قناديل اجتماعية

هوية الکتاب

اسم الكتاب:............................. قناديل اجتماعية

المؤلف: ................. الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي

إصدار: ...معهد تراث الأنبياء علیهم السلام التابع للعتبة العباسية المقدسة

رقم الإصدار: ........................................ 23

تاريخ الطبعة: ........... 2020 ميلادي - 1441 هجري

التصميم والاخراج الفني: ...... المحسن لخدمات التصميم

* * * * *

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للمعهد

العراق- النجف الأشرف

ص: 1

اشارة

قناديل اجتماعية

الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي

تقدیم

معهد تراث الأنبياء علیهم السلام

التابع للعتبة العباسية المقدسة

ص: 2

ص: 3

الإهداء

إلى هَادِيَ الاُمَمِ، ووَلِيِّ النِّعَمِ، وعَيْبَةِ العِلْمِ، وسَفِينَةِ الحِلْمِ....

إَلَى مَنْ أَنابَ بِحُسْنِ الاِخْلاصِ فِي تَوْحِيدِ الله تعالى.

وَأَرْدى مِنْ خاضَ فِي تَشْبِيهِه جل وعلا...

وَحامى عَنْ أَهْلِ الإيْمانِ بِالله تبارك وتعالى...

إلى المَوْلَى أبي الإِمَاْمِ المُنْتَظَرِ

اقبل هدية عبدك الرقّ

ص: 4

المقدمة

كلمات قصيرة

تدق في أعماق القلب

لترمي له شذرات عبقة

تتجمع فيما بينها

لتكون طوقاً من شذا عرف المعارف...

تضيء الروح المتأمِّلة، وتفتح أُفُقًا للتفكّر والتأمل...

وهذا ما يحتاج إلى تروٍ وتريّثٍ في مطالعة هذه القناديل.

ص: 5

مقدمة المعهد

معهد تراث الأنبياء للدراسات الحوزوية الإلكترونية، معهد تابع للعتبة العباسية المقدسة، قسم الشؤون الفكرية، وله العديد من النشاطات يتبين بعضها بالتالي:

أوَّلاً: أنَّ المعهد مؤسسة علمية حوزوية تُدرس المناهج الدينية المعَدَّة لطلاب الحوزة العلمية في النجف الأشرف، علماً أن الدراسة فيه عن طريق الانترنيت. ثانياً: أنَّ المعهد يساهم في نشر وترويج المعارف الإسلامية و علوم آل البيت ووصولها إلى أوسع شريحة ممكنة من المجتمع، وذلك من خلال توفير المواقع والتطبيقات الإلكترونية التي يقوم بإنتاجها كادر متخصص من المبرمجين والمصممين في مجال برمجة وتصميم المواقع الإلكترونية والتطبيقات على أجهزة الحاسوب والهواتف

الذكية.

ص: 6

ثالثاً: المعهد لم يُهمل الجانب الإعلامي، حيث بادر إلى إنشاء مركز القمر للإعلام الرقمي، الذي يعمل على تقوية المحتوى الإيجابي على شبكة الانترنيت ووسائل الإعلام الاجتماعي رابعاً: يقوم المعهد بطباعة ونشر الإنتاج الفكري والعلمي لطلبة العلم، بعد عرضها على لجنة علمية

متخصصة بتقييم الكتب ، ضمن سلسلة من الإصدارات تهدف إلى ترسيخ العقيدة والفكر والأخلاق، بأسلوب

بعيد عن التعقيد، يستقي معلوماته من مدرسة أهل البيت الموروثة.

وبين يديك عزيزي القارئ کتاب قنادیل اجتماعية)، وهو عبارة عن عشرين قنديلاً متنوعاً، تعالج مختلف الموضوعات الدينية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية، بعبارات مختصرة واضحة... نسأل الله أن يجعل عملنا في عينه، وأن يتقبله

بقبوله الحسن، إنه سميع مجيب.

إدارة المعهد

ص: 7

القندیل الأول: نظام الدين.

1/ كل مشروع في الحياة لا بد أن يكون تنفيذه مسبوقاً بتخطيط شامل ودقيق، وإلا، فقد يكون مصيره العشوائية والضياع واللاهدفية، وبالتالي الفشل اليوم أو غداً.

2/ من المشاريع المهمة في حياة الإنسان العاقل، هو مشروعه مع ربِّه وخالقه ومدبر أموره، إنه مشروع (الدين) الذي يعتبر من أهم المشاريع الحياتية... والفطرة خير شاهد.

3/ لا اختلاف ولا تناقض في أحكام الإسلام، لأنّها نابعة من عين صافية، أكملت النظرية على أتمّ وجه، وهذا يورث الاطمئنان التامّ باتباعها، وبالنجاة معها.

4/ علينا – نحن المسلمين – أن نطبق نظرية الدين بحذافيرها... ولا نتهاون بشيء منها، ولا نستخفّ بالقليل منها أو الكثير... وإلا كنّا من الذين يؤمنون (بِبَعْضِ الكِتَاْبِ وَيَكْفُرُوْنَ بِبَعْضٍ).

ص: 8

5/ إن اليسر في الدين جاء بأمر من الشارع نفسه، وأما الاستخفاف فهو تهاون بأمر الشارع، وفرقٌ واضحٌ بين الأمرين

6/ إنّ الله تعالى كلّف البشر ما يطيقون، ولم يكلّفْهم ما لا يطيقون، بل الواقع هو : أنّ الله تعالى كلّف البشر بأقل مما يطيقون.

7/ إن جود الله تعالى وكرمه أبى أن يحاسب الإنسان على الأمور التي ألجأه إليها من ضروريات الحياة... بشرط أن يكتسبها المرء من حلال، وهي الزوجة والبيت والطعام.

