كشف الاستار عَنْ وَجْهُ الغَائِتْ عَن الأَبْصَارِ
تَأليف: العلامة الميرزا حسين بن محمد تقي النُّورِي
المتوفى سنة 1320ه
تحقيق : أَحْمَدَ عَلى يجيد الحلي
رَاجَعَهُ وَضَبَطَهُ وَوَضَعَ فَهَارِسَهُ : وحْدَةً تَحقيق مكتبة العتبة العباسية المقدسة
العتبة العباسية المقدسة
قسم الشؤون الفكرية والثقافية /شعبة المكتبة
كربلاء المقدسة ص.ب. (233) / هاتف: 322600، داخلي: 251
كربلاء: مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة، 1432ق. = 11 = 2011م.
ص: 1
العتبة العباسية المقدسة
قسم الشؤون الفكرية والثقافية /شعبة المكتبة
كربلاء المقدسة ص.ب. (233) / هاتف: 322600، داخلي: 251
www.alkafeel.net
library @alkafeel.net library@yahoo.comabbas
BP النوري، حسين بن محمد تقي، 1254 - 1320ق.
224/4 كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار/ تأليف حسين بن محمدتقي النوري؛ تحقيق أحمد علي مجيد الحلي؛ راجعه ووضع فهارسه وحدة التحقيق في مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة. -
ه ك. كربلاء: مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة، 1432ق. = 11 = 2011م.
636 ص. - مكتبة العتبة العباسية المقدسة ؛ 11).
للكتاب عنوان آخر كشف الأستار عن وجه غيبة الإمام عن الأنظار.
يضم الكتاب ملاحق تتضمن عدة ردود على القصيدة البغدادية من علماء ومجتهدي النجف الأشرف.
المصادر : ص. [605] - 631 ؛ وكذلك في الحاشية.
.1. محمد بن الحسن (عجّل الله تعالی فرجه الشریف) ، الإمام الثاني عشر، 255ق - شبهات وردود 2. المهدوية - شبهات وردود. 3. محمد بن الحسن (عجّل الله تعالی فرجه الشریف) ، الإمام الثاني عشر، 255ق - أحاديث. 4. محمد بن الحسن (عجّل الله تعالی فرجه الشریف) ، الإمام الثاني عشر، 255ق - شبهات وردود - شعر.. القصيدة البغدادية - شبهات وردود. ألف. الحلي، أحمد مجيد، 1971 محقق ب وحدة التحقيق في مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة. ج. عنوان د. عنوان كشف الأستار عن وجه غيبة الإمام عن الأنظار. عنوان القصيدة البغدادية شبهات وردود.
تصنيف وحدة الفهرسة حسب النظام العالمي L.C.C))
الكتاب: كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار.
دراسة وتحقيق أحمد علي مجيد الحلي.
مراجعة وتصحيح وحدة التحقيق في مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة.
الناشر: مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة.
الإخراج الفني: محسن جعفر الجابري.
المدقق اللغوي: الأستاذ علي حبيب العيداني.
المطبعة مؤسسة الأعلمي للمطبوعات / كربلاء المقدسة العراق، بيروت - لبنان.
الطبعة: الأولى.
عدد النسخ: 2000.
التاريخ : 27 جمادى الآخرة 1431ه.
جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان
محرر: هادی میرزائی
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
قال رسول الله
(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)
المهدي (علیه السلام)طاووس أهل الجنة (1)
ص: 5
ص: 6
إلى من لم يرتو من الماء رغم ظمأه. *** إلى من توسل الماء إليه بالاعتذار حول قبره.
فأبى الاعتذار دون أخيه الإمام الحسين (علیه السلام) *** إلى الشفاه الذابلة والأعضاء المقطعة.
... ومن بكت لبكاء عينه دماً كل عين. ***... ومن أغدق علينا بإحسانه وكرمه.
... سيدي ومولاي أبي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين ، أهدي إليه جهدي هذا الذي هو بالحقيقة صنيع معروفه معي، فأرجو منه القبول والإحسان.
أحمد علي
ص: 7
ص: 8
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصل اللهم على حبيبك محمد وآل بيته الميامين، وبعد..
فالحقُّ.. لابد للمسلم المدرك لتعاليم دينه أن يعتد ويفخر.. بما حباه الباري عز وجل به وهداه إليه..
إن المنظومة الدينية الإسلامية وبكل أبعادها هي الأسمى والأكمل بين كل ما طرح ويُطرح من أنظمة وسياسات.. أخلاقياً واجتماعياً، سياسياً واقتصادياً.
إنها النظام الأمثلُ والأقدر على البقاء بدليل قدرتها على العطاء الدائم وحاجة الإنسان الدائمة إليها).. واليومَ وكما يُعبّر عنه في الجيولوجيا، أن الأرض تشهد دخولها في مرحلة النضج الأخير مما قُدّر لها أن تعيشه وبما يعني وصول البشرية إلى نهايتها المحتومة..
أو كما عبّرت عنه الأحاديث الشريفةُ ب ( آخر الزمان) و(أهل آخر الزمان) يبدو -والله العالم - أننا نعيش هذه المرحلة التي تتسارع أحداثها بنا نحو النهاية.. أو التمهيد إلى النهاية... ، من هنا يطرح السؤال الآتي نفسه: ما هي أبرز أدبيات هذه المرحلة للمسلم؟ وبعبارة أخرى ما التحدي الأبرز الذي يواجهه المسلم في هذه الأيام؟ وقد تكون الإجابة مجمو. عةً كبيرةً من النقاط..
لا يخفى على المسلم من أيّ طائفة كان أو يكون أن القضية المهدوية هي الألمع من بينها.. كيف لا ؟! وكلُّ ما وردنا من أحاديث وأخبار وروايات ومن كل الأطراف المتآلفة والمتخالفة منها تُجمع حول المبدأ العام والعنوان العريض للقضية، بأنه (صلوات الله عليه) هو المصلحُ المنقذ الأقدر على تطبيق النظريات التي شَلَّت المؤامرات المنسوجة على مدى التاريخ الإسلامي فعاليتها وتحقيقها لأنه - ولسبب لا يختلف فيه اثنان - الخليفة ابن النبي المسدد، المنصور، المؤيد،
ص: 9
والكلام في تفكيك هذه المعاني ليس محل البسط.
إلا أن هذه الدواعي مجتمعةً دفعت مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة للعمل في تحقيق هذا المؤلف الموسوم ب(كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار والذي ألفه خاتمة المحدثين الميرزا حسين النوري الطبرسي (قُدِّسَ سِرُّهُ) المتوفى (1320ه) وقد طُبع عدة طبعات آخرها في أوائل الثمانينات من القرن المنصرم وقدم له سماحة العلامة المحقق السيد علي الميلاني مقدمة رائعة.. فكان لابد من العمل الدؤوب والدقيق في تحقيق وإخراج هذا الكتاب الرائع الذي تكمن أهميته في تناوله إثبات الوجود المقدس للإمام وبطريقة الجدال العلمي القائم على الدليل والإثبات والدحض والنقض، فيكون مصداقاً لقوله تعالى: ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَة ).. ما أكسب الكتاب أهميته وغناه والحاجة الملحة لإنعاشه وتفعيله.
وقد جهدت كوادر التحقيق في المكتبة متمثلةً بالأخ الفاضل المحقق الأستاذ أحمد علي مجيد الحلي مع فريقه طوال عامين من العمل الدؤوب الدقيق مستعينة بعد التوكل على الله تعالى بعدد من المصادر والمراجع (الحجرية والخطية) والعودة إلى الأمات من الكتب والوثائق التي اعتمدها المؤلف كي يخرج الكتاب بما يليق به ويحقق الهدف المرجو منه. عله يكون قطرةً في أمواج بحر اللهفة والشوق والحاجة الماسة إلى طلوعه المبارك على هذه الأرض التي لاثها فساد الإنسان وتخبطه.
فلله الحمد أولاً وآخراً وصلى الله على سيدنا محمد حبيبه المختار وآله الهداة الأطهار ولاسيما الغائب عن الأبصار.
إدارة مكتبة ودار مخطوطات
العتبة العباسية المقدسة
ص: 10
الحمد لله الذي لم يترك الخلق بلطفه حيارى في الأمصار، فكشف لهم الأستار عن وجه وليّه الغائب عن الأبصار، وصلّى الله على خير خلقه محمد المختار وعلى آله الطيبين الأخيار، وبعد...
فقد تكالب الزمان (1) علينا من جماعة نبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، وذلك من فتنة قد أنافت علينا بأقلامهم التي ساروا بها على خط أهل الضلال، وأصواتهم التي تعلو مرة بعد أخرى، وتارة بعد تارة فيتضاءل صداها؛ ليحيدوا بها المسلمين عن إطار الحقيقة.
لكن هيهات حيث لم يشق الشك طريقه إلى هذه الرذائل أبداً، ولم ينفذ الظلام إلى هذا النور المتبلج، فراحوا يتشبثون بذرائع أخرى، فما الذي فعلوه؟ لقد سعوا مدة بعد مدة أن يشككوا في إمام طالما تحدث عنه صاحب الوحي السماوي لا اله الا الله وأهل بيته الذين كلامهم لا يفتر عن کلامه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)
ذلك هو الإمام المهدي (علیه السلام) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، فأي باب نلجه في الحديث عنه، وأي حديث نعرف به شخصه الكريم علينا، وأيُّ وأيّ، وقد كفانا مؤنة ذلك جمع من علمائنا الأعلام - أنار الله برهانهم فقد ألفوا فيه كتباً خاصة، كما ضمنوا الحديث عنه في كتبهم العامة، وربما سُطِّرَت من
ص: 11
ذلك في الكتب ما سارت به الركبان، واشتهرت في بعض البلدان، حتى أن أحدهم جمع ما ألف فيها الخاصة فكان مجلدين. (1)
وكانت كتاباتهم وبحسب ما يمليه حدث الزمان والمكان على القلم - تختلف من كاتب لآخر، فتشعبت صنوفها إلى ما يطول سرده وبيانه ومن الكتب التي تضمنت الدفاع عنه إثر شبهات وردت في قصيدة بغدادية مفادها إنكاره لي الكتاب الماثل بين يديك.
وقد كفانا مؤنة التعريف به تلميذه الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله) (ت 1373ه) في كتابه عقود حياتي - مخطوط - إذ قال ما نصه:(.... فعرضت القصيدة على أستاذنا النوري، فكتب رسالة بديعة أسماها: (كشف الأستار عن وجه غيبة الإمام الغائب عن الأنظار)، وذكر نصوص جماعة من كبراء علماء السنة صرّحوا بوجوده ، ودحض تلك الشبهة بأقوى حجة).
وقال أيضاً في كتابه العبقات العنبرية – الجزء المخطوط - ما نصه: (... ولكن قلت: أعط القوس باريها، فلا يخطي ،مراميها، فعرضتها عليه دام ظله العالي فكتب في الجواب عنها رسالة فائقة على كلّ ما كُتب في أمر الغيبة إلى الآن، وسمّاها: كشف الأستار عن وجه غيبة الإمام عن الأنظار، وذكر في أولها أربعين رجلاً من أعاظم علمائهم قائلاً بمقالتنا وأنه (علیه السلام) مولود، وبين ظهراني الخلق موجود، ونقل كلماتهم الصريحة بذلك من الكتب التي أثبت من طرقهم
ص: 12
وبشهادة علماء رجالهم أنها لهم، ثم أجاب عن كل شبهة أوردها ذلك الشاعر حلاً، ونقضاً، وحفظاً، على قاعدة تطابق الجواب مع السؤال).
وستتعرف أخي القارئ الكريم في ما يأتي إليك من شرح مفصل -في هذه المقدمة - على عدة أمور، هي كالآتي:
1- كلمة كتبها سماحة المحقق العلّامة السيد علي الميلاني (دام توفيقه في الطبعة الثانية له حول موضوع الكتاب ومؤلّفه (رحمه الله)، وارتأينا إثباتها في طبعتنا هذه.
2- دراسة عن القصيدة البغدادية وما يتعلق بها.
3- ترجمة المؤلف الشيخ حسين النوري (قُدِّسَ سِرُّهُ)، وما لم يُنشر منها.
4- حول الكتاب.
5- طبعات الكتاب السابقة.
6 - النسخ المعتمدة في التحقيق.
7- منهج التحقيق.
8-شكر وعرفان.
9-صور النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق.
ص: 13
ص: 14
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمّد وآله الطاهرين، ولاسيما الإمام الثاني عشر الحجّة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
وبعد – فقد طلب مني الأخ علي الدبستاني النجفي ناشر هذا الكتاب أن أكتب له مقدمة مختصرة حول موضوعه ومؤلّفه، فأجبت طلبه تشجيعاً لعمله، ورغبة منّي في نشر أمثال هذا الكتاب في هذا الزمان، فأقول وبالله التوفيق:
إن الحديث عن الإمام المهدي (علیه السلام)متشعب الأطراف كثير الجوانب فهو بحث قديم عني به المسلمون منذ صدر الإسلام حتى يومنا هذا، وتناولته أفكار العلماء وأقلامهم بالأخذ والردّ، والتحقيق، والتمحيص على ضوء آيات القرآن الكريم والأحاديث الواردة عن النبي العظيم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
وذلك... لأن الاعتقاد ب- (المهدي) يُعد من الضروريات التي يجب على كلّ مسلم الإذعان بها والتسليم لها. فأما الآيات المؤولة به فقد تُعد بالعشرات من آيات القرآن في مختلف سوره
ص: 15
المباركة، وقد أفردها بعض المحدثين بالتأليف كالعلامة السيد هاشم البحراني في كتاب ( المحجّة في ما نزل في الحجّة).
وأما الأحاديث الواردة في شأنه فتعد بالمئات بل الألوف، وقد جمعت في كتب تخصها من قبل من قبل طائفة من علماء الخاصة والعامة كالسيوطي في (العرف الوردي)، والمتقي الهندي في (البرهان)، والكنجي الشافعي في (البيان)، وأبي نعيم الأصبهاني في (الأربعين)، والسلمي في (عقد الدرر) من العامة. وكالشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة)، والشيخ المجلسي في (بحار الأنوار) والصافي في (منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر) من الخاصة.
والكتب المؤلّفة في أخباره وفضائله كثيرة جداً، وقد انتشر أخيراً فهرس لما ألف حول المهدي (علیه السلام)من مخطوط ومطبوع حتى الآن.
ولقد شدّ عن المسلمين من شك، أو أنكر أمر (المهدي).
ثم إن البحوث المتعلقة بهذا الموضوع يمكن تقسيمها إلى القسمين الآتيين:
1- ما هو حول شخص (المهدي)، ونسبه، وملامحه الذاتية، وما يتعلق بذلك.
2- ما هو حول ما يكون عند ظهوره، وحروبه، وإمامته، والأحكام على عهده، ومعجزاته، وما يتعلق بذلك.
ولا شك في أن القدر الضروري الذي يجب الاعتقاد به هو معرفة شخص (المهدي) من حيث نسبه – بالذات -؛ لأنه الحجر الأساس لجميع هذه البحوث والقضايا اللاحقة
ص: 16
فهل هو من هذه الأمة، أو من غيرها؟
وعلى الأوّل هل هو من أهل البيت أو لا؟
وإذا كان منهم فهل هو من ولد فاطمة الزهراء ، أو من غيرها؟
وإذا كان من ولدها، فهل هو من ولد الحسن أو الحسين (علیهما السلام)؟
لقد أجمع المسلمون على أن (المهدي) من هذه الأمة، فلا يُصغى إلى ما رواه بعض العامة - بطريق الآحاد - من أنه عيسى بن مريم المسيح.
وأجمعوا على أنه من أهل بيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فلا وزن لما رواه بعض العامة - بطريق الآحاد كذلك - من أنه من ولد العباس بن عبد المطلب.
كما لا مستند لما ذهب إليه شرذمة من كونه من ولد محمد ابن أمير المؤمنين على (علیه السلام) المعروف بابن الحنفية.
فهو... من أهل البيت، ومن ولد علي من فاطمة، فهل هو من ولد الحسن أو الحسين (علیهما السلام)؟
لقد ورد خبر واحد - زُعم صحته - يفيد أن (المهدي) من ذرية الحسن بن علي (علیهما السلام)، وبه أخذ نفر من علماء أهل السنة.
والمشهور - رواية وقولاً - هو أنه من ولد الحسين السبط الشهيد، وعليه إجماع الطائفة الاثني عشرية منذ القرون الأولى حتى اليوم.
وإذا كان من ولد الحسين، فمن أي ولده؟
قالت الشيعة: إنه ابن الإمام الحسن العسكري ابن الإمام علي الهادي ابن الإمام
ص: 17
محمد الجواد ابن الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام علي السجاد ابن الإمام الحسين الشهيد (علیهم السلام)
فهو آخر الأئمة الاثني عشر، وقد ولد سنة 255 ه وتوفي والده وله من العمر خمس سنوات، فهو حي موجود غائب عن الأبصار.
واستدلوا على اعتقادهم هذا بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة من الكتاب والسنة، والعقل، والإجماع.
ولقد وافق الإمامية - على هذا الاعتقاد - كثير من علماء أهل السنّة وغيرهم ودلت عليه أخبارهم، بل إنه المشهور بين جميع المسلمين كما تقدم، إذ قد اعترف بولادة الإمام (علیه السلام) طائفة كبيرة منهم وصرحوا بحياته منذ ولادته، وبوجوده إلى أن يأذن الله تعالى له بالظهور.
وقد ذكرت في هذا الكتاب كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار) نصوص عبارات أكثر من أربعين رجلاً من حفّاظ أهل السنة، ومشاهير عرفائهم وعلمائهم في هذا الباب، وهم:
1- كمال الدين بن طلحة الشافعي
2- محمد بن يوسف الكنجي الشافعي.
3- ابن الصباغ المالكي.
4- سبط ابن الجوزي.
5- الشيخ محيي الدين ابن عربي.
6 - الشيخ عبد الوهاب الشعراني.
ص: 18
7-الشيخ حسن العراقي.
8- الشيخ علي الخواص.
9- الشيخ عبد الرحمن الجامي
10 - الحافظ محمد البخاري.
11-ابن أبي الفوارس الرازي.
12 - الشيخ عبد الحق الدهلوي.
13 - السيد جمال الدين المحدث.
14 - الحافظ أحمد البلاذري (1)
15 -ابن الخشاب البغدادي.
16 - ملك العلماء الدولت آبادي
17 - الشيخ علي المتقي الهندي.
18- ابن روزبهان الشيرازي
19 - الناصر لدين الله العباسي.
20 -الشيخ سليمان القندوزي.
21- الشيخ أحمد الجامي.
22 -صلاح الدين الصفدي.
23 - بعض المصريين من مشايخ إبراهيم القادري.
24 - الشيخ عبد الرحمن البسطامي
ص: 19
25- الشيخ علي أكبر المؤودي.
26- الشيخ عبد الرحمن صاحب مرآة الأسرار.
27- الشيخ قطب مدار.
28- الشيخ جواد الساباطي.
29- الشيخ سعد الدين الحموي.
30- الشيخ عامر البصري.
31 - الشيخ صدر الدين القونوي.
32 -الشيخ جلال الدين الرومي.
33- الشيخ العطار النيسابوري.
34 -الشيخ شمس الدين التبريزي.
35 - الشيخ نعمة الله ولي.
36- السيد النسيمي.
37- السيد علي الهمداني.
38 -الشيخ عبد الله المطيري
39- السيد سراج الدين الرفاعي.
40 - الشيخ محمد الصبان المصري.
ثم ذكر كلام الخوارزمي المكي وصدر الدين الحمويني.
ص: 20
وقد ذكرنا نحن في كتاب (الإمام الثاني عشر ) (1)
ثلاثة وأربعين رجلاً ذكر المؤلف و أكثرهم، وأما الذين لم يذكرهم فهم.
1- رشيد الدين الدهلوي، تلميذ صاحب (التحفة الاثنا عشرية).
2- الشيخ ولي الله الدهلوي، والد صاحب التحفة.
3-الحافظ شمس الدين ابن الجزري الشافعي.
4- الحافظ عبد الرحمن السيوطي الشافعي
5- الحافظ محمد بن مسعود البغوي.
6- شهاب الدين ابن حجر المكي صاحب الصواعق.
7- الشيخ محمد بدر الدين الرومي الحنفي صاحب شرح البردة.
8- السيد مؤمن الشبلنجي صاحب نور الأبصار.
9- المؤرخ ابن الأزرق.
10- الشيخ عمر ابن الوردي صاحب تتمة المختصر في أخبار البشر.
11 - الحافظ أبو بكر البيهقي.
12- الشيخ علي القارئ الهندي صاحب المرقاة في شرح المشكاة.
13- الحسين بن معين الدين الميبدي شارح ديوان أمير المؤمنين.
ص: 21
ثمّ إنا من خلال مطالعاتنا منذ ذلك الحين وجدنا المصرحين بولادة الإمام المهدي (علیه السلام) أكثر من هذا العدد بكثير، ومن الأسماء التي سجلناها حتى الآن:
1 -ابن خلكان الشافعي المؤرخ.
2 -القرماني المؤرخ صاحب أخبار الدول.
3- الزرندي صاحب نظم درر السمطين.
4- الشيخ يوسف بن يحيى بن علي الشافعي
5- الشيخ حسن العدوي الحمزاوي.
6- الشيخ شمس الدين بن طولون صاحب الشذور الذهبية.
7-أبو عبد الله زين الكافي.
8- الشيخ حسن العجيمي.
9 -الحافظ جمال الدين الباهلي.
10 - الشيخ محمد الحجازي الواعظ
11 - الحافظ أبو نعيم رضوان العقبي.
12 - الإمام جمال الدين محمد بن محمد الجمال.
13 - الشيخ إسماعيل بن مظفر الشيرازي.
14 - الشيخ عبد السلام بن أبي الربيع الحنفي.
15- الشيخ أبو بكر عبد الله بن شابور القلانسي.
16 - الحافظ محب الدين ابن النجار صاحب ذیل تاریخ بغداد.
ص: 22
17- علي بن الحسين المسعودي المؤرخ صاحب مروج الذهب (1)
18- يحيى بن سلامة الحصكفي.
19 - ابن الأثير الجزري صاحب الكامل في التاريخ.
20 - أبو الفداء الأيوبي المؤرخ صاحب المختصر في أخبار البشر.
21 -علاء الدولة السمناني.
22 -أبو الوليد محمد بن شحنة الحنفي المؤرخ.
23- محمد خواند أمير صاحب روضة الصفا.
24- خواند أمير صاحب حبيب السير.
25- الحسين بن محمد الديار بكري المؤرخ صاحب الخميس.
26- الشيخ ابن العماد الحنبلي صاحب شذرات الذهب.
27 - الشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي صاحب الإتحاف بحب الأشراف.
28 - الشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب التحفة.
29- الشيخ عبد الكريم اليماني.
30- القاضي بهلول بهجت أفندي.
ص: 23
وإذ قد عرف شخص الإمام المهدي (علیه السلام)، وثبت وجوده غائباً عن الأبصار، جاء دور الأسئلة التي تُثار حول الموضوع بطبيعة الحال، فيقال مثلاً: هل يمكن أن يعيش الإنسان هذه المدة الطويلة؟
ولكن هذا السؤال ليس إلا استبعاداً محضاً، وقد أُجيب عنه بالأجوبة الكافية المستندة إلى الكتاب والسنّة، وعلى ضوء السير، والتواريخ، والعلوم في المفصلة.
ولماذا غاب؟
وهذا سؤال آخر أجابوا عنه في الكتب المؤلفة حول المهدي (علیه السلام)، وهو أيضاً من بحوث هذا الكتاب.
ومتى يظهر؟
وهذا سؤال ثالث، ولكن لا يتقدم به من له أدنى خبرة بالأخبار والأحاديث الواردة في شأن المهدي والمدونة في الكتب المعتبرة عن رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فلقد ورد الجواب عن هذا السؤال في طائفة من تلك الروايات.
وهناك وجوه أخرى من الجواب، وقد تعرّض إلى بعضها في هذا الكتاب.
وما الفائدة من إمام غائب؟
والجواب: إن لوجوده (علیه السلام) أنواعاً من النفع العام لجميع الخلائق وللمؤمنين به، إلى غير ذلك من المنافع المادية والمعنوية المترتبة على وجوده ، وقد ذكر المؤلّف بعضها في هذا الكتاب.
ص: 24
وأين يعيش؟
لقد نسب علماء أهل السنة وكتابهم إلى الشيعة الاعتقاد بأنه غاب في السرداب بمدينة (سامراء)، قال الذهبي: (... هو منتظر الرافضة الذين يزعمون أنه المهدي (علیه السلام)، وأنه صاحب الزمان، وأنه الخلف الحجّة، وهو صاحب السرداب بسامراء...). (1)
وربّما جعلوا السرداب في مدينة (الحلة).
وقال آخر: إنه في (بغداد).
وربما أضافوا إلى هذا الاعتقاد المزعوم أكاذيب أخرى، قال ابن خلدون: ( يزعمون أن الثاني عشر من أئمتهم - وهو محمد بن الحسن العسكري ويلقبونه بالمهدي (علیه السلام)- دخل في السرداب بدارهم بالحلة، وتغيب حين اعتقل مع أمه وغاب هناك، وهو يخرج آخر الزمان فيملأ الأرض عدلاً، يشيرون بذلك إلى الحديث الواقع في كتاب الترمذي في المهدي، وهم إلى الآن ينتظرونه ويسمونه المنتظر لذلك، ويقفون في كل ليلة بعد صلاة المغرب بباب هذا السرداب، وقد قدموا مركباً فيهتفون باسمه ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم، ثم ينفضون ويرجئون الأمر إلى الليلة التالية، وهم على ذلك لهذا العهد). (2)
والواقع أن فرية السرداب أشنع وإن سبقه (القصيمي) إليها غيره من مؤلّفي أهل السنّة، لكنه زاد في الطنبور نغمات بضم الحمير إلى الخيول، وادعائه اطراد
ص: 25
العادة في كل ليلة واتصالها منذ أكثر من ألف عام.
والشيعة لا ترى أن غيبة الإمام في السرداب، ولا هم غيبوه فيه، ولا أنه يظهر منه، وإنما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنه يظهر بمكة المعظمة تجاه البيت ولم يقل أحد في السرداب أنه مغيّب ذلك النور، وإنما هو سرداب دار الأئمة بسامراء، وأن من المطرد إيجاد السراديب في الدور وقاية من قائظ الحر، وإنما اكتسب هذا السرداب بخصوصه الشرف الباذخ لانتسابه إلى أئمة الدين، وأنه كان مبوءاً لثلاثة منهم كبقية مساكن هذه الدار المباركة، وهذا هو الشأن في بيوت الأئمة (علیهم السلام) ومشرفهم النبي الأعظم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في أي حاضرة كانت، فقد أذن الله (عزَّ و جلَّ) أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
وليت هؤلاء المتقولين في أمر السرداب اتفقوا على رأي واحد في الأكذوبة حتى لا تلوح عليها لوائح الافتعال فتفضحهم ، فلا يقول ابن بطوطة في رحلته 2/ :198: إن هذا السرداب المنوّه به في الحلة، ولا يقول القرماني في أخبار الدول إنه في بغداد، ولا يقول الآخرون إنه بسامراء. ويأتي القصيمي من بعدهم فلا يدري أين هو فيطلق لفظ السرداب ليستر سوأته...) (1)
أقول بل إن الاعتقاد ببقائه في السرداب من معتقدات بعض كبار حفاظ أهل السنة، فقد نص الحافظ الكنجي الشافعي المتوفّى سنة (658ه) على ذلك، وأجاب عن إنكار بقائه فيه بوجهين، وهذا نص كلامه
(وأما الجواب عن إنكارهم بقاءه في سرداب من غير أحد يقوم بطعامه
ص: 26
وشرابه، فعنه جوابان
أحدهما بقاء عيسى (علیه السلام) في السماء من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه وهو بشر مثل المهدیّ (علیه السلام ) ، فكما جاز بقاؤه في السماء والحالة هذه، فكذلك المهدیّ (علیه السلام ) في السرداب.
فإن قلت: إن عيسى (علیه السلام) يغذيه ربِّ السماء من خزائن غيبه.
قلت: لا تفنى خزائنه بانضمام المهدي (علیه السلام) إليه في غذائه.
فإن قلت إن عيسى خرج عن طبيعته البشرية.
:قلت هذا يحتاج إلى توقيف ولا سبيل إليه.
والثاني: بقاء الدجال في الدير على ما تقدّم بأشد الوثائق مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبه بالحديد، وفي رواية في بئر موثوق. وإذا كان بقاء الدجال ممكناً على الوجه المذكور من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه فما المانع من بقاء المهدیّ (علیه السلام ) مكرماً من غير الوثائق؟ إذ الكل في مقدور الله تعالى، فثبت أنه غیر ممتنع شرعاً ولا عادة. (1)
فكأن اختفاء الإمام وبقاءه (علیه السلام) فيه أمر مسلّم مفروغ عنه عند الحافظ الكنجي، وإنما الكلام في طعامه وشرابه!
وممّا يؤكد ما ذكرنا قول الشيخ الإربلي الإمامي المتوفى سنة (693ه) بعد
ص: 27
نقله هذا الكلام عن الحافظ الكنجي: ( فأما قوله إن المهدیّ (علیه السلام ) في سرداب وكيف يمكن بقاؤه من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه؟ فهذا قول عجيب وتصور غريب، فإن الذين أنكروا وجوده الله لا يوردون هذا ، والذين يقولون بوجوده لا يقولون إنه في سرداب... ) (1)
وقد تطرق الشيخ النوري في هذا الكتاب كشف الأستار إلى ما قالوا حول السرداب، ونص على أنه لم يجد لما ذكروه أثراً في كتب الطائفة الإمامية.
قال الإربلي بعد كلامه المتقدم نقله: (بل يقولون إنه حي موجود، يحل ويرتحل، ويطوف في الأرض ببيوت، وخيم، وخدم، وحشم، وإبل، وخيل وغير ذلك، وينقلون قصصاً في ذلك وأحاديث يطول شرحها...). (2)
أقول: نعم جاءت في بعض كتب الإمامية كلمات لعلمائهم فيها ذكر (الجزيرة الخضراء)، قالوا بأنها مسكن الإمام وذويه، واستندوا لإثبات ذلك إلى قصص و آثار، وقد ذكر جماعة منهم الشيخ المجلسي؛ من ذلك قصة وصول الشيخ زين الدين علي بن فاضل المازندراني إليها وهي قصة طويلة، قال المجلسي: (باب) نادر في ذكر من رآه في الغيبة الكبرى قريباً من زماننا.
أقول: وجدت رسالة مشتهرة بقصة الجزيرة الخضراء في البحر الأبيض أحببت إيرادها؛ لاشتمالها على ذكر من رآه، ولما فيها من الغرائب. وإنما أفردت
ص: 28
لها باباً؛ لأني لم أظفر به في الأصول المعتبرة، ولنذكرها بعينها كما وجدتها:
بسم الله الرحمن الرحيم... وبعد: فقد وجدت في خزانة أمير المؤمنين (علیه السلام)، وسيد الوصيين، وحجّة ربّ العالمين، وإمام المتقين علي بن أبي طالب (علیه السلام) بخط الشيخ الفاضل والعالم العامل الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الكوفي (قدس الله روحه) ما هذا صورته :
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم.
وبعد: فيقول الفقير إلى عفو الله سبحانه وتعالى الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الإمامي الكوفي عفى الله عنه: قد كنت سمعت من الشيخين الفاضلين العالمين الشيخ شمس الدين بن نجيح الحلي، والشيخ جلال الدين عبد الله بن لحرام الحلي قدس الله روحيهما ونوّر ضريحيهما في مشهد سيد الشهداء وخامس أصحاب الكساء مولانا وإمامنا أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) في النصف من شهر شعبان سنة (699) من الهجرة النبوية على مشرفها محمد وآله أفضل الصلاة وأتم التحية، حكاية ما سمعاه من الشيخ الصالح التقي، والفاضل الورع الزكي زين الدين علي بن فاضل المازندراني المجاور بالغري على مشرفه السلام، حيث اجتمعا به في مشهد الإمامين الزكيين الطاهرين المعصومين السعيدين (علیهما السلام) بسر من رأى، وحكى لهما حكاية ما شاهده ورآه في البحر الأبيض والجزيرة الخضراء
من العجائب.
فمرّ بي باعث الشوق إلى رؤياه، وسألت تيسير لقياه، والاستماع لهذا الخبر من
ص: 29
لقلقة فيه بإسقاط رواته، وعزمت على الانتقال إلى سر من رأى للاجتماع به....) (1)
أقول: لقد أصبح هذا الموضوع مورد البحث بين العلماء، ولكن لا وجه لتكذيب هذه القصة بالخصوص لأمور:
الأول: رواية الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي المتوفى سنة (786) هذه القصة عن الشيخ علي بن فاضل المازندارني، قال السيد نور الله التستري الشهيد ما :حاصله (إن الشهيد الأوّل قد روى القصة بإسناده عنه وأنه حرّرها في بعض أماليه، وقد أدرج ما حرّره السيد الأجل الأمير شمس الدين محمد أسد الله التستري في رسالة له...). (2)
وعن بعض الأعلام من تلامذة الوحيد البهبهاني: (أن القصة المذكورة منقولة خط الشهيد عن الفضل بن يحيى....). (3)
ومن هنا ربّما يُحتمل أن يكون الشهيد تنت هو قائل: (وجدت) في رواية الشيخ المجلسي؛ لكن يبعده أن لا يكون المجلسي عارفاً بخطه.
الثاني: إن الفضل بن يحيى الراوي للقصة عن الشيخ المازندراني - والذي وصفه بالشيخ الصالح التقي والفاضل الورع الزكي - من أعلام علماء الإمامية، قال الشيخ الحر العاملي: (الشيخ مجد الدين الفضل بن يحيى بن علي بن المظفر بن الطيبي الكاتب بواسط، فاضل عالم جليل. يروي كتاب كشف الغمة عن مؤلّفه، علي بن عيسى الإربلي، كتبه بخطه وقابله وسمعه من مؤلفه وله منه إجازة
ص: 30
سنة (691)، وسمع منه جماعة قد ذكرناهم في أماكنهم وهم اثنا عشر رجلاً). (1)
الثالث: استشهاد الأستاذ الأكبر - مؤسس علم الأصول – مولانا الوحيد البهبهاني بهذه القصة في كتاب فقهي بالنسبة إلى حكم شرعي، فقد قال في وجوه الجواب عن أدلة وجوب صلاة الجمعة في زمن الغيبة ما نصه:
(ومنها أيضاً: الأخبار الدالة على استحباب صلاة الجمعة، ويؤيدها استحباب صلاة العيدين التي توافق الجمعة في الشروط وأدلة الوجوب إلى غير ذلك. هذا مضافاً إلى الإجماعات المنقولة الكثيرة جداً المتأيدة بالآثار والاعتبار التي أشرت إليها في الرسالة، مع أن المنقول بخبر الواحد يشمله ما دلّ على ما دلّ على حجية خبر الواحد.
ومن الآثار حكاية المازندراني الذي وصل إلى جزيرة الصاحب (علیه السلام) وهي تنادي بالاختصاص بالإمام و منصوبه...). (2)
الرابع: وصف الفقيه الأصولي المحقق الشيخ أسد الله التستري المتوفى سنة (1220) المحقق الحلي أبا القاسم بقوله: (المنوه باسمه وعلمه في قصة الجزيرة الخضراء). (3)
وقد أشار بهذا إلى ما جاء في القصة: (لم أر لعلماء الإمامية عندهم ذكراً سوى خمسة: السيد المرتضى الموسوي، والشيخ أبو جعفر الطوسي، ومحمد بن
ص: 31
يعقوب الكليني، وابن بابويه، والشيخ أبو القاسم جعفر بن سعيد الحلي). (1)
أقول فظهر أنه ليست هذه القصة من الأقوال المنكرة العجيبة الصادرة عن الأخباريين ودعوى الشيخ الأكبر كاشف الغطاء (قُدِّسَ سِرُّهُ) ثنتت ذلك عجيبة، ولعله لم يطلع على كلام أستاذه الوحيد في حاشية المدارك، أو أنه لا يقصد قصة المازندراني هذه.
ولقد أورد بعض علماء العصر كلام الشيخ المذكور واستند إليه في حاشيته على بعض الكتب (2)، وأطال الكلام في ردّ القصة بما لا يرجع إلى محصل.
كما لا يعبأ بما تفوه به بعضهم في هامش بحار الأنوار، وبإسقاط مترجم البحار القصة من الكتاب، وإدخال آخر الموضوع في الأخبار الدخيلة.
وأما استبعاد وجود هكذا جزيرة في العالم فليس بدليل، مضافاً إلى أن كثيراً الأشياء كنا نستبعدها فظهر أنها حق، أو كنا نستبعد وقوعها فوقعت، على أن بعض المؤلفين ألف كتاب (مثلث برمودا في بحار الشيخ المجلسي، فذكر ما تحدثت عنه الصحف والمجلات، ووكالات الأنباء العالمية، وحاول إثبات أن مثلث برمودا) هو نفس (الجزيرة الخضراء) والعهدة عليه.
والخلاصة: أنه لا وجه للردّ على هؤلاء الأعلام من الأصوليين والأخباريين الذين تلقوا هذه القصة بالقبول والله العالم
ص: 32
وأما هذا الكتاب، فقد ألَّفه الميرزا النوري (قدس الله روحه) ردّاً على قصيدة وردت إلى النجف الأشرف على ساكنها الصلاة والسلام من بغداد لم يُسمّ ،ناظمها، وهي في شأن الإمام المهدي القائم المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ، أشار قائلها إلى الخلاف الواقع بين المسلمين في أنه أرواحنا فداه ولد أو سيولد، واختار هو القول الثاني؛ لأمور ذكرها في تلك القصيدة... فأجاب عنها المؤلف رضوان الله عليه، فأثبت إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، وأن المهدي (عجل الله فرجه )هو الثاني عشر منهم، وأنه مولود حي موجود بالأدلة الواضحة والبراهين الساطعة من الكتاب والسنّة والعقل.
وذكر(قُدِّسَ سِرُّهُ) فيه أسماء بعض من وافق الإماميّة على هذا الاعتقاد من علماء العامة، ودحض الشبهات التي ذكرها ناظم القصيدة حوله بالدلائل الكافية والشواهد الشافية. وهذا الكتاب من أحسن الكتب التي ألفها علماء الإمامية لإثبات معتقدهم على ضوء أحاديث أهل السنة.
كما انتدب جمع من كبار علمائنا إلى معارضة تلك القصيدة بقصائد لهم، فسلكوا مسلك المؤلّف، ونسجوا على منواله مستفيدين من علومه ومستضيئين بنور كتابه.
ولا بأس بإيراد مطلع القصيدة المردود عليها والإشارة إلى بعض تلك القصائد. أما مطلع القصيدة فهو ذا، وهي في (25) بيتاً:
أيا عُلَمَاءَ العَصْرِ يَا مَنْ لَهُمْ خُبْرُ*** بِكُلِّ دَقِيقِ حَارَ فِي مِثْلِهِ الذِّكْرُ
ص: 33
لَقَدْ حَارَ مِنِّي الفكر في القائم الذي *** تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ والتَبَسَ الأَمْرُ
ومن الذين أجابوا عنها نظماً: بطل العلم والجهاد المرحوم الشيخ محمد جواد البلاغي، وهذا مطلع قصيدته وهي في (109) أبيات مطبوعة في آخر حاشيته على كتاب المكاسب، وقد طبعت في آخر هذا الكتاب أيضاً:
أَطَعْتُ الهَوَى فِيْهِمْ وَعَاصَانِيَ الصَّبْرُ*** فَهَا أَنَا مَا لِي فِيْهِ نَهْي وَلَا أَمْرُ
أَنسْتُ بهِمْ سَهْلَ القفار وَوَعْرَها ***فما راعني منْهُنَّ سَهْلٌ وَلَا وَعْرُ
ومنهم: الإمام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء بقصيدة بلغت أبياتها (202) بيت وهذا مطلعها
بنَفْسِي بَعِيدَ الدَّارِ قَرَبَهُ الفَكْرُ ***وأَدْنَاهُ مِنْ عُشاقه الشَّوْقِ والذِّكْرُ
تَسَتَّرَ لَكن قَدْ تَجَلَّى بِنُورِهِ ***فَلَا حُجُبٌ تُخْفِيهِ عَنْهُمْ وَلَا سَتْرُ
ومنهم: آية الله السيد محسن الأمين العاملي وهذا مطلع قصيدته:
نَأوا وبقلبي من فراقِهُمُ جَمْرُ *** وفي الخَدَّ مِنْ دَمعي لبينهمُ غَمْرُ
وَلَسْتُ أَرَى مَاءَ المَدامِعِ مُطْفِئاً *** لَهَيْبَ الحَشَا مِنّي وَلَو أَنَّهُ نَهْرُ
وهي (309) أبيات، ثم إن السيد الأمين (رحمه الله) علق على القصيدتين بشروح لطيفة، وطبع ذلك كله في كتاب سماه ب(البرهان على وجود صاحب الزمان)، طبع بالشام سنة (1333ه)، وأعيد طبعه بالأوفست سنة (1399ه) باهتمام مكتبة نينوى الحديثة.
ص: 34
فهو الشيخ الميرزا حسين ابن الميرزا محمد تقي ابن الميرزا علي محمد بن تقي النوري الطبرسي، من أعلام الطائفة، وكبار رجال الإسلام.
كان (رحمه الله ) فقيهاً، محدثاً، رجالياً، جامعاً للعلوم، محيطاً بها ومبرزاً فيها.
وُلد في (18) شوال سنة (1254ه) في قرية ( يالو) من قرى (نور) في طبرستان.
نشأ نشأة علمية، وهاجر إلى النجف الأشرف سنة (1277ه)، وهو من الفضلاء، فحضر لدى كبار العلماء وأساطين الطائفة، فمن مشايخه وأساتذته:
1- المولى فتح علي السلطان آبادي.
2- العالم الجليل الفقيه الزاهد الورع النبيل المولى محمد علي المحلاتي
3- العالم النحرير الفقيه الجامع الشيخ عبد الحسين الطهراني الشهير بشيخ العراقين، وهو أوّل من أجازه.
4 - الفقيه الشيخ عبد الرحيم البروجردي والد زوجته.
5- الفقيه الكبير المولى الشيخ علي الخليلي.
6- أستاذ الفقهاء والمجتهدين الشيخ مرتضى الأنصاري حضر عنده أشهراً قلائل إلى أن توفي.
ص: 35
الفقيه الكبير الإمام المجدد الميرزا حسن الشيرازي حضر عنده بسامراء مدة طويلة من الزمن، وكان من أقرب تلاميذه وخواصه إليه.
وكانت هجرته من سامراء إلى النجف الأشرف بعد وفاة الميرزا بسنتين.
وقد حضر عنده وروى عنه كثير من الفطاحل الأعلام ذكر منهم:
1-الشيخ إسماعيل ابن الشيخ محمد باقر الإصفهاني.
2- الشيخ مرتضى بن محمد بن أحمد العاملي.
3- الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء.
4- السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي.
5 شيخنا الشيخ آقا بزرك الطهراني.
6- السيد جمال الدين ابن السيد عيسى العاملي الإصفهاني
7- الشيخ عباس القمي.
ولقد أطراه وأثنى عليه مترجموه بما لا مزيد عليه، وهذه بعض جمل الثناء عليه: قال السيد محسن الأمين: (كان عالماً، فاضلاً، محدثاً، متبحراً في علمي الحديث والرجال، عارفاً بالسير والتاريخ، منقباً، فاحصاً، زاهداً، عابداً، لم تفته صلاة الليل، وكان وحيد عصره في الإحاطة والاطلاع على الأخبار والآثار والكتب ) (1)
ص: 36
وقال معاصره الشيخ محمّد حرز الدين (العالم الفاضل الجامع الثقة الجليل، ممن هاجر من طهران إلى النجف سنة (1277ه)، وكان من الفضلاء وكان شيخاً عالماً، محيطاً بعلم الحديث والرجال...) (1)
وقال الشيخ كاشف الغطاء: (علامة الفقهاء والمحدثين، جامع أخبار الأئمة الطاهرين، حائز علوم الأولين والآخرين حجّة الله على اليقين، من عقمت النساء أن تلد مثله، وتقاعست أساطين الفضلاء فلا يُداني أحد فضله ونبله، التقي الأوّاه، المعجب ملائكة السماء بتقواه من لو تجلى الله لخلقه لقال هذا ،نوري مولانا ثقة الإسلام الحاج ميرزا حسين النوري أدام الله تعالى وجوده الشريف). (2)
وقال تلميذه الأكبر شيخنا الطهراني: (إمام أئمة الحديث والرجال في الأعصار المتأخرة، ومن أعاظم علماء الشيعة، وكبار رجال الإسلام في هذا القرن.... كان الشيخ النوري أحد نماذج السلف الصالح التي ندر وجودها في هذا العصر، فقد امتاز بعبقرية فذة، وكان آية من آيات الله العجيبة، كمنت فيه مواهب غريبة، وملكات شريفة أهلته لأن يُعد في الطليعة من علماء الشيعة الذين كرسوا حياتهم طوال أعمارهم لخدمة الدين والمذهب...) (3)
وقال المدرس التبريزي: (... من ثقات وأعيان وأكابر علماء الإمامية الاثني عشرية في أوائل القرن الحاضر ،فقیه، محدث، متتبع مفسّر، رجالي، عابد، زاهد ورع، تقي...) (4)
ص: 37
وقال القمي: (شيخ الإسلام والمسلمين، مروج علوم الأنبياء والمرسلين، الثقة، الجليل، والعالم الكامل النبيل المتبحر الخبير ، والمحدّث الناقد البصير، ناشر الآثار، وجامع شمل الأخبار، صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة والعلوم الغزيرة، الباهر بالرواية والدراية والرافع لخميس المكارم أعظم راية، وهو أشهر من أن يُذكر، وفوق ما تحوم حوله العبارة...). (1)
وقال كحالة: (محدث عارف بالرجال والسير والتاريخ، والكتب، مشارك في بعض العلوم). (2)
وقال إسماعيل باشا: (فقيه الشيعة الإمامية.....). (3)
قال شيخنا الطهراني: لو تأمّل إنسان ما خلّفه من الأسفار الجليلة، والمؤلفات الخطيرة التي تموج بمياه التحقيق والتدقيق، وتوقف على سعة في الاطلاع عجيبة، لم يشك في أنه مؤيد بروح القدس... خرج له ما ناف على ثلاثين مجلداً من التصانيف الباهرة...
