المکونات الإعلامية و أثرها في أبعاد الخطاب دراسة لسانية في عهد الإمام علي علیه السلام لمالك الأشتر رضي الله عنه

هوية الکتاب

المكونات الإعلامية وأثرها في أبعاد الخطاب دراسة لسانية في عهد الإمام علي علیه السلام لمالك الأشتر رضي الله عنه

تأليف الدكتور حامد بد عبد الحسين، مدرس مساعد حسن حمید حنون، تقديم السيد نبيل الحسني الكربلائي.

کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

ص: 1

اشارة

الت ISBN 978-9933-582-15-9 رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 9789933II582159lly و 1730 لسنة 2017 م مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.

رقم تصنيف BP38.08.L3 A2 2017 :LC .

المؤلف الشخصي: عبد الحسين، حامد بدر. العنوان: المكونات الإعلامية وأثرها في أبعاد الخطاب: دراسة لسانية في عهد الإمام على (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه). بیان المسؤولية: تأليف الدكتور حامد بد عبد الحسين، مدرس مساعد حسن حمید حنون، تقديم السيد نبيل الحسني الكربلائي. بيانات الطبعة: الطبعة الأولى. بيانات النشر:

کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1438 ه = 2017 م.

الوصف المادي: 81 صفحة. سلسلة النشر: دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) - وحدة علوم اللغة العربية؛ 7 - مؤسسة علوم نهج البلاغة. تبصرة عامة: تبصرة بيلوغرافية: يتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 77-80). تبصرة محتويات: موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 359 - 406 هجرياً - نهج البلاغة، عهد مالك الأشتر. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجريا - أحاديث. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریا - رسائل. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - نهج البلاغة - عهد مالك الأشتر - دراسة لسانية. مصطلح موضوعي: اللغة العربية - بلاغة. مصطلح موضوعي: تحليل الخطاب. مصطلح موضوعي: علم الدلالة. مؤلف إضافي: حنون، حسن رحیم، مؤلف. مؤلف إضافي: الحسني، نبیل قدوري حسن، 1965 م، مقدم. مؤلف إضافي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر. عنوان إضافي: نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) (7) وحدة علوم اللغة العربية المكونات الإعلامية وأثرها في أبعاد الخطاب دراسة لسانية في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) تأليف د. حامد بدر عبد الحسين م. م. حسن رحیم حنون

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1438 ه - 2017 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع الألكتروني: www.inahj.org الإيميل: Info@ Inahj.org

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (عليهم السلام أجمعين).

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لَحديث الثقلين «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحية النصوص

ص: 5

الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) لمالك الأشتر (عليه الرحمة والرضوان) إلا أنموذجاً واحداً من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية والتي اكتنزت في متونها الكثير من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.

من هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره، متّخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية والموسومة ب (سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك

ص: 6

الأشتر (رحمه الله)، التي ستصدر بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية والتي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

والبحث الموسوم ب (المكونات الإعلامية وأثرها في أبعاد الخطاب دراسة لسانية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) تطرق فيه الباحثان إلى الجوانب الإعلامية التي تضمنها العهد الشريف التركيبية منها والصورية، التي تمثلت في الطابع الفني الذي امتاز بها هذا العهد.

فجزى الله الباحثين خير الجزاء فقد بذلا جهدهما وعلى الله أجرهها، والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 7

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

تعني الإعلامية: مدى التوقعِ الذي تحظى به أحداث الخطاب في مقابل عدم التوقع، أو المعلوم في مقابل المجهول، ومن المظاهر التي تسهم في ارتفاع مستوى الكفاءة الإعلامية في الخطاب لدى العلماء العرب القدامى هو اتساع المعنى، إذ يعرفه (ابن رشيق، ت 463 ه)، بقوله: ((أن يقول الشاعر بيتا يتسع فيه التأويل فيأتي كلّ واحد بمعنى؛ وإنّما يقع ذلك لاحتمال اللفظ وقوته واتساع المعنى))(1)، وسبب ارتفاع مستوى الكفاءة الإعلامية لهذه

ص: 8


1- العمدة في محاسن الشعر: 93/2

النصّوص التي يتسع فيها المعنى هو كثرة الاحتمالات للمعنى واللفظ.

وللإعلامية مظهر آخر ذكره (الجرجاني، ت 471 ه) في فصل (معنى المعنی)، إذ يقول: ((وإذ قد عرفت هذه الجملة، فهاهنا عبارة مختصرة وهي أن تقول: (المعنى)، و (معنی المعنی) تعني بالمعنی المفهوم من ظاهرة اللفظ والذي تصل إليه بغير واسطة و (بمعنى المعنی)، أن تعقل من اللفظ معنی، ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنی آخر))(1)، ويفهم من هذا القول إن للنصّ بنية ظاهرة والبحث فيه يخلق معنی آخر جديد بالاعتماد على قرائن وأساليب، ولذلك یری:عز الدين إسماعيل ((إنَّ معنى المعنى هو تعقد شبكة من العلاقات المتبادلة بين عدد من العناصر اللغويّة وغير اللغويّة، وإن تحقّقه - من ثمّ - فضلاً عن إدراكه يقتضي تآزر

ص: 9


1- دلائل الإعجاز: 263

الأدوار التي تؤديها هذه العناصر من أجل أن تلتقي جميعا في ذلك الموقع المركزي منها))(1).

ويعدّ معيار الإعلامية مهمّا جدًا في تحفيز التواصل بين النصّ والمتلقي، وجعله أكثر تشويقاً، ومن المحتمل أن يؤدي ضعف الإعلامية بوجه خاص إلى الارتباك وإلى الملل، بل إلى رفض النصّ في بعض الأحيان(2)، لذا يعدّ مدى التوقع الذي تحظى به وقائع النصّ المعروض في مقابل عدم التوقع، أو المعلوم مقابل المجهول وسائل تبعد الملل عن القارئ وخاصة عندما يتلقى مستعملو النصّ نصًّا یرونه خارج المتوقع والمحتمل و خارج الاعتياد اللّغويّ عندهم، فكلما زاد عدد البدائل الممكنة في نصّ ما ارتفعت القيمة الإعلامية لاستعمال أيّ

ص: 10


1- قراءة في (معنى المعنى) عند عبد القاهر الجرجاني: 40
2- ينظر: مدخل إلى علم لغة النصّ، إلهام أبو غزالة: 33

منها(1)، لذا تعمل على الارتقاء بالنصّ إلى المستوى الذي تتفاعل فيه اللغة والعقل والمجتمع بصورة فعالة ومعبرة(2)، وقسم البحث على:

المبحث الأول: المكونات التركيبية (الأفعال الاعلانية، الأبنية السطحية للتراكيب، الأبنية العميقة للتراكيب، أبنية المطابقة).

المبحث الثاني: المكونات التصويرية (الكناية المجاز، الاستعارة، البديع)

الخاتمة، قائمة المصادر.

ص: 11


1- ينظر: مدخل إلى علم لغة النصّ، د. الهام أبو غزالة: 185
2- ينظر: النصّ والخطاب والأجراء: 8

ص: 12

المبحث الأول المكونات التركيبية

ص: 13

ص: 14

تحتوي الإعلامية على مجموعة من الظواهر التركيبية التي تكشف عن المعاني المبتغاة من النص، لذلك تشكل هذه المكونات أحد الجوانب الأساسية لكفاءة النص اللغوي وتعبيراته عن مقاصد الخطاب.

اولاً: الأفعال الإعلانية.

تعد هذه الأفعال احدی تقسیمات (أوستن) لأفعال الكلام، فيطابق محتواها القوي للعالم الخارجي، فإذا أديت أنا فعل تعيينك رئيس!ا للوفد أداءً ناجحًا فأنت رئيس الوفد، وإذا أديتُ فعل إعلان الحرب أداءً ناجحًا، فالحرب معلنة، فهي

ص: 15

تحدث تغيرًا في الوضع القائم(1).

نجد هذه الأفعال الإعلانية التداولية في قول أمير المؤمنين (عليه السلام):

«هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنین، مالك بن الحارث الاشتر في عهده إليه، حين ولاه مصر: جباية خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها».

