سوريا - في احتوائه خلافة المسلمين وإقصائه كلّ من كان أهلاً لاستلامها بعده من أعلام الصحابة كالحسين علیه السلام المنصوص عليه في شروط الإمام الحسن علیه السلام التي اشترطها في وثيقة الصلح.

انشغل معاوية بتنصيب يزيد انشغالاً أنساه دُنُوّ الأجل، وقرب النهاية فلم يحتط لنفسه، ولم يعمل لآخرته. بل راح يفكّر ليل نهار في تحسين صورة ابنه يزيد، وتقديمه إلى المسلمين كعلم من أعلام المتقين الذي تطمئن بهم النفوس، ويثبت بهم أركان العدل، وبهم ترسو سفن النجاة؟! ولكن الواقع الذي كان يعيشه يزيد خذله كل الخذلان ، فلم يستطع معاوية أن يحوّله - بين ساعة وضحاها - من سكير يلهو بالقرود والكلاب إلى إمام هداية وصلاح حيث كان يزيد واضحاً في ليله ونهاره، وأبوه معاوية كان أدرى به وأعلم بسلوكه المفضوح، وفسقه المكشوف، واستهتاره الذي يتنافى وعرف أئمة المسلمين.

ولنستمع إلى بعض ما قيل في صفات يزيد الذي يريد معاوية أن ينصبه مناراً للهدى .. ! وصفه عبد الملك بن مروان ب(المأفون) ومعناه: ضعيف الرأي والعقل، حيث قال: «ما أنا بالخليفة المستضعف، ولا بالخليفة المداهن، ولا بالخليفة المأفون» .(1)

يقول المقريزي في النزاع والتخاصم) : المستضعف عنده (عثمان بن عفان)؛ والمداهن عنده (معاوية) و (المأفون) عنده يزيد بن معاوية . والمأفون لا يكون إماماً(2)

ص: 193


1- ينظر: النزاع والتخاصم : 37 .
2- النزاع والتخاصم : 37.

وصف المسعودي

قال المسعودي في مروج الذهب : 2 / 74ط بولاق: كان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب.

وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد بعد قتل الحسين علیه السلام فأقبل على ساقيه فقال:

اسقني شربة تروّي مُشاشتي *** ثمّ صِلْ فاسق مثلَها ابن زيادِ

صاحِبَ السِّرِ والأمانة عندي *** ولِتَسديد مَعْنَمي وجهادي

ثم أمر المغنين، فغنوا وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة واستعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب.

وكان له قِردٌ يكنّى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته، ويطرح له متكاً، وكان قرداً خبيثاً وكان يحمله على أتان وحشية قد ريضت وذللت لذلك بسرج ولجام ويسابق بها الخيل يوم الحَلْبَة، فجاء في بعض الأيام سابقاً فتناول القصبة و دخل الحجرة قبل الخيل وعلى أبي قيس قباء من الحرير الأحمر والأصفر منقوش ملمع بأنواع من الألوان، فقال في ذلك بعض شعراء الشام:

تَمَسَّك أبا قيس بفضل عنانها *** فليس عليها إن سَقطتَ ضَمانُ

ألا مَنْ رأى القرد الذي سبقتْ بهِ *** جيادَ أَمير المؤمنينَ(1) أَتانُ (2)

ص: 194


1- قال ابن عساكر في ترجمة زياد بن عبيد الله : إن القرد يكنّى: «أبا قيس» وان البيتين لیزید نفسه. (ينظر : تاريخ مدينة دمشق : 19 / 157)
2- الحسين علیه السلام/ علي جلال: 4 - 5 .

ابن طباطبا

وقال محمد بن علي بن أبي طباطبا المعروف بابن الطقطقى في الآداب السلطانية: إن يزيد بن معاوية كان موفّر الرغبة في اللهو والقنص والخمر والنساء والشعر .(1)كانت ولايته على أصح القولين ثلاث سنين وستة أشهر. ففي السنة الأولى قتل الحسين بن علي، وفي السنة الثانية نهب المدينة وأباحها ثلاثة أيام، وفي السنة الثالثة غزا الكعبة.(2)

وقال ابن طباطبا في مكان آخر من الفخري ص 49: كان يزيد يُلبس كلاب الصيد الأساور من الذهب والجلال المنسوجة منه ويهب لكلّ كلب عبداً يخدمه .(3)

ابن كثير

وقال ابن كثير في البداية والنهاية : كان يزيد كثير اللحم، عظيم الجسم كثير الشعر، ضخم الهامة، مجدراً. (4)

وقال أيضاً: ولقد كان فيه إقبال على الشهوات وترك لبعض الصلوات في بعض الأوقات(5). وروي الزبير بن بكار عن عبد الرحمن بن سعيد بن عمرو بن نفيل أنه قال في يزيد بن معاوية:

لستَ مِنّا وليس خالك منا *** يا مضيع الصلاة للشهوات(6)

ص: 195


1- الفخري في الآداب السلطانية: 113 ، عنه الحسين علیه السلام جلال 5.
2- البداية والنهاية : 248/8 ، عنه الحسين علیه السلام / علي جلال: 5 .
3- الحسين علیه السلام على جلال : 5 .
4- البداية والنهاية : 248/8 ، عنه الحسين علیه السلام/ علي جلال : 5 .
5- البداية والنهاية : 252/8 ، عنه الحسين علیه السلام/ علي جلال : 6 .
6- البداية والنهاية : 253/8 ، عنه الحسين علیه السلام/ علي جلال : 6 .

ويزيد بن معاوية أكبر ما نقم عليه في عمله: شربه الخمر وإتيانه المنكرات . (1)

عبد الله بن حنظلة

روی ابن سعد في الطبقات في ترجمة عبد الله بن حنظلة أنه بايع أهل المدينة ليالي الحرَّة على الموت، وقال: يا قوم اتقوا الله وحده لاشريك له، فو الله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء، إن رجلاً ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب ويدع الصلاة والله لو لم یكن معي أحد من الناس لأبليت الله فيه بلاء حسناً».(2)

عتبة بن مسعود

ذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة في وفاة معاوية: 1/ 321: «أنه لما توفي معاوية قال عتبة بن مسعود لعبد الله بن عباس: أتبايع ليزيد وه-و يشرب الخمر ويلهو بالقيان ويستهتر بالفواحش ؟ قال : مَه فأين ما قلت لكم وكم بعده من آتٍ ممن يشرب الخمر أو هو شر من شاربها .. إلخ».(3)

عبدالله بن الزبير

قال الدينوري في الأخبار الطوال 261 : كان ابن الزبير يُسمي يزيد السكران وأنه لما ودع جيوشه إلى المدينة أنشأ يقول:

ص: 196


1- ينظر: الحسين علیه السلام / علي جلال: 6 .
2- الطبقات الكبرى: 66/5 ، عنه الحسين علیه السلام / علي جلال : 6 .
3- الحسين علیه السلام / على جلال : 6 .

أبلغ أبا بكر إذا الأمر انبرى *** وسارت الخيل إلى وادي القرى

أجمع سكران من الخمر ترى(1)

وكان عبد الله بن الزبير - المسعودي في مروج الذهب: 2/ 75 - يسمي يزيد السكران الخِمّير.(2)

المسعودي

1 - قال المسعودي في مروج الذهب : ص 75 شمل الناس جور يزيد وعماله وعمّهم ظلمه وما ظهر من فسقه من قتل ابن بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وما ظهر من شرب الخمور وسيره سيرة فرعون بل كان فرعون أعدل منه في رعيته».(3)

محب الله بن عبد الشكور

قال محمد بن نظام الدين الأنصاري في (فواتح الرحموت) وشارحه محبّ الله بن عبد الشكور والمتن بين قوسين: (وكان الأكثر ) من الناس (في زمان بني أمية على إمامة معاوية) مع أنّ الحق كان بيد أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه من غير ريبة (و) على إمامة ( يزيد) ابنه مع أنه كان من أخبث الفساق وكان بعيداً بمراحل من الإمامة بل الشك في إيمانه خذله الله تعالى والصنيعات التي صنعها معروفة من أنواع الخبائث (وأشباههما) من الظلمة والفسقة.(4)

ص: 197


1- الحسين علیه السلام / على جلال: 6.
2- الحسين علیه السلام / على جلال: 7.
3- الحسين علیه السلام / على جلال: 7.
4- الحسين علیه السلام / على جلال: 7.

الكِيا الهرّاسي

ویزيد هو المتصيّد بالفهد واللاعب بالنرد ومدمن الخمر، ومن شعره:

أقول لصحب ضمت الكأسُ شَملَهم *** وداعي صبابات الهوى يترنَّم

خذوا بنصيبٍ من نعيم ولذَّةِ *** فكل وإن طال المدى يتصرمُ

ومات يزيد في ربيع الأول سنة أربع الأول سنة أربع وستين بذات الجنب بحوران وق-د بلغ سبعاً وثلاثين سنة وكانت خلافته ثلاث سنين وتسعة شهور وحمل إلى دمشق ودفن بمقبرة باب الصغير وقبره الآن مزبلة .(1)

هذا هو رأي المؤرّخين وكتاب السير وأعلام الصحابة والتابعين الأتقياء في ابن معاوية يزيد بن ميسون البجدلية بنت عبد الرحمن بن بجدل الكلبي التي امكنت عبد أبيها من نفسها؛ فحملت بیزید.(2)

الذي يقول فيه - كما مر - عبد الرحمن بن سعيد بن عمرو بن نفيل:

لستَ مِنّا وليس خالكَ مِنّا *** يا مُضَيعَ الصلاة للشهوات

هذا رأي المؤرخين في يزيد أبانوه أمامنا غارقاً- إلى هامته - في الموبقات تاركاً للصلوات هاتكاً للحرمات ناكحاً للأمهات والأخوات متجرئاً على الله في سفك دماء الأولياء والصالحين من أمة محمد صلی الله علیه وآله وسلم !؟

هذا هو يزيد (المذمم) الذي مدّ معاوية يده المجرمة الملوثة بدماء الأبرياء من أمة محمد صل الله علیه وآله وسلم وأجبر المسلمين - بكلّ ما يمتلك من أغراء ووسائل

ص: 198


1- الحسين علیه السلام/ علي جلال: 3-4 .
2- ذخيرة الدارين: 116 .

إرهاب وتهديد - أن يصافحوه مبايعين ويبايعوه مقهورين ضارعين خانعين ناسين كل مالهم من كرامة وحرية رأي وإيمان.. ولنستمع مرة أخرى إلى ما يقوله المؤرخون والفقهاء ورجال الحديث من صحابة وتابعين وأئمة مذاهب في كفره وزندقته ووجوب لعنه.

رأي علماء السنة في لعن يزيد

قال سبط ابن الجوزي - في تذكرته - : وذكر جدي أبو الفرج في كتاب (الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد، وقال: سألني سائل، فقال: ما تقول في يزيد بن معاوية ؟ فقلت له يكفيه مابه، فقال: أتجوّز لعنه ؟ فقلت : قد أجازها العلماء والورعون منهم (أحمد بن حنبل) فإنه ذكر في حق يزيد ما يزيد على اللعنة .(1)

قال جدّي - والكلام لسبط ابن الجوزي - : وأخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي البزاز أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، أخبرنا أبو بكر عبد العزيز ابن جعفر ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الخلال، حدثنا محمد بن علي، عن مهنا بن يحيى قال: سألت أحمد بن حنبل عن يزيد بن معاوية؛ فقال: هو الذي فعل مافعل . قلت ما فعل ؟ قال : نهب المدينة؟ قلت : فنذكر عنه الحديث؟ قال: لا ولا غرامة، وفي نسخة : ولا كرامة لا ينبغي لأحد أن يكتب عنه الحديث .(2)

ص: 199


1- تذكرة الخواص: 296 - 297 .
2- تذكرة الخواص: 297 .

الإمام أحمد بن حنبل يجيب ولده

قال سبط ابن الجوزي: وحكى جدّي أبو الفرج عن القاضي أبي يعلى ابن الفراء في كتابه (المعتمد في الأصول) بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل؛ قال: قلت لأبي: إن قوماً ينسبوننا إلى توالي يزيد! فقال: يابني وهل يتوالى يزيد أحد يؤمن بالله !؟ فقلت : فلِمَ لا نلعنه ؟ فقال: وما رأيتني لعنت شيئاً؟ يابني لِمَ لا تلعن من لعنه الله في كتابه؟ فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقال في قوله تعالى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أَوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ » [محمد 22 - 23] .

فهل يكون فساد أعظم من قتل الحسين علام؟ وفي رواية؛ لما سأله صالح؛ فقال: يابني ! ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه وذكره.(1)

قال جدي - والكلام لسبط ابن الجوزي - : وصنف القاضي أبو يعلى كتاباً ذكر فيه بيان من يستحق اللعن وذكر منهم يزيد، أو قال في الكتاب المذكور (الممتنع من جواز لعن يزيد): إما أن يكون غير عالم بذلك، أو منافقاً - يريد أن يوهم بذلك. وربّما استفز الجهال بقوله السلام : « المؤمن لا يكون لعاناً » قال القاضي: وهذا محمول على من لا يستحق اللعن. فإن قيل فقول-ه تعالى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ» [محمد/ 22] نزلت في منافقي اليهود. فقد أجاب جدّي عن هذا في الرد على المتعصب وقال: الجواب إن الذي نقل هذا (مقاتل بن سليمان)، ذكره في تفسيره وقد أجمع

ص: 200


1- تذكرة الخواص: 297

عامة المحدثين على كذبه كالبخاري ووكيع والساجي والسعدي والرازي والنسائي وغيرهم وقال : فسرها أحمد بأنها في المسلمين فكيف يُقبل قول أحمد إنها نزلت في المنافقين.

فإن قيل: فقد قال النبي صاله : «أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور ل-ه»، ويزيد أول من غزاها . قلنا فقد قال النبي صلی الله علیه وآله وسلم : «لعن الله من أخاف مدينتي» والآخر ينسخُ الأول.(1)

قال أحمد في المسند: حدثنا أنس بن عياض، حدثني يزيد بن حفصة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن عطاء بن يسار، عن السايب بن خلاد أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: قال : «مَن أخاف أهل المدينةِ ظُلماً أخافَهُ اللهُ وعليه لعنة

صلى الله عليه وسلم الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبلُ اللهُ منهُ يومَ القيامةِ صرفاً ولا عدلاً».(2)

وقال البخاري: حدثنا حسين بن حريث، أخبرنا أبو الفضل، عن جعيد، عن عائشة قالت: سمعتُ سعداً يقول: سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول: «لا يكيدُ أهل المدينةِ أحَدٌ إِلا انماعَ كَما ينماعُ الملح في الماء»(3) وأخرجه مسلم أيضاً بمعناه وفيه: لايريد أهل المدينة أحد بسوء إلّا أذابه الله في النار ذوب الرصاص (4). ولا خلاف أن يزيد أخاف أهل المدينة وسبى أهلها ونهبها وأباحها وتسمى وقعة (الحَرَّة) .(5)

ص: 201


1- تذكرة الخواص: 297 - 298.
2- تذكرة الخواص: 298 ، عن مسند أحمد: 4 / 55.
3- تذكرة الخواص: 298 ، عن صحيح البخاري: 222/2 .
4- تذكرة الخواص : 298 ، عن صحيح مسلم : 113/4 .
5- تذكرة الخواص: 298 .

وسببه ما رواه الواقدي وابن إسحاق وهشام بن محمد أن جماعة من أهل المدينة وفدوا على يزيد سنة اثنتين وستين بعدما قتل الحسين فرأوه يشرب الخمر ويلعب بالطنابير والكلاب، فلما عادوا إلى المدينة أظهروا سبّه وخلعوه وطردوا عامله عثمان بن محمد بن أبي سفيان، وقالوا: قدمنا من عند رجل لادين له يسكر ويدع الصلاة وبايعوا عبدالله بن حنظلة الغسيل وكان حنظلة يقول : يا قوم والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء؛ رجل ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة ويقتل أولاد النبيين، والله لو يكون عندي أحد من الناس لأبلى الله فيه بلاءً حسناً، فبلغ الخبر إلى يزيد فبعث إليهم مسلم بن عقبة المرّي في جيش كثيف من أهل الشام فأباحها ثلاثاً وقتل ابن الغسيل والأشراف وأقام ثلاثاً ينهب الأموال ويهتك الحريم .(1)

قال ابن سعد: وكان مروان بن الحكم يحرّض مسلم بن عقبة على أهل المدينة فبلغ يزيد فشكر مروان وقربه وأدناه ووصله !(2)

وذكر المدائني في (كتاب الحَرَّة) عن الزهري قال: كان القتلى يوم الحرّة سبعمائة من وجوه الناس من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي وأمّا من لم يُعرَف من عبد أو حُرّ أو امرأة فعشرة آلاف وخاض الناس في الدماء حتى وصلت الدماء إلى قبر رسول الله وامتلأت الروضة والمسجد. قال مجاهد : التجأ الناس إلى حجرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومنبره، والسيف يعمل

ص: 202


1- تذكرة الخواص: 298 - 299 .
2- تذكرة الخواص: 299 ، عن الطبقات الكبرى: 39/5.

فيهم. وكانت وقعة الحرّة سنة ثلاث وستين في ذي الحجة فكان بينها وبين موت يزيد ثلاثة أشهر ما أمهله الله بل أخذه (أخذ القُرى وهي ظالمة) وظهرت فيه الآثار النبوية والإشارات النبوية المحمدية.

وذكر أبو الحسن المدائني عن أم الهيثم بنت يزيد قالت: رأيت امرأةً من قريش تطوف بالبيت فعرض لها أسود فعانقته وقبلته فقلت لها ما هذا منك؟ قالت هذا ابني من يوم الحرّة وقع عليَّ أبوه فولدتُه.

وذكر أيضاً المدائني عن أبي قرة، قال: قال هشام بن حسان: ولدت ألفُ امرأة بعد الحرّة من غير زوج. وغير المدائني يقول: عشرة آلاف امرأة.(1)

وقال الشعبي: أليس قد رضي يزيد بذلك وأمر به وشكر مروان بن الحكم على فعله. ثم سار مسلم بن عقبة من المدينة إلى مكة فمات في الطريق فأوصى إلى الحصين بن نمير فضرب الكعبة بالمجانيق وهدمها وأحرقها وجاء نعي يزيد لعنه الله في ربيع .(2) وقال جَدّي (والكلام لا يزال لسبط ابن الجوزي) : ليس العجب من قتال ابن زياد الحسين وتسليطه عمر بن سعد على قتله والشمر وحمل الرؤوس إليه، وإنّما العجب من خذلان يزيد، وضربه بالقضيب ثناياه، و حمل آل رسول الله سبايا على أقتاب الجمال، وعزمه على أن يدفع فاطمة بنت الحسين إلى الرجل الذي طلبها، وإنشاده أبيات ابن الزبعرى:

ليتَ أشياخي ببدر شهدوا *** جزعَ الخزرج من وقعِ الأسَل

أفَيجوز أن يُفعَل هذا بالخوارج ؟! أليس بإجماع المسلمين أن الخوارج

ص: 203


1- تذكرة الخواص: 299 .
2- تذكرة الخواص: 299 .

والبغاة يُكفّنون ويُصلّى عليهم ويُدفنون؟ وكذا قول يزيد : لي أن أسبيكم ! لما طلب الرجلُ فاطمة بنت الحسين !! قول لا يقنع لقائله وفاعله باللعنة. ولو لم يكن في قلبه أحقاد جاهلية وأضغان بدرية لاحترم الرأس لما وصل إليه ولم يضربه بالقضيب وكفنه ودفنه وأحسن إلى آل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

قلت: والذي يدلّ على هذا أنه استدعى ابن زياد إليه وأعطاه أموالاً كثيرةً وتحفاً عظيمةً وقرّب مجلسه ورفع منزلته وأدخله على نسائه وجعل-ه ندیمه وسكر ليلة وقال للمغني غَنَّ، ثم قال يزيد بداهة:

اسقني شَربةً تُروّي فؤادي *** ثُمَّ مِلْ فاسق مثلها ابن زیادِ

صاحبُ السِّرِ والأمانة عندي *** ولتسديد مغنمي و جهادي

قاتلُ الخارجيّ أعني حُسيناً *** ومُبيدَ الأعداءِ والحُسّادِ(1)

ابن عقيل

قال السبط ابن الجوزي ، قال ابن عقيل ومما يدلّ على كفره وزندقته ( يعني يزيد) فضلاً عن سبّه ولعنه أشعاره التي أفصح بها بالإلحاد، وأبان عن خبث الضمائر وسوء الاعتقاد، فمنها قوله في قصيدته التي أولها:

علية هاتي واعلني و ترنّمي *** بذلك إني لا أحبُّ التناجيا

حديث أبي سفيان قدماً سما بها *** إلى أحد حتى أقام البواكيا

ألاهات فاسقيني على ذاك قهوةً *** تخيرها العني كرماً شآميا

إذا ما نظرنا في أمور قديمة *** وجدنا حلالاً شربها متواليا

ص: 204


1- تذكرة الخواص: 299 - 300 .

وإن مت يا أم الأحيمر فانكحي *** ولا تأملي بعد الفراق تلاقيا

فإن الذي حدثت عن يوم بعثنا *** أحاديث طسم تجعل القلب ساهيا

ولابد لي من أن أزور محمَّداً *** بمشمولة صفراء تروي عظاميا(1)

قلت (والكلام لايزال لسبط ابن الجوزي): ومنها قوله:

ولو لم يمس الأرض فاضل بردها *** لما كان عندي مسحة في التيمم

ومنها : لما بدت تلك الحمول وأشرقت، وقد ذكرناها، ومنها قوله:

معشر الندمان قوموا *** واسمعوا صوت الأغاني

واشربوا كأس مدام *** واتركوا ذكر المعاني وت الأذان

شغلتني نغمة العيدان *** عن صوت الأذان

وتعوض عن الحور *** عجوزاً في الدنان

إلى غير ذلك مما نقلته من ديوانه، لهذا تطرق إلى هذه الأمة النار بولايته عليها، حتى قال أبو العلاء المعري يشير بالشنار إليها :

أرى الأيام تفعلُ كلَّ نُكرِ *** فما أنا في العجايب مستزيدُ

أليس قريشكم قتلتْ حُسيناً *** وكان على خلافتكم يزيد

قلت: ولما لعنه جدّي أبو الفرج على المنبر ببغداد بحضرة الإمام الناصر وأكابر العلماء قام جماعة من الجفاة من مجلسه فذهبوا، فقال جدی: «أَلاَ بُعْداً مَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ » [هود/ 95].

ص: 205


1- تذكرة الخواص: 300.

