حرمة الدماء في عهد العلوي

هوية الکتاب

حرمة الدماء في العهد العلوي

تأليف الأستاذ الدكتور ساجد أحميد الركابي.

کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

ص: 1

اشارة

ISBN 978-9933-582 -16 -6 رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية الله 1740 لسنة 2017 م 9789933582166 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP38.09.H31 R3 2017 :LC .

المؤلف الشخصي: الركابي، ساجد أحمید. العنوان: حرمة الدماء في العهد العلوي / تأليف الأستاذ الدكتور ساجد أحميد الركابي. بیان المسؤولية: الأستاذ المساعد الدكتور تيسير أحميد الركابي، تقديم السيد نبيل الحسني الكربلائي. بيانات الطبعة: الطبعة الأولى. بيانات النشر:

کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1438 ه - 2017 م.

الوصف المادي: 95 صفحة. سلسلة النشر: دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) - وحدة الدراسات القانونية؛ 11 - مؤسسة علوم نهج البلاغة. تبصرة عامة: تبصرة ببيلوغرافية: يتضمن هوامش - لائحة مصادر (الصفحات 91-93). تبصرة محتويات: موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 359 - 406 هجرياً - نهج البلاغة، عهد مالك الأشتر. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجريا - أحاديث. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - رسائل. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - حقوق الإنسان. مصطلح موضوعي: الإسلام وحقوق الإنسان. مصطلح موضوعي: القرآن وحقوق الإنسان. مصطلح موضوعي: حقوق الإنسان (القانون الدولي). مؤلف إضافي: الركابي، تيسير أحميد، مؤلف. مؤلف إضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1965 م، مقدم. مؤلف إضافي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر. عنوان إضافي: نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) وحدة الدراسات القانونية حرمة الدماء في العهد العلوي تأليف أ. د. ساجد أحمید الركابي أ. م. د. تيسير أحمید الركابي

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1438 ه - 2017 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع الألكتروني: www.inahj.org الإيميل: Info@ Inahj.org

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد و آله الطاهرین.

أما بعد: فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (عليهم السلام أجمعين).

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لَحديث الثقلين «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة

ص: 5

النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) لمالك الأشتر (عليه الرحمة والرضوان) إلا أنموذجاً واحداً من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية والتي اكتنزت في متونها الكثير من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.

من هنا: ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره، متّخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية والموسومة ب (سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)،

ص: 6

التي ستصدر بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية والتي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

والبحث الموسوم ب (حرمة الدماء في العهد العلوي) واحد من هذه الأبحاث التي ركزت على إظهار مکنون العهد الشريف في مجال حقوق الإنسان وحمرة دمه بغية فرض التعايش السلمي في المجتمع الواحد.

فجزى الله الباحث خير الجزاء والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 7

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين...

وبعد...

فإن مسألة (الدماء) من المسائل المهمة في دين التسامح والمساواة والعدل (الإسلام)، وقد دفعت البشرية دمائها الغزيرة ولا زالت جراء الجور والظلم والإرهاب والعنف، فللدماء حرمة في دين الإسلام أكدتها الآيات القرآنية الكريمة والسُنة النبوية المطهّرة وسيرة آل البيت النبوي الأطهار عليهم الصلاة والسلام.

ص: 9

ولعل أهمية الموضوع تنبع مما يواجهه المسلمون في بلادهم من اراقة الدماء وسفكها مع ما ظهر من دعاوى التكفير والإرهاب من جماعات تدعي الإسلام منهجاً لها، فضلاً عن اشكال الاضطهاد والظلم والتنكيل الذي تمارسه أنظمة حاكمة يقودها مسلمون، مما أساء إلى صورة الإسلام وشوّه سمعة المسلمين في العالم، فصّورت وسائل الأعلام الغربي والمعادي أمة الإسلام على أنها أمة تسترخص الدماء وتستهين بإنسانية الإنسان.(1)

إن من المبادئ الإسلامية الهامة على المستوى الإنساني مبدأ عصمة الدماء والنفوس والأعراض وحرمتها، فالقاعدة الأساسية في الإسلام هي محقونية الدماء وعصمتها بغض النظر عن هوية

ص: 10


1- الشيخ حسين الخشن، الإسلام والعنف، قراءة في ظاهرة التكفير، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء - المغرب 2006 ص 64

اصحابها المذهبية والدينية، لأن القتل وسفك الدماء قبيح في حكم العقل والعقلاء بوصفه مصداقاً واضحاً للظلم وهو مما أستقل العقل بقبحه، وأما في شريعة السماء فأن حفظ النفوس من أهم المقاصد التي هدفت الشريعة الغراء إلى تحقيقها.(1)

لقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) تجسيداً حياً لروح الإسلام ومبادئه الإنسانية السامية، التي تضمنها القرآن المجيد والسُنة النبوية المطهرة، وقد مثلَّ في عهده (عليه السلام) إلى من ولاه مصر، مالك بن الحارث الأشتر النخعي عام (38 ه / 658 م) أسس الحكم الرشيد العادل الذي تُقاس به مستويات صلاح أنظمة الحكم السياسية في كل مكان وزمان.

وإن كان هناك موضع للمقارنة، مع ما وضعتهُ البشرية في سلسلة تطورها وارتقائها القانوني متمثلاً

ص: 11


1- الإسلام والعنف، قراءة في ظاهرة التكفير: ص 64

في المواثيق والعهود والمعاهدات التي نادت بحقوق الإنسان ومنها حق الحياة ومنع الإعدام التعسفي والتطهير العرقي والإبادة الجماعية فأن ما تضمنه عهد الإمام علي (عليه السلام) من تحذير شديد ونهي وتحريم سفك الدماء إلا بحلها، حالة متقدمة، ولا شك في أن تلك العهود والمواثيق استمدت نصوصها وروحها من العهد، وهو يمثل تراثاً إنسانياً خالداً ضمن التراث القانوني والسياسي والحضاري العالمي الذي تستوحي منهُ نصوص وقواعد القانون الدولي العام مضامینها.

إن من ضرورات إقامة الحكم الصالح الذي يفتقد العالم وجوده، وتظهر الحاجة إليه في نواحي الحياة والوجود الإنساني، أن تستقي نصوص ذلك الحكم وشرعيته من المبادئ التي أرسی مضامینها الحقيقية والواقعية أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في سنين خلافته القصيرة

ص: 12

المضطربة الممزوجة بالأحداث الجسام (35-40 ه / 655 - 660 م)، وتلك التي سطرها في عهده إلى مالك بن الحارث الأشتر النخعي (رضوان الله عليه)، فلم تكن المبادئ مجرد أفكار مثالية غير قابلة للتطبيق أو صادرة من شخص جلس وحيداً يفكر وينظّر بعيداً عن احداث الزمان والمكان.

إن الحالة المثلى للحكم الصالح الرشيد التي أوجدها أمير المؤمنين (عليه السلام) في العقل والوجدان والتاريخ الإسلامي هي المعالجة الواقعية لما تواجهه الأمة من أزمات تهدد كيانها ووجودها بالتدهور والانحلال.

لذلك بات من الضروري البحث والدراسة لهذا الفيض الراقي للفكر الإنساني الذي مثلته نصوص العهد العلوي، وفي أحدى أهم مفاصله الممثلة في (حرمة الدماء) التي وصف أثرها الكبير والخطير على الحكم، أمير المؤمنين (عليه السلام)

ص: 13

بأنها تُضعفه وتوهنه، بل تزيله وتنقله، وقد أثبتت وقائع التاريخ وأحداثه مصداقيته، مما يستدعي رعايته من قبل ولاة الأمر والساسة الذين تقع على عواتقهم مسؤولية إدارة أمور العباد وصلاح شؤونهم، وتقتضي دراسة ما تقدم الخوض في المسائل الآتية:

أولاً: العهود والمواثيق الدولية.

ثانياً: القرآن المجيد.

ثالثاً: السُنّة النبوية.

رابعاً: العهد العلوي.

خامساً / حُرمة الدماء في العهد.

ص: 14

أولاً / العهود والمواثيق الدولية.

لم يكن الوصول إلى تشريع العهود والمواثيق الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان وابرزها حق الحياة، أمراً يسيراً بل مرَّ بمخاض عسير دفعت ثمنه البشرية ضحايا جرّاء الأنظمة الاستعمارية والظالمة والحروب التي زُجت في أتونها شعوبٌ وأممٌ كثيرة وواجهت ويلات واحداثاً مروعة سُفکت فيها الدماء الغزيرة، وسقطت من جراءها ضحايا عديدة، وهُدمت و خُربت شواهد حضارية وثقافية ومدنية واستنزفت من خلالها ثروات طائلة، حتی وصلت البشرية إلى ما وصلت إليه من فقر شدید ومجاعات وانتهاكات لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، دفعت الضمير الإنساني إلى وضع قواعد قانونية دولية حاولت الحد من تلك الانتهاكات وعلاج و اصلاح ما يمكن إصلاحه وتفادي عدم تكرار تلك المآسي البشرية.

ص: 15

من الوثائق الدولية المهمة التي يمكن تلمس موضوع حق الحياة وعدم انتها که وسفك الدماء، الآتي:

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (الجمعية العامة للأمم المتحدة 10 كانون الأول / ديسمبر 1948).

صدر الاعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، التي تسببت والحرب العالمية الأولى خلال النصف الأول من القرن العشرين، بملايين الاصابات واجتاح الموت والتدمير والتخريب أوروبا وأفريقيا وآسيا، واستخدمت فيها الأسلحة الفتاكة التقليدية والبايلوجية والنووية، وقد عكست حقيقة الشر في النفس البشرية في أنظمة وحكومات الدول الاستعمارية والأنظمة السياسة التابعة لها.

