في الاعلام الإسلامي

هوية الکتاب

في الاعلام الإسلامي

اثارات في أخلاق المهنة وصناعة الراي العام

من خطب سماحة المرجع الديني

الشيخ المحتوى الیعقوبی

ص: 1

اشارة

ص: 2

فی الاعلام الاسلامی

الارات في اخلاق المهنة وصناعة الراي العام

من خطب سماحة المرجع الدینی

الشیخ محمد الیعقوبی

ص: 3

ص: 4

في الاعلام الإسلامي

اثارات في أخلاق المهنة وصناعة الراي العام

ص: 5

مكتبة مؤمن قريش

لو وضع ايمان أبي طالب في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق

الكفة الأخرى لرجح إيمانه

الإمام الصادق (علیه السلام)

دار الصادقين

للطباعة والنشر والتوزيع

النجف الاشرف / شارع الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم)

07808289364

الطبعة الأولى

1435ه- - 2014م

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 7

ص: 8

الفصل الأول : الإعلام الإسلامی هموم تؤسس الوعي الجديد

اشارة

ص: 9

ص: 10

لماذا تضاعفت مسؤولياتنا في الوقت الحاضر ؟

*لماذا تضاعفت مسؤولياتنا في الوقت الحاضر ؟ (1)

لقد تضاعفت مسؤوليتنا في الزمان الحاضر لابتلاثنا بقضيتين مرتبطتين ببعضهما هما

الهجوم على الإسلام

1 - الهجمة الشرسة التي يتعرض لها المسلمون في العالم تحت عناوين مظللة ومموهة يستطيعون بها تمرير خططهم و تحشيد أكبر عدد من المؤيدين واختاروا لذلك عنوان الإرهاب ولم يضعوا تعريفاً واضحاً محدداً له ليمكن تمييز الأفراد الداخلة عن غيرها، فبقي مبهماً ومفتوحاً لشمول كل من يقف في طريقهم ولا يخضع لهم ، وبهذا العنوان المبهم المثير للاشمئزاز جندوا الكثير

ص: 11


1- من محاضرة ألقيت على حشد كبير من أساتذة وطلبة الحوزة العلمية في نهاية العام الدراسي بمناسبة حلول شهر محرم الحرام وتوجه الخطباء للتبليغ، وكانت بتأريخ 27 ذي الحجة / 1422 ه- الموافق 2002/3/12. وهي أول محاضرة عامة من سلسلة محاضرات بعنوان (نحن والغرب) رد بها سماحة الشيخ اليعقوبي على ما أعلنه الغرب وزعيمته الولايات المتحدة من حرب على الإسلام بعنوان الحرب على الإرهاب بعد حادث تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك بطائرتين ومهاجمة مقر البنتاغون بطائرة ثالثة 11 /أيلول / 2001 وراح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف أمريكي.

في حربهم القذرة رغباً ورهباً.

وهذا الأسلوب من الخداع والتضليل ليس جديداً، فهم أبناء أولئك الذين جندوا جيوشهم لحرب الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) ووضعوا عناوين مظللة له بأنه ساحر كذاب سفه آلهتنا، وكذلك لحرب أمير المؤمنين (علیه السلام) لأنه قتل عثمان، ولحرب الحسين (علیه السلام) لأنه خارجي خرج على إمام زمانه وللحرب الصليبية لنصرة الصليب المقدس، والحقيقة غير هذا كله، فلا شيء وراء كل هذه الحروب إلا المحافظة على المصالح والامتيازات وجلب المزيد منها.

صناعة العدو الجديد

والذي يتابع تصريحات الساسة الغربيين يكتشف هذه الحقيقة كما جرت على لسان الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء إيطاليا ورئيسة وزراء بريطانيا السابقة، لأنهم يشعرون بعد انهيار 10 الاتحاد السوفيتي كقطب عالمي مقابل لهم، أن العدو المقبل والوحيد هو الإسلام، فقد أكد صموئيل هانتنج تون (1) صاحب

ص: 12


1- صموئيل هانتنج تون بروفيسور أمريكي من أصل يهودي متخصص في الإدارة العامة ومدير المعهد جون أولين للدراسات الاستراتيجية في جامعة هارفارد وقد كرس حياته المهنية لموضوع الاستراتيجية العسكرية بحثاً وتدريساً واهتم بصورة مباشرة بالدراسة المقارنة في مجال السياسة الأمريكية وسياسات دول العالم الثالث وقد أسندت إليه ما بين عامي 1977 – 1978 مسؤولية قسم التحليل والاستشراف بمجلس الأمن القومي الأمريكي) عن كتاب قضايا في الفكر المعاصر / محمد عابد الجابري. صفحة 93.

نظرية صدام الحضارات التي نشرها أول مرة في مجلة شؤون خارجية في عددها سنة 1993 يقول: (إن الصراع القادم سوف لن يكون آيديولوجياً مثلما كان إبان الحرب الباردة بقدر ما سيكون صراعاً بين الحضارات، لا سيما الحضارة الإسلامية والغربية وقال ما نصه: (أن التفاعل العسكري الذي يمتد عمره قروناً بين الغرب والإسلام ليس من المرجح أن ينحسر بل قد ، یصبح أكثر خطراً) (1)، وقد جاءت هذه النظرية بشكل مستعجل ومضطرب وفاقدة للأدلة والشواهد العلمية الدقيقة - كما هو شأن الحقائق العلمية - مباشرة بعد أطروحة نهاية التأريخ لفرانسيس فوكا ياما الأمريكي من أصل ياباني، فلماذا حصل هذا رغم أنهما يشتركان في أصل الفكرة، وهو (إن النموذج الغربي هو الأمثل، ولابد أن يخضع له العالم أجمع، ففو كا ياما أكد في نظريته أن الديمقراطية الليبرالية

ص: 13


1- الفكر الإسلامي المعاصر والعولمة سناء كاظم كاطع عن صدام الحضارات: صموئيل هانتنج تون وآخرون من مركز الدراسات والبحوث والتوثيق، بیروت 1995 صفحة .25

هي نهاية التأريخ في ضوء انتصارها على الشيوعية، بل أنه لم يتوان عن دعوته إلى فرض النموذج الغربي على كل دولة في العالم بحجة أنه (1) من أجل رقي مجتمع ما يجب على الدولة أن تكون ديمقراطية وأن تكون على اتصال بنظام السوق العولمي (2).

وما دامت النظريتان تشتركان في أصل الفكرة، فلماذا تنال نظرية صدام الحضارات ترويجاً، وتُهمل نظرية نهاية التأريخ؟!!.

والسر في ذلك يرجع إلى الوظيفة التي تؤديها الفكرة، إن فكرة (نهاية التأريخ) تتحدث عن الماضي، وبالتالي تبعث على الاطمئنان على مستقبل أمريكا وتؤكد على الانتصار النهائي لليبرالية، الشيء الذي يجعل مثلاً التساؤل عن جدوى تخصيص مبالغ هائلة للدفاع في ميزانية الولايات المتحدة تساؤلاً مشروعاً (3)، أما نظرية صدام الحضارات فتتحدث عن المستقبل وتنذر بخطر المواجهة ،والحرب، وتدعو إلى الاستعداد للدفاع عن النموذج

ص: 14


1- المصدر السابق ص 25
2- المصدر السابق ص 2.
3- إذا انتهى التأريخ وانتصرت أمريكا وسيطرت الحضارة الغربية، فلماذا هذه المليارات للتسلح والاحتياطات الأمنية وحرب النجوم وغيرها من المشاريع لوزارة الدفاع ؟!!..

الأمريكي وعن المصالح التي يقوم عليها، وبالتالي تخصيص أموال لذلك (1)

فهدفهم إخراج المسلمين من قيمهم ودينهم وتفتيت الوحدة الإسلامية وتمزيقها (2).

ما الذي يريدوه من الحرب الإعلامية الجديدة؟

وماذا يريدون من حربهم الحالية ضد الإسلام والمسلمين؟ يقول البروفسور ريتشارد كروسمان المسؤول السابق لقسم الحرب النفسية في بريطانيا: هدف هذه الحرب تحطيم أخلاق العدو وإرباك نظرته السياسية، ودفن جميع معتقداته ومثله التي يؤمن بها، والبدء بإعطائه الدروس الجديدة التي نود إعطاءها له ليصار بالتالي إلى أن يعتقد بما نعتقد به نحن)، فانظر إلى الكلمات المرعبة التي اختارها: (حرب - تحطيم - عدو - إرباك - دفن) فهل نحن في مرحلة الحرب أم الإرباك أم الدفن والعياذ بالله؟.

ص: 15


1- قضايا في الفكر المعاصر: ص 84.
2- الفكر الإسلامي المعاصر والعولمة: ص 161.

اليوم العالمي الميمون

-2- إن اليوم الموعود للظهور المبارك قد قرب بشكل ملحوظ وقد يقال بتحقق جملة من علاماته، والأهم من ذلك توفر شروطه، فإن العلامات قد يحصل فيها البداء كما إنها واردة بألفاظ مجملة ورمزية وقابلة للانطباق على كثيرين، فالمهم مراعاة الشروط، لأن الشرط جزء من أجزاء العلة التامة فلا بد من اكتمالها، ولا أريد الدخول في بيان التفاصيل فإنها موكولة إلى كتاب شكوى الإمام (علیه السلام)

ظروف ظهور الإمام (علیه السلام) بنحو الإجمال

أذكر باختصار بعض ما يتعلق بالمقام، ومنها:

امتلاء الأرض بالظلم والجور والتعسف والعدوان، وهو ما بدا واضحاً بعد انفراد الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في 14 العالم، وازداد وضوحا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام لله (2001م) حيث أظهرت أمريكا ومن ورائها الصهيونية من الظلم ما لم يسبق له مثيل، ولم يسلم من قنابلهم لا المسجد (1) ولا المستشفى

ص: 16


1- إشارة إلى جملة من جرائم الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني خلال تلك الأيام.

ولا سيارات الإسعاف ولا السجون ولا النساء ولا الشيوخ، وقتل الأطفال وهم في أحضان آبائهم، ودمرت البيوت واقتلعت الأشجار وحوصر الأبرياء، ونشروا المواد التي تسبب الأمراض الخبيثة، وأعتقد أن الشواهد الكثيرة على كل ذلك حاضرة في أذهانكم، ولازالوا مكشرين عن أنيابهم لافتراس كل من ليس معهم ولا

يخضع لإرادتهم ولا يركع لهم.

2- وصول الإسلام والمذهب الحق إلى كل بقعة من بقاع الأرض، وآخر معقل اقتحمه الإسلام هو الولايات المتحدة نفسها، فقد أجري فيها استطلاع للرأي العام قبل مدة للإجابة عن سؤال: ماذا تعرف عن الإسلام؟ فأجابت الأغلبية: لا نعرف شيئاً.

أما الآن فقد حصل إقبال على الإسلام بشكل لا نظير له، ونفدت الكتب التي تتحدث عن الإسلام بالإيجاب أو السلب - أي كتاب فيه بحث عن الإسلام اقتناه الأمريكيون - وازداد عدد المسلمين في أمريكا بعد أحداث 2001/9/11م إلى أربعة أضعاف وفق ما أعلنته إحدى المؤسسات المتخصصة في الموضوع، واضطر الرئيس الأمريكي نفسه أن يبين محاسن الإسلام وفضائله وارتباطه بالله، بعد أن كانوا يشوهون صورته ويظهرونه وكأنه دين بداوة وتخلف.

ص: 17

وكل هذا الانتشار للإسلام ليس بفضل جهود المسلمين مع في الأسف، وإنما لعظمة مبادئ الإسلام وأحكامه، فهو بنفسه ينتشر، فبالرغم من حاجته لأبنائه إلا أنه إذا قصر المسلمون فإنه يمشي بنفسه، أما المسلمون فهم ثمانية ملايين في أمريكا لم يحملوا هم الإسلام مع الأسف، وعاشوا أنانيتهم ولم يعملوا لإيصال صوته إلا بمقدار بعض المظاهر الدينية البسيطة، يصلون ويصومون وغير ذلك، أما اليهود فهم ستة ملايين، وهم أقل عدداً من المسلمين، ولكنهم مسيطرون على السياسة والاقتصاد والإعلام وكل شيء في حياة الأمريكيين.

3- وصول عدد معتد به من المسلمين إلى درجة التضحية الكاملة في سبيل الإسلام، وهو ما لم يكن معهوداً من قبل

4- انتشار الوعي الديني في المجتمع وعودة الناس إلى ربهم ودينهم والتفاتهم إلى تطبيق الحكم الشرعي في كل تفاصيل الحياة، وما كان مثل هذا من قبل، بل كان المتدينون قلة قليلة ويتحاشون إظهار ذلك، لأن المتدين يوصف بالرجعية والتخلف.

- 5 مرور المجتمع بألوان من الابتلاءات التي يعجز عن تحملها الكثير وخصوصا المجتمع العراقي بعد الحصار الجائر

ص: 18

والعدوان الغربي المستمر، وخروجه من جميع هذه الامتحانات ناجحاً من خلال التمسك بدينه والولاء لأئمته علیهم السلام ، ولعمري إن العراق يثبت جدارته لاحتضان الإمام الموعود (عجل الله تعالی فرجه الشریف) واستعداده الكامل لتحمل كل أنواع الصعوبات معه.

الاعلام الاسلامی : المحاور التي يجب أن نكرس لها جهدنا

بعد الالتفات إلى هذه المسؤوليات الملقاة على عاتقنا كمسلمين، علينا - خصوصا كحوزة في هذا البلد المستهدف الأول اليوم وغداً - مسؤوليات، فماذا أعددنا لهذا الصراع الحضاري الذي أعلنوه علينا ؟ أنواجهه بالإهمال والتسكع ؟ أم بالتمزق أم بتضييع الوقت بأمور تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع؟ أم بالخلاعة والمجون ونشر الفساد والانحلال الخلقي ؟ (1) فتعينهم على أنفسنا ونحقق لهم مرادهم مجاناً وبلا ثمن؟ فما أخسرها من صفقة!.

فلنتعاون معا لاستخلاص المحاور التي يجب أن نكرس لها جهدنا وعملنا في مثل هذه المواسم، وهذه المحاور هي:

1- بيان العقائد الحقة وترسيخها بالأدلة المبسطة، خصوصاً الوجدانية منها تأسياً بالقرآن الكريم من دون إشغال الفكر

ص: 19


1- بمثل هذه الإشارات كان سماحته يعرّض بأفعال السلطة ويندد بها.

بالبراهين العقلية الدقيقة، فأنها خاصة بأهلها، ومن مصادر ذلك كتاب أصل الشيعة وأصولها) للشيخ كاشف الغطاء بالمقدمة التي كتبتها فإن فيها فائدة

2- نشر الأخلاق الفاضلة والتذكير بسيرة من جسدوا تلك الأخلاق في حياتهم العملية، وهم الأسوة الحسنة محمد وآله، وتوجد عدة كتب نافعة في هذا المجال (1).

3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتنبيه إلى الظواهر الاجتماعية المنحرفة، وقد صدرت كتب عديدة في هذا المجال، وخصوصاً محاضرتي التي صدرت في ذكرى مولد الإمام الحسين (علیه السلام)

4- الاهتمام بالقرآن الكريم وتفعيل دوره في المجتمع من خلال عدة جهات خصوصاً الاستفادة من طريقته في إصلاح النفس والمجتمع وقد شرحت ذلك في كتاب شكوى القرآن).

-5 الارتباط بالحوزة الشريفة و أطاعتها ومراجعتها في كل شؤون الحياة التزاماً بقول الإمام (علیه السلام) : ( فأنهم حجتي عليكم

ص: 20


1- تأتي محاضرات في هذا المجال ونُشر عدد منها في كتابي (الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين) و (دور الأئمة في الحياة الإسلامية).

وأنا حجة الله والراد عليهم كالراد علينا).

6 - بث الموعظة وإحياء القلوب بها وتهذيب النفوس وهي وصية أمير المؤمنين (علیه السلام) لولده الحسن (علیه السلام) : (أي بني... أخي قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ، وَأَمِنْهُ بِالزَّهَادَةِ)، وجاء في الحديث: (إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد، وجلاؤها ذكر الموت وتلاوة القران وتوجد كتب عديدة في هذا المجال منها نهج البلاغة إرشاد القلوب، مجموعة ورام.

7 - شرح الأحكام الفقهية، خصوصاً الابتلائية منها، لتصحيح أفعال الناس وفق الشريعة المقدسة.

8- الاستفادة من التأريخ لتلمس المواقف الصحيحة من الحوادث، وإن أمة تمتلك مثل تأريخنا الزاهر يفترض أنها لا تتيه ولا تضل، لأن فيه حلولاً لكل المشاكل.

9 شرح محاسن الإسلام وتكامل تشريعاته وشموليتها لكل نواحي الحياة، وقدرته على تلبية حياة البشرية على مدى العصور، وتكفله بتوفير السعادة لها، وعرض نظرياته ونظمه على أنه النظام الوحيد الصالح لقيادة البشرية.

10- فضح النموذج الغربي على مستوى النظرية

ص: 21

والتطبيق، أي بمناقشة أصل مرتكزات حضارته (1)، أما على مستوى التطبيق ففضحه بتوعية المجتمع وإلفات نظره إلى جرائم المثل الغربي الأعلى (أمريكا)، ولا يحتاج ذلك إلى مؤونة كبيرة بعد أن ارتكبوا ما لا يصدق من الأفعال المنكرة وعلى رؤوس الأشهاد حتى أني سمعت من كاتب في رأس السنة الميلادية الحالية - وهم بصدد تقييم أحداث العام الماضي - فقال: أثبتت الأحداث أنا لسنا بحاجة إلى التقدم التكنولوجي، وإنما بحاجة إلى أخلاق وقيم روحية لتوفير السعادة والاطمئنان، فهم إذن بدأوا يناقشون حضارتهم، فعليكم أن تعمقوا هذا الإحساس الموجود وتظهروه.

-11 الاعتزاز بالشخصية الإسلامية وبيان مقوماتها - وتجسيدها في سلوكنا وأفكارنا، ونفي التبعية للغرب في كل شيء، سواء في الملابس أو قصات الشعر أو الأفكار والمعتقدات أو الأعراف والتقاليد، فإن هذه التبعية تؤدي إلى ذوبان القيم

ص: 22


1- مثلاً هم يقولون نحن نعرف المصالح !!! ونحن نقول: (كيف ذلك؟ فيوجد مثل وأخلاق ومبادئ، فالمصالح ليست مقياساً بشرياً) فهذا على مستوى النظرية أي كشف المرتكزات وبيان الخلل فيها.

والأخلاق والعقائد (1)، فنحن اليوم نقلدهم بقصات الشعر، وبعده بالأتكيت والعرف، وبعده نقلدهم بالأفكار، وبعده نقلدهم بالمعتقدات فنضيع في جاهليتهم الحمقاء وهم من هذه الناحية لا أقول أذكياء، بل خبثاء ماكرون، فقد صدروا لنا حضارتهم من خلال نماذج حسية كالرياضيين أو الممثلين، فنعجب بالرياضي أو الممثل فنقلد حركات-ه وقصة شعره ونتطبع بشخصيته، فتضيع شخصية المسلم، لعلمهم باستئناس البشر بالحسيات، فتغير شبابنا وراء هذه النماذج وأضاعوا قدراتهم الكامنة التي يزخر بها تأريخهم وحاضرهم، فالمسؤولية عليكم مضاعفة أن تعوضوا المجتمع بقدوات حسنة ونماذج كاملة (2).

-12- الحث على الحضور في المساجد وتأدية الشعائر الدينية فيها كصلاة الجماعة أو المجالس الحسينية أو قراءة الأدعية بشكل جماعي، كدعاء كميل ليلة الجمعة، ودعاء الندبة ضحى الجمعة.

ص: 23


1- صدرت استفتاءات وبيانات عديدة لسماحة الشيخ لبيان هذا التكليف، تجد بعضها في القسم الثاني من كتاب خطاب المرحلة : ج 1.
2- تجعلون المجتمع مقتنعاً بكم، بدل أن يقتنع بالرياضي الفلاني والفنان الفلاني اجعلوه يقتدي بكم ويقتنع بكم.

13 المحافظة على وحدة الحوزة والمجتمع وعدم التركيز على نقاط الخلاف، فإنها مهما تكن لا تصل إلى أهمية القواسم المشتركة الكثيرة التي تجمعنا، فهل من المعقول أن نفترق بسبب واحدة وبيننا (99) نقطة مشتركة، وهم يجتمعون على

نقطة واحدة وبينهم (99) نقطة اختلاف، فبأي مقياس نقبل هذا، إنها معادلة مؤلمة ومقرحة للقلوب.

14 - إثارة قضية الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) والدفاع عنها وتثبيتها، وبيان تكليف المجتمع تجاهها ونشر ذكره والتوسل به واستدرار ألطافه.

الإسلام محتاج إلى جميع أبنائه

ولا أخص بكلامي الرجال فقط، بل النساء أيضا، بل النساء مسؤوليتهن أعظم بهذا الاتجاه، لان الخلل في شريحتهن أكثر والغفلة عنهن أكثر وقلة المهيئات منهن للقيام بالمسؤولية.

في يوم كنت أكتب استفتاء، فضمن الجواب كتبت كلمة إن الإسلام محتاج إلى جميع أبنائه، كلمة واضحة ولكني شعرت في حينها أنها من ألطاف الإمام (علیه السلام) ومن إيحاءاته، وخرجت منها بدروس كثيرة، ومن هذه الدروس أن الذين

ص: 24

يعادونني ويحاولون تسقيطي وتشويه صورتي (1) لا أرد عليهم بالمثل، وأبقى محتضناً لهم لأنهم - مهما يكن - أبناء الإسلام والإسلام محتاج إلى كل أبنائه، فمهما أساؤوا لي فصدري واسع لهم، ومهما حاولوا من تشويه صورتي والنيل مني فإني أبقى محتضناً لهم وأحبهم.

من أدوات الإعلام: رسالة التبليغ والإصلاح

قلنا: إن فضح النموذج الغربي يمشي بخط مواز لخط عرض الإسلام الأصيل الناصع السليم على مستوى النظرية وعلى مستوى التطبيق (2)، بمعنى تجسيدها عملياً في حياتنا، ومن هنا نعلم إن ممارسة الشعائر الدينية بشكل واسع له تأثير رئيسي لمواجهة العدوان الأمريكي على بلدنا.

ولأداء هذه الرسالة (رسالة التوجيه والإصلاح) أدوات كثيرة كالندوات والمسابقات والحوارات والإصدارات المختلفة، إلا إن 23 الوسيلة الأهم هي الخطابة بكل أشكالها، خصوصاً خطابة المنبر

ص: 25


1- بعضهم كان حاضراً.
2- نعم الفقه الفردي الرسالة العملية هو المتبع إلا أنه يحتاج إلى صياغة جديدة لمواجهة هؤلاء، فيحتاج إلى طرح على مستوى النظرية والتطبيق.

الحسيني الذي يمزج العاطفة بالوعي، فإذا انضم إليها الولاء والإخلاص والإيمان فقد تكاملت لديه أسباب النجاح، وقد قلت في بعض الكلمات: إن من النقص في الحوزوي أن لا يكون خطيباً، ومن النقص في الخطيب أن لا يكون حوزوياً؛ فإن الحوزة لا تستطيع أن تؤدي واجبها كاملاً إلا من خلال الخطابة، والخطيب لا يكون ناجحاً ومفيداً إلا إذا تربى في الحوزة الشريفة، وهو ما نستفيده من الآيات الكريمة التي أناطت هذه المسؤولية بثلة خاصة أعدوا إعداداً كافياً: [فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ.. طائفة تتميز وتعد إعداداً كاملاً وأخرى: [وَلَتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلى الخَيْر وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوف ] (آل عمران: 104) إشارة إلى القلة التي تتوفر فيها هذه الصفات.

ص: 26

قوام الاعلام الاسلامی في عرض الأسوة الحسنة

* قوام الاعلام الاسلامی في عرض الأسوة الحسنة (1)

إن أي رسالة إصلاحية ومنها رسالة الإسلام لابد لها لكي تنجح في بناء أمة من شكلين من المقومات الذاتية والموضوعية، وقلنا إن الذاتية منهما لها دعامتان

الأولى: ما يرجع إلى ذات الرسالة، أعني شريعة الإسلام التي توفرت فيها كل عناصر الكمال من الاستيعاب لكل شيء، كما قوله تعالى: [مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ] (الأنعام: 38)، ومن خطابها للجميع في قوله تعالى: [هُدى لِلْعَالَمِينَ (آل عمران: 96) ومن خلودها قوله (صلی الله علیه وآله وسلم) : ( حتى يردا على الحوض يوم القيامة) ومن صيانتها من الانحراف والتغيير، قوله تعالى: [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ] (الحجر: 9) وغيرها مما لا يحتاج إلى بيان لأنها صنعة الله تبارك وتعالى الذي له الأسماء الحسنى.

الثانية: ما يرجع إلى ذات الرسول وهو النبي محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو أكمل الخلق ربته يد الرعاية الإلهية، لعدم وجود من هو

ص: 27


1- من محاضرة ألقيت على حشد من طلبة الحوزة العلمية في مسجد الرأس الشريف يوم 16 ربيع الأول /1423ه- المصادف 2002/5/28 في ذكرى المولد النبوي الشريف.

أكمل منه حتى يربيه ويأخذ بيده في مدارج الكمال، وعن ذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أدبني ربي فأحسن تأديبي) (1).

ولا تكون الرسالة فاعلة ومؤثرة وتؤدي دورها في حياة الأمة إذا لم يكن حاملها مستوعباً لها قد أشرب بها وتمثلها في حياته وجسدها في سلوكه وواقعه حتى عاد صورة خارجية لها وعادت صورة نظرية له، لذا لما سُئلت إحدى أمهات المؤمنين عن سيرة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وأخلاقه قالت باختصار: كان خلقه القرآن) (2).

عندما نتمثل الإسلام فى حياتنا

ولعدم إمكان التفكيك بين النظرية - ولا أقصد بالنظرية ما يراد منها في المصطلح أعني المعلومة القابلة للصحة والخطأ، وإنما 26 أعني مجموع ما احتوت عليه الرسالة من أصول وفروع وأخلاق التي أسسها القرآن الكريم - والتطبيق، أي بين الرسالة وسلوك القائمين عليها، صار الناس لا يقتنعون بأي رسالة مهما كانت ترفع

ص: 28


1- كنز العمال: 406/11.
2- مسند أحمد 91/6.

من مبادئ ومثل وأخلاق عالية ونبيلة إذا كان حاملوها والقائمون عليها أول من يخالفها.

وهذا أحد أسباب انحطاط المسلمين وتشوه صورة الإسلام فكيف يقتنع الناس بحرمة شرب الخمر إذا كان حاكم المسلمين أو ولاته يشربونها على منابر المسلمين؟ وكيف يقتنعون بحرمة الغناء أو السفور أو ممارسة الفاحشة إذا كان الخليفة يعقد الليالي الحمراء لإقامتها؟.

ونحن - الحوزة العلمية وكل مؤمن رسالي - حملة رسالة إصلاحية كيف نستطيع أن نردع الناس عن الغيبة وإهانة المؤمن إذا كنا نلوكها بألسنتنا؟

أو نحثهم على إفشاء السلام ونحن لا نرد التحية بمثلها؟ فضلاً عما هو أحسن منها، وكيف نقنعهم بترك التدخين ونحن نزاوله ونصرف الأموال في سبيله بدلاً من أن ننفقها في قضاء حوائج المؤمنين وما أكثرهم اليوم.

هذا الترابط الوثيق بين الرسالة وسلوك حاملها عبّر عنه أمير المؤمنين (علیه السلام) : ( ما أمرتكم بطاعة إلا كنت أول من يؤديها، ولا

ص: 29

نهيتكم عن معصية إلا كنت أول من يجتنبها) (1)، ولذا قالوا إن الواعظ إذا لم يكن متعظاً لم يؤثر في القلوب ولم يهذب في النفوس.

ما الذي يعنيه الاحتفاء بالأسوة في إعلامنا

حينما نحتفل بذكريات المعصومين علیهم السلام وأولهم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فإنما نستعيد بها ذكرى التطبيقات الكاملة للشريعة، كما تحتفل بذكريات الشريعة نفسها كيوم المبعث الذي هو يوم ولادة الرسالة وانطلاقها، أو يوم الغدير الذي هو يوم تمام الشريعة وكمالها بحسب ما نطقت به الآية الشريفة، ولأجل ذلك فقد ركز القرآن الكريم على أهمية الأسوة الحسنة في تربية البشر وهدايتهم وإصلاحهم، قال تعالى: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَان يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً] (الأحزاب: 21) فقد يؤثر الأسوة الحسنة في حياة الناس أكثر مما تؤثر فيهم كتب كثيرة، وأكدته الأحاديث الشريفة كما في قوله (علیه السلام) : كونوا لنا دعاة صامتين... كونوا لنا دعاة بأفعالكم لا بأقوالكم ) (2).

ص: 30


1- تفسير كنز الدقائق: 2 / 194.
2- مستدرك الوسائل: 1 / 116.

وبمقدار ذلك تكون خطورة القدوة السيئة (1) والعياذ بالله لذا ورد التهديد الكبير للعلماء إذا نكبوا عن الصواب وفارقوا الطريقة المثلى، لأن هذا يؤدي إلى إعراض الناس عن الشريعة، فعن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (إذا رأيتم العالم محباً لدنياه فاتهموه على دينكم، فإن كل محب لشيء يحوط ما أحب، وقال (صلی الله علیه وآله وسلم) : أوحى الله إلى داود (علیه السلام) : (لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا، فيصدك عن طريق محبتي، فإن أولئك قطاع طريق عبادي المريدين، إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي عن قلوبهم) (2).

خير أسوة

إننا اليوم أحوج ما نكون إلى عرض صورة الأسوة الحسنة في حياتنا، فنحن مسؤولون أكثر من أي وقت مضى عن دراسة حياة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وسيرته دراسة تحليلية، لكي نتمثلها في حياتنا وتكون نبراساً لنا، ليس فقط في حياته الشخصية الخاصة لكونه أكمل المخلوقات وأشرفها وأحقها بالإقتداء في حياته العامة، بل

ص: 31


1- كالمطرب والممثل والرياضي.
2- الكافي: 1 / 46، ح 4.

لكونه أعظم مصلح اجتماعي عرفته البشرية، ولكونه مؤسس خير أمة أخرجت للناس من العدم، ولكون قيادته المباركة وفرت للبشرية أسعد عصر من عصورها، هذه الأبعاد المتعددة في شخصيته (صلی الله علیه وآله وسلم) جعلته أولى الناس بالتأسي والاقتداء لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وأراد السعادة لنفسه ولأمته.

وقد ذكرت في بعض المناسبات وجهاً لمعنى الكلمة العامية: (إن) سفرة الحسين واسعة، ويمكن أن يراد بها عدة معان بحسب ما أراد بها قائلوها، لكنني أفهم لها معنى واقعياً غير ما ذكروه، وهو أن حياة الحسين (علیه السلام) سفر مبارک یتسع كل ما يريده الطامحون إلى الكمال التواقون إلى السعادة الفارون من الحضيض وجده (صلی الله علیه وآله وسلم) أولى بهذه السعة منه (علیه السلام)، فلنأخذ من هذا السفر المبارك ما يعيننا على مسؤولياتنا التي قلنا إنها أضخم من إي يوم مضى من أكثر من جهة

ص: 32

إعلام الجاهلية الجديدة

إننا نواجه جاهلية عاتية تضرب بإطنابها أرجاء الأرض في أفكارها واعتقاداتها وفي سلوكياتها وأهوائها ونزعاتها، (1) بل إن جاهلية اليوم جمعت كل مساوئ جاهليات الأمس القريب والبعيد وقد عقدت فصلاً طويلاً في كتاب شكوى (القرآن) لبيان مفهوم الجاهلية بحسب ما يستفاد من القرآن وذكرت خمس عشرة نقطة التقاء بين الجاهليتين (2) وخرجنا بنتيجة أن الجاهلية ليست فترة زمنية ومرحلة تأريخية انتهت بظهور الإسلام، وإنما هي نمط من أنماط الحياة تتردى إليه البشرية وتسقط فيه كلما ابتعدت عن شريعة الله تبارك وتعالى.

فما أحوجنا إلى أن نستلهم من سيرته (صلی الله علیه وآله وسلم) كيفية مواجهة هذه الجاهلية بحيث استطاع أن ينقلهم (صلی الله علیه وآله وسلم) في مدة ضئيلة من عمر الزمن هي ثلاثة وعشرون عاماً، من حضيض الجاهلية إلى قمة

ص: 33


1- من فاسقات نصبن فخاخ الفتنة والإغراء إلى بورصات اقتصادية يسيل لها اللعاب، إلى فنانين لا عمل لهم إلا تدمير الأخلاق والقيم الاجتماعية، إلى قوانين وضعية تبيح اللواط وتجيز الزواج بين الذكور، إلى الزنا الذي يفوح برائحته الكريهة وأمراضه الفتاكة كالإيدز.
2- تجدها في كتاب (شكوى القرآن).

الإسلام السامقة، (1) وقد ذكرت في نفس الكتاب عدة دروس مستفادة من هذه التجربة (2).

والتأريخ شاهد على ذلك، فإن المغول وهم أكثر الشعوب وحشية - ما لبثوا أن دخلوا الإسلام بعد أن اكتسحوا بلاده قتلاً ونهباً ، وتدميراً، وها هو ذا الغرب ينتابه القلق من إقبال أبنائه على الإسلام، فتقول إحصائية في بريطانيا: إن عشرين ألف امرأة بريطانية اعتنقت الإسلام إحداهن أستاذة جامعية أعلنت إسلامها كلمة ألقتها في تجمع في حدائق هايد بارك الشهيرة في قلب لندن، وسوف ترى عن قريب كيف أن الإسلام يفتح قلوب أعدائه إلا من ضرب عليها إبليس بالأغلال كالصهاينة.

ص: 34


1- فحاشا لله تعالى أن يترك جاهلية اليوم سدى ولا يبعث لها مصلحاً معصوماً هو الحجة ابن الحسن المهدي أرواحنا لمقدمه الفداء.
2- تجدها في كتاب (شكوى القرآن): وقد تقدم.

انطلاقا من الفقه الاجتماعي النؤسس لإعلام يواكب التحديات

* انطلاقا من الفقه الاجتماعي النؤسس لإعلام يواكب التحديات (1)

إن التفكير الاجتماعي في الاستنباط الفقهي وتكوين نظريات إسلامية للمجتمع سواء على صعيده العام أي المجتمع عموماً، أو على شکل خطابات لشرائحه المتنوعة المهنية ) كفقه الحلاقة وفقه سياقة السيارات أو الاجتماعية ( كفقه العشائر أو فقه طلبة الجامعات أو الثقافية.. لمن أوضح الحوادث الواقعة التي ذكرها الإمام (علیه السلام) في

( مكاتبة إسحاق بن يعقوب: أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا)، وإنه ليستحق أن يُبذل الجهد الكبير من أجل إنجازه لأكثر من غرض

الغرض الأول: إن اهتمام الشريعة بالمصلحة العامة أكثر من المصلحة الشخصية، بحيث إنه يضحي بالثانية - المصلحة الشخصية عند معارضتها للأولى ... وتجد أن دليل حفظ النظام من أوضح مستندات الأحكام الاجتماعية، وكذا ولاية الفقيه حاكمة على جميع الأدلة الأخرى (2).