وحكى لي بعض أشياخنا عن ذلك اليوم أن جماعة سألوا جدّي عن يزيد، فقالوا: ما نقول في رجل وُلّي ثلاث سنين في السنة الأولى قتل الحسين، وفي السنة الثانية أخاف المدينة ،وأباحها، وفي السنة الثالثة رمى الكعبة بالمجانيق وهدمها؛ فقالوا نلعن؟ فقال: فالعنوه.(1)

وقال جدّي في كتاب (الرد على المتعصب العنيد): قد جاء في الحديث لعنُ من فعل مالا يقارب معشار عشر فعل يزيد، وذكر الأحاديث التي ذكرها البخاري ومسلم في الصحيحين مثل حديث ابن مسعود عن النبي صلی الله علیه وآله وسلم أنه لعن الواشمات والمتوشمات. وحديث ابن عمر لعن الله الواشمة والمتوشمة ولعن الله المصوّرين. وحديث جابر: لعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم آکل الربا و موکله، الحدیث. و حدیث ابن عمر فی مسند أحمد:أحمد لُعنت الخمر على عشرة وجوه؛ الحديث.

وأورد أخباراً كثيرة في هذا الباب. وهذه الأشياء دون فعل يزيد في قتله الحسين وإخوته وأهله ونهب المدينة وهدم الكعبة وضربها بالمجانيق وأشعاره الدالة على فساد عقيدته. ومن رام الزيادة على هذا فليقف على كتابه المسمى (بالردّ على المتعصب العنيد).(2)

هكذا سرد لنا سبط ابن الجوزي الأدلة التي تُدين يزيد، مما لا يستطيع أحد زحزحتها عنه، أو تأويلها؛ فهي وثائق نطق بها لسانه وشهد بها فعله مدة خلافته.

ص: 206


1- تذكرة الخواص: 301.
2- تذكرة الخواص : 301-302 .

البیت الشعری رقم (19) وشرحه

(19)

هَتَكَ المحارم واسْتَباحَ خُدورَها *** ومضى بغيرِ هَواهُ لا يَتَرَدَّدُ

هَتَكَ الهتك خرق الستر عما وراءه. وقال الزمخشري - في أساس البلاغة - : هتك زيد الستر : شقه حتى يظهر ما وراءه.(1)

المحارم: مفردها: مَحْرَمَة، ومَحْرُمة - بفتح الراء وضمها، والحرمة مثلها - : هي التي لا يحل انتهاكها، ولا استحلالها.(2)

استباح: قال ابن منظور في (لسان العرب): استباحه انتهبه، واستباحوهم أي استأصلوهم. وفي الحديث حتى يقتل مقاتلتكم ويستبيح ذراريكم أي يسبيهم، وينهبهم ويجعلهم له مباحاً أي لا تبعة عليه فيهم .(3)

الخدور. مفردها: خدر - بكسر الخاء - : الستر . وجارية مخدّرة إذا لزمت الستر. وأصل الخدر: ستريمدّ للجارية في ناحية البيت، ثم صار كلّ ما واراك من بيت ونحوه خدراً.(4)

ص: 207


1- أساس البلاغة: 694 (م/ هتك).
2- المصباح المنير : 1/ 181 (محرم).
3- لسان العرب: 534/1 (م/ بوح).
4- المصباح المنير : 1/ 225 ( م/ خدر).

الهوى: قال الفيومي في (المصباح المنير) الهوى مقصور، مصدر هویته إذا أحببته وعلقت به، ثم أُطلق على ميل النفس وانحرافها نحو الشيء، ثم استعمل في ميل ،مذموم فيقال اتبع هواه، وهو من أهل الأهواء. (1)

التردد: في اللغة هو الرجوع إلى الشيء المرّة بعد الأخرى(2)، أي يستمر بالمجيء إليه ويعاوده مرة بعد أخرى. وحسب مفهوم (المخالفة) أن يزيد كان دائماً يتردد إلى هواه، ويستمر في انحرافه النفسي ولا تأخذه في هذا التردد والمعاودة إلى الغي لومة لائم ولا زجرة زاجر أو وعظ واعظ..

أمّا بغير هذا الهوى، أو ذلك اللعب والاستهتار، فهو لا يتردد، بل لا يدنو ولا يقترب من أية شريعة ينهل منها الهدى والإيمان!!

إنّ مضيّ يزيد في حياة الفسق هو الذي جرأه على هتك محارم آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم واستباحة خدورها، ونهب ثقل الحسين وحرق خيامه وترويع نسائه وأطفاله، في بَرِّكربلاء وصحرائها؟

ولنقتطف - بهذه المناسبة - ما يقوله الكاتب الإسلامي الكبير (عبد الله العلايلي) في كتابه القيّم (الإمام الحسين) وهذا نص مقولته الرائعة: «إذا كانَ يقيناً أو يشبه اليقين أن تربية يزيد لم تكن إسلامية خالصةً أو بعبارة أخرى كانت مسيحيةً خالصةً، فلم يبقَ ما يُستغرب معه أنْ يكونَ متجاوزاً مستهتراً مستخفاً بما عليه الجماعة الإسلامية، لا يحسب لتقاليدها واعتقاداتها أي حساب، ولا يقيم لها وزناً، بل الذي يُستغرَبُ أن يكونَ على غير ذلك».(3)

ص: 208


1- المصباح المنير : 2/ 885 (م/ هوى).
2- المصباح المنير : 305/1 - 306 (م/ ردد).
3- الإمام الحسين علیه السلام/ عبد الله العلايلي: 59 .

وإليك أيها القارئ الكريم ما يؤيّد ما ذهب إليه الأستاذ (العلايلي):

1 - إن يزيد يرجع بالأمومة إلى بني كلب هذه القبيلة التي كانت تدين بالمسيحية قبل الإسلام.(1)

2 - إنَّ من أساتذة يزيد بعض نساطرة الشام، من مشارقة النصارى.(2)

3- أراد يزيد كعباً بن جعيل(3)على هجاء الأنصار، فاستأبى عليه تأثُّماً لمقامهم الديني ودلّه على الأخطل التغلبي الشاعر النصراني.(4)

4 - كان يزيد يتزيد في تقريب المسيحيين ويستكثر منهم في بطانته الخاصة.(5)

5 - كان يزيد يطمئن إلى المسيحيين حتى عهد بتربية ابنه إلى مسيحي.(6)

6 - شعره الذي يشيد به بالخمرة ويحمد صفاتها وأنها تروي عظامه.

7 - تركه الأذان والصلاة وحثه على استماع الغناء والمؤذن يؤذن . كما تقدم ذلك في صفحات سابقة.

ص: 209


1- الإمام الحسين علیه السلام/ عبد الله العلايلي: 58 .
2- الإمام الحسين علیه السلام/ عبد الله العلايلي: 59.
3- كعب بن جعيل بن قمير بن عجرة التغلبي (000 - 55ه) : شاعر تغلب في عصره، مخضرم عُرِفَ في الجاهلية والإسلام كان لا ينزل بقوم إلّا أكرموه، وضربوا له قبة أدركه الأخطل في صباه، وهجاه. وكان في زمن معاوية وشهد معه وقعة (صفين). قال المرزباني: «هو شاعر معاوية بن أبي سفيان وأهل الشام؛ يمدحهم ويرد عنهم» (الأعلام ، حرف الكاف: 5 / 225). طلب منه يزيد أن يهجو الأنصار فامتنع ، كان ذلك منه في أيام أبيه معاوية. (الأعلام حرف الكاف: 225:5 الهامش).
4- الإمام الحسين علیه السلام/ عبد الله العلايلي: 59.
5- الإمام الحسين علیه السلام/ عبد الله العلايلي: 59.
6- الإمام الحسين علیه السلام/ عبد الله العلايلي: 59.

أراد الشاعر (محمد المجذوب) أن يجسّد في هذا البيت الفخم (هتك المحارم واستباح خدورها ...) قسوة يزيد وخروجه على التقاليد الإسلامية واستهتاره بالقيم العربية والإسلامية؛ حيث اختار لهذا البيت من الألفاظ ما تكاد أن تنفح منها رائحة جرائمه المكشوفة التي كانت موضع استنكار من جميع المسلمين كافة !

مما يدل على قدرة الشاعر في استعارة الألفاظ من معانيها الحقيقية استعارة لا شطط فيها ولا مبالغة، لذلك جاءت متوائمة بعضها مع البعض الآخر؛ فكانت الصورة التي أراد أن يرسمها الشاعر لجرائم هذا الطاغية - متكاملة في أبعادها متناسقة في ألوانها - تحكي قصة ما فعله (يزيد) بني أمية من موبقات لا يمكن أن يفعلها مسلم.

ص: 210

البیت الشعری رقم (20) وشرحه

(20)

فَأَعادَها بَعدَ الْهُدى عَصَبِيَّةٌ *** جَهْلاءَ تَلْتَهِمُ النُّفوسَ وتُفْسِدُ

فأعادها: الضمير في (أعادها ) يعود إمّا إلى الخلافة (أي أعاد الخلافة التي كانت يغشاها الهدى ونور الإيمان بها يستضيء المسلمون، ويهديها يسيرون).

وإما إلى الحال التي كان عليها المسلمون في حياة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم كانت المساواة بين المسلمين هي السائدة، فالكل في حق الحياة سو اء.

الله فوق الخلق فيها وحده *** والناس تحت لوائها أكفاء(1)

فكان المسلم لا يرى فضلاً لغيره إلا بالتقوى، وكان المسلم أخا المسلم مهما اختلفت الأصول والمنحدرات.

فغير ذلك بنو أمية واستهانوا بالمفاهيم الإسلامية، وأكثرهم تمادياً ومغالاة في الفجور والفسق يزيد القرود والفهود.

عصبيّة: العصبيّة شدّة ارتباط المرء بعصبته (جماعته) والجدّ في نصرتها والتعصب لمبادئها .(2)

ص: 211


1- ديوان أحمد شوقي: 38/1 .
2- المنجد في اللغة: 508 (م/ عصب).

وهو أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته والتألب معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين!

وفي الحديث: العصبي من يعين قومه على الظلم.(1) والعصبي من يغضب لعصبته ويحامي عنهم . والتعصب المحاماة والمدافعة وتعصّبنا له ومعه نصرناه.(2)

فالعصبية القبلية يمثلها المثل الشهير أصدق تمثيل وهو: «انصر أخاک ظالماً أو مظلوماً».(3)

جهلاء: الجهلاء مبالغة في الجاهلية؛ حيث قالوا كان ذلك في الجاهلية الجهلاء، وهو توكيد للأول، يشتق له من اسمه ما يُؤكد به كما يقال: «وَتد واتد، وهمج هامج، وليلة ليلاء ويوم أيوم».

وفي الحديث: «إنك امرؤ فيك جاهلية»(4) هي الحال التي كانت عليها

العرب قبل الإسلام من الجهل بالله سبحانه، ورسوله، وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك.(5)

ص: 212


1- ينظر مسند أحمد 4 / ، 160 والحديث منقول بتصرف.
2- تاج العروس: 3810/30-382 (م/ عصب).
3- ويظهر للمتتبع أن هذا القول ( حديث شريف) كما ورد في كنز العمال [ 3 / 414] وغيره من كتب الحديث.
4- صحيح البخاري: 13/1.
5- لسان العرب: 402/2 (م/ جهل).

وكأنَ الشاعر رحمه الله أراد أن يقول : فأعادها بعد الهدى جاهلية جهلاء؛ فرأى أن البيت لا يستقيم، فعدل إلى كلمة (عصبية).

تلتهم: اللَّهمُ: الابتلاع.

وَهِمَ الشيء هَماً ولَهَا، وتلهمه، والتهمه: ابتلعه بمرة.(1)

وكأنَّ الشاعر - رحمه الله - أراد أن يقول: لو كان يزيد يحكم المسلمين بالقسطاس المستقيم؛ لما كال لهم الذل والخنوع، ولما جعلهم عبيداً له يتحكم في رقابهم كما يشاء ويريد.

لو أن يزيد حكم المسلمين حكم مَنْ يتمسك بالإسلام ويدين بشرائعه لما أباح مدينة الرسول ثلاثة أيام يعيث بها الجيش فساداً ويعبث جنوده بحرمتها عبث الفجار الفاسقين!!

أية شريعة أباحت لجنوده أن يفجروا ويفسقوا بالمسلمات حتى ولدت ألف إمرأة من دونما زوج ؟

أية شريعة أباحت له ذلك غير شريعة العصبية الجهلاء؟

أيّ داعٍ كان يدعوه لضرب شفتي الحسين علیه السلام بعد قتله والقضاء عليه؛ غير داعي التشفّي والانتقام ممن هدموا مجد الجاهلية، وأقاموا على أنقاضه مجد الله وشريعته السمحاء ؟!

ص: 213


1- لسان العرب : 12 / 345 (م/ لهم).

حقاً لقد كان انتقامه من أهل المدينة انتقاماً جاهلياً، وعصبيةً جهلاء كادت أن تحيل المدينة إلى أنقاض لا حياة فيها؛ لقد التهمت رجالها التهاماً وفسقت بنسائها ! فأين إسلام يزيد من هذه الفضائح وهتك الحرمات؟

ولمّا وضعت الحرب أوزارها؛ لم يترك أهل المدينة أحراراً في دنياهم بل فرض عليهم أن يبايعوه على أنهم عبيدٌ أقنان يتصرّف في دمائهم وأموالهم كيفما شاءت له عصبيته الجهلاء؟!

ص: 214

البیت الشعری رقم (21) وشرحه

(21)

فَكَأَنها الإسلامُ سِلْعَةُ تاجرٍ *** وَكَأَنَّ أُمَّتَهُ لَآلِكَ أَعْبُدُ

السِّلْعَة: البضاعة. والجمع : سَلَع مثل: سِدْرَة وسِدر. (1)

الآل: آل الرجل : أهله وعياله.

وقد اختلف في ألفه فقيل : إنه مقلوب عن واو، فأصله أول تحركت الواو، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً.

وقيل : إن أصل (الآل) الأهل. فأبدلت الهاء ألفاً فصار الآل. وله في التصغير صورتان: (أويل ، وأهيل) .(2)

قال الراغب في المفردات: (الآل) مقلوب عن الأهل، وخُصَّ بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات .. فلا يقال: أل رجل، ولا يقال آل الخياط.

ويستعمل الآل فيمن يختص بالإنسان اختصاصاً ذاتياً إما بقرابة قريبة أو بموالاة، قال عزّ وجل:« وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ .. »[آل عمران/ 33].

وقال: «أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ »(3) [غافر/ 46] .

ص: 215


1- المصباح المنير : 1/ 388(م/ سلع).
2- لسان العرب: 268/1 (م/ أول).
3- المفردات في غريب القرآن : 30 (م/ آل).

العَبدُ : خلافُ الحُرّ، وهو عبد بيّن العَبْدِيَّة والعبودة والعبودية واستعمل له جموع كثيرة، والأشهر منها أعبد وعبيد ..(1)

شبّه الشاعر الإسلام في نظر بني أُمية - بسلعة التاجر التي تكون يوماً بيد المسلم، ويوماً آخر بيد الكافر، وتارة تكون عند المؤمن وتارة أخرى عند الفاسق الفاجر

فالخليفة عندهم مَن يدير شؤون الدولة، فليس بالضرورة أن يكون متأثراً بالإسلام، مؤتمراً بأوامره، منتهياً بنواهيه!!

وتبعاً لهذا المفهوم الجاهلي تكون الأمة رعيته، إن شاء عدل فيهم، وإنْ شاء ظلم، وإن أحبّ أن يجعلهم أحراراً جعلهم، وإن أراد أن يحولهم إلى عبيد أقنان؛ يسترق رقابهم ويستبعد نفوسهم، ويسخرهم متى ما أراد لخدماته وشؤونه الخاصة.. ويومها؛ ليس لأحد منهم أن يمتنع والويل لمن

يمتنع؛ حيث يهدر دمه فيقتل قتلاً، أو يُسمّ بأحلى الطعام وأطيبه أو يدفن حياً، يصبح خبراً من أخبار الماضي..

وحياة بني أمية كلّها شواهد على ذلك، ولنأخذ من تلك الشواهد بعضها يشهد لنا على ما كان عليه بنو أمية - في حياتهم وحكمهم - من الانحراف عن مفاهيم الإسلام الذي اعتنقوه فجعلوه ديناً لهم لكن حياتهم كا كانت تشهد عليهم - في دولتهم - بأنهم ما كانوا صادقين كلّ الصدق فيما يقولون ويفعلون..

ص: 216


1- المصباح المنير : 531/1 (م/ عبد).

وفيما يأتي ما اخترناه من الشواهد:

1 - كان معاوية من هواة جمع الأموال، ولو كان ذلك على حساب المستحقين لها من المعوزين والبائسين والجياع !!

حين استولى على العراق؛ نقل بيت المال من الكوفة إلى دمشق وزاد في جرايات أهل الشام، وحطّ من جرايات أهل العراق.

وقال قولته المشهورة: الأرض الله وأنا خليفة الله، فما آخذ من مال الله فهو لي، وما تركته كان جائزاً لي.(1)

أليس هذا القول خروجاً على مفاهيم الإسلام التي كانت تحدّد صلاحيات الخليفة وتجعل له راتباً من بيت المال لا أن تجعل بيت المال راتبه.

وإنك لتعجب حينما تقرأ في التاريخ الإسلامي بأن سعيداً بن العاص والي عثمان على الكوفة: أعجبه خيلاؤه - يوماً وذهب به كبرياؤه كلّ مذهب فنطق بها على رؤوس الأشهاد:

«إنما هذا السواد فطير لقريش وكتب بها إلى عثمان، فقام له الأشتر -وهو مالك بن الحارث النخعي- وقال له أتجعل ما أفاء الله علينا بظلال سيوفنا ومراكز رماحنا، بستاناً لك ولقومك ؟ !(2)

ص: 217


1- ثورة الحسين علیه السلام ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية: 87.
2- ينظر : الإمام الحسين علیه السلام / عبد الله العلايلي: 36.

2 - كتب معاوية إلى وردان عامله على مصر : أَن زِدْ على كل أمرىء من القبط قيراطاً. ولكن وردان كان أعدل من معاوية، فكتب إليه: كيف أزيد عليهم وفي عهدهم أن لا يزاد عليهم ؟ (1)

يُفهم من هذا النص التاريخي أن معاوية نسي أو تناسى ما أعطاه الإسلام لأهل الذمة من العهود، ومن هذه العهود أن لا يستغلوا من قبل الخلفاء والأمراء، فيزاد عليهم في الجزية مما لم يسمح به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

3- كتب معاوية إلى زياد بن سميّة عامله على العراق: اصطف لي الصفراء والبيضاء. فكتب زياد إلى عماله بذلك وأمرهم أن لا يقسموا بين المسلمين ذهباً ولا فضة.(2)

4 - أعطى معاوية مصر إلى عمرو بن العاص، وقد جاء في صلّ هذا العطاء: إنّ معاوية أعطى عَمْراً بن العاص مصر وأهلها هبة يتصرّف كيف يشاء .. !!(3)

5 - سأل صاحب أخنا بمصر عَمْراً بن العاص أن يخبره بمقدار ما عليه من الجزية، فأجابه : لو أعطيتني من الأرض إلى السقف ما أخبرتك ما عليك، إنما أنتم خزانة لنا، إن كثّر علينا كثّرنا عليكم، وإن خفف عنا خففنا عنكم.(4)

ص: 218


1- ثورة الحسين علیه السلام ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية : 85-86.
2- ثورة الحسين علیه السلام ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية : 85.
3- ثورة الحسين علیه السلام ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية : 86.
4- ثورة الحسين علیه السلام ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية : 87.

6 - يقول يوليوس ولهاوزن: لقد غُلب أهل العراق في صراعهم مع أهل الشام، وضاع منهم دخل الأراضي التي استولوا عليها وصار عليهم أن يقبلوا بأجور هي فتات موائد أسيادهم، وكانوا مغلوبين على ،أمرهم، تغلبهم عليه تلك الصدقات التي هم محتاجون إليها، والتي في يد الأمويين تخفيفها أو إلغاؤها، فلا عجب إذن في أن يروا في حكم أهل الشام نيراً ثقيلاً، وأن يتأهبوا لدفعه متى سنحت الفرصة المؤاتية لهم بذلك .(1)

7- كان معاوية يتعجب من حياة الخلفاء الذين سبقوه حيث لم يصيبوا من الدنيا كما أصاب، ولم يتمتعوا بخيراتها كما تمتع ه-و ؛ لأنه يرى الخلافة ملكاً، وما الخليفة فيها إلا ملك ليس لأحد من الرعية أن يحاسبه على ما يفعل في ملكه من حياة الترف، والبذخ في الأموال، والإسراف في الملذات، وإطلاق العنان لنفسه لتذهب جامحة في عالم الشهوات..

ولنأخذ نصاً تأريخياً في هذا المعنى يذكره لنا (الطبري في تاريخه)، حيث يروي عن ابن مسعدة قوله : انتقل معاوية من بعض ك-ور الشام إلى بعض عمله فنزل منزلاً بالشام، فبسط له على ظهر إجّار (الإجار: السطح بلغة أهل الشام) مشرف على الطريق، فأذن لي فقعدت معه، فمرّت القُطرات والرَّحائل والجواري والخيول، فقال:

ص: 219


1- ثورة الحسين علیه السلام ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية :89.

يابن مسعدة، رحم الله أبا بكر ! لم يرد الدنيا ولم ترده الدنيا، وأمّا عمر - أو قال ابن حَنتمة - فأرادته الدنيا ولم يردها، وأما عثمان فأصاب من الدنيا وأصابت منه؛ وأما نحنُ فتمرّغْنا فيها؛ ثم كأنه ندم فقال : والله إنَّه لملك آتانا الله إياه .(1)

ص: 220


1- تاريخ الطبري: 247/4 .

البیت الشعری رقم (22) وشرحه

(22)

فَاسْأَلْ مَرابِضَ كَرْبَلاءَ وَيَشْرِبٍ *** عَنْ تِلكُمِ النَّارِ التي لا تُحمَدُ

المرابض : جمع (مَرْبِض) وزان (مَجْلِس) وهو اسم مكان، يكون مأوىً للغنم ليلاً (1). والربض للمدينة : ماحولها وقيل هو الفضاء حول المدينة.

أراد الشاعر بالمرابض المدينة نفسها، لا ما حولها أو فضاؤها؛ لأن كربلاء أو يثرب هما اللتان تعمّدهما يزيد بالخراب والتدمير، فقتل من حلّ بهما وأحدث الفضائح والفجائع بأهلهما فاسأل يا معاوية (إذا أردت أن تسأل عما فعله يزيد في سنيّ خلافته) كربلاء أو يثرب، فهي تنبيك بالخبر اليقين (إن لم تصدق بالأخبار والرواة) فهما شاهدتا عيان.