وعلى الرغم من أن القوى العظمى التي خاضت الحرب وانتصرت وأسست واوجدت

ص: 16

منظمة الأمم المتحدة لتكون منظمة أمية قادرة على ضبط الصراعات الدولية والحيلولة دون حدوث حرب عالمية ثالثة مدمرة للبشرية مع تنامي صناعة الأسلحة النووية وتطوير وسائل ايصالها باستخدام التقدم التقني والعلمي، فضلاً عن التنافس والصراع الدولي والاستعداد لاستخدامها مع بدء ظهور الحرب الباردة ما بين الكتلتين الاشتراكية والرأسمالية، فأن تلك القوى أرادت أن تضع قواعد قانونية لحماية حقوق الإنسان وحرياته ومعالجة القضايا الخطيرة التي تواجه البشرية وأبرزها الصراعات والحروب الأهلية وانتهاكات أنظمة الحكم الاستبدادية لحقوق شعوبها في الحياة وهي احدی نتائج الحرب الباردة والتنافس على مناطق النفوذ والهيمنة في العالم من قبل القوى الدولية نفسها وتوابعها من الدول والأنظمة الحاكمة.

وللاعتبارات الإنسانية التي تناولتها ديباجة

ص: 17

ميثاق الأمم المتحدة بالقول: «نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جیل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف»، فقد جاء الإعلان العالمي لحقوق الأنسان بعد ثلاث سنوات من صدور الميثاق وتأسيس الأمم المتحدة.(1) وتضمن الاعلان في أهم نصوصه، (المادة 3) ((لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه)).

وحق الحياة يعني حق الإنسان في حياة منحها الله له منذ ولادته حتى وفاته، ويتضمن هذا الحق السلامة الجسدية والنفسية وعدم انهاء الحياة بالقتل،

ص: 18


1- وقع ميثاق الأمم المتحدة في 26 حزيران / يونيو 1945 في سان فرانسيسكو في ختام مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بنظام الهيأة الدولية وأصبح نافذا في 24 تشرين الأول / أكتوبر 1945 ويعتبر النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية جزءاً متمماً للميثاق

أو بالإعدام أو التطهير العرقي و الإبادة الجماعية تُمارس من قبل النظام الحاكم من دون أساس قانوني شرعي. إن هذه الممارسة كانت ولازالت موجودة في كثير من الدول والأمم والشعوب نتيجة الحكم الجائر والشمولي والظالم الذي يعاقب المواطنين بالإعدام والقتل الجماعي لأسباب عنصرية أو دينية أو طائفية أو سياسية.

وعلى هذا الأساس تضمن الإعلان، وکامتداد لهذه المادة الأساس، تفاصيل تصب في هذا الحق، عبر النصوص الأخرى، ومنها (م 4) حظر الاسترقاق والاستعباد، (م 5) حظر التعذيب والعقوبة القاسية واللا إنسانية أو الإحاطة بالكرامة، (م 6) الاعتراف بالشخصية القانونية، (م 7) المساواة أمام القانون، (م 8) حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية للإنصاف، (م 9) حظر اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفياً، (م 11) حق المحاكمة العادلة، (م 12)

ص: 19

وحظر تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون اسرته أو مسکنه أو مراسلاته فضلاً عن حقوق أخرى تضمنها الإعلان في مواده الثلاثين.

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الجمعية العامة للأمم المتحدة 16 كانون الأول / ديسمبر 1966).

تضمنت (المادة 14) من العهد ((1- الناس جميعاً سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون.

2- من حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئاً إلى أن يثبت عليه الجرم)).

وتعتبر المادة ضمانة للإنسان لعدم تعرضه

ص: 20

لإجراءات غير قانونية تبرر اعتقاله وسلب حريته أو إنهاء حياته دون محاكمة قانونية تتيح له دفع التهمة الموجهة إليه وممارسة حق الدفاع.

ت. ضمانات تكفل حماية حقوق الذين يواجهون عقوبة الإعدام (المجلس الاقتصادي والاجتماعي / الأمم المتحدة 25 آيار / مايو 1984).

يقصد بالإعدام إنهاء حياة الإنسان لأسباب قانونية كقيام الشخص بارتكاب جرائم يعاقب عليها القانون بالإعدام، ويكون ذلك بحكم قانوني صادر من محكمة مختصة. وقد يكون هناك تعسف في استخدام النصوص العقابية القانونية لإنهاء حق الإنسان بالحياة فتخرج عن نطاق الشرعية الأسباب سياسية غالباً، يتبعها النظام الحاكم أو مؤسساته وأجهزته القمعية، وعلى ضوء ما تقدم وضع المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة ضمانات لأولئك الذين يواجهون عقوبة

ص: 21

الاعدام في الفقرات:

((1. في البلدان التي لم تلغِ عقوبة الإعدام، لا يجوز أن تفرض عقوبة الإعدام إلا في أخطر الجرائم على أن يكون مفهوماً نطاقها ينبغي ألا يتعدى الجرائم المعتمدة التي تسفر عن نتائج مميتة أو غير ذلك من النتائج البالغة الخطورة.

4. لا يجوز فرض عقوبة الاعدام إلا حينما يكون ذنب الشخص المتهم قائم على دليل واضح ومقنع لا يدع مجالاً لأي تفسير بديل للوقائع.

5. لا يجوز تنفيذ عقوبة الاعدام إلا بموجب حكم نهائي صادر من محكمة مختصة بعد اجراءات قانونية توفر كل الضمانات الممكنة لتأمين محاكمة عادلة.

6. لكل من يحكم عليه بالإعدام الحق بالاستئناف لدى محكمة أعلى، وينبغي أتخاذ

ص: 22

الخطوات الكفيلة بجعل هذا الاستئناف إجبارياً.

7. لكل من يحكم عليه بالإعدام الحق في التماس العفو، أو تخفيف الحكم، ويجوز منح العفو أو تخفيف الحكم في جميع حالات عقوبة الإعدام.

8. لا تنفذ عقوبة الإعدام إلا أن يتم الفصل في إجراءات الاستئناف أو أي إجراءات تتصل بالعفو أو تخفيف الحكم.

9. حين تحدث عقوبة الإعدام، تنفذ بحيث لا تسفر إلا عن الحد الأدنى من المعاناة)).

ث. مبادی المنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة. (أوصى بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي / الأمم المتحدة 24 آيا ر/ مايو 1989).

نظراً لكثرة الإجراءات التعسفية من قبل أنظمة الحكم وأجهزتها القمعية التي أشرت حالة لافتة من أحكام الإعدام الكثيرة ضد الخصوم السياسيين

ص: 23

والمعارضة، في نهاية ثمانينات القرن العشرين، والتي شهدت نهاية الحرب الباردة وتحول اهتمام المجتمع الدولي نحو إقامة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وكأنها صحوة للضمير العالمي باتجاه احترام حقوق الإنسان وخاصة حقهُ في الحياة والحد من حالات الإعدام التعسفي.

لذلك أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة بمبادئ (المنع والتقصي) والتي جاء في (الإجراءات الوقائية) ما يأتي:

((1. تحظر الحكومات، بموجب القانون جميع عمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة، وتكفل اعتبار هذه العمليات جرائم بموجب قوانينها الجنائية، يعاقب عليها بعقوبات مناسبة تراعي خطورتها. ولا يجوز التذرع بالحالات الاستثنائية، بما في ذلك حالة الحرب أو التهديد بالحرب، أو عدم الاستقرار

ص: 24

السياسي الداخلي، أو أي حالة طوارئ عامة أخرى، لتبرير عمليات الإعدام هذه.

2. تحظر الحكومات على الرؤساء والسلطات العامة اصدار أوامر ترخيص لأشخاص أخرين اي نوع من أنواع الإعدام خارج نطاق القانون أو الإعدام التعسفي أو الإعدام دون محاكمة أو تحرضهم على ذلك)).

ج. اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. (الجمعية العامة الأمم المتحدة 12 كانون الأول / يناير 1951).

تجاوزت حالات القتل والتجاوز على حق الحياة الحالات الفردية، لتصبح إبادة وقتل جماعي لمجموعات عرقية ودينية وسياسية معارضة للأنظمة السياسية مما يؤشر ازدیاد حالات القمع وسفك الدماء غير القانونية أو خارج نطاق القانون، وهو الذي دفع المجتمع الدولي إلى الوقوف عندها وتوقيع

ص: 25

اتفاقية بهذا الخصوص عام 1951 م وتضمنت الآتي: ((م 2: في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه:

1. قتل أعضاء من الجماعة.

2. إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بإعفاء من الجماعة.

3. إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كلياً أو جُزئياً.

4. فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.

5. نقل اطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى))

ص: 26

ح. في عقد التسعينات من القرن العشرين شهدت الإنسانية صراعات عرقية وعمليات تطهير وقتل جماعي في يوغسلافيا 1993 و رواندا 1994،

ونتج عنهُ إصدار أنظمة الحماية الجنائية لحقوق الإنسان متمثلة بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا فضلاً عن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998 م ومنحت (المادة 4) من نظام محكمة يوغسلافيا 1994 للمحكمة الدولية سلطة محاكمة الأشخاص الذين يرتكبون جريمة إبادة الأجناس، وهي حسب (الفقرة 2) تعني ((أي فعل من الأفعال التالية يُرتكب بقصد القضاء كلياً أو جزئياً على جماعة وطنية أو أثنية أو عرقية أو دينية، باعتبارها جماعة لها هذه الصفة)). والأفعال هي: قتل أفراد هذه الجماعة، وإلحاق ضرر بدني أو عقلي بالغ بأفراد الجماعة وإرغام الجماعة عمداً على العيش في

ص: 27

ظروف يُقصد بها أن تؤدي كلياً أو جزئياً إلى القضاء عليها قضاءً مادياً، وفرض تدابير يُقصد بها منع التوالد في الجماعة، ونقل الأطفال قسراً إلى جماعة أخر.....)) وتضمنت (المادة 5) الجرائم المرتكبة في حق الإنسانية وهي ((القتل، الإبادة، الاسترقاق، الأبعاد، السجن، التعذيب، الاغتصاب، الاضطهاد لأسباب سياسية أو عرقية أو دينية، فضلاً عن سائر الأفعال غير الإنسانية)).