إن المتكلم الذي ينتج الخطاب ينجز نشاطًا خاصًا، أي ممارسة لغوية أو قصدًا أو هدفًا اجتماعيًا، فقد ينتج المتكلم خطابًا ليبلغ السامع معلومات معينة، وليحفز السامع على عمل فعل، أو ليشجعه على انجاز نشاط، أو ليقنع السامع، أو ليضع لديه أحاسيس جمالية معينة(2)، ففي هذا الكلام المبارك

ص: 16


1- ينظر: افاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، محمود احمد نخلة، 80
2- ينظر: علم لغة النص: 48

من الإمام (عليه السلام) إلى مالك الاشتر (رضوان الله عليه) يتضمن الكثير من المؤثرات الإعلامية التي تشد ذهن المتلقي للخطاب، فالفعل (أمر) مركز الخطاب الذي استندت عليه الأوامر الأخرى فهو يكشف عن الأمور الأتية:

الصحابي الجليل مالك الأشتر (رضوان الله عليه) مؤهل لقيادة مصر فالإمام (عليه السلام) لديه معرفة سابقة بقدراته الإدارية والعسكرية، وواثق من عدالته لأهل مصر فهو من أبرز أصحاب الإمام (عليه السلام)، وهذه الأوامر وهذا العهد أصبح مالك الأشتر (رضوان الله عليه) مکلف شرعيا من خليفة المسلمين ليكون واليًا على مصر.

وهذا الخطاب أمر من الخليفة ووصي الرسول (صلى الله عليه وآله) لكافة المسلمين أن يلتزموا بهذه الأوامر؛ لأن كلام الإمام المعصوم من بعد كلام الله والرسول وبذلك لا يختلف عنهما (القرآن الكريم

ص: 17

والحديث الشريف) بالاطار العام لكن بالمضامين اکثر توسعا.

ثانيًا: التراكيب السطحية.

يتكون النص من تراکیب سطحية وأخرى عميقة، فالسطحية تتضمن مجموعة من الوسائل الظاهرة للمتلقي كالتكرار والحذف والتضاد والترادف والاشتراك والربط، فالتراكيب السطحية ذو طبيعة أفقية شكلية، يُعني بالتتابع والترابط الجُملي للنصّ، والإجراءات المستعملة في توافر الترابط بين عناصره الظاهرة، فهي تؤدِّي إلى الربط بين البنى النصّية(1).

1- التكرار

يعد التكرار من التشكيلات الإعلامية المؤثرة في المتلقي، فقد عرفه (السلجاسي، ت 704 ه) ((إعادة

ص: 18


1- ينظر: في البلاغة العربية والأسلوبيات اللسانية: 229

اللفظ بالعدد، وعلى الإطلاق المتّحد المعنى كذلك مرتين فصاعدًا، خشية تناسي الأوّل، لطول العهد به في القول))(1).

وللمحدثين تعريفات للتكرار يمكن أن نلاحظ في ضوئها البعد الإعلامي منهم تمام حسان: ((و للتكرار أكثر من صورة فقد يكون تکرارة للفظ، وقد يكون تكراراً للمعنی، کما قد يكون التكرار لمطلع الجملة لأداء غرض أسلوبي ما والتكرار إنّما يكون للتذكير أو للتعرف الذي كان غرض الأدوات))(2)، بينما وصفه الأزهر الزناد بالإحالة ((وتشمل الإحالة بالعودة على نوع آخر من الإحالة، يتمثّل في تكرار لفظ، أو عدد من الألفاظ في بداية كلّ جملة من جُمل النصّ، قصد التأكيد،

ص: 19


1- المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع: 477 - 478
2- مقالات في اللغة والأدب: 189/1

وهو إحالة تكراريّة))(1)، وللتكرار أنواع كثيرة عند المحدثين وسنكتفي بذكر نوعين:

التكرار المحض أو التام: ويقصد به تکرار الكلمة نفسها(2) ونجد هذا النوع في اقوال الإمام علي (عليه السلام):

«وأمره أن یکسر نفسه من الشهوات، ويزعها عند الجمحات، فإن النفس أمارة بالسوء، إلا ما رحم الله».

قال الإمام (عليه السلام) في موضع آخر:

«وشُح بنفسك عما لا يحل لك، فإن الشّح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت».

ثم قال (عليه السلام):

ص: 20


1- نسيج النصّ: 119
2- ينظر الترابط النصيّ في ضوء التحليل اللساني للخاطب: 66

«لا تنصبن نفسك لحرب الله فإنه لا يد لك بنقمته ولا غنىً بك من عفوه ورحمته».

إبانة هذه الأقوال المباركة عن تكرار اللفظ العام (النفس) بسياقات متنوعة ففي القول الأول إبانة عن أمر الإمام (عليه السلام) لمالك بأن يكفي نفسه عن الشهوات عند منازعة النفس له، والثاني (وشح بنفسك عما لا يحل لك): الشُّح: البخل، و المراد: لا تسمح لها بالاسترسال في المحرمات، فإن الشح بالنفس الإنصاف: العدل، منها فيما أحبّت: من الرذائل، أو كرهت: من الفضائل، و المراد: أخذها على طريق الاستقامة والسداد، والثالث (لا تنصبن نفسك لحرب الله) في مقام الظلم للعباد والمعنى لا تنصبن نفسك بالحرب لعباده، و إدخال الأذى عليهم، فإنه لا يدَلك: لا طاقة لك بدفعها.

نلاحظ قد عبرت النفس عن معاني متنوعة

ص: 21

بداخلها مع السياقات، فهذه المركبات تعد ذا اعلامية عالية التأثير في المتلقي فيقف في كل مرة أمام تعبير جديد.

التكرار المترادف: فهو تكرار المحتوى بوساطة تعبيرات مختلفة، ويعمد إليه المتكلم لخلق حركة بين عناصر الخطاب فلا تتكرر الأسماء بذات الصيغ ولكن بصيغ مماثلة نحویًا و مغايرة شكلاً، ویسمی أيضًا بالتكرار غير الصریح، أو التكرار بالمعنی، فهو دلالة عدة كلمات مختلفة، ومنفردة على المسمی الواحد، أو المعنى الواحد دلالة واحدة(1).

قال الإمام علي (عليه السلام):

«وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعًا ضاريًا تغتنم أكلهم، فأنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير

ص: 22


1- ينظر: المزهر: 402/1

لك في الخلق».

يتضمن هذا القول المبارك معاني سامية ذات البعد الإنساني الذي لايفرق بين الدين او العرق او اللون، فالإنسانية هي الرابط المشترك بين الناس، ف(الشعار): الثوب الذي يلي البدن، و المراد: عاملهم بمنتهى الرحمّة والمودّة، و اللطف بهم: إرأف بهم، و لا تكونن عليهم سبعا ضاريا: المولع بأكل اللحم و المراد: لا تشتد و تتنمّر عليهم، فالثراء اللغوي الذي تضمنه قول الإمام (عليه السلام) يدل على عنايته بالمتلقي لذا نجد كل الالفاظ المتنوعة اشتركت بدلالة واحدة وهي الرحمة والرفق وعدم ظلم العباد.

التضام:

((الارتباط المعتاد لكلمة في اللغة بكلمات

ص: 23

أخرى معينة في الجمل))(1)، وهذا الارتباط يعتاد مستعمل اللّغة وقوعه في استعماله اليومي المستمر للغة، إذ يمكنه أن يتوقع ورود كلمة معينة في النصّ عبر ذكر كلمة أخرى فيه(2)، وعرفه (أولمان) بأنه: ((الارتباط الاعتيادي لكلمة ما في لغة بكلمات أخرى معينة وهذه العلاقة الرابطة بين زوج من الألفاظ متعدّدة جدًّا))(3)، وعرفه (محمد خطابي) بأنه ((توارد زوج من الكلمات بالفعل أو بالقوة نظرا لارتباطها بهذه العلاقة أو تلك))(4)، إذ هناك ((أزواج من الكلمات متصاحبة دوماً، بمعنى إذا ذكر أحدها يستدعي ذكر الآخر ومن ثم يظهران دوماً معا))(5)، ونكتفي ببعض علاقات التضام.

ص: 24


1- المعنى وضلال المعنى: 122
2- ينظر: نظريّة علم النصّ: 111
3- البديع بين البلاغة العربية: 107
4- نحو النص اتجاه جديد في الدرس النحوي: 113
5- البديع بين البلاغة العربية واللسانيات النصيّة: 107

التضادّ بأنواعه المختلفة: يعني الجمع بين كلمتين متضادّين تماما(1)، ومن ذلك قوله (عليه السلام:

«وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله و تعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإنّ الله سميع دعوة المضطهدين و هو للظّالمين بالمرصاد».