8/ إن من أوضح صور العطف الإلهي على الإنسان أنه تعالى لم يحاسبه على نية السوء إذا لم يصدر منه العمل السيئ.

9/ إن من صور اللطف الإلهي أنه تعالى جعل ثواب بعض الأعمال مضاعفاً بل ومستمراً إلى يوم القيامة.

10/ رُبّ عمل صغير في حجمه ولكن الله تعالى يعطي عليه من الثواب ما لم يكن في الحسبان.

ص: 9

11/ مهما كثرت الذنوب، فإن التوبة أوسع منها، فهل من مجيب!

12/ إن من يستخفّ بأصول الدين ولا يثبتها بالدليل اليقيني، يكون كمن بنى بيتاً على أساس من الرمل.

13/ إن أول خطوة منهجية في طريق التدين الصحيح... هي خطوة: تأسيس المعرفة بالله تعالى، تلك المعرفة التي تختزل في داخلها كل أصول الدين الأخرى.

14/ إن الله تعالى ومن باب اللطف والجود والكرم، لم يترك البشر عبثاً، ولم يهملهم من دون أن يوضح لهم

طريق النجاة في الدنيا والآخرة.

15/ إن (معرفة الله تعالى) تمثل الخطوة التأسيسية لبقية المعارف الكونية في حياة الإنسان.

16/ إن الروايات نهت عن الخوض في نفس حقيقة الله تعالى ومعرفة كنه ذاته.. فهذا أمر مستحيل على الإنسان.

17/ من الأمور التي أكدت عليها النصوص الدينية هو: أن يعمل المؤمن على أن يكون مرآة للصفات الكمالية للخالق تعالى، فيكون سلوكه متوافقاً مع تلك الصفات.

ص: 10

18/ إن ملاك حسن الأخلاق وفضائل الملكات هو وجود مثلها أو ما يناسبها في صفات الله تعالى.

19/ إن معرفة الله تعالى تتضمن: الاعتراف بمن أرسل، وبمن نصّب خليفة لمن أرسل، وموالاتهم، ومعاداة أعدائهم.

20/ على المؤمن أن يجعل من همّه أن يتعرف على عقائده يومياً ولو بمعدل ربع ساعة فقط، ولن يطول به الزمن حتى يرى نفسه أنه صار عارفاً بدينه وأصوله.

21/ إن أصول الدين هي مفاهيم عامة تنطبق على كل مفردات الحياة، وهي بذلك علم له متخصِّصوه، فمن الخطأ المنهجي الولوج فيه من دون اعتماد على المتخصص فيه.

22/ علينا أن نضع في الحسبان أن معركتنا الحقيقية مع الأطراف الأخرى هي: معركة أصول الدين، وبالتالي فهي معركة وجود.

23/ إن للوالدين، وكذا الظروف الخارجية، تأثيراً عميقاً في حصانة أو انحراف الأولاد عقائدياً.

ص: 11

القندیل الثاني: المراقبة الإلهية.

1/ علينا أن نعرف: أن معرفتنا بالله تعالى وصفاته الكمالية تستلزم: أن نعيش في مراقبة دائمة منه جلّ شأنُه، فإنه العالم الذي لا تخفى عليه حتى مضمرات نفوسنا.

2/ ليس المهم أن نحشو أذهاننا بالمعارف الإلهية، بقدر ما هو مهم تطبيق تلك المعارف.

3/ إن من علامة إيمان الفرد بالمراقبة الإلهية هي: أن يعيش في كل حركاته وسكناته وفق الحدود الإلهية المرسومة بكل وضوح.

4/ إن المراقبة الإلهية هي من النوع الذي يحفظ نفس العمل، ليأتي شاهداً للعامل أو عليه.

5/ لا يخلو فعل الإنسان من الطاعة أو المعصية، وأما المباح فهو ليس بمعصية على الأقل، فكن دقيقاً في فعلك، فما بعد الموت من مستعتَب.

ص: 12

6/ ليس لك أن تتعامل مع الدين تعاملاً انتقائياً، فالدين كُلٌ واحد، فلا تؤمن ببعضه وتكفر ببعضه الآخر.

7/ لكلٍ منّا واجباته تجاه الآخر، فإذا قصّرنا -أنا وأنت- في واجباتنا، فالخاسر هو أيضاً أنا وأنت.

8/ إن من أهم أسباب المخالفة للقانون الإلهي هو: نسيان الله تعالى، وأنه مراقِبٌ لنا بنحو دقيق، أو بعبارة أدق: تناسي تلك الحقيقة.

9/ إن من أهم مسؤوليات الأبوين هي: متابعة عقائد أولادهم ورعايتها وتنميتها، والتقصير في ذلك سيظهر أثره السلبي على صراط الحق.

10/ أنا وأنت وهو، نحن المجتمع، ونحن الشعب، ونحن الأمة، نحن سلسلة متصلة الحلقات، وعندما يستخفّ أحدنا بدوره، عندها، سيُتاح للظالم أن يتسلّط علينا.

11/ لن يجرأ أحدنا أن يُظهر المعصية أو الفاحشة أمام مدير عمله، أو أمام أبيه، فكيف يجرأ أحدهم أن يُجاهر الله تعالى بالمعصية! كيف به إذا عاتبه القرآن الكريم: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرىٰ) [العلق 14]

ص: 13

12/سيكتفي الشيطان من الإنسان بأقل من المعصية في بداية الأمر، سيكتفي بالغفلة مثلًا عن ذكر الله تعالى، وستجره تلك الغفلة إلى نسيان الله تعالى، وحينها، لا يُؤْمَنُ عليه أن يقع في المعصية.