ص: 35


1- من محاضرة ألقيت بتأريخ /3 شعبان / 1422ه- الموافق 1/10/21 2001/1 م ، بمناسبة ذكرى ولادة الإمام الحسين (علیه السلام).
2- فإن الأحكام الفردية تضمحل وتذوب إذا عرض عليها حكم من هذين الدليلين.

الغرض الثاني: إننا نعيش في عالم تتصارع فيه الحضارات والثقافات والأفكار (1) ، ونواجه فيه تحديات كثيرة، ولا تواجه النظريات إلا بنظريات، مثلها، وأما المسائل المتفرقة التي لا تصاغ بشكل نظرية تنظم الحياة، فانها لا تستطيع الصمود أمام هذه التحديات، ويقف صاحبها عاجزاً وإن كانت تحتوي في نفسها أكبر النظريات، فالمشكلة في الطرح والصياغة، وجرب بنفسك أن تلم بجميع مسائل الفقه بشكلها المتداول، هل يكفي ذلك للخروج بنظام اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي ونحوها إن لم تعد صياغتها من جديد وتجمع جزئياتها من الأبواب المختلفة، ثم تنظر لها نظرة كلية لتحصل على المطلوب...

الغرض الثالث: إن كثيراً من المشاكل التي تواجه أبناء المجتمع اليوم لا يمكن حلها ومواجهتها إلا بالانطلاق من نظرية متكاملة، فمثلاً عندما تعاني من الانحراف الجنسي والفساد الأخلاقي لا تحلّ هذه المشكلة بإصدار فتوى بالحرمة، بل لا بد من وضع نظرية كاملة للحل، تستند للشريعة المقدسة وتعالج المشكلة من جميع جوانبها، وعندما نريد أن نواجه معاملات مصرفية مخالفة للشريعة، لابد

ص: 36


1- هو ما يسمى بصراع الحضارات الذي ما زال يشغل الغرب الذي طرح في بداية التسعينيات.

أن تستند الحلول إلى نظرية إسلامية للنظام المصرفي (1)، فالمسائل الفردية تعجز عن حل بعض المشكلات، بينما النظرية الاجتماعية عند تقديمها تعطيك حلاً متكاملاً.

الغرض الرابع: إنها تثري الفكر البشري بعطاء لا حدود له (أي هذه الشريعة بالمنظور الاجتماعي)، لأنها صادرة من اللامتناهي، وفيها قابلية الاستمرار على الحياة والخلود واستيعاب كل الوقائع (ما من واقعة إلا ولله فيها حكم ) (2)، بينما تلك النظريات أرضية، لا تملك مقومات النجاح والصمود.

ص: 37


1- ومن ذلك ما يحاول سماحته التأسيس له بصناعة الإعلام المواجه والإعلام الذي ينطلق ليشرح مفاهيم الإسلام للعالم، بعيداً عن الصورة القائمة التي دشنها الإعلام الغربي لمحاربة المسلمين وثقافتهم.
2- ونحن أمام واقعة اسمها صدام الحضارات والغرب مشغول بها والدنيا قامت ولم وهي واقعة وأهم من الأحكام الفردية فما حكم الشريعة بهذه المسالة الاجتماعية بل هي أوضح الحوادث الواقعة كما في مكاتبة إسحاق ابن يعقوب وأما الحوادث الواقعة... أليست هذه أهم الحوادث الواقعة لأنها تمثل مشكلة بشرية وليست على مستوى مجتمع محدود.

ص: 38

الفصل الثاني : التأسيس الأخلاقي لمهنة الإعلام

اشارة

ص: 39

ص: 40

وضع قوانين تنظم أخلاق ممارسة مهنة الإعلام وكل مهنة

*وضع قوانين تنظم أخلاق ممارسة مهنة الإعلام وكل مهنة (1)

التأصيل للعلم مع الأخلاق

تسعى الجامعات والمعاهد العلمية والأكاديميات العسكرية لوضع برامج للطلبة تتضمن كل المفردات التي يحتاجها الطالب عندما ينهي دراسته ويبدأ بممارسة مهنته كالطب أو الهندسة أو التعليم أو الإعلام أو العمل الأمني والعسكري وهي تؤهل بدرجة معتد بها من هذه الناحية.

إلا أن هذه البرامج والخطط تفتقد إلى دروس في أخلاقيات ممارسة المهنة التي يتعلمها، وهذا نقص كبير لأن العلم وحده لا يكفي ما لم تنضم إليه آداب وأخلاقيات ممارسة تلك المهنة، لذلك تجد الأخطاء الفاحشة والفظيعة في سلوك هؤلاء عند ممارسة العمل، وقد تصل إلى الكوارث والانتهاكات الخطيرة في حقوق الإنسان والأمة فإن الطبيب لا تكتمل أهليته إذا لم يكن قلبه مفعماً بالرحمة ونفسه نقية من الجشع والكذب والتضليل

ص: 41


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي المظلة مع وفد الأمانة العامة لبيت الصحافة البصري وعدد من الطلبة المتخرجين للعمل في الحقل الإعلامي يوم 20 / رجب / 1427 المصادف 2006/8/15.

والمهندس لا يكون نافعاً إذا لم يتحلى بالنزاهة والإخلاص والدقة في والصراحة، والإعلامي يكون ضاراً إذا أصبح مأجوراً يبيع قلمه لمن يدفع ويذبح بذلك شرف مهنته والعسكري يهلك الحرث والنسل إذا لم يحمل شرف المقاتل ونبل ،الرجال والسياسي يكون وبالاً على أمته وبلده إذا لم يكن مخلصاً لهما ويعمل بجد لعزتهما وكرامتهما وازدهارهما.

التربية المعنوية لقادة الإسلام

وقد علمنا قادة الإسلام العظام وعلى رأسهم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (علیه السلام) أنهم لا يرسلون والياً أو إداريا أو قائدا عسكريا إلا وحملوه سجلاً حافلاً بالوصايا والتعاليم والآداب، رغم أن من يرسلونهم كانوا على درجة من الإيمان والوعي لمبادئ الإسلام ولكن للتذكير وللتأكيد على ضرورة التمسك بتلك المبادئ.

لذا فنحن بحاجة إلى أن تتصدى نخبة من الاختصاصيين التربويين والمفكرين لوضع قوانين لأخلاق كل المهن، وقد وضعنا نحن أسس هذه العملية حينما سجلنا الخطوط العريضة لآداب وضوابط أغلب المهن كالأطباء والصيادلة والموظفين و المعلمين

ص: 42

والعسكريين والعمال وسائقي السيارات والخياطين والحلاقين المصورين والصيادين والفلاحين وطلبة الجامعات وخطباء المنابر والصاغة، حتى كتبنا للعاملين في تجارة العتيق وهي مطبوعة ومنشورة وممكن أن تتخذ هذه الكتيبات وثائق أساسية للمباشرة في هذا المشروع، وسنتكفل بطبع ونشر ما تجود به قرائح هذه النخب، ومن الجهود المشكورة في هذا المجال (قانون ذوي المهن التعليمية) للأستاذ المربي محمد جواد جلال وقد نشر قبل أربعين عاماً في مجلة الإيمان النجفية في المجلد الثالث منها.

آمل أن تجد هذه الدعوة قلباً مفتوحاً من لدن وزارة التعليم العالي وكل الجهات والمؤسسات المسؤولة عن تنظيرها لتبدأ بتشكيل اللجان ووضع المناهج وإدخالها في مفردات الدراسة في الجامعات والمعاهد لنصل إلى اليوم الذي نجد فيه أصحاب كل مهنة ذوي قلوب مفعمة بهذه القيم وعقول واعية لما تقتضيه مسؤولياتهم.

أهمية الإعلام

إن الإعلام - كمثال - يمارس دوراً خطيراً في حياة الأمة ويستطيع توجيه الرأي العام بالاتجاه الذي يريده أصحاب وسائل

ص: 43

الأعلام، وهو في الغالب بعيد عن الإنصاف والموضوعية والضمير الحي، لذا فهو المسؤول الأول عما تعانيه من كوارث، ولو كان هناك جهات تشرف على تربية هؤلاء الإعلاميين وتهذيبهم وتوجيههم نحو الأهداف السامية لخرجنا بخطاب مصلح بناء يعمل من أجل خير الأمة وازدهار البلد.

تأثير الكلمة الصادقة

* تأثير الكلمة الصادقة (1)

ولذا نؤكد على أهمية الكلمة الصادقة وتأثيرها الفاعل في الإصلاح والتغيير إذا انطلقت وفق آليات مناسبة، ويمكن لكلمة واحدة أن تغيّر مجرى حياة الإنسان كما يروي التأريخ عن العارف بشر الحافي الذي كان مولعاً بالشراب والله و مدة من حياته وفي أحد الأيام مرَّ الإمام الكاظم (علیه السلام) على داره الفخمة في بغداد حينما كان يُفرج عنه سويعات للترويح فخرجت جارية لبشر وألقت فضلات مجالس الشراب فقال لها الإمام لمن هذه الدار قالت لسيدي بشر قال (علیه السلام) : أسيدك حرّ أم عبد ؟ فقالت بل حرّ فقال الإمام ال: صدقت لو كان عبداً لاستحيى من مولاه، ولما عادت إلى

ص: 44


1- نشر في الصفحة الثالثة العدد (35) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 19 من ذي القعدة 1426 المصادف 22 كانون الأول 2005.

سيدها وسألها عن تأخرها نقلت له الحوار فسألها عن أوصاف الرجل فوصفته فقال ذاك سيدي ومولاي موسى بن جعفر (علیه السلام) ولحقه في الطريق ووقع على يديه ورجليه معلناً توبته الصادقة وغير مجرى حياته، وأصبح العارف الشهير لأن كلمة الإمام وقعت في قلبه وذكرته بتمرده على سيده وخالقه وخروجه عن وظائف العبودية لله تبارك وتعالى.

ص: 45

موعظة للإعلاميين

* موعظة للإعلاميين (1)

منهومان لا يشبعان

افتتح الكلام بالحديث الشريف (طالبان منهومان لا يشبعان طالب العلم وطالب المال).

إن الصحفيين نهمون أيضاً في اقتناص الأخبار وتغطية الأحداث وتحقيق السبق الصحفي، فمن أي الفريقين هم؟

وأجاب سماحته أنهم يمكن أن يكونوا من الأول ويمكن أن يكونوا من الثاني فإذا عملوا بمهنية وموضوعية وحيادية وإنصاف في كشف الحقائق وإيصال المعلومة الصحيحة كانوا من الأول لان العلم هو انكشاف الحقيقة كما هي في الواقع، وإن خضعوا للإغراءات وباعوا أمانتهم وشرف مهنتهم بثمن بخس فأصبحوا أبواقاً تردد ما تطلبه منهم الجهة التي تدفع لهم كانوا من الثاني، والأول هو الإعلامي الناجح الذي يحظى بالرضا والقبول.

من مصاديق الاهتمام بأمور المسلمين

ص: 46


1- من لقاء سماحة المرجع اليعقوبي دام ظلة بعدد من مراسلي الفضائيات ووكالات بينهم مراسل الحرة والمنار والعراقية والرأي العام ووكالة الصحافة الفرنسية... وكان اللقاء يوم /2 ذو الحجة 1428 المصادف 2007/12/13

وإني أقول بصدق: إنني استفيد كثيراً مما يعرضه المراسلون من خفايا وخبايا عن وضع الناس ومعاناتهم ومشاكلهم مما لا نستطيع الوصول إليه، وأتحرك منطلقاً من مسؤوليتي بما استطيع لحل تلك المشاكل ورفع المعاناة، وأنا مدين لهم بهذه الخدمات التي يؤدونها، وأخصص جزءاً من وقتي لمتابعة نشرات الأخبار واعتبرها جزءاً من الاهتمام بأمور المسلمين التي أمرنا بها.

وفي نفس الوقت فاني أتعجب من الحكومة وعموم المتصدين لإدارة البلاد لهذا الصمم الذي أصيبت به آذانهم والعمى الذي أصيبت به أعينهم والقساوة التي طبعت على قلوبهم، فإننا إن عذرناهم عن النزول إلى الميدان والتجول بين الناس وتفقد أحوالهم، فإننا لا نعذرهم من متابعة ما تظهره وسائل الإعلام ولا نعفيهم من واجب بثّ العيون من الأمناء المخلصين في كل زوايا البلاد لينقلوا لهم كل صغيرة وكبيرة من أحوال الشعب فيكافئوا المحسن ويعاقبوا المسيء ويصلحوا الفساد ويعمروا البلاد ويرفعوا المعاناة.

أنا أعلم أنه ليس بمقدورهم حل كل مشاكل البلاد فإن بعضها خارج عن حدود الطاقة، لكنني أتحدث عما يمكنهم فعله لو توفرت الإرادة الجادة والصادقة، مثلاً حينما قررت الحكومة

ص: 47

تشجيع العوائل المهجرة في سوريا على العودة إلى العراق بسبب تحسن الوضع الأمني وقررت توفير وسائط النقل مجاناً ومنح مبلغ لكل عائلة عائدة فإنهم نفذوا فوراً وبدون معوقات وتم تسليم المبالغ نقداً بمجرد وصول العوائل إلى بغداد وه-ذا شيء جيد ويستحق العائدون أن نعينهم على تجاوز المحنة، ولكن لماذا هذا الروتين القاتل والمماطلة والتسويف في مساعدة العوائل المهجرة بحيث تمرّ الأشهر دون تنفيذ قرار الحكومة بمنح مساعدة مالية لهم رغم صيحات المحرومين والمنظمات الدولية والإنسانية والكوارث ألا يستحق هؤلاء المبادرة إلى مساعدتهم مباشرة

المحيطة بهم. وبنفس الفورية التي تعاملوا بها مع العائدين؟ إن مثل هذه المفارقة تجعلنا نعتقد بعدم الإخلاص والمصداقية في العمل إلا بمقدار ما ينفع مصالحهم الشخصية ويلمع صورتهم وإبراز قضية عودة المهاجرين كمؤشر على نجاح الحكومة.

والمثال الآخر: امتيازات أعضاء مجلس النواب فان-ه ن-ال المصادقة بدون تأخير مع ما يتميزون به أصلاً من امتيازات بينما يمر عام ونصف العام على قرار منح الطلبة الجامعيين مساعدات شهرية تعينهم على مواصلة دراستهم من دون نيل المصادقة.

ص: 48

والأدهى من ذلك أن أربع سنين عجاف مرت على الشعب وهو يفقد الآلاف من أبنائه وتُخرّب ممتلكاته في حوادث العنف المريعة، وحينما أرادوا إنهاء ذلك بعد عقد صفقات وجني مصالح وأرباح توقفت تلك الأعمال بدرجة كبيرة بج-رة ق-ل-م ف-م-ن ال-ذي يتحمل مسؤولية تلك الدماء والضحايا الذين خلفوا ملايين الأيتام والأرامل. وعاد الأمن إلى بغداد بنسبة 6560% بحسب التقديرات بعد أن أصبحت مدينة أشباح يعلو فيها أزيز الرصاص والمتفجرات على كل صوت.

إن هذه النتائج تفرحنا لكننا نطالب أن تكون إرادة الخير ومراعاة القيم الإنسانية هي الحاكمة والبوصلة التي توجه حركة الجميع لا المصالح الشخصية والأنانية.

ص: 49

مسؤولية الكلمة

* مسؤولية الكلمة (1)

أهمية الكلمة ودورها

(الكلمة) من أوسع القنوات الموصلة إلى رضا الله تبارك وتعالى فمن خلالها تكون النصيحة وبها تتم الموعظة وتجري الهداية ويتحقق الإصلاح وينتشر العلم والمعرفة وتبنى الحضارة وتتقدم الإنسانية وتتكامل التربية فهي وعاء لهذه الطاعات العظيمة وغيرها.

لذلك جاء رجل إلى الإمام السجاد (علیه السلام) وسأله: عن الكلام والسكوت أيهما أفضل ؟ فقال (علیه السلام) : لكل واحد منهما آفات فإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت قيل: وكيف ذاك يا بن رسول الله؟ فقال: لأن الله عز وجل ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، إنما بعثهم بالكلام، ولا استحقت الجنة بالسكوت ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت، ولا وقيت النار بالسكوت ولا تجنب سخط الله بالسكوت، إنما ذلك كله

ص: 50


1- كلمة سماحة الشيخ محمد اليعقوبي التي ألقيت نيابة عنه في احتفال أقيم يوم 4 رجب 1426 المصادف 2005/8/10 في وزارة الثقافة بمناسبة مرور عام على افتتاح إذاعة البلاد وقد أضاف سماحته عليها مقاطع مهمة.

بالكلام) (1) . قال تعالى: [لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أمر بصَدَقَةٍ أو مَعْرُوف أو إصلاح بَيْنَ النَّاسِ} (النساء: 114) حتى عُدت (الكلمة الطيبة صدقة) (2) في بعض الأحاديث.

وفي المقابل فإن الكلمة السيئة لها ضرر بليغ ومدمّر وإن كثيراً من الكبائر التي وعد الله بها النار مرتبطة بالكلمة كالغيبة والنميمة والبهتان والكذب والافتراء والسب والشتم والإيذاء وإشاعة الفاحشة وغيرها لذا ورد في الحديث عن رسول (صلی الله علیه وآله وسلم) انه : قال وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم) (3) وألف العلماء والمربون والأخلاقيون كتباً في (آفات اللسان)

تهذيب الكلمة

لذلك خصص المشرع الأقدس حصة كبيرة من تعاليمه لتهذيب هذه الكلمة وتوجيهها لتكون نافعة بناءة فرسم ملامح الكلمة الطيبة [ كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي

ص: 51


1- الوسائل: ج 12 ص 188.
2- السابق: ج 5 ص 3
3- الكافي: ج 2 ص 155.

السَّمَاء، تُؤْتِي أَكُلَهَا كُلَّ حين بإذن ربَّهَا ] (إبراهيم: 24-25) وحذر من ضرر الكلمة الخبيثة [وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْنَّتْ مِنْ فَوْقِ الأضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) :(إبراهيم: 26) وحذر من مغبة الكلمة الضارة.

فمثلاً اعتبر من يقول ولو شطر كلمة في المشرق فقُتل بها شخص في المغرب اعتبره ،قاتلاً، كما يفعل اليوم صناع ثقافة التكفير والقتل والظلم والعدوان فيطيعهم ويتخدع بضلالاتهم شخص في المشرق أو المغرب ويقوم بعملية إجرامية يكون وزرها الأول على صانع هذه الثقافة.

ويوجد بهذا الصدد حديث شريف مهم ويشكل ضربة قاضية لهؤلاء الذين يروّجون صناعة القتل والرعب لمجرد الاختلاف في الرأي أو تضرر المصالح فقد روى الإمام الصادق (علیه السلام) عن جده رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال ( يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئاً من الجوارح فيقول: أي رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئاً، فيقال له: خرجت عنك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسفك بها الدم الحرام وعزتي لأعَذِّبَنَّك بعذاب لا أعذب

ص: 52

به شيئاً من جوارحك (1).

فإذا استشعرنا هذه الأهمية فإن هذا الشعور سينظم برامج التعامل مع الكلمة وسيراقبها ويتحكم بها، فإن الكلمة في وثاقك وتحت سيطرتك ما دمت لم تطلقها فإذا أطلقتها فستكون أنت في وثاقها وتتحمل تبعتها ومسؤوليتها، وكم شخص ذهب ضحية الكلمة سواء في الدنيا أو في الآخرة كقاضي القضاة للمعتصم العباسي الذي وشى بالإمام الجواد (علیه السلام) وهو يعلم أن ذلك سيخلده في النار كما قال هو نفسه.

استثمار الاتصالات الحديثة لصالح الإسلام

ونحن اليوم نشهد ثورة معلوماتية هائلة وتكنولوجيا اتصالات عظيمة لم تحلم بها البشرية من قبل، تفتح لنا الأبواب الواسعة لإيصال خطاب السلام والسعادة للبشرية، ولم يعد الطغاة قادرين على حبس الكلمة ومنع وصولها إلى الناس كما كانوا 51 يفعلون عبر التاريخ ولسانهم واحد [ما أريكُمْ إِلا مَا أَرَى] (غافر: 29 واضطر الإسلام لحمل السيف في وجوه هؤلاء الطغاة ليحرّر شعوبهم من عبادتهم ويترك لهم الخيار في اعتناق العقيدة التي

ص: 53


1- وسائل الشيعة، مج 8 كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، باب 4، ح 4.

يقتنعون بها تحت شعار إلا إكْرَاة في الدِّينِ وَالِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيْنَة ] (الأنفال: 42) و(فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ] (الكهف: 29) و[إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا] (الإنسان:3) وشجّع الحوار وثقافة الرأي الآخر [قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ] (البقرة: (111) [وَلا تُجَادِلُوا أهل الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ] (العنكبوت: (46) [ادْعُ إلى سَبيل رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلُهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: 125).

كما أننا نعيش بفضل الله تبارك وتعالى فرصة عظيمة لإيصال الكلمة الطيبة إلى مسامع العالم التواق للسلام والسعادة والخير، بعد أن فشلت أمامه كل الأيديولوجيات وبعد أن فشل غير اتباع أهل البيت علیهم السلام في عرض الإسلام بشكله الصحيح مما أوجب نفوراً وارتداداً لدى معتنقيه، فالعالم كله ينتظر منكم يا اتباع أهل البيت علیهم السلام أن تعكسوا لهم الصورة النقية الناصعة للإسلام المملوءة بالرحمة وحب الخير والسلام والطمأنينة لكل البشر.

عوامل نجاحنا في إيصال كلمة الإسلام

وقد مرت علينا عقود من سني الكبت وسلب الحريات والحجر على الكلام، وقد أزاله الله تعالى ليبلونا أنشكر ونؤدي حق

ص: 54

هذه النعمة أم نكفر والعياذ بالله ونسيء استخدام هذه الحرية.

فهذه عوامل ثلاثة:

1- وسائل الاتصالات المتطورة.

-2- فشل الإيديولوجيات في تحقيق السعادة للبشرية وتوفير الأمن والسلام والطمأنينة لها.

-3- توفر الحرية الكاملة لممارسة الدعوة إلى الله تبارك وتعالى والحق والهداية والصلاح.

تضاعف علينا مسؤولية استثمار (الكلمة) في أداء الرسالة التي ائتمنا الله تبارك وتعالى وقبلنا حملها بعد أن اعتذرت السماوات والأرض وسائر المخلوقات عن حملها إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً الأحزاب 72

ص: 55

مبادئ الشفافية ومظاهرها

* مبادئ الشفافية ومظاهرها (1)

معنى الشفافية

ترد كلمة الشفافية كثيراً على ألسنة السياسيين وعموم المتصدين للعمل الاجتماعي ويطالب الجميع بأن يكون العمل شفافاً، ولكن لم يشرح لنا أحد حقيقة الشفافية وكيف يكون التعامل شفافاً، أي ما هي مظاهر الشفافية؟ وكيف يمكن تدريب النفس عليها أي ما هي المبادئ والخصائص التي يجب توفرها في النفس لتنطلق منها التعاملات الشفافة؟

وبصفتنا عاملين في الحقل الاجتماعي فإن من وظيفتنا تشخيص معوقات العمل ومشاكله ومقومات نجاحه، كما تحدثنا في كلمة سابقة عن عناصر رفع الهمة وخلق الحوافز للاندفاع نحو مزيد من العمل.

وفي ضوء هذه الرؤية فقد وجدنا أن من بين المشاكل الرئيسية التي يعاني منها العمل الاجتماعي ويعاني منها أكثر العاملين في الحركة الإسلامية - هو عدم التعامل مع الآخرين

ص: 56


1- كلمة سماحة الشيخ (دامت تأييداته) في المؤتمر العام الأول لرابطة بنات المصطفى بتأريخ 21-22 جمادى الثانية 1426 الذي تقدمت الإشارة إليه.

بشفافية - وهي صفة لا تختص بالعمل فقد يوصف القانون بأنه شفاف أي مرن وقابل لاستيعاب الحالات الاستثنائية ويأخذ الأعذار بنظر الاعتبار وليس جامداً حدياً، فالشفافية إذن من الأسس المهمة لإنجاح العمل ولضمان تطبيق القوانين والاستجابة لها بسلاسة وهي من أهم مميزات القانون الإسلامي وقادته العظماء.

أصول الشفافية في الإسلام

وسنشير في حديثنا إلى مظاهر الشفافية في الإسلام ومبادئها وأصولها النفسية مستنداً إلى مجموعة مباركة من الأحاديث الشريفة وستكون الإشارة مجملة تاركاً بيانها التفصيلي إلى الفضلاء والمفكرين لاغتناء مصادرنا الإسلامية بهذه الأحاديث

المباركة

-1- إنصاف الآخرين من نفسك: فإذا كان رأي الآخر صحيحاً فكن شجاعاً وقل له ذلك وتنازل عن رأيك واعترف بخطئك، لذا قالوا أن الاعتراف بالخطأ فضيلة، وقد وتخ الله تعالى من يتمسك بموقفه ورأيه رغم اعترافه في داخله بصحة رأي الآخر وحقه فقال تعالى: [وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ] (البقرة: 206) وقال تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا

ص: 57

وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ] (النمل: (14) ، ودعا تبارك وتعالى عباده إلى إعطاء الآخرين حقهم من غير غمط ولا بخس، قال تعالى [وَلَا تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ] (الأعراف: 85).

وهذه الصفة شاقة على النفس ولا يتحلى بها إلا من روّض نفسه و دربها وملك زمامها؛ لذا جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : (يا علي ثلاث لا تطيقها هذه الأمة: المواساة للأخ فى ماله وإنصاف الناس من نفسه، وذكر الله على كل حال وليس هو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولكن إذا ورد على ما يحرم خاف الله عز وجل عنده وتركه) (1)

-2- المشاورة وعدم الاستبداد بالرأي وعدم الاستكبار عن سماع رأي الآخرين ونصيحتهم، فإنها قوة إضافية لك لانضمام عقولهم إلى عقلك فكأنك تفكر بمجموع عقولهم وهو كمال ونضج للرأي؛ لذا جاء فيما أوصى به النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) عليا (علیه السلام) : (لا مظاهرة أوثق من المشاورة ولا عقل كالتدبير) (2) وعن أمير المؤمنين

ص: 58


1- بحار الأنوار: ج 72 ص 34
2- الكافي: ج 8 ص 20.

(ع ) : (من) استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها عقولها) (1) وعن الصادق (علیه السلام) : (ما يمنع أحدكم إذا ورد عليه ما لا قبل له به أن لا يستشير رجلا عاقلاً له دين وورع، ثم قال أبو عبد الله (علیه السلام) أما أنه إذا فعل ذلك لم يخذله الله بل يرفعه الله، ورماه بخير الأمور وأقربها لله) (2)

وأعطانا النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمة علیهم السلام الدروس العملية في ضرورة المشورة وهم أكمل الخلق وسادتهم والمتصلون بالتسديدات الإلهية التزاماً بقوله تعالى [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ ] (آل عمران:159)، ووصف عباده المفلحين بقوله عزّ من قائل [ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ] (الشورى: (38) وعن بعض أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) قال: قال لي الصادق (علیه السلام) أشر علي برجل له فضل وأمانة، فقلت: أنا أشير عليك، فقال شبه المغضب إن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) كان يستشير أصحابه ثم يعزم على ما يريد الله) (3).

-3- اعتماد مبدأ الحوار وعدم فرض الرأي على الآخر

ص: 59


1- بحار الأنوار: ج 72 ص 104.
2- بحار الأنوار: ج 72 ص 102
3- بحار الأنوار: ج 72 ص 101.

مهما كنت مقتنعاً به فإن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) كان يعلم أنه على حق ومع ذلك أمره الله تعالى بالحوار مع الآخرين [قُلْ يَا أهل الكِتَابِ تَعَالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ الله] (آل عمران: 64)، وقوله سبحانه: [وَلا تُجَادِلُوا أهل الكتاب إلا بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] (العنكبوت: (46).

وقد ثقف الإسلام أتباعه على حرية التعبير عن الرأي واختيار العقيدة قال تعالى إلا إكْرَاة في الدين] (البقرة: (256) ، ويبلغ هذا المبدأ أوفى حالاته وأكملها حينما يأمر الله تبارك وتعالى المسلمين أن يوفّروا الأمن والحماية لمن يريد من المعسكر الآخر يستمع إلى هذا الدين ثم يعيده إلى بلاده آمناً ليختار بكل حرية [وَإِن أحد مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) (التوبة: 6). فهل يوجد حث على الحوار وهل توجد شفافية أكثر مما في الإسلام.

4 - التواضع: لأن التكبر والنظر إلى الأنا والإعجاب بالنفس يصد عن سماع الحق ويعمي البصيرة ويذل صاحبه، وعلى العكس منه فإن التواضع يرفع صاحبه ففي الحديث: (من تواضع الله

ص: 60

رفعه الله (1) ، وفي دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد (علیه السلام) : (ولا تَرْفَعْنِي فِي النَّاسِ دَرَجَةً إِنَّا حَطَطَتِنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَهَا، وَلَا تُحْدِث لي عزاً ظَاهِراً إِنَّا أحدثت لِي ذِلَّةٌ بَاطِنَةٌ عِنْدَ نَفْسِي بِقَدَرِهَا ) (2) فلا تتكبر على الآخرين وتواضع لأدنى خلق الله فقد يجري الله الكلمة المفيدة النافعة الصالحة على لسان من لا تأبه بهم، ومما روي عن سيرة عيسى روح الله (علیه السلام) انه قال: (يا معشر الحواريين لي إليكم حاجة اقضوها لي قالوا قضيت حاجتك يا روح الله، فقام فغسل أقدامهم، فقالوا: كنا نحن أحق بهذا يا روح الله فقال: إن أحق الناس بالخدمة العالم إنما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي ،لكم ، ثم قال عيسى (علیه السلام) بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر، وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل ) (3).

5- سعة الصدر وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: ( آلة الرياسة سعة الصدر ) (4) ولا نفهم من الرئاسة أنها المناصب الحكومية الرفيعة فقط، بل كل ولاية أمر لمجموعة هي رئاسة

ص: 61


1- الكافي: ج 2 ص 122.
2- الصحيفة السجادية: ص 92.
3- الكافي: ج 1 ص 37.
4- نهج البلاغة: الحكمة 176.

فالمعلم رئيس لطلابه وشيخ العشيرة رئيس لأبناء عشيرته والعالم الديني وإمام الجماعة رئيس المريديه وأتباعه والأم رئيسة في بيتها فكل واحد محتاج إلى سعة الصدر لكي ينجح في عمله، ولا بد أنة تتناسب سعة الصدر مع عظم المسؤولية فكلما كبرت وازداد عدد المرؤوسين وجب أن يتسع الصدر لاستيعابهم جميعاً، ومما أوصى به النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قوله ( إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم) (1) فيمكن للإنسان بسعة صدره أن يكسب الناس من حوله ويزيد ثقتهم بقيادته.

6- الحب للناس جميعاً: فليس في قلب المؤمن حقد ولا غل ولا كراهية لذلك جعل الله من نعمه على أهل الجنة انه يزيل ما بقي في صدورهم وقلوبهم من هذا قال تعالى: [وَتَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ] (الحجر: 47)؛ لأن هذا الغل والحقد والكراهية أول ما يؤذي صاحبه فيجعل حياته منكدة ومعذبة وباله مشغولاً بهذه الدوامة من التفكير مما يقعده عن القيام بالكثير من الأعمال الناجحة، أما لو نقى قلبه منه فسيكون سعيداً فارغ البال للمسؤوليات المهمة، لكن الناس متفاوتون في

ص: 62


1- الوسائل: ج 12 ص 161 .

تطهير قلوبهم حتى المؤمنين، لذا يوجد من يدخل الجن-ة وه-و ل-م يكمل تنقية قلبه مما ينكد عليه صفو الحياة في نعيم الجنان فيتم الله نعمته عليه بنزع الغل من قلبه ولكن بعد ألم طويل ، فلماذا لا يعمل الإنسان على إزالته من الدنيا لينعم بالسعادة مباشرة ويملأ قلبه بحب الخير للناس جميعاً ولا ينال السعادة الكاملة [ إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْب سليم ] (الشعراء: (89) خصوصاً بين المؤمنين العاملين في مشروع إسلامي واحد حتى لو اختلفوا في الرأي وفي آليات العمل فلا يؤثر ذلك على روح الصفاء، أما ما نراه من تحول المودة إلى تقاطع وانتقاص للآخر وتشويه لصورته وما يتبعه من غيبة ونميمة وسوء ظن وكلها من الكبائر فهذه ليست من أخلاق الإسلام ولنتأس بالإمام الحسين (علیه السلام) الذي بكي على أعدائه يوم عاشوراء معللا

الله ذلك بأنهم سيدخلون النار بسببي وهم المحتشدون لقتله واستئصال أهله وخاطب الله نبيه (صلی الله علیه وآله وسلم) : [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةٌ للْعَالَمِينَ الأنبياء 107 أي جميع العوالم من المخلوقات وليس للبشر فقط فضلاً عن المسلمين من أتباعه (صلی الله علیه وآله وسلم)، فلنحمل هذا القلب ، الكبير المملوء بالرحمة والحب وإرادة الخير ولنت-أس بالنبي وآله الطاهرين (صلى الله عليهم أجمعين).

-7 حسن الخلق مع الناس والتآلف معهم فمن صفات

ص: 63

المؤمن انه يألف ويؤتلف وهذه من أهم مظاهر الشفافية ويوجد في جوامع الحديث حشد هائل من الأحاديث التي تبني في الإنسان مكارم الأخلاق والخصال الحميدة، قال الإمام الصادق (علیه السلام) : (ما ة يقدم المؤمن على الله عز وجل بعمل بعد الفرائض أحب إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخلقه (1) وعنه (علیه السلام) : إن الخلق الحسن يميث الخطيئة كما تميث الشمس الجليد) (2) ، وعنه : إن الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه ويروح) (3). وقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : (التودد إلى الناس نصف العقل) (4). فما أجمل أن تستقبل الناس دائماً بالبشاشة والانفتاح وتتودد لهم والبسمة دائماً على وجهك حتى في أحلك الظروف وليس أن تكون عبوساً في وجوه الناس.

-8 حمل الآخرين على الصحة والتماس العذر لهم أن لم يعجبك شيء من تصرفاتهم، لذا ورد في الحديث: احمل أخاك

ص: 64


1- الكافي: ج 2 ص 100.
2- السابق.
3- السابق: ج 2 ص 101.
4- السابق: ج 2 ص 642 .

على سبعين محمل حسن وهو رقم يضرب للكثرة لا للتحديد فلو احتجت إلى واحد وسبعين تفسيراً فاحمل عليه، فقد وصلت تربية الأئمة لشيعتهم إلى حد انه يُسأل الإمام الكاظم (علیه السلام) من قبل أحد أصحابه فيقول له: جعلت فداك الرجل من إخواني يبلغني عن- الشيء الذي أكرهه، فأساله عنه فينكر ذلك وقد أخبرني عنه قوم ثقات، فقال لي: يا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك، فإن شهد عندك خمسون قسامة أي خمسون رجلاً يقسمون عندك) وقال لك قولا فصدقه وكذبهم ، ولا تذيعن عليه شيئاً تشينه به و تهدم به مروته ) (1)

-9- المحافظة على حدود الصداقة التي حدها الأئمة المعصومون علیهم السلام فعن الإمام الصادق (علیه السلام) : (لا تكون الصداقة إلا بحدودها، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة

فأولها أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة.

والثانية أن يرى زينك زينه وشينك شينه.