وتكررت صيغ مواد محكمة يوغسلافيا في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا عام 1994 في المادتين الثانية والثالثة وتأكدت تلك النصوص الجنائية في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998 م بتفاصيل أكثر في المادتين السادسة والسابعة.

ص: 28

ثانياً / القرآن المجيد.

على الرغم من كثرة وتعدد المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية التي أبدعت البشرية في صناعة قواعدها ونصوصها القانونية للحد من الصراعات والحروب وسفك الدماء والقتل الفردي والجماعي وجرائم إبادة الجنس والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، إلا أنها لم تفلح في وضع حد لتلك الانتهاكات وبقيت تلك النصوص إما عاجزة عن الإمام والاستيعاب لكل حالات ارتکاب تلك الجرائم وتحديد عناصرها وأوصافها وتشريع القواعد الخاصة بمعالجتها، وإما أنها لم يتم تطبيقها على مَن اقترفوا هذه الجرائم وفرض أو إيقاع العقوبة عليهم، فضلاً عن استمرار ارتكاب تلك الجرائم بوتائر متصاعدة وهي في تزايد مستمر.

إن مَن يتفحص قواعد القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني يجد أنها، وإن اختلفت في

ص: 29

الصياغات الشكلية، إلا أنها متفقة مع المسار العام للقواعد القانونية الإنسانية الرفيعة التي وجدت في الإسلام والتي تضمنت مبادی عالية الرفعة والسمو في احترام الإنسان وحقوقه، على وفق تشريع إلهي کامل لا يعتريه النقص صالح لكل زمان ومكان. إن أول مصدر هذا التشريع الإلهي الحكيم هو القرآن المجيد، کلام الله المُنزّل على الرسول الكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن خلال الآيات الكريمة يمكن الاستدلال على كرامة الإنسان وإعلاء منزلتهِ وحرمة دمه وعرضه وماله والتأكيد على حق الحياة من دون المساس بها بأي حال من الأحوال، إلا في حالات وظروف يتسبب الإنسان في فعلها وارتكابها فتكون عقاباً دنیویاً له.

لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان، وأعلى منزلته في المخلوقات، وسخر لهُ مما خلق، فاستحق

ص: 30

أن يتبوأ المكانة الرفيعة في هذه المعمورة(1)، قال تعالى:

«وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»(2).

ذلك التكريم يقضي أيضاً وجوب الحفاظ على حُرمات الأموال والأعراض، فلا يجوز أن ينتهك شيئاً منها.(3)

لقد ورد (سفك الدماء) في القرآن المجيد بقول

ص: 31


1- د. ساجد أحمید عبل الركابي: الإسلام والإرهاب «دراسة في مبادي السلام والحرب في الشريعة الإسلامية «المركز الوطني للدراسات الاجتماعية والتاريخية. البصرة 2006 / ص 46
2- سورة الإسراء / الآية 70
3- د. قحطان عبد الرحمن الدوري: الإسلام والإرهاب. في: د. رشدي محمد عليان وآخرون: الدين والإرهاب. بحوث الندوة الفكرية لكلية الشريعة / جامعة بغداد 4/11/ 1988 مطبعة الرشاد بغداد 1988 ص 10-11

الملائكة لله تعالى وتساؤلهم حين أخبرهم بخلافة الإنسان في الأرض بقوله تعالى:

«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»(1).

لقد فهم الملائكة وقوع الفساد وسفك الدماء من قوله: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» (إذ إن الموجود الأرضي بما أنه مادي مركب من القوى الغضبية والشهوية، والدار دار التزاحم، محدودة الجهات، وافرة المزاحمات، مرکباتها في معرض الانحلال، وانتظاماتها واصلاحاتها في مظنة الفساد ومصب البطلان، لا تتم الحياة فيها إلا بالحياة النوعية، ولا يكمل البقاء فيها إلا بالاجتماع والتعاون، فلا تخلو من الفساد وسفك الدماء،

ص: 32


1- سورة البقرة / الآية 30

ففهموا من هناك إن الخلافة المرادة لا تقع في الأرض إلا بكثرة من الأفراد و نظام اجتماعي بينهم يقضي بالآخرة إلى الفساد والسفك).(1)

وهكذا الكلام، كما يذكر السيد الطباطبائي في تفسيره، في مقام التعرف على ما جهلته الملائكة واسستیضاح ما أشكل عليهم من أمر هذا الخلفية، وليس من الاعتراض والخصومة في شيء، والدليل قولهم فيما حكاه الله تعالى عنهم: إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(2):

«قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ»(3)

ص: 33


1- السيد محمد حسين الطباطبائي: الميزان في تفسير الميزان. مؤسسة النشر الإسلامي. جماعة المدرسين. قم 1423 ه / ج 1 ص 115
2- المصدر السابق: ص 115
3- سورة البقرة / الآية 32

لقد عظم فعل القتل وسفك الدماء عند الله حتى جعل قتل إنسان بمنزلة قتل الناس جميعاً واحياء نفس إنسان كإحياء الناس جميعاً، بقوله سبحانه وتعالى:

«مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»(1).

وهو كناية عن كون الناس جميعاً ذوي حقيقة واحدة إنسانية متحدة فيها، الواحدة منها والجميع سواء، فمن قصد الإنسانية التي في الواحد منهم فقد قصد الإنسانية التي في الجمع.

اما قوله تعالى «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» فالكلام فيه كالكلام في الجملة السابقة،

ص: 34


1- سورة المائدة / الآية 32

والمراد بالإحياء ما يُعد في عرف العقلاء إحياء كإنقاذ الغريق وإطلاق الأسير (إن القتل من شاقة أمره أن الذي يقع منه على نفسٍ واحدة كالذي يقع منه على الناس جميعاً وأن من أحيا نفساً كأنما أحيا الناس جميعاً).(1)

لذلك تم تحريم القتل بغير الحق فقال سبحانه وتعالى:

«وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»(2).

فالنفس المحرّم قتلها هي نفس المسلم والمعاهد دون الحربي، والحق الذي يستباح به قتل النفس المحرّم قتلها ثلاثة أشياء: القود والزنا بعد إحصان والكفر بعد إيمان أو إسلام، وأن كانت كافرة لم

ص: 35


1- السيد الطباطبائي: الميزان في تفسير القرآن: مصدر سابق. ج 5 ص 316 - 217
2- سورة المائدة / الآية 151

يتقدم، کفرها إسلام فإن لا يكون تقدم قتلها عهدٌ أو أمان مصداقاً لقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يحل دم أمريء مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير حق». ودلت آية أخرى على حصول سبب رابع وهو قوله تعالى:

«إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(1).

وآية أخرى تبين سبب خاص وهو الكفر الأصلي، قال تعالى:

«وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا

ص: 36


1- سورة المائدة / الآية 33

تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ»(1).

فضلاً عن أسباب أخرى أبداها الفقهاء كتارك الصلاة عند الشافعي، واللائط، و الساحر إذا قال قتلت فلانا بسحري وجوّز بعضهم قتل من يمنع الزكاة أو يأتي البهيمة.(2)

لقد تكرر قول الله سبحانه وتعالى في تحريم قتل النفس البشرية في مواضع عديدة ولأسباب كثيرة منها قوله تعالى:

«وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي

ص: 37


1- سورة البقرة / الآية 191
2- أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: جامع البيان في تفسير القرآن. دار الحديث. القاهرة 1987. م، ج 15، ص 58، أبو الفضل بن حسن الطبرسي: مجمع البيان في تفسير القرآن. منشورات مكتبة الحياة. بیروت (د.ت) م 3 ج 8 ص 231

الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا»(1).

وهو نهي عن قتل النفس المحترمه إلا بالحق أي إلا أن يكون قتلاً بالحق بإن يستحق ذلك لقود أو ردة أو بغير ذلك من الأسباب الشرعية، ولعل في توصیف النفس بقوله (حَرَّم الله) من غير تقیید، إشارة إلى حرمة قتل النفس في جميع الشرائع السماوية فيكون من الشرائع العامة.(2)

وكذلك الحال في قوله تعالى:

«وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا»(3).

وكذلك نهی جل شأنه عن القتل لأسباب

ص: 38


1- سورة الإسراء / الآية 33
2- الطباطبائي: الميزان في تفسير القرآن. ج 13 ص 90
3- سورة الفرقان / الآية 68

الخشية من الفقر، كقوله تعالى:

«قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ»(1).

وقوله تعالى:

«وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ»(2).

وقوله تعالى:

«وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا»(3).

(الإملاق) هو الافلاس من المال والزاد ومنه التملق، و (خشية إملاق) خوف أقتار وفقر، وقد

ص: 39


1- سورة الأنعام / الآية 141
2- سورة الأنعام / الآية 151
3- سورة الإسراء 31

كانت هذه السُنة الجارية بين العرب في الجاهلية لتسرع الجدب والقحط إلى بلادهم فكان الرجل اذا هدده الافلاس بادر إلى قتل أولاده تأنفاً من أن يراهم على ذلة العدم والجوع، وقد علل النهي بقوله: «نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ» اي إنما تقتلونهم مخافة أن لاتقدروا على القيام بأمر رزقهم ولستم برازقين لهم بل الله يرزقكم وإياهم جميعاً فلا تقتلوهم، وفي الآية هذه والآية الأخرى من سورة الإسراء نهي شديد عن قتل الأولاد خوفاً من الفقر والحاجة والقول «نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ» به هو أيضاً تعليل للنهي وتمهيد لقوله بعده «إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا»(1).