13/ذكيٌّ هو من لا يغفل عن خطط الأعداء الذين يريدون به سوءًا، وبطلٌ هو لو أخذ كل احتياطاته، وكان متأهِّباً لأي هجوم مفاجئ، فهل تعلم أن نفسك هي أعدى أعدائك في كثير من الأحيان؟!

14/ أي واحد منا لو أراد السفر، فإنه يستعدُّ له تمام الاستعداد، فيُعِدُّ الزاد والراحلة والنفقة، فماذا اعددنا لسفر الآخرة، وهو سفر لا بد منه؟!

15/ هل رأيت المريض كيف يُراقب الساعة انتظاراً منه لإجراء جراحة قد تودي بحياته؟ كيف أنه ترك كل همٍّ دون ذلك؟

إذن، علينا أن ننتبه لثواني أعمارنا وهي تنفد منا في كل نَفَسٍ، وكيف سنتهيأ ليوم العرض الأكبر، يوم الحشر الأعظم؟!

ص: 14

القندیل الثالث: الحذر من النفس الأمارة بالسوء.

1/ إن النفس الإنسانية موجود له مراتب عديدة، وفي بعض تلك المراتب تكون النفس طيبة، ولكن في بعضها تكون خبيثة رديئة.

2/ إن لكل واحد منا نفساً واحدة في كل آن، ولكنها ليست ثابتة، وإنما هي متغيرة بتغير الظروف والحالات.

3/ على الإنسان أن يعرف نفسه وفي أي مرتبة هي، وهذا يحتاج إلى تأمل ودقة وانضباط، وإلا فإن النفس خدّاعة مكّارة.

4/ إن من أهم مصادر الإزعاج للإنسان هي نفسه، ففي الوقت الذي هي أعزّ الأنفس عليه، قد تكون أعدى أعدائه، من حيث يشعر أو لا يشعر!

5/ لم يكن إبليس ليعوزه العلم، وإنما عاش لحظة ضعف أمام نفسه، أَوْدَتْ به، وجعلته أسفل سافلين، فهل وصلت الرسالة؟!

ص: 15

6/ إن من أهم المؤثرات التي تصقل النفس أو تُرديها هو مؤثر التربية التي يتغذى بها الطفل من أبويه، فحذار من التقصير في ذلك.

7/ إن النفس الإنسانية تميل إلى الأخذ من رمز معين، فضع نفسك موضعها، وراقبها، فلعلها تخطو خطواتها نحو الهاوية، تبعاً لرمز معين.

8/ لا شك أن للعصر ضغوطاً قوية على النفس، ولكن يبقى رهان الإنسان على قيادة نفسه بعقله الواعي.

9/ مهما قويت مصائد إبليس وتعددت خططه الخبيثة، ولكنه لم ولن يسلب اختيار الإنسان في إدارة نفسه.

10/ ليست الكارثة في أن تقع النفس أو تتعثر، إنما الكارثة تحلّ لو لم تمدّ يدها إلى حبل العقل ليعينها على النهوض مرة أخرى.

11/ تحتاج النفس إلى صقل وتنظيف مستمر مما يصيبها من أوساخ، وإلا فإن الرين والصدأ سيسدّ مساماتها، فتكون عمياء صماء، ولا خير فيها حينذاك.

ص: 16

12/ تعامل مع نفسك كعبد آبق، إن أهملته قليلاً ولم تتابعه فإنه سيهرب بكل ما تملك، ولات حين مندمِ!

13/ ليس العامل في مالك بأحق من دقة المحاسبة من نفسك التي بين جنبيك، بل إن النفس أخطر في الغدر، وأشد ضراوة في الفتك.

14/ وإن كانت النفس مكّارة خدّاعة، لكنها تبقى نفسك، عليك أن تراعيها، وترأف بها، لكن إياك أن تتساهل معها.

معادلة صعبة، لكنها ممكنة.

15/ إن النفس موجود يفقد طاقته بسرعة إن لم يتم شحنها باستمرار، فدارها، وقوّها، ولا تجعل طاقتها تنفد، وإلا فإن المتضرر أولاً وأخيراً هو أنت.

ص: 17

القندیل الرابع: إزالة الحجب.

1/ لم يكن هناك من هو أكرم من الإنسان عند الله تعالى، هذه حقيقة لا تنكر، لكن التكريم جاء مشروطاً بالتزام العقل والشرع، وإلا فسيكون الإنسان اخسأ من دابة!

2/ بيدك أنت أن تُصبح مقرّباً من الله تعالى، وبيدك أيضاً أن تكون من أعدائه... فالدفة بيدك.... وأنت رُبّان السفينة.

3/ دائماً، الصعود والبناء أصعب من النزول والهدم، وطريق التكامل بناء وصعودٌ، فعليك أن تتجهّز لمقاومة الأشواك والعقبات؛ لتبلغ مبتغاك.

4/ لا يخدعنّك ذنبٌ بأنه صغير، فالأمراض الفتّاكة تبدأ بجرثومة لا تُرى بالعين.

ص: 18

5/ إن للذنوب أوجهاً كثيرة، وقد تلوّنتْ بشتى الألوان، فعليك أن تستعمل مجهراً دقيقاً للكشف عنها وللتوقّي منها قبل الوقوع في شباكها.

6/ إياك أن تسمح لعدوّك أن يستغلّ منك لحظة ضعف، دائماً الجأ إلى قوي يحميك في ساعة العسرة، ولا تكن ممن (نَسُوْاْ اللهَ فَنَسِيَهُمْ).