والثالثة: أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال.

ص: 65


1- الوسائل: ج 12 ص 295.

والرابعة أن لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته.

والخامسة: وهي تجمع هذه الخصال: أن لا يسلمك عند النكبات) (1).

10- المواساة بل الإيثار، فعن بعض أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) قال: قال لي الباقر: أرأيت من قبلكم إذا كان الرجل ليس عليه رداء وعند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه؟ قال: قلت لا قال .... فضرب بيده على فخذه ثم قال: ما هؤلاء بأخوة) (2).

ووصف القرآن الكريم علاقة المؤمنين فيما بينهم بأكمل من ذلك فقال: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى انفسهمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (الحشر: 9)

هذه هي المظاهر الرئيسية للشفافية اختصرتها لكم وهي تتطلب الكثير من الصبر والمصابرة والتربية للاتصاف بها والالتزام بمضمونها وعدم الاكتفاء بإلقاء الكلمات من دون تطبيق لذلك يقول الإمام لشيعته أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد) (3) فالتقوى والورع والصبر وعلو الهمة والإخلاص تساعد على المضي

ص: 66


1- الكافي: ج 2 ص 639.
2- الوسائل: ج 12 ص 26.
3- نهج البلاغة: الكتاب: 45.

في طريق الكمال قال تعالى: [وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ] (البقرة: (45)، وعلى الله نتوكل ليأخذ بأيدينا وأيديكم لتحقيق هذه الصفات لنستحق شفاعة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام ونفوز بمجاورة الأحبة محمد وآله الطاهرين صلى الله عليهم أجمعين

ص: 67

ص: 68

الفصل الثالث : تصحيح المفاهيم المغلوطة

اشارة

ص: 69

ص: 70

التحذير من الأساليب الخاطئة في الدعاية الانتخابية

* التحذير من الأساليب الخاطئة في الدعاية الانتخابية (1)

إن التنافس الدنيوي على المواقع والامتيازات سيؤدي إلى المهاترات الكلامية ومحاولة إبراز نقائص الآخرين وإلصاق التهم بهم لتسقيطهم في أعين الناس بتوهم أن هذا سيدفع الناخبين للتصويت لمصلحته وهذا خلل أخلاقي كبير ومخالفة شرعية شديدة، فأمتنا ليست كالأمم الغربية التي لا تستحي من شيء ولا يرون بأساً في إظهار رئيس الولايات المتحدة على شاشات التلفزيون متهماً بفضيحة جنسية مع موظفة في مكتبه، أما نحن فمن أمة تلتزم بالأخلاق الفاضلة وتصون حرمات الآخرين، وقد أدبها رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمة الطاهرون علیهم السلام بهذا الأدب الرفيع الذي جاء فيه عن الإمام الصادق (علیه السلام) انه قال: (من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مرؤته ليسقط من أعين الناس، أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان) (2).

ص: 71


1- نشر على الصفحة الثانية من العدد التاسع من صحيفة الصادقين الصادرة بتأريخ 3 ذ.ق 1425 الموافق 16 كانون الأول 2004.
2- الكافي: ج 2 ص 358.

فلا يجوز للمرشحين في الانتخابات أن ينسوا في خضم ن هذه العملية مبادئهم وأحكام شريعتهم وأخلاقهم وإذا أرادوا أن يدفعوا الناس لانتخابهم فليقنعوهم بمشروعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي من دون النيل من الآخرين.

وقد ذكرت في كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية إن من استقرأ مناظرات الأئمة مع مخالفيهم سيجدها على قسمين:

الأول: مع المخالفين لهم في أصل الدين والاعتقاد كالمشركين والزنادقة والدهرية، ومع مثل هؤلاء ينصب كلام الإمام (علیه السلام) على تفنيد عقائدهم وتسخيف آرائهم.

الثاني: مع المخالفين لهم في الفروع الموافقين لهم في أصل الدين هنا لا نجد الإمام ينال من رموزهم أو يستخف بمذهبهم، وإنما يركز الإمام على قوة حجته وبرهانه ونقاط القوة في مذهبه.

وهذا الدرس يجب أن نستوعبه في مناظراتنا اليوم من أجل الانتخابات وغيرها إذ ينبغي أن يكون تركيزنا فيها على قوة المشروع الذي نحمله ونسعى إلى تحقيقه والإيجابيات المتضمنة فيه، ونترك الحرية للناس لكي يقتنعوا به ولا يجوز بأي حال من الأحوال تسقيط الآخرين والنيل منهم.

ص: 72

ولعلي أستطيع أن أقول إن من أهم الأهداف التي أرادها الأعداء حين رضخوا لمطالب المرجعية والشعوب وقبلوا بإجراء الانتخابات هو المراهنة على تمزيق وحدة الشعب وتفتيته وتناحره فلا بد من الحيطة والحذر وتوعية الأمة لهذه المخاطر، ومن هنا كانت خطواتنا العملية بالمشاركة في قائمة ائتلافية حتى يشعر الجميع أن القائمة قائمتهم وتتوجه كل أصواتهم باتجاه واحد.

ص: 73

اللوم الكثير على الفعل إغراء به

* اللوم الكثير على الفعل إغراء به (1)

في الحديث النبوي المشهور (إن) من الشعر لحكمة) (2)، وأحد من مصاديق ذلك قول الشاعر المشهور:

دع عنك لومي فإن اللوم إغراء *** وداوني بالتي كانت هي الداء

وبغض النظر عن الشطر الثاني، فإن الشطر الأول فيه حكمة مفيدة في تقويم السلوك الاجتماعي، فإن في كثرة لوم الآخر على فعل ما: إغراء له ودفعاً له باتجاه القيام بذلك العمل.

فقد يكون الشخص متستراً بفعل ما كشرب الخمر والعياذ بالله - أو قد يكون راغباً فيه لكنه لم يقم به حياء أو لأي مانع آخر فإذا قام شخص آخر علم بفعل هذا الشخص أو برغبته في فعله بلومه وتقريعه والحديث عنه علناً فإنه سيدفعه إلى القيام بذلك

ص: 74


1- تعليق لسماحة الشيخ ( دام ظله) في مجلسه العام يوم الاثنين 1432/2/12 على اتهام جهة معينة بفعل ما وقع في حينها، نشر في العدد (100) من صحيفة الصادقين الصادر بتاريخ 7 رجب /1432 الموافق 2011/6/10.
2- الأمالي للصدوق: ص 718.

الفعل ويتحمل اللائم المسؤولية لأنه هو الذي أغراه بالفعل بعد أن هتك ستره وأزال عنه ما كان يمنعه من الفعل.

والتطبيقات الاجتماعية لهذه الحكمة كثيرة، كزوج يُسمع زوجته باستمرار كلمات الشك بها كلما رن الهاتف أو خرجت زوجته لقضاء حاجة أو سمع ذكر رجل أمامه وهكذا وهي بريئة من ذلك كله، فإنه سيدفع ذات النفس الضعيفة المترددة إلى الانحراف بعد أن لم يبق زوجها لها كرامة وعفاف باتهاماته وتشكيكاته.

أو امرأة تكثر الشك بزوجها بأن له علاقة مع امرأة أخرى وهو لم يفعل ذلك حباً بزوجته ودفعاً للمشاكل، لكن زوجته لما جعلت هذه المشاكل أمراً واقعاً بشكها وهواجسها وأوهامها. لم تبق له شيئاً يحذر منه ويخاف من وقوعه فيندفع لفعل ما كان يفكر فيه.

فهذا درس اجتماعي علينا تعلمه والاستفادة منه في سلوكنا وتعاملنا مع الآخرين والله الموفق.

ص: 75

القدح في العلماء ومحاولة تشويه صورتهم

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة المرجع الديني آية الله الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله هناك شريحة مهمة من المجتمع - من الشباب خصوصاً - يستحلون سب وشتم وتناول الأعراض للرموز الدينية في الحوزة، والحجة الشرعية لهم في ذلك هو أن بعض المراجع قاموا بذلك .

بسمه تعالی

هذه انتكاسة خطيرة في حالة الأمة أن يقع شبابها فريسة هذه المؤامرة التي دبرها أعداء الإسلام ومذهب أهل البيت علیهم السلام ، فقد وجدوا أن قوة هذه المذهب بصمود كيان المرجعية وعدم خضوعه للسلطات الظالمة ونزاهته وهيبته في نفوس المؤمنين وقوة مفعول كلمته فعملوا على تشتيت شمل الأمة بينها وقتل رموزها وقادتها وعلمائها، إلا أنهم وجدوا أن ذلك أدى إلى عكس ما يشتهون إذ وحد الأمة وراء قيادة مرجعيتها وعظم مكانة المرجعية بتزايد تضحياتها في قلوب الناس وصنعوا منهم أبطالاً حقيقيين ورموزاً الأمة منهم روح التضحية والفداء والإصرار على التمسك

ص: 76

بطريق الحق.

فالتجأ الأعداء إلى خطة أخبث تنطلي على السذج والجهلة والعاطفيين، وذلك بقتل العلماء والقادة معنوياً من خلال تسقيطهم وتشويه صورهم وتتبع أخطائهم والافتراء عليهم وإلقاء الخلاف بين أتباعهم، وبذلك يفقدون تلك القدسية والهيبة التي يخشاها الأعداء من أولياء الله التى دفعت هارون العباسي الذي على شرق الأرض وغربها إلى قتل الإمام الكاظم (علیه السلام) الذي لم يكن عنده حينما داهموا بيته إلا سجادة لصلاته ومصحفاً ومطهرة .

إني أهيب- أهيب بالمؤمنين خصوصاً الشباب الذين هم أمل الأمة أن لا ينزلقوا في هذه المؤامرة الخبيثة، وأن يعرفوا لعلمائهم قدرهم وأن يقدروا لهم فضلهم وجهدهم وصبرهم ونزاهتهم واستقامتهم وعدم خضوعهم للطغاة، وأن لا يسبقوهم يقول أو فعل وأن لا يتخلفوا عنهم ولا يكونوا ألعوبة بيد الأعداء ينفذون بهم مآربهم من غير فائدة يجنونها سوى خسران الدنيا والآخرة وليتأدبوا بأخلاق الإسلام وسيرة النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمة الهداة المهديين عليهم السلام وليفكروا في عاقبة فعلهم هذا، فإن أتباع كل جهة إذا ساهموا في تسقيط غيرهم فالنتيجة سقوط الجميع وبقاء الأمة بلا راع وعليهم أن يراجعوا تاريخ مذهب أهل البيت علیهم السلام ليجدوا أن المرجعية

ص: 77

على اختلاف توجهاتها، كانت عبر التاريخ الحصن الحصين الذي حرس المذهب ودلّ الناس على ما يبرئ ذممهم أمام الله وثبت الإيمان في قلوبهم وحفظ تعاليم الدين سليمة حية رغم مرور أكثر من ألف سنة على غيبة الإمام (علیه السلام).

نعم عليهم أن يجروا الفحص الكامل عمّن يتبعونه فإذا لمسوا منه الاجتهاد والورع والاستقامة فليتبعوه، وليس لهم أن ينصبوا أنفسهم قيمين على علمائهم يعلمونهم كيف يتصرفون فليس عند الناس علم العلماء ولا حكمتهم ولا خبرتهم في الحياة ولا سعة رؤيتهم ولا كفاءة مستشاريهم ولا تثبتهم في الأمور ولا رحمتهم الواسعة بالناس ولا نظرتهم الثاقبة في عواقب الأمور ولا شجاعتهم.

لقد ورد الحديث الشريف : إن حرمة المؤمن عند الله اشد من الكعبة) وتصبح هذه الحرمة أأكد عندما يتعلق الأمر بالعلماء لأن مداد العلماء خير من دماء الشهداء فهل يرضى مسلم بإهانة الكعبة وانتهاك قدسيتها ؟ إن منزلة المؤمن عند الله أعلى من

الكعبة.

وورد في حديث آخر من روى على أخيه المؤمن رواية يبتغي بها شينه وهدم مروّته وليسقطه في أعين الناس أخرجه الله من

ص: 78

ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان) فهل يعلم هؤلاء الخائضون في ذم العلماء وتسقيطهم والافتراء عليهم وتشويه سمعتهم أنهم بذلك يخرجون من ولاية الله تبارك وتعالى ويدخلون ولاية الشيطان (فبئس القرين والأنكى من ذلك أن الشيطان اللعين لا يقبلهم في ولايته لخساستهم.

أعيذكم وأعيذ نفسي بالله العلي العظيم من شياطين الجن والإنس أن الشيطان للإنسان عدو مبين فاحذروه

محمد اليعقوبي

18 شعبان 1425ه- الموافق 2004/10/3

ص: 79

الثقافة حل لكثير من مشاكلنا

* الثقافة حل لكثير من مشاكلنا (1)

أن كثيراً من مشاكلنا المعقدة إنما يكون علاجها بإحلال ثقافة ايجابية مقابل تلك الثقافة السلبية فالإرهاب هو ثقافة قبل أن يكون مشكلة أمنية يعتمد التكفير وفرض الرأي بالقوة وإلغاء الآخر ويذهب ضحية هذه الثقافة الكثير من المظللين والمتحجرين والجهلة.

وكذلك الديمقراطية فأنها لا تقتصر على الممارسة وإلقاء الأصوات في صناديق الاقتراع، فإن هذا مظهر من مظاهر الديمقراطية أما هي فأنها ثقافة احترام الرأي الآخر وحرية التعبير وحفظ الحقوق، وإن كثيراً ممن مارسوا عملية التصويت لم يحملوا ثقافة الديمقراطية لذلك تراهم لم يحترموا نتائجها حينما ظهرت على غير ما يشتهون

ص: 80


1- من حديث سماحة آية الله الشيخ دام ظلة مع السيد جابر الجابري وكيل وزير الثقافة وعدد من موظفي الوزارة يوم الاثنين 23 ذي القعدة 1426، ونشر في الصفحة الأولى من العدد (36) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 8 ذي الحجة 1426 الموافق 9 كانون الثاني 2006.

إننا بحاجة اليوم إلى نهضة ثقافية واسعة يشترك فيها العلماء والمفكرون والأدباء والمثقفون والإعلاميون الذين يصنعون الرأي العام ويوجهونه نحو الخير والصلاح وكل ما هو ايجابي.

ص: 81

في معنى اعتزال في أيام الفتن

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد واله الطيبين الطاهرين

سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الشريف).. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

يرجى من سماحتكم الموقرة التفضل بالإجابة عن هذا الاستفتاء جزاكم الله خير جزاء المحسنين:

في الآونة الأخيرة ظهرت هناك عدة أفكار من قبل بعض الناس بخصوص الأيام التي نمر بها، ومن هذه الأفكار

-1 وجوب العمل بالتقية وترك العمل في فتن آخر الزمان وان يكون الإنسان جليس داره

-2- ترك الفقه والدروس الحوزوية لأنها تبعد الإنسان عن طريق الأخلاق الصحيح.

-3 قراءة الكتب وعدم الرجوع إلى العلماء في الحوادث التي تقع، ومهمة الفقيه هي الفقه فقط لا غير.

-4 عدم العمل في الوظائف التابعة للحكومة لأنها تؤدي إلى إعانة الظالم.

ص: 82

5- الابتعاد عن إقامة وحضور صلاة الجمعة والجماعة.

-6 ترك الدراسة الأكاديمية والحوزوية.

بعض أبناء مدينة السماوة

بسمه تعالی

-1- وجوب العمل بالتقية لا يعني الانزواء وترك الحبل على الغارب لأعداء الله تبارك وتعالى كي يفعلوا ما يشاؤون، وقد كان الأئمة علیهم السلام يعملون بالتقية ويؤكدون عليها ويقول الإمام (علیه السلام): التقية ديني ودين آبائي، أو من لا تقية له لا دين له ومع ذلك فقد ترشح من نشاطهم ما ملأ الخافقين، وقد أشرت إلى العشرات من أدوارهم المتنوعة في حياة الأمة في سلسلة محاضرات (دور الأئمة في الحياة الإسلامية)، فالتقية هي العمل بالممكن من دون أن يكون الثمن المدفوع أكثر من المثمن أي النتيجة الحاصلة والمرجوة، ولا تعني السلبية والانكماش والتقصير في العمل.

2- هذه مخالفة صريحة لأوامر أئمتنا عليهم السلام وأحاديثهم الموجودة في كتاب أصول الكافي وغيرها والتي منها (لوددت أن السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الدين وكيف ينجو

ص: 83

في الآخرة من لم يتفقه في أمور دينه ويعرف مع-ال-م الح-لال والحرام حتى ورد التاجر فاجر ما لم يتفقه في دينه) وهو معنى غير خاص بالتجار بل كل شريحة اجتماعية عليها أن تتفقه في الأحكام التي تتعلق بها كأفراد و كمهنة.

وأما الدراسة الحوزوية فإنها من أوسع الأبواب لطاعة الله تبارك وتعالى لما فيها من الفرص الكثيرة للعمل الإسلامي المبارك وإذا تخلى عنها الإنسان فما هي الفرصة الأفضل منها، وإذا وجد بعض الانحراف في سلوك بعض طلبة الحوزة فهذا لا يعني فقدت مصداقيتها لأننا نعرف أن عدداً من الجهلة والمنافقين وطلاب الدنيا وعملاء الطواغيت ارتدوا الزي الديني لخدمة أهداف أسيادهم ولتشويه صورة الحوزة العلمية الشريفة وهي منهم براء، ويوجد لي بيانان تفصيليان عن الموضوع نشرا في كتاب الحوزة وقضايا الشباب.

3- قيل مثل هذا الكلام قديماً لأمير المؤمنين (علیه السلام) بأننا نكتفي بالقرآن ولا حاجة إلى قائد أو إمام أو فقيه فدفع إليهم نسخة من المصحف مغضباً وقال ها هو القرآن فاستنطقوه هل تجدون به انتم وأمثالكم حلا لمشكلاتكم وخلافكم، ولو كان فيه كل ذلك فلماذا اختلفتم معنا حتى صرنا إلى القتال ويلكم إنما يحتاج القرآن

ص: 84

إلى من ينطق به ليوصل تعاليمه إلى الناس وإلا لما احتجنا إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) و أصلا ولا الأئمة المعصومين ليبينوا لنا مفاهيمه وهكذا كل الكتب تحتاج إلى من يعلمها ويعمل بها فلا بد من الرجوع إلى الفقيه العادل امتثالاً لأوامرهم علیهم السلام : (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا

حجة الله عليهم) وعنوان الحوادث الواقع شامل كما هو واضح لكل الوقائع الفردية والاجتماعية وفي خطاباتنا المتعددة توضيح ذلك.

-4- أجبنا عن مثل هذا السؤال وقلنا إن انسحاب المؤمنين من المواقع الوظيفية يعني إخلاءها إلى الفسقة وعبيد الدنيا ليفسدوا ويأكلوا مال الله دولا ويتخذوا عباد الله خولا كما ورد الحديث في حق بني أمية وأضرابهم، فالصحيح هو مباشرة الوظائف التي فيها نفع الأمة وحماية مصالحها وإقامة النظام الاجتماعي العام مع مراعاة الحدود الشرعية والحذر من الوقوع في المعصية وان لا يستولي حب الموقع أو أي شيء من حطام الدنيا الفانية على قلب المؤمن.

5- هذا تعطيل لأهم السنن والفرائض الإلهية المقدسة وقد نبهنا إلى بركاتها الواسعة في كتاب شكوى المسجد.

6- وهذا خلل آخر في التفكير يلزم منه تعطيل الحياة بدل

ص: 85

إعمارها الذي جعله الله تبارك وتعالى من وظائف الإنسان [وَاستَعْمَرَكُم فِيهَا ] .

وأعتقد أن هذه الأفكار ناشئة من عدة أمور أختصرها بما يلي:

-1 اختلاط الأوراق عليهم فلا يعرفون لكل حالة موقفها المناسب وقرارها الصحيح، وكذلك لكل شخص تكليفه الخاص فالشخص غير الواعي وغير المزود بالمعلومات الكافية لتحصينه من التأثر بالشبهات فينصح بتجنب الخوض فيها، أما العالم فعليه أن يقتحم الشبهات والفتن ليردها ويحمى الأمة من الانحراف امتثالاً للحديث الشريف إذا ظهرت الفتن ولم يظهر العالم علمه ألجمه الله بلجام من نار)، فالانعزال الذي أمر به الناس عند ظهور الفتن ليس هو الانعزال المادي أي الانزواء في البيت بل المعنوي أي الابتعاد عن الخوض فيها واجتنابها أما العالم الذي فهم الكتاب الكريم وسنة المعصومين علیهم السلام فيضع الأمور في نصابها ولا تختلط عليه ولا تلتبس والذي يطلع على سلسلة من محاضرات دور الأئمة في الحياة الإسلامية يجد المواقف المتنوعة بإزاء الأحداث والقضايا والمشاكل ولا يميّز بينها إلا القائد البصير.

-2 الجهل وسوء الفهم لمقاصد الشريعة وأهدافها السامية

ص: 86

التي تريد تحقيقها من خلال التطبيق الكامل للشريعة حيث أنهم يفهمون وجهاً من وجوه الشريعة ويعرضون عن الوجوه الأخرى، فيظنون مثلاً إن الدين هو الانزواء في الصوامع ونحوها ولا يعلمون أن هذا واحدٌ من الوجوه الايجابية للعمل الإلهي المبارك الذي كان يؤديه المعصوم (علیه السلام) في حياة الأمة.

3- ردود الفعل إزاء بعض التصرفات السيئة الصادرة من بعض المتصدين للمجتمع، ولكنها ردود فعل لم تتخذ الاتجاه الصحيح، فإن المسلم إذا أساء فهذا لا يعني أن الإسلام ليس بشيء، والشيعي إذا أساء فلا يعني أن المذهب ليس بحق وكذا الحوزة الشريفة إذا أساء بعض أفرادها.

4 - الشعور بالإحباط والعجز أمام حالات الانحراف الموجودة في المجتمع، ولم يأخذوا درساً من قضية أصحاب الكهف الذين تملكهم هذا الشعور فأنا مهم الله تعالى ثلاثمائة وتسعة أعوام وأيقظهم ليريهم كيف أثمرت جهود المؤمنين وتضحياتهم رغم مرور مدة طويلة فهذه النتائج بيد مسبب الأسباب وليس على المؤمن المخلص إلا أداء تكليفه إزاء نفسه والمجتمع [وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ] (الأعراف: 164).

ص: 87

-5 التأثر بالدعوات الضالة التي يدعمها الاستكبار العالمي الذي يريد من المسلمين الانزواء في التكايا والصوامع والانشغال بأنفسهم وترك مصالح العباد والبلاد بأيدي الطواغيت وعباد الدنيا والشهوات ليعيثوا فيها فساداً ويهلكوا الحرث والنسل ويملئوا

السجون والمشانق بالمؤمنين.

6- الوصول من خلال هذه الدعوات إلى الرئاسة والجاه الذي هو من أعظم الرذائل الخلقية والأمراض القلبية حيث يتبوأ مكاناً مقدساً في قلوب أتباعه ومريديه المخدوعين به وقد حذر الأئمة علیهم السلام من هذا الداء وجعلوه قمة الأمراض المعنوية (آخر ما يُنزع من قلوب الصديقين حب الجاه).

والمنجي من هذه الفتن اتباع العلماء المجتهدين الموثوق بعد التهم ونزاهتهم وحبهم للناس وتجردهم عن الأنانية.

عصمنا الله وإياكم من الزلل، وأعاذنا جميعاً من شرور الفتن

إنه الهادي إلى سبيل الرشاد.

12 جمادى الثانية 1425

2004/7/30

ص: 88

الفصل الرابع : الإعلام المسؤول: مهمة رسالية

اشارة

ص: 89

ص: 90

نشر الوعي الإسلامي في المناطق الريفية والعشائرية

* نشر الوعي الإسلامي في المناطق الريفية والعشائرية (1)

الحث على نشر الوعي

نحن نحتكم على التوجه الى أبناء الريف لتأدوا الرسالة الإعلامية الإسلامية من نشر الوعي والثقافة والوعي السياسي، بل ندعوكم الى التوسع فيه لإنقاذ المجتمع الريفي والعشائري من التخلف والجهل والخضوع للتقاليد البالية مما جعلته بعيداً عن ركب الحضارة، وقد كرّست أنظمة الحكم الظالمة هذا الواقع المزري. ولكن ببركة نشاط فضلاء الحوزة العلمية والمثقفين والشباب الرساليين واهتمام المرجعية الرشيدة بإنشاء المشاريع العلمية والفكرية والاجتماعية والدينية لهذه الشريحة بدأت حالة الوعي والنضج والمشاركة الفاعلة في تقرير مصير الأمة بالنمو والازدهار.

عيننا على الوعي والتعلم

إنكم حتى ولو بدأتم بتثقيف عشرة فإن كل واحد منهم

ص: 91


1- من كلمة سماحة الشيخ دام ظلة في استقبال عدد من رابطة أبناء الريف الثقافية وهي إحدى تشكيلات حزب الفضيلة الإسلامي في السماوة وتضم شباباً وفتياناً بمختلف الأعمار وتعنى بنشر الثقافة الإسلامية والوعي السياسي في المناطق الريفية نشرت في العدد (28) من صحيفة الصادقين الثلاثاء 5/ج 14262.

سيعلم عشرة وهكذا تنتشر هذه الشبكة المعطاء والشجرة المثمرة وانظروا إلى ما فعله رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) حينما أسر سبعين من مشركي قريش في بدر وكان يمكنه أن يطلب فدية ضخمة منهم وهم من التجار الأثرياء والمسلمون في فقر مدقع حيث كان غاية أحدهم تميرات يسد بها رمقه بينما كانت قريش مترفة ثرية ترفل بالنعم

ومع ذلك فإنه (صلی الله علیه وآله وسلم) قال : للأسرى من كان منكم يعرف القراءة والكتابة فليعلّم عشرة من المسلمين مقابل إطلاق سراحه، وبذلك استفاد (صلی الله علیه وآله وسلم) من هذه الميزة الحضارية الموجودة لدى أهل مكة نتيجة تلاقحهم مع الحضارات الأخرى في اليمن والشام وبلاد فارس حيث كانوا يمثلون مفصلاً تجارياً مهماً، وبدأ كل واحد من المسلمين المتعلمين يعلّم غيره حتى صار عند النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)عدد معتد من كتاب الوحي والمعلمين.

ثم يأتي دور الفتية منكم، فأريدكم (1) أن تلتقطوا ما معلموكم ثم تنقلونه إلى آبائكم وأمهاتكم وأخواتكم؛ ليستفيدوا منه، فتشرحوا لهم أحكام الوضوء والصلاة والتقليد وغيرها؛ لأنهم قد لا يتسنى لهم فرصة الدراسة والحضور في هذه المشاريع

ص: 92


1- خص سماحته بعض الفتية دون سن البلوغ ممن كان حاضراً في الوفد.

المباركة.

ص: 93

الدعوة إلى تأسيس تجمع للإعلاميين والمكتاب العراقيين في الخارج

* الدعوة إلى تأسيس تجمع للإعلاميين والمكتاب العراقيين في الخارج (1)

ندعو الإعلاميين والمحللين السياسيين والكتاب العراقيين في الخارج (2) خصوصاً الذين يظهرون على الفضائيات وأصبح لهم متلقون لآرائهم إلى أن يشكلوا تجمعاً عابراً للقارات) يضمّهم للتنسيق بينهم وإنضاج الرؤى التي يقدمونها ليساهموا بفعالية في إيصال صوت الشعب العراقي المظلوم وعرض الصورة الحقيقة للقضية العراقية والتمييز الدقيق بين الأعداء والأصدقاء مهما كانت مسمياتهم.

إن من مهام هذا التجمع حضور المؤتمرات والندوات وإعداد الدراسات وتشكيل الوفود لزيارة الدول المؤثرة على قرار القوى السياسية الفاعلة على الساحة العراقية وشرح وجهات النظر و إزالة الغموض وشرح المواقف.

ص: 94


1- نُشر في العدد (51) من صحيفة الصادقين.
2- كان ذلك خلال استقباله الدكتور طالب الرماحي مدير مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في لندن يوم 8/ ذو القعدة 1427.

ومن جانب المرجعية فإنها داعمة لتجمعكم مادياً ومعنوياً، ولهذا فإننا نحتكم على المسارعة في إنضاجه لأن الوقت ليس في صالحنا إن ضيعناه..

ص: 95

دور وسائل الإعلام في صناعة الرأي العام

* دور وسائل الإعلام في صناعة الرأي العام (1)

من وظائف وسائل الإعلام صناعة الرأي العام ليتخذ موقفاً إزاء مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والدينية وغيرها فإنها تساهم مع الكتاب والخطباء وأئمة المساجد وغيرهم في صنع هذا الموقف العام. ونحن نعاني من أزمات على كل هذه الأصعدة ويتطلب الحل نشر ثقافة خاصة للتمهيد له.

فمثلاً هذه (الصحوة) التي حصلت لكثير من العشائر وأبناء الوطن الغيارى لم تولد بين عشية وضحاها وإنما جاءت حصيلة تحشيد وتثقيف باتجاه حب الوطن والناس جميعاً والتسامي عن الأنانية والخروج عن التخندقات الطائفية واستشعار العواقب

الوخيمة التي يولدها العنف والاقتتال.

ومثلما حصل في الحركة المباركة لسيدنا الأستاذ الشهيد 94 الصدر الثاني قدس سره حينما استطاع بفضل الله تبارك وتعالى أن يقضي على كثير من الظواهر المنحرفة والموبقات التي تفشت في

ص: 96


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع مدير وموظفي إذاعة البلاد التي تبث برامجها من بغداد يوم الخميس 18 ذي القعدة 1428 المصادف 2007/11/29، ونشرت في العدد (63) من الصادقين.

المجتمع عن طريق تعبئة الرأي العام وحشده ضد هذه المفاسد من خلال الخطب الجمعة المباركة فحوصر الفساد والانحراف و اضطر فاعلوا المنكر لتركه إما اقتناعاً وانسياقاً مع التوجه العام أو حياء من الآخرين بحيث اعترف مسؤولو النظام بأن الجرائم قلت بدرجة 90% وهي نسبة عالية جداً عجزت كل الوسائل التنفيذية للقضاء على الجريمة عن تحقيقها.

وهذه الطريقة مستفادة من سيرة المعصومين (سلام الله عليهم فإنهم لم يستعملوا العنف للقضاء على المنكر وإنما عملوا على إشاعة الفضائل وخصال الخير وإقناع الناس بطريق الصواب بحيث غدا المنكر مفضوحاً وعاراً على صاحبه.

ولكي تنجح وسائل الإعلام في أداء هذه الوظيفة لا بد لها أن تنشئ قسماً يقوم بتشخيص القضايا التي تتطلب حشد الرأي العام باتجاهها ودراستها ووضع الحلول لها وآليات إقناع الرأي العام بالأخذ بهذه الحلول.

وقد التفت قادة العالم إلى أهمية هذه الوظيفة فجعلوا القضايا البشرية المهمة كمكافحة الآيدز وتلوث البيئة وقضايا المرأة والفقر والتعليم يوماً مخصصاً في السنة يقومون فيه بمختلف

ص: 97

الفعاليات لشد الانتباه لهذه القضايا وتحفيز الهمم للمشاركة في معالجتها.

ص: 98

مسؤوليتنا عن إيصال صوت أهل البيت علیهم السلام إلى العالم كله

* مسؤوليتنا عن إيصال صوت أهل البيت علیهم السلام إلى العالم كله (1)

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز [فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ] (التوبة: (122) وهذا الطلب موجه إلى جميع المسلمين في أصقاع الأرض لكن استجابة وتلبية هذه الدعوة تحتاج إلى ألطاف إلهية خاصة لا ينالها إلا ذو حظ عظيم وبإحصائية بسيطة تدرك ذلك فعدد المسلمين تجاوز اليوم المليار ومائتي مليون لكن كم هو عدد النافرين إلى حواضر العلم والفقه والتقوى لينهل من معين آل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) ربما يصل في أحسن الله الحالات إلى مائة ألف أو يزيدون فالنسبة واحد إلى عشرة آلاف،

ص: 99


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع مجموعة من علماء وفضلاء الهند وباكستان الذين قدموا إلى النجف الأشرف وزاروا سماحته يوم الخميس 2 ع 6 1430 ومن حديث سماحته مع العلماء والزوار من العلويين الأتراك المقيمين في ألمانيا وبلجيكا والنمسا وقد زاروا سماحته يوم 13 ع 14302.

وليس كل هؤلاء ممن استفادوا حقيقة ثم رجعوا إلى قومهم لينذروهم ويدلوهم على طريق الهداية والفلاح.

وانتم ممن حظي بهذه الألطاف بل إن ما نالكم منها أكثر من غيركم لبعد الشقة عليكم فلغتكم غير العربية وثقافة بلادكم مختلفة وأمكنتكم بعيدة وتحيطكم ظروف قاسية ومع ذلك نفرتم إلى معاهد العلم في قم المقدسة والنجف الأشرف وغيرهما وبلغتم بفضل الله تبارك وتعالى مراتب سامية في العلم والفضيلة وعدتم إلى بلادكم لتواصلوا طريق ذات الشوكة وهي الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ونشر تعاليم مدرسة أهل البيت (سلام الله عليهم أجمين) مع شدة ما تلاقونه من قسوة الإرهاب وقلة ذات اليد فطوبى لكم وحسن مآب .

إن الإسلام النقي الناصع المتمثل بمدرسة أهل البيت عليهم السلام يستنهض همم الرساليين من جميع القوميات والأعراق ومن صنوف اللغات ليوصلوا هذه المبادئ السامية إلى كل شعوب العالم وستجدون أن الناس يدخلون في دين الله أفواجاً بلا مؤونة منكم سوى إيصال هذا الصوت المبارك، وهذا وعد قطعه المعصومون علیهم السلام : (فعن أبي الصلت قال : سمعت أبا الحسن على بن موسى الرضا (علیه السلام) يقول : رحم الله عبدا أحيا أمرنا فقلت له : وكيف يحيى

ص: 100

أمركم؟ قال : يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لا تبعونا) (1) وقد أذن الله تبارك وتعالى اليوم بانطلاق هذا الصوت المبارك من العراق ليفتح العالم كله حيث تجد الإقبال على التشيع لأهل البيت علیهم السلام واتباع تعاليمهم التي أخذوها من جدهم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وقد تحدث لي بعض العاملين في الطبع والنشر في بيروت أن نهماً شديداً لا سابق له لاقتناء الكتب الشيعية في جميع دول العالم وعلى رأسها الدول التي أغلقت أسماعها عن سماع صوت الحق.

وبدلاً من أن يذعن هؤلاء للحق فإن من يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أحَقُّ أن يُتَّبَعَ (يونس: 35) تراهم يولولون ويبكون ويحشدون لوقف المد الشيعي ودخوله إلى عقر دورهم ويصيحون (أنقذونا من التشيّع) ! إنه التعصب الأعمى للآباء والأجداد الذي يعم-ي عن الحق والعياذ بالله.

إن هذا الصوت المبارك لأهل البيت عليهم السلام الذي بدأ يجلجل في أروقة العالم كله رغم مرور أربعة عشر قرناً من الخنق والكبت والقتل وأخذت الأفئدة تهوى إليهم تصديقاً من الله تعالى لدعوة

ص: 101


1- عيون أخبار الرضا (علیه السلام) - الشيخ الصدوق ج 2 صفحة 275

خليله إبراهيم (علیه السلام) (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) (إبراهيم: (37) يضاعف علينا المسؤولية فى أن نحسن أداءه وإيصاله وأن تتطابق أفعالنا مع أقوالنا لنكون زيناً لهم صلوات الله عليهم أجمعين) ومرآة عاكسة لسيرتهم العطرة ومبادئهم السامية.