وهذه قائمة بأسماء ما ذكروا من مؤلفاته:
1- أجوبة المسائل.
2 - أخبار حفظ القرآن.
ص: 38
3- الأربعونيات.
4 - البدر المشعشع في ذرية موسى المبرقع. (1)
5- تحية الزائر (وهو آخر مؤلّفاته توفي قبل إتمامه، فأتمه تلميذه القمّي
6- ترجمة المجلد الثاني من دار السلام إلى الفارسية.
7- جنة المأوى في من فاز بلقاء الحجة الله في الغيبة الكبرى. (2)
8- الحواشي على توضيح المقال.
9- دار السلام
10- ديوان شعره.
11 - رسالة في ردّ بعض الشبهات على فصل الخطاب. (3)
12- رسالة في ترجمة المولى أبي الحسن الشريف.
13 - رسالة مختصرة فارسية في مواليد الأئمة (علیهم السلام)على ما هو الصحيح عنده.
14 - سلامة المرصاد في زيارة عاشوراء غير المعروفة.
ص: 39
15- شاخه طوبي فارسية.
16 - الصحيفة العلوية الثانية.
17 - ظلمات الهاوية. (1)
18 - فصل الخطاب.
19 - الفيض القدسي في أحوال المجلسي. (2)
20-فهرس كتب خزانته. (3)
21 - كشف الأستار عن وجه الإمام الغائب عن الأبصار (وهو هذا الكتاب).
22 - اللؤلؤ والمرجان. (4)
23- مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل. (5)
24 - معالم العبر في استدراك السابع عشر من البحار.
25- مواقع النجوم في الإجازات (وهو أول مؤلّفاته).
26- نفس الرحمن في فضائل سلمان. (6)
ص: 40
توفي ليلة الأربعاء (27) جمادى الآخرة سنة (1320ه) ودفن في الصحن العلوي الشريف في الإيوان الثالث عن يمين الداخل من جهة القبلة، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً، جزع فيه سائر الطبقات ولاسيما العلماء ورثاه جمع من الشعراء، وأرّخ وفاته آخرون.
هذا ما تيسر إيراده في مقدمة هذا الكتاب، ونسأل الله عز وجل أن يعجل فرج إمامنا المفدى، وأن يجعلنا من أنصاره في غيبته وحضوره، إنه سميع مجيب.
الحوزة العلمية بقم المقدسة
علي الحسيني الميلاني
2/15/ 1400ه (1)
ص: 41
ص: 42
من البديهيات التي لا ينكرها كلّ ذي عقل لبيب أنّ لكلّ عنوان أصلاً يفرضه على معنونه؛ ليكون دليلاً عليه، والشواهد على ذلك لا يمكن حصرها، إذ هي تعايشنا في سبل الحياة اليومية التي تتعهدنا صباحاً مساءً، والقصائد الشعرية التي يترنم بها خير شاهد لنا على ذلك، فترى أن نسبة العنوان إليها تعود مرة إلى الناظم (1) وتارة إلى البلد (2) وأخرى إلى الظرف الذي حيكت به الأبيات. (3)
والقصيدة التي بين يديك (4) والتي نقدم لها دراسة مختصرة – اشتهرت عند علماء الشيعة الكرام - أنار الله برهانهم - بالقصيدة البغدادية نسبةً إلى البلد؛ لخلق نبيل سما فيهم حال دون ذكر اسم الناظم لها في مطبوعات كتبهم.
فما هي تلك القصيدة؟ وما موضوعها؟ ومن قائلها ؟ وما قيل عنها؟ ومن ردّ عليها نظماً أو نثراً؟ وأسئلة أخرى تقع في الخلد نسعى لإيجاد جواب شاف لها في بحثنا هذا، فدونكه:
ص: 43
أولا القصيدة: (1)
أيا عُلَمَاءَ العَصْرِ يَا مَنْ لَهُمْ خُبْرُ*** بِكُلِّ دَقِيقِ حَارَ (فِي مِثْلِهِ) الفِكْرُ
لَقَدْ حَارَ مِنِّي الفكر بالقائم الذي*** تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ وَاشْتَبَهَ الأَمْرُ
فَمِنْ قائِل في القِشْرِ لب وُجُودُهُ*** وَمِنْ قَائِلِ قَدْ ذُبَ عَنْ لُبِّهِ القِشْرُ
وَأَوَّلُ هذين اللذين تَقَرَّرًا*** به العَقْلُ يَقْضى والعيان ولا نُكْرُ
وَكَيْفَ وَهَذا الوَقْتُ دَاعِ لِمِثْلِهِ ***فَفِيهِ تَوَالَى الظُّلم وانتَشَرَ الشَّرُّ
وَما هُوَ إِلا ناشر العدل والهُدَى*** فَلَوْ كَانَ مَوجُوْداً لمَا وُجِدَ الجَوْرُ
وإِنْ قِيْلَ مِنْ خَوْفِ الطَّغَاةِ قَدِ اخْتَفَى ***فَذَاكَ لَعَمْرِي لا يُجَوِّزُهُ الحِجْرُ (2)
ولا النَّقْلُ كَلَّا إِذْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ ***إِلى وَقْتِ عِيسَى يَسْتَطِيْلُ لَهُ العُمْرُ
وأَنْ لَيْسَ بَيْنَ النَّاسِ مَنْ هُوَ قَادِرٌ ***عَلَى قَتْله وَهُوَ المُؤَيِّدُهُ النَّصْرُ
وأَن جَميعَ الْأَرْضِ تُرْجِعُ مُلْكَهُ ***وَيَمْلَؤُها قِسْطاً وَيَرْتَفِعُ المَكْرُ
وإن قيلَ مِنْ خَوْف الأذاة قد اخْتَفَى*** فَذَلكَ قَوْلُ عَنْ مَعَايبَ يَفْتَرُ
فَهَلاً بَدا بَيْنَ الوَرَى مُتَحَمّلاً ***مَشَقَّةَ نُصْح الخَلْق مَنْ دَابَهُ الصَّبْرُ
وَمَنْ عَيْب هَذا القَوْلُ لَا شَكَ أَنَّهُ ***يَؤُولُ إِلى جُبْنِ الإِمَامِ وَيَنْجَرُّ
ص: 44
وحاشَاهُ مِن (1) جُبْنِ وَلَكِنْ هُوَ الذِي ***غَدَا يَخْتَشيه من حَوَى البَرَّ والبَحْرُ
(وَيَرْهَبُ مِنْهُ الباسلُوْنَ جَميعهم *** وَتَعْنُو لَهُ حَتَّى المثقَّفَةُ السُّمْرُ) (2)
عَلَى أَنَّ هَذَا القَولَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ ***ولا يَرْتَضِيْهِ العَبْدُ كَلَّا وَلَا الحُرُّ
ففي الهند أَبْدَى المَهْدَويَّةَ كاذب ***وما نَالَهُ قَتْلُ وَلَا نَالَهُ ضُرُّ
وَإِنْ قِيْلَ هَذَا الإِخْتِفَاء بِأَمْرِ مَنْ ***لَهُ الأَمْرُ فِي الأَكْوانِ والحَمْدُ والشُّكْرُ
فَذَلِكَ أَدْهَى الدَّاهِيَاتِ وَلَمْ يَقُلْ ***بِهِ أَحَدٌ إِلَّا أَخُو السَّفَهِ الغَمْرُ (3)
أَيَعْجَزُ رَبُّ الخَلْقِ عَنْ نَصْر حزبه*** عَلَى غَيْرِهُم كَلَّا فَهَذَا هُوَ الكُفْرُ
فَحَتَّى مَ هَذَا الإِخْتفَاء وَقَدْ مَضَى ***منَ الدَّهْر آلاف وذَاكَ لَهُ ذِكْرُ
وَمَا أَسْعَدَ السَّرْدابَ فِي سُرَّ مَنْ رَأَى*** لَهُ الفَضْلُ عَنْ أُمِّ القُرَى وَلَهُ الفَحْرُ
فَيَا لَلأَعاجِيْبِ الَّتِي مِنْ عَجِيبِها ***أَنِ اتَّخَذَ السَّرْدَابَ بُرْجاً لَهُ البَدْرُ
(فَيَا عُلَمَاءَ المُسْلِمِيْنَ فَجَاوِبُوا*** بِحَقِّ، وَمِنْ رَبِّ الوَرَى لَكُمُ الأَجْرُ)
(وَغُوْصُوا لَنَيْل الدُّرِّ أَبْحُرَ عَلْمكُمْ ***فَمَنْها لَنَا لَا زَالَ يُسْتَخْرَجُ الدُّرُ ) (4)
ص: 45
لا يخفى على القارئ ما تضمنته هذه الأبيات التي قوامها (22) بيتاً – وبرواية السيد البراقيه والسيد محمد صادق آل بحر العلوم (25) بيتاً – والمرسلة إلى علماء النجف الأشرف في حينها (1) من إنكار وجود الإمام المهدي ( عجل الله فرجه ) الذي بشّر بظهوره رسول الخلق (صلى الله عليه و آله ) بقوله: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني... الحديث،) (2) والذي فاح شذى
ص: 46
عبقات ذكره في أسفار أبناء العامة فيما يأتي إليك من كتابنا هذا وغيره، وأبياتها التي أنكرت ذلك فرضت الحق على علمائنا الأعلام أن يردوا عليها بما يشفي الغليل نثراً ونظماً بأدلة نقلية وعقلية، اعتقاداً منهم للذب عن عقائد الإسلام وأهله.
ولما حملته القصيدة من موضوع مثير للجدل اختلف في ناظمها من هو؟ فبين من صرّح بنسبتها لمجهول من أحد أبناء العامة، أو لأحد علماء بغداد دون ذكر اسم له، (1)أو لأحد من شعرائها (2)، أو لأحد الآلوسيين (3)، أو لابن
الآلوسي ،(4) وتارة لمعلوم مسمى وقع بين ثلاثة وهم: جميل صدقي الزهاوي (1279 - 1354ه)(5)، ومعروف الرصافي (1294 - 1364ه)، (6)وأبو الثناء محمود
ص: 47
شكري الآلوسي (1273-1342ه). (1)
ص: 48
ألقت هذه القصيدة بظلالها على الأوساط العلمية في النجف الأشرف، وتلقاها العلماء بالنقد والرد، وصدر عن بعض المعاصرين لحدث وصولها كلام حولها، سنورده في دراستنا هذه فدونكه :
أ-قال السيد حسين البراقي (رحمه الله) (1332ه) في كتابه المخطوط (السر المكنون في النهي لمن وقت للغائب المصون) ما نصه: (... وينبذون أمر الله وراءهم، فانظروا من تناقض ذلك ما بين أن يحصروا وقت ظهوره وما بين أن ينكروه بالمرة وإنه غير موجود، وذلك كمثل ابن المفتي الزهاوي من أهل بغداد ويدعي أنه مطلع على السير والأخبار، بل بكل العلوم ويدعي أنه من الظرفاء الأدباء، وكان منكراً لصاحب الزمان (علیه السلام) وإنه غير مولود ولا موجود، وإنه سيولد بعد هذا إن كان حقاً، وإنه في شهر ربيع الثاني سنة سبع عشرة بعد الثلاثمائة والألف أنشأ قصيدة تهكماً منه على عقولنا وتعجباً منه على اعتقاداتنا من حيث إنه ثابت العزيمة وغيره - وهو نحن - خاطئون وفي عشواء الضلالة تائهون لأننا باعتقادنا ضالون ،مضلون، وهو ممن على زعمه قابضون على الدين، فأنشأ قصيدته وأرسلها إلى بلاد الكاظم (علیه السلام) إلى جناب الفاضل الشيخ محمد تقي ابن الشيخ حسن ابن الشيخ أسد الله، فلما وصلت إلى الشيخ غلفها وأرسلها إلى النجف
ص: 49
الأشرف إلى أخيه الشيخ مهدي ابن الشيخ أسد الله، فجاء بها الشيخ مهدي وعرضها على جناب الشيخ محمد طه نجف، فأمر الشيخ بجوابه، فأجابوه العلماء الفضلاء الآباء بقصائد عديدة إذا ذكرناها طال المقام، فكان مما كُتب وأرسل وهو شعر:
أيا عُلَمَاءَ العَصْرِ يَا مَنْ لَهُمْ خُبْرُ*** بِكُلِّ دَقِيقِ حَارَ مِنْ دُونِهِ الفِكْرُ
إلخ).(1)
ب - قال السيد محسن الأمين العاملي (رحمه الله)(1371ه) في كتابه (أعيان الشيعة) ج 1 ص 137، ما نصه: (والسيد علي ابن عمنا السيد محمود له أرجوزة كبيرة في رد أبيات البغدادي الرائية في المهدیّ (علیه السلام ) لا تتضمن كثيراً من مباحث علم الكلام. ولجماعة من فضلاء العصر في ردّ الأبيات المذكورة عدة قصائد لو جمعت لكانت كتاباً في الكلام. فممن نظم في ذلك الشيخ محمد حسين آل صاحب کشف الغطاء، والشيخ جواد البلاغي النجفي، والسيد رضا ابن السيد محمد الهندي النجفي، والشيخ رشيد العاملي الزبديني، والفقير مؤلف هذا الكتاب نظم قصيدة طويلة وشرحها وسمى المجموع بالبرهان، مطبوع).
ج- قال الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله) (ت 1373ه) في كتابه العبقات العنبرية (الجزء المخطوط عند ترجمة أستاذه الشيخ النوري (رحمه الله)، ما نصه: (ووردت في هذه الأيام إلى النجف أبيات شعر لبعض العامة من طلبة بغداد يذكر فيها أمر الحجة (علیه السلام)وبطلان ما تدعيه جماعتنا من غيبته لأمور تخيلها،
ص: 50
وتخيلات وهم استعملها، وأول أبياته قوله:
أيا عُلَمَاءَ العَصْرِ يَا مَنْ لَهُمْ خُبْرُ*** بِكُلِّ دَقيق حَارَ مِنْ دُونه الفكْرُ (1)
ثم أخذ في هذا وأمثاله وبعثها إلى أهل الكاظمين (علیهما السلام) ، فأجابوا ولكن لا بما يشفي الغليل أو يصيب الداء الدخيل، فبعثها بعض الفضلاء إلى النجف التي هي قبة الكمال اليوم وتخت مملكة العلم والشرف، فتصدى للجواب فضلاؤها ممن جمع بين فضيلتي العلم والأدب، وأخذ من الكمالات بأوفى نصيب وأعظم سبب، فأجابوا وأصابوا ورموا الغرض فأصابوا، حتى بلغ مجموع ما قيل في النجف للجواب عنها ألفي بيت أو أكثر ، فعلمت جزماً أن هناك أموراً لم تذكر، ومطالب في الرد عليهم هي أقصى عن أذهان سائر الفضلاء وباعهم عنها أقصر، وإن كان ما جاؤوا به كافياً في الجواب، غير مائل عن خطة الحق والصواب ولكن قلت أعط القوس باريها، فلا يخطي مراميها، فعرضتها عليه دام ظله العالي، فكتب في الجواب عنها رسالة فائقة على كل ما كتب في أمر الغيبة إلى الآن وسمّاها كشف الأستار عن وجه غيبة الإمام عن الأنظار، وذكر في أولها أربعين رجلاً من أعاظم علمائهم قائلاً بمقالتنا و أنه (علیه السلام) مولود، وبين ظهراني الخلق موجود، ونقل كلماتهم الصريحة بذلك من الكتب التي أثبت من طرقهم وبشهادة علماء رجالهم أنها لهم، ثم رجالهم أنها لهم، ثم أجاب عن كل شبهة أوردها ذلك الشاعر حلاً، ونقضاً، وحفظاً على قاعدة تطابق الجواب مع السؤال، نظمت تلك الرسالة على الوزن والقافية من أبياته وأدرجت فيها جميع ما في الرسالة فبلغت الثلثمائة
ص: 51
بيت، وجعلنا أكثرها في ظهر الكتاب المذكور كالتكملة له وأول قصيدتنا:
بنَفْسِي بَعِيدَ الدَّارِ قَرَّبَهُ الفَكْرُ ***وأَدْنَاهُ مِنْ عُشاقه الشَّوْق والذِّكْرُ
تَسَتَرَ لَكنْ قَدْ تَجَلَّى بَنُوره ***فَلَا حُجُب تُخْفِيهِ عَنْهُمْ وَلَا سَتْرُ
إلى أن تخلّصنا إلى المقصود، بفيض واهب الوجود والجود بقولنا:
فَيَا بِأَبِي لُحْ لِلْبَرِيَّةِ أَو فَعَبْ *** فَلَيْسَ عَلَى عَلَيَاكَ مِنْ غَيْبَةٍ ضُرُّ
فشمْسُ الضَّحَى والبَدْرُ نُورَاهُمَا هُما *** وَإِنْ غَرَبَتْ أَو غُيِّبَ الشَّمْسُ وَالبَدْرُ
وَلَا نُكْرَ إِنْ لَاحَتْ وَلَمْ يَرَ ضَوْءَهَا *** أَخُو نَظَرِ لَكِنْ عَلَى عَيْنِهِ النُّكْرُ
وَلَا بَأْسَ ممَّنْ جَاءَ يَسْأَلُ قَائِلاً *** (أَيَا عُلَمَاءَ العَصْرِ يَا مَنْ لَهُمْ خُبْرُ)
والحاصل أنه دام علاه بتوفيق الله وتسديد الحجة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) أقام على المعاندين أوضح برهان وأصح حجّة ومن أراد أن يحصل له الإيمان والاعتقاد الراسخ في هذا الباب، بحيث لا يبقى له في هذا الأمر شك ولا ارتياب، فليكثر من مراجعة هذا الكتاب، فإن فيه الغاية والكفاية لذوي الألباب، وهذا من حسن باطن مؤلفه الذي هو مع ما عرفت في العلم من أمره أعبد وأتقى أهل دهره).
د - وقال (رحمه الله ) أيضاً في كتابه عقود حياتي (مخطوط) ص 9 - 11، ما نصه... ولما وردت إلى النجف قصيدة شكري أفندي الآلوسي التي يعترض فيها على غيبة الإمام المنتظر( سلام الله عليه وعلى أبائه) والتي يقول في أولها:
أيا عُلَمَاءَ العَصْرِ يَا مَنْ لَهُمْ خُبْرُ *** بكُلِّ دَقيق حَارَ مِنْ دُونه الفكر (1)
ص: 52
ثم يرجح القول الأول ويبدي الإشكالات على الثاني، وقد نهض للجواب عنها جماعة من شعراء أهل العلم والأدب في النجف بقصائد مطولة.
فعرضت القصيدة على أستاذنا النوري، فكتب رسالة بديعة أسماها: (كشف الأستار عن وجه غيبة الإمام الغائب عن الأنظار وذكر نصوص جماعة من كبراء علماء السنة صرّحوا بوجوده ، ودحض تلك الشبهة بأقوى حجة، فنظمت تلك الرسالة بقصيدة تناهز الثلاثمائة بيت في مطلعها براعة الاستهلال:
بنَفْسِي بَعيدَ الدَّارِ قَرَّبَهُ الفَكْرُ*** وأَدْنَاهُ مِنْ عُشاقه الشَّوْقِ والذِّكْرُ
وقد طبعت مع الرسالة غير مرة).
ه – وقال (رحمه الله ) في نظمه لكتاب كشف الأستار ، ما نصه: (... أنه وردت إلينا في هذه الأيام قصيدة من بعض جماعة دار السلام، ولكنها يتيمة وإن كانت في سوق الشعراء مالها قيمة، يسأل فيها عن أمور الحجة المنتظر والإمام الثاني عشر، و تصدّى شعراء العصر للجواب عنها، ولكنهم لم يبلغوا حقيقته وإن أجادوا، وما أصابوا الغرض وإن أحسنوا بما جاؤوا به وأفادوا.
فقلت في نفسي أعط القوس باريها، فلا يخطي مراميها، فعرضتها على علامة الفقهاء والمحدثين، جامع أخبار الأئمة الطاهرين، حائز علوم الأولين والآخرين، حجة الله على اليقين من عقمت النساء عن أن تلد مثله، وتقاعست أساطين الفضلاء فلا يداني أحد فضله ونبله، التقي الأواه المعجب ملائكة السماء بتقواه، من لو تجلى الله لخلقه لقال هذا ،نوري، مولانا ثقة الإسلام الحاج ميرزا حسين النوري (أدام الله تعالى وجوده الشريف وحفظ سورة بقائه المبارك من التنقيص والتحريف. )
ص: 53
فكتب أيده الله تعالى رسالة أبهرت العقول والألباب ولم يأت أحد بمثلها في هذا الباب، وحيث إن السؤال كان نظماً أحببت أن يكون الجواب طبق السؤال فنظمتها على الوزن والقافية على تشتت البال وجعلتها خدمة لإمامنا الحجة ولنوابه الأعلام...)
وقد انبرى لها أعلامنا الأعلام - أنار الله برهانهم - بأقلامهم، فكتبوا في ردّها نظماً ونثراً، فارتأينا ذكرهم تباعاً وبحسب التسلسل الألفبائي، فممن ردها - وبحسب استقصائنا :
أ - الشيخ محمد باقر الهمداني البهاري (رحمه الله ) (ت ق 14): له رد عليها ورد بعنوان الرد على القصيدة البغدادية. (1)
ب - العلامة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله ) (ت 1373 ه): له ردّ عليها ورد بعنوان الرد على القصيدة البغدادية (2) وهو نظم لكتاب كشف الأستار، وتتكون قصيدته من ( 240) بيتاً، ونسخة الأصل موجودة في مكتبة الإمام
ص: 54
الحكيم، وطبعت القصيدة في ملحق (كشف الأستار) بطبعاته المتعددة، وفي كتاب (تنبيه الغافلات) (1)، وفي كتاب (إلزام الناصب)، وفي (الإمام المهدیّ (علیه السلام ) نور في الأدب العربي)، وقد شرح هذه القصيدة شرحاً وافياً السيد محمد صادق بحر العلوم العلوم (ت1399ه) أسماه (الصولة العلوية على القصيدة البغدادية). (2)
ج -العلامة الشيخ محمد جواد ابن الشيخ حسن بن طالب البلاغي (ت 1352ه) : له رد عليها ورد بعنوان الرد على القصيدة البغدادية، وتتكون قصيدته من (110) أبيات، وطبعت في سنة (1343ه) مع بعض قصائده ملحقة بكتابه العقود المفصلة في سنة (1343ه) ، وفي شعراء الغري: 443/2، وفي ملحق كشف الأستار الطبعة الثانية، وفي موسوعة الشيخ البلاغي: 90/8 – 100 (3)
د - الشيخ رشيد بن قاسم أقعون الزبديني (4) العاملي المتوفى بالنجف سنة (1317ه)، له رد عليها ورد بعنوان الرد على القصيدة البغدادية. (5)
ص: 55
ه - السيد رضا ابن السيد محمد الموسوي الهندي (ت 1362 ه): له ردُّ عليها ورد بعنوان: (القصيدة الصاحبية) (1) كما سمّي باسم: (الرد على القصيدة البغدادية) (2) وتتكون قصيدته من (107) أبيات، وهي مطبوعة مكرراً مع الكوثرية في النجف سنة (1349ه)، وفي ديوانه، وفي كتاب (السر المكنون في لمن وقت للغائب المصون للسيد البراقي (رحمه الله ) بزيادة بيت واحد، وأورد البراقي (رحمه الله ) للقصيدة صدراً لم يرد في المطبوع من ديوانه؛ فلذا أحببت إيراده هنا ليستدرك به على الديوان ونص ما ذكره.... فكان ممن أجابه - ونختصر عليه العالم الأديب السيد رضا ابن السيد محمد الهندي.....قال السيد مجيب-اً بسم تعالى الحمد لله الذي غاب عن ظلم الوهم في حجب الأنوار، فشهدته العقول بما له من الآثار، وصلى الله على رسوله ونبيه وأمين وحيه وصفيه محمد سيد البشر و آله الميامين الغرر، وخلفائه الاثني عشر المختومين بسميه المنتظر عجل الله فرجه وسهل مخرجه وجعلنا من أنصاره المقتبسين من أشعة أنواره، وخلّد الله دولة أمير المؤمنين الواجب الطاعة على المسلمين، وسيف الله المنتقم من أعدائه الكافرين السلطان ابن السلطان والخاقان ابن الخاقان الغازي عبد الحميد خان لازالت قلوب أعدائه كراياته خافقة، وما برحت ألسنة الدهر بحمده ناطقة، هذا وبعد فقد وردت إلينا قصيدة غريبة ماهي من الدهر بأول عجيبة، تعرب عن براعة ،ناظمها، وسعة ،باعه وكثرة وقوفه على التواريخ، واطلاعه وتبحره في العلوم وإمتاعه، حيث أبتدأها ب (أيا علماء العصر...)، فتحامى عن جوابها علماء العصر،
ص: 56
ووكلوا أمرها إلى أدباء المصر؛ لأن جواب مثلها لا يليق بالعلماء الجهابذة، بل يكفيهم إياه أقل التلامذة فأجابوا وأجبت وانتدبوا وانتدبت، وأنا أقل الصناعة بضاعة، وأعياهم في حلبة اليراعة براعة، فقلت:
يُمَتِّلُكَ الشَّوْق المبرِّحُ وَالفَكْرُ*** فَلَا حُجُب تَخْفَيْكَ عَنِّي وَلَا سُرُ
إلخ ). (1)
و - الشيخ عبد الهادي ابن الحاج جواد البغدادي المعروف بالهمداني من بيت شليلة في بغداد (ت 1333 ) : له ردُّ عليها ورد بعنوان الرد على القصيدة البغدادية. (2)
ز - العلامة السيد علي بن محمود الأمين الحسيني الشقرائي العاملي ( 1276- 1328ه): له ردُّ عليها ورد بعنوان الرد على القصيدة البغدادية، أرجوزة مرتبة على مقدمتين وسبعة فصول وخاتمة، أولها: يقول راجي عفو ربه الحفي * سلالة الأمين عبده العلي... إلى تمام مائة وتسعة عشر بيتاً. (3)
ح- العلامة السيد محسن ابن السيد عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي نزيل دمشق (ت 1371ه) : له ردُّ عليها ورد بعنوان الرد على القصيدة البغدادية، نظمه
ص: 57
یوم كان في النجف الأشرف، وهي تتكون من (311) بيتاً، وطبعت القصيدة في يوم کتابه الرحيق المختوم في المنثور والمنظوم) ص 276 - 296، وفي ملحق (كشف الأستار ) الطبعة الثانية، كما طبعت مع شرحها الذي أسماه (البرهان على وجود صاحب الزمان (علیه السلام) في صيدا سنة (1333) في (108 ص )، وقد فرغ من شرحها سنة (1328ه)، وأعيد طبعه بالأوفست سنة (1399ه) باهتمام مكتبة نينوى الحديثة، كما طبع في مطبعة العرفان في صيدا مرة أخرى سنة (1346ه (1) ، وطبع أخيراً سنة (1429ه) محققاً في مركز الدراسات التخصصية الإمام المهدي (علیه السلام)في النجف الأشرف في (180ص).
هذا وقد ذكر الشيخ لطف الله الصافي (ده) في كتابه (مجموعة الرسائل) ج 2 ص 214: (أن للشيخ جعفر النقدي نظماً في ردّ هذه القصيدة، ولم أر من ذكر هذا غيره).
وأمّا من ردّها نثراً، فهو
العلامة الشيخ حسين بن محمد تقي النوري (ت 1320ه) بالكتاب الذي بين يديك والمسمّى ب(كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار). (2)
هذا وقد ذكر الشيخ أغا بزرك الطهراني (رحمه الله ) ( ت 1389ه) في كتابه (الذريعة) ج 14 ص 248 رقم 2421، ما نصه :( الشهاب الثاقب في الرد على ما لفقه العاقب
ص: 58
(شكري أفندي البغدادي ) للسيد العلامة السيد محمد باقر - الملقب بالحجة - ابن الميرزا أبي القاسم ابن السيد حسين ابن العلامة السيد محمد المجاهد ابن صاحب الرياض الطباطبائي الحائري المتوفّى في الحادي عشر من رجب سنة (1331ه)، وهي أرجوزة لطيفة في الإمامة أولها:
قال الشريف الفاطمي أحمد*** أبدأ بسم الله ثم أحمد
جعلها الناظم باسم غيره لبعض المصالح، تقرب من خمسمائة بيت، وقد طبعت مع الهائية الأزرية عام (1318ه)، وعليها تقريظات نثراً ونظماً، وتشطيرها أيضاً يُسمّى بالشهاب الثاقب)، انتهى كلامه، ولم يخصص الشيخ الطهراني (رحمه الله ) الرد بأنه على القصيدة هذه أو على غيرها. علماً أني لم أقف على كتاب الشهاب الثاقب.
وقد ذكر أيضاً الشيخ جعفر محبوبه (رحمه الله ) في كتابه (ماضي النجف وحاضرها) ج 3 ص :223 أن للشيخ هاشم بن حسن بن ناصر العاملي الكاظمي رسالة ردّ بها على محمود شكري الآلوسي، ولم يخصص الشيخ محبوبه (رحمه الله ) أيضاً الرد بأنه على القصيدة هذه أو على غيرها.
وقد ذكر أيضاً الشيخ محمد علي الأوردبادي (رحمه الله ) في (مجاميعه الرجالية الحدائق ذات الأكمام ) أن للسيد هاشم ابن السيد محمد القزويني الحائري (1327ه) رداً على ابن الآلوسي في ( 8000) بيت، ولم يخصص الشيخ الأوردبادي (رحمه الله ) أيضاً الردّ بأنه على القصيدة هذه أو على غيرها.
ص: 59
ص: 60
ولأنا قدمنا شيئاً من ترجمته (رحمه الله ) - فيما ذكره السيد الميلاني (دامت توفيقاته) - ولأن المؤلف (رحمه الله ) علم من علمائنا الأعلام لا تحوم حوله الأقلام، (1) ارتأينا أن نذكر مالم ينشر من ترجمته بحسب ما عثرنا عليه من مخطوطات نادرة تفضل بها علينا مالكوها، وهما كل من العلّامة السيد مهدي الشيرازي - حفظه الله _فيما نقلناه من كتب جده لأمه الشيخ محمد علي الأوردبادي (رحمه الله ) ، والأخ العزيز الشيخ أمير نجل الشيخ شریف آل كاشف الغطاء - حفظه الله - فيما نقلناه من كتب جده الشيخ محمد الحسين ووالده الشيخ علي آل كاشف الغطاء (رحمهما الله)، فنذكر أولاً ما وجدناه من أقوال العلماء في حقه له فيها، وثانياً: ما زاغت عنه
ص: 61
الأبصار من ترجمته في المطبوعات، جمعناها بالجهد الجهيد، ثم نذكر مصادر ترجمته، فإليك ما ذكرناه:
أولاً - ما وجدناه من أقوال العلماء في حقه (رحمه الله ) من المخطوطات (1)
أ- قال الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا آل كاشف الغطاء (ت 1350ه) في كتابه (نهج الصواب في الكاتب والكتابة والكتاب) - مخطوط -، في حديثه عن سبب تأليفه ما نصه: (وحرك عزمي الواني المتهالك ما رأيته من
فهرس خزانة خاتمة المحدثين المرحوم الحاج ميرزا حسين النوري طاب ثراه فإنه قد تصدى لذلك وكتب مختصراً غير واف في سلوك هذه الشعوب والمسالك ، فأردت أن تكون رسالتي وافية بفضيلة التمام في هذا المقام بالغة أقصى الغرض والمرام...) (2)
ب وقال أيضاً في كتابه (نهج الصواب في الكاتب والكتابة والكتاب)، في فصل ذكر المكتبات في النجف الأشرف ما نصه: (.. ومنها كتابخانه المرحوم خاتمة المحدثين الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي صاحب المستدرك على الوسائل طاب ثراه، فإنها احتوت على عدة تتجاوز الألف، جيدة الخط عليها خط مؤلّفيها، قد جمعها من بلاد شتى وكان مولعاً بجمعها واقتنائها، وله حكايات غريبة في تحصيلها منها : أنه رأى يوماً كتاباً بيد امرأة في سوق حرج كربلاء، وكان طالباً للكتاب، فساومها عليه، فلما تراضيا بالقيمة لم يكن عنده
ص: 62
الثمن المطلوب وخشي إن مضى إلى الدار ليأتي لها بالثمن يحصل من يشتريها بالثمن المضاعف، فنزع قباه وكان مثمناً، فأعطاه إلى الدلال، فباعه في السوق بقيمة بخسة ودفعها إلى الامرأة وأخذ الكتاب، فاجتمع عنده الكثير الجيد العديم النسخة عند غيره، إلى أن توفي ولم يكن من ورثته من لها أهلاً، فباع ولده الميرزا محمد الأغلب منها من سهمه ومن سهام باقي الورثة على ابن أخته العالم الفاضل الأغا ضياء ابن الشيخ فضل الله النوري وكالة عن أبيه، لينقلها إلى طهران، ولما رجع إلى مسقط رأسه] طهران عاصمة إيران باع الكثير منها بالمزاد، و حمله صفقة على أهل [...] (1)، وحمل القليل منها إلى طهران وهي لم تزل في النجف، وحصة ابنة واحدة أخذها عيناً بزوجها جناب الميرزا محمد ابن الحاج هادي الإصفهاني الساكن في برنكون من بلاد ماجين، وهي عنده أيضاً في النجف، وبالجملة قد تفرقت بين الورثة وغيرهم (2)
ج - وقال أيضاً في كتابه (نهج الصواب)، في فصل ذكر جماعي الكتب ما نصه:... منهم خاتمة المحدثين المرحوم الحاج الميرزا حسين النوري، فإنه كان (رحمه الله ) من الشوق والتوق للكتب بحد لا يوصف، وكان همه وفكره مشغولاً في تحصيلها بالجلب والاستكتاب، والشراء بما بلغت من القيمة، وقدجمع عنده من الأصول الأربعمائة التي عليها معوّل الشيعة، واحتوت مكتبته على كثير من الكتب القديمة النفيسة، وكان يقدم اقتناءها على سائر لذاته، ومن جملة ما يُحكى عنه، أنه مرّ ذات يوم بسوق الحرج في كربلاء مستطرقاً، فوجد امرأة بيدها كتاب قد
ص: 63
جلبته للبيع ، فتناوله منها ليراه ماهو، فوجده ضالته التي مذ سنين هو في طلبها، فساومها على بيعه، فاتفقا على ثمن معين ولم يكن ذلك الثمن معه، فاستدعى منها الذهاب معه إلى الدار ليسلمها الثمن، فامتنعت وخشي أنه إذا ذهب ليأتي لها بالثمن يحصل من يشتريه منها فنزع قباءه الذي عليه وأعطاه إلى الدلال وكان مثمناً، فباعه بأبخس ثمن ودفع الدراهم لها ومضى إلى الدار وعليه ثوبه فقط إلى أن صارت مكتبته منفردة بين أمثالها كماً وكيفاً، ولكن الأسف كل الأسف الكتب التي جمعت بهذه المشقة والأذية صارت بعد موته بعضها طعمة للنصارى، وبعضها طعمة للنار سوى القليل منها في مكتبتنا لأسباب يطول شرحها. (1)
د- وقال أيضاً في كتابه الحصون المنيعة - مخطوط -، ما نصه: (الحاج حسین ابن الملا محمد تقي النوري الطبرسي ثم النجفي، نزيل النجف، ولد في 8 شوال سنة (1254) في بالو (2) إحدى قرى نور - وهي كورة من أعمال طبرستان - وتوفي والده وهو ابن ثماني سنين فلم يتعهد تربيته أحد إلى أن راهق، فاتفقت له ملازمة الفقيه الزاهد الملا محمد علي بن زين العابدين بن موسى الرضا المحلاتي، وهاجر معه من طهران إلى العراق سنة (1273ه)، فعاد أستاذه المرقوم إلى العجم وأقام هو في النجف أربع سنين.
ثم عاد إلى العجم، ثم كرّ راجعاً إلى العراق سنة (1278) ولازم المرحوم الشيخ عبد الحسين الطهراني، وهو أول من أجاز له في كربلاء، وقد حضر عليه
ص: 64
فيها وفي الكاظمية، ثم قصد الحجاز حاجاً سنة ( 1280 )، ثم عاد إلى النجف فحضر على العلامة الأنصاري أشهراً قلائل إلى أن توفي سنة (1281)، ثم سافر إلى العجم سنة (1282 ) (1)، وعاد إلى العراق سنة (1286) وفي هذه السنة توفي أستاذه الشيخ عبد الحسين الطهراني، ورُزق هو الحج مرة ثانية، وعاد إلى النجف وأقام فيها سنين إلى أن هاجر إلى سامراء لما هاجر إليها العلّامة الشيرازي أستاذه الكبير المتأخر.
وبقي فيها سنين وحج منها أيضاً، ثم عاد إليها وسافر إلى العجم سنة (1297)، ورجع فيها حاجاً سنة (1299) وهي آخر حجة له، عاد فيها إلى سر من رأى وأقام فيها إلى سنة (1314) بعد وفاة الشيرازي بسنتين فهاجر للنجف بعد ذلك قاصداً التوطن فيه [فيها - ظ -]، وقد أربى على الستين، ومع ما اتفق له من كثرة التجوال في البلاد، فإنه ألف كتباً كثيرة لعظم همته، وانفرد في عصره بالحديث، والرجال، والرواية، وعلم الآثار، فهو خاتمة المحدثين والمباحثين، وعلماء النظر والنقد في علماء الشيعة، معروف بالضبط، والاتقان والتحقيق خاصة في الرجال، وتحصيل الكتب مولعاً بها جماعاً لمحاسنها، جمع الجيد منها من كل فج عميق ولم يعتن ويقتن في أسفاره كلّها شيئاً من متاع الدنيا سوى الكتب، وكانت له خزانة كتب منحصرة في زمانه بالكثرة، والجودة، والعتق، (2) واتفق فيها من النفائس مالم يوجد في خزانة من قبله في سائر الأقطار كلها اجتمعت بهمته العالية، ولكن الأسف كلّ الأسف بعد موته صارت أدراج الرياح بين حرق،
ص: 65
وسرقة، وبيع على النصارى؛ من عدم أهلية الوارث في حفظها وضبطها وحصلت جملة منها في مكتبتنا.
وله من المؤلفات مواقع النجوم وهي إجازاته ودار السلام في الرؤيا والمنام طبع في طهران، عالم العبر (1) في الاستدراك على جلد البحار السابع عشر، رسالة الفيض القدسي في أحوال المجلسي، الصحيفة العلوية الثانية، الصحيفة السجادية الرابعة، النجم الثاقب في الإمام الغائب، كلمة طيبة فارسية طبعت في الهند، البدر المشعشع في ذرية موسى المبرقع، مستدرك البحار لم يتم حواشي رجال أبي علي، مستدرك الوسائل 3 مجلدات طبعت في طهران وهو أعظم كتبه وأفيدها، وفي المجلد الثالث منه أبحاث جليلة في الكتب والرجال تعرب عن علو كعبه في النقد وعلم الآثار، وله غير ذلك من المؤلّفات، وكانت وفاته في النجف سنة (1320ه) ودُفن في الإيوان الثالث من الصحن الشريف على يسار(2) الداخل من باب القبلة، وخلّف من الذكور ابنه الميرزا محمد وثلاث بنات). (3)
ه - وقال أيضاً فى كتابه الحصون المنيعة ما نصه: (أبو محمد الحسين بن محمد تقي النوري المازندراني ،الطبرسي، صاحب مستدرك الوسائل ثلاثة
ص: 66
مجلدات كبار فرغ من تأليفه في النجف سنة (1291ه) وتوفي في النجف ثامن وعشرين شعبان سنة 1320ه، وكان مجازاً في الحديث من عدة علماء، فهو من مشايخ الحديث) (1)
و - قال الشيخ محمد بن رجب علي بن الحسن الطهراني العسكري (رحمه الله ) (ت (1371) فيما كتبه ضمن إجازته للشيخ محمد علي الأوردبادي، (رحمه الله ) ما نصه: (ومنهم الإمام الهمام، علّامة علماء الإسلام وحيد دهره ومجلسي عصره، خريت صناعة الفقه والحديث والتفسير ، أفضل أهل عصره في العلوم الحديثية، المتضلع فيها، صاحب التصانيف الفائقة التي منها كتاب (مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل)، وقد أتعب نفسه وأسهر ليله وأباد نهاره في تصانيفه، واستدراك ما فات عن صاحب الوسائل وسقط عن قلمه الشريف في مدة عشرين سنة، وكنت ربّما أعينه فيه، وكان تمامه بتمام عمره وبمجرد أن خرج عن قلمه وفرغ من تأليفه طار صيته في الأقطار واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار، أكب على مطالعته والاستفادة والاستنباط منه عامة العلماء الأبرار حتى إن فخر المحققين، مدرّس الإسلام، المولى محمد كاظم الغروي الهراتي الخراساني صاحب (كفاية الأصول)، وشيخنا خاتمة المحققين والمجتهدين الأميرزا محمد تقي الحائري العسكري الشيرازي كانا لا يجوزان الاستنباط والفتوى بدون مراجعته.
حضرت عليه في الدراية والرجال وشيئاً صالحاً من كتاب الوسائل، لإعمال قواعدهما فيه، ولازمته سنين متطاولة سفراً وحضراً، وما اجتمعت معه ولا
ص: 67
حضرت معه إلا واستفدت منه علماً جديداً.
وكان له (قُدِّسَ سِرُّهُ) ثبت اهتمام عظيم في قضاء حوائج المؤمنين سيما [ولا سيما - ظ] المحصلين، وقد أحسّ منّي ذات يوم توانياً في قضاء بعض ما أمرني به من قضاء بعض حوائجه، فلم يعجبه ذلك مني، وقال: ليس( في المستحبات الشرعية أفضل من زيارة الحسين (علیه السلام) وقضاء حاجة المؤمن أفضل منه )، ورأيت بعد ذلك خبراً بهذا المضمون.
وقال: (ربما تقضي حاجة مؤمن فترى في تلك الليلة حين تطالع [أنك] (1) تفهم أحسن من غيرها من الليالي).
وكان يعجبه مني أنه يراني لا أعاشر أحداً غير أمثاله، وأنشدني ذات يوم هذا البيت:
فعش فَرْداً وطب نفساً*** وكُن طَراً سَاوياً
و كان (قُدِّسَ سِرُّهُ) ثنت دائم الطهور حتّى إنا زرنا معه أبا جعفر محمد بن علي الهادي المشهور بالسيد محمد (علیه السلام)، وكانت الأرض ذات سدر كثير، فأدميت أرجلنا لما كان يعلق بها منها، ولما نزلنا وكان الماء قليلاً عندنا وأراد أن يتوضئ [ يتوضأ -]
ظ ] فجعل يبل الحصى بريقه ويزيل الدماء عن رجليه، ثم طهرهما وتوضئ [ توضأ - ظ -] ولم يبق على غير وضوء.
وكان متهجداً وله ضجيج بالأسحار ، وكأني الآن أسمع ضجيجه وهو يدعو بدعاء أبي حمزة الثمالي في السرداب المقدس في ليالي شهر رمضان، وكان
ص: 68
ضنيناً بعمره، لا يصرف دقيقة منه إلا فيما ينفعه في آخرته، وكان ساعياً في الخير، كنت تراه في السعي فيها كالفارس المستعجل؛ فيا أسفاً على مفارقة أولئك الأعلام الذين كأني كنت بمصاحبتهم ولذيذ مؤانستهم في جنات ذات أشجار تجري من تحتها الأنهار، أقتطف من أغصان كرم أخلاقهم أطيب الثمار، أستضيء بأنوار علومهم، وأستفيد من حسن أخلاقهم، وأتأدب بحسن آدابهم، كما قال القائل: "الطبع مكتسب من كل مصحوب".
فإنهم كانوا علماء أبراراً، أتقياء، مجاهدين، مرتاضين، يذكر [ تذكر -ظ] الله رؤيتهم ويرغب في الآخرة ويزهد في الدنيا عملهم، ويزيد في علم المستمع إليهم منطقهم.
فكأن قرنهم أشبه شيء بأول قرن من الإسلام، فإنه قد اجتمع في الناحية المقدسة - للاستفادة من سيدنا الأستاد الأعظم المجدد - من أهل كل فن من الفنون الإسلامية أكملهم، ومن أهل كل علم من العلوم الدينية أفضلهم، إذا احتاج أحدنا إلى ما يتعلق بالتفسير أو المعارف ذهب إلى شيخنا العالم العامل والإنسان الكامل المولى فتح علي السلطان آبادي فإنه كان أكمل أهل عصره فيها، أو احتاج إلى ما يتعلق بالعلوم الحديثية وتمييز غثها من سمينها وصحيحها من سقيمها استفادها عن شيخنا الإمام العالم المحدث العلّامة الطبرسي صاحب المستدرك، أو أشكلت عليه معضلة من دقائق الفقه والأصول كشفها عند شيخنا الأعظم خاتمة المحققين الأميرزا محمد تقي المذكور، وكان سيدنا الأستاد الأعظم فوقهم كلهم وحاوياً لما عند جلّهم: (ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في (واحد). (1)
ص: 69
ز - قال الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله ) (ت 1373ه) في كتابه عقود حياتي - مخطوط - ما نصه: (....وكان قد انتقل من سامراء إلى النجف جملة من العلماء المشاركين الذين لهم تضلّع في غير الفقه والأصول من العلوم التي لم يكن لها رواج ذينك العلمين انتقل أولئك الأعلام بعد وفاة زعيمهم الحجة الكبرى ، وكانت أنفسهم تطمح إلى الاستقلال، وكان من جملتهم خاتمة المحدثين الحاج ميرزا حسين النوري صاحب مستدرك الوسائل، ودار السلام وغيرهما من الكتب الشهيرة، وكانت له اليد الطولى في فنون الحديث، وأسرار كلمات الأئمة (علیهم السلام)والمعارف الإلهية، فلازمته ملازمة ظلّه، وكنت مواظباً على الاقتداء به في المسجد في صلاة العشاءين وفي الحرم الحيدري بصلاة الفجر وحضرت قدراً من أحاديث أصول الكافي، وكان يرقى المنبر كل صباح جمعة ويبقى أكثر [...] (1)يملي على السامعين تفسير بعض الآيات، ويبقى عدة أسابيع بل أشهر في تفسيرها مثل: آيات وعباد الرحمن الذي يمشون على الأرض هونا... إلى آخر سورة الفرقان)، وكتبت جملة من تلك الإملاءات، وكانت في كل سنة له عادة في زيارة عرفة أن يزور من النجف إلى كربلاء راجلاً في أربعة أيام مع عدة من خواص أصحابه، فبقيت أزور معه راجلاً مدة حياتي إلى أن توفاه الله إليه في حدود الإحدى والعشرين بعد القرن الثالث عشر ولما وردت إلى النجف قصيدة شكري أفندي الآلوسي التي يعترض فيها على غيبة الإمام المنتظر (سلام الله عليه وعلى أبائه ) والتي يقول في أولها:
ص: 70
أيا عُلَمَاءَ العَصْرِ يَا مَنْ لَهُمْ خُبْرُ ***بكُلِّ دَقيق حَارَ مِنْ دُونه الفكرُ
لَقَدْ حَارَ مِنِّي الفكْرُ في الغائب الذي*** تحيَّر فيه الخَلْقُ والتَبَسَ الأَمْرُ
فَمِنْ قائِل في القِشْرِ لُب وُجُودُهُ*** ومن قائل قَدْ ذُبَ عَنْ لُبِّه القشر
ثم يرجح القول الأول، ويبدي الإشكالات على الثاني، وقد نهض للجواب عنها جماعة من شعراء أهل العلم والأدب في النجف بقصائد مطولة.