7/ النفس، الشهوات، الغرائز، جواسيس داخلية، تفتح أبواب الحصن أمام: الشيطان، وأصدقاء السوء، والأموال؛ لتُسقط مملكة عقلك، إذن، اعقلها وتوكّلْ.

8/ إن من أهمّ حصون المؤمن المنيعة هو: التفقّه في الدين، فلا تكن ممن يبحث عن النجاة بعد الوقوع في مصيدة الهلاك.

9/ حتى العبادة، قد يستغلّها إبليس كمصيدة للمؤمن، وما لم تُخلص بعملك، وتُحكّم عقلك، وتلجأ إلى ربك، فإن السقوط قد يكون وشيكاً.

ص: 19

10/ إن كان ولا بد من المعركة، إذن لا بد من خطة وسلاح وأعوان، وكلها ستجدها عند عقلك وعون ربك.

11/منذ اليوم الذي أخذ إبليس على نفسه أن يُغوي بني آدم، وهو يعمل من دون كلل في سبيل ذلك، فهو يطلب هدفه بجِدٍّ.

ماذا عنك أنت؟! هل قاومتْه بجِدٍّ، وهل طلبت هدفك بصدق؟!

12/أنت لن تشتري الحنطة المغشوشة بالتراب، أنت تريد طعاماً نقياً، وهذا من حقك، ولكن ليكن معلوماً أن الجنة لا بد فيها من العمل النقي، غير المخلوط بغيره، والحر تكفيه إشارة.

13/ عندما يُغشي الليلُ النهارَ، أنت تطلب مصدراً للنور يُزيح بعض حجاب الليل عن بصرك، لكن ماذا عن قلبك، هل نظرتَ فيه؟ لعل عليه حجابًا وربما ألف حجاب، وهو يحتاج منك أن تبحث عن مصدر نور لتزيحه عنه!

ص: 20

14/لولا العين، لأصبح الإنسان صندوقًا مظلمًا، ولولا الورع، لأصبح القلب منكوسًا لا نور فيه، حينها، سيخبط المرء خبط عشواء، ولا يرجع إلى خير أبداً.

15/هل تأملت في قوله تعالى: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق 22]؟!

هل بحثت عن ذلك الغطاء الذي منعك من رؤية الحقيقة؟

وهل سعيتَ لاكتشافها بعين اليقين؟

أنت حر، فالأمر بيدك.

ص: 21

القندیل الخامس: التحذير من الذنوب.

1/ العقل يحكم بأن القانون انضباط لازم لتنظيم الحياة، ولنفس السبب يحكم بضرورة العقوبة المناسبة عند المخالفة، فهو تنظيم للحياة، والذنب هو مخالفة قانون... فانتبه.

2/ إن الله تعالى أوعد من خالف قانونه بعقاب، والعقل يحكم بضرورة دفع الضرر ولو كان محتملاً، خصوصاً مع كون العقاب من النوع الذي لا يتحمله الإنسان.

3/ مع الاعتقاد بعظمة الله تعالى، فلا معنى لتقسيم الذنوب إلى صغيرة وكبيرة، فمهما كان نوع الذنب، فبالتالي هو استخفاف بالخالق!

4/ كما أن تركَ مرضٍ بسيطٍ من دون علاج، قد يحوّله إلى مرض عضال، كذلك الاستخفاف بذنب صغير، قد يحوّله إلى ذنب تكاد السموات يتفطرْن منه والجبال!

ص: 22

5/ كلنا قد يقع، لكنّ مَنْ يقوم بعد وقوعه أعظمُ ممن لا يقوم بعده، وهكذا كلنا قد يذنب، ولكن من يؤوب إلى ربِّه أعظم بكل تأكيد ممن يبقى بعيداً عن النور، وباب التوبة مفتوح، لم يُغلق إلى الآن!

6/ إن الذنب مرض ذو رائحة كريهة، ولو لم يعمل المذنب على التخلص من نتن رائحته، فقد يُفتضح أمره اليوم أو غداً!

7/ هذه البحار العظيمة، هي في الحقيقة مجموعة كبيرة من قطرات الماء الصغيرة، تجمّعت فكانت بحراً متلاطم الأمواج، فحذار من تراكم حبات الذنوب الصغيرة، فلعلها تصير وادياً سحيقاً في نار جهنم!

8/ ليس هناك ضمانٌ لأحد في أن يكون معصوماً من الخطأ، معفوّاً من العقاب، وبالتالي، فالحذر الواجب يستدعي تحرّي رضا الله تعالى وعدم التعرّض إلى أي ذنب مهما حقُر في أعيننا.

ص: 23

9/ إن إضمار العبد رغبتَه ورضاه بالمعصية، يعني أنه مستخفٌّ بحقّ مولاه، وأنه مستعدٌ للمخالفة كلما سنحت الفرصة، فهل يتوقع مثلُ هذا أنه سيكون بمأمن من العقوبة من حيث لا يعلم؟!

10/ نهاكَ...فخالفْتَه... فسترَ عليك... فخالفْتَه... وهو ينظرُ إليك... فخالفْتَه... من دون أن تهتم لمخالفته، فماذا تتوقع بعدها من قادر قهّار!

11/ من الوقاحة بمكان: أن يخالف العبد مولاه، ثم يُعلن مخالفته على رؤوس الملأ! من دون أن يهتم لحرمة ربه ولا لجلالة قدره، ومن دون أن يُقدّر أناة ربه عليه وستره عليه!

12/ صحيحٌ أنه تعالى يُمهل، ولكنه بالتالي لا يُهمل، فستره عليك وعدم تعجيل عقوبة الذنب غير معلوم النهاية والغاية، فحذار أن ننسى أنفسنا إلى أن نقع في المصيدة!