ومن اوجه القتل الأخرى التي نهی عنها

ص: 40


1- الطباطبائي: الميزان في تفسير القرآن. ج 7 ص (371-372)، ج 13 ص 85. وكذلك الطبري: جامع البيان في تفسير القرآن م 8 ج 15 ص 57

الله سبحانه وتعالى، وهو ما تعارفت عليه العرب في الجاهلية بتفضيل الذكر على الأنثی وفي ذلك قوله جل وعلا:

«وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ»(1).

لذلك كانت عادة وأد البنات كما في قوله تعالى:

«وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ»(2).

يقصد بالمؤودة الجارية المدفونة حية، وكانت المرأة إذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة وقعدت على رأسها فأن ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة، وإن ولدت غلاماً حبسته.

ص: 41


1- سورة النحل / الآيتان 58 - 59
2- سورة التكوير / الآيتان 8 - 9

ومعنى الآيتان، إن المؤودة تُسأل فيقال لها بأي ذنبٍ قُتلت. ومعنی سؤالها توبيخ قاتلها لأنها تقول (قتلت بغير ذنب). وقيل إن معنى «سُئِلَتْ» طولب قاتلها بالحجة في قتلها وسُئل عن سبب قتلها، وعلى هذا فيكون القتلة هنا هم المسؤولون عن الحقيقة لا المقتولة، وإنما المقتولة مسؤول عنها.(1)

لقد توعد جل ثناؤه بالجزاء الأليم لمن يرتكب جريمة القتل وسفك الدم بقوله تعالى:

«وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا»(2).

والآية تهدید شديد ووعيد أكيد لمن أقترف هذا الذنب العظيم، وقد أغلظ الله سبحانه وتعالى

ص: 42


1- الطبرسي: مجمع البيان في تفسير القرأن. م 6 ج 3 ص 49
2- سورة النساء / الآية 93

في وعید قاتل المؤمن متعمداً مخلداً في النار، غير أن قوله تعالى:

«إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ»(1).

وكذا قوله تعالى:

«إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا»(2).

تصلحان لتقييد هذه الآية فهذه الآية تُوعد بالنار الخالدة لكنها ليست صريحة في الحتم فيمكن العفو بتوبة أو شفاعة.(3)

لقد جعل الله سبحانه وتعالى لجريمة القتل وسفك الدم وإزهاق النفس المحرمة عقاباً دنيوياً فضلاً عن العقاب الأخروي، وذلك في قوله تعالى:

ص: 43


1- سورة النساء / الآية 48
2- سورة الزمر / الآية 52
3- الطباطبائي: الميزان في تفسير القرآن.ج 5 ص 39 الطبري: جامع البيان في تفسير القرآن. م 4 ج 5 ص 136 - 137 ص 156

«وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»(1).

والآية إشارة إلى حكمة التشريع ودفع ما ربما يتوهم من تشريع العفو والدية وبيان المزية والمصلحة التي في العفو وهي نشر الرحمة وإيثار الرأفة، أن العفو أقرب إلى مصلحة الناس، وحاصله أن العفو لو كان فيه ما فيه من التخفيف والرحمة، لكن المصلحة العامة قائمة بقصاص.(2) فإن الحياة لا يضمنها إلا القصاص دون العفو والدية ولا كل شيء مما عداهما، يحكم بذلك الإنسان إذا كان ذا لب وقوله «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» أي القتل،

ص: 44


1- سورة البقرة / الآية 159
2- القصاص مصدر قاص يقاص أمن قص أثرهُ إذا تبعه ومنهُ القصاصّ لمن يحدث بالآثار والحكايات كأنه يتبع اثار الماضي فتسمية القصاص بالقصاص لما فيه من متابعة الجاني في جنایته فيوقع عليه مثل ما اوقعهُ على غيره. الطباطبائي: الميزان في تفسير القرآن. ج 2 ص 434

وهو بمنزلة التعليل لتشريع القصاص. إن الآية فيها تعريف القصاص وتنكير الحياة ليدل على أن النتيجة أوسع من القصاص وأعظم وهي مشتملة على بيان النتيجة وعلى بيان حقيقة المصلحة وهي الحياة، وهي تتضمن حقيقة المعنى المفيد للغاية فإن القصاص هو المؤدي إلى الحياة، دون القتال فإن من القتل مايقع عدواناً ليس يؤدي للحياة.(1)

ثالثاً / السنة النبوية المُطهرة.

تضمنت السنة النبوية الشريفة تحريماً لقتل النفس البشرية إلا بالحق فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث؛ الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة».

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يحل

ص: 45


1- الطباطبائي: المصدر السابق ج 2 ص 233

دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث؛ رجل كفر بعد إسلامه، أو زنی بعد إحصانه، أو قتل فيُقتل».(1)

وتأكيداً لحرمة النفس البشرية فأن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد شدد على هذا الأمر، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقف بمنی حين قضى مناسكها في حجة الوداع، فقال: أي يوم أعظم حرمة؟ قالوا: هذا اليوم. قال: فأي شهر أعظم حرمة؟ قالوا: هذا الشهر (ذي الحجة)، فقال فأي بلد أعظم حرمة؟ قالوا: هذا البلد (مكة) قال: فإن دماءكم وأموالكم علیکم حرام کحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه، فيسألكم عن أعمالكم ألا هل بلغت، قالوا: نعم،

ص: 46


1- أحمد عبد الرحمن البنا الساعاتي: منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود ج 2 المطبعة المنيرية بالأزهر 1372 ه ص 291

قال: اللهم أشهد ألا من كانت عندهُ أمانه فليؤدّها إلى من ائتمنه فإنهُ لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسهِ ولا تظلموا أنفسكم وترجعوا بعدي كفاراً.(1)

وقال الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: [والذي بعثني بالحق لو أن أهل السماء والأرض شركوا في دم امرئ مسلم ورضوا بهِ لأكبهم الله على مناخرهم، في النار، أو قال: على وجوههم.(2) وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أول ما یُحكم الله فيه يوم القيامة الدماء فيوقف أبني أدم

ص: 47


1- محمد بن يعقوب الكليني: فروع الكافي. كتاب الديات باب القتل (172) دار المرتضی بیروت 2013 ص 1788
2- المصدر السابق: ص 1787 الساعاتي: ج 2 ص 289 عبد العظيم بن عبد القوي المنذري: الترغيب والترهيب من الحديث الشريف. مج 2 ج 3 دار مكتبة الحياة بیروت 1987 ص 183 - 186

فيفصل بينهما ثم الذين يلونهما من أصحاب الدماء حتى لا يبقى منهم أحد ثم الناس بعد ذلك ثم يأتي المقتول بقاتلهِ فيتشخَّب في دمهِ وجههِ فيقول: هذا قتلني، فيقول: أنت قتلته فلا يستطيع أن يكتم الله حديثاً.(1) وروى ابن ماجة عن عبد الله بن عمر فقال رأيتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يطوف الكعبة ويقول (ما أطيبكِ، وما أطيب ريحكِ، وما أعظمكِ وما أعظم حرمتكِ، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك: ماله ودمهِ،(2) كما أنهُ (صلى الله عليه وآله وسلم): أكد عظمة الذنب الذي يرتكبة بقتل النفس وجعله بمنزلة الشرك بقوله الشريف: «كل ذنب عسى الله أن يغفره

ص: 48


1- الكليني: فروع الكافي. المصدر السابق ص 1786
2- الساعاتي: ج 2 ص 289 المنذري: م 2 ج 3 ص 183 - 186

إلا رجل يموت مشركاً أو يقتل مؤمناً متعمداً»(1) وكذلك ذكر (صلى الله عليه وآله وسلم): «من أعان على دم امريءٍ مسلمٍ بشطر كلمة كُتب بين عينيه يوم القيامة: آیسٌ من رحمة الله».(2)

وذكر (صلى الله عليه وآله وسلم) في موضع آخر إن القاتل ملعون من الله، فعن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّهُ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لعن الله من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه»، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لعن الله من أحدثَ حدثاً أو أوى مُحدثاً قيل وما المحدث؟ قال: من قتل. وزاد عن ذلك (صلى الله عليه وآله وسلم): بإنه قال: إن أعتى الناس على الله عزَّ وجل

ص: 49


1- الساعاتي: ج 2 ص 289 المنذري: م 2 ج 2 ص 183 - 186
2- الساعاتي: المصدر السابق ج 2 ص 290 والمنذري: المصدر السابق ص 187

من قتل غير قاتله ومن ضرب من لم يضربه(1).