فعرضت القصيدة على أستاذنا النوري فكتب رسالة بديعة أسماها: (كشف الأستار عن وجه غيبة الإمام الغائب عن الأنظار) وذكر نصوص جماعة من كبراء علماء السنة صرّحوا بوجوده، ودحض تلك الشبهة بأقوى حجة، فنظمت جميع تلك الرسالة بقصيدة تناهز الثلاثمائة بيت في مطلعها براعة الاستهلال:
بنفْسِي بَعِيدَ الدَّارِ قَرَبَهُ الفَكْرُ ***وأَدْنَاهُ مِنْ عُشاقه الشَّوْق والذِّكْرُ
وقد طبعت مع الرسالة غير مرة). (1)
ح -وقال في كتابه العبقات العنبرية - الجزء المخطوط -، ما نصه: (حسين النوري، أدام الله تعالى وجوده الشريف ومتعنا بحياته، ونفعنا بعلومه القدسية، وقدسي إفاداته، فكم له أيده الله في الدين من يد بيضاء يجب على كل متدين شكرها، وكم له في الشريعة من خدمة غراء بها يعظم على جميع الشرائع فخرها، وكم من أحاديث مقطوعة الصدور استدركها على كل حرّ من المحدثين عظمت في الدين وسائله، وكم ألحق ببحار الأخبار جداول علوم وآثار لو لم
ص: 71
يلحقها به لم تعذب للواردين جداوله.
ومن أراد أن يرى خدماته الكريمة للدين، وإحياءه لما كاد أن يندرس وينمحي من كثير من أحاديث الأئمة الطاهرين، وزحمته في تحصيل عدة من أصول السلف الصالحين، التي لم يعثر عليها أعاظم المتقدمين من أهل الحديث والمتأخرين فلينظر إلى كتابه الذي أكمله في هذه الأيام وهو كتاب المستدرك الذي استدركه على وسائل الشيخ الحر العاملي رفع الله درجته وأجزل كرامته، وأورد فيه من الأحاديث المعتبرة قريباً مما في الوسائل، ورتبها على ذلك الترتيب.
ولكن ذكر في آخره اثنتي عشرة فائدة كل واحدة تصلح لأن تكون كتاباً برأسه، وأغلبها في تصحيح الكتب التي نقل عنها، وواحدة في ترجمة مشايخ إجازته من عصره إلى زمان الغيبة ومجموع الكتاب يبلغ مقدار الوسائل، وأظن أنه خاتمة كتب الأخبار، بحيث لم يبق لمن بعده مجال في هذا المضمار، وليعظمن نفعه على أهل العلم، ويكون منة على المجتهدين تفزع إليه في كل أمر مهم.
ومن أراد الاطلاع على سائر ملكاته القدسيّة وعظيم معارفه النفسية، فليراجع باقي مؤلفاته كدار السلام والكلمة الطيبة، فإن فيها من المعارف النبوية والحكم الإلهية كل بديعة كانت في ضمائر الغيب محتجبة، على أن ما أودع منها في كتبه غيض من فيض بالنسبة إلى مالم يبح به وربّما كان يسمح خاطره الشريف بشيء مما في خزانة علمه المصونة، ويلقي على المستمعين من السالكين من فوق منبره الذي يرقاه في داره صبح كل جمعة بعض المطالب التي هي بنفحات القدس ونشأة ماء الرضوان ،معجونة، كتفسير بعض الآيات الشريفة والكشف عن
ص: 72
أسرارها، أو شرح بعض الروايات وبيان بعض ماهو من وراء طور العقول من أطوارها، وطريقته أيده الله في منبره أن يتلو آية من الكتاب العزيز بعد الخطبة، ثم يشرع في ذكر المقام المتعلق بتلك الآية ويبقى في شرحه وشرح أسرار كلّ تلك الآية، وبيان ما يناسبها من حكاية أو رواية، وبيان الوجوه الباطنة،
والدقائق التي هي في البطون كامنة، ويبقى مدة أسابيع في ذلك، وأول رجوعه
من سامراء إلى النجف بعد وفاة إمام عصره السيد ميرزا حسن الشيرازي (قُدِّسَ سِرُّهُ) ورجوع أهل العلم إلى الغري شرع في تفسير قوله تعالى: (وَعَبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا )... (1)الآيات إلى آخر السورة المباركة وبقى فيما يتعلق بثلاث آيات من أولها مدة ثلاث سنين ثم شرع بآية أخرى وهي قوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُب وَالصَّاحِب بِالْجَنْبِ وَابْن السَّبيل )... (2) الآية، ثم ذكر أولاً فضل هذه الآية وعظمة شأنها لما فيها من بيان الحقوق التي يلزم على الإنسان مراعاتها بجميع أنواعها التي ذكرت في الآية، وهي ما كان بين الحق والخلق وما هو بين الخلق و الخلق، وهذا إما مع العالي، أو مع المساوي، أو مع الداني، ولكلّ واحد أحكام خاصة ومراتب عديدة، ثم ذكر كل واحد منها إجمالاً، وقال إن المقصود الآن بيان حق الجار على الجار، وهو على مراتب أدناها كف الأذى عنه، وأوسطها دفع الأذى عنه، وأقصاها تحمل
ص: 73
الأذى فيه، وذكر في كل واحد [ واحدة - ظ -]منها علوماً جمّة، ومطالب عديدة يتخلص فيها إلى بيان آداب مجاورة مشاهد الأئمة (علیهم السلام)وما يلزم على المجاور من استعمال الوظائف الروحانية والآداب الجسمانية، التي لا يحصل الغرض من المجاورة ، والمقصد المهم من التغرب والمهاجرة، إلا بالقيام بها والنهوض لأداء واجبها، فإن النتيجة عظمى والغاية قصوى وهي بلوغ المراتب العالية والاستمداد من روحانية تلك النفوس المقدّسة ،الزاكية، وقد وفقنا الله تعالى لكتابة عدة من مجالسه أيده الله في هذا المقام، ونقلنا كلامه الشريف الفارسي إلى أبلغ عبارة من العربية وأعذب كلام، وإذا يسر الله تعالى لنا رتبنا تلك المجالس التي استفدناها من شريف بيانه، وسمعناها من بارع إملائه المنيف الذي نفت به روح القدس على لسانه، وجعلناها إن شاء الله رسالة مستقلة في آداب المجاورة، وقد أكسير نظره الشريف على ما جمعنا من كلماته، فاستحسنها ووقع عليها بقلمه الشريف إصلاح بعض عثرات الفكر وهفواته.
ووردت في هذه الأيام إلى النجف أبيات شعر لبعض العامة من طلبة بغداد يذكر فيها أمر الحجة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) وبطلان ما تدعيه جماعتنا من غيبته لأمور تخيلها، وتخيلات وهم استعملها، وأول أبياته قوله:
أيا عُلَمَاءَ العَصْرِ يَا مَنْ لَهُمْ خُبْرُ *** بِكُلِّ دَقيق حَارَ مِنْ دُونه الفكر (1)
ثم أخذ في هذا وأمثاله وبعثها إلى أهل الكاظمين ، فأجابوا ولكن لا بما
ص: 74
يشفي الغليل أو يصيب الداء الدخيل، فبعثها بعض الفضلاء إلى النجف، التي هي قبة الكمال اليوم وتخت مملكة العلم والشرف، فتصدى للجواب فضلاؤها ممن جمع بين فضيلتي العلم والأدب، وأخذ من الكمالات بأوفى نصيب وأعظم سبب، فأجابوا وأطابوا ورموا الغرض فأصابوا، حتى بلغ مجموع ما قيل في النجف للجواب عنها ألفي بيت أو أكثر، فعلمت جزماً أن هناك أموراً لم تذكر، ومطالب في الرد عليهم هي أقصى عن أذهان سائر الفضلاء وباعهم عنها أقصر، وإن كان ما جاؤوا به كاف كافياً - ظ - في الجواب، غير مائل عن خطة الحق والصواب، ولكن قلت أعط القوس ،باريها، فلا يخطي مراميها، فعرضتها عليه دام ظله العالي، فكتب في الجواب عنها رسالة فائقة على كل ما كتب في أمر الغيبة إلى الآن، وسمّاها: (كشف الأستار عن وجه غيبة الإمام عن الأنظار)، وذكر في أولها أربعين رجلاً من أعاظم علمائهم قائلاً بمقالتنا وأنه (علیه السلام) مولود، وبين ظهراني الخلق موجود، ونقل كلماتهم الصريحة بذلك من الكتب التي أثبت من طرقهم وبشهادة علماء رجالهم أنها لهم، ثم أجاب عن كل شبهة أوردها ذلك الشاعر حلاً، ونقضاً، وحفظاً على قاعدة تطابق الجواب مع السؤال، نظمت تلك الرسالة على الوزن والقافية من أبياته وأدرجت فيها جميع ما في الرسالة، فبلغت الثلثمائة بيت، وجعلنا أكثرها في ظهر الكتاب المذكور كالتكملة له، وأول قصيدتنا:
بنَفْسِي بَعيدَ الدَّار قَرَبَهُ الفكر ***وأَدْنَاهُ مِنْ عُشاقه الشَّوْق والذِّكْرُ
تَسَتَّرَ لَكن قَدْ تَجَلَّى بِنُورِهِ ***فَلَا حُجُبٌ تُخْفِيهِ عَنْهُمْ وَلَا سِتْرُ
إلى أن تخلّصنا إلى المقصود بفيض واهب الوجود والجود بقولنا:
ص: 75
فَيًا بأبي لح للبَريَّة أَو فَعْبٌ *** فَلَيْسَ عَلَى عَلَيَاكَ من غَيْبَة صُرٌّ
فَشَمْسُ الضُّحَى والبَدْرُ نُورَاهُمَا *** هُما وَإِنْ غَرَبَتْ أَو غُيِّبَ الشَّمْسُ وَالبَدْرُ
وَلَا نُكْرَ إِنْ لَاحَتْ وَلَمْ يَرَ ضَوءهَا ***أَخُو نَظَر لَكنْ عَلَى عَينه النُّكْرُ
وَلَا بَأْسَ ممَّنْ جَاءَ يَسْأَلُ قَائلاً *** (أَيَا عُلَمَاءَ العَصْرِ يَا مَنْ لَهُمْ خُبْرُ
والحاصل أنه دام علاه بتوفيق الله وتسديد الحجة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)أقام على المعاندين أوضح برهان وأوضح حجة، ومن أراد أن يحصل له الإيمان والاعتقاد الراسخ في هذا الباب، بحيث لا يبقى له في هذا الأمر شك ولا ارتياب، فليكثر من مراجعة هذا الكتاب، فإن فيه الغاية والكفاية لذوي الألباب من حسن باطن مؤلّفه الذي هو مع عرفت في العلم من أمره أعبد وأتقى أهل ،دهره، ملازماً للأوراد والأذكار، مواظباً على إحياء أكثر ليله بمناجاة الملك الجبار، وعادته منذ أدركناه وقبل ذلك أن يقوم قبل الفجر بساعتين ويكون أول داخل في السحر إلى روضة الحرم المطهر، ويصف قدميه في العبادات والمناجاة حتى تطلع الشمس سفراً وحضراً، لا يمنعه عن ذلك برد ولا حر، ولا سحاب ولا مطر، ولا مرض ولا خطر مع كبر سنه وضعف بدنه، فإنه حتى اليوم قد تجاوز النيف والستين، وهو في كل سنة يزور على قدميه في عرفة سيد الشهداء بجماعة من مساكين الطلبة والفقراء، وكنا ممن وفقه الله للسعى بخدمتهم على الإقدام إلى ذلك الحرم الذي تسعى وتطوف الملائكة والأنبياء للتشرف باستلام كعبته، وأنى لها الاستلام ؟! فكنا نسير وذلك المولى أمامنا على قوتنا وضعفه، وحق للإمام أن يكون أماماً.
ص: 76
وإِذا حَلَّتِ الهداية قلباً ***نَشَطَتْ للعبادة الأعضاء
وأول ما نصل إلى المنزل يأخذ كل منا بالاضطجاع طلباً للاستراحة، ويفرك - وقد أخذه الإعياء - الرجل بالأخرى والراحة بالراحة، وأما هو فيشتغل بإسباغ الوضوء والطهارة، ويقوم على مصلاه مؤدياً أوراده وأذكاره، وفي هذا وأمثاله أفعاله وأقواله عبرة لمن اعتبر، وتبصرة لمن أراد أن يتبصر، وفقنا الله لذلك، وأخذ بنا إليه بأوضح الطرق وأقرب المسالك، وأبقاه الله لنا ظلاً في الإرشاد ظليلاً، ومنحه صحة الجسم وعمراً طويلاً...) (1)
ط- وقال الشيخ محمد علي الأوردبادي (رحمه الله ) (ت 1380ه)، في ترجمته بعد تعداد مؤلّفاته، ومشايخه، وأسفاره وعن حياته، ما نصه: (وكانت له عند الإمام المجدد مكانة راسية، كما كانت لأخص بطانته الذين كان يلقي إليهم أسراره ويستشيرهم في مهامه. وكذلك له عند العلماء جميعاً مرتبة سامية، وله في التقى مقامات منيعة، وفي نشر آثار أهل البيت أياد واجبة. وقد شكر المجتمع الديني كل يد أسداها إليه.
وما أنا ورعرعة لا تقيل العثرات في مثل تأليف فصل الخطاب)، وهي لا تزال مرتبكة فيها، والمعصوم من عصمه الله، والرجل من عمد الدين والمذهب، وفي الصدور من علمائنا العاملين (قُدِّسَ سِرُّهُ). (2)
ص: 77
فقد تحدث البعض عن مجلسه، وهيبته فيه وكيف يختلف الناس إلى مجلسه في يوم الجمعة زرافات زرافات. (1) فإليك ما قاله ثلاثة من أساطين العلماء عن مجلسه، ودقة ما يذكره الشيخ النوري فيه ، فلعل البعض يأخذ العبرة بذكري لقولهم، رحمهم الله، وهم:
أ- السيد محسن الأمين العاملي (رحمه الله ) (1371ه): إذ قال في أعيانه مانصه: ( ت 1371ه) (وكان يقرأ بنفسه في مجالس الذكرى التي يقيمها في داره لوفيات أهل البيت، وحضرت يوماً في بعض تلك المجالس، فسمعته يقول: إن الكلام المنسوب إلى الأصبغ بن نباتة أنه خاطب به أمير المؤمنين (علیه السلام) – لما ضربه ابن ملجم الذي فيه إن البرد لا يزلزل الجبل الأشم، ولفحة الهجير لا تجفّف البحر الخضم والليث يضرى إذا خُدش والصلّ يقوى إذا ارتعش لا أصل له، ولم يُرو في كتاب. وتذكرت ما سمعته من بعض علماء جبل عامل الذين درسوا في العراق (2)، وسمعوا هذا الكلام من أفواه الخطباء ، فظنّوه حقاً لما فيه من التزويق
ص: 78
والتسجيع الفارع، ولم يعلموا أنه موضوع؛ لبعدهم عن الاطلاع على التاريخ والآثار، وتقصيرهم في ذلك، فكان يعجب بهذا الكلام، ويكرر تلاوته. ثمّ إنّي حينما ألفت في سيرة أمير المؤمنين علي ا ل لا لافتا تو اس فلم أجد له أثراً ) (1)
ب - الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ه ت 1373ه): إذ قال (رحمه الله ) في كتابه المخطوط (عقود حياتي) واصفاً المجالس البهية لأستاذه الميرزا الشيخ النوري (رحمه الله ) ، ما نصه: (... وكان يرقى المنبر كل صباح جمعة ويبقى أكثر [....] (2) يملي على السامعين تفسير بعض الآيات، ويبقى عدة أسابيع، بل أشهر في تفسيرها، مثل آيات (وَعَبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا.. ) (3)إلى آخر سورة الفرقان، وكتبتُ جملةً من تلك الإملاءات.....) (4)
وأضاف الشيخ كاشف الغطاء (رحمه الله ) أيضاً في كتابه (العبقات العنبرية – الجزء المخطوط -) ما نصه:
(ويلقي على المستمعين من السالكين من فوق منبره الذي يرقاه في داره صبح
ص: 79
كل جمعة بعض المطالب التي هي بنفحات القدس ونشأة ماء الرضوان معجونة، كتفسير بعض الآيات الشريفة والكشف عن أسرارها ، أو شرح بعض الروايات وبيان بعض ما هو من وراء طور العقول من أطوارها، وطريقته أيده الله في منبره أن يتلو آية من الكتاب العزيز بعد الخطبة، ثمّ يشرع في ذكر المقام المتعلق بتلك الآية ويبقى في شرحه وشرح أسرار كل كلمة من تلك الآية، وبيان ما يناسبها من حكاية أو رواية وبيان الوجوه الباطنة، والدقائق التي هي في البطون كامنة، ويبقى مدة أسابيع في ذلك، وأول رجوعه من سامراء إلى النجف بعد وفاة إمام عصره السيد ميرزا حسن الشيرازي (قُدِّسَ سِرُّهُ) و رجوع أهل العلم إلى الغري شرع في تفسير قوله تعالى: (وَعَبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا... )... (1) الآيات إلى آخر السورة المباركة، وبقى فيما يتعلق بثلاث آيات من أولها مدة ثلاث سنين، ثم شرع بآية أخرى وهي قوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحب بالجنب وابن السبيل.... الآية ) (2) ثمّ ذكر أولاً فضل هذه الآية، وعظمة شأنها؛ لما فيها من بيان الحقوق التي يلزم على الإنسان مراعاتها بجميع أنواعها التي ذكرت في الآية، وهي ما كان بين الحق والخلق، وما هو بين الخلق والخلق، وهذا إما مع العالي، أو مع المساوي، أو مع الداني، ولكل واحد أحكام خاصة ومراتب عديدة، ثم ذكر كل واحد منها إجمالاً، وقال: إن المقصود الآن بيان حق الجار على الجار وهو على مراتب
ص: 80
أدناها كف الأذى عنه، وأوسطها دفع الأذى عنه، وأقصاها تحمل الأذى فيه، وذكر في كل واحد منها علوماً جمّة، ومطالب عديدة يتخلص فيها إلى بيان آداب مجاورة مشاهد الأئمة (علیهم السلام) وما يلزم على المجاور من استعمال الوظائف الروحانية والآداب الجسمانية التي لا يحصل الغرض من المجاورة، والمقصد المهم من التغرب والمهاجرة، إلا بالقيام بها والنهوض لأداء واجبها، فإن النتيجة عظمى والغاية قصوى، وهي بلوغ المراتب العالية والاستمداد من روحانية تلك النفوس المقدسة الزاكية، وقد وفقنا الله تعالى لكتابة عدة من مجالسه أيده الله في هذا المقام، ونقلنا كلامه الشريف الفارسي إلى أبلغ عبارة من العربية وأعذب كلام، وإذا يسر الله تعالى لنا رتبنا تلك المجالس التي استفدناها من شريف بيانه، وسمعناها من بارع إملائه المنيف الذي نفث به روح القدس على لسانه، وجعلناها إن شاء الله رسالة مستقلة في آداب المجاورة، وقد وقع إكسير نظره الشريف على ما جمعنا من كلماته، فاستحسنها ووقع عليها بقلمه الشريف إصلاح بعض عثرات الفكر وهفواته). (1)
ج - الشيخ آقا بزرك الطهراني (رحمه الله ) (ت 1389ه) : إذ وصف مجلسه بما نصه: (أما في يوم الجمعة فكان يغير منهجه، ويشتغل بعد الرجوع من الحرم الشريف بمطالعة بعض كتب الذكر والمصيبة؛ لترتيب ما يقرؤه على المنبر بداره، ويخرج من مكتبته بعد الشمس بساعة إلى مجلسه العام، فيجلس ويحيي الحاضرين ويؤدي التعارفات، ثم يرقى المنبر فيقرأ ما رآه في الكتب بذلك اليوم. ومع ذلك
ص: 81
يحتاط في النقل بما لم يكن صريحاً في الأخبار الجزمية. وكان إذا قرأ المصيبة، تنحدر دموعه على شيبته) (1)
وتتجلى لك بالنصوص الآتية:
أ- تعميره قبر السيّد محمد ابن الإمام الهادي (علیه السلام) في بلدة الدجيل:
قال السيد محسن الأمين العاملي في كتابه أعيان الشيعة ج 10 ص 5، ما نصه: السيد أبو جعفر محمد ابن الإمام علي أبي الحسن الهادي. توفي في حدود سنة (252) ه). جليل القدر، عظيم الشأن، كانت الشيعة تظن أنه الإمام بعد أبيه (علیه السلام) ، فلما توفي نص أبوه على أخيه أبي محمد الحسن الزكي (علیه السلام)، وكان أبوه خلفه بالمدينة طفلاً لما أتي به إلى العراق، ثم قدم عليه في سامراء، ثم أراد الرجوع إلى الحجاز ، فلما بلغ القرية التي يقال لها: (بلد) على تسعة فراسخ من سامرا مرض وتوفي ودفن قريباً منها، ومشهده هناك معروف مزور. ولما توفي شق أخوه أبو محمد ثوبه وقال في جواب من لامه على ذلك قد شق موسى على
ص: 82
أخيه هارون). (1) وسعى المحدث العلامة الشيخ ميرزا حسين النوري في تشييد مشهده و تعميره، وكان له فيه اعتقاد عظيم).
كما قال الشيخ محمد علي الأوردبادي (رحمه الله ) ، عن هذا التعمير، مانصه: (وممن سبقت له أياد بيضاء في تشييد مشهد ،القداسة، شيخنا العلّامة الحجة ثقة الإسلام النوري، وهو الذي ناء بتجديد الضريح وبناء الحجر وغيرها من مرافق الحياة هنالك). (2)
ب- تعميره قبر المحقق الحلي (رحمه الله ) في مدينة الحلة السيفية: قال الشيخ عباس القمّي (رحمه الله ) في كتابه الكنى والألقاب ج 3 ص 156 في ترجمة المحقق الحلي (رحمه الله ) في الحديث عن قبره، ما نصه... وما نقله (رحمه الله ) من حمله إلى مشهد أمير المؤمنين (علیه السلام) عجيب ، فإن الشائع عند الخاص والعام أن قبره طاب ثراه بالحلة وهو مزار معروف وعليه قبة وله خدام يخدمون قبره، يتوارثون ذلك أباً عن جد، وقد خُربت عمارته، فأمر الأستاذ العلامة دام علاه بعض أهل الحلة فعمروها، وقد تشرفت بزيارته قبل ذلك وبعده، والله العالم).
وقد استقصيت ترجمة أخرى له (رحمه الله ) - إلا ما زاغ عنه البصر - من كتاب (طبقات أعلام (الشيعة) من خلال مطالعتي لأجزائه السبعة عشر، فاستخرجت ما
ص: 83
ذكره تلميذه مؤلّف الطبقات الشيخ أغا بزرك (رحمه الله ) - غير ترجمته الخاصة فيه (1) - خدمة للمحققين والباحثين ومادفعني لهذا العمل خلو الكتاب من فهارس الأعلام المذكورين ضمناً، وهي كالآتي:
1- السيد أبو القاسم الدهكردي (ت 1353ه): (ومشايخه آية الله الخراساني و شيخنا العلامة النوري ) (2)
2 - السيد التفريشي القمي (ت 1342ه) : ( تتلمذ على الحاج النوري. ) (3)
3- الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (ت1373ه): (وهو من أقدم أصدقائي وصلتي به قديمة وقديمة جداً قديمة وقديمة جداً يرجع عهدها إلى أكثر من خمسين سنة، وأتذكر أن بداية هذه الصلة كانت يوم كان يختلف إلى دار شيخنا العلامة النوري المتوفى عام ( 1320ه) ويلازمه سفراً وحضراً، وكان كثير الحب لي وشديد الوفاء بعهود الوداد) (4)
وقال أيضاً: (عرفته في السنين الأولى من هجرتي إلى النجف بواسطة ولده الحجة المرحوم الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء الذي كان يزاملنا في الحضور على شيخنا الحجة الحسين النوري في درسه ومجلسه الخاص في بيته). (5)
ص: 84
4- الشيخ عباس بن محمد رضا القمي (ت1359ه): (وفي سنة (1316ه) هاجر إلى النجف الأشرف، فأخذ يحضر حلقات دروس العلماء إلا أنه لازم شيخنا الحجة الميرزا حسين النوري وكان يصرف معه أكثر وقته في استنساخ مؤلفاته ومقابلة بعض كتاباته، وكنت سبقته في الهجرة إلى النجف بثلاث سنين، وفي الصلة بالمحدث النوري سنتين حيث هاجر النوري إلى النجف في سنة (1314ه)... ولا أزال أتذكر جيداً يوم تعرف المترجم له على شيخنا النوري وأول زيارته له، كما أتذكر أن واسطة التعارف كان العلامة الشيخ علي القمي؛ لأنه من أصحابه الأوائل ومساعديه الأفاضل، بقي المترجم له مع شيخنا النوري يقضي معظم أوقاته في خدمته واستنساخ مؤلفاته، ومقابلة مُسوَّداته، وقد استنسخ من كتبه (خاتمة مستدرك الوسائل) عندما أرسله إلى إيران ليطبع وكذا غيره من آثاره، وفي سنة (1318ه) تشرف للحج وزيارة قبر النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وعاد من هناك إلى إيران فزار وطنه قم وجدد العهد بوالديه وذويه، ثم رجع إلى النجف وعاد إلى ملازمة الشيخ النوري وحصل على الإجازة منه حتى توفي الأستاذ في سنة (1320ه)، بقيت الصلة بيننا نحن تلاميذ النوري وملازميه، فقد كانت حلقات دروس العلماء والمشاهير تجمعنا في الغالب). (1)
5- الشيخ علي الطريحي النجفي (ت 1333ه) : (كان من تلاميذ الشيخ ميرزا حسين النوري). (2)
6- السيد محسن الأمين العاملي (ت 1371ه): واستفاد من بركات شيخنا
ص: 85
العلامة النوري كثيراً). (1)
7- الشيخ محمد الطهراني (ت 1371ه) : (وأخذ علوم الحديث عن شيخنا العلامة النوري). (2)
8- الشيخ مهدي ابن العلامة ميرزا هادي ابن العلامة ميرزا محمد تقي النوري: (كان جده ميرزا محمد تقي المذكور والد شيخنا العلامة النوري... وكان يقرأ على شيخنا العلامة النوري في الرسائل والمكاسب وغيرهما). (3)
السيد محمد مهدي ابن السيد حسن القزويني (ت 1300ه): (وهو شيخ رواية جمع من مشايخي العظام، ومنهم شيخنا العلّامة النوري). (4)
3- الشيخ علي أكبر الهمداني (ت 1325ه): (حضر على الشيخ ميرزا النوري، وقد أجيز منه في الرواية). (1)
4 - الشيخ فدا حسين اللكنهوي (ت 1353): (له الرواية عن شيخنا النوري، كتب له إجازة بشهادة الفاضل آغا رضا الإصفهاني في سنة 1315ه). (2)
5 - الشيخ ميرزا فرج الله التبريزي: كان مجازاً من جمع كثير، منهم: الحاج ميرزا حسين النوري). (3)
6- الشيخ محمد البارفروشي الحائري (ت 1350ه): (وهو يروي عن أبيه وعن العلامة النوري ). (4)
7- السيد محمد الخلخالي النجفي (ت 1364ه): (له الإجازة من الشيخ ميرزا حسين النوري). (5)
8- السيد محمد اللاجوردي الكاشاني (ت1353ه): (يروي عن الحاج النوري) (6)
9 - الشيخ مهدي الحكمي القمي (ت 1360ه) : (ويروي عن شيخنا العلامة النوري كما صرّح في إجازته لحفيد شيخه ميرزا علي بهزادي ابن ميرزا محمد
ص: 87
ابن شيخه النوري في سنة (1342ه) ، وكان معيناً لشيخنا النوري في تصحيح المستدرك مع الحاج الشيخ علي القمي). (1)
1- السيد إعجاز حسين الكنتوري (ت 1286ه) : ( وله آثار جليلة منها كشف الحجب والأستار عن وجه الكتب والأسفار ، فهرس لمؤلّفات الشيعة لم يحتو إلا على نزر قليل فإنه لم يزد فيه على ما في خزانة كتبهم الجليلة إلا قليلاً، ولذا منعه شيخنا العلّامة الأكبر الحجة الميرزا حسين النوري المتوفّى (1320ه) من طبعه ونشره مخافة أن يظن الأجانب انحصار مؤلّفات الشيعة بذلك المقدار، وقد أهدى نسخته بخطه لشيخنا المذكور، وذلك حين تشرفه للزيارة في النجف مع أخيه العلّامة السيد حامد حسين مؤلّف عبقات الأنوار)، وقد كان عازماً على طبعه، ولما منعه الأستاذ أهداه إليه، وهو إلى الآن موجود في مكتبة سبط أستاذنا المذكور، الأغا ضياء الدين ابن الحجة الشهيد الشيخ فضل الله النوري، وقد طبع في الهند أخيراً في (1333ه) بإشراف بعض أحفاده مع مقدمة له في ترجمة المؤلف ومنها أخذنا تاريخ ولادته ووفاته، وقد كان شيخنا العلّامة النوري أعلى الله مقامه عازماً على تأليف كتاب في هذا الباب جامع لصنوف مؤلّفات الشيعة وكان يعهد بذلك لبعض أصحابه، إلّا أن الأجل لم يمهله، وكنت أرى ذلك في نفسي ضرباً من المحال، لكن هيا الله تعالى لي بعض الأسباب، ووفقت للإتيان بما هو أوسع وأشمل من (كشف الحجب) ومع ذلك فما حوته موسوعتي (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) لم يكن إلّا أقل قليل، فأسأل الله تعالى أن يوفقني لإكمال طبعه وإتمامه، وينفعني به (يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ *
ص: 88
إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْب سَلِيمٍ). (1)
2- الميرزا حسين المازندراني (ت بعد 1320ه): (رأيته في النجف بدار شيخنا الحسين (النوري). (2)
3- السيد محمد بن أبي القاسم بن مهدي الكاشاني النجفي: (كان من خواص شيخنا الميرزا حسين (النوري). (3)
4 - السيد مهدي التبريزي (ت 1320ه): (من الأفاضل الأعلام المتبحرين، ومن أصدقاء شيخنا العلامة النوري). (4)
5- الشيخ ميرزا هداية الله الأبهري (توفي بعد 1313ه): (كان من خواص أصدقاء شيخنا العلامة النوري.) (5)
6- الشيخ هداية الله الكلبايكاني: (له اختصاص بشيخنا العلامة النوري). (6)
7-السيد يحيى الإمامزاده قاسمي (ت بعد 1314ه): (كان مصاحباً لجمال السالكين الحاج ملا فتح علي وشيخنا العلامة النوري ) (7)
ص: 89
1- الشيخ فضل الله النوري (الشهيد في 1327ه): (هو ابن أخت شيخنا العلامة النوري وصهره على بنته... وتزوج بابنة شيخنا العلامة المذكور حتى هاجر آية الله الشيرازي إلى سامراء، فهاجر هو أيضاً مع خاله العلامة في أول المهاجرين). (1)
2- الشيخ يوسف الحدائق الشيرازي (ت 1362ه): (كان في سامراء مدة مع صديقه ميرزا محمد ابن الحاج عبد الهادي الرنكوني الذي صاهر شيخنا العلامة النوري في سامراء... و كان له اختصاص بشيخنا العلامة النوري). (2)
1- الميرزا علي ابن العلامة محمد تقي النوري: (كان عالماً حكيماً متكلماً قام مقام والده في تلك النواحي بعد أخيه الميرزا هادي الذي توفي حدود سنة (1290ه)، وهما أخوا شيخنا النوري). (3)
2 - الآخوند المولى فتح الله النوري، صهر العلامة الميرزا محمد تقي النوري، وتلميذه الكامل الجليل. وهو والد الشيخ الفاضل موسى، ابن أخت شيخنا العلامة النوري، والمتوفى بالنجف سنة (1331ه). (4)
ص: 90
3- الشيخ موسى النوري المازندراني (ت 1331ه) : (هو ابن أخت شيخنا العلامة الشيخ حسين النوري). (1)
1- الشيخ محمد حسين السلطان آبادي (ت 1314ه): (هو كثير التصانيف أنتج كتباً عديدة جيدة نافعة ومن أجل هذا كان يلقب ب(حاج أغا كوچك) في قبال شيخنا الحجة النوري الذي كان معروفاً ب(الحاج أغا النوري)). (2)
2- الشيخ محمد حسين القمشهي الصغير النجفي (ت 1337ه): (رأى بعض معاجز الأئمة وكراماتهم وكرامات بعض صلحاء العلماء، كما سمع بعض ذلك عن الثقات وكتب ذلك في مجموعة خاصة كان يحدث الناس بها، وسمعت منه كثيراً منها وكان يكتب كثيراً من المواعظ والأخبار التي يقرؤها شيخنا الحسين النوري على المنبر بداره وكانت له عادة أسبوعية يجلس لعزاء الحسين في كل جمعة). (3)
3- الشيخ محمد علي الطبسي (ت 1320ه) : (له مؤلفات منها نور الأبصار)... رأيت نسخة الأصل منه بخطه... وكان على ظهرها تقاريظ للسيد المجدد الشيرازي بإملائه وخط شيخنا الميرزا حسين النوري. ) (4)
ص: 91
4 - الشيخ فتح علي السلطان آبادي (ت 1318ه) : (هاجر إلى سامراء في سنة اثنتين وتسعين ومئتين مع شيخنا العلامة الحاج ميرزا حسين النوري وصهره الحاج الشيخ فضل الله النوري، وكان أول من هاجر إليها بعد مهاجرة آية الله الشيرازي... وقد لازم خدمته شيخنا العلامة النوري سنين، واختبره حيناً بعد حين، فكشف عليه حاله وشاهد فيه مقامات الأولياء الكاملين) (1)
5- السيد محمد مرتضى الجونفوري (ت 1337ه): (كان من أجلة العلماء والسادات، كتب شيخنا العلامة النوري اللؤلؤ والمرجان بالتماسه). (2)
6 - الشيخ محمد مهدي المازندراني الإصفهاني (توفي بعد 1320ه): (كانت السنة التي زار فيها سنة الحج الأكبر ؛ لاجتماع الجمعة والأضحى ويوم النيروز. فبعد درك الأضحى سأل عن شيخنا العلامة النوري أن يكون رجوعه إلى النجف ماشياً مثل تشرفه بكربلاء، حتى يكون وفاء ما نذره من المشي في زيارة النجف؛ لأنه ما كان متمكناً من المشي بغير ذلك النحو. فأجابه شيخنا المبرور، وكنت في خدمتهما مع بعض آخر. وأدركت فيض صحبته في تلك الأيام الأربعة التي كنا في الطريق إلى أن وصلنا النجف للغدير). (3)
1- السيد آغا ميرزا الإصفهاني النجفي (ت 1311ه) : (بيعت أيضاً جملة من كتبه في الهراج؛ فبعضها صارت في خزانة شيخنا العلامة النوري.... وجملة وافرة منها حملها
ص: 92
إلى قم صهره على بنته... فبيعت - الكتب التي عند بنته - أكثرها للشيخ الفاضل آغا ضياء الدين ابن العلامة الحاج الشيخ فضل الله النوري، فحملها مع جملة وافرة من كتب خزانة جده الأمي شيخنا العلامة النوري إلى طهران في سنة 1330ه). (1)
2- الشيخ حسين قلي الهمداني (ت 1311ه): (ولأحد تلاميذه أيضاً مجلد في الرهن كان في مكتبة شيخنا الميرزا حسين النوري). (2)
3- الشيخ الميرزا حيدر علي المجلسي (ت 1214ه): (له آثار هامة [مهمة ظ] منها: رسالة في مفقود الخبر، وأخرى في المنتسب إلى هاشم من طرف الأم ألفهما في (1205ه) وقد كانتا في مكتبة شيخنا العلامة الميرزا حسين النوري). (3)
4- السيد علي بن عبد الله الحائري (1316ه): (قد اتصل بشيخنا العلامة الحسين النوري واستفاد من معارفه وعلومه واستعار منه عدداً من الكتب النادرة فاستنسخها لنفسه في سنة 1304ه ثم عدد أسماء الكتب ) (4)
5- السيد محمد ابن السيد أحمد البغدادي: كتب بخطه تملكه لكتاب ثاقب المناقب في (23) رجب - 1278ه)، وكانت النسخة في مكتبة شيخنا العلامة النوري اشتراها بعده الشيخ النوري الشهيد فورثه ابنه الآغا ضياء الدين واستعارها سيدنا الحسن صدر الدين منه، وكتب على ظهرها اسم الكتاب واسم المؤلف، واليوم هي من موقوفة مدرسة السيد البروجردي). (5)
ص: 93
6- الشيخ نصر الله ابن الشيخ أسد الله: (وله رسالة في ترجمة مؤلف الجعفريات طبعت في أوله سنة (1370ه)، ذكر أنه ملك النسخة في النجف سنة (1279ه)، جاء بها بعض السادة من بلاد الهند، وحصلت النسخة عند العلامة النوري بعد عودته من إيران إلى العراق سنة ( 1280ه ). (1)
كما ينظر ترجمته (رحمه الله ) في خاتمة مستدرك الوسائل: 341/9، تكملة نجوم السماء: 2102، مرآة الكتب: 236/2 رقم 240، تكملة أمل الآمل: 512/2 - 516 رقم 609 الكنى والألقاب: 435/2 الفوائد الرضوية: 260/1، معارف الرجال: 271/1 رقم 134 مرآة الشرق: 632/1 رقم 269 ، أعيان الشيعة: 143/6، ريحانة الأدب : 389/3، ماضي النجف وحاضرها: 159/1 ، نقباء البشر: 543 رقم 974، مصفّى المقال: 159 ، أحسن الوديعة: 72/1، معجم المؤلفين: 46/4 ، معجم المؤلفين العراقيين: 359/3، الأعلام: 257/2، معجم رجال الفكر والأدب في النجف: 1307/30 ، مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف: 119 رقم 142، مجلة تراثنا ،102/9 موسوعة طبقات الفقهاء : 229/14 رقم 4552، معجم مؤرخي الشيعة: 299/1 رقم 340. رجال إيران: 430/1، لغت نامة: 140/32، مصادر الدراسة: 86 علماء معاصرين: 71 رقم 39 مكارم الآثار: 1461/5 رقم 832، شخصيت أنصاري: 298 رقم 131، المآثر والآثار: 155، هدية الأحباب: 180 هدية الرازي: 101 ، مقدمة الفيض القدسي تحقيق السيد جعفر النبوي
ص: 94
لقد تفضل سماحة السيد علي الميلاني (ده) بكلمة حول الكتاب وموضوعه ومحتواه في مقدمته التي ذكرناها آنفاً، ونزيد عليها ما ذكره تلميذ المؤلّف الشيخ أغا بزرك الطهراني (رحمه الله ) في كتابه الذريعة ج 18 ص 11 رقم 429، بما نصه : لشيخنا الحاج ميرزا حسين ابن المولى محمد تقي النوري الطبرسي، المتوفى (1320) وألف كتابه رفعاً عن استبعادات أحد العامة عن وجود الحجة، وبعض إشكالاته المندرجة في قصيدة أرسلها من بغداد إلى العلماء بالنجف، فكتبه في جوابه في أيام قلائل في (1318) (1) وطبع في هذه السنة بعينها، ثم إن الشيخ محمد حسين آل کاشف الغطاء نظم مضامينه في قصيدة في آخر الكتاب لحصول التطبيق بين السؤال والجواب أوله الحمد لله الذي طهر قلوبنا من الشك والريب وجعلنا من الذين يؤمنون بالغيب...، ورتبه على مقدمة وفصلين وخاتمة، وقد أجاب عن تلك القصيدة جملة من الأفاضل الأدباء بقصائد منهم الشيخ جواد البلاغي
ص: 95
السيد محسن العاملي، السيد رضا الهندي، والشيخ عبد الهادي شليلة وغيرهم) (1)
ص: 96
(0)
أ- الطبعة الأولى: هي الطبعة الحجرية التي طبعت في حياة المؤلف (رحمه الله ) ، تاریخ طباعتها: (17) جمادى الأولى سنة (1318ه)، قياسها: (17× 22)، تقع في (199) صفحة، وعدد أسطرها: (19)، وبضميمتها قصيدة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله ) من ص 200 إلى (218) وجميع الكتاب يقع في (217) ، صفحة، طبعت في مطبعة عمدة التجار الحاج أحمد أقا مؤيد العلماء في إيران.
ب - الطبعة الثانية: قدّم لها سماحة السيد علي الميلاني (ده) ومقدمته تقع في (23) صفحة، طبعت بمساعي الشيخ محمود الحلبي، والناشر لها الحاج علي الدبستاني النجفي، تاريخ طباعتها: سنة (1400ه) ، في قم المقدسة، مطبعة الخيام وهي من إصدارات مكتبة نينوى الحديثة في طهران قياسها: (2317)، تقع في (240) صفحة، وعدد أسطرها: (21)، وبضميمتها ملحق ضم قصيدة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله ) ، قدّم لها السيد محمد مهدي الموسوي الصدر وقصيدة الشيخ محمد جواد البلاغي (رحمه الله ) ، وقصيدة السيد محسن الأمين العاملي (رحمه الله ) ، ويقع (من ص 241 إلى 289)، وجميع الكتاب يقع في (292) صفحة.
وطبع عليها بالأوفسيت سنة (1412ه) في بيروت - لبنان / منشورات دار الكتاب الإسلامي.
ج - الطبعة الثالثة: أعادت مؤسسة النور للمطبوعات في بيروت طبعه بصف جديد
ص: 97
سنة (1408ه)، وقد أسقطت من ملحق الكتاب قصيدتي الشيخ البلاغي والسيد الأمين، ولم أقف عليها، ذكرتها على ما في مجلة تراثنا عدد (22) ص (214).
د- الطبعة الرابعة أعادت مؤسسة الصفاء للمطبوعات في بيروت طبعه بصف جديد أيضاً سنة (1431ه)، وبضميمتها ملحق ضمّ قصيدة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله ) ، قدّم لها السيد محمد مهدي الموسوي الصدر، وقصيدة الشيخ محمد جواد البلاغي، (رحمه الله ) وقصيدة السيد محسن الأمين العاملي (رحمه الله ) ، ويقع من ص 267 إلى 316، وجميع الكتاب يقع في (320) صفحة.
علماً أن الطبعات المذكورة غير محققة.
ص: 98
1- النسخة الأولى هي نسخة الأصل التي بخط المؤلف (رحمه الله ) - المعتمدة في متن الكتاب ورمزنا لها بحرف (أ) - زودتنا بها إدارة مكتبة الإمام الحكيم (رحمه الله ) مشكورة ورقمها فيها: (1/1334) ، وتاريخ نسخها: (10) جمادى الآخر سنة 1317ه) وهي سنة التأليف (1)( ، وعدد أوراقها (56) ، وعدد أسطرها: (22)، وقياسها: (17 × 21،5)، وبضميمتها قصيدة الشيخ كاشف الغطاء (رحمه الله ) وسميت الأخيرة في الفهرس باسم: (قصيدة في الإمام الحجّة)، وهي بخط المؤلف (رحمه الله ) ، ورقمها: (2/1334)، وعدد أوراقها: (6) ، وعدد أسطرها (22)، وقياسها : ( 10 × 21،5).
2- النسخة الثانية: كتبت في عصر المؤلف (رحمه الله ) ، ورمزنا لها بحرف (س)، زودنا بها زميلنا العلامة السيد حسن الموسوي البروجردي - دام توفيقه - ومصورتها في مركز إحياء التراث الإسلامي، ورقمها فيه: (1160) (2)، وعدد أوراقها: (97)، وقد قوبلت وصححت من قبل المؤلف (رحمه الله ) وعليها بعض تعليقاته، كتب في آخرها، ما نصه: (قد عرضت هذه النسخة على أصلها الذي كان بخطي وبالغت في تصحيحها فجاءت بحمد الله تعالى صحيحة إلا ما زاغ عنه البصر، أو
ص: 99
كان الأصل المأخوذ منه سقيماً أثبتها الله تعالى في ديوان الحسنات بمحمد وآله سادات البريات صلوات الله عليهم، حرّره العبد المذنب المسيء حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي)، ختمه الشريف.
وكتب مالكها الشيخ نصر الله بن عبد الله الشبستري شعراً في آخرها، نصه:
خطوط ذوي الأقدار تزهو على الوَرَى*** وأجسادهم رمْس رَمِيمٌ على الثرى
وعاشوا كما عشنا ونمضي كما مَضَوا ***ونأوي من الصور القبور كما تَرَى
حرّره الفقير إلى الله الغني بالله الغريب في الله نصر الله بن عبد الله الشبستري...)، والنسخة من ممتلكات الشيخ الشبستري (رحمه الله ) ، وهي مزدانة بتعليقاته.