ص: 24

13/ حتى المجرم، يُخفي جرمه، ثم يظهر للناس لابساً مدرعة الزاهد، وهكذا يعمل إبليس على تزيين السيئة حتى يوقع الإنسان في الحفرة، فلنكن منه على حذر.

14/لدى إبليس الكثير من الخدع، والحُجُب، والمكر، وأنت ماذا لديك؟! ماذا أعددْت للمعركة؟

عليك أن تتعامل معها بجدّية، فإن عدوك أعلنها حرباً ضروساً لا هوادة فيها.

15/الذنب حجاب على القلب، يمنعه من رؤية الحقيقة، هذا صحيح، ولكن بيد الإنسان أيضاً أن يزيله، وأن يصقل عين القلب، فقط، إن أرجع الدفة بيد العقل.

ص: 25

القندیل السادس: حقوق البدن.

1/ إن النظام الإسلامي قائم على أساس حفظ الحقوق بصورة منضبطة، ليس حقوقك فقط، وإنما حقوق الآخرين أيضاً، وليس حق الروح فقط، وإنما حتى حق البدن.

2/ كلُّ شيءٍ في هذه الحياة له توازنٌ منضبط، حتى النملة توازن بين صادراتها ووارداتها، فأعطِ لجسمك حقَّه، ولا تُهمل روحك.

3/ إن عالم الأرحام هو المأوى الأمثل أماناً للجنين، أعطاه الله تعالى له، فلا يحقُّ لأي أحد أن يسلب هذه العطية من ساكنها.

4/ الخلْقُ ملكُ الله تعالى، فهو مالك الجسد، وهو نفسه مالك الروح، حتى نفسك ليست ملكاً لك، فكيف يُسوّغ ُ البعض لنفسه إزهاق جنين لا يملكه؟!

ص: 26

5/ إنْ سلبْتَ حقّ أحدهم فسيعاقبك القانون حتى لو ندمتَ، وإنْ أزهق أحدهم روح جنين، فلا تكفيه الندامة من دون عقوبة وغرامة...

6/ كما أن على الذي ينتمي لمؤسسة معينة أن يلتزمَ بأنظمتها، كذلك على من ينتمي إلى الإسلام، ومن نظام الإسلام: أن لا تعتدي على غيرك ولو كان جنيناً.

7/ إن تنظيم الأهم والمهم في الشريعة يخضع لقانون السماء، لا لما نراه نحن؛ ولذلك فليس من حقّ أحدٍ أن يقتل نفساً محترمةً شرعاً وغير معتدية؛ لأجل أن ينقذ نفسه!

8/ إن لأولادك عليك حقوقاً، حتى عندما كانوا في عالم الأرحام، فلا تهمل تلك الحقوقً حتى لا تكون عاقّاً لهم!

10/ لا تبخلْ على بدنك أنْ تصرفَ عليه من أموالِك ما يُبعد عنه الأمراض والتعب اللامبرر، فأنت الذي جئت بالمال، لا هو الذي جاء بك!

ص: 27

11/ لا تضجر مما حرّمه على بدنك –من أكلات وأفعال وتصرفات- فإنه تعالى لا يُعاديك، وإنما علِمَ ما يضرّك، فنهاك عنه.

12/ ألف دليل ودليل على أن الله تعالى يحب المؤمن ويحفظ حرمته، ولذلك شرّع منظومة حقوقية متكاملة حتى لبدنه، ليس في الحياة فقط، وإنما حتى بعد وفاته.

13/إن الشريعة احترمت البدن، ولم تسمح بالإضرار به في بعض تشريعاتها، لذلك شُرّع التيمم في حالة كون الماء مضراً بالبدن، وأُجيز الإفطار لمن يضر الصوم به، وأنت أيضاً أعطه حقه.

14/لا تحسبنَّ الزهد بإرهاق البدن، ولا تحسبنَّ الورع بحرمانه من اللذائذ، لكن إياك أن تنساق وراء لذاته حتى تتجاوز حدود الشرع.

15/مهما عظمت حقوق البدن، لكنه يبقى أداة تفعل الروح من خلالها، فاهتمَّ به، واصقله، لكن بما يخدم الروح، فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ.

ص: 28

القندیل السابع: الدقة في الفتوى.

1/ كانوا يقولون: وكلٌّ يدّعي وصلاً بليلى... واليوم صاروا: وكلٌّ يدّعي علماً بفتوى!

أسلوب واحد، ومورد مختلف، وكلاهما مدّعٍ!

2/ حتى الحجر لا يتجاوز حدوده، فماذا تُسمّي من يدسّ أنفه في غير تخصّصه، ويريد أن يظهر فيه على أنه الفرد الأوحد في فهمه؟!

3/ كل شيءٍ في الوجود يعمل وفق نظام التخصّص، يؤدي واجبه المُلقى عليه، ولا يلزمه القيام بشيء آخر خارج ذلك، فكن كما هو الوجود، ولا تكن شاذّاً عن تلك القاعدة.

4/ قد لا يكون لكلمةٍ ما أثرٌ مهم لو أُلقيت هذَراً، أما أنْ تكون الكلمة فتوىً قد يتحدّد بها مصيرُ إنسان، فهذا من الخطورة بما يلزم معه على العاقل أن يهرب من الفتوى هروبَه من الأسد أو أشدّ.

ص: 29

5/ قد كفاك المتخصّصون في الفقه مؤونة الإفتاء، والسعيد من اكتفى بغيره، إلا أن الشقيَّ هو من أفتى وهو ليس بأهل لذلك.

6/ لا شكّ أن الاطمئنان سيحطّ رحله عند مريض لو ذهب إلى طبيب حاذق بصير، فلماذا نبقى نجرّ الشكوك لعقولنا في كلام فقيه قد ثبت تخصّصُه وإتقانُه لعلمه!

