استراتيجات إنتاج الثروة ومكافحة الفقر في منهج الإمام علي عليه الصلاة والسلام

هویة الکتاب

استراتيجات إنتاج الثروة ومكافحة الفقر في منهج الإمام علي عليه الصلاة والسلام

السيد مرتضى الحسيني الشيرازي

طبعة منقحة ومزیدة

ص: 1

اشارة

ص: 2

استراتيجات إنتاج الثروة ومكافحة الفقر في منهج الإمام علي عليه الصلاة والسلام

السيد مرتضى الحسيني الشيرازي

ص: 3

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿1﴾

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿2﴾ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴿3﴾ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿4﴾ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿5﴾ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ﴿6﴾ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴿7﴾

ص: 5

ص: 6

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمینَ

بَارِئِ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِینَ بَاعِثِ الأنبِیَاءِ وَ المُرسَلینَ

والصَّلَاهُ وَ السَّلَامُ عَلَى سَیِّدِنَا وَ نَبِیِّنَا

مُحَمَّدٍ وآله الطیبین الطَّاهِرینَ

واللَّعْنَهُ اللَّهِ ْعَلَى أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِینَ

إلَی یَومِ الدِّینَ

ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظیم

ص: 7

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الناشر

إنه جذر المشكلة..

لكن الحلول تبتعد عنه إلى الفروع.

إنه من معاول هدم البنية الاقتصادية والاجتماعية لكل بلد، مهما اكتنزت ثرواته، وكبرت قدراته البشرية والمادية.

بينما نجد هنالك أيد صغيرة تنشغل عن قصد أو غيره، بإقامة هذا الأمر وترسيخه والحؤول دون انهياره.

إنه (الفقر) ..

هذه المفردة البسيطة في لفظها، العميقة في أبعادها، ما تزال بعيدة عن أضواء البحث والدراسة والقرارات الكبيرة على صعيد بلادنا الإسلامية وبلاد العالم، فقد مُلئت أسماعنا بالحديث عن (التضخم) و (الديون) و(الخصخصة) وأخيراً (التقشف)، لكن ما السبب وراء كل هذه الإجراءات؟ إن أرفع مسؤول حكومي وأكبرباحث أو منظّر اقتصادي، لن يتجاوز - عادة - في رؤيته بحثاً عن جواب هذا السؤال، أكثر من العوامل والأحداث المتعلقة بالزمان والمكان، فربما يكون الصراع على السلطة والنفوذ، وربما تكون الحروب، وربما عوامل أخرى ظاهرة على سطح الأحداث..

بينما الحقيقة أعمق من ذلك بكثير!.

ص: 9

ولم يكلف الباحثون وأصحاب القرار أنفسهم ليتنزلوا إلى مستوى الطبقة التي طالما دفعت وما تزال ثمن إثراء الآخرين ظلماً، من كبار المسؤولين في الحكومات والعصابات العالمية من الذين يحتكرون المال لأنفسهم، فهم دون غيرهم أصحاب المصانع وشركات النفط العملاقة، وكذلك البورصات وتجار السلع الأساسية والحيوية من دون رعاية الموازين العقلية والشرعية والعرفية، وغيرهم كثير تتصاعد أرصدتهم في البنوك مقابل تدني المستوى المعيشي لآخرين حتىالجفاف والأوبئة الفتاكة ثم الموت...! من هنا نفهم سبب تقزز أمير المؤمنين (عليه السلام) من الفقر وتنفره منه، كما لو أنه عدوٌ مبين، حيث قال (عليه السلام) مقولته المشهورة:

«لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلته».

ولا نجانب الحقيقة بالقول:

إن الغرب ومنظومته الاقتصادية الفتاكة، هي التي تشعر بالاستنفار هذه المرة من ظهور نهج أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيادته في العالم، فهو عند كل منصف وحكيم، يمثل الحل الأكمل والأنجح لجميع المشاكل والأزمات التي تعاني منها البشرية اليوم، وإلا ما معنى (التضخم) إن لم يوجد هنالك جشع وطمع يحطم القدرة الشرائية للإنسان ويجعل الناس وهم يتجولون في الشوارع والأسواق، فقراء بدرجات متفاوتة؟! وما معنى (التقشف) إن احتكرت الثروات والأراضي وفرصالعمل بيد الدولة أو مجموعة صغيرة، فيما يحرم الملايين من الناس، ويكونون مثل الغرباء على بحار النفط وعلى مساحات فسيحة من الأراضي الخصبة والتي تضم ما يعلمه الله فقط من الثروات المعدنية؟ ولهذا وذاك، جاءت مبادرة سماحة آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي للبحث في السبل الاستراتيجية - وليست التكتيكية -

ص: 10

لمكافحة الفقر في المجتمع ولإنتاج الثروة، وكانت البداية من بحث ألقاه سماحته في مؤتمر الإمام علي (عليه السلام) السنوي السادس في لندن، تزامناً مع ذكرى مولده (عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام) في الثالث عشر من شهر رجب المرجب، من حيث إن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو المنار الذي يضيء لنا طريق الخلاص من هذه الحالة المرضية.

يجيب هو بنفسه عن سبب اختياره لأمير المؤمنين (عليه السلام) ليكون المرشد الأول إلىالبوابة التي يخرج منها الفقر إلى الأبد من كيان الأمة، وهي بالحقيقة أسباب ذاتية وموضوعية، فقد جرّب الإمام (عليه السلام) وخبر الفقر وشظف العيش منذ نعومة أظفاره، كما جربها خلال مواكبته الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في مسيرته الإلهية لنشر الإسلام، وما رافق ذلك إجراءات ظالمة وتعسفية للمشركين ضد من آمن بالإسلام من أهل مكة. وبعد الهجرة كان (عليه السلام) القائد الوفي والكبير والمقدام في ميدان تطبيق القيم والمبادئ الإسلامية لاسيما في المجال الاقتصادي، فقد جسد النهج النبوي في خلق مجتمع آمن اقتصادياً ومعيشياً، فجاء عهده (عليه السلام) إلى مالك الأشتر النخعي (رحمه الله) بعد تعيينه لولاية مصر، يعبّر عن المنظومة العلمية والقانونية لاقتصاد ناجح ومثمر لا يدع مجالاً للفقر بين أبناء المجتمع الإسلامي.

وهذه الدراسة التي بين يديك عزيزي القارئ محاولة جادة نرجوأن تتبعها محاولات أخرى عملية لمعالجة حالة الفقر في المجتمع والقضاء عليها تماماً، لأن مجرد وجود هذه الحالة يتعارض ويتناقض تماماً مع النظم والتعاليم التي جاء بها الإسلام.

وأهمية نشرها تأتي من الرؤية الإستراتيجية والشمولية لحل هذه المعضلة، فالمشكلة لا تكمن في أشخاص يفترشون الأرض ويستعطون الناس، إنما في العوامل والأسباب العديدة والمتشابكة التي أدت إلى وجود هذه الشريحة الكبيرة وظهورها على السطح بهذه الصورة التي

ص: 11

طالما تثير الأسى والأسف، أكثر مما تثير الشفقة والتضامن.

بمعنى أننا لسنا أمام حل واحد، إنما حلول متتابعة ومتسلسلة من جوانب عديدة لها كثير الدخل والتأثير في حالة الفقر.

وهذا بالتحديد ما يدعونا لمطالعة هذه الدراسة.

مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام كربلاء المقدسة

ص: 12

المقدمة المنهجية للكتاب

مقاربة لموضوع البحث

الفقر لغةً, هو العوز والحاجة, والمفردة مشتقة من انفقار الظهر, أي إنكسار فقاره, وهو الهمّ والحرص, والفقر للشئ, هو نقص به وإضطراب في تكوينه.

فالفقر في حقيقته, تعبير عن حالة العوز والنقص, والحاجة والحرمان, سواء في الجانب المادي, في عدم القدرة على تلبية الحاجات الإنسانية والمعيشية للإنسان, أو في الجوانب غير المادية, المتعلقة بمتطلبات الحياة الكريمة, التي تطلق قدرات الفرد وقابلياته على العطاء والإبداع, وبالتالي ترتفع ضروراتها ومتطلباتها, الى مستوى المجتمع والدولة, من خلال الحرية الإنسانية والعدل الاجتماعي.

وقد عبر الباحث النفسانيالإجتماعي "ماسلو"(1), عن هذه الاحتياجات الإنسانية, في مثلثه أو هرمه الشهير, الذي وضع فيه هذه الاحتياجات, ضمن أسبقيات ضروراتها وتأثيراتها في الفرد, ثم المجتمع والدولة, فقد بدأ في قاعدة هرمه, بتثبيت الحاجات المعيشية الأساسية للفرد, ثم ارتفع في المستوى الثاني الى الجاجات الأمنية, ثم الى الحاجات الاجتماعية, وانتهاءا بحاجات تحقيق الذات أو الإبداع.

وبرغم الجدل العلمي الناشئ, في الرؤية لتسلسل هذه الحاجات وأسبقياتها, لكن المؤكد أن الإنسان في حاجة لمتطلبات ضرورية

ص: 13


1- إبراهام ماسلو (1908 - 1970), عالم النفس الإجتماعي, أثرى في المناهج العلمية والتدريسية والتربوية, وقد تركت أثراً كبيراً في علم الإدارة, وبخاصة نظريته الشهيرة, في الحاجات الإنسانية, والتي عرفت بهرم أو مثلث ماسلو.

في الحياة, وهذا الاحتياج يؤثر على سلوكه، وصيرورته في الحياة, فالحاجات غير المشبعة, تسبب إحباطاً لدى الفرد, واضطراباً في حياته, يولد آلاماً نفسية, ويؤدي ذلكإلى العديد من ردود الأفعال القاسية, في سعيه للبحث عن إشباع لهذه الحاجات, يحاول من خلالها, أن يحمي نفسه من هذا الإحباط, ويسد النقص في احتياجاته, أو أن يخلد لليأس, فيسلم في انتفاء الرغبة في الحياة, فيفقد ذاته, ويفقده المجتمع.

وعليه فإن فقدان أي مستوى من هذه الحاجات, يعد شكلاً من أشكال "الفقر", إذ تبدأ من الحاجات ذات الضرورة القصوى, للبقاء والحياة, والمتمثلة بالغذاء, ومتطلبات المعيشة, وتنتهي في الرفاهية الإنسانية, التي هي من الحاجات الإنسانية أيضاً, وهي ليست من أشكال الترف, إذ أن بفقدانها يعاني الإنسان من حالات الكآبة والإحباط النفسي, والقلق العقلي والإعاقة الجسمانية, غير أن متطلباتها قد تكون بأسبقيات متأخرة, عن تلك الحاجات الضرورية والأساسية, التي وضعت في قاعدة هرم الحاجات والمتطلبات الإنسانية.فكون الفقر ظاهرة لا إنسانية, أو هي تتقاطع معها, وتُناقض الغرض والمقصد, الذي ينسجم والحياة الطبيعية للإنسان, فقد تمثّله الإمام أمير المؤمنين عليه السلام, في هيئة رجل يستحق القتل, وبذلك يعتبره إجراماً بحق الإنسانية, وهو قمة التعبير الإنساني الرائع, عن جوهر هذه الآفة الإجتماعية والإنسانية, وتصوير الحاجة لمعالجتها والقضاء عليها.

معضلة البحث

يُعد الفقر, من أهم التحديات التي واجهت وتواجه البشرية, في نطاق التأريخ والجغرافية, فهو يتفاعل مع مربع الآفات الاجتماعية

ص: 14

والتخلف الإنساني, الذي تألفت أضلاعه, من عوامل الجهل والمرض وانعدام الأمن, ليغلق ضلعه الرابع بعامل الفقر, وليكون الفقر فيها سبباً ونتيجة. ولم يعد الفقر حالة متفردة في مجتمعاتنا, بل أصبح ظاهرة واسعة النطاق, وآفة اجتماعية تنخر في بنيةالمجتمع, وتفقده توازنه وإتزانه, رغم كل التطور العلمي والجهود البحثية, وبرغم البرامج والخطط الاقتصادية, التي تسعى لمعالجته والحد من خطورته, لكنه يبقى تحدياً قائماً, وخطراً كائناً, يهدد المجتمع وكيانه وهيئاته, ثم الدولة ومؤسساتها.

وعليه فإن دراسة الفقر, وإيلاء موضوعاته المتشعبة, أهمية كبيرة, ومناقشتها بشكل علمي ومنهجي, باتت من الحاجات الملّحة, التي تضطلع بها المؤسسات المجتمعية المسؤولة, وفي مقدمتها المؤسسة الدينية, لتكون مخرجات الدراسة, سبيلاً للخلاص من آفته, في إزالته ورفعه, من خلال علته المبقية, وفي دفعه ومنعه, من خلال علته المحدثة, ولتكون مخرجاته علاجاً وقائياً وإجرائياً, لمقاربة نتائجه الكارثية, في الفرد والمجتمع والدولة.

أهداف البحث

يهدف البحث الى تقديم رؤىعلمية وعملية, لمعالجة الفقر, ضمن تصورات استراتيحية معمّقة, إذ تتجلى أسباب الفقر ومخرجاته, في مرتكزات "الاستراتيجية الشاملة", المتمثلة بالمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية, كون ظاهرة الفقر, في أسبابها, وكذلك معالجاتها, تتحرك ضمن العوامل السياسية والإقتصادية, المتمثلة بدور الدولة ومؤسساتها, وقطاعات الإقتصاد الوطني, في انتاج الثروات وتنميتها, وتوفير البيئة السياسية المستقرة, لتنميتها وتنشئتها, ثم تضطلع العوامل الاجتماعية, وهيئات

ص: 15

المجتمع المدني, بأدوارها المحورية في معالجات هذه الآفة, وضمن بيئة أمنية سليمة, توفر لها أسباب النجاح والديمومة.

وعليه فإن البحث يهدف الى مناقشة ظاهرة الفقر, وأسبابها ومعالجاتها, من منظور إستراتيجي شامل, وذلك من خلال الإسترشاد بمنهج الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام, واستراتيجياته المحكمة, ضمن تجربته التأريخية, في القضاء على ظاهرة الفقر.

منهج البحث ومقارباته البحثية

المنهج المتبع في البحث, هو التحليلي التركيبي, والإحصائي المستند الى معطيات البيانات الموضوعية والدقيقة, فضلاً عن المنهج النقلي والاستدلال الشرعي, المستبصر في النصوص القرآنية المقدسة, والسنة الشريفة للرسول الأكرم والأئمة الأعلام, عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.

وقد جرى اختيار النهج الإستراتيجي للإمام عليه السلام, مرجعية للبحث, والذي تخلد في عهده التأريخي, لمالك الأشتر رضوان الله عليه، في رسم إستراتيجية واضحة المعالم, لمرتكزات المكافحة الجذرية لظاهرة الفقر, والقضاء عليه.

فقد تميّز الإمام أمير المؤمنين, بتجربة كبيرة وخبرةواسعة, في التعامل مع هذه المشكلة، كونه قد خبر حالتي الفقر والغنى, فقد رافق الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله, فترة الفقر الشديد، ثم شهد فترة الثروات الطائلة, التي انهالت على رسول الله صلى الله عليه وآله, في عهد دولته المباركة, فرأى وتعلّم, كيفية التعامل مع الفقر, وكيفية التعامل مع الغنى, وكيفية توظيفها, في منهج ورؤية متكاملة, في كافة أبعادها, لمكافحة الفقر.

ص: 16

موضوع الكتاب وعنوانه

الكتاب في الأصل, هو محاضرة علمية, ألقيت في مؤتمر الإمام أمير المؤمنين, سلام الله عليه, السنوي السادس, الذي أقامه مركز الفردوس العالمي للثقافة والإعلام، تزامناً مع ذكرى مولده الشريف, في 13 رجب 1427 ه-، في قاعة بروجستر بالعاصمة البريطانية لندن.

ولتوفر ثلاث مرتكزات في البحث, هي مباني ومقاصد إنتاج الثروة, والمعالجاتالإستراتيجية لظاهرة الفقر, في شقيها الوقائي, المانع لأسبابه ومسبباته, في علته المحدثة, والإجرائي الرافع له, في علته المبقية, وذلك استرشاداً بنهج الإمام أمير المؤمنين عليه السلام, وبنائه الإستراتيجي, في معالجة الفقر والقضاء عليه, فقد وسم الكتاب "استراتيجيات إنتاج الثروة ومكافحة الفقر في منهج الإمام علي عليه الصلاة والسلام".

نطاق البحث وهيكليته

ينحصر نطاق البحث في التعرّف على حلول مشكلة الفقر, على ضوء التعاليم الإلهية التي أرشد إليها القرآن الكريم, والخطاب الشريف للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله, والإمام أمير المؤمنين عليه السلام, وفق تصورات الإستراتيجية الشاملة, بمرتكزاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية, لتعلق موضوع البحث فيها, سبباً ونتيجة.

وقد تضمن الكتاب بعد هذهالمقدمة المنهجية الشكلية, مدخلاً و بابين رئيسين للبحث, تطرق الباب الاول الى الفقر بينما تحدث الباب الثاني عن الفقير، تفرع من الباب الاول ثلاث فصول رئيسية ثم مباحث فرعية بعناوين وسطية, وأخرى جانبية, فقد تصدر الكتاب مدخلاً تعريفياً بالفقر, يعرض لمعانيه ومعالمه, وأسبابه ونتائجه, في

ص: 17

الفرد والمجتمع والدولة.

يناقش الفصل الأول من الباب الاول "العوامل الاقتصادية لإيجاد الثروة وتنميتها والمحافظة عليها ولمكافحة الفقر", وهو دراسة للجوانب المادية في موضوعة الفقر, ويناقش الفصل الثاني "العوامل الغيبية والأخلاقية لإيجاد الثروة وتنميتها والمحافظة عليها ولمكافحة الفقر", فيكون دراسة في الجوانب الغير مادية لموضوعة الفقر, في أسبابها ونتائجها, وهي في مجموعها في هذين الفصلين, معالجات مانعة للفقر, بهدف إستباق أسبابهومسبباته, وعوامل نشوئه, والبيئة التي ينمو فيها, في معالجات ظاهرته ومخرجاتها, بهدف القضاء عليه, ودفعه ومنعه.

وينحصر نطاق الفصل الثالث في "محاصرة عوامل تبديد الثروة وملاحقة بواعث الفقر", وهو دراسة في معالجات الفقر بعد نشوئه, بهدف رفعه, ومعالجة كينونته, في علته المبقية.

اما الباب الثاني فيتمركز بشكل عام على الفقير ضمن محاور ثلاث؛ المحور الاول يتحدث عن الرؤية العامة تجاه الفقر وكيف يجب ان تكون ثقافة الفقراء، والمحور الثاني يتحدث عن واجبات الفقير ومسئولياته، اما الثالث فيتحدث عن سبل واليات الاثراء المشروع والخروج عن دائرة الفقر، عبر الالتزام بالتعاليم السامية الدينية.

كما ألحق بالكتاب, ملحق وهو نص العهد الذي عهده الإمام أمير المؤمنين, عليه السلام, إلى مالك الأشتر, رضوان الله عليه, معشرح مستقى من كتاب "توضيح نهج البلاغة", للمفكر الإسلامي الكبير, والمرجع الديني المجدد, آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي أعلى الله مقامه, لإغناء مادة البحث, ولتعلق مبانيه بمسألة البحث ومقارباته.

وقد اعتمد البحث في مراجعه ومصادره, الى النصوص المقدسة

ص: 18

والأحاديث الشريفة, فضلاً عن اعتماد كتب ومرجعيات, رصينة وموضوعية, وقد وفرت المراجع, مادة تعريفية وإحصائية وفيرة, قد أرجعت الى هوامش على المتن, ولكثرة وتوسع مادتها, فقد ألحقت تفاصيلها بملحق في نهاية الكتاب, وقد أثبتت المراجع والمصادر, في ثبت المصادر والمراجع, عدا ما تعذّر درجه فيه, فيرجع إليه في متن الكتاب.

ص: 19

ص: 20

(المدخل)

اشارة

(المدخل)(1) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وآله الغر الميامين، واللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قال الله تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾(2).

وقال سبحانه: ﴿أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ﴾(3).

وقال تعالى: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً﴾(4).

وقال الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام): «لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلته»(5).

وقبل البدء بهذا البحث الحيوي الهام لابد من مدخل للبحث نشير فيه إلى تعريف الفقر وحدوده ومدياته وإلى (مساحات الفقر) وأنواعه

ص: 21


1- كان هذا الكتاب في الأصل كلمة لسماحة آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي (دام ظله) في مؤتمر الإمام علي (سلام الله عليه) السنوي السادس الذي أقامه مركز الفردوس العالمي للثقافة والإعلام، تزامناً مع ذكرى مولد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) في 13 رجب 1427 ه-، وذلك في قاعة بروجستر بالعاصمة البريطانية لندن. ثم بعد ذلك أضاف سماحته بنوداً عديدة لفصول الكتاب، كما أضاف الفصل الرابع بأكمله، وأجرى بعض التعديلات على هيكلية الكتاب وعناوين الفصول.
2- سورة هود: 61.
3- سورة هود: 85.
4- سورة البقرة 29.
5- روائع نهج البلاغة: ص84، وص233، شرح إحقاق الحق ج 32: ص213.

في أحاديث أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وإلى السر في اختيار الإمام علي عليه السلام وكلماته، لتكون المعلِّم والمرشد؟.

1. ما هو الفقر ؟

ولكي نعرف مدى خطورة مشكلة الفقر، يجب أن نعرفه بشكل صحيح ومتكامل. فإن الفقر لا ينحصر في الجانب المادي فحسب، كما يتوهمه عامة الناس، بل له امتدادات واسعة إلى أبعد الحدود، ذلك أن الفقر يعني في جوهره: الحاجة والحرمان وهذا هو الذي يشكل القاسم المشترك لكل تعريفات الفقر، وهو على هذا يستبطن كافة العناوين التالية:

1: الحرمان من الحب والعاطفة، وفي الحديث «وهل الدين إلا الحب»(1)، و«ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»(2)، وفي الدعاء: «واعطف عليّ بمجدك»(3).

2: افتقاد التعليم اللائق، وهو يشمل علوم الدين والدنيا، قال تعالى: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾(4).

ص: 22


1- عن الإمام الصادق (عليه السلام): الكافي ج2 ص125.
2- عن النبي (صلى الله عليه وآله)، مستدرك الوسائل ج9 ص 55، ح8.
3- عن الإمام علي (عليه السلام): المصباح: ص560.
4- سورة الجمعة: 2.

3: نقص الرعاية الصحية الشاملة، وهي تشمل صحة البدن والنفس والروح والعقل، ففي الحديث الشريف: «إنما العلوم أربعة.. وعلم الطب لحفظ الأبدان»(1).

4: ضعف التربية البدنية وممارسة الرياضة التي يحتاجها الإنسان، للحفاظ على صحته الجسمية والروحية والعقلية، وذلك من أسباب استحباب السباحة والرماية وركوب الخيل في الإسلام.

5: الفقر إلى المسكن المناسب الذي يلبي حاجاته الجسدية والروحية والنفسية، وقد ورد في الحديث الشريف: «من سعادة المرء المسلم المسكن الواسع»(2).

وكذلك الفقر والحرمان عن كل من:

6: الملبس المناسب، قالتعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾(3)، وقال سبحانه: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً﴾(4).

7: المأكل والمشرب بحيث يتمكن الإنسان من استحصال ما يحتاجه من السعرات الحرارية والعناصر الغذائية المهمة، قال سبحانه وتعالى: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ﴾(5).

ص: 23


1- شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) : ص385.
2- الكافي: ج6 ص526.
3- سورة الأعراف: 31.
4- سورة الأعراف:26 .
5- سورة قريش: 3 -- 4.

وقال سبحانه: ﴿وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾.(1) 8: المركب، جاء في الحديث الشريف: «من سعادة المرء...: ودابة سريعة»(2).

9: الجماليات والكماليات والزينة، يقول تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ﴾(3).

كما أن هنالك مظاهر ومصاديق أخرى للفقر والحرمان قد تكونأخطر مما مضى بكثير ومنها:

10: افتقاد الأمن على الصعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، قال تعالى: ﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾(4)، والخوف يشمل كل ما يهدد الإنسان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. قال جل وعلا: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾(5)، وهي الآصار والأغلال التي حطمها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهي القيود التي تحد من حرية التجارة والزراعة والصناعة والحركة والسفر والحضر وحتى الأعراف والتقاليد المقيدة للحرية.

11: الحرمان من الحقوق الأولية والثانوية، مثل حق الإنسان في

ص: 24


1- سورة الأعراف: 32.
2- الفقه: الإدارة، للإمام الشيرازي: ج2ص176، ط 2 \1992، دار العلوم بيروت.
3- سورة الأعراف: 32.
4- سورة قريش: 4.
5- سورة الأعراف: 157.

حرية الرأي والتعبير، وحقه في السفر والإقامة، و في تملك الأراضي والعقارات وفي التجارة والاستثمار(1)، وفي ألف شيء وشيءحسب القاعدة الفقهية المستفادة من قوله (صلّى الله عليه وآله): «الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم»(2)، ومن الآية الكريمة: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى﴾(3)، وقوله (صلّى الله عليه وآله): «لا ضرر ولا ضرار»(4) وقوله تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾(5).

12: الحرمان من الفكر الصائب والثقافة السليمة والعقيدة الصحيحة، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ﴾(6)، وقال سبحانه: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾(7).

13: افتقاد الاستقلال الاقتصادي والسياسي.

14: كما أن الفقر مما لا يختص بالفرد بل يشمل الفقر فقر (المجتمع) وفقر (الدولة)، حيث إن الفقر ليس خاصاً بالإنسان الفرد، فإن له مصاديقه الظاهرة في افتقار الدولة للمؤسساتالدستورية، وفي افتقار الدولة والمجتمع لمؤسسات البنية

ص: 25


1- راجع (الفقه: الحريات)، و(الفقه: الحقوق) وغيرها، للمرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (رحمه الله).
2- الخلاف، للشيخ الطوسي: ج3 ص176.
3- سورة الأحزاب: 6.
4- الكافي : ج5 ص 280.
5- سورة الكافرون: 6.
6- سورة الأنبياء : 51.
7- سورة المائدة : 2.

التحتية.(1) (2)

2. الإمام علي (عليه السلام) ومساحات الفقر

هذه الشمولية في أبعاد الفقرتعكسها أحاديث أمير المؤمنين (عليه السلام).

أ: فقد أشار (عليه السلام) إلى الفقر العلمي بقوله: «لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل»(3)، والجهل في حد ذاته فقر وحرمان علمي وثقافي، وهو سبب

ص: 26


1- يراجع: (معالم المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي)، للمؤلف.
2- الفقر: هو عدم القدرة للوصول إلى الحد الأدنى من الاحتياجات المهمة المادية كالطعام والسكن والملبس ووسائل التعليم والصحة... وحاجات غير مادية مثل حق المشاركة والحرية الإنسانية والعدالة الاجتماعية. ويعرف أيضا بعدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة. ويمكن تعريف الدول الفقيرة بأنها تلك الدول التي تعاني من مستويات منخفضة من التعليم والرعاية الصحية، وتوفر المياه النقية صحياً للاستهلاك البشري والصرف الصحي ومستوى الغذاء الصحي كماً أو نوعاً لكل أفراد المجتمع، ويضاف إلى ذلك معاناتها من تدهور واستنزاف مستمر لمواردها الطبيعية، مع انخفاض مستوى دائرة الفقر. وقد عرف البنك الدولي الدول منخفضة الدخل أي الفقيرة بأنها تلك الدول التي ينخفض فيها دخل الفرد عن 600 دولار سنويا، وعددها 45 دولة معظمها في أفريقيا، منها 15 دولة يقل فيها متوسط دخل الفرد عن 300 دولار سنويا. وبرنامج الإنماء للأمم المتحدة يضيف معايير أخرى تعبر مباشرة عن مستوى رفاهية الإنسان و نوعية الحياة "Livelihood” هذا الدليل وسع دائرة الفقر بمفهوم نوعية الحياة لتضم داخلها 70 دولة من دول العالم، أي هناك حوالي 45% من الفقراء يعيشون في مجتمعات غير منخفضة الدخل، أي هناك فقراء في بلاد الأغنياء، ويكتفي هنا بذكر أن 30 مليون فرد يعيشون تحت خط الفقر في الولايات المتحدة الأمريكية (15 % من السكان).
3- نهج البلاغة: ج 4، ص 14، باب الحكم ، حكمة 54.

من أهم أسباب الفقر الاقتصادي أيضاً.

ب: كما أشار (عليه السلام) إلى الفقر والحرمان من الثقافة والوعي والرشد الفكري بقوله: «أكبر الفقر الحمق»(1).

ج: وأشار (عليه السلام) إلى الفقر والحرمان من الأمن والحماية الاجتماعية والسياسية بقوله: «وما أنتم بركن يمال بكم، ولا زوافر عز يفتقر إليكم»(2)، و(الزوافر) جمع (زافرة): وهي من البناء ركنه، ومن الرجل أهله وأنصاره، وهذا الفقر يعم الفقر الفردي وفقر الدولة وفقر المجتمعات أيضاً.

د: كما أشار (عليه السلام) إلىالفقر الروحي والأخلاقي بقوله: «شر الفقر فقر النفس»(3)، و«أكبر البلاء فقر النفس»(4). كما يشمله إطلاق قوله: «رب فقير أغنى من كل غني»(5) .

بل إن الفقر هنا له مصاديق عديدة، منها الفقر في الصحة أو في الأمن أو في الحقوق وغيرها، فربما يكون هنالك فقير في ماله لكنه غني بصحته، وقد يوجد هنالك غني بماله، ولكن هذا المال عاجز عن توفير الصحة والسلامة لصاحبه، أو ربما يكون هنالك غني بماله لكنه فقير

ص: 27


1- نهج البلاغة: ج 4، ص 11، الحكمة 38.
2- نهج البلاغة: الحكمة 34
3- غرر الحكم: ص232.
4- غرر الحكم: ص232.
5- غرر الحكم: ص366.

من حيث حقوقه الأولية والثانوية, كحرية التعبير والرأي وحرية السفر والحضر وحرية التملك والاستثمار وغيرها، فإنه يكون أسوأ حالاً من الغني بحقوقه مع فقره من المال.

ه-: كما تمت الإشارة إلى الفقر الديني والعقائدي فيقوله (صلّى الله عليه وآله): «الفقر سواد الوجه في الدارين»(1)، والمقصود بالفقر هنا، الفقر من الدين والتقوى والورع والمثل الأخلاقية العليا، وهي السبب في خسران الدنيا والآخرة، فإن الفقير من الوازع الديني لا يتورع عن ارتكاب السرقة والاغتصاب والقتل ومختلف أشكال الاعتداءات.

كما أن الدولة المجردة من الوازع الديني والأخلاقي تصادر حريات الناس، وتلقي بالأحرار والأبرياء في السجون، وتقمع الأكثرية والأقلية معا! وتلك كلها سواد الوجه في الدارين.

و: كما أن الآية الشريفة التي حكت قول نبي الله موسى (عليه السلام): ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾(2)، وإن كان شأن نزولها الطعام، إلا أنها تشمل - إطلاقاً أو ملاكاً - كل المعاني الممكنة للفقر، فإن الإنسان مفتقر في كل شؤونه إلى كل أنواع عطايا اللهسبحانه وتعالى.

ز: وقال الإمام علي (عليه السلام): «أفقر الناس من قتر على نفسه مع الغنى والسعة وخلفه لغيره»(3).

ص: 28


1- عوالي اللئالي: ج 1، ص 40.
2- سورة القصص: 24.
3- غرر الحكم: ص369.

فالفقر ليس عدم تملك الأموال والثروات، بل هو الحرمان من الاستفادة منها واستثمارها لرفع حوائج الإنسان المادية منها والمعنوية، السياسية منها والاجتماعية، العلمية منها والفكرية والثقافية، الأساسية منها والجمالية والكمالية..

إذاً: فمن يملك المليارات لكنه لا يستثمرها في الدفاع عن حقوقه وحقوق أمته فهو (فقير)، بل هو (أفقر الناس).. والدولة التي تملك مئات المليارات لكنها لا تصرفها في مؤسسات البنية التحتية وتقوية المؤسسات الدستورية فهي فقيرة أيضاً.

نعم يبقى أن (الفقر) الوحيد الحسن والنافع والذي هو عين(الغنى)، هو الفقر إلى الله تعالى، فقد جاء في الدعاء الشريف: «اللهم أغنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك»(1). وكذلك ما جاء في صحف إدريس (عليه السلام): «لا غنى لمن استغنى عنك، ولا فقر بمن افتقر إليك»(2).

ص: 29


1- بحار الأنوار: ج69 ص31، مستدرك سفينة البحار : ج8، ص 272.
2- بحار الأنوار: ج95 ص462.

3. الفقر التحدي الأعظم

الفقر يُعد من أهم التحديات التي واجهت البشرية على مر التاريخ، ويشكل هو والجهل والمرض وانعدام الأمن بأبعاده المختلفة، الأضلاع الأربعة للتخلف والشقاء البشري..

ولايزال الفقر يشكل الظاهرة الأخطر، والهاجس الأكبر للبشرية، رغم كل التطور العلمي وكل البرامج والمناهج الاقتصادية على الصعيد المحلي والدولي، فقد جاء في تقرير لرئيس البنك الدولي:

(إن من بين 6 مليارات بشر يوجد 2.8 مليار إنسان يعيشون بأقل من دولارين باليوم، ويوجد 1.2 مليار بشر يعيشون بأقل من دولار في اليوم، ومن كل مائة رضيع يموت ستة قبل أن يبلغوا السنة الأولى من عمرهم، أما الأطفال الذين يبلغون سن التعليم فإن 9 ذكور و14 أنثى من بين كل مائة طفل يتمكنون من الالتحاق بالمدرسة الابتدائية،والباقي يكونون خلف الأبواب)(1).

ص: 30


1- يقوم البنك الدولي كل عدة سنوات بنشر تقديرات محدّثة عن أوضاع الفقر، استناداً إلى أحدث البيانات العالمية المتعلقة بتكلفة المعيشة، وكذلك إلى المسوحات القطرية الخاصة بمعدلات الاستهلاك لدى الأسر المعيشية. وتشير التقديرات التي نشرها البنك الدولي يوم 29 فبراير/شباط 2012 إلى أن عدد من يعيشون على أقل من 1.25 دولار للفرد في اليوم بلغ نحو 1.29 مليار شخص في عام 2008، وهو ما يعادل 22 في المائة من سكان العالم النامي. ويعتمد التقرير المحدث على 850 مسحاً للأسر المعيشية تم إجراؤها في 130 بلداً تقريبا. للتفصيل يراجع الملحق.

إن مشكلة الفقر معقدة جداً، ومتداخلة مع كافة مناحي الحياة الأخرى؛ السياسية منها والاجتماعية، والنفسية والفكرية والروحية، والقانونية والدينية، وبما أن لكل عامل علاقة متبادلة مع الفقر، فهو يؤثر في خلق هذه المشكلة تارةً، ويتأثر بها أخرى، فقد بات واضحاً عجز الإنسان عن التوصل إلى حل شامل ومتكامل لمشكلة الفقر(1)، وإذا كان ثمة حل جذريللمشكلة، فإن مصدره السماء، حيث إن الإله الحكيم والعادل والعالم المحيط والقادر هو الذي تكمن عنده حل المشكلة بما فيها مكوناتها الثلاث: (البشر - الثروات - النظم والمناهج).

من هنا كان انطلاقنا للتعرّف على حل مشكلة الفقر على ضوء التعاليم الإلهية التي أرشد إليها القرآن الكريم وكلمات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).

ص: 31


1- حسب إحصاء قديم يعيش فوق كوكب الأرض اكثر من 6 مليارات من البشر يبلغ عدد سكان الدول النامية منها 4.3 مليارات، يعيش منها ما يقارب 3 مليارات تحت خط الفقر وهو دولاران أميركيان في اليوم، ومن بين هؤلاء هنالك 1.2 مليار يحصلون على أقل من دولار واحد يوميا. ونصف سكان العالم تقريباً يعيشون اليوم في المدن والبلدات. في عام 2005، وحوالي الثلث (1 مليار نسمة) يعيشون في أحزمة الفقر. وفي البلدان النامية نجد أن نسبة 33.3% ليس لديهم مياه شرب آمنة أو معقمة صالحة للشرب والاستعمال، و25% يفتقرون للسكن اللائق، و20% يفتقرون لأبسط الخدمات الصحية الاعتيادية، و20% من الأطفال لا يصلون لأكثر من الصف الخامس الابتدائي، و20% من الطلبة يعانون من سوء ونقص التغذية. ويموت حوالي 30,000 طفل يومياً بسبب الفقر. وللتفصيل يراجع الملحق.

4. لماذا انتخبنا الإمام علياً (عليه السلام)

مُنظراً ومعلماً ومرشداً؟ لقد كان الباعث الرئيس على اعتبار كلمات وحِكَم وممارسات الإمام علي بن أبي طالب (عليهما سلام الله) الاقتصادية هي المرجع الأساس للتعرف على الحلول الإستراتيجية لمكافحة الفقر، هو مجموعة من العوامل التالية:

1: لأنه (عليه السلام) الأعرف بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بمنهج السماء، فقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أعلمكم علي»(1).

2: لأنه (عليه السلام) خلّف لنا في أحاديثه وكلماته وخطبه خاصة عهده لمالك الأشتر، خطوطاً عريضة ترسم إستراتيجية واضحة المعالم لمكافحة الفقر على مدى التاريخ.

3: ولأنه (عليه السلام) خبر المعاناة في حياته اليومية، فقد ولد في بيئة فقيرة و ذاق فيها طعم الفقر، فأحس بعمقمأساة الفقراء.

4: ولتميّزه (عليه الصلاة والسلام) بتجربة كبيرة وخبرة واسعة في التعامل مع هذه المشكلة، فقد عاشر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فترة الفقر الشديد، ثم فترة الثروات الطائلة التي انهالت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله). ورأى (عليه السلام) وتعلّم من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كيف يتعامل مع الفقر؟ وكيف يتعامل مع

ص: 32


1- الكافي: ج7 ص424.

الغنى؟ وكيف يوظف كل ذلك لوضع خطة متكاملة من كل الجوانب لمكافحة الفقر.

5: تحمله (عليه السلام) معاناة استمرت فترة طويلة، وتحولت إلى ممارسات عملية ميدانية لمكافحة الفقر. فعندما تزوج عاش حياة الفقراء مع زوجته الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فكان أحياناً يرهن درعه ليقترض ثلاثة أصوع من الشعير لقوت يومه(1)، وقد عمل (عليهالسلام) وكدّ

ص: 33


1- روى الجمهور في سبب نزول هذه الآيات في أهل البيت (عليهم السلام): ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ {سورة الإنسان:8} ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا﴾ {سورة الإنسان:9}: أن الحسن والحسين (عليهما السلام) مرضا، فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنذر علي (عليه السلام) صوم ثلاثة أيام، وكذا أمهما فاطمة (عليها السلام) وخادمتهم فضة، لئن برئا. فبرئا ، وليس عند آل محمّد (عليهم السلام) قليل ولا كثير ، فاستقرض أمير المؤمنين (عليه السلام) ثلاثة أصوع من الشعير، وطحنت فاطمة (عليها السلام) منها صاعا، فخبزته أقراصا، لكل واحد قرص، وصلى علي (عليه السلام) المغرب، ثم أتى المنزل، فوضع بين يده للإفطار، فأتاهم مسكين وسألهم، فأعطاه كل واحد منهم قوته، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا . ثم صاموا اليوم الثاني، فخبزت فاطمة (عليها السلام) صاعا آخر، فلما قدمته بين أيديهم للافطار أتاهم يتيم وسألهم القوت، فتصدق كل منهم بقوته. فلما كان اليوم الثالث من صومهم وقدم الطعام للإفطار، أتاهم أسير وسألهم فأعطاه كل منهم قوته، ولم يذوقوا في الأيام الثلاثة سوى الماء، فرآهم النبي (صلّى الله عليه وآله) في اليوم الرابع وهم يرتعشون من الجوع وفاطمة (عليها السلام) قد التصق بطنها بظهرها من شدة الجوع، وغارت عينها، فقال (صلّى الله عليه وآله) : وا غوثاه يا الله ، أهل محمد يموتون جوعا، فهبط جبرئيل فقال: خذ ما هنأك الله تعالى به في أهل بيتك، فقال: وما آخذ يا جبرئيل؟ فأقرأه : هل أتى . راجع شواهدالتنزيل، للحاكم الحسكاني: ج2 ص393 - 414 ح1042 - 1070. مناقب المغازلي: ص272 ح 320 ، أسباب النزول للواحدي: ص296 ، الدر المنثور للسيوطي: ج 8 ص371 ، ذخائر العقبى: ص102، تفسير البيضاوي: ج5 ص165 ، تفسير الطبري: ج 29 ص125 ، تفسير الفخر الرازي: ج30 ص243، الكشاف للزمخشري: ج4 ص670 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1 ص21، إحقاق الحق للتستري: ج3 ص 158 -- 196، و ج9 ص110 -123 ، فضائل الخمسة من الصحاح الستة: ج1 ص301 . وقال أحد الأدباء في هذه الحادثة الشريفة - كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج19 ص101 : جاد بالقرص والطوى ملء جنبيه * وعاف الطعام وهو سغوب فأعاد القرص المنير عليه * القرص والمقرض الكرام كسوب

وكدح في التجارة والزراعة، ثم عندما انهالتعليه الثروة، بقي حاملاً منهجه المتكامل والمتميز في مكافحة الفقر والذي كان من بنوده (الضمان الاجتماعي) و(التكافل الاجتماعي) وغيرها كثير، فكان قد وظف كل ثرواته لمكافحة الفقر(1).

6: تميزه (عليه السلام) بمثابرة استثنائية وبإرادة جبارة لتقديم الحلول النموذجية المقابلة للفقر، وذلك من خلال استصلاح الأراضي الشاسعة خارج المدينة، مستفيداً من فترة الإقامة الجبرية التي فرضت عليه لمدة 25 سنة لمعارضته للدكتاتورية وللانقلاب على منهج رسول الله (صلّى الله عليه وآله). وبذلك ثقف الناس على العمل والإنتاج بدلاً من انتظار مساعدة الآخرين(2).7: تألقه (عليه السلام) نظرياً وعملياً عندما أضحى حاكماً على الدولة الإسلامية التي لم تكن تغرب عنها الشمس آنذاك، فقدم نظرية اقتصادية متكاملة ثم طبقها على الواقع، فتحولت البلاد إلى جنة لا يرى فيها فقير واحد، وذلك في أقل من خمس سنوات، حتى قال

ص: 34


1- يراجع كتاب (الضمان الاجتماعي في الإسلام). وأيضاً (السياسة من واقع الإسلام) للمرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله).
2- جاء في كتاب (السياسة من واقع الإسلام) لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله): (إن الإسلام اتخذ سياسة حكيمة، في ازدياد العمران والزراعة، التي بهما تكون رفعة الدولة أو سقوطها، وذلك بإباحة الأراضي لمن عمّرها بالبناء، أو الزراعة، أو فتح قناة، أو شق عين، أو تشييد المصانع والمعامل، أو غير ذلك. وبالتحبيذ إلى العمل والزراعة، واتخاذ دور وسيعة، وغيرها. فعن النبي (صلى الله عليه و آله): «من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق».

هو (عليه السلام):

«ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له بالقرص! ولا عهد له بالشبع!»(1) وحتى إن أفريقيا لم يبق فيها فقير واحد، كما يذكره المؤرخون.(2)ويعكس عهده (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)(3) جانباً من منهجه الاقتصادي المتميز والمبتكر في مكافحة الفقر.

ص: 35


1- نهج البلاغة: ج3 ص72.
2- يقول المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره): (وفر الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) في حكومته لجميع شعبه: المسكن والرزق والماء، مع العلم بأن حكومة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كانت واسعة جداً، تشمل ما يقارب خمسين دولة حسب خارطة اليوم، منها مصر والحجاز واليمن وإيران والخليج والعراق وغيرها، فهي أكبر دولة في عالم ذلك اليوم، ومع ذلك وفر الإمام (عليه السلام) بسياسته الحكيمة كل ذلك لكل شعبه. ومن الطبيعي أن الإمام (عليه السلام) طبق قانون الإسلام بكامله، فالقانون الشرعي يقول: (الأرض لله ولمن عمّرها) فكان (عليه السلام) يعطي الأرض للناس مجاناً، ثم يساعدهم من بيت المال لأجل إحياء الأراضي وعمرانها. مضافاً إلى أن التجارة والزراعة والصناعة وغيرها كانت في حكومته (عليه السلام) حرة، وكان الناس ينتفعون بمختلف المكاسب ويحصلون على الأرزاق المحللة، بالإضافة إلى ما كان يقسم عليهم الإمام (عليه السلام) من بيت المال. وكان الناس يحصلون على الماء بحفر الأنهر والآبار، وذلك بملأ حرّيتهم، ومن دون أية ضريبة أو إجازة أو ما أشبه. وبذلك كله تمكن الإمام (عليه السلام) أن يهيأ لعموم شعبه المسكن والرزق والماء، وهذا ما لم تتمكن منه حتى البلاد الغربية التي تدعي أنها وصلت إلى قمة الحضارة في يومنا هذا. وقد انتفت البطالة أيضاً في ظل حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) لوجود الكسب الحلال لكل إنسان. ولم يكن يوجد في بلاد الإمام (عليه السلام) الواسعة حتى فقير واحد، فقد قال (عليه السلام) في كلمة له: (لعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع) فان في استعماله (عليه السلام) كلمة (لعل) إشارة إلى نفي الفقر عن البلاد بحيث لم يكن القائد متيقناً بوجود فقير واحد. راجع كتاب (فاطمة الزهراء (عليه السلام) أفضل أسوة للنساء).
3- يمكن مراجعة نصّ عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهاية الكتاب.

وفي فصول ومباحث الكتاب سيجري عرض بعض ملامح الأسس التي وضعها الإمام علي (عليه السلام) لمعالجة ظاهرة الفقر، وبعض معالم إستراتيجيتهالخالدة.

ص: 36

ص: 37

ص: 38

الباب الأول: العوامل الاقتصادية والغيبية لإنتاج الثروة والمحافظة عليها وتنميتها والأسباب الرئيسة لتبديد الثروة وإيجاد الفقر والحرمان

اشارة

ص: 39

ص: 40

الفصل الأول: العوامل الاقتصادية لإنتاج الثروة والمحافظة عليها وتنميتها، ولمكافحة الفقر

اشارة

ص: 41

ص: 42

الحلول الإستراتيجية

الحلول الإستراتيجية(1) تنقسم الحلول الإستراتيجية لمكافحة الفقر إلى قسمين:

القسم الأول: حلول (الدفع) أو (الموانع).. وهي تلك التي تحول دون تولد الفقر أو بتعبير أدق: هي عوامل إيجاد الثروة والغنى ثم أسباب المحافظة عليها ثم بواعث تنميتها، وترتبط بالبنية التحتية والمنهج العام والأرضية التي تعد حاضنة لمشكلة الفقر.

القسم الثاني: حلول (الرفع) أو (الروافع).. وهي تلك التي تعالج الفقر بعد حدوثه.

وسنشير إلى النوع الأول من الحلول في هذا الفصل والفصل الثاني وإلى النوع الثاني في الفصل الثالث بإذن الله تعالى، على أن بعض العوامل مما يعد من حلول الدفع ومنع حدوث الفقر فيعلته المحدثة، يصلح أن يذكر أيضاً كعامل من عوامل الرفع للفقر في علته المبقية، أي إزالة الفقر بعد حدوثه، فإن بعض العوامل تمتلك خاصية كلا البعدين فمثلاً (ملكية الدولة للأراضي، والمعادن، والثروات، أو وضعها يدها عليها بحيث لا تسمح للناس بحيازة شيء منها إلا بعد استجازة، وروتين وشروط تعجيزية أو غير تعجيزية يعد عاملاً

ص: 43


1- استعرنا مصطلح (الحلول الاستراتيجية) من نطاقاته العسكرية المعهودة، لنقصد به (الحلول النوعية، بعيدة المدى) سواء أكانت مسؤولية الدولة بالدرجة الأولى، أم مسؤولية مؤسسات المجتمع المدني، أم مسؤولية عامة الناس، أم مسؤولية مشتركة بين الجميع، كما يتضح ذلك بملاحظة البنود الأربعة عشرة الآتية.

من عوامل إيجاد الفقر، كما أنه عامل من عوامل استمراريته وديمومته وتجذره، لذا فإن منح الأراضي والثروات العامة للناس وعدم احتكار الدولة لها، ادرجناه – بتعبيرين مختلفين – في الفصل الأول والثالث مثلاً، وذلك نظراً لأهميته الفائقة وتأثيره الكبير في (الدفع) و(الرفع) معاً.

ومن الضروري الإشارة إلى أن كافة العوامل التي ستذكر في الفصول الثلاثة، تتوزع بين:

1-عوامل فردية – شخصية، يمتلك الأفراد التحكم فيها وذلكمثل القمار، الربا، الإسراف والتبذير، الصدقة، صلة الأرحام.. الخ

2-عوامل ترتبط بالدولة، وقوانينها ومنهجيتها في الحكم والإدارة الاقتصادية وطريقة تحكمها في الثروات وكيفية تعاملها مع الفقراء والأثرياء ومع عامة الناس مثل ملكية الدولة، وسرقة الحكومة، كثرة الموظفين، التسلح، سوء التوزيع، التوازن بين الريف والحضر، المرونة في الضرائب.. الخ

3- عوامل ترتبط بكل من الدولة والناس ك(ترشيد الإنفاق) (التكافل الاجتماعي) (الضمان الاجتماعي) (التقوى) (النزاهة) (الفساد المالي) (الاحتكار) و(تزوير العملة)(1).

نعم.. لم نشِر عند كل بند بندٍ إلى وجهي القضية، لكن اللبيب لا يخفى عليه ذلك ومن المهمالإشارة أيضاً إلى أن العوامل التي

ص: 44


1- إذ قد تقوم الدولة بالاحتكار وقد يقوم الناس بالاحتكار، وقد يقوم – اشخاص بتزوير العملة، وقد تطبع الدولة نقوداً أكثر من الخلفية الاقتصادية لها – مما نسميه توسعاً نوعاً من تزوير العملة.

ترتبط بالدولة، يجب على الأفراد وعلى مؤسسات المجتمع المدني أن لا يقفوا سلبيين تجاهها فقط، بل عليهم الضغط الممنهج على الدولة لتغيير تلك القوانين أو المنهجية أو طريقة التنفيذ مما فصلناه في كتابنا عن الدولة والشعب(1)، وكتابنا الآخر عن المجتمع المدني(2) كما فصله السيد الوالد قدس سره في العديد من كتبه(3)

ص: 45


1- ملامح العلاقة بين الدولة والشعب.
2- معالم المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي.
3- الصياغة الجديدة، والسبيل الى انهاض المسلمين، وممارسة التغيير، والفقه السياسة والاقتصاد، الحقوق، الدولة، وغيرها.

عوامل إيجاد الثروة أو المحافظة عليها أو تنميتها وسبل مكافحة الفقر

أولاً: منح الأرض والمعادن والثروات كلها للناس
اشارة

أولاً: منح الأرض والمعادن والثروات كلها للناس(1) بدون قيد أو شرط، التزاماً بحكمة الله تعالى وهندسته للحياة، حيث جعل الأرض بما فيها لعباده إذ قال: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً﴾(2) بمعنى أن كل ما في الأرض من الثروات هي لكل الناس، وهذا يعني أن الدولة لا تملك الأراضي ولا المعادن، ولا البحار، ولا الأجواء، وغيرها بل كلها للناس فيها مطلق الحرية في التملك والاستثمار، فمن حاز شيئاً كان له، وعلى الدولة تنظيم هذه العملية وحسب. وبذلك فإن تكاليف هائلة جداً سترفعوبكل بساطة عن كاهل الفقراء، فلكي يمتلك الفقير مسكناً - مثلاً - لن يكون بحاجة إلى شراء الأرض، إذ يقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «الأرض لله ولمن عمرها»(3)، بل يملكها بالحيازة فلا يتحمل إلا نفقات البناء فقط.

هذه الفقرة من القانون الإسلامي لها تأثير كبير جداً في توجيه

ص: 46


1- يلاحظ أن التعبير ب(منح) أيضاً تسامحي، لأن الأرض والثروات كلها خلقها الله تعالى للناس، ولا يتوقف تملك الناس لها على منح الدولة لهم، بل التملك منوط بالحيازة والإحياء، كما هو مبين في كتب الفقه، (راجع مثلاً الفقه كتاب إحياء الموات/المجلد 80).
2- سورة البقرة: 29.
3- وسائل الشيعة: ج17 ص328.

أكبر ضربة للبطالة والغلاء والتضخم(1)، وذلك لتوفير الأراضي والأحجار وكافة المعادنوالخشب وشبهها، بالمجان للناس، من أجل بناء دور سكن أو مصانع أو محلات ومتاجر، أو مراعي ومزارع وشبه ذلك، وذلك يعني توفير فرص عمل هائلة، كما يعني زيادة قدرة الفقراء على الاستثمار، وذلك من خلال توفر الأرض وقسم من رأس المال الذي يحتاجه ذوو الدخل المحدود لبناء مزرعة لتربية الدواجن أو مرعى للأغنام والأبقار وسائر المشاريع الإنتاجية، إذ لن يكون هذا الإنسان بحاجة إلى دفع مبالغ للدولة للعمل في أرض زراعية أو غيرها.