وهذه الفرصة العظيمة المتاحة لنا حجة علينا، وليكن في كل قوم ومن أهل كل لغة دعاة إلى هذا الحق المبين [ ختَامُهُ مِسْك وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافِسُون] (المطففين: (26).

ص: 102

اصدع بهويتك وكن شجاعا

* اصدع بهويتك وكن شجاعا (1)

صداع الهویة

من مظاهر تقصيرنا الذي تحوّل إلى مشكلة تعيق تقدّم العمل الإسلامي الرسالي هو عدم إبراز هويتنا اما ضعفاً أو مجاملة أو مداهنة أو خوفاً على بعض المصالح والامتيازات أو لأي سبب آخر، ونقصد بهويتنا كل الانتماءات التي تشكل عناصر هذه الهوية، فنحن مسلمون ننتمي للإسلام، ونحن من الموالين لأهل البيت علیهم السلام ، ونحن نتبع المرجعية الفلاتية ونقلدها.

فعلى صعيد الهوية الإسلامية نجد أن بعض المسلمين في بعض المجتمعات المتمدنة كما يزعمون - قد يترك الصلاة بين زملائه في العمل أو في الجامعة حتى لا يعرف انه مسلم، أو المرأة تضعف عن لبس الحجاب العفيف لأنها لا تستطيع أن تواجه تعليقات الآخرين، أو يجلس شخص على مائدة الشراب أو يسمع الغناء حتى لا يقال عنه انه (معقد) أو (متخلف)، أو يجاري

ص: 103


1- من حديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من طلبة الجامعة المستنصرية يوم الثلاثاء 15/ذ.ق/1433 المصادف 2012/10/2 وقد أنشد أحدهم شعراً للمرجعية فتحدث سماحته بهذه المناسبة.

الآخرين في لبسه ومظهره الخارجي واندماجه معهم في سلوكهم المنحرف حتى يقال عنه أنه متمدن متحضر مثلهم.

وعلى صعيد الهوية الشيعية نجد من يترك المشاركة في إحياء الشعائر الحسينية المهذبة المسنونة شرعاً، أو يعرض عن قضية

فاطمة الزهراء (علیها السلام) وما جرى بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، أو يخفي شهادته لأمير المؤمنين (علیه السلام) بالولاية، أو السجود على التربة ونحوها.

والذي يقلد المرجعية المعينة لا يصرح بذلك ويحاول التمويه والابتعاد عن انتسابه إليها ونحوها من الأمثلة على التخلي عن الهوية وما تقتضيه انتماءاته لتلك الهوية من التزامات.

الحث على إعلان هويتنا الإسلامية

إن هذا الضعف عن ابراز الهوية لا يضر فقط في دينه وآخرته 102 ويسقطه من عين الآخرين لاتهامه بالنفاق، بل انه يضر بكل المشروع الذي ينتمي إليه لأنه يؤدي إلى تمييع الهوية وتضييعها، ولأنه إذا لم يعلن انتماءه ويبيّن نقاط القوة فيه ودواعي تبنيه له، فكيف سيدعو الآخرين إليه ويقنعهم به؟ وكيف سيتقدم المشروع الرسالي؟ ولو أن السلف الصالح لم يقم بواجبه تجاه هويته ويبينوها

ص: 104

بوضوح ويدافعوا عنها بالحجج الدامغة لما وصلت إلينا بهذه القوة والثبات والمناعة مضمّخة بدماء الشهداء ومداد العلماء.

لا للمجاملة على حساب العقل والمنطق

فإن الوحدة والتقارب والتعايش مع الطوائف الإسلامية أو مع الديانات الأخرى، أو مع الشرائح المتنوعة لا تستلزم التنازل عن المبادئ والمعتقدات التي ثبتت صحتها، فليعمل كل بما ثبت عنده صحته بالحجة والبرهان، وإذا كان غير متثبت من معتقداته وانتماءاته فيجب عليه إعادة النظر فيها ومراجعتها وطلب الدليل عليها وليس اخفاؤها والمجاملة فيها.

الثبات على الموقف الرسالي

لقد كان من أوائل الأوامر التي وجهها الله تبارك وتعالى إلى رسوله الكريم (صلی الله علیه وآله وسلم) في بداية الدعوة الإسلامية (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَن الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (الحجر / 94 - 95) فصدع النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بدعوته في مواجهة طواغيت قريش وسدنة الأصنام التي بلغ تعدادها (360) صنماً حولوها إلى كيانات لمصالحهم وامتيازاتهم الواسعة، ولم يكن مع النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) إلا أمير

ص: 105

المؤمنين (علیه السلام) وخديجة بنت خويلد، وأصر على تحمل المسؤولية حتى فتح الله تعالى على يديه، ولا نطيل بالشواهد من سيرة أمير المؤمنين (علیه السلام) وفاطمة الزهراء (علیه السلام) والأئمة الطاهرين (علیهم السلام).

وعلى هذا النهج سار الصلحاء من اتباع أهل البيت (علیهم السلام) فيقف أبو ذر الغفاري رضوان الله تعالى عليه في عقر ديار معاوية ويقول: سمعت حبيبي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) باذني هاتين وإلا صُمَّتا يقول، ثم يذكر فضائل علي بن أبي طالب (علیه السلام)، وانظر إلى موقف الصحابة الاثني عشر الذين احاطوا بمنبر الأول حينما تقمص الخلافة بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وادلوا بشهاداتهم وحججهم وقد ذكرها الطبرسي في كتاب الاحتجاج.

قصة في الإعلان عن الهوية

روينا لكم في حديث سابق اننا في موسم الحج عام 1424 وجهنا إلى أن نرفع أصواتنا بشكل جماعي اثناء الطواف حول الكعبة بدعاء الفرج اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن........) ليلتفت المسلمون القادمون من حوالي (180) دولة في العالم إلى إمامهم الحق ويسألوا عنه ويتعرفوا عليه ويهتدوا إلى نوره، وكنا

ص: 106

على ثقة بأنه سيتجاوب معنا الموالون، وهذا ما حصل وكان له وقع واثر ولم يستطع المناوؤن منعه واستمرت هذه السنة إلى اليوم ونسأل الله تعالى أن تبقى وتستمر وتتسع حتى يأذن الله لوليه بالظهور المبارك.

أعلنوا عن الإسلام بالحكمة

إننا كثيراً ما نتحدث عن مؤامرات الأعداء واستهدافنا وانهم يفعلون كذا وكذا، ولا نتحدث إلا القليل عما يجب أن نفعله نحن في مواجهتهم والقيام بمسؤولياتنا، ومنها هذا التكليف بالاصحار والاعلان عن عناصر الهوية.

ويجب الالتفات إلى أن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر الله تبارك وتعالى، وأوصى نبيه الكليم وأخاه هارون وهما يتوجهان إلى فرعون لدعوته إلى التوحيد (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلاً كَيْناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه 43-44).

ص: 107

لئلا تأخذنا السياسة بعيدا عن الإعلام المسؤول

الاقتصار على الاحتفال السياسي

في ذكرى الشهيد الصدر في ظلم له

* في ذكرى الشهيد الصدر في ظلم له (1)

لا تتاجروا بالمرجعية

لا زلنا في أجواء ذكرى استشهاد المرجع والمفكر والقائد والأسوة ومثال العالم العامل وهو السيد محمد باقر الصدر قدس سره، وقد ساءنا الاقتصار في إحياء ذكراه على الاحتفالات السياسية إذا كان التعبير دقيقاً.

وهذا المنحى - أعني اتخاذ الجهات السياسية للمراجع العظام والعلماء الكرام رموزاً للمتاجرة بها والتسلق إلى مواقع السلطة من خلالها وتأطيرها بهذه الفئوية الضيقة - ظلم لأولئك الأعاظم وتحويل الإخلاص الذي عاشوه والهم الإنساني والإسلامي الذي حملوه إلى دنيا زائفة يتصارعون إليها، وربما جرّ صراعهم إلى محاولة تنقيص كل جهة من رمز الجهة الأخرى وغيرها.

ص: 108


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع حشد من الزوار من بينهم وفد عشائر بني زيد في الناصرية يوم الخميس 20 /ربيع الثاني / 1430 المصادف 2009/4/16.

حب الدنيا رأس كل خطيئة

وهذا المعنى التفت إليه السيد الشهيد الصدر الأول قدير وحذر منه في آخر محاضراته عن حب الدنيا، وكان أكثر شيء آلمه وهو في أيامه الأخيرة بحسب ما يروي صاحب كتاب سنوات المحنة وأيام الحصار هو عندما عرض مشروع القيادة النائبة التي تخلف قيادة الحركة الإسلامية على بعض المقربين منه فيسأله عن موقعه فيها فإن كان رأساً لها فهو وإلا فلا.

هذه الدنيا التي حذر من الوقوع في شراكها أغوت الكثيرين ووظفوا كل شيء لها حتى ذكرى السيد الشهيد الصدر قدس سره فلم تشهد اهتماماً يُذكر بإبراز العظمة والإبداع في آثاره العلمية أو الفكرية أو الاجتماعية أو الأخلاقية ، أو الجهادية وغيرها، مع أننا مطالبون بإحياء هذه الجوانب لتتأسى الأمة فتهتدي بهداهم وتسير على دربهم.

لماذا نحتفي بالعلماء؟

لا شك أن الأئمة المعصومين علیهم السلام هم الأسوة الأعلى لأنهم الأكمل لكن هذا لا يغني عن دراسة سير العلماء الأعلام

ص: 109

والمراجع العظام والشهداء الكرام وإحياء ذكراهم وإبراز مكامن القوة فيهم لأمور:

-1 الوفاء لهم بإدامة ذكرهم بالخير والدعاء لهم والترحم عليهم (والذكر للإنسان عمر ثاني).

-2- لأنهم مظهر لصفات الكمال عند المعصومين عليهم السلام فإذا كان الشهيد الصدر قدس سره وهو أحد أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام وممن نهل من علومهم بهذه الدرجة الرفيعة من العلم والأخلاق الكريمة والجهاد والتضحية فما هي درجة هذه الصفات عند الأئمة (سلام الله عليهم)؟.

3- إن حياتهم وآثارهم وسيرتهم تمثل قراءة وتجسيداً عملياً لسيرة المعصومين علیهم السلام إذ إن أغلب الناس إلا من ندر يحتاجون إلى من يقرأ لهم سيرة المعصومين ويقدمها لهم ولا يستطيعون فهمها مباشرة أو استيعابها فضلاً عن الإحاطة بها، فيكون العلماء تقريب تلك الصورة إلى الأجيال من الناس فمثلاً هناك إشكال يتردد بأنه لماذا صالح الإمام الحسن (علیه السلام) معاوية ويرفع الإمام الحسين (علیه السلام) السيف في وجه يزيد فيقدم لنا السيد الشهيد الصدر قدس سره قراءة لذلك الواقع ويشرحه بأنه (تنوع أدوار ووحدة هدف) والهدف دائماً هو الإصلاح لإن أريدُ إلا الإصْلاحَ مَا

ص: 110

اسْتَطَعْتُ) (هود:(88) وهو ما عبر عنه الإمام الحسين (علیه السلام) بقوله: (إنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الأصْلاح في أُمَّةِ جَدي (صلی الله علیه وآله وسلم) (1).

ولذا فنحن بحاجة دائماً إلى فكر العلماء وعلمهم والاختلاط بهم واستجلاء سيرتهم ليعكسوا لنا من خلالها سيرة وعلم الأئمة علیهم السلام وعلى هذا نجد أن قدر هؤلاء العلماء يزداد بمقدار أخذهم من الأئمة المعصومين علیهم السلام وتجسيدهم لسيرتهم

نعرف الله تعالى من خلال المعصومين علیهم السلام

وفي الحقيقة فإن الأكمل في هذا أن ننتقل من صور المعصومين علیهم السلام وصفاتهم إلى الصفات الإلهية فإنهم مظهر لها بحسب ما يناسب إدراكاتنا المحدودة، فإن المثل الأعلى الذي يجب أن يتخذ هو الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى [وَلِلهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ] (النحل: 60 ).

فكان المعصومون (سلام الله عليهم مظهرين لتلك الصفات الحسنى على أرض الواقع ليتعرف الناس على صور بمقدار ما من الصفات الإلهية الحسنى فحينما تطلع على رحمة

ص: 111


1- بحار الأنوار: ج 44 ص 329.

رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وعفوه وصفحه وكرم أخلاقه وهو يعفو عن قاتليه ويدعو لأعدائه بالمغفرة والهداية فإنك تأخذ فكرة مبسطة عن صفات الله تبارك وتعالى.

وهكذا أمرنا أن نأخذ من صفات الله تبارك وتعالى ونتخلّق ،بأخلاقه، فإن قيمة الإنسان تزداد بمقدار ما يتصف به من أخلاق الله وهو وجه شرحنا به الحديث الشريف قيمة كل امرئ ما يحسنه)

فمثلاً من صفات الله تبارك وتعالى سريع (الرضا) وهكذا يجب أن نكون في علاقاتنا مع الآخرين، لا ندع الغضب يتملكنا ويسيطر علينا إذا أساء لنا الآخرون وإنما سرعان ما يتبدد ويتلاشى.

ليس بظلام للعبيد

ومن صفات الله تبارك وتعالى أنه [لَيْسَ بظلام للعبيد] (الأنفال: 51) فلنجتنب الظلم بكل أشكاله ابتداء من ظلم النفس بالمعاصي وعدم إتباع الحق والتقصير في الواجبات إلى الظلم داخل البيت للزوجة والأطفال وسائر أفراد العائلة، إلى ظلم الآخرين خلال التعاطي معهم وعلى رأسه ظلم المسؤولين

ص: 112

والموجودين في السلطة للناس وعدم الإخلاص والتفاني في خدمتهم وانشغالهم بمصالحهم الشخصية والفئوية.

والظلم بكل هذه الأشكال ضارب بأطنابه عند كل الناس وإذا كان بعض الظلم مما يغفر ويعالج بالتوبة والندم وعقد العزم على عدم العود وتدارك ما فات كظلم الإنسان نفسه بالمعصية وظلمه لربه بالشرك والكفر [إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان:13)، فإن بعضه مما لا يغفر وهو ظلم الآخرين وعدم تأدية حقوقهم والقيام بالواجبات تجاههم إلا بمعالجة كل هذه التقصيرات وتداركها وإلا فإن الحساب قاس يوم القيامة ففي الحديث عن أبي جعفر الباقر (علیه السلام) قال (الظلم ثلاثة: ظلم يغفره عز وجل، وظلم لا يغفره، وظلم لا يدعه فأما الظلم الذي لا يغفره فالشرك بالله عز وجل، وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم الرجل نفسه بينه وبين الله عز وجل، وأما الظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد) (1).

وما دمت بخدمة أبناء العشائر اليوم فلا بد أن أشير إلى المظالم المؤلمة في الأعراف والقوانين التي تحكم علاقاتهم خصوصاً ما يتعلق بالمرأة مع أن الحديث الشريف يقول (ما

ص: 113


1- الكافي: ج 2 ص 331.

أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لثيم ) (1) فهي تعاني من قسوة التعامل داخل البيت وتحميلها ما لا تطيق، ومن (النهوة) التي تحرم المرأة من حق مقدس في الحياة وهو اقترانها بالرجل المناسب لها لمجرد أن أحد أعمامها نهى عن ذلك لا لشيء سوى الرغبة في الانتقام والإيذاء وهي من الشيطان.

وبعض العشائر من السادة تحرم بناتها من نفس الحق للمنع من تزويج غير السادة العلويين مما يؤدي إلى إعضال المرأة وتركها كشيء لا قيمة له في البيت في الوقت الذي يعطي الرجل (السيد) لنفسه الحق في التزويج بمن يشاء من النساء.

ص: 114


1- کنز العمال: ج 16 ص 371.

الفصل الخامس : الاستماع إلى الأخبار في أوقات الأزمات

اشارة

ص: 115

ص: 116

الاستماع إلى الأخبار في أوقات الأزمات

* الاستماع إلى الأخبار في أوقات الأزمات (1)

الحضارة الغربية بنيت على نظام المصالح

لقد بني كيان الغرب اليوم وسائر الكيانات المادية على أساس (المصالح) والسعي المستمر للازدياد من الثروة كما وصفهم الحديث الشريف بأن طالب المال منهوم لا يشبع ولا يملأ فمه إلا التراب. وقد أدى بهم هذا الجشع والحرص إلى حب التسلط على الآخرين واستعبادهم والتحكم بشؤونهم للانتفاع بهم من جهتين

الأولى: نهب ثرواتهم.

والثانية: استخدامهم لتحقيق أغراضهم وجعلهم أسواقاً لتصريف بضائعهم.

وتدير هذه السياسة العدوانية مؤسسات ضخمة ذات إمكانيات عالية وتقنيات متطورة، وقد رأت هذه المؤسسات أن من الضروري الإيحاء لشعوبهم والخاضعين لسيطرتهم بوجود عدو –

ص: 117


1- صدر بتأريخ 26 ذو القعدة 1423 الموافق 2003/1/30 عند تصاعد إرهاصات الهجوم الأمريكي على العراق الذي بدأ يوم 16 محرم 1424 المصادف 2003/3/20 وانتهى بسقوط الصنم في ساحة الفردوس وهزيمة الطاغية وأزلامه يوم 6 صفر 1424 المصادف 2003/4/9.

سواء كان حقيقاً أو وهمياً - وخلق ضجة باتجاهه وهذا يحقق لهم عدة نتائج:

1 - بعث الهمة والحماس والنشاط في العمل بالاتجاه الذي يريدونه هم ومن يتأثر بهم.

2 - خلق المبررات لاستمرار وجودهم وإقناع الناس بصحة عملهم والحاجة إليهم.

التشويه والتعتيم على أي شخص أو عقيدة يمكن أن تتهددهم.

4 - تمرير الأفكار والسلوكيات المنحرفة والهدامة تحت عناوین براقة ومزخرفة وهي مجراها بسرعة لانشغال الناس بالضجة المفتعلة.

5 - هدر طاقات الأمة المادية والمعنوية وتبديدها من أجل لا شيء

العدو الجديد

وقد قضى الغرب عقودا في حرب (باردة) مع الشيوعية ومعقلها الاتحاد السوفيتي، واستطاع في ظل هذه الحرب أن يحقق الكثير من الأهداف المتقدمة مما لا يسع المجال لشرحها، وبعد

ص: 118

انهيار الاتحاد السوفيتي وزوال هذا العدو لم يبق أمامهم ما يبرر الكثير من أفعالهم فاحتاجوا إلى إيهام شعوبهم بعدو جديد يتهدد كيانهم وينذر بزوالهم ذلك هو الإسلام، وهم يستطيعون أن يجدوا الكثير من النقاط التي تقنع المخدوعين والمتأثرين بإعلامهم المزيف بهذا العدو الذي ليس هو عدو للشعوب، بل على العكس هو يريد السعادة والخير وسيادة العدل والمحبة في المجتمع الإنساني برمته، وإنما هو عدو للمستبدين والمستكبرين والظلمة والمعتدين على الشعوب الذين يريدون إن يخرجوا الناس من عبادة الله الواحد التي تدعوهم إليها الفطرة السليمة إلى عبادة الطواغيت والآلهة المزيفة التي يصنعونها ويجددون فيها فما إن تمل البشرية إلهاً حتى يصنعوا له آخر.

دور الإعلام في صناعة السياسة الغربية

ومن أهم وسائلهم لتنفيذ هذه الخطط الإعلام بكل قنواته المسموعة والمرئية والمقروءة، وقد سخّروا لها إمكانيات هائلة لتشد إليها الإنسان وتأخذ بمجامع قلبه وعقله وتسلب منه رشده وقدرته على التفكير ، ويبقى منصاعاً لها ومصدقاً بها حتى لا تبقى عنده فرصة للتأمل والتمييز بين ما هو صحيح وما هو فاسد وما هو

ص: 119

ضار أو نافع أو حق أو باطل، حتى في نشرات الأخبار التي يوهمون الناس أنهم ينقلونها بكل أمانة وموضوعية وحياد فتراهم يضعون السم في العسل ويخترقون أفكارك وقناعتك بل وحتى معتقداتك من حيث لا تشعر، ويخلقون فيك الشك والحيرة والتردد وهي الخطوة الأولى في طريق الضياع والانحراف

أساليب في التوهيم الإعلامي

ولهم في ذلك أساليب متعددة، منها الالتقاء بناس ضعيفي الحجة لا يستطيعون إقناع الآخرين بحقهم، بينما يلتقون بشخص قوي الحجة فى الباطل، أو يوجهون أسئلة إلى طرف الباطل يريدون إيصال أجوبتها إلى الناس بينما لا يسألون أهل الحق عما يريد الناس ،معرفته، أو ينقلون أخبارنا ويعلقون عليها بأنها لم تثبت من مصادر مستقلة، بينما تؤخذ أخبارهم كمسلمات وغير قابلة 118 للمناقشة، أو تنقل تفسيراتهم للأحداث بشكل مقنع أما تفسيراتنا فتعرض ممزوجة بالتشكيك، وهكذا.

ص: 120

دور الوعي في قراءة الأحداث

لذا وأمام هذه الهجمة الشرسة يجب أن نكون واعين حذرين مدققين في الأمور ولا نكون همجاً رعاعاً ينعقون مع كل ناعق، وأشبه سماع الأخبار من الإذاعات بقراءة كتب التأريخ، إذ من غير المعقول أن نصدق كل ما فيها من غث أو سمين ونحن نعلم أن جملة نقائض فيها، فقد كتب بعضها تزلفاً إلى السلطات ولتبرير أفعالها، وكتب بعض آخر لتأييد عقيدة أو مذهب، وكتب غيرها لتسقيط شخص مخالف وتشويه صورته أو لرفع شخص وتأييده، مضافاً إلى أنها كتبت من وجهة نظر الكاتب التي قد لا تعبر عن الحقيقة وليست مستوعبة لتفاصيل الحدث، لذا فإن الباحث المنصف يحتاج إلى تأمل وغربلة في الكتب وجمع القرائن والأدلة لتمييز الصادق عن المكذوب.

نقاط للوعي

وهكذا يجب أن نكون تجاه ما تبثه وسائل الإعلام فنحن لا نستطيع أن نتخلى عن متابعة الأخبار لأنها حاجة نفسية ملحة ولكن علينا أن نلبي هذه الحاجة بشكل نظيف ومفيد وغير مشوه وليس فيه ،ضرر بالالتزام بعدة نقاط

ص: 121

1 - إن الإذاعات متفاوتة في درجة الاطمئنان إليها فبعضها واضح الكيد والتضليل والتشويه وبعضها أقل، فلا بد أن يتفاوت الحذر منها بمقدار درجة الاطمئنان إليها.

2 - الوعي والتأمل في مضمون الخبر والتثبت منه فإن القائمين على هذه الإذاعات المعادية للإسلام فسقة لا ورع لهم، وقد قال تعالى: [يَا أيها الذينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأَ فَتَبَيَّنُوا أن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ] (الحجرات: 6).

3- الرجوع إلى الحوزة الشريفة والواعين المخلصين من المثقفين لمعرفة تقييمهم للخبر والأثر المترتب عليه التزاماً بقوله تعالى: (وإذا جَاءَهُمْ أمر من الأمن أو الخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أَوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاً فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لأَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً (النساء: 83).

4 - عدم المبالغة والإفراط في الاستماع إلى الأخبار والاكتفاء بنشرتين من إذاعتين مختلفتين مع التعليقات التي تتعقبها فإن العمر ثمين وهو رأس مال الإنسان المعد للتجارة مع الله تعالى ويستطيع إن يستثمر كل دقيقة وكل ثانية في طاعة الله تعالى بعمل صالح ونافع دينياً أو دنيوياً للفرد أو للعائلة أو للمجتمع. وليجرب

ص: 122

كل فرد أن قضاء عدة ساعات مع نشرات الأخبار هل تعطيه أزيد مما يحصل عليه لو تابع ما اكتفينا به من نشرتين مع تعليقهما؟ فلماذا هذه المضيعة للوقت؟

5 - إن كثرة الاستماع إلى الأخبار يؤدي إلى التشويش الفكري وانشغال القلب والعقل بالأفكار المتضاربة، مما يفوت على الفرد فرصة الازدياد من العلم والمعرفة والتفقه فيما هو ضروري له فلا تبقى له همة بمطالعة الكتب والتأمل فيها والانتفاع منها واستنتاج ما هو جديد ونافع، رغم أن كل مسلم مطالب بالكثير من القراءات في العقائد والأخلاق والسيرة والفقه والثقافة والتأريخ والأدب والتفسير. ولو ثنيت لي الوسادة لألزمت كل فرد بقراءة كتاب واحد على الأقل في كل من هذه المجالات ك-(عقائد الإمامية) أو (أصل الشيعة وأصولها في العقائد و مرآة الرشاد) أو (إرشاد القلوب) في الموعظة والأخلاق و رسالة عملية مختصرة) في الفقه و (مختصر تفسير الميزان) أو (تفسير شبر ) في التفسير و (نفحات من السيرة في سيرة المعصومين علیهم السلام وهذا يمثل الحد الأدنى من الالتزام بقول الإمام الصادق (علیه السلام) : الوددت أن السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الدين).

ص: 123

كما أني من موقع المسؤولية الأخلاقية والشرعية ألزم كل فرد بقراءة كتاب تأريخ الغيبة الكبرى لسيدنا الأستاذ قدس سره وفهمه وتلخيص أفكاره ومعرفة ما ينبغي علينا معرفته والعمل به وجعل الكتاب محوراً للمناقشات والحوارات والمسابقات وجعل نسخ الكتاب والكتب المتقدمة هدايا للفائزين.

6- ولكي يكون استماعنا للأخبار هادفاً وواعياً علينا أن نتصيد الدروس والعبر منها لتدعم بها عقائدنا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا] (المدثر: 31) فإن الله تبارك وتعالى يوالي الحجج على البشر ، لكن غفلتهم وانشغالهم بالماديات واتباع الهوى يصدهم عن الاتعاظ بها، فعلى الواعين إلفات نظرهم إلى ذلك، واذكر لكم مثالاً واحداً ذكرته في إحدى محاضراتي ففي صيف 2002م اجتاحت أوربا موجة من الفيضانات أتلفت الكثير من الأنفس والممتلكات وشردت الآلاف وكلفت الملايين من الأضرار، خصوصاً في ألمانيا والنمسا وجيكوسلوفاكيا، وعجزت تكنولوجيتهم التي صوروها وكأنها الذراع التي لا تعج-ز عن شيء من مواجهة هذه الكارثة. وهذا درس مهم لمعرفة ضالتهم أمام الطبيعة التي هي إحدى مخلوقات الله فكيف ينصبون

ص: 124

أنفسهم أرباباً على البشر من دون الله تعالى يريدون من الناس جميعاً أن يطيعوهم ويأتمروا بأمرهم؟ فهذا درس استفدناه.

والدرس الأخر الأهم أن التعليقات على الأخبار قالت إن أوربا تحمّل الولايات المتحدة مسؤولية حصول هذه الكارثة لأنها امتنعت عن التوقيع على معاهدة (كيوتو) للمحافظة على البيئة والتي من بنودها عدم تشغيل المعامل في وقت واحد فأدى عدم الالتزام بها إلى الاحتباس الحراري وارتفاع درجة الحرارة فزيادة الأمطار فحصول الفيضانات، فهذا شاهد معترف به من قبلهم على أن

معاصي البشر وسوء تصرفاتهم وفسادهم وانحرافهم يؤدي إلى حصول الكوارث الطبيعية لأن السنن الإلهية المتحكمة في الكون والمخلوقات واحدة.

فقبل هذا الشاهد وأمثاله لا نستطيع إقناعهم بهذه الملازمة بین (فساد الإنسان وحصول الكوارث الطبيعية) لأنهم لا يؤمنون بالغيب وتأثيراته فأرجو - ولا أريد أن أكثر من كلمة ألزم - من كل فرد من المجتمع أن يسجل يومياً ف-ي دفت-ر خ-اص ما يمك-ن استفادته من الأخبار من دروس وعبر وسأكون أنا والأخوة م-ن

فضلاء الحوزة الشريفة بخدمتهم في مراجعة هذه الدفاتر وتقييمها والاستفادة منها ونشر ما هو نافع منها.

ص: 125

7 - ولكي لا يأخذ الاستماع لنشرات الأخبار وقتاً كثيراً فيمكن جعله مزامناً لعمل أو وظيفة لا تتنافى معه كالأعمال اليدوية الروتينية أو حين تناول الطعام - مع عدم الغفلة عن آداب المائدة كالتسمية والحمد لله وغيرها - أو حين الاستلقاء للراحة

- وإبقاء الأوقات الفعالة للمسؤوليات الأخرى كالعمل لكسب المعيشة والقراءة والعبادة واللقاء بالإخوان وقضاء الحوائج ونحوها.

8 - تقوية الثقة بالنفس وحسن الظن بالله تعالى والرضا بما قضى وقدر، فإن المحن والبلايا إن كانت من الله تبارك وتعالى فلا راد لقضائه، وإن كانت من مظالم العباد ،وشرورهم كما لو اعتدت دولة متجبرة على شعب آمن فإن فيه :جهتين جهة منسوبة إلى المعتدي، ونتيجتها الخزي والعار في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة، وجهة منسوبة للمظلوم وهي مواجهة الظالم بالصبر والإيمان والثبات وحسن الظن بالله تعالى: [إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ] (النحل: 128)، وإِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب] (الزمر: 10)، و(يا أيها الذينَ آمَنُوا إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] (محمد:7)، وكل هذه الأمور تتطلب عزماً وهمة من المجتمع في طاعة الله تعالى ووعياً وفهماً صحيحاً للأمور وتصرفاً سليماً تجاه الأحداث.

ص: 126

خطر الأخبار والآليات الإعلامية على الأمة

إن عدم الالتفات إلى كل أو بعض النقاط المتقدمة يجعل هذه الأخبار تسبب آثاراً تدميرية في المجتمع، منها:

1 - إضعاف القوة المعنوية وتحطيم نفسية الأمة وتحقيق العجز عن التفكير فيما هو نافع.

2 - بث الشك وفقدان الثقة بالنفس أولاً، وبأولي الأمر ثانياً، وبالدين والعقيدة والمبادئ ثالثاً.

3 - أحداث التفرقة والاتجاهات المتباينة وتمزيق وحدة الصف ونشر الخلافات و إن من المؤسف حقاً أن تصبح العواطف الدينية لعبة بيد صانعي الحروب النفسية يستخدمونها في المواقف الحرجة ليجنوا هم ثمارها بخبث ودهاء وما فتنة رفع المصاحف في صفين عنك ببعيد) (1).

4 - خلق أزمات اجتماعية وإرباك اقتصادي يؤدي إلى إهدار الطاقات وتبديد القدرات في أمور قد تكون وهمية أو مبالغاً فيها.

ص: 127


1- عن كتاب الشائعات وآثارها في المجتمع للشيخ مرتضى النجفي وكان مخطوطاً حينئذ وطبع لاحقاً ضمن سلسلة (نحو مجتمع نظيف).

5 - تغيير أخلاق المجتمع وسلوكياته وأنماط حياته وأفكاره وفق الرؤية التي يريدون، وهو ما يسمونه (بالعولمة) والنظام العالمي الجديد الذي هو ليس بجديد، وإنما قالها فرعون من قبل: [مَا أُريكُمْ إلا ما أرى] (غافر:29) وهذا ما يسمونه ب غسيل الدماغ حيث يمارسون تضليلاً إعلامياً وتشويهاً وتزييفاً للحقائق حتى يجعلوا الآخرين يقتنعون برؤيتهم التافهة المنحطة.

موعظة المستمعي الأخبار

وأخيراً تذكروا عتاب الله تعالى ومساءلته قال تعالى: [ألمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْن ، وَلِسَاناً وَشَفَتَيْن ، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن ] (البلد : 8-10) وقوله تعالى: [إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً] (الإسراء : 36)، فهذه الجوارح الموهوبة لنا من الله تعالى لا أن توظفها في طاعته ونحميها من معصيته، وإلا فإنها أول الشهود على الإنسان.

وللاستزادة في هذا المجال أوصي بقراءة كتب مثل: نحن والغرب) و (الشائعات و آثارها التدميرية في المجتمع).

تعاليم أخلاقية في أقات الأزمات

ص: 128

وفي خضم هذه الأزمات - أعاذنا الله منها -- يكون الجميع مطالبين بالتعاون والمودة والرحمة والعطف، وعدم التقصير في قضاء حوائج الناس، وقد ذكرت ذلك في مناسبات سابقة إلا إنني اذكر هنا ما يتعلق بالأزمات الاجتماعية والاقتصادية فقد روي حماد بن عثمان قال: أصاب أهل المدينة قحط حتى أقبل الرجل الموسر يخلط الحنطة بالشعير ويأكله ويشتري ببعض الطعام وكان . أبي عبد الله (علیه السلام) طعام جيد قد اشتراه أول السنة فقال لبعض مواليه اشتر لنا شعيراً فاخلطه بهذا الطعام أو بعه فإنا نكره أن نأكل جيداً ويأكل الناس رديئاً) (1).

وعن معتب قال: قال أبي عبد الله (علیه السلام) : (وقد يزيد السعر بالمدينة كم عندنا من الطعام؟ قال: قلت عندنا ما يكفينا أشهر كثيرة، قال: أخرجه ،وبعه قال قلت له وليس بالمدينة طعام، قال: بعه. فلما بعته قال: اشتر مع الناس يوماً بيوم، وقال: يا معت-ب اجعل قوت عيالي نصفاً شعيراً ونصفاً حنطة فإن الله يعلم أني واجد أن أطعمهم الحنطة على وجهها ولكنني أحببت أن يراني الله قد أحسنت تقدير المعيشة) (2).

ص: 129


1- وسائل الشيعة كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، باب 32، ح 1، 2.
2- وسائل الشيعة كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، باب 32، ح 1، 2.

فالإمام (علیه السلام) يعطي عدة تعاليم أخلاقية واقتصادية في أوقات الأزمات:

:(منها) مواساة الآخرين ومشاركتهم في الصعوبات.

(ومنها): عدم الإقبال على شراء كميات كبيرة من المواد الضرورية لان تخزين المواد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار والإجحاف بغير القادرين عليها بل على العكس فإن المطلوب أن يعرض كل واحد السلع المدخرة عنده في البيت ليساهم في تخفيض الأسعار.

(ومنها): حسن التدبير في المعيشة وعدم الإسراف والتبذير سواء في كمية المواد المستهلكة أو في نوعيتها والمحافظة على الوسط بين الإفراط والتفريط : ( ومنها): مراقبة الله في جميع التصرفات لأنه [ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ] (غافر: 19)، و [ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَاقِيةٌ) (الحاقة: 18)، فإذا تعاملنا معه تبارك وتعالى بهذا الشكل فإن الكثير من التصرفات ستتغير.

أسأل الله تعالى أن يجنب الإنسانية جميعاً كل شر وظلم وأن يوحد قلوبهم على الرحمة والحب وينتقم من كل من يريد بعباده الغوائل وأن يعجل للبشرية بسعادتها المنشودة على يد بقيته الأعظم (أرواحنا له الفداء) وما ذلك على الله ببعيد.