أمّا مصائب كربلاء فقد كفتنا عن ذكرها والتحدث حولها مَنْ عاشتها وشاهدتها، وخاطبت ابنك يزيد بفضائحه يوم واجهته وجهاً لوجه، وقصت عليه ما قدّمتْ يَداهُ من دونها ورع أو خشية من الله تعالى واسمعها يا معاوية - يجلجل صوتها في ذلك المجلس الرهيب قائلة: «أمنَ العدلِ يابنَ الطلقاء؛ تخديركَ حرائرَكَ، وإماءَكَ؟! وسوقك بناتِ رسول الله سبايا قد هتكت ستورَهنَّ ؟! وأَبديت وجوهَهُنَّ ؟!

ص: 221


1- المصباح المنير : 1/ 293 (م/ ربض).

تحدو بهنَّ الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهنَّ أهلُ المناهلِ والمناقل ويتصفّحُ وجوهَهنَّ القريب والبعيد، والديُّ والشريف؟! ليسَ معهنَّ من رجالِهِنَّ وليُّ، ولا مِنْ حماتهنَّ حميٌّ ؟!

وكيف يُرتجى مراقبةُ ابن مَنْ لفظ فُوهُ أكباد الأزكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء ؟ !

وكيف يُستبطأ في بغضنا - أهل البيتِ - مَنْ نظرَ إِلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان؟!

ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم:

لأهلُّوا واستهلُّوا فرحاً *** ثمّ قالوا يا يزيدُ لا تُشل

منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك ؟!

وكيف لا تقولُ ذلك ؟ وقد نكأتَ القرحة واستأصلت الشأفة بإراقتِكَ دماء ذرية محمدٍ صلی الله علیه وآله وسلم ونجوم الأرضِ مِنْ آلِ عبد المطلب ؟!

فو الله يا يزيد ما فريتَ إلّاجلدَكَ، ولا حززت إلا لحمكَ، ولتردَنَّ على رسولِ الله صلی الله علیه وآله وسلم بما تحملت من دماء ذريته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمتِهِ. أَلا فالعجبُ كلّ العجب لقتل حزب الله النجباء، بحزب الشيطانِ !الطلقاء !!!

ص: 222

فهذه الأيدي تنطِفُ من دمائنا، والأفواه تتحلب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسلُ، وتعفرُها أمهاتُ الفراعل؟!

ولئنْ اتخذتَنا مَعْنَاً لتجدَنا مغرماً يومَ لا تجد إلا ما قدَمتْ يَداكَ وما رَبُّكَ بِظَلام للعبيدِ..»

پإلى آخر ما قالت ونقلت، فلم يستطع يزيد أن يردّ عليها كلمة واحدة، مما يشير إلى أنه كان عالماً بما جرى في كربلاء آمراً به. فأشعل في كربلاء ناراً وأحرق خياماً وأرعب قلوباً وشتت شمل آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم فخرجت النساء هائمات على وجوههن في عرصات كربلاء.

وأما يثرب مدينة رسول الأمة، وحرمه المصان فقد أجج فيها حرباً طاحنة، وصلت فيها دماء القتلى إلى منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

ولم يكتف بقتل الناس، بل أباح بيوت يثرب وهتك ستر المخدرات المسلمات المصونات ؟!

وإن أردت يا معاوية أن تعرف ما صنعه يزيد بمدينة الرسول فاستمع إلى ما يخبرك به سبط ابن الجوزي الحنبلي في ( تذكرته) حيث يقول: «ذكر المدائني في كتاب (الحَرَّة) عن الزهري:

كان القتلى يوم الحرّة سبعمائة من وجوه الناس من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي، وأمّا من لم يُعرف من عبد أو حُرّ، أو إمرأة ، فعشرة آلاف وخاض الناس في الدماء حتى وصلت الدماء إلى قبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وامتلأت الروضة والمسجد.

ص: 223

قال مجاهد التجأ الناس إلى حجرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومنبره والسيف يعمل فيهم»(1). وولدت الآلاف من النساء من غير أزواج.(2)

أسمِعْتَ يا معاوية معنى ما يقوله الشاعر الشامي (محمد المجذوب):

«فأسأل مرابض كربلا.. »؟! فهل سألتها عما فعله ابنك يزيد بها لتجيبك بما أجبناك به؟

ص: 224


1- تذكرة الخواص: 299 .
2- ينظر: تذكرة الخواص: 299 .

البیت الشعری رقم (23) وشرحه

(23)

أَرْسَلْتَ مَارِجَها فهاجَ بِحَرَّةٍ *** أَمسُ الحُدودِ وَلم يُجنّبها غَدُ

المارج: الشعلة ذات اللهب الشديد المختلط بسواد النار.(1)

فهاج: هاج الشيء ثار - بابه باع.

وهِياجاً أيضاً بالكسر ، وهَيَجاناً - بفتحتين واهتاج وتهيج: مثله .(2)

لقد كانت استعارات الشاعر موفّقة كلّ التوفيق، حيث استعار المارج (الشعلة الملتهبة) للحماس المتأجج داخل يزيد.

والهياج استعارة كذلك للثورة الداخلية التي كانت تعتمل في ذات يزيد؛ تمهيداً للانقضاض على مدينة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم.

تلك المدينة التي كانت أول حربة في قلوب آبائه وأهله وقومه الجاهلين، وأول سيف جرّد على بني أمية فأطاح بشيبة والوليد وعتبة.

فالمارج : الذي هاج بحرة هو يزيد ويزيد ذاته.

ص: 225


1- المنجد في اللغة: 754(م/ مرج).
2- مختار الصحاح : 293 (م/ هيج).

وقد كنّى عنه الشاعر بكلّ ما يحتويه في داخله من بغض وحقد وحسد، وأخذ ثار لأجداده، عن يزيد هذا بكلّ ما في داخله كنّى الشاعر بالمارج الهائج ولا أعتقد أن كناية أخرى تقوم مقامها.

ص: 226

البیت الشعری رقم (24) وشرحه

(24)

قبلاً يعالج ذو الصَّلاح فسادَها *** ويطبُّ معضلَها الحكيمُ المرشدُ

العبث: (مصدر) ارتكاب أمر ليس فيه غرض صحيح لفاعله.(1)

:العلاج: المداواة. عالج المريض داواه.(2)

الفساد: (المصدر): اللهو واللعب وأخذ المال ظلماً .(3)

يطب: يداوي.(4)

المعضل: داء معضل : عَبِيٌّ أو لا دواء له.(5)

الحكيم صاحب الحكمة والحكمة هي الفلسفة العدل، الحكم، العلم.(6)

المرشد: المهتدي المستقيم والرشد الصلاح وهو خلاف الغي والضلال.(7)

ص: 227


1- المصباح المنير : 531/2 (م/ عبث).
2- المنجد في اللغة: 525 (م/ علج ) .
3- أساس البلاغة: 473م (فسد).
4- أساس البلاغة: 382 (م/ طبب).
5- لسان العرب: 9 / 260(م/ عضل).
6- لسان العرب: 3/ 270 (م/ حكم).
7- لسان العرب: 5/ 219 (م/ رشد).

يقول الشاعر: إن الفساد الذي أحدثه يزيد لا يستطيع أن يعالجه طبيب مصلح ولا مرشد حكيم وإن حاول ذو الصلاح أن يفعل ذلك فهو عابث غير هادف؛ لأن الفساد الذي أحدثه يزيد في هذه الأمة ليس مما يدخُل في قابلية المصلحين؛ فقد أهدر كرامة الأمة وأباح عفتها وهدم كعبتها، وقتل حسينها .

ص: 228

البیت الشعری رقم (25) وشرحه

(25)

أَينَ الذي يسلو مواجع أحمد *** وجراح فاطمة التي لا يُضمَدُ

يسلو: تطيب نفسه عن فراق إلفه ويصبر عن ألم ذلك الفراق.

الموجع اسم مكان وزان مفعل - جمعه مواجع.

ومواجع أحمد الجوارح والأعضاء التي حلّ فيها الوجع والألم من أجل مذابح كربلاء.

الجراح: جمع جراحة، ولها جمع آخر هو جراحات.(1)

ضَمَّدَ الجُرحَ : شدّه بالضماد. والضماد - بالكسر - خرقة يشدّ بها العضو المجروح. (2)

أين: اسم استفهام يُسأل به عن المكان .(3)

ولكن الشاعر أخذ بها إلى معنى التعجب وهو معنى يناسب الأمر الذي يريد أن يتحدث عنه الشاعر.

ص: 229


1- المنجد في اللغة 86 (م/ جرح).
2- المنجد في اللغة: 455 (م/ ضمد).
3- البلاغة الواضحة : 196.

كأن الشاعر يريد أن يقول : هل يوجد في العالم إنسان محمدي تطيب نفسه بعد الاطلاع على فجائع الطف التي أثرت في قلب رسول الأمة فأوجعته أيَّما إيجاع ؟

هل يوجد إنسان يتعامى أو ينسى ما حلّ في أعضاء فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول صلی الله علیه وآله وسلم الأمة من جراح عميقة تستعصي على تضميد أو التئام؛ لأن جراحاتها جراحات أُم تنظر إلى أبنائها يُذبحون أمامها، فهل يا ترى تندمل في يوم من الأيام؛ وقد تحولت إلى أفواه تندب المأساة ليل نهار.

والشاعر يقول:(1)

أفاطم قومي يا ابنة الخير واندُبي *** نجومَ سماواتٍ بأرضِ فراتِ(2)

والمعري يقول:

وعلى الأفق من دماء الشهيدين *** عليّ ونجله شاهدان

فهما في أواخر الليل فجرانِ *** وفي أولياته شفقان

ثبتا في قميصه ليَجيءَ ال *** حشر مستعدياً إلى الرحمان(3)

ص: 230


1- هو شاعر أهل البيت علیهم السلام دعبل بن على بن رزين الخزاعي: (ت 246 ه- ).
2- دیوان دعبل بن على الخزاعي: 91.
3- ديوان سقط الزند لأبي العلاء المعري : 134 .

ويقول حليم دموس:(1)

في صفحة القلب لا في الطرس ذكراهُ *** فلتخشع الروحُ إِنّ الروحَ مأواهُ

ذكرى الحسين نواح لا انتهاء لهُ *** كأنّ داود بالمزمار غنّاهُ

ذکرى الحسين قصيد خالدٌ أبداً *** الحبُ ألهمهُ والحزنُ أملاهُ

ذكرى الحسين دروسٌ في الحياةِ لمن *** تبكي جراحَ الأسى بالطفِ عيناهُ

دم زكي طهورٌ لا يعادُلهُ *** دمٌ سفكناهُ أو دمعٌ سفحناهُ

مَنْ جده المصطفى المختارُ مِنْ قدم *** ومن أبوه علي كيف ننساهُ

ومَنْ يكن كحسين في عقيدتهِ *** هيهات تنسى عروس الشعر ذكراهُ

وبعد فحق للشاعر (محمد المجذوب) أن يتعجب ويقول: أين مَن يسلو؟!

ص: 231


1- هو حليم بن إبراهيم بن جرجس دموس (1305 - 1377ه- / 1888 - 1957م) متأدب، له نظم ،كثير، في بعضه إجادة ولد ونشأ في زحلة بلبنان) ، وسافر إلى البرازيل، وعاد إلى بلده فشارك في تحرير جريدة (المهذب) واستوطن دمشق بعد الحرب العالمية الأولى إلى آخر حياته. توفي في مستشفى الجامعة الأمريكية ببيروت ودفن في جونية (بلبنان). كان مهذب الطبع دمث الخلق. افتتن بما سمي الدعوة (الداهشية) ونكب في سبيلها، فسجن وأبعد، واستمر مشدوهاً بها إلى أن حانت منيته، فأوصى بأن يدفن في مقبرة أصحابها في جونية ونفذت وصيته. وقيل: نقل إلى مقبرة الروم الأرثودكس طائفته بزحلة. له (ديوان حليم - ط) و (المثالث والمثاني - ط) من نظمه، و الأغاني الوطنية - ط) رسالة، و (زبدة الآراء في الشعر والشعراء - ط) كراسة ، و (قاموس العوام - ط) و (رباعايات وتأملات . ط متعددة الأجزاء، و يقظة الروح - ط ) . (الأعلام 2/ 270 ) .

أين مَنْ تطيب نفسه، أو ينسى ما حلّ برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من آلام وأوجاع كان لا يهدأ لها ولا يستقر ؟!

أم أين من يسلو جراحات فاطم؟ وهي التي كانت تندب ولدها؟!

والشريف الرضي يندب ويقول:

يارسول الله لو عاينتهُمْ *** وَهمُ ما بَيْنَ قَتْلِ وسِبا.(1)

ص: 232


1- ديوان الشريف الرضي: 44/1 .

البیت الشعری رقم (26) وشرحه

(26)

والزاكيات من الدماءِ يُريقُها *** باغ على حرم النبوة مفسِدُ

الزاكيات: مفردها زاكية مؤنث زاكي والزاكي يعني الزكي والكلمة تعنى: الزكية.

وكلّ هذه المفردات مشتقة من (زكا يزكو زكاءً) أي طهر وصلح.(1)

والباغي: هو الظالم، واشتقاقه من البغي وهو الظلم والعدول عن الحق.(2)

الفساد مصدر: اللهو واللعب.(3)

وكلمة مفسد هي: اسم فاعل مأخوذة من الفعل المضارع يفسد. فنحذف ياء المضارعة، ونبدلها بميم مضمومة ونكسر ما قبل الحرف الأخير فتصير: مُفسِد.

كأنّ الشاعر يريد أن يقول: إن الذي أراق دماء أهل البيت علیهم السلام هو ذلك الظالم اللاهي اللاعب بحرمات أهل البيت علیهم السلام المقدسة.

ص: 233


1- المنجد في اللغة: 303 (م/ زكا).
2- المنجد في اللغة 44 (م/ بغى).
3- المنجد في اللغة: 583 (م/ فسد).

يقول الشاعر: إن الذي أراق تلك الدماء الزاكية الطاهرة هو باغ منحرف عن الحق كل الانحراف، بل هو لاءٍ عما يرتكبه غير مدرك لخطورة أعماله الشنيعة وأنّ حرم النبوة لاشيء عنده؛ لأنه لا يؤمن بقداسته فهو بعيد عن هذه المفاهيم أصلاً.

ص: 234

البیت الشعری رقم (27) وشرحه

(27)

الطاهرات فديتُهُنَّ ثَواكل *** تنثالُ في عبراتِهِنَّ الأَكْبُدُ

الطاهرات: جمع طاهرة. والكلمة مشتقة من طهر الشيء- بفتح الهاء وضمها - يطهر بالضم طهارة فيهما، والاسم: الطُّهر - بالضم - وطهر تطهيراً، وطهره بالماء، وهم قوم يتطهرون أي : يتنزهون من الأدناس، ورجل طاهر الثياب أي منزّه.(1)

والشاعر ذهب - في معنى الطاهرات - إلى ما ذهب إليه القرآن الكريم وهي الطهارة المعنوية وفي قوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » [الأحزاب / 33] والرِجس - في اللغة - العمل القبيح.(2)

الثواكل جمع ثاكلة والشكل - بوزن القفل - : فقدان المرأة ولدها وامرأة ثاكل، وثكلى.(3)

تنثال: انثال البر :انثيالا انصبّ بمرّة. وهو: انفعال. وانثال الناس عليه من كل وجه: اجتمعوا.(4)

ص: 235


1- لسان العرب: 211/8(م/ طهر).
2- المنجد في اللغة: 251 (م/ رجس).
3- المصباح المنير : 1 / 115 م / ثكل).
4- المصباح المنير : 1/ 120 (م / ثول).

ومن كلام لأمير المؤمنين علیه السلام - يوم أقبل الناس يبايعونه -: «.. فما راعني إلّا والناس كعرف الضبع إلي، ينثالون عليَّ من كل جانب، حتى لقد وطئ ،الحسنان، وشُقَّ ،عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم..»(1)

عبرات: جمع عَبرة والعبرة معناها: تحلُّ-ب ال-دم-ع، وقال ابن منظور في اللسان العَبْرَة : الدمعة.(2)

الأكبد: جمع الكبد، ويجمع على كبود الجوف بكامله. أو هو جهاز على الجنب الأيمن يفرز الصفراء.(3)

وهذا هو الذي يتبادر إلى الذهن عندما يطلق في مناسبات الحزن فالشاعر في هذا البيت يشير إلى عظم مصاب نساء الإمام الحسين علیه السلام، حيث أصبحن ثواكل فاقدات تكاد تخلع وتسقط أكبادهنّ عندما يبكين و يندبن أولادهنّ. بكاء هؤلاء الطاهرات من سبايا أهل البيت علیه السلام لا يقاس ببكاء نساء فاقدات أخريات حيث مصابهنّ جَللٌ..

ص: 236


1- نهج البلاغة : 55 (الخطبة الشقشقية).
2- لسان العرب: 18/9 (م/ عبر).
3- المنجد في اللغة: 669 (م/ كبد).

البیت الشعری رقم (28) وشرحه

(28)

والطيّبونَ من الصِّغارِ كأَنَّهُمْ *** بيضُ الزَّنابق قد عَداها المَوْردُ

الطيبون: جمع طيّب. والطيب هو ضدّ الخبيث رجل خبيث أي رديء والمخبثة - وزان متربة - :المفسدة.(1)

الصغار: جمع الصغير. والصغير هو ضد الكبير والأصغر اسم التفضيل جمعه الأصغرون. مؤنثه الصغرى وحجمها الصِغَر.(2)

الزنابق جمع زنبقة : نبات من فصيلة الزنبقيات زهرته من أجمل الأزهار تفوح منها رائحة ذكية. مهده الأصلي : الشرق الأوسط؛ ولا سيما وسط ،لبنان، يرمز لونه الأبيض إلى الطهارة.(3)

قد عداها: من عدا يعدو تقول عداه يعدوه عدواً: جاوزه .(4)

المورد: جمعه موارد موضع الورود الطريق إلى الماء .(5)

ص: 237


1- مختار الصحاح: 168 (م/ طيب).
2- المنجد في اللغة: 425 (م/ صغر).
3- المنجد في اللغة: 307 (م/ زنب).
4- مختار الصحاح : 176 (م/ عدا).
5- المنجد في اللغة 896 (م/ ورد) .

وبعد، فالبيت كلّه كناية عما حلّ بهؤلاء الطيبين الأطهار - من أطفال الحسين علیه السلام - من العطش، بحيث أحال حالهم حال ذلك الزنبق الجميل الذي يعطش كلّ العطش فيكون عندها ذابلاً لا حراك به، أو كأنه يحتضر من الظمأ، والبيت بليغ غاية البلاغة.

لقد قدّم الصفة على الموصوف وحصر الطبيعة بهؤلاء الصغار ثم شبّه هؤلاء الصغار بالزنبق الأبيض - لشدّة جمالهم المتمثل ببياضهم الناصع - الذي يفوته ويعدوه ويتجاوزه مورد الماء.(1)

إن الورود تزهو إذا ما كانت قريبة من مائها، أما إذا ابتعدت عن موردها فتعود ذابلة لا نضارة فيها. وهكذا صار أطفال الإمام الحسين علیه السلام ذابلي الشفاه قد عداهم المورد.

ص: 238


1- ومورد الماء: كناية عن العطش.

البیت الشعری رقم (29) وشرحه

(29)

تشكو الظاءَ الظالمينَ أَصَمَّهم *** حقد أناخ على الجوارح موقَدُ

تشکو: شكاً يشكو شكوى وشَكُواً شكاةً وشكاوةً، وشكايةٌ .. تَظَلَّمَ. (1)

فالمخبر : شاكٍ، والمخبر عنه مَشكو، ومشكي والمخبر مشكو إليه، والخبر:

الشكوى، فالصغار الطيبون من أطفال الإمام الحسين علیه السلام تشكو الظماء.

الظماء: الظمأ والظَّماء: العطش.(2)

الظالمين: جمع ظالم منصوب بنزع الخافض ، تقديره. تشكو الظماء إلى الظالمين. والظالم : اسم فاعل وهو الذي يجعل الشيء في غير محله .(3)

أصمّهم: الصمم : فقدان حاسة السمع.(4)

الحقد: الحقد جمعه أحقاد وحقود الغضب الثابت في القلب.(5) وجملة أصمّهم - في محل نصب حال من الظالمين) أي الظالمين الذين لا يسمعون شكاة المظلومين.

ص: 239


1- لسان العرب: 180/7 (م/ شكا).
2- لسان العرب: 268/8(م/ ظمأ ) .
3- المصباح المنير : 527/2 (م/ ظلم).
4- المنجد في اللغة: 434(م / صم).
5- لسان العرب : 254/3 (م/ حقد).

أناخ : أناخ على الجوارح أقام عليها، وجملة أناخ في محل رفع صفة إلى حقد. ومعناه منيخ.

الجوارح: مفردها جارحة، وهي العضو من الإنسان ولا سيما اليد لأنها تکسب(1) ، ومعناه أن الحقد أشلّ حركة أيديهم فجعلها غير قادرة على نجدة أُولئك الأطفال.

الموقد: اسم مفعول مشتق من الفعل المضارع المبني للمجهول (يُوقِدُ) وبعد حذف ياء المضارعة وإبدالها بميم مضمومة - حسب القاعدة الصرفية - وفتح ما قبل آخره، صار مُوقَد.

يقول الشاعر: إن الطيبين من أولئك الصغار الذين كأنهم الزنابق البيضاء - لشدة ما حل بهم من الظماء - أخذوا يشكون ذلك إلى أولئك الظالمين الذين أصمّهم - عن سماع الشكوى - حقدهم الدفين - الذي أقام على جوارحهم - فجعلها لا تمتدّ - إليهم - بالعون والمساعدة.

ص: 240


1- المنجد في اللغة 86(م / جرح).

البیت الشعری رقم (30) وشرحه

(30)

والذائدونَ تبعثرتُ أَشلاؤُهُمْ *** بَدَداً فَثَمَّةَ مِعْصَمٌ وهنا يَدُ

الذائدون: الذَّود: أصله في الإبل، يقال: ذاد الراعي إبله عن الماء، يذودها ذوداً، وذياداً: منعها والجمع أَذواد مثل ثوب وأثواب .(1)

وقال الزمخشري في أساس البلاغة: ومن المجاز؛ فلان يذود عن حسبه، وذاد عنّي الهم. والثور يذود عن نفسه بمذوده، وهو: قرنه. والفارس يذود بمذوده. وهو: مِطْرَدُه .(2)والمِطَرد هو: الرمح الصغير، جمعه مطارد.(3)

إذن الذائدون هم الفرسان.