نجد التضاد بين لفظتا (المضطهدين و الظالمين)، فإن النعمة ستسلب وسيسرع العقاب، وذِكرُ أحد المتضادين يدعونا إلى أن نستدعي ذِكر الآخر، فالضدّ أكثر حضورًا في البال عند ذكر ضدّه، فالتضاد الموجودُ يوسع للمتلقي زاوية النظر بين المُتضادات فالجمع بين وحدتين متقابلتين يمتاز بالتعبيرية والقدرة على الإيحاء وإثارة الانفعال وتمثيل التباين السطحي والعميق في الصورة والحدث، فإنّ استحضار المسمی و مقابله من أهم الوسائل اللغوية الأسلوبية لنقل الإحساس بالمعنىً والفكرة،

ص: 25


1- ينظر: إشكالات النص: 366

والموقف نقلاً صادقًا(1).

علاقة الأجزاء بعضها مع بعض الآخر: ومن ذلك قوله (عليه السلام):

«وأن ينصر الله سبحانه بيده وقلبه ولسانه؛ فإنه جلّ اسمه قد تكفّل بنصر من نصره، وإعزاز من أعزه».

ان التناسق بين هذه الألفاظ يشكل روعة جمالية تؤثر في المتلقي، فضلا عن سهولة فهم المتلقي لهذا القول ولم يحتجّ النصّ إلى سياقات أُخرى لفهمه وإدراك مغزاه لوضوح دلالة الألفاظ وعلاقتها المباشرة بالإنسان؛ لأنها جزءًا منه.

الربط:

يقوم ((بإنشاء علاقة نحوية سياقية بين معنيين باستعمال واسطة تتمثل في أداة رابطة تدل على تلك

ص: 26


1- ينظر: إبداع الدلالة: 71

العلاقة أو ضمير بارزٍ عائد، وتلجأ العربية إلى الربط إما لأمن اللبس في فهم الانفصال بين المعنيين، وإما لأمن اللبس في فهم الارتباط بين المعنيين، فالربط هو الحلقة الوسطى بين الارتباط والانفصال))(1)، وللربط أنواع كثيرة نذكر منها:

الربط الإضافي: إضافة معنى التالي إلى السابق، وقد أطلق عليه الدكتور (تمام حسان) (الربط الجمعي)(2)، فالربط بهذا المفهوم تطرق إليه (الجرجاني) في أثناء حديثه عن العطف، قائلًا: ((ولا يكون العطف في الكلام حتی یکون المعطوف والمعطوف عليه مجموعاً برابط يجعل من ضمهما أمراً مُمکِناً))(3)، وتمثله الأدوات (الواو، أو) والتعبيرات (بالمثل، وأعني، وكذلك، وفضلاً عن

ص: 27


1- نظام الارتباط والربط في تركيب الجملة العربية: 1
2- ينظر: النص والخطاب والإجراء: 346
3- دلائل الأعجاز: 225

ذلك وبالإضافة إلى ذلك ومثلاً ونحو)(1) ف (الواو) تفيد معنى التشريك، و (أو) تعطي معنى البديل(2).

قال الإمام علي (عليه السلام):

«أنصف الله و أنصف النّاس من نفسك، و من خاصّة أهلك، ومن لك فيه هوی من رعیّتك، فإنك إلا تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته، وكان الله حربًا حتى ينزع أو يتوب».

يتضح الاتصال بين هذه الجمل بسبب وجود (الواو) التي تربط بينهما، فالعطف خلق توافقًا دلاليًا في المعنى، ثم أن الربط له دور رئيس في إفهام متلقيه عبر تشابك التسلسل الكلامي واللغوي، فيربط بين معاني الكلمات المتجاورة وكذلك الجمل

ص: 28


1- ينظر: لسانیات النصّ مدخل إلى انسجام الخطاب: 23
2- ينظر: علم لغة النص، عزة شبل: 111

المتجاورة ويكون حسنًا ذلك الربط إذا كانت الكلمات متتاليات معطوفات متلاحمات تلاهمًا سليمًا، فالربط يحدد الأجزاء المراد تحليلها، من أجل أعادته بناء مكونات الخطاب(1).

الربط الاستدراكي: يعني تعقيب الكلام بنفي ما توهم منه ثبوته، أو إثبات ما يتوهم منه نفيه(2) و يستعمل اللسانيون النصيون مصطلح وصل النقيض حيث تكون العلاقة بين الأشياء متنافرة أو متعارضة في عالم النصّ، ويتمثل بالأداة (لكن، بل)، فالمعنى الأساسي لعلاقة الاستدراك هو عکس التوقع(3).

قال الإمام علي (عليه السلام):

«إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنّه ليس

ص: 29


1- ينظر: الأبداع الموازي (التحليل النصيّ للشعر): 15
2- ينظر: حاشية الصبان: 1/ 423
3- ينظر: علم لغة النصّ، عزة شبل: 111-112

شيء أدني لنقمة، ولا أعظم لتبعيةٍ، ولا أحرى بزوال نعمةٍ، وانقطاع مدةٍ ... والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العبادِ، فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامةِ، فلا تُقوِّینَّ سلطانك بسفك دمٍ حرامٍ، فإنّ ذلك مما يضعفهُ ويوهنهُ، بل يزيلهُ وينقلهُ. ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لأنّ فيهِ قودَ البدنِ».

نجد في هذه الوصايا توافر أداة الربط بين الجملتين وهي (لكن) التي أدت إلى الربط عن طريق ربط الجملتين ومخالفة معنى الجملة الثانية من الجملة الأولى كما في مخالفة (مما يضعفه ويوهنه) والمراد به اضعاف سلطانك في حال مخالفة هذه الوصايا، ثم جاء الاستدراك ب (بل يزيله وينقله)، فکشف الخطاب عن مكون إعلامي ذي دلالة وهو التوكيد على إزالة الحكم إذا سفكت دماء الناس، فبهذه الأدوات يترابط الخطاب بين الجمل ويرتبط ترتيبها بطبيعة النصّ من حيث شكله وموضوعه،

ص: 30

فالعطف يجمع عددا من الجمل على مستوى في نسق متزامن.

ثالثا: التراكيب العميقة

تراكيب الإجمال والتفصيل:

هذه العلاقة شديدة الصلة بالبنية العميقة؛ لأن التفصيل يحمل المرجعية الخلفية لما سبق إجماله(1)، نحو قوله (عليه السلام):

«ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، واجتمعت بها الألفة، وصلحت عليها الرعية ولا تحدثن سنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن، فيكون الأجر لمن سنها والوزر با نقضت منها».

ابتدأ قول الإمام (عليه السلام) بقول مجمل (ولا تنقض سنة صالحة)، ثم فصل القول بالسُنّة الصالحة (عمل بها صدور هذه الأمة، واجتمعت عليها

ص: 31


1- ينظر: بلاغة النصّ مدخل نظري و دراسة تطبيقية: 17

الألفة، وصلحت عليها الرعية)، فعلاقة الإجمال والتفصيل عملت على توضيح ماغمض من معانيه وتتأكد وظيفتها من تلاحم العناصر المتباعدة للنص وضمان ارتباطها ببعضها عن طريق استمرار دلالةٍ معينةٍ في الأجزاء اللاحقة منه وهذا كله مكون إعلامي مؤثر في توضيح الخطاب المتلقيه(1).

تراكيب العموم والخصوص:

في بعض النصوص ترد ألفاظ وقضايا عامة تنمو بتتابع النصّ وتتلاحم فيما بينها مما يعطي النصّ حيوية تجعله في حالة تفاعل وتأثير، فالخطاب قام بين لفظ عام وأخر خاص أو محدد وهذا يخلق نصًا دلاليًا(2)، مع الكشف عن المضمون الرابط بين العلاقة، والثعالبي أطلق على هذا النوع (الكليات)

ص: 32


1- ينظر: لسانیات النصّ النظرية والتطبيق: 144 - 145
2- ينظر: النص والخطاب والأجراء: 195 - 314

ومثل له بلفظ (کل) وما تضاف إليه(1).