ص: 130

الفصل السادس : الإعلام المرئي الأخطار الأخلاقية والاستعمارية للإعلام الغربي

اشارة

ص: 131

ص: 132

جهاز الستلايت أول هدية بعد سقوط النظام

* جهاز الستلايت أول هدية بعد سقوط النظام (1)

في الإعلام المرئي

من المعلوم أن جهاز (الستلايت بذاته هو آلة يمكن الاستفادة منها في الخير ويمكن استعمالها في الشر كنشر الرذيلة والفساد فالمشكلة في كيفية استخدام هذه الآلة التي هي كالتلفزيون والأقراص الليزرية وغيرها، فإذا أمكن الاقتصار على النافع المحلل كالاطلاع على الأحداث العالمية ومتابعة البرامج الثقافية والعلمية والدينية فهو خير، ولا يمكن إنكار أن الوسائل المرئية هي من أهم وسائل الإعلام وتأثيرها في الجماهير بكل الأعمار والمستويات ملحوظ جداً.

وان استعمل والعياذ بالله - في متابعة الأفلام الخليعة والأغاني الماجنة فهو شر، وقد نُقل أن بعض دول العالم تخصص محطات بث لهذا الغرض موجهة إلى العالم الإسلامي وغيره، وهي

ص: 133


1- من أوائل الخطابات التي ألقاها سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله بعد سقوط (صدام) مباشرة حيث كانت أول هدية قدمها الاحتلال للشعب العراقي هي مليون جهاز ستلايت لإفساده وقد لخص الخطاب من عدة كتب ألفت تحت إشراف سماحة الشيخ منها احذر في بيتك شيطان) و(الأفلام والمسلسلات مشكلة وعلاج) وقد طبعت.

في غاية الانحطاط الأخلاقي والهمجية الحيوانية، بحيث ان-ه حت-ى الدول الغربية كألمانيا اشتكت من هذا التدمير الاجتماعي والأخلاقي والنفسي الذي تعمل على إيجاده الصهيونية العالمية وأدواتها.

وقد صدرت ضمن حركتنا في الإصلاح الاجتماعي عدة كتب ونشرات من تأليف ومشاركة عدد من الإخوة والأخوات لبيان هذه الآثار السلبية ككتاب الأفلام والمسلسلات: مشكله وعلاج وكتاب (أحذر في بيتك شيطان) ونشرات مختصرة وسأقتبس منها هنا ما هو مناسب، وأحيل بقية التفاصيل إليها.

الآثار السلبية للأفلام والمسلسلات

فمن تلك الآثار السلبية للأفلام والمسلسلات والأغاني المنافية للدين والعفة والأخلاق مما تعرضه الوسائل الإعلامية المرئية ومنها جهاز الستلايت

-1 الآثار الجنسية دأب الإسلام على تهذيب هذه الغريزة للحد من الشهوة، ففرض الحجاب، وغض البصر للرجل والمرأة، والتفريق في المضاجع بين الإخوة والأخوات فماذا يصنع التلفزيون؟؟!! إنهم أرادوا جعل مناظر الفسوق مألوفة لدينا، بل هي

ص: 134

مقتضى عرفنا، فإن أخف المناظر خلاعة مذيعة بأبهى حلة وأزهى مكياج وأعمق خضوع في القول والقضية الأساسية في كل فلم أو مسلسل هو (الحب)، حتى أن المشاهد صار يستشعر النقص في الفلم إن طرح الحب فيه كأمر ثانوي، وبالغوا في هذا الجانب حتى لجئوا إلى تشويه التأريخ الإسلامي في المسلسلات من خلال قصة الحب للشخصية الإسلامية كما في مسلسل بلال الحبشي) ومسلسل عمر بن عبد العزيز)، كل ذلك لجعل قضية الحب من أبجديات حياة الإنسان، أما عن المجون فحدث ولا حرج فالعري صورة طبيعية في كل يوم بل ضرورية والقبلات والمداعبات أيسر ما تقدمه الشاشة وصورة الجنس مشهد عادي أدركه حتى الأطفال الصغار.

إذن استطيع أن أقول إن من أهداف التلفزيون جعل ممارسة الفحش أمراً طبيعياً كما هو الحال في الدول التي يطلق عليها متقدمة) انظر وتأمل كلام الماسونية (يجب أن تخلق الجيل الذي لا يخجل من كشف عورته كما في المشاهد الخليعة التي تعرض وخاصة في المسلسلات المدبلجة لتحفيز شبابنا وبناتنا على مثل هذا وتهوينه في نظرهم.

وغريزة الجنس من أشد الغرائز ضغطاً على الإنسان فقد يأكل

ص: 135

الإنسان وجبة من الطعام فتشبعه إلى وقت معين، ولكن غريزة الجنس لا تنطفئ طالما وجد ما يثيرها ويهيجها، فلو انتشرت أسباب الإثارة الجنسية سعى المرء إلى تلبية هذه الرغبة الملحة فيبقى هم المرء وتفكيره محصوراً في هذا الجانب لهذا تجد ضعف المستوى الدراسي لكثير من الشباب بسبب ضغط الغريزة الجنسية، وهناك علاقة بين مستوى الذكاء والانحراف الجنسي فكلما زاد أحدهما قل الآخر وإلا تَصْرِف عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الجَاهِلِينَ] (يوسف: (33).

2- إباحة المحرمات التلفزيون يعرض لنا يومياً أنواع المحرمات التي يلتقطها الذهن وترسخ فيه فمن السفور إلى العلاقات المحرمة إلى شرب الخمر والغناء وغيرها، لقد جعل الله تعالى التقوى معيار التفضيل إن أكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ] (الحجرات: (13)، وللأفلام والمسلسلات كلمات ومعايير متعددة في التفضيل إلا التقوى فمرة يكون المال وأخرى الجمال وثالثة الشهادة الراقية أو الوظيفة الممتازة ... وبذلك تقتل التقوى و تحل محلها الأباطيل، ورد في كلام لوزير يهودي بريطاني: (يجب أن نسحب بساط الإسلام من المسلمين ونمزق القرآن بهدوء فليتأمل أولو الأبصار.

ص: 136

وتجد أن الذي يستقطب مشاعر الناس في الأفلام ويصبح القدوة والمثل الأعلى بكل بساطة تجده شخصا فاسقاً، آخر ما يعكسه في سلوكه هو تعاليم الدين بل يزني ويشرب الخمر ولكنه قد يحارب عصابة لصوص أو فساد اقتصادي. هذا القدوة سيقلده الكثيرون في سلوكه وقيمه، فأي فائدة في انتصاره للحق وهو يسير إليه في طريق معوج ضال.

-3 التربية اللا إسلامية: إن أول ما يقوم به التلفزيون هو طمس الحياء الناتج من تكرار مشاهد المناظر الخليعة وعلاقات الحب والغرام المحرمة، وما أعمق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لا حياء له لا إيمان له، وتُصوّر كثير من الأفلام والمسلسلات أردأ العلاقات العائلية، والشيء الطبيعي أنها تعتمد على نظريات الغربيين في التربية، وغالباً ما تحتوى أفض-ل ص-ورة ع-ل-ى كثي-ر من الجفاء والعقوق وقطيعة الرحم..

وبذلك يستجيب المراهقون لما يشاهدون وتعجبهم الصورة الرديئة بما تحمل من شموخ وتكبر وحص-ول عل-ى كثي-ر م-ن المكاسب وبهذا تعلمهم معنى العقوق والصراع مع أقرب الناس من أجل دراهم معدودات، فالتلفزيون يرسم حياة لا علاقة لها بالإسلام يطبعها في قلوب الأجيال عن طريق الأكل والشرب والمشي

ص: 137

والتعامل السيئ مع الناس والبغض والانتقام.

-4 تحويل الدين إلى تراث والتربية إلى ملل: إن هذا الجهاز موجه بطريقة شيطانية تنفذ إلى أعماق الجيل الغافل فتملئ قلبه بالأوساخ والسموم، والخطة المتبعة هي إقصاء الدين عن مسرح الحياة وذلك بتحويله إلى تراث لا صلة له بالواقع والطريقة المتبعة هي كما يلي:

أ- حصر الفترة الدينية في مدة قصيرة لا تساوي شيئاً أمام أي فترة أخرى.

ب - الأحاديث النبوية منتقاة لغرض خاص هو توجيه الرأي العام توجيهاً خاصاً يتناسب والأزمة المعاصرة.

ج - الأفلام الدينية لا تعرض إلا في مناسبات معينة وهي تحوي تشويه الحقائق أكثر من أي شيء آخر كما أنها مكررة لا تتغير منذ سنين حتى ملها المشاهد.

د - البرامج الدينية أو التربوية تكون عادة رديئة الإخراج بحيث لا تستخدم التقنيات لتشجيع المشاهد على المتابعة، وعادة تعرض في ساعات مهملة من اليوم على عكس البرامج الهدامة فتكون متطورة إخراجاً وتقديماً وتعرض في ساعات تجمع العائلة

ص: 138

إلى شاشة التلفزيون.

ه - الإكثار من البرامج المنوعة التي تكون الأغنية عصبها الحي بحيث تحاصر السامع من حيث يريد أو لا يريد، قال الرسول الأعظم (صلی الله علیه وآله وسلم) : ( لا تستمعوا للمعازف والغناء فإنها تنبت في القلب النفاق كما ينبت الماء البقل).

-5- الشعور بالحقارة بقطع الصلة بين الجيل ودينه وتأريخه وقيمه، فالأفلام والمسلسلات توضح لنا التطور العلمي والتقدم الحضاري الهائل في الغرب، وتصور لنا أن نظرتهم للحياة هي الحق وان ما سواهم الباطل، وكل حركة تصدر منهم لا بد أن تعبر عن روح العصر المتقدمة.

إن خططهم نجحت إلى الدرجة التي جعلت من أبنائنا يخجلون حتى من عزاء الحسين (علیه السلام) مثلاً أو زيارة قبور المعصومين علیهم السلام وغيرها كثير، بينما هم يتبجحون بأفعالهم المشيئة واللاعقلانية.

-6 منع التكامل لأفراد المجتمع لأن الفرد عندئذ يقضي الوقت كله أو أغلبه فى مشاهدة الأفلام والمسلسلات، ويبقى الوقت الباقي لديه في ضرورات حياته وأسرته ولا يبقى له وقت آخر ليقضيه في تكامله العلمي والعقلي والديني والروحي، وبهذا يخطط الغرب الكافر أن يكون الجهل والتدني هو الصفة العامة في العالم

ص: 139

كله ليكونوا لقمة سائغة له ولأطماعه وأرباحه ولكبريائه.

7- تأييد للاستكبار والظلم وأنها تأييد بخلاف المصلحة العامة وأن الاستكبار إنما يبذر بيننا هذه الأمور لأجل إبعاد الناس عن المصالح العامة وعن واقعهم وعن مشاكلهم وترك الاحتجاج والمناقشة وخاصة التغافل عن البلاء الوارد علينا من جانب الغرب نفسه

8- لهو ولغو: الإسلام يرفض وسائل اللهو ويحرم الكثير منها؛ لأنها تشغل القلب وتهدر الوقت الذي هو رأس مال الإنسان وقيمته، فبهذا الوقت يكتسب الصديقون والصالحون منازلهم في الجنان، قال الرسول الأعظم (صلی الله علیه وآله وسلم) : (يا بن آدم إنما أنت أيامك).

فانظروا أيها المؤمنون كم تهدر الأفلام والمسلسلات من الوقت وكم حرمنا من صلاة الفجر بسبب السهر على فلم السهرة فأي كارثة اشد من هذه، وينبغي التفريق هنا بين اللهو المرفوض والتسلية والترويح عن النفس الذي هو أمر عقلائي وضروري للنفس لكي تستعيد نشاطها...

9- شغل القلب القلب يتشبع بما يوضع فيه والأفلام والمسلسلات منهاج مرسوم ومخطط يشغل القلب عن كل أمر مهم، فبدل أن يخشع ويبكي من خشية الله يرتجف ويتحرك لمشهد فلم

ص: 140

أو مسلسل ويبقى مشغولاً به لساعات من الزمن، ومن المؤسف أن ترى المؤمن يذرف الدموع لان بطل المسلسل أو الفلم قد مات، أو يحترق لما يصيبه أو يصيب البطلة من الأذى والضرر، ولا تخرج من عينيه دمعة واحدة ألماً وأسفا على ما يصيب الإسلام والمسلمين من مخاطر وكوارث، فتحولت عواطفنا بعيدة عن الله تعالى.

-10 التأثر بالآراء والفلسفات المنحرفة فتوحي للمشاهد أن القيم الأخلاقية والأعمال الصالحة لا جدوى منها وهي مجرد حبر على الورق، ومن ثم تحشر بعض الآراء الفاسدة على ألسنة الممثلين الذين تعطيهم مكانة مرموقة كالطبيب أو العالم أو السياسي، وترسل هذه الأفكار إلى المشاهد فيتقبلها ويتعبد بها دون

أن يعرف ما هو مصدرها أو لا يشعر بمدى خطرها على عقيدته.

11- تكريس الأنانية عند الإنسان فيبتعد عن هموم مجتمعه ومشاكله وتعمل على طمس الروح الجماعية ويتولد شعور داخلي لدى المتلقي بأنه مسؤول عن نفسه فقط ويصبح شعاره بمرور الوقت (آني شغليه)

-12 إضعاف الغيرة: حرص الإسلام على تنمية الغيرة فمنها ينبع الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع، وهذا عكس ما يريده الغرب لنا فعن طريق عرض هذه الأفلام والمسلسلات ومشاهدتها من قبل

ص: 141

رب الأسرة وزوجته وأولاده تضعف الغيرة على العرض وان من لا يغار على أهله لا يغار على جاره ومجتمعه حتماً، عن الصادق (علیه السلام) : إن الله غيور يحب كل غيور ومن غيرته حرّم الفواحش ظاهرها وباطنها وعن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) : أرغم الله انف من لا يغار من المؤمنين).

وها أنت ترى مع الأسف الكثير من الرجال تخرج امرأته وبناته شبه عاريات وقد لطخن وجوههن بالمساحيق وهو معهن وعيون الآخرين تلاحقهن وتتلصص على مفاتنهن وكأن الأمر لا يعنيه !!!!!.

13 تلويث النسل الإنساني: وذلك بتكثير أعداد المواليد غير الشرعيين والذين لا يرتبطون بأسرة، فسيكون هؤلاء ثورة وبركاناً يحطم كيان المجتمع من جهة حقده على المجتمع حيث لم يترب بالجو المشحون بالعواطف فيحس بظلم المجتمع له، ومن جهة أخرى لأنه لم يتربَ على أي قيم أو أخلاق.

والمعروف أن الصهاينة تشجع على هذا الأمر وتمهد له الأرضية من خلال عرض الأفلام التي تصور أن زنى المرأة غلطة بسيطة وطبيعية ويمكن إصلاحها، وأن اجتماع المرأة مع رجل أو أكثر في مكان واحد وبلا رابطة تجمعهم أمر طبيعي جداً، وكل هذا لتهوين هذه الأمور في نفوس الناس واستصغارها بالرغم من

ص: 142

خطورتها وبشاعتها.

14- تفكيك العلاقات الأسرية حيث يؤدي انتشار الفساد - والفاحشة إلى فقدان الثقة وسوء الظن والاختلاف داخل الأسرة تفريقاً للمجتمع بتدمير نواته الأولى، فكيف لا يكون ذلك وكل أفراد الأسرة يشاهدون كل يوم هذه المشاهد الخطيرة التي تعبر عن خيانة المرأة لزوجها وكذب البنت على أبيها وأخيها وعلاقاتها غير الشريفة مع شباب الجيران وزملائها، مما يؤدي إلى انطباع هذه الصور والمشاهد في أنفسهم، وبمرور الوقت يقيس على أساسها علاقته مع أفراد أسرته.

والغريب ما نجده من بعض الآباء أنه يهدد ابنته بالذبح عندما يسمع أن لها علاقة مع شاب وقد يصل الأمر إلى ذبحها فعلاً، ألا يعلم هذا الأب الجاهل أنه هو السبب الرئيسي في انحراف ابنته، بسماحه لها بمشاهدة برامج التلفزيون من أفلام وأغاني وغيرها والتي بمرور الوقت تنمو هذا المشاهد بداخلها فتؤدي بها إلى هذا الانحراف، فالمسؤول الأول هو الأب وما يبدر من الأولاد ما هو إلا بسبب تقصيره وتهاونه في تربيتهم التربية الصحيحة، فبادروا معاشر الآباء برفع كل ما يؤدي إلى انحراف أولادكم فأنتم مسؤولون أمام الله تعالى عن كل ما يتعرض له أبناؤكم من ضغوط واتقوا الله لعلكم تفلحون.

ص: 143

-15 تنمية روح العنف والعدوانية والهدف منها هو إثارة الغضب الذي هو مفتاح الشرور ورأس الآثام وداعية الأخطار) وتنمية روح المقاتلة من أجل الأنا أو التسلط أو السرقة أو من أجل قيم مزيفة وهابطة أو لمجرد اعتبار الغضب والعنف والقسوة من مظاهر الرجولة، والملاحظ أن الأفلام التي تتخذ العنف كمادة أساسية لموضوعها أن أساس السرد أسطوري لا واقع له، فالبطل برشاشة واحدة يقتل جيشاً بأكمله ويسقط الطائرات وغيرها من القصص الأسطورية التي تنمي في الذهن الإنساني روح الاعتقاد بالأسطورة وتوجيهه الوجهة الخيالية لإبعاده عن كل تفكير واقعي سليم، والبعض اخذ يرسم حياته على أساسها فما أن يجلس قوم حتى يكلمهم ببطولاته الزائفة التي لا واقع لها، وحتى أفلام الكارتون مبنى على أساس العنف والصراع والأسطورة فتجد الأطفال بعد مشاهدته يتقاتلون فيما بينهم وكأنهم أعداء.

16- ابتذال المرأة وذلك من خلال تعرية المرأة من كل القيم الأخلاقية السامية كالعفة والحياء وتدنيس طهارتها بغية الاستفادة الجنسية منها بأقصى حد لإشباع رغباتهم الفاسدة والمنحرفة منها.

ص: 144

17 غسل الدماغ فالهدف الأول والأخير للإعلام هو خلق جيل بعيد عن الإسلام يحمل فلسفة وروح وتأريخ أعداء الدين فيصبح جزءاً من قطيع تتحول لغته ولهجته... حب.. مسلسلة الموسم، وتنطبع على لسانه أغنية الموسم.

عن الصادق (علیه السلام) : أدبني أبي بثلاث: من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن لا يقيد ألفاظه يندم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم.

ومن المضحك المبكي أنك ترى في كل فترة بروز اسم تقدمه الشاشة يصبح حديث الصغار والكبار في الشوارع والبيوت دون أن يفكر أحد أن هذه الشخصية قد اقتحمت حياتهم لتشغلهم عن مشاكل مجتمعهم، فكم من إحساس بالثورة على المعاصي والمفاسد امتصه لهو بمسلسلة أو فلم فهل من تفريغ وتسيير للعقل أكبر من هذا.

إن من أهم أسباب تفكيك الأسرة وعدم الترابط بينهم هو الانشداد إلى هذه الأجهزة بدلا من أن يجتمعوا وينشد بعضهم إلى ،بعض إضافة إلى ما يشاهدونه من انهيار اجتماعي من خلال المسلسلات فيتركز عندهم عدم الثقة بالنفس ولا بالآخرين، فلا بد من الحذر والحيطة خصوصاً وأن بلدنا أصبح مفتوحاً لكل غزو

ص: 145

فكري وأخلاقي واجتماعي، فإذا لم نحصن مجتمعنا بالوعي والإيمان فإن الانهيار والسقوط متحقق، والعياذ بالله؛ لأن أدوات الفساد قوية ومثيرة وتبهر الإنسان إلا من عصم الله.

وقد نقلت بعض الأخبار أن (1000) حالة طلاق تحصل في الكويت البلد المسلم كل كذا مدة بسبب جهاز الستلايت وذلك من عدة وجوه:

1 - إنه يفكك العلاقة الأسرية ويجعل الجميع مرتبطين بهذا الجهاز بدلاً من أن يرتبطوا ببعض فتضعف العلاقة بينهم حتى تذوب وتنتهي.

إنه يدفع الرجل وكذا المرأة إلى ممارسة الفاحشة بما يثير عندهم من الشذوذ الجنسي مما يجعل الطرف الآخر يشمئز من الاستمرار معه.

3- إنه يجعل الرجل لا يكتفي بزوجته ويزدري بها بعد أن يطلع على وجوه وأجساد جذابة فاتنة فينبذ زوجته وكذا العكس وهو أثر خطير يحصل من كل نظرة إلى الجنس الآخر سواء عبر الصورة في الجرائد والمجلات أو في التلفزيون أو في الشارع؛ لذا شدد الشرع المقدس في وجوب غض البصر من الجنسين وهذا الأثر الخطير يحصل أيضاً من انتشار الصورة الخلاعية في كل شيء حولنا.

ص: 146

4 إن ما يعرض في هذه الأجهزة يعتمد زرع الشك في قلب كلا الزوجين لكثرة ما يعرضه من الخيانة الزوجية، حتى يخيل للمشاهد أنه لا يوجد طرف نظيف وعفيف في الحياة الزوجية، فإذا حصل الشك فسيفسر كل طرف تصرف الطرف الآخر على أنه ناشئ من هذه النظرة فإذا عنف زوجته لأمر ما أو أعرض عنها أو لم يلب طلباً فذاك من وجهة نظرها لأنه لم يعد يحبها وارتبط بغيرها وتبدأ المشاكل بالتضاعف.

إن الشيطان الأكبر جاء بنفسه إلى هنا بعد أن رأى أن شياطينه فشلوا في استئصال عناصر القوة في الأمة الإسلامية وهي العقيدة والأخلاق والعلم والغيرة والتضحية من أجل الدين، وهي أسلحة الدمار الشامل التي جاؤوا لينتزعوها لأنها القوة الحقيقية عند الأمة وبها سينتصر الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، فنحن أمام تحدي خطير

لأنه يعني إما بقاء الأمة أو فناءها ولا أعني فناءها المادي فإنه ليس ذا قيمة، وما قيمة الإنسان إذا كان بلا روح ولا قيم ولا إيمان إن هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً] (الفرقان: 44).

إن الغرب حينما يتمسك بأدوات اللهو والعبث ويحاول إشباع نهمته الجنسية فلأنهم:

ص: 147

1- فارغون من الوازع الديني والأخلاقي ومن الاعتقاد بالآخرة ولسان حالهم [مَا هِيَ إلا حَياتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَتَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنا إلا الدَّهْرُ] (الجاثية: 24)، أما نحن فقد خاطبنا الله تعالى: [ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لا يَرْجُونَ] (النساء : 104) من جنة ونعيم مقيم خالدين فيها.

2- إن فلسفتهم المادية تبتني على التمتع أقصى ما يمكن بالدنيا وإطلاق العنان للنفس الأمارة بالسوء لتفعل كل ما تشتهيه ولا يمتنعون عما فيه لذة أو متعة ولسان حالهم (إننا خُلقنا لتلهوا ولنتمتع، ولذا تشاهد اجتماعاتهم الصاخبة في ملاعب الرياضة ودور الفن والملاهي وغيرها وكلما ملت نفوسهم شيئا منها ابتكروا

غيره

3- إنهم يفكرون بالأرباح التي يحصلون عليها بهذه الأعمال ومنها وسائل اللهو والمجون، وهم يحرصون على أن يصل إليهم الدينار والدولار بأي شكل وان كان فيه دمار غيرهم، بل حتى لو كان بطرق غير شرعية بمقاييسهم وعصابات المافيا شاهد على ذلك.

4- إلهاء شعوبهم عن مشاكلهم ومظالمهم لتلافي المظاهرات والاحتجاجات بتكثير الملاهي والسينمات ووسائل الفاحشة وأنواع الرياضة واللعب.

ص: 148

فهل نحن فارغون مثلهم وهل أننا نعتقد كما يعتقدون، وهل أننا تجردنا من الأهداف الحقيقية حتى نكون مثلهم وننساق وراء خططهم الخبيثة، وإذا كان الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) يقول عن التلفزيون بأنه سيف مشهور في وجهي فماذا سيقول عن جهاز الستلايت الذي يفتح فرصاً أوسع للفساد والانحراف

فاحذروا يا أولي الألباب واخشوا غضب الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف) فإن الشقاء في حرماننا من لطفه ورعايته، وأكرر ضرورة العودة إلى الكتابين المنشورين اللذين ذكرتهما للاطلاع على تفاصيل هذه الكلمات التي ذكرتها.

وما هو الحل

يبدأ الحل بتوعية الأمة إلى هذه المخاطر والآثار السلبية على النفس وعلى الكيان الاجتماعي عموماً، والتي تسرق أول ما تسرق الدين والشرف والكرامة وتجعل صاحبها عبداً ذليلاً طائعاً لغير الله تعالى فقد ورد في الحديث الشريف (من أصغى إلى ناطق فقد (عبده فإن كان ينطق عن الرحمن فقد عبد الرحمن وان كان ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان، فلينظر الإنسان وليتأمل في الجهة التي يوصلها إليه هذا المعروض بهذا الجهاز.

والخطوة الأخرى في العلاج هي توفير البدائل المفيدة

ص: 149

كالمسلسلات الدينية والبرامج الثقافية والعلمية والمسابقات النافعة ويمكن تقليل فترة استعمال الجهاز إلى أقل قدر ممكن فلا يؤذن بفتحه في أوقات الصلاة ولا في المناسبات الدينية ولا الليالي ه الشريفة والاهتمام بالجلسات العائلية للاطلاع على تفاصيل حياتها، والإكثار من زيارة المؤمنين والحضور في المساجد والمشاركة في الشعائر الدينية والحث على قراءة الكتب والمجلات النافعة وإعطاء جزء من الوقت للكسب والعمل وغيرها مما ذكر في المنشورات المتقدمة.

ص: 150

الفصل السابع : احذر في بيتك شيطان

اشارة

ص: 151

ص: 152

احذر في بيتك شيطان

كراس صغير من أوائل الإصدارات التي بدأ بها سماحة الشيخ حركة التوعية والإصلاح سنة 1420ه- / 2000م للتحذير من البرامج الفاسدة التي كان يبثها (تلفزيون الشباب الذي يشرف عليه عدي صدام حسين.

وأصل الكراس بحث صغير كتبته إحدى الفاضلات فأضاف إليه سماحة الشيخ جملة من الملاحظات والتعليقات والإضافات التي أثرت البحث وجعلته بحجم الكراس، ودفعه إلى أحد فضلاء جامعة الصدر الدينية ليدخل الإضافة في الأصل بعد استئذان الكاتبة الفاضلة، فكان هذا الكراس الهام الذي كان له وقع وتأثير كبيران في المجتمع.

ص: 153

احذر في بيتك شيطان

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وبعد :

شهد العالم في يومنا هذا - ونحن على أعتاب ألف ميلادي ثالث - تطوراً عظيماً في جميع ميادين الحياة ، النظرية والعملية .

ولعل أبلغ التطور حصل في نظام المعلومات والاتصالات ، وكل هذا شاهد على أن الإنسان أعظم مخلوق على وجه البسيطة سخر الله له باقي المخلوقات. ولكن ! - وما أقسى الحسرة في كلمة (لكن) - أهمل الإنسان في غمرة اكتشافاته ونشوة تطوره ذكر الله 152 وشكره، ونسي أن هذا التطور هو جانب ضيق من جوانب نعمة الله علیه بل ازداد اعتداده بنفسه وقدراته، وهو دائماً يجد الشاهد على محدودية إمكانياته العقلية [يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وأكثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ] (النحل: (83).

ص: 154

والآثار الوضعية لنكران النعمة سريعة ومباشرة؛ لأن الله يطالبنا بشكر نعمه لا لحاجة منه لشكرنا بل لحاجة منا لشكره على

النعم (وَالْحَمْدُ لله الَّذِي لَوْ حَبَسَ عَنْ عِبَادِهِ مَعْرِفَةَ حَمْدِهِ عَلَى مَا أَبْلَاهُمْ مِنْ مِنَنِهِ الْمُتَابِعَةِ وَأَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ الْمُتَظَاهِرَةِ لَتَصَرَّفُوا فِي مِنَنِهِ فَلَمْ يَحْمَدُوهُ، وَتَوَسَّعُوا فِي رِزْقِهِ فَلَمْ يَشْكُرُوهُ، وَلَوْ كَانُوا كَذلِكَ لَخَرَجُوا مِنْ حُدُودِ الإنْسَانِيَّةِ إلى حد البهيميةِ، فَكَانُوا كَمَا وَصَفَ فِي مُحْكَم كِتَابِهِ: إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً).

فكم تفاحة سقطت أمام نيوتن وغيره قبل أن يتنبه إلى قانون الجاذبية، إنما نبهه إلهام الله وإرادته عز وجل أن تخطو الإنسانية قدماً بعد أن تتعرف على نواميس الطبيعة الدقيقة التي تكشف عظمة خالقها وحكمته ودقة خلقه، ولكننا غالباً نستخدم ما مَنَّ علينا الله في معصيته والعياذ بالله.

وكل الاكتشافات والاختراعات سلاح ذو حدين يمكن أن توظف في خدمة الإنسان وحثه على طاعة الله، ويمكن أن تستخدم آلة للدعاية للشيطان وأساليبه ، ولعل عظم المحنة أن تفاصيل التطور كانت في غير دول الإسلام، فلقد تفنن أعداء الدين والإنسانية في السعي لإيجاد الوسائل المدمرة والعوامل التي من شأنها أن تجعل

ص: 155

الانحطاط يدب في صفوف العالم الإسلامي، وتنخر أعمدة الدين الحبيب ..

ولقد سعوا إلى التركيز على كيفية جعل المسلم يفقد الثقة بنفسه، بحيث ينظر إلى معتقداته وحضارته بعين الاحتقار، وإن الحضارة الغربية مثال التقدم والارتقاء، وفيها الحياة والهناء، وعملوا وبشكل دؤوب على غرس هذه الفكرة في نفس الشعب المسلم وهي أنه متخلف - كان ولا يزال وسيبقى – في دور النمو، وأنهم هم أسياده وأسياد العالم، وسعوا إلى سقي ما غرسوا بماء الغواية والدناءة من أجل أن تطرح الثمار، وهي خلق جيل مشبع بل غارق في الرذيلة والانحراف مطلق العنان للغرائز تتصرف هي به كيف تشاء، منكب على وجهه لا يقوى على الحراك ولا على ان ينبس ببنت شفة، فيقلبونه كيف شاءوا وأنى شاءوا...

وكان التلفزيون ذاك السلاح ذو الحدين - وأحد تلك الأدوات الفعالة والأسلحة الفتاكة للعمل على إنجاز وتحقيق ما خطط ورسم إليه أعداء الله وأعداء رسوله (صلی الله علیه وآله وسلم).

ونظراً لما حققه التلفزيون - من إيجابيات لصالح العدو وسلبيات لجانب المجتمع الذي يحمل هوية الإسلام .. رأينا أن

ص: 156

نضع بين يدي القارئ الكريم هذا البحث المصغر، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم.

إننا نهيب بالعائلة الكريمة وأفرادها الأعزاء .. نهيب بالآباء والأمهات .. الفتى المسلم والفتاة المسلمة أن ينتبهوا من غفلتهم ويكفوا عن أخذ أقراص (الهيروين) التي يضعها العدو وسط ،غلاف ظاهره ذو بهجة يشد النظر، وباطنه يحمل السم الزعاف يرسله إلينا ونحن لا نتوانى في الأخذ منه دون فحص ونظر.. نهيب بالمسلمين كافة في أقطار الأرض أن يعوا مخططات قوى الاستكبار والصهيونية، وألا يجعلوا من أنفسهم فريسةً ولقمة سائغة تنهشها الوحوش الضارية .. راجين التوفيق والسداد لمن أراد لقاء الله جل جلاله والفوز برضاه .. وهو تعالى من وراء القصد ومنه نستمد العون والتوفيق [بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِل فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا

هُوَ زَاهِق] (الأنبياء: 18).

المدخل

التلفزيون ما هو ؟؟

هو عبارة عن جهاز انطوى على عدة عناصر بث وقوى أخرى مغناطيسية تعمل على جذب الأشعة والترددات التي تبث من

ص: 157

الموقع الأصلي أو الإذاعة الأصلية، وعلى أسلاك كهربائية للتوصيل لكي تحرك تلك الشحنات الكامنة في ذلك الجهاز، ويبدأ بالعمل حيث تغلق الدائرة الكهربائية فتظهر الصورة أو الفلم المراد عرضه على الشاشة الصغيرة .. إنها حقاً قدرة إلهية في خلق وإبداع وتصوير تلك الشحن وتلك الأشعة (أشعة X والأشعة السينية) وتلك القوى المغناطيسية العاملة على كل ذلك، فسبحان الله الذي أبدع في خلق تلك القوى [وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ، أَلا تَطْغَوْا فِي الميزان] (الرحمن: 7-8). ومع كل ذلك التقدم والإبداع الذي وصل إليه الإنسان بفضل جوهرة العقل التي أودعها فيه الله تبارك وتعالى فإنه لم يصل إلا إلى نزر من العلم، وهناك أجزاء أخرى منه لم يعمل على اكتشافها بعد [وَمَا أُوتِيتُم من العلم إلا قليلاً) (الإسراء : 85).

أثره في المجتمع

لقد تعددت الوسائل التي من خلالها يصل الإعلام إلى الناس واتسعت بشكل كبير، ويعتبر التلفزيون أحد تلك الوسائل وله أهمية ودور كبيران فإنه قناة لإيصال الفكرة إلى المجتمع

ص: 158

لانشداد الناس إليه، ولقد بلغ مبلغه واتسع استعماله على رقعة واسعة من العالم، ونحن بصدد الدول الإسلامية.

يُعد - التلفزيون - من ضروريات الحياة، فلم يخلو منه بيت إلا نادراً، حيث يشاهده الطفل الصغير والمراهق الشاب والعجوز، وكل فئات الناس، لقد دخل إلى حُجر أدمغة أطفالنا .. استوعبوا ما فيه من نكات ومواقف تصرفوا إزاء ما عُرض فيه من حركات وسكنات .. ترى أن البعض يقضي ساعات وهو جالس أمامه، فكذب من ادعى أن التلفزيون لم يكن له أثر في حياتنا، نعم، لقد عُد من أحد الأفراد الذين يعيشون بيننا ويحومون من حولنا..

كثيراً ما تردد على مسامع البعض: هل إن مشاهدة التلفزيون حرام؟ ولماذا حرام؟ هل إن مشاهدة التلفزيون حلال؟ لماذا حلال؟!!

لا يوجد في الشريعة نص يحرم هذا الجهاز بالعنوان الأولي ولا يوجب مشاهدته، فالحكم الشرعي المُتعلّق به يأتي من العنوان الثانوي، أي ما يعرض فيه، فلو عُرض فيه ما ينفع المسلم في دينه ودنياه لكانت مشاهدته راجحة.

ص: 159

فباختصار إن المضار المذكورة في هذا البحث المصغر ليست في التلفزيون نفسه بل فيما يبثه من سموم ، ولذا فنحن ندعو الأسرة المسلمة أن تكون واعية، وأن تعمل على توظيف هذا السلاح ذي الحدين في خدمة الأهداف العليا لا الهابطة. وسوف نشير هنا بصورة مختصرة لبعض منها تاركين إدراك الأعمق لوعي

المؤمنين.