قال حسان بن ثابت:

لساني وسيفي صارمان كلاهما *** ويبلغ مالا يبلغ السيف مذودي(4)

تبعثرت: بعثر زيد المتاع ،بدّده، وقلب بعضه على بعض.(5)

ص: 241


1- المصباح المنير: 1/ 287 (م/ ذود).
2- أساس البلاغة : 209 (م/ ذود).
3- المنجد في اللغة: 463(م/ طرد ) .
4- دیوان حسان بن ثابت الأنصاري: 69.
5- المنجد في اللغة: 42 (م/ بعث).

الأشلاء: الأعضاء مفردها (شِلوٌ) مثل: حمل وأحمال.(1)

بدداً: هو مصدر بدّدت الشيء بداً: فرقته؛ والتثقيل: مبالغة وتكثير .(2)

فثمّة: ثُمَّ - بالفتح - : اسم إشارة إلى مكان غير مكانك.(3) ثُمّ: بمعنى (هناك)، وهو للبعيد بمنزلة (هنا) للقريب.(4)

معصم: المِعْصَم: موضع السوار من الساعد.(5)

والمِعْصَم - وزان مقود - جمعه معاصم موضع السوار من الساعد. يقولون: (أحاط به إحاطة السوار بالمعصم) .(6)

هنا: ظرف مكان للقريب.(7)

اليد: الكفّ أو من أطراف الأصابع إلى الكتف، مؤنثة ولامها محذوفة والأصل يَدي والجمع الأيدي وجمع الجمع: الايادي.(8)

ص: 242


1- المصباح المنير: 439/1(م/ شلو).
2- المصباح المنير : 52/1 (م/ بد).
3- المصباح المنير : 1/ 116 م / ثم).
4- مختار الصحاح : 37 (م/ ثمم).
5- مختار الصحاح : 184 م / عصم).
6- المنجد في اللغة 510 (م/ عصم).
7- المنهاج في القواعد والإعراب: 338 (م/ هنا).
8- المنجد في اللغة 924(م/ يدي).

ويَديٌ . قيل: بفتح الدال وقيل بسكونها .(1) وبعد هذه الجولة بين مفردات هذا البيت اللغوية نرجع إلى قول الشاعر وما قصد إليه في هذا البيت من معنى.

أراد أن تلك الكوكبة من الهاشميين التي صاحبت الإمام الحسين علیه السلام إلى كربلاء وكانت تحمي الذمار وتدافع عن حرم الحسين علیه السلام صارت بعد ذلك الجهاد المقدس أشلاء ملأت وادي الطفوف بأعضائها المقطعة وأشلائها المبعثرة هنا وهناك.

والشريف الرضي رضی الله عنه مثل ذلك بأجساد أهل البيت علیهم السلام خير تمثيل حيث قال في قصيدته:

کربلا لازلت كربا وبلا *** مالقي عندكِ آلُ المصطفى

كم على تُربكِ لما صُرِعوا *** من دَم سال ومن دمع جرى

يا رسول الله لو عاينتهم *** وهم ما بين قتل وسبا

من رميض يمنع الظلّ ومن *** عاطش يُسقى أنابيب القنا

لرأت عيناك منهم منظراً *** للحشا شجواً وللعين قذى

ليس هذا لرسول الله يا *** أمة الطغيان والبغي جزا

جزروا جزر الأضاحي نسلَهُ *** ثمّ ساقوا أهله سوق الإما(2)

ص: 243


1- المصباح المنير: 936/2 (م/ يد).
2- ديوان الشريف الرضي:1 / 44 - 45 .

هكذا فعلوا بالذائدين - عن حرم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم - جزّروهم جزر الأضاحي، ملؤوا بأشلاء أهل البيت وادي كربلاء، فهل كان هذا جزاءً لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ وهل كل فعلهم هذا مودّة وحباً لرسول الله صلى الله عليه وآله سلم ؟ لو كان أولاد الحسين علیه السلام وإخوته وآله و أصحابه ديلماً وخزراً لما صنعوا بهم أكثر مما صنعوه؟!

ص: 244

البیت الشعری رقم (31) وشرحه

(31)

تَطَوُّ السنابك بالطغاة أديمها *** مثل الكتاب مشى عليه المُلْحِدُ

وطئ: وطئ يطأُ وَطأ الشيء برجله : داسه.(1)

السنابك: مفردها: سُنْبُك وهو طرف الحافر.(2)

الطغاة: مفردها طاغي.

واشتقاقها من (طغي يطغى طغياناً)، أي جاوز الحد وكل مجاوز حده في العصيان طاغ(3). وطاغية جمعه : طغاة وطاغون الظالم. الجبار المتكبّر. العاتي. الأحمق. مؤنث الطاغي الطاغية.(4)

الأديم: مفرد جمعه الأدم وقد يجمع على أدمة كرغيف وأرغفة: باطن الجلد الذي يلي اللحم والبشرة ظاهرها.(5)

مثل : كلمة تسوية ؛ يقال : هذا مثلهُ ومَثَلُه . كما يقال : شبهه وشَبَهه.(6)

ص: 245


1- المنجد في اللغة: 905(م/ وطأ) .
2- المنجد في اللغة: 354 (م/ سنب).
3- مختار الصحاح: 165 (م/ طغا).
4- المنجد في اللغة: 467 (م/ طغى).
5- مختار الصحاح : 4 (م/ أدم).
6- مختار الصحاح 256(م/مثل).

الكتاب: الكتاب - في الأصل - مصدر ، ثم سُمّي المكتوب فيه كتاباً وسُمّي كلام الله - وإن لم يكتب - كتاباً كقوله: «الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ .. »[البقرة/ 1-2]

وقوله : «قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهَ آتَانِيَ الْكِتَابَ» [مريم / 30].(1)

مشی: مشى يمشي مشياً إذا كان على رجليه سريعاً كان أو بطيئاً، فهو: ماش والجمع مشاة.(2)

عليه: أصلها على حرف جر اتصلت بالضمير فانقلب ألفها ياء. وهذه قاعدة صرفية في حرفي الجر (إلى، وعلى).

الملحد : هو الذي يلحد في دين الله، أي يحيد عنه ويعدل .(3)

الملحد: اسم فاعل جمعه ملاحدة وملحدون - الكافر والملاحدة فرقة من الكفار يسمون بالدهريين والدهرية.(4)

ينبغي أن يكون الشطر الأول من البيت هكذا: تطأ الطغاة بسنابك خيلها ..

لأن الفعل (تطأ) ينبغي أن ينسب إلى الطغاة لا إلى السنابك؛ لأن السنابك لا إرادة لها لأنها جماد، لكن الشاعر نسب الفعل إلى السنابك.

ص: 246


1- المفردات في غريب القرآن: 423 (م/ كتب).
2- المصباح المنير : 2/ 788 (م/ مشي).
3- مختار الصحاح : 247 (م/ لحد).
4- المنجد في اللغة: 715 (م/ لحد).

استعار الشاعر كلمة الكتاب لتلك الأجساد الطاهرة لما بينهما من وجه الشبه (أو الصفات المشتركة وهي الطهارة والحرمة والقداسة، ثم صرّح ولم يكن حينما نسب الإلحاد إلى أولئك الذين واسوا تلك الأجساد التي وردت طهارتها في الكتاب المجيد: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » [الأحزاب / 33]

وإنها كانت ذرية رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بنص القرآن الكريم حيث يقول: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءكُمْ ﴾ [آل عمران / 61]، فجعل الحسن والحسين ابني رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

نسب الشاعر الإلحاد إلى أنصار يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد ؛ لأنهم حادّوا عن دين الله وعدلوا عنه إلى طاعة أولئك الطغاة المتآمرين على شريعة الله وسُنّة رسول الله الكريم.

ألم يسمعوا قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول ويكرر القول في المناسبات المختلفة: «الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا».(1)

لم يكتف عمر بن سعد بما صنعه بالحسين وأهل بيته من الفضائح حتى أمات الأطفال عطشاً وأحرق الخيام حقداً، وشرد النساء خوفاً ورعباً ! لم يكتف بكل ذلك حتى أمر بسحق الأجساد من قتلى آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم مما ممالم يفعله الجاهليون الكفرة بقتلى أعدائهم في الحروب التي اشتعلت نيرانها قبل الإسلام، كما لم يحدث هذا في حروب المسلمين !؟

ص: 247


1- ينابيع المودة : 73/2.

إلّا أنّ عبيد الله أمر به يشفي حقده الدفين، ونفذه عمر بن سعد غير مبال بفداحة الأمر، وسنة الإجرام ، وبدع المجرمين الظلمة قتلة الأنبياء وأوصياء الأنبياء.

ص: 248

البیت الشعری رقم (32) وشرحه

(32)

فعلى الرِّمالِ مِنَ الأُباةِ مُضَرَّجٌ *** وعلى الجيادِ مِن الهُداةِ مُصَفًّدُ

الرمال: مفردها رمل، وتُجمع على أرمال: نوع من التراب، والحبّة منه رملة.(1)

الأباة: مفردها آب وأبّي. واشتقاقه من أبى يأبى إباء وإباءةً: المترفّع عن الدنايا، فهو يأبى أن يضام وأبى عليه امتنع .(2)

مُضَرَّجُ: تضرج بالدم تلطخ به (3) . والمضرّج : اسم مفعول منه، فهو مأخوذ من فعله الخماسي: تضرّج.

الجياد: الجياد من الخيل مفردها: الجيد. وهو مشتق من الفعل : (جادَ) يجودُ جودةً صار جيّداً، وهو ضدّ الرديء).(4)

الهداة: مفردها : الهادي، ويجمع على (الهادين) وهو مشتقٌ من (الهدى) وهو : الرشاد، والبيان ، وهو ضد الظلال. والهدى مصدر مؤنث ويذكر.(5)

ص: 249


1- المنجد في اللغة: 280م رمل) .
2- المنجد في اللغة: 2 (م/ ابى).
3- مختار الصحاح : 159 (م/ ضرج).
4- المنجد في اللغة: 109 (م/ جاد).
5- المنجد في اللغة: 859 (م/ هدى).

مُصَفّدُ: اسم مفعول، واشتقاقه من التصفيد وهو: الشدّ وفعله: صَفّدَ يُصَفِّدُ مصفوداً. وصَفّدَه : أوثقه وقيّده بالحديد أو في الحديد.(1)

في هذا البيت يرسم لنا الشاعر صورة ترى فيها آل الحسين بعضهم مضرّ جين بالدماء قد تناثرت أعضاؤهم هنا وهناك، وبعضهم مقيدين بالأغلال أسرى تحدو بها الأعداء من بلد إلى بلد.

ص: 250


1- المنجد في اللغة: 427 (م/ صفد).

البیت الشعری رقم (33) وشرحه

(33)

وعلى الرِّماح بقيةٌ من عابدٍ *** كالشمسِ ضاءَ به الصَّفا والمسجد

الرماح: مفردها: رمح. ويجمع على أرماح عود طويل في رأسه حربة.(1)

بقية: البقية، والبقيا :جمعه بقايا مابقي.(2)

عابد: العابد جمعه: عبدة وعُبّاد وعابدون وهو : الانقياد والخضوع وهو مشتق من العبادة.(3)

الشمس: هذا النيّر . أي هذا الكوكب النهاري المعروف. وجمعها شموس كأنهم جعلوا كل ناحية منها شمساً كما قالوا للمفرق مفارق .(4)

ضاءَ: الضَوء والضُوء- بالضم - الضياء. وضاءت النار تضوء ضوءاً وضُواً، وأضاءت أيضاً وأضاءت غيرها.(5)وضياء القمر وغيره: أنار وأشرق .(6)

ص: 251


1- المنجد في اللغة 279(م/ رمح).
2- المنجد في اللغة 45(م/ بقي).
3- المنجد في اللغة: 483 (م/ عبد).
4- مختار الصحاح: 146(م/ شمس).
5- مختار الصحاح: 161 (م/ ضوء).
6- المنجد في اللغة: 456 (م/ ضاء).

الصَّفا: موضع بمكة.(1)

المسجد: المسجد والمسجَد - بكسر الجيم وفتحها - : معروف، اشتقاقه من (سجد: خضع ومنه سجود الصلاة وهو وضع الجبهة على الأرض).

هذه البقية هي رأس الحسين علیه السلام، ورؤوس أهل بيته التي كانت الرماح تطوف بهم في سكك الكوفة، ومن ثمَّ العديد من البلدان حتى أوصلوها إلى دمشق الشام، حيث أدخلوها على يزيد بن معاوية بعد أن تفرّج عليها أهل الشام وحيوها بالفرح والسرور كأنها رؤوس من الديلم، أو الخزر انتصر عليها المسلمون؟!

كان رأس الإمام الحسين علیه السلام يُضيء للناظرين، ومن ثم كان الناظرون إليه يستضيئون بنوره الساطع الذي كان يستضيء به الصفا والمسجد وحرم رسول الله بنوره الزاهر وما ذلك إلا لأنه أصبح سلام الله عليه آية من آیات الله تعالى به يهتدي من أراد الهداية.

ص: 252


1- مختار الصحاح : 153 (م/ صفا).

البیت الشعری رقم (34) وشرحه

(34)

قد طالما حنَّ الدُجى لحنِينهِ *** وحنا على زفرِاتهِ المتَهَجِّدُ

قد: حرف تحقيق.

طالما: طال فعل ماضي. مكفوف عن العمل لأن ما الزائدة اتصلت به فكفته عن العمل.(1)

حنَّ: الحنين الشوق وتوقان النفس، وقد حنَّ إليه يحن - بالكسر - حنيناً، فهو حانّ.(2)

الدجى: الظلمة وقد دجى الليل وليلة داجية، ودياجي الليل حنادسه.(3)

الحنين: الصوت الحزين.(4)

حنا: عَطَفَ وتحنّى عليه تعطف مثل تحنن.(5)

زفرات: مفردها زَفْرَة وهي مشتقة من: زَفِرَ الرجل أخرج نَفَسَة مع مده إياه. والزفرة : النفس الحار تشبيهاً بزفير النار.(6)

ص: 253


1- المنهاج في القواعد والإعراب : 3223 - 324 (م/ ما - كافة).
2- مختار الصحاح : 67 (م/ حنن).
3- مختار الصحاح : 84 (م/ دجي).
4- لسان العرب: 3/ 367(م/ حنن).
5- مختار الصحاح : 67 (م/ حنا).
6- المنجد في اللغة: 300 (م/ زفر).

المتَهجِّد : اسم فاعل اشتق من الفعل المضارع (يتهجّد) ثم أبدلت ياء المضارعة بالميم وكسر ما قبل الأخر. وتهجّد الرجل - ضدّ نام - صلّى في الليل.

يقول الشاعر: إن الليل المظلم كان يشتاق إلى صحبته؛ لأنه يجد في صوته الحزين مؤنساً في تلك الخلوات أمّا المصلّون في ذلك الليل البهيم فكانوا يحنّون على آهات ذلك العابد المتبتل . صورة رائعة يرسمها الشاعر لهذا الذي وقف بين يدي ربّه يصفي حسابه مع الله متذلّلاً خاضعاً لا يرى في الكون سوى خالقه الجبار..

ص: 254

البیت الشعری رقم (35) وشرحه

(35)

إن يجهلُ الأعداءُ موضعَ قدرِهِ *** فلقد دراهُ الراكون السُجَّدُ

الجهل: ضدّ العلم. وجهل الحق أضاعه .(1)

الأعداء: مفردها: عَدُوّ. وجمع الجمع : أعاد: الخصم وهو ضد الصديق والولي .(2)

موضع : الموضع - بالفتح - والمَوْضِع - بالكسر - : مصدران جمعه: مواضع مكان الوضع.(3)

القدر: جمعه أقدار . الحرمة والوقار والشأن.(4)

دراه: دری به علمه دراية ودرية بضم الدال وكسرها.(5)

الراكعون. الركوع : الانحناء ومنه ركوع الصلاة. والراكعون؛ مفردها: راکع: اسم فاعل من ركع يركع.(6)

ص: 255


1- المنجد في اللغة: 108م جهل).
2- المنجد في اللغة: 493 (م/ عدا).
3- المنجد في اللغة 905 (م/ وضع).
4- المنجد في اللغة 612(م / قدر).
5- مختار الصحاح : 86 (م/ دري).
6- مختار الصحاح : 107 (م/ ركع).

السُّجَّدُ : جمع ساجد ويجمع على السجود، واشتقاقه من: سَجَد يسجُد من باب نَصَر ينصُر - : نحو خاضعاً وَضَعَ جبهته بالأرض متعبّداً. (1)

يقول الشاعر: إن يجهل بنو أمية قدر الحسين علیه السلام فقد دراه وعلمه الراكعون الأنبياء والأوصياء السُجّد، فإذا ما عرفه هؤلاء فما قيمة الجهلة والسائرين في غياهب الضلال من بني أمية، ومن أُناس أب-وا الخروج إلي-ه من أوهامهم، والناس في أوهامهم سجناء. وما ضَرَّ الحسين علیه السلام ذلك مادامت العاقبة ستكون له ولأهل بيته ولأصحابه الذين:

قد جاوروه هاهنا بقبورهم *** وقصورهم يوم الجزاء متحاذية(2)

كانت العاقبة بحسنها وجمالها للحسين علیه السلام ؛ لأنه كان متصلا بحبل الله تعالى.

ص: 256


1- المنجد في اللغة: 321 (مسجد).
2- الناظم هو الشيخ عبد الحسين الأعسم: (ت 1247ه-) ، (ينظر البيت في أدب الطّف (292/6).

البیت الشعری رقم (36) وشرحه

(36)

تلك الفواجع ما تزال طُيُوفُها *** في كُلِّ جَارِحَةٍ تُحَسٌ وتُشْهَدُ

الفواجع: الفجيعة جمعها فجائع الرزيّة. وقد فجعته المصيبة، أي أوجعته .(1)

الفواجع جمع فاجعة : الرزية.(2)

ما تزال: من أخوات كان ، أي أنها من الأفعال الناقصة ومعناها الثبوت أي البقاء . ما نافية، وكلمة (تزال) للنفي، ونفي النفي إثبات.

طيوفُها: الطيوف : جمع طيف وهو خيال الشيء وصورته المترائي للإنسان في المنام أو اليقظة، ومنه قيل للخيال طيف .(3)

جارحةٍ(4) : الجراحة هي الألم - كما مر - جمعها: جراح وجراحات.

تحَسُّ : تُدرَكُ.

ص: 257


1- مختار الصحاح: 206 (م/ فجع).
2- المنجد في اللغة 570(م/ فجع).
3- المفردات في غريب القرآن : 311 (م/ طوف).
4- ارحة جمعها جوارح، وجوارح الإنسان: عوامل جسده من يده ورجليه. واجترح عملاً: أي اكتسب . ( كتاب العين : 77/3 - 78 ).

وتُشْهَدُ: شهد الشيء: عاينه، اطّلع عليه .(1)

إن المعنى العام لهذا البيت هو أن فاجعة الطف- مع مضيها منذ زمن طويل - إلّا أنّها - لفداحتها - لا تزال ذكرياتها الحزينة تتراءى للإنسان، وكأنها بالأمس حدثت. وأنما عمم الشاعر الاحساس على كلّ الجوارح - مع أن الذي يحسّ بها ويشهد هو العقل، أو الذهن وحده - لأنها قصة مأساة، يهتز لها جسد الإنسان بكل جوارحه المتعدّدة فتخضع له-ا وتخشع ؛ لذلك تهون بها جميع مصائب الإنسان لأنها فريدة من نوعها ، لهذه النوعية المأساوية قال الشاعر:

أنسَتْ رزيَّتُكُم رزايانا الّتي *** سلفتْ وهونَت الرزايا الآتية

وفجائع الأيام تبقى مدّةً *** وتزول وهيَ إلى القيامة باقيه(2)

ص: 258


1- المنجد في اللغة 406 (م/شهد).
2- الناظم هو الشيخ عبد الحسين الأعسم : (ينظر : البيتان في أدب الطف: 292/6).

البیت الشعری رقم (37) وشرحه

(37)

ما كانَ ضَرَّك لو كَفَفْتَ شُواظَها *** فسَلَكْتَ نَهْجَ الحقِّ وهو مُعَبَّدُ

ما كان: أي ما ضرك.

ضرَّ : الضَّرُ ، والضُّر، والضّرَرُ: ضدّ النفع، جمعه أضرار.(1)

لو :حرف شرط غير جازم، وتسمّى (حرف امتناع لامتناع) أي أن جوابها ممتنع لامتناع شرطها .(2)

كففت. الكف: هو المنع والصرف.(3)

شواظها: الشواظ اللهب الذي لا دخان فيه.(4)

فسلكت : سلك يسلك سلكاً وسلوكاً، الطريق : سار فيه متبعاً إياه .(5)

نهج. النهج : مصدر الطريق الواضح، نهج البلاغة طريقها الواضح. وهو اسم کتاب جمعت فيه خطب الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام .(6)

ص: 259


1- المنجد في اللغة: 447(مضر).
2- المنهاج في القواعد والإعراب: 312 (م/ لو).
3- المنجد في اللغة 689(م / كف).
4- المفردات في غريب القرآن: 270 (م/ شوظ).
5- المنجد في اللغة: 347 (م/ سلك).
6- المنجد في اللغة: 841 (م/ نهج).

الحق: جمعه حقوق : مصدر ضدّ الباطل .(1)

معبّد: مُذَلَّل . طريق مُعَبَّد : مذلل.(2)

يحمّل الشاعر هموم كربلاء، وما حدث فيها من فواجع، والاستهانة بقدسية عترة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم يحمّل ذلك كلّه معاوية؛ لأنه لو سلك نهج الحق وهو مذلّل معبد أمامه، لما حدثت قصة قتل الإمام الحسين علیه السلام وتشريد ذراريه، وسبي عائلته، والاستهانة بهم، تحدو بهنّ الأعداءُ من بلد إلى بلد، ليس معهنّ من حماتهنّ حمي..؟! ولا من رجالهنّ ولي، وكيف يستبطئ في بغضهم أهل البيت من نظر إليهم بالشنف والشنآن والإحن والأضغان.. فمعاوية هو الذي أوصل يزيد إلى التحكم برقاب المسلمين، وسفك دمائهم.

ص: 260


1- المنجد في اللغة: 144 (م/ حق).
2- المنجد في اللغة: 483(م/ عبد).

البیت الشعری رقم (38) وشرحه

(38)

وَلَزِمتَ ظِلَّ أَي تُرَابٍ وَهُوَ مَنْ *** في ظلهِ يُرجى السَّدَادُ ويُنشَدُ

ولزمت: لَزِمَ بيته لم يفارقه .(1)

ظل: العزّ، والمنعة. يقال : هو في ظلّه. أي في كنفه .(2)

أبي تراب: كنية الإمام علي علیه السلام. وما كانت كُنية أحبَّ إليه منها إلّا أن أعداءه كانوا يعيبونه بها مع أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هو الذي كناه بها.