وكذلك في حال إنشاء مصنع، لن يكون بحاجة إلى توفير ثمن شراء الأرض أو ثمن توفير المواد الإنشائية، بل كل ذلك يتوفر له مجاناً، فله أن يستقطع من الجبال أو من أشجار الغابة أو من المعادن ما شاء

ص: 47


1- التضخم يعد من أكثر الاصطلاحات الاقتصادية شيوعاً، وبالرغم من ذلك فإنه لايوجد اتفاق بين الاقتصاديين بشأن تعريفه، ويرجع ذلك إلى انقسام الرأي حول تحديد مفهوم التضخم حيث يستخدم هذا الاصطلاح لوصف عدد من الحالات المختلفة، مثل: الارتفاع المفرط في المستوى العام للأسعار. ارتفاع الدخول النقدية أو عنصر من عناصر الدخل النقدي مثل الأجور أو الأرباح. ارتفاع التكاليف. الإفراط في خلق الأرصدة النقدية. وليس من الضروري أن تتحرك هذه الظواهر المختلفة في اتجاه واحد في وقت واحد، بمعنى أنه من الممكن أن يحدث ارتفاع في الأسعار دون أن يصحبه ارتفاع في الدخل النقدي، كما أن من الممكن أن يحدث ارتفاع في التكاليف دون أن يصحبه ارتفاع في الأرباح، ومن المحتمل أن يحدث إفراط في خلق النقود دون أن يصحبه ارتفاع في الأسعار أو الدخول النقدية. وبعبارة أخرى فإن الظواهر المختلفة التي يمكن أن يطلق على كل منها (التضخم) هي ظواهر مستقلة عن بعضها بعضاً إلى حد ما وهذا الاستقلال هو الذي يثير الإرباك في تحديد مفهوم التضخم.

مما يحتاجه.

وهذا المنهج هو الذي طبقه الإمام علي (عليه السلام) في دولته الكبيرة والمترامية الأطراف،فكانت الأراضي مباحة للجميع، وكذا الغابات وغيرها، وحسب المصطلح الفقهي فإن (الأنفال)(1) وهي شطوط الأنهار وسيف البحار وقمم الجبال وبطون الوديان وغيرها كانت كلها مباحة للناس، والمهم أن ينطلقوا ويبنوا ويزرعوا ويستثمروا دون أن يدفعوا فلساً واحداً لشراء ما خلقه الله بالأصل لهم، ودون أن يمروا بأي روتين إداري، ودون أن يدفعوا ضريبة لمجرد أنهم بنوا داراً أو معملاً أو مزرعة. ألم يقل تعالى: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً﴾؟ ومما يتبع هذا العامل، عامل توفير الحق للناس في استثمار المشتركات وسنكتفي ههنا بإشارة واحدة فقط

توفير حق استثمار (المشتركات)

عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل وكان لا يأخذ على بيوت السوق الكراء.(2)

ص: 48


1- الأنفال جمع (نفل)، وهو بمعنى الزيادة، وقد أطلقت على (النوافل اليومية) أيضا لأنها زيادة على الفريضة، وربّما تستعمل في العطيّة، ولعلّ المعنيين متقاربان. وقد اُطلق هذا اللّفظ في الآية و اُريد منه غنائم ما أخذ من دار الحرب بغير قتال، وما أشبهه وعن الإمام الباقر عليه السلام انه عرف الأنفال ب(منها المعادن والآجام وكل أرض لا رب لها وكل أرض باد أهلها).
2- الكافي (فروع) : ج5 ص155 ح1.

ان (السوق) هو من (المشتركات) أي أنه من الأماكن العامة المفتوحة، التي يحق لكل إنسان أن يعمل فيها أو يتاجر، ولكل إنسان أن ينتخب أي موضع في السوق، لم يسبقه إليه غيره، ليبيع ويشتري ويتعاقد ويتعامل، ولو أن هذا القانون (حرية الاستفادة من الأسواق) طُبِّق؛ إضافة إلى حرية الاستفادة من سائر المشتركات، كالحدائق العامة وكمياه البحار والأنهار والعيون التي تفجرت بنفسها والغدران والمستنقعات والمراعي العامة والمعادن والطرق العامة وغيرها، بما لا يضر بحق المارة، لتوفرت فرص عمل كثيرة للناس ولكان ذلك من عوامل محاصرة الفقر وتقليص رقعته ومساحاته.

ثانياً: أن تعطى الأولوية للإعمار والتنمية والاستثمار في البنية التحتية.

وهو القانون الذي سنّه (عليه السلام)، بأن أعطى الأولوية المطلقة للإعمار والتنمية والإنتاج، وليس للضرائب(1). هذا القانون نصّت عليه وصية الإمام (عليه السلام) لمالك الأشتر عندما ولاّه مصر:

«وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج»(2).

ص: 49


1- الضريبة أو الجباية هي مبلغ مالي تتقاضاه الدولة من الأشخاص والمؤسسات بهدف تمويل نفقات الدولة. أي بهدف تمويل كل القطاعات التي تصرف عليها الدولة كالتعليم متمثلا في المدارس ورواتب المدرسين, والوزارات ورواتب عمالها، وصولا إلى عمال النظافة الحكومية, والسياسات الاقتصادية كدعم سلع وقطاعات معينة, أو الصرف على البنية التحتية كبناء الطرقات والسدود أو التأمين على البطالة. وللتفصيل يراجع الملحق .
2- نهج البلاغة: ج3 ص96.

وعلل (عليه السلام) ذلك بتعليل يكشف عن النظرة الاستراتيجية الثاقبة والرؤية الاقتصادية الشاملة له (عليه السلام): «لأن ذلك لا يدرك إلاّ بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلادوأهلك العباد ولم يستقم أمره إلاّ قليلاً»(1).

من هنا تخطئ الحكومات عند ما تركز على الضرائب مرتين، مرة بتحطيمها قدرة المزارعين وصغار المستثمرين على الإنتاج، فيزيد ذلك من نسبة الفقراء أولاً وتعود النتيجة للحكومة سلباً، إذ سوف تتناقص نسبة الضرائب التي ستحصل عليها بشكل مؤكد، ومرة لأن التركيز على الضرائب (يهلك العباد). هذه العبارة البليغة منه (عليه السلام) يمكن أن نجد مصاديقها في الظواهر والحالات التالية:

أ: الاضطرابات الاجتماعية التي قد تتمخض عن ثورات تتصف بالدموية والفوضوية، تحرق الأخضر واليابس وتزيد الوضع الاقتصادي سوءاً على سوئه(2).

ب: ظهور الأمراض الناجمة من الضغوط النفسية التي يواجههاالمزارعون وصغار المستثمرين، نظراً لإصرار الدولة على الضرائب. وكذلك الأمراض التي تنجم عن عدم قدرتهم عندئذ على توفير مقومات العيش باطمئنان، ثم إن الأمراض تعني مزيداً من الفقر

ص: 50


1- نهج البلاغة: ج3 ص96.
2- توصلت دراسة متعمقة إلى أن الشبان العرب يتوقون للتغيير لكن أحلامهم الاقتصادية تعوقها المجتمعات المتعصبة التي لا تعترف بامكاناتهم الضخمة، وللتفصيل يراجع الملحق.

ومزيداً من الحرمان.

ج: تراجع قدرة الفقراء ومحدودي الدخل أمام فرص التعليم والتعلّم، وعلى توفير مستلزمات الحياة الكريمة، وغير ذلك، مما ينعكس بدوره سلباً على الاقتصاد العام للبلاد.

وقد سبق الإمام علي (عليه السلام) بأكثر من ألف وثلاثمائة وخمسين عاماً، أبرز اقتصاديي التنمية الذين ذهبوا إلى أن (الوصول إلى معدل استثماري يصل إلى 25% أو 30% من الناتج المحلي الإجمالي، لعدة سنوات متصلة، يقضي على الركود والتخلف ويسبب انطلاق الاقتصاد)، وهذا هو ما يراه البنك الدولي أيضاً من أن تدفق الاستثمارات والأموال يحل المشكلة.(1)ومنهج الإمام علي (عليه السلام) إضافة إلى أسبقيته، فإنه أكثر تطوراً بكثير، إذ لا يحدد الإمام نسبة 25% أو 30% بل يفتح الباب على مصراعيه للاستثمار في البنية التحتية، لتوفير ليس الحاجات الأساسية فحسب، بل حتى الكمالية أيضاً.

ثالثاً: ترشيد الإنفاق
اشارة

إن (ترشيد الإنفاق) الذي نجده واضحاً جلياً في حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام), يعد من أهم أسس سلامة الاقتصاد وطرق القضاء على الفقر.

ص: 51


1- راجع www.siironline.org

ولنا في ذلك عشرات النماذج والأمثلة, التي تعكس مدى دقة الإمام (عليه السلام) في وضع قوانين تحول دون التفريط حتى في الدرهم من حقوق الناس.

ومن الواضح أن ذلك لو كان هو المنهج العام لتم توفير المليارات من الأموال التي تبذر اليوم هنا وهناك، والتي تبدو مجرد قطرات وذرات وأموالاً تافهة، إلا أنها تشكل بمجموعها ميزانية ضخمة كان ينبغي أنتصرف في تنشيط اقتصاد البلاد وتكامل البنية الاقتصادية التحتية ورفع العوز عن المعوزين.

ومن الأمثلة:

1: إطفاء الإمام (عليه السلام) السراج، وكان من أموال بيت المال، - أموال الحكومة بمصطلح اليوم - عندما جاءه شخص ليتحدث في أمر شخصي.

2: كان (عليه السلام) يقارب بين السطور في رسائله، بل إنه قد أصدر قراراً عاماً لعماله: «أدقوا أقلامكم وقاربوا بين سطوركم»(1).

3: من قراراته (عليه السلام) أيضاً: «واحذفوا عني فضولكم، واقصدوا قصد المعاني»(2)، وذلك يعني الاختزال في وقت الحاكم وفي وقت العمال والموظفين، والوقت له قيمته الكبرى، ومجموعة هذه الأوقات تشكل ثروة هائلة للبلاد لو صرفت في القضايا الإستراتيجية والأهم

ص: 52


1- الخصال: ص 310.
2- وسائل الشيعة: ج12 ص299 ب 15 ح2.

والأساس لا في الهوامش وترفالقول، لكانت البلاد قد تقدمت أشواطا إلى الأمام.

هذا ما كان عليه الحال على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) في العقد الثالث من بداية تأسيس الدولة الإسلامية المصادف للقرن السابع للميلاد.

وإذا القينا نظرة خاطفة على محاولات ترشيد الإنفاق في بلادنا الإسلامية التي ينعم معظمها باقتصاديات غنية وثروات ضخمة، فإننا سنجد أول مفارقة تكشف عن أن الترشيد على يد أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يصبّ في صالح المجتمع والأمة، لكنه على يد حكام اليوم يؤدي إلى الإضرار بالصالح العام، فإن الناس هم من يجب أن يدفعوا الثمن وليس الوزير أو الرئيس، كما فعل الإمام (عليه السلام).

ولننظر إلى نوعية واتجاه عمليات ترشيد الإنفاق في دولنا(1):

فإن ترشيد الإنفاق في دولنايتجه لتقليص الخدمات التي تقدمها الحكومة للناس في المجالات كافة، لاسيما الصحة والتعليم والماء والكهرباء ووسائل النقل والاتصال، مما يفرض تكاليف إضافية على ميزانية الفرد والأسرة.

إضافة إلى أنه يسبب تعرض البلاد إلى الضغوط الاقتصادية والسياسية والأمنية، بسبب ترشيد الإنفاق الخاطئ، إذ تقوم الحكومات

ص: 53


1- بل حتى في الدول الديمقراطية، كما يشاهده المتتبع.

والأنظمة السياسية بتوسيع مشاريعها العسكرية أو الاقتصادية ذات التأثير السلبي والمدمر على اقتصاد الدولة، من قبيل صفقات التسليح والبرامج المخابراتية الواسعة الأبعاد، أو مشاريع الاستثمار غير الناجحة التي تعطى لشركات أجنبية، وذلك كله في مقابل تقليص الإنفاق على الشؤون الحيوية.

ومما يؤكد ذلك كله رفض ومعارضة الطبقة العليا من موظفي الدولة لأي محاولة للترشيد، كونه يكلفهم التنازلعن الكثير من امتيازاتهم ومصالحهم التي اعتادوا عليها، وهذا ما نلاحظه في الكثير من البلاد الإسلامية، لذا إن كان ثمة إصرار لتطبيق الترشيد في الإنفاق الحكومي، فإن هذه الطبقة وكبار المسؤولين يدفعون بتكاليف العملية لتقع على كاهل عامة الناس.

رابعا: الضمان الاجتماعي

رابعا: الضمان الاجتماعي(1) من القوانين التي شرّعها الإمام علي (عليه السلام) في هذا المجال ما ذكره في عهده لمالك الأشتر:

ص: 54


1- وهي اليوم تُعد مؤسسة عمومية ذات طابع اجتماعي وإداري يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والانتساب إليه إجباري. أما خدماته، فهو يقدم لكل الأشخاص العاملين و ذويهم وتشمل التأمينات الاجتماعية: المرض، الولادة، العجز، حوادث العمل، الأمراض المهنية، البطالة. بتقديم أداءات نقدية وعينية. أما مداخيله، فتتحقق من الاشتراكات التي يدفعها كل من صاحب العمل والعمال الأُجراء وغير الأجراء وصندوق الخدمات الاجتماعية. ويعتبر الضمان الاجتماعي مؤسسة (للادخار الإجباري).

«ثم الله الله، في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤس (شدة الفقر) والزمنى (ذوي العاهات) فإن في هذه الطبقة قانعاً (وهوالسائل) ومعتراً (وهو المتعرّض للعطاء بلا سؤال) واحفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسماً من بيت مالك من غلات (الثمرات) صوافي الإسلام في كل بلد، فإن للأقصى مثل الذي للأدنى، وكل قد استرعيت حقه فلا يشغلنك عنهم بطر (الطغيان بالنعمة) »(1).

والضمان الاجتماعي في نظام حكم أمير المؤمنين (عليه السلام) يشمل:

أ: الأقليات من الأديان الأخرى، فمثلاً أجرى (عليه السلام) راتباً من بيت المال لذلك الشيخ المسيحي الذي فقد فرصة العمل.(2)

ص: 55


1- نهج البلاغة: ص436.
2- يقول المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) في كتابه (السياسة من واقع الاسلام): انظر إلى القصة التالية وتدبر في أبعاد دلالتها، ذكر الشيخ الحرّ العاملي (رحمه الله) في كتاب (وسائل الشيعة): إن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كان يمشي في سكك الكوفة، فنظر إلى رجل يستعطي الناس: فوجه الإمام السؤال إلى من حوله من الناس قائلاً: ما هذا؟ فقالوا: إنه نصراني كبر وشاخ ولم يقدر على العمل، وليس له مال يعيش به، فيكتنف الناس.. فقال الإمام (عليه السلام) في غضب: استعملتموه على شبابه حتى إذا كبر تركتموه؟ ثم جعل الإمام عليه السلام لذاك النصراني من بيت مال المسلمين مرتباً خاصاً ليعيش به حتى يأتيه الموت. وهذا يدل على أن الفقر كاد أن لا يرى لنفسه مجالاً في الدولة الإسلامية حتى إذا رأى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فقيراً واحداً كان يستغرب، ويعتبره ظاهرة غير طبيعية وغير لائقة بالمجتمع الإسلامي، والنظام الاقتصادي الإسلامي. ثم يجعل له من بيت مال المسلمين مرتباً يرتزق به مع أنه نصراني لا يدين بالإسلام، لكيلا يكون في البلد الإسلامي مظهر واحد للفقر والجوع. ولكي يعرف العالم، والمسلمون أنفسهم أنّ الحكومة الإسلامية تقضي على الفقر وترفع مستوى المعيشة.

ب: كما أن الإسلام أقر على بيت المال دفع أي دَين للعاجز المدين عن تسديد دينه. وهل تجد مثل ذلك في عالم اليوم؟ ج: كما أقر على بيت المال تكفل نفقات أية زوجة لا يقدر زوجها على الإنفاق عليها، أو أي ابن لا يقدر أبوه على الإنفاق عليه أو أي أب لا يقدر ابنه على الإنفاق عليه.

أما في الوقت الحاضر فإن الضمان الاجتماعي يشمل فقط أهل البلاد الغنية بالنفط والغاز ذات الاقتصادات المتينة، كما أنه ناقص ومشوه، أما البلاد الفقيرة فإن الإنسان هناك يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة اليومية فضلاً عن ضمان مستقبل حياته.وحتى الضمان الموجود حالياً في بعض بلادنا فإنه قانون فضفاض لا يقوى على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية، وليس شاملا برعايته جميع أفراد المجتمع، إلا من ارتبط بعمل وظيفي مع الدوائر الرسمية، ويبقى القسم الأكبر من المجتمع وهم من الكسبة والطلاب وكبار السن والنساء الأرامل وغيرهم بلا غطاء أو ضمان يسد حاجاتهم الأساسية.

بل مؤسسات الضمان - في كثير من الموارد - أصبحت مؤسسات تجارية لا تفكر إلا في أرباحها.

خامساً: خلق التوازن بين الريف والحضر

إن من أهم أسباب اختلال التوازن الاقتصادي وشيوع الفقر،

ص: 56

اهتمام الحكومات بالمدن على حساب القرى والأرياف، مما يسبب نزوح الكفاءات والخبرات من الأرياف للمدن، نتيجة وجود فرص عمل أكثر، ووجود الراحة والرفاهية وسائر المغريات. ويسبب ذلك كلهضعف الإنتاج الزراعي وزيادة نسبة الفقر في الأرياف، وتخلف الأرياف علمياً وثقافياً أيضاً، مما ينعكس بدوره على الاقتصاد.

كان الإمام علي (عليه السلام) أول داعية لإيجاد التوازن بين القرى والأرياف وبين المدن، إذ يقول في عهده لمالك الأشتر:

«فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى وكل قد استرعيت حقه»(1).

أي إن الحقوق الاقتصادية التي للأقصى، وهم أهل الأرياف والبوادي، هي تماماً مماثلة للحقوق التي للأدنى، وهم الحضر، «وكل قد استرعيت حقه»(2)، فالحاكم مسؤول عن كلا الحقين، ولا يجوز له أن يفرط بأي منهما.

وقال (عليه السلام): «وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم»(3)، فالعناية بالريف هي سبب أساسي في الحفاظ على اقتصاد سليم ومتطور.

ص: 57


1- نهج البلاغة: ص438.
2- نهج البلاغة: ص438.
3- نهج البلاغة: ص436.
سادساً: التكافل الاجتماعي

سادساً: التكافل الاجتماعي(1) أرسى الإمام علي (عليه السلام) دعائم التكافل الاجتماعي، حيث إن الإسلام قد وضع أسس التكافل الاجتماعي في أبعاد عديدة، فبات ذلك من أهم عوامل مكافحة الفقر، إضافة إلى كونه عامل استقرار اجتماعي.

- قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع»(2).

- وقال (صلّى الله عليه وآله): «وليس بمؤمن من بات شبعان ريان،وجاره جائع ضمآن»(3).

يقول الإمام الشيرازي (رحمه الله) في (الفقه: الاقتصاد) وهو المجلد 107

ص: 58


1- يقصد بالتكافل الاجتماعي: أن يكون أفراد المجتمع مشاركين في المحافظة على المصالح العامة والخاصة ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية بحيث يشعر كل فرد فيه أن عليه واجبات إزاء الآخرين كما له حقوق، ويكون له شعور بالمسؤولية إزاء الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الأضرار عنهم. التكافل الاجتماعي في الإسلام يتحقق في المجتمع الذي يطبق الإسلام عقيدة وشريعة ونظاماً وسلوكاً وفقاً لما جاء به الكتاب والسنة الشريفة، وكما جاء في سيرة الرسول الأكرم وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما)، ذلك أن الإسلام أهتم ببناء المجتمع المتكامل وحشد في سبيل ذلك جملة من النصوص والأحكام لإخراج الصورة التي وصف بها الرسول (صلى الله عليه وآله) بقوله: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
2- الكافي: ج2 ص668.
3- مستدرك الوسائل : ج8، ص 428.

من موسوعة (الفقه) ص298:

(هذا الحديث إما أخلاقي يراد به الإيمان الكامل، أو فقهي يراد به مع الضرورة، كما في عام المخمصة حيث له أن يأخذ قدر حاجته الضرورية مع البدل، وإن لم يستطع فالبدل والضمان على بيت المال).

ويضيف سماحة الإمام الراحل (قدّس سرّه): (إذا اقترض فإنه مسؤول عن التسديد إلى سنة، وإن لم يستطع فعلى بيت المال).

- قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾(1).

ومن أبرز مصاديق البر(2):

﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ﴾(3).

-- أقر الإسلام قانون تكفلالزوج لنفقات الزوجة.

-- قرر تكفل الأب لنفقات أولاده ماداموا محتاجين.

-- قرر تكفل الابن لنفقات والديه ما داموا محتاجين.

كل ذلك بمعنى محاصرة الفقر من كافة أطرافه، فإن الزوجات والآباء والأبناء يشكلون أكثرية المجتمع.

وكان ذلك كله مطبّقاً في حكومة الإمام علي (عليه السلام).(4)

ص: 59


1- سورة المائدة: 2.
2- كما حض الإسلام أشد الحض والحث على (المواساة) و(الإيثار) في المئات من الآيات والروايات. يراجع في ذلك (فقه التعاون) للمؤلف.
3- سورة البلد: 14- 16.
4- ولمن يريد المزيد، مراجعة كتاب (أمير المؤمنين (عليه السلام) شمس في أفق البشرية) للإمام الشيرازي الراحل (قدس سره)، وكذلك (الفقه: الاقتصاد)، للامام الشيرازي (قدس سره)، وكتاب (السياسة من واقع الإسلام) للمرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله).
سابعاً: وضع معايير موضوعية للمسؤولين الاقتصاديين وإلزامهم بها

وضع الإمام علي (عليه السلام) أُسساً وضوابط دقيقة هامة لكافة من يدير الشأن الاقتصادي في البلاد: من حاكم ووالٍ - وذلك يعني أيضاً كل من له صلاحيات اتخاذ قرارات مصيرية في شأن اقتصاد الناس مثل: محافظ البنك المركزي في يومنا هذا - .ومن الضوابط:

1: أن لا يكون بخيلاً، ومن الواضح أن البخيل يميل إلى ملأ خزائن الدولة ورفع نسبة (الاحتياطي)(1)، حتى وإن بررها بفلسفة اقتصادية(2)، بل ويحاول عرقلة أية طريقة تهدف إلى بذل الأموال للناس، فهو يعادي التأمين الصحي، ويعارض زيادة الإنفاق على التعليم، بل و يسعى دوماً لتقليص نسبة ميزانية كافة الأمور الإنسانية لصالح زيادة ميزانية التسلّح! والولايات المتحدة الأميركية تصلح مثالاً، والكثير من أنظمة الدول

ص: 60


1- اسم منسوب إلى (احتياط). وهو ما يُدَّخر تحسُّبًا للطوارئ، أو ما يكون تحت الطّلب عند الحاجة (الاحتياطي الدولي)، (مال احتياطي).
2- فإن الاحتياطي الحقيقي هو في عمارة الأرض وتشييد المصانع والمعامل، وارتفاع مستوى التعليم وكسب ثقة الناس في الحكومة وما إلى ذلك، أما النقد فإنه يكتفى منه بالأقل الأقل اللازم من الاكتناز، بل لو كانت الدولة صالحة فإن (النقد) بأيدي الناس سيكون هو الخلفية والسند من غير حاجة إلى (الكنز) أبدا.

الإسلامية نموذجاً.(1)

2: أن لا يفتقر إلى الخبرةوعلى أرقى المستويات.

3: ولا يكون جافياً.

4: ولا يكون حائفاً لأطراف داخلية وخارجية، أي يكون ممائلاً ومتعاطفاً مع هذه الشركة أو تلك المؤسسة أو الحزب أو حتى الشخص.

5: ولا يكون مرتشياً(2)، وواضح أن المرتشي يحابي الأغنياء على حساب الفقراء، فبدل أن يعطي مناقصات الدولة - مثلاً - للشركة أو للجهة التي تقدم أفضل الإنتاج وبأرخص الأسعار، يعطي المناقصة للجهة التي تقدم له مالاً أكثر أو دعماً سياسياً أو ما أشبه وإن كانت غير الأفضل، مما يعني ضربة مزدوجة للاقتصاد وللفقراء.

يقول الإمام (عليه السلام): «وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين: البخيل، فتكون فيأموالهم نهمته. ولا الجاهل فيضلهم بجهله. ولا الجافي فيقطعهم بجفائه. ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم. ولا المرتشي في الحكم»(3).

وهناك أحاديث كثيرة ترشدنا إلى ضرورة وجود معايير موضوعية

ص: 61


1- تشير المعلومات الصادرة عن تقرير لجنة الأبحاث في الكونغرس الأميركي أن حجم إنفاق دول الخليج على التسلح في العام المنصرم 2010 قد تجاوز 105 مليارات دولار أميركي بزيادة تبلغ 11 مليار دولار عن العام الذي سبقه 2009، وللتفصيل يراجع الملحق.
2- الرشوة نوع من الفساد، يُطلق على دفع شخص أو مؤسسة مالاً أو خدمة من أجل الاستفادة من حق ليس له، أو أن يعفي نفسه من واجب عليه.
3- نهج البلاغة : ج2 ص14.

للحكام والمسؤولين، وضرورة إلتزام المسؤولين بها، وان على الحكام أن لا يسيئوا استغلال موقعهم السياسي، في البعد الاقتصادي الشخصي.

ولنقتصر في هذه العجالة، على هذا الخبر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وكيف كان يحتاط أبلغ الاحتياط عن ان يترك موقعه السياسي والحكومي أدنى تأخير في (محاباة) التجار والحرفيين، له:

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث قال (عليه السلام): ثمّ أتى دار فرات وهو سوق الكرابيس فقال: يا شيخ، أحسن بيعي في قميصي بثلاثة دراهم، فلمّا عرفهلم يشتر منه شيئاً، ثم أتى آخر، فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئاً فأتى غلاماً حدثاً فاشترى منه قميصاً بثلاثة دراهم ولبسه ما بين الرسغين(1) إلى الكعبين – إلى أن قال -: فجاء أبو الغلام صاحب الثوب فقيل: يا فلان، قد باع ابنك اليوم من أمير المؤمنين قميصاً بثلاثة دراهم قال: أفلا أخذت منه درهمين؟ فأخذ أبوه درهماً وجاء به إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو جالس على باب الرحبة ومعه المسلمون فقال: امسك هذا الدرهم يا أمير المؤمنين، قال: ما شأن هذا الدرهم؟ قال: كان ثمن قميصك درهمين. فقال: باعني برضاي وأخذت برضاه.(2) إن على الحكام وذوي النفوذ، أن لا يسيئوا استغلال موقعهم

ص: 62


1- اي: المفصل بين الساق والقدم، راجع لسان العرب: ج8 ص428.
2- بحار الأنوار: ج40 ص 332 ب98 ح14، مستدرك الوسائل : ج 13 ص248.

ومنصبهم ونفوذهم، في العقود والمعاملات وخاصة في (المناقصات) حيث جرت عادة ذويالنفوذ على دفع رشاوي كبيرة لمسؤولين في الدولة، كي ترسو المناقصة، عليهم.

وإن علياً عليه الصلاة والسلام، يعطينا درساً وأيّ درس بموقفه النادر هذا، وهذا الموقف قد يبدو بسيطاً ظاهرياً، إلا أنه يشكل منهجاً مثالياً، لو سار عليه الحكام، ولو ضغط عليهم عامة الناس لينتهجوه، لتغيرت حياة الأمة الاقتصادية، ولاختفى سبب من أهم أسباب الفقر.

ثامناً: تكريس مبدأ المساءلة والمحاسبة

ثامناً: تكريس مبدأ المساءلة والمحاسبة(1) لقد كرّس الإمام علي (عليه السلام) مبدأ المساءلة والمحاسبة والشفافية، بل وفتح باب عزل الحاكم فيما إذا خرج عن النهج الاقتصادي أو السياسي السليم الذي يعطي الناس حقوقهم.

قال (عليه السلام):

«ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والأمانةعليهم»(2).

ويعد هذا من أهم الفروق بين الإسلام وبين الأنظمة المستبدة، فيما يتعلق بالمراقبة عن بُعد، ففي الإسلام وعلى ضوء منهج الإمام

ص: 63


1- يعد هذا العامل من أهم عوامل (الحفاظ) على الثروة، كما يصب بالمآل إلى تنمية الثروة، وإن لم يعد عامل إيجاد للثروة.
2- نهج البلاغة: ج2 ص96.

علي (عليه السلام) فإن العيون (الجواسيس) يكونون على الحكام والمدراء ومسؤولي الاقتصاد، لصالح الناس.

أما في الأنظمة المستبدة فعلى العكس تماما، فإن العيون والجواسيس توضع على الناس لعد أنفاسهم لصالح الحكام والولاة والمسؤولين! ولنقرأ كامل القانون العلوي (عليه السلام) كما عهده للأشتر:

«ثم تفقد أعمالهم، وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية، وتحفظ من الأعوان فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك، اكتفيت بذلك شاهداً فبسطت عليه العقوبة فيبدنه، وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة».

وههنا كلام طويل في التعليق على فقرات هذا الحديث العظيم نتركه لمجال آخر.

تاسعاً: تنشيط حركة الأموال

كلما تحركت رؤوس الأموال أكثر، شهد الاقتصاد نشاطاً وحيوية أكثر، وتوفرت السيولة بيد الناس، وجرت التعاملات بسهولة أكثر، وانخفض التضخم.

ص: 64

أما اكتناز الأموال(1) فهو يجمدها ويمنع الثروة من الحركة أولاً، ويقلل أو يبطئ من دورات رأس المال ثانياً، ولذلك حاربه الإسلام بشدة. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾(2).

وليست حرمة الاكتناز منحصرة في الذهب والفضة، بل هما منأبرز الأمثلة والمصاديق على ذلك، والدول الآن تقوم بهذه العملية الخطيرة وهي تكديس الأموال باسم (الاحتياطي) حيث تتجمد المليارات بل مئات المليارات، وهنا يكون الإشكال مضاعفا، كون هذه الأموال الضخمة تكون بيد بيروقراطية إدارية(3).

بينما نجد في المنهج الاقتصادي للإمام علي (عليه السلام): أن الأموال التي تجبى من الضرائب أو غيرها، يجب أن تعطى للناس فوراً، ومن هنا لم يكن الإمام علي (عليه السلام) يستبقي أموال بيت المال حتى لليلة واحدة، بل كان يوزعها في نفس اليوم، وفي المساء كان يكنس بيت المال، للدلالة على عدم بقاء شيء.

ص: 65


1- الاكتناز hoarding هو جمع المال وتكديسه والاحتفاظ بالمتراكم منه نقداً سائلاً مدة زمنية غالباً ما تكون طويلة، والكنز في اللغة هو المال المدفون. وبذلك يظل المال المكتنز مجمداً بعيداً عن التداول، ومن دون فائدة مباشرة أو نفع اقتصادي.
2- سورة التوبة: 34.
3- البيروقراطية أو (الدواوينية) هي مفهوم يستخدم في علم الاجتماع والعلوم السياسية يشير إلى تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة. وتعتمد هذه الأنظمة على الإجراءات الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية والعلاقات الشخصية. وللتفصيل يراجع الملحق.

هذا النهج يؤدي إلى أن تصب كل هذه الأموال في جيوب عامة الناس ومنهم الفقراء، مما يحدمن نسبة الفقر بشكل كبير في المجتمع أولاً، ثم يزيد من سرعة حركة رأس المال في عجلة الاقتصاد، إضافة إلى تأثيره الإيجابي الآخر على وضع الدولة والناس، إذ أن إعطاء الأموال كلها للناس يوفر لهم فرصاً أكبر لاستثمار الأرض، بالبناء والزراعة والرعي وتشييد المصانع وإحياء المعادن وسائر الثروات مما يعني مردوداً مالياً أكبر للناس، وبالنتيجة وارداً أكبر من الضرائب - على فرض صحتها - للدولة التي تصب مرة أخرى في جيوب الناس.

وهكذا نجد أن صب (الاحتياطي) من العملة الصعبة أو الذهب في أيدي الناس يوفر إمكانية هائلة مباشرة وغير مباشرة للقضاء على الفقر، ويزيد من رصيد وقوة الدولة والشعب، لأنه يرفع من الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير، وهذا هو (الاحتياطي الحقيقي الفاعل) وهذا هو الذي يشكل القاعدة الاقتصادية الأكبر لدعم العملة.ويرى بعض الباحثين أن ضرورة تنشيط حركة رأس المال وتسريع دورانه، كانت من الأسباب الرئيسية وراء القرار الذي اتخذه رسول الله محمد المصطفى (صلّى الله عليه وآله)، عندما حول نظام تبادل البضائع، إلى النظام النقدي وجعل المقياس؛ الذهب والفضة، كما أنه ثبّت قيمة العملة أيضاً، فقرر: (مثقال الذهب = دينار)، و (مائة دينار= جمل)(1).

ص: 66


1- لكن هذه الدعوى بحاجة إلى تحقيق أكثر من حيث (صغرى القضية).

وواضح أن النظام النقدي(1) ووجود واسطة سهلة الحمل والنقل والتداول، وصالحة لأن تتحول إلى كل بضاعة وبالعكس، أسرع وأكثر جدوائية لحركة الأموال والقضاء على التضخم، من طريقة تبادل البضاعة بالبضاعة، مما يبقيحاجات كثيرة معطلة أو مؤجلة، كما قد يتسبب في فساد بضائع كثيرة خلال عملية التعامل.

عاشراً: تقليص ساعات العمل

عاشراً: تقليص ساعات العمل(2) لقد دعا الإسلام إلى تقليص ساعات العمل بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وهذا يعني توفر مساحة أكبر للفقراء للمشاركة في الإنتاج لانتشال أنفسهم من الفقر، وقد سلكت فرنسا أخيراً هذا المسلك. فقد قالت وكالة الإحصاء القومي في فرنسا: إن (قانون العمل) الذي قلص ساعات العمل من 39 ساعة بالأسبوع إلى 35 ساعة أتاح 350 ألف فرصة عمل منذ بدأ تطبيقه عام 1998 حتى 2002، علماً بأن توقعاتهم كانت توفير 600 ألف فرصة عمل، أما البطالة فقد تراجعت إلى نسبة 10% حسب وكالة (الأسوشيتد برس)، لكن البرلمان الفرنسي الذي

ص: 67


1- جاءت اتفاقية مؤتمر بريتون وودز ليتقرر فيها النظام الجديد للنقد الدولي، فكان لابد من مؤسسة عالمية، تكون مسؤولة عن الإشراف على تنفيذ اتفاقية بريتون وودز، كما تكون مسؤولة عن انضباط المعاملات النقدية والمالية، ووضع قاعدة ثابتة تنضبط بها أسعار صرف العملات، كما أن لهذه المؤسسة حق المراقبة على حسن سير نظام النقد الدولي الجديد، لكن الذي حدث مع مرور الوقت هو اختلال بعض دعائم هذه الاتفاقية ووقوع العالم في أزمات نقدية أخرى.
2- تقليص ساعات العمل، يوفر فرص عملٍ للملايين من العاطلين عن العمل، لذا اعتبرناه من عوامل توفير المال للمحرومين، كما أنه يخفف الضغط على العمال والموظفين.

يسيطر عليه المحافظون عدل القانون بعد ذلك. والنقص فيقانون العمل الفرنسي أنه لم يقم بعلاج المشكلة بأطرافها أي أنها كانت مفردة واحدة.(1) والإمام علي (عليه السلام) دعا إلى تقليص ساعات العمل عبر طرق عديدة:

1: التحريض على الخروج مبكراً من السوق.

2: الالتزام بالصلوات في أوقاتها مما يعني الخروج من السوق مرتين أو أكثر يومياً.

3: التحريض على تخصيص قسم جيد من الوقت للعبادة وللعائلة وللأصدقاء وللنزهة، ففي الحديث:

«ينبغي للعاقل إذا كان عاقلاً أن يكون له أربع ساعات من النهار، ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه...»(2).

الحادي عشر: المرونة في الضرائب

الحادي عشر: المرونة في الضرائب(3) تُعد الضرائب المجحفة من أهم عوامل الفقر، وقد ذكرنا في بندآخر، أن من أسباب الفقر فرض الضرائب على الاستهلاك، لا على الأرباح، والإسلام قد فرض الضرائب على الأرباح كما في الخمس والزكاة والخراج لا على الاستهلاك كما هو واضح.

ص: 68


1- CNN العربي بتاريخ 25 \ 6 \ 2006.
2- بحار الأنوار: ج1 ص131، روضة الواعظين: ص 4.
3- المرونة في الضرائب، تعد من عوامل الحفاظ على الحد الأدنى من أموال الفقراء، وثروات الطبقة الوسطى.

وهنا نقول:

إن من الحلول - إضافةً إلى ضرورة أن تكون الضرائب على الأرباح لا على الاستهلاك - أن يتسم النظام الضرائبي بالمرونة، إذ يجب أن تنخفض نسبة الضرائب كلما انخفضت نسبة الأرباح، وهو ما ينسجم مع العقل، وفي ذلك نطالع نص القانون الإنساني الذي أصدره أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال:

«فإن شكوا» أي أهل الخراج الذين تأخذ منهم الضريبة. «ثقلاً أو علة أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غَرَق أو أجحف بها عطش خفقت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم»(1).ولأن الإمام (عليه السلام) يعرف بثاقب نظره أن الولاة والحكومات يصعب عليهم - بل يكاد يمتنعون - عن تخفيف الضرائب، أضاف:

«ولا يثقلن عليك شيء خففت به المؤونة عنهم، فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم، معتمداً فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم(2)، والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم، ورفقك بهم، فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد، احتملوه طيبة أنفسهم به، فإن العمران محتمل ما حملته،

ص: 69


1- (ثقلاً): مثل آفة ضربت الزراعة أو أمراض أثقلتهم عن الإنتاج الوفير، (علة): كعلة سماوية أضرت بالزراعة، (انقطاع شرب): أي الماء الذي يسقى به الزرع، (انقطاع بالة): أي ما يبل الأرض من ندى ومطر، (إحالة أرض): أي تحويلها البذور إلى بذور فاسدة بالتعفن.
2- الاجمام: الترفيه والإراحة.

وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع، وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر»(1).

الثاني عشر: توفير الحريات

إن الأصل في الإسلام الحرية، فقد عدّ الله تعالى من أهم أهداف بعثة الرسول (صلّى الله عليه وآله) : ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ (2).

وقال الإمام علي (عليه السلام): «أيها الناس، إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة، وإن الناس كلهم أحرار»(3).

وقال (عليه السلام): «من توفيق الحر اكتساب المال من حله»(4).

وقال (عليه السلام) : «الحرية منزهة عن الغل والمكر»(5).

وقال (عليه السلام) أيضاً: «من أوحش الناس تبرأ من الحرية»(6).

ولذا فإن الحرية هي العامل الأول في النمو والازدهار الاقتصادي، ولذلك نجد الإمام الشيرازي الراحل (رحمه الله) أفتى بحرمة كل ما يتسبب في خفض الإنتاجية.(7)

ص: 70


1- نهج البلاغة: عهده (عليه السلام) للأشتر.
2- سورة الأعراف: 157.
3- الكافي: ج8 ص69.
4- غرر الحكم: ص354.
5- غرر الحكم: ص291.
6- غرر الحكم: ص204.
7- راجع (قراءات في فكر الإمام الشيرازي) على موقع (معهد الامام الشيرازي للدراسات) حيث يقول: إغراق السوق يعني تصدير خدمات أو سلع إلى السوق في دولة أخرى وبسعر أقل من التكلفة أو سعر المماثل في الدولة المستوردة. ويمكن أن يؤدي الإغراق إلى تسريح العمال والموظفين وإقفال المصانع وإفلاسها وإنخفاض في الإنتاج واضطرابات اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة، لذلك يعتبر الإغراق من نشاطات المنافسة غير العادلة والمخالفة للإنصاف، ولذلك يواجه معارضة حكومة البلد المستورد وشركاته. يقول الإمام الشيرازي الراحل (رحمه الله) في كتابه (فقه المرور) ص176- 177: التجارة حرة باستثناء تجارة المحرمات وتجارة المواد الضارة كالمخدرات، وليس شيء في بلاد الإسلام يسمى بالتهريب وما أشبه ذلك، نعم هناك مسألة «لا ضرر» حيث يلزم على التاجر أن لا يستورد ولا يصدر ما يوجب ضرر المسلمين، أو ضرر غير المسلمين الساكنين في بلاد الإسلام، كما أنه لا يحق للإنسان أن يستورد ما فيه ضرر على المسلمين كإيجابه تعطيل العاملين. ولا يحق أيضا لإنسان أن يصدّر ما يوجب ضرراً على المسلمين أو غير المسلمين كإيجابه ارتفاع الأسعار الضار أو ما أشبه ذلك.هذا وإن الجمارك والمكوس حرام قطعاً، وأخذ المال من الناس بالباطل تحت أي اسم كان موجب للضمان، و يعزر الفاعل بالعقوبة الإسلامية مع العلم و العمد.

وقال (قدّس سرّه) في (الفقه العولمة):

(يحرم أي قانون أو تخطيط يسبب تحجيم وتقليل الإنتاج زراعياً كان أم صناعياً، ويحرم تخطيط وتنفيذ ما يضر بالإنسان أو يخدش كرامته ولو بتقليل دخله اليومي)(1).

كما أن الحرية تُعد العامل الأساسي في تفجر الطاقات وظهورالمواهب والإبداعات، مما يعني فرصة أكبر للابتكار، ومساحة أوسع للعمل التكنولوجي، زراعياً وصناعياً، وبالنتيجة تكون الفرصة أكبر لمكافحة الفقر بشكل أقوى وأسرع.

ومن يريد التفصيل في هذا الموضوع فليراجع (الفقه: الحريات)

ص: 71


1- الفقه العولمة، للامام الشيرازي: ص 216.

و(الفقه: الاقتصاد) و(الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام)، للإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) حيث برهن أن الحريات الاقتصادية في عالم اليوم لا تصل إلى 10% من الحريات الاقتصادية التي منحها الإسلام.(1)

ص: 72


1- يقول المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره): الحرية في الإسلام حق قبل كل شيء، والذي يظهر للمتتبع أن الحريات الممنوحة في الإسلام مائة في المائة، بينما الحريات الممنوحة في العالم المسمّى ب (العالم الحر) عشرة في المائة أو أقل منه. فقد أعطى الإسلام للإنسان حرية الفكر، وحرية القول، وحرية العمل، لكن في الإطار المعقول الصحيح، من عدم الإضرار بالآخرين وعدم الإضرار البالغ بالنفس حتى أن الأكل والشرب المضرين ضرراً بالغاً لا يجوزان لأنهما إضرار بالنفس، والسباب بالقول، والضرب ونحوهما غير جائزة لأنها إضرار بالآخرين، والاستفادة من مواهب الحياة أكثر من القدر الصحيح لا يجوز، لأنه اضرار بالأجيال القادمة. فالحرية - إذاً - عامة لجميع الناس حتى الكفار، في مختلف أنواع الحقول. منها: الحرية الفكرية، أي حرية البحث والمناقشة في البحوث العلمية والبحوث الدينية. ومنها الحرية الاقتصادية، أي حرية الاكتساب بجميع أنحائها. ومنها الحرية الدينية، أي التسامح نحو الأديان الأخرى. ومنها: الحرية السياسية التي تتناول العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وإن الحاكم يجب أن يكون باختيار الأمة وممن يتوفر فيه رضى الله سبحانه وتعالى وسائر الشروط الإسلامية وهي كلها شروط يؤكد عليها العقل كأن يكون عالماً بالغاً عادلاً، إلى غير ذلك مما ذكره الفقهاء في أول مباحث التقليد. وقد ذكرنا جملة من الروايات المرتبطة باختيار الحاكم في كتاب: (الحكم في الإسلام) وفي غيره من بعض كتبنا الإسلامية وهناك مائة نموذج للحريات الإسلامية نذكر عناوينها هنا فمن الحريات الإسلامية: 1: حرية العبادة في أي مكان، صلاةً وصوماً وطهارة وذكراً لله، وقراءة القرآن، ودعاءً لله. أما الصلاة ففيها الحرية المطلقة، وقد قال النبي (صلّى الله عليه وآله): (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً). 2: والحرية في البيع. 3: والحرية في الشراء. 4 : والحرية في الرهن. 5: والحرية في الضمان. 6: والحرية في اختراع أي عقد جديد لم يمنع عنه الشارع. 7: والحرية في الكفالة. 8: والحرية في الصلح. 9: والحرية في التأمين. 10: والحرية في الشركة. 11: والحرية في المضاربة. 12: والحرية في المزارعة. 13: والحرية في المساقاة. 14: والحرية في حيازة الأرض. 15: والحرية في حيازة المباحاة. 16: والحرية في الوديعة. 17: والحرية في العارية. 18: والحرية في الإجارة. 19: والحرية في الوكالة. 20: والحرية في الوقف. 21: والحرية في الصدقة. 22: والحرية في العطية. 23: والحرية في الهبة. 24: والحرية في السكنى. 25: والحرية في العمران. 26: والحرية في السبق. 27: والحرية في الرماية. 28: والحرية في الوصية. 29: والحرية في النكاح للرجل وللمرأة دواماً وانقطاعاً. 30: والحرية في الطلاق. 31: والحرية في الخلع. 32: والحرية في الرضاع. 33: والحرية في السفر. 34: والحرية في الإقامة. 35: والحرية في فتح المحل. 36: والحرية في الإقرار. 37: والحرية في الجعالة. 38: والحرية في الطباعة. 39: والحرية في قدر المهر وسائر الخصوصيات المرتبطة بالنكاح. 40: والحرية في امتهان أية مهنة شاءها الإنسان. 41: والحرية في الثقافة بأن يطلب العلم النافع له وللبشر وللحيوان والنبات وغير ذلك فينتهي إلى أن يكون طبيباً أو مهندساً أو محامياً أو خبير سياسة أو اقتصاد أو غير ذلك، أو أن يكون فقيهاً أو خطيباً أو مؤلفاً أو نحو ذلك. 42: الحرية في العهد. 43: الحرية في اليمين. 44: الحرية في النذر. 45: الحرية في تناول الأطعمة المحللة بأي كيفية شاء. 46: الحرية في إحياء الموات. 47: الحرية في الأخذ بالشفعة. 48: الحرية في الإرث بأن يكون الإرث للورثة على ما بيّنه الرسول (صلّى الله عليه وآله) وحسب الموازين الإسلامية، فقد قال: (من ترك دينا أو ضياعاً فعليّ، ومن ترك مالاً فلورثته). والمراد بالضياع العائلة التي لا كفيل لها، بينما القوانين الوضعية تجعل جملة من الإرث - قد تصل أحياناً إلى تسعين في المائة - من نصيب الحكومة كما هو معروف. 49: الحرية في المراجعة إلى أي قاض شرعي. 50: الحرية في الشهادة والاستشهاد. 51: الحرية في اختيار الدية، أو القصاص، أو العفو في الموارد الخاصة. 52: الحرية في الزراعة. 53: الحرية في الصناعة. 54: الحرية في العمارة. 55: الحرية في كون الإنسان بدون جنسية ولا هوية وما أشبه من الرسوم المتعارفة الآن. 56: الحرية في إصدار الجريدة. 57: الحرية في إصدار المجلة. 58: الحرية في امتلاك محطة الإذاعة. 59: الحرية في امتلاك محطة التلفزيون للبث. 60: الحرية في العمل. 61: الحرية في إبداء الرأي. 62: الحرية في التجمع. 63: الحرية في تكوين النقابة. 64: الحرية في إنشاء الجمعيات. 65: الحرية في إنشاء المنظمة. 66: الحرية في إنشاء الحزب. 67: الحرية في الانتخاب. 68: الحرية في الإمارة. 69: الحرية في الولاية. 70: الحرية في السفارة. 71: الحرية في انتخاب أية وظيفة من وظائف الدولة. 72: الحرية من جهة عدم جواز رقابة الحكومة على الناس بأجهزة الإنصات والتليفون أو ما أشبه من أساليب المباحث والبوليس السري. 73: الحرية في إنجاب أي عدد من الأولاد. 74: والحرية في عدد الزوجات إلى أربع على نحو الدوام، أو أكثر على نحو الانقطاع. 75: والحرية في العقيدة، قال سبحانه:لا إكراه في الدين. 76: والحرية في كيفية الأكل والشرب واللباس وما أشبه. 77: والحرية في الذهاب والرجوع من البيت وإلى البيت ليلاً أو نهاراً في قبال أن بعض البلاد كموسكو ونحوها من بلاد الشيوعيين لا حرية للإنسان فيها أن يسافر إلا بمقدار خاص، وكذلك لا حرية في أيام منع التجول في سائر البلاد. 78: والحرية في بناء المساجد. 79: والحرية في بناء المدارس. 80: والحرية في بناء الحسينيات. 81: والحرية في بناء المستشفيات. 82: والحرية في بناء المستوصفات. 83: والحرية في بناء دور النشر. 84: والحرية في بناء دور الثقافة. 85: والحرية في بناء الخانات والفنادق. 86: والحرية في بناء دور الولادة. 87: والحرية في بناء دور العجزة. 88: والحرية في فتح البنوك. 89: والحرية في الدخول في اتحاد الطلبة. 90: كما أن للإنسان الحرية في الخروج من أية مؤسسة أو وظيفة أو ما أشبه إلا إذا ربط نفسه بشرط ونحوه. 91: الحرية في اختيار نوع أثاث الدكان والمنزل وما أشبه. 92: الحرية في انتقاء أي نوع من أنواع السيارات ونحوها. 93: والحرية في كيفية المعاملة. 94: والحرية في الإقراض والاقتراض. 95: والحرية في إعطاء التولية في الوقف ونحوه لأي أحد. 96 - والحرية في جعل الإسم لأي شخص، أو لأي محل مرتبط به، فلا يرتبط جعل الإسم بإجازة الدولة كما هو المتعارف في كثير من البلاد الآن. 97: الحرية في فتح حقول الدواجن. 98: والحرية في تقليد أي مرجع شاء جامع للشرائط. 99: والحرية في انتخاب أي خطيب أراد. 100: والحرية في تسجيل العقد ونحوه عند أي عالم في مقابل عدم الحرية في ذلك بالنسبة إلى غالب الدول حيث يقيدون الإنسان بتسجيل عقده ونحوه عند دائرة خاصة. إلى غيرها من الحريات الكثيرة الموجودة في الإسلام. راجع كتاب الصياغة الجديدة على موقع الامام الشيرازي على الانترنت.

ص: 73

الثالث عشر: على الدولة.. التخطيط والإشراف لا الإنتاج
اشارة

يجب على الدولة أن تضطلع بمهمة حفظ النظام، ومراعاة العدل، والتخطيط لازدهار الاقتصاد وفي نفس الوقت عليها أن تتجنب أي دور اقتصادي يُعد بديلاً عن دور الناس؛ شركات و أفراداً.وعلى ذلك فإن (التأميم)(1) الذي يحصر ممتلكات البلد بيد

ص: 74


1- التأميم هو نقل ملكية قطاع معين إلى ملكية الدولة أي تحويله إلى القطاع العام. وهي مرحلة تمر بها ما تسمى بالدولة المستقلة عادة في إطار عملية نقل الملكية وإرساء قواعد السيادة بحيث تقوم الدولة بإرجاع ملكية ما يراد تأميمه إلى نفسها. كما أنها عملية تستمر كثيراً لإرجاع المباحات الاصلية (كالغابات والمعادن) للدولة.

الحكومة، يُعد خطأ فاحشاً، كما أن تدخل الدولة في الإنتاج المباشر هو خطأ آخر، علماً أن فكرة (التأميم) نشأت لتكون وسيلة تخلص الشعوب من سيطرة الاستعمار القديم على ثرواتها المعدنية والزراعية وغيرها، لاسيما النفط، لكن نجد الأمر انقلب على الشعوب ليكون نقمة بدلاً من أن يكون نعمة. إذ الواجب أن تكون (ملكية) كل ثروة عائدة للناس، وأما إدارة بعض الثروات الكبرى التي يعجز عنها آحاد الناس، فالواجب أن تكون بيد ممثلين عن الناس، ينتخبونهم، لا بيد الحكومة.(1) كل ذلك أدى إلى تزايد الفقر،وقد قال الإمام علي (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر:

«ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات و أوص بهم خيراً.. وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك..».

وقال (عليه السلام): «وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله»(2).

فمسؤولية الحاكم الرعاية وتوفير الأمن الاقتصادي والعناية بسلامة مسيرة عملية الإنتاج، لا التدخل المباشر في إنتاج السلع أو الخدمات.

ص: 75


1- يراجع تفصيل ذلك، في كتاب (ملامح العلاقة بين الدولة والشعب) للمؤلف، والفقه الحقوق، والفقه الدولة الاسلامية، والفقه الاقتصاد، وغيرها.
2- نهج البلاغة ص436.

ولهذا البحث كلام طويل جداً، يمكن متابعته في (الفقه: السياسة)، و(الفقه: الاقتصاد) و(الفقه: الحقوق)، و(الفقه: الدولة الإسلامية)، للإمام الشيرازي الراحل (قدّس سرّه).

هذا كله من جانب، ومن جانب آخر فان على (الحكام) و(الوزراء) و(الولاة) ونظائرهم، أيضاً أن يعملوا، وعندئذ ستُرفع عن ميزانية الدولة أعباء مالية كبيرة أولاً، وسيعرف الحكاموالولاة قيمة العمل والعمّال أكثر فأكثر مما سيبعثهم على السعي الجاد لتحسين فرص العمل وظروفه، ثانياً، كما ان ذلك سيزيد حب الشعب لحكامه والتفافه حولهم، مما يسبّب استقرار البلاد واستتباب الأمن، والذي سينعكس بدوره على تحسين فرص الانتاجية الاقتصادية، ثالثاً.