قال الإمام علي (عليه السلام):

«ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم، من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسی والزمني، فإن في هذه الطبقة قانعًا ومعترًا، واحفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم، واجعل لهم قسمًا من بيت مالك، وقسمًا من غلاتِ صوافي الإسلام في كل بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، و كل قد استرعت حقه؛ فلا يشغلنك عنهم بطرٌ».

وردت في هذه العهد المبارك ألفاظ تدل على العموم ک(من): فهي مبهمة وعبارة عن ذات من يعقل، وتحتمل الخصوص والعموم، فتضمن هذا اللفظ العام (المساكين والمحتاجين وأهل البؤسی والزمنی).

ص: 33


1- ينظر: علم الدلاة التطبيقي في التراث العربي: 622

التراكيب الترتيبية:

انتظام الجمل في النصّ دليل على تماسك الخطاب الذي خلقه النص، ثم الروابط المكونة لذلك النص تنسج الخيوط التي يتوصل بها الفكر لتنظيم عناصر عالم الخطاب(1)، فالأدلة اللغوية في النصّ تؤدي إلى التعبير عن المفاهيم مثل الأشياء أو الأحداث وهذا يخلق ترابطًا بين العبارات المتتالية(2).

قال الإمام علي (عليه السلام):

«واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعضٍ، ولاغنى ببعضها عن بعض: فمنها جنود الله ومنها كُتابُ العامةِ والخاصةِ ومنها قضاة العدل، ومنها عُمالُ الإنصاف والرفقِ، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمةش ومسلمةِ الناس، ومنها التجارة وأهل الصناعات ومنها الطبقة السفلى من -+

ص: 34


1- ينظر: نسيج النصّ: 67
2- ينظر: اللسانيات، جان بیرو: 117

ذوي الحاجة والمسكنة، وكل قد سمى الله له سمه».

جاء الترتيب في هذا القول المبارك وفقاً لرؤية صائبة من بيت الوحي والرسالة ومن ولي الله سبحانه ووصي الرسول الأعظم (صلى الله علیه و آله وسلم) وخليفة المسلمين، إذاً هذه الرؤية شاملة لأصناف الدولة وطبقات المجتمع ففي كل طبقة يضع الإمام (عليه السلام) شروطًا لها ويبين ما تحتاجه من مقومات النهوض بها.

فالإعلامية كشفت لقارئ هذا الخطاب الترتيب والتصنيف الناتج عن حكمة وادراك واسع لإدارة الدولة والتشخيص الصحيح لمعالجة كل ضعف في طبقات المجتمع فإنّه خطابٌ شاملٌ يراعي فيه الإمام (عليه السلام) أصناف المتلقين.

التراكيب الاستقصائية (الإضافة):

تخلق هذه التراكيب إعلامية مبتغاها الوصول

ص: 35

إلى المعنى المنشود من الخطاب مثلاً: أن المادح لا يدع شيئاً إلا وقد ذكره مبالغة أو احتراسًا من التقصير(1)، فتؤدي هذه العلاقة إلى حصول معنی جديد في كل جملة حيث يمثل فصلًا تكوِّنه جملة مشاهد تتكامل لتعطي نسقًا للخطاب(2)، وتتضمن بنیات متوازية سواء لمشارك واحد أم لأكثر من مشارك و - المشارك - هو فاعل الحدث في المتواليات الجملية في علاقة الإضافة(3).

قال الإمام علي (عليه السلام):

«فالجنودُ، بإذن الله، حُصونُ الرعية، وزينُ الولاۃِ، وعزُّ الدينِ، وسبل الأَمن، وليس تقوم الرعية إلا بهم، ثم لا قيام للجنود إلا بما يُخرِجُ الله لهم من الخراج الذي يَقوَونَ به على جهاد عدوهم، ويعتمدون عليه

ص: 36


1- ينظر: العمدة في محاسن الشعر و آدابه ونقده: 2/ 50
2- ينظر: لسانیات النصّ، د. أحمد مداس: 81
3- ينظر: البديع بين البلاغة العربية واللسانيات النصّية 144

فيما يصلحهم، ويكونُ من وراءٍ حاجتهم».

فالإمام (عليه السلام) يذكر الجنود ثم يستمر خطابه بذكر جمل المدح لهم فيجد المتلقي نفسه أمام تراکیب إعلامية عميقة المعنى في كل جملة حتى يصل الخطاب إلى المعنى الكلي هو (وليس تقوم الرعية إلا بهم) نستشف من هذا الخطاب إن الإمام (عليه السلام) يعد المؤسسة العسكرية إحدى أركان الدولة، إذ بها تحفظ الشعوب کرامتها واستقرارها .

رابعًا: أبنية المطابقة

للمطابقة تأثيرًا في تشكيل مكونات الإعلامية التي تتوزع بين أبنية الخطاب، وأجزائه المتصلة بروابط تساعد على خلق معانٍ جديدة في كل مراحل الخطاب، فالمطابقة، مجموعة من العناصر اللغوية التي تؤدي وظائف متاثلة أو متشابهة، أو تدل على معان نحوية، كالإعراب، والعدد من إفراد وتثنية

ص: 37

وجمع، وکالتنكير والتعريف، وکالجنس من تذكير وتأنيث، وكالشخص من تكلم وخطاب وغيبة.

المطابقة بضمير الشأن: ويؤتى لتعظيم الأمر وتفخيم الشأن ومن ذلك قوله (عليه السلام):

«وليس شيءٌ أدعى إلى تغييرِ نعمةِ اللهِ وتعجيلِ نقمتهِ من إقامةٍ على ظلمٍ، فإن الله سميع دعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد».

طابق ضمير الشأن (هو) لفظ الله (جل جلاله) في التذكير والإفراد.

المطابقة بين الضمير المتصل ومرجعه بالجمع:

كقوله (عليه السلام):

«فوِّ من جنودك أنصحهم في نفسك للهِ ولرسولهِ ولإمامكَ، وأنقاهم جيبًا، وأفضلهم حلمًا، ممن يبطئُ عن الغضبِ...».

ص: 38

فالضمائر في اللفاظ ( أنصحهم، أنقاهم، أفضلهم) تطابق المرجع (جنودك) في التذكير والجمع.

المطابقة بين الضمير المتصل ومرجعه بالإفراد: كقوله (عليه السلام):

«إياك ومساماة الله في عظمته، والتشبه به في جبروتِه، فإن الله يُذلُّ كلَّ جبارٍ، ويهينُ کُلَّ محتالٍ».

مطابقة بين الضمير في اللفظ (عظمته، به، جبروته) مع لفظ الجلالة (الله).

إذًا المطابقة بين الاسم المحال والمحال إليه، تخلق ترابطًا بين أجزاء الخطاب، فالشخص يميز بالضمائر بين التكلم والخطاب والغيبة والعدد ويميز بين الاسم والإسم وبين الإسم والصفة، وعلى هذا المعنى يشكل تأثيرًا على ابعاد الخطاب.

ص: 39

ص: 40

المبحث الثاني المكونات التصورية

ص: 41

ص: 42

أولاً: المجاز.

يشكل المجاز أهم مكونات الإعلامية؛ لأنّه يشمل على أساليب التعبير غير المباشر الذي يكون في معظم الأحيان أوقع في النفوس وأكثر تأثيرًا من التعبير المباشر، فينتج استعمال المجاز للمتکلم ابتکار معانٍ جديدةٍ وصورٍ بديعية، فهو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له في اصطلاح التخاطب لعلاقةٍ مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعي، والعلاقة، هي المناسبة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي(1) فهو ينتقل بذهن السامع إلى آفاق جديدة ذات أبعاد جديدة والتخطي معه إلى صور رائعة ومشاهد

ص: 43


1- ينظر: أسرار البلاغة: 249، جواهر البلاغة: 251

متناسقة لا تتأتي بالاستعمال الحقيقي ويحمل إعلامية تصّور حيوية النصّ في ضوء انفتاحه للمتلقي، مما يديم العملية الوظيفية التفاعلية بين المتلقي وبين النص، وخلق نوع من التقارب بينهما(1).