وهو: الواو حالية. هو في محلّ رفع مبتدأ، ومن : اسم موصول في محل رفع خبر، وجملة المبتدأ والخبر في محلّ نصب حال.(3)

مَن: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر والجملة الاسمية في محلّ نصب حال.

في: حرف جرّ.

ظلّه: هو أعمّ من الفيء فإنه ظل الليل، وظل الجنة، ويقال لكل موضع لم تصل إليه الشمس : ظل، ولا يقال الفيء إلا لما زالت عنه الشمس، ويعبّر

ص: 261


1- المنجد في اللغة: 720 (م/لزم).
2- المنجد في اللغة: 480 (م/ ظلّ).
3- المنهاج في القواعد والإعراب: 330 (م/ مَنْ).

بالظلّ عن العزّة والمنعة، وعن الرفاهية .(1)

يرجى: الرجاء ظن يقتضي حصول ما فيه مسرّة.(2)ورجوته: أرجو رجواً: أمثله، أردته.(3)

السَّداد: الصواب والاستقامة.(4)

ويَنشُدُ: نشد ينشد - بضم الشين، وكسرها - نَشْداً، ونشدانا ونِشْدَةً الضالة نادى وسأل عنها وطلبها .(5)

يقول الشاعر: لو لزمت - يا معاوية - ركاب أبي تراب كما تسمونه وسرتَ في ظلّه في حياتك، لكنتَ سديد الخطی، مستقيم الفكر، حسن العاقبة، طيب الذكر، خالد الأثر؛ لأن ظل أبي تراب هو ظلّ الحق لا ظلّ الضلال، إنه ظل الوضوح كما هو الحال في ظل الشمس والقمر، لكنّك سرتَ في ظلّ الهوى، فضللت وأضللت، وهويتَ وهوى من سار في طريقك، فكان رقعة سواد في تاريخك.

ص: 262


1- المفردات في غريب القرآن: 314 (م/ ظلل).
2- المفردات في غريب القرآن: 190 (م/ رجا).
3- المصباح المنير : 301/1 (م/ رجو).
4- المنجد في اللغة: 366 (م/ سدد).
5- المنجد في اللغة: 808 (م/ نشد).

البیت الشعری رقم (39) وشرحه

(39)

وَلَو إِنْ فَعَلْتَ لَصُنْتَ شَرْعَ محَمَّدٍ *** وَحَميْتَ بَجْداً قد بَناهُ مُحَمَّدُ

ولو: حرف شرط غير جازم، وتسمّى: (حرف امتناع لامتناع) أي أن جوابها ممتنع لامتناع شرطها .(1)

إن شرطية تجزم فعلين الأول يسمّى فعل الشرط، والثاني جوابه.(2)

فعلتَ فَعَلَ، يَفْعَلُ فَعْلاً: عمل.(3)

لصُنْتَ: صان، يصون صوناً وصيانة وصياناً. الشيء حفظه فهو مصون، وصان الثوب أو العرض وقاها مما يعيبها .(4)

شرع الشرع: مصدر شَرَع يَشْرع: ما شرع الله لعباده.

محمدٍ: شرع محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، أي الدين الذي بعث به محمد صلی الله علیه وآله وسلم.

وحميت . حَمىَ (أصله) : حَمَيَ، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً حمياً وحماية الشيء من الناس منعه عنهم.(5)

ص: 263


1- المنهاج في القواعد والإعراب: 312 (م/ (لو).
2- المنهاج في القواعد والإعراب: 202 (م/ إن).
3- المنجد في اللغة: 588(م/ فعل).
4- المنجد في اللغة: 441 (م/ صان).
5- المنجد في اللغة: 156(م/ حمى).

مجداً: المجد مصدر :جمعه: أمجاد: العزّ والرفعة.(1)

قد بناه: بَنَى يبني بَنْياً وبناءً وبُنْياناً البيت عكس هَدَمَه .(2)

يقول الشاعر: لو سرتَ في طريق الاستقامة، لاستقمتَ وهديت وحميت شرعة الإسلام من المتلاعبين بها، لكن هواك غلبك فوصلت إلى نهاية الهاوية.

ص: 264


1- المنجد في اللغة: 747(م/ مجد).
2- المنجد في اللغة : 50 (م/ بنى).

البیت الشعری رقم (40) وشرحه

(40)

ولَعادَ دينُ الله يعْمُرُ نُورُهُ الد *** دُنْيا فلا عبدٌ ولا مُسْتعبِدُ

ولعاد: لصار: فعادَ من أخوات كان.(1)

دين: إسم الجميع ما يُعبد به الله .(2)

الله : إسم علم على ذي الجلالة تبارك وتعالى.

يغمر : يعلو، ويغطّي .(3)

نوره: الضياء وهو خلاف الظلمة .(4)

الدنيا: سمّيت الدنيا لدنوها (لأنّها مشتقةٌ من الفعل: دنا) والجمع دنا مثل : كبرى وكُبَر، وأصله دنو، فحذفت الواو لاجتماع الساكنين، والنسبة إليها دنياوي، وقيل دنيوي.(5)

فلا: أي لا يوجد عبد - حينئذ، ولا مستعبد.

ص: 265


1- المنجد في اللغة: 536 (م/ عود).
2- المنجد في اللغة: 231 (م/ دان).
3- المنجد في اللغة 559(م/ غمر).
4- مختار الصحاح: 285 (م/ نور).
5- مختار الصحاح : 89 (م/ دنا ) .

عبد: خلاف الحُرّ وهو مأخوذ من الانقياد والخضوع. أشهر جموعه أعبد وعبيد.(1)

ولا: الواو: حرف عطف، ولا بعدها نافية غير عاملة؛ لأنها دخلت على جملة اسمية ...(2)

مستعبد: اسم فاعل استعبده : اتّخذه عبداً .(3)

يقول الشاعر: لولا انحرافكم يا بني أمية عن جادة الحق ووقوفكم حجر عثرة في طريق تقدّم الإسلام لانتشر دين الله في أرجاء الأرض وعمّت المساواة وتحققت العدالة، وعاد عباد الله متساوين في دين الحق يقول شوقي الشاعر - وهو يعدّ محاسن الشريعة :

الله فوق الخلق فيها وحدَهُ *** والناس تحت لوائها أكفاءُ

بنيت على التوحيد وهي حقيقةٌ *** نادى بها سُقرَاطُ والقدماءُ

أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى *** فالكلُّ في حق الحياة سواءُ

الإشتراكيون أنتَ إمامُهُمْ *** لولا دعاوي القوم والغُلَواءُ (4)

والخطاب موجَّه إلى النبي صلی الله علیه وآله وسلم.

ص: 266


1- المنجد في اللغة: (م/ عبد) 483 .
2- المنهاج في القواعد والإعراب: 303.
3- المنجد في اللغة: (م/ عبد) 483 .
4- ديوان أحمد شوقي: (الهمزية النبوية) 1/ 38 - 39.

البیت الشعری رقم (41) وشرحه

(41)

أَأَبا يَزيدَ وساءَ ذلكَ عِبرةً *** ماذا أَقولُ وبَابُ سَمْعِكَ موصَدُ

أأبا: الهمزة: حرف النداء. أبا : اسم منادى (منادى مضاف منصوب) وعلامة نصبه الألف لأنه من الأسماء الخمسة.

يزيد: اسم مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف لوجود علتين من علل تسع هما: العلمية ووزن الفعل. لأن يزيد أصله فعل مضارع من (زيد يزيد).

وساءَ: قبح يقال: ساءت سيرته؛ أي قبحت .(1)

ذلك : اسم إشارة يعود على عدم لزوم معاوية نهج الحق وهو مُعَبّد.

عبرةً: جمعها عبر هي العظة.(2)

ماذا: اسم استفهام لغير العاقل.(3)

أقول: أقول فيه معنى التعجب.

وباب. الباب: جمعه أبواب، وبيبان المدخل.(4)

ص: 267


1- المنجد في اللغة: 361 (م/ ساء).
2- المنجد في اللغة: 484 (م عبر ) .
3- المنهاج في القواعد والإعراب: 325 (م/ ماذا).
4- المنجد في اللغة 52 (م/ باب).

سمعك. السمع : الموضع الذي يسمع منه. يقال: (هو مني بمرأى ومسمع) أي بحيث أراه وأسمعه. والمَسْمَع والمِسْمَعة: الأذن. جمعه مسامع.

موصَدُ: اسم مفعول ومعناه مغلق من أوصد الباب أغلقها . (1)

يقول الشاعر: ماذا أقول لك- يا معاوية- وماذا يجدي قولي، وباب سمعك موصد؛ لا يصل إليك قول، ولا عبرة، أو موعظة توقضك من نومك العميق، فأنت غاط في سبات الضلالات لا تريد أن تستيقظ لما أمرك الله به؟!

ص: 268


1- المنجد في اللغة: 12 (م/ أصد).

البیت الشعری رقم (42) وشرحه

(42)

قُمْ وارمُقِ النجفَ الشريف بِنَظْرَةٍ *** يَرْتَدُّ طَرْفُكَ وَهُوَ بِاكِ أَرْمَدُ

قم: قام يقوم قوماً وقومة وقياماً وقامة: انتصب. أصل قام: قوم تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً. وأصل قم: قُوْمُ. حذفت الضمة للجزم فالتقى ساكنان فحذفت الواو لاعتلالها فصار الفعل: قُم.

أرمق: رمقَ يَرْمُق رمْقاً اطال النظر(1). أي قم وأطل النظر.

النجف: جمعه نجاف: التل، المكان الذي لا يعلوه الماء في بطن الوادي.(2)

الشريف: المشرف من الأماكن العالي المطل على غيره. مشارف الأرض أعاليها .(3)

بنظرة: المرّة من نَظَرَ اللَّمحة.(4)

ص: 269


1- المنجد في اللغة: 280 (م/ رمق ).
2- المنجد في اللغة : 792(م/ نجف) ، والنجف مدينة عريقة يرجع تاريخها إلى سنة .. 2 ق.م، تقع بظهر الكوفة وسط العراق وكانت تعرف ب- (بانيقيا) وقد مرّ بها نبي الله إبراهيم الخليل علیه السلام، وكانت متنزه يؤمه ملوك الحيرة ،والمناذرة، وتشرفت بمرقد أمير المؤمنين علیه السلام حيث أصبحت فيما بعد مركزاً للحوزة العلمية على يد الشيخ الطوسي رحمه الله المعروف بشيخ الطائفة (ت 460ه-).
3- المنجد في اللغة: 383 (م/ شرف).
4- المنجد في اللغة: 817 (م/ نظر).

يرتدّ: ارتدَّ، يرتَدُّ عن طريقه : رجع.(1)

طرفُك : الطَّرْف : مصدر جمعه: أطراف العين.(2)

وهو باك: البكاء: جريان الدمع وسيلانه حزناً. وفعله: بكى يبكي بكاء وبكى، فهو باك، جمعه : بكاة، مؤنثة : باكية، جمعه باكيات وبواك.(3)

أرمد :الرمَدُ : هيجان العين. كلّ ما يؤلم العين. الأرمد، مؤنثه رمداء: المصاب برمد.(4)

يقول الشاعر لمعاوية : إنك سوف تبكي بكاءً ترمد منه عيناك لو نظرت إلى عاقبة علي علیه السلام في مثواه في قبره الشريف كيف تضاء في أرجائه تلك القناديل كأنها ثريا سماء الله تعالى. لو نظرت إلى تلك الأبهة التي تحفُّ قبر علي علیه السلام لبكيت بدل الدموع دماً ، ولتأسّفتَ على ما فرَّطتَ في دنيا اللهو وسط الموبقات...

ص: 270


1- المنجد في اللغة : 254(م/ردّ).
2- المنجد في اللغة: 464(م /طرف).
3- المنجد في اللغة: 46 (م/ بكى).
4- المنجد في اللغة : 279 (م/ رمد).

البیت الشعری رقم (43) وشرحه

(43)

تلكَ العِظامُ أَعزَّ رَبُّكَ قَدْرَها *** فتكادُ لَولا خوفُ رَبِّكَ تُعْبَدُ

تلك. تلك مثناه تانك وجمعه أولالك : اسم إشارة للمفرد المؤنث في البعد.(1)

العظام. العظم مصدر جمعه : أعظم وعظام وعظامة قصب الحيوان الذي عليه اللحم.(2)

أَعزَّ العِزُّ مصدر: خلاف الذل.(3)

ربك. الربُّ: من أسماء الله تعالى. (4)

قدرها القدرُ : جمعه :أقدار الحرمة الوقار، الشأن .(5)

فتكاد كاد يكاد كوداً ومكاداً، ومكادةً قارب الفعل ولم يفعل، نحو (كاد يضرب) أي قارب الضرب. ولكنه لم يضرب. هو من أفعال المقاربة.(6)

ص: 271


1- المنجد في اللغة: 64 (م/ تلك).
2- المنجد في اللغة 514(م/ عظم).
3- لسان العرب: 185/9 (م/ عزز ) .
4- مختار الصحاح : 96 (م/ ربب).
5- المنجد في اللغة: 612 (م/ قدر).
6- المنجد في اللغة: 705 (م/ كيد).

لولا: حرف شرط غير جازم ( حرف امتناع لوجود أي يمتنع جوابه لوجود شرطه ولا يأتي بعد (لولا) إلّا مبتدأ، خبره محذوف وجوباً.(1)

خوف. الخوف: الفزع، ضدّ الأمن .(2)

تعبد العبادة: هي الخضوع والذل والطاعة .(3)

يقول الشاعر : إِن عليّاً يكاد أن يُعبد في قبره لولا خوف الله، فهو يعيش في قلوب الناس، لما تركه فيهم من أثر حسن لا يعفى على مرور الأيام وتعاقب الحقب وكرّ السنين؛ فكان ذلك عاقبة التقوى والورع ومخافة الله مما جعله الله عزيز ،القدر، مهاب الجانب بين الناس.

ص: 272


1- المنهاج في القواعد والإعراب: 315 (م/ لولا).
2- المنجد في اللغة: 199 (م/ خاف).
3- المنجد في اللغة: 483 (م/ عبد).

البیت الشعری رقم (44) وشرحه

(44)

أَبداً تُباكِرُها الوُفُود یحثُّها *** مِن كُلِّ صَوبٍ شَوْتُها المتوقد

أبداً: ظرف زمان للتأكيد في المستقبل؛ نفياً وإثباتاً لا أفعله أبداً، أو أفعله أبداً .(1)

تباكرها: تأتيها بكرةً أي تأتيها مسرعة في أي وقت.(2)

الوفود: مصدر جمعه وفود وهم القوم الذين يجتمعون فيردون البلاد.(3)

يحثُها. الحثُ: الحضُّ والتنشيط على الفعل، وفعله حَتَّ يَحثُّ.(4)

من كلّ. كلّ : اسم يراد به التوكيد.

صوب. الصَّوْبُ : الجهة. (5)

شوقُها. الشَّوْق نزوع النفس، وحركة الهوى، جمعه: أشواق .(6)

المتوقد: اسم فاعل سريع الوَرْي. أي سريع الاشتعال .(7)

ص: 273


1- المنجد في اللغة (م/ ابد).
2- المصباح المنير : 1/ 81 (م/ بكر).
3- المنجد في اللغة : 909(م /وفد).
4- المنجد في اللغة: 117 (م/ حثّ).
5- المنجد في اللغة 439(م/صاب).
6- المنجد في اللغة: 408 (م/ شاق).
7- المنجد في اللغة: 912 (م/ وقد).

يقول الشاعر: إن قبر علي بن أبي طالب علیه السلام لم يكن منفرداً منزوياً، بل هو في غاية من الحفاوة والاحترام، تتعاهده الجماهير، وتباركه الوفود، وتقصده الزوّار في المناسبات وغير المناسبات، يزوره محبّوه زرافاتٍ ووحدانا يدعون الله عند قبره، ويطلبون قضاء حاجاتهم، ويستمطرون البركة والرحمة من عند الله متوسلين به تعالى أن يجعل دعاءهم عند قبر علي مستجاباً؛ لأنه المكان الذي ضمَّ عَلَماً من أعلام الهدى والإرشاد والصلاح ..

ص: 274

البیت الشعری رقم (45) وشرحه

(45)

نازَعتَها الدّنيا ففزتَ بوِردِها *** ثمَّ انطوى كالحُلمِ ذاكَ المَوْرِدُ

نازعتها: نازعه منازعة : جاذبه في الخصومة والتنازع التخاصم. (1)

الدنيا: الحياة الحاضرة، نقيض الآخرة جمعه دُنيَّ.(2)

فزتَ. الفوز - مصدر فاز يفوز - الظفر .(3)

بوردها. الوِرْد: الماء الذي يُورَدُ : جمعه أوراد.(4)

ثم: حرف عطف يدلّ على الترتيب مع التراخي.

انطوى: مطاوع طوى، وطوى - طيّاً الثوب - : نقيض نشره.(5)

كالحلم. الحلم، والحلم : مصدر - حَلَمَ، جمعه أحلام: مايراه النائم في نومه، يقال: هذه أحلام نائم أي أمانٍ كاذبة . (6)

ذاك المورد. المَوْرِد جمعه موارد: موضع الورود الطريق إلى الماء.(7)

ص: 275


1- مختار الصحاح: 273 (م/ نزع).
2- المنجد في اللغة: 226 (م/ دنا).
3- المنجد في اللغة: 598 (م/ فوز).
4- المنجد في اللغة: 895 (م/ ورد).
5- المنجد في اللغة 476(م/ طوى).
6- المنجد في اللغة: 150 (م/ حلم).
7- المنجد في اللغة: 896 (م/ ورد).

يقول الشاعر مخاطباً معاوية : إنك نازعت عليّاً علیه السلام الدنيا فكان الفوز معك فيها للخذلان الذي مُنِي به عليٌّ علیه السلام من قبل أهل العراق، وثبات أهل الشام معك على باطلك، ولم تخلد بهذا النصر، بل انطوى عنك؛ لأنه لم يكن قائماً على الحق، بينما خلد عليٌّ علیه السلام مع خسارته في الحرب، وهذا هو الفرق بين الحق والباطل. إن الباطل يُهزم وتُمحى آثاره، ولو بعد حين؛ فه-و كالحلم الذي يفرح به الإنسان أثناء النوم، فإذا ما جلس واستيقظ لم يجد عنده شيئاً؛ كذلك أنت فقد فرحت بذلك الفوز العاجل، ثم انطوى عنك ولم يبق معك بل فارقك إلى الأبد.

استعار الشاعر كلمة ( الورد) للفوز ، لأن محل ورود الماء مما يتنازع عليه بين الواردين إلى مشارع الماء. كما استعار الشاعر كلمة انطوى لذلك النصر الخاطف، وكنّى بها عنه لسرعة ذهابه

ص: 276

البیت الشعری رقم (46) وشرحه

(46)

وَسَعَتْ إلى الأُخرى فأصبحَ ذكرُها *** في الخالدين وعطفُ رَبِّكَ أَخلَدُ

وسعت إلى الأخرى ذهبت إليها على أيّ وجه كان. وأصل السعي:

التصرف في كل عمل، وعليه قوله تعالى: «وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى »[النجم/ 39] أي إلّا ما عمل.(1)

إلى الأخرى: الآخر - بفتح الخاء - : أحد الشيئين- وهو اسم على أفعل - والأنثى أخرى .(2)

فأصبح. أصبح: صار .(3)

ذكرها: الذكر، والذكرى، والذكرة: ضدّ النسيان .(4)

في الخالدين. الخلد: دوام البقاء. (5)

وعطف. عطف عليه: أشفق، والعطف مصدر: الاعوجاج والميل.(6)

ص: 277


1- المصباح المنير: 377/1 (م/ سعى).
2- مختار الصحاح 4 (م/ أخر).
3- مختار الصحاح : 149 (م/ صبح).
4- مختار الصحاح 93 (م/ ذكر).
5- مختار الصحاح: 77 (م/ خلد).
6- المنجد في اللغة 512(م/عطف).

أخلد: أفعل تفضيل أي أكثر خلوداً.

يقول الشاعر: إن عليّاً بن أبي طالب علیه السلام خالفك – يا معاوية – في السعي، حيث سعى إلى الآخرة، وتوسل إلى ذلك بكل وسيلة موصلة إليها؛ فكان نصيبه منها الخلود؛ لأن الآخرة هي نهاية أعمال الدنيا التي تتميز هناك، وقد أعد الله سبحانه في هذه الآخرة كلّ ما يُفرح الإنسان، ويجعله خالداً مع الخالدين. ولأن الأخرة يتبيّن فيها حصاد أعمال الدنيا؟ في الأخرة يحصد الإنسان أعماله التي زرعها في الدنيا، فإن كان قد زرع خيراً حصده، وإن كان قد زرع شراً وخبثاً، وبهتاناً، وروغاناً عن الحق، حصد ذلك يوم القيامة فكان في جهنّم مع الخالدين فيها، وتلك خسارة كبرى ما بعد خسارة.

ص: 278

البیت الشعری رقم (47) وشرحه

(47)

أَأَبا يَزيدَ وتلك آهةُ موجَعٍ *** أفضى إليكَ بها فؤاد مُقْصَدُ

تلك: اسم إشارة يشار بها إلى المؤنث البعيد.

آهة. الآهة: اسم من التوه، وقد تأوّه الرجل تأويهاً وتأوّها إذا قال: أوه عند التوجع، وقد قلبوا الواو إلى ألفاً.(1)

موجعٍ: اسم مفعول من الوجع أي المرض.

أفضى . أفضى إليه بالأمر: أوصله إليه، أعلمه به.(2)

إليك: أصلها: إلى.

فحرف الجر إلى أو على؛ إذا اتّصل بالضمائر قلبت ألفه إلى ياء فصار : إليك إليه، عليك عليه إلينا علينا.

فؤادٌ. الفؤاد: القلب وهو مذكّر والجمع أفئدة.(3) وربما أطلق على العقل.(4)

ص: 279


1- مختار الصحاح : 14 (م/ اوه) .
2- المنجد في اللغة 587(م/ فضو).
3- المصباح المنير : 661/2 (م/ فود).
4- المنجد في اللغة: 566 (م/ فأد).

مُقْصَدُ: اسم مفعول، مَنْ يمرض ثم يموت سريعاً .(1)

إن الشاعر يتأوه، أي يضجر لما فعله معاوية مما يخالف الإسلام وسير الصالحين، ووصف هذا التأوّه بأنه تأوه فؤادٍ موجع مريض ليكون هذا التأوه أبلغ.

ص: 280


1- المنجد في اللغة: 633(م/ قصد).