والروايات التي تحرض الحكام على العمل كثيرة،كما ان التاريخ يحدثنا عن (عمل) بعض الولاة الصالحين، وهذه إشارة سريعة لنموذج منها:

على الحكام أيضاً العمل

فقد ورد في التاريخ انه كان سلمان يسفّ الخوص – وهو أمير المؤمنين على المدائن – ويبيعه ويأكل منه ويقول: لا أحب أن آكل إلاّ من عمل يدي وقد كان تعلَّم سفّ الخوص من المدينة.(1) ان على (الحكام) والولاة والوزراء، والمسؤولين، أيضاً (العمل)، ولو

ص: 76


1- مستدرك الوسائل: ج13 ص60 ب26 ح1.

عملوا جميعاًوعاشوا من كدّ أيديهم، لما كبّدوا ميزانية الدولة الكثير الكثير، فإن الملايين بل مئات الملايين - في بعض الدول - يتكبدها بيت المال وخزانة الدولة، من نفقات المسؤولين، وكم كان ذلك سوفر على الفقراء من الأموال؟!

سُفَّ الخوص ولا تغصب أموال الآخرين

في كتاب من سلمان مولى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى عمر بن الخطاب فيه: وأمّا ما ذكرت أنّي أقبلت على سفّ الخوص وأكل الشعير فما هما ممّا يعيّر به مؤمن ويؤنَّب عليه، وايم الله، يا عمر، لأكل الشعير وسفّ الخوص والاستغناء به عن رفيع المطعم والمشرب وعن غصب مؤمن حقّه وادّعاء ما ليس له بحقّ، أفضل وأحبّ إلى الله عز وجل وأقرب للتقوى، ولقد رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا أصاب الشعير أكل وفرح به ولم يسخطه.(1)

وههنا حقائق:

1- العمل شريف مهما بدا متواضعاً -بل وحتى محتقراً - في أنظار الناس.

2- من يتعالى عن العمل، بدعوى دناءته، كثيرا ما يسقط في شِراك الربح المحرم، إذ يحاول أن يسلك أسهل السبل إلى الثراء فلا يجد إلا الغش والتدليس أو الغصب والسرقة، أو الاحتكار ورفع الأسعار، ولذا قال سلمان (... لأكل الشعير وسفّ الخوص والاستغناء به عن

ص: 77


1- الاحتجاج: ج1 ص130 – 131، جامع أحاديث الشيعة : ج 17، ص 134.

رفيع المطعم والمشرب وعن غصب مؤمن حقّه وادّعاء ما ليس له بحقّ، أفضل وأحبّ إلى الله عز وجل وأقرب للتقوى...).

3- على المؤمن أن يقنع بالموجود مهما بدا متواضعاً بل عليه أن يفرح به كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله (إذا أصاب الشعير أكل وفرح به ولم يسخطه)، والقناعة بالموجود بل والفرح به، تؤثر في الصحة النفسية والجسمية، وفي هدوء الأعصاب، وينعكس ذلك كله على(الانتاجية) و(القدرة على العمل بشكل أفضل) كما ينعكس إيجابياً على الوضع العائلي.

الرابع عشر: محاربة كافة عوامل تبديد الثروة أو تحطيم الاقتصاد

وهذا هو ما سنفرد له الفصل الثالث بإذن الله تعالى.

ص: 78

الفصل الثاني: العوامل الغيبية والأخلاقية لإنتاج الثروة، والحفاظ عليها، وتنميتها، ولمكافحة الفقر

اشارة

ص: 79

ص: 80

والمقصود بالعوامل الغيبية، عوامل ك(التقوى) و(تجنب الربا) حيث انها عوامل تستجلب البركة الإلهية غيبياً وتستدعي لطف الله لرزق عبيده من خزائن غيبه حيث رآهم مطيعين لأمر، قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ﴾ وقال: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾.

وأما العوامل الأخلاقية فكالصدق والنزاهة والإنصاف، فانها سلسلة عوامل أخلاقية، لكنها تصب بشكل غير مباشر في إنماء الثروة والحفاظ عليها، فإن الناس لو عرفوا من الكاسب أو التاجر الصدق والنزاهة والإنصاف، وثقوا به واقبلوا عليه وازداد عملاؤه، واودعوه أموالهم، وفتحوا له قلوبهم وسهلوا له أموره وأعانوه بعلاقاتهم التجارية أيضاً.

وبذلك كله يظهر أن (العوامل الغيبية والأخلاقية) هي في جوهرها من عوامل إيجاد الثروة،والحفاظ عليها، وتنميتها، مثل عوامل الفصل الأول، لكنها أفردت في فصل خاص، لأن عوامل الفصل الأول كان طابعها العام هو العوامل المادية الظاهرية التي تبنى على معادلات اقتصادية ملموسة، أما عوامل الفصل الثاني فهي عوامل غير مرئية وغير معروفة مادياً بتأثيراتها الاقتصادية، لدى أكثر الناس أو لدى الماديين منهم، لذا افردناها في فصل خاص، لتحظى بتركيز مؤكد.

ص: 81

وصايا غيبية - أخلاقية ذات نتائج كبرى اقتصادية

وهذه سلسلة من العوامل والحلول الغيبية والأخلاقية، لحل مشكلة الفقر، ولزيادة الثروة والحفاظ عليها، وتنميتها، ذكرها الإمام علي بن أبي طالب على شكل (وصايا) نشير إليها بشكل موجز:

للإمام علي (عليه الصلاة والسلام) وصايا عامة لو عمل بها الناس - إضافة لما سبق وسيأتي - لاقتلع الفقر من جذوره، وهيتتوزع بين أخلاقية – غيبية، لكنها ذات تأثيرات اجتماعية – اقتصادية كبيرة جداً.

وهذه بعضها:

أ: إتقوا الله

«يا معشر التجار اتقوا الله عز وجل»(1)..

ومن الواضح أن الخوف من الله، يردع الإنسان عن امتصاص دماء الفقراء عبر الغش والخداع والاحتكار ورفع الأسعار، مما ينتج تقلص مساحة الفقر.

ب-(قُدموا الاستخارة)

الاستخارة تعني طلب الخير من الله تعالى فانها من باب الاستفعال فإن من المستحب عند بدأ كل عمل أن يستخير العبد من ربه أي أن يطلب منه أن يجعل الخير فيما هو مقدم عليه، ومن صور ذلك ان

ص: 82


1- الكافي: ج5 ص151.

يقول (استخير الله برحمته خيرة في عافية) والأفضل أن يصلي ركعتين أيضاً، ولأن الله تعالى هو (الرزاق ذو القوة المتين) فانه سيبارك في كل عمل، قدم الإنسان فيه الاستخارة.

ج: اتخذوا السهولة منهجاً

«وتبركوا بالسهولة»(1) ..وقال أمير المؤمنين (وليكن البيع بيعاً سمحاً) فإن أي روتين إداري أو تعقيد أو بيروقراطية، يعرقل حركة رؤوس الأموال، ويضاعف التكاليف، ويستهلك قسماً كبيراً من الأوقات، ويضخم الجهاز الإداري ويزيد عدد الموظفين، ويضغط بشدة على الأعصاب والصحة، مما يسبب بدوره الأمراض التي تضغط بشدة على الفقراء.

فأي بيع أو شراء أو تعاقد يجب أن يتم بمنتهى السهولة وبدون روتين وتعقيد، ولذا نجد أن قسماً من حكومات عالم اليوم بدأت تنحو منحى تخفيف الروتين الإداري في تسجيل الشركات وفي كافة المعاملات، وفي الإسلام: لا حاجة لذلك أبداً!!

د: اقتربوا من العملاء

د: اقتربوا من العملاء(2)

ص: 83


1- الكافي: ج5 ص151.
2- أي المتعاملين معكم تجارياً، وحاولوا تجاوز الوسائط.

واقتربوا منالمبتاعين»(1)..

فإن كثرة الوسائط، تسبب الغلاء والتضخم، لأن الواسطة يعيش على رفع سقف الأسعار ليربح - ربحاً مضاعفاً أحياناً - فكلما ألغيت الوسائط كلما رخصت الأسعار وانخفضت نسبة الفقر..

وعلى الدولة أن تخطط لإلغاء الوسائط لأنها إضافة إلى ذلك تزيد من احتمالات التلاعب بالأسواق نظراً للقدرة المتمركزة الكبيرة للشركات الوسيطة.

ه: (وتزينوا بالحلم)

(الحلم) مفتاح القلوب، وأفضل وسيلة لمدّ جسور المحبة مع الآخرين، ومن هنا فإن الناس يتهافتون على (التعامل) مع الحليم والتعاون معه.

فإذا أردت أن يفتح الرب لك أبواب الرزق فكن حليماً مع الموظفين والعمال والشركاء، ومع رب العمل، ومع العملاء والمتعاملين ومن تبيع لهم أو تشتري منهم، إضافة إلى الحلم مع الأهل والأولاد والعشيرة، وحتىالأعداء أيضاً وفي الحديث (ما وضع الحلم على شيء إلا زانه، وما وضع الخرق على شيء إلا شانه) وورد (كاد الحليم أن يكون نبياً)

و: (وتناهوا عن اليمين)

ص: 84


1- الكافي: ج5 ص151.

وجاء في رواية أخرى عنه صلوات الله عليه (إياكم والحلف فانه ينفق السلعة ويمحق البركة)(1) وقد أوضحنا السبب في ذلك، في موضع آخر من الكتاب.

ز: كونوا صادقين

«وجانبوا الكذب»(2)..

فإن الكذب في المعاملات يعني: مزيداً من الضغط على الفقراء! لأن التاجر أو الشركة تكذب لكي تبيع المنتج بسعر أغلى أو تبيع الرديء بعنوان أنه جيد! أو ما أشبه ذلك.

ح: «تجافوا عن الظلم»

ان قبح (الظلم) يعد من المستقلات العقلية، وكذلك حرمته، بل هو أمر فطري، كما انالظلم يدعو إلى الظلم فكما تدين تدان، فليحذر التاجر ظلم العملاء، الخفي من الظلم والجلي، وإلا فسيسلط الله تعالى عليه من يظلمه ثم لا يجد على ظالمه نصيراً وكما يقول الشاعر:

لا تظلمنّ إذا ما كنت مقتدراً فالظلم أخره يدعو إلى الندم

ص: 85


1- -الكافي: ج5 ص 162، ح4، وسائل الشيعة: ج17 ص 419.
2- الكافي: ج5 ص151.

تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنمِ وفي الحديث ان الله تعالى: (لا يَظْلِمُ وَ لا يُجَاوِزُهُ ظُلْمٌ وَ هُوَ بِالْمِرْصَادِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى مَنْ أَحْسَنَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيد)(1)

ط: انصفوا المظلومين

«وأنصفوا المظلومين»(2).. وفي عهده (عليه السلام) للاشتر (ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسوالزمنى) ففي أية معاملة يجب إنصاف المظلوم قبل أن يرفع المظلوم شكوى، ثم لو رفع المظلوم - شخصاً كان أو شركة أو جهة - شكوى، كان على الظالم أن يتراجع فوراً، وإلا فإن ذلك يعني إضافة إلى كونه انتهاكاً لحقوق الإنسان، مزيداً من الضغط على الفقراء.. لأن المحامين سيثرون على حساب الطرفين(3)..

ولأن الظالم أو المظلوم (حسب من

ص: 86


1- بحار الأنوار ج73 ص373 باب 67.
2- الكافي: ج5 ص151.
3- يقول إد ماكريكين مؤسس شركة سيلكون جرافكس انكوربوريتد: (وأظن أن جميع شركات وادي السيلكون تقريباً قد رفعت ضدها قضايا مرات متعددة - مثل هيولت باكارد - وإنتل وشركتنا، والحقيقة أنه عند مقاضاة إحدى الشركات وعند التوصل إلى تسوية مالية كبيرة فإن حملة الأسهم لا يحصلون كأفراد على أي شيء منها. وإنما يحصل عليها في الحقيقة بيل ليراتش (وهو محامي بارز) وأصدقاؤه الذين حققوا كثيراً من الأموال من وراء ذلك)، المصدر كتاب في صحبة العمالقة تأليف جاجر واورتيز ص317.

هو الخاسر) سيحاول استرجاع ما بذل من أجور للمحامين وشبه ذلك، برفع الأسعار أو باتخاذ قرار بعدم زيادة أجور العمال.. مما يعني ضغطاً على الفقراء أيضاً.

ي: تجنبوا الربا«ولا تقربوا الربا»

ي: تجنبوا الربا«ولا تقربوا الربا»(1)..

وقال في نهج البلاغة راوياً قول رسول الله (يا علي ان القوم سيفتنون بأموالهم... فيستحلون الخمر بالنبيذ والسحت بالهدية والربا بالبيع) والسبب في اننا اعتبرنا تجنب الربا بنداً غيبياً، مع أنه بند اقتصادي لأنه نوع من أنواع زيادة ثراء الأثرياء، السبب هو: أن الربا سلوك مادي، لكن عدم الربا هو سلوك غيبي لزيادة الثروة، بمعنى أن الإنسان إذا تجنب الربا، فإن الله سيبارك في أمواله، ويفتح له آفاقاً غير متوقعة لنماء ثروته أو للحفاظ عليها أو سيدفع عنه أخطاراً محدقة – كحادث اصطدام أو شبه ذلك – مما لو كان يرابي، لأبتلي به فخسر صحته وأمواله في العلاج أو في دفع تلك الداهية دون طائل.

وقد تحدثنا عن ذلك في بند آخر.

ك: عليكم بالنزاهة

ص: 87


1- الكافي: ج5 ص151.

قال الله تعالى: «وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين»(1)..

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع)(2).

وهذا يعني تحريم التلاعب بالأسواق، وقد سبق.

ل: تاجروا الله بالصدقة

يقول الإمام علي (عليه السلام):

«إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة»(3).

والصدقة لها تأثير مباشر في احتواء الفقر كما هو بديهي.

كما لها تأثير غير مباشر لكنه أساسي وإستراتيجي جداً، فإن الصدقة تقوي النسيج الاجتماعي وتزيد أواصر المحبة بين أفراد المجتمع مما ينعكس إيجاباً على الإنتاجية.هذا كله إضافة إلى عامل الغيب، فإن الرزق بيد الله، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ المَتِينُ﴾(4).

وقال الإمام علي (عليه السلام): «الغنى والفقر بعد العرض على الله»(5).

ص: 88


1- سورة آل عمران: 130.
2- نهج البلاغة: عهد الإمام لمالك الأشتر.
3- نهج البلاغة: الحكمة 258
4- سورة الذاريات: 58
5- نهج البلاغة: ص555.

وإذا رأى الله من عبده الإنفاق رغم حاجته، فإنه يفتح له باباً إلى الرزق من حيث يحتسب وقد يرزقه من حيث لا يحتسب.

وهذا العامل مشترك يشمل الأفراد والشركات والدول أيضاً.

ثم إن منهج الصدقة لو شاع، فإنه يعود بالفائدة على الإنسان نفسه، وذلك عندما تنعكس الظروف، فاليوم هذا يتصدق على ذاك، ثم تدور الأيام ليتصدق الثاني على الأول، فالصدقة إذن نوع أساسي وهام وشمولي من أنواع التكافل الاجتماعي.

م: صلوا أرحامكم

إن صلة الرحم عامل مهم من عوامل القضاء على الفقر، غيبياًومادياً أيضاً.

قال الإمام علي (عليه السلام):

«ألا لا يعدلنّ أحدكم عن القرابة، يرى بها الخصاصة، أن يسدها بالذي لا يزيده إن أمسكه، ولا ينقصه إن أهلكه»(1).

ويذكر (عليه السلام) فوائد ذلك منبها على أن (القرابة):

1: هم أعظم الناس حيطة من وراءه.

2: وألمّهم لشعثه.

3: وأعطفهم عليه عند نازلة أن نزلت به.

4: ولسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس خير من المال يرثه

ص: 89


1- نهج البلاغة: ص65.

غيره(1).

فصلة الرحم - عاطفياً ومالياً وغير ذلك - تؤثر مباشرة في تقليص مساحة الفقر كما هو واضح، وتصنع البنية التحتية الاجتماعية للقضاء على الفقر أيضاً، إذ بصلة الرحم تتقارب القلوب وتتكاتف الأيدي فيكون المجموع - بالتعاون - أقدر علىمكافحة الفقر وعلى النهوض الاقتصادي المتواصل.

ولذا نجد أن كثيراً من الشركات العائلية نجحت ما دامت متمسكة بصلة الرحم، وتهاوت عند ما دب الخلاف وقطعت الرحم وانفصمت عرى المودة والمحبة.

ثم إن صلة الرحم تعدّ من أهم عوامل سلامة الأعصاب والقضاء على الكآبة، والثقة بالنفس، وكل ذلك ينعكس بشكل إيجابي على قدرة الإنسان على النهوض الاقتصادي.

وبالعكس فإن (قطع الرحم) هو من أهم عوامل الكآبة ودمار الأعصاب والعديد من الأمراض الأخرى، مما يسبب تضاؤل القدرة على التخطيط الاقتصادي السليم، وعلى الإدارة المتميزة، والأداء الجيد، كما يسبب قصر العمر أيضاً، ولذلك قال الإمام علي (عليه السلام):

«يا نوف صل رحمك، يزد الله في عمرك»(2).

وقال الإمام الرضا (عليه السلام):«صلة الأرحام تحسن الخلق وتسمح

ص: 90


1- نهج البلاغة: ص 65.
2- بحار الانوار: ج74 ص89.

الكف وتطيب النفس وتزيد في الرزق وتنسي من الأجل»(1).

وقال الإمام علي (عليه السلام): «حلول النقم في قطيعة الرحم»(2).

وقال (عليه السلام): «إذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار»(3).

إن قطيعة الرحم هي من أهم عوامل تفكك الأسرة وضياع الأولاد، مما يعني أيضا:

1: إن أموال الأسرة تنتقل - بالإرث وغيره - إلى أولاد أشرار.

2: إن أموال الأسرة ستصرف - نتيجة تفكك العائلة وفسادها - في المحرمات: القمار،الخمر،الزنا وغير ذلك، مما يعني وصول الأموال لأيدي الأشرار.

3: إن أموال الأُسر الصالحة التي قطعت الرحم تنتقل إلى الأسر غير الصالحة التي وصلت الرحم، نتيجة إفلاس شركات الأسرالأولى - على ضوء النزاع وغيره - ونتيجة تعاون الأسر غير الصالحة(4)، ولذلك كله وغيره قال الإمام الباقر (عليه السلام): «صلة الرحم تعمر الديار، وتزيد في الأعمار، وإن كان أهلها غير أخيار»(5).

ن: استعينوا بمفاتيح الغيب

ص: 91


1- الكافي: ج2 ص 151.
2- غرر الحكم: ص406.
3- بحار الأنوار: ج74 ص138.
4- حول الصدقة وصلة الرحم ونظائرها يراجع (الفقه: الآداب والسنن)، وكتاب العشرة من بحار الأنوار، والوسائل، والكافي وغيرها.
5- بحار الأنوار: ج74 ص94.

عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه قال: (من تعذّر عليه رزقه وتغلّقت عليه مذاهب المطالب في معاشه ثم كتب له هذا الكلام في رق ظبي أو قطعة من أدم وعلّقه عليه أو جعله في بعض ثيابه التي يلبسها فلم يفارقه وسّع الله رزقه وفتح عليه أبواب المطالب في معاشه من حيث لا يحتسب وهو: اللهم لا طاقة لفلان بن فلان بالجهد ولا صبر له على البلاء ولا قوّة له على الفقر والفاقة، اللهم فصلّ على محمد وآله محمد ولا تحظرعلى فلان بن فلان رزقك ولا تقتر عليه سعة ما عندك ولا تحرمه فضلك ولا تحسمه من جزيل قسمك ولا تكله إلى خلقك ولا إلى نفسه فيعجز عنها ويضعف عن القيام فيما يصلحه ويصلح ما قبله بل تنفَرِدُ بلم شعثه وتولي كفايته وانظر إليه في جميع أموره، إنّك إن وكلته إلى خلقك لم ينفعوه وإن الجأته إلى أقربائه حرموه وإن أعطوه أعطوه قليلاً نكداً وإن منعوه منعوه كثيراً وإن بخلوا بخلوا وهم للبخل أهل، اللهم أغن فلان بن فلان من فضلك ولا تخله منه فإنّه مضطر إليك فقير إلى ما في يديك وأنت غني عنه وأنت به خبير عليهم ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾ (1) ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾ (2) ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾(3) (4)

ص: 92


1- سورة الطلاق: الآية 3.
2- سورة الشرح: الآية 6.
3- سورة الطلاق: الآيات 2 – 3.
4- مهج الدعوات: ص 126.

إن أول صفة للمؤمنين هيأنهم (يؤمنون بالغيب) ثم تليها (ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة) والله تعالى هو الخالق وهو الرازق، وقد جعل للرزق أسباباً منها المادي ومنها المعنوي، فهل يبقى مجال بعد ذلك للاستغراب من الروايات الكثيرة التي تذكر طرقاً كهذه الرواية، لفتح ما استغلق من أبواب الرزق؟

س: أتركوا أموراً ضارة وعادات مُفقِرة

عن سعيد بن علاقة قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول:

ترك نسج العنكبوت في البيت تورث الفقر، والبول في الحمام يورث الفقر، والأكل على الجنابة يورث الفقر، والتخلّل بالطرفاء(1) يورث الفقر، والتمشّط من قيام يورث الفقر،وترك القمامة في البيت يورث الفقر، واليمين الفاجرة تورث الفقر، والزنا يورث الفقر، وإظهار الحرص يورث الفقر، والنوم بين العشائين يورث الفقر،

ص: 93


1- الطرفة: شجرة وهي الطرف، والطرفاء: جماعة الطرفة شجَرٌ وقال سيبويه: الطرفاء واحد وجمع، والطرفاء اسم للجمع، وقيل واحدتها طرفاءة، لسان العرب: ج9 ص220.

والنوم قبل طلوع الشمس يورث الفقر، وترك التقدير في المعيشة يورث الفقر، وقطيعة الرحم يورث الفقر، واعتياد الكذب يورث الفقر، وكثرة الاستماع إلى الغناء يورث الفقر، وردّ السائل الذكر بالليل يورث الفقر.

وههنا مجموعة من النقاط الهامة:

1- هذه العوامل، بعضها عوامل غيبية ميتافيزيقية، وبعضها عوامل مادية ظاهرية وبعضها مزيج منهما.

2- إن هذه العوامل (تورث الفقر) بنحو الاقتضاء لا العلية، والمقتضي لا يؤثر إلا مع وجودالشرائط وإنتفاء الموانع، كما أن باب التزاحم مُشرَع على مصراعيه، والغلبة والرجحان للأقوى من الملاكين، فرُبّ عاملِ فقرٍ، زاحمه عامل غنى أو عوامل غنى، أقوى منه، فرجحت عليه، فصار الشخص غنياً، والعكس بالعكس، فلا يقال: كيف يعبر ب(يورث كذا الفقر أو الغنى) مع أننا كثيراً ما نجد الواقع الخارجي على العكس؟ ويتضح ذلك أكثر بملاحظة اللغة العلمية واللغة العرفية أيضاً؛ فإن (الطبيب) يقول: الدواء الفلاني علاج للمرض الكذائي، مع أننا كثيراً ما نجد المريض يلتزم بشرب الدواء ولا يشفى، وما ذلك إلا لأن الدواء مقتضٍ للشفاء، وهناك شروط لابد من توفرها، وموانع ومزاحمات

ص: 94

لابد من رفعها أو القضاء عليها، كما أن مما لا شك فيه صحة القول بأن النار محرقة، وذلك لا يعني عدم وجود شرائط للإحراق، كالمحاذاة الخاصة، كما لا ينفي اشتراط انتفاء الموانع، كأن لا يكونالجسم مطلياً بمادة كيماوية عازلة.

3- إن هذه العوامل تتوزع بين (محرمات) كالزنا وقطع الرحم والغناء والكذب واليمين الفاجرة، وبين (مكروهات) وهي الكثير من غيرها مما ذكر في الرواية.

4- إن هذه المحرمات، وتلك المكروهات، على درجات، فبعضها أشد تأثيراً وأقوى وأسرع في استجلاب الفقر، وبعضها أضعف وأبطأ.

5- كما أن الحديث عن كل مفردة مفردة، وفلسفتها الاقتصادية أو آثارها الكيماوية أو الفيزيائية أو الطبية - على المخ والأعصاب - أو السيكولوجية أو الاقتصادية أو غيرها، يحتاج إلى عقد مبحث مستقل ولعلنا نوفق له في المستقبل بإذن الله تعالى.

ع: قوموا بأفعال نافعة وعبادات جامعة

ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ألا أنبئكم بعد ذلك بمايزيد في الرزق قالوا: بلى يا أمير المؤمنين فقال:

الجمع بين الصلاتين يزيد في الرزق والتعقيب بعد الغداة وبعد العصر يزيد في الرزق وصلة الرحم تزيد في الرزق

ص: 95

وكسح الفناء(1) يزيد في الرزق ومواساة الأخ في الله عز وجل يزيد في الرزق والبكور في طلب الرزق يزيد في الرزق والاستغفار يزيد في الرزق واستعمال الأمانة يزيد في الرزق وقول الحقّ يزيد في الرزق وإجابة المؤذّن يزيد في الرزق وترك الكلام في الخلاء يزيد في الرزق وترك الحرص يزيد في الرزق وشكر المنعم يزيد في الرزق واجتناب اليمين الكاذبة يزيد في الرزق والوضوء قبل الطعام يزيد فيالرزق وأكل ما يسقط من الخوان يزيد في الرزق ومن سبّح كلّ يوم ثلاثين مرة دفع الله عز وجل عنه سبعين نوعاً من البلاء أيسرها الفقر.(2) وهذه العوامل(3) تتوزع بين:

1- ما يرتبط بعلاقة الإنسان بخالقه، (كالجمع بين الصلاتين،

ص: 96


1- الكسح: الكنس.
2- الخصال: ج2 ص 504 ح2 (أبواب الستّة عشر).
3- وكذلك عوامل الفقر السابقة، تنقسم وتتوزع كذلك، فلاحظ وتدبر.

والتعقيب بعد الصلاة و...) وحيث إنه تعالى مصدر الرزق، فانه سيكون التزام الشخص بتلك الأسباب، سبباً لاستمرار الرحمة الإلهية وباعثاً لإفاضته تعالى الرزق على عبده.

2- ما يرتبط بعلاقة الإنسان بمجتمعه (كصلة الرحم، المواساة، وقول الحق و...).

3- ما يرتبط بعلاقة الإنسان بالطبيعة (ككسح الفناء، الكلام في الخلاء، الوضوء قبل الطعام و...).

4- وما يرتبط بالبعد الاقتصادي مباشرة (كالبكور فيطلب الرزق، والأمانة المالية بل مطلقاً و...).

ص: 97

ص: 98

الفصل الثالث: محاصرة عوامل تبديد الثروة، وملاحقة بواعث الفقر

اشارة

ص: 99

ص: 100

محاصرة عوامل تبديد الثروة وملاحقة بواعث الفقر

محاصرة عوامل تبديد الثروة وملاحقة بواعث الفقر(1) هناك أسباب كثيرة تقضي على الثروة والغنى وتزيد نسبة الفقراء في المجتمع بشكل مباشر أو غير مباشر، مثل موجبات ارتفاع الأسعار وظاهرة الغلاء(2).

وهذه مجموعة من أهم تلك العوامل المباشرة وغير المباشرة:

1: ملكية الدولة

تملّك الدولة لمصادر الثروات الطبيعية مثل الأراضي، والمعادن، والغابات، والبحار وثرواتها، وواضح أن كل هذا يسبب الفقر والحرمان وأيضاً الغلاء، فإن الأرض وغيرها لو كانت متاحة ومجانية للجميع

ص: 101


1- المقصود ملاحقتها في العلة المبقية، وبنحو الرفع وأما ملاحقتها في العلة المحدثة وبنحو الدفع فإنه يندرج في الفصل الأول.
2- (عوامل تبديد الثروة) مثل (القمار) و(الإسراف والتبذير) و(بواعث الفقر) مثل (ملكية الدولة) فإن تملك الدولة للأراضي العامة، واحتكارها لها، وتملكها للمعادن والثروات العامة، هو من أهم أسباب تحول شرائح كبيرة من المجتمع إلى فقراء، ومثل (كثرة الموظفين) فإن ذلك يحوِّل مئات الآلاف من الناس أو الملايين – حسب الدول – من عناصر منتجة إلى عناصر مستهلكة مما يخفض الإنتاجية العامة، ويلقي بثقل الموظفين على كامل الشعب – حيث تقتطع لهم الرواتب من الضرائب، أو ما أشبه، وعموماً فإن العوامل المذكورة في هذا الفصل تتوزع بين النمطين، وإن كان كل منها يصب بوجهٍ في الآخر أيضاً. ويمكن تصنيفها بوجه آخر: وهو أن يراد بعوامل تبديد الثروة: العوامل الشخصية، ويراد ببواعث الفقر، بواعث الفقر العامة التي تقف الدول وراءها والعوامل الخمسة عشر، الآتية، كلها تتوزع بين النمطين، وتلحق الشركات والمؤسسات الصغيرة بالعوامل الشخصية، والشركات العابرة للقارات ب(الدولة) بلحاظ حجم تأثيراتها.

فإن تكاليف هائلة ستسقط عن كاهل الفقراء وتنخفض نسبة الفقر بشكل آلي، كما تتوفر للفقراء فرص ومصادر سهلة للإثراء المشروع.

إن الإسلام يؤكد على أن مصادر الثروة تلك، مملوكة لله، ثم هي للناس عامة، ولا حق للدولة بأن تمنع أحداً من امتلاكها.

قال تعالى: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً﴾(1).

وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «من سبق إلى ما لم يسبقه إليه المسلم فهو أحق به»(2).

وقد أطلق الإمام علي (عليه السلام) للناس حرياتهم وأعطاهممطلق الحق في أن يزرعوا ما شاءوا من الأراضي، أو يبنوا ما شاءوا، أو يرعوا حيثما شاءوا، أو أن يستثمروا ويحوزوا كما شاءوا من الغابات والمعادن وغيرها(3).

2: كثرة الموظفين

إن الإسلام يرى ظاهرة كثرة أعداد الموظفين في دوائر ومؤسسات الدولة، تمثل عبئاً على الفقراء، حيث يعيش هؤلاء ويستهلكون دون إنتاج، بينما الفقير يجهد نفسه لينتج لكنه بالكاد يتمكن من الاستهلاك والحصول على ما يريده.

وهذه مشكلة شائعة في الدول التي يسيطر عليها الاقتصاد

ص: 102


1- سورة البقرة: 29.
2- مستدرك الوسائل: ج17 ص111.
3- راجع (السياسة من واقع الإسلام) و(حكومة الرسول (صلّى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)).

الحكومي المغلق.

ومن الأمثلة:

الآلاف من العاملين والمنتسبين في أجهزة الأمن والشرطة والجيش.

الآلاف من الموظفين والعاملين في دوائر السفر والجنسية والجوازات والمخافر الحدودية.الآلاف من الموظفين في الدوائر والمؤسسات التابعة لوزارات الدولة.

ولقد قام الإمام علي (عليه السلام) بأمر مدهش في مجال القضاء على تضخم الموظفين، حيث إنه (عليه السلام) وبتخطيط استراتيجي شامل ومتكامل سياسياً واقتصاديا وإدارياً، استطاع أن يحكّم العدل في الكوفة ذات الأربعة ملايين نسمة، بقاض واحد! كما أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) اكتفى بعد أن فتح مكة, بأن نصب شخصاً واحداً حاكماً على مكة يدعى (عتاب).

رغم أن مكة كانت عاصمة مناهضة للرسول (صلّى الله عليه وآله) طوال عقود من الزمن وكانت تعج بالمعارضة المسلحة.(1)

3: سباق التسلح

إن سباق التسلح والأسلحة تستهلك سنوياً مئات الملياراتمن

ص: 103


1- لمعرفة عمق مأساة تضخم الموظفين وأسباب المقدرة على تحقيق ذلك راجع: (الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام) و (الفقه: الدولة الإسلامية)، و(الفقه: القضاء) للإمام الشيرازي (قدس سره)، وكذلك كتاب (دولة الرسول (صلّى الله عليه وآله)) للدكتور محسن الموسوي .

الدولارات. مما هي خارج الحاجات الدفاعية للبلدان, فحسب تقرير أعدّه معهد أبحاث السلام, فإن النفقات العسكرية العالمية عام 2004 تجاوزت الألف مليار دولار!! وفي عام 2006 قاربت ألفين وثمانمائة ملياراً، أي تريليونين و800 مليار دولار!! ومن البديهي أن هذه الأموال الضخمة التي كان يجب أن تنفق على توفير الحاجات الأساسية للناس، أنفقت على أدوات وأجهزة الموت وأسلحة الدمار الشامل.

ثم إن للأسلحة نتائج سلبية منها:

أ: إنها تثقل كاهل الناس، إذ توفرها الحكومة من الضرائب مما يشكل عبئاً إضافياً على الفقراء، أو أنها تستقطعها من وارد الدولة ومن الثروات الطبيعية كالنفط، وهذا يعني سرقة أموال الناس تحت شعار تعزيز القوة العسكرية، وضمان ديمومة النظام الدكتاتوري الحاكم، أو حتى الدكتاتوري بلباس ديمقراطي.ب: تجد هذه الأسلحة وبسهولة طريقها نحو الصراعات الداخلية والحروب، بل أحياناً يخطط تجار الأسلحة حول العالم، وكذلك تفعل الدول المنتجة للسلاح لإثارة الحروب ولو بالوكالة، لتسويق تلك الأسلحة، ثم العمل على ديمومة هذه الحروب، والحرب هي بالحقيقة الدمار الشامل للبلاد، وأحد أهم أسباب فقر الشعوب.

وقد أوضح الإمام الشيرازي (رحمه الله) أن بقية الله الأعظم الإمام المهدي

ص: 104

المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يعيد وسائل الحرب والقتال إلى ما كان سائداً في الماضي، فيعود السيف والرمح - مثلاً - مما يعني أولاً صبّ كافة الأموال التي تتوفر من ذلك في جيوب الناس والفقراء.

ومما يعني ثانياً: تضاؤل أخطار وأضرار الحروب بدوافع سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية إلى الأقل من الواحد بالمائة ألف!(1)

4: سرقات الحكومة

السرقة قد تكون (مقنّعة)(2)، وقد تكون غير مقنعة.

ولهذا البند حديث طويل يترك لمحله. ونكتفي بالمثال التالي: فقد احتج تلميذ الإمام علي (عليه السلام) أبو ذر الغفاري على معاوية عندما بنى لنفسه قصراً بأربعة ملايين دينار ذهبي! فقال له: إن كنت بنيت قصرك هذا بأموال الله فقد اجترحت أثماً وارتكبت حراماً وإن كنت بنيته بأموالك فقد أسرفت!

5: سوء التوزيع

إن الله تعالى هو خالق الأرض كلها، وهو خالق البشر كلهم، وقد جعل الأرض بثرواتها كلها للبشر بأجمعهم، وصرح قائلاً:

ص: 105


1- راجع كتاب (الإمام المهدي) عجل الله تعالى فرجه الشريف، للشيرازي (رحمه الله).
2- السرقة المقنعة: كالضرائب، وكذا بيع ما هو ملك الناس لهم! كبيع الدول النفطية الغاز والنفط للناس، مع أنه ملك الناس.

﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً﴾(1).

ف ﴿ما في الأرض جميعاً﴾ هو (لكم) جميعاً.

لكن البشر لجهلهم جزؤوا العالم ووضعوا الحدودالجغرافية فكان أن أتخم بلد بالثروات وناء بلد آخر تحت ضغط الحاجة.(2) وللحدود الجغرافية ضرر مزدوج، فهي من جهة حرمت البلاد الفقيرة من ثروات كانت لهم فيها حصة حسب القانون الإلهي، ومن جهة أخرى منعت التبادل التجاري الحر بين البلاد وكانت وراء وضع الجمارك مما أضر بفقراء كلا البلدين.

ولذلك نجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ألغى الحدود الجغرافية بين الدول التسع التي خضعت لحكومته، وألغى الإمام علي (عليه السلام) الحدود الجغرافية بين الدول الخمسين التي خضعت لحكومته. وسيلغى الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الحدود الجغرافية بين دول العالم كافة، عندما يظهر في آخر الزمان «فيملأها عدلاً وقسطاًكما مُلئت ظلماً وجوراً».(3)

ص: 106


1- سورة البقرة 29.
2- أظهر تقرير المخاطر العالمية لعام 2012 التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في منتجع دافوس بسويسرا: أن التفاوت الحاد في الدخول والأوضاع المالية غير المستقرة للحكومات يشكلان أكبر تهديد اقتصادي يواجه العالم. وللتفصيل يراجع الملحق ...
3- يقول المرجع الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي (قدس سره) في كتابه: (القرن الحادي والعشرون وتجديد الحياة): يلزم في الوقت الراهن، رفع الحدود الجغرافية بين البلدان كافة، وليس فقط بين بلاد المسلمين، ذلك لأن الحدود الجغرافية تجعل الإنسان أقل قدراً من الخنافس والفئران والطيور والبهائم، فهل لهذه المخلوقات حدود تحجزها؟ أم أنها تمشي وتطير أنى شاءت، والأسماك تسبح حيث تريد، لكن الغرب قيد الإنسان وكبّله بشروط الجنسية والإقامة والهوية وغيرها مما يعيق حركته ويقيد نشاطه والقعود عن بلوغ غايته التي يريد، وهكذا فلكل بلد حدود لا يدخل الإنسان أو يخرج منها إلاّ بجواز أو أذونات رسمية، أو غير ذلك مما هو معهود بين الدول... هذا على حين نرى أن الرسول الأكرم محمد المصطفى (صلّى الله عليه وآله) قد أسقط جميع الحدود بين بلاد الإسلام، فأينما حل المسلم - وقتذاك - فهو في بلده وبين مواطنيه. وربّما يتوهّم أنّ ذلك يوجب الجناية والإخلال بالنظم أو ما أشبه، لكن حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد، حسب المثل الفلسفي.. إن وضع الحدود هو خلاف الإنسانية وخلاف العقل وكرامة الإنسان، وإنما صارت بسبب جهل الحكام بهدف تقييد الإنسان بما يشاؤون، فاللازم حيث توسعت آفاق المعرفة وزالت معظم الديكتاتوريات، أن تزول تلك الحدود أيضا، وأن الحدود إنما راجت في أشد أزمنة الاستعمار على الشعوب، وحين زال الاستعمار فينبغي أن تزول.

6: المقامرة

قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾(1).

إن القمار من العوامل الأساسية لتدمير البناء الاجتماعي للفقراء وأيضاً للحياة الأسرية، مما ينعكس سلباً على الإنتاج، لأنه عملية استهلاكخالصة، فليس المقامر بمنتج بل يعيش على جيوب الآخرين! وهنالك تفصيل حول الموضوع في الكتب المتخصصة.(2)

ص: 107


1- سورة البقرة: 219.
2- يظهر تقرير نشر في شبكة النبأ المعلوماتية تحت عنوان (المقامرة.. سرطان الحضارة الغربية المتصاعد)، أن الغرب يعج بأماكن رسمية للفساد والدعارة وغسيل الأموال بصورة غير مباشرة، وتوفرت مع تطور التكنولوجيا إمكانات ضخمة لدى مروجي ومستخدمي تلك الأماكن في جذب الزبائن والمستثمرين من كافة أنحاء العالم بالطرق الاعتيادية أو عبر شبكة الانترنت من خلال شركات خاصة. وللتفصيل يراجع الملحق.

7: الفساد المالي

قال الإمام علي (عليه السلام): «إنما هلك من كان قبلكم أنهم منعوا الناس الحق فاشتروه، وأخذوهم بالباطل فاقتدوه»(1).

وقال (عليه السلام) : «لا ينبغي أن يكون الوالي المرتشي في الحكم، فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع»(2).

إن الرشوة تزيد الفقراء فقراً، وهو زيف واستغلال وفساد وإفساد، فإن المرتشي يستغل حاجة الطرف الآخر فقيراً كان أم غنياً مما يزيد نسبة الفقر أو درجته في الحالتين، وأماالأغنياء فإنهم يعوضون خسائرهم من الرشوة بزيادة قيمة منتجاتهم وبضائعهم.(3)

8: الاحتكار

8: الاحتكار(4) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون»(5).

ص: 108


1- نهج البلاغة: ص366.
2- نهج البلاغة: الخطبة 131.
3- كشف التقرير الدولي للفساد 2009، والذي أعدته (منظمة الشفافية الدولية) أن العالم ينفق ما بين 20 و40 مليار دولار على الرشاوي سنوياً، وتعادل قيمة هذه الرشاوي حوالي 20% إلى 40% من المساعدات التنموية الرسمية. وهو ما يلحق الضرر بالتجارة والتنمية والمستهلك. وللتفصيل يراجع الملحق.
4- الاحتكار لغة من (الحكرة) وهو السيطرة. واصطلاحاً: هو حبس الطعام أو كل ما يضر الناس أو يعسر عليهم وقت الحاجة الماسة وأينما تكون قليلة أو نادرة حتى يرتفع ثمنه فيعرضه للبيع. وللتفصيل يراجع الملحق.
5- الكافي: ج5 ص165.

وقال الإمام علي (عليه السلام) في عهده للأشتر: «فامنع من الاحتكار، فإن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) منع منه، وليكن البيع سمحاً بموازين عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع»(1).

وقد أرشدنا الإمام علي عليه الصلاة والسلام، في روايات عديدة، إلى ماهية الاحتكار،وحدوده، وحقيقة المحتكر وشاكلته النفسية وغير ذلك وسنقتصر في هذه العجالة، على الإشارة لبعض كلماته صلوات الله عليه فقط.

فقد قال الإمام علي (عليه السلام): الحكرة في الخصب أربعون يوماً، وفي الشدّة والبلاء ثلاثة أياّم، فما زاد فصاحبه ملعون.(2) (الاحتكار) شؤمٍ على المجتمع، وعلى صاحبه أيضاً، لذا فإن صاحبه ملعون، أي مطرود عن رحمة الله تعالى وبعيد عن الخيرات والبركات.

ويحتمل أن يكون تحديد الأربعين يوماً في الرخاء والثلاثة أيام في الشدة والبلاء، من باب القضية الخارجية، لا الحقيقية، وإن الأمر ليس على نحو التشريع العام، بل الأمر مرتهن بالشروط الموضوعية، فربما زاد أو نقص، ويكون الأمر موكلاً إلى الحاكم الجامع لشرائط رضا الله ورضا الناس، حسب ما فصّله السيد الوالد (قدّس سرّه) في(الشورى في الإسلام) و(الفقه: الدولة الإسلامية) وغيرهما.

ص: 109


1- نهج البلاغة: ج3 ص100.
2- دعائم الإسلام: ج2 ص36، الكافي: ج 5 ص 165.

وعن الإمام علي (عليه السلام): الاحتكار شيمة الفجّار.(1) ان المجتمع طوائف، ولكل طائفة (شاكلة نفسية) و(شيمة) و(الشيمة) هي الطبيعة والجِبِلَّة.

و(الفجار) لهم شاكلة نفسية، وتركيبة سيكولوجية، وهندسة فكرية وبرمجة عصبية خاصة، و(الاحتكار) يعدّ واحداً من مظاهر الشاكلة النفسية ل(الفجار) ف(من احتكر) فأعرف شاكلته النفسية وجبلته من احتكاره! وقال الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام): المحتكر محروم من نعمته.(2) ان (المحتكر محروم من نعمته) حتى لو ربح أموالاً وتضخمت أرصدته، وذلك لأنه خَسر كرامته ونقاوة وجدانه وصفاء ضميره، ولأنه خسر سمعته عند الناس ومكانته في المجتمع، ولأنه يخسر (النعمة) نفسها، إذ (النعمة)تتحول إلى (نقمة) بالاحتكار.

أ - فبدل أن ينتفع بها، (لعاجل دنياه)، بتكثير حركة دوران أمواله وبضائعه مما يسبب تنشيط الحركة الاقتصادية ومما يكسبه أرباحاً أيضاً، تجده يكنزها ويحتكرها فتجمد وتركد ويجمد ويركد، فتكون ويكون هو كالماء الآسن كلما ظل راكداً، ازدادت عفونته.

ب- وبدل أن ينتفع بها (لآجل آخرته) بالانفاق والبذل والاحسان وتأسيس المؤسسات ومختلف أنواع الباقيات الصالحات، تراه يحتكر

ص: 110


1- غرر الحكم: ج1 ص33 ، مستدرك الوسائل: ج 13 ص 276.
2- غرر الحكم: ج1 ص28 الفصل الأول ح 520.

نعمة الأموال، والثروات وسائر المنح الإلهية، فهو بذلك كله هو المحروم حقاً من (نعمته).

وقال (عليه السلام) أيضاً: المحتكر البخيل جامع لمن لا يشكره وقادم لمن لا يعذره.(1) ان (النظرة المستقبلية) تُحكم على المحتكر البخيل وتدينه أيضاً، فإن المحتكر البخيل يخلّف ثروته العريضة، لأولاده، وسائرورثته، وهم سرعان ما ينسونه ليغرقوا في إلتهام ثروته وتبديدها في نزواتهم، وقلّ منهم من تجده يلتزم الجادة المستقيمة، وإن فعل فإنه لا يحمد أباه المحتكر بل تجده ساخطاً عليه أو خجلاً منه فعلامَ يشكره؟ ثم إن هذا المحتكر البخيل، يقدِم، في آخرته، على مَن لا يعذره أيضاً، فأي خاسر أخسر منه؟

9: الربا

قال الله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾(2).

وقال الإمام علي (عليه السلام): «يا معشر التجار، الفقه ثم المتجر، الفقه ثم المتجر، والله للربا في هذه الأمة دبيب أخفى من دبيب النمل على الصفا»(3).

ص: 111


1- غرر الحكم: ج1 ص93 الفصل الأوّل ح 1865.
2- سورة البقرة: 276.
3- تهذيب الأحكام: ج7 ص6 ب1 ح16.

وهو إشارة لتحريم الربا المقنّع أو الاحتيال في الربا، كما في مثال علبة الكبريت!! أما كيف ينشر الربا آفةالفقر في جسد الأمة، فنشير هنا إلى حالتين من حالات عديدة تجعل عملية الاقتراض سبباً في تكريس ظاهرة الفقر:

أ: أن يكون المقترض بحاجة ماسّة للقرض، كما لو احتاج إلى عملية جراحية أو علاج مستعجل، أو احتاج المال لتغطية تكاليف زواج ابنه، أو لتسديد دين أو لدفع غرامة أو ضريبة، أو غير ذلك.

ومن الواضح أن هكذا إنسان هو عادةً من ذوي الدخل المحدود، وإلاّ لما اضطر للاقتراض، فأخذ الربا منه حتى ولو بنسبة قليلة يعني تشديد الضغوط عليه، وزيادة حالة الفقر لديه، أو تحوله من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة الفقيرة.

ب: أن يقترض للتجارة أو التوسع في التجارة.

ومن الواضح أن أخذ الربا من هذا المستثمر يؤدي - كناتج نهائي - إلى تشديد الضغط على الفقراء أيضاً، فهو من أجل أن يعوض نسبة الربا المفروضةعليه، يضطر إما لتخفيض أجور العمال، وهم عادة من ذوي الدخل المحدود، وإما لزيادة قيمة منتجاته، مما ينعكس سلباً على الفقراء.

ثم إن الربا يخلق شريحة غير منتجة في الأمة، إذ إن كثيراً من الناس سيدفعهم هذا الإثراء السهل إلى التحول إلى مرابين، بدءاً من محيط

ص: 112

القرية الصغيرة، وانتهاء بالمستوى العالمي، ومما يعني خلق شريحة غير منتجة، بل شريحة تعتمد في إثراءها على امتصاص دماء الآخرين، مما يسبب توسيع الهوة بين الأغنياء والفقراء، فيزداد الأغنياء غنىً والفقراء فقراً، وهذا بدوره ستتمخض عنه سلسلة من الاضطرابات الاجتماعية على المدى القصير والبعيد.

فعلى المدى القصير، يؤدي الضغط الاقتصادي إلى تحطيم بناء الأسرة ويخلق أمراضاً نفسية مثل الكآبة ويسبب تدهور الأعصاب، بل يوفر الأرضية لحدوث أمراض عديدة متنوعة أخرى، مما ينعكس كل ذلكعلى الإنتاج مباشرة، ويزيد الفقراء فقراً من عدة جهات.

وقد توصلت (اليابان) أخيراً إلى الأضرار الكبيرة للربا، فخفضت نسبة الفائدة إلى أن أوصلتها إلى قريب من نسبة الصفر، ثم أوصلتها إلى الصفر في الشهر السادس أو أواخر الشهر السابع(1).

وفي الاتجاه المعاكس فإن تحريم الربا يدفع للإنتاج الواقعي المثمر: المزارعة.. المضاربة.. البناء.. وما إلى ذلك.

وبتعبير آخر فإن الربا يحول النقد من واسطة سليمة لتبادل البضائع إلى (بضاعة كاذبة).(2)

ص: 113


1- حسب ما ورد في مجلة (نيوزويك) وغيرها.
2- يقول المرجع الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) في كتابه (فقه العولمة): ويميز العولمة الإسلامية من الجانب المادي والمالي: عدم المراباة، فإن عدم المراباة هو الميزة الجوهرية للاقتصاد الإسلامي، حيث لا يَظلم صاحب رأس المال ولا يُظلم، كما قال تعالى، وهذه الميزة اللاربوية هي من مفاخر وخصائص هذا الاقتصاد السماوي السليم، وبها يتميز ويتفرد وبشكل واضح عن الاقتصاد الرأسمالي وعن الاقتصاد الشيوعي والاشتراكي البائد، وقد أخذت العديد من البنوك في العالم نظريات البنك اللاربوي في الإسلام، الذي هو واقعاً مصداق البنك التساهمي، والذي لايحيف بزبائنه، بل يتحمل كل منهم كلاً من الربح والخسارة، مع الخضوع لمتغيرات السوق وتقلباته. ويضيف (قدس سره) يحرم الربا وتحرم المعاملات الربوية، فقد كتب الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: «علة تحريم الربا إنما نهى الله عزوجل عنه لما فيه من فساد الأموال، لأن الإنسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهماً وثمن الآخر باطلا فبيع الربا وشراؤه وَكَس على كل حال على المشتري وعلى البائع، فحظر الله تبارك وتعالى على العباد الربا لعلة فساد الأموال، كما حظر على السفيه أن يدفع إليه ماله لما يتخوف عليه من إفساده حتى يؤنس منه رشداً، فلهذه العلة حرم الله الربا، وبيع الربا بيع الدرهم بدرهمين، وعلة تحريم الربا بعد البينة لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرم وهي كبيرة بعد البيان وتحريم الله تعالى لها لم يكن ذلك منه إلا استخفافاً بالمحرم للحرام والاستخفاف بذلك دخول في الكفر، وعلة تحريم الربا بالنسيئة لعلة ذهاب المعروف وتلف الأموال ورغبة الناس في الربح وتركهم القرض وصنائع المعروف، ولما في ذلك من الفساد والظلم وفناء الأموال». وسأل هشام بن الحكم أبا عبد الله (عليه السلام) عن علة تحريم الربا؟ فقال: «إنه لو كان الربا حلالا لترك الناس التجارات وما يحتاجون إليه فحرم الله الربا ليفر الناس من الحرام إلى الحلال وإلى التجارات وإلى البيع والشراء فيبقى ذلك بينهم في القرض». ويقول آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره) في كتابه (الاقتصاد): تدور فكرة الإسلام عن الملكية على نقطة واحدة، هي من حيث التحليل والتحريم في منابع الثروة، وهي قانون (تكافؤ الفرص) فالعمل سبب لتنمية المال، فبنفسه لا ينمو، والنقود لا تلد النقود، ولو مر عليها ألف سنة... من وحي هذه الفلسفة الواقعية ينظم الإسلام برنامج اقتصادياته، ويرسم الحدود والقيود للمكاسب وعلى هذا الضوء يحرم أشياء ويحلل أشياء. ويضيف الشهيد (قدس سره): الربا عصب الرأسمالية ودعامتها الراسية، لأن الربا لا يكون إلا في المجتمع المضطرب، فيه الثري الذي نقوده أكثر من نفقاته وتجاراته، وفيه المحتاج الذي سدت في وجهه السبل، فلم يجد منفذاً يرتزق منه أينما اتجه، حتى التجأ إلى المعاملات الربوية بدافع الحاجة والاضطرار، وإن خسر الفائض كل يوم، لكنه كالمقدم على الانتحار...وهكذا الربا ينمو ويزيد أضعافاً مضاعفة، فما هي إلا سنوات حتى تتسرب ثروات هائلة من أنامل الكادحين إلى مخازن المترفين. انتهى. وفي تقرير نشر على شبكة النبأ المعلوماتية يظهر أن الكثير من الاقتصاديين اعتبر التمويل والصناعة المالية الإسلامية أثبتت بعد الأزمة المالية العالمية أنها النظام الوحيد الممكن لتلافي الأزمات المتكررة. فيما يعد قيام الحكومات الغربية بتأميم فعلي لشركاتها المتعثرة، ردة على مبادئ وأساسيات الاقتصاد الرأسمالي، مما يثبت انقضاء تلك الحقبة. وللتفاصيل يراجع الملحق.

ص: 114

وإلى بعض ما سبق، وغيره أشار الإمام الصادق (عليه السلام) عندما سأله هشام بن الحكم قال:

سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن علة تحريم الربا؟ فقال (عليه السلام): «إنه لو كان الربا حلالاً لترك الناس» - والمقصود كثير من الناس -- «التجارات وما يحتاجون إليه، فحرم الله الربا لتنفر الناس عن الحرام إلى التجارات وإلى البيع والشراء فيتصل ذلك بينهم في القرض»(1).

10: تلويث البيئة

من أهم أسباب الفقر الإضرار بالبيئة، وقد حذر الله من ذلك بقوله: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾(2).وإفساد البيئة عامل تتعاون فيه الحكومات والشعوب.