3- النسخة الثالثة: هي الطبعة الحجرية التي طبعت في حياة المؤلف ،(رحمه الله ) و رمزنا لها بحرف (ج)، وتاريخ طباعتها: (17) جمادى الأولى سنة 1318ه)، زودتنا بها إدارة مكتبة الإمام كاشف الغطاء مشكورة، ورقمها فيها: (4492)، عليها تملك الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله ) وختمه، وقياسها: (17× 22)، وتقع في (199) صفحة، وعدد أسطرها : (19) ، وكتب في آخرها، مانصه: (قد بالغ جده ودقق نظره في تصحيح هذه النسخة الشريفة أقل السادات مهدي الحسني النكراني1318).
! وبضميمتها قصيدة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله ) ، وتقع في (19) صفحة - (من ص 200 إلى (218 - وجميع النسخة تقع في تقع في (217) صفحة، والقصيدة فيها مصححة في الحاشية من قبل ناظمها (رحمه الله ) ومزيدة بيتين وقعا بعد البيت المرقم (141) منها، ونصهما:
ص: 100
ويوم غدير الدوح قام بنصبه*** نبى الهدى لكن بهم قعد الغدر
وسرعان ما هبوا إلى حل عقدها*** فأضحى على الإيمان ينتصر الكفر
وكتب في آخر النسخة، ما نصه: (قد وقع الفراغ بعون الله الملك الوهاب عن تسويد هذا الكتاب المستطاب بيد أقل الكتاب محمد بن محمد رضا باهتمام الجناب أشرف الحاج عمدة التجار الحاج أحمد أقا مؤيد العلماء، وطبع في مطبعته الجديدة في اليوم السابع عشر من شهر الجمادى الأخرى في سنة (1318) من الهجرة النبوية على هاجرها آلاف الثناء والتحية).
ص: 101
ص: 102
وقد اتبعنا في تحقيقه المنهج الآتي:
أ - بعد ما حصلنا على نسخة الكتاب بخط المؤلّف (رحمه الله ) جعلناها في المتن وقابلناها مع النسخ الأخرى.
ب - ضبطنا النص، وأثبتنا ما سقط من النسخة، كما صححنا تصاحيفها وبحسب مصادر الكتاب.
ج - حصرنا الآيات القرآنية بين الأقواس المزهرة.
د - خرجنا الأحاديث من مصادرها.
ه- نسبنا الأقوال المحكية إلى مصادرها الأصلية، وإلا فإلى بعض المصادر المتضمنة لها وأهمها كتاب استقصاء الإفحام للسيد اللكنهوي (رحمه الله ) ؛ كونه من أهم مصادر الكتاب.
و - ما وضعناه بين المعقوفين [ ] إن كان في كلام منقول من مصدر بعينه فهو من ذلك المصدر، وإلا فهو من عندنا لضرورة أو لزيادة إيضاح.
ز - ذكرنا تعليقات المؤلّف (رحمه الله ) في الهامش والموجودة في نسختي (س،ج)، كما أثبتنا تعليقات الشيخ الشبستري (رحمه الله ) من نسخته في الهامش أيضاً.
ص: 103
ح- علقنا بعض التعليقات الضرورية في الهوامش لرفع غموض أو بيان مطلب أو ما شابه ذلك.
ط - ترجمنا النصوص الفارسية إلى اللغة العربية بالهامش.
ي -جعلنا للكتاب ملحقاً أثبتنا فيه الردود على القصيدة البغدادية نظماً لأربعة من علمائنا الأعلام - أنار الله برهانهم -ستأتي إليك أسماؤهم فيه.
ص: 104
عرفاناً بالجميل المسدى إليَّ وإيماناً بالحديث الوارد عن الإمام الرضا (علیه السلام) (من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عز وجل ). (1)
رأيت أن أشكر من آزرني لتحقيق هذا الكتاب، فجزاهم الله جميعاً أفضل جزاء المحسنين، وهم:
أ - إدارة مكتبة الإمام الحكيم (رحمه الله ) المتمثلة بالأستاذ مجيد نجل الشيخ عبد الهادي حموزي (رحمه الله ) في النجف الأشرف، حيث زودتنا بنسخة الأصل، وبعض المصادر.
ب - إدارة مكتبة الإمام محمد الحسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله ) العامة في النجف الأشرف المتمثلة بالأخ الشيخ أمير كاشف الغطاء سلمه الله، حيث زودتنا بالنسخة الحجرية وترجمة المؤلف (رحمه الله ) من مخطوطات مكتبتهم العامة، وبعض المصادر
ج - سماحة السيد حسن الموسوي البروجردي - دامت بركاته -حيث زودنا بمصورة نسخة العلامة الشبستري (رحمه الله )
د - إدارة الروضة العباسية المقدسة المتمثلة بسماحة العلامة السيد أحمد
ص: 105
الصافي الموسوي دام عزه ، وإدارة قسم الشؤون الفكرية فيها المتمثلة بفضيلة السيد ليث الموسوي، وإدارة المكتبة فيها المتمثلة بفضيلة السيد نور الدين الموسوي؛ لتبني مشروع تحقيق هذا الكتاب ونشره.
ه - سماحة الشيخ المرحوم حمزة السلامي (أبو العرب) والأخ علي العيداني المصححان اللغويان للكتاب.
و - كل من ساهم معي لمقابلة نسخ الكتاب.
ز - زملائي في العمل - بوحدة التحقيق في مكتبة الروضة العباسية - الأخ محمد محمد حسن الوكيل والأخ عدي فاضل الأسدي والأخ السيد ميثم مهدي الخطيب والأخ علي كاظم خضير.
ح - الأخ الأستاد عبد العزيز آل عبد العال؛ لتوفيره بعض مستلزمات العمل.
ط - الأستاذ المحقق عبد الرحيم المبارك لترجمته بعض النصوص الفارسية.
فإليهم منّي جميعاً أسمى آيات الشكر والعرفان.
ص: 106
ألتمس من إخواني المؤمنين، ولاسيما أهل البحث والتحقيق أن ينبهوني الخطأ على ما قد يجدونه من غير المقصود مما جرى به القلم وزاغ عنه البصر، فإنّ الإنسان موضع الغلط والنسيان والكمال لله والعصمة لأهلها والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
حُرِّرَ في صحن الروضة العباسية المقدسة
يوم 3من جمادى الآخر سنة 1431ه
يوم وفاة السيدة الطاهرة الزهراء (علیها السلام)
وكَتَبَ محقق الكتاب أحمد على
مجيد الحلي مولداً النجفي
منشأ ومسكناً ومدفناً
إن شاء الله تعالى
ص: 107
ص: 108
ص: 109
ص: 110
صورة
الصفحة الأولى من نسخة (أ)
مارے
112.
ص: 111
صورة
الصفحة الأخيرة من نسخة (أ)
ص: 112
صورة
الصفحة الأولى من قصيدة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (قُدِّسَ سِرُّهُ) من نسخة (أ)
ص: 113
صورة
الصفحة الأخيرة من قصيدة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (قُدِّسَ سِرُّهُ) من نسخة (أ)
ص: 114
الصفحة الأولى من نسخة (س)
.116
ص: 115
صورة
الصفحة الأخيرة من نسخة (س)
ص: 116
صورة
الصفحة الأولى من نسخة (ج)
ص: 117
صورة
الصفحة الأخيرة من نسخة (ج)
ص: 118
صورة
يظهر في يمين الصفحة إضافة الشيخ كاشف الغطاء (قُدِّسَ سِرُّهُ) على قصيدته/ نسخة (ج)
ص: 119
ص: 120
ص: 121
ص: 122
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي طهر قلوبنا من الشك والريب وجعلنا من الذين يؤمنون بالغيب، ونوّر عيون بصائرنا فرأينا بها ما لا تراه الأبصار ، ونظرنا بها إلى المغيب فلم تخفه عنها الحُجب والأستار، الرؤوف بعباده فلم يتركهم شدى، بل هيأ لهم سباب الرشد والهدى، وأنار لهم بفضله المحجّة ، ولم يخل الأرض من حجة، والصلاة على نبيه الذي أرسله خاتماً للنبيين وجعل ذريته أئمة وجعلهم الوارثين وآله أحد الثقلين المأمور بالتمسك به وإتباعه (1)والسادة الغرّ من أصحابه وأتباعه،
وبعد:
فقد ثبت بالأدلة والبراهين ورواية الثقات من علماء المسلمين أن الله تعالى في كل عصر حجة من نبي أو إمام؛ لتحمل الأحكام وإهداء الضال من الأنام، وصح عندنا بالحجج القاطعة والآيات الساطعة أنّ الحجّة في هذه الأعصار هو ابن الحسن العسكري (علیه السلام) وعلى آبائه الأطهار، فإنه (علیه السلام) وإن دعت الدواعي إلى استتاره، ومنعت النواظر من التكحل بأشعة أنواره تشرق أنواره على قلوب أحبائه، وإن أخرت المصالح التشرف بلقائه، فلا غرو فإن الشمس المنيرة تنفع الناس وإن حالت دونها
ص: 123
السحاب، (1) والبدر لابد من طلوعه وإن توارى بالحجاب، والروح تتصرف في
ص: 124
البدن وإن لم ترها الأبصار ، ولا ريب في المؤثر إذا ظهرت منه الآثار.
وقد كشفنا عنها الحجاب وأزلنا الشك والارتياب في كتابنا الموسوم ب (النجم الثاقب في أحوال الإمام الغائب) (1) فإنّه الوشي (2) الذي ما نسج (3) الأقلام له مثيلاً،
ص: 125
والطب الذي لم يدع قلباً بالشبهات عليلاً، ولعمري إنّه لدفع سهام الوساوس درع ضافية، ولثغر القلب من عساكر الشبهات جنّة واقية، وهو الترياق (1) المجرّب لمن نهشته أفاعي الشكوك والنهج الواضح لمن أراد الهداية والسلوك.
ولكن حملت إلينا ألسنة الرواة في هذه الأوقات قصيدة فريدة نظمها بعض علماء دار السلام ومدينة الإسلام، استغرب الناظم بها اختفاءه (علیه السلام) ولم يعلم أن له أسوة بالأنبياء والمرسلين (2)، واستبعد إلى هذه الأيام بقاءه وغفل عن قدرة رب العالمين وزعم أن هذه الأيام أوان خروجه؛ لانتشار الشر وكثرة الجور، وأخطأ سهمه الغرض، فإن راية الأمن والعدل منشورة بانتشار رايات سلطان السلاطين وخاقان الخواقين وحافظ الملة والدين من الكفار وأعداء الدين سلطان البرين وخادم الحرمين الشريفين السلطان الغازي عبد الحميد خان خلد الله ملكه وأجرى في بحار النصر فلكه، ولا زالت عساكره في الحروب (3) منصورة وبلاد الإسلام بيمن عدله معمورة. (4)
ص: 126
فحداني ذلك مع تشويش البال وكثرة الأشغال (1) أن أكتب رسالة وافية بالمرام قريبة للإفهام، تهتك (2) بنورها من دجى الشك أستاره وتقرب المقصد الأقصى بأوجز عبارة.
وأسأل الله تعالى أن ينفع بها الإخوان من أهل الإيمان إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير وسمّيتها (کشف الاستار عن وجه الابصار ) ورتبتها على مقدمة وفصلين وخاتمة.
أمّا المقدمة : ففى ذكر القصيدة المذكورة، وهي هذه:
أيا عُلَمَاءَ العَصْرِ يَا مَنْ لَهُمْ خُبْرُ ***بكُلِّ دَقيقِ حَارَ من دونه الفكرُ
لَقَدْ حَارَ مِنِّي الفكْرُ بالقائمِ الذِي*** تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ وَاشْتَبَهَ الأَمْرُ
فمن قائل في القشر لب وُجُودُهُ ***ومن قائل قَدْ ذُبَ عَنْ لَيّه القشر
ص: 127
وَأَوَّلُ هذين اللذين تقررا ***به العَقْلُ يَقْضِي والعَيانُ ولا نُكْرُ
وَكَيْفَ وَهذا الوَقْتُ داعِ لِمِثْلِهِ ***فَفِيهِ تَوالَى الظُّلْمُ وانتَشَرَ الشَّرُّ
وَما هُوَ إِلا ناشر العدل والهُدَى*** فَلَوْ كَانَ مَوجُوْداً لمَا وُجِدَ الجَوْرُ
وإِنْ قِيْلَ مِنْ خَوْفِ الطَّغَاةِ قَد اخْتَفَى*** فَذَاكَ لَعَمْرِي لا يُجَوِّزُهُ الحِجْرُ
ولا النَّقْلُ كَلَّا إِذْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ ***إِلَى وَقْتِ عِيسَى يَسْتَطِيْلُ لَهُ الْعُمْرُ
وأَنْ لَيْسَ بَيْنَ النَّاسِ مَنْ هُوَ قَادِرٌ*** عَلَى قَتْلِهِ وَهُوَ المُؤَيَّدُهُ النَّصْرُ
وأَنَّ جَميعَ الْأَرْضِ تُرْجِعُ مُلْكَهُ ***وَيَمْلَؤُها قِسْطاً وَيَرْتَفِعُ المَكْرُ
وإِنْ قيْلَ منْ خَوْف الأذاة قد اخْتَفَى*** فَذَلكَ قَوْلٌ عَنْ مَعَايبَ يَفْتَرُ
فَهَلا بَدَا بَيْنَ الوَرَى مُتَحَمَلاً ***مَشَقَّةَ نُصْحِ الخَلْقِ مَنْ دَابَهُ الصَّبْرُ
وَمِنْ عَيْب هَذا القَوْلِ لَا شَكَ أَنَّهُ *** يَؤُولُ إِلى جُبْنِ الإِمَامِ وَيَنْجَر
وَحاشَاهُ منْ جُبْن وَلكنْ هُوَ الذي*** غَدَا يَخْتَشيه من حَوَى البَرَّ والبَحْرُ
(وَيَرْهَبُ مِنْهُ الباسلُوْنَ جَمِيْعُهُمْ ***وَتَعْنُو لَهُ حَتَّى المثقَّفَةُ السُّمْرُ) (1)
ص: 128
عَلَى أَنَّ هَذَا القَولَ غَيْرُ مُسَلَّم ***ولا يَرْتَضِيْهِ العَبْدُ كَلَّا وَلَا الحُرُّ (1)
فَفِي الهِنْدِ أَبْدَى المَهْدَوِيَّةَ كاذب (2) ***وما نَالَهُ قَتْلُ وَلَا نَالَهُ ضُرُّ
وَإِنْ قِيْلَ هَذَا الإِخْتِفَاءُ بِأَمْرِ مَنْ *** لَهُ الْأَمْرُ فِي الأَكْوانِ والحَمْدُ والشُّكْرُ
ص: 129
فَذَلكَ أَدْهَى الدَّاهِيَات وَلَمْ يَقُلْ *** به أَحَدٌ إِلَّا أَخُو السَّفَه الغَمْرُ
أَيَعْجَزُ رَبُّ الخَلْقِ عَنْ نَصْرِ حِزْبِهِ ***عَلَى غَيْرِهُم كَلَّا فَهَذَا هُوَ الكُفْرُ
فَحَتَّى مَ هَذَا الإِخْتِفَاء وَقَدْ مَضَى*** مِنَ الدَّهْرِ آلاف وذَاكَ لَهُ ذِكْرُ
وَمَا أَسْعَدَ السَرْدابَ فِي سُرَّ مَنْ رَأَى*** لَهُ الفَضْلُ مِنْ أُمّ القُرَى وَلَهُ فَخْرُ
فَيَا للأعاجيب الَّتِي مِنْ عَجيبها*** أَن اتَّخَذَ السَّرْدَابَ بُرْجاً لَهُ البَدْرُ
(فَيَا عُلَمَاءَ المُسْلِمِيْنَ فَجَاوِبُوا ***بِحَقِّ، وَمِنْ رَبِّ الوَرَى لَكُمُ الْأَجْرُ)
(وَغُوْصُوا لَنَيْلِ الدُّرِّ أَبْحُرَ عَلْمَكُمْ ***فَمِنْهَا لَنَا لَا زَالَ يُسْتَخْرَجُ الدُّرُ)
ص: 130
في ذكر اختلاف المسلمين في ولادة المهدیّ (علیه السلام ) الحسن العسكري. (علیه السلام)
وذكر من اعترف بها من علماء أهل السنة الموافقين للإماميّة، وذكر دليل إجمالي على كون المهدیّ الموعود (علیه السلام) هو الحجة بن
بأوجز بيان وأحسن نظام.
ص: 131
ص: 132
إعلم هداك الله سبيل الرشاد أنه قد تواتر عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من طرق أهل السنة والإماميّة أنه قال ما معناه إنّه:
«يخرج من ولده في آخر الزمان رجل يقال له المهدي (علیه السلام) يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلما وجوراً.» (1)
وهذا المقدار قد استقرت عليه المذاهب الخمسة (2)والقول بأنه من ولد العباس (3)
ص: 133
.134
وإنّه علوي غير فاطمي (1)شاذ نادر قد تبيّن فسادهما في محله(2) والظاهر انقراض من قال بأحدهما. (3)
نعم بين أهل السنة والإمامية خلاف معروف في موضعين:
الأوّل: إنه حسني أو حسيني؟
ذهب إلى الأوّل جمع من أهل السنّة وجماعة أخرى منهم ، وكافة الإمامية (4) ذهبوا إلى الثاني وأوضحوا فساد القول الأول بما لا مزيد عليه، وبسط القول فيه الحافظ الكنجي الشافعي في كتاب (البيان) من أراده راجعه. (5)
ص: 134
والثاني: إنّهُ ولد وغاب ثمّ يظهر في وقت أراد الله تعالى إنفاذ أمره، أو أنه ما ولد وسيولد من بعد ويظهر ويملأ...؟
ذهب إلى الأوّل كافة الإماميّة وعيّنوا شخصه وأنه الحجة بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیهم السلام)، وأنه هو المهدي الموعود (علیه السلام)ولد ثمّ غاب بأمر الله تعالى مدة كان يصل إليه نوابه وبعض خواصه، ثمّ غاب غيبته الكبرى فلا يظهر إلا في وقت يؤمر بالخروج وتطهير تمام الأرض عن أرجاس الكافرين والملحدين حيث كانوا في مشارق الأرض ومغاربها، وأثبتوا ذلك بالنصوص عن جده النبي (صلى الله عليه و آله )وعن كل واحد من آبائه الذين أقوالهم عندهم حجّة، خصوصاً في مثل هذا المقام المقترنة أقوالهم فيه بالإخبار عمّا يأتي، فكان الأمر كما قالوا وبالمعجزات.
ص: 135
ص: 136
وقد وافقهم على هذا القول جماعة من أعيان علماء المذاهب الأربعة، بل رووا نصوصاً ومعاجز، وتصدوا لدفع شبهات ربّما تورد في المقام :
الأول:
أبو سالم کمال الدین محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي النصيبي الذي صرّح تقي الدين أبو بكر أحمد بن قاضي شهبة المعروف ب(ابن جماعة) (1) الدمشقي الأسدي في طبقات فقهاء الشافعية) بأنه كان أحد الصدور، والرؤساء المعظمين. ولد سنة (582)، وتفقه وشارك في العلوم. وكان فقيهاً، بارعاً، عارفاً بالمذهب والأصول والخلاف، ترسل عن الملوك (2) وساد وتقدم، وسمع الحديث...) (3)
ومدحه بما يقرب منه أبو عبد الله بن أسعد اليمني المعروف ب( اليافعي) فی
ص: 137
(مرآة الجنان ) في حوادث سنة (652). (1)
وقال عبد الغفار بن إبراهيم العكي الشافعي: (إنّه أحد العلماء المشهورين). (2)
وكذا ذكره وبالغ في مدحه جمال الدين عبد الرحيم بن حسن بن علي الأسنوي الشافعي في (طبقات فقهاء الشافعية). (3)
فقال ابن طلحة في كتابه (مطالب السؤول): (الباب الثاني عشر في أبي القاسم ( م ح م د) (4) بن الحسن الخالص ابن علي المتوكل ابن محمد القانع ابن علي الرضا ابن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي زين العابدين ابن الحسين الزكي ابن علي المرتضى أمير المؤمنين ابن أبي طالب، المهدي الحجّة الخلف الصالح المنتظر ورحمة الله وبركاته) (5)
فَهَذا الخَلَفُ الحُجَّةُ قَدْ أَيَدَهُ اللَّهُ *** هَدَاه (6) مَنهَجَ الحَقِّ وَآتَاهُ سَجَايَاه
ص: 138
وأعلى في ذُرَى العَلْيَاء بِالتَّأييد مَرْقَاهُ *** وَآتَاهُ حِلي فَضْلٍ عَظِيمٍ فَتَحَلَّاه
وَقَد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ قَوْلاً قَد رَوَيْنَاه *** وَذُو العِلْمِ بِمَا قَالَ إِذا أَدْرَكَ مَعْنَاه
يَرَى الْأَخْبَارَ فِي المَهْدِي جَاءَتْ بِمُسَمَّاه *** وَقَدْ أَبْدَاهُ بالنِّسْبَة وَالوَصْف وَسَمّاه
وَيَكْفي قَوْلَهُ مِنّي لِإِشْرَاقِ مُحَيَّاه ***وَمَن بَضْعَته الزَّهْرَاء مَجْرَاهُ وَمَرْساه (1)
وَلَن يَبْلُغَ مَا أُوتِيه أَمْثَالَ وَأَشْبَاه ***فَإِنْ قَالُوا هُوَ الْمهدیّ (علیه السلام ) مَا مَانُوا بِمَا فَاهُوا
قد رتع من النبوة في أكناف عناصرها، ورضع من الرسالة أخلاف أواصرها، وترع من القرابة بسجال معاصرها، وبرع في صفات الشرف فعقدت عليه بخناصرها، فاقتنى من الأنساب شرف نصابها، واعتلى عند الانتساب على شرف أحسابها ، واجتنى جنى الهداية من معادنها وأسبابها، فهو من ولد الطهر البتول المجزوم بكونها بضعة من الرسول، فالرسالة أصلها وأنها لأشرف العناصر والأصول... إلى أن قال: فأما مولده فبسر من رأى في ثالث وعشرين سنة (258ه)، وأما نسبه أباً وأماً فأبوه الحسن الخالص... إلى آخر ما تقدم.
ثم أخرج بعض الأخبار وأورد بعض الشبهات وأجاب عنها. (2)
وأما كون الكتاب المذكور من مؤلّفاته فهو من الوضوح بمكان لم يقدر ابن تيمية على إنكاره مع إنكاره جملة من الأحاديث المستفيضة المشهورة فصرّح
ص: 139
في كتابه (منهاج السنة) بأنه له (1) (2)
الثاني:
أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي الذي يعبر عنه ابن الصباغ المالكي في كتابه (الفصول المهمّة) بقوله: (الإمام الحافظ ) (3)
واحتج بروايته ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري في شرح البخاري)، (4) فإنّه صنف كتاباً سمّاه البيان( في أخبار صاحب الزمان (علیه السلام) ) وهو كتاب مشهور قال هو في آخر كتابه المعروف ب (كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام))، ما لفظه: تمت مناقب سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) ويتلوه ذكر الإمام المهدیّ (علیه السلام ) في كتاب مفرد، وسميته ب(البيان في بيان أخبار صاحب الزمان) صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين صلاة دائمة إلى يوم الدين. (5)
ص: 140
وقال البارع الخبير الكاتب الجلبي في( كشف الظنون) (البيان في صاحب الزمان للشيخ أبي عبد الله محمد بن يوسف الكنجي المتوفى سنة
(658) ثمان وخمسين وستمائة. (1)
وقال أيضاً: كفاية الطالب في مناقب (علي بن أبي طالب(علیه السلام)) (2) للشيخ الحافظ أبي عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي (3)
قال أبو المواهب عبد الوهاب الشعراني في (اللواقح في ترجمة السيوطي وكان الحافظ ابن حجر يقول: الشروط التي إذا اجتمعت في الإنسان سُمِّي حافظاً: الشهرة بالطلب، والأخذ من أفواه الرجال، والمعرفة بالجُرح والتعديل الطبقات الرواة ومراتبهم، وتمييز الصحيح من السقيم حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره، مع استحفاظ الكثير من المتون.
فهذه الشروط من جمعها فهو حافظ، انتهى. (4)
ص: 141
ومنه يعلم جلالة قدر الكنجي.
وأوّل هذا الكتاب - أي البيان -: (أما بعد، حمداً لله الذي هو فاتحة كل كتاب (1)، وخاتمة كل خطاب ، والصلاة على رسوله التي هي جالبة كل ثواب ودافعة كل عقاب... إلى آخره.) (2)
وقال في الباب الثامن من الأبواب التي ألحقها بأبواب الفضائل من كتابه (الكفاية) - بعد ذكر الأئمة من ولد أمير المؤمنين (علیه السلام)- ما لفظه وخلّف - يعنى الهادي (علیه السلام)- من الولد أبا محمد الحسن ابنه. ثم ذكر تاريخ ولادته ووفاته، وقال: [وخلّف ] (3)ابنه وهو الإمام المنتظر ونختم الكتاب بذكره مفرداً، انتهى. (4)
وكتابه (البيان) مشتمل على أربعة وعشرين باباً، والباب الرابع والعشرون منه في الدلالة على جواز بقاء المهدیّ (علیه السلام ) منذ غيبته، وذكر فيه مطالب شريفة من أرادها راجعه (5) (6)
الثالث:
الشيخ نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي الذي ذكروه في التراجم
ص: 142
بكل وصف جميل.
فقال شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي المصري - تلميذ الحافظ ابن حجر العسقلاني - في كتابه الضوء اللامع في أحوال القرن التاسع:
أحمد بن عبد الله نور الدين الأسفاقسي (1) الغزي الأصل، علي بن محمد بن المكي المالكي، ويُعرف ب ابن الصباغ، ولد في العشر الأوّل من ذي الحجة سنة أربع وثمانين وسبعمائة بمكة ونشأ بها، فحفظ القرآن، والرسالة في الفقه (2) وألفية ابن مالك وعرضهما على الشريف عبد الرحمن الفارسي، وعبد الوهاب بن عفيف اليافعي، والجمال بن ظهيرة، وقرينه أبو السعود، وسعد النووي، وعلي بن محمد بن أبي بكر الشيبي، ومحمد بن أبي بكر بن سليمان البكري وأجازوا له وأخذ الفقه عن أولهم ، والنحو عن الجلال عبد الواحد المرشدي. وسمع على الزين المراغي (سداسيات الرازي وله مؤلّفات منها: (الفصول المهمة لمعرفة اثنا عشر، و(العبر في من سفه النظر)، أجاز لي ومات في سابع ذي ذی القعدة سنة خمس وخمسين وثمانمائة ودفن بالمعلاة (3) سامحه الله وإيانا. (4)
وذكره أيضاً معظماً أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي في (ذخيرة المآل)
ص: 143
في مسألة الخنثى. (1)
ونقل عن كتابه المذكور معتمداً عليه جماعة من الأعلام، مثل: عبد الله بن محمد المطيري المدني الشافعي من النقشبندية في كتابه (الرياض الزاهرة). (2)
ونور الدين علي السمهودي في (جواهر العقدين). (3)
وبرهان الدين علي الحلبي الشافعي في (سيرته) المعروفة. (4)
ص: 144
وعبد الرحمن الصفوري في (زينة المجالس (1)) (2) وغيرهم.
فقال في (الفصول المهمة) : (الفصل الثاني عشر في ذكر أبي القاسم (محمد) (علیه السلام) الحجّة الخلف الصالح ابن أبي محمد الحسن الخالص، وهو الإمام الثاني عشر، وتاريخ ولادته ودلائل إمامته ، وذكر طرف من أخباره وغيبته، ومدة قيام دولته وذكر نسبه وكنيته ولقبه (3) وغير ذلك مما يتصل به).
ثم ذكر تاريخ ولادته والنص عليه من آبائه [... إلى أن قال:] و(هذا) طرف يسير مما جاء من (4) النصوص الدالة على الإمام الثاني عشر عن الأئمة الثقات، والروايات في ذلك كثيرة والأخبار شهيرة (5) أضربنا عن ذكرها، وقد دونها أصحاب الحديث في كتبهم، واعتنوا بجمعها.
إلى أن قال: قال الشيخ أبو عبد الله (6)محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان من الدلالة على كون المهدیّ (علیه السلام ) حيّاً باقياً منذ غيبته وإلى الآن... إلى آخر ما في الفصل الرابع والعشرين من البيان. (7)
ص: 145
وقال في ذيل ترجمة والده وخلّف أبو محمد الحسن ( رضي الله عنه ) من الولد ابنه الحجّة القائم المنتظر لدولة الحق، وكان قد أخفى مولده وستر أمره؛ الصعوبة الوقت وخوف السلطان وتطلبه للشيعة وحبسهم والقبض عليهم (1) (2)
الرابع:
الفقيه الواعظ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزغلي (3) بن عبد الله البغدادي الحنفي سبط العالم الواعظ أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي الذي قال في ترجمته – في ضمن أحوال جده أبي الفرج - ابن خلكان: (وكان سبطه شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قرغلي الواعظ المشهور حنفي المذهب، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه وقبول عند الملوك.. وغيرهم... إلخ). (4)
وقال محمود بن سليمان الكفوي في (أعلام الأخيار) بعد ذكر نسبه وولادته وتفقه وبرع وسمع من جده لأمه وكان حنبلياً فتحنبل في صغره لتربية جده، ثم دخل
ص: 146
إلى الموصل ثم رحل إلى دمشق وهو ابن نيف وعشرين سنة وسمع بها وتفقه بها على جمال الدين الحصيري وتحوّل حنفياً لما بلغه أن قزغلي بن عبد الله كان على مذهب الحنفيّة وكان إماماً عالماً فقيهاً [ واعظاً ] (1)جيداً نبيهاً، يُلتقط الدرر من كلمه ويتناثر الجوهر من حكمه...) وبالغ في مدائحه وفضائله في كلام طويل. (2)
وذكره اليافعي في (المرآة) (3) وابن الشحنة في (روضة المناظر) (4) وتاج الدين في (كفاية المتطلع..) (5)وغيرهم.
فقال في آخر كتابه الموسوم ب (تذكرة خواص الأمة )بعد ترجمة العسكري (علیه السلام) (6) ذكر أولاده، منهم (م ح م د) الإمام فصل (هو (م ح م د)) بن الحسن بن علي بن محمد بن علي الرّضا ابن موسى الرّضا (7)ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیه السلام) وكنيته: أبو عبد الله، وأبو القاسم.
وهو الخلف الحجّة، صاحب الزمان القائم، والمنتظر، والتالي، وهو آخر الأئمة (علیهم السلام)
ص: 147
أنبأنا عبد العزيز بن محمود بن (1) البزاز [بإسناده عن ابن عمر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):« يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه كاسمي، وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً»، فذلك هو المهدیّ (علیه السلام ).
وهذا حديث مشهور، وقد أخرج أبو داود، والزهري عن علي (2) بمعناه، وفيه:«لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد، لبعث الله من أهل بيتي من يملأ الأرض عدلاً. (3)
وذكره في روايات كثيرة.
ويقال له: ذو الاسمين [محمد، وأبو القاسم]. (4)
قالوا: وأمه أمّ ولد، يقال لها: صقيل ) (5)(6)
الخامس:
الشيخ الأكبر محيي الدين رأس أجلاء العارفين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتم الطائي الأندلسي. الذي كفى في علو مقامه ما قاله الشعراني في (لواقح الأخيار ) ما لفظه: (هو الشيخ الإمام المحقق رأس أجلاء العارفين والمقربين صاحب الإشارات الملكوتية، والنفحات القدسيّة، والأنفاس الروحانية، والفتح المونق، والكشف المشرق، والبصائر الخارقة و[السرائر
ص: 148
الصادقة والمعارف الباهرة ] (1)، والحقائق الزاهرة، له المحل (2) الأرفع من مراتب (3) القرب في منازل الأنس، والمورد العذب من مناهل الوصل، والطول الأعلى من معارج (4) الدنو ، والقدم الراسخ في التمكين من أحوال النهاية، والباع الطويل في التصرف (5)في أحكام الولاية، وهو أحد أركان هذه الطائفة (6)...). (7)
فقال في الباب السادس والستين وثلاثمائة من كتابه (الفتوحات) ما يأتي ذكره (8)(9)
السادس:
الشيخ العارف الخبير أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني فقال في كتابه المسمى ب(اليواقيت) - وهو بمنزلة الشرح لمغلقات الفتوحات وهذا كتابه تلقاه العلماء بالقبول وبالغوا في مدحه وثنائه ووجوب الاعتقاد بما فيه ففي نسخته المطبوعة بالمطبعة الأزهرية المصرية في سنة (1305ه):
ص: 149
ومن جملة ما كتبه شيخ الإسلام الفتوحي الحنبلي رضي الله عنه: (لا يقدح في معاني هذا الكتاب إلّا معاند مرتاب أو جاحد كذاب، كما لا يسعى في تخطئة مؤلفه إلّا كل عار عن علم الكتاب حائد عن طريق الصواب، وكما لا ينكر فضل مؤلّفه إلّا كل غبي حسود أو جاهل معاند جحود، أو زائغ عن السنة مارق، ولإجماع أئمتها خارق).
ومن جملة ما قاله شيخنا الشيخ شهاب الدين الرَّملي الشافعي رضي الله عنه بعد كلام طويل: (وبالجملة فهو كتاب لا يُنكر فضله، ولا يختلف اثنان بأنه ما صنف مثله).
ومن جملة ما قال الشيخ شهاب الدين عميرة الشافعي رضي الله عنه بعد مدح الكتاب: (وما كنا نظن أن الله تعالى يبرز في هذا الزمان مثل هذا المؤلّف العظيم الشأن). (1)
وكان من جملة ما قاله الشيخ محمد البرهمتوشي: (وبعد فقد وقف العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن محمد البرهمتوشي الحنفي على (اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر) لسيدنا ومولانا الإمام العالم العامل المحقق المدقق الفهامة خاتمة المحققين وارث علوم الأنبياء والمرسلين شيخ الحقيقة والشريعة
ص: 150
معدن السلوك والطريقة من توجه الله تاج العرفان، ورفعه على أهل هذه الأزمان مولانا الشيخ عبد الوهاب أدام الله النفع به للأنام وأبقاه الله تعالى لنفع العباد مدى الأيام، فإذا هو كتاب جلَّ مقداره، ولمعت أسراره، وسحت من سحب الفضل أمطاره، وفاحت في رياض التحقيق أزهاره، ولاحت في سماء التدقيق شموسه وأقماره، وتناغت في غياض الإرشاد بلغات الحق أطياره، فأشرقت على صفحات القلوب باليقين أنواره... إلى آخره -). (1)
فقال في المبحث الخامس والستين من الجزء الثاني من كتاب اليواقيت:
(المبحث الخامس والستون في بيان أن جميع أشراط الساعة التي أخبرنا بها الشارع حق لا بد أن تقع كلها قبل قيام الساعة، وذلك كخروج المهدي (علیه السلام)، ثمّ الدجال، ثمّ نزول عيسى وخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها ورفع القرآن وفتح سد يأجوج ومأجوج حتى لو لم يبق من الدنيا إلّا مقدار يوم واحد لوقع ذلك كلّه.
قال الشيخ تقي الدين بن أبي منصور في عقيدته وكل هذه الآيات تقع في المائة الأخيرة من اليوم الذي وعد به رسول الله (صلى الله عليه و آله )أمته بقوله: إن صلحت أمتي فلها يوم وإن فسدت فلها نصف يوم يعني من أيام الرب المشار
ص: 151
إليها بقوله تعالى: (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ ) (1)
قال بعض العارفين : وأوّل الألف محسوب من وفاة علي بن أبي طالب رضي الله عنه آخر الخلفاء، فإن تلك المدة كانت من جملة أيّام نبوة رسول الله (صلى الله عليه و آله )،ورسالته فمهد الله تعالى بالخلفاء الأربعة البلاد ومراده (صلى الله عليه و آله )إن شاء الله بالألف: قوة سلطان شريعته إلى إنتهاء الألف، ثمّ تأخذ في ابتداء الاضمحلال إلى أن يصير الدين غريباً كما بدأ، وذلك الاضمحلال تكون بدايته من مضي ثلاثين سنة من القرن الحادي عشر، فهناك يترقب خروج المهدي (علیه السلام) وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري (علیه السلام)ومولده (علیه السلام) ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم (علیه السلام)فيكون عمره إلى وقتنا هذا - وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة - سبعمائة سنة وست سنين (2)
هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل على بركة الرَّطلي (3)بمصر المحروسة عن الإمام المهدیّ (علیه السلام ) حين اجتمع به، ووافقه على ذلك شيخنا سيدي علي الخواص رحمهما الله تعالى.
وعبارة الشيخ محيي الدين رضي الله عنه في الباب السادس والستين وثلاث مائة
ص: 152
من (الفتوحات) هكذا: واعلموا أنه لابد من خروج المهدیّ (علیه السلام ) لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جوراً وظلماً فيملأها قسطاً وعدلاً ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طوّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله من ولد فاطمة رضي الله عنها، جده الحسين بن علي بن أبي طالب (علیه السلام)ووالده الحسن العسكري ابن الإمام علي النقي - بالنون - ابن الإمام محمد التقي. بالتاء - ابن الإمام علي الرّضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين علي ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم) يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله،) يبايعه المسلمون ما بين الركن والمقام، يشبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخلق - بفتح الخاء - وينزل عنه في الخُلق - بضمها ، إذ لا يكون أحد مثل رسول الله له أخلاقه والله تعالى يقول: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظيم.) (1)
هو أجلى الجبهة، أقنى الأنف، أسعد الناس به أهل الكوفة، يقسم المال بالسوية، ويعدل في الرعية يأتيه الرجل فيقول: يا مهدیّ أعطني وبين يديه المال، فيحثى له في ثوبه ما استطاع أن يحمله، يخرج على فترة من الدين، يزع الله (2)به ما لا يزع بالقرآن، يمسي الرجل جاهلاً وجباناً وبخيلاً فيصبح الرجل جاهلاً وجباناً وبخيلاً فيصبح عالماً شجاعاً كريماً، يمشي النصر بين يديه، يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً يقفو أثر رسول الله (صلى الله عليه وآله )لا يخطئ له ملك يسدده من حيث لا يراه يحمل الكل ويعين الضعيف
ص: 153
ويساعد على نوائب الحق، يفعل ما يقول ويقول ما يفعل ويعلم ما يشهد.
يصلحه الله في ليلة يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألف من المسلمين من ولد إسحاق، يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكا، يبيد الظلم وأهله ويقيم الدين وأهله وينفخ الروح في الإسلام يعز الله به الإسلام بعد ذله ويحييه بعد موته، يضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف، فمن أبى قتل ومن نازعه خُذل.
يظهر من الدين ما هو عليه فى نفسه حتى لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله حياً لحكم به، فلا يبقى في زمانه إلّا الدين الخالص عن الرأي، يخالف في غالب أحكامه مذاهب العلماء فينقبضون منه لذلك لظنّهم أن الله تعالى لا يحدث بعد أئمتهم مجتهداً.
وأطال في ذكر وقائعه معهم وسيرته وحالاته... إلى أن قال: واعلم أنه لم يبلغنا أن النبي (صلى الله عليه و آله )نص على أحد من الأئمة [بعده] (1) أن يقفو أثره لا يخطئ إلّا الإمام المهدیّ (علیه السلام ) خاصة، فقد شهد له بعصمته في خلافته وأحكامه كما شهد الدليل العقلي بعصمة رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فيما يبلغه عن ربه من الحكم المشروع له في عباده (2). (3)
ص: 154
السابع:
الشيخ حسن العراقي المذكور.
قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني المتقدم ذكره في الطبقات الكبرى المسماة ب(الواقح الأنوار في طبقات الأخيار) في الجزء الثاني من النسخة المطبوعة بمصر في سنة ألف وثلاثمائة وخمس:
(ومنهم: الشيخ العارف بالله تعالى سيدي حسن العراقي رحمه الله تعالى المدفون بالكوم خارج باب الشعرية رضي الله عنه بالقرب من بركة الرَّطلي وجامع البشيري. (1)
وفي بعض نسخه العتيقة. (2)
(ومنهم: الشيخ الصالح العابد الزاهد ذو الكشف الصحيح والحال العظيم الشيخ حسن العراقي المدفون فوق الكوم المطل على بركة الرطلي، كان رضي الله عنه قد عمّر نحو مائة سنة وثلاثين سنة.) (3)
وفي النسخة المطبوعة ترددت إليه مع سيّدي أبي العباس الحريثي وقال: أريد أن أحكي لك حكايتي من مبتدأ أمري إلى وقتي هذا كأنك كنت رفيقي من الصغر.
فقلت له: نعم.
ص: 155
فقال: كنت شاباً من دمشق وكنت صانعاً وكنا نجتمع يوماً في الجمعة على اللهو واللعب والخمر، فجاءني التنبيه من الله تعالى يوماً ألهذا خلقت؟
فتركت ما هم فيه وهربت منهم، فتبعوا ورائي فلم يدركوني فدخلت جامع بني أمية فوجدت شخصاً يتكلم على الكرسي في شأن المهدیّ (علیه السلام ) ، فاشتقت إلى لقائه فصرت لا أسجد سجدة إلّا وسألت الله تعالى أن يجمعني عليه، فبينما أنا ليلة بعد صلاة المغرب أصلي صلاة السُنّة وإذا بشخص جلس خلفي وحسّ (1)على كتفي وقال لي: قد استجاب الله تعالى دعاءك يا ولدي مالك؟ أنا المهدیّ.
فقلت: تذهب معي إلى الدار.
فقال: نعم، فذهب معي.
فقال لي: أخل لي مكاناً أنفرد فيه فأخليت له مكاناً فأقام عندي سبعة أيام بلياليها ولقنني الذكر، وقال: أعلمك وردي تدوم عليه إن شاء الله تعالى تصوم يوماً وتفطر يوماً وتصلّي كل ليلة خمسمائة ركعة.
فقلت: نعم، فكنت أصلي خلفه كل ليلة خمسمائة ركعة وكنت شاباً أمرداً حسن الصورة، فكان يقول: لا تجلس قط إلّا ورائي.
فكنت أفعل، وكانت عمامته كعمامة العجم وعليه جبة من وبر الجمال، فلما انقضت السبعة أيام خرج فودعته، وقال لي يا حسن ما وقع لي قط مع أحدما وقع معك فدم على وردك حتى تعجز فإنك ستعمر عمراً طويل. (2)
ص: 156
وفي النسخة الأخرى العتيقة - بعد قوله: خمسمائة ركعة في كل ليلة -: وأن لا أضع جنبي على الأرض للنوم إلّا غلبته ثم طلب الخروج وقال لي: يا حسن لا تجتمع بأحد بعدي ويكفيك ما حصل لك منّي فما ثَمّ إلّا دون ما وصل إليك منّي فلا تتحمل منة أحد بلا فائدة.
فقلت: سمعاً وطاعة، وخرجت أودعه فأوقفني عند عتبة باب الدار وقال: من هنا، فأقمت على ذلك سنين عديدة... إلى أن قال الشعراني - بعد ذكر حكاية سياحة حسن العراقي -: وسألت المهدیّ (علیه السلام ) عن عمره؟
فقال: يا ولدي عمري الآن ستمائة سنة وعشرون سنة، ولي عنه الآن مائة سنة، فقلت ذلك لسيّدي على الخواص فوافقه على عمر المهدي (رضی الله عنهما ) (1) (2)
الثامن
الشيخ العارف علي الخواص.
قال الشعراني في طبقاته المسماة ب(اللواقح):
الله
(ومنهم: شيخي وأستاذي سيدي علي الخواص البرأُسي (3)- رضي الله تعالى عنه ورحمه - كان أميّاً لا يكتب ولا يقرأ، وكان رضي الله عنه يتكلّم على معاني
ص: 157
القرآن العظيم والسُنّة المشرفة كلاماً نفيساً تحيّر فيه العلماء، وكان محل كشفه اللوح المحفوظ عن المحو والإثبات، فكان إذا قال قولاً لا بد أن يقع على الصفة التي قال، وكنت أرسل له الناس يشاورونه عن احوالهم فما كان قط يحوجهم. إلى كلام، بل كان يخبر الشخص بواقعته التي أتى لأجلها قبل أن يتكلم، فيقول: طلق مثلاً، أو شارك، أو فارق، أو اصبر ، أو سافر، أو لا تسافر، فيتحير الشخص ويقول: من أعلم هذا بأمري؟
وكان له طب غريب يداوي به أهل الاستسقاء والجذام والفالج والأمراض المزمنة، فكل شيء أشار باستعماله يكون الشفاء فيه.
وسمعت سيدي محمد بن عفان رضي الله عنه يقول: الشيخ علي البرلسي أعطي التصريف في ثلاثة أرباع مصر وقراها وسمعته مرة أخرى يقول: لا يقدر أحد من أرباب الأحوال أن يدخل مصر إلا بإذن الشيخ علي الخواص رضي الله عنه. وكان رضي الله عنه يعرف أصحاب النوبة في سائر أقطار الأرض، ويعرف من تولّى منهم ساعة ولايته ومن عُزل ساعة عزله، ولم أرَ هذا القدم لأحد غيره من مشايخ مصر إلى وقتي هذا... ثم ذكر شرحاً طويلاً في كراماته ومقاماته وحالاته.) (1)
وقد عرفت تصريح الشعراني (2) في (اليواقيت) وفي (الطبقات) (3) بأنه صدّق
ص: 158
الحسن العراقي فيما أخبره به من عمر المهدي (علیه السلام) على ما نقله عنه. (1)
التاسع:
نور الدين عبد الرحمن بن أحمد بن قوام الدين الدشتي الجامي الحنفي الشاعر العارف المعروف صاحب شرح الكافية الدائر في أيدي المشتغلين.
قال محمود بن سليمان الكفوي في (أعلامالأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار) : (الشيخ العارف بالله والمتوجّه بالكلية إلى الله، دليل الطريقة، ترجمان الحقيقة، المنسلخ عن الهياكل الناسوتية، والمتوسل إلى السبحات اللاهوتية، شمس سماء التحقيق، بدر فلك التدقيق، معدن عوارف المعارف، مستجمع الفضائل، جامع اللطائف، المولى جامي نور الدين عبد الرحمن... إلى آخره). (2)
وله من المؤلفات كتاب (شواهد (النبوة وهو كتاب جليل معروف معتمد.