البیت الشعری رقم (48) وشرحه

(48)

أَنا لَسْتُ بالقالي ولا أنا شامِتُ *** قَلْبُ الكَرِيمِ عن الشَّمَاتَةِ أَبَعَدُ

أنا: ضمير المتكلم المذكر والمؤنث.

لستُ. ليس: من أخوات كان ومعناها النفي.

بالقالي. قليتُ الرجل أقليه - من باب رمى - قلى -بالكسر والقصر، وقد يمدّ - : إذا أبغضته.(1)

ولا . الواو حرف عطف واللا نافية.

أنا شامت. الشَّماتة: الفرح ببلية العدوّ . (2)

قلب: مصدر جمعه قلوب. عضو صنوبري الشكل مودَع في الجانب الأيسر من الصدر وهو أهم أعضاء الحركة الدموية وقيل سمي قلباً لتقلّبه .(3) القلب الفؤاد، وقد يعبّر به عن العقل.(4) والفؤاد: القلب والجمع : أفئدة.(5)

ص: 281


1- المصباح المنير : 708/2(م/ قلا).
2- المنجد في اللغة: 400 (م/ شمت).
3- المنجد في اللغة: 648 (م/ قلب).
4- مختار الصحاح : 228 (م/ قلب).
5- مختار الصحاح: 205 (م/ فأد).

الكريم: (وزانه (فعيل) يأتي صفة مشبّهةً أي صفة ثابتة، ويأتي صيغة مبالغة أي كثير الكرم.

عن: حرف جرّ، معناها : المجاوزة.

الشماتة: هي الفرح ببلية العدوّ.(1)

أبعد أفعل تفضيل ، وهو : ضدّ أقرب، وفعله ( بَعُدَ يَبعُدُ).(2)

يقول الشاعر : عتبي عليك - أبا يزيد - ليس نابعاً من البغض والشماتة؛ لأني كريم، وقلب الكريم لايشمت، بل يبتعد عن الشماتة ابتعاداً.

كأَنَّ الشاعر يريد أن يقول : كنتُ أتمنى أنك سرت في غير طريقك الذي سرتَ فيه؛ لتحصل على مدح المادحين، وثناء الشعراء الذين يهتزون لفعلات الكرماء، ومن بهم شمم من أعلام التاريخ، ولكان نصيبك منّي؛ ما يدعو إلى الإكبار والإعجاب.

ص: 282


1- المنجد في اللغة: 400 (م/ شمت).
2- المنجد في اللغة: 43 (م/ بعد).

البیت الشعری رقم (49) وشرحه

(49)

هيَ مُهْجَةٌ حَرَّى أَذابَ شَعَافَها *** حُزن على الإسلام لم يكُ يَهْمَدُ

هي: أي مهجتي حَرَّى.

مهجة: المهجة جمعه مهج أو مهجات الدم أو دم القلب. الروح. ومهجة كلّ شيء: أحسنه وخالصه.(1)

حَرَّى: مؤنث حَرَّان، والحَرَّان: العطشان.(2)

أذاب: ذاب الشيء يذوب ذوباً، وذوباناً: سال، فهو ذائب، وهو خلاف الجامد المتصلب، ويتعدّى بالهمزة والتضعيف فيقال : أذبته وذوّبته .(3)

شَعَافَها: الشَّغاف- بالفتح غشاء القلب.(4)

حزن: الحُزْن والحَزَن جمعه أحزان: الهمّ، وخلاف السرور.(5)

علی الإسلام: الإسلام- مصدر أسلم- : الانقیاد لأمر الآمر.(6)

ص: 283


1- المنجد في اللغة: 777(م/ مهج).
2- مختار الصحاح : 55 (م/ حرر ).
3- المصباح المنير : 287 (م/ ذوب).
4- المصباح المنير: 430(م/ شغف).
5- المنجد في اللغة: 131 (م/ حزن).
6- المنجد في اللغة: 347(م/سلم).

لم: حرف نفي وجزم وقلب. تنفي وتجزم، وتقلب معنى المضارع من الاستقبال الى المضيّ.

يَكُ: أصلها : يكون فحذفت (لم) الحركة وهي الضمة، فالتقى ساكنان، فحذف الواو لأنه حرف علة، وحذفت النون للتخفيف.

يهمدُ: مضارع همد. تقول: هَمَدَتِ النارُ : ذهب حرّها .(1)

يقول الشاعر : لقد انتابني حزن - مما فعلتَه يا معاويةُ- أذاب شغاف قلبي، وياليتَ هذا الحزن انتهى، بل هو مستمرٌّ لم تبرد حرارته، ولم يهمد وهج ناره ..

ص: 284


1- المصباح المنير : 2/ 880 (م/ همد).

البیت الشعری رقم (50) وشرحه

(50)

أَذكرْتُها الماضي فهاجَ دَفينَها *** شملٌ لِشَعْبِ المصطفى مُتَبَدِّدُ

أذكرتها. الذكر - بكسر الذال وضمها- والذكرى: ضد النسيان.

تقول : ذكرته ذكرى . وذكره بعد النسيان، وذكره بلسانه وبقلبه.

ذكراً وذكرة وذكرى(1) ويتعدّى بالألف والتضعيف، فيقال: أذكرت-ه وذكّرته ما كان فتذكر .(2)

الماضي: اسم فاعل جمعه مواض الزمان المنصرم.(3)

فهاج . هاج يهيج هَيْجاً وهَيَجاناً الشيء ثار، وتحرّك، وانبعث.(4)

دفينها. الدفين: المدفون المستور.(5)

شمل. الشمل : يقال : جمع الله شمله ، أي ما تشتت من أمره.(6)

ص: 285


1- مختار الصحاح : 93 (م/ ذكر).
2- المصباح المنير : 1 / 284م / (ذكر).
3- المنجد في اللغة: 766 (م/ مضي).
4- المنجد في اللغة: 879 (م/ هيج).
5- المنجد في اللغة: 219 (م/ دفن).
6- مختار الصحاح : 146 (م/ شمل).

لشعب. الشعب: - بوزن الكعب - : ما تشعب من قبائل العرب وقيل: القبيلة العظيمة ، وقيل : أكبرها الشعب، ثم القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العمارة - بالكسر - ثم البطن، ثم الفخذ.(1)

المصطفى: محمد صلی الله علیه وآله وسلم صفوة الله من خلقه ومصطفاه(2) صفوة الشيء: خالصه.

مُتَبَدَّدُ. اسم مفعول مشتق من الفعل المضارع المبني للمجهول (تُبدِّدَ يُتَبَدَّدُ) أبدلنا حرف المضارع بالميم المضمومة وفتحنا ما قبل الآخر فصار : مُتَبَدَّدُ.

أي إن اسم المفعول إذا اشتق من غير الثلاثي يشتق من مضارعه المبني للمجهول.

يقول الشاعر: عندما أذكر الماضي من فعلاتك - يا معاوية - يهيج دفينها الشمل المتبدّدَ من آل المصطفى وأهل بيته وأحبابه الذين شبههم بسفينة نوح ..

ص: 286


1- مختار الصحاح : 142 (م/ شعب).
2- مختار الصحاح : 153 (م/ صفا).

البیت الشعری رقم (51) وشرحه

(51)

فَبَعَثتُهُ عَتْباً وإِنْ يَكُ قاسياً *** هُوَ مِنْ ضُلُوعِي زَفْرَةٌ تَتَرَدَّدُ

فبعثته بعث بَعَثَهُ، وابتعثته : أرسله.(1)

عتباً. العتب : الإنكار على شيء من فعل الإنسان، واللوم عليه.(2)

وإن يك. أصل يك: إن يكون، حذفت الحركة للجزم، فالتقى ساكنان النون والواو فحذف الواو - لعلّته - ثم حذفت النون للتخفيف.

قاسياً. قسا قلبه: غلظ واشتد. وحجر قاس أي صلب. (3)

هو من ضلوعي: الضلع جمعه أضلع وضلوع، وأضلاع: عظم مستطيل من عظام الجنب منحن، مؤنثة. (4)

زفرة. الزَّفْرَة جمعه زفرات اسم لا صفة. الزُّفْرَة: النفس الحار، تشبيهاً له بزفير النار.(5)

ص: 287


1- المنجد في اللغة: 42 (م/ بعث).
2- المنجد في اللغة 485(م/ عتب ).
3- مختار الصحاح: 224 (م/ قسا).
4- المنجد في اللغة: 454(م /ضلع).
5- المنجد في اللغة: 300 (م/ زفر).

تتردد: تجيء المرة بعد الأخرى.(1)

يقول الشاعر: بعثتُ تلك الذكريات والمآسي - لما جرى على أهل البيت علیهم السلام من قِبَلكَ، من القتل والتشريد - بعثتُ ذلك كلّه عتباً قاسياً تتمثل به الزفرة التي كنتُ أتمنى أن تذهب ولا تعود، إلا أنها كانت تتردّد بين جوانحي، فتجدّد علي آلامي وأحزاني لما جرى على العترة الطاهرة من آل بیت محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، تلك العترة التي يقول فيهم الشافعي:

يآلَ بَیتِ رسولِ الله حُبُّكُمُ *** فرضُ من الله في القُرآنِ أَنزَلَهُ

كَفَاكُمُ من عظيمِ الفَضْلِ أَنَّكُمُ *** مَنْ لَمْ يُصَلِّ عليكم لا صلاةَ لَهُ(2)

ص: 288


1- المنجد في اللغة : 254(م/ ردّ).
2- هذان البيتان من مدائح الشافعي ذكر هما ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة: 146.

البیت الشعری رقم (52) وشرحه

(52)

لَمْ أَسْتَطِعْ جَلَداً على غُلْوائِها *** أَيُّ القُلوبِ على اللَّظى تَتَجَلَّدُ

لم: حرف نفي وجزم، وقلب. يقلب معنى المضارع إلى الماضي.

أستطع: فعل مضارع، معناه : أطيق. حرف الجزم حذف الحركة فالتقي ساكنان -الياء والعين - فحذفت الياء، فصار الفعل: لم أستطع .

جلداً. الجَلَدَ: الصبر.

على: حرف جرّ، من معانيه الاستعلاء.

غُلوائها. الغُلَواء: النشاط. يقال: (خفّض من غُلَوائِك)، و(فَعَلَه في غُلَواء شبابه) أي في أوله ونشاطه.(1)

أي: اسم استفهام. مبتدأ مرفوع.

القلوب: جمع. قلب مرّ ذكره .

على اللظى . اللظى : النار أو لهيبها .(2)

تَتجلّدُ: تتصبّر. فعل مضارع وفاعله هي أي القلوب، والجملة الفعلية في محلّ رفع خبر المبتدأ.

ص: 289


1- المنجد في اللغة: 558(م/غلو).
2- المنجد في اللغة 723(م/ لظى).

يقول الشاعر: لم أستطع صبراً على غلواء أحزاني على أهل البيت علیهم السلام لفداحتها؛ لأنّ أحزاني عليهم كانت كلهيب النار وأي قلب على اللظى يتجدّد ؟ (1)

ص: 290


1- إلى هنا تم شرح القصيدة بقلم الشارح، وقد أفجعنا رحيله المفاجئ من هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية في فجر يوم الخميس الثاني من شهر ربيع الأول سنة 1431ه-، نصر الله وجهه وأقاله عثرته وحشره مع محمد وآل محمد صلی الله علیه وآله وسلم.. ورزقه شفاعتهم، والحمد لله ربّ العالمين.

الفَهَارِسُ الفَنِّيَّةُ

اشارة

فهرس الآيات.

فهرس الأحاديث.

فهرس الأشعار.

فهرس الأعلام.

فهرس المصادر والمراجع.

فهرس المحتويات.

ص: 291

ص: 292

فهرس الآيات

الآية ... السورة ... رقم الآیة ... الصفحة

«وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ ..» ... البقرة ... 204-205 ... 110

«وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي..» ... البقرة ... 207 ... 110

«الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ..» ... البقرة ... 1-2 ... 246

«.. وَقُولُوا حِطَّةٌ تَغْفِرُ ..» ... البقرة ... 58 ... 175

«.. وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ..» ... آل عمران ... 33 ... 132، 215

«فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ...» ... آل عمران ... 61 ... 247

«وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ وَاللَّهُ خَيْرُ...» ... آل عمران ...54 ... 156

«.. وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ..» ... التوبة ... 34 ... 58

«... قُلْ أَبِالله وَآيَاتِه...» ... التوبة ...65-66 ... 124

«يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ الله ... » ... التوبة ... 32 ... 146

«...أَلاَ بُعْداً مَدْيَنَ كَمَا .. » ... هود ... 95 ... 205

«قَالُواْ تَ اللهُ لَقَدْ أَثَرَكَ اللهُ..» ... یوسف ...91 ... 45

«إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ .. » ... النحل ... 90 ... 129

«وَكُلَّ إِنسَانِ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ..» ... الإسراء ... 13 ... 74

«...فَجَاسُواْ خِلال الديار ..» .... الإسراء ... 5 ... 77

ص: 293

الآیة ... السورة ... رقم الآیة ... الصفحة

«...خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً» ... الكهف ... 44 ... 83

«قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهَ أَتَانِي..» ... مریم ... 30 ... 246

«...فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ..» ... النور ... 43 ... 77

«وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَتَتْهَا .. » ... النمل ... 14 ... 179

«...ما نَفِدَتْ كلمات الله .. » ... لقمان ... 27 ... 35

«...لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ ..» ... الأحزاب ... 33 ... 107،112،119، 235،247

«...إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيّ ..» ... (ص) ... 31 ... 30

«...أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ ..» ... غافر ... 46 ... 215

«فَهَلْ عَسَيتم إن...» ... محمدصلی الله علیه وآله وسلم ... 22-23 ... 200

»وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا ..» ... النجم ... 39 ... 277

ص: 294

فهرس الأحاديث

الحديث ... القائل ... الصفحة

ائذنوا له لعنة الله .. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 162

آخركم موتاً في النار ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 109

أعلم أمتي بالسنة والقضاء.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 184

اكفينيهم يا عليّ ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 114

اللهم هؤلاء أهلي ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 132

اللهم وال من والاه.. ...رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 181

أما ترضى أن تكون منّي.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 132،119

إن الله حرم الجنة على.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 130

إنّ الله عهد إلي.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 182

أنا مدينة العلم.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 164

إنّ رجلاً لقي هذا.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 160

إنكم على إرث .. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 192

إن لكل نبي حَرَماً .. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 106

أنت رشيد البلايا .. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 139

أنت مني بمنزلة.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 185

ص: 295

الحديث ... القائل ... الصفحة

انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 212

إنه مني وأنا منه.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 114

أُوصي من آمن بي.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 173،101

أول جيش يغزو .. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 201

بغض علي سيئة .. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 130

بلى والله لقد سمعوها ... الإمام علی علیه السلام ... 175

تقتلك الفئة الباغية ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 182،181،180

ثم لم نزل أهل البيت.. ... الإمام الباقر علیه السلام ... 156

الحسن والحسين ريحانتاي.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 247

الخوارج كلاب أهل النار ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 164

سلوني من كتاب الله .. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 83

علي باب علمي.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 173

علي بن أبي طالب باب حطة.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 174

فلو أنَّ رجلاً صَفَن.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 130

فما راعني إلا والناس. ... الإمام علي علیه السلام ... 236

قسمت الحكمة عشرة أجزاء.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 184

كفّي وكفُّ عليّ.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 189

لا أشبع الله بطنه ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 53

ص: 296

الحديث ... القائل ... الصفحة

لأبعثنَّ رجلاً لا يخزيه الله .. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 118

لا تبغضن يا بريدة عليّاً.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 173

لا تصلوا على الصلاة البتراء ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 153

لا تقع في عليّ فإنّه.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 189

لاضرر ولا ضرار ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 109

لأعطين الراية غداً.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 132

لعن الله اليهود .. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 153

لعن الله من أخاف.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 201

لا يريد أهل المدينة .. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 201

لا يكيد أهل المدينة .. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 201

مكتوب على باب الجنة .. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 189

من أحب أن يحيا.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 100

من أخاف أهل المدينة.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 201

من آذاني في عترتي.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 130

مرحباً بسيد المسلمين ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 182

من سبني فقد سبّ الله .. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 174،117

من سره أن يحيا حياتي.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 100

من كنت مولاه.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 119،114،95

ص: 297

الحديث ... القائل ... الصفحة

من يريد أن يحيا حياتي.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 188

المؤمن لا يكون لعاناً ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 200

هذا إمام البررة... ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 182

هو الوزغ ابن الوزغ.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 162

والذي نفسي بيده.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 130

والله ما معاوية بأدهى مني.. ... الإمام علي علیه السلام ... 35

وبسطتم يدي فكففتها. ... الإمام علي علیه السلام ... 93

ولقد أصبحنا في زمان.. ... الإمام علي علیه السلام ... 36

ونحن قتلنا حمزة.. ... الإمام علي علیه السلام ... 180

يارسول الله خلفتني.. ... الإمام علي علیه السلام ... 132

یا رشيد كيف صبرك .. ... الإمام علي علیه السلام ... 138

يا علي أخصمك بالنبوة.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 190

يا علي أنت سيد في الدنيا.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 174

يا عمار إذا رأيت عليّاً.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 182

يا فاطمة أما ترضين.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 189

يا معشر الأنصار ألا أدلكم.. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 173

اليد العليا خير من اليد السفلى ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 57

يلتقي أهل الشام وأهل العراق. ... رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ... 181

ص: 298

فهرس الإشعار

صدر البيت ... القافية ... اسم الشاعر ... الصفحة

ذهبَتْ قريش بالمكارم كلّها ... الأنصار ... الأخطل ... 40

شجاع إذا ما أمكنتني فرصة ... فجبان ... معاوية بن أبي سفيان ... 50

أرَى خَلَلَ الرَّمَادِ وَمِيضَ جَمْر ... ضرام ... نصر بن سیّار ... 77

ياشُرحُ يابن السمط إنكَ بالغُ ... الأمر ... عياض الثمالي ... 89

شرحبيل يا ابن السمط لا تتبع الهوى ... بدل ... جرير ... 91

لعمر أبي الأشقى ابن هند لقد رمى ... قاتله ... عمر البارقي ... 92

جهلت ولم تعلم محلّك عندنا ... وما تدري ... معاوية بن أبي سفيان ... 95

أبى القلب مني أن يخادع بالمكر ... الكفر ... عمرو بن العاص ... 95

معاوية لا أعطيك ديني ولم أنل ... تصنعُ ... عمرو بن العاص ... 96

مانال منهم بنو حرب وإن عظمت ... نيلكم ... أبو فراس الحمداني ... 97

وعلى الدهر من دماء الشهيدي ... شاهدان ... أبو العلاء المعري ... 102

وكم قد سمعنا من المصطفى ... عليّ ... عمرو بن العاص ... 107

نظروا إليك بأعين محمرة ... الجازر ... سعید بن جبير (على قول) ... 118

خزر العيون منكسي أذقانهم ... القاهر ... سعيد بن جبير ( على قول) ... 118

أحياؤهم عار على أمواتِهمللغابر ... سعيد بن جبير (على قول) ... 118

ص: 299

300

صدر البيت ... القافية ... اسم الشاعر ... الصفحة

وفي البخاري عن أبي سعيد ... العيد ... أحمد الحفظي ... 123

وقد حكى الشيخ السيوطي أنة ... سُنَّة ... أحمد الحفظي ... 128

ولیت فلم تشتم عليّاً ولم تخف ... مجرم ... كثير بن عبد الرحمن ... 129

قساً بمكة والحطيم وزمزم ... منی ... الناصر العباسي ... 131

لو أن عبداً أتى بالصالحات غداً ... وولي ... الناصر العباسی ... 131

إن اليهود بحبّها لنبيها ... الخوّان ... دعبل الخزاعي ... 150

والحسن البصري يروي عن عليّ ...يجتلي ... أحمد الحفظي ... 151

يا أهل بيت رسول الله حبّكُمُ ... أَنزَلهُ ... الإمام الشافعي ... 154

جلجل الحق بالمسيحى حتى... علويًا ... بولس سلامة ... 156

يا ضربةً من تقيّ ما أراد بها ... رضوانا ... عمران بن حطان ... 163

يا ضربةً من لعين ما أراد بها ... عدوانا ... طاهر بن محمد ... 163

إني لأبرأ مما أنتَ قائِله ... بهتانا ... القاضي الطبري ... 164

هل مثل فتواك إذ قالوا مجاهرةً ... فتاوينا ... الصاحب بن عباد ... 186

هُم قَوْمي وقد أَنْكَرْتُ مِنْهُمْ ... شمالي ... لبيد العامري ... 187

اسقني شربة تروّي مشاشتي ... ابن زیاد ...يزيد بن معاوية ... 194 - 204

تَمَسَّكْ أبا قيس بفضل عنانها ... ضَمانُ ... یزید بن معاوية ( على قول) ... 194

لستَ مِنّا ولیس خالك منا ... للشهوات ... عبد الرحمن بن سعيد ... 195

أبلغ أبا بكر إذا الأمر انبرى ... القرى ... يزيد بن معاوية ... 197

ص: 300

صدر البيت ... القافية ... اسم الشاعر ... الصفحة

أقول لصحب ضمَّت الكأسُ شَملَهم ... يترنَّمُ ... يزيد بن معاوية ... 198

ليت أشياخي ببدر شهدوا ... الأَسَلْ ... ابن الزبعرى ... 203

علیة هاتي واعلني و ترنّمي التناجيا يزيد بن معاوية 204

ولم يمس الأرض فاضل بردها التيميم يزيد بن معاوية 205

معشر الندمان قوموا الأغاني يزيد بن معاوية ... 205

أرى الأيام تفعل كل نكر مستزيد أبو العلاء المعري ... 205

الله فوق الخلق فيها وحده ... أکفاء ... أحمد شوقي ... 211-266

لأَهلُوا واس وا واستهلوا فرحاً ... لاتشل ابن الزبعرى 222

أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي ... فرات دعبل الخزاعي 230

وعلى الأفق من دماء الشهيدين ... شاهدان أبو العلاء المعري 230

في صفحة القلب لا في الطرس ذكراه ... مأواه ... حليم دموس ... 231

يارسول الله لو عاينتهم ... و سبا ... الشريف الرضي ... 232

لساني وسيفي صارمان کلاهما ... مذودي ... حسان بن ثابت ... 241

كر بلا لازلت كرباً وبَلا ... المصطفى ... الشريف الرضي ... 243

قد جاوروه هاهنا بقبورهم ... متحاذية ... عبد الحسين الأعسم ... 256

أنسَتْ رزيَّتُكُم رزايانا التي ... الآتية ... عبد الحسين الأعسم ... 258

یآل بَيتِ رسولِ الله حُبُّكُمُ ... أنزلَهُ ... الإمام الشافعي ... 288

ص: 301

ص: 302

فهارس الأعلام

(أ)

ابن آثال النصراني 42 ، 43 .