فالحكومات هي السبب الرئيس في إفساد البيئة، ومن الأمثلة

ص: 115


1- من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 567.
2- سورة البقرة: 205.

على ذلك:

رفض أميركا للدخول في اتفاقية كيوتو للحد من انبعاث الغازات السامة التي تسبب أضراراً بليغة بطبقة الأوزون.

ومثال المعمل النووي في الإتحاد السوفياتي السابق (شرنوبيل)، وغير ذلك.(1) كما أن (الشعوب) مسؤولة أيضاً.

وواضح أن إفساد البيئة يزيد الفقراء فقراً، كما يسبب تحول مجاميع كبيرة من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة الفقيرة، إذ فساد البيئة يعد من أهمأسباب الأمراض، والأمراض هي من أهم أسباب الفقر، لأن المرض:

أ: يسقط العامل عن العمل والإنتاج، فتحرم الأسرة من عائلها.

ب: ويضع تكاليف هائلة على أكتاف الأسرة، مما لا تستطيع حتى الأسر المتوسطة في كثير من الأحيان تحمل ذلك.

وفساد البيئة يضر بالإنتاج الزراعي أيضاً، مما ينعكس سلباً على الفقراء.

ص: 116


1- قالت دراسة: إن تدهور البيئة يمكن أن يدفع قرابة 50 مليونا إلى النزوح عن مواطنهم بحلول عام 2010 وإن العالم بحاجة لتعريف نوع جديد من اللجوء اسمه (اللاجئ البيئي). وأظهرت الدراسة التي أعدها معهد البيئة والأمن البشري التابع لجامعة الأمم المتحدة أن التصحر وارتفاع مستويات المياه في البحار والفيضانات والعواصف المرتبطة بتغير المناخ ربما تؤدي لنزوح مئات الملايين. وقدر أن نحو 20 مليونا اضطروا بالفعل للنزوح بسبب مشكلات مرتبطة بتدمير البيئة تراوحت بين تآكل الأراض الزراعية إلى تلوث إمدادات المياه. وللتفصيل يراجع الملحق.

وللتفاصيل راجع (الفقه: البيئة) للإمام الشيرازي (رحمه الله).

11: الإسراف والتبذير

اشارة

قال تعالى: ﴿إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾(1).

وقال الإمام علي (عليه السلام): «التبذير عنوان الفاقة»(2).

والفاقة هي الحاجة، فإذا أردت أن تكون محتاجاً إلى الآخرين، ماداً يدك إليهم، ملتمساً فتات موائدهم، فما عليكإلا بتبذير أموالك وإنفاقها على الحفلات والأكلات والسفرات والكماليات ونظائرها.

وقال (عليه السلام): «من افتخر بالتبذير احتقر بالإفلاس»(3).

وقال (عليه السلام): «كن سمحاً ولا تكن مبذراً، وكن مقدراً ولا تكن مقتراً»(4).

وما أكثر التبذير في عالم اليوم؟ وقال (عليه السلام): ذر السرف فإنّ المسرف لا يُحمَد جُودُه ولا يُرحم فقره.(5) واللفتة الرائعة في هذه الرواية انها جمعت الأمر بترك الإسراف، إلى التعليل والحكمة والسبب في ذلك النهي، والسبب هو ان المسرف

ص: 117


1- سورة الإسراء: 27.
2- غرر الحكم: ص359.
3- غرر الحكم: ص360.
4- نهج البلاغة: ص474.
5- غرر الحكم: ج1 ص365 الفصل الثاني والثلاثون ح28.

ليس جوده وبذله غير المدروس، بمحمود ولا ممدوح، كما أنّ فقرَه الذي نتج عن إسرافه، لا يستتبع رحمة الله له ولا رحمة الناس، لأنهم يرونه المقصّر في فقره، بتهوره وإسرافه.وقال (عليه السلام): سبب الفقر الإسراف.(1) وهذا حديث صريح في ان الإسراف هو سبب الفقر، وإطلاقه يحكم بان ذلك صحيح سواء على مستوى الأفراد أم الجماعات أم الدول.. وما أكثر إسراف الدول! وقال (عليه السلام): من أشرف الشرف الكف عن التبذير والسرف.(2) إذن: شريف هو من لا يرمي النواة وبها بعض الفاكهة.. وشريف هو من يغلق حنفية الماء أثناء الوضوء أو غيره.. وشريف هو من يطفأ المصابيح في غير وقت الحاجة.. وشريف هو من لا يرمي الأجهزة المستعملة في القمامة، وكذا الملابس، والفرش، وحتى الانقاض، بل يجد لها المصرف الملائم، أو يبيعها لطلّابها.. بل كل ذلك من أشرف الشرف.

وقال (عليه السلام): ويح المسرف ما أبعده عن صلاح نفسه واستدراكأمره.(3) وهذا يعني ان الصلاح والإسراف، ضدان لا يجتمعان، كما يعني

ص: 118


1- غرر الحكم: ج1 ص 390 الفصل الثامن والثلاثون ح 20.
2- غرر الحكم: ج2 ص256 الفصل الثامن والسبعون ح138.
3- غرر الحكم: ج2 ص 303 الفصل الثالث والثمانون ح 31.

ان الإسراف يعني قِصَر النظر ويعني التفريط بعاقبة الأمر.

استثناء الإسراف في أفعال الخير

قال علي (عليه السلام): الإسراف مذموم في كلّ شيء إلاّ في أفعال البرّ.(1) وفلسفة هذا الاستثناء أن (أفعال الخير) تعود بالمردود الاقتصادي والاجتماعي والنفسي – إضافة للأخروي – على الإنسان نفسه، فإن من ينفق بسخاء في أفعال البرّ – كالفقراء والأيتام وكتأسيس المساجد والمدارس والمكتبات والحسينيات والمعاهد ومراكز الدراسات والجامعات والحوزات – فإنه يكسب ثقة الناس وحبهم، فيمد الجميع إليه يد العون ولا يسمحون بان تنهار تجارته أو يخسر في صفقاته، ولئن سقط رَفَعَه الجميع معهموأسنده كل منهم بنوعٍ وشكلٍ وطريقةٍ فيعود أقوى مما سبق، ولذلك قال أيضاً (عليه السلام): في كلّ شيء يذم السرف إلاّ في صنائع المعروف والمبالغة في الطاعة.(2) ولعل خروج الإسراف في (صنائع المعروف) عن المذمة هو خروج تخصّصي، أي انه ليس في جوهره إسرافاً لأنه مال الله وقد أنفقه العبد في طاعة الله أو في ما أمر الله به من المعروف، وليس الخروج خروجاً تخصيصياً. فتأمل.

ص: 119


1- غرر الحكم: ج1 ص 101 الفصل الأول ح 1960.
2- غرر الحكم: ج2 ص56 الفصل الثامن والخمسون ح 85.

وعلى أية حال فان هاتين الروايتين لا مجال لاستغرابهما بعد مطابقتهما لكتاب الله، قال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) كما يحتمل ان يكون الاستثناء لإيجاد التوازن.

12: الغش والتطفيف

قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْيُخْسِرُونَ﴾(1).

وفي رواية:

«ما ظهر البخس في الميزان إلاّ وظهر فيهم الخسران والفقر»(2).

وقال تعالى: ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾(3).

وهذا ما يقوم به الدول وبعض التجار الآن، وهو من أسباب الفقر لأن التطفيف في الميزان ينعكس سلباً على الطبقة محدودة الدخل بشكل مباشر.

وكما التطفيف، كذلك الغش فإنه يضغط على الفقراء مباشرة، وقد نهى الإمام الباقر (عليه السلام) هشام من أن يبيع السابري - وهو نوع قماش ثمين - في الظلال وقال (عليه السلام):

ص: 120


1- سورة المطففين: 1 -- 3.
2- مستدرك الوسائل: ج 13 ص 234، جامع أحاديث الشيعة: ج 13 ص 410.
3- سورة الأعراف: 85.

«يا هشام إن البيع في الظلال غش والغش لا يحل»(1).

ومن إرشادات الإمام الصادق(عليه السلام): «ولا تكتم عيباً يكون في تجارتك، ولا تغبن المسترسل فإن غبنه لا يحل، ولا ترض للناس إلاّ بما ترضى لنفسك، وأعط الحق وخذه ولا تخن ولا تخف»(2).

وواضح أن عدم كتمان العيب وعدم غبن البسطاء، له أثر مباشر في تخفيف الضغط على الفقراء، وله أثر غير مباشر من حيث إشاعته الثقة بين الناس، مما ينعكس إيجاباً على العلاقات الاجتماعية، ويخفف بؤر التوتر والاضطراب الاجتماعي مما يوفر الأرضية لاقتصاد مستقر مزدهر، إضافة إلى أنه يدفع الجميع نحو الإتقان في الإنتاج - بدل الغبن والتطفيف - مما يحسن الجودة فتطول أعمار المنتجات فيقل الضغط على الفقراء لعدم اضطرارهم لشراء البضاعة من جديد بعد فترة قليلة نظراً لخرابها أو تعطلها أو ما أشبه.

13: تزوير العملة

فإنه من أسباب الغلاء والفقر،لأن طباعة النقد والعملة أكثر من واقع الخلفية الاقتصادية الحقيقية له يعد من أسباب التضخم، ولذا نجد الإمام الكاظم (عليه السلام) نظر إلى دينار، فلما شاهد أنه مغشوش أخذه

ص: 121


1- تهذيب الأحكام: ج7 ص13.
2- وسائل الشيعة: ج17 ص385.

بيده ثم قطعه نصفين وقال:

«ألقه في البالوعة حتى لا يباع شيء فيه غش».

وكان في ذلك رسالة مهمة لكل من يقوم بعملية تزوير العملات. وقد قال الإمام علي (عليه السلام) في نظير المقام متحدثاً عن العالم الفاسق (ونصب للناس اشراكا من حبائل غرور وقول زور) وقال أمير المؤمنين أيضاً (فان أموال المسلمين لا تحتمل الاضرار)(1)

14: فرض الضرائب على الاستهلاك

وهذا خطأ فادح وقعت فيه حكومات عالم اليوم، بينما نجد أن الإسلام يضع الضرائب علىالفائض من الأرباح، فإن الضريبة على الاستهلاك تضغط على الفقراء بشدة، وتزيدهم فقراً إلى فقر.

فإننا نجد في الدول الغربية أن الضريبة تجعل على كل بضاعة حيث إن كل ما يشترى من السوبر ماركت أو السوق فإن ضريبته معه، مما يشكل أكبر العبء على الفقراء.(2) أما ضرائب الإسلام، وهي الخمس والزكاة مثلاً، فلا تؤخذ إلاّ إذا فاض شيء عن احتياجات الشخص (من مأكل وملبس ومشرب

ص: 122


1- الخصال: ص 310، وسائل الشيعة: ج 17 ص 404.
2- ضريبة على القيمة المضافة هي ضريبة مركبة تفرض على فارق سعر التكلفة وسعر المبيع للسلع، وقد ظهرت للمرة الأولى سنة 1954 في فرنسا. للتفصيل يراجع الملحق.

ومركب ومسكن وزواج وسفر ونزهة على حسب شأنه وشبه ذلك) فيؤخذ منه الخمس بعد مرور سنة كاملة على الربح(1) وبعد استثناء كافة المؤن والنفقات.

وقد قال الإمام علي عليه السلام في عهده لمالك الاشتر (وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأَرْضأَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لاَِنَّ ذلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بَالْعِمَارَةِ; وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً. فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلاً أَوْ عِلَّةً، أَوِ انْقِطَاعَ شِرْب أَوْ بَالَّة، أَوْ إِحَالَةَ أَرْض اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِما تَرْجُو أَنْ يصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ ; وَلاَ يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمؤُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلادِكَ، وَتَزْيِينِ وِلاَيَتِكَ، مَعَ اسْتِجْلاَبِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ، وَتَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ، مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ ، بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ، وَالثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ وَرِفْقِكَ بِهِمْ، فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنْ الأمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ; فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الأرْض مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لإشْرَافِ أَنْفُس الْوُلاَةِ عَلَى الْجَمْعِ ، وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ،وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ.

15: إغراق الأسواق

وقد حرم الإسلام ذلك لأنه يسبب الأضرار بالاقتصاد الوطني،

ص: 123


1- وقيل: على بدء الاستثمار والتجارة.

وهو يعدّ منافسة غير عادلة، ويسبب إغلاق المصانع وتسريح العمال، كما يسبب اضطرابات اجتماعية وسياسية، كما يؤدي إلى خفض الإنتاج الوطني.

وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا ضرر ولا ضرار. وقال أمير المؤمنين عليه السلام رادعاً عن كل ما يضر بالعامة (أن في كثير منهم – أي التجار وذوي الصناعات – ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً واحتكاراً للمنافع... وذلك باب مضرة للعامة).

لذلك أفتى الإمام الشيرازي (رحمه الله) في (الفقه: المرور)(1) بتحريمه، لقاعدة لا ضرر.

والإغراق هو أحد أهم أدوات الدول الاستعمارية لتحطيم الشعوب الناهضة وهي من أهم أضرار العولمة أيضاً.

ص: 124


1- الفقه المرور: ص176 -- 177.

ص: 125

ص: 126

الباب الثاني: الفقير تثقيفه، واجباته ومسؤولياته، وطرقه نحو الثراء

اشارة

ص: 127

ص: 128

الفقير: تثقيفه، واجباته ومسؤولياته،وطرقه نحو الثراء

تمهيد:

تتوزع مباحث هذا الباب على محاور ثلاثة:

المحور الأول: يبحث عن الرؤية العامة تجاه الفقر، وعن الثقافة التي ينبغي للفقراء ان يثقفوا بها أنفسهم حسب ما يستفاد من تعليمات أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام.

المحور الثاني: يتضمن الإشارة إلى بعض أهم واجبات الفقير كما يتضمن – وبالدلالة الالتزامية – بعض اهم مسئولياته.

المحور الثالث: يدور عن الطرق والسبل والآليات والعلل المعدّة(1) التي يمكن للفقراء أو التي يلزم عليهم ان يلتزموا بها كي يخرجوا من دائرة الفقر.

وغير خفي ان الكثير من هذه الطرق والآليات، وتلكالمسؤوليات والواجبات، ليست خاصة بالفقراء، بل هي عامة تشمل الطبقة المتوسطة والأغنياء أيضاً(2)، إلا اننا خصصنا الفقراء بالذكر لمسيس

ص: 129


1- العلة المعدة هي – حسب المصطلح – ما يلزم من وجوده وعدمه الوجود، ويقصد بها المقدمات الطبيعية التي ينبغي توفيرها للوصول إلى الغاية المنشودة، والتي بتتابعها وتعاقبها وتوفرها على الشروط الأخرى، تقتضي ذلك.
2- فان الأغنياء مرشحون لأن يتحولوا إلى فقراء إذا أهملوا سبل المحافظة على الثروة كما ان ثرواتهم ستكون الطريق المعبّد نحو (الشقاء) لا السعادة، لو أهملوا واجباتهم ومسؤولياتهم.

حاجتهم إليها .

كما ان من الضروري التنبيه على ان بعض ما أدرج في دائرة المسؤوليات، يصلح ان يدرج في محور الطرق والسبل، وبالعكس، مع بعض التحوير والتطوير نظراً لاشتمال تلك العناوين على كلتا جهتي المسؤولية والطريقية والعلية الاعدادية(1) .

ولم نأخذ على عاتقنا استيعاب كلمات ورؤى أمير المؤمنين حول هذه المحاور الثلاثة، فان ذلك يستدعي كتابة مجلد ضخم بل أكثر، بل اقتصرنا على مقتطفات وشذرات ودرر وفوائد، وباختصار وإيجاز.ثم اننا اعتمدنا في اختيار كلمات الأمير صلوات الله عليه على كتاب (المال، أخذاً وعطاءاً وصرفاً) الذي يقع ضمن موسوعة (الفقة) الكبرى للسيد الوالد قدس سره، فاقتطفنا بعض ما استعرضه من أحاديث شريفة، وأضفنا عليه بعض التعليق أو الشرح والتوضيح.

ص: 130


1- فمثلاً (ساعدوا أهاليكم) هي مسؤولية، إذ مساعدة المرء لأهله تعدّ من أهم مسؤولياته الإنسانية، كما هي في الوقت نفسه آلية من آليات المحافظة على الثروة وتنميتها إذ التعاون يعد من أقوى سبل الحفاظ على المكتسبات وتنميتها. وكذلك الحال في (التزم الرفق والقصد) وهكذا، فتدبر جيداً

المحور الأول: الرؤية العامة تجاه الفقر وكيف يجب أن تكون ثقافة الفقراء؟

طلب الحلال عبادة

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل: أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) سأل ربّه سبحانه وتعالى ليلة المعراج فقال: يا ربّ أيّ الأعمال أفضل؟ -إلى أن قال -: فقال الله تعالى: يا أحمد، إنّ العبادة عشرة أجزاء، تسعة منها طلب الحلال فإنْ أطيب مطعمك ومشربك، فأنت في حفظي وكنفي.(1) وهنا سؤالان:

السؤال الأول: كيف يكون طلب الرزق الحلال عبادة؟ الجواب: ان (العبادة) هي ما يتقرب به إلى الله تعالى، وهي ما يتعبدنا به الرب وكما يتقرب العبد إلى الله تعالى ب-(الصلاة) لأنها مما يحبه الله تعالى، كذلك يتقرب العبد إلى الله تعالى بطلب الحلال لأنه مما يحبه الله تعالى.وكما يطلب العبد رضا الله تعالى بالصلاة والحج، فانه يطلب رضاه بأن يتّبع منهج الله تعالى ودساتيره وقوانينه في طلب المال الحلال دون المال الحرام

ص: 131


1- جامع أحاديث الشيعة: ج 17ص 86، إرشاد القلوب: ج1 ص 203.

وكما ان (العبد) يتألق بالسمو الروحي، ويقترب إلى الله أكثر فأكثر بذلك، كذلك فانه يتألق بالنزاهة المالية، ويقترب إلى الله أكثر فأكثر بذلك.

السؤال الثاني: لماذا (العبادة عشرة أجزاء، تسعة منها طلب الحلال)؟ الجواب: لعل من أسباب ذلك ان (طلب الحرام) هو المنشأ الأكبر لفساد الآخرة والدنيا؛ إذ أليس من طلب الحرام: السرقة بأنواعها، الغش، الرشوة، الاحتكار، الربا، الغصب، القمار, وهذه ونظائرها تنسف أسس المجتمع والأمة وتحطم دعائم الحضارة، وتقضي على القيم والأخلاق، وتسلب الناس أمنهم الاقتصادي, بل وأمنهم الاجتماعي أيضاً هذا إضافة إلى أن من طلبالحلال، صحت عباداته، اما من طلب الحرام، فسكن في دار اشتراها من أموال محرمة أو لبس ملابس ملوثة بالحرام مثلاً، فإن (صلاته) – وهي عمود الدين – لا تقبل منه!

الكسب فريضة

عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): طلب الكسب فريضة بعد الفريضة.(1) (الفريضة) المعروفة هي الصلاة وهي (عمود الدين) و(معراج المؤمن) وهناك (فريضة) أخرى - يصرح بها هذا الحديث - وهي: فريضة

ص: 132


1- بحار الأنوار: ج100 ص17 ب1 ح79، جامع أحاديث الشيعة: ج 17ص 14.

(الكسب) والاكتساب، فإن الانفاق على النفس وعلى الزوجة والأولاد والأبوين والأجداد – وأيضاً: الجدَات ولكن فتوى على رأي واحتياطاً على رأي - واجبة، وكذلك الانفاق على ما تملكه من طائر أو دابة ومواشي وأنعام ودواجن.

من أنواع الجهاد: الجهاد الاقتصادي

عن موسى بن بكر, قال لي أبو الحسن (عليه السلام): من طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل الله عز وجل، فإن غلب عليه ذلك فليستدن على الله عز وجل وعلى رسوله ما يقوت به عياله، فإن مات ولم يقضه كان على الإمام قضاؤه فإن لم يقضه كان عليه وزره، إن الله عز وجل يقول: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين﴾ (1) فهو فقير مسكين مغرم.(2) يسفتاد من هذا الحديث والأحاديث التالية وغيرها: أن هناك نوعاً من الجهاد هاماً جداً هو (الجهاد الاقتصادي).

ولعله لا يقل أهمية عن الجهاد العسكري أي (جهاد الطواغيت والمعتدين) فإن (الجهاد الاقتصادي) هو العلة المبقيةلما يتحقق بالجهاد العسكري، من مكاسب وانجازات، وهو الضمانة لاستمرار الحياة

ص: 133


1- سورة التوبة: الآية 60.
2- الكافي (فروع): ج5 ص93 ح3.

بالشكل السليم.

ولهذا الجهاد ركنان:

1- أن يطلب الرزق من مصادر مشروعة.

2- أن ينفقه في بناء الأسرة الصالحة ورعاية شؤونها، لأن (الأسرة) هي اللبنة الأساس الأولى في بناء المجتمع، فإن صلحت صلح المجتمع وإن فسدت فسد.

أما لو أغلقت الأبواب كلها على المرء، فعليه أن يستدين، فإن (الدين) باب من أبواب الحياة، وعليه أداء الدين، فإن لم يستطع فعلى بيت المال، وإذا لم يقم بيت المال - الذي تستحوذ عليه الحكومات في عالم اليوم – بذلك، كان الوزر والإثم والعقاب من نصيب القائمين عليه، اي كافة المسؤولين ممن ترتبط به هذه الأمور بوجه! ثم ان الحديث عن (بيت المال) في معادلة الدولة وعن بيت المال الذي هو بحوزة الإمامالعادل، ثم الذي يصل من الأموال إلى الفقهاء الجامعي الشرائط وتحديد الأولويات والحدود وغيرها، لهو حديث طويل وقد بحث السيد الوالد جوانب كثيرة من ذلك في (الفقه: الدولة الإسلامية) (الاقتصاد) وغيرهما، ولعل الله تعالى يوفق لكتابة دراسة مستوعبة عن ذلك.

هرم السعادة: التقوى، الصحة، والمال

وقال (عليه السلام): ألا وإنّ من النّعم سعة المال، وأفضل من سعة المال

ص: 134

صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب.(1) إن (سعة المال) هي من النعم الإلهية، وليس (الفقر) فانه مصيبة، لكن الرواية تحدد في الوقت ذاته (هرم السعادة) إذ تقع في أعلى الهرم (تقوى القلب) والورع عن محارم الله، لأن (التقي) هو السعيد حقاً حقاً، ثم تقع (صحة البدن) في وسط الهرم، ثم تقع في آخر الهرم (سعة المال) لوضوح ان صحيح البدنوإن كان فقيراً هو أسعد حالاً من سقيم البدن – كمبتلى بمرض عضال كالسرطان أو الإيدز، أو الزهايمر أو حتى أمراض القولون وشبهها – وإن كان سقيم البدن ذا مال، وهذا يعني أن لا يضحي المرء بصحته لأجل أن يحصل على أموال لمجرد أن يتضخم رصيده في البنك مثلاً.

من غايات الثروة وأهدافها:

أ- الاعطاء في النوائب وتخفيف أثقال الناس

عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): الفقر خيرٌ لأمتي من الغنى إلاّ من حمل كلاَّ أو أعطى في نائبة.(2) (الغنى) لا يحمل قيمة ذاتية، بل قيمته طريقية، إذ يهدف به:

من جهة إلى ان (يحمل كلّا) كتكفل شؤون الأيتام والأرامل والمساكين بل وكتكفل شؤون الأسرة، بل وحتى تكفل شؤون (العشيرة) و(المنظمة) و(النقابة) وكتكفل شؤون وأعباء(المرجعية) أيضاً.

ص: 135


1- غرر الحكم: ج1 ص 172 الفصل السادس ح 25.
2- مستدرك الوسائل: ج13 ص15 ب5 ح2.

ومن جهة أخرى الى ان (يعطي في نائبة) كالمساعدة في حوادث الزلزلة، والأعاصير والفيضانات، بل وفي أمواج الكساد التي تعصف أحياناً بالسوق وغيرها.

ب - صيانة الأعراض

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض خطبه: إنّ أفضل الفِعال صيانة العرض بالمال.(1) ان الحصول على المال، مطلوب، ولكن لا لذاته، بل لتحقيق جملة من الأهداف ومنها (صيانة العِرض) والعرض أعم من عرض الشخص والأسرة والشعب والأمة، والحضارة والدين أيضاً، وهذا يعني ضرورة ان تبذل الأموال حفاظاً على (الكرامة الاجتماعية) وعلى (حسن السمعة) ثم ان لصيانة العرض بالمال، مردوداً اقتصادياً أيضاً، فإن التاجر ذا السمعة الحسنة يكسب، بأمانته وحسن سمعته، ثقة الناس، فيقبلون على التعامل معه، فتزداد ثروته .وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) انه قال: حصنّوا الأعراض بالأموال(2).

وهو أمر والأمر دال على الوجوب والظاهر إنصراف (الأعراض) إلى ما كان حفظه واجباً، وإلا استحب التحصين.

وقال (عليه السلام) أيضاً: خير أموالك ما وقى عرضك.(3)

ص: 136


1- الكافي: ج 4 ص 49، وسائل الشيعة: ج 16 ص 192.
2- غرر الحكم: ج1 ص 344 الفصل الثامن والعشرين ح 41.
3- غرر الحكم: ج1 ص 348 الفصل التاسع والعشرين ح 12.

فإن (الخير) بالجوهر لا المظهر، وبسمو الروح لا فخفخة المادة، والعرض هو الجوهر وهو الجوهرة، والمال هو المادة والشكل والمظهر.

وقال (عليه السلام) أيضاً: لم يذهب من مالك ما وقى عرضك.(1) وذلك لأن (المال) تحول إلى قيمة أسمى وتجسد في صورة عليا ولأنه يجرّ إليك (الأموال) أيضاً، كما سبق.

وقال (عليه السلام) أيضاً: من النبل أن يبذل الرجل نفسهويصون عرضه.(2)

(العِرض) معانيه ودوائره

(العرض) مفهوم متعدد الأبعاد، ذو دوائر متعددة:

الدائرة الأولى: العِرض بالمعنى الأخص، ويعني الشرف الشخصي والعائلي في بُعده الأخلاقي.

الدائرة الثانية: العرض بالمعنى الأعم، ويشمل كافة ما يرتبط بالمكانة الاجتماعية وحسن السمعة الأخلاقية، والمالية، والإدارية وغيرها، كما يشمل عرض الشخص، وعرض عائلته، وعِرض حزبه أو عشيرته أو خطه وتياره، وعرض دولته، وعرض أمته أيضاً.

قال في مجمع البحرين مادة عرض (قيل هو موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره. وقيل هو جانبه

ص: 137


1- غرر الحكم: ج2 ص139 الفصل الرابع والسبعون ح 16.
2- غرر الحكم: ج2 ص 253 الفصل الثامن والسبعون ح 96.

الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه ان يُنتقص ويعاب).

وفي الرؤية العامة تجاه المال، لا بد أن يكون (المال)هادفاً، ومن أهم الأهداف صيانة الأعراض في كلتا الدائرتين.

وعلى هذا فلا بد للأفراد، والعوائل، والتجمعات والمنظمات والأحزاب والدول، والشعوب أن تخصص مقادير جيدة، من الأموال، لكي تحظى بسمعة حسنة وذِكر جميل، بين الأمم، وفي داخل دوائر المجتمع، ولدفع أنواع التهمة والغيبة والانتقاص، ولكي يشتهر الشخص بالأمانة والإخلاص والأخلاق والبِرّ والتقوى والعمل الصالح والكفاءة والخبروية والجد والاجتهاد والروح الرياضية والشورية، إضافة إلى تحلِّيه واقعاً بكل ذلك. وقد قال النبي إبراهيم (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) كما تلزم صيانة العرض الأهم بالعرض أيضاً ولذا قال عليه السلام: وقّر عرضك بعرضك تكرّم وتفضّل تُخدم وأحلُم تقدَّم.(1) والروايات الواردة عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ترشدنا إلى أن من اللؤم انتهاجعكس ذلك، فقد قال (عليه السلام) أيضاً: من اللؤم أن يصون الرجل ماله ويبذل عرضه.(2) وقال (عليه السلام) أيضاً: وفور الأموال بانتقاص الأعراض لؤم.(3)

ص: 138


1- غرر الحكم: ج2 ص 305 الفصل الثالث والثمانون ح 51.
2- غرر الحكم: ج2 ص 253 الفصل الثامن والسبعون ح 97.
3- غرر الحكم: ج2 ص 301 الفصل الثالث والثمانون ح 9.

بل أن (الأعراض) تبلغ أهميتها درجة أن يقول الإمام (عليه السلام) كما سبق (من النبل أن يبذل الرجل نفسه ويصون عرضه).(1) وهذا يعني فيما يعني (التضحية) بالنفس في سبيل صيانة (العرض) ومن الناحية الشرعية لذلك مصاديق منها: الدفاع عن (العرض) أي عن أهله – من أم وأخت وزوجة وبنت وغيرهن – ان تنتهك اعراضهن ومنها: الدفاع عن (العرض) أي عن سمعة الإسلام والمسلمين أن تلوث بل تبلغ أهمية العِرض: درجة أن افتى بعض الفقهاء – ومنهم السيد الوالد – بحرمة إجراء(الحدود) إذا كان فيها تلويثاً لسمعة الإسلام والمسلمين على تفصيل ذكره في (الفقه الدولة الإسلامية) وغيرها.

وقال (عليه السلام) أيضاً: وقوا أعراضكم ببذل أموالكم.(2)

ج - الإنفاق في طريق الطاعة

قال الإمام علي (عليه السلام): إنّ أعظم الحسرات يوم القيامة حسرة رجل كسب مالاً في غير طاعة الله فورثه رجل فأنفقه في طاعة الله سبحانه وتعالى فدخل به الجنّة ودخل الأوّل به النار.(3) (المال) هو الجسر الرابط بين الدنيا والآخرة:

فقد يشتري به الإنسان (السعادة) في الدنيا و(الجنة) في الآخرة،

ص: 139


1- غرر الحكم ج2 ص253 فصل 78 ح96.
2- غرر الحكم: ج2 ص 301 الفصل الثالث والثمانون ح8.
3- نهج البلاغة: قصار الحكم: حكمة 429.

وهذا هو الذي يكسب المال من حِلّه وينفقه في محله.

وقد يشتري به (الشقاء) و(الأعداء) و(البغضاء) في الدنيا و (النار) في الآخرة، وهذا هو الذي (كسب ما لا في غير طاعة...) .وقال الإمام علي (عليه السلام): لم يرزق المال من لم ينفقه.(1) هل للمال قيمة (موضوعية)؟.. كلا وألف كلا.. إذ ما قيمة المال (الجامد) المخزون في الصناديق أو المكتنز في الأرض أو حتى في المصرف والبنك؟ بل (المال) له القيمة (الطريقية) بأن تستخدمه في إسعاد عائلتك وجماعتك وشعبك، وفي تنشيط الحركة الاقتصادية وقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) ولذلك يقول الإمام (لم يرزق المال من لم ينفقه) فمن لا ينفق المال في (التعليم) و(الصحة) و(الأمن) و(التقدم والازدهار) لنفسه وأسرته ومجتمعه، هو في الواقع (محروم من المال).

د - (السعادة في الدنيا) و(الفلاح) في الآخرة عن أمير المؤمنين (عليه السلام): يا ابن آدم، لا يكن أكبر همّك، يومك الذي إن فاتك لم يكن منأجلك فإن همّك يوم فإنّ كلّ يوم تحضره يأتي الله فيه برزقك، واعلم أنّك لن تكتسب شيئاً فوق قوتك إلاّ كنت فيه

ص: 140


1- غرر الحكم: ج2 ص 139 الفصل الرابع والسبعون ح 13.

خازناً لغيرك تكثر في الدنيا به نصبك وتحظى به وارثك ويطول معه يوم القيامة حسابك، فاسعد بمالك في حياتك، وقدّم ليوم معادك زاداً يكون أمامك، فإنّ السفر بعيد، والموعد القيامة، والمورد الجنّة أو النار.(1) (المال) ليس هدفاً بل هو وسيلة، والهدف أمران:

1- أن تكون سعيداً في الدنيا (فأسعد بمالك في حياتك) وجوهر السعادة في أن تُرضِي بأموالك ربَّك، وبأن تُرضي بأموالك أهلَك وجيرانك وعشيرتك وشعبك، بأن تبذل لهم وتنفق عليهم وتمنحهم من العطايا والهدايا والخيرات والمبرات ما يجعلك القمة في الإنسانية، وبذلك كله تُرضِي ضميرك ووجدانك أيضاً.

2- أن تعمرّ بأموالك، آخرتك فإنها دار مقرِّك وفيها مستقُّرك؛وكما وجدنا فإن الهدفين مترابطان برباط وثيق، بل أن أحدهما هو الوجه للآخر.

الفقر ضارّ

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الفقر يُخرِس الفَطِن عن حجّته، والمقل غريب في بلدته، ولكن لماذا يخرس الفقر الفطن عن حجته؟ والجواب هو أن الفقير لا يملك وسائل وآليات الدفاع عن حجته وحمايتها، والترويج لها، وإقناع الآخرين بها، وهل يسمح الفقر بامتلاك جرائد ومجلات وإذاعات وفضائيات؟ وهل بمقدور الفقير أن يؤسس مدارس

ص: 141


1- مستدرك الوسائل: ج13 ص35 ب11 ح7.

ومعاهد لتخريج علماء يحملون الفكر ويدافعون عنه بالحجة، ويوصلونها للآخرين؟ إذن.. على الفقراء أن يمتلكوا الثروة، إذا كانوا ذوي فكر ورسالة وهدف في الحياة .

(والمقل غريب في بلدته) لأن (المُقلّ) – الفاقد للأموال، والمعدات والأجهزة ومؤسسات البنية التحتية – لا يلتف حولهالناس، إذ لماذا يلتفون حوله؟ لذلك يكون عادة غريباً وهو في بلدته.. فلا تكن مُقِلَّا إن أردت أن لا تكون غريباً.

أفقر الناس

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): أفقر الناس من قتّر على نفسه مع الغنى والسعة وخلّفه لغيره.(1) وهل الفقر إلا الحرمان؟ وأي فقير أفقر من واجدٍ فاقد؟ وأي فقير أفقر من جامعٍ لغيره وحارم لنفسه رغم مسيس حاجته؟

ثقافة (الأمير) لا (الأسير)

وقال (عليه السلام): استغن بالله عمّن شئت تكن نظيره واحتج إلى من شئت تكن أسيره وأفضل على من شئت تكن أميره.(2) الناس على أصناف ثلاثة:

ص: 142


1- غرر الحكم: ج1 ص 209 الفصل الثامن ح 517.
2- كنز الفوائد: ج2 ص 194.

1- (الأمير) وهو من يحسن إلى الناس ويفيض عليهم من أفضاله.

2- (الأسير) وهو من يمدّ الحاجةّ إلى الناس.

3- (النظير) وهو الذي لا يحسنللناس ولا يمدّ يده إلى الناس .

فأي الأقسام الثلاثة أفضل، وأيّ الناس تحب أن تكون؟ إن ثقافة (ان تكون أميراً) محسِناً للناس، لو سادت المجتمع لتحوّل أكثر الفقراء إلى أغنياء محسنين بدل أن يكونوا فقراء أسراء..

ثم ان هذه الثقافة لو سادت لزادت إنتاجية المجتمع بشكل كبير جداً، فبدل أن يعتاد الفقراء، العيش على الصدقات والمعونات الاجتماعية وعطايا الناس أو الدولة، فانهم لو تحوّلوا إلى تجار أو مزارعين مبدعين أو صناعاً أو غير ذلك، الا يكون عندئذ اقتصاد الوطن بشكل عام أقوى وأمتن وأكثر عمقاً ورسوخاً؟ نعم ستبقى فئة لا يمكنها أبداً تجاوز حاجز الفقر – لعاهة أو غيرها - وهنا يجب على الآخرين ان يقوموا بدورهم من (الاحسان) الذي أمر الله تعالى به (ان الله يأمر بالعدل والإحسان).

الأعمدة الخمسة

روي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان إذا فرغ من الجهاد يتفرّغ لتعليم الناس والقضاء بينهم فإذا فرغ من ذلك اشتغل في حائط له يعمل فيه بيده وهو مع ذلك ذاكر لله تعالى جل جلاله.(1)

ص: 143


1- مستدرك الوسائل: ج 13 ص 25، إرشاد القلوب: ج2 ص218.

والمستفاد من الحديث كون الأعمدة الخمسة التالية، أساسية وضرورية، حيث أعطاها أمير المؤمنين صلوات الله عليه، الوقت والأولوية:

1- الجهاد في سبيل الله.

2- تعليم الناس وتثقيفهم.

3- القضاء وفصل الخصومات.

4- العمل باليد والكدح.

5- ذكر الله تعالى حين العمل.

العامل في الدنيا هو الرابح في الآخرة

وعن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: من أكل من كدّ يده مرّ على الصراط كالبرق الخاطف.(1) ولعل من أسباب ذلك أن التعبوالنصب والجد وبذل الجهد في الدنيا، على طلب الحلال وعدم التحوّل إلى كَلّ وعبأ على الآخرين، يقابله في الآخرة - وكجزاء له - اليسر والسهولة والخلاص من مصاعب ومخاطر الصراط، والوصول للمقصد والفلاح (أي الجنة الموعودة) كأسرع ما يكون.

العامل أفضل من حواريي عيسى

ص: 144


1- جامع الأخبار: ص 139 الفصل التاسع والتسعون، مستدرك الوسائل: ج13 ص23 – 24 ح5.

روي أنهم – الحواريون – اتّبعوا عيسى (عليه السلام) وكانوا إذا جاعوا قالوا: يا روح الله، جعنا، فيضرب بيده على الأرض سهلاً كان أو جبلاً فيخرج لكلّ إنسان منهم رغيفين يأكلهما.

فإذا عطشوا قالوا: يا روح الله، عطشنا فيضرب بيده على الأرض سهلاً كان أو جبلاً فيخرج ماء فيشربون.

قالوا: يا روح الله، من أفضل منّا إذا شئنا أطعمتنا، وإذا شئنا سقيتنا، وقد آمنّا بك واتبعناك؟.

قال: أفضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه، فصاروا يغسلونالثياب بالكراء.(1) وهذا يعني أن العمل والاعتماد على النفس، في توفير ما يحتاجه الإنسان شخصياً، أفضل من الاستناد إلى الغير وإن كان ذلك الغير نبياً وإن كان الطعام الذي يوفره غيبياً وبالاعجاز، وفي ذلك رسالة لكل من يترك العمل الجاد، ويعوض عنه بالالتجاء إلى الدعاء أو التوسل فقط، وفي الحديث (اعقل وتوسل).

حتى الأنبياء عليهم أن يعملوا

عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين قال: أوحى الله عز وجل إلى داود (عليه السلام): إنّك نعم العبد، لولا أنّك تأكل من بيت المال ولا تعمل

ص: 145


1- مجمع البيان: ج1 ص448، مستدرك الوسائل: ج13 ص33 ب8 ح3. والكراء: أجر المستأجر، راجع لسان العرب: ج15 ص218.

بيدك شيئاً.

قال: فبكى داود (عليه السلام) أربعين صباحاً(1)، فأوحى الله عز وجل إلى الحديد، أنْ لِنْ لعبديداود، فألان الله عز وجل له الحديد، فكان يعمل كلّ يوم درعاً فيبيعها بألف درهم، فعمل ثلاثمائة وستين درعاً، فباعها بثلاثمائة وستين ألفاً واستغنى عن بيت المال.(2) وهذا يعني أنه حتى الأنبياء - وهم قممم البشرية، والمسؤولون عن تبليغ الرسالة وإرشاد الناس وهدايتهم -عليهم أن يعملوا لتأمين معاشهم، لا أن يتكلوا على بيت المال.

ولعل السبب في ذلك: أن يكونوا أسوة في العمل، ليقتدي بهم الناس، فلا ينفي ذلك لزوم التخصّص، كالمعلم والمبلغ، والذي ليس بمقدوره إذا أراد أن يبدع أو حتى أن يؤدي مسؤوليته كاملة، إلا أن يعتمد على بيت المال أو خزانة الدولة.

العمل باليد هو سنة الأنبياء

الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه قال: رأيت أبا الحسن – أمير المؤمنين علياً - (عليهالسلام) يعمل في أرض له وقد استنقعت قدماه في العرق.

ص: 146


1- والذي يبدو أنه لم تكن هناك (فرص للعمل) أمام داوود، أو كان يجهلها أو يجهل وظيفته بالضبط، فكان بكاؤه، خوفاً من الله أو استعطافاً له ليرشده إلى نوع العمل الذي يرتضيه الله له.
2- الكافي (فروع): ج5 ص74 ح5.

فقلت له: جعلت فداك أين الرجال؟.

فقال: يا علي، عَمِلَ باليد من هو خيرٌ منّي ومن أبي في أرضه.

فقلت له: من هو؟ فقال: رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين وآبائي (عليهم السلام) كلّهم قد عملوا بأيديهم وهو من عمل النبيين والمرسلين والصالحين.(1) وبذلك يوضح الإمام لنا، أن (العمل) هو سنة وسيرة الأنبياء والمرسلين والصالحين، ولم يكن قضية في واقعه أو حادثة خاصة لسبب خاص.

والعمل بما يصحبه من عرق وتعب، له فوائد وآثار عديدة ومنها:

1- الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في الحياة الشخصية.

2- وصول الأمة إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، فيما إذا اعتاد الجميع على العملالمنتج.

3- الصحة والسلامة البدنية، ولذا نجد القرويين والعمال أقوى بنية وأصح أجساماً وأبعد عن الأمراض، من الخاملين وأرباب المكاتب والأدوار الروتينية.

4- تطهير البدن من الجراثيم والمكروبات والسموم - عبر خروج العرق وغيره -.

5- صقل شخصية الإنسان، بما يجعله يتعود على (الإنتاج)

ص: 147


1- من لا يحضره الفقيه: ج3 ص98 ح28.

وبيتعد عن (الاتكالية).

6- انه يمنح الإنسان لمحة تواضع، كما يزيد ارتباطه بالطبيعة.

7- ويمنحه طول النفس، والصبر والجَلَد والقوة والشكيمة في مواجهة الملمات والنوازل.

8- ويزيد الإنسان عزةً وكرامةً ومكانةً، ويعطيه مصداقية أكبر.

من علائم الزمن الغادر: صدارة الأشرار وبخل التجار و...

وقال (عليه السلام): يأتي على الناس زمان عضوض يعضّ الموسر فيه على ما في يديه ولم يؤمر بذلك، قال الله سبحانه: «ولا تنسواالفضل بينكم»(1) تنهدُ فيه الأشرار، وتُستذل الأخيار، ويبايع المضطرون، وقد نهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن بيع المضطرين.(2) (الإخبار) قد يراد به (الإنشاء)، وقد يستلزمه، أو يدل عليه بدلالة الاقتضاء وقد يكون ملزومه، وعلى ذلك فإنه يستفاد من الحديث أمور وأحكام:

1- لا تعضَّ على ما في يديك ولا تبخل، بل عليك بالجود والسخاء والعطاء.

2- لا تجعل موقع الصدارة للأشرار، ولا تسمح لهم بتسنّم موقع الصدارة الاقتصادية أو غيرها، لأنهم إن صاروا في القمة كانوا كما قال أمير المؤمنين عليه السلام (يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع)

ص: 148


1- سورة البقرة: الآية 237.
2- نهج البلاغة: قصار الحكم: حكمة 468.

3- ولا تستذلَّ الأخيار، ولا تُهِنهم ولا تحقّرهم، بقول ولا فعل ولا موقف، ولا تسمح لأحد بأن يفعل ذلك.

4- لا تنتهز الظروف الصعبةللطرف الآخر، كي تشتري منه منزله أو متجره أو بضائعه، بأبخس الأثمان.

النظرة المتوازنة للعمال والعمل

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): لن يفوتك ما قسم لك فأجمل في الطلب.(1) وفي الحديث (الرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك) والمراد من (لن يفوتك ما قسم لك) ومن الحديث الآتي (الأرزاق لا تنال بالحرص والمغالبة) ومن (ان سعيه لا يزيده فيما قدر له منها) هو (الرزق الذي يطلبك) أي ما كان من دائرة اللوح المحفوظ، وبذلك تعطينا الروايات نظرة متوازنة، فلا تترك الطلب والكسب بالمرة، ولا تكن حريصاً أشد الحرص شرَهاً، بل (اجمل في الطلب) أي أطلب لكن بحكمة واعتدال وجمال، ولا يكونن كدك كداً فاحشاً.

وأما الرزق الذي تطلبه، فهو ما كان من دائرة لوح المحووالإثبات، وهو ذا حدود ومؤطر بإطار اللوح المحفوظ، فهناك مساحة للحركة، وقد تكون واسعة، إلا أنها ليست معلقة مطلقا أو لا نهائية كاملاً، فأطلب

ص: 149


1- غرر الحكم: ج2 ص130 الفصل الثاني والسبعون ح37.

إذن لكن من حِلّه وانفِق إذن لكن في محلِّه.(1)

الثروة والنعمة قد تتحول إلى نقمة

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): اعْلَمُوا يَقِيناً أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِلْعَبْدِ وَ إِنْ عَظُمَتْ حِيلَتُهُ وَ اشْتَدَّتْ طَلِبَتُهُ وَ قَوِيَتْ مَكِيدَتُهُ أَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لَهُ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَ لَمْ يَحُلْ بَيْنَ الْعَبْدِ فِي ضَعْفِهِ وَ قِلَّةِ حِيَلَتِهِ وَ بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ مَا سَمَّى لَهُ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَ الْعَارِفُ لِهَذَا الْعَامِلُ بِهِ أَعْظَمُ النَّاسِ رَاحَةً فِي مَنْفَعَةٍ وَ التَّارِكُ لَهُ الشَّاكُّ فِيهِ أَعْظَمُ النَّاسِ شُغْلًا فِي مَضَرَّةٍ وَ رُبَّ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ مُسْتَدْرَجٌ بِالنَّعْمَى، وَ رُبَّ مُبْتَلًى مَصْنُوعٌ لَهُ بِالْبَلْوَى فَزِدْ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ فِي شُكْرِكَ وَ قَصِّرْ مِنْعَجَلَتِكَ وَ قِفْ عِنْدَ مُنْتَهَى رِزْقِكَ .(2) والحديث كله رائع، لكن سنقتصر على قوله صلوات الله عليه (ورب منعم عليه مستدرج بالنعمى) فنقول:

المال والجمال والشهرة والقوة، نِعَم، لكن العبِرة بالخواتيم، فقد تتحول كلها نِقَماً إذ (رب منعَمٍ مستدرج بالنعمى) فقد تجرّ الأموال، صاحبها إلى الظلم والعدوان والغرور والطغيان، وقال تعالى ﴿كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾(3) وقال ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً﴾(4).

ص: 150


1- أي لا في تشييد مؤسسات الضلال والإضلال أو في تأييد الظالم، أو في القمار والبغاء وغيرها.
2- نهج البلاغة: ص 523.
3- سورة العلق: آية 6 – 7.
4- سورة آل عمران: آية 178.

المحور الثاني: واجبات الفقير ومسؤولياته

اشارة

هل (على الفقير) ان يستسلم لفقره؟ بل هل (للفقير) ان يستسلم لفقره؟ أم ان عليه واجبات عقلية وشرعية، تكفل له ان التزم بها الخروج – في المدى البعيد – من تحت خط الفقر، كما عليه مسؤوليات تحدد إطار وكيفية تعامله مع نفسه ومع الآخرين، ما دام يعيش حالة الفقر والحرمان؟ هذا هو ما تتناوله عناوين هذا الفصل بإيجاز.

عليك بالاكتفاء الذاتي

قال عليه السلام: (ومن فتح على نفسه باباً من المسألة فتح الله عليه باباً من الفقر).(1) وهذا يعني: لا تسأل ولا تستجد بل أعمل ثم أعمل وهذا يعد من أهم واجبات الفقراء. وقد أشرنا إليه في موضع آخر.

عفّ عن الحرام

وقال الإمام علي (عليه السلام): العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى.(2) ان تعفّ عن الحرام والسرقة والغش والخداع والاستجداء والتذلل،

ص: 151


1- كنز الفوائد: ج2 ص 193.
2- كنز الفوائد: ج2 ص 193.

هو العفاف وهو زينة الفقر، و(العفاف) يعد من أهم مواصفات الفقراء.

تكتم على ضرّك

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): من أبدى إلى الناس ضرّه فقد فضح نفسه.(1) و(الضر) عنوان عام يشمل (الأمراض) و(الخلافات) و(العداوات) و(النواقص) و(الفقر) وعلى من ابتلي بالضر ان يحافظ على كرامة نفسه فلا يبتذلها عند هذا وذاك بان يذكر نقاط ضعفه ونواقصه، أو بان يستجدي الرثاء ويستعطي الأموال، بل عليه أن يسعى لكي يرفع نواقصه، ويعالج ضُرة بالحكمةوالعمل الدؤوب والصبر على مشاق الكفاح والنضال من أجل التطور والتكامل.

اترك السؤال

وقال عليه السلام (خير الغنى ترك السؤال) فإن (السؤال) ليس إلا (سمكة) تحصل عليها، ثم تعود محتاجاً من جديد، أما لو تركت السؤال وانشغلت بالعمل والكفاح فإنك تكون قد حصلت على (الشبكة) وعلى مصدر الطاقة المتجدد.

اترك الخضوع

ص: 152


1- كنز الفوائد: ج2 ص 194.

وقال عليه السلام: (وشر الفقر لزوم الخشوع) فان (الخضوع) ذل، وهو فقر نفسي يستتبع فقراً مادياً، وشر منه أن يتحول إلى عادة متجذرة في النفس، وهو ما عبر عنه الحديث ب-(لزوم الخشوع)

كن قانعاً

وقال (عليه السلام): لا ملك أذهب للفاقة من الرضا بالقنوع.(1) إن الرضا بالقنوع هو رمز السعادة، وأية ثروة أعظم منثروة السعادة؟ لذا فانها الملك الأعظم، .

ثم ان الفاقة والحاجة لا تزول بكثرة الأموال بل أن كثرة الأموال تزيدها تجذّراً وتشد الثري إلى الأموال بحبال الجشع، أما الرضا بالقنوع فهو الغنى النفسي الذي يجعلك مستغنياً عن (الماديات) .

ولا يعني ذلك إهمال المال وترك طلب الثروة، بل يعني ان لا تكون أسير المال وعبد الثروة، بل كن السيد والحاكم، فامتلك الثروة ثم وجّهها في وجوه الخير، وأيضاً أقنع بما لديك، ولا تطلب الأكثر، عبر سلوك طريق الحرام.

ميِّز بين الإسراف والاقتصاد

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): كلّ ما زاد على الاقتصاد إسراف.(2)

ص: 153


1- كنز الفوائد: ج2 ص 194.
2- غرر الحكم: ج2 ص 85 الفصل الثاني والستون ح73.

وهذه ضابطة عامة، ومقياس واضح، فإن أحد الضدين قد يُعرَّف بالآخر لأوضحيته وعرفِته، أو لعدم وجود شبهة أو وسوسة أو شبههافيه .

(والاقتصاد) افتعال من القصد وهو بمعنى (التوسط) دون إفراط أو تفريط ودون تبذير ولا تقتير .

قال السيد الوالد قدس سره: (وقد يكون الاقتصاد باعتبار الكم وقد يكون باعتبار الكيف.. وقد يكون في الأمور المادية وقد يكون في الأمور المعنوية)(1) .

وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): ما فوق الكفاف إسراف.(2) والكفاف هو ما يكفي الإنسان بما هو هو، فأن يكون لك داران أو سيارتنا مثلاً إذا كان يكفيك احدهما، فإن الأكثر إسراف.

ومن الحكمة تنويع الدوالّ على المقاييس والضوابط، كي يهتدي بكلٍ منها جماعةٌ.

إعمل لصالح الأسرة

وعن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه قال: ما غَدْوة أحدكم في سبيل الله بأعظم من غدوته يطلب لولده وعياله مايصلحهم.(3)

ص: 154


1- - الفقه: الاقتصاد/ ج107 من موسوعة الفقه ص 7-8.
2- غرر الحكم: ج2 ص 259 الفصل التاسع والسبعون ح13.
3- دعائم الإسلام: ج2 ص15 الفصل الأول ح9.

وهذان جناحان بهما تستقيم شؤون المجتمع: جناح الجهاد وجناح الاكتفاء الذاتي واصلاح الأوضاع المعيشية للأسرة والعيال.

إِسعَ لكن بدون حرص وشراهة

عن الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام): عجبت لمن علم أنّ الله قد ضمن الأرزاق وقدّرها وأن سعيه لا يزيده فيما قدر له منها وهو حريص دائب في طلب الرزق.(1) (السعي لطلب الرزق) مقتضي، وليس علة تامة، والأمر لله من قبل ومن بعد، وقد أمر بطلب الرزق، لكن دون إفراط ومبالغة في الطلب ودون حرص شديد غالب، وعليه: أطلب الرزق، لكن بوسطية واعتدال، ودون حرص يؤدي إلى اقتحام المحرمات وبدون دؤوب يسبب ضياع الحقوق والواجبات.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): أجملوا في الطلب فكم منحريص خائب ومجمل لم يخب.(2) والظاهر أن الأمر (اجملوا) للإرشاد، لا لأن مقياس الأمر الإرشادي هو (ما ذكر فيه التعليل)، كما قيل(3)، بل للظهور العرفي والقرائن المحيطة والإجماع على أن الحرص بما هو هو، من غير ارتكاب الحرام،

ص: 155


1- غرر الحكم: ج2 ص38 الفصل الرابع والخمسون ح31.
2- غرر الحكم: ج1 ص149 الفصل الثالث ح61.
3- فصلنا الحديث عن ذلك في كتاب (الأوامر المولوية والإرشادية).

ليس بمحرم، فتأمل.