ولم يقتصر تحريم القتل وسفك الدماء على المسلمين بل شَمِل أيضاً المعاهدات وأهل الذمة، إذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): [من قتل معاهداً في كنهه حرّم الله عليه الجنة] وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): [من قتل نفساً معاهدة بغير حقها لم يجد رائحة الجنة وإنّ ريح الجنة ليوجد من مسيرة مائة عام].(2)

لقد مثّل الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) بخلقهِ الرحيم مع المسلمين وأهل الذمة أنموذجاً يُحتذى بهِ في السماحة والعدل ودَفعِ الظلم وتحريم العنف، ولهذا قال عز وجل فيه:

ص: 50


1- الكليني: مصدر سابق ص 1788
2- الساعاتي: مصدر سابق ص 290 المنذري: مصدر سابق ص 187

«لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»(1)

فلم يضرب بيدهِ الكريمة أحداً قط، إلا أن يضرب بها في سبيل الله تعالى، وما أنتقم من شيء صنع إليه إلا أن تنتهك حرمة الله.(2) ومن ثم فلم یکن عقابه (صلى الله عليه وآله وسلم) بغرض الانتقام والثأر وإنما بغرض تطبيق الشريعة السمحاء والحفاظ على الدين القيم. لذلك فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يحد عن تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية في تحريم العنف والقتل والأخذ بالقصاص على حرمة دماء المسلمين وأهل الذمة.(3)، (فعن أنس أن يهودياً رضّ «رضخ» رأس

ص: 51


1- سورة الأحزاب / الآية 21
2- أبو حامد محمد بن محمد الغزالي: إحياء علوم الدين. مج 2 دار الكتب العلمية بيروت 1986 ص 395
3- د. محمد حمید الله الحيدر آبادي: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة. مطبعة لجنة التأليف والترجمة القاهرة ط 2 / 1376 ه - 1956 م ص 282

جارية بحجرين، فقيل لها: من فعل هذا بكِ؟ فلان أو فلان؟ حتى سمي اليهودي فأومأت برأسها فجيء بهِ فأعترف فأمر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرضّ رأسهِ بحجرين اعتماداً للماثلة وحكماً بها).(1)

في الوقت ذاته كان (صلى الله عليه وآله وسلم) شديداً في محاسبة الذين يسفكون الدماء وإن كانوا مسلمين ومن أبرز الحوادث الدالة على ذلك هو بَعثِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) خالد بن الوليد حيث أفتتح مكة داعياً ولم يبعثهُ مقاتلاً ومعهُ قبائل من العرب فوطئوا بني جذيمة بن عامر، فلما رأه القوم أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا. فلما وضعوا السلاح أمر بهم

ص: 52


1- أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي: السنن الكبرى، ج 8 مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حیدر آباد الدكن، الهند، 1356 ه، ص 282

خالد فكُتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل مَن قتل منهم. فلما أنتهی الخبر إلى الرسول الكريم (صلی الله عليه وآله وسلم) رفع يديه إلى السماء ثم قال «اللهمّ أني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد». ثم دعا رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: «ياعلي أخرج إلى هؤلاء القوم فأنظر في أمرهم، وأجعل أمر الجاهلية تحت قدميك». فخرج الإمام علي (عليه السلام) حتى جاءهم ومعهُ مال قد بعث بهِ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فودّی هم الدماء وما أُصيبَ لهم من الأموال، حتى إنهُ ليدي میلغة الكلب(1)، حتى إذا لم يبقَ شيء من دم ولا مال إلا ودّاه، بقيت معه بقية من المال، فقال الإمام علي (عليه السلام) حين فرغ منهم، هل بقي لكم دم

ص: 53


1- میلغة الكلب: ما يحفر من الخشب ليلغ فيه الكلب ويكون عند أصحاب الغنم

أو مال لم يود لكم؟ قالوا: لا، قال: فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتیاطاً لرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مما لا يعلم ولا تعلمون. ففعل ثم رجع إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره الخبر فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) [أصبت وأحسنت] ثم قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأستقبل القبلة شاهراً يديه حتى أنهُ ليُرى ما تحت منكبيه يقول: [اللهمِ أني ابرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد] ثلاث مرات.(1)

ومن الحوادث الأخرى، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد غلّظ محلم بن جثامة بن قیس

ص: 54


1- أبو محمد عبد الملك بن هشام: سيرة النبي (صلى الله عليه آله وسلم). مراجعة وتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة حجازي القاهرة 1937، ج 2، ص 428 - 431. البيهقي: السنن الکبری: ج 9، ص 115 كذلك: عماد الدين أبو الفداء أبن كثير: السيرة النبوية، ح 3 تحقيق مصطفى عبد الواحد. دار المعرفة بیروت 1976 ص 591 - 592

عندما قتل عامر بن الأخبط الأشجعي عندما مرَّ على نفر من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعهُ غنم فسلّم عليهم، فقالوا ما سلّم علیکم إلا ليتعّوذ منکم، فحمل عليه جثامة فقتله بشيءٍ كان بينه وبينه وأخذ بعيره وغنمه فقال لهُ (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله أبی علی من قتل مؤمناً، قالها ثلاث مرات»، وقال لمحلم (أمنتهُ بالله ثم قتلته أو قتلته) بسلاحك في غرّة الإسلام، ودعا (صلى الله عليه وآله وسلم) «اللهم لا تغفر المحلم بن جثامة» ثلاث مرات بصوت عالٍ(1)،

ص: 55


1- البيهقي: السنن الکبری ج 9 ص 116، أبو عبدالله محمد بن اسحاق بن اليسار المطلبي: سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). هذبها أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ج 4، مطبعة المدني، القاهرة، 1383 ه. 1963 م، ص 1043 - 1045، كذلك: أبو عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي: الجامع لأحكام القران، مطبعة دار الكتب المصرية القاهرة، 1381 ه - 1961 م، ج 5، ص 339

وحوادث أخرى يذكرها أصحاب السير والمغازي تدلل على حرص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتشديده على حرمة النفس البشرية و تحریم سفك الدم والقتل، و إن دل ذلك على شيء فإنه يدل على سماحة النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وخُلقهِ العظيم وتألفه للناس وتأكيدٍ لسماحة الإسلام ومبادئه السامية.(1) وذلك كله كان يمثل البيئة والمناخ الذي نشأ في كنفه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وتربى عليه، فهو ربيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيه وقد تشربت في تفسهِ الكريمة هذه المبادىء السامية والراقية ليضعها

ص: 56


1- ينظر تفاصيل الحوادث في: سيرة أبن اسحاق: ج 4 ص 1039 - 1040 والقرطبي: الجامع لأحكام القرآن ج 5، ص 339 وكذلك أبن سعد، الطبقات الكبرى. مج 3، دار بيروت للطباعة 1978، ص 35-37. و محمد بن عمر بن واقد الواقدي: المغازي، ج 2 تحقيق الدكتور مارسدن جونس، دار المعارف القاهرة، 1965 ص 725

موضع التطبيق على نفسه وأهله وصحبه ورعيته.

رابعاً / العهد العلوي.

مثّل عهد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) امتداداً للقرآن المجيد والسنة النبوية المطهرة في المجالات كافة، وهي جزء أساس في سلسلة البناء العقائدي والفكري والحضاري للأمة الإسلامية.

في هذا العهد أسند أمير المؤمنين (عليه السلام) سلطات أساسية تمثل أركان بناء أيّ دولة مؤسسات على وفق القياسات المتطورة والمتقدمة للدول والحكومات الحديثة في عصرنا هذا، أسندها إلى مَن هو محل ثقة وقرب من أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن أتباعه المخلصين وهو مالك بن الحارث الأشتر النخعي وهذه السلطات الرئيسة:

1. جباية الخراج: وهي الوظائف المالية ويخص

ص: 57

ميزانية الدولة وموارد تحصيل المال لخزينة الدولة.

2. جهاد العدو: وهي تمثل السياسة الخارجية والتعامل مع الدول الأخرى.

3. استصلاح الأهل: وتمثل السياسة الداخلية.

4. عمارة البلاد: وهي التنمية الاقتصادية(1).

ولغرض القيام بها على أكمل وجه، يلتزم مَن عُهد إليه أمر مصر التي وصفها أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنها (بلاد قد جرت عليها دول قبلك، من عدل وجور) أي إنّها خُبرت أصناف مختلفة من الحكومات والسياسات، ما بين العدل والجور (الظلم) وهي إشارة إلى أنها بلاد ليس من

ص: 58


1- عهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لمالك الأشتر. وثيقة إسلامية ذات أبعاد قانونية - سياسية - اجتماعية - إدارية - اقتصادية - عسكرية. شبكة الفكر، alfeker.net

السهل ولاية الأمر فيها، ووجوب اتخاذ الصالح من الإدارة والقدرة على سياسة الأمور باتجاه مبتغى أمير المؤمنين (عليه السلام) في الحكم العادل لها.

لذلك فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) فَصّل دقائق الأمور ووضع قواعد وتعليمات تتعلق بتفاصيل دقيقة، قانونية ودستورية وسياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية، فلما يجوز حاکم أو ولي أمر العلم والمعرفة الدقيقة فيها، واثقاً إن المهمة ثقيلة على بلاد واسعة ومهمة من الولايات والبلدان الإسلامية آنذاك في سنوات الخلافة المضطربة والحوادث الجسام التي واجهتها الأمة الإسلامية، ولكنه (عليه السلام) كان على ثقة تامة بالشخص الذي ولاه أمر مصر (الأشتر النخعي).

لقد تضمنت تلك التفاصيل حصانة الحاكم وعلاقته بالرعية ورقابة الجمهور لهُ وسعي الراعي لنيل رضا الرعية وتحقيق العدل الاجتماعي

ص: 59

ومبدأ سيادة الأمة وسلطان الرأي العام و اختیار المستشارين وأهل الثقة القريبين من الحاكم وطبقات الهيأة الاجتماعية من الجنود وقادتهم والقضاة والموظفين والوزراء وأصحاب الصناعة والتجارة والعمال، والتحذير من احتجاب الوالي عن رعيته وبطانة السوء ومسؤولية القائد اتجاه الأمة والحرب والصلح وآداب الولاة فضلاً عن تحريم سفك الدماء بغير حقها.(1)

ويمكن القول إن تلك الهياكل والأبنية التي وضع هندستها وتصميمها - لدولة إسلامية مثالية مطابقة لروح وجوهر الرسالة السماوية للدين الحنيف الإسلام - أمير المؤمنين (عليه السلام) قد سبقت بقرون ما اجتهد في وضع قواعده ونصوصه الدستورية والقانونية فقاءٌ ومشرعون وفلاسفة بعد صراع طويل دفعت البشرية أثماناً باهضة لإدراكهِ

ص: 60


1- المصدر السابق: ص 5 - 13

وتجسيدهِ على أرض الواقع، إلا أنها لم تُفلح لحد الآن في تحقيقه بصورة كاملة وناجزة.

لقد سبق أمير المؤمنين (عليه السلام) عصرهُ وعصوراً أعقبت عصره وتظافرت جهود هدامة في الحيلولة دون تحقيقهُ وآلت الأمور إلى ما آلت إليه أوضاع المسلمين اليوم من انحطاط وتدهور وضياع.