ابن الأبار = أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن ابن أبي الحديد 106 ، 181 .

ابن أبي ليلى = محمد بن عبد الرحمن ابن الأثير ،39 ، 41 ، 42 ، 120، 133، 134 .

ابن إسحاق 202 .

ابن الأشعث 134 .

ابنة الأشعث 43 ، 99 .

ابن جرموز 43 .

ابن حجر 133 ،133 ،154، 174، 175 ، 176، 185 .

ابن زیاد 194، 203، 204.

ابن سيرين = محمد بن سيرين 143،109 .

ابن طباطبا= محمد بن علي بن أبي طباطبا 195.

ابن عبد البر 190 .

ابن عبد ربه 120 .

ابن عساکر 58، 194.

ابن عقيل 204.

ابن عمر 206 .

ابن قتيبة 196.

ابن كثير 51، 195.

ابن الكلبي 126

ابن المنذر 123 .

ابن منظور 191، 207، 236.

أبو إسحاق البرمكي 199.

أبو بكر = أخو تيم 104، 164 .

أبو بكر القضاعي 34.

أبو بكرة= نفيع بن الحارث بن كلدة 125.

أبو بكر عبد العزيز بن جعفر 199.

أبو بكر محمد بن عبد الباقي البزاز 199.

أبو جعفر محمد بن علي علیه السلام = الإمام الباقر علیه السلام 156 .

أبو حازم 123.

أبو الحسن المدائني 117، 145، 202، 223 ،203 .

أبو حيان التوحيدي (علي بن محمد بن العباس) 165 .

أبو ذر الغفاري 74 .

أبو سعيد 122 .

أبو السوار العدوى .109 .

أبو الطفيل 183 .

أبو عبد الله النيسابوري= الحاكم 119، 162 ،130 ، 124 .

أبو عثمان الجاحظ 116، 127 .

أبو الفرج الاصفهاني 43، 99.

ص: 303

أبو الفضل 201 .

أبو مخنف 143 .

أبو نوح 181 .

أبو هريرة = عبد الرحمن بن صخر 106،110، 108 ، 107 .

أحمد الحفظي 151، 123 ، 128.

أحمد زيني دحلان 183 .

أحمد صقر 103.

أحمد بن على= النسائي.

أحمد بن محمد بن حنبل = الإمام أحمد 151، 200،199 ،174 ، 153 .

أحمد = النبي محمد 22صلی الله علیه آله وسلم، 23،22، 26 ، 28، ، 187 ، 155 ، 115 ، 107 ، 105 ، 92 ،205، 229، 263، 286 .

الأحنف بن قيس =أبا بحر 51 ، 131 136 .

الأخطل =التغلبي النصراني 40 209.

الأزدي 112 .

الأزهري 63 .

أسماء بن خارجة = سيد بني فزازة 126 .

إسماعيل بن عباد بن العباس = الصاحب بن عباد 186 .

إسماعيل بن عياش 112

الأنصاري 131، 135.

(ب)

البحتري 190.

بريدة - بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي 175، 191، 192.

بسر بن أرطاة 89، 103، 126 .

بولس سلامة 158 .

( ج )

جعفر الخليلي 167 .

جتعفر بن محمد علیه السلام = الإمام الصادق علیه السلام 155 .

جعید 203.

الجوزجاني 163.

(ح)

حابس ابن سعد الطائي 88.

الحجاج بن يوسف الثقفي 101.

حجر بن عدي الكندي= ابن الأدبر 99 ،100.

حسن إبراهيم 59 .

الحسن البصري 179،143،151.

الحسن بن علي علیه السلام= الإمام الحسن علیه السلام 43، 161، 193.

الحسن المثنى 152.

حسون ملا رجي الدلفي 24 .

حسين بن حريث 201.

الحصين بن نمير 90 ، 203 .

حليم دموس= حليم بن إبراهيم بن جرجس دموس 231 .

حمزة بن عبد المطلب 180 .

حمزة بن مالك 88 .

(خ)

خالد بن عبد الله القسري 126 .

ص: 304

خالد بن عبد الرحمن 43 .

خالد بن الوليد 42 189 .

(د)

دعبل الخزاعي 150.

الدينوري 196 .

(ذ)

الذهبي =محمد بن أحمد بن عثمان 18 ، 119 ،161، 165،150 ، 199 .

ذو الكلاع 180 .

(ر)

رشيد الهجري 101، 131، 138 .

(ز)

الزبير =الزبير بن العوام 150 .

زبير بن بكار 195 .

الزمخشري 67 ، 207، 241 .

زياد بن سمية 218

زيد بن أرقم 188 .

زين الدين العراقي عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن 150 .

زين العابدين علیه السلام = علي بن الحسين علیه السام 144، 152.

زينب عليها السلام (السيدة ) 105 .

( س )

السايب بن خلاد 201.

سبط ابن الجوزي 87 ، 94 ، 124، 199، .204، 206،205، 223 ،203 ،200 .

سعد بن أبي وقاص 91، 120، 124، 132 ،131 .

سعيد بن جبير 144، 148 .

سعيد بن العاص 39، 122 .

سعيد بن قيس الهمداني 126 .

سلمان 180 .

سليمان كتاني 37 .

سليم بن قيس 147،146.

سمرة بن جندب 109، 110، 153.

سهل بن سعد 123 .

سیبویه 30، 65.

سيف 96 .

السيوطي 128.

( ش )

الشافعي = محمد بن إدريس 111، 128 ، 415 ، 288 .

شرحبيل بن السمط 88، 90، 91، 92.

الشعبي 203 .

شيبة = (بن أبي سفيان) 225 .

(ص)

صالح أحمد عاشور 23 .

صعصعة بن صوحان 121 .

صفية بنت حيي 118 .

الصقعب بن زهير 143 .

صيفي بن فسیل 131، 133، 141 .

(ط)

طاهر بن محمد 163 .

الطبري = أبو جعفر الطبري 42، 51، 125 ، 140،219.

ص: 305

طلحة = طلحة بن الزبير 90 ، 99 .

( ع )

عباد بن العوام 150.

عباس محمود العقاد= العقاد 38، 46 ، 59، 108 ، 107 ، 99 ، 106 .

عبد الله بن جعفر 147 . عبد الله بن حنظلة 196، 202 . عبد الله بن الزبير 196، 197 .

عبد الله بن العباس 158 .

عبد الله العلايلي 208 .

عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس 158 .

عبد الله بن عمرو 180 .

عبد الله بن مسعدة 55 .

عبد الله بن مسعود بن غافر 184.

عبد الله بن هاني 126، 169 .

عبد الرحمن بن حسان 131، 135 ، 141.

عبد الرحمن بن خالد بن الوليد 42 .

عبد الرحمن بن السائب 126 .

عبد الرحمن بن سعيد بن عمرو 195 ، 198.

عبد الرحمن بن صخر = أبو هريرة.

عبد الرحمن بن عوف 162 .

عبد الرحمن بن غنم الأزدي 88 .

عبد الرحمن بن ملجم 110 .

عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن = زين الدين العراقي.

عبد العزيز بن جعفر = أبو بكر

عبد مناف 29 .

عبيد الله بن زیاد 138 .

عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب 158،102.

عتبة بن أبي سفيان 95 .

عتبة بن مسعود 196. عثمان بن عفان ،89 90، 108 ، 193. عثمان بن محمد بن أبي سفيان 202 عروة بن الزبير 43، 115. عطاء بن يسار 201.

عطية بن أبي رباح 184 .

عطية بن سعد 131، 134 .

عقيل بن أبي طالب 138.

علي بن أبي طالب علیه السلام = أبا الحسن = أبو السبطين =أمير المؤمنين =الإمام علي ربيب الوحي=أبي تراب 4، 5، 6 ، 7، 8 ، 15 ، ،35، 36 ، 40 ، 48 ، 52، 86 ، 27 ،22 ،99 ،98 ،95 ،94 ،93 ،92 ،88 ،87 ، 108 ، 107 ، 106 ، 104 ، 101 ، 100 ،126، 127 ، 115 ، 113 ، 112 ، 109 ،135 ،13 ،133 ، 132 ،131 ،128 ، 144، 144،140 ، 139 ، 138 ،137 ، 145 ، 148، 155، 156 ، 158، 160 161،163، 165، 166 ، 170، 172، 173، 174، 178، 180، 182، 184،236 ،194،197 ، 189 ، 185،186 ، 261، 274، 295.

علي بن الحسين علیه السلام= زين العابدين علیه السلام.

علي بن محمد 125 علیه السلام.

علي بن محمد بن العباس= أبو حيان التوحيدي.

ص: 306

عمار بن ياسر ،42 ، 87 ، 173 ، 180 ، 181 .

عمر بن الخطاب ابن حنتمة= أخو عدي56، ،181 ،179 ، 1104، 145، 153 ، 65 220 .

عمر بن شبة 150 .

عمر بن عبد العزيز 60 ، 117، 129، 149.

عمر بن مروه الجهني 162 .

عمر بن هبيرة 134 .

عمر بن سعد 203، 247 ، 248.

عمرو بن العاص 37، 39، 48 ، 51،50، 56،57،58،87،89،94،96،07،107،109،110،112،181،218.

عمرو بن میمون 118 .

عمرو بن ود العامري 114 .

عمران بن حطان 115 ، 161، 163، 164 .

عياض الشمالي 88 .

( ف )

فاطمة بنت الحسین علیهم السلام 203، 204

فاطمة بنت محمد علیهم السلام 111، 119، 124، 190 ،189 ،169 ، 127 ،132 ،229،230.

الفراء =يحيى بن زياد =أبو زكريا 30 ، 200 .

( ق )

قارون 112 .

القاضي أبو طيب الطبري 164.

قبيصة بن ضبيعة العبسي 141 .

قنبر مولى علي 101 .

( ك )

كثير بن عبد الرحمن 129 .

کدام بن حيان العنزى 141 .

كعب بن جعيل بن قمير بن عجرة التغلبي 209 .

کمیل بن زیاد 101 .

الكندي 99، 136 .

الكيا الهراسي 198 .

( ل )

لؤي بن غالب 89 .

(م)

مالك الأشتر 41، 44، 98 .

مالك بن دينار 148 .

المأمون30.

المبرد 126، 163 .

المتنبي 188.

محب الله بن عبد الشكور 197.

محرز بن شهاب السعدي 141.

محفوظ بن المفضل بن عمر 112.

محمد بن أبي بكر 41 .

محمد بن أحمد بن عثمان= الذهبي.

محمد بن إدريس= الشافعي.

محمد بن بحر الرهني 127 .

محمد بن الحنفية 152 .

محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي = ابن الأبار.

محمد بن عبد الباقى البزاز = أبو بكر

محمد بن عبد الرحمن الأنصاري= ابن أبي ليلى.

ص: 307

محمد بن عبيد الله الجرجاني 90 .

محمد بن علي بن أبي طباطبا = ابن طباطبا.

محمد بن علي علیهما السلام = الإمام الباقر علیه السلام .

محمد بن القاسم 134 .

محمد بن نظام الدين الانصاري 197.

محمد كاظم الملكي 67 .

محمد المجذوب = المجذوب 4 ، 173 ، 190 ،210 ،224 ، 231.

مخارق بن الحارث الزبيدي 88 مروان بن الحكم ،115، 122، 124، 161، 202، 203 .

المسعودي 99، 194، 197.

مسلم بن عقبة 107، 108، 162، 202، 203.

المصعبي 161 .

المطرف بن المغيرة بن شعبة 104 .

معاذ بن جبل 88

معاوية بن أبي سفيان= أبو يزيد 4 ، 22، 29،124، 124،136 ، 99 ،81 ،79 ،37 ،32 151، 267 ،138 .

معاوية بن يزيد بن معاوية 80.

المغيرة بن شعبة ،37، 39، 104 ، 110، 120 .

المفيد 138 .

المقداد بن شعبة 180 .

المقريزي 193.

ميثم التمار 101 .

(ن )

الناصر العباسي 130 .

النسائي =أحمد بن علي 144، 149 ، 201.

نصر بن سیار 77 .

نصر بن مزاحم المنقري 88.

نفيع بن الحارث بن كلدة = أبو بكرة

( ه)

هارون الرشيد 150 .

هارون بن موسی 112، 119، 132، 185 ، 175 ، 132 .

هدبة بن فياض = الأعور 141.

هشام بن حسان 203 .

هشام بن محمد 96 ، 202 .

(و)

الواسطي 144، 149.

الواقدي 202،48.

وردان مولى عمر بن العاص 48 ، 49 ،59،57، 218،96 .

الوليد = الوليد بن عتبة 113، 162، 225.

الوليد بن عبد الملك 125 .

(ي)

ياقوت الحموي 127، 163 .

يحيى بن زياد =الفراء.

يحيى بن صالح 112، 113.

يزيد بن أبي سفيان 50 . يزيد بن أسد 88 .

یزید بن حفصة 201 .

یزید بن معاوية 80، 162، 193، 195، 199، 252.

يوليوس ولهاوزن 219 .

ص: 308

فهرس المصادر والمراجع

1 - الاختصاص: المنسوب لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (ت 413 ه)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، السيد محمود الزرندي، ط 2 - 1414ه، الناشر: دار المفيد .بيروت.

2 - أدب الطف (شعراء الحسين علیه السلام) : للسيد جواد شبّر (ت بعد 1401ه)، ط 1 - 1422ه ، الناشر: مؤسسة التاريخ العربي/ بيروت.

3- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري

البغدادي (الشيخ المفيد ) (ت 413 ه) ، ط 3 - 1410ه ، الناشر: مؤسسة الأعلمي بيروت.

4 - أساس البلاغة لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 ه) ، 1399 ه، الناشر : دار صادر/ بيروت.

5- الإستيعاب في معرفة الأصحاب ليوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري (ت 463 ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي، ط 1 - 1412ه- ، الناشر: دار الجيل بيروت.

6 - الإصابة في تمييز الصحابة لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852ه)، ط 1-1415ه ،

الناشر: دار الكتب العلمية بيروت.

7- إعتاب الكتّاب: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي المعروف بابن الأبار

(ت 658ه)، تحقيق : الدكتور صالح الأشتر، ط 1 - 1380ه ، المطبعة الهاشميّة.

8- الأعلام: لخير الدين الزركلي (ت 1410ه)، ط ه - 1980 م ، الناشر: دار العلم للملايين بيروت.

9 - الأغاني: لأبي الفرج الأصفهاني (ت 356ه ) ، ط 3 - 1415ه- ، الناشر: دار الفكر/ بيروت.

10 - الإمام الحسين علیه السلام : لعبد الله العلايلي (ت 1417ه)، ط جديدة - 1972م، الناشر : دار مكتبة التربية/ بيروت.

-11 - الإمام علي صوت العدالة الإنسانية : لجورج جرداق (معاصر) ، ط 1 - 1423 ه ، دار ومكتبة

صعصعة البحرين.

ص: 309

12 - الإمام علي نبراس ومتراس لسليمان كتاني (ت 2004م)، تحقيق: هاشم محمد الباججي،

ط2 - 1432ه، الناشر : العتبة العلوية المقدسة - قسم الشؤون الفكرية والثقافية.

13- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار علیهم السلام : للشيخ محمد باقر المجلسي (ت 1110ه)، ط 2 - 1403ه، الناشر : مؤسسة الوفاء بيروت.

14 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت 911ه-)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم الناشر: المكتبة العصرية / صيدا.

15- البلاغة الواضحة : لعلي الجارم ومصطفى أمين، ط14-1379 ه- ، الناشر: دار المعارف/ مصر.

16 - تاج العروس من جواهر القاموس للسيد مرتضى الحسيني الزبيدي (ت 1205ه-)، تحقيق:

عبد الستار أحمد فرّاج.

17- تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي : للدكتور حسن إبراهيم حسن، ط4 -

1957م ، الناشر: مكتبة النهضة المصرية القاهرة.

18- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748ه-)، تحقيق : الدكتور عمر عبد السلام تدمري، ط 1 - 1407 ه- ، الناشر : دار الكتاب العربي/ بيروت.

19 - تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري) لمحمد بن جرير الطبري (ت 310ه-)، تحقيق: نخبة

من العلماء الأجلاء، ط 4 - 1403ه- ، الناشر : مؤسسة الأعلمي/ بيروت.

20 - تاريخ بغداد أو مدينة السلام لأحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463 ه-)، تحقيق:

مصطفى عبد القادر عطا، ط 1 - 1417ه- ، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت.

21 - تاريخ التمدن الإسلامي: لجرجي زيدان (ت 1332ه-)، تحقيق: الدكتور حسين مؤنس،

الناشر: دار الهلال .

22- تاريخ مدينة دمشق: لأبي القاسم علي بن الحسن الشافعي المعروف بابن عساکر (ت 571 ه)، تحقيق: علي شيري، ط - 1415ه ، الناشر: دار الفكر/ بيروت.

23 - تاريخ اليعقوبي : لأحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب العباسي المعروف باليعقوبي ( ت 284ه)، الناشر: مؤسسة ونشر فرهنك أهل بيت علیهم السلام / قم، دار صادر / بيروت.

ص: 310

24- تذكرة الحفاظ : الشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت 748ه)، الناشر : دار إحياء التراث العربي/ بيروت.

25- تذكرة الخواص : لأبي المظفر يوسف بن قزغلي (سبط ابن الجوزي) (ت654ه)، ط - 1369ه ، الناشر : المطبعة العلمية النجف.

26- ثورة الحسين ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية للشيخ محمد مهدي شمس الدين (ت 2001م)، تحقيق:علیه السلام الأستاذ سامي الغريري ، ط 1 - 1426ه ، الناشر: دار الكتاب

الإسلامي.

27- الجنى الداني في حروف المعاني: لحسن بن قاسم المرادي (ت749ه)، تحقیق طه محسن، ط- 1396 ه ، طبع : مؤسسة دار الكتب / جامعة الموصل، ساعدت على نشره جامعة بغداد.

28- الحسين علیه السلام : لعلي جلال الحسيني ( ت 1351ه) ، ط - 1349 ه، الناشر: المطبعة السلفية - ومكتبتها القاهرة.

29- الحسين وبطلة كربلاء علیهم السلام للشيخ محمد جواد مغنية (ت 1400ه)، تحقيق: الأستاذ سامي الغريري، ط 5 - 1412ه، الناشر : دار التيار الجديد بيروت.

30- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت 430 ه)، طه- 1407ه ، الناشر : دار الريان للتراث القاهرة ، دار الكتاب العربي / بيروت.

31-حياة الحيوان الكبرى: للشيخ كمال الدين محمد بن موسى بن عيسى الدميري (ت 808ه)،

ط 3 - 1422ه ، الناشر : دار إحياء التراث العربي/ بيروت.

32 - خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب

النسائي الشافعي (ت 303ه-)، تحقيق: محمد هادي الأميني، الناشر: مكتبة نينوى الحديثة

طهران.

33- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: للسيد علي خان المدني الشيرازي الحسيني (ت1120 ه)، تقديم: : السيد محمد صادق بحر العلوم، ط -1397 ه-، الناشر: مكتبة بصيرتي/ قم.

34- ديوان أبي فراس الحمداني : لأبي فراس الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني (ت357ه)، رواية أبي عبد الله الحسين بن خالويه ط 1 - 1413ه ، مطبعة: أمير - قم، الناشر: منشورات الشريف الرضي - قم المقدسة.

ص: 311

35- ديوان أحمد شوقي (الشوقيات): لأحمد شوقي علي أحمد شوقي بك (ت 1351ه)، الناشر:

دار العودة بيروت.

36- ديوان حسّان بن ثابت الأنصاري: لحسّان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري (ت54ه)، تحقيق: الدكتور عمر فاروق الطباع، الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم/ بيروت.

37- دیوان دعبل بن علي الخزاعي: لدعبل بن علي بن رزين الخزاعي (ت246ه-)، تحقيق: عبد

الصاحب الدجيلي الخزرجي، ط 1382ه ، مطبعة الآداب/ النجف.

38- ديوان سقط الزند: لأبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري (ت 449ه)، تحقيق الدكتور عمر فاروق الطباع ، ط 1 - 1418 ه ، الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم بيروت.

39- ديوان الشريف الرضي : لأبي الحسن محمد ابن أبي أحمد الحسين الطاهر (ت406 ه)،الناشر: دار صادر بيروت.

40- ديوان الصاحب بن عباد للصاحب إسماعيل بن عبّاد (ت 385 ه)، تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين، ط 2 ، الناشر: دار القلم/ بيروت.

41 - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: لمحب الدين أحمد بن عبد الله الطبري ( ت 694ه) ، ط 1356 ه ، الناشر : مكتبة القدسي / القاهرة.

42- ذخيرة الدارين فيما يتعلق بمصائب الحسين وأصحابه علیهم السلام : لعبد المجيد بن محمد رضا الحسيني الحائري الشيرازي (1345ه)، تحقيق: الشيخ باقر درياب النجفي، ط1-1421ه،مطبعة زيتون الناشر: الانتشارات التحسين.

43 - ذيل الأمالي والنوادر لأبي علي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي (ت356ه)، الناشر: دار

الكتاب العربي بيروت.

44- ربيع الأبرار ونصوص الأخبار : لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت538ه)، تحقيق الدكتور سليم النعيمي، مطبعة العاني/ بغداد.

45 - رجال الكشي: لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي (ق4)، تحقيق : السيد أحمد

الحسيني، الناشر: مؤسسة الأعلمي/ كربلاء.

ص: 312

46 - الروض المعطار في خبر الأقطار لمحمد بن عبد المنعم الحميري (ت 900 ه)، تحقيق: الدكتور

إحسان عباس ، ط 2 - 1984م ، الناشر: مكتبة لبنان بيروت م،

47 - الروضة في فضائل أمير المؤمنين علیه السلام : لسديد الدين شاذان بن جبرئيل القمي (ت 660 ه)، تحقيق: علي الشكرجي، ط 1 - 1423ه .

48 - زينب الكبرى: للشيخ جعفر بن محمد النقدي ( 1370ه) ، ط 1361 ه ، المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف.

49 - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد: لمحمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت 942ه)، تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، ط 1 - 1414ه ، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت.

50- سير أعلام النبلاء: لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، حسين الأسد، ط 9 - 1413ه ، الناشر : مؤسسة الرسالة/ بيروت.

51- السيرة النبوية : لأبي محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري (ت218ه)، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد ، ط، 1383ه ، الناشر: مكتبة محمد علي صبيح/ مصر.

52- شرح دیوان لبيد بن ربيعة العامري: للبيد بن ربيعة بن مالك بن ربيعة (ت حدود 41 ه)، تحقيق الدكتور إحسان عباس ، ط 1962/ الكويت.