قال الجلبي في كشف الظنون): (شواهد النبوة) فارسي لمولانا نور الدين عبد الرحمن بن أحمد الجامي [المتوفّى سنة 898ه] (3) أوله الحمد لله الذي أرسل رسلاً مبشرين ومنذرين... إلى آخره.
وهو على مقدمة وسبعة أركان، وترجمه محمود بن عثمان المتخلّص ب(لامعي) المتوفّى في سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة.
ثم ترجمه أيضاً المولى عبد الحليم بن محمد الشهير ب(أخي زاده) من صدور الروم
ص: 159
المتوفّى في سنة ثلاث عشرة وألف وهو أحسن من ترجمة اللامعي عبارة وأداء. (1)
وقال العالم العلّامة القاضي حسين الديار البكري في أوّل كتابه الموسوم ب (تاريخ الخميس) : (هذه مجموعة من سيرة سيّد المرسلين وشمائل خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين انتخبتها من الكتب المعتبرة [تحفة للإخوان الكرام البررة ] (2) وهي (التفسير (الكبير) و (الكشاف)... إلى أن قال: و شواهد النبوة)... إلى آخره. (3)
وفي هذا الكتاب جعل الحجة ابن الحسن (علیه السلام) الإمام الثاني عشر، وذكر غرائب حالات ولادته وبعض معاجزه، وأنه الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، وروى عن حكيمة عمة أبي محمد الزكي (علیه السلام) ما ملخص ترجمته أنها قالت: كنت يوماً عند أبي محمد (علیه السلام) فقال : يا عمّة بيتي الليلة عندنا فإنّ الله تعالى يعطينا خلفاً.
فقلت: يا ولدي ممن فإنّي لا أرى في نرجس أثر حمل أبداً؟
فقال: يا عمّة، مثل نرجس مثل أم موسى لا يظهر حملها إلا في وقت الولادة،
فبت الليلة عنده فلما انتصف الليل قمت فتهجدت وقامت نرجس و تهجدت وقلت في نفسي: قرب الفجر ولم يظهر ما قاله أبو محمد (علیه السلام)! فناداني أبو محمد(علیه السلام) من مقامه لا تعجلي ياعمة.
فرجعت إلى بيت كانت فيه نرجس فرأيتها وهي ترتعد فضممتها إلى صدري
ص: 160
وقرأت عليها: (قل هو الله أحد) و (إنا أنزلناه) وآية الكرسي، فسمعت صوتاً من بطنها يقرأ ما قرأت ثمّ أضاء البيت فرأيت الولد على الأرض ساجداً، فأخذته فناداني أبو محمد (علیه السلام) من حجرته ياعمة، ائتيني بولدي، فأتيته به فأجلسه في حجره، ووضع لسانه في فمه وقال: تكلم يا ولدي بإذن الله تعالى.
فقال: «بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَتَمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين ) (1)ثم رأيت طيوراً خضراء أحاطت به فدعا أبو محمد (علیه السلام) واحداً منها وقال: خذه واحفظه حتى يأذن الله تعالى فيه فإنّ الله بالغ أمره.
فسألت أبا محمد (علیه السلام) ما هذا الطير وما هذه الطيور؟
:فقال هذا جبرئيل، وهؤلاء ملائكة الرحمة.
قال: يا عمّة، ردّيه إلى أمه كي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أنّ وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون (2)، فرددته إلى أمه ، ولما ولد كان مقطوع السرة مختوناً مكتوباً على ذراعه الأيمن: (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كَانَ زَهُوقاً ) (3)
وروى غيرها أنه: لما ولد جثا على ركبته ورفع سبابته إلى السماء وعطس فقال: الحمد لله رب العالمين.
وروي عن آخر قال: دخلت على أبي محمد (علیه السلام) فقلت: يا بن رسول الله، من
ص: 161
الخلف والإمام بعدك؟
فدخل الدار ، ثمّ خرج وقد حمل طفلاً كأنه البدر في ليلة تمامه في سن ثلاث سنين، فقال: يا فلان لولا كرامتك على الله لما أريتك هذا الولد، اسمه اسم رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وكنيته كنيته، هو الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً. (1)
وروي عن آخر قال: دخلت يوماً على أبي محمد (علیه السلام)ورأيت على طرفه الأيمن بيتاً أسبل عليه ستراً، فقلت يا سيّدي من صاحب هذا الأمر بعد هذا ؟ (2)
فقال: ارفع الستر، فرفعت الستر فخرج صبي في غاية من الطهارة والنظافة على خده الأيمن خال وله ذوائب، فجلس في حجر أبي محمد (علیه السلام)
فقال أبو محمد (علیه السلام)هل هذا صاحبكم، ثمّ قام من حجره، فقال أبو محمد(علیه السلام) : يا بني ادخل إلى الوقت المعلوم، فدخل البيت وكنت أنظر إليه، ثم قال لي أبو محمد(علیه السلام) : قم وانظر من في هذا البيت؟ فدخلت البيت فلم أرَ فيه أحداً.
وروي عن آخر قال: بعثني المعتضد (3) مع رجلين وقال: إن الحسن بن علي (علیهما السلام)توفي في سرّ من رأى فأسرعوا في المسير وتهجموا في داره فكل من رأيتم فيها فأتوني برأسه، فذهبنا ودخلنا داره فرأينا داراً نضرة طيبة كأن البناء فرغ من
ص: 162
عمارتها الساعة، ورأينا ستراً فيها فرفعناه فرأينا سرداباً فدخلنا فيه فرأينا بحراً في أقصاه حصير مفروش على وجه الماء ورجلاً في أحسن صورة عليه وهو يصلّي ولم يلتفت إلينا، فسبقني أحد الرجلين فدخل الماء فغرق واضطرب، فأخذت بيده وأخلصته فأراد الآخر أن يقدم إليه فغرق، فأخلصته فتحیرت، فقلت: يا صاحب البيت المعذرة إلى الله وإليك والله ما علمت الحال وإلى أين جئنا وتبت إلى الله فيما فعلت فلم يلتفت إلينا أبداً فرجعنا إلى المعتضد وقصصنا عليه القصة، فقال: اكتموا هذا السر وإلا أمرت بضرب أعناقكم (انتهى). (1)
وهذه الكرامات ليست مما تستغرب ويتعجب منها فإنّها بالنسبة إلى إقدار الله تعالى أولياءه عليها أمر هين وبالنسبة إلى الأولياء أمرٌ غير عزيز، وكتب مشايخ الصوفية مشحونة بذكر أضعاف أمثالها وفوقها ودونها في تراجم أعيانهم وأقطابهم.
هذا الشيخ الأكبر محيي الدين قال في الفتوحات كما نقله عنه الشعراني في (مختصرها)، وبرهان الدين الحلبي في إنسان العيون): قلت لابنتي زينب مرة وهي في سن الرضاعة قريباً عمرها من سنة: ما تقولين في الرجل يجامع حليلته ولم يُنزل؟
فقالت: يجب عليه الغسل، فتعجب الحاضرون من ذلك، ثمّ إنّي فارقت تلك البنت وغبت عنها سنة في مكة وكنت أذنت لوالدتها في الحج، فجاءت مع الحج الشامي، فلما خرجت لملاقاتها رأتني من فوق الجمل وهي ترضع، فقالت
ص: 163
بصوت فصيح قبل أن تراني أمها هذا أبي، وضحكت ورمت بنفسها إليّ.
قال: وقد رأيت - أي علمت - من أجاب أمه بالتسميت وهو في بطنها حين عطست، وسمع الحاضرون كلهم صوته من جوفها، شهد عندي الثقات بذلك، انتهى). (1)
وهذا القدر يكفي للمثال (2)
العاشر:
الحافظ محمد بن محمد بن محمود البخاري المعروف ب(خواجه بارسا) من أعيان علماء الحنفيّة وأكابر مشايخ النقشبندية.
قال الكفوي في (أعلام الأخيار) (... وقرأ العلوم على علماء عصره، وكان قد بهر على أقرانه (3) في دهره، وحصل الفروع والأصول، وبرع في المعقول والمنقول، وكان شاباً قد أخذ الفقه عن قدوة بقية أعلام الهدى الشيخ الإمام (الشيخ) العارف الربّاني أبي الطاهر محمد بن الحسن بن علي (4) الطاهري...)، ثمّ ذكر سلسلة مشايخه في الفقه وأنّه أخذ من صدر الشريعة وأنهاها إلى الإمام الأعظم أبي حنيفة.
ص: 164
قال: (وهو أعز خلفاء الشيخ الكبير خواجه بهاء الدین نقشبند). (1)
ومن مؤلفات عبد الرحمن الجامي (شرح كلمات خواجة بارسا).
فقال في كتابه فصل الخطاب - وهو كتاب معروف -: (قال في (كشف
الظنون): فصل الخطاب في المحاضرات للحافظ الزاهد محمد بن محمد الحافظي من أولاد عبيد الله النقشبندي المتوفى بالمدينة المنورة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة ودفن بها، أوله الحمد لله الدال لخلقه على وحدانيته... إلخ، وترجمته لأبي الفضل موسى ابن الحاج حسين الأزنيقي بإشارة أمور (2) بك ابن تیمور تاش باشا، وتعريب فصل الخطاب لأمير بادشاه محمد البخاري نزيل مكة فرغ منه في رجب سنة سبع وثمانين وتسعمائة. (3)
فقال ما لفظه ولما زعم أبو عبد الله جعفر بن أبي الحسن علي الهادي ( رضي الله عنه ) أنّه لا ولد لأخيه أبي محمد الحسن العسكري ( رضي الله عنه ) وادعى أن أخاه الحسن العسكري ( رضي الله عنه ) جعل الإمامة فيه، سُمّي: الكذاب وهو معروف بذلك، والعقب من ولد جعفر بن علي هذا في علي بن جعفر) وعقب علي هذا في ثلاثة عبد الله وجعفر وإسماعيل.
وأبو محمد الحسن العسكري ولده ( م ح م د) - رضي الله عنهما – معلوم عند خاصة خواص أصحابه وثقات أهله
ص: 165
ويُروى أن حكيمة بنت أبي جعفر محمد الجواد ( رضي الله عنه ) عمة أبي محمد الحسن العسكري ( رضي الله عنه ) كانت تحبه وتدعو له وتتضرّع أن ترى له ولداً، وكان أبو محمد الحسن العسكري ( رضي الله عنه ) اصطفى جارية يقال :لها نرجس فلمّا كان ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين دخلت حكيمة فدعت لأبي محمد الحسن العسكري ( رضي الله عنه ) فقال لها: يا عمة كوني الليلة عندنا لأمر، فأقامت كما رسم ، فلما كان وقت الفجر اضطربت نرجس فقامت إليها حكيمة، فلما رأت المولود أتت به أبو محمد الحسن العسكري ( رضي الله عنه ) وهو مختون مفروغ منه، فأخذه وأمر يده على ظهره وعينيه، وأدخل لسانه في فمه، وأذَن في أذنه اليمنى وأقام في الأخرى.
ثمّ قال: يا عمّة إذهبي به إلى أمه، فذهبت به وردّته إلى أمه.
قالت حكيمة فجئت إلى أبي محمد الحسن العسكري ( رضي الله عنه ) فإذا المولود بين يديه في ثياب صفر وعليه من البهاء والنور ما أخذ بمجامع قلبي، فقلت: سيدي هل عندك من علم في هذا المولود المبارك فتلقيه إلي؟ فقال: أي عمة هذا المنتظر، هذا الذي بشّرنا به.
فقالت حكيمة فخررت الله تعالى ساجدة شكراً على ذلك.
قالت: ثم كنت أتردد إلى أبي محمد الحسن العسكري ( رضي الله عنه ) فلمّا لم أره فقلت له يوماً: يا مولاي ما فعلت بسيدنا ومنتظرنا؟
قال ( رضي الله عنه ) : استودعناه الذي استودعته أم موسى ابنها).
وذكر في حاشية الكتاب كلاماً طويلاً في تضعيف ما نقله في المتن من
ص: 166
حديث ابن مسعود من أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال في حق المهدیّ (علیه السلام ): (يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي (1) )بكلام أوفى.
وحكاية المعتضد العباسي الذي (2) نقلها الجامي في (شواهد النبوة)، وبعض علامات قيام المهدیّ (علیه السلام )... إلى أن قال: (والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى ومناقب المهدي ( رضي الله عنه ) صاحب الزمان الغائب عن الأعيان الموجود في كل زمان كثيرة وقد تظاهرت الأخبار على ظهوره وإشراق نوره، يجدد الشريعة المحمدية ويجاهد في الله حق جهاده ويطهر من الأدناس أقطار بلاده، زمانه زمان المتقين وأصحابه خلصوا من الريب وسلموا من العيب وأخذوا بهديه
وطريقه واهتدوا من الحق إلى تحقيقه به ختمت الخلافة والإمامة وهو الإمام من لدن مات أبوه إلى يوم القيامة، وعيسى (علیه السلام) يصلّي خلفه ويصدقه على دعواه ويدعو إلى ملته التي هو عليها والنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) صاحب الملّة ) (3) (4)
الحادي عشر:
الحافظ أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس
قال في أوّل (أربعينه): (أخرج الرجال الثقات من قول النبي صلى الله عليه
ص: 167
وآله [قال ابن عباس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله] (1): من حفظ (عنّي) من أمتي أربعين حديثاً كنت له شفيعاً... إلى أن قال: فإن قال لنا السائل: ما هذه الأربعون حديثاً الذي (2) إذا حفظها الإنسان كان له هذا الأجر والثواب والفضل العظيم؟
قلنا الجواب، اعلم أن هذا السؤال وقع في مجلس السيد محمد بن إدريس الشافعي فقال: هي مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه [وعلى أهل بيته الصلاة و] (3) السلام، مما أخبرنا به السيد جلال الدين محمد بن يحيى بن أبي بكر العباسي قال: حدّثنا محيي الدين محمد بن غنا، قال: حدّثنا الفقيه يوسف بن إبراهيم الهروي، قال: أخبرنا سمعان بن محمد الجوهري الغزنوي عن الشيخ شيبان المقرئ ابن عمر الفرداني(4) قال: حدّثنا يحيى بن بكريا بن أحمد البلخي قاضي الشام، قال: حدّثنا أبو جعفر الترمذي، قال: حدّثنا محمد بن الليث، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول:
ما أعلم أحداً أعظم منّةً على الإسلام في زمن الشافعي من الشافعي وإنّي لأدعو إلى الله في عقيب الصلاة، فأقول: اللهم اغفر لي ولوالدي ولمحمد بن إدريس الشافعي، منذ يوم سمعت منه أن الأحاديث الأربعين [التي] (5) أراد بها النبي صلى
ص: 168
الله عليه وآله [هي ] (1) مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته (علیهم السلام)
قال أحمد بن حنبل: فخطر ببالي من أين صح عند الشافعي [هذا] (2)، فرأيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في النوم (3) وهو يقول [لي يا أحمد ] (4): شككت في قول محمد بن إدريس الشافعي عن قولي من حفظ من أمتي أربعين حديثاً (عنّي ) (5) في فضائل أهل بيتي كنت له شفيعاً يوم القيامة، أما علمت أن فضائل أهل بيتي لا تُحصى. (6)
إلى أن قال: (الحديث الرابع) :
أخبرنا محمود بن محمد الهروي بقريته في جامعها في سلخ ذي الحجة... (7):قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله عن سعد بن عبد الله عن عبد الله (8) بن جعفر الحميري، قال: حدّثني محمد بن عيسى الأشعري، عن أبي حفص أحمد بن نافع البصري، قال: حدّثني أبي وكان خادماً للإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا (علیهما السلام)، قال : حدّثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر الصادق، قال: حدّثني أبي باقر علم الأنبياء محمد بن علي،
ص: 169
قال: حدّثني أبي سيّد العابدين علي بن الحسين، قال: حدّثني أبي سيّد الشهداء الحسين بن علي(علیه السلام)، قال: حدّثني أبي سيّد الأوصياء علي بن أبي طالب (علیه السلام) أنه قال:
قال لي أخي رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من أحب أن يلقى الله عزّ وجل وهو مقبل عليه غير معرض عنه فليتولك (1)، ومن سرّه أن يلقى الله عزّ وجل وهو راض عنه فليتول ابن كل الحسن ا و و و ومن أحب أن يلقى الله ولا خوف عليه فليتول ابنك الحسن(علیه السلام)، ومن أحب أن يلقى الله وقد تمحص عن ذنوبه فليتول علي بن الحسين (علیه السلام)، فإنّه كما قال الله تعالى: (سيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) (2) ، ومن أحب أن يلقى الله عز وجل وهو قرير العين فليتول محمد بن علي (علیه السلام)، ومن أحب أن يلقى الله عزّ وجل فيعطيه كتابه بيمينه فليتول جعفر بن محمد (علیه السلام) ومن أحب أن يلقى الله طاهراً مطهراً فليتول موسى بن جعفر النور الكاظم (علیه السلام) و من أحب أن يلقى الله وهو ضاحك فليتول علي بن موسى الرضا (علیه السلام) و من أحب أن يلقى الله وقد رفعت درجاته وبدلت سيئاته حسنات فليتول ابنه محمد(علیه السلام) ، ومن أحب أن يلقى الله عز وجل فيحاسبه حساباً يسيراً ويدخله جنّةً عرضها السموات والأرض أعُدت للمتقين (3) فليتول ابنه عليا (علیه السلام) ومن أحب أن يلقى الله عزّ وجل وهو من الفائزين فليتول ابنه الحسن العسكري(علیه السلام)، ومن أحبّ أن يلقى الله عزّ وجل وقد كمل إيمانه وحسن إسلامه فليتول ابنه [المنتظر محمداً ] (4)صاحب الزمان المهدیّ (علیه السلام )، فهؤلاء مصابيح الدجى وأئمة الهدى وأعلام التقى
ص: 170
فمن أحبهم وتولاهم كنت ضامناً له على الله الجنّة، انتهى). (1)
ولا يريب العاقل أنه معتقد بصحة الخبر وبمضمونه وإلا لما أودعه في أربعينه وقد قال في أوّله ما نقلناه، وقال في آخر كلامه: (وإنما ملت إلى تفضيلهم - يعني أهل البيت(علیهم السلام) - بعد أن تقدمت مذاهبنا فعرفتها وبانت لي الحقيقة فقبلتها (2) وتبينت الطريقة فسلكتها بالشواهد اللائحة والأخبار الصحيحة الواضحة ونُبئت بها عن (3) الثقات وأهل الورع والديانات وكذلك أديناها حسب ما رويناها، قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). (4)
وعن الذهبي في (دول الإسلام ) سنة اثنتي عشرة وأربعمائة: وفيها مات الحافظ أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس. (5)
وكذا رأيت في كامل ابن الأثير في حوادث السنة المذكورة. (6)
الثاني عشر:
أبو المجد عبد الحق الدهلوي البخاري العارف المحدث الفقيه صاحب التصانيف الشائعة الكثيرة، وقد ذكر أحواله ومؤلفاته جماعة كثيرة في فهارستهم.
ص: 171
قال العالم المعاصر الصديق (1) حسن خان الهندي في كتابه الموسوم ب(أبجد العلوم ) المطبوع سنة (1295): (الشيخ عبد الحق الدهلوي هو المتضلع من الكمال الصوري والمعنوي، رُزق من الشهرة قسطاً جزيلاً، وأثبت المؤرخون ذكره إجمالاً وتفصيلاً، وحفظ القرآن وجلس على مسند الإفادة وهو ابن اثنتين وعشرين سنة، ورحل إلى الحرمين الشريفين، وصحب الشيخ عبد الوهاب المتقي خليفة الشيخ علي المتقي، واكتسب علم الحديث، وعاد إلى الوطن واستقر به اثنتين وخمسين سنة بجمعية الظاهر والباطن، ونشر العلوم، م كتاب المشكاة بالفارسي وكتب شرحاً على سفر السعادة، وبلغت تصانيفه مائة مجلد.
ولد في محرّم سنة (958) وتوفّي سنة (1052)، وأخذ الخرقة القادرية من الشيخ موسى القادري من نسل الشيخ عبد القادر الجيلاني،... وكانت له اليد الطولى في الفقه الحنفي... إلى آخره.) (2)
وذكره الشيخ عبد القادر البدايوني المعاصر له في (منتخب التواريخ وبالغ في مدحه وذكر فضائله، وكذا مؤلّف منتخب اللباب) المطبوع في كلكته، وكذا السيّد الممجد حسان الهند المولى غلام علي آزاد البلكرامي في (مآثر
ص: 172
الكرام في كلام طويل، وبالغ في الإطراء عليه أيضاً. (1)
وبالجملة: فجلالة قدره وعلو مقامه غير خفية على أهل هذا الفن، ومن مؤلفاته: (جذب القلوب إلى ديار المحبوب وهو تاريخ المدينة الطيبة، قد طبع مرات.
فقال في رسالة له في المناقب وأحوال الأئمة الأطهار (علیهم السلام)وهي مذكورة في فهرست مؤلّفاته - وأشار إليها فى كتاب (تحصيل الكمال ) على ما نقله عنه بعض الثقات الأعلام من المعاصرين (رحمهم الله ) (2) - فقال فيه بعد ذكر أمير المؤمنين والحسنين والسجاد والباقر والصادق (علیهم السلام)(وهؤلاء من أئمة أهل البيت وقع لهم ذكر في الكتاب... إلى أن قال: ولقد تشرفنا بذكرهم جميعاً في رسالة منفردة... إلى آخره). (3)
فقال في الرسالة:
وأبو محمد الحسن العسكري ولده (م ح م د) رضي الله عنهما معلوم عند خواص أصحابه وثقاته... ثمّ نقل قصة الولادة بالفارسية على طبق ما مر عن فصل الخطاب للخواجة محمد بارسا (4)(5)
ص: 173
الثالث عشر:
السيد جمال الدين عطاء الله ابن السيّد غياث الدين فضل الله ابن السيد عبد الرحمن المحدث المعروف صاحب كتاب (روضة الأحباب) الدائر بين أولي الألباب الذي عدّه القاضي حسين الديار بكري في أوّل (تاريخ الخميس من الكتب المعتمدة. (1)
وفي كشف الظنون: (روضة الأحباب في سيرة النبي (صلى الله عليه و آله )والآل والأصحاب) فارسي لجلال الدين (2) عطاء الله بن فضل الله الشيرازي النيسابوري المتوفّى سنة (926ه) (3) ألفه في مجلدين بالتماس الوزير مير علي شير بعد الاستشارة مع أستاذه وابن عمه السيد أصيل الدين عبد الله وهو على ثلاثة مقاصد... إلى آخره. )(4)
ولبلاغته وعذوبة كلامه ننقل عین عبارته قال: «كلام در بیان امام دوازدهم [ مؤتمن ] (5) ( م ح م د ) ابن الحسن تولد همایون آن در درج ولایت وجوهر معدن هدایت بقول أكثر أهل روايت در منتصف شعبان سنه دویست و پنجاه و پنج در سامره اتفاق افتاد و گفته شده در بیست وسيم از شهر رمضان (6) دویست و پنجاه و هشت و مادر آن عالي گوهرام ولد بوده ومسماة بصيقل يا سوسن وقيل: نرجس وقيل حكيمة وآن إمام ذى الاحترام در كنیت و نام با حضرت خیر
ص: 174
الأنام عليه وآله تحف الصلاة والسلام موافقت دارد ومهدي منتظر والخلف الصالح وصاحب الزمان در ألقاب أو منتظم است در وقت پدر بزرگوار خود بروايت أوّل که بصحت أقربست پنج ساله بود وبقول ثانی دو ساله وحضرت واهب العطايا آن شکوفه گلزار را مانند یحیی وزكريا سلام الله عليهما در حالت طفولیت حکمت کرامت فرمود و در وقت صبا بمرتبه بلند إمامت رسانيد وصاحب الزمان يعني مهدیّ (علیه السلام ) دوران در زمان معتمد خلیفه در سنه دویست و شصت و پنج یا شصت و شش علی اختلاف القولین در سردابه سرّ من رأی از نظر فرق برایا غایب شد.
وبعد ذكر کلماتی چند در اختلاف درباره آنجناب ونقل بعضی روایات صریحه در آنکه مهدي موعود (علیه السلام) همان حجّة ابن الحسن العسکري (علیه السلام) است گفته: راقم حروف گوید که چون این سخن بدینجار سید جواد خوش خرام خامه طي بساط انبساط واجد ديد رجاء واثق ووثوق صادق که ليالي مهاجرت محبان خاندان مصطفوي وايام مصابرت مخلصان دودمان مرتضوی بنهایت رسند و آفتاب طلعت با بهجت صاحب الزمان على أسرع الحال از مطلع نصرت واقبال طلوع نماید تا رایت هدایت اینان مظهر أنوار فضل واحسان از مشرق مراد بر آمده غمام حجاب از چهره عالمتاب بگشاید بهمین اهتمام آن سرور عالي مقام اركان مباني ملت بيضا ما نند ایوان سپهر خضراء سمت ارتفاع و استحکام گیرد وبحسن اجتهاد آن سيّد ذى الاحترام قواعد بنيان ظلم ظلام نشان در بسیط غبرا صفت انخفاض وانعدام پذیرد واهل اسلام در ظلال اعلام ظفر اعلامش از تاب آفتاب حوادث امان و خوارج شقاوت فرجام از اصابت حسام خون آشامش
ص: 175
جزای اعمال خویش یافته بقعر جهنم شتابند ولله در من قال أبيات:
بيا أي امام هدايت شعار*** که بگذشت از حد غم انتظار
زروی همایون برافکن نقاب*** عیان ساز رخسار چون آفتاب
برون آی از منزل اختفا ***نمایان کن آثار مهر ووفا (1)
ص: 176
وهذه الكلمات من الصراحة في أن معتقده في المهدي الموعود (علیه السلام) معتقد الإمامية بمكان لا يحتاج إلى البيان. (1)
الرابع عشر:
الحافظ أبو محمد أحمد بن إبراهيم بن هاشم الطوسي البلاذري - بفتح الباء الموحدة وبعدها الألف وضم الذال وفي آخرها الراء - هذه النسبة إلى البلاذر. (2)
قال السمعاني في (الأنساب الكبير): (والمشهور بهذا الانتساب أبو محمد أحمد بن إبراهيم بن هاشم المذكر الطوسي البلاذري الحافظ [الواعظ ] (3) من أهل طوس، كان حافظاً [ فاضلاً ] (4) فهماً عارفاً بالحديث، سمع بطوس إبراهيم بن
ص: 177
إسماعيل العنبري وتميم بن محمد الطوسي، وبنيسابور عبد الله بن شيرويه وجعفربن أحمد الحافظ، وبالرّي محمد بن أيوب والحسن بن أحمد بن الليث، وببغداد يوسف بن يعقوب القاضي، وبالكوفة محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، وأقرانهم، سمع منه الحاكم أبو عبد الله الحافظ.
[وقال الحافظ أبو عبد الله ] (1): أبو محمد البلاذري الواعظ الطوسي کان واحد عصره في الحفظ والوعظ ومن أحسن الناس عشرة وأكثرهم فائدة، وكان يكثر المقام بنيسابور ويكون له في كل أسبوع مجلسان عند شيخي البلد: أبي الحسن (2) المحمي وأبي نصر العبدي.
وكان أبو علي الحافظ ومشايخنا يحضرون مجالسه ويفرحون بما يذكره على [ رؤوس] (3) الملأ من الأسانيد، ولم أرهم قط غمزوه (4) في إسناد أو اسم أو حديث، وكتب بمكة عن إمام أهل البيت (علیهم السلام) أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا (علیهم السلام)
وذكر أبو الوليد الفقيه قال: كان أبو محمد البلاذري يسمع كتاب الجهاد من محمد بن إسحاق وأمه عليلة بطوس... إلى أن قال: قال الحاكم [و] (5) استشهد
ص: 178
فقال علامة عصره الشاه ولي الله الدهلوي والد عبد العزيز المعروف ب(شاه صاحب )صاحب (التحفة الإثنا عشرية في الردّ على الإماميّة) - الذي وصفه ولده بقوله: (خاتم العارفين وقاصم المخالفين، سيّد المحدثين، سند المتكلمين، حجّة الله على العالمين... إلى آخره) (4)(4) في كتاب (النزهة) أن الوالد روى في (المسلسلات المشهور ب( الفضل المبين) :(قلت :شافهني ابن عقلة بإجازة جميع ما يجوز له روايته، ووجدت في مسلسلاته حديثاً مسلسلاً بانفراد كل راو من رواته بصفة عظيمة تفرد بها.
قال (رحمه الله ) : أخبرني فريد عصره الشيخ حسن بن علي العجمي، أنا حافظ عصره جمال الدين البابلي، أنا مسند وقته محمد الحجازي الواعظ، أنا صوفي زمانه الشيخ عبد الوهاب الشعراني، أنا مجتهد عصره الجلال السيوطي، أنا حافظ عصره أبو نعيم رضوان العقبي أنا مقرئ زمانه الشمس محمد بن الجزري، أنا الإمام جمال الدين محمد بن محمد الجمال زاهد عصره، أنا الإمام محمد بن مسعود
ص: 179
محدث بلاد فارس في زمانه، أنا شيخنا إسماعيل بن مظفر الشيرازي عالم وقته، أنا عبد السلام بن أبي الربيع الحنفي محدّث زمانه، أنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن شابور القلانسي شيخ عصره، أنا عبد العزيز، ثنا محمد الآدمي إمام أوانه أنا سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان نادرة دهره (1)، ثنا أحمد بن محمد بن هاشم البلاذري حافظ ،زمانه ، ثنا ( م ح م د) بن الحسن بن علي المحجوب إمام عصره، ثنا الحسن بن علي، عن أبيه، عن جده عن أبي جده علي بن موسى الرضا (علیهم السلام)، ثنا موسى الكاظم (علیه السلام)، قال: ثنا أبي جعفر الصادق، ثنا أبي محمد الباقر ابن علي، ثنا أبي علي بن الحسين السجاد (2)، ثنا أبي الحسين سيّد الشهداء، ثنا أبي علي بن أبي طالب (علیهم السلام)سيّد الأولياء، قال: أخبرنا سيد الأنبياء محمد بن عبد الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، قال : أخبرني جبرئيل سيّد الملائكة قال: قال الله تعالى سيد السادات: «إنِّي أنا الله لا إله إلا أنا من أقرّ لي بالتوحيد دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي».
قال الشمس بن الجزري: كذا وقع هذا الحديث من المسلسلات السعيدة والعهدة فيه على البلاذري). (3)
وقال الشاه ولي الله المذكور أيضاً في رسالة (النوادر من حديث سيّد الأوائل
ص: 180
والأواخر) ما لفظه: ([حديث] (1) ( م ح م د) بن الحسن الذي يعتقد الشيعة أنه المهدي عن آبائه الكرام وجدت في مسلسلات الشيخ محمد بن عقلة المكي عن الحسن العجيمي، (ح) أخبرنا أبو طاهر أقوى أهل عصره سنداً اجازة لجميع ما تصح له روايته قال: أخبرنا فريد عصره الشيخ حسن بن علي العجيمي... إلى آخر ما تقدم باختلاف جزئي في تقديم بعض الألقاب وتأخيره على الأسامي). (2)
وعن السيوطي في (رسالة التدريب قال : (وذكر في شرح النخبة أن المسلسل بالحفاظ مما يفيد العلم القطعي...الخ). (3)
وقد عرفت ما ذكره السمعاني في حق البلاذري فلا موقع لما ذكره الجزري (4)
الخامس عشر :
الشيخ العالم الأديب الأوحد حجة الإسلام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن الخشاب المذكور في تاريخ ابن خلكان) بقوله بعد الترجمة: (المعروف بابن الخشاب البغدادي العالم المشهور في الأدب والنحو والتفسير والحديث والنسب والفرائض والحساب وحفظ القرآن العزيز بالقراءات الكثيرة، وكان متضلّعاً من العلوم وله فيها اليد الطولى... إلى آخر ما ذكره هو). (5)
ص: 181
وكذا السيوطي في (طبقات النحاة) فقد بالغ في الثناء عليه. (1)
فقال في كتابه في تواريخ مواليد الأئمة ووفياتهم (علیهم السلام)، وهو كتاب صغير معروف ينقل عنه ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة)،(2) وعلي بن عيسى الإربلي الموثق المعتمد عند أهل السنة (3) كتابه الموسوم ب(كشف الغمة) (4) فقال فيه بإسناده عن أبي بكر أحمد بن نصر بن عبد الله بن الفتح الزارع النهرواني، حدّثنا صدقة بن موسى، حدّثنا أبي، عن الرضا (علیه السلام)، قال: «الخلف الصالح من ولد أبي محمد الحسن بن علي وهو صاحب الزمان وهو المهدیّ (علیه السلام )».
وحدّثني الجراح بن سفيان، قال: (حدّثني أبو القاسم طاهر بن هارون بن موسى العلوي، عن أبيه ،هارون عن أبيه موسى، قال: قال سيدي جعفر بن محمد الخلف الصالح من ولدي هو المهدیّ (علیه السلام )، اسمه ( م ح م د)، وكنيته أبو القاسم، يخرج في آخر الزمان، يقال لأمه صيقل».
قال لنا أبو بكر الزارع(5) وفي رواية أخرى، بل أمه: حكيمة.
وفي رواية أخرى ثالثة يقال لها: نرجس، ويقال: بل سوسن، والله أعلم بذلك. يكنى بأبي القاسم، وهو ذو الاسمين خلف و (م ح م د)، يظهر في آخر الزمان
ص: 182
على رأسه غمامة تظله من الشمس تدور معه حيث ما دار، تنادي بصوت فصيح : هذا هو المهدیّ (علیه السلام ).
حدّثني محمد [بن موسى] (1) الطوسي الطوسي قال: حدّثنا أبو السكين، عن بعض أصحاب التاريخ، أن أم المنتظر يقال لها: حكيمة.
حدّثني محمد بن موسى الطوسي، حدّثني عبيد الله بن محمد، عن الهيثم بن عدي قال: يقال: كنية الخلف الصالح أبو القاسم، وهو ذو الاسمين. (2)
هذا آخر الكتاب. (3)
السادس عشر:
شهاب الدين بن شمس الدين بن عمر الهندي المعروف بملك العلماء صاحب التفسير الموسوم ب (البحر المواج) قال في ( سبحة المرجان) (مولانا القاضي شهاب الدين بن شمس الدين بن عمر الزاولي الدولة آبادي [نوّر الله ضريحه]،(4) ولد القاضي بدولة آباد دهلي وتلمذ على القاضي عبد المقتدر الدهلوي ومولانا خواجكي الدهلوي [وهو من تلامذة مولانا معين الدين العمراني رحمه الله تعالى ] (5)ففاق أقرانه وسبق إخوانه وكان القاضي عبد المقتدر يقول في حقه يأتيني من الطلبة من جلده علم ولحمه علم وعظمه علم – إلى أن
ص: 183
ذكر هجرته إلى جونفور ولقبه سلطانه بملك العلماء - فزين القاضي مسند الإفادة وفاق(1) البرجيس في إفاضة السعادة وألف كتباً سارت بها ركبان العرب والعجم واذكى سُرُجاً أهدى من النار الموقدة على العلم منها: البحر المواج – تفسير القرآن العظيم بالفارسية -... إلى أن قال ومناقب السادات بتلك العبارة – أي بالفارسية - قال وتوفى سنة (849) انتهى. (2)
وكتابه: (المناقب) موسوم ب(هداية السعداء) (3) فقال فيه: (ويقول أهل السنة: إن خلافة الخلفاء الأربعة ثابت بالنص كذا في عقيدة الحافظية.
قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : خلافتي ثلاثون سنة، وقد تمت ،بعلي، وكذلك خلافة الأئمة الإثني عشر، أولهم: الإمام علي كرم الله وجهه، وفي خلافته ورد حديث الخلافة ثلاثون سنة، والثاني: الإمام الشاه حسن رضي الله عنه، قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : هذا ابنى سيّد سيصلح بين المسلمين الثالث: الشاه حسين رضي الله عنه، قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : هذا ابنى سيّد ستقتله الباغية، وتسعة من ولد الشاه حسين رضي الله عنه قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : بعد الحسين بن كانوا من أبنائه تسعة أئمة آخرهم القائم (علیه السلام)
ص: 184
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: دخلت على فاطمة بنت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وبين يديها ألواح وفيها أسماء أئمة من ولدها فعددت أحد عشر اسماً آخرهم القائم. (علیه السلام)
ثم أورد على نفسه سؤالاً أنه: لِمَ لَم يدع زين العابدين الخلافة؟ فأجاب عنه بكلام طويل حاصله أنه رأى ما فعل بجده أمير المؤمنين وأبيه (علیهما السلام)من الخروج والقتل والظلم، وسمع أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) رأى في منامه أن أجرية(1) الكلاب تصعد على منبره وتعوي فحزن فنزل عليه جبرئيل بالآية:( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلف شهر)، وهي مدة ملك بني أمية وتسلطهم على عباد الله، فخاف وسكت إلى أن يظهر المهدیّ (علیه السلام ) من ولده، فيرفع الألوية ويُخرج السيف فيملأ الأرض عدلاً وقسط... إلى أن قال: وأولهم الإمام زين العابدين، والثاني الإمام محمد الباقر، والثالث الإمام جعفر الصادق ابنه والرابع الإمام موسى الكاظم ابنه، والخامس الإمام علي الرضا ابنه، والسادس الإمام محمد التقي ابنه، والسابع الإمام علي النقي ابنه والثامن الإمام الحسن العسكري ابنه، والتاسع الإمام حجة الله القائم الإمام المهدیّ (علیه السلام ) ابنه، وهو غائب وله عمر طويل، كما بين المؤمنين عيسى وإلياس وخضر، وفي الكافرين الدجال والسامري انتهى المقصود من كلامه وفيه الكفاية) (2)(3)
ص: 185
السابع عشر:
الشيخ العالم المحدث علي المتقي بن حسام الدين ابن القاضي عبد الملك ابن قاضي خان القرشي من كبار العلماء وقد مدحوه في التراجم ووصفوه بكل جميل.
قال الشيخ عبد القادر ابن الشيخ عبد الله في (النور السافر عن أخبار القرن العاشر): (في ليلة الثلاثاء وقت السَّحر توفي العالم الصالح الولي الشهير العارف بالله تعالى على المتقي... إلى أن قال: وكان من العلماء العاملين وعباد الله الصالحين على جانب عظيم من الورع والتقوى والاجتهاد في العبادة ورفض السؤى (1) ، وله مصنفات عديدة. )
وذكر شرحاً في رياضته في الأكل والنوم وعزلته عن الناس... إلى أن قال: (ومؤلّفاته كثيرة نحو مائة مؤلّف ما بين صغير وكبير، ومحاسنه جمة ومناقبه ضخمة، وقد أفردها العلامة عبد القادر بن أحمد الفاكهي [المكي] (2) فی تأليف لطيف سمّاه: (القول النقي في مناقب المتقي) ونقل عنه قال: ما اجتمع به أحد من العارفين أو العلماء العاملين [ أو اجتمع هو عليهم] (3) إلا [و] (4)أثنوا عليه ثناء بليغاً كشيخنا تاج العارفين أبي الحسن البكري، وشيخنا الفقيه العارف الزاهد الوجيه العمودي، وشيخنا إمام الحرمين الشهاب ابن حجر الشافعي، وصاحبنا فقيه مصر
ص: 186
شمس الدين الرملي الأنصاري، وشيخنا فصيح علماء عصره شمس [الدين] (1) البكري، ولكلّ من هؤلاء الجلة عندي ما دل على كمال مدحه شيخنا المتقي بحسن استقامته... إلى آخر ما قال) (2)
وذكره الشعراني في (لواقح الأخيار ) قال : ( ومنهم الشيخ الصالح الورع الزاهد سيدي علي الهندي ( رضي الله عنه ) اجتمعت به في سنة سبع وأربعين [ وتسعمائة ] (3) بمكة المشرفة مدة إقامتي بالحجّ وانتفعت برؤيته ولحظه... إلخ ). (4)
وبالغ في مدحه محمد طاهر الكجراتي في خطبة كتابه (مجمع البحار). (5)
وذكره حسان الهند غلام علي آزاد في (سبحة المرجان) وأطال الكلام فيه قال: (وكان الشيخ ابن حجر صاحب الصواعق المحرقة أستاذاً للمتقي وفي الآخر تلمذ على المتقي ولبس الخرقة منه... إلخ). (6)
وذكره أيضاً الشيخ عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي البخاري وأثنى عليه
ص: 187
ثناء بليغاً. (1)
ومن مؤلفاته المعروفة كنز العمال، وتبويب جامع الصغير للسيوطي على أبواب الفقه، ورتب جمع الجوامع له أيضاً واستحسنه أهل عصره حتى قال أبو الحسن البكري: (للسيوطي منة على العالمين وللمتقي منة عليه توفي سنة 975). (2)
فقال في (المرقاة في شرح المشكاة ) بعد ذكر حديث اثني عشرية الخلفاء قلت: (وقد حمل الشيعة الاثنا عشرية على أنهم من أهل (بيت) (3)النبوة متوالية أعم من أن لهم خلافة حقيقة يعني ظاهراً أو استحقاقاً فأولهم علي، ثم الحسن والحسين، فزين العابدين فمحمد الباقر ، فجعفر الصادق، فموسى الكاظم، فعلي الرضا، فمحمد التقي فعلي النقي، فحسن العسكري، فمحمد المهدي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين على ما ذكرهم زبدة الأولياء خواجة محمد پارسا في کتاب (فصل الخطاب) مفصلةً، وتبعه مولانا نور الدين عبد الرحمن الجامي في أواخر (شواهد النبوة)، وذكرا فضائلهم ومناقبهم وكراماتهم [ و مقاماتهم ] (4) مجملة، وفيه ردّ على الروافض، حيث يظنون بأهل السنة أنهم يبغضون أهل البيت باعتقادهم الفاسد ووهمهم الكاسد انتهى) (5)
ص: 188
وأوّل كلامه وإن كان نقلاً لمذهب الشيعة (1) إلا أن آخره صريح في التصديق بما قالوا.
وقال أيضاً في كتابه (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان): «عن أبي عبد الله الحسين بن علي (علیهما السلام) قال : الصاحب هذا الأمر - يعني المهدیّ (علیه السلام ) - غيبتان إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات وبعضهم ذهب لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلى أمره». (2)
عن أبي جعفر محمد بن علي (علیهما السلام) قال: يكون لصاحب هذا الأمر - يعني المهدیّ (علیه السلام ) - غيبة في بعض هذه الشعاب وأومأ بيده إلى ناحية ذي طوى، حتى إذا كان قبل خروجه أتى المولى الذي يكون معه حتى يلقى (3) بعض أصحابه فيقول: كم أنتم [ ههنا ] (4) ؟ فيقولون: نحواً من أربعين رجلاً. فيقول: كيف أنتم لو رأيتم صاحبكم؟ فيقولون: والله لو يأوي الجبال ،لنأواها، ثم يأتيهم من المقابلة فيقول: استبروا من رؤسائكم عشرة، فيستبرون له فينطلق م حتى يلقوا صاحبهم ويعدهم الليلة التي يليها يليها (5)». (6)
ص: 189
الثامن عشر:
العالم المعروف فضل بن روزبهان شارح الشمائل للترمذي.