مضار التلفزيون :

1- غسل الدماغ

من الواضح أن التلفزيون في العصر الحاضر يتبنى النظرية السلوكية التي تزعم أن سلوك الإنسان وصفاته وعاداته لا تخضع لأي تأثير سوى التربية والبيئة، أي إنها تسقط دور الوراثة تماماً. وبما أن الهدف الأول والأخير للإعلام هو خلق جيل بعيد عن 158 الإسلام، يحمل فلسفة وروح وتأريخ أعداء الدين، يحملها له بقلب مفعم بالحب ولسان يلهج بالشكر [يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ (آل عمران: 149). وبما أن هذا هو الهدف، فإن من الغريب أن يترك الواعي من الناس نفسه تنقاد وراء هذا التيار فيصبح جزءاً من قطيع.

ص: 160

تتحول لغته ولهجته.. حُب.. مسلسلة الموسم.. وتنطبع في ذه- وعلى لسانه أغنية الموسم. عن الإمام الصادق (علیه السلام): أدبني أبي بثلاث: من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن لا يقيد ألفاظه يندم ومن يدخل مداخل السوء يتهم).

المضحك المبكي أنك ترى في كل فترة بروز اسم تقدمه الشاشة، يصبح يصبح حديث الصغار والكبار في الشوارع والبيوت.. في الاجتماعات واللقاءات، دون أن يفكر أحد أن هذه الشخصية قد اقتحمت حياتهم لتشغلهم عن مشاكل مجتمعهم، فهم بدلاً من أن يتعاطفوا مع الأقارب والجيران، يبكون ويسعدون ويتفاعلون مع شخصية الشاشة، وبدلاً من أن يشاركوا مشاركة فعالة في حل عقدة يزخر الواقع بالكثير منها يحملون الفكر على حل عقدة تقدمها مسلسلة بوليسية.

ولعل امتصاص النقمة من الأشياء الخطرة التي يمارسها التلفزيون، فكم من إحساس بالثورة على المعاصي والمفاسد امتصه لهو بمسلسلة أو فلم، وكم من تفكير جدي بمشكلة يمتصه عالم لا صلة له بالواقع إلا بالقدر الذي يقيد الذهن ويحده، فهل من تفريغ للفكر وتسيير للعقل اكبر من هذا ؟!! [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنتُمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء

ص: 161

مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ، هَا أَنتُمْ أَوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ] (آل عمران: 118 - 119)

2- الإثارة الجنسية

دأب الإسلام على تهذيب هذه الغريزة، فوضع التشريعات وأكد على المستحبات للحد من شهوة لعلها من أقوى الشهوات، فإذا كانت التربية الإسلامية توجب الحجاب للمرأة، وغض البصر للرجل والمرأة، وتؤكد على التفريق في المضاجع بين الأخوة والأخوات، ويشدد بعض الفقهاء على عدم التبرج والزينة حتى أمام المحارم .. فإذا كان الإسلام يرسم لنا هذا الطريق ليضمن مجتمعاً عفيفاً طاهراً.. فماذا يصنع التلفزيون؟!!

إنهم أرادوا جعل مناظر الفسوق مألوفة لدينا بل هي مقتضى عرفنا، فإن أخف المناظر خلاعة وأقلها مجوناً مذيعة بأبهى حلة وأزهى مكياج وأعمق خضوع في القول، وإن من أشرف المواقف التي يقفها الشاب رجل أو امرأة هو أن يصمد بوجه

ص: 162

التقاليد ليثبت للأهل أن الاختلاط حرية وأن ممارسة الفساد تقدم وأن السلوك الديني هو الرجعية، وأن القضية الأساسية في الحياة هي (الحب)، حتى أن المشاهد صار يستشعر نقصاً في الفلم إن طرح الحب فيه كأمر ثانوي، وبالغوا في هذا الجانب حتى إلى تشويه التأريخ الإسلامي في المسلسلات من خلال افتعال قصة حب للشخصية الإسلامية موضوع المسلسلة، كما في فلم (بلال) الحبشي) ومسلسل عمر بن عبد العزيز) وغيرها كثير تبلغ حد التلفيق، كل ذلك لجعل قصة الحب وتفاصيلها من أبجديات حياة الإنسان، ويعكسون كل هذه كمواقف شريفة وقيم راقية تطرحها فضلى الأفلام.

أما عن المجون فحدث ولا حرج، العري صورة طبيعية بل ضرورية في كل يوم القبلات والمداعبات أيسر ما تقدمه الشاشة، صورة الجنس مشهد عادي أدركه حتى الأطفال الصغار، ولا أريد أن أحصر مشاهد الفساد فهي فوق الحصر وفوق التعداد، إذ أن كثيراً من الحركات والضحكات لا تستهدف إلا الإثارة، ولهذا أستطيع أن أقول إن من أهم أهداف التلفزيون - إن لم يكن هو الهدف الأهم - جعل ممارسة الفحش أمراً طبيعياً كما هو الحال في الدول التي يطلق عليها ( متقدمة)، [إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ

ص: 163

الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ] (النور: (20)، وبالتالي تحويل الشعب وخاصة الشباب إلى حيوانات تحركها الغريزة ولا رأي لها ولا هدف إلا الضياع

لو تنظر اليوم إلى أطفالنا في السادسة أو السابعة من العمر وأي عمر أقل أو أكثر، لو ننظر أي إدراك لهم للجنس!! حيث ينقل أحد الأشخاص أنه شاهد بعينه طفلة في الرابعة من العمر يحمر وجهها خجلاً وتغض البصر إذ ترى على الشاشة شاب يتقدم إلى صديقته ويمسك يدها.. إنه الجنون بعينه أن تدرك طفلة في الرابعة أن إمساك الفتى بيد الفتاة شيء يثير الحياء والخجل.. سل أي معلمة في مدرسة ابتدائية مختلطة لتقص الفضائح العجيبة من أطفال أكبرهم في الحادية أو الثانية عشر من العمر. لقد صارت براءة الأطفال شيئاً يكتب على الأوراق، إذ تستعر الرغبات لديهم في وقت غير معقول، وما السبب ؟!! يخالف نفسه وعقله من يرفض أن للتلفزيون الدور الأكبر في هذا، أما المراهقين والشباب فنظرة واحدة إلى مختبرات التحليل تعطيك نسبة عن عدد الحوامل غير المحصنات في مجتمعنا المحافظ!!

ص: 164

أنظر وتأمل في هذا الكلام: يجب أن نخلق الجيل الذي لا يخجل من كشف عورته) (1) كم للتلفزيون من دور في إنجاز هذا المخطط يا ترى؟!!.

3- إباحة المحرمات

لكي نصنع جيلاً نقياً قادراً على اكتساب درجة من العدالة لا بد أن نوفر له جواً خاصاً يتناسب والروح التي يريد الإسلام بثها فيه، فيما يروى عن عيسى (علیه السلام) أن الله تعالى قال له: أدب قلبك بالخشية)، والروح التي يبثها هذا الجهاز ليس فيها إلا الجو الذي يريده الاستعمار ، وقد روي في الخبر (إن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك) (2)، لأن النفس تكتسب أي صفة فاضلة كانت أم سيئة - عن طريق تركيز مفهوم هذه الصفة في الذهن ومن ثم تجربته مرة أخرى حتى يتحول إلى ملكة تتطبع في النفس ولا تزول إلا بشق الأنفس، والتلفزيون يعرض لنا يومياً أنواع المحرمات 163 التي يلتقطها الذهن وترسخ فيه، فمن السفور إلى العلاقات المحرمة إلى شرب الخمر والغناء وإلى ما لا يحصى من الأمور.

ص: 165


1- الماسونية في العراء ص 89
2- بحار الأنوار: 36/67.

إن من الأسباب المهمة التي أكسبت مجتمع الإسلام الأول الروح الخلقية العالية هو التأمين شبه التام من حضارات وعادات الأقوام الأخرى التي كانت إما مشركة أو كافرة، هذا التأمين جعل الأفكار والمشاعر التي يحملها المسلم صافية تعكس صورة عن الشريعة لا تعاكسها صورة، وجعل سمع المسلم وبصره لا يقعان إلا على كل خير، بل أصبح المجتمع المسلم مصدراً لإشعاع روح الطاعة والتسامح والتآلف الاجتماعي، [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر ويُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أَوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 71)، ولكي نحتذي بهذا المثال لا بد من توفير جو نقي لأبنائنا على غرار المجتمع الأول، وهذا ما لا ببعضها في

سبيل له في قرن يربط أقاصي لحظات، ولكن على الأقل نتوخى الحيطة والحذر في الاطلاع على الحضارات الأخرى، والتلفزيون لا يعكس الحضارة، بل مصور الحضارة، هذه القشور التي تتكرر كل يوم حتى تألفها العين ثم القلب ثم العقل وتتحول إلى سلوك لا يرضاه الله ولا الرسول ولا المؤمنون.

ص: 166

ورد في الحديث الشريف عن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: كيف بكم إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ... إلى أن قال: كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً ...؟) (1)، وهو أسوء الاحتمالات أو المراتب، حيث يصد عن رؤية الحق ويلقي غشاوة على العين، لذا ورد في الدعاء : اللهم أرني الحق حقاً وارزقنی اتباعه والباطل باطلاً وارزقني (اجتنابه حكمة الإسلام أن التقوى هي معيار التفضيل [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أتْقَاكُمْ (الحجرات: (13) وللتلفزيون كلمات ومعايير متعددة في التفضيل إلا التقوى، فمرة يكون المال وأخرى الجمال وثالثة لشهادة راقية أو وظيفة ممتازة .. وهكذا، حينما تسود هذه المفاهيم يصبح من الصعب إكساب صفة التقوى للناس، فإن أول فعل لهذه المعايير هو قتل التقوى وإحلال الباطل محلها، ورد في كلام لوزير يهودي بريطاني أنه قال: (يجب أن نسحب بساط الإسلام من المسلمين ونمزق القرآن (بهدوء) .. فليتأمل أولو البصائر...

إن البرامج والأفلام تتبنى مختلف النظريات، فمنها ما يؤكد أن الجنس هو العامل المحرك لسلوك الإنسان، ومنها ما يثبت أن

ص: 167


1- الكافي: 59/5.

البقاء للأقوى، ومنها ما يوضح أن للعامل الاقتصادي السيادة على العوامل الأخرى.. وشتى المذاهب والاتجاهات اللا إسلامية، وهذه تنطبع بصورة لا شعورية في الأذهان بشكل قصة مرة وبشكل حوار أخرى)، [اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله] (التوبة: (31)، وأصحاب النظريات المزعومة هم رهبان العصر وأحباره يريدوننا أن نعبدهم ونطيعهم فيما يزعمون.

وقد يكون في هذه الأفلام البقاء للخير والصلاح، ولكن النظر من هو البطل الذي يكون النصر على يديه، بل حتى من يظهر أنه على حق يصور للناس مشروعية فعله في الاقتصاص لنفسه، وإن كانت أساليب هذا الاقتصاص مرفوضة شرعاً كخطوة لخلط أوراق الحق بالباطل، ليضيع أصحاب الحق حقهم، يُريدُونَ أَن يُطْفِرُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ](التوبة: 32).

وبالنتيجة من هو الذي استقطب مشاعر الناس وأصبح القدوة والمثل الأعلى؟!! بكل بساطة تجده شخصاً فاسقاً، آخر ما يعكسه في دينه هو تعاليم الدين؟!، بل يزني، ويشرب الخمر، لكنه قد يحارب عصابة لصوص أو فساد اقتصادي.. هذا القدوة سيقلده الكثيرون في سلوكه ومفاهيمه وقيمه، فأي فائدة في انتصاره للحق

ص: 168

وهو يسير إليه في طريق معوج ضال.. لقد صار لهذا الانتصار مفسدة كبيرة هي إكساب الجيل عادات إنسان فاسق.

عندما تنطمس سمة الحياء في نفس الإنسان يجترئ على معصية الله تعالى وعلى كبير الأعراف والتقاليد، وتكرار هذه الصورة يجعلها شيئاً عادياً لا يستنكره المشاهد مع أشد أنواع المحرمات، وبالتالي يتحول عدم الاستذكار إلى... فيصبح لدينا جيل آخر ما يفكر به هو مراعاة تعاليم الدين.

4- التربية اللا إسلامية

للتربية حديث ذو شجون، فبالرغم من كونها عماد المجتمع الصالح، إلا إنها تلقى إهمالاً وتضييعاً شديدين من غالبية الناس، في حين تلقي من جانب آخر توجيهاً واستغلالاً استعماريين، وأفضل الوسائل المستخدمة في ذلك هو التلفزيون إن لكل مذهب أو دين طريقته الخاصة في تربية النشئ وتركيز مفاهيمه في أذهان الناس، 167 والإعلام له قيمه التي تكفل جيلاً نقياً خالياً من شوائب الحضارات المختلفة محرراً من ذاته وشهواته متحلياً بأعلى القيم الخلقية. الأخلاق ليست نسبية كما يدعون، بل هي أسس وخطوات ثابتة ومرسومة في طريق واضح وهادف

ص: 169

ولعل أفضل مثال تتجسد فيه هو مجتمع الرسول الكريم (صلی الله علیه وآله وسلم) .. لقد قال الإسلام مقولته الخالدة: (من لا حياء له لا إيمان له)، وما أعمق هذه المقولة وأوسع مدلولها!!، وإن أوائل تأثيرات التلفزيون هو طمس الحياء الناتج من تكرار مشاهدة المناظر الخليعة وعلاقات الحب والغرام المحرمة، [الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَن المَعْرُوفِ وَيَقْبضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ] (التوبة: 67).

ولقد تصور كثير من الأفلام والمسلسلات أردى صور نظريات العلاقات العائلية، والشيء الطبيعي أنها تعتمد على نظريات الغربيين في التربية والتي يعاكسها الإسلام تمام المعاكسة في كثير من المفاهيم، وغالباً ما تحوي أفضل صورة على كثير من الجفاء والعقوق، فإذا كانت الصورة المثلى مليئة بالأخطاء والقصور، فما

بال الصورة الرديئة ؟!!.

وكما هو معلوم فإن طريقة استجابة الناس وخاصة المراهقين منهم مختلفة حيال ما يشاهدون، فقد تعجبهم الصورة الرديئة بما تحمل من شموخ وتكبر وحصول على كثير من المكاسب، وبهذا تعلمهم معنى العقوق والصراع مع أقرب الناس .

ص: 170

أود أن أقول إن ما ذكرت أشياء بارزة في معالم التربية يستطيع المرء أن يحصيها، إلا أن التلفزيون يرسم حياة لا علاقة لها ،بالإسلام يطبعها في قلوب الأجيال من طريقة الأكل والشرب والمشي، والكلام والتعامل مع الناس إلى معاني التضحية والإيثار والحب والبغض والانتقام ... والمؤلم أنهم لا يقدمون صورة واحدة لطريقة العيش تخالف الصورة الإسلامية كي نقدر على مناقشتها، بل يرسمون صوراً مختلفة مشوشة لا هدف لها إلا أن يضيع الجيل وأن تصبح اللا قيم هي القيم .

وأخيراً فإن كل ما يكتب عن التربية يقلل من ضخامة الفساد الذي حل بنا من جراء توجيه هذا الجهاز.

5- تحويل الدين إلى تراث والتربية إلى ملل

إن هذا الجهاز موجه بطريقة شيطانية تنفذ إلى أعماق الجيل الغافل فتملأ قلبه بالأوساخ والسموم، والخطة الأولى التي يتبعها هي إقصاء الدين عن مسرح الحياة، وذلك بتحويله إلى تراث لا صلة له بالواقع إلا كذكرى تكون مصدراً للخجل أحياناً كما يريدون، والطريقة المتبعة في الظاهر:

ص: 171

1 - حصر الفترة الدينية في مدة قصيرة لا تساوي شيئاً أمام أي فترة أخرى.

-2- الأحاديث النبوية منتقاة لغرض خاص، هو توجيه الرأي العام توجيهاً خاصاً يتناسب والأزمة المعاصرة.

- الأفلام الدينية لا تعرض إلا في مناسبات معينة، وهي تحوي تشويه الحقائق أكثر من أي شيء آخر، كما أنها ثابتة لا تتغير منذ سنين حتى ملها؛ المشاهد .. وهذا هو كل الدين في التلفزيون

-4 البرامج الدينية أو ذات النفس التربوي تكون عادة رديئة الإخراج، ثقيلة التقديم بحيث لا تستخدم التقنيات لتشجيع المشاهد على المتابعة، بل يكون مصوّراً بكاميرا واحدة تواجه الموجودين غالباً.

5 - حتى هذه البرامج بمواصفاتها الآنفة توضع في الساعات المهملة في العرض اليومي، بحيث تكون متابعتها متعذرة أو شاقة وبالمقابل فإن البرامج ذات النفس الهدام تكون متطورة إخراجاً وتقديماً وتصويراً بتكريس أحدث التقنيات في إنتاجها، كما أنها تعرض في ساعات تجمع العائلة إلى شاشة التلفزيون.

ص: 172

-6- الإكثار من البرامج المنوعة التي تكون الأغنية عصبها الحي، بحيث تحاصر السامع من حيث يريد أو لا يريد، وموضوع الأغنية الماجنة وأساليب تصويرها وما فيها من مكيدة كبرى تحتاج إلى بحث منفرد ، يكفينا قول رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فيها: (لا تستمعوا للمعازف والغناء؛ فإنها تُنبت في القلب النفاق كما يُنبت الماء

(البقل) .

6- الشعور بالحقارة

لكي يحقق المستعمر أهدافه لا بد وأن يقطع الصلة بين الجيل وبين دينه وقيمه وتاريخه وأهدافه، وليس أفضل من رسم هذه القيم بصورة مشوهة تثير الاشمئزاز، فالأفلام والمسلسلات توضح لنا التطور العلمي الهائل والنمو الحضاري في الغرب، تصور لنا مفاهيمهم وقيمهم ونظرتهم للحياة على أنها الحق وأن ما سواهم الباطل، كل حركة تصدر عنهم لا بد وأن تعبر عن روح العصر المتقدمة، إن خططهم في هذا السبيل قد نجحت إلى الدرجة التي جعلت من أبنائنا يخجلون حتى من لغتهم، وأصبح خلطها بلهجات ولغات أخرى من علامات التقدم والرقي، وصارت عاداتنا بل وتعاليم ديننا أموراً مثيرة للاستنكار، حيث يخجلون من عزاء

ص: 173

الحسين (علیه السلام) مثلاً أو زيارة قبور الأئمة والأولياء عليهم السلام وكثير غيرها

7- شغل القلب

تطلق كلمة القلب تارة على

-1- تلك القطعة من اللحم الواقعة على يسار الصدر بشكل صنوبري يتدفق الدم فيه، والذي يولده الكبد وينقيه جهاز التنفس فيتصاعد منه بخار ،لطيف، فيجري إلى الدماغ وجميع أعضاء الجسم، وبواسطته يتم الحس والحركة ويسميه العلماء بالروح الحيوانية.

2- عبارة عن مخلوق إبداعي، ونفخة ربانية ليست من سنخ الموجودات بل هي من عالم الأمر المجرد من المادة والمتعلق بهذا البدن...

القلب بمعنى المتقلب بين العقل والنفس. هناك معنى آخر للقلب، فهو مشتق من التقلب بين العقل والطبع ، أي مرة يطيع العقل وأخرى يطيع النفس حتى يغلب أحدهما الآخر.. حين يغلب العقل ويحكم مملكة الإنسان يصبح الإنسان سعيداً ويرتقي في مدارج الكمال، وإن غَلَبَ الطبع يكون كالبهائم، وإن غَلَبَ الغضب

ص: 174

يصير كالوحوش ، وإن غَلَبَ المكر يصبح كالشيطان.. وتظهر هذه الحالات الأربع بعد انفصال الروح عن البدن، حيث يحشر الناس على صورهم الباطنية [يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ] (الطارق: 9)، إذن القلب هو النفس الناطقة الإنسانية، قال الله تعالى: [يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ ، إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبِ سَلِيمٍ (الشعراء: 88-89)، في الكافي: السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه، وروي عن الصادق (علیه السلام) أنه قال: (هو القلب الذي سَلِمَ من حب الدنيا) (1)، ويؤيده قول النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) : (حب الدنيا رأس كل خطيئة) (2)، وورد في الحديث الشريف عنه (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: (القلب حَرَم الله فلا تُدْخِلْ حَرَمَ الله أحداً غير الله) (3)، والمحصل أن مدار السعادة يومئذ على سلامة القلب، والذي يعوق ذلك هو إشغاله وملئه بأمور أخرى تجعله سقيماً وليس سليماً.

إن قلب الإنسان كالوعاء تماماً يمتلئ بما يوضع فيه، كما أنه يمتلئ بالهواء إذا ترك فارغاً، إذن فالقلب يتشبع بما يوضع فيه والتلفزيون ليس مجرد لغو ، بل منهاج مخطط له ومرسوم ليشغل

ص: 175


1- بحار الأنوار: 152/7.
2- بحار الأنوار: 239/67.
3- بحار الأنوار: 2567.

القلب عن كل أمر مهم، فبدل أن يخشع ويبكي من خشية الله يرتجف ويتحرك لقصة حب أو جريمة قتل، ويبقى مشغولاً بها لساعات من الزمن، حتى عند الانشغال لوقت الصلاة والعبادة، فم-ا أسماها من صلاة تواجه بها خالق الأكوان!! قال تعالى: [كَلا بَلْ رَان عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ] (المطففين 14)، والرين هو صدأ يعلو الشيء، أي صار ذلك كصدأ على قلوبهم فعمي عليهم معرفة الخير من الشر، فكون ما كانوا يكسبون وهو الذنوب ريناً على قلوبهم هو حيلولة الذنوب بينهم وبين أن يدركوا الحق على ما هو عليه، ومن هنا يظهر أن للأعمال السيئة نقوشاً وصوراً في النفس تنتقش وتتصور بها، وأن هذه النقوش والصور تمنع النفس أن

تدرك الحق كما هو، وتحول بينها وبينه، وأن للنفس بحسب طبعها الأولي صفاء وجلاء تدرك به الحق كما هو وتميز بينه وبين الباطل وتفرق بين التقوى والفجور (1)، وللتلفزيون أيها الأخوة دور كبير في اكتساب الرين.

أما طرق علاجه ووسائل إزالته فهو كما ورد عن أهل بيت العصمة عليهم السلام عن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: (تذاكروا وتحدثوا؛ فإن

ص: 176


1- الميزان : 20/ 259-260

الحديث جلاء للقلوب، إن القلوب لترين كما يرين السيف و جلاؤه الحديث) (1)، وقال الباقر (علیه السلام) : (ما من شيء أفسد للقلب من الخطيئة، إذ القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتى تغلب عليه، فيصير أسفله أعلاه وأعلاه أسفله) (2)، وقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): ( إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منه، وإن ازداد زادت فذلك الرين الذي ذكره الله تعالى في كتابه: [كَلأَ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ] .

8- لهو ولغو

قال تعالى: [وَالَّذِينَ هُمْ عَن اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ] (المؤمنون:3) وذلك في وصف المؤمنين، والذي يسعى إلى الإيمان والتقوى يعرض عن اللغو واللهو غير الهادف، وإذا كان التلفزيون هادفاً ولكن نحو الفساد والانحراف فماذا يكون الموقف منه ؟!!

الإسلام يريد أن يحول الإنسان إلى كتلة من نور لا يستشعر السعادة إلا في عمل الله مهما كان يسيراً ، فهو يرفض وسائل اللهو ويُحرِّم الكثير منها، لأنها تشغل القلب وتهدر الوقت هذا الوقت

ص: 177


1- بحار الأنوار: 152/2.
2- بحار الأنوار: 54/67.

الذي هو رأس مال الإنسان وقيمته في هذه الحياة والذي هو عبارة عن أيامه ولياليه فبهذا الرأسمال يكتسب الصديقون مكان الصديقين، وبهذا الوقت أو (الزمن) يكون الأولياء أولياء، والعلماء ،علماء، والعارفون عارفين إذن الزمن عامل (بناء)، والذي يصعد ويعرج إلى لقاء الله يصعد بهذه الأيام وبهذه الأسابيع.. هذا الذي جعله الله لعباده جميعاً، فأناس يستغلون الوقت للبناء والعروج إلى الله، وآخرون لا يعرفون ولا يعون قيمة الوقت وأهميته يقول رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : ( يا ابن آدم إنما أنت أيامك)، وجاء في الحديث أن كل يوم يمر على ابن آدم يحاسبه: (أنا يوم جديد، وغداً عليك شهید، افعل في خيراً تجد خيراً، فإنك لن تلقاني بعده أبداً) (1)، فانظروا أيها المؤمنون وكونوا واعين كم يهدر التلفزيون من الوقت؟، وكم هي الساعات الطويلة التي يقضيها الفرد أمام تلك الشاشة؟، وقد تمتد إلى وقت متأخر أو حتى إلى الفجر، فلا استيقاظ حتماً لأداء الصلاة، فأي كارثة أشد من هذا ؟!!

ص: 178


1- بحار الأنوار: 325/7.

وإن البعض يعللون ذلك بأنهم يتمتعون بالنظر إلى التقدم التكنولوجي الحديث، وإلى الطبيعة الساحرة الخلابة، وإلى الأزياء والديكورات.. فيا له من عسل قد مزج به السم!!

إن ما يدعيه المدمنون عليه - التلفزيون - من فوائد إن هي إلا تبريرات تخالف عقولهم ونفوسهم، والتخلص من العادة القبيحة يستلزم قبل كل شيء العزم على تركها عزماً صادقاً يحركها الإيمان بالله ومن ثم الإرادة القوية التي يتحدى الإنسان

بها هواه

الفوائد المزعومة

:أولاً: النقطة التي يُعلّل بها المشاهد للتلفزيون انجذابه إليه هي الاطلاع على مشاكل المجتمع وزواياه المختلفة، ومعرفة عادات وتقاليد المجتمعات الأخرى، وطرق تعاملها.

إن هذه المعرفة لو نظرنا إليها بشكل مجرد لكانت شيئاً حسناً ومفيداً، إلا أنها - المعرفة - لا تأتينا من التلفزيون بشكل خال من الشوائب، كما قلنا من قبل إن التلفزيون يستهدف أموراً كثيرة، منها فصل الناس عن الدين وزرع الإحساس بالتبعية للغرب في نفوسهم.

ص: 179

يستطيع الراغب في الاطلاع على الأقوام الأخرى قراءة ف كتب عن ذلك أو روايات عالمية تصور لن-ا واقعهم بصورة أدق عشرات المرات أو الاختلاط بالمجتمع والتحسس بآلامه وآماله بدل المسلسلات التي لا تظهر واقعنا المر.

وعلى أية حال فلو اقتصر الإنسان على مشاهدة البرامج النافعة لما اعترضنا عليه فإننا لا نستنكر أصل التلفزيون، ولكن ما يعرض فيه من الانحرافات المتقدم ذكرها.

ثانياً: فترة برامج الأطفال التي يتعلم فيها الطفل بعض القصص والمعلومات عن الحيوانات ومعيشتها.

أول ما أقول: إن الطفل لا يقتصر على مشاهدة الرسوم المتحركة، بل يشاهد أطول الأفلام وأكثرها ،مجوناً، وقلما يتحكم الآباء فيها، وإذا منعوه فعلاً إلا من مشاهدة الفترة المخصصة للأطفال فلننظر بإنصاف إلى أفلام الكارتون هل تخلو من

الاختلاط من الحب والقبلات من الملابس الخليعة، والرقص والغناء؟!!

إن متابعته للتلفزيون في هذا العمر المبكر يكسبه مادة لا يستطيع الإقلاع عنها في الكبر؛ إذ يتحول التلفزيون كله لا فترة منه إلى جزء لا يتجزأ من حياته

ص: 180

لماذا نفكر أن عدم وجود هذا الجهاز في البيت يولد الشعور بالحرمان؟ إن مسألة إحساسه بالحرمان يمكن تجاوزها بكل سهولة، بل وتحويلها إلى إحساس بالثقة بالنفس، فالطفل صفحة بيضاء مستعد للاستجابة لأي توجيه ويفهم معنى الحرام، ويمكن أن يدعو الآخرين بكل براءة إلى ترك هذا الجهاز.

هناك ظاهرة في البيوت المحافظة التي تدعي أنها تنتقي البرامج للأطفال قد لا تخلو من شخص لا يتحرج في الدين، في مثل هذا البيت عندما تمنعه - الطفل - من سماع الأغنية لأنها محرمة ستوقعه في تناقض، فمثله الأعلى - الكبير - غالباً ما يمارس الحرام ( يستمع إلى الأغنية ويشاهد الرقص... الخ)، في مثل هذه الحالة ستهتز القيم وتهتز صورة هذا المثل - وهم الكبار - ولن يكون مستعداً لسماع أي توجيه .

حالة أخرى يحاول معظم أصحاب الأطفال التخلص من عبثهم وضوضائهم بالتلفزيون، وأحسب هذا لمطلق الأنانية؛ فلكي تكسب الأم وقتاً للراحة تسقى ولدها سُمَّاً يجعله يعيش في جو موجه يبعده عن قيم الإسلام وروحه، وتتركه يعاني في الكبر صراعاً وآلاماً، فعند ذلك مهما بالغ الأهل في منعهم فإنهم سيشاهدون أفلاماً ومسلسلات وأغاني....

ص: 181

ثالثاً: يشاهد كتسلية

من أين تولد مفهوم التسلية؟

طبيعي هو ناتج من الإحساس بالفراغ ومحاولة شغله صورة، الوقت قيمة كبرى - كما سبق أن ذكرنا - يدخل في العمليات الاقتصادية كبعد مهم في المفاهيم الحديثة، لكن الإسلام يعطيه قيمة أجل وأهم؛ فالحياة الدنيا قصيرة، لذا نحن في أمس الحاجة لكل دقيقة منها كي نتزود للآخرة [وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ] (البقرة: 197)، لهذا يرسم لنا الإسلام حياة هادفة بكل دقائقها، صادقة حتى في وسائل التسلية التي قد تكون ضرورية لبعض الناس، ومن الطبيعي أن التلفزيون ليس من هذه الوسائل، فهو كتلة من المفاسد والمآثم، وصدق من شبهه بالخمر والميسر (قُلْ فِيهِمَا إِثْمَ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا] (البقرة: 219).

ما هي التسلية؟ أليست الحصول على راحة ولذة في وقت الفراغ، وبذلك ننسى أن هناك إلها، بل ونعصيه من أجل لحظات واهية تنزل عشرات المفاسد ورائها، أفَلَسْنَا قادرين على أن نسامر عائلتنا ونسعد معها في هذا الوقت، فنحصل على الراحة وعلى رضا الرب؟ يمكننا أن نخلق أكثر من وسيلة لهؤلاء لا يرفضها الدين

ص: 182

كالحضور في المساجد لأداء الصلوات جماعة، ولقاء الأخوان وتبادل الأحاديث الهادفة، والزيارات وصلة الرحم، واجتماع العوائل فيما بينها، وقراءة الكتب النافعة، وتلاوة القرآن وحفظه وإحياء الشعائر الدينية، والقيام بكل ما هو نافع دينياً أو دنيوياً، كالكسب الحلال والتفكير في مشاريع اقتصادية واجتماعية مثمرة.. علماً أن الإنسان المؤمن لا يجد رغبة ولا حاجة للهو، فهو مشغول وقته وقلبه وسعادته بالعمل الله وذكره في كل حين، ومن ثم فالتلفزيون ليس وسيلة لهو، بل مجرد وسيلة إرباك للعقيدة وتوجيه نحو أمور أشرنا إليها، وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ

فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ] (البقرة : 109).

حلول ممكنة جدا

قبل تعداد الحلول التي نراها ممكنة للتخلص من قبضة التلفزيون المستحكمة على نفوسنا الأمارة بالسوء، نحتاج الالتفات إلى أن هذه الحلول تكون فعالة وناجحة إذا أقبلنا عليها بهمة عالية وإرادة قوية مستمدة من طلب رضا الله علينا، فبدون هذه الإرادة لن

ص: 183

نتوصل إلى حلول، بل ستكون هذه الحلول عبارة عن مآزق أخرى توقع فيها أنفسنا لقمة سائغة للشيطان.

وبعبارة أخرى علينا أن نفكر بهذه الحلول وسيلة لا هدف جدید نطلبه بنفسه، فنضل عن خيرنا وصلاحنا، كما كانت عند الجيل السابق لعبة (الدومنة) أو (الشطرنج) أو (الطاولى) هدف بنفسها - رغم حرمتها الشرعية - بعد أن اتخذوه وسيلة للتخلص من الفراغ، وكما يحصل مع الجيل المقبل أو الحالي، بأن اتخذ (الأتاري) وسيلة للترويح وشحذ القدرات العقلية (كمبرر) فأصبح عند الكثير غاية وهدف يتعبد إليه ساعات طويلة، تاركاً الدراسة والتثقيف وطلب الوعي.

أما الحلول فيمكن أن تكون

(1) الاستغناء عن التلفزيون بالجلسات العائلية الناجحة التي تستثمر في توطيد العلاقة بين أفراد الأسرة، وجلي الروابط التي تصدأت من كثرة الإهمال، خصوصاً إذا انتبهنا إلى أن التلفزيون والانقطاع إليه (بدل الانقطاع إلى الله) عامل أساسي أو مساعد في تفكيك الروابط الأسرية، فمع الاستعاضة عنه بها يكون رب الأسرة على بينة من تفاصيل حياة أفرادها، وكل منهم ينتبه إلى أخيه ليمد

ص: 184

يد العون له عند احتياجه، فكثرة متابعة التلفزيون جعلت البعض على معرفة دقيقة بأخبار الفنانين تفوق بكثير معرفته بأخبار أسرته.

(2) الاستعاضة بالمذياع (الراديو) لمتابعة تفاصيل أخبار العالم وما يحيط بنا من كوارث أو أحداث، ونحن لم نلتفت إليها لانشغالنا بالمسلسلات والمنوعات، فمع المذياع تكون ناحية الاختيار بيد المستمع يغير الموجة أنّى شاء حسبما يجد فيه المنفعة ،والصلاح، وننتبه إلى عدم جعل الجانب السلبي من المذياع هو المسيطر علينا، كما تستعمله بعض ربات البيوت والموظفات لاستماع الأغاني أثناء أداء أعمالهن، وهذه مأساة من نوع آخر.

(3) اقتناء جهاز كاسيت للاستماع إلى كاسيتات القرآن الكريم، والمحاضرات والقصائد، فيكون المستمع هو المتسلط على اختيار ما يستمع ولا يفرض عليه .

(4) القراءة والمطالعة، لا نقول الكتب، لأنها أصبحت مستحيلة عند البعض، ومتابعة الإصدارات الأخيرة من الجهات الواعية، من مجلات وكتيبات ممكن أن تنفع القارئ في دينه أو دنیاه

(5) تخصيص أوقات لقراءة القرآن والأدعية، بل لتعلم قراءة القرآن؛ لأن عدداً كبيراً من أفراد مجتمعنا المسلم لا يعرف

ص: 185

كيف يقرأ القرآن، فضلاً عن فهمه، فعلينا أن نترك كتاب الشيطان - التلفزيون - ونحث الخطى في العلاقة مع القرآن قبل أن ينادى بنا [وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُوراً] (الفرقان (30).

(6) التدرج في التخلص من قبضة هذا الشيطان، بحيث تكون هناك قناعة بالبدائل المختارة، ويتم ذلك من خلال الاتفاق مع أفراد الأسرة على جعل ساعات قليلة محددة لمشاهدة التلفزيون، ثم تدريجاً يتم الاستغناء عنه كلياً .. وصدقوني أن الحياة

لن تتوقف إذا أهملنا هذا الشيطان..!