53 - شرح قطر الندى وبل الصدى: لأبي محمد عبد الله جمال الدين بن هشام الأنصاري (ت 761ه)، ط 9 - 1377ه ، الناشر : المكتبة التجارية الكبرى/ مصر.

54- شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ه)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1 - 1378ه ، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

55- الشعر والشعراء: لأبي محمد عبد الله بن عبد المجيد بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 27ه)، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر الناشر: دار المعارف/ القاهرة.

56- صحيح البخاري: لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي (ت 256ه)، ط 1401ه ، الناشر: دار الفكر/ بيروت.

57 - صلح الحسن علیه السلام : للشيخ راضي آل ياسين (ت 1372ه)، ط 1 - 1412ه ، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات / بيروت .

ص: 313

58 - الصواعق المحرقة: لأحمد بن حجر الهيتمي المكي (ت 974ه)، تحقيق: عبد الوها عبد اللطيف ، ط 2 - 1417ه، الناشر : مكتبة القاهرة/ القاهرة.

59- الطبقات الكبرى: لمحمد بن سعد (ت230ه)، الناشر: دار صادر/ بيروت.

60- العقد الفريد: لأحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (ت328ه)، الناشر: دار إحياء التراث العربي/ بيروت.

61 - عمدة القاري (شرح صحيح البخاري): لبدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني (ت 855ه)، تقديم محمد أحمد الحلاق، ط 1 - 1424ه ، الناشر : دار إحياء التراث العربي / بيروت.

62- عيد الغدير (أول ملحمة عربية ) : لبولس سلامة (ت1979م) ، ط 1 - 1423ه ، الناشر: انتشارات قم

63- غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام: للسيد هاشم بن سليمان بن إسماعيلالموسوي

التوبلي البحراني (ت 1107 ه)، تحقيق: السيد علي عاشور.

64 - الغدير في الكتاب والسنة والأدب: للشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي (ت 1392ه ) ، ط 4 - 1397ه ، الناشر: دار الكتاب العربي/ بيروت.

65- فتح الباري شرح صحيح البخاري: لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (ت 852ه ) ، ط 2 ، الناشر : دار المعرفة/ بيروت.

66- الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية لمحمد بن علي بن طباطبا المعروف بابن الطقطقى (ت709 ه) ، الناشر: دار صادر/ بيروت.

67- فردوس الأخبار : لشيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي (ت 509ه)، ط 1 - 1418ه ،الناشر: دار الفكر/ بيروت.

68- الفصول المهمّة في تأليف الأمة: للسيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي (ت 1377 ه ) ، ط 1 ، الناشر: قسم الإعلام الخارجي لمؤسسة البعثة.

69 - في رحاب علي [علیه السلام]: لخالد محمد خالد (ت 1416ه-)، ط 2 - 1966 ، الناشر: مكتبة

الأنجلو المصرية/ القاهرة.

ص: 314

70- الكامل في التاريخ: لعز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير (ت 630ه) ، ط 1386ه ، الناشر: دار صادر - دار بيروت/ بيروت.

71- الكامل في اللغة والأدب: لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد (ت286ه)، تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم ، ط 1427ه ، المطبعة العصرية/ بيروت.

72- کتاب سليم بن قيس: لسليم بن قيس الهلالي (ت 76ه)، تحقيق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني.

73- كتاب العين: لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175ه)، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي ، ط 1980م ، الناشر: دار الرشيد/ بغداد.

74- كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: للشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي (ت 1162ه) ، ط 3 - 1408 ه ، الناشر: دار الكتب العلمية/ بيروت.

75- كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالبعلیه السلام : لأبي عبد الله محمد بن يوسف بن محمد القرشي الكنجي الشافعي (ت658ه)، تحقيق : الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني، ط4 - 1413ه ، الناشر: شركة الكتبي / بيروت.

76 - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: لعلاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي (ت 975 ه)، تحقيق : الشيخ بكري حياني والشيخ صفوة السقا، ط 1409ه، الناشر: مؤسسة الرسالة/ بيروت.

77- لسان العرب : لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مکرم ابن منظور الإفريقي المصري (ت 711ه)، 3 - 1419ه ، الناشر : دار إحياء التراث العربي، مؤسسة التاريخ العربي/ بيروت.

78- لسان الميزان: لأحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني ( ت 852ه)، - 1390ه ، الناشر مؤسسة الأعلمي/ بيروت.

79- مجمع الأمثال: لأبي الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم النيسابوري الميداني (ت518ه)، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر: دار القلم/ بيروت.

ص: 315

80- مجمع البيان في تفسير القرآن: لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548ه)، تحقيق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي ، ط 1379ه ، الناشر : دار إحياء التراث العربي/ بيروت.

81- مختار الصحاح: للشيخ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرّازي (ت بعد 666 ه)، ط 1987، الناشر: مكتبة لبنان/ بيروت.

82- مختصر الصرف: للشيخ عبد الهادي الفضلي (معاصر) ، الناشر: دار القلم/ بيروت.

83- المراجعات: للسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي (ت 1377 ه)، تحقيق: حسين الراضى، ط 2 - 1402ه.

84- مروج الذهب ومعادن الجوهر: لأبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي ( ت 346 ه) ، ط 1 - 1385 ه ، الناشر : دار الأندلس/ بيروت.

85- المستدرك على الصحيحين: لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405 ه)، تحقيق: يوسف

عبد الرحمن المرعشلي، الناشر: دار المعرفة/ بيروت.

86- المستقصى في أمثال العرب لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت 538ه ) ، ط 2 - 1397ه ، الناشر : دار الكتب العلمية/ بيروت.

87- مسند أحمد لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل (ت241ه)، الناشر: دار صادر/ بيروت.

88 - المصباح المنير : لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي (ت 770ه)، ط 5-1922م، الناشر:

وزارة المعارف العمومية/ القاهرة.

89- المصنّف : لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي (ت 235ه)، تحقيق: سعيد اللحام، ط 1 -1409ه ، الناشر: دار الفكر/ بيروت.

90- معجم الأدباء: للشيخ شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (ت 626 ه)، الناشر : دار إحياء التراث العربي / بيروت .

91- معجم البلدان: للشيخ شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (ت 626 ه)، ط 1399ه ، الناشر : دار إحياء التراث العربي/ بيروت .

92- المعجم الكبير : لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360ه-)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، ط 2 - 1404ه- ، الناشر: دار إحياء التراث العربي / بيروت .

93 - معجم مقاييس اللغة: لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ( ت 395ه-)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون ، ط 1399ه- ، الناشر: دار الفكر/ بيروت.

ص: 316

94 - مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: الجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ت 761ه)، تحقيق: الدكتور مازن المبارك ومحمد علي حمد الله ، ط، 3 - 1378ه . ش ، الناشر: مؤسسة سيد الشهداء/ قم.

95- المفردات في غريب القرآن: لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني

(502ه)، تحقيق: محمد سيد كيلاني الناشر: دار المعرفة/ بيروت.

96- مقاتل الطالبيين: لأبي الفرج الأصفهاني (356ه)، تحقيق : السيد أحمد صقر، ط 1 - 1423ه ، الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية/ النجف الأشرف

97 - المناقب: للموفق بن أحمد بن محمد المكي الخوارزمي (ت 568ه)، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي- مؤسسة سيد الشهداء علیه السلام ، ط 2 - 1414ه ، الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

98- المنجد في اللغة والأعلام للويس بن نقولا ظاهر المعلوف (ت 1365 ه) ، ط 30 - 1988م، الناشر: دار المشرق / بيروت.

99- المنهاج في القواعد والأعراب للشيخ محمد مرعي الأمين الأنطاكي (ت 1383ه)، الناشر:

دار التربية/ بغداد.

100- موسوعة أعمال عباس محمود العقاد: لعباس بن محمود بن إبراهيم بن مصطفى العقاد ت 1383 ه ) ، ط، 2 - 1414ه-، الناشر : دار الكتاب المصري/ القاهرة، دار الكتاب اللبناني/ بيروت.

101- النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم لتقي الدين أحمد بن علي المقريزي (ت 845ه)، تحقيق : الدكتور حسين مؤنس، ط 1 - 1412ه- ، الناشر: انتشارات الشريف الرضي.

102 - النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : للسيد محمد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي (ت 1350 ه) ، ط 1 - 1412ه ، الناشر: دار الثقافة/ قم.

103 - النهاية في غريب الحديث والأثر : لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير (ت 606 ه)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي، ط4 - 1364ه . ش، الناشر: مؤسسة إسماعيليان/ قم.

ص: 317

104 - نهج البلاغة: المختار من كلام أمير المؤمنين علیه السلام: الجامعه : أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى الشريف الرضي (ت 406ه)، تحقيق : السيد هاشم الميلاني، ط 1432ه ،الناشر : مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة.

105- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن

خلكان (ت 681ه)، تحقيق : الدكتور إحسان عباس الناشر: دار الثقافة/بیروت.

106 - وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري (ت 212ه)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون ط 2 - 1382ه ، الناشر : المؤسسة العربية الحديثة القاهرة.

107- ينابيع المودة لذوي القربى للشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (ت 1294ه)، تحقيق السيد علي جمال أشرف الحسيني ، ط 1 - 1416ه ، الناشر: دار الأسوة/ طهران.

ص: 318

فهرسة المحتويات

كلمة إدارة المكتبة ... 5

ترجمة الشارح ... 11

ترجمة الشاعر ... 15

مقدمة شارح ... 19

ظروف القصيدة ...21

على ضريح معاوية ... 21

نص رسالة الشاعر ... 21

القصيدة ... 25

البيت الشعري رقم (1) وشرحه ... 29

البيت الشعري رقم (2) وشرحه ... 33

نماذج من دهاء معاوية ... 38

البيت الشعري رقم (3) وشرحه ... 45

حوار فيما يفكر به الإنسان آخر عمره ... 48

الإفراط في الأكل ... 51

موائد معاوية الملون ... 51

الرسول يدعو على معاوية لكثرة أكله ... 52

شغف معاوية باللباس الموشى والثياب المزخرفة ... 53

البيت الشعري رقم (4) وشرحه ... 55

البهارج التي أولع بها معاوية ... 55

ص: 319

معاوية وأواني الذهب ... 60

قصر الخضراء ... 61

البيت الشعري رقم (5) وشرحه ... 63

البيت الشعري رقم (6) وشرحه ... 65

البيت الشعري رقم (7) وشرحه ... 69

البيت الشعري رقم (8) وشرحه ...71

البيت الشعري رقم (9) وشرحه ...73

البيت الشعري رقم (10) وشرحه ... 77

البيت الشعري رقم (11) وشرحه ... 79

البيت الشعري رقم (12) وشرحه ... 81

البيت الشعري رقم (13) وشرحه ... 83

البيت الشعري رقم (14) وشرحه ... 85

تضليل معاوية لشرحبيل ... 88

إغواء معاوية عمر بن العاص ... 94

الحرب غير المعلنة بعد قتل علي علیه السلام ... 96

الصورة الأولى لتلك الحرب [ قتل أهل البيت وشيعتهم] ... 98

قتل حجر وأصحابه ... 99

كوكبة أخرى من الشهداء ... 101

مأساة في اليمن ... 102

معاوية يفصح عن مخططه الرهيب. ... 104

الصورة الثانية [وضع الأكاذيب على أمير المؤمنين علیه السلام] ... 105

ص: 320

سمرة بن جندب ووضع الأكاذيب ... 109

الصورة الثالثة [سن سب امير المؤمنين علیه السلام ] ... 115

معاوية يسن السب ويأمر به عماله ... 116

معاوية في قنوته ... 120

عمال معاوية ينفذون أوامره ... 120

المغيرة بن شعبة ... 120

مروان بن الحكم ... 122

بسر بن أرطاة ... 125

غرائب تعقبها غرائب ... 125

رجال امتنعوا عن السب ... 131

سعد بن ابي وقاص ... 132

صيفي بن فسيل الشيباني ... 133

عطية بن سعد العوفي ... 134

ابن أبي ليلى ... 135

عبد الرحمن العنزي يدفن حيّاً ... 135

الأحنف بن قيس ... 136

الأحنف ومعاوية في مواجهة كلامية حادة ... 136

رشيد الهجري ... 137

حجر بن عدي ... 140

الحسن البصري يغضب لقتل ... 143

الصورة الرابعة منع ذكر فضائل على بن أبي طالب علیه السلام ... 144

معاوية يمنع من ذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام ... 145

ص: 321

ابن عباس ومعاوية في مجابهة كلامية ... 145

الحسين علیه السلام يتصدى لمعاوية ... 147

إعلام معاوية وتأثيره ... 148

النسائي يُقتل من أجل الرواية في عليّ علیه السلام ... 149

الواسطي وحديث الطير ... 149

الإمام الصادق جعفر بن محمدعلیه السلام ... 153

الصلاة على أهل البيت علیهم السلام ... 153

الصورة الخامسة وضع الرواية في مدح أعداء عليّ علیه السلام ... 156

معاویة یدعو إلی وضع الحدیث ... 157

مروان بن الحكم عمران بن حطان حريز بن عثمان ... 161

عمران بن حطان ... 163

أبو حيان التوحيدي يضع رسالة كذب!! ... 165

الصورة السادسة إسقاط الشيعة ... 167

الصورة السابعة تقريب أعداء أهل البيت علیهم السلام ... 169

البيت الشعري رقم (15) وشرحه ... 171

البيت الشعري رقم (16) وشرحه ... 177

البيت الشعري رقم (17) وشرحه ... 187

البيت الشعري رقم (18) وشرحه ... 191

وصف المسعودي ... 194

ابن طباطبا ... 195

ابن كثير ... 195

عبد الله بن حنظلة ... 196

ص: 322

عتبة بن مسعود ... 196

عبدالله بن الزبير ... 196

المسعودي ... 197

محب الله بن عبد الشكور ... 197

الكيا الهرّاسي ... 198

رأى علماء السنة في لعن يزيد ... 199

الإمام أحمد بن حنبل يجيب ولده ... 200

ابن عقیل ... 104

البيت الشعري رقم (19) وشرحه ... 207

البيت الشعري رقم (20) وشرحه ... 211

البيت الشعري رقم (21) وشرحه ... 215

البيت الشعري رقم (22) وشرحه ... 221

البيت الشعري رقم (23) وشرحه ... 225

البيت الشعري رقم (24) وشرحه ... 227

البيت الشعري رقم (25) وشرحه ... 229

البيت الشعري رقم (26) وشرحه ... 233

البيت الشعري رقم (27) وشر حه ... 235

البيت الشعري رقم (28) وشرحه ... 237

البيت الشعري رقم (29) وشرحه ... 239

البيت الشعري رقم (30) وشرحه ... 241

البيت الشعري رقم (31) وشرحه ... 245

البيت الشعري رقم (32) وشرحه ... 249

ص: 323

البيت الشعري رقم (33) وشرحه ... 251

البيت الشعري رقم (34) وشرحه ... 253

البيت الشعري رقم (35) وشرحه ... 255

البيت الشعري رقم (36) وشرحه ... 257

البيت الشعري رقم (37) وشرحه ... 259

البيت الشعري رقم (38) وشرحه ... 261

البيت الشعري رقم (39) وشرحه ... 263

البيت الشعري رقم (40) وشرحه ... 265

البيت الشعري رقم (41) وشرحه ... 267

البيت الشعري رقم (42) وشرحه ... 269

البيت الشعري رقم (43) وشرحه ... 271

البيت الشعري رقم (44) وشرحه ... 273

البيت الشعري رقم (45) وشرحه ... 275

البيت الشعري رقم (46) وشرحه ... 277

البيت الشعري رقم (47) وشرحه ... 279

البيت الشعري رقم (48) وشرحه ... 281

البيت الشعري رقم (49) وشرحه ... 283

البيت الشعري رقم (50) وشرحه ... 285

البيت الشعري رقم (51) وشرحه ... 287

البيت الشعري رقم (52) وشرحه ... 289

الفهارس الفنیه ... 291

ص: 324

منشوراتنا

تشرفت مكتبتنا - مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة

بتحقيق أو مراجعة الكتب الآتية، ونشرها:

(1). العبّاس علیه السلام

تأليف: السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم (ت 1391 ه).

تحقيق الشيخ محمد الحسون.

(2). المجالس الحسينية.

تأليف: الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (ت 1373 ه).

تحقيق الأستاذ أحمد علي مجيد الحلي.

راجعه ووضع فهارسه وحدة تحقيق المخطوطات.

(3) سند الخصام في ما انتخب من مسند الإمام أحمد بن حنبل.

تأليف: الحجّة الشيخ شير محمد بن صفر علي الهمداني (ت 1390 ه).

تحقيق: وحدة تحقيق المخطوطات / الأستاذ أحمد علي مجيد الحلّي.

(4) معارج الأفهام إلى علم الكلام.

تأليف: الشيخ جمال الدين أحمد بن علي الجبعيّ الكفعميّ(ق 9).

تحقیق: عبد الحليم عوض الحلّي.

مراجعة وتصحيح: وحدة تحقيق المخطوطات.

ص: 325

(5). مكارم أخلاق النبيّ والأئمّة.

تأليف: الشيخ الإمام قطب الدين الراوندي (ت 573 ه).

تحقيق: السيد حسين الموسوي البروجردي.

مراجعة وتصحيح: وحدة تحقيق المخطوطات.

(6). منار الهدى في إثبات النص على الأئمة الاثني عشر النجبا.

تأليف: الشيخ علي بن عبد الله البحراني (ت 1319 ه).

تحقيق: عبد الحليم عوض الحلي.

مراجعة :وحدة تحقيق المخطوطات.

(7). الأربعون حديثاً.

اختیار: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان.

تحقيق: وحدة تحقيق المخطوطات.

(8). فهرس مخطوطات العتبة العباسية المقدسة.

إعداد وفهرسة: السيد حسن الموسوي البروجردي.

الصولة العلوية على القصيدة البغدادية.

تأليف: محمد صادق آل بحر العلوم (ت 1399 ه).

تحقيق: وحدة تحقيق المخطوطات.

(10). ديوان السيد سليمان بن داود الحلي.

دراسة وتحقيق د. مضر سليمان الحسيني الحلي.

مراجعة: وحدة تحقيق المخطوطات.

(11). كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصارعجل الله فرجه الشریف.

تأليف: العلامة الميرزا المحدث حسين النوري الطبرسي (ت 1320 ه).

تحقيق الأستاذ أحمد علي مجيد الحلي.

راجعه ووضع فهارسه: وحدة تحقيق المخطوطات.

ص: 326

(12). نهج البلاغة (المختار من كلام أمير المؤمنين علیه السلام).

جمع: الشريف الرضي (ت 406ه)

مراجعة: وحدة تحقيق المخطوطات.

(13). مجالي اللطف بأرض الطف.

نظم: الشيخ محمد بن طاهر السماوي (ت 1371 ه).

شرح: علاء عبد النبي الزبيدي.

راجعه وضبطه ووضع فهارسه: وحدة تحقيق المخطوطات.

(14). رسالة في آداب المجاورة (مجاورة مشاهد الأئمة عليهم السلام).

من أمالي: العلامة الشيخ حسين النوري (ت 1320ه).

حررها ونقلها إلى العربية: الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (ت 1373ه).

تحقيق: محمد محمد حسن الوكيل.

مراجعة: وحدة تحقيق المخطوطات.

(15). شرح قصيدة الشاعر (محمد المجذوب) على قبر معاوية.

الناظم الشاعر الأستاذ محمد المجذوب.

شرح الشيخ حمزة السلامي (أبو العرب).

راجعه وضبطه وحدة التأليف والدراسات.

(16). دليل الأطاريح والرسائل الجامعية.

إعداد: وحدة المكتبة الإلكترونية في المكتبة.

كتب قيد الطباعة

(17). كتاب العباس عليه السلام

تأليف: العلّامة المحقق السيّد محمّد رضا الجلالي الحائري (معاصر).

إصدار : وحدة التأليف والدراسات.

ص: 327

(18). الدرر البهية في تراجم علماء الإمامية.

تأليف: العلامة محمّد صادق آل بحر العلوم (ت 1399 ه).

تحقيق: وحدة تحقيق المخطوطات.

كتب قيد الانجاز

(19). وفيات الأعلام.

تأليف: العلامة محمد صادق بحر العلوم (ت 1399 ه).

تحقيق وحدة تحقيق المخطوطات.

(20). رسالة في مشاهير علماء الهند.

تأليف: العلّامة السيد علي نقي النقوي (1409ه).

تحقيق: عدي الأسدي.

مراجعة وحدة تحقيق المخطوطات.

(21). صدى الفؤاد إلى حمى الكاظم والجواد علیهما السلام (أرجوزة في تاريخ مشهد الكاظمين).

نظم: الشيخ محمد بن طاهر السماوي (ت 1373ه).

شرحه وضبطه ووضع فهارسه: وحدة تحقيق المخطوطات.

(22). وشائح السراء في شأن سامراء (أرجوزة في تاريخ سامراء).

نظم: الشيخ محمّد بن طاهر السماوي (ت1373ه).

شرحه وضبطه ووضع فهارسه: وحدة تحقيق المخطوطات.

ص: 328

ص: 329

Abstract

This book is an explanation to the poem (On Muawiyah's Grave) poetized by Syrian poetDr. Mohammad Al-Majdhoob d. 1999. He wrote that poem on the grave of Muawiyah ibn Abi Sufyān in al- Sham after visiting his grave and contemplating his sequel. In this

poem there is a realization of truth that is lost and neglected, and it shows the reader what a bright history that the prophet's progeny posses (peace be upon them). Also it shows the deviation and perversity of their enemies. In this poem is a proclamation of sequel to both parties as well. It is incarnated in their marks, this is Ali (paece be upon him) and his marks in the world, they tell his greatness and point to hisimmortality. But his enemies had no marks left that show righteousness.

What distinguishes this poem that is poetized with free will without dreading or longing.So it is a historical document enlightens he who seeks for truth.

The poem explained by late Hamza Khudhayir Al-Salami, shake and orator is known by Abi al-Arab d. 2010. He gathered both academic and religious studies. He was fond in Arabic language and become proficient and figure in it. Adds to that he was poetized poems about prophet's progeny(peace be upon them).

The sheik Abu al-Arab was fond of this poem for its fluency and meanings clearance, hewas touring in language words then he joined between them and wonderful metaphors that the poet used in order to reach to the bright meanings. He enriched the poem wit

historical events, and simplified it to serve the reader. May Allah gratify thepoet,explicator, and all those who strive for elevation of truth..

ص: 330

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.