7/ إن من البلايا والأمراض الاجتماعية المقيتة أن يدّعي شخصٌ ما مقاماً هو ليس له بأهل، وهذا ما جرّ الويلات على الأمم عموماً، وهو ما قد نراه اليوم من ادّعاء الفقاهة من أناس ليس لهم حظٌّ من العلم!

8/ إن علمَ الدين علمٌ تخصّصي، وله عمقٌ ولا يُدرك غوره بيُسر، ومن يتعامل معه بسطحية فإنما هو حالمٌ أو واهمٌ، وقد قال أئمة الدين فيه: (إن كلامنا صعبٌ مستصعب)

ص: 30

9/ غلطةٌ في تشخيصِ مرضٍ أو وصفِ دواءٍ قد تُوْدِي بحياة إنسان، وغلطةٌ في فتوى –بقصد أو بدون قصد- قد ترمي السائل في وادٍ سحيق...فلا تجعل رقبتك للناس جسراً...

10/ لكل نظام حدود، لا يتجاوزها أحد إلا ويُحكم عليه بأنه شاذٌّ عنه، ومن حدود التشيع هو عدم الإفتاء بغير علم، لذلك، كان من ميزة الخارجين عن المذهب هو إفتاؤهم وفق أهوائهم.

11/عندما يقوم الناس لرب العالمين، وتوضع الموازين الحق، حينها، سنرى كيف أن مداد العلماء أثقل من دماء الشهداء.

12/تفرش الملائكة أجنحتها لهم، وتستغفر لهم حتى حيتان البحر، هكذا يقول أئمة الدين عنهم، ثم يأتي صعلوك ينسبهم إلى الجهل والتخلف!

ص: 31

13/الدين ابتدأ بالنبي (صلى الله عليه وآله)، وحافظ عليه المعصومون (عليهم السلام)، فاستلمه منهم العلماء وبذلوا مهج أرواحهم من أجله، وتراهم أورع ما يكونون حين يُعطون الفتوى، فلا تتقحّم فيما ليس لك!

14/يدخل الفقه في جميع مناحي حياتنا، ولا يتمكن الجميع من طلبه بتخصّص، وإلا لتوقفت الحياة، اعرفوا إذن فضل الفقهاء علينا.

15/ بدلًا من تجاذب أطراف الفتوى من دون علم، ليكن لنا مجلسٌ نتفقّه فيه ولو في الأسبوع ساعة، فلا خير فيمن لا يفقه دينَه.

ص: 32

القندیل الثامن: الحذر من نعمة المال.

1/ اعتبِرْ بشبكات الاتصال اليوم، فإنك لن تستطيع إخفاء اتصالك عنها، إذ عندهم ما يحصي عليك حروفك، وعند الله تعالى ما يحفظ نفس عملك، فلا تغفل حق غيرك.

2/ هل رأيتم الميزان الذي يستعمله صائغ الذهب كيف أنه يحسب الحبة الأقل من الغرام؟!

تذكروا أن ميزان الله تعالى يحسب وزن الذرة!

3/ قانونياً، لا يُعتبر السارق مجرماً من دون وثيقة تُدينه، ومحكمة الآخرة لم تخرج عن هذا النظام، لذلك كان هناك استنساخ لكل عمل يقوم به الفرد، بل سيتم إحضار نفس العمل للتوثيق.

4/ يمكن لفرد أن يخدع القانون أو يُخفي ما يُدينه من أدلة، إنه ممكن جداً، لكنّ هذا ممتنع جداً في قانون السماء، فإن الشاهد هو الحاكم.

ص: 33

5/ ذهبْتَ إليه ملهوفاً فأغاثك، ولّما حان موعد التسديد ماطلْته وخادعتْه! أتُجازي من أعانك بالخيانة؟! وما طعم الحنظل بأمرّ من طعم الخيانة!

6/ كن دقيقاً في إيفاء حقوق الآخرين، لكن كن متسامحاً في استيفاء حقك من الآخرين، فالمؤمن كالنخلة يُعطي أكثر مما يأخذ.

7/ أنت وكيل مخوّل في أملاك الله تعالى، وإن عدم إيصال المال الذي جعله الله تعالى تحت يدك إلى مستحقّيه، لهي سرقة في وضح النهار.

8/ قد يتورع البعض عن أن يقتل ذبابة، لكنه يأكل حق ريحانة أسيرة عنده!

إنها مهور النساء! حذارِ منها ثم حذارِ...

9/ حتى الطير في القفص، عليك أن تطعمه أو تطلقه، وعيالك أُسراؤك، فإما أن تنفق عليهم، وإما أن تنفق عليهم! لا غير!

10/ خيرُ مالك ما حفظتَ به عيالك، ولا خير في مال يبقى عليك إثمُه، ويبقى لغيرك نفعُه وخيرُه.

ص: 34

11/أتحسبُه غنياً من يكنز الأموال ولا يدعها ترى نور الشمس ويحبسها عن مستحقّيها!

أنت الغني حقاً عندما تجعل من دنانيرك مركباً لسعادتك وسعادة غيرك.

12/رب غني لا يملك ديناراً واحداً، وإن كانت خزائنه ملآى بالذهب، هذا هو من سيحاسبه الله تعالى حساب الأغنياء، وقد كان يعيش في الدنيا عيش الفقراء.

13/مفلسٌ هو من لا يملك ديناراً في الدنيا، لكنْ مفلسٌ هو من تذهب حسناته لغيره في الآخرة.

فاكنز على حسانتك كما تكنز على أموالك، واعلم أن للفقير في مالك حقًا إن كنت غنياً.