(7) وهذا الحل قد يبدو غير واقعي للوهلة الأولى، ولكن إذا حاولنا دراسته بموضوعية فهو ليس ببعيد.. وهو محاولة اقتناء جهاز كمبيوتر في البيت، خصوصاً العوائل المتمكنة مادياً من ذلك، فيكون تجربة جديدة للأحداث والكبار في الأسرة لتطوير معلوماتهم وقدراتهم، واستثمار وقتهم فيما هو نافع لهم دنيا وآخرة، وفرصة للتخلص من سيطرة شيطان البيت.. (التلفزيون).

هذا ويجدر الإشارة إلى أن الإخلاص والتصميم على ترك متابعة التلفزيون تجعل الإنسان على اطلاع ومعرفة بحلول غير التي

ص: 186

ذكرنا، تتهيأ له من حيث يعلم أو لا يعلم [وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ] (الطلاق: 3).

كلمة أخيرة

أود أن أقول كلمة للذين لا يريدون الامتناع :

إن كل إنسان لو عاد إلى ضميره ووجدانه لوجد ما خفي علينا أكثر بكثير من السلبيات والمآثم في التلفزيون .. إنه الشيطان أولاً، هذا المخلوق ذو الكيد الفعال الذي نضعف أمامه، وإن النفس الأمارة بالسوء ثانياً، هي التي تزين لنا معصية الله، إن من يرفض الاعتراف بخطر الجهاز إنما يخالف المنطق والعقل ويتبع الهوى [ أَفَرَأَيْتَ مَن اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةٌ فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ] (الجاثية: 23).

إنني لم أكتب فكرة نظرية، تحتمل القبول والرفض ولم أكتب عن مجتمع آخر لا نعايشه، إنما كتبت عن واقع ملموس، يدركه كل من تجرد عن هواه وكل من عاد إلى وجدانه، وإن كان من الصعب العودة إلى الوجدان. فلننظر نظرة يسيرة إلى ما يعمنا من فساد وانحلال ألا يكفي فساد الواقع ؟!!

ص: 187

إن من لا يقنع ويجد التبرير تلو التبرير إنما هو إنسان قد وقع في شباك الشيطان فعلاً، لأن الإيمان الحق شيء فوق كل هذا، إنه دليل العقل والقلب، إنه النور الذي يرتفع عن رذائل يندى بها الجبين، إنه الخشوع والارتباط القلبي بالله الذي يجعلنا نستقبح كل ما يشدنا عن ذكر الله ،لحظات الإيمان الحق هو أن نعرف خطأنا ونستغفر الله بدل أن نُصَرَ مستكبرين على طريق يمهد لجهنم.

وأخيراً ندعو لكم ولنا بالتوفيق والسداد من الله، وأن نعرف الحق من الباطل ، وألا يختلط علينا لنكون من الصالحين.

اللهم هل بلغت ... اللهم فاشهد ... والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيد الأولين والآخرين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ص: 188

الفصل الثامن : نحو صناعة الرأي العام نماذج تطبيقية

اشارة

ص: 189

ص: 190

خلق أجواء عامة للطاعة لتحفيز المجتمع عليها

* خلق أجواء عامة للطاعة لتحفيز المجتمع عليها (1)

نستقبل خلال الأيام القريبة شهر الله الأكبر وعيد أوليائه شهر رمضان شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن والمغفرة والرحمة ونستذكر بألم أن العام الماضي شهد حالة واسعة من الإفطار العلني والتحدي السافر لأوامر الله تبارك وتعالى وأشرنا إلى تلك الظاهرة السيئة وأسبابها في خطبة عيد الفطر المبارك للعام الماضي وحمّلنا الجميع مسؤولية ذلك التدهور الأخلاقي وخلال هذه الأيام تنادت أصوات خيّرة في البرلمان لمنع تكرار تلك الحالة واتخاذ القرارات المناسبة للحفاظ على قدسية هذا الشهر العظيم ومساعدة المؤمنين على تأدية فروضه (2)

وقد وجهنا المؤمنين لإقامة الحفلات لاستقبال هذا الشهر

ص: 191


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد من منطقة المدائن وبسمايا جنوب شرق بغداد يوم الاربعاء 27 شعبان 1430 المصادف 2009/8/19.
2- قررت وزارة الداخلية منع الإفطار العلني والمحاسبة علية ومنع إقامة الحفلات الفنية المنافية لقدسية هذا الشهر العظيم وغلق محلات الخمور والملاهي الليلية ونحن إذ نثني على كل قرار يصب في احترام الشريعة المقدسة ويمنع من الفساد والانحراف كما يقتضيه الدستور نطالب بمراعاة هذه الحرمة على مدار السنة.

الشريف وتسيير مواكب الفرح لقدومه المبارك ورفع الصوت من على المآذن ومكبرات الصوت المحمولة على السيارات الجوالة وهي تصدح بذكر الأحاديث الشريفة التي ترغب في مراعاة حرمة هذا الشهر والالتزام بما أمر الله تعالى وتحذر من عاقبة العصيان والتمرد، ونشر اللوحات على جوانب الطرق التي تشير إلى هذه المعاني الجليلة، وإقامة المسرحيات والأمسيات الأدبية والثقافية والفكرية والدينية وغيرها من الفعاليات التي تهيئ أجواء الطاعة وتزيد من الحافز والدافع للالتزام بها، وتحاصر المعصية والانحراف وتغلق منافذها حتى لا يتجرأ أحد على اقتحامها إما خوفاً من الله تعالى أو حياءً من الناس ومن الجو العام، كالذي حصل أبان الحركة المباركة للسيد لشهيد الصدر الثاني قدس سره عند إقامته لصلاة الجمعة المباركة.

إن الإنسان حينما يتحرك نحو فعل معين أو يجتنب شيئاً ما فإنما ينطلق من الصورة التي يحملها في ذهنه عن ذلك الفعل سلباً كان أو إيجاباً ونفعاً أو ضرراً ومصلحة أو مفسدة، فإذا تصور في شيء مصلحة ونفعاً له رغب فيه وانبعثت إرادته نحوه فتتحرك أعضاؤه لنيله وتحقيقه، وإذا تصور في شيء مفسدة زهد فيه وهرب منه واجتنبه أو توهم أن عدواً أو حيواناً مفترساً يترصده فإنه

ص: 192

سيخاف ويندهش وربما لا يكون الأمر حقيقياً وقد لا تكون هذه الصورة الذهنية مطابقة للواقع [وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ] وقد يعلم الإنسان أن هذه الصورة الذهنية غير واقعية ومع ذلك فإنه يسير بناءاً عليها كمن يعلم أن الميت لا يضر ولا ينفع ومع ذلك فإنه يخاف منه ومن المقبرة، أو يخاف من الظلمة وهو يعلم أنها بذاتها لا تمثل شيئاً ضاراً. وربما لم يكن جمال النبي يوسف الصديق (علیه السلام) بالدرجة التي توجب قطع الأيدي لكن الصورة الذهنية والهالة العظيمة التي رسمتها النسوة في مخيلتهن جعلتهن مذهولات الألباب عند دخوله ،عليهن بدليل أن كثيرين عاشوا مع النبي يوسف (علیه السلام) ولم تبلغ الحالة بهم هذا الذهول وإن جمال النبي الخاتم محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) کان أكثر من يوسف (علیه السلام) بحسب بعض الروايات - ولم تقطع واحدة من النسوة يدها عند رؤيته، فنقول على نحو الأطروحة لتقريب الفكرة: إن الهالة العظيمة التي سبقته عند النسوة هي التي أذهلتهن وليس الواقع.

وعلى أي حال فالفكرة لا تحتاج إلى مزيد من الإيضاح والدليل وإنما ذكرناها للاستفادة منها عملياً فإن من آليات تحفيز المجتمع على الطاعة وغلق أبواب المعصية تحقيق هذه الصورة

ص: 193

الذهنية لدى الناس لتحريكهم نحو الخير ويكون ذلك بخلق أجواء عامة للطاعة بالفعاليات التي ذكرنا جملة منها وغيرها وهذه تقع مسؤوليتها على جميع المؤمنين ليشارك كل منهم بحسب موقعه وإمكانيته، خصوصاً فضلاء وطلبة الحوزة العلمية الشريفة وأئمة المساجد والمبلغين، وليعلم كل من يساهم في أي مشروع خيري

يرضي الله تبارك وتعالى ورسوله (صلی الله علیه وآله وسلم) إنه يحسن لنفسه قبل أن يصل إحسانه إلى الآخرين [إن أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ].

واستمروا على تذكير الناس وتنبيههم خلال الشهر المبارك له إلى ما يجب فعله أو يستحب وإلى ما يحرم فعله أو يكره فإن أفضل أعمال هذا الشهر الورع عن محارم الله تبارك وتعالى وإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم) وضاعفوا جهودكم خلال العشر الأواخر من شهر رمضان وليحيي من يقدر سنة الاعتكاف الجليلة في جميع المساجد.

أعانكم الله تبارك وتعالى على طاعته وجنبكم معصيته ومن عليكم برضاه وجعلكم من ضيوفه في هذا الشهر العظيم.

ص: 194

المشروع السياسي المقترح من الحوزة

* المشروع السياسي المقترح من الحوزة (1)

الشريفة للفترة الانتقالية

بسم الله الرحمن الرحيم

إن همنا الكبير هو ضمان مستقبل العراق وسعادة شعبه وتوفير مستلزمات الحياة الكريمة لجميع المواطنين بما فيهم غير المسلمين.

ورغم إيماننا العميق بأن ذلك لا يكون إلا بالإسلام إلا أننا نرى أن الطريقة المثلى اليوم هي ترك الأمة حرة تختار ما تشاء ومن تشاء فتكون الأمة هي الحاكمة وهي المراقبة وآليات ذلك. هو الاستفتاء والانتخاب فلا سلطة سياسية إلا برضا الأمة الناشئ من هاتين الآليتين.

وعلى هذا تعلن المرجعية الرشيدة الصالحة وقوفها خلف

ص: 195


1- وضع خطوطه العامة الشيخ اليعقوبي ووضع تفاصيله المكتب السياسي لحزب الفضيلة الإسلامي، وأجرى عليه تعديلات معدودة مكتب السيد الحائري في النجف بإدارة السيد نور الدين الأشكوري، وتأريخه جمادي الأولى 1424 تموز 2003، وأخذت به (مع بعض التعديلات) سلطة الاحتلال والحكومة المؤقتة التي شكلها مجلس الحكم بعد عام بالضبط وبعد أن فشلت عمليتها السياسية فرجعت إلى هذا المشروع وشكلت الجمعية التأسيسية بنفس الخطة.

الأمة مدافعة عن حقوقها داعية كل قواها الوطنية الخيرة من أحزاب عاملة وجمعيات فاعلة وشخصيات تشاركنا همنا هذا إلى توحيد الجهود وصهر الطاقات لتشكل درعاً يدفع عن أمتنا الأخطار ويحقق الطموحات يلي:

وعلى هذا الأساس نطرح مشروعنا السياسي والقائم على ما

1- لا شرعية لكل الخطوات السياسية التي حدثت بعد سقوط النظام باعتبار كونها فاقدة للشرعية لعدم رجوعها إلى رأي الشعب ورضاه.

-2 ندعو إلى إجراء انتخابات عامة لتشكيل المجلس التأسيسي الذي تنبثق عنه الحكومات المؤقتة الانتقالية ويسن من خلالها الدستور الدائم للبلاد.

3- المجلس التأسيسي: وفيما يأتي تفصيلاته في المشروع السياسي لهذه المرحلة:

أ- تأسيسه

أولاً: يقسم البلد إلى 260 دائرة انتخابية.

ثانياً: يتم انتخاب مرشح واحد لكل (25) ألف مواطن أي بمعدل (4) مرشحين عن الدائرة الانتخابية الواحدة.

ص: 196

ثالثاً: وبذلك يتكون المجلس التأسيسي من (1040) مواطناً منتخباً.

ب - مهامه

:أولاً: يقوم المجلس بانتخاب ثمانية أشخاص من بين أعضائه لهم حظ من الفقه التشريعي الإسلامي وتؤيدهم المرجعية الدينية يشكلون مجلساً يقوم التشريعات الصادرة لضمان عدم تقاطعها مع الشريعة الإسلامية لحين إقرار الدستور وانتخاب الحكومة الدائمية فتحفظ مقاعدهم في المحكمة الدستورية العليا بعنوانها لا بعنوانهم ولا يحق لهؤلاء الثمانية المشاركة في أي تشکیل آخر ما داموا في هذا التشكيل.

ثانياً: يقوم بانتخاب أعضاء البرلمان المؤقت من بين أعضائه.

ثالثاً: يقوم بانتخاب أعضاء الحكومة المؤقتة من بين أعضائه.

رابعاً: يقوم بالإشراف على وضع دستور دائم للبلاد عن طريق لجان متخصصة في مدة أقصاها سنة واحدة من تأريخ انتخابه

خامساً: يحل المجلس نفسه بعد موافقة الشعب على الصيغة

ص: 197

النهائية للدستور الدائم عبر الاستفتاء الشعبي العام.

-4 البرلمان المؤقت ويمثل السلطة التشريعية المؤقتة في البلاد

أ- تأسيسه

أولاً: يتكون ( 260) عضواً منتخباً من بين أعضاء المجلس التأسيسي.

ثانياً: يجب أن يكون بمعدل مرشح واحد لكل (100) ألف مواطن بشرط أن يكون مرشح واحد لكل دائرة انتخابية.

ب - مهامه

أولاً: إلغاء أو تعديل القوانين السارية والتي تمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

ثانياً: سن القوانين الضرورية للبلاد.

ثالثاً: مناقشة الميزانية العامة وأفرادها.

رابعاً: مراقبة أعمال الحكومة ومحاسبتها عن طريق الاستجواب والمساءلة وحجب الثقة.

خامساً: تعيين القضاة المدنيين بناء على ترشيح وزير العدل مع موافقة المرجعية الدينية.

5- الحكومة المؤقتة وتمثل السلطة التنفيذية المؤقتة في

ص: 198

البلاد.

أ- تأسيسها

أولاً: تتكون من (23) وزيراً منتخباً.

ثانياً: يتم انتخابهم من بين أعضاء المجلس التأسيسي على أن يكونوا أعضاء في البرلمان المؤقت.

ثالثاً: يقوم الوزراء بانتخاب رئيس يسمى رئيس الوزراء بانتخاب نائب لرئيس الوزراء من بينهم.. ويتم استحداث الوزارات الآتية:

(1) وزارة حقوق الإنسان.

(2) وزارة السياحة.

(3) يتم دمج وزارتي الثقافة والإعلام بوزارة واحدة.. وبذلك تصبح الوزارات العراقية هي كالآتي:

أ- وزارة الدفاع

ب - وزارة الداخلية.

ج وزارة الخارجية.

د - وزارة التخطيط.

ه- - وزارة المالية.

و - وزارة العدل.

ص: 199

ز- وزارة الثقافة والإعلام.

ح - وزارة التجارة.

ط - وزارة النفط.

ي - وزارة الزراعة.

ك - وزارة الري.

ل - وزارة الصناعة والمعادن.

م - وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.

ن - وزارة التربية.

س - وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

ع - وزارة النقل والمواصلات

ف - وزارة الإسكان والتعمير.

ص - وزارة الصحة.

ق - وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.

ر - وزارة حقوق الإنسان.

ش - وزارة السياحة.

ب - مهامها:

أولاً: العمل على استتباب الأمن والنظام في البلاد.

ثانياً: العمل على توفير الخدمات والحاجة الأساسية للمواطنين.

ص: 200

ثالثاً: العمل على رفع مستوى المعيشة للمواطنين جميعاً وبإجراءات سريعة.

رابعاً: المحافظة على استقلال العراق وسيادته ووحدة أراضيه وشعبه.

خامساً: تحسين علاقات العراق الدولية خصوصاً مع دول الجوار على أساس مبدأ حسن الجوار والمصالح المتبادلة.

سادساً: التنسيق مع الحكومة الأمريكية من أجل إلغاء أو جدولة الديون الخارجية المترتبة على العراق بسبب السياسات غير المسؤولة للنظام الاستبدادي المخلوع

سابعاً: حق اقتراح القوانين الضرورية.

6- نوع الانتخاب المعتمد:

أ- يعتمد الانتخاب الفردي.

ب - يتم الحسم في الانتخابات بالأغلبية النسبية.

ج - يتم انتخاب المجلس التأسيسي بواسطة الانتخاب الشعبي المباشر.

د - يتم انتخاب البرلمان والحكومة المؤقتة بواسطة الانتخاب الشعبي غير المباشر.

ص: 201

7- الآليات:

أ- يقسم العراق إلى (260) دائرة انتخابية.

ب - تعيين لجان انتخابية في كل دائرة انتخابية.

ج- - تعيين تلك اللجان من أهالي الدائرة الانتخابية.

د - تتكون اللجنة الانتخابية من ( 150) عضواً ينتخبون من بينهم رئيساً لهم.

ه- - يشترط في عضو اللجنة الانتخابية ما يأتي:

أولاً: النزاهة

ثانياً: الكفاءة.

:ثالثاً: المعرفة الكافية بأصول الانتخابات وآلياتها ونظمها.

رابعاً: أن يكون حاصلاً على شهادة البكالوريوس أو ما يعادلها على الأقل.

خامساً: أن لا يكون حاصلاً على العضوية الكاملة في حزب البعث المنحل.

سادساً: أن لا يكون متورطاً بظلم المواطنين أو إيذائهم.

سابعاً: أن يكون مؤمناً بحق الأمة في تعيين مصيرها وكارهاً للاستبداد والمستبدين

ثامناً: أن يكون له منزلة اجتماعية مرموقة.

ص: 202

تاسعاً: تنحصر مهام اللجنة الانتخابية بما يأتي:

(1) تنظيم قوائم بعدد الناخبين حسب المعلومات الواردة في هوية الأحوال المدنية.

(2) تنظيم قوائم تعريفية بالمرشحين وعرضها على الجمهور.

(3) تحديد المواقع الملائمة كمراكز انتخابية.

(4) إبداء المشورة والتوجيهات اللازمة للمواطنين بصدد العملية الانتخابية بمجملها.

(5) فرز الأصوات وإعلان أسماء الفائزين بالانتخابات العامة.

8- التوقيتات

أ- يتم تقسيم العراق إلى (260) دائرة انتخابية في مدة أسبوع واحد بالاستفادة من تجارب الاستفتاء السابقة على منصب رئيس الجمهورية التي تمت عامي 1995 و 2002

ب - يتم تشكيل اللجان الانتخابية في كل دائرة انتخابية على حدة في مدة أقصاها ثلاثة أسابيع.

ج- تقوم اللجان الانتخابية بإنجاز أعمالها في مدة أقصاها ثلاث أسابيع.

د - يتم الإعلان عن تشكيل المجلس التأسيسي المنتخب بعد إنجاز اللجان الانتخابية أعمالها في مدة أقصاها ثلاثة أيام.

ص: 203

ه - يقوم المجلس التأسيسي بانتخاب أعضاء البرلمان المؤقت والحكومة المؤقتة خلال ثلاثة أيام من إعلان تشكيله.

و - يقوم المجلس التأسيسي بالإشراف على سن دستور دائم للبلاد عن طريق لجان متخصصة في مدة أقصاها سنة واحدة من إعلان تشكيله.

ز- تنتهي مدة ولاية البرلمان المؤقت خلال سنتين من تأريخ انتخابه.

ح - تنتهي مدة ولاية الحكومة المؤقتة خلال سنتين من تأريخ انتخابها.

-9 الجهات المشرفة على الانتخابات تشرف على الانتخابات العامة القوى الآتية:

أ الشعب العراقي بوصفه صاحب السيادة والطرف الأساس في أي عقد اجتماعي تنبثق منه مؤسسات الحكم مستقبلاً وصاحب المصلحة الأولى في أي ترتيبات سياسية محتملة في العراق.

ب - الأمم المتحدة كونها تمثل الشرعية الدولية.

ج- - الإدارة المدنية للاحتلال: لكونها أجنبية وسلطة احتلال يجب أن ينحصر دورها في ما يلي:

ص: 204

1 حفظ الأمن والنظام أثناء سير الانتخابات العامة من خلال شرطة عراقيين تدربهم وتعدهم لذلك.

2 توفير ما يلزم العملية الانتخابية من أموال العراق المجمدة ومن عائدات نفطه.

3- يجب عليها احترام أرادة الشعب ورأيه وان لا تتدخل في نتائج الانتخابات.

10- شروط الناخب

الانتخابات حق مكفول لأي مواطن عراقي تتوفر فيه الشروط

الآتية:

أ- كل مواطن أتم الثامنة عشر من عمره.

ب - كامل الأهلية.

ج - أن لا يكون من المجرمين الذين يشكلون خطراً على امن المجتمع العراقي.

د - أن لا يكون أحد الكوادر العليا في حزب البعث المنحل (عضو) قيادة فرقة فما فوق.

11- شروط المرشح الترشيح لمناصب الدولة كلها مكفول . لأي مواطن عراقي تتوفر فيه الشروط الآتية:-

أ- أتم الثلاثين من عمره.

ص: 205

ب - كامل الأهلية رشيداً.

ج - أن لا يكون من المجرمين الذين يشكلون خطراً على امن المجتمع العراقي.

د - أن لا يكون حاصلاً على العضوية الكاملة في حزب البعث المنحل.

ه - أن يكون ذا ثقافة اجتماعية وسياسية وحاصل على شهادة الدراسة الإعدادية أو ما يعادلها.

12- ملاحظة ختامية: إننا لا نشك في وطنية أحد ما لم يثبت العكس ونطالب من الجميع تبني هذا المشروع حفاظاً على بلاد الرافدين وحرصاً على شعبه المظلوم وندعو الجميع إلى غض الطرف عن التصرفات الماضية بعضهم لبعض والنظر بعين الأمل والتفاؤل وعلى الله فلنتوكل جميعاً فإنه نعم المولى ونعم النصير

والحمد الله رب العالمين.

ص: 206

استطلاع وتثقيف الرأي العام حول فقرات في الدستور ونظام الحكم

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى أبناء شعبنا العراقي الحر الكريم..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

لا يخفى على أحد الأهمية العظيمة التي يمثلها الدستور في حياة الدول، فهو الإطار القانوني الأعلى الذي يتكفل بيان الحقوق والواجبات ويرسم شكل الدولة ويحدد منطلقاتها الدينية والفكرية، ويكون بمثابة المسطرة التي يقاس عليها شرعية وعدم

شرعية القوانين والتعليمات واللوائح التي تصدرها الجهات التشريعية لتنظيم جميع مفاصل حياة المواطنين في البلاد.

ومن منطلق هذه الأهمية تعتبر كتابة الدستور خطوة خطيرة في حياة البلدان تحتاج إلى جهود متضافرة حتى يكون الدستور ناطقاً بتوجيهات وإرادات وطموحات أبناء البلد.

وليس بخاف عليكم أيضاً أن الاستكبار العلني والسري لا يريد للشعوب أن ترسم أرادتها بشكل مستقل وبعيداً عن إملاءاته ،ووصايته، فهو يسعى جاهداً وبشتى الوسائل أن ينفذ إلى دساتير البلاد ليثبت الفقرات التي تحمي مصالحه وتلائم توجهاته.

ص: 207

ومن هنا توجب أن تكون العيون والعقول مفتوحة ومتيقظة لأجل رصد عملية كتابة الدستور وتفحص بنوده عن قرب.

وبغية إلفات نظركم واستحصال مراداتكم وتوجهاتكم تجاه هذا العمل الخطير نتوجه إليكم بهذا الاستبيان:

ولا يخفى أن الغرض من هذا الاستبيان ليس فقط استطلاع الرأي العام وإنما يراد منه أن تكون وسيلة لتوعية الأمة وتثقيفها إزاء قضايا الدستور ونظام الحكم لذا حاولنا كتابة مقدمة تعريفية قبل كل سؤال (1).

ضع علامة (علیه السلام) في المربع المناسب

ص: 208


1- راجع نتائج الاستطلاع في بيان لاحق.

(ا) الدستور

س :1 هل يمثل لك الدستور قضية مهمة تثير اهتمامك ومتابعتك ؟

نعم

لا

س :2 هل تدرك أهمية الدستور وتأثيره على مستقبل حياتك؟

لا

نعم

س 3: إن الجهة التي ترعى كتابة الدستور هي التي توفر الأجواء المناسبة لحرية الكتابة وتضمن لممارسي عملية الكتابة حرية الرأي وتثبيت أرادة الشعب دون أي وصاية أو ضغوط لذلك، وتعتبر بصدق وأمانة عن حقوقه وطموحاته.

فهل تريد أن يكتب الدستور برعاية؟

مجلس الحكم

مجلس تأسيسي منتخب

الحوزة الشريفة والعلماء

س 4: إن إسناد مهمة كتابة الدستور يمكن أن تكون

ص: 209

بأشكال مختلفة، فإما أن يتم تعيين جماعة لهذه المهمة وفي هذه النقطة مخاطر كثيرة، منها وضع أشخاص لا يمثلون أرادة الشعب ضمن هذه الجماعة خصوصاً إذا كانت الجهة التي تقوم بالتعيين غير منتخبة من الشعب والأسلوب الآخر هو انتخاب الشعب لمجموعة متخصصة يتم ترشيحها للقيام بهذه المهمة، فإلى من

تريد إسناد كتابة الدستور؟

جماعة معينة من ذوي الاختصاص

جماعة مختصة منتخبة من الشعب

س 5 : المعروف استفتاء الشعب على الدستور وله أشكال فإما أن يكون الاستفتاء على الدستور بشكل عام أي مقبولية هذا النص، وإما أن يتم استشارة الشعب على فقراته واحدة واحدة أو بالتفصيل: فهل تفضل أن يكون الاستفتاء الشعبي على:

الدستور بكليته

الدستور بمواده وفقراته بالتفصيل

ص: 210

س 6: هل تفضل أن يكون الدستور:

دائماً

مؤقتاً

س 7: الدستور يمثل الأصل الذي تتفرع منه القوانين والتعليمات واللوائح وهذه الثلاثة يجب أن تكون متناسبة مع رؤية الدستور وتوجيهاته. ولكن قد يحصل أن يتم تشريع قوانين واتخاذ قرارات تتنافى وروح الدستور فلضمان اتساق هذه القوانين مع الدستور يقتضي أن تكون هنالك جهة مراقبة ومشرفة على دستورية القوانين وهناك صيغ لهذه الجهة مطبقة في العالم منها هيئة سياسية، مجموعة من السياسيين للمراقبة، أو هيئة قضائية. ويمكن إيجاد هيئة مركبة من الاثنين لضمان دستورية القوانين. فهل تفضل أن تكون الرقابة على دستورية القوانين من:

هیئة سياسية

هیئة قضائية

آلية محكمة جديدة تضبط دستورية الدستور

س 8: دستور البلد وما يتفرع عنه من قوانين إنما يوضع لضمان سعادة الشعب، فقد يرى جيل معين من المصلحة ما لا يراه

ص: 211

الجيل السابق مما يقتضي تعديل الدستور وحينئذ... هل تفضل أن يكون تعديل الدستور كلياً أو جزئياً؟ عن طريق:

الاستفتاء الشعبي

البرلمان

س 9: من المسائل المهمة التي يحاول الاستكبار تحقيقها هي أبعاد الإسلام عن ساحاته وإحلال الرؤية العلمانية بدلا منه، ولما كان الدين هو الأساس العقيدي الذي تستند إليه رؤية الفرد عن مفردات الحياة وتفاصيلها، لذا جرت الدساتير في أغلب صياغتها على تدوين بشكل واضح يضمن مفرداتها.

برأيك هل ترى من الضروري أن يدون في الدستور أن الإسلام دين الدولة الرسمي، وان القوانين التي تشرع يجب أن لا تتعارض معه؟

نعم

لا

س 10: هل توافق على التأخير النسبي لكتابة الدستور مقابل أن يكون عن طريق انتخاب أعضائه أو ترغب بالإسراع في كتابته عن طريق تعيين أعضاء لكتابته؟

ص: 212

التأخير النسبي لأجل انتخابات أعضائه

التعيين لأجل الإسراع بكتابته

س 11: هناك أشكال متعددة لنظام الدولة فإما أن تكون الدولة موحدة، بمعنى أن تكون أجزاؤها الداخلية مرتبطة بشكل مركزي بحكومة عليا تدير شؤون البلاد داخلياً وخارجياً كما كان شكل العراق قبل سقوط النظام، أو أن تكون الدولة فدرالية بحيث يكون البلد مقسماً إلى ولايات تدير كل ولاية شأنها الداخلي بنفسها ضمن حكومة محلية وترتبط الولايات بحكومة مركزية عليا تدير شؤونها الكبرى وسياسية البلاد الخارجية وتقسيم الموارد المالية كما في الولايات المتحدة الأمريكية. ماذا تفضل أن يكون شكل الدولة؟

دولة فدرالية

دولة موحدة

س 12: النظام البرلماني تكون السلطة فيه لرئيس الحكومة، أما رئيس الدولة فيمكن أن يكون ملكاً، أو رئيس جمهورية دون صلاحيات فعلية، والحكومة تكون من وزراء مسؤولين أمام البرلمان كما هو الحال في بريطانيا وايطاليا والهند.

ص: 213

والنظام الرئاسي تكون السلطة فيه لرئيس الدولة الذي ينتخبه الشعب وهو يرأس الحكومة وهو يكون على قدم المساواة مع السلطة التشريعية المنتخبة كما هو في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. هل تفضل أن يكون النظام الحكم

برلماني

رئاسي

س 13: هناك صورتان لإمكان تدخل علماء الدين في حكم البلاد فإما أن يكونوا جزءاً من مفاصل الحك-م التنفيذية والتشريعية والقضائية وإما أن يشرفوا من بعيد على سير مفاصل الدولة لتقديم المشورة والنصح وتسديدها عند الخطأ. هل تفضل

أن يشارك علماء الدين في الحكم أم يكونوا مشرفين عليه فقط؟

داخل دائرة الحكم

مشرفين عليه فقط

س 14: هل ترغب بتركيز الوزارات في العاصمة أم نشرها في المحافظات:

في العاصمة

نشرها في المحافظات

س 15: إن أخصر عبارة لحال العالم في هذا الزمان هي

ص: 214

ساحة صراع بين الأقوياء والضعفاء وتنافس أرادات، ويمثل الجيش الأداة القوية التي يدافع بها البلد عن أرادته وسياسته. وهناك توجهات لتحويل العراق إلى بلد محايد ومهمش من خلال تحديد قوته الدفاعية بجيش صغير يتدرج من 4 ألاف إلى 60 ألف بعد عشرة سنوات.

فهل ترغب أن يكون الجيش العراقي صغيراً وخدمياً، أم يكون جيشاً قوياً يوازي القوى الإقليمية ويتناسب مع التحديات الخارجية؟

جيش صغير وخدمي

جيش كبير ومتكامل

س :16 هل ترغب أن يعتمد على نظام التطوع، أم الخدمة الإلزامية، أم كلاهما معاً؟

نظام التطوع

الخدمة لإلزامية

كلاهما معاً

س 17: القضاء ركيزة مهمة لضمان العدالة وإحقاق الحق. وقد كانت المحاكم تستند إلى قوانين وضعية من صنع الإنسان

ص: 215

الظالم لنفسه فضلاً عن ظلم الآخرين، وأما اليوم فتوجد فرصة لإنشاء محاكم تستند في قضائها إلى القواعد الإسلامية، ويمكن ان ينظم كلا الشكلين ويكون المواطن مخيراً إلى أي منهما.

هل ترجح أن يكون القضاء معتمداً على الشريعة الإسلامية، أم القوانين الوضعية، أم كلاهما؟

معتمداً على الشريعة الإسلامية

معتمداً على القوانين الوضعية

كلاهما

س :18: الاقتصاد هو أهم عوامل القوة للدولة، وإن بناء هذا الاقتصاد يختلف بحسب رؤية الشعب للآلية التي تتحكم بالاقتصاد. فهنالك توجه يسعى إلى تمليك وسائل الإنتاج ومؤسساته بما فيها القطاع النفطي والصحي إلى الأفراد ويعبر عن ذلك بالخصخصة أي تمكين القطاع الخاص، ويقابله توجه يرى ضرورة أن تكون المؤسسات الإنتاجية الكبرى ووسائل الإنتاج ملكاً لجميع الشعب وبيد الدولة وتسمح بتمليك القطاع الخاص في حدود المشاريع والشركات الصغيرة.

فهل ترغب أن يكون الفاعل الرئيسي في الاقتصاد قطاع الدولة أم القطاع الخاص؟.

ص: 216

قطاع الدولة

القطاع الخاص

س 19: هل إن إجراء مثل هذا الاستبيان حول مختلف القضايا التي تهم الأمة له دور في التوعية والتثقيف السياسي؟

نعم

لا

ص: 217

نتائج استطلاع الرأي العام الأول الذي أجرته الحوزة الشريفة عن بعض قضايا الحكم والدستور

* نتائج (1) استطلاع الرأي العام الأول الذي أجرته الحوزة الشريفة عن بعض قضايا الحكم والدستور

بسم الله الرحمن الرحيم

قامت الحوزة العلمية الشريفة بنشر بيانات تتضمن تعريفاً ببعض القضايا السياسية والدستورية ومذيلة بتسعة عشر سؤالاً وكان لها هدفان

الأول: تثقيف المجتمع بهذه القضايا وتأهيله للدخول في الحياة السياسية بنجاح لانتزاع حقوقه لذا فإن البيان لم يكتف بتدوين الأسئلة وإنما قدم لكل سؤال شرحاً مبسطاً، فمثلاً قبل أن يسأل هل تريد نظاماً برلمانياً أم رئاسياً؟ عرف كلاً من النظامين وحسنات وسيئات كل منهما ليكون المواطن واعياً حين الإدلاء بالإجابة.

الثاني: استطلاع الرأي العام حول هذه القضايا لننطلق من مستند متين وهي إرادة الشعب واختياره عند التعبير عن المواقف الوطنية.

ص: 218


1- تلى سماحة الشيخ دام ظلة النتائج بنفسه مع رسالته الآتية إلى الرئيس الفرنسي في لقائه مع قناة الجزيرة الفضائية.

وقد لاقت هذه العملية نجاحاً باهراً سواء خلال المشاركة الواسعة التي تجاوزت بكثير العدد المقرر للعينات وهو خمسة آلاف، حيث تطوع الكثير بطبع ونشر هذه البيانات من أجل تحقيق الهدفين المذكورين، أو من خلال المباركة والثناء على هذا العمل الصادر من الحوزة الشريفة، وقد شملت العينات أكثر من عشر محافظات في وسط وجنوب العراق وتوزعت على مختلف الأعمار والمستويات الثقافية والاقتصادية وقد اقتصرنا في إحصاء النتائج على عدد من العينات مقارب لما قررناه.

هوية المشاركين:

-1 من حيث العدد : البصرة (375) الديوانية (81) ديالى (79) الناصرية (636) ميسان (851) كربلاء (130) بابل (156) المثنى (601) النجف ( 320) بغداد (948) واسط (610) أخرى (198)

2 - من حيث الأعمار كانت نسبة المشاركين ممن تقل أعمارهم عن العشرين (77) بالألف) وفي العشرينات (381) بالألف) وفي الثلاثينات 256) بالألف وفي الأربعينيات (38) بالألف) وفي الخمسينات (137) بالألف) وفي الستينات (11) بالألف). !

3- ومن حيث التحصيل الدراسي: كانت نسبة المشاركين

ص: 219

من حملة الشهادات الابتدائية (118) بالألف) والمتوسطة 175 بالألف) والثانوية (218)(بالألف والجامعية (444) بالألف) والأخرى (44) بالألف).