قال في أوله: (يقول الفقير إلى الله تعالى مؤلف هذا الشرح أبو الخير فضل الله بن أبي محمد روزبهان بن محمد بن فضل الله بن محمد بن إسماعيل بن علي الأنصاري أصلاً وتباراً، الخنجي محتداً، الشيرازي مولداً، الإصبهاني داراً، المدني موتاً وإقباراً إنشاء الله تعالى، أخبرنا بكتاب الشمائل... إلخ). (1)
وهو الذي تصدى لردّ كتاب (نهج الحق) للعلّامة الحلي حسن بن يوسف بن المطهر، وسمّاه (إبطال الباطل)، وهو مع شدة تعصبه وإنكاره لجملة من الأخبار الصحيحة الصريحة، بل بعض ما هو كالمحسوس وافق الإمامية في هذا المطلب، فقال في شرح قول العلّامة: المطلب الثاني في زوجته وأولاده كانت فاطمة سيدة نساء العالمين زوجته... وساق بعض فضائلها وفضائل الأئمة من ولدها. (2)
قال الفضل :
أقول: ( ما ذكر من فضائل فاطمة صلوات الله على أبيها وعليها، وعلى سائر آل محمد والسلام أمر لا ينكر ، فإن الإنكار على البحر برحمته، وعلى البر بسعته، وعلى الشمس بنورها، وعلى الأنوار بظهورها، وعلى السحاب بجوده، وعلى الملك بسجوده، إنكاراً لا يزيد المنكر إلا الاستهزاء به، ومن هو قادر على أن
ص: 190
ينكر على جماعة هم أهل السداد، وخزان معدن النبوة، وحفاظ آداب الفتوة صلوات الله وسلامه عليهم ، ونعم ما قلت فيهم منظوماً:
سَلامٌ على المُصطَفى المُجْتَبى*** سَلامٌ على السيّد المرتضى
سَلامٌ عَلَى سِتنا فاطمة*** مَنِ اخْتارَهَا اللهُ خَيرالنسا
سَلامٌ مَن المسك أنفاسه*** على الحَسَن الألمعي الرضا
سَلامٌ عَلَى الأورعيّ الحُسَين *** شهيدٌ بَرَى جسمه کربلا
سَلامٌ عَلَى سيد العابدين*** علي بن حسين المجتبى (1)
سلام عَلَى الباقر المُهتَدي ***سلام على الصادق المُقْتَدَى
سلام عَلَى الكاظِمِ المُمْتَحَنَ ***رَضِي السجايا إمام التى
سلام عَلَى الثامن المُؤْتَمَنْ ***علي الرّضَا سَيّد الأصفيا
سلام عَلَى عَلَى المُتَّقی التقی*** مُحَمَّد الطَّيّب المُرْتَجَی
سلام عَلَى الأَرْيَحيُّ النقيّ*** علي المُكَرَمِ هَادِي الوَرَى
سَلَامٌ عَلَى السَّيّد العَسْكَري ***إمام يُجَهرُ جَيْشَ الصَّفا
سَلامٌ عَلَى القَائِمِ المُنْتَظَر*** أبي القاسِمِ القَرْمِ نُوْرِ الهُدَى (2)
ص: 191
سَيَطلُعُ كالشَّمْسِ في غاسق*** يُنَجِّيه من سَيْفه المُنْتَقَی
تَرَى يَمْلأُ الأَرْضِ مَنْ عَدله*** كَما مُلَتْ جَوْرَ أَهْل الهَوَى
سَلامٌ عَلَيْهِ وآبائه ***وأنْصَارِهِ ما تَدُومُ السَّما) (1)
فنص من غير تردد أن المهدي الموعود القائم المنتظر هو الثاني عشر من هؤلاء الأئمّة الغر الميامين الدرر (علیهم السلام) والحمد لله. (2)
التاسع عشر:
الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بنور الله من خلفاء [الدولة] (3)العباسية، وهو الذي أمر بعمارة السرداب الشريف، وجعل على الصفة التي فيه شباكاً من خشب ساج منقوش عليه:
(بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا المَودَة فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (4) ، هذا ما أمر بعمله سيّدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على جميع الأنام أبو العباس أحمد الناصر لدين الله (5)، أمير المؤمنين وخليفة ربّ العالمين، الذي طبق البلاد إحسانه وعدله
ص: 192
وعمّ (1) البلاد رأفته وفضله، قرّب الله أوامره الشريفة باستمرار النجح والنشر(2)، وناطها بالتأييد والنصر (3)، وجعل لأيامه المخلّدة حداً لا يكبو جواده، ولآرائه (4) الممجدة سعداً لا يخبو زناده، في عزّ تخضع له الأقدار فيطيعه (5) عواصيها، وملك خشع له الملك (6) فيملكه نواصيها بتولّي المملوك معد بن الحسين(7) بن معد الموسوي الذي يرجو الحياة في أيامه المخلّدة، ويتمنّى إنفاق عمره في الدعاء لدولته المؤبدة (8) ، استجاب الله أدعيته وبلّغه فى أيامه الشريفة أمنيته من سنة ست وستمائة الهلالية وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا خاتم النبيين وعلى آله الطاهرين وعترته وسلم تسليماً) (9). (10)
ونقش أيضاً في الخشب الساج داخل الصفة في دابر الحائط: (بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله، أمير المؤمنين علي ولي الله، فاطمة ، الحسن
ص: 193
بن علي، الحسين بن علي علي بن الحسين محمد بن علي جعفر بن محمد موسى بن جعفر علي بن موسى محمد بن علي علي بن محمد الحسن بن علي، القائم بالحق (علیه السلام) هذا عمل علي بن محمد ولي آل محمد (رحمه الله ) ). (1)
ص: 194
ولولا اعتقاد الناصر بانتساب السرداب إلى المهدي (علیه السلام) بكونه محل ولادته، أو موضع غيبته، أو مقام بروز كرامته - لا مكان إقامته في طول غيبته كما نسبه بعض من لا خبرة له إلى الإمامية، وليس في كتبهم قديماً وحديثاً منه أثر أصلاً - لما أمر بعمارته وتزيينه ولو كانت كلمات علماء عصره متفقة على نفيه وعدم ولادته لكان إقدامه عليه بحسب العادة صعباً أو ممتنعاً، فلا محالة فيهم من وافقه في معتقده الموافق لمعتقد جملة ممن سبقت إليهم الإشارة وهو المطلوب، وإنما أدخلنا الناصر في سلك هؤلاء؛ لامتيازه عن أقرانه بالفضل والعلم وعداده من المحدثين فقد روى عنه ابن سكينة وابن الأخضر وابن النجار وابن الدامغاني. (1)
العشرون:
العالم العابد العارف الورع البارع الألمعي الشيخ سليمان بن إبراهيم المعروف ب(خواجة كلان )الحسيني القندوزي (2) البلخي صاحب كتاب (ينابيع المودة)، فقد بالغ فيه في إثبات كون المهدي الموعود (علیه السلام) هو الحجة ابن الحسن العسكري (علیهما السلام)وعقد لذلك أبواباً ولشيوعه وتبيّن معتقده فيه أعرضنا عن نقل كلماته التي تزيد على كراس، من أراده راجعه، وكان حنفي المذهب، صوفي المشرب، جامعاً للشريعة
ص: 195
والطريقة، مدرساً مرشداً في المدرسة والخانقاه حشره الله مع من كان (1) يتولاه. (2)
الحادي والعشرون:
العارف المشهور شيخ الإسلام الشيخ أحمد الجامي [النامقي] (3).
قال عبد الرحمن الجامي في كتابه (النفحات) كما في (الينابيع) وغيره: (إنّه دخل في غار جبل قرب بلد جام بجذب قوي من الله – جل شأنه – وكان أمياً لا يعرف الحروف ولا الكتاب وسنه كان اثنتين وعشرين [سنة] (4)، واستقام في الغار ثماني عشرة سنة من غير طعام ويأكل أوراق الأشجار وعروقها، وعبد الله فيه إلى أن بلغ سنّه أربعين سنة، ثمّ أمره الله بإرشاد الناس، وصنف كتاباً قدره ألف ورقة تحير فيه العلماء والحكماء من غموض معانيه، وهو عجيب في هذه الأمة، وبلغ عدد من دخل في طريقته من المريدين ستمائة ألف). (5)
قال في الينابيع: (ومن كلماته - قدس الله أسراره ووهب الله لنا من فيوضاته وبر كاته – بالفارسية:
من زمهر حيدرم هر لحظه أندر دل صفاست *** از پي حيدر حسن ما رام إمام ورهنما است
ص: 196
إلى أن قال:
عسکري نور دو چشم عالم است و آدم است *** همچو ید مهدیّ سپهسالار در عالم کجا است (1)
الثاني والعشرون:
صلاح الدين الصفدي (2) ، قال في ( ينابيع المودة ): (قال الشيخ الكبير العارف بأسرار الحروف صلاح الدين الصفدي في شرح الدائرة): إن المهدي الموعود (علیه السلام) هو الإمام الثاني عشر من الأئمة، أولهم سيدنا علي وآخرهم المهدي رضي الله عنهم ونفعنا الله بهم). (3)
ص: 197
الثالث والعشرون
بعض المصريين من مشايخ الشيخ العارف الشيخ إبراهيم القادري الحلبي قال في ( ينابيع المودة): (قال لي الشيخ عبد اللطيف الحلبي سنة ألف ومائتين وثلاث وسبعين: إن أبي الشيخ إبراهيم (رحمه الله ) قال سمعت بعض مشايخي من مشايخ مصر يقول: بايعنا الإمام المهدیّ (علیه السلام ) ].انتهى
وكان الشيخ إبراهيم في طريقة القادرية، ومن كبار مشايخ حلب الشهباء المحروسة، نفعنا الله من فيضه. (1)
الرابع والعشرون:
الشيخ عبد الرحمن البسطامي. (2)
قال في (الينابيع): (قال الشيخ الكبير عبد الرحمن البسطامي صاحب كتاب ( درّة المعارف) (قُدِّسَ سِرُّهُ) وأفاض علينا فتوحه وغوامض علومه:
ويُظْهِرُ ميمَ المَجد من آل أحْمَد*** وَيُظْهِرُ عَدْلَ اللَّهِ فِي النَّاسِ أَوَلَا
كما قَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَليَّ الرضا ***وفي كنز علم الحَرْف أَضْحَى مُحَصلا (3)
ص: 198
وأشار بقوله: روينا إلى ما رواه الشيخ المحدث الفقيه إبراهيم بن محمد (1) الجويني الحمويني الشافعي في كتابه (فرائد السمطين) بإسناده أحمد بن عن زياد، عن دعبل بن علي الخزاعي (2)، قال: أنشدت قصيدة لمولاي الإمام علي الرضا رضي الله عنه أولها:
مدارس آياتِ خَلَتْ مِنْ تلاوة ***وَمَنْزِلُ وَحْي مُقْفَرُ العَرَصَات
أرى فَيْتَهُمْ في غَيْرِهِم مُتَقَسِّماً*** وأيديهم من وأَيْدِيهِمْ مِنْ فَيْهِمْ صَفِراتِ
وَقَبْرٌ بِبَغْداد لنَفْسٍ زَكيّة*** تَضَمَّنَها الرَّحْمَنُ فِي الغُرْفَاتِ
قال [لي] (3) الرضا: أفلا ألحق البيتين بقصيدتك؟
:قلت: بلی یا بن رسول الله.
فقال:
وقبر بطوس يا لَها مِنْ مُصيبة ***ألحتْ عَلَى الأحشاء بالزَّفَرات (4)
إلى الحَشْرِ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ قائماً *** يُفرِّج عنا الهمَّ والكربات ِ
قال دعبل: ثم قرأت باقي القصيدة عنده (5)، فلما انتهيت إلى قولي:
خُروجُ إمام لا محالة واقع ***يقوم على اسم الله والبركاتِ
ص: 199
يُميّزُ فينا كُلَّ حَق وباطل*** ويَجْزي على النعماء والنقمات
بكى الرضا بكاءً شديداً، ثمّ قال: يا دعبل نطق روح القدس بلسانك، أتعرف من هذا الإمام؟
قلت: لا، إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
فقال: إنّ الإمام بعدي ابني محمد، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم، وهو المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، وأما متى يقوم؟ فإخبار عن الوقت، لقد حدّثني أبي، عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه و آله )قال: «مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة». (1)
الخامس والعشرون
المولوي علي أكبر بن أسد الله المؤودي من متأخري علماء الهند (2)، قال في
ص: 200
كتاب (المكاشفات) - الذي جعله كالحواشي على كتاب (النفحات) للمولى عبد الرحمن الجامي - قال في حاشية ترجمة علي بن سهل بن الأزهر الأصبهاني: (ولقد قالوا إن عدم الخطأ في الحكم مخصوص بالأنبياء أكد الخصوصية).
والشيخ - رضي الله عنه - يخالفهم في ذلك؛ لحديث ورد في شأن الإمام المهدیّ الموعود (علیه السلام) على جده وعليه الصلاة والسلام كما ذكر ذلك صاحب (اليواقيت) منه، حيث قال صرّح الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات بأن الإمام المهدیّ (علیه السلام ) يحكم بما ألقى إليه ملك الإلهام من الشريعة، وذلك أنه يلهمه الشرع المحمدي فيحكم به كما أشار إليه حديث المهدي (علیه السلام): «أنه يقفو أثري لا يخطئ».
فعرفنا (صلى الله عليه وآله) أنه متبع لا مبتدع وأنّه معصوم في حكمه، إذ لا معنى للمعصوم في الحكم إلا أنه لا يخطئ وحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يخطئ، فإنّه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى (1)، وقد أخبر عن المهدیّ (علیه السلام ) أنه لا يخطئ وجعله ملحقاً بالأنبياء في ذلك الحكم.
وأطال صاحب (اليواقيت) في ذلك نقلاً عن الشيخ ( رضي الله عنه ) وعن غيره من العلماء والفضلاء من أهل السنّة والجماعة). (2)
وقال رحمة الله عليه في المبحث الحادي والثلاثين: (في بيان عصمة الأنبياء [عليهم الصلاة والسلام] (3) من كل حركة أوسكون أوقول أو فعل ينقص مقامهم الأكمل، وذلك لدوام عكوفهم في حضرة الله تعالى الخاصة، فتارة يشهدونه
ص: 201
سبحانه [وتعالى] (1) ، وتارة يشهدون أنه يراهم ولا يرونه ولا يخرجون أبداً عن شهود هذين الأمرين، ومن كان مقامه كذلك لا يتصور في حقه مخالفة قط [حقيقية، وإنما هي مخالفة ] (2) صورية كما سيأتي بيانه [إن شاء الله تعالى ] (3)، وتسمّى هذه حضرة الإحسان ومنها عصمة الأنبياء وحفظ الأولياء، فالأولياء يدخلون ويخرجون، والأنبياء مقيمون [فيها] (4) ، ومن أقام فيها من الأولياء كسهل بن عبد الله التستري وسيدي إبراهيم المبتولي فإنما ذلك بحكم الإرث والتبعية للأنبياء استمداداً من مقامهم لا بحكم الاستقلال، فافهم). (5)
ثم قال في المبحث الخامس والأربعين: (قد ذكر الشيخ أبو الحسن الشاذلي - رضي الله عنه - أن للقطب خمسة عشر علامة: أن يمدد بمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة ومدد حملة العرش ويكشف له عن حقيقة الذات وإحاطة الصفات... إلى آخره. (6)
فبهذا صح مذهب من ذهب إلى كون غير النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) معصوماً، ومن قيد العصمة في زمرة معدودة ونفاها عن غير تلك الزمرة فقد سلك مسلكاً آخر، وله أيضاً وجه يعلمه من علمه، فإن الحكم بكون المهدي الموعود رضي الله عنه موجوداً وهو كان قطباً بعد أبيه الحسن العسكري (علیه السلام) كما كان هو قطباً بعد أبيه إلى الإمام علي بن أبي طالب - كرمنا الله بوجوههم - يشير إلى صحة حصر تلك الرتبة في وجوداتهم من حين كان
ص: 202
القطبية في وجود جده علي بن أبي طالب (علیه السلام) إلى أن تتم فيه لا قبل ذلك، فكل قطب فرد يكون على تلك الرتبة نيابة عنه لغيبوبته عن (1) أعين العوام والخواص لاعن أعين أخص الخواص. وقد ذكر ذلك عن الشيخ صاحب اليواقيت وعن غيره أيضاً رضي الله عنه وعنهم فلا بد أن يكون لكل إمام من الأئمة الاثني عشر عصمة.
خذ هذه الفائدة
قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في المبحث الخامس والستين قال الشيخ تقي الدين بن أبي المنصور في عقيدته بعد ذكر تعيين السنين للقيامة: فهناك يترقب خروج المهدي (علیه السلام) وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري (علیه السلام)... وساق كما مر إلى قوله يواطئ اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وآله). (2)
وقال: (ثم عد ( رضي الله عنه ) نبذة من شيم المهدي (علیه السلام) وأخلاقه النبوية التي تكون فيه [على جده وعليه الصلاة والسلام ] (3) ونحن نذكره في أحوال العارف الجندي إن شاء الله تعالى. ) (4)
السادس والعشرون:
العارف عبد الرحمن (5) من مشايخ الصوفية صاحب كتاب (مرآة الأسرار) - الذي ينقل عنه الشاه ولي الله الدهلوي والد الشاه صاحب عبد العزيز صاحب
ص: 203
(التحفة الاثنا عشرية )في كتاب (الانتباه في سلاسل أولياء الله وأسانيد وارثي رسول الله صلى الله عليه و آله )قال في الكتاب المذكور:
(ذكر آن أفتاب دین و دولت آن هادی جمیع ملت و دولت آن قائم مقام پاك أحمدى امام برحق أبو القاسم ( م ح م د )بن الحسن المهدى رضي الله عنه وي امام دوازدهم است از ائمة اهل بیت مادرش ام ولد بود نرجس نام داشت ولادتش شب جمعه پانزدهم ماه شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وبروايت شواهد النبوة بتاريخ ثلاث وعشرين شهر شعبان سنة ثمان وخمسين در سر من رأى عرف سامره واقع شد و امام دوازدهم در کنیت و نام حضرت رسالت پناهی (علیه السلام)موافقت دارد ألقاب شريفش مهدي وحجت وقائم ومنتظر وصاحب الزمان وخاتم اثني عشر. وصاحب الزمان (علیه السلام) در وقت وفات پدر خود امام حسن عسکری (علیه السلام) پنجساله بود که بر مسند امامت نشست چنانچه حق تعالی حضرت یحیی بن زکریا (علیه السلام)را در حالت طفولیت حکمت کرامت فرمود و عیسی بن مریم (علیه السلام) را وقت صبا بمرتبه بلند رسانید و همچنین أو را در این صغر سن امام گردانید و خوارق عادات او نه چندانست که در این مختصر گنجایش دارد ملا عبد الرحمن جامي أز حكيمه خواهر امام علي النقي كه عمه امام حسن عسکری (علیه السلام)باشد روایت میکند. تا آخر آنچه گذشت. )
وقال أيضاً: (وحضرت شیخ محی الدین بن عربی در باب سیصد و شصت و هشتم از کتاب فتوحات مکی میفرماید که بدانید اي مسلمانان که چاره نیست از خروج مهدیّ (علیه السلام ) که والد او حسن عسکريست ابن امام علي نقي ابن امام محمد تقي إلى آخره سعادتمندترین مردم به او اهل کوفه خواهند بود أو دعوت میکند مردم را بسوی پس حق تعالى بشمشیر پس هر که ابا میکند میکشد او را و کسیکه منازعت میکند با او
ص: 204
مخذول میشود چنانچه در این محل تمام احوال امام مهدیّ (علیه السلام ) در کتاب مذکور مفصل بیان نموده است هر که خواهد در آنجا مطالعه نماید و حضرت مولانا عبد الرحمن جامی مردی صوفی کارها دیده و شافعی مذهب بوده تمام احوال و کمالات و حقیقت متولد شدن و مخفی گشتن إمام (م ح م د) بن حسن عسکري مفصل در کتاب شواهد النبوة تصنیف خود بوجه أحسن از ائمه أهل بيت عترت وأرباب سيرت روایت کرده است و صاحب کتاب مقصد (1) اقصی مینویسد که حضرت شیخ سعد الدين حموی خلیفه حضرت نجم الدین در حق امام مهدى يك كتاب تصنيف كرده است و دیگر چیزها بسیار همراه او نموده است که دیگر هیچ آفریده را آن اقوال وتصرفات ممکن نیست چون او ظاهر شود ولایت مطلقه آشکارا گردد و اختلاف مذاهب وظلم وبدخوئي برخيزد چنانکه اوصاف حمیده او در احاديث نبوي وارد شده است که مهدیّ (علیه السلام )در آخر زمانه آشکار گردد و تمام ربع مسكونرا از جور وظلم پاك سازد ويك مذهب پدید آید مجملا هرگاه دجال بد کردار بیدار شده بود وزنده و مخفی هست و حضرت عیسی که بوجود آمده بود و مخفی از خلق است پس اگر فرزند رسول خدا صلى الله علیه و آله امام محمد مهدیّ (علیه السلام )ابن حسن عسکری(علیه السلام) هم از نظر عوام پوشیده شد و بوقت خود مثل عیسی (علیه السلام)و دجال موافق تقدیر الهی آشکارا گردد جای تعجب نیست از أقوال چندین بزرگان و از فرموده أئمة أهل بيت رسول
ص: 205
السابع والعشرون:
القطب المدار الذي كتب عبد الرحمن الصوفى كتاب (مرآة الأسرار) لأجله فقال فيه في أحوال مدار: بعد از صفای باطنی او را حضور تمام بروحانیت حضرت رسالت پناه میسر گشت آن حضرت از کمال مهربانی و کرم بخشی دست قطب المدار بدست حق پرست خود گرفت و تلقین اسلام حقیقی فرمود و در آنوقت روحانیت حضرت مرتضى علي كرم الله وجهه حاضر بود پس ویرا بحضرت علی مرتضی سپرد و فرمود که این جوان طالب حق است این را بجای فرزندان خود تربیت نموده بمطلوب برسان که این جوان نزديك حق تعالى بغایت عزیز است قطب مدار وقت خواهد شد پس شاه مدار حسب الحكم آن حضرت تولا بحضرت مرتضى علي كرم الله وجهه نمود و بر سر مرقد وی بنجف أشرف رفت و در آستانه مبارکه ریاضت میکشید انواع تربیت از روحانیت پاک حضرت مرتضى على كرم الله وجهه بطريق صراط المستقيم مى یافت و از سبب وسیله دین محمد (صلى الله عليه و آله )بمشاهده حق الحق بهره مندگردید و جميع مقامات صوفیه صافیه طی نمود عرفان حقیقی حاصل کرد آن زمان اسد الله الغالب أو را بفرزند رشید خود که وارث ولایت مطلق محمد مهدى بن حسن العسکری نام داشت در عالم ظاهر با وی آشنا گردانید و از کمال مهرباني فرمود که قطب المدار بديع الدين باشارت حضرت رسالت پناه تربیت نموده بمقامات عالية رسانیده بفرزندی قبول کرده ام شما نیز متوجه شده جمیع کتب آسمانی از راه شفقت به این جوان شایست روزگار تعلیم بکنید پس صاحب زمان مهدیّ (علیه السلام )از کمال ألطاف شاه مدار را در چند مدت دوازده
ص: 207
كتاب وصحف آسماني تعليم نمود... إلخ) (1). (2)
الثامن والعشرون
الفاضل القاضي جواد الساباطي (3)، وكان نصرانياً فأسلم، وهو من أهل السنّة والجماعة، وألف كتاباً في إثبات حقيّة الإسلام سمّاه (البراهين الساباطية) وهو ردُّ على النصارى، ونقل فيه من كتاب (شعيا) [قوله] (4): (انذر يرشل كم فورت
ص: 208
ارادوات آن ذي ستم آت جیسی اندا برنج شل کردوات آن هر زوقس اندزي سیرت آف وزدم انداندر ستيذنك اندژى سبيرت اف كوسل اندسبت ذي سبيرت آن نالج اند آن ذي فيراب ذي لارداند شل سيك هم اكوك اندر ستيذان ذي فبراب لار داند شلمات حج افترذی سبت ان هزاپس نیز زد بروف افترذی بيرنك آن هزيزيس). (1)
وترجمته بالعربية وستخرج من قبل الأسى عصى،(2) وينبت من عروقه غصن، وستستقر عليه روح الرب، أعني روح الحكمة والمعرفة، وروح الشورى والعدل، وروح العلم وخشية الله، ويجعله ذا فكرة وقادة، مستقيماً في خشية الربِّ، فلا يقضى بمحاباة الوجوه، ولا يدين بمجرد (3) السمع.
ثم ذكر ما قاله اليهود (4)والنصارى في تأويل (5) هذا الكلام ورده (6) وقال:
ص: 209
(فيكون المنصوص عليه هو المهدي رضي الله عنه بعينه لصريح قوله ولا يدين بمجرد السمع، لأن المسلمين أجمعوا على أنه رضي الله عنه لا يحكم بمجرد السمع والظاهر (1) بل لا يلاحظ إلا الباطن، ولم يتفق ذلك لأحد من الأنبياء والأوصياء.
إلى أن قال: وقد اختلف المسلمون في المهدي رضي الله عنه، فقال أصحابنا من أهل السنة والجماعة: إنه رجل من أولاد فاطمة، يكون اسمه محمداً، واسم أبيه: عبد الله، واسم أمه: آمنة.
وقال الإماميون: بل إنه محمد بن الحسن العسكري رضي الله عنهما، وكان قد تولد سنة (255) من فتاة للحسن العسكري رضي الله عنه، اسمها: نرجس في سر من رأى زمن المعتمد، ثمّ غاب سنة، ثمّ ظهر ثمّ غاب، وهي الغيبة الكبرى، ولا يؤوب بعدها إلا إذا شاء الله.
ولما كان قولهم أقرب لتناول هذا النص، وكان غرضي الذب عن ملة محمد
ص: 210
(صلى الله عليه و آله ) مع قطع النظر عن التعصب في المذهب - ذكرت لك مطابقة ما يدعيه الإماميون مع هذا النص -، انتهى). (1)
وهذا الكتاب قد طبع قبل هذا بأزيد من ثلاثين سنة. (2)
التاسع والعشرون:
الشيخ العارف سعد الدين محمد بن المؤيد بن أبي الحسين بن محمد بن
حمويه المعروف بالشيخ سعد الدين الحموي، خليفة نجم الدين الكبري، وقد ألف كتاباً مفرداً في حالاته وصفاته ووافق فيه الإمامية كما نقله عنه عبد الرحمن الصوفي في (مرآة الأسرار).
وقال المولى عزيز الدين عمر بن محمد بن أحمد النسفي المعروف صاحب كتاب العقائد المعروف ب (العقائد النسفيّة) (3)في رسالته في تحقيق النبوة
ص: 211
والولاية، قال الشيخ سعد الدين الحموي (1): (إنّه لم يكن الولي (2) قبل محمد صلى الله عليه و آله في الأديان السابقة، ولا اسم الولي وإن كان في كل دين
ص: 212
صاحب شريعة، والذين كانوا يدعون الناس إلى دينه كانوا يسمون بالنبي، فكان في دين آدم أنبياء يدعون الخلائق إلى دينه وكذا في دين موسى وفي دين عيسى وفي دين إبراهيم (علیه السلام) ، ولما بلغت النوبة إلى نبينا (صلى الله عليه و آله )قال: لا نبي بعدي يدعو الناس إلى ديني والذين يأتون بعدي ويتبعونني يسمون بالأولياء، وهؤلاء الأولياء يدعون الخلق إلى ديني واسم الولي ظهر في ديني والله تعالى جعل اثني عشر نفساً في دين محمد (صلى الله عليه و آله )،نوابه والعلماء ورثة الأنبياء قاله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في حقهم.
وكذا قوله: «علماء أمتى كأنبياء بني اسرائيل، قاله في حقهم، وعند الشيخ الولي في أمة محمد (صلى الله عليه و آله )ليس أزيد من هؤلاء الاثنا عشر، وآخر الأولياء وهو الثاني عشر هو المهدیّ (علیه السلام ) صاحب الزمان (علیه السلام)انتهى) (1)
وفي ( ينابيع المودة) وفي كتاب الشيخ عزيز بن محمد النسفي شيخ الشيوخ سعد الدين الحموي ميفرمايد که... وساق مثله. (2)
وفي آخره: وأما الولي الآخر وهو النائب الآخر، الولي الثاني عشر، والنائب الثاني عشر، خاتم الأولياء واسمه: المهدیّ (علیه السلام )، صاحب الزمان.
وقال الشيخ: الأولياء في العالم ليسوا أزيد من اثني عشر، وأما ثلاثمائة وست وخمسين الذين هم رجال الغيب لا يقال لهم: الأولياء، ويقال لهم: الأبدال (3).
ص: 213
قال السيّد علي الهمداني الصوفي في شرح القصيدة الميمية لابن فارض الصوفي المعروف: (إنّ الشيخ سعد الدين الحموي، والشيخ سيف الدين الباخرزي والشيخ شهاب الدين السهروردي والشيخ نجم الدين الرازي المعروف بداية، والشيخ محيي الدين العربي، وابن فارض المذكور كلّهم معاً كانوا معاصرين، ومن أكابر سادة علماء الصوفية انتهى) (1)
وكان ولده صدر الدين إبراهيم من أجلة العلماء، وهو الذي صرّح فخر الدين البناكتي في تاريخه أنّه أسلم السلطان غازان محمود خان أخو السلطان محمد والجايتوخان بسعي الأمير نوروز الذي كان من أمرائه على يده في رابع شعبان سنة أربع وتسعين وستمائة عند باب قصر ذلك السلطان الذي فيه مقر سرير سلطنة السلطان أرغان خان بمقام لار دماوند وعقد مجلساً عظيماً غسل في ذلك اليوم ثمّ تلبس بلباس الشيخ سعد الدين الحموي والد الشيخ صدر الدين المذكور وأسلم بإسلامه خلق كثير من الأتراك ولذلك سمّيت تلك الطائفة بتركمان. (2)
الثلاثون :
الشيخ العارف المتأله عامر بن عامر البصري (3)، المتوطن في سيواس الروم (4)
ص: 214
صاحب القصيدة التائية الطويلة المسماة ب(ذات الأنوار) التي بارى بها أبا حفص عمر بن الفارض المغربي الأندلسي في قصيدته التائية، ولذا يقول في أواخرها بعد ذكر شطر من فضائلها
أتَتْ تَتَهادَى كالمها بملاحة*** عراقي بصْرِيَّةً عامرية
لها زي مسكين لضعف مُعينها *** زِيٌّ على أنّها سُلْطانُ كُلِّ قصيدة
وبكر أَتَتْ لا فارضٌ بَدْرُ علمها*** إذا ما بَدَا أَخْفَى سُهَى الفارضيَّةً
وهي في المعارف والأسرار والحكم والآداب، مشتملة على اثني عشر نوراً، فقال: النور التاسع في معرفة صاحب الوقت ذاته وقت ظهوره:
إمامَ الهُدَى حَتَّى مَتَى أَنْتَ غائب*** فمن علينا يا أبانا بأوبة
تراءت لنا رايات جيشك قادماً ***ففاحَتْ لنا منها روائِحُ مِسْكَةِ
وبُشِّرَتِ الدُّنيا بذلكَ فَاعْتَدَتْ ***مَبَاسِمُها مُفْتَرَةً عَنْ مَسَرَّة
مَلَلْنا وَطَالَ الانتظارُ فَجُدْ لَنا*** برَبِّكَ يَا قُطب الوُجُود بلُقْيَة
إلى أن قال:
فَعَجِّل لنا حَتَّى نَرَاكَ فَلَذَّةَ ال ***مُحبِّ لَقَى مَحْبوبَهُ بَعْدَ غَيْبَة
زرعت بذور العلم في سريرة*** فَجَاءَتْ كما تَهْوِيَ بِأَيْنَعِ خُضْرَةِ
وَرَبَّعَ منها كُلَّما كان زاكياً*** فَقَدْ عَطشَتْ فامْدُدْ قواها بسقية
ص: 215
وَلَمْ يَرْوها إِلَّا لقاكَ فَجُدْ به*** وَلَوْ شَرَبَتْ مَاءَ الفُرات ودجلة (1)
ص: 216
الحادي والثلاثون :
الشيخ الفاضل العارف المشهور أبو المعالي صدر الدين القونوي (1)، المستغنى عن نقل مناقبه وفضائله بما في التراجم، نسب إليه أصحابنا هذا القول، ولم نقف له على
عبارة غير ما نقله صاحب (الينابيع) عنه قال : قال الشيخ صدر الدين القونوي – قدس الله سره وأفاض علينا فيوضه وعلومه - في شأن المهدي الموعود [علیه السلام] شعرا:
يَقُوْمُ بأمرِ الله في الأَرْضِ ظَاهِراً ***عَلَى رَغْمِ شَيْطانِينَ يُمْحِقُ للكُفْرِ
يُؤيَّدُ شَرْعَ المُصْطَفَى وَهُوَ خَتْمُهُ ***وَيَمْتَدُّ مِنْ مِيْمٍ بِأَحْكَامِها يَدْرِي
وَمُدَّتُهُ ميقاتُ مُوسَى وَجُنده ***خيار الوَرَى في الوَقْت يَحْلُو عَن الحَصْر
عَلَى يَدِهِ مَحْقُ الأَنامِ جَميعِهِمْ ***بِسَيْفَ قَوِيِّ المَتْنِ عَنَّكَ أَنْ تَدْرِي
حقيقةً ذاكَ السَّيف والقائم الذي*** تَعيَّن للدين القويم على الأمر
لَعَمْرِي هُوَ الفرد الذي بانَ سِرُّهُ*** بكُلِّ زمانٍ في مضاء لهُ يَسْري (2)
تسمى بأسماء المراتب كلها ***خفاءً وإعلاناً كذاك إلى الحَشْر
أليس هو النور الأتم حقيقةً*** ونقطة ميمٍ منه إمدادها يَجْري
ص: 217
يُفيضُ عَلَى الأكوان ما قَدْ أَفاضَهُ*** عليه إله العرش في أَزَلَ الدَّهْرِ
فما ثَمَّ إِلَّا الميم لا شيء غيره*** وذو العَينِ مِنْ نوابه مفردُ العَصْرِ
هوَ الرُّوحُ فاعلمْهُ وخُذْ عَهْدَهُ إِذا*** بلغت إلى مَدَّ مديد منَ العُمْرِ
كأَنَّكَ بالمذكور تصعد راقياً ***إلى ذروة المجد الأثيل على القَدْر
وما قدره إلا ألوف بحكمة ***على حد مرسوم الشريعة بالأمر
بذا قالَ أَهْلُ الحَلِّ والعَقْدِ فاكتفِ*** بِنَبِّهِمُ المثبوتِ فِي صُحُفِ الزُّبْرِ
فإن تبغ ميقات الظهور فإنَّه ***يكون بدورِ جامع مطلع الفَجْرِ
بشَمْسِ تمدُّ الكُلَّ مِنْ ضَوءِ نورِها ***وَجَمْعِ دراري الأوج فيها معَ البَدْرِ
وصل على المختار من آل هاشم*** محمد المبعوث بالنهي والأمر
عليه صلاة الله ما لاح بارق ***وما أشرقت شمس الغزالة في الظُّهْرِ
وآل وأصحاب أولي الجُودِ والتَّقَى*** صلاة وتسليماً تدومان للحشر
وقد قال الشيخ صدر الدين لتلاميذه في وصاياه: إن الكتب التي كانت لي من الطب وكتب الحكماء وكتب الفلاسفة بيعوها وتصدقوا بثمنها للفقراء، وأما كتب التفاسير والأحاديث والتصوف فاحفظوها في دار الكتب، واقرأوا كلمة التوحيد: لا إله إلا الله سبعين ألف مرة ليلة الأولى بحضور القلب، وبلغوا مني سلاماً إلى المهدیّ (علیه السلام ) ، انتهى). (1)
ص: 218
ويؤيد ما نقله عنه ما قاله العارف المتأله السيد حيدر بن علي الآملي وعصره قريب من عصر الشيخ صدر الدين من إن الشيخ عرض جملة من كتبه ورسائله (1) على المهدي صاحب الزمان (علیه السلام) و انتهى. (2)
ويعضده أنه كان على طريقة الشيخ محيي الدين ومتبعاً آثاره، وفي النفحات لعبد الرحمن الجامي في ترجمته أنه كان نقاد كلام الشيخ. (3)
وفي كشف الظنون عن الشعراني في مختصر الفتوحات بعد كلام له في اختلاف نسخها قال: (وقد أطلعني الأخ الصالح السيد الشريف المدني على صورة ما رآه مكتوباً بخط الشيخ محيي الدين وغيره على النسخة التي وقفها الشيخ في قونية (4)، وهو هذا وقف محمد بن علي ابن عربي الطائي هذا الكتاب على جميع المسلمين
وفي آخره وقد تمّ هذا الكتاب على يد منشئه، وهو النسخة الثانية منه بخط يدي، وكان الفراغ منه بكرة يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وست مائة وكتبه منشئه.
قال السيّد: وهذه النسخة في سبعة وثلاثين مجلداً، وفيها زيادات على النسخة الأولى التي دسّ الملحدون فيها العقائد الشنيعة.
قال: وفي ظهره ترجمة اسم الكتاب بخطه، وتحته بخط الشيخ صدر الدين
ص: 219
القونوي إنشاء مولانا شيخ الإسلام وصفوة الأنام محيي الدين ابن عربي وتحته ملك هذه المجلدة لمحمد بن إسحاق القونوي.
وتحته أيضاً بخط الشيخ صدر الدين رواية محمد بن أبي بكر بن ميذار التبريزي سماعاً منه) (1)
فما كان ليخالف هذا الشيخ في معتقده في شأن المهدیّ (علیه السلام ).
الثاني والثلاثون :
شيخ مشايخ الصوفية المولى جلال الدين الرومي صاحب (المثنوي) المعروف (2) ، فقال في ديوانه الكبير (3) في قصيدة أولها:
ص: 220
ای سرور مردان علی مستان سلامت میکنند.
وعد الأئمّة من أولاده (علیه السلام) إلى أن قال:
بامیر دین هادی بگوبا عسکری مهدیّ بگو *** با آن ولی مهدیّ بگو مستان سلامت میکنند (1)
ص: 221
الثالث والثلاثون
الشيخ العارف محمد الشهير ب( شيخ عطار ) صاحب الدواوين المعروفة، فقال كتابه (مظهر الصفات) على ما نقله عنه في كتاب ( ينابيع المودة):
مصطفى ختم رسل شد در جهان ***مرتضی ختم ولایت در عیان
ص: 222
جمله فرزندان حيدر أوليا*** جمله يك نورند حق کرد این ندا (1)
وبعد تعداد [ أسماء ] (2) الأئمة (3)الأحد عشر، قال:
صد هزاران أوليا روى زمين ***از خدا خواهند مهدي را يقين
يا إلهي مهديم از غیب آر ***تا جهان عدل گردد آشکار
مهدى هادي است تاج اتقيا*** بهترین خلق برج أوليا
أي ولاى تو معين آمده*** بردل و جانها همه روشن شده
ای تو ختم اولیای این زمان ***وز همه معنی نهاني جان جان
ای تو هم پیدا و پنهان آمده*** بنده عطارت ثنا خوان آمده (4)
وقد صرح المولوي عبد العزيز الدهلوي المعروف ب(شاه صاحب) في الباب
ص: 223
الحادي عشر من كتابه الموسوم ب (التحفة الاثني عشرية) أن الشيخ العطار من الأكابر المقبولين عند أهل السنة ومن الأعاظم الذين بناء عملهم في الشريعة والطريقة على مذهب أهل السنّة من القرن إلى القدم(1)، وفي (نفحات الجامي) من مناقبه شيء كثير (2).
الرابع والثلاثون :
شمس الدين التبريزي شيخ المولوي جلال الدين الرومي (3)، نسب إليه هذا القول صاحب (الينابيع) ، وقال : ( ذكره في أشعاره)، ولم يذكر شيئاً منها. (4)
الخامس والثلاثون :
السيد نعمة الله الولي (5)، نسبه إليه في (الينابيع). (6)
السادس والثلاثون :
السيّد النسيمي (7)، قال في (الينابيع) بعد ذكر هؤلاء: (وغيرهم - قدس الله
ص: 224
أسرارهم (1) ووهب لنا عرفانهم وبركاتهم - ذكروا في أشعارهم في مدائح أئمة من (2) أهل البيت الطيبين - رضي الله عنهم - مدح المهدي (علیه السلام)في آخرهم متصلاً بهم، فهذه أدلّة على أن المهدیّ (علیه السلام ) له ولد أولاً - رضي الله عنه - ومن تتبع آثار هؤلاء الكاملين العارفين يجد الأمر واضحاً عياناً) (3)
السابع والثلاثون :
العالم العارف الكامل السيّد علي بن شهاب الدين الهمداني الذي ذكروا في ترجمته أنه وصل إلى خدمة أربعمائة من الأولياء وبالغ في مدحه عبد الرحمن الجامي في (نفحات الأنس) ومحمد بن سليمان الكفوي في (أعلام الأخيار) وحسين بن معين الدين الميبدي في (الفواتح وغيرهم (4)، صرّح بذلك في
ص: 225
المودة العاشرة من كتابه الموسوم ب (المودة في القربى). (1)
الثامن والثلاثون :
علامة زمانه وفريد أوانه الشيخ محمد الصبان المصري (2)
كذا وصفه في الينابيع). (3)
صرّح بذلك في (إسعاف الراغبين) المطبوع في مصر. (4)
التاسع والثلاثون:
الفاضل البارع عبد الله بن محمد المطيري شهرةً المدني حالاً في كتابه الموسوم ب الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم) صدرَ كتابه هذا بذكر تمام رسالة إحياء الميت بفضائل أهل البيت [عليهم السلام] للإمام جلال الدين السيوطي، وهي تشتمل على ستين حديثاً فتممها وأنهاها إلى مائة وواحد وخمسين، وروى في الحديث الأخير: أن من ذرية الحسين بن علي ( رضي الله عنه ) المهدیّ (علیه السلام ) المبعوث في آخر الزمان.
إلى أن قال: وجميع نسل الحسين وذريته يعودون إلى إمام الأئمة المحقق المجمع على جلالته وغزارة علمه وزهده وورعه وكمال سلالة الأنبياء
ص: 226
والمرسلين وسلالة خير المخلوقين الإمام الكبير (1)زين العابدين علي بن الحسين - رضي الله عنه وأرضاه -.
ثم ذكر بعض فضائله، وجماعة من ذريته، وجملة من المنامات في فضيلتهم... إلى أن قال: فالإمام الأوّل علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ). وساق أسامي الأئمة... ثمّ قال: الحادي عشر ابنه الحسن العسكري ( رضي الله عنه ) الثاني عشر ابنه محمد القائم (2)المهدي ( رضي الله عنه ) وقد سبق النص عليه في ملة الإسلام من النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم )، وكذا من جده علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) ومن بقية آبائه أهل الشرف والمراتب، وهو صاحب السيف والقائم المنتظر كما ورد ذلك في صحيح الخبر، وله قبل قيامه غيبتان... إلى آخر ما قال. (3)
والنسخة التي عثرت عليها عتيقة، وكانت لمؤلّفها وبخطه وعلى ظهرها: (كتاب الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة )تأليف العبد (4)الفقير إلى الله تعالى عبد الله محمد المطيري شهرةً المدني حالاً الشافعي مذهباً الأشعري اعتقاداً النقشبندي طريقةً نفعنا الله من بركاتهم آمين.
الأربعون:
شيخ الإسلام والبحر الطام ومرجع الأولياء الكرام أبو المعالي محمد سراج
ص: 227
الدين الرفاعي ثمّ المخزومي الشريف الكبير، فقد ذكر في كتابه الموسوم ب(صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار) في ترجمة أبي الحسن الهادي (علیه السلام)ما لفظه :
وأمّا الإمام علي الهادي ابن الإمام محمد الجواد[ عليهما السلام] ولقبه النقي والعالم والفقيه والأمير والدليل والعسكري والنجيب، ولد في المدينة سنة اثنتي عشرة ومائتين من الهجرة، وتوفّي شهيداً بالسم في خلافة المعتز العباسي يوم الاثنين بسر من رأى(1) لثلاث ليال خلون من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، وكان له خمسة أولاد الإمام الحسن العسكري والحسين ومحمد وجعفر وعائشة.
وأمّا الحسن العسكري أعقب (2)صاحب السرداب الحجّة المنتظر ولي الله الإمام محمد المهدیّ (علیه السلام ) ، وأما محمد فلم يذكر له ذيل... إلى آخر ما قال. (3)
وقال في موضع آخر في بحث له في الإمامة وروى العارفون من سلف أهل البيت أن الإمام الحسين (علیه السلام)لما انكشف له في سره أن (4)الخلافة الروحية التي هی الغوثيّة والإمامة الجامعة فيه وفي بنيه على الغالب استبشر بذلك وباع في الله نفسه؛ لنيل هذه النعمة المقدسة فمن الله عليه بأن جعل في بيته كبكبة الإمامة، وختم ببنيه هذا الشأن على أنّ الحجّة المنتظر الإمام المهدیّ (علیه السلام ) من ذريته الطاهرة
ص: 228
وعصابته الزاهرة، انتهى. (1)
وهذا سراج الدين جد عارف عصره و عزیز مصره ووحيد دهره (2) أبو الهدى الجليل المعاصر الذي إليه تنتهي السلسلة الرفاعيّة وعنه تؤخذ آداب هذه الطريقة.
ص: 229
ص: 230
قلت ونسب بعض أصحابنا البارعين هذا القول (1)إلى صاحب كتاب أنساب الطالبية (2)، وعماد الدين الحنفي(3)، وضياء الدين صدر الأئمة موفّق بن أحمد أبي المؤيد الخطيب المكي ثمّ الخوارزمي أخطب خطباء خوارزم، والمولى حسين
ص: 231
الكاشفي صاحب جواهر التفسير (1).
ولم أعثر على كلماتهم ولذا لم نذكر أساميهم في عداد الذين نصوا عليه.
نعم، لا بأس بذكر صدر الأئمة الخوارزمي في عدادهم، فإنه ذكر في مناقبه من الأحاديث ما هو صريح في الدلالة على هذا القول ومجرد ذكر الخبر في الكتاب وإن لم يكن دالاً على كون مؤلفه معتقداً بمضمونه إلا أن شهد بعض القرائن عليه كمطابقته لعنوان الباب الذي هو فيه، فإنّ العلماء لا زال يستنبطون مذاهب صاحب الكتاب مما ذكره في عناوين الأبواب أو بنى على جمع ماهو معتبر عنده مما رواه الأئمة الثقات... وغير ذلك.
فنقول: أخرج أخطب الخطباء في (مقتله (2)) فقال : ( حدّثني فخر القضاة نجم الدين بن أبي منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي فيما كتب إلي من همدان قال أنبأنا الإمام الشريف نور الهدى أبو طالب الحسن بن محمد الزينبي، قال: أخبرنا إمام الأئمة محمد بن أحمد بن شاذان، قال: حدّثنا أبو محمد الحسن بن علي العلوي الطبري، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، قال: حدّثني جدي أحمد بن محمد، عن أبيه، عن حماد بن عيسى عن عمرو بن أذينة، قال: حدّثنا أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان المحمدي، قال: دخلت على النبي (صلى الله عليه و آله )وإذا الحسين على فخذه وهو يقبل عينيه، ويلثم فاه، وهو يقول: «أنت سيّد ابن سيد، وأخو سيد أبو السادات، أنت إمام ابن
ص: 232
الإمام أخو الإمام أبو الأئمة، أنت حجّة ابن حجة، أخو حجّة، أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم). (1)
وبالإسناد عن ابن شاذان، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدّثنا علي بن سنان الموصلي، عن أحمد بن محمد بن صالح، عن سليمان بن محمد، عن زياد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن زيد عن زيد بن جابر، عن سلامة، عن أبي سلمى (2) - راعي رسول الله (صلى الله عليه و آله ) - قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله ) (3) يقول: ليلة أسري بي إلى السماء، قال لي الجليل جل جلاله: آمَنَ الرَّسُولُ بما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ )(4)
فقلت: والمؤمنون؟ قال: صدقت.
:قال من خلفت من أمتك؟ قلت: خيرها.
ص: 233
قال: علي بن أبي طالب (علیه السلام)؟ قلت: نعم، يا رب.
قال: يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسماً من أسمائي، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمد.
ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليّاً وشققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلى وهو عليّ.
يا محمد إنى خلقتك، وخلقت عليّاً، وفاطمة والحسن والحسين، والأئمة من ولده، من (سنخ) في المصدر وفي بعض النسخ: (شبح ) وفي (أ، س) من نوري) دون كلمة (سنخ). (1) نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات و[ أهل ] (2) الأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين.
يا محمد، لو أن عبداً من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير جلده كالشن البالي (3)، ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم.
يا محمد، تحب أن تراهم؟ قلت نعم يا ربّ، فقال [لي] (4): التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا [أنا] (5): بعلي، وفاطمة والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والمهدیّ (علیه السلام ) في ضحضاح من
ص: 234
نور، قيام يصلّون، وهو في وسطهم - يعني المهدیّ (علیه السلام ) – كأنه كوكب درّي.