وتكفي العلة التي ذكرها الإمام عليه الصلاة والسلام، باعثاً للإنسان كي يجمل في الطلب! وعن الإمام علي (عليه السلام): ذلّل نفسك بالطاعة وحلِّها بالقناعة وخفّض في الطلب وأجمل في المكتسب.(1) والجوهر هو:

1 - (طاعة الله تعالى) وذلك في إطار العلاقة بالخالق.

2- و(القناعة) في المعيشة - لا في الأعمال الصالحة والحسنات - وذلك في إطار حاجات الإنسان،وأما العلامة لذلك والوسيلة أيضاً فهي أن تخفِّض من الطلب وأن تعتدل في الاكتساب والمكتسب.

عليك بقلة الرغبة والإجمال في الطلب

وقال الامام علي (عليه السلام): ستة يختبر بها دين الرجل: قوّة الدين وصدق اليقين وشدّة التقوى ومغالبة الهوى وقلّة الرغب والإجمال في الطلب.(2) و(الدين) له اطلاقات، بعضها أعم من بعض، ومنها ما بفقده يخرج عن الإسلام ومنها ما لا يخرج، ومنها الواجب ومنها المستحب ومنها مراتب الكمال(3).

ص: 156


1- غرر الحكم: ج1 ص366 الفصل الثاني والثلاثون ح40.
2- غرر الحكم: ج1 ص397 الفصل التاسع والثلاثون ح82.
3- – فصل المؤلف الحديث عن تعدد الإطلاقات بشكل عام وعن تعدد إطلاقات (الدين) و(أصول الدين) في (فقه الاجتهاد والتقليد) مباحث أصول الدين – كما توجد مباحثه في موقع مؤسسة التقى الثقافية m-alshirazi.com، في ضمن بحوث الخارج لعام 1434ه-.

وهذه الرواية تشير إلى القسم الثاني(1)، والسر في قوله عليه السلام (يختبر بها دين الرجل) أن (قلة الرغب) و(الإجمال في الطلب) يكشف عنالتوكل على الله من جهة(2)، ويدل على تقيّده بكسب المال من حله.(3) و(الرغب) قد يراد به الرغبة في الحرام، فالقِلة هي بلحاظ مجموع الحلال والحرام، وقد يراد به الرغبة غير المتعارفة أي الشره والحرص والتكالب على الدنيا.

تعامل مع ما أتاك وما لم يأتك، بحكمة

قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): خذ من الدنيا ما أتاك وتَوَلَّ عمّا تولّى عنك، فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب.(4) والظاهر أن الإمام عليه الصلاة والسلام يشير إلى التقسيم الثلاثي في التعامل مع الأموال والثروات وغيرها، وهو:

1- ما أتاك من الدنيا فخذه، ولا تعرض عنه كما يعرض الرهبان والدراويش.

2- ما تولى عنك فأعرض عنه،ولا تقتحم حتى المحرمات للوصول

ص: 157


1- ما لا يخرج عن الدين به وأيضاً: المستحبات ومراتب الكمال.
2- هذا بناء على الإطلاق الأعم للدين.
3- وهذا بناء على الإطلاق الأخص، بل الأعم منهما معاً.
4- نهج البلاغة: قصار الحكم 393.

إليه.

3- ما لا يأتيك بطبعه ولم يكن مقدراً لك بدون سعي، وما لا يتولى عنك بطبعه وليس مقدراً لك بنفسه، فأطلبه لكن بإجمال وحكمة ومن غير حرص وشدة.

أطلب حظك لكن بإجمال

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الدنيا دول فاطلب حظّك منها بإجمال الطلب.(1) وإذا كانت الدنيا (دولاً) تتداول وتتحول من قوم إلى آخرين، بين فترة وأخرى وحين وآخر، فعلى المرء إجمال الطلب، بأن يطلبها في سوانح الفرص، فيترصدها ويحسن استثمارها، وبأن يتوقف عن طلب ركوب قطار فات أو السعي لركوب حصان مات.

طيّب مكسبك

عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من سرّه أن تستجاب دعوته فليطّيب مكسبه.(2)و(طيب المكسب) مفهوم عام يستبطن الدلالة على نوعين من الكسب:

ص: 158


1- كنز الفوائد: ج1 ص61 (في ذكر الدنيا)، أعلام الدين: ص173.
2- مستدرك الوسائل: ج13 ص27 ب10 ح2، عن الجعفريات: ص224.

1- الكسب عبر الطرق المشروعة(1)، وتجنب الحرام.

2- الكسب عبر الطرق المعلومة(2) وتجنب الشبهة.

وإذا طيّب الإنسان كسبه من الجهتين، استجيبت دعوته، لجهات منها: جهاده نفسه، ولذلك أجر، ومنها: انه إن طيّب مكسبه طهرت روحه ونفسه وبدنه، لذا فإن دعوته تخترق الحجب وتستجاب.

تحلّ بالصبر الجميل

وجاء في حديث مناهي النبي (صلّى الله عليه وآله) عن الإمام علي (عليه السلام) قال (صلّى الله عليه وآله): من لم يرض بما قسمه الله له من الرزق وبثّ شكواه ولم يصبر ولم يحتسب، لم ترفع له حسنة ويلقى الله عز وجل وهو عليه غضبان إلاّ أن يتوب.(3)ان (الصبر) على قسمين: الصبر الإيجابي والصبر السلبي:

اما الصبر الإيجابي فيعني التحمل والجلد بدون صخب أو عتب، ومواجهة المخاطر والمصائب بنفس قوية وبرباطة جأش وطمأنينة نفس.

واما الصبر السلبي: فيعني الجمود والركود والاستسلام وعدم السعي للتغيير في الحدود المشروعة العقلائية، وهذا الصبر مرفوض.

وتأسيساً على ذلك فعلى الفقراء وذوي الدخل المحدود: التحلي

ص: 159


1- (المشروعة) أعم من المحللة بالدليل أو بالأصل.
2- المعلومة أي المحللة بالدليل.
3- من لا يحضره الفقيه: ج4 ص7 ب1 ح1.

بالصبر الإيجابي الفعال، والابتعاد عن الصبر السلبي القتّال.

لا تسئ الظن بالله ولا تجحد الحقوق ولا تقتّر

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): كان فيما وعظ لقمان ابنه أنّه قال: يا بني، ليعتبر من قصر يقينه وضعف تعبه في طلب الرزق إنّ الله تعالى خلقه في ثلاثة أحوال من أمره وأتاه رزقه ولم يكن له في واحدة منها كسب ولاحيلة، أنّ الله سيرزقه في الحال الرابعة.

أمّا أوّل ذلك: فإنّه كان في رحم أمّه يرزقه هناك في قرار مكين حيث لا برد يؤذيه ولا حرّ، ثم أخرجه من ذلك وأجرى له من لبن أمّه ما يربيه من غير حول به ولا قوّة، ثم فطم من ذلك فأجرى له من كسب أبويه برأفة ورحمة من تلويهما، حتى إذا كبر وعقل واكتسب لنفسه ضاق به أمره فظن الظنون بربِّه وجحد الحقوق في ماله وقتّر على نفسه وعياله مخافة الفقر.(1) إن (الماضي) هو مرآة المستقبل، في الأفراد والشعوب والأمم.

وإذا كان ماضيك كله - كما أوضحه هذا الحديث - قد تكفله الله الخالق سبحانه وتعالى، فلماذا تظن الظنون بربك لمستقبل أمرك؟ ولماذا تجحد حقوق الله تعالى التي افترضها عليك في مالك - ولست إلا معيطاً بعض ما أعطاك - ولماذا تقتّر وتضيق على نفسكوعيالك؟ أ ليس ذلك كله من ضعف اليقين ومن الجهل بحقائق الأمور؟

ص: 160


1- بحار الأنوار: ج100 ص30 ب2 ح54.

إذن:

1- إياك أن تظن الظنون بربك.

2- إياك أن تجحد الحقوق المفترضة عليك في مالك (من خمس وزكاة، ونفقات وصلات).

3- إياك أن تقتّر على نفسك وعيالك مخافة الفقر، وأن تكنز الأموال لتتضخّم حساباتك في المصارف (البنوك) يوماً بعد يوم، ولتعيش أنت وأهلك محروماً من نعمة أنعمها الله عليك لتهنأ بها.. أوليس ذلك مثل من يخبئ سيارته في المرآب (الكراج) ولا يستعين بها، خوف أن تستهلك أو تعطب؟

اطرق أبواب الرزق الشرعية أو القانونية

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لابنه محمد ابن الحنفية: يا بنيَّ، إيّاك والاتّكال على الأماني – إلى أن قال – يا بني، الرزق رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك فإنْ لم تأته أتاك،فلا تحمل هم سنتك على هم يومك، وكفاك كلّ يوم ما هو فيه فإنْ تكن السنّة من عمرك فإنّ الله عز وجل سيؤتيك في كلّ غد بجديد ما قسم لك وإن لم تكن السنّة من عمرك فما تصنع بغمِّ وهمِّ ما ليس لك؟ واعلم أنه لن يسبقك إلى رزقك طالب ولن يغلبك عليه غالب ولن يحتجب عنك ما قُدِّر لك، فكم رأيت من طالب متعب نفسه مُقتَّر عليه رزقُه، ومقتصدٍ في الطلب قد ساعدته المقادير، وكلٌّ مقرون به

ص: 161

الفناء، اليوم لك وأنت من بلوغ غد على غير يقين.(1)

والحديث يتموج بالحِكَم والمواعظ، ومنها:

إنه وَتأسيساً على تلك الحكم - على الإنسان:

أولاً: أن يطلب الرزق في إطار القانون الشرعي إن كان متشرعاً، وإلا ففي حدود القوانين الفطرية والعقلائية والإنسانية.

ثانياً: أن يتحلى بهدوء الأعصاب والسكينة والطمأنينة ورباطة الجأش، إن المَّت بهنازلةٌ أتت على ثروته أو فاجأه حدث قضى على حاصل سنين من جهوده، وأتعابه وأعماله وكدحه وسعيه.

هذا. وفي كلام الإمام علي صلوات الله عليه حِكَم ودروس وعِبَر، لا تقدّر بثمن وتحتاج إلى كتابة دراسة خاصة... فلنعطها حقها من التدبر والتفكر ولنحولها إلى نبراس يضيء لنا الدرب طوال أيام العمر.

ص: 162


1- من لا يحضره الفقيه: ج4 ص275 ب176 ح10.

المحور الثالث: سبل وآليات الإثراء المشروع والخروج من دائرة الفقر

اشارة

هل للشارع المقدس، ولأمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام خاصة، إرشادات تنير الدرب للفقراء، وتعرّفهم على سبل وآليات الخروج من تحت خط الفقر، بل وتكشف لهم عن الطرق الناجعة للإثراء المشروع؟ هذا هو المحور الذي يتطرق إليه هذا الفصل باختصار.

اطرق الأبواب الأخرى، وعليك بالإبداع الخلاق والمغامرة المدروسة عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه، عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإنّ موسى بن عمران (عليه السلام) خرج يقتبس لأهله ناراً فكلّمه الله عز وجل فرجع نبياً، وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان (عليه السلام) وخرجت سحرة فرعون يطلبون العزّة لفرعونفرجعوا مؤمنين.(1) (التفكير الإبداعي الخلاق) و(المغامرة المدروسة) يعتبران من أهم سبل اكتشاف طرق جديدة نحو (الثراء) كما أنهما يعدّان من أهم سبل التغلب على العقبات غير المتوقعة التي قد يواجهها أرباب العمل والشركات.

وجوهر هذين الأمرين هو ما أشارت إليه الرواية (كن لما لا ترجو

ص: 163


1- من لا يحضره الفقيه: ج4 ص284 ب176 ح30.

أرجى منك لما ترجو) إذ كثيراً ما يكون الثراء والفرج والتقدم في (غير المتوقع) وفي (ما لا ترجو فائدته) بل ولا تحتملها أبداً، فلا تكن (تقليدياً جامداً) بل كن (متحرراً منطلقاً).

والمقصود بالتقليدي من يعيش أبداً أسيرَ نفس الطرق السابقة المعهودة، والمراد ب(المتحرر) من يتحرر من أسر الأُطُر الضيقة السالفة، ولا نقصد التحرر من الضوابط العقلائية والشرعية كما هو واضح... والحديث عن ذلك كله يستدعي كتابة كتابٍ مستقل.

لا تخاطر مخاطرة غير مدروسة

وقال (عليه السلام): ولا تخاطر بشيء رجاء أكثر منه.(1) إن من طرق الفشل (المخاطرة غير المدروسة) أما المخاطرة المدروسة فمطلوبة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (التاجر الجبان محروم والتاجر الجسور مرزوق)(2) والمخاطرة تكون غير مدروسة، إذا لم تقترن بدراسة موسعة لأوضاع السوق وظروف المستهلك وخصوصيات المتعاملين معك، وإذا لم تقترن بمشورة مكثفة ثم بتخطيط سليم وحسن انتخاب للأعوان وللآليات وبرقابة متواصلة وتقييم مستمر للأداء.

ص: 164


1- نهج البلاغة: رسالة 31، كتبها إلى الإمام الحسن (عليه السلام) عند انصرافه من وقعة صفين.
2- مستدرك الوسائل: ج13، ص294، ح[15397]9، آل البيت، 1408ه.

حافظ على ما في يدك

وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في وصية له للحسن: وحفظ ما في يديك أحبّ إلي من طلب ما في يدي غيرك.(1)هنالك عوامل لإيجاد الثروة والغنى، وهناك عوامل لإبقاء الثروة والغنى، وعلى الفقير أن يهتم بإيجاد عوامل إيجاد الثروة، كما على متوسطي الحال والأغنياء الاهتمام بإبقاء الثروة والغنى، ولذا يقول الإمام (وحفظ ما في يديك...) و(ما في يد الإنسان) يشمل (الشركة التي ورثها من أبيه أو التي أسسها هو) و(المعمل والمصنع الذي أسسه أو اشتراه أو ورثه) وحتى (المزرعة والدار التي يملكها) بأن يصونها عن الخراب والتلف.. وإلا فإنه سيضطر لكي يمد يده للآخرين مستجدياً معونتهم!

إلتزم بالرفق في المعيشة

عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) انه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إذا أراد الله تعالى بأهل بيت خيراً فقّههم في الدين، ورزقهم الرّفق في معايشهم، والقصد في شأنهم، ووقّر صغيرهم كبيرهم، وإذا أرادبهم غير ذلك تركهم هملاً(2) .

ان (الرفق في المعيشة) يعدّ من أهم طرق الحصول على المال، ثم

ص: 165


1- نهج البلاغة: رسالة 31، كتبها إلى الإمام الحسن (عليه السلام) عند إنصرافه من وقعة صفين.
2- جامع أحاديث الشيعة: ج17 ص 107 ب20 ح8، عن الجعفريات: ص 149.

هو بعد ذلك يعدّ من أهم سبل الحفاظ على الثروة ومن ثمّ تنميتها، والرفق يقابل العنف ويعني (لين الجانب) وهو ضد العنف، وفي الحديث الرفق نصف العيش، كما ان الرفق يقابل الخرق ويعني (ان يحسن الرجل العمل) كما جاء في مجمع البحرين، ومن الواضح ان العنيف والذي لا يحسن العمل، يفقد ثقة الناس ويفقد عملاءه، أما اللّيِّن الجانب الذي يتقن العمل – سواء أكان خياطة أم كان تجارة أم كان صناعة من الصناعات – فإن علاقاته ستتوسع بإطّراد وسمعته ستمنحه المزيد من المصداقية، فيتهافت عليه الناس، فينتقل من ربحٍ إلى آخر، ومن إنتاج إلى إنتاج أكبر.

كما ان (التفقه في الدين) يجنب المرء، مواطن غضب اللهومواضع معصيته، فلا يغش ولا يرتشي ولا يحتكر ولا يطفّف في الميزان ولا يسرق ولا يحتال ولا... ولا.. وبذلك يربح رضا الله تعالى، كما يربح ثقة الناس، فيقبلون إليه... وتزداد ثروته تبعاً لذلك بإطراد.

إقتصد في الحياة

عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): الاقتصاد ينمي القليل.(1) ان (الاقتصاد) بحاجة إلى علم وحكمة وخبروية وإرادة قوية، وعندئذ فإن (القليل) سيتحول إلى كثير، والكثير سيزداد كثرة ووفرة.

و(الاقتصاد) يعني: (التوسط بين التبذير والتقتير) فلا إفراط ولا

ص: 166


1- غرر الحكم: ج1 ص 24 الفصل الأول ح 389.

تفريط، و(التبذير) يقضي على الثروة، كما هو واضح، أما (التقتير) فانه وإن بدأ للبعض طريقةً مثلى لجمع الأموال وتراكم الثروة، لكن الواقع هو العكس تماماً لأن (التقتير في المعيشة) يسبّب:أ – هدم الصحة الجسدية ب – توتر الاعصاب ونسف السلامة النفسية ج – نفرة الناس، فيفقد صداقات كثيرة هامة لها أكبر المدخلية في تنمية الثروة إذ ينتج ابتعاد الناس عن التعامل مع المقتّر الحريص البخيل.

وقال (عليه السلام): الاقتصاد ينمي اليسير.(1) وفلسفة ذلك: ان الثروة – كأية قدرة أخرى – تتراكم عبر معادلة اجتماع (القطرات) وكما تتكون من قطرات الأمطار، الجداول، وتتكون الأنهار من الجداول، ثم تتوسع البحار بالانهار وبقطرات الأمطار، كذلك (الثروة).

وقال (عليه السلام): من صحب الاقتصاد دامت صحبة الغناء له، وجبر الاقتصاد فقره وخلله.(2) وقال (عليه السلام): الاقتصاد نصف المؤنة.(3)و(المؤونة) هي تكاليف الحياة وما يتحمله المرء من نفقات، لنفسه

ص: 167


1- غرر الحكم: ج1 ص 30 الفصل الأول ح 567.
2- غرر الحكم: ج2 ص 241 الفصل السابع والسبعون ح 1512.
3- غرر الحكم: ج1 ص32 الفصل الأول ح 615.

وزوجته وأولاده، وأهله، وأصدقائه، وأنصاره، وغيرهم.

ومن الواضح ان من لا يقتصد في المأكل والمشرب والملبس والمركب والزينة والنزهة وشتى الكماليات والجماليات، يحمّل ميزانيته أعباء ثقيلة جداً، أما (الاقتصاد) فانه يقوم بتوفير نصف تكاليف الحياة، بمفرده! ولذلك قال (عليه السلام): لن يهلك من اقتصد.(1) وقال (عليه السلام): ليس في الاقتصاد تلف.(2) كما قال (عليه السلام): من اقتصد خفّت عليه المؤن.(3) ولا فرق في ذلك بين (الفرد) و(المنظمة) و(الحزب) و(العشيرة) و(الشعب) (الدولة) فإن كلاً منهم قد يقتصد ويلزَم الجادة الوسطى في الإنفاق بلا إفراط ولا تفريط، وقد يبذرالأموال ويسرف، وينفق دون حساب وبلا اعتمادٍ على معادلة اقتصادية متقنة، والنتيجة: هلاك الفريق الثاني ونجاة الفريق الأول.

عليك ب(الاقتصاد) دائماً

وقال (عليه السلام): من قصد في الغنى والفقر فقد استعد لنوائب الدهر.(4)

ص: 168


1- غرر الحكم: ج2 ص 131 الفصل الثاني والسبعون ح 44.
2- غرر الحكم: ج2 ص 136 الفصل الثالث والسبعون ح61.
3- غرر الحكم: ج2 ص 185 الفصل السابع والسبعون ح 680.
4- غرر الحكم: ج2 ص 233 الفصل السابع والسبعون ح 1391.

إن الكثير منا يقتصد في حالة الفقر، لكنه يبطر ويسرف أو يبذّر في حالة الغنى، وهذا خطأ فاحش لأن ترك القصد ينذر بالفقر ويجرّ إليه، فإذا عم (الاقتصاد) والاعتدال في الإنفاق، الجميع من الأغنياء والفقراء، فقد أَمِنوا نوائب الدهر ومستجدات الأمر وطوارئ الأحداث، من مرض طارئ، أو حادث مفاجئ، وذلك لأن من اعتاد على الاقتصاد في الظروف العادية، فإنه سيكون أقدر على إدارة دفة حياته لدى الطوارئ، أما من لم يعتد الاقتصاد في الظروف الطبيعية فانه سينهار إذ حل به طارئمفاجئ.

وعن الإمام علي (عليه السلام): العقل أنك تقتصد فلا تسرف، وتعد فلا تخلف، وإذا غضبت حلمت.(1) ان العاقل حقاً هو من يقتصد فلا يسرف ويعد فلا يخلف ويحلم إذا غضب، والبرهان الأنّي يكشف لنا ان من لا يقتصد فليس بعاقل، بنفس الدرجة، وكذلك من يخلف وعوده ومن يغضب ولا يحلم.

وكما ان (الاقتصاد) هو مقتضى العقل كذلك فانه مقتضى المروءة ولذا قال الأمير أيضاً: من المروّة أن تقتصد فلا تسرف وتعد فلا تخلف.(2) والمروّة تعني – كما في الدروس – (تنزيه النفس عن الدناءة التي

ص: 169


1- غرر الحكم: ج1 ص 116 الفصل الأوّل ح 2152.
2- غرر الحكم: ج2 ص 256 الفصل الثامن والسبعون ح 140.

لا تليق بأمثاله كالسخرية والأكل في الأسواق ولبس الفقيه لباس الجندي بحيث يسخر منه)(1) فالإسراف – إذن – نوع من الدناءة وخِسّة النفس، أماالاقتصاد والقصد فينبئ عن سمو النفس وشرفها.

وقال (عليه السلام): من لم يحسن الاقتصاد أهلكه الإسراف.(2) وذلك لأن الاقتصاد مفتاح السلامة والنجاح، على الضد من الإسراف، فمن لم يحسن الاقتصاد تورط في الإسراف فكان مصيره الهلاك.

ولعل المراد (بالاقتصاد) الأعم من الاقتصاد في المال والوقت – بان لا يتلفه عبثاً – وكذلك الاقتصاد في استهلاك قوى البدن وطاقة الأجهزة وغير ذلك.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): القصد مثراة، والسرف متواة.(3) ولعل السبب في كون القصد (مثراة) أي سبباً للثراء والغنى إضافة إلى انه بقَدَرِهِ يحول دون ضياع الثروات وإتلافها، ان (الاقتصاد) حالة سيّالة – كسائر الصفات والحالات النفسية – فإذا تعلّم (الاقتصاد) في جهة، سرىذلك إلى سائر الجهات، اقتضاءاً، فكانت حياته كلها متوازنة ومبنية على أسس الحكمة، فيكون ناجحاً في حياته، ويكتسب

ص: 170


1- - نقلاً عن مجمع البحرين / مادة مرا.
2- غرر الحكم: ج2 ص 178 الفصل السابع والسبعون ح 561.
3- الكافي (فروع): ج 4 ص52 ح4.

بذلك الثراء والمال من أبعاد متعددة، والعكس بالعكس.

عليك بحسن التدبير

وقال (عليه السلام): إذا أراد الله بعبد خيراً ألهمه الاقتصاد وحسن التدبير وجنَّبه سوء التدبير والإسراف.(1) ان (الإلهام) لطف إلهي دون ريب، لكن الله تعالى جعل لكل نتيجة سبباً، وبهذا نعرف الإجابة عنه (لماذا أراد الله بهذا العبد خيراً دون ذاك) فإن العبد إذا سعى وجدّ واجتهد وسأل وتعلّم ودعا وابتهل الهمهه الله تعالى الاقتصاد وحسن التدبير وجنّبه سوء التدبر والإسراف، ف-(إلهامُهُ) كلَّ ذلك هو (أجر) استحقه على جهد بذله – والجهد يشمل التعلم والتخطيط والتضرع كما سبق – فقد قال تعالى (ثم اتبع سبباً) و(ان تنصروا اللهينصركم) و(يزيد الله الذين اهتدوا هدى) وفي المقابل (نسوا الله فنسيهم)، ولذلك كله أمرنا أمير المؤمنين عليه صلوات المصلين ب-(حلّوا أنفسكم بالعفاف وتجنّبوا التبذير والإسراف).(2)

اتَجِه نحو التجارة وتجنَّب الوظائف

قال الإمام الصادق (عليه السلام): أتت الموالي أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالوا: نشكو إليك هؤلاء العرب! أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يعطينا معهم العطايا بالسوية وزوّج سلمان وبلالاً وصهيباً وأبوا علينا هؤلاء وقالوا: لا نفعل،

ص: 171


1- غرر الحكم: ج1 ص 285 الفصل السادس عشر ح 164.
2- غرر الحكم: ج1 ص 347 الفصل الثامن والعشرون ح82.

فذهب إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) فكلّمهم فيهم.

فصاح الأعاريب: أبينا ذلك يا أبا الحسن، أبينا ذلك.

فخرج وهو مغضب يجرّ رداه وهو يقول: يا معشر الموالي، إنّ هؤلاء قد صيروكم بمنزلة اليهود والنصارى يتزوّجون إليكم ولا يزوجونكم ولا يعطونكم مثل مايأخذون، فاتجروا بارك الله لكم، فإّني قد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: الرزق عشرة أجزاء، تسعة أجزاء في التجارة وواحدة في غيرها.(1)

ولهذا الحديث دلالات كثيرة ومنها:

1-تصدِّي الإمام لهموم الناس وترابيته وعيشه بين ظهرانيهم.

2- تواضع الإمام وهو حجة الله على الخلائق؛ حيث ذهب بنفسه إلى الأعاريب.

3- أن الإمام تصدى لإعطاء المشورة الاقتصادية للموالي 4- ان على الطبقة الفقيرة، والمتوسطة، ان تتوجه للتجارة، كي تخرج عن دائرة التهميش والإهمال والعزلة الاجتماعية والاستضعاف.

كما ان على أئمة المسلمين وعلى العلماء والخطباء والمفكرين والأساتذة، التأسي به صلوات الله عليه في كل ذلك.

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): تعرّضوا للتجارة فإنّ فيهاغنى لكم عمّا

ص: 172


1- الكافي (فروع): ج5 ص318 ح59.

في أيدي الناس.(1) ومن هذا الحديث وغيره يظهر أن الأولى بالمؤمن لو دار أمره بين (التوظف) وبين (التجارة) فعليه أن يتجرّ، لأن الموظف يبقى أسير الوظيفة ومحتاجاً إلى رب العمل أو الشركة، ثم انه مهدد ولا أمن وظيفي له، أما التجارة فتعني القدرة على العطاء والخدمة أكثر فأكثر، كما تعني استغنائك عن الناس(2).

سافر أو هاجر

قال الإمام علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: إذا أعسر أحدكم فليخرج من بيته وليضرب في الأرض يبتغي من فضلالله ولا يغم نفسه وأهله.(3) (السفر) و(الهجرة) بوابتان واسعتان للرزق، فعلى ذوي الدخل المحدود والفقراء إن لم يجدوا مجالاً في بلادهم، أن يهاجروا إلى بلاد

ص: 173


1- وسائل الشيعة: ج12 ص5 ب1 ح11.
2- ومن الواضح ان المقصود ليس هو ان يترك كافة الناس أعمالهم ويتجهوا للتجارة ولذا قيّدنا ب(لو دار أمره بين التوظف والتجارة)، بل المقصود هو ان من يتوظف لمجرد ان تكون الوظيفة مصدراً للرزق له، فالأفضل أن يتجه للتجارة مع توفير شروط النجاح فيها، أما الذين يمارسون أدواراً أخرى وذوو الاختصاص في الفيزياء والكيمياء والطب والهندسة والتكنولوجيا المتطورة، والبحوث العلمية والأكاديمية ونظائرها، فليس الحديث عنهم فإن تلك الحقول واجبات كفائية كالتجارة ولا تقل عنها أهمية، بل يجب أن تتكامل وتتلاحم التجارة و الاختصاصات وغيرها لبناء الوطن المزدهر والمجتمع السعيد.
3- دعائم الإسلام: ج2 ص13 الفصل الأول ح1.

أخرى أو يسافروا، فعندئذٍ ستفتح لهم أبوابٌ لم تكن في الحسبان.

ولعل من أسباب ذلك:

1- أن في الأجواء الأخرى، فرصاً أخرى جديدة، .

2- أن السفر والهجرة مما يحرر الإنسان من كثير من العُقَد والقيود الاجتماعية الكابتة، فينطلق عندئذ ويحلّق.

3- أن السفر والهجرة تعرِّف المرء على قدراته وطاقاته الخفية أو تلفته إليها من جديد أو تستفزها وتحركها للانطلاق.

4- إن الهجرة تشكل تحدياً كبيراً، وفي التحديات الكبرى: صناعة الإنسان وقوة الإرادة والاستنجاد بكافة القوى الضامرة والكامنة، وكل ذلك مفتاح التقدم.

اتقن الأعمال واحتط

وقال الإمام علي (عليه السلام) في بيان معايش الخلق (... وأمّا وجه التجارة فقوله تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ»(1) الآية، فعرفهم سبحانه وتعالى كيف يشترون المتاع في الحضر والسفر، وكيف يتجرون إذ كان ذلك من أسباب المعاش).(2) ان (الاتقان) و (أخذ الحائطة) هما من أهم ما يجب أن يتحلى به (التاجر) ومن هو في طريق التجارة، والكاسب.

ص: 174


1- سورة البقرة: الآية 282.
2- وسائل الشيعة: ج12 ص 4 ب1 ح7.

ومن (الإتقان): (الكتابة) وتوثيق الدين وسائر المعاملات في سجلات معتمدة، وأما (التساهل) فكثيراً ما يجرّ إلى تحطيم الشركات وإلى إفلاس التجار.

استثمر حتى النواة

وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يضرب بالمر ويستخرجالأرضين، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يمصّ النّوى بفيه ويغرسه فيطلع من ساعته، وإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أعتق ألف مملوك من ماله وكدّ يده.(1)

يستفاد من هذا الحديث

أولاً: أن (العمل) شريف، مهما كان، وإن على الأشراف وذوي المكانة أن لا يستنكفوا عن (العمل) حتى بمثل الضرب ب(المر).(2) ثانياً: ضرورة اسثتمار حتى النواة، وعدم الإسراف حتى بهذا القدر بعدم رمي النواة أولاً، وبمصّها أيضاً قبل غرسها ثانياً.

ثالثا: ضرورة (هدفية المال) وإنفاقه في ما ينفع الناس والمجتمع، وضرورة بذل الجهد الوافر لتحرير الطبقة المستضعفة، ومن أهم المصاديق تحرير الرقّ والعبيد وعتقهم.

ص: 175


1- الكافي (فروع): ج5 ص74 ح2.
2- وهو الحبل وأما (المرو) فهو حجر الصوان.

استثمر في الزراعة

وقد رُوي عن الإمام علي (عليه السلام) أنه (كان يعمل بيدهويجاهد في سبيل الله فيأخذ فيئه، ولقد كان يُرى ومعه القطار من الإبل عليها النوى.

فيقال له: ما هذا يا أبا الحسن؟ فيقول: نخل إن شاء الله، فيغرسه فما يغادر منه واحدة.

وأقام على الجهاد أيام حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومذ قام بأمر الناس إلى أن قبضه الله، وكان يعمل في ضياعه ما بين ذلك، فأعتق ألف مملوك كلّهم من كسب يده).(1) والمستفاد من هذه الرواية ومن غيرها، أمور:

1- استحباب العمل باليد، لأنه صلوات الله عليه كان يعمل بيده.

2- استحباب ممارسة الزراعة، حتى للعالم والتاجر، فإن في العمل باليد وفي الزراعة، صحة للبدن وقوة للأعصاب، إضافة إلى أنه يورث الإنسان التواضع، كما أنه يعرّفه على حياة المحرومين وما هم فيه من المشاق فيحننه إليهم كما أنه يمنح المرء معرفة بقَدر نعمة الله عليه بمامنحه من أموال أخرى جاءته بطرق أسهل، فلا يسرف ولا يصرفها في ما يضر أو يحرم.

ص: 176


1- دعائم الإسلام: ج2 ص302 الفصل الأول ح 1133.

3- ضرورة الجد في العمل فإنه عليه السلام كان (يُرى ومعه قطار من الابل وعليها النوى) وما أصعب غرس ذلك كله! 4- ضرورة عدم التفريط حتى بما يبدوا قليلاً كالنواة أو تافهاً.

5- ضرورة الاستمرار في العمل، دون انقطاع بعذرِ راحةٍ أو تقاعد، ولذا نجده عليه السلام (وكان يعمل في ضياعه ما بين ذلك).

6- ضرورة اشراك الآخرين في حاصل ثروتك واسعادهم بها (فأعتق ألف مملوك، كلهم من كسب يده).

7- على الإمام، وعلى المؤمن أن يكون مجاهداً في سبيل الله والمستضعفين متى استدعت الحاجة.

عليك بالاكتفاء الذاتي المنزلي

عن أبي عبد الله الصادق (عليهالسلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز(1).

إن تعاون الرجل مع زوجته في تدبير شؤون المنزل، وتوزيع الأدوار وتقسيم المسؤوليات والأعمال بينهما، والاستغناء قدر المستطاع عن (الخدم) و(الحشم)، يُعدّ كل ذلك من عوامل تقليص النفقات، وتوفير الكثير من حاجات المنزل وبأقل قدر ممكن من التكاليف، وبذلك يخف الضغط على الفقراء، بل بذلك يخطون خطوة نحو توفير فائض، يعينهم على النوائب، ويوفر لهم رأس مال يساعدهم على الاستثمار.

ص: 177


1- وسائل الشيعة: ج12 ص24 ب9 ح10.

وهذه الرواية تؤكدها روايات عديدة أخرى، ومنها:

عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليهما السلام) قال: إن فاطمة(عليها السلام) ضمنت لعلي (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز وقمَّ(1)البيت(2)، وضمن لها علي (عليه السلام) ما كان خلف الباب من نقل الحطب وأن يجيء بالطعام... الخبر.(3) وليس المقصود من ذلك اختزال المرأة في أعمال الطبخ وشبهها، بل المقصود ان لا تترفع المرأة عن هذه الأعمال، ولا الرجل – كما سيظهر من العنوان الآتي: ساعدوا أهاليكم – وكما ظهر من ان أمير المؤمنين عليه السلام قام بتقسيم أعمال المنزل بينه وبين زوجته الصديقة الطاهرة – فان الصحة والخير والبركة وتماسك الأسرة رَهْن باضطلاع المرأة والرجل بالأعمال المنزلية أيضاً.

على انه ليس من الواجب على المرأة ان تقوم بأعمال المنزل، بل لها أن تطالب الرجل بالأجرة على الطبخ والكنس وإدارةالأطفال وشبه ذلك، حسب الفقه الإسلامي، كأي عمل آخر تضطلع به خارج أو داخل المنزل .

ص: 178


1- يقال قمَّ بيته: يقُمُّه قمَّاً إذا كنسه، لسان العرب: ج12 ص493.
2- ولعل وجه الجمع بين الروايتين: أنَّ تلك كانت في ظرف وفترة وهذه كانت في ظرف وفترة أخرى – حسب اختلاف الظروف الصحية وغيرها – وهناك وجه جمع آخر: ان (قم البيت) كان من ضمانها والتزاماتها العامة وذلك لا ينفي ان يقوم هو صلوات الله عليه بذلك أحيانا أو أحيانا كثيرة كمساعدة ومؤازرة لها صلوات الله عليها.
3- تفسير العيّاشي: ج1 ص171 ح41. (في تفسير سورة آل عمران).

ولكن قيامها بكل ذلك مجاناً، عامل أكيد في تماسك الأسرة ومما يوجب ترسيخ أواصر المحبة والمودة، إضافة إلى تقليص النفقات، وعلى الرجل أن يعرف للمرأة حرمتها وقيمتها وتطوعها للقيام بأعمال المنزل مجاناً، رغم عدم وجوبه عليها، فيقابل ذلك بالمزيد من الحب والتقدير والاحترام، وبذلك تتحول أجواء المنزل إلى أجواء إيمانية ملؤها المحبة والوئام والأخلاق والوداد.

كما لا يعني ذلك ان تمنع المرأة من القيام بأعمال أخرى أيضاً – إلى جوار إدارتها لشؤون المنزل – بما يتناسب مع حشمتها وعفافها ونزاهتها وطهارتها، في المنزل أو خارجه وبما لا يضر بواجباتها الزوجية او بتربية الجيل الصاعد، وذلك:

مثل: التدريس والتمريض – في الإطار الشرعي كما هو واضح-ومثل كتابة البحوث العلمية والدراسات التخصصية، والعضوية في مراكز الدراسات، وإدارة المدارس والجامعات والمعاهد الخاصة بالنساء والفتيات، أو العامة شرط رعاية كافة الضوابط الشرعية مثل (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) ومثل: الخياطة والحياكة والتطريز والرسم والنحت وغيرها.

ومثل: البرمجة، والدبلجة، وغيرها مما يرتبط بالحاسوب وإنتاج الأفلام الوثائقية وغيرها.

ومثل: المشاركة إلى جوار الزوج والأبناء في إدارة المزرعة، والمرعى والشركة، وشبه ذلك.

ص: 179

نعم ينبغي للدولة وللمجتمع أن يوفر فرص العمل للمرأة بحيث لا تختلط بالرجال قدر المستطاع، في الشركات والمدارس والمستشفيات وغيرها فان ذلك يوفر لها حرية الحركة أكثر – في مستشفيات أو مدارس خاصةبالنساء – ويحفظ كرامتها بشكل أفضل، ويوفر ضمانة إضافية كي لا تسوّل أنفس ضعفاء النفوس لهم، بان يتجاوزوا حدود الحشمة والوقار، وإن لم يكن من المحرم ان تعمل في أماكن يتواجد فيها الرجال شرط الإلتزام بالحشمة والعفاف والستر والحجاب.

ولهذا البحث مجال آخر، ولعلنا نفصل الحديث عنه في كتاب مستقل بإذن الله تعالى.

ولا بد أيضاً من الإشارة إلى ان قيام سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها افضل السلام والصلاة بأعمال المنزل، كان - إضافة إلى استحبابها الذاتي - كي لا تتميز على نساء المسلمين فان كثيراً من أهل المدينة كانوا فقراء إن لم يكن أكثرهم، فضربت صلوات الله عليها بذلك أروع المثل لبنات وزوجات الرؤساء والأمراء والقادة والوزراء والمسؤولين: ان يعشن كما يعيش عامة الناس وأن يعانين كما تعاني أكثرية النساء في البلد من حرّ وبرد ومشقة ونصب وكدّوتعب وحركة ونشاط، وان لا يشمخن بأنوفهن ولا يستعلين على الشعب ويعشن حياة البذخ والبطر والرفاه والرحلات والنزهات، والناس يتضورون جوعاً ويفتقدون أبسط مستلزمات العيش والحياة.

كما لا بد من الإشارة أيضاً إلى ان الصديقة الطاهرة كانت تقوم

ص: 180

بدور المعلمة والمربية والموجهة الدينية والاجتماعية، - والروايات بذلك متعددة – كما قامت بأدوار سياسية – استراتيجية كبرى كان منها تصديها الشامل ومواجهتها الساخنة للانقلاب الكبير الذي جرى بعد شهادة أبيها المصطفى صلوات الله عليه وآله(1)

ساعد أهلك

فإن معاونة الأهل، مرضاة للرب ومدعاة لعظيم الأجر وسر الانتاجية، وما أروع الحديث التالي:

قال الإمام علي (عليه السلام): (دخل علينا رسول الله (صلّى الله عليهوآله) وفاطمة (عليها السلام) جالسة عند القدر وأنا أُنقّي العدس.

قال: يا أبا الحسن.

قلت: لبّيك يا رسول الله.

قال: اسمع، وما أقول إلاّ ما أمر ربّي: ما من رجل يعين امرأته في بيتها إلاّ كان له بكلّ شعرة على بدنه عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها... يا علي، خدمة العيال كفّارة للكبائر ويطفئ غضب الربّ ومهور حور العين ويزيد في الحسنات والدرجات.

يا علي، لا يخدم العيال إلاّ صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة.)(2)

ص: 181


1- يراجع عن ذلك كله (من فقه الزهراء) و(فاطمة بهجة قلب المصطفى) (فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد) وغيرها.
2- مستدرك الوسائل: ج13 ص48 ب17 ح2، عن جامع الأخبار: ص102.

إن خدمة الرجال لعيالهم، سواءً أكانوا تجاراً أم علماء أم جامعيين وأساتذة، أم أطباء ومحامين ومهندسين، أم حكاماً أم محكومين، تتضمن منافع كثيرة، منها:

تقوية أواصر المحبة فيالأسرة، مما ينتج تماسكها، فيسود الحب والوئام والسلم والسلام، وتتقلص حالات الطلاق إلى أدنى الدرجات، ويتربى الأبناء أفضل تربية، وتتقلص الجرائم، من سرقات واعتداءات وحالات انتحار وغيرها والتي تنتج غالباً عن تفكك الأسرة، والنزاع بين الأبوين، مما يسبب تصدير أبناء مسكونين بالغضب والحقد والعدوانية وغيرها.

ومن أهم الآثار الإيجابية لذلك أن تحظى الأسرة ببركة ذلك كله، ب(الأمن الاقتصادي) و(الاستقرار المالي).

ولذلك ولغيره كان هذا الأجر العظيم لخدمة العيال في المنزل وخارجه.

أعمل ثم أعمل

عن أبي جعفر الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّ الله عز وجل حين أهبط آدم (عليه السلام) من الجنة أمره أن يحرث بيده فيأكل من كدّها، بعد نعيم الجنّة... الخبر.(1)وذلك ايذان من الله تعالى وإعلام بأن معادلة الحياة الدنيا تبتني

ص: 182


1- مستدرك الوسائل: ج13 ص24 ب8 ح9.

على الكد والعمل، وبذلك يمهد الإنسان طريقه إلى الجنة من جديد، فعليك بالعمل ثم العمل!

استثمر المياه والأراضي

وعن الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام)، عن أبيه قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: من وجد ماءً وتراباً ثم افتقر فأبعده الله.(1) (الماء والتراب) هي موادّ خام للثروة والغنى، و(العمل) هو الذي يحولها إلى ثروة فعلية، فإذا وهبك الله المواد الخام، ثم لم تعمل وافتقرت، أبعدك الله عن رحمته وعن عطاياه ومِنَحه، وذلك كنتيجة لسوء اختيارك، وكما الأمر في (الشخص) كذلك في (الشعب) فإن الشعب الذي يملك الأرض والمياه ثم يفتقر إلى سائر الدول، في المنتوجاتالزراعية، ويستورد حتى الحنطة والشعير، لهو شعب أبعده الله عن رحمته، بسوء اختياره.

اتبع سياسة (التفويض) و(توزيع الأدوار)

قال الإمام الصادق (عليه السلام): باشر كبار أمورك بنفسك وَكِلْ ما صغر منها إلى غيرك.(2) سياسة (التفويض) و(توزيع الأدوار) هي من أهم سبل النجاح

ص: 183


1- قرب الإسناد: ص 115ح404، ومعنى (فابعده الله): فابعده الله فلا يلومن الا نفسه، فالجزاء محذوف، ولعل من وجوهه استثارة تفكير القارئ والسامع وذكائه.
2- عوالي اللآلي: ج3 ص 197 ح13.

والتقدم والثراء، ولذا يقول الإمام عليه السلام (كِل ما صغر منها إلى غيرك) والغريب أن نجد البعض يهمِّش الآخرين، حتى في الجزئيات والثانويات وصغائر الأمور، ويتشبث بالإدارة المباشرة الشخصية لكل الأعمال والمسؤوليات والمهام! ومن هذا الحديث نستنبط أن من أهم سبل تطور العمل التجاري والاستثمار أن يقوم الإنسان بمزيج من:

أ - تفويض الأعمال التي لا تتوقف عليه بالذات، ب -ومباشرة كبار الأمور وعدمالتهرب منها أو التقاعس عنها.

تفقَّه في المكاسب

ان التفقه في المكسب هو الضمانة للنزاهة والاستقامة والثراء فعن الإمام علي (عليه السلام): أنّ رجلاً قال له: يا أمير المؤمنين، إنّي أريد التجارة.

قال: أفقهت في دين الله؟ قال: يكون بعض ذلك.

قال: ويحك! الفقه ثمّ المتجر، فإنّه من باع واشترى ولم يسأل عن حرام ولا حلال ارتطم في الربا ثم ارتطم(1) ان (الفقه) هو ضمانة (الاستقامة) و(النزاهة) و(العدالة) وتنامي الثروات وبركتها، فمَن لا يتفقه في الدين ولا يعرف الحلال من الحرام،

ص: 184


1- دعائم الإسلام: ج2 ص16 الفصل الأول ح12.

سيقع في بُؤَر الفساد المالي من غش وتدليس ورشوة وخداع واحتكار وظلم واجحاف وربا، وذكر الإمام عليه السلام (الربا) هو من باب المثال.

ومن الواضح أن الفقه (مقتضي)للتحرز من الحرام، ولابد أن ينضم إليه (الإيمان) ليبتعد التاجر والكاسب عن الحرام.

ولا يقصد بالتفقه في المكاسب أن يتحول كل تاجر وحرفي وذي صنعة، إلى فقيه، بل ان يكون على بصيرة من أمره وعلى معرفة بالأحكام الشرعية التي تتعلق بمجالات عمله، ولو بالرجوع إلى الفقهاء أو وكلائهم أوكتبهم.

ومع العدالة المالية والنزاهة والاستقامة، تنمو الثروة وتتضاعف وسيجعل الله فيها البركة والخير العميم.

عليك باختيار الأكفّاء

وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: لا يقعدن في السوق، إلاّ من يعقل الشراء والبيع.(1) والنهي إرشادي على المشهور، وتحتمل المولوية، لكن الظاهر عدم الحرمة إلا فيما كان مقدمة للحرام.

ويستفاد من الحديث كراهة توكيل أو توظيف أو تفويض أمور البيع والشراء لمن لا يعقلها.و(العقل) من العقال، وإن مَن لا يتقن أصول وقواعد البيع والشراء،

ص: 185


1- الكافي (فروع): ج5 ص154 ح23.

فلا عِقال له اما في الأصل أو في التفاصيل، والطُرُق، والكيفيات، فينبغي أن لا يقعد في السوق ويتصدى للتجارة أو مطلق البيع والشراء إلا من يعقل ويتقن البيع والشراء.

تمسك بالدعاء ثم بالإيحاء

وعن الإمام علي (عليه السلام) في حديث الأربعمائة: إذا اشتريتم ما تحتاجون إليه من السوق فقولوا حين تدخلون الأسواق: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله (صلّى الله عليه وآله)، اللهم إنّي أعوذ بك من صفقة خاسرة ويمين فاجرة وأعوذ بك من بوار الأيِّم.(1) عندما يدعو الكاسب أو التاجر ب(اللهم إني أعوذ بك من صفقة خاسرة ويمين فاجرة...) فإنه يحقق بذلك عدة أهداف:

أولاً: إنه بذلك يستمطر رحمة الله تعالى الذي بيده الرزق، كماان بيده الخلق.

ثانياً: يقوم بذلك بعملية إيحاء نفسي مركزة بأن يحترز من الصفقات الخاسرة ومن التوصل إلى الربح بالعصيان وفاجر الأَيمان، فإن هذا الدعاء ونظائره يبني الإنسان على ثقافة (الربح الحلال) وتجنب (الرزق الحرام) والاحتراز عن الصفقات الخاسرة.

اذكر الله تعالى

ص: 186


1- الخصال: ج2 ص634 ح10 (حديث الأربعمائة).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث الأربعمائة: أكثروا ذكر الله عز وجل إذا دخلتم الأسواق عند اشتغال الناس فإنه كفّارة للذنوب وزيادة في الحسنات ولا تُكتبون في الغافلين.(1) إن التوازن بين الدنيا والآخرة، يعد عاملاً من أهم عوامل التقدم والسعادة، مما ينعكس إيجابياً على (الأداء الاقتصادي) للأشخاص.

وذكر الله تعالى وبكثرة، يدفع عن الإنسان احتمالات إرتكابالحرام الاقتصادي الذي يضر بالكاسب نفسه كما يضر بالطبقة المحرومة، وذلك مثل الربا، الاحتكار، الاجحاف، والرشوة والغش وغيرها.

عليك ب(السماح) فإنه الطريق للأرباح

قال الإمام علي (عليه السلام): سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: السماح وجه من الرباح.(2) والمراد من (السماح) السهولة في التعامل، والتسامح والتساهل، وعدم التقييد والتشديد، فإن ذلك من أهم العوامل التي تسبب كسب العملاء.

أعطِ أكثر وستربح أكثر

وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: مر أمير المؤمنين (عليه السلام) على جارية قد اشترت لحماً من قصاب وهي تقول: زدني.

ص: 187


1- الخصال: ج2 ص614 ح10، (حديث الأربعمائة).
2- من لا يحضره الفقيه: ج3 ص122 ب 61 ح19.

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): زدها فإنّه أعظم للبركة.(1)إن (الإحسان) من سبل تماسك المجتمع واستقراره، مما ينعكس إيجابياً على المردود الاقتصادي العام.

وإعطاء المشتري الأكثر، يستبطن (البركة) كما في الحديث.

و(البركة) تعني: الزيادة الكمية، والتحسن الكيفي، والتجذر العمقي كما تعني الطهارة أيضاً.

و(البركة) ذات بعدين:

بعد غيبي: لأن زيادة المشتري، تستدعي لطف الله ورحمته ومزيد إحسانه بالمحسن.

كما أن (زيادة المشتري) تعد طريقة مثالية، لإجتذاب المزيد ثم المزيد من العملاء، مما يزيد الفائدة والنفع، فإن (هامش الربح) وإن قلّ، إلا أن المجموع والمحصّلة النمائية ستكون أكثر.

اختر الموقع المتميز

قال الإمام علي (عليه السلام): مرّ النبي (صلّى الله عليه وآله) على رجل ومعه سلعة يريد بيعها، فقال:عليك بأوّل السوق.(2) إن الكاسب والتاجر وذو الحرفة والصنعة، عليه أن يتعلَّم فن وكيفية وطرق (التسويق) ومن مصاديقه اختيار الموقع الاستراتيجي،

ص: 188


1- الكافي (فروع): ج5 ص152 ح8.
2- من لا يحضره الفقيه: ج3 ص122 ب61 ح23.

وهو ما أشار إليه الحديث الشريف.

كما أن هذا الحديث يكشف لنا بوضوح عن أن النبي صلى الله عليه وآله، لم يكن يقتصر دوره في ارتباطه وعلاقته بالناس على التوجيه الديني فحسب، بل كان صلى الله عليه وآله يمارس دوره كموجِّه ومعلِّم اقتصادي أيضاً، أوَليس قد قال تعالى (بالمؤمنين رؤوف رحيم)؟

تجنب القسم بالله تعالى

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان يقول: إيّاكم والحلف فإنّه ينفق السلعة ويمحق البركة.(1) إن الذي يحلف لتسويق بضاعته، إما كاذب وإما صادق:

فإن كان كاذباً، فإنه إضافةإلى استجلابه غضب الله تعالى، يفقد مصداقيته بمرور الزمان فيزهد فيه المتعاملون معه.

وإن كان صادقاً، فإنه (ينفق سلعته) أيضاً بالقسم، ولعل من أسباب ذلك - إضافة إلى أنه جعل الله عرضة للأيمان، وأي عظيم أُمتهن اسمه الجليل! -فإنه يحاول تسويق بضاعته بالقسم، ولا يولي عادة كبير اهتمام ب(الجودة) و(الكيفية)، بل يحاول أن يعوّض عنها بالقسم، مما يقوده في رحلة تراجعية كيفية تزداد باطراد.

عليك بالمحافظة على الممتلكات

ص: 189


1- الكافي (فروع): ج5 ص162 ح4.

عن أبي مطر قال: خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي: ارفع إزارك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لك وخذ من رأسك إن كنت مسلماً.

فمشيت من خلفه وهو مؤتزر بإزار ومرتد برداء ومعه الدرة كأنّه اعرابي بدوي.

فقلت: من هذا؟.

فقال لي رجل: أراك غريباًبهذا البلد.

قلت: أجل، رجل من أهل البصرة.

قال: هذا علي أمير المؤمنين (عليه السلام)...(1) إن من أهم طرق (ترشيد الانفاق) المحافظة على الممتلكات والمقتنيات والبضائع، كي تكون أطول عمراً، وأدوم وأنظف و(رفع الثوب) المذكور في الحديث يعد مثالاً جيداً لذلك، فإنه أبقى للثوب لأنه يتجنب بذلك، اصطكاك الثوب بالأرض، والأحجار، والأشواك، مما يؤدي إلى تمزيقه أو تقذيره على أقل الفروض.

كما أنه (أتقى لك) فإن من يرفع ثوبه، فإنه يجنبها قاذورات الطريق، والنجاسات.

تجنب التسويق الكاذب

وعن الإمام أبي عبد الله الصادق، عن أبيه (عليه السلام) قال: قال رسول

ص: 190


1- بحار الأنوار: ج40 ص331 ب98 ح14.

الله (صلّى الله عليه وآله): ثلاثة لا يكلّمهم الله ولا يزكّيهم ولهمعذابٌ أليم، المُرخي ذيله من العظمة، والمزكّي سلعته بالكذب، ورجل استقبلك بنور صدره فيوارى وقلبه ممتلئ غشاً.(1) (التسويق الكاذب) قد يدفع الناس للشراء منك، أكثر فأكثر، إلا أنه على المدى الطويل، بل على المدى المتوسط أيضاً، يعدّ سبباً رئيسياً من أسباب الفشل الاقتصادي.

تجنب الغش

كتاب (الجعفريات)، بإسناده عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه ركب بغلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الشهباء بالكوفة، فأتى سوقاً سوقاً... ثم أتى التمّارين فقال: أظهروا من رديء بيعكم ما تظهرون من جيده.

ثم أتى السمّاكين فقال: لا تبيعوا إلاّ طيِّباً وإياكم وما طفا).