4- من حيث القومية: فقد استطلع رأي (37) شخصاً من الإخوة الأكراد ضمن العدد الكلي.

5- من حيث الجنس : توجد (944) امرأة من بين العدد الكلي.

6- من حيث الديانة فقد شمل الاستطلاع ستة من غير المسلمين.

7- من حيث المهنة كانت نسبة الموظفين 545) بالألف والطلاب 120 (بالألف) والكسبة (291) بالألف) وربات البيوت 43) بالألف).

نتائج الاستطلاع

-1 أجاب (99) بالمئة بأن الدستور يمثل لهم قضية مهمة تثير اهتمامهم ومتابعتهم.

2- أجاب (98،5) بالمئة: انه يدرك أهمية الدستور وتأثيره على مستقبل حياته.

ص: 220

3- اختار (685) بالألف: أن تتولى الحوزة الشريفة والعلماء رعاية كتابة الدستور من أجل ضمان حرية الرأي وتثبيت إرادة الشعب دون أي وصاية أو ضغوط واختار (268) بالألف أن يتولى ذلك مجلس تأسيسي منتخب بينما اختار (47) بالألف) أن يتولى ذلك مجلس الحكم.

4- وحول آلية تشكيل لجنة صياغة الدستور اختار (69) بالمئة أن يكون عن طريق انتخاب الشعب لمجموعة متخصصة يتم ترشيحها للقيام بهذه المهمة واختار (31) بالمئة أن يكون من خلال جماعة معينة من ذوي الاختصاص.

5- واختار (78) بالمئة أن يتم استفتاء الشعب على كل فقرة من الدستور بالتفصيل بينما فضل (22) بالمئة الاستفتاء على الدستور بشكل عام.

6- وفضل (74) بالمئة أن يكون الدستور دائمياً وفضل (26) بالمئة أن يكون مؤقتاً.

7- ولاستطلاع رأيهم عن كيفية مراقبة القوانين والتعليمات واللوائح الصادرة من الحكومة لضمان عدم خروجها عن الدستور وانسجامها معه اختار (741) بالألف إيجاد آلية محكمة جديدة تضبط دستورية القوانين بينما اختار (223) بالألف أن يكون ذلك

ص: 221

من خلال هيئة قضائية واختار (36) بالألف فقط أن تكون الهيئة سياسية.

-8- إن دستور البلد وما يتفرع عنه من قوانين إنما يوضع لضمان سعادة الشعب، فقد يرى جيل معين من المصلحة ما لا يراه الجيل السابق مما يقتضي تعديل الدستور كلياً أو جزئياً وقد اختار (838) بالألف أن يكون التعديل عبر استفتاء شعبي عام بينما فضل (162) بالألف أن يكون عن طريق تصويت البرلمان.

9- وبرغم حملات التشويه التي يتعرض لها الإسلام ومحاولات إبعاده عن تنظيم شؤون الحياة فقد اختار (987) بالألف أن يدون في الدستور أن الإسلام دين الدولة الرسمي وأن القوانين التي تُشرع يجب أن لا تتعارض معه ورفض ذلك (13) بالألف فقط.

10 - ووافق (73) بالمئة على التأخير النسبي لكتابة الدستور مقابل أن يكون عن طريق انتخاب أعضائه ورغب (27) بالمئة في الإسراع في كتابته ولو عن طريق تعيين أعضاء لكتابته.

-11 - واختار (73) بالألف أن تكون الدولة العراقية موحدة ومرتبطة بحكومة مركزية تدير شؤون البلاد داخلياً وخارجياً كما هو وضعه السابق، واختار (27) بالألف أن يكون نظام الحكم فدرالياً بحيث يكون البلد مقسماً إلى ولايات تدير كل ولاية شأنها

ص: 222

الداخلي بنفسها ضمن حكومة محلية وترتبط الولايات بحكومة مركزية عليا تدير شؤونها الكبرى وسياسة البلاد الخارجية وتقسم الموارد المالية كما في نظام الولايات المتحدة الأمريكية.

12- وتقاربت أجوبة السؤال عن نظام الحكم فاختار (484) بالألف النظام البرلماني حيث تكون السلطة فيه الرئيس الحكومة، أما رئيس الدولة فيمكن أن يكون ملكاً أو رئيس جمهورية دون صلاحيات فعلية والحكومة تكون من وزراء مسؤولين أمام البرلمان كما هو الحال في مثل بريطانيا وايطاليا والهند، واختار (516) بالألف النظام الرئاسي حيث تكون السلطة فيه الرئيس الدولة الذي ينتخبه الشعب وهو رأس الحكومة وهو يكون على قدم المساواة مع السلطة التشريعية المنتخبة كما هو الحال في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

13- وعن كيفية مشاركة علماء الدين في الحكم فقد اختار ( 546) بالألف أن يكونوا جزءاً من مفاصل الحكم التنفيذية والتشريعية والقضائية بينما اختار (451) بالألف أن يشرفوا من بعيد على سير مفاصل الدولة لتقديم المشورة والنصح وتسديدها عند الخطأ.

14 - فضل (60) بالمئة أن تبقى الوزارات في العاصمة

ص: 223

ورغب (40) بالمئة في نشرها في المحافظات.

-15 ولم يتجاوب المواطنون مع تهميش الجيش وتحديد قوته الدفاعية وتحويله إلى جيش صغير خدمي يصل تعداده بحسب ما أعلنوه إلى (60) ألفاً بعد عشر سنوات لان العالم يعيش صراعاً بين الأقوياء والضعفاء وتتنافس فيه الإرادات وتتزاحم المصالح ف- فقد وافق على هذا التهميش (19) بالمئة بينما اختار (81) بالمئة أن يكون الجيش كبيراً ومتكاملاً.

16 - وتوجد أغلبية ساحقة ترفض انحصار الخدمة العسكرية في الجيش بالإلزامية فلم يوافق عليها إلا (6) بالمئة بينما فضل (47) بالمئة أن يعتمد الجيش على نظام التطوع و (47) بالمئة على نظام يعتمدهما معاً.

17- ومرة أخرى يثبت الشارع إسلاميته والتزامه بالشريعة فلم يوافق على استناد القضاء في أحكامه إلى القوانين الوضعية إلا (2) بالمئة بينما اختار (63) بالمئة إنشاء محاكم تستند في قضائها إلى القواعد الإسلامية واختار (35) بالمئة انضمام كلا الشكلين ويكون المواطن مخيراً في الترافع إلى أي منهما.

18 ولم يوافق (93،5) بالمئة على خصخصة وسائل الإنتاج ومؤسساته بما فيها القطاع النفطي والصحي أي تمليكها

ص: 224

إلى الأفراد - وأصروا على إبقاء قطاع الدولة فاعلاً رئيسياً في الاقتصاد على أن تسمح الدولة بتملك القطاع الخاص في حدود المشاريع والشركات الصغيرة بينما اختار (6،5) بالمئة فقط تمكين القطاع الخاص من الاقتصاد.

19- وفي السؤال الأخير أجاب أكثر من (99) بالمئة أن إجراء مثل هذا الاستبيان حول مختلف القضايا التي تهم الأمة له دور في التوعية والتثقيف السياسي بينما نفى ذلك أقل من (1) بالمئة.

لقد أثبت الشعب من خلال هذه الأجوبة عدة نقاط

-1 التزامه الكامل بالشريعة ورفضه للمبادئ الخارجة عن الإسلام سواء على مستوى الأيدلوجية كالعلمانية أو على مستوى الحكم كالقضاء غير المستند إلى الشريعة.

-2- ثقته العالية بعلماء الدين واتباعه لهم وتجاوبه مع مشاريع الحوزة العلمية الشريفة.

3- وعيه السياسي وإدراكه لمصالحه الوطنية بوضوح فبالرغم من أن المشاريع السياسية المعروضة تفترض الفدرالية أمراً مسلماً إلا أن ثلاثة أرباع المشاركين رفضوها.

4- عدم تأثر تفكيره السليم بانعكاسات جرائم النظام

ص: 225

السابق وسياساته الصبيانية فبالرغم من أن أكثر الشعب ذاق الويلات من انخراطه في الجيش الذي زجه في معارك مدمرة إلا أن الأكثر رغبوا في بناء جيش قوي متكامل، وغيرها من النتائج الطيبة التي أفرزتها هذه التجربة التي تؤديها الحوزة العلمية لأول مرة انطلاقاً من شعورها الأكيد بضرورة التجديد في آليات العمل وتنويعها حتى تكون بمستوى طموح الأمة والتحديات التي تواجهها. [ وَقُل اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] (التوبة: 105).

ص: 226

رسالة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية (السيد جاك شيراك) قبل توقيعه على قرار منع الحجاب في المدارس الرسمية

أنهت أمس الحادي عشر من كانون الأول 2003 (16 شوال (1424 اللجنة الحكومية الخاصة بدراسة ظاهرة الحجاب الإسلامي في المدارس الفرنسية وقدمت توصية بمنع الرموز الدينية ومنها الحجاب الإسلامي في المدارس ومن باب التضليل وذرّ الرماد في العيون تضمنت التوصيات منع القبعات اليهودية والصلبان الكبيرة للمسيحيين وأوصت بجعل يوم عيد المسلمين واليهود عطلة رسمية وعدم الاقتصار على التعطيل في عيد المسيحيين.

ونحن إذ نعبر عن أسفنا لمثل هذه التوصيات نأمل عدم توقيع رئيس الجمهورية الفرنسية عليها حتى لا تكتسب صفة القرار للنقاط التالية:

-1- إن مثل هذه القرارات منافية لحقوق الإنسان والتي 225 تتضمن حرية التعبير عن المعتقد والقيام بما يتطلبه معتقده ما دام غير مضر بالمصالح الوطنية، وإن دول الغرب ومنها فرنسا تتبجح وتفتخر على الكثير من دول العالم بمراعاتها لحقوق الإنسان، فتأتي مثل هذه القرارات لتكشف زيف هذه الادعاءات وتظهر الصورة

ص: 227

الحقيقية للنظم الغربية التي تضع تحت أقدامها كل الشرائع الإنسانية والسماوية إذا اقتضت النظرة الضيقة للمصالح ذلك.

- إن الحجاب الإسلامي ليس فقط رمزاً دينياً كالصليب والقبعة اليهودية حتى تقرن جميعاً بقرار رغم أنه أجاز الصلبان الصغيرة وبعض الرموز اليهودية، فإن الحجاب شعار لنظام كامل في الحياة تختطه المرأة المسلمة؛ لأن الحجاب يعني انتهاج السلوك النظيف والعفيف الخالي من الخيانة والرافض للخطيئة والذي يمتنع عن الفساد، والانحراف عن الأخلاق الإسلامية العليا ولا يعني حمل الصليب أو لبس القبعة شيئاً من ذلك.

نحن نعتقد أن ارتداء الحجاب هو العلامة الفارقة للمرأة الملتزمة بالشريعة عمّن سواها، فإذا كانت محجبة فهذا يعني أنها ملتزمة بكل تفاصيل الشريعة الأخرى فهذه المقايسة باطلة.

3- إن الحجاب جزء مهم وضروري من كيان المرأة المسلمة ولا تتخلى عنه مهما كان الثمن حتى لو كلّفها حياتها، فمثل هذا القرار سيدفع النساء المسلمات إلى ترك الدراسة وعدم التخلي عن الحجاب وفي ذلك حرمان لهن من حق أساسي في الحياة وهو التعليم.

4- إن مريم المقدسة والدة السيد المسيح (علیه السلام) كانت

ص: 228

امرأة عفيفة طاهرة متعبدة الله تبارك وتعالى ولم تكن خالعة للحجاب ومبذولة للنظر للرجال، فهي أول من ترفض هذا القرار لأنها تريد للنساء أن يقتدين بها، فأناشدكم بالله تعالى أن لا تدخلوا الأذى على الروح المقدسة لها بمثل هذه القرارات.

-5 إن العلمانية المتبعة كنظام حكم في الدول الغربية والتي تذرعوا بها لمثل هذه التصرفات حيث عدوها منافية للعلمانية تعني فصل الدين عن السياسة، ولا تعني بأي حال من الأحوال الأحوال و مناهضة الدين ومعاداته فهذا تطبيق سيئ للعلمانية التي يريدون إقناع الشعوب المتدينة بها.

-6- إن الغرب قد التفت أخيراً إلى أن العلاج الوحيد الأمراضه الجسدية كالايدز والاجتماعية كالانتحار والجريمة هو بتعزيز القيم الروحية وبناء الأخلاق السامية والحجاب جزء من هذه التربية.

أكرر أملي بأن لا تقرر الحكومة الفرنسية هذه التوصيات ولتترك الناس أحراراً في التعبير عن معتقداتهم الدينية خصوصاً وأن فرنسا ترتبط في أذهان الشعوب بتأريخ حضاري حافل وأوضح معالمه الثورة الفرنسية الكبرى فلا تعملوا على زعزعة هذه النظرة.

ص: 229

رسالة مفتوحة إلى مسؤول الإدارة المدنية لقوات الاحتلال في العراق

* رسالة مفتوحة إلى مسؤول الإدارة المدنية لقوات الاحتلال في العراق (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

تناقلت الأنباء تصريحات لمسؤول الإدارة المدنية لقوات الاحتلال بول بريمر ) يقول فيها انه سيستعمل حق النقض ضد إقرار الإسلام كمصدر أساسي للتشريع في الدستور العراقي المؤقت أو الدائمي.

و تصريحه هذا يذكرني بالحديث الشريف (رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه حتى لا يوردها موارد الهلكة فيبدو أنه لم يعرف حدود اللياقة في الحديث فأقحم نفسه في ما ليس له حق فيه، وقد بين الحديث الشريف عاقبة من يفعل ذلك، لذا الفت نظره إلى عدة نقاط:

1- إنه من أعطاه حق النقض حتى يتحدث عن استعماله وان القوانين الدولية تحدد صلاحيات المحتل ومسؤولياته وليس

ص: 230


1- القيت على المئات من أبناء مدينة بغداد الذين وفدوا لتهنئة سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي دام ظلة على سلامة الوصول بعد أداء مناسك الحج لموسم 1424 وكان ذلك في الأول من محرم عام 1425 المصادف 2004/2/22.

منها هذا التدخل السافر في خصوصيات أهل البلد المحتل التي يقررونها بأنفسهم كما هو شأن كل الشعوب والأمم.

2- إن مثل هذه الكلمات تكشف عن نواياهم الحقيقية من حربهم على العراق واحتلاله وتزيف ادعاءاتهم بأنهم جاءوا للتحرير، فمن جهة يقولون إن الدستور يجب أن تكتبه أيدي عراقية لأنه شأن ،عراقي، ومن جهة أخرى يتحدث عن معارضته لتدوين فقرات تعبر عن إرادة الشعب واختياره، وهذا يعني أن أحد أهدافهم هو تغيير ثقافة هذا الشعب وطريقة حياته ونمط سلوكه وشكل النظام الذي يحكمه وهذا ما يأباه الشعب العراقي الأبي الغيور الملتزم.

3- إن من حق كل شعب أن يثبت في دستوره معالم حضارته وثقافته وتأريخه وتوجهاته في الحاضر والمستقبل، وتجد ذلك واضحاً في دساتير كل الأمم فإنها ترسخ كل تلك القيم والمبادئ والمعالم، والإسلام هو منبع ثقافة هذه الأمة وأساس حضارتها والصورة المشرقة لتأريخها، فلماذا تمنع هذه الأمة دون غيرها من الأمم من ممارسة هذا الحق المشروع؟ عجباً عجباً.

4- إن الذي يخيف بريمر والغرب ليس كل الإسلام فإنهم يعلمون أن هذه الشريعة الإلهية هي نظام حضاري للحياة وفيه

ص: 231

مقومات التجدد والإبداع والتكيف ومواكبة المستجدات والانسجام مع تطورات الحياة ونموها وهو يلتقي مع المبادئ الإنسانية التي يتفق جميع البشر على أحقيتها بل إليه ترجع ومنه تصدر، فهو يحترم حرية المعتقد إلا إكْرَاة في الدين] (البقرة: 255) ولا يطلب من الآخرين إلا الاستماع إليه، ثم هم أحرار في الاقتناع وعدمه، وهو يكفل لهم أمنهم على كلا التقديرين [وَإن أحد من الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ ] (التوبة: (6)، وهو منفتح على الحوار مع الآخرين [قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ] آل عمران: 64)، ويقيم الحق [وزنُوا بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيم] (الإسراء: (35)، ويدعو إلى المساواة [ أني لا أضيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى] (آل عمران: 195) ، ويحكم بالعدل والإنصاف [إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَان (النحل : 90) ، ويرفض الظلم [وَلاً تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ] (الأعراف: 85) وغيرها كثير، فماذا يريدون أفضل من هذه المبادئ لتسود النظام الإنساني؟.

نعم هم يخافون من الإسلام قدرته على تقديم مشروع حضاري بديل عنهم، ورفضه لأي حكم لا يستند إلى شرعية من دين الله تبارك وتعالى ومقاومة الظلم والاستكبار والتسلط بغير

ص: 232

حق، ومن دون ذلك فهم لا يمانعون من تسليم زمام الحكم للأحزاب الإسلامية، مع إظهار رفضهم لشيئين رئيسيين في الإسلام وهما نظام الحكم فيه المبتني على ولاية الفقيه، وقانون العقوبات وهذا ناشئ من عدم فهمهم العميق للإسلام، فإن نظام العقوبات لا يكون ناجحاً وفعالاً إلا إذا كانت الجوانب الأخرى للنظام الإسلامي مطبقة، أي أن الاقتصاد إسلامي والمجتمع إسلامي والقضاء إسلامي ونمط السلوك والبيئة الاجتماعية إسلامية، وإلا فلا تقطع يد السارق إذا دفعه إلى ذلك الحرمان والعوز وسوء توزيع الثروة وعدم وجود فرصة العمل، أما إذا كان وضعه الاقتصادي مؤمناً ورزقه مكفولاً ومع ذلك يسرق عناداً أو تمرداً فإن قطع يده

يكون مبرراً ومفهوماً.

5- إن المطلعين على طبيعة الشعب العراقي وتوجهاته وانتمائه العقيدي وتأريخ حركته يعلمون أن هذا الشعب قد يسكت على هضم حقوقه وهدر ثرواته لا ضعفاً وجبناً وإنما انتظاراً وتربصاً، لكنه لا يسكت إذا مس عقيدته ودينه شيء، وه-و ل-م يرفض نظام صدام ويقف في وجهه متحملاً بطشه وقسوته ووحشيته الدموية إلا لأنه حارب شعائر الإسلام وهتك حرماته وقتل علمائه ومنع هذا المجتمع المؤمن من التعبير عما تقتضيه

ص: 233

عقيدته لذا من المحتمل أن ينتفض الشعب ويرفض الظلم والاستبداد ومصادرة الحريات من دون الرجوع إلى أحد أو استئذانه، حتى المرجعية الدينية باعتبار أنه تعلم ذلك من القرآن الكريم ومن سيرة أهل بيت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قال تعالى: [وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ] (هود: 113) [ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْل] (البقرة: (217) والفتنة هي الإبعاد عن الدين بالإكراه أو بالتضليل أو الإفساد، كما فعلت الجماهير في الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 ولم تستأذن أحداً من مراجع الدين فيها.

ويبدو أن المدة التي قضاها بريمر في العراق والمعلومات التي حصل عليها غير كافية لمعرفة هذه الحقائق والالتفات إليها، بل إنه أساء حتى في اختيار الزمن إذ الأمة مقبلة على شهر محرم الحرام الذي تفور فيه شرايين الأمة بدماء التضحية والفداء وتمتلئ القلوب بحب الشهادة في سبيل الله تعالى متأسين بأبي الأحرار الحسين بن علي (عليهما السلام الذي جاد بكل شيء في سبيل الله وللفوز بكرامته ولم يترك عذراً لكل أحرار العالم في السكوت على الظلم والقهر والحرمان والاعتداء على الإسلام العظيم.

لذا أحببت تسجيل عدد من الحقائق في هذه الرسالة المفتوحة إعذاراً وإبراء للذمة أمام الله تعالى [إن تَنصُرُوا اللهَ

ص: 234

يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] .(محمد: 7) .

محمد اليعقوبي

28 ذ ح 1424 الموافق 2004/2/20

ص: 235

حضور الملايين وطلبة الجامعات في زيارة الأربعين

أفضل رد على عرقلة العملية السياسية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة بولاية النبي وآله الأطهار صلى الله عليهم أجمعين.

مر الشعب العراقي بتجربتين لتشكيل الحكومة خلال أقل من عام

الأولى في حزيران عام 2004 وترأسها الدكتور أياد علاوي وهي التي تعرف بالحكومة المؤقتة.

الثانية: أفرزتها نتائج الانتخابات العامة التي جرت في الثلاثين من كانون الثاني عام 2005 وهي التي تعرف بالحكومة الانتقالية

وبالرغم من أن الأولى لم تكن شرعية وفرضتها قوات الاحتلال تحت غطاء مجلس الحكم المعيَّن، إلا أنها مرت بكل انسيابية ومن دون أي مشكلة وبأسرع وقت.

أما التجربة الثانية، فقد كانت شرعية في النظام

ص: 236

الديمقراطي - لأنها استندت إلى اختيار الشعب الذي هب بشكل منقطع النظير وتحدى الإرهاب الذي أعلن الحرب العامة ضد من يشارك فيها، وانتزعها بجهاده ودمه من المتسلطين الذين لهم مشروعهم المعد سلفاً، وبالرغم من هذه الشرعية إلا أن شهرين مرا ولم تحقق هذه الخطوة الأولى اعني اختيار رئيس للجمعية الوطنية

المنتخبة !!.

ألا يوحي ذلك إلى أن مؤامرة كبيرة تحاك ضد هذا الشعب، وأن صراعاً بين قوى دولية وإقليمية تتخذ من هذه الأرض المباركة مسرحاً لها من أجل تحقيق مصالحها ومآربها على يد أتباعهم ودماهم المتحركة الذين يستجدون أرزاقهم منهم، وعليهم أن ينفذوا بدقة ما يأمرهم به أسيادهم، أما الشعب المضطهد المحروم الذي يريد أن ينهض من جديد فلا أحد يفكر به ويعمل من اجله إلا أن يلتفت هو إلى عناصر قوته فيستثيرها ويستجمعها ويوظفها لقول كلمته الفاصلة ووقفته الشجاعة.

إنهم حينما أطالوا أمد المفاوضات والمشاركات لتشكيل الحكومة إنما أرادوا أن يهزموا هذه الأمة ويسلبوا منها انتصارها ويلووا ذراعها حتى تشعر باليأس والإحباط والاستسلام، فحذار أن تحقق الأمة لهم أهدافهم وقد نبههم الله تعالى إلى قوتهم وسمو

ص: 237

مبدأهم فقال عز من قائل [وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ] (آل عمران (139) وإنما تكونون :اعلون

:أولاً: بإخلاصكم الله تعالى وتطبيقكم الكامل للشريعة قال

تعالى ( وَلَوْ أنَّ أهل القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ] (الأعراف: 96).

وثانياً: بوحدتكم وتآلفكم وتعاونكم قال تعالى [وَاعْتَصِمُوا بحَبْل اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا] (آل عمران (103)

وثالثاً: بتنظيمكم لأموركم وحشد طاقاتكم قال تعالى [ وَأعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ] (الأنفال: (60) وقال تعالى (وَلتَكُن مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُون إلى الخَيْر وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَن الْمُنْكَر] (آل عمران (104) ، والأمة هي الجماعة المنظمة التي تتوحد على هدف معين ومصلحة مشتركة وقال أمير المؤمنين (أوصيكم عباد الله بتقوى الله ونظم أموركم).

ورابعاً: بالتفافكم حول قيادتكم الرشيدة وطاعتكم لها قال تعالى [إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا] (المائدة: (55) والعلماء الفقهاء العدول هم ورثة المعصومين علیهم السلام .

و خامساً : بوعيكم وبصيرتكم وحكمتكم قال تعالى (وَتَعِيَهَا أذُنٌ وَاعِيَةٌ (الحاقة: 12).

ص: 238

و سادساً بحضوركم الفاعل والمستمر في الساحة بلا كل-ل أو ملل قال تعالى {يَا أَيُّهَا الإنسان إنكَ كَادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ ] (الانشقاق (6) وقال الإمام (علیه السلام) : أحيوا أمرنا رحم الله من الله أحيا أمرنا).

إنها مواجهة ذات محاور عديدة وخنادق متعددة والعملية السياسية واحدة من تلك المواجهات التي تحتاج إلى وعي عميق وحكمة دقيقة وحضور فاعل ومستمر في الساحة، إنهم يشعرون بالخيبة والخسران حين عجزوا عن اختراق الأمة وتغيير معالم شخصيتها، ويحاولون بشتى الطرق أن يعيقوا انبعاثها وانطلاقها نحو

الحرية والكمال.

ومن هنا كانت الحشود المليونية التي زحفت سيراً على الأقدام إلى كربلاء المقدسة وقطع بعضهم مئات الكيلومترات ل-م يصحب أحدهم طعاماً ولا فراشاً ومع ذلك فلم يحتج إلى شيء؛ لأن الشعب بكل فئاته هب لإنجاح هذه الفعالية المباركة، وحتى أن بعض الإخوة المسيحيين شاركوا في تلك المسيرات لأنهم يعلمون أن الإمام الحسين (علیه السلام) : ليس رمزاً وأسوة للمسلمين فقط وإنما للإنسانية جمعاء، وسيظل الإمام الحسين مدرسة للأجيال ما دام هناك ظلم قائم وفئة مستأثرة وحق مهتضم وتسلط بغير حق وإقصاء

ص: 239

لأولياء أمر الأمة الحقيقيين.

إن هذه المشاركة أفضل رد توجهه الأمة لهؤلاء الذين يريدون سرقة انتصارها في يوم الانتخابات وليكسروا إرادتها حتى تستسلم لما يريدون ولكنها أثبتت أن إرادتها لا تلين وأنها مستعدة لكل التحديات، كما واجهت من قبل بطش صدام الذي لم يشهد مثله شعب عبر التاريخ والجغرافيا وأنها تبقى تطالب بحقوقها بلا كلل أو ملل.

وكان من أروع ما تضمنته هذه المناسبة الموكب الحاشد المهيب لطلبة الجامعات والمعاهد العراقية الذي قدرت اللجنة المكلفة من رئاسة جامعة بابل بتنظيم المناسبة عددهم وثلاثين ألفاً، تجمعوا في مدينة الحلة قبل أن يسيروا مشياً على الأقدام إلى كربلاء (1) ليواسوا أهلها ، وكل الشعب العراقي المفجوع بالأبرياء الذين سقطوا شهداء وجرحى نتيجة جرائم الطائفية الحاقدة والتكفير الأعمى وطمع عباد الهوى والشيطان، وليوجهوا رسالة إلى الأشقاء من دول الجوار الذين يغذون الإرهاب

ويوجهونه ،ويمدونه، وليثبتوا انتماءهم إلى الإسلام والى مدرسة

ص: 240


1- المسافة بین الحلة وكربلاء هي (42) كيلو متراً قطعها الطلبة يوم التاسع عشر من صفر ابتداءً من بعد صلاة الفجر.

أهل البيت علیهم السلام بعد أن حاول الأعداء النفخ في حادثة السفرة الطلابية لكلية الهندسة في جامعة البصرة (1) والتي استدرج فيها الطرفان لتصرفات سيئة كان الهدف منها تسقيط سمعة الإسلام والتنفير من نظامه السامي والإيحاء بأنه غير حضاري ويستخدم العنف لتطبيق برامجه.

فجاءت هذه الجموع الهائلة من كل جامعات العراق لتبرز هويتها الإسلامية الأصيلة، ولتثبت أن الشعائر الحسينية ليست انفعالات وردود فعل عاطفية هوجاء لا معنى لها، وإنما هي مدرسة يستلهم منها العلماء والمفكرون وطالبوا الفضيلة كل معاني السمو والكمال، وبهذا وغيره من عناصر القوة اكتسب موكب طلبة الجامعات أهميته لأنه منظم أولاً وذو أهداف محددة وواضحة ثانياً ولأنه يمثل شريحة علمية ثقافية مهمة في المجتمع ثالثاً، وهذه

ص: 241


1- في يوم الثلاثاء 4 صفر 1426 المصادف 2005/3/15 مئات من طلبة 239 وطالبات كلية الهندسة في جامعة البصرة في سفرة طلابية إلى حدائق الأندلس في المدينة وقام عشرات منهم بالغناء والمرح مما استفز مشاعر الناس لمنافاتها للدين والأخلاق وللحزن الذي يسود المجتمع في شهري محرم وصفر، لكن إحدى الجهات المنتسبة للدين هاجمتهم بقسوة ب- (العصي والكيبلات) والإطلاقات النارية فأصابت عدداً منهم وتلاقفت وسائل الإعلام الحادثة بسرعة وكأن الأمر قد خطط له.

الأمور حينما تصدر من مجموعة ولو قليل-ة فإنها أكثر تأثيراً ف-ي قلوب الأعداء من عملية غير منظمة مهما كثر عدد أفرادها.

فحق لنا أن نفتخر بكل الذين احيوا زيارة الأربعين وساهموا في إظهارها بهذه العظمة والعزة التي تليق بريحانة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وسبطه وسيد شباب أهل الجنة وموقفه الإنساني النبيل.

محمد اليعقوبي

النجف الأشرف / 20 صفر 1426

ص: 242

ص: 243

ص: 244

المحتويات

الفصل الأول : هموم تؤسس الوعي الجديد ...7

لماذا تضاعفت مسؤولياتنا في الوقت الحاضر؟ ...9

الهجوم على الإسلام...9

صناعة العدو الجديد ...10

ما الذي يريدوه من الحرب الإعلامية الجديدة؟ ...13

اليوم العالمي الميمون: ...14

ظروف ظهور الإمام (علیه السلام) بنحو الإجمال: ...14

الاعلام الاسلامی: المحاور التي يجب أن نكرس لها جهدنا 17

الإسلام محتاج إلى جميع أبنائه ...22

من أدوات الإعلام رسالة التبليغ والإصلاح ...23

قوام في عرض الأسوة الحسنة: ...25

عندما تتمثل الإسلام في حياتنا...26

ما الذي يعنيه الاحتفاء بالأسوة في إعلامنا ...28

إعلام الجاهلية الجديدة ...31

انطلاقاً من الفقه الاجتماعي ...33

لتؤسس لإعلام يواكب التحديات ...33

الفصل الثاني: التأسيس الأخلاقي لمهنة الإعلام ...37

وضع قوانين تنظم أخلاق ممارسة مهنة ...39

الإعلام وكل مهنة ...39

التأصيل للعلم مع الأخلاق ...39

التربية المعنوية لقادة الإسلام ...40

أهمية الإعلام ...41

تأثير الكلمة الصادقة ...42

ص: 245

موعظة للإعلاميين ...44

مسؤولية الكلمة ...48

أهمية الكلمة ودورها ...48

تهذيب الكلمة: ...49

استثمار الاتصالات الحديثة لصالح الإسلام ...51

عوامل نجاحنا في إيصال كلمة الإسلام ...52

مبادئ الشفافية ومظاهرها ...54

معنى الشفافية ...54

أصول الشفافية فى الإسلام: ...55

الفصل الثالث: تصحيح المفاهيم المغلوطة...67

التحذير من الأساليب الخاطئة ...69

في الدعاية الانتخابية ....69

اللوم الكثير على الفعل إغراء به ...72

القدح في العلماء ومحاولة تشويه صورتهم ...74

الثقافة حل لكثير من مشاكلنا ...78

في معنى اعتزال في أيام الفتن ...80

الفصل الرابع: الإعلام المسؤول: مهمة رسالية ...87

نشر الوعي الإسلامي في المناطق الريفية والعشائرية ...89

الحث على نشر الوعي ...89

عيننا على الوعي والتعلم ...89

الدعوة إلى تأسيس تجمع ...92

للإعلاميين والكتاب العراقيين في الخارج ...92

ص: 246

دور وسائل الإعلام في صناعة الرأي العام ...94

مسؤوليتنا عن إيصال صوت أهل البيت علیهم السلام ...97

إلى العالم كله ...97

اصدع بهويتك وكن شجاعاً ...101

صراع الهوية ...101

الحث على إعلان هويتنا الإسلامية ...102

لا للمجاملة على حساب العقل والمنطق ...103

الثبات على الموقف الرسالي...103

قصة في الإعلان عن الهوية: ...104

أعلنوا عن الإسلام بالحكمة: ...105

لئلا تأخذنا السياسة بعيداً عن الإعلام المسؤول: ........106

الاقتصار على الاحتفال السياسي ...106

في ذكرى الشهيد الصدر قدس سره ظلم له ...106

لا تتاجروا بالمرجعية ...106

حب الدنيا رأس كل خطيئة: ...107

لماذا نحتفي بالعلماء؟ ...107

تعرف الله تعالى من خلال المعصومين عليهم السلام : ...109

لَيْسَ بِظَلام للعَبِيدِ: ...110

الفصل الخامس: الاستماع إلى الأخبار ...113

الاستماع إلى الأخبار في أوقات الأزمات ...115

الحضارة الغربية بنيت على نظام المصالح ...115

العدو الجديد...116

دور الإعلام في صناعة السياسة الغربية...117

أساليب في التوهيم الإعلامي: ...118

دور الوعي في قراءة الأحداث ...19

ص: 247

نقاط للوعي: ...119

خطر الأخبار والآليات الإعلامية على الأمة: ...125

موعظة لمستمعي الأخبار: ...126

الفصل السادس: الإعلام المرئي: الأخطار الأخلاقية والاستعمارية للإعلام الغربي ...129

جهاز الستلايت أول هدية بعد سقوط النظام ...131

في الإعلام المرئي: ...131

الآثار السلبية للأفلام والمسلسلات ...132

وما هو الحل ...147

الفصل السابع: احذر في بيتك شيطان ...149

احذر في بيتك شيطان ...152

المدخل: ...155

لتلفزيون ما هو ؟؟ ....155

أثره في المجتمع ...156

مضار التلفزيون ...158

-1 غسل الدماغ...158

2- الإثارة الجنسية: ...160

3- إباحة المحرمات: ...163

4 - التربية اللا إسلامية ...167

5- تحويل الدين إلى تراث والتربية إلى ملل...169

6 - الشعور بالحقارة...171

7- شغل القلب ...172

8- لهو ولغو: ...175

الفوائد المزعومة ...177

ثالثاً: يشاهد كتسلية...180

ص: 248

حلول ممكنة جداً: ...181

أما الحلول فيمكن أن تكون ...182

كلمة أخيرة ...185

الفصل الثامن: نحو صناعة الرأي العام: نماذج تطبيقية ..187

خلق أجواء عامة للطاعة لتحفيز المجتمع عليها ...189

المشروع السياسي المقترح من الحوزة ...193

الشريفة للفترة الانتقالية ...193

استطلاع وتثقيف الرأي العام ...205

حول فقرات في الدستور ونظام الحكم ...205

نتائج استطلاع الرأي العام الأول الذي أجرته ...216

الحوزة الشريفة عن بعض قضايا الحكم والدستور ...216

نتائج الاستطلاع ...218

رسالة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية (السيد جاك شيراك) ... 225

رسالة مفتوحة إلى مسؤول الإدارة المدنية لقوات الاحتلال ...228

حضور الملايين وطلبة الجامعات ...234

في زيارة الأربعين أفضل رد على عرقلة العملية السياسية ...234

ص: 249

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.