وقال: يا محمد، هؤلاء الحجج، وهو الثائر من عترتك، وعزتي وجلالي، إنه الحجّة الواجبة لأوليائي، والمنتقم من أعدائي). (1)
وبناءً على هذا المسلك يمكن عد جماعة أخرى كشيخ الإسلام إبراهيم ابن سعد الدين محمد بن أبي بكر بن أبي الحسن ابن شيخ الإسلام جمال السنة أبي عبد الله محمد بن حمويه الحموي الحمويني الإمام الأجل المعروف ب(الحموي) وب(ابن حمويه) أيضاً، صاحب كتاب (فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين (علیهم السلام))وهو كتاب معروف يوجد فيه مثل هذه الأخبار شيء كثير ؛ ولكنا في غنى عن تكلف إدخال هؤلاء في زمرة أرباب هذا القول بعد تنصيص هؤلاء الأعاظم من الفقهاء والمحدثين والمشايخ الكاملين ممن عثرنا قلة أسباب استخراج القائلين عندي، وكثرة كتب علماء أهل السنّة عليهم مع و تفرقها وسعة بلادها، ولعلّ من وقف على جلها يجد أضعاف ما جمعناه.
وقد قال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن محمد (2) البيهقي الشافعي المعروف ب(الإمام أبي بكر البيهقي )في كتابه (شعب الإيمان): (اختلف الناس في أمر المهدیّ (علیه السلام )، فتوقف جماعة وأحالوا العلم إلى عالمه واعتقدوا أنه واحد من أولاد فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه و آله )يخلقه الله متى شاء يبعثه نصرة لدينه، وطائفة يقولون: إنّ المهدي الموعود (علیه السلام) ولد يوم الجمعة منتصف
ص: 235
شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو الملقب (1) بالحجة القائم المنتظر محمد بن الحسن العسكري(علیهما السلام) وأنه دخل السرداب بسرّ من رأى وهو حي مختف عن أعين الناس منتظر خروجه ، وسيظهر ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، ولا امتناع في طول عمره وامتداد أيامه كعيسى بن مريم والاخضر (علیهم السلام) و وهؤلاء الشيعة خصوصاً الإمامية ووافقهم عليه جماعة من أهل الكشف (2)، (انتهى). (3)
وهو من أعاظم علماء الشافعية، وكبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله بن البيع، وفي (تاريخ ابن خلكان): قال إمام الحرمين [في حقه ] (4): ما من شافعي المذهب
ص: 236
إلّا وللشافعي عليه منّة، إلّا أحمد البيهقي فإن له على الشافعي منة... قال: وتوفي... سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، انتهى. (1)
فمراده من جماعة من أهل الكشف غير الشيخ محيي الدين... وغيره ممن تقدم لتقدمهم عليهم بسنين كثيرة، فلاحظ (2)، والمعروفون منهم في هذه الطبقة الحلاج (3)، والجنيد (4) ، وأبو الحسن الوراق (5)، وأبو بكر الشبلي (6)، وأبو علي
ص: 237
الرودباري (1) ، وسهل بن عبد الله التستري (2) وأضرابهم، وظاهر البيهقي (3) كالمنقول عن جماعة عدم الجزم بعدم الولادة.
وهو أيضاً ظاهر الشيخ المتبحر عبد الملك العصامي في (تاريخه) فإنّه ساق ولادة الحجّة بن الحسن العسكري (علیهما السلام)وقال:
وألقابه: الحجة، والخلف الصالح، والقائم، والمنتظر، وصاحب الزمان، والمهدیّ (علیه السلام ) وهو أشهرها.
صفته شاب مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، أقنى الأنف، أجلى الجبهة.
ولما توفّي أبوه كان عمره خمس سنين.
والشيعة (4) يقولون : إنّه دخل السرداب سنة خمس وسبعين ومائتين، وعمره سبع عشرة سنة، وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان من السرداب، وأقاويلهم فيه كثيرة والله أعلم أين ذلك يكون انتهى. (5)
وظاهره الميل أو التوقف لا الإنكار.
ص: 238
ومثله المولى الفاضل المتبحر المولى حسين الكاشفي صاحب (جواهر التفسير) المعروف، فقال في آخر كتابه (روضة الشهداء): (فصل نهم (1)، در ذکر إما(م م ح م د) بن الحسن العسكري (علیه السلام) وی امام دوازدهم است از ائمه اثنا عشر كنيت وى أبو القاسم، ولقب وي بقول إماميه.
إلى أن قال ودر شواهد [النبوة] (2) آورده چون متولد شد بر ذراع أيمن وی نوشته بود که( وقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الباطل كانَ زَهُوقاً ) (3)، وبروايتي چون از مادر بزائید بزانو در آمد و انگشت سبابه بر آسمان بر داشت پس عطسه زد و گفت: «الحمد لله رب العالمين».
و بزرگي نقل کرده که نزديك إمام حسن عسكري (علیه السلام) شدم و گفتم یا بن رسول الله خلیفه و امام (4)بعد از تو که خواهد بود بخانه در آمد پس بیرون آمد و کودکي بر دوش گرفته گوئیا ماه شب چهارده است در سن سه سالگی، فرمود که ای فلان اگر نه تو پیش خداي گرامي بودی من این فرزند خودرا بتو ننمود می نام این نام رسول است (صلى الله عليه و آله ) و کنیت او کنیت وی واین جهان را پر از عدل و داد کند همچنانکه پر از ظلم وجور شده باشد.
وبقول بعضی از علمائی که او را زنده میدانند میگویند که در اقصای مغرب شهرها در دست اوست و او را فرزندان إثبات میکنند و حق سبحانه بدین داناتر
ص: 239
است أنه يعلم السر وأخفى.
هر نکته که آن زمانها است ***بر علم خداي ما عيانست
انتهى) (1)
وظاهره التوقف بل الميل وإلّا لأنكره غاية الإنكار، ولما نقل الكرامات الباهرة عن غير الإمامية معتمداً عليه.
إذا عرفت ذلك وتأملت في كلمات هؤلاء الأعلام، فنقول:
أوّلاً: إنّ هذا القول من الإماميّة إذا وافقه من أهل السنّة مثل هؤلاء هل يجوز
ص: 240
عده من المناكير والهفوات وعد قائله من أرباب الضلالات والجهالات، بل من السفهاء والمجانين، كما وقع لجملة من المؤلفين ؟ وهل هذا إلا من قلة الاطلاع أو عدم المبالاة بآداب الشريعة أو للعجز عن إثبات المدعى فيرد دعوى الخصم بالسب والافتراء؟ مع أنه المفتري على أهل السنة والجماعة بأنهم ذهبوا إلى عدم ولادة المهدیّ (علیه السلام ) مع أن فيهم الذين عرفت أنهم جزموا بها وفيهم مثل الشيخ الأكبر محيي الدين جازماً معلناً في كتابه الذي ملأت الآفاق نسخه! بل هو الخائن لعدم نقله القول الآخر عن الجماعة في مقام نقل الأقوال الذي لا يجوز فيها إظهار العصبية وإخفاء الحقيقة.
وثانياً: إنّه ليس في الكتاب والسنة وإجماع المسلمين وحكم العقل بمراتبه أن المهدي (علیه السلام)الذي (1) أخبر به النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأنه يخرج أو يظهر فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً أن يتولد بعد القرن الفلاني أو بعدي بسنين كذا وأمثال ذلك، بل الموجود في الأخبار النبويّة المتفقة بين الفريقين الإخبار عن الظهور وأنه من ولده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وبعض صفاته وعلامات ظهوره من غير إشارة فيها أصلاً إلى زمانه وطول المدة بينه وبين الظهور وقصرها ولو بالإجمال.
نعم، في بعض الأخبار التي رواها أهل السنة أنه يرجع إليهم:
ففي الباب الثالث من كتاب (عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر) لأبي بدر يوسف بن يحيى السلمي بإسناده عن أبي عبد الله الحسين بن علي أنه قال: «لو قام المهدیّ (علیه السلام ) لأنكره الناس؛ لأنه يرجع إليهم شاباً موفقاً، وإن من أعظم البلية أن
ص: 241
يخرج إليهم صاحبهم (1) شاباً، وهم يحسبونه (2) شيخاً كبيراً». (3)
وظاهره أنه فيهم ثم يختفي ثمّ يظهر أداءً لحق معنى الرجوع.
قال الشيخ شهاب الدين السهروردي المقتول في رسالته المسماة ب(الكلمات الذوقية والنكات الشوقية): (إن فائدة التجريد سرعة العود إلى الوطن الأصلي
والاتصال بالعالم العقلي، ومعنى قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «حب الوطن من الإيمان إشارة إلى هذا المعنى، ومعنى قوله تعالى في كلام الله المجيد( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارجعي إلى ربِّك راضِيَةً مَرْضِيَّةً،) (4) والرجوع يقتضي سابقة الحضور فلا يقال لمن لا رأى مصراً: ارجع إلى المصر، انتهى. (5)
فهذا الخبر لا ينطبق إلا على مذهب الشيخ الأكبر وأتباعه والإمامية، فإذا لم يعين (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) له وقتاً فكل وقت صالح لأن يتولد فيه المهدیّ (علیه السلام ) ولم ترد لولادته علامة تنفي بفقدها، فلا طريق لأحد لإنكارها، إذ هو فرع العلم بالعدم وبابه مسدود، فعد القول بعدم الولادة من الأقوال كما أشار إليه جناب الناظم بقوله:
فَمِنْ قائل في القِشْرِ لُب وُجُودُهُ ***ومِنْ قائِلِ قَدْ ذُبَ عَنْ لُبِّهِ القِشْرُ
لا يخلو من ركاكة، وغاية ما ينبغي أن ينسب إليهم عدم العلم والجهل بها وعدم اطلاعهم عليها.
ص: 242
نعم، شبهات على من يدعيها ألقتهم في مقام الإنكار ومع كونها أوهن من بيت العنكبوت كما ستعرف جعلها جناب الناظم مسنداً لحكم العقل (1) بالعدم فقال:
وَأَوَّلُ هذين اللذين تَقَرَّرًا ***بهِ العَقْلُ يَقْضِي والعيانُ ولا نُكْرُ
وإلّا فلا طريق للعقل إلى حكمه بعدم الولادة مع إمكانها وصلاحية كل وقت لها.
والظاهر أن غرضه من شهادة العيان على عدم الولادة عدم ظهوره وخروجه بالعيان، إذ لو كان موجوداً لظهر ورآه كل أحد.
وفيه أنه لا شهادة فيه عليه لجواز وجوده واختفائه، فإن المدعي يعتقد أنه مستور عن أعينهم كرجال الغيب الذين أثبتهم المشايخ الصوفية وصرح النسفي بأنهم ثلاثمائة وست وخمسون والخضر (علیه السلام) وهم بين الناس ولا يرونهم إلا بعضهم في بعض الأوقات(2)، وقد عرفت حكاية رؤية المهدي (علیه السلام)له من كتاب (اليواقيت) لشيخ مشايخ الصوفية عبد الوهاب الشعراني(3) وتصديق جماعة مدعيها.
مع أن المناسبة والقياس يقتضي حكم العقل بوجوده، فإنهم تبعاً للأخبار الكثيرة المعتبرة عدّوا الثلاثة من أشراط الساعة وهم عيسى والمهدي (علیهما السلام)والدجال، والاثنان موجودان منذ زمان فيقتضي أن يكون الثالث أيضاً موجوداً، مع أن الشبهات في وجود الدجال أزيد من جهات عديدة من الشبهات في وجوده فنقول:
ص: 243
ثالثاً: أخرج الإمام الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيشابوري في (صحيحه)، وقال: (حدّثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث وحجاج بن الشاعر كلاهما، عن عبد الصمد - واللفظ لعبد الوارث بن عبد الصمد - قال: حدّثني أبي، عن جدي، عن الحسين بن ذكوان، حدّثنا ابن بريدة، حدّثني عامر بن شراحيل الشعبي شعب همدان أنه سأل فاطمة بنت قيس – أخت الضحاك بن قيس، وكانت من المهاجرات الأول – فقال: حدثيني حديثاً سمعتيه عن رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لا تسنديه إلى أحد غيره؟
فقالت: إن شئت لأفعلن، فقال لها: أجل حدثيني ؟
فقالت: نكحت ابن المغيرة - وكان من خيار شباب قريش يومئذ - فأصيب في أوّل الجهاد مع رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، ولما تأيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب محمد، وخطبني رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) على مولاه أسامة بن زيد، وكنت قد حدثت أن رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال: من أحبني فليحب أسامة.
فلمّا كلّمني رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقلت: أمري بيدك فأنكحني من شئت.
فقال: انتقلي إلى أم شريك - وأم شريك امرأة غنيّة من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله ينزل عليها الضيفان - فقلت: سأفعل. قال: لا تفعلي، إن أم شريك [أمرأة] (1) كثيرة الضيفان فإنّي أكره أن يسقط عنك خمارك وينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين ولكن انتقلى إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو ابن أم مكتوم - وهو رجل من بني فهر قريش وهو من البطن الذي هي منه
ص: 244
- فانتقلت إليه فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي - منادي رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ينادي الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فكنت في الصف الذي يلي ظهور القوم، فلما فرغ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه. ثم قال: هل تدرون لم جمعتكم؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميماً كان رجلاً نصرانياً فجاء، فبايع وأسلم وحدّثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال.
حدّثني أنه: ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهراً في البحر ثم أرفؤوا إلى جزيرة في البحر حين مغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب – كثير الشعر - لا يدرون ما قبله من دبره لكثرة الشعر ، فقالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة.
قالوا: وما الجساسة؟ قالت : أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنّه إلى خبركم بالأشواق.
قال: لما سمّت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشدّده وثاقاً مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ (1) قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم.
قلنا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم
ص: 245
فلعب بنا الموج شهراً ثمّ أرفئنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة فلقينا دابة أهلب كثير الشعر لا يُدري ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت؟ قالت أنا الجساسة، قلنا ما الجساسة؟ قالت اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنّه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعاً وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة.
فقال: أخبروني عن نخل بيسان؟ قلنا عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر ؟ فقلنا له: نعم، فقال: أما إنه يوشك أن لا يثمر.
قال: أخبرونا عن بحيرة طبرية ؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن -يذهب.
قال: أخبروني عن عين زغر (1)؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها.
قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج (2)من مكة ونزل يثرب.
ص: 246
قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ قال: فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذاك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه، وأني عنّي، إنّي أنا المسيح الدجال وإنّي أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلّا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان (1)علي كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحداً منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها.
قالت: قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وطعن بمخصرته في المنبر : هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة - يعني المدينة - ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟
فقال الناس: نعم، فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن مكة والمدينة، ألا إنّه في بحر الشام، أو بحر ،اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو من قبل (2) المشرق، ما هو من قبل المشرق ما هو - وأومأ بيده - قال: فحفظت هذا من رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ) (3)
قال الحافظ الكنجي في الفصل الخامس والعشرين من كتابه (البيان) بعد نقل هذا الخبر، قلت: هذا حديث صحيح متفق على صحته. (4)
وعده البغوي في (المصابيح) من الصحاح، ورواه أيضاً مسلم في صحیحه
ص: 247
بطرق ثلاث أخرى باختلاف يسير في صدر الخبر لا يضر بالمقصود. (1)
فليتأمل المنصف في هذا الخبر وما تضمنه من وجود شخص كافر مضل لم يسبقه فيه أحد (2) ، فهو في جزيرة لا يوجد فيها أحد من البشر قبل بعث النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بما شاء محبوساً مغلولاً إلى آخر الزمان، ويكون مع كفره وضلالته عالماً بما سيكون وما سيفعله بعد قرون لا يعلمها إلّا الله تعالى.
فينبغي أن يسأل ويقال: ما الحكمة في إيجاد هذا الكافر المضل الذي أنذره كل نبي قومه قبل أوان خروجه بهذه المدة الطويلة التي تزيد على مدة غيبة المهدیّ (علیه السلام ) بقرون؟ وأي منفعة لوجوده لأهل الأرض؟ ومن علّمه الغيب ومن حبسه في الجزيرة؟ ولم حبس؟ ومن يتكفل لوازم عيشه ؟ ولم لم يطلع عليه بعد تميم وأصحابه أحد من أصحاب السفن التي لا تحصى في طول هذه المدة، أوليس المقام مقام حيرة العقل وتبلد الفهم؟ أو يجوز المسلم ردّ هذه الأخبار لمجرد عدم درك العقل هذه المطالب واستبعاده وجود إنسان كذلك بهذه الكيفية في هذه المدة؟ فوجود الدجال أحق بالتحير والسؤال عن (3)العلماء عن حكمة خلقته.
ص: 248
فيجاب بأنه تعالى شأنه لا يسأل عما يفعل أو وجود المهدیّ (علیه السلام ) الذي هو عند أكابر مشايخ الصوفية القطب الذي بسبب وجوده يفيض الله تعالى الفيوضات على الخلق، وعند الإماميّة الحجّة الذي لا قرار للأرض إلا بوجوده، أو مثله من نبي أو وصي ولولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها، وقد خلق الحجّة قبل الخلق وهو قبلهم ومعهم وبعدهم وهو آخر من يهلك من الخلق عند قيام الساعة، وعلى الطريقتين فمنفعة وجوده للخلق في كل ساعة، بل آن ما لا يحصيها إلا الله تعالى، وفائدة وجوده في الظاهر من سد الثغور وإقامة الحدود وأخذ الحقوق ونظم الجنود وأمثالها بالنسبة إلى ما ذكر شيء قليل ونبذ يسير، وهو مع ذلك مطلق مختار يسير البلاد ويحضر في الأمصار ويحضر الموسم في كل سنة وله أهل وعيال.
ويأتي أن ما نسب إلى الإماميّة من أنه في طول غيبته في السرداب ومنه يظهر وأشار إليه جناب الناظم في آخر النظم بقوله:
فَيَا للأعاجيب الَّتِي مِنْ عَجيبها ***أَن اتَّخَذَ السَّرْدَابَ بُرْجاً لَهُ البَدْرُ
افتراء محض ينبغي التعجب من المؤلّف الذي ذكر ذلك في كتابه والناظم الذي تبعه في نظمه.
فظهر أن الذي كان يستحسن من جناب الناظم أن يسأل عنه أولاً هو السؤال
عن دليل من يدعي ولادة المهدي (علیه السلام) يو ويطالب منه البيّنة على هذه الدعوى فإن أتى بما يثبت به أمثال هذه الدعاوي عند منكري الولادة فلا محل لذكر هذه الشبهات ولا مجال لورود هذه المبعدات فإن مرجعها إلى السؤال عن کشف الحكم الإلهية في أفاعيله تعالى أو الاعتراض عليها والعياذ بالله.
ص: 249
وعدم الوقوف على الحكمة لا يوجب رفع اليد عن الدليل المحكم والبرهان المبرم وإلّا لزم إنكار وجود الدجال أيضاً، وإن عجزوا عن إثبات دعواهم فلا محل أيضاً لذكر هذه الشبهات لأن مجرد عدم الدليل على إثبات الدعوى كاف الحكم ببطلانها ولا يحتاج إلى ذكر لوازمها الباطلة بزعم الخصم فنقول:
رابعاً: إن طريق إثبات مهدوية الحجة بن الحسن العسكري – المتولد في سنة مائتين وخمس وخمسين - لمنكرها بإنكار ولادة المهدي الموعود (علیه السلام) المستلزم لعدم كونه مهديًا كطريق إثبات نبوة نبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لمن أنكرها من سائر الملل بالنصوص الموجودة في الكتب السماوية الموجودة عندهم ويزعمون حقيتها ويعتمدون عليها، والمعجزات التي تواترت عنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلا أن النصوص في الأول أكثر كالمعجزات في الثاني والشبهات الشبهات والجواب الجواب.
وحيث إن جناب الناظم أعرض عن السؤال عن مستند هذه الدعوى أعرضنا عن ذكره، إلّا أنا نشير إجمالاً إلى مستند واحد من الأدلة الكثيرة التي عندنا بحمد الله تعالى، فنقول:
مما تواتر عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ما رواه أصحاب الصحاح وحفاظ الأحاديث وسدنة الآثار إخباره (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عن اثني عشر خليفة من بعده على اختلاف في بعض المتون، وهي كثيرة مذكورة مع أسانيدها في جملة من الجوامع.
ففي (مسند أحمد) عن مسروق قال: كنا مع عبد الله جلوساً في المسجد يقرئنا فأتاه رجل فقال: يا بن مسعود هل حدثكم نبيّكم كم يكون من بعده
ص: 250
خليفة؟ قال: نعم كعدة نقباء بني إسرائيل ». (1)
ولهذا المتن طرق عديدة.
وفي بعضها: «نعم، اثنا عشر عدة نقباء بني إسرائيل». (2)
وفي بعضها: «نعم، عهد إلينا نبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل». (3)
وفي بعضها: «فقال: سألنا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ؟ فقال: اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل». (4)
وأخرج مسلم في( صحيحه) عن حصين، عن جابر بن سمرة قال: «دخلت مع أبي على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة.
قال: ثمّ تكلّم بكلام خفي علي، قال: فقلت لأبي: ما قال؟
قال كلهم من قريش »> (5)
وبطريق آخر: «لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم إثنا عشر رجلا» (6)
ص: 251
وبطريق آخر: «لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً.... » (1)
وأخرج مسلم أيضاً بإسناده، أنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال يوم جمعة عشيّة رجم الأسلمي: «لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قریش ». (2)
وأخرج البزار عنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : يزال أمر أمتي قائماً (3) حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش». (4)
وأخرجه أبو داود وزاد: «فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: ثمّ يكون الهرج». (5)
وأخرج المسدد في (المسند الكبير) عن أبي الجلد (6) أنه قال: «لا تهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق...» (7)
وأخرج الحمويني، عن عباية بن ربعي، عن ابن عباس رفعه، قال: «أنا سيد النبيين وعلي سيّد الوصيين، وإن أوصيائي بعدي إثنا عشر أولهم علي بن أبي
ص: 252
طالب، وآخرهم القائم » (1). (2)
وأخرج البخاري: يكون - بعدي - إثنا عشر أميراً.
وقال: كلّهم من قريش». (3)
وأخرج شارح (غاية الأحكام )من رواية أبي بلج عن عمر بن ميمون وحبيب بن يسار عن جرير بن عثمان وعلي بن زيد عن سعيد بن المسيب، كلهم عن أبي قتادة، قال: «سمعت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : الأئمة بعدي اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل وحواري عيسى (علیه السلام). » (4)
وعن أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب أنه قال: «منا اثنا عشر مهدياً أوّلهم علي بن أبي طالب (علیه السلام)اول و آخر هم القائم(علیه السلام)». (5)
إلى غير ذلك مما رووه في الصحاح والمسانيد والسنن.
ويأتي (6) بعضها أيضاً.
وبعد التأمل في جميعها وجمع ما اتفق عليه أهل السنة (7) المطابق لما رواه
ص: 253
الإمامية من طرقهم يظهر لمن أنصف من نفسه أن هذه الأحاديث الشريفة النبوية لا تنطبق إلّا على مذهب الإمامية؛ لقرائن كثيرة واضحة
(منها) أن الخليفة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لا بد وأن يكون عالماً عاملاً، عاقلاً ورعاً، نقياً حاوياً
للخصال الحميدة، ومنزهاً عن الصفات القبيحة، تاركاً لما يجب وينبغي تركه بصيراً حاذقاً... إلى غير ذلك مما هو من لوازم خلافة مثله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الله المبعوث لهداية الخلق وتهذيبهم وتكميلهم وتزكيتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة، فمن خلفه وجلس مجلسه لابد وأن يكون له حظ وافر ونصيب متكاثر من ذلك؛ حتى يصدق عليه الخلافة التي هو أخبر بها من جهة نبوته ورسالته لا من حيث سلطنته وملكيته وغلبته على البلاد والعباد، فإن عدد الخلفاء من هذه الحيثية خارج عن الحصر.
ويؤيد ذلك مضافاً إلى وضوحه ما في بعض الطرق: «كلهم يعمل بالهدى ودين الحق (1) وجعلهم بمنزلة نقباء بني إسرائيل، وبمنزلة حواري عيسى، وقيام الدين وعزته بهم، وظاهر أنّ عزّة الدين بصلاح ا وسدادهم وتدينهم وعملهم بما دانوا به لا بسعة الملك وكثرة المال وإن لم يكن لهم حظ منه إلّا الإقرار باللسان.
وهذا المعنى في هذا العدد من هذه القبيلة لم يتفق بالاتفاق إلا في الاثني عشر الذين اتخذهم الإماميّة أئمّة، فإنّهم باتفاق الفريقين – سوى الحجة بن الحسن (علیه السلام)عند جمع من أهل السنّة لعدم اطلاعهم بحاله - علماء حكماء صلحاء
ص: 254
عباد زهاد جامعون لكل ما ينبغي أن يكون في خليفة مثله، كما يظهر ذلك بأدنى رجوع إلى الكتب المتكفّلة لذلك من التراجم ومما ألف في مناقبهم خاصة وإلى ما رووه في مناقبهم، ونتبرك بذكر بعضها:
فأخرج إبراهيم بن محمد الحمويني الشافعي في (فرائد السمطين) بإسناده عن الأصبغ بن نباتة، عن ابن عباس رفعه، قال: «أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهَّرون معصومون.»(1)
وأخرج أخطب الخطباء الموفق بن أحمد الخوارزمي في (مقتله (2)) بإسناده عن أبي إسحاق عن الحارث وسعيد بن بشير، عن علي بن أبي طالب (علیه السلام) ، قال: «قال رسول الله ( (صلى الله عليه و آله )): أنا وارد كم على الحوض، وأنت يا علي الساقي، والحسن الذائد والحسين الآمر ، وعلي بن الحسين الفارط،(3) ومحمد بن علي الناشر، وجعفر بن محمد السائق، وموسى بن جعفر محصي المحبين والمبغضين وقامع المنافقين، وعلي بن موسى مزين المؤمنين، ومحمد بن علي منزل أهل الجنّة في درجاتهم، وعلي بن محمد خطيب شيعته ومزوجهم الحور العين والحسن بن علي سراج أهل الجنّة يستضيئون به والمهدي (علیه السلام) شفيعهم يوم القيامة، حيث لا يأذن الله إلّا لمن يشاء ويرضى (4)
وأخرج الفقيه ابن المغازلي الشافعي في (مناقبه) مسنداً عن موسى بن القاسم،
ص: 255
عن علي بن جعفر (1)، قال: «سألت [أبا] الحسن عن قول الله: (كمشكاة فيها مصْبَاح المصباح )؟
قال: (المشكاة) فاطمة، و(المصباح) الحسن والحسين (الزجاجة).
(كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيَّ)؟ قال: كانت فاطمة كوكباً درياً من نساء العالمين.
(يُوقَدُ من شَجَرَة مُّبَارَكَة )؟ الشجرة المباركة إبراهيم.
(لا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبيَّة) ؟ لا يهودية ولا نصرانية.
(يَكَادُ زَيْتُهَا يُضيء )؟ قال : يكاد العلم [ أن] (2) ينطق منها.
(وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُور) ؟ قال: منها إمام بعد إمام.
(يَهْدِي اللَّهُ لنُوره مَن يَشَاء)؟ قال: يهدي الله عزّ وجلّ لولايتنا من يشاء». (3)
وبالجملة فلم يتفق لجملة من الأمة الاتفاق على الكمال والصلاح فيها ما اتفق لهم، حتّى أنّهم مع كثرة أعدائهم من كل صنف وطبقة المتجاهرين ببغضهم الساعين على استيصالهم ما عثروا عليهم بسوء ولم يقدروا أن ينسبوا (4) إليهم مكروهاً ولا خلافاً ولا جهلاً ولا ما يتنفر منه طبعاً قلوب عموم الناس، وهذا واضح على أهل الخبرة والإنصاف بحمد الله تعالى.
ص: 256
ومنها: أنها مؤيّدة بما ورد من الأخبار الصحيحة الصريحة في أنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) جعل أهل بيته خليفته مع القرآن وأمر بالتمسك بهما وأنهما لن يفترقا، وهذه الأحاديث مع ما تقدّم يدور بين أمور ثلاثة:
الأوّل: أن يكون ما تقدم تفصيلاً لما أجمله هنا، فيكون الاثنا عشر من أهل بيته وما في سند المسدد بعد الخبر المتقدم: «منهم رجلان من أهل بيت محمد »(1) - صلوات الله عليه وعليهم - فهو إما من كلام أبي جلد (2) كما هو الظاهر وإلّا لقال: من أهل بيتي. أو مطروح؛ لانفراده بهذه الزيادة.
الثاني: أن يجعل في أهل البيت خلفاء غير هؤلاء الاثني عشر، وعليه فيزيد في عدد الاثني عشر وهو خلاف الأخبار السابقة الصريحة في انحصار عدد خلفائه فيها.
الثالث: أن تطرح هذه الأخبار لمخالفتها للطائفة الأولى، وهذا أيضاً غير جائز لوجودها في الصحاح التي لا يقدر أحد على ردّها.
ففي (مسند أحمد بن حنبل) عن شريك بإسناده عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض - أو ما بين السماء إلى الأرض - وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا
حتى يردا علي الحوض ». (3)
وأخرج الإمام الثعلبي في (تفسيره) في قوله تعالى في سورة آل عمران:
ص: 257
(وَاعْتَصمُوا بحبل الله جميعاً ) (1) بإسناده عن عطية الكوفي عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول: «يا أيها الناس (2) إني قد تركت فيكم الثقلين خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض - أو قال: من الأرض – وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض». (3)
وروي مضمون هذا الخبر بطرق كثيرة (4) في مسند أحمد وصحيح مسلم وصحيح البخاري، ومناقب ابن المغازلي وغيرها بلفظ: «إني تارك فيكم الثقلين ». (5)
وفي لفظ: «إني قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين... »(6)
ص: 258
وفي جملة: ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما (1)
ولا ريب أن مساق الكل واحد وحينئذ يتعين الجمع الأول، وحاصل مضمون الطائفتين أن الخلافة في أهل بيته وأن الهداية في اتباعهم، والضلالة في التخلف عنهم، وأن القرآن لا يفارق الخليفة من أهل بيته وخلفاء أهل بيته لا يفارقون القرآن إلى يوم القيامة.
وهذا يدل على مساواتهم للقرآن من هذه الجهة، فلا بد أن يكون في الأرض دائماً ما لم يرفع القرآن من يساويه من أهل بيته (علیه السلام) الذي لا يفارق القرآن ولا يفارقه و عدم المفارقة يُلاحظ معنى وباطناً، فيكون أحدهما مصدقاً للآخر، فيكشف عن عصمتهم وإلّا لزم المفارقة وهو خلف ويلاحظ ظاهراً وفي الوجود الخارجي فيدلّ على وجود الخليفة من أهل البيت دائماً، كل ذلك تمسكاً بالآثار الصحيحة النبوية الشريفة واحتجاجاً بظواهرها ونصوصها من غير تأويل وتصرّف في ألفاظ متونها.
(ومنها) أنها مؤيدة بالأحاديث الصريحة الصحيحة في أن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.
فأخرج الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنه قال: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » (2)
ص: 259
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر أن رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال: «من مات وليس عليه إمام فإن موته موتة جاهلية » (1)
وفي (الدر المنثور) للسيوطي قال: أخرج ابن مردويه عن علي، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) في قول الله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أناس بإمامهم )(2)، قال: يدعى كل قوم بإمام زمانهم وكتاب ربّهم و سنة نبيهم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ». (3)
ورواه الثعلبي في تفسيره) مسنداً ،عنه مثله (4)
إلى غير ذلك مما ورد في هذا المعنى مما لا راد له وتلقاه العلماء بالقبول.
وغير خفي على المنصف أن ما تضمنه هو بعينه مضمون الأخبار السابقة، فإنّ الإمام هو المقتدى الذي تتبع آثاره ويقتدى بأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته.
فإذا كان ممن يجب طاعته والاقتداء به المتوقف على معرفته، فلابد أن يكون حاوياً لشروط الخلافة ومساهميته القرآن؛ حتى يكون الجهل به سبباً للكفر، ويكون من أئمة الهدى الذين احتج الله بهم على عباده وخلفهم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في أمته، وهو بعينه من جعله شريك القرآن وقال: «من تمسك بهما لن يضل أبداً، وليس في كل زمان خليفة يجب التمسك به وإلا فالضلالة وإمام غيره يجب معرفته وإلا فموتة الجاهلية، بل هو هو، ولذا قرنه بالكتاب في الخبر الأخير وقد بين عدد الخلفاء الذين هم بالنظر إلى هذه النصوص أئمة الزمان، فلا بد أن
ص: 260
يكون في كل عصر من يجب معرفته والتمسك به.
ولا يجوز لأحد أن يدعي التمسك بهذه الأحاديث إلا معاشر الإمامية، وإلا فلابد لغيرهم إما الاعتراف بوجوب التمسك بيزيد بن معاوية، والوليد بن يزيد بن عبد الملك، ومروان الحمار، ووجوب معرفتهم والاقتداء بأقوالهم وأفعالهم وكذا وجوب التمسك بغير القرشي ووجوب معرفته أو التخصيص في الأزمان بحد يستهجنه كل متكلم، كل ذلك خروج عن ظاهر هذه السنن الشريفة.
وحيث علم أن إمام كل زمان - الذي يجب معرفته – هو بعينه الخليفة الذي أخبر به، يظهر أنه لا بد وأن يكون الاثنا عشر متوالياً مع أنه ظاهر الأخبار السابقة، وإلّا لزم إما خلو الزمان عنهما أو القول بأن أحدهما غير الآخر وكلاهما فاسد بظواهر هذه النصوص.
(ومنها) أن كل ما قيل فيها من التأويل مضافاً إلى عدم وجود شاهد له ظاهر الفساد، فإن أحسن ما قيل فيه هو : ما ذكره القاضي عياض ورجحه الحافظ ابن حجر وقرره جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء وارتضاه ابن حجر المتأخر في الصواعق ووجوه فساده لا تحصى.
قال السيوطي في (تاريخ الخلفاء): (قال القاضي عياض: لعل المراد بالاثني عشر في هذه الأحاديث وما شابهها أنهم يكونون في مدة عزّة الخلافة، وقوة الإسلام، واستقامة أموره، والاجتماع على من يقوم بالخلافة، وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية، فاستأصلوا أمرهم.
ص: 261
قال شيخ الإسلام ابن حجر في (شرح البخاري): كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث وأرجحه؛ لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة: (كلهم يجتمع عليه الناس).
وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته، والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان، ثمّ علي، إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين فتسمى معاوية يومئذ بالخلافة، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن، ثم اجتمعوا على ولده يزيد، ولم ينتظم للحسين أمر، بل قتل قبل ذلك، ك، ثمّ لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة الوليد، ثمّ سليمان، ثمّ يزيد، ثمّ هشام.
و تخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك: اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين ، ثم قاموا عليه فقتلوه، وانتشرت الفتن، وتغيرت الأحوال من يومئذ، ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك؛ لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان، ولما مات يزيد ولي أخوه إبراهيم فقتله مروان، ثمّ ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل.
ثمّ كان أوّل خلفاء بني العباس السّفّاح، ولم تطل مدته العباس السفّاح، ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه، ثمّ ولّي أخوه المنصور فطالت مدته لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس، واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا
ص: 262
بالخلافة بعد ذلك، وانفرط الأمر إلى أن لم يبق من الخلافة إلا الاسم في البلاد، بعد أن كان في أيام بني عبد الملك بن مروان يُخْطَبُ للخليفة في جميع الأقطار من الأرض شرقاً وغرباً يميناً وشمالاً مما غلب عليه المسلمون، ولا يتولّى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شيء منها إلا بأمر الخليفة.
ومن انفراط الأمر أنّه كان في المائة الخامسة بالأندلس وحدها ستة أنفس كلّهم يتسمّى بالخلافة، و صاحب مصر العبيدي والعباسي ببغداد خارجاً صاحب مصر عمّن كان يدعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج، انتهى. )(1)
وحاصله: أن المراد بالخلفاء الاثني عشر الذي أخبر بهم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأنهم عز الدين وكلهم يعملون بالهدى ودين الحق هم الخلفاء الأربعة، ومعاوية وولده يزيد، وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك، وأخوه سليمان وأخوه يزيد، وأخوه هشام بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز، والوليد بن يزيد بن عبد الملك الملقب بالزنديق ،والفاسق والمستند أن الناس اجتمعوا عليهم دون غيرهم واقتصروا من شروط الخلافة بما انفرد به بعضهم في بعض طرق الحديث وكلهم يجتمع عليه الناس، فمع الاجتماع يصير مصداقاً للنبوي الشريف، سواء كان فيه العلم والهداية والعدالة والعمل بالحق أو كان فاقداً لجميعها حتى الإيمان. (2)
ص: 263
ولا بد من الإشارة إلى بعض ما في هذا الكلام من المفاسد واللوازم الباطلة التي لا يلتزم بها أحد:
أ - إنه كما قيد الأخبار المطلقة بما في بعض الطرق من قوله: «وكلهم يجتمع عليه الناس» (1) فلابد من تقييدها أيضاً بقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في بعض طرقها: «وكلهم يعمل بالهدى ودين الحق » (2)، وعليه فيخرج بعض هؤلاء مما لا خلاف في عدم عمله بهما كما ستعرف.
ب -كيف أخرج الحسن بن علي (علیهما السلام) من هذا العدد مع أنه صرح في أوّل هذا الفصل وقال: قال الإمام أحمد : ( حدّثنا بهز ، حدّثنا حماد بن سلمة، حدّثنا سعيد بن جمهان عن سفينة قال: سمعت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول: «الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون بعد ذلك الملك ) (3) ، أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره.
قال العلماء: (لم يكن في الثلاثين بعده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن). (4)
وقال البزار : ( حدّثنا محمد بن سكين، حدّثنا يحيى بن حسان، حدّثنا يحيى بن حمزة عن مكحول، عن أبي ثعلبة، عن أبي عبيدة بن الجراح، قال: قال رسول
ص: 264
الله(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : أول دينكم بدأ نبوة ورحمة، ثمّ يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكاً وجبرية. حدیث حسن انتهى). (1)
فالحسن (علیه السلام) خليفة بنص منه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فإن عُد الخلفاء الأربعة من الاثني عشر فلابد عده أيضاً فيها، وما تشبث به من الاجتماع على فرض التسليم لا يعارض النص الصريح الصحيح ، مع أنه لو بنى على إخراجه لعدم اجتماع أهل الشام عليه يلزم إخراج والده أمير المؤمنين (علیه السلام) منها أيضاً؛ لعدم اجتماعهم عليه من أوّل خلافته إلى آخرها، بل إخراجه الله منها أولى من إخراج المنصور منها؛ لعدم اجتماع أهل الأندلس عليه وهم في أقصى المغرب ونصارى هذه المملكة أضعاف المسلمين، بخلاف الشام الواقع في بحبوبة بلاد المسلمين، ومن ذلك يعلم أن قوله: «وكلهم يجتمع... إلخ » من زيادة الراوي لا تصلح لتقييد الأخبار المطلقة.
ج - إن ظاهره نسبة الفعل إلى أحد صدوره منه قاصداً اختياراً من غير جبر وإكراه، فقوله: «يجتمع على فرض التسليم أي باختيارهم ورضاهم.
ولا يخفى على ذي مسكة أن اجتماع الناس على ملوك بني أمية كان للقهر والغلبة والخوف منهم وأخذهم البيعة على الناس بسيفهم كما هو مشروح في السير والتواريخ، وهل يمكن أن ينسب أحد إلى أهل مكة والمدينة وفيهم وجوه الفقهاء والمحدثين وبقية الصحابة وكبار التابعين والمشايخ من أولاد المهاجرين والأنصار، أنهم باختيارهم اجتمعوا على يزيد بن معاوية واختاروه لخلافة الأمة؟
ص: 265
ولعمري هذا إزراء بهم من حيث لا يُعلم، وهل هو إلا لما رأوا من قهره وغلبته و تجريه على سفك الدماء فحفظوا أنفسهم ولم يلقوها إلى التهلكة، فبايعه من بايع وتخلف عنه من تخلف؟!
د- كيف جوزوا الخلافة المنعوتة على لسان النبي الأكرم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في جميع بني أمية وقد رووا فيهم من الذموم ما رووا؟
فروى الإمام الثعلبي في (تفسيره) مسنداً عن سعيد بن المسيب في قول الله عز وجل: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً للنَّاس) (1)، قال: «أرى بني أمية على المنابر، فساءه ذلك، فقيل له: إنّها الدنيا يعطونها، فنزل (2)عليه : (إلا فتنة للنَّاس )قال: بلاء الناس». (3)
وبإسناده عن المهلبي، عن سهل بن سعد عن أبيه قال:« رأى رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أمية ينزون على منبره نزو القردة، فساءه [ذلك ] (4)، فما استجمع ضاحكاً
حتى مات، فأنزل الله عزّ وجلّ في ذلك: (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً للنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآن ) (5) (6)
وبإسناده عن عمر بن الخطاب في قوله تعالى: (ألم تر إلى الَّذِينَ بَدَّلُوا نعمة
ص: 266
اللَّه كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبَئْسَ الْقَرارُ) (1)، قال: هما الأفجران من قريش بنو المغيرة، وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. (2)
وقال الثعلبي في قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) (3)نزلت في بني أمية - وبني هاشم - انتهى. (4)
أترى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يراهم كالقردة، ويرى أن الله تعالى كنى عنهم بالشجرة الملعونة، ثم يقول في سبعة منهم : إنهم خلفاء يهدون بالحق ويعملون به ويعز في عصرهم الدين؟ حاشا أقواله وأفعاله من التناقض.
وفي (عقد الدرر ) لأبي بدر السلمي عن علقمة، قال: قال لنا ابن مسعود: «قال لنا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : أحذركم سبع فتن تكون بعدي : فتنةً تُقبل من المدينة، وفتنةً تُقبل من مكة، وفتنةً تُقبل من اليمن وفتنةً تُقبل من الشام، وفتنةً تُقبل من المشرق، وفتنةً تُقبل من المغرب (5) [ وفتنةً ] (6) من بطن الشام وهي: السفياني.
وقال ابن مسعود: فمنكم من يُدرك أوّلها، ومنكم من يُدرك آخرها، فكانت
ص: 267
فتنةُ المدينة من قبل طلحة والزبير، وفتنة مكة من قبل عبد الله بن الزبير، وفتنة الشام من قبل بني أمية، وفتنةُ بطن الشام من قبل هؤلاء».
أخرجه الحافظ أبو عبد الله الحاكم في (مستدركه)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. (1)
ه- ثمّ كيف جوزوا في خصوص بني مروان منهم أن يكون فيهم خلفاء هادون وقد لعنهم رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ؟
قال كمال الدين الدميري الشافعي في حياة الحيوان) روى الحاكم في كتاب الفتن والملاحم من المستدرك، عن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به رسول الله الا الله فيدعو له فأدخل عليه مروان بن الحكم، فقال: «هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون».
ثم :قال: صحيح الإسناد) (2)
وعن عمر بن مرة الجهني – وكانت له صحبة -: أن الحكم بن أبي العاص استأذن على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فعرف صوته فقال: ائذنوا له عليه وعلى من يخرج من صلبه لعنة الله إلا المؤمن منهم وقليل ما هم يترفهون في الدنيا ويضيعون في الآخرة ذوو مكر وخديعة يعطون في الدنيا ومالهم في الآخرة من خلاق». (3)
وأخرج أبو داود في سننه بإسناده عن عمرو بن يحيى، قال: أخبرني جدي،
ص: 268
قال: كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يوماً بالمدينة ومعنا مروان، فقال أبو هريرة، سمعت الصادق المصدق يقول: «هلاك أمتي على يدي غلمة قريش. قال مروان : لعنة الله عليهم غلمة (1) قال أبو هريرة: لو شئت أن أقول من بني فلان وبني فلان فعلت. قال: وكنت أخرج مع جدي سعيد إلى الشام حين ملكه بنو مروان فإذا رآهم غلماناً أحداثاً قال لنا عيسى:هؤلاء الذي عنى أبو هريرة. فقلت: أنت أعلم».
ورواه البخاري في باب قول النبي (صلی الله علیه و آله وسلم)هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء. (2)
وعن أبي الحسن أحمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله في كتابه في الملاحم بإسناده عن زيد بن وهب أنه كان عند معاوية ودخل عليه مروان في حوائجه فقال [له] (3): «اقض حوائجي يا أمير المؤمنين [فوالله إن مؤنتي لعظيمة] (4) فإني أصبحت أبا عشرة وأخا عشرة وقضى حوائجه، ثم خرج فلما أدبر قال معاوية لابن عباس وهو معه على السرير: أنشدك الله يا بن عباس أما تعلم أن رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال ذات يوم: إذا بلغ بنو الحكم (5) ثلاثين رجلاً، اتخذوا مال الله عليهم (6) دولا وعباد الله خولا وكتابه دخلا، فإذا بلغوا تسعة وتسعين وأربعمائة كان
ص: 269
هلاكهم أسرع من أول مرة (1). فقال ابن عباس: اللهم نعم. ثم إن مروان ذكر حاجة لما حصل في بيته فوجه ابنه عبد الملك إلى معاوية فكلمه فيها فقضاها [ثم رجع ] (2) فلما أدبر عبد الملك، قال معاوية لابن عباس: أنشدك الله يا بن عباس أما تعلم أن رسول الله ذكر هذا. فقال: هذا أبو الجبابرة الأربعة. فقال ابن عباس اللهم نعم، فعند ذلك دعا معاوية زياداً.»(3)
وقال العلامة الزمخشري في (الفائق): (وفي حديث أبي هريرة: إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلاً كان مال الله دولا وعباده خولا، ونشأ للحكم بن أبي العاص أحد وعشرون ابناً وولد لمروان بن الحكم تسعة بنين انتهى). (4)
ومع ذلك كله كيف رضي هؤلاء الأعلام أن يجعلوا الذين لعنهم رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعدهم من الجبابرة من خلفائه الاثني عشر الذين يعملون بالهدى ودين الحق، وكان الإسلام في عهدهم عزيزاً منيعاً مع ما وقع في عهدهم من سفك الدماء المحرمة، وهتك الفروج المحترمة حتى المحارم، وحل الأموال المعتصمة ما لا يحصى، والتجاهر بشرب الخمور واللعب بالقمار واللواط وغيرها بما لم يقع في عصر، فكان الإسلام بهم ذليلاً مهاناً.