الاستعارة:

وهي ((استعمال لفظٍ ما في غير ما وُضع له في اصطلاحٍ به التخاطب، لعلاقة المشابه، مع قرينة صارفةٍ عن إرادة المعنى الموضوع له في اصطلاحٍ به التخاطب))(2)، ومن ذلك قوله (عليه السلام):

«ثمَّ الله الله في الطبقةِ السفلى من الذين لا حيلة لهم، من المساكين والمحتاجين وأهل البُؤسی والزمني، فإن في هذه الطبقة قانعًا ومعترًا، واحفظ ماستحفظك من حقه فيهم، واجعل لهم قسمًا من

ص: 44


1- أصول البيان العربي: 38، اللسانيات في الثقافة العربية المعاصرة: 103
2- البلاغة العربية أساسها وعلومها وفنونها: 229

بيتِ مالك، وقسمًا من علات صوافي الإسلام في كل بلد».

البؤسی: بضم أوله - شدة الفقر.

الزمني: بفتح أوله - جمع زمين وهو المصاب بالزمانة - بفتح الزاي - أي العاهة ويريد أرباب العاهات المانعة لهم عن الأسباب.

القانع: السائل.

المعتر: بتشديد الراء - المتعرض للعطاء بلا سؤال

غلات: ثمرات.

صوافي الإسلام - جمع صافية - وهي أرض الغنيمة

استعار الإمام (عليه السلام) هذه الكلمات و أراد بها معاني أخرى، إذ صرح بها بذات اللفظ المستعار،

ص: 45

وفي الاستعارة المكنية، التي لم يصرح المتكلم باللفظ المستعار، وإنما ذُکِرَ فيها شيئًا من صفاته أو لوازمه القريبة أو البعيدة(1)، كقول الإمام (عليه السلام):

«أوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرمًا بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشُّفِ الأمور، وأصرَمَهم عن اتضاح الحكم».

استعار الإمام (عليه السلام) كلمة (الشبهات) واراد بها: مالا يتضح الحكم فيه بالنص، وفيها ينبغي الوقوف على القضاء حتى یرد الحادثة على أصل الصحيح، وهذا فيه تعبير عن تشريع القوانين في المحاكم، واستعار كلمة (تبرمًا) والمعنى أن تكون أقلهم مللاً وضجرًا، واستعمل (أصرَمَهم) والمعنى أقطعهم للخصومة وأمضاهم، فأبانت الاستعارة عن أصدق تعبير تجعل القارئ يحس بالمعنى أكملَ إحساس وأوفاه، وتصور المنظر

ص: 46


1- المصدر نفسه: 243

للعين، وتنقل الصوت للأذن وتجعل الأمر المعنوي ملموسًا محسوسًا، هذا المعنى حقيقة الإعلامية في النصّ(1)، فالاستعارة مكون إعلامي مؤثر يرسم البعد الخطابي لقصد المتكلم، لما فيها من استثارة لإعجاب المتلقي، وتملك انتباهه تؤثر فيه، ولاسيما حينما تكون استعارة غريبة غير متداولة ولا يتنبهُ لاصطيادها إلا فطناء البلغاء، فنجد عهد الإمام (عليه السلام) لمالك (رضوان الله عليه) خطاب لكافة طبقات الناس ويفهمه كل المتلقين.

المجاز المرسل:

هو الذي تكون العلاقة فيه بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي الذي استعمل اللفظ للدلالة به عليه أمرًا غير المتشابه(2).

ص: 47


1- ينظر: البلاغة العربية في ضوء منهج متكامل: 109
2- ينظر البلاغة العربية أساسها وفنونها: 271

قال الإمام (عليه السلام):

«واعلم - مع ذلك - أن في كثير منهم ضيقًا فاحشًا وشُحًّا قبيحًا، واحتکارًا للمنافعِ وتحكمًا في المبيعات، وذلك باب مضرةٍ للعامة».

فالاحتكار للبضائع والمبيعات وحرمان الناس منها الا بمبالغ كبيرة، هذا سيولد مضار للدولة لعامة الناس، وهذا إطلاق المُسبب وإرادة السبب، وفائدة هذا المجاز الدلالة على المعنيين مع کمال الإيجاز.

ويتضمن كلام الإمام (عليه السلام) الكثيرَ من المجاز ومن ذلك:

«أنصف الله وانصف الناس ...، فإنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ومن خاصمه الله أدحض حجَّتةُ، وكان الله حربًا ينزع و يتوب».

ص: 48

(من ظلم عباد الله) مجاز مرسل، علاقته العموم، فإنّ المراد منه هو مالك (رضوان الله عليه).

ووجدنا الصيغة الخبرية المسوقة للدلالة بها على إنشاء الأمر أو النهي، ومن ذلك قوله (عليه السلام):

«ولا تدخلن في مشورتك بخيلًا يعدلُ بك عن الفضلِ، ويعدك الفقرَ، ولا جبانًا يضعفك عن الأمور، ولا حريصًا يزين لك الشرة بالجورِ، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتی يجمعها سوء الظن بالله».

فالصيغة موضوعة للنفي الخبري وقد استعملت في النهي عن هذه الأمور مجازًا، والعلاقة المسببية؛ لأنّ حصول النفي في الواقع مُسَبَّبٌ عن البخل والحرص وهما من سوء الظن، لأن إنشاء المتكلم للعبارة سبب لإخباره بما تتضمنه، فظاهره أمرٌ،

ص: 49

ومعناه خبرٌ.

ثانيًا: الكناية.

((ما يتكلم به الإنسان، ویرید به غيره، وهي: مصدر کنیت، أو كنوت بکذا، عن كذا، إذا تركت التصريح به، واصطلاحاً: لفظ أريد به غيرٌ معناهٌ الذي وضع له، مع جواز إرادة المعنى))(1).

قال الإمام (عليه السلام):

«ثُم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكهُ الخصومُ، ولا يتمادى في الزلة ولا يحصرُ من الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمعٍ، ولا يكتفي بأدنى فهمٍ دون أقصاه».

في هذا القول المبارك جاءت الكناية عن موصوف، إذ ذكر الإمام (عليه السلام) صفات

ص: 50


1- جواهر البلاغة: 286-287

رجل القضاء ومنها: لا يكون ماحقًا لجوجًا - أصر على رأيه - ولا يستمر ويسترسل بالزلة، ولا يعيا في المنطق، وعليه الرجوع إلى الحق، فالكناية احدثت ترابط بين الألفاظ والكلمات التي تدل على تصورات و تحكمها علاقات القرابة ثم تؤثر في مجالات الوعي البشري وتشكل إعلامية الخطاب في توسع الدائرة الوجدانية للمتلقي الذي يستطيع استشفافها عن طريق السياق الفني(1).

ثالثا: التعريض:

((أعراضٌ الكلام ومعارضهٌ ومعاريضهٌ، کلام غير ظاهر الدلالة على المراد))(2)، وفي التعريض مزيد من إخفاء يجعلهُ أكثر قبولًا حينما يكون التصريح مثيرًا لغضبٍ، أو نقد، أو اتهامٍ أو عدلٍ و تلویمٍ، أو يكشف أمرًا يجب ستره عن الرُّقباء،

ص: 51


1- ينظر: اتجاهات البحث اللساني: 36
2- البلاغة العربية: 152

فيقوم التعريض مقام الألغاز والرمز الخفي(1).

قال الإمام (عليه السلام):

«ثم انظر في أمور عُمالك فاستعملهم اختبارًا، ولا تولهم محاباة وأثرة فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة وتوخ منهم أهل التجربة والحياء، من أهل البيوتاتِ الصالحةِ، والقدم في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرمٌ أخلاقاً، وأصحَّ أعراضًا، وأَقلَّ في المطامع إشراقًا، وأبلغُ في عواقب الأمور نظرًا».

في هذا القول المبارك تعريض لاختيار الموظفين لتولي مناصب الدولة وقدد وضع الإمام (عليه السلام) معايير لاختيارهم، ثم أشار الإمام (عليه السلام) إلى الاختيار من أهل البيوت الصالحةِ والقدم في الإسلام، فهذه إشارة لكل القادة عليهم التحقق من اختيار الموظف لمنصب ما، فالنظر في

ص: 52


1- ينظر: المصدر نفسه: 154

دينه وأخلاقه وأصله مهم.

رابعًا: التشبيه.