ان (النزاهة) تعد من أهم طرق سلامة دوران العجلة الاقتصادية، وان من أهم مفرداتها (تجنب الغش)، ولا فرق في قبح الغش بينالطفيف الحقير والكبير الخطير.

أعمل في بلدك

كتاب (الجعفريات) بإسناده، عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من سعادة المرء: الخلطاء الصالحون، والولد

ص: 191


1- مكارم الأخلاق: ص 111.

البار، والزوجة المؤاتية، وأن يرزق معيشته في بلدته.(1) ان (التخطيط السليم) هو مفتاح الرزق الهنيء والحياة الرغدة، ومن حسن التخطيط أن يخطط الكاسب لحياته التجارية ولمصدر رزقه، كي يكون في نفس بلده، فإن ذلك من السعادة، لأن الغربة عادة تستلزم (المشاق) وقد توجب الكآبة وتوتر الأعصاب ومختلف الأمراض، كما قد توجب الفساد إما للمهاجِر أو لبعض أفراد أسرته، وقد تستلزم تفكك العوائل بما تتضمن من عدم قدرة رب العائلة، على الرعاية العاطفية والتربوية.

نعم.. هذا هو الأصل، أما لوضاقت السبل بالمرء، فعليه أن ينطلق ويهاجر، كما عليه أن يخطط للتوقي من مضاعفات الهجرة أو الأسفار الكثيرة، قدر المستطاع، بل ان الله تعالى سيعوّض المهاجر في سبيله خيراً كثيراً جداً (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً).(2)

شارك ذوي الحظوظ والناجحين

وقال الإمام علي (عليه السلام): شاركوا الذي قد أقبل عليه الرزق فإنّه أخلق للغنى وأجدر بإقبال الحظ عليه.(3)

ص: 192


1- مستدرك الوسائل: ج13 ص292 ب41 ح1، عن الجعفريات: ص 194.
2- سورة النساء: آية 100.
3- نهج البلاغة: قصار الحكم 230.

وبناءاً على هذا الحديث الشريف فانه:

لابد للكاسب والتاجر من:

1- دراسة شاملة للسوق، ورصد الحركة التجارية للتجار وللشركات وذلك لكي يكتشف (الناجحين) وأسرار نجاحهم،وعوامل حسن طالعهم.

2- ثم عليه أن يحاول التقرب إليهم ومصادقتهم.

3- وأن يتوّج ذلك بعقد شراكة عمل معهم، أو تحالف نوعي شامل وبذلك ينطلق المرء إلى آفاق تجارية أرحب وأوسع بإذن الله تعالى.

أحسن انتخاب من تستعين بهم

وقال الإمام علي (عليه السلام): يا بني، إذا نزل بك كلب الزمان وقحط الدهر فعليك بذوي الأصول النابتة والفروع الثابتة من أهل الرحمة والإيثار والشفقة فإنّهم أقضى للحاجات وأمضى لدفع الملمات.(1) إذا كنت عاطلاً عن العمل، أو احتجت إلى مشورة مكثفة في أزمة اقتصادية تمرّ بها، أو إذا احتجت إلى قرضٍ، أو إلى وساطة مشروعة لتذليل عقبة أمام تجارتك، فعليك، كما يرشدنا الإمام عليه الصلاة والسلام، أن تحسن اختيار أولئك الذين تستعين بهم، لدفع الملّمة وقضاءالحاجة، وإلا زادوك خبالاً وما حصدت إلا وبالاً.

والإمام عليه الصلاة والسلام يرشدنا أيضاً إلى (المقاييس

ص: 193


1- أعلام الدين: ص 274.

والضوابط) في الأشخاص الذين ترجع إليهم وتستعين بهم، فعليكم بالتدبر في (المقاييس الخمسة) التي ذكرها الإمام صلوات الله عليه جيداً.

لا تتعامل مع السفلة

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث الأربعمائة: احذروا السفلة، فإنّ السفلة من لا يخاف الله عز وجل، فيهم قتلة الأنبياء وفيهم أعداؤنا.(1) ان (الغدر) و(المكر) و(السرقات) و(الخيانة) تعد من أهم عوامل خسارة الأفراد والشركات، بل انها كثيراً ما تؤدي للإفلاس.

فعلى الكاسب والتاجر تجنب التعامل مع (سَفلة الناس) وتجنب توظيفهم لأنهم أكثر الناس غدراً ومكراً وخيانة وسرقة، وكم من الناس فقدوا كل ما يملكون، أوفشلوا في تجارتهم، أو تكبدوا خسارات فادحة، أو أغلقوا مصانعهم ومعاملهم، نتيجة (خيانة) موظف أو عامل أو شريك من السفلة!.

ولكن: من هم سفلة الناس؟ هذا ما يوضحه الحديث التالي:

فأن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إن كنت لا تبالي ما قلت وما قيل لك فأنت سفلة.(2) إن (السافل) هو من لا كرامة له، ولذا لا يهتم بما قال في الناس (من

ص: 194


1- الخصال: ج2 ص635 ح10 (حديث الأربعمائة)
2- راجع تهذيب الأحكام: ج6 ص295 ب92 ح28.

سباب أو تهمة أو غيبة أو جرح وإهانة) كما لا يهتم بما يقوله عنه الناس (من نقدٍ، أو جرح، أو هتك) وذلك مؤشر خطير على أنه لا يمتلك رادعاً عن الخيانة أو الجريمة (من سرقة أو اختلاس أو تلاعب بالأسواق أو غير ذلك). فتأمل

بكِّر في طلب الرزق

وقال (عليه السلام): إذا صلّيتم الصبح وانصرفتم فبكروا في طلب الرزق.(1)النشاط مفتاح النجاح، ومن مقومات النجاح (التبكير) في طلب الرزق، وأفضل أنواع التبكير ما كان بعد الانصراف من صلاة الصبح، فكن نشطاً وبكّر في طلب الرزق فستنال المنى بإذن الله المنان.

عليك بالأمانة والاتقان

وقف الإمام علي (عليه السلام) على خيّاط فقال: يا خيّاط، ثكلتك الثواكل! صلّب الخيوط ودقق الدروز وقارب الغرز فإنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: يحشر الله الخيّاط الخائن وعليه قميص ورداء ممّا خاط وخان فيه واحذروا السقاطات، فإنّ صاحب الثوب أحقّ بها ولا تتخذ بها الأيادي تطلب المكافات.(2) (الأمانة والاتقان) شرطان من شروط النجاح، كما أنهما ملاك

ص: 195


1- الكافي (فروع): ج5 ص79 ح8.
2- تنبيه الخواطر: ص 42 (باب الصناعات والحرف).

الثواب، في قبال الخيانة والإهمال، حيث إنهما ملاك العقاب.(1) و(الخياط) ما هو إلا طرفالخطاب في الحديث، وإلا فإن الملاك شامل لكل ذوي حرفة وصنعة، بل ولكل من له عمل ما، كالنجار والحدّاد والقصاب والصائغ، كما يشمل أيضاً (المهندس) و(الطبيب) و(المحامي) وغيرهم، فعلى الجميع (الاتقان) في العمل إلى أقصى الحدود، وعلى الكل أداء هذه الأمانة بأفضل الوجوه.

إستمر في العمل والإنتاج وإن لم تكن محتاجاً وفي الحديث: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يخرج في الهاجرة في الحاجة قد كُفِيَها يريد أن يراه الله يتعب نفسه في طلب الحلال.(2) ان (مجتمع العمل والإنتاج) هو المجتمع الذي يحبه الله تعالى، ولذا كان يخرج أمير المؤمنين في الهاجرة - وهي حرّ الظهيرة - ليعمل رغم أنه لم يكن محتاجاً.

وما الذي كان يصنعه بالفائض؟ كان ينفقه على الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل...وكذلك فلنكن!

اكتفِ بالضروري

قال الإمام علي (عليه السلام): كلّ مقتصَر عليه كاف.(3)

ص: 196


1- أي الإهمال الذي يؤدي إلى تضييع حقوق الآخرين.
2- من لا يحضره الفقيه: ج3 ص99 ب 58 ح31.
3- نهج البلاغة: قصار الحكم: حكمة 395.

ان (ترشيد الانفاق) مستحب، لكنه إن كان تركه مما يدخل في دائرة الإسراف حَرُم، و(كل مقتصَر عليه) يشير إلى الاكتفاء باللازم وترشيد الإنفاق بمعنى الاقتصار على الضروري واللازم، وأن لا يكون منهج الإنسان التراكض خلف الأكثر فالأكثر، لا لشيء إلا لأنه يواكب (الموضة) مثلاً.

ومن دائرة الخطأ هذه ما نجده عند الكثير من الشباب من وَلَع بالنسخ الأحدث من الأجهزة(1)، رغم عدم مساس حاجته بها، بل لكي يجاري الموضة، ويتبجح أمام أصدقائه فقط!

كن سهلاً ولا تتشدد

وقال علي (عليه السلام): (ساهل الدهر ما ذلّ لك قعوده...).(2)إن من طرق النجاح عدم التشدد والتساهل في التعامل، وفي مضمون الرواية (إن بني إسرائيل صعّبوا فصعّب الله عليهم ولو سهلوا لسهّل).(3) و(السهولة) تعني فيما تعني: سهولة البيع والشراء، والإجارة والرهن، والصلح والفسخ، بدون تعقيد أو روتين إداري أو بيروقراطية،

ص: 197


1- كأجهزة الآيفون والجالاكسي والآي باد والكمبيوتر وغيرها، وكذا ما نجده عند الكثير من النساء من الولع بالاكسسوارات وحتى أنواع الأثاث المنزلي.
2- نهج البلاغة: رسالة 31، كتبها إلى الإمام الحسن (عليه السلام) عند انصرافه من وقعة صفين.
3- عيون أخبار الرضا صلوات الله عليه: ج1، ص16، ح31، وهي رواية طويلة في قضية بقرة بني إسرائيل والشاهد منها (ولكن شددوا، فشدد الله عليهم).

فإذا أتتك الأمور سهلة، فكن سهلاً مع الناس أيضاً، وعندئذٍ تدوم لك هذه النعمة.

إحذر الكسل

وقال (عليه السلام): من دام كسله خاب أمله وساء عمله.(1) (الكسول) تسوء أعماله من جهة، ولا يصل إلى أهدافه من جهة ثانية، فإن الكسول يهمل العمل، وإن عمل فإنه لا يتقنه، فلا يصل إلى آماله وأهدافه كنتيجة طبيعية لكل ذلك.

قال أمير المؤمنين (عليهالسلام): إنّ الأشياء لمّا ازدوجت، ازدوج الكسل والعجز فنتج بينهما الفقر.(2) وهذه معادلة علمية: الكسل + العجز = الفقر.

أما العاجز غير الكسول، فقد يوجِد بنشاطه القدرة والقوة والكفاءة، فلا يبقى عاجزاً - في إطار العلة المبقية -.

أما القادر الكسول كوارثٍ كسول ورث ثروة ضخمة، فإنه سرعان ما يبدد ثروته.

إترك الأماني وأقبِل على العمل

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لابنه محمد ابن الحنفية: يا بني،

ص: 198


1- غرر الحكم: ج2 ص162 الفصل السابع والسبعون ح263.
2- الكافي (فروع): ج5 ص86 ح8.

إيّاك والاتكال على الأماني فإنّها بضائع النوكى(1) وتثبيط عن الآخرة – إلى أن قال – أشرف الغنى ترك المُنى.(2) ان من عوامل الفقر (الإتكالعلى الأماني)، فإن بعض الناس يتخذ من (الحياة في عالم الأحلام والأماني) بديلاً عن التخطيط والعمل والجد والاجتهاد، وهذه هي وصفة الفشل وهي سلاح الحمقى في مواجهة الحياة وصعابها.

عليك بالأحلام الإيجابية

كتاب الجعفريات، بإسناده عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: إذا تمنّى أحدكم فليكن مناه في الخير وليكثر فإنّ الله واسع كريم.(3) (تمني النجاح) و(التقدم) أمر حسن مطلوب، باعتباره جزء العلة المُعِدَّة للتقدم، أما الأمر المذموم الذي أشارت إليه الرواية السابقة فهو (الإتكال على الأماني) باعتبارها العلة التامة، وترك التخطيط والعمل لمجرد أمنيةِ أن تتحقق تلك الأماني آلياً (أوتوماتيكياً).

قاوم النوم

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): ما أنقض النوم لعزائماليوم.(4)

ص: 199


1- النوك: بالضم الحمق، الأنوك: بمعنى الأحمق وجمعه النوكى، لسان العرب: ج10 ص 501 وكتاب العين: ج5 ص411.
2- من لا يحضره الفقيه: ج4 ص275 ب176 ح10.
3- مستدرك الوسائل: ج13 ص46 ب16 ح5. عن الجعفريات: ص 155.
4- نهج البلاغة: الخطبة 241.

ان (النوم) عدو خطير للعزيمة والإرادة المنعقدة لتحقيق الأهداف، وكم من أمرءٍ عزم على أمر، ففاته لمجرد أنه فضّل النوم والخمول على الجد والنشاط؟! وقال الإمام علي (عليه السلام): ويل للنائم ما أخسره! قصّر عمره وقل أجره.(1) ان (النائم) قد ينام عن أداء الواجبات كالجهاد الواجب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجبين وشبههما، وهنا الويل والثبور والعذاب له حقيقة، وقد ينام عن المستحبات وعن فرص العمل والتقدم، وهنا الويل له مجازاً.

وقال الإمام علي (عليه السلام): بئس الغريم النوم يفني قصير العمر ويفوت كثير الأجر.(2) (النوم) وحش صامت يلتهم الفرص ويفني العمر ويحرمكالأجر، فلِمَ تستسلم له؟

ضع جدولاً لأعمال الليل والنهار

وقال (عليه السلام): من كثر في ليله نومه فاته من العمل ما لا يستدركه في يومه.(3)

ص: 200


1- غرر الحكم: ج2 ص303 الفصل الثالث والثمانون ح 30.
2- غرر الحكم: ج1 ص304 الفصل العشرون ح33.
3- غرر الحكم: ج2 ص216 الفصل السابع والسبعون ح1173.

للّيل برامج وأعمال، وللنهار برامج وأعمال، ويختلف ذلك باختلاف الأعراف، فمثلاً: قد يكون النهار للعمل والتجارة، ويكون الليل للعلاقات والتواصل والزيارة.

وإذا فوّت الإنسان بعض أعمال الليل، بكثرة النوم، فإنه لا يمكنه استدراكه بالنهار عادة، ولو فرض أنه أمكنه ذلك، كان على حساب أعمال النهار.

والعكس صحيح أيضاً لمن يكثر النوم في النهار.. فكيف بمن يكثر النوم في كلا الوقتين؟

تجنب كثرة الأكل

وقال الإمام علي (عليه السلام): كثرة الأكل والنوم يفسدان النفس ويجلبان المضرّة.(1)ان (كثرة الأكل) تعد من عوامل تبديد الثروة، وقد تجر إلى الفقر، فإن كثرة الأكل تعد من أهم بواعث الأمراض والعلل والأسقام، من جهة، وتبدد الأموال في تكاليف العلاج من جهة أخرى، كما أن كثرة الأكل تضعف الإنتاجية، كما انها تعد استهلاكاً مبالغاً فيه، للمواد الغذائية، من دون ضرورة، بل ومع الضرر، وذلك مما يسبب - ولو بعملية تراكمية بعيدة المدى - في غلاء البضائع وارتفاع الأسعار، إذ كلما زاد الطلب ارتفعت الأسعار، كما يسبب في كثير من الأحيان حرمان الكثير من

ص: 201


1- غرر الحكم: ج2 ص102 الفصل السادس والستون ح 37.

الفقراء من الطعام، في كل ما كان الإنتاج له محدوداً.

أطلب الرزق بين الطلوعين

وعن الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) (في حديث الأربعمائة): واطلبوا الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإنّه أسرع في طلب الرزق من الضرب في الأرض وهي الساعةالتي يقسّم الله فيها الرزق بين عباده.(1) ولعل من الأسباب في ذلك - إضافة للعامل الغيبي - أن تدفق الأدرنالين في البدن، يزداد في هذا الوقت بشكل كبير في البدن، وهو هرمون النشاط والحيوية، إضافة إلى أن الإنسان يعيش القمة في صفاء الذهن، بين الطلوعين، كما يكون هادئ الأعصاب، رابط الجأش، فيكون، لكل ذلك، أقدر على التخطيط السليم، وعلى إتخاذ القرارات الصائبة.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ النوم قبل طلوع الشمس وقبل صلاة العشاء يورث الفقر وشتات الأمر.(2) ذلك ان فترة ما قبل طلوع الفجر، هي فترة تحول طبيعي - كوني، كما هي فترة تحول بيولوجي - سيكولوجي فيالإنسان(3)، وكذا فترة

ص: 202


1- الخصال: ج2 ص 616 ح10 (حديث الأربعمائة).
2- مستدرك الوسائل: ج13، ص110، ب31، ح2، عن حلية العلامة المجلسي: ص 126.
3- أوضح المؤلف ذلك في كتاب (الإمام الحسين عليه السلام وفروع الدين).

ما قبل العشاء.

وفي فترات التحول، لابد من الاعداد والاستعداد بالدعاء والعمل، أما النوم فإنه هروب من مواجهة متطلبات المرحلة، لذا فإنه يورث الفقر ويسبب شتات الأمر.

وختاماً: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ إنفاق هذا المال في طاعة الله أعظم نعمة، وإنّ إنفاقه في معاصيه أعظم محنة.(1)

ص: 203


1- غرر الحكم: ج1 ص 214 الفصل التاسع ح 17.

ص: 204

الملحق

عهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مع شرح مستقى من كتاب (توضيح نهج البلاغة) للمرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه)

ص: 205

ص: 206

كتابه (عليه

السلام) إلى الأشتر النخعي (ومن كتاب له (عليه السلام) كتبه للأشتر النخعي، لما ولاّه على مصر وأعمالها)..

(وهو أطول عهد) للإمام (عليه السلام) (وأجمع كتبه للمحاسن) والآداب والسياسات.

(بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم، هذا ما أمر به عبد اللَّه عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، مالك بن الحارث الأشتر، في عهده إليه حين ولاّه مصر، جباية خراجها، وجهاد عدوّها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها):

أخلاق الحاكم

(أمره) علي (عليه السلام) (بتقوى اللَّه، وإيثار طاعته، واتباع ما أمر به في كتابه) القرآن الكريم.

(من فرائضه) الواجبة (وسننه) المستحبّة (التي لا يسعد أحد إلاّ باتباعها) والعمل بها (ولا يشقى إلاّ مع جحودها) أي إنكارها (وإضاعتها) بعدم العمل بها(وأن ينصر) الأشتر (اللَّه) تعالى (سبحانه بقلبه) بالعزم على تنفيذ أوامره في البلاد والعباد (ويده) بالتأديب والجهاد والكتابة، وما أشبه (ولسانه) بقول الحق والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، (فإنّه جلّ اسمه قد تكفّل بنصر من نصره) حيث قال سبحانه : ﴿إن تنصروا اللَّه ينصركم ويثبّت أقدامكم﴾ (وإعزاز من أعزّه).

ص: 207

مقياس الحاكم الصالح

(وأمره) عليّ عليه السّلام (أن يكسر نفسه من الشهوات) أي يذلَّها فلا يعطيها ما تطلبه من الملذّات والمشتهيات (ويزعها) أي يكفّ نفسه عن المطامع والمطامح (عند الجمحات) أي إذا جمحت النفس وعصت إلاّ عن نيل الملذّات (فإن النّفس أمّارة بالسّوء) أي كثيرة الأمر بالأعمال السيّئة (إلاّ ما رحم اللَّه).

(ثمّ اعلم يا مالك أنّي قد وجّهتك) أي أرسلتك (إلى بلاد قد جرت عليها دول) جمع دولة، وجرت بمعنى مضت (قبلك) وقبل دولتك(من عدل وجور) أي إن بعض تلك الدول كانت عادلة وبعضها كانت ظالمة (وأنّ النّاس ينظرون من أمورك) وكيف تعمل أيام حكومتك (في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك) فكنت تقول هذا حسن وهذا سيء، وهكذا ينظر النّاس إليك (ويقولون فيك) وفي تصرّفاتك (ما كنت تقول فيهم) من تحسين حسناتهم وتقبيح قبائحهم.

(وإنّما يستدلّ على الصّالحين) وأن أي الناس صالح وأيّهم ليس بصالح (بما يجرى اللَّه لهم على ألسن عباده) فإن مدح الناس شخصا، كان دليلا على صلاحه (فليكن أحب الذّخائر) التي تدخرها (إليك، ذخيرة العمل الصالح) في مقابل ذخيرة الملوك والولاة للمال والجواهر (فاملك هواك) لئلاّ يردك موارد الهلكة.

(وشحّ بنفسك) أي أبخل بها فلا تبذلها (ممّا لا يحلّ لك) من

ص: 208

الأعمال والأقوال والتّصرّفات. (فإنّ الشّح بالنّفس) بعدم صرفها في موارد الهلكة (الإنصاف منها فيما أحبت) بعدم التعدي (أوكرهت) بعدم التفريط، فإنّ الإنسان قد يحبّ شخصاً فيسرف في إكرامه، وقد يكره شخصا فيبخل حتّى بإكرامه اللائق به.

الحاكم والرعية

(وأشعر قلبك الرحمة للرعية) حتى يكون حب الرعية داخلا في قلبك، وذلك فإنّ الإنسان بكثرة التفكر في أمر، يكون ذلك الأمر ملكة له (والمحبّة لهم واللطف بهم) بأن تكون لطيفاً في معاملتك معهم (ولا تكونّن عليهم سبُعاً ضاريا) أي تضرّهم (تغتنم أكلهم) والمراد هضمهم حقوقهم، والتصرّف في أموالهم بالاغتصاب.

(فإنّهم) أي النّاس (صنفان) أي قسمان: (إمّا أخ لك في الدّين) إن كان مسلما كما قال سبحانه ﴿انّما المؤمنون اخوة﴾ (أو نظير لك في الخلق) فإنّ النّاس يتشابه بعضهم بعضا، فيما لم يكن مسلماً، (يفرط منهم الزلل) أي يسبق منهم الخطأ، (وتعرض لهم العلل) أي علَّة الأعمال السّيئة فيسيؤون بسبب تلك العلل (ويؤتى على أيديهم) العمل القبيح (فيالعمد والخطأ) وهذا طبيعة الإنسان، إذ ليس معصوما، (فأعطهم من عفوك وصفحك) عن إساءتهم (مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه) بالنسبة إلى ذنوبك وآثامك، (فإنّك) يا مالك (فوقهم) أي أعلى مرتبة من الرعية (ووالي الأمر عليك) والمراد

ص: 209

به نفسه الكريمة (فوقك) رتبة (واللَّه) سبحانه (فوق من ولاّك) فاللازم ملاحظته سبحانه في أمره ونهيه، (وقد استكفاك) أي طلب سبحانه منك كفاية (أمرهم) بإنجاز طلباتهم والقيام بمصالحهم (وابتلاك بهم) أي اختبرك بسببهم حيث جعلك والياً عليهم.

الحاكم في مواجهة الله

(ولا تنصبن نفسك لحرب اللّه) أي مخالفة شريعته تعالى بالظلم والجور، فإن الوالي الجائر كالذي نصب نفسه للمحاربة. (فإنه لا يد لك بنقمته) أي ليس لك يد وقوة لدفع عذابه تعالى إذا أراد بك سوءاً (ولا غنى بكعن عفوه ورحمته).

(ولا تندمنّ على عفو) فإن عفوت عن مجرم أجرم إليك ثم عفوت عنه فلا تندم أبدا، إذ العفو أحسن عاقبة من الانتقام، (ولا تبجحنّ بعقوبة) أي لا تفرحنّ بسبب ما عاقبت به أحداً، فإنّ العقوبة شر عاقبة مهما كانت حقّا (ولا تسرعنّ إلى بادرة) وهى ما يظهر من الإنسان من قول أو فعل عند الغضب (وجدت منها مندوحة) أي مفرّاً ومخلصاً، بل فرّ من آثار الغضب حتى يهدأ.

(ولا تقولن إني مؤمر) قد أمرت من جانب الخليفة بكذا (آمر) لكم أيتها الرعية (فأطاع) أي فاللازم أن أطاع، بأن ترى نفسك فوقهم (فإنّ ذلك) أي جعل الإنسان نفسه بهذه المنزلة الموجبة للكبر (إدغال في القلب) أي إدخال للفساد فيه، إذ الشخص الذي يفكر هكذا تفكير

ص: 210

إذا عملت الرعية خلاف هواه عاقب بغير حق (ومنهكة للدين) أي مضعفة لدين الإنسان، إذ ذلك يوجب الظلم والعدوان والكبروالترفع (وتقرب من الغير) أي الاغترار بالسلطة، والوقوع في تطوّرات غير محمودة.

(وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة) أي إذا سبب السلطة لك كبراً وعظمةً (ومخيلة) أي الخيلاء والعجب (فانظر) لكسر جماح نفسك وإخراج الكبر من قلبك (إلى عظم ملك اللّه فوقك) فإنّ النفس إذا نظرت إلى أعظم منها صغرت، واستصغرت ما هي فيه (وقدرته) سبحانه منك (على ما لا تقدر عليه من نفسك) يعنى إنه تعالى قادر على التصرف في نفسك بالإفقار والأمراض والإماتة وما أشبه مما لا تقدر أنت على مثل ذلك بالنسبة إلى نفسك.

(فإنّ ذلك) النظر والتفكر في عظمته سبحانه (يطامن إليك) أي يخفض (من طماحك) أي ارتفاعك وكبرك (ويكف عنك) أي يمنع (من غربك) أي حدة تعظيمك لنفسك (ويفي إليك) أي يرجع (بما عزب عنك) أي غاب (من عقلك) فإن من ذهول العقل أن يرى الإنسان نفسه عظيما، وهي صغيرة حقيرة.(إيّاك) أي احذر يا مالك (ومساماة اللّه) أي مباراته ومقابلته في السمو والعلو (في عظمته) بأن ترى نفسك عظيما، فإن ذلك مقابلة للّه في عظمته (والتشبه به في جبروته) بأن تكون جبّارا، كما هو سبحانه

ص: 211

جبّار، (فإن الله يذل كل جبار، ويهين كل مختال) أي متكبر.

انتهاج العدل والإنصاف

(أنصف الله) بالإتيان بما أمر (وأنصف الناس) بإعطاء حقوقهم (من نفسك ومن خاصّة أهلك) فلا تذرهم يتركون أوامره تعالى، أو يضيعون حقوق الناس (ومن لك فيه هوى من رعيتك) أي لك ميل إليه من حاشيتك وأصحابك، فإنّ الغالب أن أهل السلطان وحاشيته لا يهتمون بفرائض الله، ولا بحقوق الناس حيث يرون أنفسهم في غنى، وأن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى. (فإنك إن لا تفعل) الإنصاف (تظلم) الناس بنفسك أو بحاشيتك وأهلك حيث أطلقت سراحهم يعملون ما يشاؤون بالناس (ومن ظلم عباد اللّه كاناللّه خصمه دون عباده) فإنّ اللّه تعالى يتولى رد المظالم (ومن خاصمه اللّه أدحض حجّته) أي أبطلها، لأنه سبحانه عالم بالواقعيات، فلا يعبر عليه الكذب والتزوير.

(وكان) هذا الظالم (للّه حرباً) أي محارباً (حتى ينزع) أي يقلع عن الظلم (أو يتوب) فيما لو تمت المظلمة ولا محل للإنزاع منها (وليس شيء أدعى) أي أكثر دعوة وتسبيباً (إلى تغيير نعمة اللّه) بذهابها عن الإنسان (وتعجيل نقمته) أي نكاله وعقابه على الإنسان (من إقامة على الظلم) أي من أن يقيم الإنسان ويستمر في ظلم الناس.

(فإنّ اللّه سميع دعوة المضطهدين) أي يسمع شكاية المظلومين

ص: 212

ودعاءهم لزوال ملك الظالم (وهو للظالمين بالمرصاد) أي بمحل الرصد والترقب يراقبهم لأخذهم (وليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها في الحق) أي أعدلها من جهة كونه حقّا، مثلا أحب البذل ما لم يكنفيه إفراط ولا تفريط، وإن كانا جائزين في أنفسهما، لعدم كونهما مضرّين (وأعمّها في العدل) بأن يشمل عدلها النّاس، فإذا أراد بذل ألف دينار، أعطاها لألف شخص مثلا، لا لمائة، وإن كان كلّ الأمرين جائزاً (وأجمعها لرضا الرعية) بأن توجب لرضى جميع الرعية لا بعضهم دون بعض (فإن سخط العامة يجحف) أي يذهب (برضا الخاصة) إذ العامة يوجبون أن يسخط الخاصة على الإنسان أيضا، إذا أكثروا الشكاوى عندهم، لأنّ الناس مرتبطون بعضهم ببعض. (وإن سخط الخاصة) أي بعض الناس، الذين يريدون الزيادة من حقهم على حساب سائر الناس (يغتفر) ولا يؤثر (مع رضا العامة). ولذا يجب على الإنسان أن يلاحظ رضا العامة، وإن سخط بعض الخاصة.

الحواشي والمنتفعون

(وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤنة) أي ما يتطلّب ويريد (في الرخاء، وأقل معونة) أي عوناً وإغاثة (له في البلاء)والشدة (وأكره للإنصاف) إذا أراد الوالي إعطاء حقّه، لا أكثر (وأسأل بالإلحاف) أي الإلحاح في السؤال (وأقل شكراً عند الإعطاء) أي إعطائه المال والمنصب وما أشبه (وأبطأ عذراً عند المنع) أي لا يقبل عذر الوالي إذا منعه

ص: 213

عن العطية (وأضعف صبراً عند ملمات الدهر) أي حوادثه التي تلمّ بالإنسان (من أهل الخاصة) أي أهل الخصوصية والقرب بالإنسان، وهم الحاشية، فإن الخاصة يعدون أنفسهم من الطبقة الرفيعة، والطبقات الرفيعة غالباً يبتلون بهذه النقائص، لأنهم يرون لأنفسهم امتيازات موهومة. (وإنّما عماد الدين) الذين يقومون بأمره وسائر شؤونه (وجماع المسلمين) أي جماعتهم (والعدة) التي يهيّؤها الوالي (للأعداء) فيما إذا صارت محاربة (العامة من الأمة) لأنهم حيث لا يرون لأنفسهم امتيازات يعملون في جميع المجالات (فليكن صغوك) أي إصغائك (لهم) بالاختلاط معهموقضاء حوائجهم.

(وميلك معهم) فلا تحجبهم ولا تصرف نفسك عنهم.

الوشاة والجواسيس

(وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم) أي أبغضهم عندك (أطلبهم لمعايب النّاس) أي أشدّهم طلباً وتفحّصاً وبياناً لعيوب النّاس (فإن في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها).

(فلا تكشفنّ) أي لا تفحصنّ (عمّا غاب عنك منها) أي من المعائب (فإنّما عليك تطهير ما ظهر) فانّ اللّه سبحانه نهى عن التّجسّس ولم يأمر بالتفحّص عمّا لا يعلم، (واللّه يحكم على ما غاب عنك) فدعه للّه تعالى (فاستر العورة) إلى العيب (ما استطعت يستر اللّه منك) عيبك من (ما تحب ستره من رعيتك) أي من عيوبك التي تحبّ أن لا يعرفها

ص: 214

الرّعية.

(أطلق عن النّاس عقدة كل حقد واقطع عنك سبب كل وتر) أي كل عداوة، (وتغاب) أي كن كالغائب في عدم المعرفة (عن كل ما لا يصح لك) من دعوة، أو عقوبة، أوإعطاء، أو ما أشبه، فاجعل نفسك كأنّك لم تفهمه ولم تحضر الأمر (ولا تعجلن إلى تصديق ساع) يسعى بذكر معايب النّاس وجرائمهم لتنزل عقوبتك عليهم (فإنّ السّاعي غاش) يغش ويكذب ويوجب الفساد (وإن تشبه بالنّاصحين) لك.

المستشارون

(ولا تدخلن في مشورتك) الشور الفحص عن الحق بسبب تصفح الآراء والأفكار (بخيلاً يعدل بك عن الفضل) فيقول لك لا تتفضل ولا تعط، خوفاً من الفقر أو لعدم استحقاق الآخذ أو ما أشبه (ويعدك الفقر) إن أنت أعطيت ما عندك (ولا جباناً يضعفك عن الأمور) لأنه يخاف من مواجهة المشكلات. (ولا حريصا) على الملك والمال وما أشبه (يزين لك الشره) هو الإفراط في الملذّات (بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز) أي طباع (شتى) متفرقة في الإنسان (يجمعها سوء الظن باللّه).

مواصفات الوزراء

(إن شر وزرائك) الوزير هو المؤازر للعمل (من كان للأشرار قبلك وزيراً) لأنه مكروه عند الناس، منحرف النفس (ومن شركهم في الآثام)

ص: 215

والمعاصي (فلا يكوننّ) أمثال هذا الوزير (لك بطانة) أي وزيراً وخاصة لك (فإنهم أعوان الأثمة) جمع آثم أي فاعل الإثم، فإن من اعتاد على الإثم يعين الآثمين. (وإخوان الظلمة) جمع ظالم، (وأنت) يا مالك (واجد) أي تجد (منهم) أي بدل هؤلاء الوزراء (خير الخلف) فإن البلاد لا تخلو عن الحكماء المعتدلين (ممن له مثل آرائهم) الصائبة (ونفاذهم) في الأمور، بمعرفة كيفية العمل، والإتيان بالفعل فعلا (وليس عليه مثل آصارهم) جمع إصر، وهو : الذنب والحمل الثقيل (وأوزارهم) جمع وزر، بمعنى الإثم. (ممن لم يعاون ظالما على ظلمه) حتى يكون له سابق سيء عند اللّه وعند النّاس (ولا آثماً على إثمه) وإن لم يكن الإثم ظلماً للغير، كشرب الخمر وما أشبه (أولئك)الوزراء الذين ليس لهم سابقة سوء (أخف عليك مؤنة) فإنهم لم يعتادوا أخذ الأموال من الولاة، حتى يريدوا مثلها منك (وأحسن لك معونة) لأنهم لم يترهلوا في الحكم حتى يثقل عليهم العمل (وأحنى عليك عطفا) أي أكثر حنوا وميلا وتعطفا عليك، لأنهم يرون أنك ولي نعمتهم. (وأقل لغيرك ألفا) أي ألفة ومحبة، إذ لم يسبق لهم حكم حتى ألفوا الناس (فاتخذ أولئك) الجدد من الوزراء (خاصة لخلواتك) تخلو بهم للاستشارة (وحفلاتك) إذا أردت أن تحتفل بشيء، والمراد اجتماعاتك بالناس للأعياد وأشباه ذلك (ثم ليكن آثرهم عندك) أي أفضلهم لديك الذي تقدمه على غيره (أقولهم بمرّ الحق لك، وأقلهم مساعدة فيما يكون منك مما

ص: 216

كره اللّه لأوليائه) كصرف العمر في البطالة، وما أشبه، بأن يكون ذلك الوزير لا يساعدك على مثل هذا الأمر، وإنّما يساعدك في الأمور الحسنة (واقعا ذلك)المكروه للّه (من هواك حيث وقع) أي وإن كان ذلك الأمر من أشد مرغوباتك، (ألصق) أي اقترب، يا مالك (بأهل الورع والصّدق، ثمّ رضهم) أي عوّدهم، من الرّياضة (على أن لا يطروك) أي لا يمدحوك (ولا يبجحوك) أي : لا يفرحوك (بباطل لم تفعله) بأن يقولوا فعل الوالي كذا، والحال أنّك لم تفعله، وإنّما فعله غيرك (فإنّ كثرة الإطراء) والمدح (تحدث) في الممدوح (الزّهو) أي الفخر والعجب بالنّفس (وتدني) أي تقرب الممدوح (من العزّة) أي الكبر والاعتزاز، وكلّ ذلك رذيلة.

(ولا يكوننّ المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء) أي متساويين فتحترم المسيء كما تحترم المحسن (فإن في ذلك تزهيداً) وتنفيراً (لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة، وألزم كلا منهم) أي من المحسنين والمسيئين (ما ألزم نفسه) بإكرام المحسن، وإهانة المسيء.

الإحسان للناس

(واعلم أنه ليس شيء بأدعى) أي بأكثر طلب ودعوة (إلى حسن ظن راع برعيته من إحسانه إليهم) فإذا أحسن إليهم أحبّهم، لأنه أمن منهم ووثق بمحبتهم له فيحبّهم، (وتخفيفه المؤنات) أي الصعوبات (عليهم، وترك استكراهه) أي إكراهه (إياهم على ما ليس له قبلهم) أي

ص: 217

عندهم، (فليكن منك) يا مالك (في ذلك) الذي ذكرت (أمر يجتمع لك به) أي بسببه (حسن الظن) من رعيتك إليك، حتى يظنوا أنك لا تريد إلاّ خيرهم ولا تحمّلهم أمراً شاقا، فإذا فعلت ذلك (يقطع عنك) أي يزيل عنك (نصباً) وتعباً (طويلا) إذ الرعية إذا أساؤوا الظن بالوالي، أوجدوا له في كل يوم مشكلة، ولم يعينوه في أموره، (وإن أحق من حسن ظنك به لمن بلائك عنده) أي امتحانك له، (وإن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلائك عنده) فاللازم أن يجعل الإنسان ميزان حسن الظن وسوء الظن مقادير الناس في الأعمال السابقة، لا أن يجعل الميزانمقادير مدحهم وذمهم للوالي، يطرد الناقد، ويقرّب المطري - كما هي العادة عند الإغرار من أصحاب السلطة -.

السنة الصالحة

(ولا تنقص سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة) أي السابقون منهم، فإن الولاة كثيراً يأخذهم الكسل والترهل فيتركوا بعض السنن استثقالا، ويستمر الأمر على ذلك حتى تموت تلك السنة بين الناس (واجتمعت بها) أي بتلك السنة (الألفة) بين الناس (وصلحت عليها الرعية).

(ولا تحدثن سنة) أي طريقة جديدة (تضر بشيء من ماضي تلك السنن) فإذا صرفوا الناس نشاطهم في هذه السنة الجديدة، لم يبق لهم نشاط لصرفه في السنة القديمة، كان يسن مثلاً زيارة الحسين (عليه السلام)

ص: 218

يوم العشرين من شعبان بمناسبة - وإن أعلن للناس أنه من باب مطلق الزيارة لا من باب زيارة خاصة - فلا يأتي الناس إلى الزيارة في النصف منه (فيكونالأجر لمن سنها) أي سنّ تلك السنة السابقة، كالأئمة عليهم السلام، (والوزر عليك بما نقضت منها) حيث صارت طريقتك موجبة لترك تلك السنة.

(وأكثر) يا مالك (مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك وإقامة ما استقام به الناس قبلك).

طبقات الرعية

(واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلاّ ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض) لاحتياج كل طبقة إلى سائر الطبقات:

(فمنها جنود اللّه) أي الجيش المحافظون للبلاد.

(ومنها كتاب العامة والخاصة) كتّاب جمع كاتب، وكتاب العامة هم الذين يكتبون لعامة الناس، كالخراج والمظالم، وكتاب الخاصة هم الذين يكتبون أوامر الوالي بالنسبة إلى العمّال نصبهم وعزلهم وأخبار الأعداء وما أشبه ذلك ممن لا يرتبطون بعامة الناس، وإنّما هم من خواصالوالي وأهل سره.

(ومنها قضاة العدل) أي القاضون بين الناس بالعدل.

(ومنها عمّال الإنصاف والرفق) الذين يعملون للوالي، بإحضار الناس وتبليغهم، ومن يودعهم الوالي الأموال، من لهم الإنصاف في الأمور، ويعالجون المشاكل بكل رفق ولين.

ص: 219

(ومنها أهل الجزية) اليهود والنصارى والمجوس الذين يؤدون قدراً من أموالهم - بعنوان الجزية - في مقابل حماية الدولة لهم (والخراج) الذين يدفعون إيجار الأراضي التي هي للدولة لكونها مفتوحة عنوة، ممن استأجروهم لمصالحهم الزراعية وما أشبه (من أهل الذمة ومسلمة النّاس) أي الذين استسلموا ودخلوا في طاعة الدولة.

(ومنها التجّار وأهل الصّناعات).

(ومنها الطبقة السفلى من ذوى الحاجة والمسكنة) أي الفقراء، من الذين لا يدخلون تحت تلكالعناوين.

(وكل) من أصناف هذه الطبقات (قد سمّى اللّه) أي عين سبحانه (له سهمه) أي نصيبه وحكمه (ووضع على حده) أي شأنه (فريضة) أي بيّن الواجب له وعليه (في كتابه) القرآن الحكيم (أو سنة نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم عهداً منه) صلى اللّه عليه وآله وسلم (عندنا محفوظا) فنعلم حكمه ببيان الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم.

الجنود

(فالجنود - بإذن اللّه - حصون الرعية، وزين الولاة، وعز الدين، وسبل الأمن، وليس تقوم الرعية) وتستقيم (إلاّ بهم) إذ لولا الجند لثار كل طامع، ونهب كل لص، وهكذا.

(ثم لا قوام للجنود إلاّ بما يخرج الله لهم من الخراج) إذ الكافل بشؤون الجيش من السلاح والعتاد وما أشبه وجمعهم تحت لواء الطاعة هو المال (الذي يقوون به على جهاد عدوهم، ويعتمدون عليه) أي على

ص: 220

ذلكالخراج (فيما يصلحهم) من السلاح والزاد وما أشبه (ويكون من وراء حاجتهم).

القضاة والعمال والكتّاب

(ثم لا قوام لهذين الصنفين) الجنود وأهل الخراج (إلا بالصنف الثالث من القضاة) ليحل مشاكلهم وإلاّ وقع التصادم وفسد النظام (والعمال) الذين يجمعون الخراج (والكتّاب) الذين يكتبون المرافعات، ومقادير الخراج وما أشبه (لما يحكمون من المعاقد) جمع معقد بمعنى العقد في البيع والشراء وسائر المعاملات كالقضاة، (ويجمعون من المنافع) وهم العمال الذين يجمعون الخراج وسائر أموال الدولة (ويؤتمنون عليه) أي يكونون أمناء لشؤون الدولة (من خواص الأمور وعوامها) بالكتابة والإنشاء.

التجار وذوو الصناعات

(ولا قوام لهم جميعاً إلاّ بالتجار وذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم ويقيمونه من أسواقهم) أي إنهملأجل مرافقهم يقيمون الأسواق، (و) ما (يكفونهم) أي يكفى أصحاب الصناعات سائر الناس (من الترفق) والعمل (بأيديهم) في إنتاج المصنوعات (ما لا يبلغه رفق غيرهم) لأن غيرهم لا يعرف كيفية الصنعة.

ص: 221

الطبقة السفلى

(ثم الطبقة السفلى)، وسمي بهذا، لأنه يأكل ولا يعمل لعدم قدرته على العمل. (من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق) أي يجب (رفدهم) أي مساعدتهم (ومعونتهم) أي إعطاء العون لهم (وفي) خلق اللّه سبحانه (لكل) من هذه الطبقات المتقدمة (سعة) إذ قد هيأ في الأرض كل ما يحتاج إليه الإنسان (ولكل) من هذه الطبقات (على الوالي حق بقدر ما يصلحه) ويهيّؤ لأمره، إذ الوالي هو المنظم العام للدولة، (وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه اللّه من ذلك) الحق الذي للطبقات عليه (إلاّ باهتمام) بأمور الناس (والاستعانة باللّه) ليعينه فيماكلفه حتى يقدر على القيام به (وتوطين نفسه) أي تحضير ذاته (على لزوم الحق والصبر عليه) أي على الحق (فيما خف عليه) بأن سهل فعله (أو ثقل) عليه وصعب الإتيان به.

صفات المسؤولين:

(فوَلِّ من جنودك) أي اجعلهم والياً على سائرهم (أنصحهم في نفسك) أي تطمئن نفسك بكونه أنصح من سواه (للّه ولرسوله) بأن يطيع الكتاب والسنة (ولإمامك) أي نفسه الكريمة (وأنقاهم) أي أطهرهم (جيباً) جيب القميص طوقه في طرف العنق، والمراد طهارة الصدر والقلب، وعدم إتيانه بلوث يلزم عنقه (وأفضلهم حلماً) بأن يكون أحلمهم (ممّن يبطئ عن الغضب) فإذا غضب لم ينفذ غضبه،

ص: 222

(ويستريح إلى العذر) فإذا أعتذر إليه المسيء قبل عذره، وجعله راحة لنفسه (ويرأف بالضعفاء) فيقضي حوائجهم (وينبو) أي يشتد ويعلو (على الأقوياء) فيوقفهم عند حدهم، حتى لا يظلموا الضعفاء (ومن لايثيره) ولا يهيجه (العنف) والشدة في الأمر، لأنّ نفسه ساكنة هادئة، (ولا يقعد به الضعف) بل ينفذ الأمر الصالح، وإن كان في حالة ضعف ووهن.

(ثم ألصق) في تولية الجند (بذوي المروءات) المروة الرجولة (الأحساب) أي أصحاب الحسب والفضيلة (وأهل البيوتات الصالحة) أي المعروفة بالصلاح، (والسوابق الحسنة، ثم أهل النجدة) الذين يعينون الناس، ويغلبون على الأمور الصعاب، فإن النجدة بمعنى الإعانة والغلبة (والشجاعة والسخاء والسماحة) الذين يسمحون في الأمور لسعة صدرهم، ولا يضيقون الأشياء.

(فإنهم) أي المتصفين بهذه الصفات (جماع من الكرم) أي مجموع منه (وشعب من العرف) جمع شعبة، والعرف بمعنى المعروف.

الرعاية الأبوية

(ثم تفقد) أي تفحص (من أمورهم) وحاجاتهم (ما يتفقد الوالدان من ولدهما) من القيام بجميع شؤونهم، (ولا يتفاقمنّ) أيلا يعظمنّ (في نفسك شيء قويتهم) أي الجنود، أي ولاة الجنود المتّصفين بتلك الصّفات (به) والمعنى كلّ ما قويت به مثل هذا الوالي لا يعظم عندك،

ص: 223

فتقول في نفسك: ما صرفته على مثله عظيم وأكثر من استحقاقه، فإنّ كلّ ما يصرف لمثل هذا الوالي يكون بحقّ واستحقاق. (ولا تحقّرن لطفا) وإحسانا (تعاهدتهم به) فلا تترك شيئاً من لطفك لأنه حقير غير مهم، بل كلّ لطف (وإن قلّ) يقع من قلوبهم موقعاً حسناً (فإنّه) أي ذلك اللّطف (داعية لهم إلى بذل النّصيحة) أي لأن يبذلوا النّصيحة (لك) في حفظ الجند وحسن الخدمة (وحسن الظنّ بك) بأنك قريب منهم عاطف عليهم، ولذا تلطف بهم.

(ولا تدع تفقّد) أي التفحّص عن (لطيف أمورهم) أي صغارها (اتّكالاً على جسيمها، فإنّ لليسير من لطفك موضعاً) في قلوبهم (ينتفعون به) ويوجب ذلك شدّة حسن ظنّهم بك، (وللجسيم موقعاً لا يستغنون عنه) فلا بد للوالي منالفحص عن العظيم والحقير بما يحتاجون إليه.

أفضل الرؤساء

(وليكن آثر رؤوس جندك عندك) آثرهم أي أفضلهم عندك وأعلاهم رتبة في نظرك، ورؤوس الجند زعماؤه (من واساهم في معونته) بأن ساعدهم بمعونته لهم كأنه أحدهم (وأفضل عليهم) أي جاد عليهم (من جدته) أي من غناه وماله، والمراد ما بيده من أرزاق الجند (بما يسعهم) أي بالقدر الذي يكفيهم (ويسع من ورائهم) أي أهلهم الذين بقوا في بلادهم وتركوهم في ديارهم (من خلوف أهليهم) جمع خلف، وهو من

ص: 224

يبقى في الحيّ من النساء والأطفال والعجزة بعد سفر الرجال (حتى يكون همهم هماً واحداً في جهاد العدو) فإنهم إذا كفوا مؤنة أنفسهم ومؤنة أهليهم ومؤنة حكومتهم لم يبق لهم همّ إلاّ همّ جهاد الأعداء، وذلك يوجب نجاح الدولة، وهيبته في أعين الأعداء.

(فإن عطفك) وميلك يا مالك(عليهم) أي على الرؤساء أو على الجند عامة (يعطف قلوبهم عليك) ويكثر ولاءهم لك.

(وإن أفضل قرة عين الولاة) الموجب لفرحهم واطمينانهم الذي هو سبب استقرار العين وعدم اضطرابها، كما في عين الخائف الذي يريد أن يجد ملجأً (استقامة العدل في البلاد) بأن يأمن كل إنسان لعدالة الحكومة وعدم تعدي الرعية بعضهم على بعض. (وظهور مودة الرعية) أي حبهم للدولة (وأنه لا تظهر مودتهم) وحبهم للولاة (ولا تصح نصيحتهم) أي لا ينصحون للوالي نصيحة صحيحة (إلاّ بحيطتهم) أي احتياطهم وحفظهم (على ولاة الأمور) أي حبّ الرعية لبقاء الولاة، وأخذهم التدبير لعدم ظهور ثورة عليهم، (وقلة استثقال دولتهم) بأن لا يستثقل الرعية الدولة ويروها ثقيلة عليهم يرجون زوالها، (وترك استبطاء انقطاع مدتهم) بأن يعدوا زمن دولتهم قصيرا ويريدوا لها الطول، فلا يرون أنانقطاع مدّتهم قد طال فيستبطوه.

(فافسح) أي وسّع يا مالك (في آمالهم) أي آمال الرعية (وواصل في حسن الثناء عليهم) بأن تثني عليهم دائما بما يستحقّون من الثّناء

ص: 225

والإطراء (وتعديد ما أبلي ذوو البلاء منهم) بأن تعدّ صنائع أعمال الذين قاموا بالأعمال العظيمة، فإن ذلك يشجع الناس على الإقدام، (فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم) وما أتوا به (تهز الشجاع) أي تحركه للإقدام (وتحرض) أي تحث (الناكل) أي المتأخّر المتقاعد، ليتقدم ويعمل (إن شاء اللّه) تعالى.

(ثم اعرف لكل امرئ ما أبلي) من البلاء بمعنى الامتحان، أي بما عمل من الصّنائع الجليلة (ولا تضيفنّ بلاء امرئ) أي لا تنسبنّ أعمال كلّ شخص (إلى غيره) فإنه ظلم له وكذب (ولا تقصّرن به دون غاية بلائه) أي لا تعطه من الجزاء أقل من استحقاقه (ولا يدعونك شرف امرئ) وعزّ مقامه (إلى أن تعظم من بلائه) وعمله(ما كان صغيراً) فتطويه أكثر من استحقاقه وتجزيه بأكثر من جزائه.

(ولا) يدعونّك (ضعة امرئ) وعدم رفعة مقامه (إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما) كما جرت عادة الناس بذلك فإنهم يمدحون العظماء بأعمال تافهة ولا يمدحون الأصاغر ولو بأكابر الأعمال.

(واردد إلى اللّه والرسول) أي : إلى الكتاب والسنة (ما يضلعك) أي يشكل عليك (من الخطوب) أي الأمور العظيمة في السلم والحرب وما أشبه، (و) ما (يشتبه عليك من الأمور) فلا تدري ما ذا تصنع (فقد قال اللّه تعالى لقوم أحبّ إرشادهم : يا أيّها الَّذين آمنوا، أطيعوا اللَّه) باتباع الكتاب (وأطيعوا الرسول) باتباع السنة (وأولي الأمر منكم) أي

ص: 226

أصحاب الخلافة، وهم الأئمّة الاثني عشر عليهم السّلام (فإن تنازعتم في شيء) من الأحكام (فردّوه إلى اللّه والرسول) بالرجوع إلى الكتاب والسنةلترون أي جانب من الجانبين عليه دليل شرعي.

(فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه) أي نصّه الصريح الذي ليس متشابهاً.

(والرد إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله) الأخذ بسنّته الجامعة) التي أجمعت الأمة على أنها وردت من الرسول (غير المفرّقة).

القضاء وصفات القاضي

(ثمّ اختر للحكم بين النّاس أفضل رعيتك) وهذا انتقال من الحكم في الجند إلى الكلام في شؤون القاضي والقضاء. (في نفسك) بأن تطمئنّ به (ممّن لا تضيق به الأمور) فيضجر من القضايا والأحكام (ولا تمحكه) أي لا تغضبه (الخصوم) أي المترافعون (ولا يتمادى) أي لا يستمرّ (في الزلّة) أي السقطة في الخطأ، (ولا يحصر) أي لا يضيق صدره (من الفيء إلى الحق) أي الرجوع إليه (إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع) فيترك الحق لطمع رشوة أو جاه أو ما أشبه (ولا يكتفي بأدنى فهم) للأحكاموالقضايا (دون أقصاه) بالتأمل والغور والتحقيق (وأوقفهم) أي أكثرهم وقوفاً (في الشّبهات) أي الأحكام والقضايا المشتبهة، (وآخذهم بالحجج) أي أكثرهم اعتناء وأخذاً بالأدلة التي يأتي بها الخصوم لدى المحاكمة (وأقلهم تبرما) وضجراً (بمراجعة

ص: 227

الخصم) فإذا أكثر الخصم من مراجعته لا يتبرم ولا يضجر (وأصبرهم على تكشف الأمور) فلا يعجل في الحكم، بل يلطف ويصبر حتى يظهر الأمر الذي يريد أن يحكم فيه (وأصرمهم) أي أكثرهم قطعاً للخصومة وبياناً لمرّ الحق (عند اتضاح الحكم) أي وضوحه (ممّن لا يزدهيه) أي لا يستخفه فرحا (إطراءً) أي ثناءً حتى إذا ثنى عليه مال إلى جانب المثنى. (ولا يستميله إغراءً) حتى إذا أغراه أحد بالمال أو نحوه مال إلى جانبه، (وأولئك) المتّصفون بهذه الصفات (قليل) لكن لا بد للوالي من الفحص عنهم حتّى يجدهم ويستقضيهم.