14/ليس السخي من يبذل المال فحسب، إنما هو من يتورع عن مال غيره، فترى يده بيضاء من أي مال حرام.

15/ليس السارق فقط من يقتحم البيوت ويكسر الأقفال، فالعامل الذي لا يُتم عمله سارق، والمدين الذي يمطل بأداء الدَّيْنِ سارق أيضاً.

ص: 35

القندیل التاسع: حقوق الأولاد.

1/ إن نظام الحياة قائم على أساس الأسباب والمسبّبات، وزوجتك سبب لوجود أولادك، فاختر لون السبب، فإن الثوب ليس إلا القماش!

2/ حتى السمك، طعمُه يختلف إن كان يعيش في بحر مالح عن طعمه إذا كان يعيش في بحر حلو، وزوجتك بحر يعيش في كنفه أولادك، هل وصلتَ الرسالة؟

3/ مهما كان الأساس ثابتاً، والبناء محكماً، فمن دون أصباغ برّاقة جميلة، لن تنجذب له الأنظار، والاسم علامة بارزة للشخص، فانظر ماذا تسمي أولادك.

4/ يختلف الناس باللون والعرق والمال... لكن هذه اختلافات ساذجة إذا ما قيست إلى الاختلاف بالعلم والمعرفة، فضع أولادك حيث التميّز البرّاق.

5/ حتى الزهرة الفوّاحة إن لم تقترب منها فسوف تفوتك متعة شمّ شذاها ولذة عطرها، فلا تهمل أولادك حتى الذبول!

ص: 36

6/ لا شك أنك تطير فرحاً لو رأيت قطتك تدحرج كرة الخيوط بعشوائية، فلماذا ترعد وتربد عندما ترى أولادك يعبثون بالتراب!

7/ نظام الحياة نظامٌ اقتصادي، لا تأخذ منها حتى تعطيها، والمجّان محال، والأسرة ولذتها هدية عظيمة، وثمنها أيضًا عظيم جداً.

8/ إن الغيوم عادلة جداً، تأخذ من وجه الأرض ماءها، لتسقيها غيثها، فلا تكن غير ذلك مع أولادك.

9/أنت تربي أولادك، هذا صحيح، لكنهم أيضاً يربّونك على الصبر، وعلى المسؤولية، وعلى أن تكون قدوة صالحة لهم...

(تبادلُ تربيةٍ) إذن هي، فانتبه.

10/عندما تُنجبان ولداً، لا تفكّرا فقط بغذاء بطنه، فهذا أمر تكفّله الباري جل وعلا، وسيعينكما عليه كثيراً، فكّرا أيضاً في صياغة شخصيته، وأسلوبه، وتنظيم حياته لتكون أفضل حياة.

ص: 37

11/(ربُّ الأسرة)، هكذا يُطلقون عليك، هل تراه وسامَ فخرٍ فقط!

إنه في الحقيقة طوق مسؤولية عظيمة، إن لم تؤدّها سيضِيقُ عليك ذلك الطوق حتى يخنقك، وقد يقتلك!

12/لن تكون أباً ناجحاً بمجرد توفير أرقى الأجهزة اللوحية لأولادك، أنت أبٌٌ ناجح إن جعلتهم يستفيدون منها لصنع مستقبلهم، لا لبناء أحلام يقظةٍ على جرفٍ هارٍ.

13/أتُريد أن تُكتب جباراً في الأرض وأنت لا تملك إلا أهلك!

أنا أُحذّر نفسي في الحقيقة، لعلي كنت كذلك حينما لا يرى أولادي مني ابتسامة ولا عفواً عن خطأ.

14/لدى الأطفال الكثير من الطاقة المخزونة، إن لم تساعدهم في تفجيرها بالطريقة الصحيحة، وإن عملت على كبتها في داخلهم، فاعلم أنها ستكون كبركان لا يُعلم متى يثور بلا هوادة!

15/إن استطعت أن تهرب من ظلك في وضح النهار، حينها فقط سيكون بإمكانك التهرب من مسؤوليتك تجاه أولادك، وسيكون أيضاً بمقدورك التهرب من نتائج تربيتك لهم!

ص: 38

القندیل العاشر: الابتعاد عن الوقوع في أعراض الناس

1/ قد يبقى المرء يبني بسُمْعَتِه لسنوات طوال، لكنّ كلمة سيئة واحدة قد تهدم كل سمعته، فلا تكن أنت صاحب تلك الكلمة.

2/ إن القتل قد يكون بسكين، وقد يكون برصاصة، ولكنه قد يكون بكلمة، ومن قتل نفساً بغير حق فمصيره أسود لا محالة.

3/ إن الناس تبني حول مساكنها أسوارًا لا لتمنع اللصوص فقط، وإنما لتستر أنفسها من أعين المتلصّصين، والسارق تُقطع يدُه، والمتلصّص...!

4/ لا تبصق في بئر، فلعلك تشرب منه يوماً ما، ولا ترمِ حجراً في الطريق، فلعلك تعثر به يومًا ما.

5/ لا تقل: فلانٌ ضعيف، ولا يقوى أن يواجهني، فلعله كان من أتباع الذي بيده ملكوت السموات والأرض، وهو لن يترك أولياءه أبداً، وسينصرهم ولو بعد حين.

ص: 39

6/ ونحن صغار، سمعنا من يقول: لا ترمِ بيوت الناس بحجر وبيتك من زجاج، ولم نفهم معناها حتى رأينا من يهتك أعراض الناس كيف إنه هَتَكَ عِرْضَهَ قبلهم!

7/ لنتأدّب بأدب الله تعالى، فإنه ستار العيوب، رغم اطلاعه الشامل، فلا تهتك ستراً اطّلعتَ عليه، ولا تكن من أعوان إبليس.