((عقد مماثلة بين أمرين، أو: أكثر، قصد اشتراکهما في صفة: أو: أكثر، بأداة: لغرض يقصد المتكلم للعلم))(1)، و للتشبيه ((روعة وجمال، وموقع حسنٌ في البلاغة: وذلك لإخراجه الخفي إلى الجلي، وإدنائه البعيد من القريب، یزید المعاني رفعة ووضوحاً ويكسبُها جمالا وفضلا، ويكسوها شرفا ونُبلا، فهو فن واسع النطاق، فسيح الخطو، ممتدُ الحواشي مُتَشعب الأطراف مُتوعر المسلك، غامض المدرك، دقيق المجری غزير الجدَوى))(2).

قال الإمام علي (عليه السلام):

«وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم،

ص: 53


1- جواهر البلاغة: 219
2- المصدر نفسه: 219

واللطف بهم ، ولا تكونن عليهم سبعًا ضاريًا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخُّ لك في الدين، أو نظيرُّ لك في الخلقِ».

يحمل قول الإمام (عليه السلام) صورة بليغية تشبيهية متمثل بالسبع الضاري الذي يغتنم أكلهم، فشبه الإمام (عليه السلام) القائد الذي ينتهز الفرص للانقضاض على رعيته وسلب حقهم بأنّه سبعٌ ضاريٌ،

يعد التشبيه مكونًا إعلاميًا يبين عن بعدٍ خطابيِّ هو ((یزید المعنى وُضوحًا، ويُكسبه تأكیدًا، ولهذا أطبق المتكلمين من العرب والعجم عليه ولم يستغن أحدٌ عنه))(1)، فالصور التشبيهية ذات جمالٍ يُرضي أذواق المتلقين ويمتعهم، ويقدم لهم لوحاتٍ جمالية مختلفة، تؤثر في النفوس وتعبر عن مراد المتكلم(2).

ص: 54


1- الصناعتين:
2- ينظر البلاغة العربية: 167

قال الإمام (عليه السلام):

«ولا تدخلن في مشورتك بخيلًا يعدلُ بك عن الفضل، ويعدك الفقر، وجبانًا يضعفك عن الأمور، ولا حريصًا يُزين لك الشرة بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتی يجمعها سوء الظن بالله».

شبَّه الإمام (عليه السلام) المستشار البخيل بأنه يعدل القائد عن الإحسان بالبدل ويخوِّفك لو بذلت، وشبّه المستشار الجبان بأنّه يزين لك الحرص، ثم شبّه البخل والجبن والحرص طبائع متفرقة. فهذا التشبيه مؤكد مفصّل ذكر فيه وجه الشبه ولم تُذكر فيه أداة التشبيه، فالأنواع السابقة للتشبيه إبانة عن شحذ ذهن المتلقي وتحريكُ طاقاتهِ الفكرية، أو استرضاء ذكائه، لتوجيه عنايته، حتى يتأمل ويتفكّر ويصل إلى إدراك المراد عن طريق التفكير، وتقديم أفكار جديدة ودقيقة وهي مما يحتاج بیانُه

ص: 55

عن طريق التشبيه كلامًا كثيرًا بأخصر عبارة، وهنا يكمن جوهر الإعلامية الفعالة ذات الكفاءة الإنتاجية العالية المؤثرة في تشكيل أبعاد الخطاب(1).

خامساً: البديع.

علم یعرف به الوجوه كتحسين أساليب وطرق معلومة وضعت لتزيين الكلام وتنميقه وتحسين الكلام والمزايا التي تزيد الكلام حسنا وطلاوة، وتكسوه بهاءً، ورونقاً، بعد مطابقته لمقتضى الحال مع وضوح دلالته على المراد لفظا ومعنى(2)، ويتضمن عهد الإمام (عليه السلام) الكثير من المحسنات البديعية، منها المعنوية كالاتي:

التورية:

أن يذكر المتكلم في النص معنيين، أحدهم ظاهرٌ

ص: 56


1- البلاغة العربية: 170
2- ينظر: جواهر البلاغة: 298

قريبٌ يتبادرُ إلى الذهن وهو غير مراد والآخرُ بعيد فيه نوعُ خفاءٍ وهو المعنى المراد، یُورَّی عنه بالمعنى القريب ليسبق الذهن إليه ويتوهمهُ قبل التأمل، وبعد التأمل يتنبه المتلقي فيدرك المعنى الآخر المراد(1).

قال الإمام (عليه السلام):

«والصق بأهل الورع والصدقِ، ثم رُضهُم على ألا يُطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله، فإن كثرة الإطراء تُحدثُ الزهو وتدني من العزة».

نجد التورية في هذا القول المبارك تحمل معنيين، الأول: يامالك كن قريبًا جدًا من أهل الورع والصدق وعبر الإمام (عليه السلام) الفعل المتعدي لصق تعبيرًا مبالغًا عن القرب من هؤلاء الناس، والمعنى الثاني، رغم إنّهم أهل ورع وصدق

ص: 57


1- ينظر: البلاغة العربية: 373

بمدحهم المبالغ لك و تعظیم عمل لم تفعله، فهذه الأمور تسبب لك العجب.

الطباق:

يعني الجمع بين لفظين متقابلين في المعنى، ومن ذلك قوله (عليه السلام):

«فلا تُطَوِّلَنَّ احتجابَك عن رعيتك... والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل ... وليست على الحق سماتٌ تعرف بها ضُرُوبُ الصدق من الكذب».

في هذا النص أمثلة من الطباق:

المقابلة بين (فيصغر عندهم الكبير، ويعظم، الصغير)، والمقابلة بين (ويقبح الحسن، ويحسن القبيح)، نلاحظ أن في كل من الجملتين طباقًا، وأن

ص: 58

في الجملتين معًا مقابلة، فالصغير في الأولى يضاد الكبير، والعظيم يقابل في الثانية الصغير، وكذلك القول في النص الثاني، يقبح يضاد يحسن في الجملة الأولى، وفي الجملة الثانية، الحسن يقابل القبيح، وجاء هذا التقابل في الثانية على الترتيب الذي جاء في الأولى.

الطباق بين (الحق، الباطل)

الطباق بين (الصدق، الكذب).

فالعنصر الجمالي للطباق في الخطاب يشكل استدعاء بين الأفكار في الاذهان، فهذه المقابلات أقرب تخاطرًا إلى أذهان المتلقي من المتشابهات، ويزيد على ذلك تشكّلُ جانبًا مهمًا من مكونات الإعلامية.

مراعاة النظير:

هي ((الجمع بين أمرين، أو أمور متناسبة،

ص: 59

لا على جهة التضاد، وذلك إما بين اثنين، أو بين أكثر، ويلحق بمراعاة النظير، ما بني على المناسبة في «المعنى» بين طرفي الكلام يعني: ان يختم الكلام بما يناسب أوله في المعنى))(1).

قال الإمام (عليه السلام):

«ولا تدفعنَّ صلحًا دعاك إليه عدوك لله فيه رضیً، فإن في الصلح دعةً لجنودك، وراحة من همومك، وأمنًا لبلادك».

فابتدأ القول بالصلح، ثم استمر بالبدعة (راحة، أو سكينة، أو رغدِ عيشٍ) الجنود وراحة من الهموم ثم جاءت الخاتمة بالأمن للبلاد كل ذلك لمناسبة لما ابتدأ به القول، إذ ترتب على الصلح باقي الفوائد التي وردت بعده.

ص: 60


1- جواهر البلاغة: 304

الاستخدام:

((ذكر لفظ مشترك بين معنيين، يراد به أحدهما ثم يعاد عليه ضمير، أو إشارة، بمعناه الآخر، أو يعاد عليه ضميران يراد بثانيهما غير ما يراد بأولهما))(1)، نحو قوله (عليه السلام):

«إياك والدماء وسفكها بغير حلِّها، فإنه ليس شيء أدني لنقمةٍ، ولا اعظم لتبعةٍ، وانقطاع مُدةٍ، من سفك الدماء بغير حقها».