(ثمّ أكثر) يا مالك (تعاهدقضائه) أي تتبعّه في أحكامه حتى يعرف أنك مراقب عليه، فلا يفلت في الحكم بالباطل، خوفاً منك.

(وأفسح له في البذل) أي وسع عليه في العطاء (ما يزيل علّته) أي حاجته حتى لا ينظر إلى أموال الناس، ولا يحتاج إلى الرشوة وما أشبه (وتقل معه) أي مع بذلك (حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك) بأن تعظمه وتوقّره (ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك) حتى يكون مهيباً عند الناس وينفذ حكمه فوراً. (وليأمن بذلك) الذي أعطيته من المنزلة (اغتيال الرجال له) أي وشايتهم له (عندك) فإنه إذا خاف أحداً لا بد وأن يخضع له، وإذا خضع لشخص لا يتمكن من الحكم عليه أورد وساطته، وبذلك يفسد الحكم.

(فانظر في ذلك) الذي ذكرت من أوصاف القاضي وكيفية

ص: 228

معاملتك له (نظراً بليغاً) بالاهتمام بما ذكرت (فإنّ هذا الدين قد كان أسيراً في أيدي الأشرار) في زمن عثمان حيث كان الولاة والحكاميعملون بالأهواء (يعمل فيه بالهوى) والميول النفسية (وتطلب به الدنيا) لا الآخرة.

صفات الحكام والولاة

(ثم انظر) يا مالك (في أمور عمّالك فاستعملهم اختباراً، ولا تولهم محاباة وأثرة) المحاباة الإعطاء مجانا، والأثرة الإعطاء ترجيحا لأحد على أحد بدون رجحان. (فإنهم) أي الولاة (جماع) أي مجمع (من شعب الجور والخيانة) إذ الوالي معرض لكل ذلك فإذا لم يمتحن وأنيط به العمل وكان غير نقي الباطن تناول أنواع الظلم والخيانة بالأمة.

(وتوخّ) أي تحر واطلب (منهم) أي من العمال (أهل التجربة) الذين جربوا الأمور فعرفوها (والحياء) فإن الحيي يستحي من الظلم والخيانة وما أشبه (من أهل البيوتات الصالحة) المعروفة بالصلاح. (والقدم في الإسلام) أي من له خطوة سابقة على غيره في الخدمة بالإسلام، (فإنهم أكرم أخلاقاً) لتربيةالإسلام لهم (وأصح إعراضا) لم يختلط عرضهم بما لا يعرف كما هو كذلك بالنسبة إلى غير أهل البيوتات، (وأقل في المطامع إشرافا) لأن حياءهم وتجربتهم يوجبان التنزه عن المطامع، (وأبلغ في عواقب الأمور نظراً) لما عركتهم التجارب وعرفوا الأمثال والتقلبات.

(ثم أسبغ) أي أوسع (عليهم الأرزاق) بإعطائهم مقدار حاجتهم في

ص: 229

رفاه، (فإنّ ذلك) الإسباغ (قوة لهم على استصلاح أنفسهم) ومن صلح حاله لا يفكر إلاّ في عمله، (وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم) فلا يظلمون الناس بأخذ أموالهم، ولا بيت المال بأكل ما فيه من حقوق المسلمين. (وحجّة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا) أي خانوا (أمانتك) في عملهم أو بيت المال الذي تحت أيديهم.

مراقبة الحكام والولاة

(ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون) أي الجواسيس (من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإنتعاهدك في السّر) والخفيّة (لأمورهم) أي أمور العمّال (حدوة) أي سوق وحث (لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية) لأنهم يخافون أن تعزلهم إذا لم يستعملوا ذلك. (وتحفظ من الأعوان) أي احفظ مثل هؤلاء الأعوان الذين هم عيونك على العمال (فإن أحد منهم) أي من العمال (بسط يده إلى خيانة) بالنسبة إلى الدولة أو الأمة (اجتمعت بها) أي بتلك الخيانة (عليه) أي على ذلك العامل الخائن (عندك أخبار عيونك) بأن أجمع جميع عيونك على أنه خان تلك الخيانة (اكتفيت بذلك) الاجتماع في إخبار العيون (شاهداً) على ذلك العامل (فبسطت عليه العقوبة في بدنه) بالحد والتعزير. (وأخذته) أي عاقبته (بما أصاب من عمله) المحرّم عليه (ثم نصبته بمقام المذلّة) بأن أذللته أمام النّاس (ووسمته بالخيانة) أي علمته عند الناس بأنّه خائن (وقلدته عار التهمة) بأنه متهم كأنّه قلادة في عنقه،فإنّ

ص: 230

ذلك يوجب اعتبار سائر العمّال وحذرهم من أن يصابوا بما أصيب.

(وتفقّد أمر الخراج) أي افحص عنه (بما يصلح أهله) أي الذين يدفعون الخراج فأصلح أمرهم حتى يتمكنوا من إعطائه إعطاءً حسناً (فإن في صلاحه) أي الخراج (وصلاحهم) أي الذين يدفعونه (صلاحاً لمن سواهم) من الطبقات (ولا صلاح لمن سواهم) أي سوى أهل الخراج (إلاّ بهم) وذلك (لأنّ النّاس كلهم عيال على الخراج وأهله) إذ لا تنتظم أمور الناس إلاّ بقوّة الدولة، والدولة لا تقوى إلاّ بالمال.

عمارة الأرض وانتهاج العدل

(وليكن نظرك في عمارة الأرض) بالزرع والضرع والبناء وما أشبه (أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج) أي في جلبه وجمعه من النّاس (لأنّ ذلك) الخراج (لا يدرك إلاّ بالعمارة) إذ الأرباح تتوقف على العمران (ومن طلب الخراج بغير عمارة) سابقة للأرض (أخرب البلاد وأهلك العباد) لأنه أجبرالناس على بيع أمتعتهم وأكثر في تضعيفهم مما يهلكون بسببه جوعاً ومرضاً، ولا يقدرون على العمارة فلا تعمر البلاد بل تخرب (ولم يستقم أمره إلاّ قليلا) إذ النّاس يدفعونه حتّى يسقط عن الحكم ويأتي من يقوم بشؤونهم (فإن شكوا) أي أهل الخراج (ثقلا) في كثرة الخراج (أو علة) كالجراد (أو انقطاع شرب) هو الماء الذي يأتي في النهر (أو) انقطاع (بالة) أي ما يبل الأرض من المطر فيما يسقى بالمطر (أو إحالة أرض) لما فيها من البذر والزرع إلى الفساد بسبب أنه

ص: 231

(اغتمرها) أي عمها (غرق) لها (أو أجحف بها عطش) بأن قلّ ماؤها فلم تأت بالزّرع الكافي (خففت عنهم) في الخراج (بما ترجو أن يصلح أمرهم) حسب نظرك في قدر التّخفيف. (ولا يثقلنّ عليك شيء خففت به المؤنة عنهم) بأن تعدّ الذي لم تأخذ عنهم من المال المقدر عليهم بعنوان الخراج ثقيلا على نفسك، لأنه أوجب تنقيص أموال الدولة (فإنهذخر) لك عندهم (يعودون به عليك في عمارة بلادك) فإن عمارة البلاد يعود إلى الوالي خيرها (وتزيين ولايتك) بالزرع والعمارة (مع استجلابك) وجلبك (حسن ثنائهم) فإنهم يمدحونك بتخفيفك الخراج عليهم (وتبجحك) أي سرورك (باستفاضة العدل فيهم) أي بأن سببت إفاضة العدل وتكثيره بالنسبة إليهم (معتمداً فضل قوتهم) أي إنك تعتمد وتستند إلى قوتهم المالية وولائهم للدولة (بما ذخرت عندهم من إجمامك) أي إراحتك (لهم) بعد أخذك الزائد (والثقة منهم) فإنهم وثقوا بك وإذا وثقت الرعية بالوالي عملت لأجله بكل إخلاص (بما عودتهم من عدلك عليهم) فإنّ من رأى العدل من واليه واعتاده وثق به (في رفقك بهم) وعدم العنف في أخذ الخراج كاملاً حين لم يجدوه، (فربّما حدث من الأمور) التي تحتاج فيها إلى مالهم ورجالهم كالحرب الفجائية، أو ما أشبه (ما إذا عولت) واعتمدت (فيه) أي في ذلكالأمر (عليهم من بعد) أي بعد تخفيف الخراج عليهم (احتملوه) وقبلوه (طيبة أنفسهم به) أي بكل طيب نفس، أو لأجل أن أنفسهم طيبة

ص: 232

تجاهك، ولذا يتحملون الأمور التي تكلفهم بها.

(فإن العمران محتمل ما حملته) أي إذا كانت العمارة قائمة والزرع نامياً، فكلما حملت أهلها من الخراج سهل عليهم، لأنهم يحصلون الأرباح فيدفعون بعضها إلى الدولة (وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها) فإنهم إذا افتقروا لم يتمكنوا من العمارة فتخرب الأرض، وكيف يريد الوالي منهم الخراج حال أنّهم محتاجون، (وإنما يعوز أهلها) أي يفتقر أهل الأرض الخراجية (لإشراف أنفس الولاة على الجمع) للمال (وسوء ظنّهم بالبقاء) لاحتمالهم أنهم يعزلون عن قريب، ولذا يدخرون المال حتى يكون لهم شيء يعيشون به إذا عزلوا (وقلة انتفاعهم بالعبر) جمع عبرة، وهى ما يوجب إيقاظالإنسان واعتباره من الأمور التي تحدث.

صفات الكتّاب وحسن اختيارهم

(ثم انظر) يا مالك (في حال كتّابك) الذين يكتبون أمور الدولة (فولّ على أمورك) في شؤون الكتابة (خيرهم) أي أحسنهم (واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك) جمع مكيدة، وهي معالجة المشاكل الحربية والدولية وما أشبه (وأسرارك) المالية وما أشبه (بأجمعهم) متعلق بأخصص (لوجوه صالح الأخلاق) أي أفضل الكتاب صفات وأخلاقا. (ممن لا تبطره) أي لا تطغيه (الكرامة) التي ترى منك (فيجترئ بها) أي بسبب تلك الكرامة (عليك في خلاف لك) بأن يجتري فيخالفك في قول أو فعل (بحضرة ملأ) أي بمحضر من الناس، مما يوجب سقوط

ص: 233

هيبتك (ولا تقصر به الغفلة) أي لا توجب غفلته عن أعمالك حتى يقصر في أمرك (عن إيراد مكاتبات عمّالك عليك) أي في اطلاعك على ما كتبالعمّال إليك. (وإصدار جواباتها) أي جوابات كتب العمّال (على الصواب) متعلق بإصدار (عنك) فإن الإنسان غير المهتم، لا يهتم بما ورد وبما صدر بخلاف النبيه الذي لا يفوته شيء (فيما يأخذ لك ويعطي منك) هذا بيان لوجه الصواب، فإنّ الكاتب يلزم أن يعرف ما ذا ينبغي أن يأخذ من العامل للوالي، ف)لا يضعف عقداً اعتقده لك) بأن يعقد لك عقداً يكون قليل الفائدة للوالي وضعيف الشروط والبنود. (ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك) أي إذا أوقعت معاقدة مع أحد كانت ضارة عليك، يعرف الكاتب وجوه حل تلك المعاقدة بالطرق الشرعية حتى تتخلّص من هذه المشكلة (ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور) بأن يكون عارفاً بمقدار نفسه، (فإنّ الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل) ومن يجهل مقادير الناس لا يتمكن أن يكتب إليهم على وجه الصواب والحكمة.

(ثم لا يكن اختيارك إيّاهم) أيللكتّاب (على فراستك) أي قوّة ظنّك وحسن نظرك (واستنامتك) أي ثقتك وسكونك بالأشخاص، (وحسن الظن منك) بهذا أو ذاك. (فإنّ الرجال) الذين يريدون الحظوة عند الدولة (يتعرفون لفراسات الولاة) أي يتوسلون لأن يوقعوا أنفسهم عند حسن ظن الولاة، حتى يناط بهم أمر، ويقضى لهم حاجة، (بتصنّعهم)

ص: 234

أي بصنعهم الحسن (وحسن خدمتهم) للولاة في ابتداء الأمر (و) الحال أنه (ليس وراء ذلك) التصنع وحسن الخدمة (من النصيحة والأمانة شيء) فقد وقع الوالي في أحبولتهم إذا عمل بحسن فراسته.

(ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك) فمن أحسن في عمله سابقا يستخدم، ومن لم يعمل يترك (فاعمد) أي اعتمد للاستخدام (لأحسنهم - كان - في العامة أثرا) بأن رضيت عنه عامة الناس (وأعرفهم بالأمانة وجهاً) بأن عرف الناس وجهه بالأمانة في الأمور (فإنّ ذلك) الاختبار للكاتب (دليل علىنصيحتك) يا مالك (للّه ولمن وليت أمره) يعنى الإمام نفسه الكريمة.

(واجعل لرأس) أي لرئاسة (كل أمر من أمورك رأساً منهم) أي رئيساً من الكتّاب، فللخراج كاتب، وللجند كاتب، وللعمال كاتب، وهكذا بحيث يكون ذلك الكاتب (لا يقهره كبيرها) أي لا يسبب غضبه كبير الأمور الملقاة على عاتقه (ولا يشتت عليه كثيرها) أي يكون قادراً على ضبط الكثير من الكتابات والأعمال، فلا يتفرق عليه بحيث لا يعلم بعضها ويفوته (ومهما كان في كتّابك من عيب فتغابيت) أي تغافلت (عنه ألزمته) أي ألزمك الناس بذلك العيب، وألصق العيب إليك فإنّ النّاس يقولون إنّه من عيب الوالي، وإلاّ أصلح الكاتب.

التجار وذوو الصناعات

(ثم استوص بالتجار) أي أوصهم بحسن العمل (وذوي الصناعات)

ص: 235

من الكسبة (وأوص) الناس (بهم) أي بالتجار وذوي الصناعات (خيراً) بأن يحسنالعمّال والكتّاب وسائر موظّفيك إليهم، ولا يؤذوهم من غير فرق بين أقسامهم (المقيم منهم) في البلد (والمضطرب بماله) الذي يتردّد بين البلدان للاتجار (والمترفق ببدنه) أي صاحب الصنعة الذي يزاول الصنعة كالنجار والحداد. (فإنهم) أي التجار وذوي الصناعات (مواد المنافع) إذ المنافع تأتي منهم (وأسباب المرافق) أي الحاجات، فإنهم يطلبون الحاجات للناس، ويصنعون الصّنائع المحتاج إليها (وجلابها) أي الذين يجلبونها (من المباعد) أي الأماكن البعيدة (والمطارح) أي أماكن السّقوط والطّرح، كالجبال وسائر المحلات التي يطرح فيها تلك الحاجيات (في برك وبحرك وسهلك وجبلك) السهل مقابل الجبل. (و) يجلبونها من (حيث لا يلتئم الناس لمواضعها) أي لا يتمكن الناس أن يبقوا في تلك الأماكن لصعوبة البقاء هناك، كالجزر وما إليها (ولا يجترؤون عليها) لأنها موضع الخوف أو ما أشبه.ثم علل عليه السّلام قوله : «استوص وأوص» بعلة أخرى بقوله: (فإنّهم) أي التجّار والصنّاع (سلم) أي مسالمون (لا تخاف بائقته) أي داهيته وأضراره، إذ التجّار لا يحاربون الدولة ولا يثورون عليها. (وصلح) أي مصالحون (لا تخشى غائلته) أي ضرره وعصيانه (وتفقّد أمورهم) أي ابحث عن أحوال التجار (بحضرتك) أي الذين هم في بلدك (وفي حواشي بلادك) أي من كان منهم في أطراف البلاد (واعلم) يا مالك

ص: 236

(مع ذلك) الذي ذكرت من مدح التجار (أنّ في كثير منهم ضيقاً) في الخلق والمعاملة (فاحشاً) أي كثيراً (وشحّاً) أي بخلاً (قبيحاً) موجباً لقبح صاحبه لكثرة البخل (واحتكاراً للمنافع) أي حبساً لها عن النّاس رجاء الزيادة في السعر والغلاء (وتحكماً) أي حكماً بالجور (في البياعات) أي المبايعات إذ يجعلون عليها أثماناً غالية.

(وذلك) الذي يفعله بعض التجار (باب مضرة للعامة) أيعامة الناس لما يلحقهم من الأذى من جهة هذه الأعمال (وعيب على الولاة) لدلالة ذلك على ضعفهم (فامنع من الاحتكار) بأن تأمر التجار بعدم حفظ ما يحتاج إليه النّاس (فإن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم منع منه) وهدّد من عمل به.

(وليكن البيع بيعاً سمحاً) ليسامح ويسهل فيه (بموازين عدل) لا نقص فيها كما قد يكون ذلك عند بعض الكسبة.

(وأسعار) جمع سعر، بمعنى الثمن (لا تجحف) أي لا تضر (بالفريقين من البائع والمبتاع) أي اشترى، يقال ابتاع المتاع إذا اشتراه (فمن قارف) أي ارتكب (حكرة) أي احتكاراً (بعد نهيك إيّاه) عن الاحتكار (فنكّل به) أي أوقع به النكال والعذاب (وعاقبه في غير إسراف) بأن لا تكثر من العقوبة، وإنما بمقدار الاستحقاق.

المحرومون

(ثمّ) اذكر (اللّه اللّه) يا مالك (في الطبقة السفلى من الذين لاحيلة

ص: 237

لهم) أي لا علاج لهم في إدارة أمورهم (من المساكين) جمع مسكين، وهو الذي أسكنه الفقر من الحركة، فلا يتحرك كما يتحرك الأغنياء. (والمحتاجين) جمع محتاج، أي صاحب الحاجة (وأهل البؤسى) بمعنى شدّة الفقر من البؤس (والزمنى) جمع زمين، وهو المصاحب بالزمانة، أي العاهة والمرض المانعان عن الاكتساب (فإنّ في هذه الطبقة قانعاً) بمعنى السائل، من قنع بمعنى سأل (ومعتراً) أي متعرضا للعطاء بلا سؤال (واحفظ للّه ما استحفظك) أي طلب سبحانه منك الحفظ (من حقّه) تعالى (فيهم) أي في أهل المسكنة والحفظ بإدارة شؤونهم وتفقّد أحوالهم والقيام بحوائجهم.

(واجعل لهم قسماً من بيت مالك) الذي يجمع من الخراج والزكاة والجزية وما أشبه (وقسماً من غلات صوافي الإسلام) غلات جمع غلة، وهي الثمرة كالحنطة والشعير، وصوافي الإسلام جمع صافية، وهي أرض الغنيمةالتي اغتنمها المسلمون باسم الإسلام، ومعنى في كل بلد، توصية العمال بإعطائهم في سائر البلاد. (فإن للأقصى) أي الأبعد (منهم) أي من الفقراء والمساكين الذين في سائر البلاد (مثل الذي للأدنى) أي للأقرب إليك الذي في بلدك، فتعطى لأهل بلدك من بيت المال، ولأهل سائر البلاد من الصوافي حيث لا بيت مال هناك (وكل قد استرعيت حقّه) أي طلب سبحانه منك أن ترعى حقّهم قريباً كان أم بعيداً، (فلا يشغلنك عنهم بطر) أي طغيان الملك والنعمة، كما هي عادة الرؤساء يشغلون بأمرهم عن تفقد سواهم (فإنك لا تعذر)

ص: 238

أي لا يقبل اللّه ولا الناس عذرك (بتضييعك التافه) أي بعدم اعتنائك بالشيء القليل من الأمور (لأحكامك الكثير المهم) فإنّ الإنسان مسؤول عن التافه كما هو مسؤول عن الكثير، فاللازم مراعاة الأمرين، لا ترك التافه والاعتناء بالكثير.

(فلا تشخص) أي لا تصرف (همّك)أي اهتمامك (عنهم) أي عن ملاحظة شؤون الفقراء والمساكين (ولا تصعّر) أي لا تمل (خدّك عنهم) كما يفعل المتكّبرون.

(وتفقّد) أي ابحث عن (أمور من لا يصلك إليك منهم) أي من الفقراء (ممن تقتحمه العيون) أي تنظر إليه باحتقار (وتحقره الرّجال) لعدم أهمية له ورثاثة أثوابه (ففرغ لأولئك) الفقراء (ثقتك) أي الموثقين من أصحابك، ليفحصوا عن شؤونهم وخصوصياتهم (من أهل الخشية) من اللّه سبحانه حتى يخافوه في أمر الفقراء فلا يهملوهم.

(والتواضع) حتى لا يتكبروا عن مباشرتهم والفحص عنهم في الخرائب والخانات وما أشبه، فإذا تفحصوا عنهم ووجدوهم (فليرفع) أولئك الثقاة (إليك أمورهم) أي أمور الفقراء (ثم اعمل فيهم بالأعذار إلى اللّه) أي بما يقدم لك عذراً عنده سبحانه (يوم تلقاه) بعد الموت، حتى لا يقول لك : لماذا ضيعت الفقراء (فإنّ هؤلاء) الفقراء (بينالرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم) لمسكنتهم وانقطاعهم. (وكل) أي كل واحد من هؤلاء الفقراء، أو من كل طبقة (فأعذر إلى الله) أي

ص: 239

ائت بما يعذرك عند اللّه (في تأدية حقّه إليه) أي بإعطائك له حقّه الذي أوجبه سبحانه عليك.

الأيتام وذوو الحاجات

(وتعهّد) بالبحث والقيام بالحوائج (أهل اليتم) أي الأيتام (وذوي الرقة في السن) أي المتقدمون في العمر الذي رق عظمهم وحالهم (ممّن لا حيلة له) أي لا علاج له في إنجاز أموره، (ولا ينصب للمسألة نفسه) أي لا يقوم بنفسه للسؤال (وذلك) العمل بأن ينصب نفسه للفحص عن الطبقة السفلى (على الولاة ثقيل) لكثرة أشغالهم وعدم رجاء فائدة من وراء هؤلاء الفقراء (والحق كله ثقيل) إذ الإنسان يريد أن لا يكون مقيّداً، بل يعمل كيف يشاء يكذب ويخون ويتبع الشّهوات المحرمة وهكذا. (وقد يخفّفه اللّه) أي يجعل الحق علىأنفسهم خفيفاً غير ثقيل (على أقوام طلبوا العاقبة) المحمودة في الآخرة (فصبّروا أنفسهم) عن اقتراف الآثام (ووثقوا بصدق موعود اللّه لهم) أي ما وعده سبحانه من الجنان والثواب.

(واجعل) يا مالك (لذوي الحاجات) الذين يحتاجون إليك لحل قصة، أو طلب شيء أو رفع ظلامه أو ما أشبه (منك) أي من نفسك (قسماً) بأن تجعل بعض أوقاتك لهم (تفرغ لهم فيه) أي في ذلك القسم (شخصك) بالذات.

(وتجلس لهم مجلساً عاماً) يحضره عموم الناس المحتاجين

ص: 240

(فتتواضع فيه) أي في ذلك المجلس (للّه الذي خلقك) حتى يتمكن كل ذي حاجة أن يبدي حاجته، إذ الناس لا يتمكنون أن يتكلموا مع المتكبرين.

(وتقعّد عنهم جندك وأعوانك) بأن تأمرهم أن لا يتعرضوا لهم بالمنع أو الأذى (من أحراسك) جمع حرس بمعنى الحافظ (وشُرَطِكَ) جمع شرطة على وزن غرفة، وهم طائفة من أعوان الدولة بخلافالحارس الذي هو خاص برئيس الدولة أو ما أشبه (حتى يكلمك متكلمهم) أي من يريد الكلام من ذوي الحاجات في حال كونه (غير متتعتع) التعتعة في الكلام التردد فيه من عجز، والمراد غير خائف، فإنّ الخائف لا يتمكن من الإفصاح عمّا لديه. (فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله يقول في غير موطن) واحد، بل في مواطن ومواضع عديدة: (« لن تقدس ») أي لن تطهر من الرذائل (« أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القوي غير متتعتع ») أي في حال كون الأخذ بغير تعتعة بل بكل جرأة.

(ثم احتمل) أي تحمل يا مالك (الخرق) أي العنف في الكلام (منهم) أي من ذوي الحاجات حين يطلبون حاجتهم (والعي) أي العجز عن الإفصاح بحاجتهم، والمراد عدم الضجر بذلك.

(ونح عنهم الضيق) أي لا تضيق خلقك (والأنف) أي الاستنكاف، فلا تأنف للتكلم معهم (يبسط الله عليك بذلك) أي بسبب ذلك التحمل بكللين ورفق (أكناف رحمتك) أي أطرافها (ويوجب لك

ص: 241

ثواب طاعته) حيث أطعته فيما أمرك من مراعاة الرعية (وأعطيت ما أعطيت هنيئاً) لا بأن تمنّ أو تعنف في الإعطاء حتى تكون العطية ثقيلة على الأخذ غير هنيء لديه.

(وامنع) إذا أردت منع أحد عن العطية (في إجمال) أي في منع جميل (وإعذار) أي بتقديم عذر عن منعك لا منعاً قاسياً.

(ثمّ) هناك (أمور من أمورك) المربوطة بك (لا بد لك) يا مالك (من مباشرتها) أي معالجتها بنفسك، (منها إجابة عمالك بما يعيا) ويعجز (عنه كتّابك) فقد لا يعرف الكاتب كيف يجيب سؤال العامل فلا بد لك أن تجيب بنفسك ذلك السؤال، وإلاّ فقد ضيّعت الأمر - إن وكلت كل الأمور إلى الكتاب - (ومنها إصدار حاجات الناس) أي إعطاؤهم حاجاتهم (يوم ورودها عليك) بأن تعجّل في الإعطاء (بما تحرج به صدور أعوانك) أي تضيق صدورهم عنالقضاء السريع، وإنما يريدون المماطلة إما إظهاراً للكبرياء، أو تعاجزاً عن التعجيل، أو ما أشبه ذلك.

إدارة الوقت:

(وامض لكل يوم عمله) أي نفذ في كل يوم عمله المربوط به ولا تؤخر العمل (فإن لكل يوم ما فيه) من الأعمال (واجعل لنفسك) في العبادة والضراعة (فيما بينك وبين اللّه أفضل تلك المواقيت) التي تقسمها على أعمالك (وأجزل) أي أحسن وأعظم (تلك الأقسام)

ص: 242

الموزعة على الأشغال. (وإن كانت) الأوقات (كلّها للّه) سبحانه يعطي عليها الأجر (إذا صلحت فيها النية) بأن قام الإنسان بكل عمل يعمله، حتى الأكل والوقاع، قربةً إليه (وسلمت منها الرعية) بأن عمل الوالي لأجل سلامة المسلمين (وليكن في خاصة ما تخلص به للّه دينك) أي في أخص الحالات التي تتدين فيها للّه (إقامة فرائضه) هذا اسم «ليكن» (التي هي له خاصة) وليست مربوطة بشؤونالرعية (فأعط اللّه من بدنك) أي بعض بدنك (في ليلك ونهارك) بإقامة الصلاة وما أشبه.

(ووفّ ما تقربت به إلى الله من ذلك) الذي تأتي له (كاملا غير مثلوم) أي غير مخدوش بشيء من الموانع (ولا منقوض) بمثل الرياء والعجب، فمثلا يأتي الإنسان بالصلاة كاملة بآدابها وشرائطها خالية عن الرياء والموانع (بالغاً من بدنك ما بلغ) أي وإن بلغ تعب بدنك في سبيل الإتيان بالفرائض مبلغاً عظيماً، فإن اللازم أن يهتم الإنسان بأداء ما عليه، ولا يعتني بتعبه ونصبه.

(وإذا قمت في صلاتك للناس) بأن صلّيت معهم في جماعة (فلا تكوننّ منفراً) أي موجباً لنفرة الناس وفرارهم بتطويلك للصلاة (ولا مضيعاً) للصلاة بالنقص في الأركان والشرائط (فإنّ في النّاس من به العلة) أي المرض الذي لا يتمكن من الطول (وله الحاجة) التي تفوت إذا طوّل صلاته (وقد سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآلهوسلّم - حين وجّهني إلى اليمن -) فقد أرسل الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم الإمام (عليه السلام) إلى اليمن في مهمّة، كما هو مذكور في التواريخ، وكان ذلك عام حجة الوداع («: كيف أصلّي بهم») طويلاً

ص: 243

أم قصيراً (فقال) صلى الله عليه وآله: («صلّ بهم كصلاة أضعفهم») فلا تطوّل («وكن بالمؤمنين رحيما») تعطف عليهم وترحمهم.

احتجاب الحكام والولاة عن الرعية

(أمّا بعد) ما تقدم يا مالك (فلا تطولنّ احتجابك عن رعيتك) بأن لا تظهر لهم مدة طويلة (فإن احتجاب الولاة عن الرعية) وعدم ظهورهم أمام الناس في المناسبات - كما يفعله المتكبرون بزعم الإبقاء على هيبتهم - (شعبة من الضيق) أي ضيق صدر الوالي من حوائج الناس (وقلة علم بالأمور) لأنه لو علم الأمور كما ينبغي قضى البعض الممكن، واعتذر اعتذاراً مقنعاً عمّا لا يمكن (والاحتجاب منهم) أيمن الرعية (يقطع عنهم) أي عن الولاة (علم ما احتجبوا دونه) أي جعلوا لأنفسهم حجاباً دون ذلك الأمر، حين لم يعرفوا الأمر المحجوب عنه.

(فيصغر عندهم الكبير) إذ إنهم لا يعرفون الأمور إلاّ بواسطة، والواسطة قد يجعل الأمر الكبير صغيراً تزلفاً، فلا يهتم له الوالي وذلك يفسد عليه الأمر (ويعظم الصغير) بعكس ذلك (ويقبح الحسن، ويحسن القبيح) فيرتّب الوالي آثار الضد على ضده مما يوجب الفساد (ويشاب الحق بالباطل) أي يخلط بينهما.

(وإنّما الوالي بشر) لا يعلم الغيب (لا يعرف ما توارى عنه النّاس به من الأمور) أي ما أخفى الناس عنه، وضمير «به» راجع إلى «ما» ومصداقه «من الأمور» (وليست على الحق سمات) جمع سمة، بمعنى

ص: 244

العلامة، أي ليس للحق علامات ظاهرة حتى يعرف الوالي الحق من الباطل بواسطة تلك العلامة، حتى (تعرف بها) أي بتلك السمات (ضروب الصدق منالكذب) أي أقسام الصدق.

(وإنّما أنت) يا مالك الأشتر (أحد رجلين إما امرئ سخت نفسك بالبذل) لنفسك ومالك (في الحق) وحوائج النّاس (ف-) إذاً (فيم احتجابك) أي لما ذا تحتجب عنهم، هل تحتجب (من واجب حقّ تعطيه) أي هل تريد الفرار من حق واجب (أو فعل كريم تسديه) أي عمل تقوم به في قضاء حوائج الناس (أو) أنت الرجل الثاني بأن تكون (مبتلى بالمنع) تمنع الناس حوائجهم وحينئذ لا احتياج إلى الاحتجاب (فما أسرع كف الناس عن مسألتك) أي إنهم يكفون عن سؤالك فورا (إذا آيسوا من بذلك) وإعطائك. (مع أن أكثر حاجات الناس إليك مما لا مؤنة فيه عليك) أي لا كلفة ولا صعوبة لأنها أمور ضئيلة تافهة، فإذا ظهرت للناس وسألوك إياها تمكنت من قضائها بلا صعوبة (من شكاة مظلمة) أي شكاية عن ظلم فتأمر من ينهى الظالم عن ظلمه (أو طلب إنصاف في معاملة) فيما يريد أحد المتعاملين الإجحافبحقّ الآخر، فتأمر من يأمره بالإنصاف، وأمثال هذه الأمور خفيفة لا تهمّ حتّى يحجب الوالي عن النّاس لأجلها.

بطانة الحكام والولاة

(ثم إن للوالي خاصة وبطانة) البطانة ضد الظهارة في الثياب،

ص: 245

والمراد هنا المقرّبون إلى الوالي الجلاّس له (فيهم استئثار) أي حبّ لجمع الأموال والوجاهات لأنفسهم (وتطاول) أي ترفع على الناس بالجبروت (وقلّة إنصاف في معاملة) يعاملون الناس بها (فاحسم) أي اقطع (مادة أولئك) البطانة (بقطع أسباب تلك الأحوال) أي قطع أسباب تعديهم بأن لا تعطهم المجال للاستئثار والتطاول. (ولا تقطعنّ لأحد من حاشيتك وحامتك) الحامة كطامة الخاصّة والقرابة (قطيعة) هي الأرض التي يمنحها الخليفة أو الوالي لأحد والمصدر الإقطاع (ولا يطمعنّ) أحد من حاشيتك وحامتك (منك في اعتقاد عقدة) أي في اقتناء ضيعة، فإنّ العقدة بمعنى الضيعة (تضر بمنيليها من الناس) إذا كانت بيد حاشيتك (في شرب) أي النصيب من الماء بأن يأخذ الماء بنفسه، فيضر ذلك بأراضي المجاورين. (أو عمل مشترك يحملون مؤنتهم) ومصارفه (على غيرهم) مثلا يحتاج النهر إلى الكرى، فإذا أعطيت الضيعة للحاشية، حملوا مؤنة الكرى على المشترك وهكذا (فيكون مهنأ) أي المنفعة الهنيئة ل (ذلك) الشيء أعطيته للحاشية (لهم دونك) إذ لا تنتفع أنت بتلك الضيعة أو العقدة (وعيبه عليك في الدنيا) بذم الناس لك (والآخرة) بإثم أعمال الحاشية وأنت قادر على منعهم.

لزوم الحق وطلب عاقبته

(وألزم الحق من لزمه) أي من لزم عليه الحق، فإذا كان الحق يرى لزوم أحد، فألزمه كما يأمر الحق (من القريب والبعيد) ولا تترك الحق

ص: 246

الذي ثبت على القريب خوفاً أو شفقةً أو ما أشبه (وكن في ذلك) الإلزام للحق (صابراً) متحمّلاً للأذى الذي يتولد منه (محتسباً) أي تحسب ذلك عندالله سبحانه، بأن يكون إلزامك وصبرك له سبحانه (واقعاً ذلك) الإلزام بالحق (من قرابتك) أي أقوامك (وخاصتك) أي حواشيك (حيث وقع) أي ولو كان في غاية الثقل عليهم.

(وابتغ) أي اطلب (عاقبته) أي عاقبة إلزام الحق (بما يثقل عليك منه) أي من الحق، فإنّ في بعض الأحيان يلزم العمل بالحق ثقلا كبيراً على الإنسان، لكن هذا الثقل يثمر عاقبة حسنة (فإن مغبة) أي عاقبة (ذلك) الإلزام بالحق (محمودة) في الدنيا بحسن الثناء الناس، والآخرة بالأجر والثواب.

(وإن ظنت الرعية بك حيفا) أي ظلماً بالنسبة إليهم بأن ظنّوا أنك قصرت في أموالهم أو في إدارتهم أو ما أشبه، (فاصحر) أي أظهر (لهم بعذرك) أي بين وجه ذلك العمل إن أتيته، أو بين أنه افتراء عليك إن لم تأته (وأعدل) أي أصرف (عنك ظنونهم بإصحارك) أي بإظهارك الحق (فإنّ في ذلك) الإظهار لدىظن السوء بك (رياضة منك لنفسك) أي تعويداً لنفسك على العدل، وإرغاماً لكبرك على الخضوع فإن الإنسان لا يحب أن يتنازل لبيان أعذاره لدى الناس، إذ يراهم أنهم دون ذلك.

(ورفقاً برعيتك) لأن مثل هذا العمل يوجب الرفق واللين بالنسبة إلى الرعية (وإعذاراً) أي إظهاراً للعذر (تبلغ به) أي بسبب هذا الأعذار (حاجتك من تقويمهم على الحق) فإن من يحضر لإبداء عذره لا يجوز

ص: 247

عن باطل غيره، وإذا عرف الناس منه ذلك استقاموا على الحق في أمورهم.

أصالة الصلح والسلام

(ولا تدفعنّ صلحاً دعاك إليه) أي إلى ذلك الصلح (عدوك و) الحال أن (للّه فيه) أي في ذلك الصلح (رضى) بأن لم يكن الصلح محرماً من جهة من الجهات (فإنّ في الصلح دعة) أي راحة (لجنودك وراحة من همومك) فإن المحارب يتحمل هموماً جمّة بخلاف المصالح (وأمناً لبلادك) لأنّ الناس في أيام السلم يأمنون ويعملون بكلراحة لترقية البلاد.

(ولكن) خذ (الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه) معك فلا تغفل منه طرفة عين، ولا تتساهل في العدة والعدة والتهيؤ اعتماداً على الصلح (فإن العدو ربما قارب) أي تقرب منك بالصلح (ليتغفل) أي ليغفلك فيغدرك فجأة في حال الغفلة منك (فخذ بالحزم) أي ملاحظة الأمور والحيطة لها (واتهم في ذلك) الحزم (حسن الظن) فلا تحسن ظنك بالعدو مهما كان ظاهر الصدق.

العهود والعقود والمواثيق

(وإن عقدت بينك وبين عدوّك عقدة) أي معاهدة (أو ألبسته منك ذمة) بأن يكون في ذمامك وأمنك، والأول للمكافئ، والثاني للعدو الضعيف، (فحط) من حاط أي احفظ (عهدك بالوفاء) فلا تخن العهد

ص: 248

(وارع ذمّتك بالأمانة) أي كن أميناً في ذمتك فلا تخن الذمام (واجعل نفسك جُنة) أي وقاية (دون ما أعطيت) أي حافظ على العهد بنفسك حتى إذا وجه إليك سهم الانتقاد فاقبله ولاتخن (فإنه ليس من فرائض اللّه شيء الناس أشد عليه اجتماعاً مع تفرق أهوائهم) وميولهم (وتشتت آرائهم) أي اختلاف أنظارهم (من تعظيم الوفاء بالعهود) فإنّ كل الناس يعظمونه مهما اختلفت آراؤهم و«الناس» مبتدأ خبره «أشده»، وقوله: «مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم» جملة معترضة (وقد لزم ذلك) الوفاء بالعهود (المشركون فيما بينهم) بأن أوصى بعضهم بعضا بأن لا يخونوا (دون المسلمين) أي بالنسبة لعهدهم مع المسلمين مع ما هم عليه من الشّرك وعداوة الإسلام (لما استوبلوا من عواقب الغدر) أي لأنهم وجدوا عواقب الغدر وبيلة مهلكة، واستوبل بمعنى عدّه وبيلا، أي مهلكاً قبيحاً.

(فلا تغدرن) يا مالك (بذمتك ولا تخيسن) أي لا تخوننّ (بعهدك) الذي عاهدت (ولا تختلن) الختل الخداع (عدوّك) أي لا تخدعه بإعطائه الأمان ثم نقضه (فإنه لا يجترئ على اللّه) بنقض العهد الذيأوجب الوفاء به كما قال سبحانه : ﴿وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسؤولا﴾ (الاّ جاهل) بعواقب النقض (شقي) قد وجب عليه العقاب. (وقد جعل اللّه عهده وذمّته) أي العهد الذي أوجده بين الناس والذمة التي جعلها وديعة عند كل أحد (أمناً) أي لأجل أمن بعض من بعض (أفضاه) أي أفشاه وجعله (بين العباد برحمته) ولطفه ،(وحريماً) أي شيئا

ص: 249

حرام خلافه (يسكنون) أي يطمئن الناس (إلى منعته) أي ماله من قوة يلتجئ الناس إليها، إذ لولا خلقه سبحانه للعهد والذمة لم يكن للخائفين والمحاربين ملجأ وملاذ (ويستفيضون) أي يفزعون بسرعة (إلى جواره) أي جوار العهد والذمة فراراً من الخوف عن الحرب وما أشبه، (فلا إدغال) أي إفساد بنقض العهد (ولا مدالسة) أي تدليس بإظهار الأمان والمباغتة بالخيانة (ولا خداع فيه) أي في العهد.

(ولا تعقد عقداً) بينك وبين غيرك (تجوز فيه العلل) بأن كانالعقد غير صريح في المراد، فيجوز فيه احتمالات، وعلل: جمع علة وهي ما يطرأ على الكلام من الاحتمالات المفسدة لاستفادة المراد منه.

(ولا تعولن) أي لا تعتمدن (على لحن قول) اللحن ما يقبل التوجيه كالتورية والمفهوم المخالف وما أشبه (بعد التأكيد) من العهد (والتوثقة) أي الوثوق بأن تريد نقض العهد فتعلل بأن العهد لم يكن صريحا وهكذا بالنسبة إلى العقد، كما يفعل ذلك من لا وجدان له.

(ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد اللّه) بأن عاهدت مع أحد ثم رأيت ضيقاً من الوفاء بالعهد (إلى طلب انفساخه) متعلق ب «لا يدعونك» أي لا تطلب انفساخ العهد (بغير الحق) هذا بيان لطلب الانفساخ (فإنّ صبرك على ضيق أمر) أي أمر ضيق عليك أوجبه العهد (ترجو انفراجه) بتمام مدة العهد أو ما أشبه (و) ترجو (فضل عاقبته) إذ تعرف لدى الناس بأنّك وفي بالعهدبالإضافة إلى ما لك من الثواب

ص: 250

الجزيل (خير من عذر) بالعهد (تخاف تبعته) أي إثمه عند الناس وعند اللّه.

(وأن تحيط بك من اللّه فيه) أي في ذلك العذر (طلبة) أي مطالبته سبحانه بحقّه في الوفاء، فإذا لم تفعل الوفاء استحققت العقاب (فلا تستقيل فيها دنياك ولا آخرتك) من الإقالة بمعنى طلب الفسخ والعفو أي لا تقدر بعد العذر أن تستقيل الناس بأن يعفوا عن عذرك ولا يذموك، وأن تستقيل اللّه بأن يعفو عنك ولا يعاقبك.

حقن الدماء

(إيّاك) أي احذر يا مالك (والدماء وسفكها) أي إراقتها بقتل الناس (بغير حلها) الذي أحله اللّه سبحانه كالمفسد والقاتل ومن أشبههما (فإنه ليس شيء أدنى) أي أقرب (لنقمة) أي لغضب اللّه سبحانه (ولا أعظم لتبعة) أي الإثم والعقاب (ولا أحرى) أي أجدر وأحق (بزوال نعمة وانقطاع مدة) أي مدةالعمر بالموت (من سفك الدماء بغير حقّها) فإنه يوجب كل ذلك. (واللّه سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا) أي سفك بعضهم دم آخر (من الدماء يوم القيامة) فإن أول شيء يحكم هناك حوله هو الدماء (فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام) كما يفعل الجبارون إذ يقتلون الأبرياء لأنهم أمروا بمعروف أو نهوا عن منكر أو ما أشبه ذلك (فإنّ ذلك) السفك (ممّا يضعفه) أي يضعف السلطان (ويوهنه بل يزيله وينقله) من سفك إلى غيره.

ص: 251

(ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد) أي في ما إذا قتلت بريئاً عمداً (لأنّ فيه) أي في قتل العمد (قود البدن) أي القصاص الواقع على جسم القاتل فلا يمكن صرف النظر عن القصاص (وإن ابتليت ب-) قتل (خطأ) بأن لم تتعمد القتل (و) إنما (أفرط عليك سوطك) بأن كتب تريد الحد أو التعزير تأديباً فسبب السوط موت المجرم (أو سيفك) كأن أردت التأديب بالسيف فقتل المجرم(أو يدك بالعقوبة) التي تريدها بالمذنب (فإنّ في الوكزة) هي الضربة بقبضة اليد (فما فوقها) من أقسام الضرب (مقتلة) أي قتل، وهذا تعليل لكون السوط ونحوه قد يفرط، (فلا تطمحن) أي ترتفعن (بك نخوة سلطانك) أي كبريائه (عن أن تؤدى إلى أولياء المقتول) أي ورثته (حقّهم) من دية الخطأ.

مواصفات وأخلاقيات الحاكم والوالي

(وإيّاك) يا مالك (والإعجاب بنفسك) بأن تحسن الظن بنفسك وأن ما عملت حسن (والثقة بما يعجبك منها) بأن تثق بالعمل الذي يسبب أن تعجب بنفسك لأنها أدت مثل ذلك العمل (و) إياك و(حب الإطراء) أي حب أن يثنى الناس عليك ويمدحوك (فإنّ ذلك) كلّه (من أوثق فرص الشيطان) أي أحسن فرصته التي تسبب هلاك الإنسان (في نفسه) الضمير عائد إلى الشيطان (ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين) أي ليبطله، فإن الإنسان إذا عجب بنفسه بطلعمله،

ص: 252

وكذلك من أحبّ الإطراء على عمله، إذ يدلّ على كون العمل ليس للّه سبحانه، وإنّما للرياء والسمعة.

(وإيّاك) يا مالك (والمنّ على رعيتك بإحسانك) بأن تمنّ عليهم إذا أحسنت إليهم (أو التزيد) أي إظهار الزيادة (فيما كان من فعلك) بأن تريد إظهار أنه فوق الذي عملت حقيقة (أو أن تعدهم) وعداً (فتتبع موعدك بخلفك) بأن تخلف وعدك. (فإنّ المن يبطل الإحسان) لدى الناس ولدى اللّه سبحانه (والتزيد يذهب بنور الحق) فإنّ للحق نوراً، فإذا أظهر الشخص أنه عمل فوق ما عمله، لم يكن لما عمله وقع ونور في أعين الناس (والخلف) للوعد (يوجب المقت) أي الغضب (عند اللّه و) عند (النّاس) فيكرهون الإنسان المخلف لوعده، وقال اللّه تعالى : («كبر مقتاً عند اللّه» أي انّه مقت كبير «أن تقولوا ما لا تفعلون») من الأعمال، والآية عامة شاملة للوعد كما تشمل الأمر بالحسنوالنهى عن القبيح.

(وإيّاك) يا مالك (والعجلة بالأمور) بأن تأتي بها (قبل أوانها) جمع آن، بمعنى الوقت (أو التسقط فيها) أي التهاون - عكس العجلة - (عند إمكانها) بأن جاء وقتها (أو اللجاجة فيها) بالإصرار لفعلها (إذا تنكرت) أي صعبت ولم تتيسّر، بل اللازم أن يترك الإنسان الأمر إذا صعب وأشكل (أو الوهن) والضعف (عنها) وعن الإتيان بها (إذا استوضحت) أي وضحت وتيسّرت. (فضع كل أمر موضعه) اللائق به من الإقدام أو الإحجام والإتيان بالشيء على وجهه (وأوقع كل أمر موقعه) المناسب

ص: 253

له.

(وإيّاك) يا مالك (والاستئثار) أي الاستبداد (بما الناس فيه أسوة) أي متساوون بأن تخص نفسك بشيء هو للناس عامة، كأن تتملك الأنهار العامة والمعادن الوسيعة وما أشبه.

(و) إياك و (التغابي) أي التغافل (عما تعني به) أي تقصد أنت به بأن يريده الناس منك(ممّا قد وضح للعيون) أي ظهر وعلم به الناس (فإنه مأخوذ منك لغيرك) أي ما تملكته وخصصته بنفسك سيؤخذ منك لغيرك إذا انتقل الملك عنك فعليك إثمه ولا يبقى في يدك. (وعمّا قليل) «ما» زائدة و «عن» بمعنى بعد (تنكشف عنك أغطية الأمور) فإنّ أمور الآخرة مغطاة لا يراها الإنسان إلاّ إذا مات (وينتصف منك للمظلوم) الذي استأثرت بحقّه بعد كون الناس كلهم سواء في ذلك.

(أملك) يا مالك (حمية انفك) أي كبرك وترفّعك (وسورة) أي حدة (حدك) أي غضبك (وسطوة يدك) أي الضرب الشديد بها.

(وغرب لسانك) أي شدّتها في القول فإنّ غرب السّيف حدّه، فلا تتكبّر ولا تغضب ولا تضرب أحداً ولا تتكلَّم كلاماً حاداً (واحترس) أي احترز وتجنّب (من كلّ ذلك بكف البادرة) أي ما يبدر ويسرع منك من لسانك أو يدك (وتأخير السطوة) والشدة إذا أردتها، فإن في التأخير يرجع العقل إلى الإنسان فلا يفعل إلا اللائقالمناسب (حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار) في أن تفعل ومقدار ما تفعل، فإنّ الإنسان لدى الغضب هائج يفعل ما لا يليق.

ص: 254

(ولن تحكم ذلك) الكف للبادرة والتأخير للسطوة (من نفسك) بأن تقوى نفسك على زمامها عند الغضب (حتى تكثر همومك) وأحزانك (بذكر المعاد) أي الرجوع (إلى) ثواب (ربك) وعقابه حتى يتجلى المعاد في النفس، فلا تفعل شيئا إلاّ إذا علم عدم سوء عاقبته.

(والواجب عليك) يا مالك (أن تتذكر ما مضى لمن تقدمك) بأن تنظر إلى أعمالهم وأحوالهم، فإن السير في أحوال الماضين يوقظ الإنسان ويرشده إلى ما ينبغي أن يعمله، ولذا قال سبحانه : ﴿فسيروا في الأرض﴾ (من حكومة عادلة) بيان «ما» ، (أو سنة فاضلة) أي ذات فضل وحسن (أو أثر) أي خبر وارد (عن نبيّنا صلى اللّه عليه وآله وسلم أو فريضة في كتاب اللّه) تعالى (فتقتدي) بالعمل (بما شاهدتممّا عملنا به) الضمير عائد إلى «ما» في «مما» (فيها) أي في ما ذكر من الحكومة والسنة والأثر والفريضة، ولا يخفى أن السنة هنا أعم من الأثر، إذ المراد بها الطريقة الحسنة سواء كانت عن الأنبياء السابقين (عليهم السلام) أو نبيّنا صلى اللّه عليه وآله وسلّم، أو عمل صالح اعتاده الناس كبناء المدرسة مثلا.

(وتجتهد لنفسك) فإن فائدة الاجتهاد عائدة إلى نفسك (في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا) بأن تتعب لتعمل به في كل أمورك (واستوثقت) أي طلبت الوثوق (به) أي بسبب هذا العهد (من الحجة لنفسي عليك) بأن لا يكون لك عذر إذا خالفت، (لكي لا تكون لك علة) وعذر (عند تسرع نفسك إلى هواها) في خلاف ما بينت لك (وأنا اسأل اللّه بسعة رحمته) أي أجعل سعة رحمته واسطة لإنجاح أمري

ص: 255

وإعطاء طلبتي (وعظيم قدرته على إعطاء كل رغبة) «على» متعلق ب «قدرته» فإنه سبحانه قادر على إعطاء كلما يرغب الإنسان إليه (أن يوفقني وإياك) يا مالك (لما فيه رضاه) سبحانه (من الإقامة على العذر الواضح إليه) تعالى (وإلى خلقه) أي يوفّقنا لأن نقيم على الحق (مع حسن الثناء في العباد، وجميل الأثر) الباقي منا (في البلاد) بعمارتها وإصلاحها (وتمام النعمة) بأن يتم سبحانه علينا نعمه (وتضعيف الكرامة) بأن يزيد في كرمه علينا وإكرامه لنا (وأن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة) في سبيل الله (إنا إليه) سبحانه (راجعون) والمراد إلى حسابه وثوابه (والسّلام على رسول اللّه صلّى الله عليه وآله الطيبين) فلا خبث فيهم (الطاهرين) فلا قذارة لهم (وسلم تسليماً كثيراً) ومعنى تسليم اللّه له صلى الله عليه وآله وسلم جعله سالماً من مكاره الدنيا والآخرة، و(السلام).

* * * وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.النجف الأشرف مرتضى الحسيني الشيرازي

ص: 256

ص: 257

ص: 258

ملحق الهوامش

ص: 259

ص: 260

تتمة الهامش (1) ص30

وفي هذا الصدد، قال مارتن رافاليون، مدير مجموعة بحوث التنمية التابعة للبنك الدولي ورئيس فريق العمل الذي أصدر هذه الأرقام: "لقد أحرزت بلدان العالم النامية ككل تقدماً كبيرا في مكافحة الفقر المدقع، لكن من تجاوزوا خط الفقر والذين بلغ عددهم 663 مليون شخص، مازالوا، مثلما حدث في البلدان الأشد فقرا، فقراء بمعايير البلدان متوسطة ومرتفعة الدخل. وهذا الارتفاع فوق خط الفقر المدقع دليل على حالة الضعف التي يعاني منها عدد كبير من الفقراء في العالم. ووفقاً للمعدل الحالي من التقدم، فإن عدد الفقراء المدقعين سيكون في حدود مليار شخص فقط بحلول عام 2015." ويمثل خط الفقر عند مستوى 1.25 دولار المتوسط المستخدم في أفقر 10 إلى 20 بلدا فيالعالم. ويكشف الخط الأعلى للفقر عند مستوى دولارين للفرد في اليوم (وهو المتوسط بالنسبة للبلدان النامية) تحقيق تقدم أقل بالمقارنة بمتوسط 1.25 دولار للفرد في اليوم. وبالفعل، كان هناك انخفاض متواضع في عدد من يعيشون على أقل من دولارين للفرد في اليوم في الفترة من 1981 إلى 2008، من 2.59 مليار شخص إلى 2.44 مليار شخص، وإن انخفض بشدة منذ عام 1999.