وإن هؤلاء الأجلة كيف استحسنوا أن يكون يزيد بن معاوية من الخلفاء الهداة الاثني عشر العاملين بالحق مع ما كان عليه من الفساد وما صدر منه مما
ص: 270
بكت وتبكي منه السبع الشداد من وقعة الطف ووقعة الحرة وهتك بيت الله الحرام، وقد ألف فيها بالانفراد كتب ورسائل سوى ما في التواريخ والسّير.
وقال ابن الجوزي في كتابه المسمى ب(الرد على المتعصب العنيد المانع من لعن يزيد) اعلم أنه ما رضي ببيعة يزيد أحد ممن يعول عليه حتى العوام أنكروا ذلك، غير أنهم سكتوا خوفاً على أنفسهم.
وقال: أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي البزاز، عن أبي إسحاق البرمكي، عن أبي بكر عبد العزيز بن جعفر، قال أنبأنا أحمد بن محمد الخلال، قال نبأ محمد بن علي، قال نبأ مهنا بن يحيى، قال: سألت أحمد عن يزيد بن معاوية فقال: هو الذي فعل بالمدينة ما فعل ؟ قلت وما فعل؟ قال نهبها. قلت: فنذكر عنه الحديث؟ قال: لا يذكر عنه الحديث، ولا ينبغي [لأحد ] (1) أن يكتب عنه (2) حديثاً. قلت: ومن كان معه حين فعل ما فعل ؟ قال أهل الشام.
أخبرنا القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء في كتابه (المعتمد في الأصول) عن أبي حفص(3) العكبري قال: نبأ أبو علي الحسين بن الجندي (4) قال: نبأ أبو طالب بن شهاب العكبري قال: سمعت أبا بكر محمد بن العباس قال: سمعت صالح بن أحمد بن حنبل يقول: قلت لأبي: إن قوماً ينسبوني إلى توالي يزيد. فقال: يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله. فقلت: فلم لا تلعنه؟
ص: 271
فقال: ومتى رأيتني ألعن شيئاً ولم لا تلعن من لعنه الله في كتابه، فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقرأ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أولئكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) فهل يكون فساد أعظم من القتل.
وصنف القاضي أبو الحسين محمد ابن القاضي أبي يعلى بن الفراء كتاباً فيه بیان من يستحق اللعن وذكر(1) فيهم يزيد. (2)
قال: (وأنبأنا علي بن عبد الله الزاغولي قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة عن أبي عبد الله المرزباني قال أخبرنا محمد بن أحمد الكاتب قال أخبرنا عبد الله بن أبي أبي سعد (3) الوراق قال: حدّثنا محمد بن حميد قال نبأ محمد بن يحيى الأحمري، قال: نبأ ليث عن مجاهد قال: جيء برأس الحسين بن علي(علیهما السلام) فوضع بين يدي يزيد بن معاوية فتمثل بهذين البيتين
لَيْتَ أشياخي بِبَدْرٍ شَهِدوا*** جَزَعَ الخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الأَسَلْ
فَأَهلُوا واسْتَهَلُوا فَرَحاً*** ثم قالوا لي بِغَيْبِ لا تُشَل (4)
ص: 272
قال مجاهد: نافق فيها) (1)- وذكر قضية الطف وما فعله بأهله مختصراً، ثمّ
ذكر وقعة الحرة ونقل عن ابن حنظلة غسيل الملائكة الذي بايعه أهل المدينة - قال: (والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء، إن رجلاً ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت الله فيه بلاء حسناً)(2)
وذكر فيه أن مسلم بن عقبة أخذ البيعة من أهل المدينة ليزيد على أنهم خول له وأموالهم له. (3)
ونقل عن المدائني في كتاب (الحرة) عن الزهري أنه قال: (كان القتلى يوم الحرة سبعمائة من وجوه الناس من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالى وممن لا يعرف من عبد وحر وامرأة عشرة آلاف).
وعن المدائني عن أبي هريرة قال: قال هشام بن حسان: (ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج.) (4)
ثم ذكر محاصرة ابن الزبير وقذف الكعبة بالمجانيق واحتراق البيت واحتراق قرني الكبش الذي فدى الله به إسماعيل وكانا في السقف مما هو مشروح في السير. (5)
ورأيت في تاريخ عبد الملك العصامي أن رجلاً من أهل الشام وقع على امرأة
ص: 273
فی المسجد النبوي على مشرفه الصلاة والسلام (1)ولم يجد خرقة ينظف بها ووجد ورقة من القرآن المجيد فنظف نفسه بها (2) ، فسبحان من لم يهلكهم بصاعقة من السماء أو بحجارة من سجيل وإنما يعجل من يخاف الفوت.
وقال السيوطي في( تاريخ الخلفاء): أخرج أبو يعلى في مسنده بسند ضعيف عن أبي عبيدة قال: قال رسول الله :(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط، حتى يكون أوّل من يثلمه رجل [من بني أمية] (3) يقال له: يزيد (4)
وأخرج الروياني في مسنده عن أبي الدرداء سمعت النبي له يقول: «أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد.» (5)
وقال نوفل بن أبي الفرات: «كنت عند عمر بن عبد العزيز فذكر رجل يزيد [بن معاوية] (6) فقال : قال أمير المؤمنين يزيد بن معاوية. فقال [عمر ] (7): تقول
ص: 274
أمير المؤمنين [ يزيد ] (1) وأمر به فضرب عشرين سوطاً ) » (2)
ولو أردنا استقصاء ما فعل وما ورد فيه وما قالوا فيه لخرجنا عن الغرض المقصود، وفيما ذكرنا كفاية للاستعجاب من هؤلاء الأعلام الذين عدوه من الخلفاء الاثني عشر العاملين بالحق مع هذه المفاسد العظيمة والرزايا الجليلة التي أصيب بها الإسلام في زمانه ولم يصب بعشر معشاره (3) بعده وبعد الخلفاء الذين عدوهم من الاثني عشر الذين قام بهم الدين وأخبر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بأن بعدهم هرج.
وأعجب من ذلك إخراجهم الحسن بن علي الله من العدد، مع ما عرفت من نصه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بخلافته، بل انقضائها به وأن الذين يلون الأمر بعده ملوك جبارون لا خلفاء هادون، وما كان عليه من العلم والفضل والتقى والسخاء والسيادة والشرافة والنسب الذي لا يدانيه أحد والمناقب التي لا يحصاها عدد.
قال الحافظ ابن حجر - الذي أخرجه منهم وأدخل يزيد فيهم – في (فتح الباري في شرح صحيح البخاري)، في شرح ما رواه عن أبي هريرة قال: أخذ الحسن بن علي ( رضي الله عنهما ) تمرةً من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : كخ كخ أما شعرت إنا لا نأكل الصدقة... الخبر، ما معناه.
فإن قيل: لم قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) للحسن : ( أما شعرت)، والحسن بن علي كان في هذا الوقت رضيعاً؛ لقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : ( كخ كخ)، فإنّه لا يقال هذا اللفظ إلا للرضيع؟
ص: 275
قلنا: لأن الحسن لم يكن كغيره، فإنّه في هذا السن كان يطالع اللوح، إذ علومهم لدنية وهبوها (1)، ولم تكن من العلوم الكسبية التي تتوقف على الكسب والبلوغ إلى حد يمكن فيه الكسب. (2)
وقال في (تقريبه) في ترجمة يزيد بن معاوية (وليس بأهل أن يروى عنه). (3)فليتأمل المنصف في هذه الأقوال المتناقضة.
و - إن يزيد على ما ذكروه خليفة حق وإمام هدى يجب طاعته ويحرم مخالفته ومن خرج عليه كان باغياً طاغياً يجب قتله.
قال الشهرستاني في (الملل): (كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الأئمّة الجماعة عليه يسمّى خارجياً، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الراشدين، أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان، وعلى الأئمة (4) في كل زمان). (5)
وروى ابن الأثير في (جامع الأصول) عن عرفجة، قال: سمعت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)
يقول: «ستكون هناتٌ وهَنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان».
وفي رواية: (فاقتلوه)، أخرجه مسلم.
وفي رواية أبي داود: (وهَناتٌ )مرَّةً أخرى.
ص: 276
وأخرجه النسائي، وله في أخرى قال:« رأيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يخطبُ على المنبر (1) فقال: إنها ستكون بعدي هنا وهنات، فمن رأيتموه فارق الجماعة – أو يريد أن يفرّق أمة محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) - كائناً من كان فاقتلوه ، فإن يد الله على الجماعة، وأن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض». (2)
وعن أسامة بن شريك قال: قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : أيما رجل خرج يفرق بين أمتي فاضربوا عُنقه، أخرجه النسائي. (3)
وعن أبي سعيد قال:« قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما.» (4)
وعن عرفجة بن شريح قال: سمعت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه» أخرجه مسلم. (5)
وعن ابن عمرو بن العاص أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال: «من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا رقبة الآخر (6)... قلت:
ص: 277
سمعت هذا من رسول الله؟ قال: سمعته أذناي ووعاه قلبي.» (1)
وقد مرّ قولهم: إنّه اجتمع الناس على يزيد فهو إمام حق، لأنه أحد طرق ثبوتها، بل أجلها، وقد نص عليه أبوه وجعله ولي عهده وخليفته من بعده وهذا طريق آخر كما نص عليه (شارح المقاصد) بقوله: وتنعقد الإمامة بطرق:
أحدها: بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر حضورهم من غير اشتراط عدد ولا اتفاق من في سائر البلاد، بل لو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع كفت بيعته.
والثاني: استخلاف الإمام وعهده وجعله الأمر شورى بمنزلة الاستخلاف... إلى أن قال:
والثالث القهر والاستيلاء، فإذا مات الإمام وتصدى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة واستخلاف وقهر الناس بشوكته انعقدت الخلافة له وكذا إن كان فاسقاً أو جاهلاً على الأظهر ، انتهى. (2)
وقد حصلت ليزيد هذه الطرق، فلا مجال لإنكار حقية إمامته وخلافته.
ونتيجة هذه المقدمات أن يكون الحسين بن علي بن أبي طالب ابن بنت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قتل بالحق وللحق؛ لأنه خرج على إمام زمانه الذي كان يجب عليه طاعته وأراد تفريق الجماعة وشق عصا المسلمين، وبيعة جماعة من أهل الكوفة إياه كانت بعد انعقاد إمامة يزيد ببيعة أهل الشام بل سائر الأمصار، فهو
ص: 278
الخليفة الآخر الذي يجب قتله بأمر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، ولذا لم يفسقوا من باشر قتاله فضلاً عن الأمر به ولم ينزلوه منزلة أدنى المسلمين الذي جعل الله قتله في غير حد ولا قصاص من الكبائر الموبقة بعد الشرك به.
فقال الحافظ جمال الدين المزي في( تهذيب الكمال) في ترجمة عمر بن سعد: (قال أحمد بن عبد الله العجلي: كان يروي عن أبيه أحاديث، وروى الناس عنه، وهو الذي قتل الحسين، وهو تابعي ثقة انتهى) (1)
وقال ابن حجر في شرح القصيدة الهمزية في كلام له: (وكابن [العربي] (2) المالكي، فإنه نقل عنه [ ما يقشعر منه الجلد] (3) أنه قال: ما قتل الحسين إلا بسيف جده، أي لأنه يعني يزيد الخليفة (4) والحسين باغ عليه والبيعة سبقت ليزيد ويكفي فيها معظم أهل الحل والعقد وبيعته كذلك، لأن كثيرين أقدموا عليها مختارين لها هذا مع عدم النظر إلى استخلاف أبيه له إمّا مع النظر لذلك فلا يشترط موافقة أحد من أهل الحل والعقد على ذلك، انتهى) (5)
والله العالم بما في الالتزام بهذه النتيجة الحاصلة من المقدمات الواضحة التي لا بد لهم من الالتزام بها من المفاسد الدينية.
ز - إنهم لم يذكروا المهدي (علیه السلام) في هذا العدد مع نص النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) عليه بالخلافة، فإن
ص: 279
عُد في قبال الاثني عشر يزيد في عدد الخلفاء، وظاهر تمام النصوص السابقة حصر العدد فيها وإلّا فيلزم دخوله (علیه السلام) فيهم (1)فيبطل ما عيّنوه بالحدس.
وأما النص فقال الحافظ الكنجي الشافعي في كتاب (البيان): (حدّثنا الحافظ أبو الحسن محمد بن أبي جعفر أحمد بن علي (2) بقرية بيت الآبار من غوطة دمشق، وأخبرني بذلك المجلس السيد الوزير الحسن بن سالم بن علي بن سلام، ويحيى بن عبد الرزاق خطيب عقربا (3)، قالوا جميعاً : أخبرنا أبو الفرج يحيى بن محمود بن سعد الثقفي، أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن، حدّثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ، حدّثنا سليمان بن أحمد، حدّثنا إبراهيم بن سويد الشامي، حدّثنا عبد الرزاق، حدّثنا الثوري ، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء (4) عن ثوبان، قال: قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : « يقتتل (5) عند كنزكم ثلاثة كلّهم ابن خليفة لا يصير إلى واحد منهم، ثم يجيء خليفة الله المهدي (علیه السلام)، فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه فإنّه خليفة الله المهدي (علیه السلام)».
قلت: هذا حديث حسن المتن وقع إلينا عالياً من هذا الوجه بحمد الله وحسن توفيقه، وفيه دليل على شرف المهدي (علیه السلام) بكونه خليفة الله في الأرض على لسان أصدق ولد آدم.
ص: 280
وقد قال تعالى: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (1)) (2)
ونقله أبو بدر يوسف بن يحيى السلمي في (عقد الدرر) وقال: (أخرجه الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم في (مستدركه)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم، ولم يخرجاه.
إلّا أن فيه في موضع: (ثم يجيء خليفة الله... إلخ) (ثم ذكر شيئاً (3)... إلخ). (4)
قال: وأخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي (علیه السلام))، وأخرجه الإمام أبو عمرو الداني في (سننه)(5)
وأخرج مسلم في (صحيحه) عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري [ وجابر بن عبد الله ] قالا: قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) « يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده.» (6)
وعن أبي نضرة، عن جابر بن عبد الله في حديث، قال: «قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يكون في [آخر] أمتي خليفة يحثو المال حثواً ولا يعده عداً.
قال الجريري: قلت لأبي نضرة وأبي العلاء أتريان أنه عمر بن عبد العزيز؟ قالا: لا » (7)
ص: 281
وفي (مسند أحمد بن حنبل) قال: قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لیبعثنّ الله عزّ وجلّ في هذه الأمة خليفة يحثي المال حثياً ولا يعدّه عداً.» (1)
وفي (عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر) عن عبد الله بن عمر قال: «قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «يخرج المهدي (علیه السلام) وعلى رأسه غمامة، فيها ملك يُنادي: هذا هو المهدي (علیه السلام) خليفةُ الله فاتبعوه». (2)
إلى غير ذلك مما يجده الناظر في أخبار الباب، وحيث إنّهم لم يشترطوا التوالي، وجوزوا تخلل زمان بلا خليفة من الاثني عشر المنصوصة، كما بين يزيد وعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، فاللازم عليهم أن يخرجوا يزيد بن معاوية منهم ويتمّوا العدد بالمهدي (علیه السلام) صوناً للأخبار النبوية عن الاختلاف والمعارضة.
ح -عدهم عبد الملك بن مروان من الخلفاء الاثني عشر العاملين بالحق الذين بعد انقضائهم. الهرج، وفي عصرهم يكون الدين قائماً عزيزاً، وهذا موضع العجب (3) أليس في عهده هدّمَ الحجّاج وأصحابه الكعبة الشريفة ورموها بالمنجنيق، وفعلوا ما فعلوا في حرم الله تعالى من الهتك؟
أليس في عهده استخفوا بأهل المدينة وختموا في أعناق بقية الصحابة وأيديهم كجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وسهل بن سعد الساعدي يذلهم
ص: 282
بذلك، وجعلوهم بمنزلة، العبيد بل المواشي والأنعام؟
ومن عظم هذه المصيبة الفادحة قال السيوطي بعد نقلها: (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْه راجعون.)(1)
أليس في عهده ولي الحجاج العراق ومن والاها في عشرين سنة، وفعل ما فعل من القتل والحبس والنهب والهدم... وغيرها من الأمور الفظيعة الشنيعة، ما لا يدانيه أحد قبله ولا بعده؟!
حتى قال ابن الجوزي في كتابه (الرد على المتعصب العنيد): (قال أبو نعيم: وحدّثنا أبو [محمد] حامد بن جبلة، قال: نبأ محمد بن إسحاق، قال: نبأ محمد بن الصباح، قال: نبأ عبد الله بن رجاء، عن هشام (2)بن حسان، قال: قال عمر – يعني: ابن عبد العزيز – لو أن الأمم تخابثت يوم القيامة فأخرجت كل أمة خبيثها، ثمّ أخرجنا الحجاج لغلبناهم.
قال ابن الجوزي: أخبرنا علي بن محمد بن أبي عمر الدباس، قال: أخبرنا محمد بن الحسن الباقلاوي، قال: أخبرنا عبد الملك بن بشران، قال حدّثنا أبو بكر الآجري، قال: حدّثنا أبو عبد الله بن مخلد، قال: حدّثني سهل بن يحيى بن محمد بن المروزي، قال: أخبرني [أبي] (3)عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، قال: لما ولي عمر بن عبد العزيز جعل لا يدع شيئاً مما كان في يده وفي
ص: 283
يد أهل بيته من المظالم إلا ردّها مظلمة [مظلمة ] (1)، فبلغ ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك فكتب إليه إنك أزريت على من قبلك من الخلفاء وسرت بغير سيرتهم، وخصصت أهل قرابتك بالظلم والجور.
فكتب إليه عمر: أما أوّل شأنك ابن الوليد كما زعم فأمك بنانة [كانت] (2) تطوف في سوق حمص ، والله أعلم بها اشتراها ذبيان من فيء المسلمين، ثمّ أهداها لأبيك، فحملت بك فبئس المحمول وبئس المولود، ثم نشأت فكنت جباراً عنيداً، تزعم أني من الظالمين، وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعملك صبياً سفيهاً على جند المسلمين تحكم فيهم برأيك فويل لك، وويل لأبيك، ما أكثر خصماء كما يوم القيامة. وكيف ينجو أبوك من خصمائه، وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعمل الحجاج بن يوسف يسفك الدم الحرام، ويأخذ المال ،الحرام، وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعمل قرة بن شريك (3) أعرابياً جافياً على مصر أذن له في المعازف واللهو والشرب، وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من جعل لغالية (4)البربرية سهماً في خمس العرب، فرويداً لو تفرغت لك، ولأهل
ص: 284
بيتك وضعتكم (1)على المحجة البيضاء، فطالما تركتم الحق وأخذتم في تيهات الطريق وما وراء هذا ما أرجو أن أكون رأيته بيع رقبتك وأقسم الثمن بين اليتامى والمساكين والأرامل فإن لكلِّ فيك حقاً، انتهى) (2)
وفي (تفسير النيشابوري) في قوله تعالى: (وَلا تَنابَزُوا بالألقاب) (3) أن الحجاج قتل مائة ألف وعشرين ألف رجل صبراً، وأنه وجد في سجنه ثمانون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة منهم ثلاثة وثلاثون ألفاً ما يجب عليهم قطع ولا صلب. انتهى (4)
في (تاريخ الخميس): (وتوفّي في حبوسه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة). (5)
وكان في هؤلاء جماعة من الصلحاء والأخيار والفقهاء والعباد، وما قتل بسببه في الحروب أضعاف ذلك وفضائح أعماله وشنائع وشنائع أفعاله التي هلكت بها العباد وخربت بها البلاد مشروحة في السير.
وذكر الفقهاء والمؤرخون أنه كان ارتفاع العراق بعد الفتح إلى زمان الحجاج ثلاثمائة وستين ألف ألف درهم، ورجع ارتفاعها في زمن الحجاج إلى ثمانية عشر
ص: 285
ألف ألف درهم وليت شعري بأي خصلة استحق بها الخلافة المعهودة بصلاحه وعلمه وزهده في نفسه؟ أو بنشره وترويجه معالم الإسلام؟ أو بحفظه وحراسته نفوس المسلمين وقد بلغت قتلاه ما بلغك (1)؟ أو بعمارته وإحيائه الأرضين، فإذا كان تعيين الخلفاء المنصوصة بالميل والجزاف لا بشواهد من الكتاب والسنة وسقط شرط التوالي فيما بينهم فكان ينبغي أن يخرجوا هؤلاء الملعونين على لسان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ويجعلوا بدلهم من بني العباس خصوصاً بعد ما رووا في حقهم ما يقتضي ذلك:
ففي (تاريخ الخلفاء) للسيوطي قال الطبراني (حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، حدّثنا إسحاق، عن إبراهيم بن أبي النضر، عن يزيد بن ربيعة، عن أبي الأشعت عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «رأيت بني مروان يتعاورون (2) على منبري فساءني ذلك، ورأيت بني العباس يتعاورون على منبري، فسرني ذلك.» (3)
فلا أقل من إخراج بني مروان منهم وعد بعض العباسيين الذين بالغوا في مدحهم وحسن سيرتهم وسياستهم مثل المهتدي بالله الذي هو في بني العباس كعمر بن عبد العزيز في بني أمية وأحمد الناصر الذي قال الذهبي [فيه]: ولم يل (4) الخلافة أحد أطول مدة منه – فإنّه أقام فيها سبع وأربعين سنة ) (5)-... ولم
ص: 286
يزل [الناصر ] (1)مدة حياته في عزّ وجلالة، وقمع للأعداء، واستظهار على الملوك، لم يجد ضيماً، ولا خرج عليه خارجي إلا قمعه، ولا مخالف إلّا دفعه، وكل من أضمر له سوءاً رماه الله بالخذلان [وأباده]. (2)
وكان مع سعادة جده شديد الاهتمام بمصالح المُلك، لا يخفى عليه شيء من أحوال رعيّته كبارهم وصغارهم... إلى آخر ما قال. (3)
ط - إن مقتضى كلام هؤلاء المشايخ العظام انقضاء مدة خلافة الخلفاء الاثني عشر المنصوصة بهلاك الثاني عشر منهم، وهو الوليد بن يزيد بن عبد الملك، الذي قال السيوطي في (تاريخه): (كان فاسقاً شريباً للخمر، متهتكاً حرمات الله، أراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة، فمقته الناس لفسقه، وخرجوا عليه، فَقُتل...)(4)
قتل... )
وفي (تاريخ الخميس): (ذكر الذهبي بإسناده عن عمر قال: ولد ي أم سلمة ولد سموه: الوليد، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) سميتموه بأسماء فراعنتكم؟! ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد لهو أشدّ لهذه الأمة من فرعون لقومه) (5)
وأخرجه الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، القاهري
ص: 287
الشافعي - صهر الحافظ العراقي (1) - في الجزء الثالث من كتابه (مجمع الزوائد) في باب فتنة الوليد، قال رواه أحمد، ورجاله ثقات.انتهى (2)
ونقل في التاريخ المذكور عنه من كفرياته كثيراً من ذلك: أنه دخل يوماً فوجد ابنته جالسة مع دادتها، فبرك عليها وأزال بكارتها، فقالت له :الدادة هذا دين المجوس، فأنشد:
مَنْ راقَبَ النَّاس مات غماً ***وفاز باللذة الجَور
وأخذ يوماً المصحف ففتحه فأول ما طلع: (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عنيدٍ) (3) ، فقال: أتهددني ، ثم أغلق المصحف ولا زال يضربه بالنشاب حتى خرقه ومزقه ثم أنشد:
أتوعد كُلَّ جَبَّار عنيد*** فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا لاقَيْتَ ربَّكَ يومَ حشرٍ*** فقل يا رب مزقني الوليد
وأذن للصبح مرة وعنده جارية يشرب الخمر معها فقام فوطئها وحلف لا يصلي بالناس غيرها فخرجت وهي جنب سكرانة فلبست ثيابه و تنكرت وصلت بالناس، ونكح أمهات أولاد أبيه، انتهى. (4)
ص: 288
إلى غير ذلك من شنائع الأعمال المذكورة في التواريخ.
ومع ذلك كيف يكون من الخلفاء الذين كان الدين في زمنهم عزيزاً منيعاً وبموتهم وهلاك آخرهم في سنة ست وعشرين ومائة صار الإسلام ذليلاً والدين مهيناً ووقع الهرج والفتن، مع أنه خلاف الحس والوجدان؟ فإن قوة الدين وعزه بعز حملته ونقلته وسدنته وكثرتهم وعز من يربيهم ويحرسهم ويعينهم، ولا شك أن في دولة بني العباس - إلى أن رجع الأمر إلى سلاطين آل عثمان حماة الدين وحفظة الإسلام - ملأ الآفاق من العلماء والفقهاء والمحدثين والأدباء والقراء الجامعين للسنن والحافظين للقرآن المؤلّفين في العلوم الشرعية والمعالم الدينية بما لا يحصى عده، وهم مع ذلك فارغوا البال من هموم تهيئة أمور المعاش باهتمام ولاة الأمور في إصلاح شؤونهم وسد خلتهم ولم شعثهم، لا هتك البيت الحرام في عصرهم ، ولا صلت الجنب السكرانة بالناس في مسجد دار خلافتهم، ولا مزق المصحف من نشاب خليفتهم.
فأي عزّ كان في عصر بني أمية فقد بعدهم؟ وأي ذل ورد على الدين الحنيف بعدهم أفظع وأشنع مما فعلوا؟ ومن جميع ذلك يظهر أن ما ورد في الأخبار النبوية الشريفة من ذكر الخلفاء الاثني عشر بمعزل عمّا ذكروا ورجحوا وصححوا.
ي - إن ظاهر جملة من الأخبار المذكورة وصريح بعضها أن بانقضاء الثاني عشر منهم ينقضي أمر الدين وتظهر علامات الساعة وتقوم أشراط القيامة ويصير الهرج وينخرم نظام الأمور فلا آمر ولا مأمور ولا إمام ولا مأموم، وقد تقدم بعض ما يدل على ذلك.
ص: 289
وأخرج أبو داود في (سننه) بإسناده إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال: «لا يزال الدين ظاهراً حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش». (1)
وأخرج مسلم في (صحيحه) من رواية سعد بن أبي وقاص أن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) قال يوم جمعة عشية رجم الأسلمي: لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة يكون عليهم اثنى عشر خليفة كلهم من قريش». (2)
وأخرج عبد الله بن بطة العكبري في (الإبانة) بإسناده عن عبد الله بن أمية مولی مجاشع عن يزيد الرقاشي ، عن أنس قال: قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لا يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها». (3)
ولا يخفى على الناظر المتأمل في هذه الأخبار دوام قيام الدين وظهوره وغلبته وسكون الأرض وقرارها بوجود الخلفاء الاثني عشر، وبانقضاء خاتمهم الساعة، فيكون الثاني عشر هو المهدي (علیه السلام) بالاتفاق، إذ هو الخليفة المنصوص تقوم الذي بانقضاء مدته تظهر أعلام القيامة، بل ظهور وجوده المقدس عُد منها.
ص: 290
فلو فرض خلو زمان بعد النبي (صلی الله علیه و آله وسلم)إلى زمان ظهوره (علیه السلام) من خليفة منهم لزم عدم قيام الدين وذلته واضطراب الأرض وظهور الفتن والهرج قبل انقضاء الاثني عشر، وهو خلاف صريح لهذه الأخبار الصحيحة، فيكون زمان وجودهم منطبقاً على زمان رحلته إلى زمان ظهور أعلام الساعة.
وبعد عدم جواز زيادة عدد عليهم وكون الثاني عشر هو المهدي (علیه السلام) لابد من الالتزام بولادته، فيكون هو الحجة بن الحسن (علیه السلام) إذ لا قول ثالث بين المسلمين بعد إخراج المنتحلين.
وتؤيد (1) هذه الأخبار أيضاً (2) على الحمل الذي حملناها عليه نظراً إلى صراحتها طوائف أخرى من الأخبار الصحيحة فتنضم إلى القرائن السابقة:
منها: أخبار الأمان كما أخرجها أبو عمر [و] (3) مسدد وابن أبي شيبة وأبو يعلى في مسانيدهم والطبراني بإسنادهم عن إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : ( النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من أمتي». (4)
وأخرج الحاكم في (المستدرك) بإسناده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس».
ص: 291
وصححه وقال : صحيح الإسناد. (1)
وأخرج أحمد في (المناقب) بإسناده عن علي (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض». (2)
وهذه الأخبار إذا عرضت على الطائفة الأولى تجد مضمونهما ومفادهما واحداً، فإن حاصل هذه أن أهل بيته أمان للأمة من جهة دينهم وهم الملجأ والملاذ وإليهم يرجع الاختلاف، وهذا بعينه ظهور الدين وقوامه وقيامه، إذ المراد الظهور بالحجّة والبرهان لا الغلبة بالسيف والسنان، وكذا أمان لهم من الهلاك والفناء، وهذا هو الهرج وسوخان الأرض بأهلها في الأخبار السابقة.
ولا يحتمل ذو حظ من فهم الحديث أنّ للأرض أمانين لدينهم ودنياهم أهل البيت والخلفاء الاثني عشر، بل في بادئ النظر فضلاً عن دقيقه يقطع بأن المراد بالأهل هم الخلفاء وأن أخبار العدد شرح الإجمال في آخبار الأمان.
ومنها: أحاديث الطائفة:
أخرج البخاري في (صحيحه) عن عمير بن هاني، أنه سمع معاوية يقول: سمعت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول: «لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم على ذلك». (3)
ص: 292
ونقله السيوطي في (الجامع الصغير) عن الصحاح الستة. (1)
وأخرج مسلم في (صحيحه )عن ثوبان قال: قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك». (2)
وعن المغيرة، [قال:] (3) سمعت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول: «لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون» (4)
وفي (الجامع الصغير) للسيوطي عن ابن ماجة عنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال: «لا تزال طائفة من أمتي قوامة [على] (5) أمر الله لا يضرها من خالفها». (6)
وعن مستدرك الحاكم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة. » (7)
وفي (الجامع الكبير) في مسند عمر فخطب عمر الناس فقال: سمعت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى يأتي أمر الله... الحديث». أخرجه ابن جرير. (8)
ص: 293
إلى غير ذلك مما ورد بهذا المضمون، والمراد بالظهور الغلبة والاستيلاء دون ضد الخفاء؛ لتصريحهم بعدم اشتراطه كما في الأولياء والأقطاب والأبدال، وعلى الحق أي مستولين عليه وحائزين له دون غيرهم من الطوائف، والطائفة تقع على الواحد كما في (النهاية) في شرح الحديث المذكور. (1)
وهذه الطائفة مجملة في بادئ النظر مع أنا متعبدون باتباع الحق واعتقاده و معرفته عقلاً ، وسمعاً ، وعرضه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من ذكر هذه الطائفة بيان الملجأ والإرشاد إلى الحجّة ومن عنده الحق دائماً فلا يحتمل في حقه (علیه السلام) الابقاؤها بحالها وعدم كشفه إجمالها مع ما كان عليه من الرأفة والرحمة على أمته، مع أنه (علیه السلام) لو لم يبين مراده منها لدخلت هذه الأحاديث في عداد الألغاز والمعميات.
وأنت خبير بأن مضمونها مطابق لأخبار عدد الخلفاء وأخبار الأمان، فإن قوله:« لا يزال الدين ظاهراً حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة» (2) صريح في أن ظهوره بالمعنى المذكور لوجود الخليفة ، ولا يكون ظاهراً بدون ظهور الخليفة عليه، فيكون المراد أن في كل عصر خليفة ظاهراً على الدين وهو الحق إلى قيام الساعة، وهذه عبارة أخرى عن وجود طائفة في كل زمان ظاهر على الحق إلى قيام الساعة، وهذا ظاهر لمن أنصف من نفسه.
وكذا أخبار الأمان، فإن قوله: «وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف»(3) صريح
ص: 294
في أن الحق عندهم، فيكون في قوة قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) « لا يزال أهل بيتي ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة».
فإذا كان المراد من أهل البيت كما تقدم هو الخلفاء فيتحد مفاد الطوائف الثلاث من غير تكلف، ودعوى أن المراد بالطائفة أهل العلم أو أهل الحديث أو أن الطائفة مفرقة من أنواع المؤمنين فمنهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم محدثون ومنهم زهاد و آمرون بالمعروف و ناهون عن المنكر ومنهم أهل أنواع من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونوا متفرقين في أقطار الأرض ، لا شاهد لها ولا برهان عليها، وإنما قالها من قالها بمجرد الاحتمال.
مع أنه لو أريد من أهل العلم جميعهم – فيكون المراد أن أهل العلم من أمتي على الحق دون جهالهم - سقط الكلام من الفائدة لو كان جميعهم على الحق، مع أنه خلاف الواقع؛ لما بينهم من الاختلافات العظيمة التي لا تكاد أن تنضبط ولا يمكن القول بحقية الجميع خصوصاً في المتناقضات والمتضادات، وإن أريد البعض الغير المعين منهم فهو إحالة على المجهول فلا ثمرة فيه أيضاً، وهذا الاهتمام ببيانهم ينافي ذلك وإن أريد البعض المعين المتصفون بما وصفهم فيه لزم حجية قولهم ووجب الاهتمام بشأنهم وتمييزهم عن غيرهم، بشواهد ظاهرة من كلامه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فهو صحيح والبعض معين والشاهد ما مر ويأتي.
وأما ما رواه جابر بن سمرة وابن عبد الله عنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة». (1)
ص: 295
فهو مضاف إلى التفرد ولا يحتج بالمتفرد به في أمثال المقام المحتاج إلى المحتملات، وأحسن ما قيل فيه أن يراد بالمقاتلة الدفع
التأويل على جميع والمدافعة عن الحق بالبراهين القاطعة والدلائل الواضحة.
ففي (نهاية) الجزري في حديث المار) بين يدي المصلي قاتله فإنه شيطان أى دافعه عن قبلتك، وليس كل قتال بمعنى القتل.
ومنه حديث السقيفة: «قتل الله سعداً فإنه صاحب فتنة وشر» أي دفع الله شره (1)
وعليه فلا ينافي نظائره، ويؤيد ما حملنا عليه الحديث ما في (عقد الدرر) لأبي بدر السلمي، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لا تزال طائفةٌ أمتي [يُقاتلون] (2) على الحق ظاهرين على من ناوأهم، حتّى يُقاتل آخِرُهم المسيح الدجال».
أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما. (3)
ولولا أنّ المراد من المقاتلة في أول الكلام هو المدافعة لم يكن صادقاً؛ لعدم المظاهرة على الأعداء دائماً، وآخر الكلام صريح في أن الطائفة من أهل البيت لأن المهدي (علیه السلام) منهم.
ومنها: أخبار السفينة، ففي (وسيلة المآل في عد مناقب الآل) لأحمد بن
ص: 296
الفضل بن محمد باكثير الشافعي المكي - المتوفّى سنة (1047) كما في كتاب (خلاصة الأثر) ومدحه وأثنى عليه فيه، قال: وكان في الموسم يجلس في المكان الذي يقسم فيه الصر السلطاني بالحرم الشريف بدلاً عن شريف مكة (1) - عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قال: قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق »
أخرجه الملا(2) في سيرته والطبراني وأبو نعيم في الحلية والبزار، وغيرهم.
وأخرج أبو الحسن المغازلي في (المناقب) عن طريق بشر بن المفضل قال سمعت الرشيد يقول : سمعت المهدي يقول: سمعت المنصور يقول: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاس ( رضي الله عنهما ) قال: قال رسول الله : «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تأخر عنها هلك».
وعن ابن الزبير قال: قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ركبها سلم ومن تركها غرق». أخرجه البزار.
وعن سيّدنا علي كرم الله وجهه قال قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تعلق بها فاز، ومن تأخر عنها زخ(3) به في النار» أخرجه ابن السري.
ص: 297
وعن أبي [ذر الغفاري] (1) رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول: «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومثل [باب] (2) حطة بني إسرائيل» أخرجه الحاكم.
وأخرج أبو يعلى، عن أبي الطفيل، عن أبي ذر رضي الله عنه ولفظه: «إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق، وإن مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة».
وأخرجه أبو الحسن المغازلي عنه[ وزاد فيه ] (3) «ومن قاتلنا آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال».
ورواه أيضاً عن أبي سعيد الخدري عنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال: [ إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له ] (4)
ورواه الطبراني في الأوسط والصغير. (5)
ص: 298
وفي (فرائد السمطين )لإبراهيم بن محمد الحمويني الشافعي: (قال الواحدي: روى الحاكم في صحيحه عن أحمد بن جعفر بن حمدان، عن العباس القراطيسي، عن محمد بن إسماعيل الأحمسي، عن المفضل بن صالح، عن أبي إسحاق السبيعي، عن حنش بن معتمر الكناني، قال: سمعت أبا ذر وهو آخذ بباب الكعبة وهو يقول: أيها الناس فأنا من قد عرفتم، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر، إني سمعت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول: «إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من دخلها نجا ومن تخلف عنها هلك». (1)
قال: ثمّ قال الواحدي: انظر كيف دعا الخلق إلى التسبب (2)إلى ولائهم والسير تحت لوائهم بضرب مثلهم بسفينة نوح (علیه السلام)
جعل ما في الآخرة من مخاوف الأخطار وأهوال النار كالبحر الذي لجّ براكبه فيورده مشارع المنيّة، ويفيض عليه سجال البليّة.
وجعل أهل بيته عليه وعليهم السلام سبب الخلاص من مخاوفه والنجاة م-ن متالفه، وكما لا يعبر البحر الهياج عند تلاطم الأمواج إلّا بالسفينة، كذلك لا يأمن لفح الجحيم، ولا يفوز بدار النعيم إلا من تولّى أهل بيت الرسول ( صلوات الله عليه وعليهم ) ونحل لهم وده ونصيحته وأكد في موالاتهم عقيدته، فإن الذين تخلّفوا تلك السفينة آلوا شرّ مآل، وخرجوا من الدنيا إلى أنكال وجحيم عن ذات أغلال.
ص: 299
وكما ضرب مثلهم [ب] (1)سفينة نوح، قرنهم بكتاب الله فجعلهم ثاني الكتاب وشفع التنزيل، انتهى). (2)
ومنه يظهر أن المشبه بركوب السفينة هو التمسك بهم والاعتصام بحبلهم فمن اعتمد عليهم في مسائل الدين فاز ونجا ومن لم يعتمد عليهم غرق وهلك، ومصداق هذا إنما يكون في الآخرة لا في الدنيا؛ إذ الوجدان يكذبه فيكون المراد بالنجاة والهلاك إنما هو الواقع في الآخرة، كما يدل عليه صريحاً قوله: «زخ في النار ومن قاتلنا... إلخ » ، فالمتمسك بهم ناج فائز في الآخرة كما مقتضى مماثلتهم بالسفينة في نجاة المتعلق بها، والمخالف لهم هالك في الآخرة كما هو مقتضى المتخلف عن السفينة، فلابد من الحكم بكونهم مستقرين على الحق أبداً ظاهرين عليه دائماً لا يفارقونه آناً ما، وإلا لم تحصل النجاة لمن تمسك بهم في ذلك الآن. وهذا بعينه هو المستفاد من أخبار الخلفاء وأخبار الطائفة وأخبار من لم يعرف إمام زمانه ،وغيرها، فلابد من الحكم باتحاد المقصود من الطوائف المذكورة فتكون النتيجة ما قدمناه. والقول في حديث باب حطة كالقول في حديث السفينة.
ومنها ما ذكره السدي - وهو من قدماء المفسرين ونقله عنه جماعة – قال في خلال قصة إبراهيم الخليل (علیه السلام)- قال (كرهت سارة مكان هاجر فأوحى الله تعالى إلى إبراهيم الخليل (علیه السلام)فقال: انطلق بإسماعيل وأمه حتى تنزلهم بيتي التهامي يعني
ص: 300
مكة، فإني ناشر ذريته وجاعلهم ثقلاً على من كفر بي وجاعل منهم نبياً عظيماً ومظهره على الأديان، وجاعل من ذريته اثني عشر عظيماً وجاعل ذريته عدد نجوم السماء، انتهى ) (1)
وقريب منه ما في التوراة في السفر الأول بعد انقضاء قصة سارة، وما خاطب الله به إبراهيم في أمرها وولدها قوله عز وجل: وقد أجبت دعاءك في إسماعيل وقد سمعتك فيما باركته وسأكثره جداً جداً وسيولد منه اثنا عشر عظيماً أجعلهم أئمة كشعب عظيم.
كذا في مؤلفات بعض القدماء، وفي النسخة الموجودة عندنا ويولد منه اثنا عشر شريفاً وأجعل منه أمة عظيمة... إلى آخره. (2)
وليس الغرض الاحتجاج بذلك، بل لمجرد الاستئناس والتأييد بحمل ما ذكره السدي المؤيد بما في التوراة على الخلفاء الاثني عشر المنصوصة السابقة؛ لعدم جواز حمل الوصف الموجود فيهما من العظمة والشرافة على بني مروان خصوصاً الوليد الزنديق وقبله يزيد، ولا اثنى عشر عظيماً - من حيث العلم والعمل والكمال والنباهة والشرافة والحكمة والبيان من أهل بيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) غيرهم، فما ذكر أحد أحداً منهم إلا بالعظمة والجلالة والتوصيف بما ذكرناه وفوقه مما هو من شروط خلافة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم)من حيث نبوته ورسالته من العلم بالأحكام وما يصلح يصلح به العباد وتعمر بها البلاد وإبلاغها كما هي وتزكيتهم
ص: 301
وتكميلهم، قال الله تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبين )(1)
وقال تعالى: (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾. (2)
وقال تعالى حاكياً عن جده (3)إبراهيم وإسماعيل : ( رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً منْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الحكيم. ) (4)
وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) (5)
فالغرض الأصلي من البعث إنفاذ هذه المقامات الأربعة وإتمامها وإكمالها ثمّ ما يترتب على ذلك في بعض الأوقات من السلطنة القاهرة (6)وقهر العباد وتسخير البلاد، فتلزمه تكاليف أخرى إلهية مما يتعلق بأمور السياسة وانتظام الملك وبسط العدل وغير ذلك أغراض تبعية من البعثة قد ترتفع بارتفاع السلطنة والقهر وعدم
ص: 302
نيلها، وهو مع ذلك رسول معظم مبعوث لا يضره كغيره من الرسل قلة الأتباع والضعف والفقر، بل التستر والحبس ولو في ظلمات بطن الحوت.
قال الشيخ أبو شكور محمد بن عبد الرشيد بن شعيب الكشي السلمي الحنفي مجدد الألف الثاني على ما زعموا في حقه في كتابه المسمى ب(التمهيد في بيان التوحيد): (قال بعض الناس: إن الإمام إذا لم يكن مطاعاً فإنه لا يكون إماماً؛ لأنه إذا لم يكن القهر والغلبة له فلا يكون إماماً.
قلنا: ليس كذلك؛ لأن طاعة الإمام فرض على الناس، فإن لم يكن القهر فذلك يكون من تمرد الناس وهو لا يعزله عن الإمامة، فلو لم يطع الإمام فالعصيان حصل منهم وعصيانهم لا يضر بالإمامة. ألا ترى أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ما كان مطاعاً في أوّل الإسلام وما كان له القهر على أعدائه من طريق العادة، والكفرة قد تمردوا عن أمره ودينه وقد كان هذا لا يضره ولا يعزله عن النبوة، وكذا الإمام خليفة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم)لا محالة ، وكذلك علي (علیه السلام) ما كان مطاعاً من جميع المسلمين ومع ذلك ما كان معزولاً، فصح. ولو أن الناس كلهم ارتدوا عن الإسلام والعياذ بالله فإن الإمام لا ينعزل عن الإمامة فكذلك بالعصيان ،انتهى) (1)
فهم خلفاؤه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في العلم والحكمة وبيان الكتاب وفصل الخطاب وتزكية الخلائق كما هو مقتضى جعله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إياهم شركاء القرآن وعطفه أهل البيت على الكتاب المقتضى للتشريك في العامل، ولا ريب أن الغرض من جعله القرآن خليفة له خصوصاً في أيام وفاته كما في جملة من الأخبار وتقديمه التحذير من
ص: 303
الضلال والوعيد عليه هو التمسك به في الأحكام الدينية من المعارف والأخلاق والحلال والحرام والواجبات والمحرمات وغيرها، فيكون القرآن خليفة له (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في هذه المقامات (1) فلابد أن يكون استخلاف العترة والأهل أيضاً فيها خصوصاً
ص: 304
ص: 305
على ما في (الصواعق) قال بعد ذكر جملة من طرق هذا الحديث:
(وفي رواية صحيحة: «إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن تبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي». زاد الطبراني «إني سألت ذلك لهما فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم».
إلى أن قال (تنبيه) سمى رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) القرآن وعترته وهي بالمثناة الفوقية الأهل والنسل والرهط الأدنون ثقلين؛ لأن الثقل كل نفيس خطير مصون وهذان كذلك، إذ كل منهما معدن للعلوم اللدنية والأسرار والحكم العلية والأحكام الشرعية. ولذا حث رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم وقال:
ص: 306
الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت، وقيل: سميا ثقلين؛ لثقل وجوب رعاية حقوقهما ثم الذين وقع الحث عليهم منهم [ إنما هم ] العارفون بكتاب الله وسنة رسوله؛ إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض، ويؤيده الخبر السابق: ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ، وتميزوا بذلك عن بقية العلماء؛ لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة، وقد مرّ بعضها وسيأتي الخبر الذي في قريش وتعلموا منهم فإنهم أعلم منكم فإذا ثبت هذا العموم لقريش فأهل البيت أولى منهم بذلك؛ لأنهم امتازوا عنهم بخصوصيات لا يشاركهم فيها بقية قريش.
و فی أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي ويشهد لذلك الخبر السابق: «في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي... إلى آخره.