ذكر الإمام (عليه السلام) في بداية القول المبارك تحذير وتنبيه لسفك الدماء بغير حلِّها، فاختتم القول بجملة من سفك الدماء بغير حقها، فإحالة الضمير على الدماء، فسفك الدماء بغير حقها ينتج عنه زوال النعمة ... الخ، فالاستخدام يؤدي إلى معنين أحدهما، مجاز في القول، والآخر تقدیر ذکاء المتلقي وارضاؤه،

ص: 61


1- جواهر البلاغة: 301

مما يشكل كفاءة إعلامية تسهم في بلورة خطاب، وذات بعد دلالي(1). ثم نبحث في القسم الثاني بعض من المحسنات البديعية الأخرى (اللفظية) ومنها:

أ. الجناس:

يتشابه اللفظان في النطق ويختلفان في المعنى(2)، نحو قوله (عليه السلام):

«فلا تُقوِّينّ سلطانك بسفكِ دمٍ حرامٍ، فإن ذلك مما يضعفهُ ويوهنه، بل يزيلهُ وينقلهُ... وإن ابتليت بخطأ وأفرط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة».

نجد الجناس بين (يضعفه ويوهنه)، (يزيلهُ وينقلهُ) (سوطك وسيفك)، وهذا النوع من جناس القلب، وهو ما اختلف فيه اللفظان في ترتيب

ص: 62


1- ينطر: البلاغة العربية: 401
2- ينظر المصدر نفسه: 485

الحروف (اختلاف الكل).

ب. السجع:

هو توافق الفاصلتين في الحرف الأخير، وهو في النثر کالقافية في الشعر، من ذلك قوله (عليه السلام:

«واجعل لذوي الحاجات منك قسمًا تُفرِّغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلسًا عامًا فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك، من أحرسك وشرطك».

نجد السجع المتوازي في قول الإمام (عليه السلام) المتمثل ب (شخصك، خلقك) (جندك، أعوانك، أحرسك، شرطك)، وهو الذي تكون الكلمتان الأخيرتان من السجعتين متفقتين في الوزن وفي الحرف الأخير منهما مع وجود اختلافٍ ما قبلهما.

ص: 63

ج. رد العجزُ على الصَّدر:

((عبارة عن كل كلام بين صدره وعجزه رابطة لفظية غالبا، أو معنوية نادرة، تحصل بها الملامة والتلاحم بين كل كلام))(1)، ومن ذلك قوله (عليه السلام):

«وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ماكنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك».

وهذا النوع ما وافق اخر كلمة من الكلام بعض کلمات صدره.

د. ائتلاف اللفظ مع المعني:

((أن تكون ألفاظ المعنى يلائم بعضها بعضا ليس فيها لفظة نافرة عن أخواتها، غير لائقة بمكانها، كلها موصوف بحسن الجوار))(2)، قال

ص: 64


1- بدیع القرآن: 2/ 36
2- المصدر نفسه: 2/ 77

الإمام علي (عليه السلام):

«ما أنتَ فيهِ من سلطانك أبهةً أو مخيلةً، فانظر إلى عظم ملكِ الله فوقك، وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فإن ذلك يُطامنُ إليك من طماحك، ويكف عنك من غرابك، ويفي إليك بما عزب».

جاء في هذه النص تلاؤم بين اللفظ المختار والمعنى المراد به، فاختار الإمام (عليه السلام) لفظة (ابهة) وتدل على العظمة والكبرياء ولفظة (مخيلة) التي تدل على الخيلاء والعجب، مناسبة لقوله (عليه السلام) انظر لملك الله، والمعنى كل التكبر والعظمة والخيلاء لا تساوي شيئًا أمام ملك الله العظيم، ثم استمر التناسق بين مفردات النصّ وصولاً إلى قوله قدرته منك على ما لا تقدر عليه ناسب لفظ (يطامن) ومعناه يخفض ذلك من طموحك أمام عظمة الخالق، وجاء بلفظة (ويفي)،

ص: 65

(عزب) ومعناه يرجع إليك بما غاب عنك عقلك من ملك الله وقدرة سبحانه.

ولو تتبعنا ذلك لوجدنا هناك بعض الأمثلة المحتوية على ذلك إلا أننا اكتفينا في عرض هذه الأمثلة لبيان مدى مساهمتها في تماسك النصّ لفظیًا ومعنويًا مع مساعدتها ببعض وسائل الاتساق الأخرى.

سادساً: الإيجاز.

يعني التعبير عن المراد بكلامٍ قصير ناقص عن الألفاظ التي يؤدي بها عادة في متعارف الناس، مع وفائه بالدلالة على المقصود(1)، ومن ذلك:

إيجاز القصر:

هو إثبات الحكم للمذكور في الكلام ونفيه عما عداه، أو هو تخصيص أمر بأمر، أو هو تخصيص شيءٍ

ص: 66


1- ينظر: البلاغة العربية: 26

بشيءٍ بعبارة كلامية تدل عليه(1)، فهو من الأساليب التي عني بها البلاغيون وذلك لما يضفيه من قوة التأثر وجمال التعبير(2)، كقوله (عليه السلام):

«أمره بتقوى الله، وإيثار طاعته، واتباع ما أمر به في كتابه: من فرائضهِ وسننهِ، التي لا يسعد أحد إلا باتباعها ولا يشفى إلا مع جحودها واضاعتها».

في هذا النص قصر إضافي وهو ما كان الاختصاص فيه بحسب الإضافة إلى شيء معين، نحو ما علىَّ إلا قائم، أي أن له صفة القيام لا صفة القعود، فخصّ الإمام (عليه السلام) السعادة بطاعة الله، وبجحودها وإضاعتها يشقى الانسان وهو كلام خاص لمالك (رضوان الله عليه) يتضمن معنى العموم إلى الناس كافة، فالطرف الآخر في

ص: 67


1- ينظر: علوم البلاغة البيان، المعاني البديع: 150، البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها: 523
2- ينظر: بلاغة التركيب دراسة في علم المعاني: 218

عملية الاتصال هو المتلقّي فالوظيفة التي تقابله هي الوظيفة الإفهامية وتتمثّل في العبارات التي يطلقها المرسل (المتكلّم) لإثارة انتباه المرسل إليه (المستمع)، لطلب القيام بعمل ما، ويأخذ بوساطتها النصّ قيمته التداولية.

إيجاز الحذف:

يكون قصر الكلام فيه بسبب استعمال حذف بعضه اکتفاء بدلالة القرائن على ما حذف، نحو قوله (عليه السلام):

«ثم اعلم يا مالك، أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دولٌ قبلك، من عدلٍ وجورٍ».

تضمن هذا النص محذوفا متمثل ب (مصر)، کون مالك (رضوان الله عليه) أرسله الإمام علي (عليه السلام) واليًا عليها، ثم کشف قوله (عليه السلام) «وجهتك إلى بلاد... من عدلٍ وجورٍ» دلالة ذات

ص: 68

بعد خطابي يجذب انتباه المتلقي بحكم التفكير بالتاريخ البعيد لحكام هذه البلاد من جور مثّله فرعون وعدلٍ مثّله يوسف (عليه السلام)، فالحذف يعد اختصارًا واقتصادًا في التعبير، وتحقق المطلوب بظهور المعنى المراد لدى المتلقي، لذلك يشكل الحذف أهم مكون إعلامي يرفع كفاءة النصّ.

سابعاً: الإطناب.

((كون الكلام زائداً عما يُمكن أن يُؤدي به من المعاني في معتاد، لفائدة تقصد))(1)، ونجد هذا المكون المؤثر في قول الإمام (عليه السلام):

«وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل، واجتمعها لرضي الرعية، فإن سُخط العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة، وليس أحدٌ من

ص: 69


1- ينظر البلاغة العربية: 60

الرعية أثقل على الوالي مؤونةً في الرخاءِ وأقل معونة له في البلاء، وأكرهَ للإنصاف واسأل بالإلحاف، وأقل شُكرًا عند الإعطاءِ، وأبطأ عُذرًا عند المنع، وأضعف صبر عند ملماتِ الدهر من أهل الخاصة، وإنما عمادُ الدينِ، وجماعُ المسلمينَ والعدَّةُ للأعداء، العامة من الأمةِ؛ فليكن صِغوَكَ لهم وميلك معهم».

في هذا النصّ إطناب، يتضمن توجيه مالك (رضوان الله عليه) لأساسيات قيادة البلاد وأهمها العدل بين الناس، فعندما يعدل القائد بين رعية الخاصة وعامة الناس، يرضى عليه العامة وعکس هذا الأمر يخلق سخطًا عند العامة، وعلى القائد العادل أن يقلل شكره عند إعطائه للرعية؛ لأنّ هذا واجبه اتجاه شعبه، وأهم ركيزة تجعل القائد ناجحًا هي جعل جمع المسلمين هم عمادُ الدين وليس الخاصة، فعليه أن يميل للعامة من الأمة، فذكر الإمام (عليه السلام) هذه الطائفة من واجبات

ص: 70

القائد تجاه شعبه، فكلُّ واحدة منها تضمن مجموعة من الصفات، وعلى هذا المعنى أقام الإمام (عليه السلام) الأدلة دون زيادة في الألفاظ عند ذكر كل واجب.