من جانبه، قال خاييمي سافيدرا، مدير فريق البنك المعني بتقليص الفقر وتحقيق الإنصاف:

ص: 261

"معدلات الفقر البالغة 22 في المائة في البلدان النامية لمن يعيشون على أقل من 1.25 دولار للفرد في اليوم، و 43 في المائة لمن يعيشون على أقل من دولارين للفرد في اليوم تعد أرقاما غير مقبولة. نحتاج إلى زيادة جهودنا. فعلى جانب السياسات والبرامج، نحن بحاجة إلى مهاجمة الفقر على جميعالجبهات، من خلق وظائف أكثر وأفضل إلى توفير خدمات تعليمية وصحية وبنى تحتية أفضل من أجل حماية الفئات الضعيفة والمتأثرة. أما على جانب عملية القياس، فإن البلدان بحاجة إلى توسيع عملية جمع البيانات وتعزيز القدرات الإحصائية، خاصة في البلدان منخفضة الدخل." كما صرح البنك الدولي في 26 أغسطس/آب 2008 بأن التقديرات الاقتصادية المُحسّنة أظهرت وجود عدد أكبر من الفقراء في أنحاء العالم عما كان مُعتقداً في السابق، وفي دراسة جديدة بعنوان "العالم النامي أكثر فقراً عما كان مُعتقداً، لكنه ليس أقل نجاحاً في الحرب ضد الفقر"، قام كل من Ma»tin »avallion و «haohua Chen بتنقيح تقديرات الفقر منذ 1981، وخلصا إلى أنه مازال هناك 1.4 مليار شخص (واحد من بين كل أربعة) في العالم النامي يعيشون على أقل من 1.25 دولار للفرد في اليوم في 2005، وذلك مقابل 1.9 مليار شخص(واحد من بين كل اثنين) في 1981. للمزيد من المعلومات: http://wo»ldbank.o»g.

تتمة الهامش (1) ص31 ويشير أحد الباحثين في احصائية أخرى إلى أن خمسين ألف شخص

ص: 262

يموتون كل يوم بسبب الفقر، وأن ما يناهز نصف سكان العالم يعيشون تحت خط الفقر فضلا عن أن نسبة 70% منهم من النساء. ويموت 1.8 مليون طفل سنوياً بسبب الإسهال؛ و1.4 مليون يموتون سنوياً بسبب نقص المياه والمرافق الصحية و2.2 مليون من أمراض يمكن التلقيح ضدّها، وفي كل سنة، هناك 350 -- 500 مليون حالة ملاريا، يموت منهم حوالي المليون، وتستأثر إفريقيا بنسبة 90٪ من وفيات الملاريا، والأطفال يشكلون أكثر من 80% من ضحايا الملاريا في جميع أنحاء العالم. كما أن حوالي 72 مليون طفل في سن التعليم الابتدائي في الدول النامية كانوا خارج المدرسة في عام 2005؛ منهم 57% إناث، وبين 27و28% من أطفال الدول النامية يعانون من نقص في الوزن أو التقزّم. فثلث سكان الدول النامية لا يتوقعون العيش أكثر من 40 عاماً نتيجة نقص الغذاء. كما أن 1.6 مليار نسمة - أي ربع الإنسانية - يعيشون بلا كهرباء، كما أن مليار شخص في البلدان النامية لا يحصلون على كمية كافية من المياه.

وقد رفع البنك الدولي تقديرات سابقة لعدد الذين يعيشون في فقر مدقع في الدول النامية عقب تعديله مقياس الفقر إلى من يعيش على 1.25 دولار يوميا بدلا من دولار واحد. وأفاد البنك بأن 1.4 مليار نسمة أي ما يعادل 25% من سكان العالم النامي كانوا يواجهون فقرا مدقعا ويعيشون على أقل من 1.25 دولار في اليوم عام 2005 في أفقر عشر دول إلى عشرين دولة على المستوى العالمي. وقال البنك في عام 2007 إن من يعيشون دون خط الفقر في العالم الذي كان دولارا واحدا في اليومبلغوا مليار نسمة. وذكر

ص: 263

البنك أن مائة مليون نسمة قد يدخلون في قائمة الفقراء جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة. واستشهدت الأمم المتحدة بتقرير جديد للبنك الدولي يقول بأن الأزمة أضافت 50 مليون شخص إلى عدد الذين يعانون من فقر مدقع في 2009 كما ستضيف 64 مليونا آخرين في 2010 خاصة في منطقة جنوب الصحراء وشرق وجنوب شرق آسيا. كما زاد أيضا عدد الذين يعانون من الجوع بحيث وصل عدد الذين يعانون من سوء التغذية إلى أكثر من مليار شخص في 2009 بسبب أزمة الغذاء التي تزامنت مع الأزمة الاقتصادية. وتقول إحصاءات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) إن أكثر من مليار شخص في العالم يعانون من نقص التغذية، أي حوالي سدس سكان كوكب الأرض. كما أن نحو ثلث سكان العالم (2,5 مليار نسمة) يفتقرون إلى القدرة على الوصول إلى مرافق الصرف الصحيالأساسية، وأكثر من مليار من سكان العالم يتبرزون في العراء.

وفي المقابل توضح الإحصاءات الغربية بالأرقام أن الدول الصناعية تملك 97% من الامتيازات العالمية كافة، وأن الشركات الدولية عابرة القارات تملك 90% من امتيازات التقنية والإنتاج والتسويق، وأن أكثر من 80% من أرباح إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة غنية. وهناك حوالي 0.13٪ من سكان العالم يسيطرون على 25٪ من الأصول المالية، أي 27 ترليون دولار بيد 7 ملايين إنسان في العالم فقط، وتوضح الدراسات أنهم لو ساهموا ب- 1% من هذه الثروات لغطت تكلفة الدراسة الابتدائية لكل الأطفال في العالم النامي. كما ان أقل من 1% (واحد

ص: 264

بالمائة) مما ينفقه العالم كل سنة على التسلح يكفي لإدخال كل الأطفال إلى المدرسة. ويصرف الأوروبيون على البوظةوالأميركيون على العطور ومأكولات الحيوانات المنزلية 40 مليار دولار في السنة، أي ما يكفي لسد النقص في الصحة الإنجابية للنساء والتعليم الأساسي والماء والنظافة والصحة العامة والغذاء للجميع حول العالم.

يقول جوزيف ستيغليتز الحائز جائزة نوبل للاقتصاد: إن الأرقام في الوقت الحاضر تشير إلى أن الحلم الأميركي مجرد أسطورة ، فالمساواة في الفرص في الولايات المتحدة اليوم أقل من حالها في أوروبا -- بل في أي دولة صناعية متقدمة تتوفر البيانات عنها. وهذا واحد من الأسباب التي تجعل من أميركا الدولة صاحبة أعلى مستوى من التفاوت وعدم المساواة بين كل الدول المتقدمة -- والفجوة بينها وبين بقية الدول المتقدمة آخذة في الاتساع. فأثناء فترة "التعافي"، 20092010، استحوذ المنتمون إلى شريحة الواحد في المائة الأعلى دخلاً في الولايات المتحدة على 93% من نمو الدخل.وبنظرة أكثر تدقيقاً إلى هؤلاء عند القمة، سوف نكتشف دوراً غير متناسب لعبه هؤلاء المستغلون: فقد حصل بعضهم على ثرواتهم من خلال ممارسة القوة الاحتكارية.

وتشير الإحصائيات المتعلقة بالعالم العربي إلى أن حوالي 40 مليون عربي يعانون من نقص التغذية أي ما يعادل 13 بالمئة من السكان تقريبا، بالإضافة إلى أن نحو مائة مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر أي ما يعادل تقريبا ثلث سكان العالم العربي. ف9% من أطفال العالم العربي

ص: 265

يموتون تحت سن الخامسة نتيجة الفقر وسوء التغذية. و15% من أطفال العالم العربي ناقصي الوزن. وكشفت وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي في العراق أن الفقر داخل المجتمع وصل 23% من أبنائه من العيش تحت مستوى خط الفقر وهم يشكلون ما لا يقل عن 7 ملايين عراقي" لا يتجاوز دخلهم اليومي دولاراً أميركياً واحداً. وكشف تقرير آخر صادر عن وزارةالتخطيط والتعاون الإنمائي أواخر العام 2007 أن الفقر شمل 60% من العراقيين في حين بلغت نسبة البطالة 50%.

وذكرت مؤسسة أشوكا، أن 52% من المصريين يعيشون على أقل من 2 دولار يوميا وأن 10% من المجتمع يعاني من الإعاقة، وأن 68% من قطاع الإسكان عشوائيات، وهو ما يجعل مصر تصنّف ضمن الدول الأكثر فقراً في العالم.

ويرى الخبراء أن أكثر من نصف أطفال بنجلاديش يعيشون في فقر ومحرومون من الطعام والخدمات الصحية والمأوى ويفتقرون لفرص الهروب من أوضاعهم هذه. فهناك 33 مليون طفل دون سن 18 عاماً، أي حوالي 56 بالمائة من مجموع أطفال البلاد، يعيشون حالياً تحت خط الفقر المحدد عالمياً في دولار واحد لكل شخص في اليوم. ويصل مجموع سكان البلاد إلى 140 مليون نسمة، من بينهم 66 مليون طفل، أي حوالي 44 بالمائة من مجموع السكان.

* ملاحظة: هذه الأرقام حولالفقر التي نشرتها وكالات الأنباء نقلا عن منظمات دولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمات أخرى، قد لا تعبر عن الواقع الحقيقي لأزمة ومشكلة الفقر في العالم، فهذه التقارير

ص: 266

تحاول أن تبدو متفائلة في طرحها لأرقام تراها تعبر عن انخفاض عدد الفقراء في العالم بالقياس إلى عام 1981، وهي تحاول أن تنسب لنفسها إنجازات قد لم تتحقق على أرض الواقع، فلم تحتسب هذه المنظمات نسبة التضخم في الدول الفقيرة كما لم تحتسب انخفاض قيمة الدولار، كما لم تأخذ بالحسبان بروز ظاهرة العولمة وانفتاح الاسواق.

تتمة الهامش (1) ص50 وفي الأنظمة الديمقراطية يتم تحديد قيمة الضريبة بقوانين يتم المصادقة عليها من قبل ممثلي الشعب. وعادة ما تعهد وظيفة جمع الضرائب وتوزيعها على القطاعات المختلفة إلى وزارة المالية بعد تحديدالميزانيات. هذا كله على مستوى النظرية، أما على مستوى التطبيق، فإن (الضرائب) في البلاد الاستبدادية تصرف لتكريس الاستبداد وقمع الشعوب ومصادرة الحريات، وأما في البلاد الديمقراطية فإن قسما من الضرائب تصرف لتكريس الاستعمار، كما يذهب قسم آخر منها بطرق غير مباشرة إلى كبار الأغنياء والشركات العملاقة.

تتمة الهامش (2) ص51 وذلك بحسب استطلاع مؤسسة جالوب، الذي كشف عن أن سلوك الشبان العرب تغير بشدة عام 2010 عما كان عليه في أخر مرة أجري فيها الاستطلاع وكان ذلك عام 2009، وتركز غضبهم من مستوى معيشتهم خاصة توفير سكن بأسعار معقولة، وقال شبان من 20 دولة من بينها دول شهدت أو تشهد اضطرابات مثل البحرين ومصر وليبيا وتونس

ص: 267

أنهم شعروا بأنهم غير قادرين على الاندماج اقتصادياً بشكل كامل مع مجتمعاتهم على الرغم منطموحاتهم الكبيرة في قطاع الأعمال، وجاء في تقرير الدراسة "على الرغم من أنهم من أحسن الأجيال صحة في المنطقة وأفضلها تعليماً فإن الشبان العرب مازالوا يواجهون صعوبات في الوصول إلى فرص عمل وفرص في المؤسسات التجارية، وخلص التقرير أيضا أنه خلافاً لما ترصده النظم التقليدية عن نمو الناتج المحلي الإجمالي وما يشير إليه من نمو اقتصادي ثابت في بعض الدول فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ما زال بها واحد من أعلى معدلات البطالة بين الشبان في العالم.

وتقول جين كيننمونت، المحللة بوحدة الدراسات بمؤسسة إيكونومست: "الواقع الديمغرافي في الخليج وفي سائر دول الشرق الأوسط مقلق، لأن هناك شعوباً شابة وطبقات حاكمة متقدمة في السن، وتضيف: "المشكلة أن معظم هذه الدول ما تزال تعتمد في اقتصادياتها على مبيعات منتجات النفط والغاز، وهذا يعني أنهاعاجزة عن توفير فرص عمل تكفي لجميع المواطنين، فلا يمكن لقطاع الطاقة أن يستوعب كل طلبات التوظيف.

وجاء في بيان نائب البنك الدولي لشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط شمشاد أختر: إن الربيع العربي أظهر أن الناس يريدون أفضل الخدمات العامة ومناخا مدنيا أكثر نظافة وهذا يعني خدمات في البنى التحتية أكثر فعالية وأفضل موالفة.

ص: 268

وحذرت أوساط دولية من تأثير الفقر والفارق الكبير في الثروة بدول الشرق الأوسط، في توليد الحركات المتشددة وتشجيع الشباب على الانخراط فيها، مشيرين في هذا السياق إلى حالة اليمن التي نشط فيها تنظيم القاعدة وحركات تمرد مختلفة. والمميز أنه حتى داخل دول الخليج نفسها تبرز فوارق الثروة، ففي السعودية تظهر الفوارق بين العاصمة والمناطق الواقعة على الأطراف. يشار إلى أن أن الدول الإسلامية هي موطنخُمس سكان الأرض، ولكنها لا تساهم سوى في ستة في المائة من حجم الإنتاج العالمي.

تتمة الهامش (2) ص63 حيث اعتبرت المملكة العربية السعودية من أكبر المستوردين للأسلحة بين الدول العربية بشكل عام ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص؛ إذ تجاوزت قيمة مشترياتها من الأسلحة مبلغ 40 مليار دولاراً.

ووفقاً لتقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي احتلت الإمارات المركز الثالث في قائمة أكبر مستوردي السلاح في العالم منذ عامين إذ ابتاعت في عام 2008 ما نسبته 6% من مبيعات الأسلحة في العالم، فيما يتوقع أن تنفق الدولتان 123 مليار دولار على تسلحهما في الأعوام الثلاثة القادمة بحسب تقرير لصحيفة الفيننشال تايمز البريطانية.

ولا يزال الشرق الأوسط بشكل عام ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص تشكل أفضل سوق جذبلمصدري الصناعات الدفاعية

ص: 269

في العالم برغم استمرار تأثير الأزمة المالية العالمية على خطط تحديث وبرامج تسلح جيوش دول كبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا؛ إذ شهد العام 2010 اهتماما كبيرا ومتزايدا من دول عربية عدة؛ كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والمغرب وليبيا باقتناء أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا المتطورة، بالإضافة إلى تحديث برامجها التدريبية العسكرية.

تتمة الهامش (3) ص68 وهنالك العديد من الأمثلة على البيروقراطية المستخدمة يومياً: الحكومات، القوات المسلحة، الشركات، المستشفيات، المحاكم، والمدارس. يعود أصل كلمة البيرقراطية إلى (بيرو) (bu»eau)، أي مكتب، المستخدمة في بداية القرن الثامن عشر ليس للتعبير عن كلمة مكتب للكتابة فقط بل للتعبير عن الشركة، وأماكن العمل. وكلمة (قراطية) وهيمشتقه من الأصل الإغريقي (كراتُس) (κράτος) ومعناها السلطة والكلمة في مجموعها تعني قوة المكتب أو سلطة المكتب.

تتمة الهامش (3) ص114 وأظهر مسح لآراء 469 من الخبراء والقادة الصناعيين أن ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وأزمة التقاعد بين أرباب المعاشات المعتمدين على دول مثقلة بالديون واتساع فجوة الثروات قد نثرت "بذور واقع مرير". ولم يعد الناس يعتقدون ولأول مرة منذ أجيال أن أولادهم سيكبرون ليتمتعوا بمستويات معيشية أفضل. وقال لي هاويل العضو المنتدب للمنتدى

ص: 270

الاقتصادي العالمي المسؤول عن التقرير: "يحتاج الأمر اهتماما سياسيا فوريا وإلا فلإن البلاغة السياسية التي تستجيب لهذا الاضطراب الاجتماعي ستتضمن نزعة وطنية وحمائية وتقويض عملية العولمة".

وفي عالم يتزايد فيه التداخل والتشابك يظهر تقرير المنتدىأيضا المخاطر التي تشكلها الهجمات الالكترونية على الأفراد والشركات والدول. وقال ستيفي ولسون مسؤول مخاطر التأمين لدى زوريخ للخدمات المالية: "أظهر الربيع العربي قوة خدمات الاتصالات المترابطة في دعم حريات الأفراد وسهلت التكنولوجيا نفسها الاحتجاجات في لندن." وقال ولسون "إنه أمر محير تماما مدى التعقيد الذي أصبح عليه العالم ومن الصعب إدراك المخاطر التي تأتي من ذلك." ويقول جوزيف ستيجليتز الاقتصادي والأستاذ بجامعة كولومبيا بنيويورك الحاصل على جائزة نوبل: "الطريقة التي طبقنا بها العولمة فاقمت من عدم المساواة لأنها كانت غير متناسقة للغاية. "رأس المال يتحرك بحرية أكبر من الأيدي العاملة." ولعل هذا يفسر الأرقام الواردة في تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة لعام2005 الذي يظهر أن دخول أغنى 50 شخصا في العالم مجتمعة يتجاوز دخول أفقر 416 مليون شخص في العالم، وأن هذا التوزيع غير المتساوي للدخل تفاقم في دول كثيرة في الأعوام العشرين الماضية.

وتقول دراسة صدرت في يونيو حزيران عن معهد السياسة الاقتصادية وهو معهد بحثي: أن متوسط دخل المدير التنفيذي الأمريكي العادي يزيد

ص: 271

821 مرة عن دخل أقل عامل أجراً، وهو ما يمثل أكبر فجوة على الإطلاق.

وقال بابلو ايزنبرج زميل معهد السياسة العامة بجامعة جورج تاون: "نظامنا السياسي والايديولوجية المحافظة للغاية التي تقول إن السبيل إلى دعم الاقتصاد هو خفض الضرائب المفروضة على شديدي الثراء زادت من عدم المساواة بشدة في مجتمعنا." ويقول تقرير للبنك الدولي عن الفقر في العالم نشر عام 2000 -- 2001, والذي جاء ممتلئابالأرقام، على ما نشرتها شبكة النبأ المعلوماتية، وهي تؤكد أن العالم يمشي في طريق متناقض ومتباعد, حيث يزداد الأغنياء غنىً, والفقراء فقراً!. ويقول التقرير الذي يحمل عنوان (شن هجوم على الفقر) فإن من بين سكان العالم البالغ عددهم 6 مليارات نسمة يعيش2.8 مليار على أقل من دولارين يومياً ومن بين هؤلاء الفقراء يعيش 2,1 مليار على أقل من دولار واحد يوميا، نصفهم تقريبا 44% في جنوب آسيا. فمتوسط الدخل في أغنى 20 بلداً في العالم يعادل 37 مرة متوسط الدخل في أفقر 20 بلداً في العالم- وهذه الفجوة بين دخول أغنياء العالم الأول وفقراء العالم الثالث تزداد بل تتضاعف بشكل مفزع، فمنطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطي التي تجتاز مرحلة التحول إلي اقتصاد السوق, ارتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون علي أقل من دولار واحد يومياً لأكثر من عشرين ضعفا، وهؤلاء تبلغ نسبتهمحوالي 24% من إجمالي عدد السكان هناك.

أما في منطقة شرق آسيا فإن نسبة هؤلاء تبلغ حوالي 3,15% وهو يعادل 280 مليون إنسان. وبشكل عام لو أردنا أن نوزع غنيمة الألم والفقر

ص: 272

تلك على مناطق العالم المختلفة, مع ملاحظة أن الفقر الذي نقصده هنا هو الفقر المدقع الذي يقل فيه دخل الفرد عن دولار يوميا وقد ينعدم تماما، كما يظهر تقرير البنك الدولي, سنجد أن جنوب آسيا هي أكثر المناطق استيعابا لعدد الفقراء حيث يضم 5,43% من إجمالي فقراء العالم، تليه قارة إفريقيا وبالتحديد منطقة جنوب الصحراء التي تأوي 3,24% من الفقراء, ثم منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي حوالي 2,23% فأمريكا اللاتينية 5,6%, ثم أوروبا وآسيا الوسطي 2% وأخيراً الشرق الأوسط 5,0%.

هناك ثلاث فئات في تقسيم دول العالم، هي الدول ذات الدخل المنخفض وعددها 45 دولة وهيالتي يصل متوسط الدخل فيها سنويا إلى 695 دولاراً فأقل، والدول متوسطة الدخل وعددها 63 دولة, ويتراوح متوسط الدخل فيها ما بين 696 - 865 دولارا سنويا، ودول مرتفعة الدخل وعددها 24 دولة وهي التي يصل متوسط الدخل السنوي بها إلى 8626 دولاراً فأكثر، هذا مع مراعاة وجود حوالي 77 دولة عدد سكانها أقل من المليون و لا تتوافر عنها بيانات كاملة وإن كانت البيانات التقديرية تحدد أن 73 دولة منها ذات دخل منخفض والباقي 4 دول ذات دخل مرتفع. فإذا اعتبرنا أن 45 دولة من الدول الفقيرة أضفنا إليها من الدول متوسطة الدخل في الحد الأدني وهي 41 دولة إلي جانب الدول التي يقل عدد سكانها عن المليون فسنجد أن 159 دولة يمكن تصنيفها على أنها دول فقيرة من أصل 259 دولة هي عدد دول العالم وذلك بنسبة تبلغ 76%! أما اتساع الفجوة بينالفقراء والأغنياء فهي على مستوى الناتج

ص: 273

المحلي الإجمالي العالمي سنجده كما تقول الدراسة موزعا كالآتي:

الدول الصناعية الغنية والتي تمثل 20% من دول العالم يبلغ الناتج المحلي بها 18 تريليون دولار بنسبة 78%.

أما الدول النامية وهي 80% من دول العالم فإن نصيبها من الناتج العالمي 5 تريليونات دولار بنسبة 22% فقط.

مفاجأة أخرى فإن عدد مليارديرات العالم وعددهم 358 مليارديرا يمتلكون ما يزيد على مجموع الدخل السنوي لدول بها 45% من سكان العالم!! وتُعتبر فجوة الثروة في الشرق الأوسط وأفريقيا الأكبر في العالم، ففي قطر، يبلغ معدل الدخل الفردي أكثر من 87 ألف دولار، بينما يبلغ في البحرين 35 ألف دولار، وذلك مقابل 2400 دولار باليمن و2300 بالسودان. وتقول منظمة المؤتمر الإسلامي إن 43 في المائة من السكان فياليمن يعيشون على دولارين يومياً، ولذلك فإن الدولة تعتبر بين الأفقر في المنطقة، وقد كان مؤتمر لندن الذي عقد لدعم صنعاء مخصصاً لمواجهة تحول اليمن إلى دولة فاشلة. ويعيش في العالم أكثر من مليار ونصف مسلم يشكلون سوقاً واعدة، ولكن 39 في المائة منهم دون خط الفقر.

ويشير حليم بركات في دراسة (المجتمع العربي المعاصر في القرن العشرين) الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية 2000 إلى أن فجوة عميقة واسعة ومتزايدة تفصل بين الأغنياء والفقراء في البلدان العربية كافة سواء بالنسبة الى توزيع ملكية الأراضي والعقارات أو في توزيع الثروة

ص: 274

أو في احتلال مواقع النفوذ أو المكانة الاجتماعية، وبذلك تكون البنية الطبقية في المجتمع العربي ككل، بنية هرمية تتشكل قاعدتها الواسعة من الطبقات الدنيا. وأول ما يلفت النظر في هذاالسياق أن متوسط معدل نمو سكان الدول العربية بلغ في عام 2004 نحو 2.3% وهو أعلى معدل زيادة في العالم ما عدا أفريقيا جنوب الصحراء، وهو ضعف المعدل العالمي، وأربعة أضعاف معدل الدول المتقدمة اقتصاديا. وتشير الاحصاءات السكانية الى أن عدد سكان الدول العربية يتضاعف كل ثلاثة عقود تقريباً مقارنة بنحو 116 عاما في الدول المتقدمة.

تتمة الهامش (2) ص116 وبعد الطفرة التي شهدها سوق القمار الإلكتروني مع ظهور أكثر من ألفي موقع يسمح بالقيام بالمراهنات على الألعاب الرياضية عبر بطاقات الائتمان، ودون تحديد سقف للرهانات. وأكدت تقارير دولية أن عوائد ألعاب القمار والميسر بلغت 101 مليار دولار عام 2006،ويتوقع أن تقفز بقوة إلى 144 ملياراً عام 2011، مع استمرار النمو المرتفع لهذه النشاطات، والاتجاه العام لنشر مزيد منصالات القمار والملاهي حول العالم. وتظهر ضخامة عوائد القمار عبر مقارنتها بحجم الاستثمارات التي تم ضخها في مجمل دول العالم النامي عام 2006، والتي بلغت 550 مليار دولار. وقفزت عوائد القمار في الولايات المتحدة وحدها بمقدار 6.7 في المائة سنوياً، ومن المتوقع أن تبلغ عام 2011 قرابة 79.6 مليار دولار، علماً أنها بلغت عام 2006 أكثر من 87.5 مليار دولار. أما منطقة آسيا والباسيفيك، فستزداد فيها

ص: 275

عوائد الميسر بمعدل 15.7 في المائة، حتى تصل إلى 30 مليار دولار عام 2011 مقارنة بحوالي 14.6 مليار دولار عام 2006، مما سيجعلها ثاني أكبر سوق عالمية لهذه الألعاب. أما أقل المناطق التي ستشهد زيادة في أرباح ألعاب القمار المرخصة، فهي أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، حيث لن ترتفع العوائد المقدرة حالياً بزهاء 25.2 مليار دولار، إلا بمقدار 1.9 في المائة بحلولالعام 2011، أي ستصل إلى 27.8 مليار دولار. في حين ستبلغ العوائد في كندا بمفردها 5.9 مليار دولاراً، بينما لن تتجاوز 495 مليون دولار في قارة أمريكا الجنوبية بأسرها. وشهدت الأعوام الماضية إقبال أعداد قياسية من السياح على زيارة نيويورك ولاس فيغاس. ففي عام 2006 استقبلت نيويورك 44 مليون زائر، أما عاصمة نوادي القمار في صحراء نيفادا فقد زارها 38،9 مليون شخص.

تتمة الهامش (3) ص117 ورصد التقرير تجاهل الشركات بالالتزام بالقانون والقيام بمشروعات تتصف بالتهور وعدم الشعور بالمسؤولية وعدم التبصر بالعواقب مثل تنفيذ مبان غير آمنة هندسيا مما يترتب عليه تعرضها للانهيار مع عواقب وخيمة في الأرواح والأموال في تركيا، والأدوية غير الآمنة في نيجيريا، وظروف العمل الاستغلالية في الصين، ونقص المياه في إسبانيا. ورصد زيادة تكاليفالمشروعات حيث ذكر نصف المديرين الذين شملتهم الدراسة أن الفساد أدى إلى زيادة تكاليف المشروعات بنسبة تصل إلى 10% على الأقل كما أن خمس المديرين من الذين شملتهم الدراسة ذكروا أنهم

ص: 276

فقدوا وظائفهم بسبب الرشاوي.

ويسلِّط مؤشر مدركات الفساد للعام 2008 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، الضوء على الصلة القاتلة بين الفقر وفشل المؤسسات والابتزاز. ففي أشد البلدان فقراً، يمكن لمستويات الفساد أن تعني الفرق بين الحياة والموت، عند ما تكون الأموال المخصصة للمستشفيات أو المياه النظيفة على المحك. كما أن استمرار ابتلاء الكثير من المجتمعات بالمستويات العالية من الفساد والفقر قد بلغ حد الكارثة الإنسانية المستمرة بشكل لا يمكن السكوت عليه.

يعرض انتشار الفساد في البلدان المنخفضة الدخل المكافحة الدولية للفقر للخطرويهدد بعرقلة تحقيق أهداف الأمم المتحدة التنموية للألفية حيث يؤدي بقاء الفساد بدون رادع إلى إضافة مبلغ 50 مليار دولار أمريكي (ما يعادل 35 مليار يورو) إلى تكلفة تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بشأن المياه والمرافق الصحية. أي ما يقارب من نصف الإنفاق السنوي على المعونات العالمية.

ويقول تقرير منظمة الشفافية الدولية: إن طلب رجال الشرطة وغيرهم من المسؤولين الحكوميين الحصول على رشوة هو مشكلة كبرى في أنحاء العالم النامي. وأضافت المنظمة وهي منظمة غير حكومية مقرها برلين أن مؤشر الفساد العالمي لعام 2006 أظهر أن الرشوة أكثر انتشارا في أفريقيا حيث قال 36 % في المتوسط ممن شملهم الاستطلاع أنهم أو أن أحد أفراد عائلتهم دفعوا رشوة خلال الأشهر الاثني عشر الماضية. وفي أفريقيا

ص: 277

بلغ متوسط مبلغ الرشوة التي تدفع للشرطة والقضاء أكثر من50 يورو (66.43 دولار). أما المبلغ الذي يدفع للمرافق وهي ثاني أكثر المؤسسات تلقيا للرشى في أفريقيا فيقل عن ستة يورو. وكانت أسوأ الدول الأفريقية في هذا الصدد التي شملها الاستطلاع المغرب الذي قال 60 % من المشاركين أنهم دفعوا رشى، والكاميرون التي بلغت النسبة فيها 57 % على مدى العام الماضي.

وقالت منظمة الشفافية الدولية إن الشرطة هي أكثر الجهات تلقياً للرشى. وفي أمريكا اللاتينية دفع شخص بين ثلاثة ممن شملهم الاستطلاع رشوة في تعاملهم مع الشرطة. واحتل القضاء المركز الثالث بين أكثر المؤسسات فساداً في أمريكا اللاتينية. وكانت أكبر الرشى تدفع للخدمات الصحية وبلغت في المتوسط 450 يورو. وجاءت الرشى التي تدفع للقضاء ومسؤولي الجمارك في المرتبة التالية وزادت على 200 يورو.

وتعليقاً على هذه النتائج،قالت رئيسة منظمة الشفافية الدولية هوغيت لابيل: إن هذا الاستطلاع الدولي يظهر عمق الأثر السلبي والمأساوي لظاهرة الفساد على حياة الأفراد اليومية. وأضافت: إن "الفقراء الذين لا يستطيعون دفع رشاوي في بعض البلدان، لا يتمكنون من الحصول على الخدمات الأساسية"، وبالتالي "ندعو حكومات كافة الدول إلى تحمل مسؤولياتها ومواجهة هذه الظاهرة بجدية أكبر". وقالت المنظمة: إن حوالي 20% من الناس في أنحاء أفريقيا وأمريكا اللاتينية أجبروا في الفترة الأخيرة على دفع رشاوي خلال تعاملهم مع المحاكم، وبلغت هذه النسبة واحدا

ص: 278

بالمائة في دول أوروبا. وأوضحت المنظمة أنه عندما يكون النظام القضائي في دولة ما مستقلا فإن وتيرة النمو الاقتصادي تتسارع بشكل أكبر. وأظهر التقرير أن أسرة واحدة على الأقل من بين كل عشر أسر اضطرت لتقديم رشاً لتتمكن منالوصول للعدل في أكثر من 25 دولة، وفي 20 دولة أخرى، قال 30 % من الأسر إنهم قدموا رشا للحصول على نتيجة "عادلة" في المحاكم. وقالت رئيس المنظمة أوجيت لابيل إن "الفساد القضاء يعني أن صوت الأبرياء غير مسموع بينما المذنبون يتحركون دون خشية من العقاب". وأضاف التقرير إنه رغم عقود من الإصلاح لحماية استقلال القضاء فإن الضغوط التي تمارس على المحاكم لإصدار أحكام لصالح مصالح سياسية لا تزال هائلة. وأظهر التقرير أن الرشوة والنفوذ السياسي في المحاكم يحرمان المواطنين في العديد من الدول من حقهم الأساسي في محاكمة عادلة، وأن عائلة على الأقل من بين كل عشر عائلات تضطر لدفع رشوة للوصول إلى العدالة في أكثر من 25 دولة. وقال التقرير: "القضاء المطاط يوفر حماية (قانونية) لمن هم في السلطة لتغطية استراتيجيات مريبة أو غير قانونية مثلالاختلاس ومحاباة الأقارب والقرارات السياسية." وأشارت المنظمة أيضا إلى مشكلة الإجراءات غير الفعالة في محاسبة القضاة الفاسدين وضمان بقاء الأفراد المستقلين في أماكنهم.

تتمة الهامش (1) ص108 وفي علم الاقتصاد هي (monopole / monopoly)، بمعنى الحالة التي يكون السوق فيها عبارة عن شركة واحدة فقط تؤمن منتوج أو خدمة

ص: 279

أو مجموعة خدمات إلى جميع المستهلكين. وهذه الشركة تكون مسيطرة على كامل السوق، ولهذا تسمى الشركة حينها بالمحتكِرة. في هذه الحالة تستطيع الشركة أن تفرض الأسعار كيفما تشاء لأنه لا يوجد شركات أخرى لمنافستها في هذا السوق. وكل الشركات تسعى للوصول إلى هذه المرحلة لكي تتحكم بالمنتوج وبسعره وبالتالي كي تزيد من أرباحها.

يتشعّب من الاحتكار حالات كثيرة، قد يوجد في السوق مثلاًشركات أخرى منافسة على نفس المنتوج أو الخدمة ولكن عندما تكون هذه المنافسة هامشية مع الشركة المسيطرة على السوق، تُسمى الحال بالاحتكار الشبه كامل (qua«i monopole) عندما يسيطر على السوق عدد قليل من الشركات تُسمى حينها هذه الحالة باحتكار القِلّة (oligopole / oligopoly).

تتمة الهامش (2) ص 123 وقد أظهرت دراسة نشرت أن البنوك التي تجري عمليات مصرفية متوافقة مع أحكام الشريعة الاسلامية تسجل ازدهاراً رغم الأزمة المالية العالمية وذلك بفضل "أسلوبها المحافظ في المخاطرة". وجاء في الدراسة التي أجرتها مجلة "ذي بانكر ماغزين" أن الأصول التي تملكها البنوك التي تطبق أحكام الشريعة الإسلامية في كافة عملياتها أو الوحدات المصرفية الإسلامية التي تعمل ضمن بنوك تقليدية ارتفعت بنسبة 28,6% لتصل إلى 822 مليار دولار في عام 2009، مقابل 639 ملياردولار في عام 2008. ويتناقض ذلك بشكل كبير مع الركود في قطاع البنوك التقليدية،

ص: 280

حيث دلت دراسة على أن أكبر ألف بنك في العالم والتي أجرتها المجلة في تموز/يوليو الماضي، نمواً سنوياً في الأصول لا يتجاوز 6,8%. وقال محرر المجلة بريان كابلن: إن "الاسلوب المحافظ الذي تتبعه (المصارف الإسلامية في التعامل) مع المخاطر والصلات الوثيقة بين القطاع المالي والأصول الحقيقية ساعد على حماية هذا القطاع من أسوأ أزمة ائتمان".

ويرى خبير أن السبب يعود لواقع أن هذا الاقتصاد: "لا يقوم على سعر الفائدة التي تتسبب في كل الأزمات، فإنها إذا ارتفعت حصل تضخم، وإذا ارتفعت توسعت المصارف في الإقراض كما حدث بأمريكا عبر الرهون العقارية ما أدى إلى التعامل وبيع الديون ثم عجز المدينين عن السداد." ولفت المتخصص في الاقتصاد الإسلامي إلى أن أسسه تجعله بريئاً من كل ما سببالأزمة لأن ليس فيه اتجار بالديون ولا يقر بسعر الفائدة ولا البيع القصير وبيع ما ليس لدى البائع أو البيع على الهامش." وشرح قائلاً: "تورط العالم في معاملات حجمها 600 ترليون دولار وهي في الأصل قمار وميسر، وهي المسماة مشتقات، في حين أن حجم الاقتصاد الحقيقي لا يتجاوز 60 ترليون دولار، بينما المبلغ الباقي ليس فيه تنمية واستثمار." وعن رؤيته لمستقبل الاقتصاد الإسلامي، توقع الخبير أن يكون الاقتصاد الإسلامي "النظام الإسلامي" بعد ما اتجه العالم ككل إلى هذا النظام "بما في ذلك بابا الفاتيكان (بنديكتوس السادس عشر) الذي نصح بالرجوع إليه، وكذلك التعديلات القانونية التي تدخلها دول أوروبية في قوانينها وقيام البنك الدولي بإصدار صكوك إسلامية."

ص: 281

ويرى "فيليب ستيفنس" في صحيفة فايننشال تايمز حول الأزمة الاقتصادية العالميةالحالية: إن اللوم يقع على المصرفيين الجشعين، وعلى قيادة ألن غرينسبان المتهورة للاحتياطي الفدرالي المركزي، وعلى ملاك البيوت العاجزين الذين اقترضوا مبالغ ليس باستطاعتهم أبدا تسديدها. واللوم يقع أيضا على الساسة والمشرعين في أي مكان لأنهم أغمضوا عيونهم على العاصفة الوشيكة.

تتمة الهامش (3) ص126 وقالت المنظمة الدولية للهجرة في دراسة: إن التغيرات المناخية قد تتسبب في تشريد ما يصل إلى مليار شخص على مدى العقود الأربعة القادمة. وذكرت المنظمة الدولية للهجرة نطاقا واسعا من التصورات لأعداد من الأشخاص المتوقع تعرضهم للتشرد. وقال التقرير: "التقديرات رجحت أن ما بين 25 مليونا إلى مليار شخص قد يتشردون بسبب التغيرات المناخية على مدى العقود الأربعة القادمة." لكنها أوضحت أن الحد الأدنى للتوقعات تمتجاوزه بالفعل. وتضاعف عدد الكوارث الطبيعية إلى أكثر من المثلين على مدى العشرين عاماً الماضية، وقالت المنظمة الدولية للهجرة: إن التصحر وتلوث المياه ومشاكل بيئية أخرى ستجعل المزيد من المناطق في العالم غير صالحة للسكنى مع تزايد الانبعاثات الغازية المسؤولة عن ارتفاع درجات الحرارة. وقال التقرير الذي شاركت فيه مؤسسة روكفيلر: "المزيد من التغيرات المناخية بالإضافة إلى زيادة متوقعة في درجات الحرارة عالميا من 2 إلى 5 درجات مئوية بحلول نهاية هذا القرن يمكن أن يكون

ص: 282

لهما تأثير كبير على حركة الناس." وأطلق التقرير على بعض المناطق "بؤر ساخنة في المستقبل" من المتوقع أن تنزح منها أعداد كبيرة من الناس بسبب الضغوط البيئية والمناخية. ومن بين هذه المناطق أفغانستان وبنجلادش وأغلب أمريكا الوسطى وأجزاء منغرب أفريقيا وجنوب شرق آسيا.

ويعيش 3.3 مليار شخص في الوقت الحاضر في المدن والمراكز الحضرية حول العالم، وبحلول عام 2030 من المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى خمسة مليارات شخص. وسيحدث 95 بالمائة من هذا النمو في الدول النامية. ومع ازدياد عدد سكان المدن يزداد أيضاً عدد الأشخاص الذين لا توجد لديهم مصادر مياه محسنة، حيث سيتضاعف عدد هؤلاء من 108 ملايين شخص عام 1990 إلى 215 مليون شخص عام 2010. وفي بيئات المدينة الكثيفة - وحتى في بيئات الأحياء الفقيرة الأكثر ازدحاماً - يمكن للأمراض المعدية أن تتحول بسرعة إلى أوبئة، مما يجعل عواقب المياه غير الآمنة وضعف خدمات الصرف الصحي أسوأ بكثير من المناطق الريفية. وبالإضافة إلى التأثيرات الواضحة التي تظهر بسبب التوفر الضعيف للماء والصرف الصحي والخدمات الصحية (مرض إلتهاب ذات الرئةوالملاريا والإسهال والسل وفيروس نقص المناعة المكتسب/ الإيدز)، تؤدي ندرة الخدمات إلى استمرار الفاقة والفقر، إذ ينفق الفقراء في المدن نسبة أعلى من دخلهم على معالجة الأمراض وهم أكثر عرضة لفقدان الأجور وفقدان الأمن الوظيفي عند ما يضطرون للغياب عن العمل. وكل هذا يؤدي إلى إضعاف قدرتهم على

ص: 283

التحمل والاستمرار، مما قد يبقي العائلة المتنقلة حبيسة دائرة مغلقة من الفقر المستمر.

وأشارت دراسة علمية إلى أنه قد تكون هناك علاقة بين ظاهرة "لانينا" المناخية والانتشار الوبائي لمرض الأنفلونزا، إذ اكتشف علماء فى الولايات المتحدة الأمريكية أن الانتشارات الوبائية الأربعة الأخيرة للأنفلونزا وقعت بعد أحداث ظاهرة لانينا المناخية التي تتسبب في جلب مياه باردة لسطح المحيط الهادئ في جهته الشرقية، ومن غير الواضح حتى الآن مدى الارتباط بحدوث ظاهرةلانينا، إلا أن الأبحاث الأخيرة أظهرت أن أنماط طيران بعض الطيور البرية وتوقفاتها أثناء رحلاتها وهجراتها اختلفت بين سنوات ظاهرتي النينو ولانينا المناخية، وقال البروفسور شامان "أفضل تقديراتنا هي وضع الطيور التي لا تختلط (تحت ظروف ظاهرة لانينا) وذلك سيسمح بحدوث إعادة تشكيل الجينات"، إلا أن حقيقة أن فترات ظاهرة "لانينا" الأخرى لم يتبعها انتشار أوبئة يشير إلى أن هناك عوامل أخرى يجب أن تكون مشتركة في ذلك، ويمثل وباء أنفلونزا الخنازير فى 2009 -2010 جزءاً من هذا النموذج، حيث يجب أن تكون هناك علاقة ما لتقاطع السلالات الفايروسية مع الطيور والخنازير كذلك، ومن المحتمل جداً أثناء هجرة الطيور البرية، أن تزور مزارع الدواجن والبط التى تعيش جنبا إلى جنب مع الخنازير خاصة فى البلدان النامية.

تتمة الهامش (1) ص122والضريبة على القيمة تستهدف القيمة المضافة عن كل عملية

ص: 284

تجارية. وهي من الضرائب المركبة (الضرائب على الإنفاق العام للاستهلاك وهي تلك الرسوم المفروضة على رقم الأعمال) التي تفرض على جميع الأموال والخدمات المستهلكة محلية الصنع كانت أم مستوردة. وتنتمي هذه الضريبة إلى الضرائب غير المباشرة التي تتميز بخاصة ممنوحة السلطة العامة إذ تدفع من قبل أشخاص يعلمون جيداً بانهم لا يتحملونها بل يتحملها أشخاص لا يدلون بها. إلا أنها محط نزاع مع كثير من الحركات الشعبية والمنظمات الحقوقية لكونها عبئاً على صغار المنتجين والكسبة وطريقة لحصر أرباحهم وإنقاصها ومساعدة لكبريات الشركات ذات كميات الإنتاج الضخمة. (من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة)

ص: 285

ص: 286

كتب أخرى للمؤلف

أضواء على حياة الإمام علي (عليه السلام)، مطبوع

الإمام الحسين عليه السلام وفروع الدين، دراسة عن العلاقة الوثيقة بين سيد الشهداء عليه السلام وبين كل فرع فرع من فروع الدين، مخطوط

الأصول مباحث القطع، مجلدان، مخطوط

الاجتهاد في أصول الدين، مخطوط

الأوامر المولوية والإرشادية، مطبوع

بحوث في العقيدة والسلوك، أربعة مجلدات، مجموعة محاضرات على ضوء الآيات القرآنية الكريمة، ألقيت في الحوزة الزينبية وفي النجف الأشرف، طبع المجلد الأول منها.

التصريح باسم الإمام علي عليه الصلاة و السلام في القرآن الكريم، مطبوع

توبوا إلى الله، مخطوط

الحجة معانيها ومصاديقها،مطبوع

حجية مراسيل الثقات، مخطوط

الحوار الفكري، مطبوع

دروس في أصول الكافي، الجزء الأول كتاب العقل والجهل، مخطوط

دراسة عن حجية الأحلام والمنامات ، تقريرات درس الخارج، ألقي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مخطوط

رسالة في قاعدة الإلزام، تقريرات درس الخارج ألقي في الحوزة العلمية

ص: 287

في النجف الأشرف، مخطوط

رسالة في أجزاء العلوم ومكوناتها، مطبوع

شعاع من نور فاطمة الزهراء عليها الصلاة و السلام، دراسة عن القيمة الذاتية لمحبة الزهراء عليها السلام، مطبوع.

شرعية وقدسية ومحورية النهضة الحسينية، مطبوع.

شرح دعاء الافتتاح، مخطوط

شورى الفقهاء دراسة فقهية أصولية، مطبوع

السيدة نرجس عليها السلام مدرسة الأجيال، مطبوعالضوابط الكلية لضمان الإصابة في الأحكام العقلية، مخطوط

فقه الرشوة وأحكامها ، تقريرات درس الخارج، ألقي في الحوزة في العلمية في النجف الأشرف – مخطوط

فقه حفظ كتب الضلال ومسببات الفساد، تقريرات درس الخارج ألقي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مخطوط

فقه الخمس، تقريرات درس الخارج ألقي في الحوزة العلمية الزينبية، مخطوط

فقه التعاون على البر والتقوى، مطبوع

فقه الاجتهاد والتقليد مباحث الاحتياط، تقريرات درس الخارج ألقي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مخطوط

في السجن كانت مقالات، مطبوع

فقه الاجتهاد في أصول الدين، تقريرات درس الخارج، ألقي في الحوزة

ص: 288

العلمية في النجف الأشرف، مخطوط

كونوا مع الصادقين، بحوث تفسيرية في الآية الشريفة ،مطبوع

لماذا لم يصرح باسم الإمام علي عليه السلام في القرآن الكريم؟، مطبوع

المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول، مطبوع

من حياة الإمام الحسن عليه السلام، مخطوط

ملامح العلاقة بين الدولة والشعب، مطبوع

نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة واللغة، مطبوع

نسبية النصوص والمعرفة.. الممكن والممتنع، مطبوع

ص: 289

ص: 290

فهرس المصادر

* القرآن الكريم.

* نهج البلاغة.

الاحتجاج، لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، طبع في مطابع النعمان النجف الأشرف، 1386-

إحقاق الحق وإزهاق الباطل، للقاضي السيد نور الله الحسيني المرعشي التستري الشهيد في بلاد الهند سنة 1019، من منشورات مكتبة السيد المرعشي النجفي قم - إيران .

إرشاد القلوب، للشيخ أبي محمد الحسن بن محمد الديلمي، منشورات الرّضي قم

أسباب النزول، لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، الناشر: مؤسسة الحلبي وشركائه للنشر والتوزيع.

أعلام الدين في صفات المؤمنين، للشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الناشر : مؤسسة آلالبيت (ع) لإحياء التراث . قم.

الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، للسيد محمد الحسيني الشيرازي.

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار عليهم السلام، للشيخ محمد باقر المجلسي ، مؤسسة الوفاء بيروت - لبنان ، الطبعة الثانية المصححة 1403ه - 1983 م .

ص: 291

تفسير البيضاوي، للبيضاوي، المطبعة : بيروت - دار الفكر، الناشر : دار الفكر.

تفسير العيّاشي ، لأبي النظر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي، ط المكتبة العلمية الاسلامية طهران.

التفسير الكبير للفخر الرازي، الطبعة الثالثة.

تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، المعروف بمجموعة ورّام، لأبى الحسين ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثانية، 1368 .توضيح نهج البلاغة: للسيد محمد الحسيني الشيرازي، دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع: بيروت لبنان، الطبعة المحققة الأولى: 1423ه- 2002م.

تهذيب الأحكام، للشيخ الطوسي، الطبعة : الثالثة، سنة الطبع : 1364 ش، المطبعة : خورشيد، الناشر : دار الكتب الإسلامية - طهران.

جامع أحاديث الشيعة ، للسيد حسين البروجردي ، المطبعة العلمية ، قم ، 1399 ه شمسي

حكومة الرسول (صلّى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).

الخصال، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، المتوفى 381 ه، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم المقدسة. 18 ذي القعدة الحرام 1403ه- .

ص: 292

الخلاف، لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، التاريخ: جمادى الآخرة 1407 ه .

الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، لجلال الدين السيوطي وبهامشه القرآن الكريم، مع تفسير ابن عباس دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان .

دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام، عن أهل البيت رسول الله عليه وعليهم أفضل السلام ، لأبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون التميمي المغربي ، دار المعارف بمصر 1383 - 1963

ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، لأحمد بن عبد الله الطبري، عن نسخة دار الكتب المصرية، ونسخة الخزانة التيمورية ، نشر مكتبة القدسي.

روائع نهج البلاغة، اختيار وتقديم جورج جرداق، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية، الطبعة : الثانية، ذو القعدة 1417 هروضة الواعظين ، لمحمد بن الفتال النيسابوري، منشورات الرضي ، قم - إيران .

السياسة من واقع الإسلام ، للسيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الطبعة الثانية ، ياس الزهراء ، قم ، 1431 ه-

ص: 293

شرح إحقاق الحق، للسيد المرعشي، الناشر : منشورات مكتبة السيد المرعشي النجفي -قم - ايران.

شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام)، تحقيق وشرح : حسن السيد علي القبانجي، الطبعة : الثانية، سنة الطبع: 1406، المطبعة : إسماعيليان – قم، الناشر : مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر.

شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ، بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي ، الطبعة الأولى: 1378 ه - 1959 م.

شواهد التنزيل لقواعدالتفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم ، لعبيد الله بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني الحذاء الحنفي النيسابوري ، مؤسسة الطبع والنشر ، مجمع احياء الثقافة الإسلامية ، الطبعة الأولى 1411 ه - 1990 م ، طهران - إيران.

الصياغة الجديدة لعالم الايمان والحرية والرفاه والسلام، للسيد محمد الحسيني الشيرازي.

الضمان الاجتماعي في الإسلام، للسيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله

عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، للشيخ محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور، الطبعة الأولى: 1403 ه - 1983م، مطبعة سيد الشهداء، قم - إيران.

كتاب العين ، لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي ،

ص: 294

الناشر : مؤسسة دار الهجرة،الطبعة : الثانية في إيران، تاريخ النشر : 1409 ه .

عيون أخبار الرضا، للشيخ أبي جعفر الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفى سنه 381 ، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت - لبنان . 1404 ه - 1984 م

غرر الحكم ودرر الكلم: للقاضي ناصح الدين أبي الفتح عبد الواحد بن محمد الآمدي، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى: 1413ه- -1992م.

فاطمة الزهراء عليها السلام افضل اسوة للنساء، للسيد محمد الحسيني الشيرازي

فضائل الخمسة من الصحاح الستة ، للسيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت – لبنان ، الطبعة الثالثة.

الفقه الإدارة، للسيد محمد الحسيني الشيرازي ط2/1992م، دار العلوم بيروت.الفقه الاقتصاد: للسيد محمد الحسيني الشيرازي ، دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع: بيروت لبنان، الطبعة الخامسة 1413ه- 1992م.

الفقه الدولة الإسلامية، للسيد محمد الحسيني الشيرازي

الفقه العولمة، للسيد محمد الحسيني الشيرازي

الفقه القضاء، للسيد محمد الحسيني الشيرازي

ص: 295

الفقه المرور، للسيد محمد الحسيني الشيرازي

في صحبة العمالقة لجاجر واورتيز

قرب الإسناد، لأبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة : الأولى - 1413 ه ، المطبعة : مهر – قم .

القرن الحادي والعشرون وتجديد الحياة، للسيد محمد الحسيني الشيرازي.

الكافي ، لثقة الإسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاقالكليني الرازي المتوفى سنة 328 / 329 ه ، الناشر: دار الكتب الإسلامية ، تهران ، الطبعة الثالثة (1388 ).

الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، الطبعة الأخيرة ، 1385 ه 1966 م

كنز الفوائد، لأبي الفتح الكراجكي، الطبعة : الثانية، المطبعة : غدير، الناشر : مكتبة المصطفوي – قم

لسان العرب ، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري ، نشر أدب الحوزة، قم - إيران.

المجتمع العربي المعاصر في القرن العشرين, حليم بركات, مركز دراسات الوحدة العربية, ط1, بيروت, 2000.

مجلة (نيوزويك)

ص: 296

مجمع البحرين، للشيخ فخر الدين الطريحي، الإعداد علىطريقة معاجم العصرية محمود عادل. الطبعة: الثانية، شهريور ماه 1362 ش. طهران . ناصر سرو. پاساژ مجيدي

مجمع البيان في تفسير القرآن، لابي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، تقديم السيد محسن الأمين العاملي، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت، الطبعة الأولى 1415 ه-

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ، لميرزا حسين النوري الطبرسي المتوفى سنة 1320 ه تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة المحققة الأولى: 1408 ه - 1987 ، بيروت .

مستدرك سفينة البحار، للشيخ علي النمازي الشاهرودي المتوفى 1405 ، ه . ق ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة .

معالم المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي، للمؤلف.

مكارم الأخلاق، لأبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي، الطبعةالسادسة،392 ه- 1972م.

من لا يحضره الفقيه، لابي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية في قمّ المقدّسة، الطبعة الثانية.

مناقبُ علي بن أبي طالب ( عليه السلام )، لابي الحسن علي بن محمد بن محمد الواسطي الجُلاّبي الشافعي الشهير بابن المغازلي، الناشر : انتشارات

ص: 297

سبط النبي (صلى الله عليه وآله)، الطبعة : الأولى 1384 ه ش -1426ه ق.

موقع شبكة النبأ المعلوماتية

موقع معهد الإمام الشيرازي الدولية للدراسات – واشنطن http://www.siironline.org

موقع ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

موقع CNN العربي

موقع http://worldbank.org

مهج الدعوات ومنهج العبادات، للسيد ابن طاووس،الناشر : كتابخانه سنائى.

وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ، للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى سنة 1104ه، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة، الطبعة: الثانية - جمادي الآخرة 1414 ه . ق .

ص: 298

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.