وبقدر تعلق الأمر بحرمة الدماء في العهد العلوي لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) فإن دراستهُ لا تتم بمعزل عن باقي تفاصيل العهد، وفي ذلك رابطة وثيقة لا يمكن إهمالها لأسباب شتی:

1. إن جريمة قتل النفس وسفك الدم هي نتيجة حتمية للظلم والجور و فساد ولاة الأمر وبطاناتهم السيئة والفقر والتجويع والاضطراب والضعف العسكري والسياسي

ص: 61

وفشل السياسات العامة ومخاطر التمردات والحرب الأهلية ثم ممارسة القمع اتجاه من يعارض هؤلاء الولاة.

2. وهي - أي جريمة قتل النفس وسفك الدم الحرام - أيضاً سببٌ في تفاقم النقمة الشعبية وكراهية الحاكم والتمرد عليه، بناءً على ما تقدم فإن كيمياء التفاعل بين العناصر المكونة لأي نظام تحدد مستوى العنف وسفك الدماء، سلباً أم إيجاباً، ولذلك فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) يؤكد بقوة على تلك العلاقة الإيجابية ما بين الراعي والرعية فيقول: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فأنهم صنفان: إما أخً لك في الدين، أو نظير لك في الخلق.....). وتلك هي قمة الإنسانية التي تميّز الحاكم

ص: 62

العادل الصالح والحكم الرشيد، وهي مصداق للحديث النبوي الشريف «ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته».

إن ما يمكن الاستدلال على أن سفك الدماء هي نتيجة لعوامل وأسباب تصيب الحكم وتؤدي به إلى الخروج عن جادة الصواب والإيغال في قتل النفس التي حرم الله قتلها وكان قد قدم لها أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهده ليكون التحذير (إياك والدماء وسفكها بغير حلها) في نهاية العهد، فكان تمهيداً نفسياً وعقلياً للمتلقي کي يعي أمور الحكم جيداً.

ص: 63

ومن هذه الأفكار التمهيدية التي ذكرها العهد:

قول أمير المؤمنين (عليه السلام: (ولا تنصبن نفسك لحرب الله

«أي مخالفة شريعته بالظلم والجور» فإنه لا يد لك بنقمته «لا طاقة لك بها»، و لا غنى بك عن عفوه ورحمتهِ، ولا تندمن على عفوٍ، و لا تبجحن بعقوبة «كفرح لفظاً ومعنی»، و لا تسرعن إلى بادرة «ما يبدو من الحدة عند الغضب في القول أو الفعل وجدت منها مندوحة «المتسع، أي المخلص»، و لا تقولن: إني مُؤمِّرٌ «أي مسلّط» أمر فأطاع، فإن ذلك إدغال «أدخال الفساد» في القلب، ومنهكة للدين «مضعفة وتقرب من الغِيَر» حوادث الزمان بتبدل الدول....).

ماتقدم يمثل الفساد، والظلم والجور وهو بداية لكل آثام الحكم الجائر الظالم.

ص: 64

العظمة والكبرياء والزهو الذي يصيب الحاكم

فيحذر منه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بقوله: (وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة «العظمة والكبريا» أو مخيلة «الخيلاء والعُجب» فأنظر إلى عِظم مُلك الله فوقك وقدرتهُ منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فإن ذلك يُطامن «يخفض منه» إليك من طماحك، ویکن عنك من غربَكَ «الحدة» ويفيءُ «يرجع» إليك بما عَزَبَ «غاب» عنك من عقلك).

الإحساس بالسمو والعلو

(إياك ومساماة «المباراة في السمو، أي العلو «الله في عظمته، والتشبه به في جبروته، فإن الله يذل كل جبار ويهين كل محتال).

ظلم العباد والإقامة على ظلم

وفي ذلك يقدم أمير المؤمنين (عليه السلام)

ص: 65

القاعدة الأساسية للحكم الصالح وهي قاعدة (الإنسان) وتركها يعني الظلم، فيقول (أنصف الله وأنصف الناس من نفسك، ومن خاصة أهلك، ومن لك فيه هویً من رعیتك، فإنك إلا تفعل تظلم؛ ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته «أبطل»، وكان الله حرباً «أي محارباً «حتى ينزع» يقلع عن ظلمه، أو يتوب) ويأتي أمير المؤمنين (عليه السلام) على ذكر نتيجة ذلك فيقول: (وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظُلم، فإن الله سمیع دعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد).

اختيار المستشارين

وأمير المؤمنين (عليه السلام) ينصح بإبعاد ذوي الخصال السيئة من المستشارين عن مجالس الحكام لِما يؤثرون فيه سلباً بقوله (عليه السلام):

(و لا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك

ص: 66

عن الفضل «الإحسان»، ويعدك الفقر «يخوفك منه لو بذلت»، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، و لا حريصاً يزين لك الشرّه «أشد الحرص» بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى «طبائع متفرقه» يجمعها سوء الظن بالله).

بطانة السوء:

وهي التي تزين للحاكم أخطاءه وزلاته وتصورها اعمالاً عظيمة وتحجبهُ عن الرعية ولا تكون أمينة الصلة مع الناس، طامعة غاصبة للحقوق تمتاز بالشرّه والفساد وفي ذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن أيقن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيراً، ومن شركهم في الآثام، فلا يكونن لك بطانة «بطانة الرجل خاصته، وهو من بطانة الثوب خلاف ظهارته»، فإنهم أعوان الأثَمة «جمع إثم وهو فاعل الإثم، أي الذنب، وأنت واجد منهم خير الخلف ممن لهُ مثل آرائهم

ص: 67

ونفاذهم، وليس عليه مثله آصارهم «الذنب والإثم» وأوزارهم «جمع وزر وهو الذنب والإثم أيضاً» و آثامهم ممن لم يعاون ظالماً على ظلمهِ ولا آثماً على إثمهِ...).

مساواة السيء والحسن من الناس

(و لا يكونن المُحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء فإن ذلك تزهيد لأهل الإحسان في الإحسان وتدريب لأهل الإساءة على الإساءة فالزم کلاً منهم ما ألزم منهُ أدباً منك ينفعك الله بهِ وتنفع بهِ أعوانك).

سوء اختيار الموظفين

ينصح أمير المؤمنين (عليه السلام) واليه على مصر بحسن اختيار الموظفين «العمال» فهو (عليه السلام) يقول: (ثم أنظر إلى أمور عمالك وأستعملهم اختباراً «وَلِّهم الأعمالَ بالامتحان» ولا

ص: 68

توليهم أمورك محاباةً «أي اختصاصاً ومیلاً منك لمعاونتهم» وأثرة «أي استبداد بلا مشورة» فإن المحاباة والأثرة جماع الجور والخيانة)، وينصح أمير المؤمنين (عليه السلام) في مجال الاختيار لولاية الأعمال فقال: (فاصطفِ لولاية أعمالك أهل الورع والعلم والسياسة، وتوخَّ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام، فإنهم أكرم أخلاقاً وأصح أعراضاً وأقل في المطامع إشرافاً وأبلغ في عواقب الأمور نظراً من غيرهم، فليكونوا أعوانك على ما تقلدت)، ولا يكتف بذلك، إنما ينصح أن الأمر لا يقف عند الاختيار والتولية إنما في المتابعة والمراقبة فينصح (عليه السلام) قائلاً: (ثم تفقد أعمالهم وأبعث العيون عليهم من أهل الصدق والوفاء فإن تعهدك في السر أمورهم حدوة لهم «أي سوق لهم وحث» على استعمال الأمانة والرفق بالرعية) ثم تأتي مرحلة العقاب: (فإن أحذ منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها أخبار عيونك

ص: 69

اكتفيت بذلك شاهداً فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عملهِ ثم نصبته بمقام المذلة فوسمتهُ بالخيانة وقلدتهُ عار التهمة)، وهو ما يصطلح عليه اليوم (مكافحة الفساد الإداري).

الاستغلال الاقتصادي البشع والفقر وإهمال العمارة والاحتكار

لذلك أوجه عديدة ذكرها أمير المؤمنين (عليه السلام) منها: إهمال عمارة الأرض والسعي لتحصیل الخراج فقال (عليه السلام): (وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، وأهلك العباد، ولم يستقم أمر إلا قليلاً).

ومنها الاحتكار المحرم فقد قال (عليه السلام): وأعلم - مع ذلك - إن في كثير منهم «أي التجار» ضيقاً «عسر المعاملة» وشحاً «البخل» قبيحاً،

ص: 70

واحتكاراً «حبس المطعوم ونحوهِ عن الناس لا يسمحون بهِ إلا بأثمان فاحشة» للمنافع، وتحكماً في البياعات وذلك باب مضرّة للعامة، وعيب على الولاة).

احتجاب الولاة وفقدان ثقة الشعب بهم:

نصح أمير المؤمنين (عليه السلام) الأشتر النخعي (رضوان الله عليه) بعدم الاحتجاب عن الرعية وأوضح سوء ذلك بقوله: (فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونهِ فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل)، وفي ذلك سوء النتائج بشيوع اليأس في الحاكم (فما أسرع کف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك «العطاء» مع أن أكثر حاجات الناس إليك مما لا مؤونة فيهِ عليك، من شکاة»

ص: 71

شكاية مظلمة، أو طلب أنصاف في معاملة.

استئثار البطانة الخاصة بالوالي:

فيذكرهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: (ثم إن للوالي خاصة وبطانة، فيهم استئثار، وتطاول، وقلة إنصاف في المعاملة)، ولذلك على الحاكم أن يحسم أمرهم ويقطع مادة شرورهم وينصح (عليه السلام): (ولا تقطعن لأحد من حاشيتك، وحامتك «الخاصة والقرابة» قطيعة، ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة، تضر بمن يليها من الناس، في شرب «نصيب من الماء» أو عمل مشترك، يحملون مؤونته على غيرهم، فيكون مهنأ ذلك «العاقبة» لهم دونك، وعيبه عليك في الدنيا والآخرة).