ص: 71

ص: 72

الخاتمة

ص: 73

ص: 74

الخاتمة:

1. الإعلامية متأصلة الجذر في النصّ العربي؛ لأنها تشارك في الكشف عن أبعاد الخطاب وموضوعاته.

2. أظهرت الدراسة عن لغة سامية ذات بنية عميقة لها دلائل متنوعة الأهداف في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر (رضوان الله عليه)، فتضمن هذا النص المكونات المختلفة للإعلامية.

3. تضمن العهد المبارك التراكيب السطحية كالحذف والتكرار والربط، وكذلك

ص: 75

التراكيب العميقة كالإجمال والتفصيل والعموم و الخصوص، فساهمت هذه الظواهر عن إخراج نص ذي مستوى عالٍ من السبك والأسلوب الراقي في معناه.

4. أوضح النصّ المكونات التصويرية كالمجاز والكناية والتعريض والتشبيه والإيجاز والإطناب وغيرها من الأساليب التي ساهمت على الارتقاء بالنص إلى المستوى الذي تتفاعل فيه اللغة والعقل والمجتمع بصورة فعالة ومعبرة.

ص: 76

روافد البحث

1. إبداع الدلالة في الشعر الجاهلي (مدخل لغوي أسلوبي)، د. محمد العبد، ط 2، جامعة عين شمس، مكتبة الأداب، 1428 ه - 2002 م.

2. الأبداع الموازي (التحليل النصي للشعر)، محمد عبد اللطيف حماسة، دار غريب للطباعة والنشر، ط 1، 2001.

3. اتجاهات البحث اللساني، ميلكا إفيش، ترجمة، سعد مصلوح، وفاء كامل، المجلس الأعلى للثقافة، ط 200، 2.

4. أسرار البلاغة في علم البيان، الجرجاني الدار (ت: 471 ه)، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية بیروت، ط 1 1422 ه - 2001 م.

5. أشكال النص دراسة لسانية نصية، جمعان بن عبد الكريم، الدار البيضاء، بيروت، ط 1، 2009.

6. أصول البيان العربي في ضوء القرآن الكريم، محمد حسین علي الصغير الناشر: دار المؤرخ العربي، بيروت، ط 1420، 1 ه - 1999م.

7. أفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، د. محمود أحمد نخلة، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية - مصر، 2002.

ص: 77

8. بدیع القرآن، ابن أبي الإصبع المصري (ت 654 ه)، و تحقيق، حفني محمد شرف، نهضة مصر للطباعة والنشر، 2008.

9. البديع بين البلاغة العربية واللسانيات النّصيّة، د. جميل عبد المجيد، الهيأة المصرية للكتاب، الإسكندرية، 1998.

10. البلاغة أسسها وعلومها وفنونها، عبد الرحمن حنكة الميداني، دار القلم، دمشق، ط 1، 1416 ه - 1996 م.

11. البلاغة العربية في ضوء منهج متكامل، د. محمد بركات، دار البشير للتوزيع والنشر، عمان، ط 1، 1412 ه - 1992 م.

12. بلاغة النص مدخل نظري ودراسة تطبيقية، د.

جميل عبد المجيد، دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة، 1999 م.

13. بلاغة التركيب دراسة في علم المعاني، د. توفيق الفيل، مكتبة الآداب القاهرة، 1991.

14. الترابط النصي في ضوء تحليل الخطاب، خليل بن ياسر البطاشي، دار جریر، ط 1، 1430 ه - 2009 م.

15. جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، أحمد مصطفى الهاشمي (ت: 136 ه)، ضبط وتدقيق وتوثيق: د. يوسف الصميلي، المكتبة العصرية، بیروت، 1999 م.

16. حاشية الصبان على شرح الأشموني في شرح ألفية ابن مالك، ومعها شرح الشواهد للعيني، الصبان

ص: 78

محمّد بن علي (ت 1206 ه)، تحقيق: محمود بن الجميل، مكتبة الصفا، القاهرة، ط 1 1423ه - 2002 م.

17. دلائل الإعجاز في علم المعاني، عبد القاهر الجرجاني (ت: 471 ه)، تحقيق: د. عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، ه - 2001 م.

18. الصناعتين، أبو هلال العسكري (ت: 395 ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية - بيروت، 1419 ه.

19. علم الدلالة التطبيقي في التراث العربي، د. هادي نهر، دار الأمل، اربد - الأردن، ط 1، 1427 ه - 2007 م.

20. علم لغة النص النظرية والتطبيق، عزة شبل، مكتبة الآداب، القاهرة، ط 1430، 2 ه - 2009 م.

21. العمدة في محاسن الشعر وآدابه، أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي (ت: 463 ه)، تحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، لبنان، ط 5، 1401 ه - 1981 م

22. في البلاغة العربية والأسلوبيات اللسانية: 229.

23. لسانيات النصب النظرية والتطبيق: 144 - 145.

24. لسانيات النص مدخل إلى انسجام الخطاب، محمد خطابی، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط 1، 1991 م.

25. لسانيات النص، نحو منهج لتحليل الخطاب الشعري، أحمد مداس، ط 2، عالم الكتب الحديثة، أربد، الأردن, 2009 م.

26. اللسانيات جان بیرو، ترجمة: الحواس مسعودي، مفتاح بن عروس، دار الآفاق، الجزائر، 2001 م.

ص: 79

27. اللسانيات في الثقافة العربية المعاصرة (دراسة تحليله نقدية في قضايا التلقي وإشكالاته)، د. حافظ إسماعيلي علوي، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت لبنان، ط 1، 2009.

28. المزهر في علوم اللغة وأنواعها، جلال الدين السيوطي (ت: 911 ه)، تحقق: فؤاد علي منصور، دار الكتب العلمية، بیروت، ط 1، 1418 ه 1998 م.

29. المعنى وظلال المعنى أنظمة الدلالة في العربية، د. محمد محمد يونس علي، درار المدار الإسلامي، لبنان، ط 3، 2007 م.

30. مقالات في اللغة والأدب، تمام حسان، عالم الكتب، القاهرة، ط 1، 1427 - 2006 م.

31. المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، أبو محمد قاسم السلجماسي (ت 704 )، تحقيق: علال الغازي، مكتبة المعارف، الرباط، ط 1، 1401 ه - 1980 م.

32. نحو النص، اتجاه جديد في الدرس النحوي، أحمد عفيفي مكتبة زهراء الشرق، مصر، ط 1، 2000 م.

33. نسيج النص بحث ما يكون به الملفوظ نصاً، الأزهر الزناد، ان المركز الثقافي العربي - بيروت ط 1، 1993 م.

34. النص والخطاب والإجراء، روبرت دي بوجراند، ترجمة تمام حسان، عالم الكتب، القاهرة، ط، 1418، 1 ه، 1998 م.

35. نظام الارتباط والربط في تركيب الجملة العربية، مصطفی حميدة، دار مكتبة لبنان ناشرون، بیروت، ط 1، 1997.

36. نظرية علم النص - رؤية منهجية في بناء النَّصّ النثري، د. حسام أحمد فرج، مكتبة الآداب القاهرة، ط 1, 1428 ه - 2007 م. - 1980 م.

ص: 80

المحتويات

مقدمة المؤسسة...5

مقدمة...8

المبحث الأول: المكونات التركيبية...13

اولاً: الأفعال الإعلانية...15

ثانياً: التراكيب السطحية...18

ثالثا: التراكيب العميقة...31

رابعاً: أبنية المطابقة...37

المبحث الثاني: المكونات التصورية...41

أولًا: المجاز...43

ثانياً: الكناية...50

ثالثا: التعريض:...51

رابعاً: التشبيه...53

خامساً: البديع...65

سادساً: الإيجاز...66

سابعاً: الإطناب...69

الخاتمة:...75

روافد البحث...77

ص: 81

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.