العيوب النفسية والاجتماعية في شخصية الحاكم:

يذكر (عليه السلام) العديد منها في عهده إلى مالك الأشتر(رضوان الله عليه)، ويحذره أمير

ص: 72

المؤمنين (عليه السلام) منها فهي تؤدي إلى الظلمِ والجور والعدوان، ومن هذه العيوب التي تُذكر بصيغ التحذير:

1. (وإياك والأعجاب بنفسك، والثقة بما يُعجبك منها وحب الاطراء «المبالغة في الثناء»، فإن ذلك من أوثق فُرص الشيطان في نفسه ليمحق ما یکون من إحسان).

2. (وإياك والمن على رعيتك بإحسانك، أو التزّيد «إظهار الزيادة في الاعمال عن الواقع منها في معرض الافتخار» فيما كان من فعلك. أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخُلفك، فإن المن يُبطل الإحسان، والتزيد يذهب بنور الحق، والخُلف يوجب المقت عند الله والناس).

3. (وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها، أو

ص: 73

التسقط «التهاون» فيها عند إمكانها، أو اللجاجة فيها إذا تنكرت «لم يعرف وجه الصواب فيها» أو الوهن «الضعف» عنها إذا استوضحت، فضع كل أمر موضعه و أوقع كل أمر موقعه).

4. (وإياك والاستئثار «تخصيص النفس بزيادة» بما الناس فيه أسوة «أي متساوون» والتغابي «التغافل» عما تُعنی بهِ عما قد وضح للعيون، فإنهُ مأخوذ منك لغيرك).

إن هذه الصفات والخصائص السيئة في النفس البشرية، تجعل من الحاكم ميالاً أكثر نحو الجور والظلم تساعده وتنّمي فيهِ هذه الروح بطانة السوء والمقربين، فيبتعد عن رعيته ويحتجب ويتغافل عن كثير من أمور رعيته ويقسو قلبه و يجفو ولا يتورع عند ذاك عن ارتكاب الآثام والمعاصي فتزل قدمه ويبغي على خلق الله.

ص: 74

وعند ذاك تأتي اسوأ مراحل الحكم المستبد فتسفك الدماء وتقتل النفس المحرم قتلها إلا بالحق، وعلى ذلك فإن هذه المسألة من أخطر المسائل والقضايا التي عانى منها الحكم منذُ عهود بني أمية (عليهم اللعنة) وبني العباس وحتى اليوم، وفي ذلك يشدد أمير المؤمنين (عليه السلام) على حرمة الدماء.

خامساً / حُرمة الدماء في العهد.

يُحذّر أمير المؤمنين (عليه السلام) واليه على مصر بقوله: (إياكَ والدماء وسفكها بغير حلها...)، ولفظ (إياكَ) ضمير منفصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول بهِ منصوب على التحذير لفعل محذوف تقديره احذر.

أي احذر سفك الدماء بغير حقها أو الأسباب الشرعية التي تستدعي سفك الدم وهو تعبير عن

ص: 75

قتل النفس المحرم قتلها إلا بحقها.

وقد ذكرت تلك الأسباب الشرعية لسفك الدم فيما سبق في القرآن المجيد والسُنة النبوية المطهرّة، وذلك التحذير يعني عدم الوقوع في المحظور والمحرّم مادام غير جائز ولا مشروع من قبل الشارع المقدس أو من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

إن التحذير الشديد من سفك الدماء بغير حلها، إنما هو لمنع الحاكم أو الوالي الأمر أحد الأمصار الإسلامية من عواقب ذلك، بقوله (عليه السلام): (فإنه ليس شيء أدني لنقمة، ولا أعظم لتبعة، و لا أحرى بزوال نعمة، وانقطاع مُدّة، من سفك الدماء بغير حقها..).

وبذلك فإن هذا الفعل المحرّم يؤدي إلى نقمة الله وغضبه، وينتج عنه تبعة أو مسؤولية عظيمة، تؤدي

ص: 76

إلى زوال نعمة الأمن والأمان، والاستقرار والنماء والعيش الكريم، فضلاً عن انتهاء مدة الحكم و التعجيل بنهايتها على سوء بسبب ذلك الفعل المحرّم في سفك الدماء.

ويؤكد (عليه السلام) ما سبق أن تحدث به وحذّر منه الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن [الله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة]. لما لفظاعة هذا الفعل وتأثيره العظيم على كيان المجتمع واستقراره، وهضماً لحقوق الناس في الحياة، حتى جعل عقوبة القصاص، فعن أبي عبدالله (عليه السلام) أنهُ قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (من خاف القصاص كفّ عن ظلم الناس) ثم أورد الحديث عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)،(1) وبذلك عُدَّ القصاص مبعثاً للحياة

ص: 77


1- محمد يعقوب الكُليني: أصول الكافي كتاب الإيمان والكفر / باب الظلم، دار المرتضی، بیروت 2012 ج 2، ص 640 و 642

کعقوبة دنيوية رادعة من ارتكاب الفعل وتكراره ليحرم الإنسان من حقهِ في الحياة.

وبعد ذلك يوصي واليه على مصر عبر النهي عن تقوية السلطان بسفك الدم فقال (عليه السلام): (فلا تقوّین سلطانك بسفك دمٍ حرامٍ، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله..). إن في ذلك حكمة بليغة رائعة استقرأت احداث التاريخ قبل عهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) (35 - 40 ه) وأحداث الأمم والدول والشعوب بعده، فكل الممالك والإمبراطوريات وأنظمة الحكم الغاشمة والطاغية التي قامت على سفك الدماء والظلم والجور قد انهارت وزالت وأصبحت نسياً منسيا، وهي حقيقة ثابتة.

وعلى الرغم من معرفة أمير المؤمنين (عليه

ص: 78

السلام) بمن كلفهُ ولاية مصر، وصلته الوثيقة بهِ كأحد قادة جيوشهِ وخبرة في أشد الظروف وأقساها، حتی شبّه منزلته منهُ، كمنزلة الإمام علي (عليه السلام) نفسهِ من النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنه يشدد عليه في القول: (ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لأنه فيه قود البدن «القصاص، هو و أضافته للبدن لأنه يقع عليه»). ودل هذا القول بأنه ليس لهُ شفاعة في حد من حدود الله وهو القصاص في القتل العمد دون سبب مشروع لذلك ويسمى اليوم «الإعدام التعسفي».

ويبدأ في نصحو في حالة ارتكاب الخطأ بقوله (عليه السلام): (وإن ابتليت بخطأ، وأفرط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة «أي عجل بما لم تكن تريده، فأردت تأديباً فأعقب قتلاً، أي القتل الخطأ»، فإن في الوكزة «الضربة بجمع الكف

ص: 79

أي قبضته، اللكمة» فما فوقها مقتلةً، فلا تطمحن «ترتفعن» بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أولياء المقتول حقهم). وذلك يترتب على الوالي أو الحاكم في حالة القتل الخطأ وغير المقصود دفع الدية إلى ذوي المقتول، وهذا ما فعله أمير المؤمنين (عليه السلام) بنفسهِ على الرغم من إنهُ لم يرتكب قط مثل هذا الفعل عمداً أم خطأ وأراد أن يعلم الأمة المبادئ السامية الحقيقية للإسلام واحترام حقوق الناس في الحياة، فعن أبي عبدالله (عليه السلام) إن أمير المؤمنين (عليه السلام) رفع إليه رجل عذّب عبدهُ حتى مات فضربهُ مائة نكالاً وحبسهُ سنة وأغرمهُ قيمة العبد فتصدق بها عنهُ. وعن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل وجد مقتولاً لا يدري من قتله. قال: (إن كان عُرف وكان لهُ أولياء يطلبون دیته أعطوا دیتهِ من بيت مال المسلمين ولا يبطل دم امرئ مسلم لأن ميراثه للإمام، فكذلك تكون دیته على الإمام،

ص: 80

ويصلّون عليه ويدفنونهُ).(1)

کما قضى (عليه السلام) في رجل زحمهُ الناس يوم الجمعة فمات، أن ديته من بيت مال المسلمين، وفي ذلك قال (عليه السلام): (مَن ماتَ في زحام الناس يوم الجمعة، أو يوم عرفه أو على جسر لا يعلمون من قتله فديته من بيت المال)، وقال (عليه السلام): (لا يبطل دم امرئ مسلم).

ويدل ما تقدم أن وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) وعهده مبني على الشريعة الإسلامية والنهي عن القتل والعدوان الذي لا يسيغه الدين، وهو يضعف السلطان ويهدمهُ وهو تعريف بأن القتل العمد يوجب القود «القصاص» فقال له «قود البدن» أي يجب عليك هدم صورتك کما هدمت صورة المقتول، والمراد إرهابهِ بهذه اللفظة

ص: 81


1- الكُليني: فروع الکافي كتاب الديات / باب القتل ص 1810، 1847، 1848

فإنها أبلغ من أن يقول لهُ فإن فيه القود، ثم قال لهُ إن قتلتَ خطأً أو شُبه عمد كالضرب بالسوط فعليك الدية.(1)

لقد تسامي أمير المؤمنين (عليه السلام) في رفعة شأنه ومنزلته عن باقي البشر، في أحترام النفس البشرية، ولم يكن، وهو المقاتل الباسل الشجاع الذي قضى سنين طوال من عمره في معارك نصرة الإسلام ومواقعها الكبيرة، ذلك السفّاك للدماء المحب للقتل، بل كان متسامحاً حتى مع خصومهِ، وبلغ رقيه الإنساني في وصيتهُ (عليه السلام) للحسن والحسين (عليه السلام) لما ضربهُ ابن ملجم (لعنهُ الله)، يوصيهما بقاتلهِ خيراً بقوله: (إنهُ أسير فأحسنوا نزله وأكرموا مثواه فإن بقيت قد قتلت أو عفوت،

ص: 82


1- عز الدين أبي حامد عبد الحميد بن هبة الله المدائني، ابن أبي الحديد، نهج البلاغة، م 4، ج 17. دار الكتب العربية الكبرى القاهرة، 1329 ه. ص 80

وإن متُ فاقتلوه قتلي و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين). وأوصى أيضاً (إلى أكبر ولدي غير طاعن عليهِ في بطن ولا فرج). وقوله (عليه السلام): (ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي، أنظروا إذا أنا متُ من ضربتهِ هذهِ، فأضربوه ضربة بضربة، و لا تمثلوا بالرجل، فإن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: [إياكم والمُثلة ولو بالكلب بالعقور).(1)

ص: 83


1- أبن أبي الحديد: نهج البلاغة، ص 112 - 113. وكذلك أبن سعد، الطبقات الکبری، م 3، ص 35-36

الخاتمة

أنموذج رائع ومتميز على صعيد الفكر الإنساني، وعلى صعيد الممارسة العملية في جوانب الحياة الاجتماعية والقانونية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، ذلك ما أبدعهُ أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) من وثيقة قانونية، دستورية، اجتماعية، اخلاقية، إسلامية، متكاملة في امتداد لنهج القرآن المجيد والسُنة النبوية المطهرّة.

وأمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن ليصدر هذه الوثيقة إلى واليه على مصر، على أنها كتاب خاص من حاكم أعلى إلى حاكم في مستوى أدني في الإدارة والحكم، لتكون دلیلَ عملٍ في ظرف زماني محدود ومكان محدد ألا وهو (مصر)، إنما جاءت لتكون تشریعاً دينياً ودنيوياً ينظم أحوال البلاد والعباد كافة، على أُسس وقواعد ومبادئ هي جوهر الإسلام الحنيف التي نطقت بها آيات القرآن المجيد

ص: 84

وأقوال وأفعال النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم).

إن من أساسيات العهد العلوي، حرمة الدماء والتحذير من سفكها بغير حلها، لما للدماء من حرمة عظيمة عند الله ورسوله يقابلها عقاب أليم في الدنيا ومقيم في الآخرة، ذلك لأن هذا الجرم العظيم يوهن المُلك ويهدم بناء المجتمع والدولة ويُضعف کیان الأمة ويُسهم في قيام حكم الجور والظلم والطغيان.

لقد بين العهد في تفاصيله الدقيقة العوامل والأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية التي تتفاعل لتنتج نظام الظلم والجور الذي يؤدي إلى قتل النفوس البريئة، وقد شدد عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) ناصحاً الأخذ بأفضل الأسباب لتجنبها، وقد ابتدأ (عليه السلام) وصاياه في إصلاح نفس الحاكم وحاشيته وبطانته

ص: 85

ومنزلة العلماء والحُكماء منهُ قرباً أو بعداً، فضلاً عن عمارة البلاد وإصلاح العباد والأخذ بأسباب النماء في مجالاته كافة، وأسلوب التعامل مع طبقات المجتمع المختلفة من جُند وقادة وقضاة ووزراء ومستشارين وتجار وصُناع وفقراء و مساکین وذوي حاجة والمرضى (الزمنی)، ولم يدّخر أمير المؤمنين (عليه السلام) وسِعاً في وضع خطط إصلاح للأمة في مفاصلها الدقيقة وجوانب حياتها كافة.

إن ما توصلت إليهِ الدراسة من نتائج مهمة يمكن ملاحظتها عبر ربط عناصر العهد العلوي بعد تفکیکها لتصب في جوهر أساس هو قيام الحكم الرشيد على وفق قواعد ومبادى الإسلام الإنسانية السامية.

ولعل أهم النتائج التي أثمرتها الدراسة الآتي:

1. إن حرمة سفك الدماء بغير حلها، التي حذر

ص: 86

أمير المؤمنين (عليه السلام) منها واليه على مصر، إنما هي نتاج تفاعل معطيات كثيرة تفرزها تجربة الحكم في بلد ما، سلباً أم إيجاباً، تؤدي إلى زيادة نسبة جرائم القتل أو انخفاضها تبعاً لنوع نظام الحكم وطبيعة الحاكم، ودرجة التفاعل تلك.

5. إن حرمة سفك الدم لها أسبابها التي أكدت عليها الآيات الكريمة والسُنة النبوية المطهرة، قال تعالى: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»(1)، فقتل النفس الواحدة بمنزلة قتل المجتمع بأسره والناس فيه جميعاً، وإحياءها، وإنقاذها من الموت هو إحياء لجميع الناس في ذلك المجتمع. لذلك فهي بادئة حياتية مجتمعية لم يدرك أبعادها الإنسانية الحقيقية

ص: 87


1- المائدة: 32

غير الإسلام وتوصل إلى عقلائيتها المجتمع الدولي اليوم.

6. إن حرمة سفك الدم وقتل النفس التي أكد وشدد عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) في آخر عهدِهِ هي امتداد للقرآن المجيد والسُنة النبوية المطهرة وآخر عهد يوليه خليفة المسلمين حقهِ حتى اليوم، أكد تفاصيل ودقائق الأمور التي تؤدي إلى ارتکاب الفعل الإجرامي، وأستكملهُ بحث نتائجهُ ومعالجة أسبابه والوقاية منه، وإصلاح الضرر من وقوعهِ بسبب الغفلة أو التمادي أو زهو السلطان وأفراط سوطه أو يده أو سیفه.

7. لقد أدركت البشرية وبعد قرون من عهود الطغيان والاستبداد والحروب والمجازر التي تعرضت لها الأمم والشعوب بسبب

ص: 88

ملوكها وحكامها وطغيان أجهزة دولهم القمعية، معنی وحقيقة الجريمة وآثارها ونتائجها الهدامة التي أفضت إلى الخراب والتدهور الإنساني للعديد من الشعوب والدول والأمم.

أفضى هذا الأدراك المتأخر للأثمان الباهضة على صعيد المعاناة الإنسانية لتكاليف إقامة (حضارات) و (دول مدنية حديثة) قائمة على انتهاك حقوق البشر في الحياة والأمان والاستقرار، أن تقوم هذه الأمم العظيمة بقدراتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية والعلمية، المتحكمة في إدارة العلاقات الدولية، بإصدار العهود والمواثيق وتوقيع الاتفاقيات والمعاهدات و إنشاء المحاكم الجنائية، لمواجهة الانتهاكات الجسيمة لحق الإنسان في الحياة وحظر أعمال وإجراءات الإعدام التعسفي، وإبادة الجنس البشري والإبادة الجماعية والتطهير العرقي على وفق

ص: 89

مبادی إنسانية كريمة سبقهم بها الدين الحنيف عن طريق القرآن المجيد والسُنّة النبوية المطهرة والقواعد القانونية - الدستورية - الإنسانية التي أوجدها أمير المؤمنين (عليه السلام) على صعيد الفكر والممارسة.

1. حريٌّ بنا أن نعتمد العهد العلوي بما فيه من قيم إسلامية ومبادئ إنسانية وقواعد قانونية وفلسفة حكم صالح ورشيد في إقامة بناء الدولة ومؤسساتها و أجهزتها و إن يكون دلیل عمل لولاة الأمر بما يصلح أحوال البلاد والعباد.

والحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على محمد و آل محمد.

ص: 90

مراجع الدراسة

أ. القرآن المجيد

ب. التفاسير

1) الطباطبائي: الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة النشر الإسلامي، قم 1423 ه.

2) الطبرسي: مجمع البيان في تفسير القرآن، منشورات مكتبة الحياة . بيروت (د.ت).

3) الطبري: جامع البيان في تفسير القرآن، دار الحديث، القاهرة 1987 م.

4) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، القاهرة 1381 ه / 1961 م.

ج. كتب الحديث

1) البيهقي: السنن الکبری، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند 1356 ه.

2) الساعاتي: منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود، المطبعة المنيرية بالأزهرة 1372 ه.

3) الكليني: أصول الكافي، دار المرتضی، بیروت 2012.

ص: 91

4) الكليني: فروع الكافي، دار المرتضی، بیروت 2013.

5) المنذري: الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، دار مكتبة الحياة بيروت 1987.

د. المراجع الأخرى

1) أبي الحديد، نهج البلاغة، دار الكتب العربية الكبرى القاهرة 1329 ه.

2) ابن اسحاق: سيرة النبي (صلى الله عليه و آله وسلم) مطبعة المدني القاهرة 1383 ه - 1963 م.

3) ابن سعد، الطبقات الکبری، دار بيروت للطباعة 1978.

4) ابن كثير: السيرة النبوية، دار المعرفة بیروت 1979.

5) أبو محمد عبد الملك بن هشام: سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، مطبعة حجازي القاهرة 1937 م.

6) الخشن، الشيخ حسين: الإسلام والعنف، الدار البيضاء - المغرب 2006 م.

7) الحيدر ابادي، د. محمد: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، القاهرة / 1376 ه - 1956 م.

8) الدوري، د. قحطان: الإسلام والإرهاب، مطبعة الرشاد بغداد 1988 م.

9) الركابي، د. ساجد: الإسلام والإرهاب البصرة 2006 م.

ص: 92

10) الغزالي: إحياء علوم الدين، بیروت 1986 م.

11) الواقدي: المغازي، دار المعارف القاهرة، 1965.

12) عهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لمالك الأشتر، شكبة الفكر، alfeker.net.

ص: 93

ص: 94

المحتويات

مقدمة المؤسسة...5

مقدمة...9

أولاً / العهود والمواثيق الدولية...15

ثانياً / القرآن المجيد...29

ثالثاً / السُنة النبوية المُطهرة...45

رابعاً / العهد العلوي...57

خامساً / حُرمة الدماء في العهد...75

الخاتمة...84

مراجع الدراسة...91

ص: 95

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.