8/ كما تتمنى أن يستر عيبَك مَن اطلع عليه، كذلك أنت افعل هذا الأمر، فإن الحياة عبارة عن ديون وتسديد ديون.

9/ كن على يقين بأن الله تعالى لن يرضى بكشف المستور، وكن على يقين أيضاً بأنه سيعاقب من يهتك الستر، فكن على حذر!

10/ هل تحب أن تشعر بإحساس من انكشفت أسراره؟! انظر إلى وجه تلميذ غشّ فاكتشفه معلّمُه، وانظر إلى هارب عن وجه العدالة عندما توضع الأصفادُ في يديه!

ص: 40

11/رقيقة هي السمعة كجناح فراشة، تحتاج إلى رعاية خاصة، ترخص عندها الأموال كثيراً، لكنَّ إهمالاً قليلاً أو كلاماً بذيئاً يمكن أن يهتكها.

12/منذ قديم الزمان والعقلاء يُقدسون من يحفظ العرض ويصونه، ويحترم الجار ولا يخونه... يا تُرى، هل حفظ عصر الحداثة اليوم تلك الخصال أو ماذا؟

13/هل تعلم: أن مرافقة من يتناول أعراض الناس كفيلة بهتك العرض؟!

إذ إن من يجرؤ على عرض غيرك، لن يتورع عن عرضك بكل تأكيد.

14/للعز منافذ عديدة: المال واحد منها، والجاه، والسلطة، ولكن لا عز مثل عِزِّ العبودية لله تعالى، والكف عن أعراض الناس.

15/إن طمعتَ في عِرض غيرك، فلن تأمن أن يطمع الناس بعِرضك.

واحدة بواحدة، هذا هو قانون الحياة.

ص: 41

القندیل الحادي عشر: العفاف

1/ الزهرة التي لا يحيط بها الشوك ستنالها جميع الأيدي، وفي الحقيقة فإن العفاف هو شوكة ضد يد كل من يتلصّص ويتجاوز الحدود.

2/ إن الذباب لا يدخل إلا فمًا مفتوحًا، والعفاف إنما هو غلق المنافذ التي يحاول أن يدخل منها اللصوص لسرقة الشرف، فأغلق فمك، كي لا يدخله الذباب!

3/ إن من يُصاب بعمى الألوان سوف لن يميّز بين الأحمر والأصفر، وعمى العفاف مرضٌ فتّاك لا يُميز بين المرأة والرجل.

4/ إن اليد التي تسرق مرة، قد تسرق ألف مرة، وإن السيارة من دون كوابح ستتحول إلى أداة قتل وخراب، والعفاف في الحقيقة من أهم كوابح الجريمة.

ص: 42

5/ لو وضعتَ السيف بيد مجنون لأمكن أن يبدأ بك ويرديك صريعاً، إلا إذا أحكمتَ غلق قرابه، وليس اللسان بأقل خطراً من سيف بيد مجنون، فأحكمْ عليه غلقَ بابه.

6/ إن الأفعى ليّنة في ملمسها، لطيفة في خطواتها، لكنها قاتلة بلسانها وسمّها، وهكذا بعض البشر، يُعجبك منظره، إلا أن لسانه يتقاطر قمطريراً...

7/ من دون استعمال الكوابح، فإن السيارة لن تتوقف حتى تصطدم بما قد يقتل راكبها، وهكذا هي غريزة الجنس من دون كوابح العفاف.

8/ للآن لم نجد صيادًا صادقًا مع صيده، فهو دائمًا يعمل على استغلال غفلته ولو بخداعه، وهكذا الشيطان، لن يخبرك أنه يسير بك نحو الهاوية.

9/ افتح عينيك جيداً، فإن المصيدة لن تفتح فكّيها عن فريستها إلا بقتلها أو برميها بين يديّ الصياد.

ص: 43

10/ ليس دائماً يكون ما نراه هو الصواب، فإن أخطاء بني البشر هي بحدٍ يصعب إحصاؤها، فلا تكن عبقري زمانك من دون عقل، ولا تقل: هذا حلال وهذا حرام من عند نفسك.

11/ أذكى الصيادين لن يستطيع أن يصطاد فريسته ما لم يستدرجها بهدوء، وما لم يعمل على أن يجعلها تعتقد أن شباكه هي سبيل نجاتها، لذلك حذّرَنَا القرآن من خطوات إبليس.

وإن المزاح، والنظرة، وحتى الخيال، هي من أساليبه في الاستدراج!

12/ إن الحكمة تقتضي وضع الشيء في موضعه المناسب، لذلك وضعوا الجواهر الثمينة في خزانات مُحْكمة، والمرأة جوهرة، خزانتها بيت زوجها، فعرضُها لنفسها ولزينتها للذباب خطلٌ من الفعل وزيفٌ من القول.

ص: 44

13/ يتمتع الأطفال بامتلاكهم أجهزة استشعار دقيقة ومعقدة جداً، لكنها ساذجة إلى الحد الذي تتأثر جدًا بالمشاهد التي تحصل أمامها، فحذارِ –أيها الأبوان- أن تدعاهم يرونكما على حال غير محبذة.

14/ أجهزة الإنسان المعقدة تعمل –في العادة- بطريقة رد الفعل والاستشعار الدقيق، وأعقدها وأكثرها استشعاراً هو جهاز التكاثر، فأبعدوه عما يجعل منه بركاناً ثائرًا يدمّر كل شيء يقع أمامه بلا حكمة ولا تعقّل.

15 / عقول كثير من الناس في عيونهم، وما يلبسه المرءُ هو ما يظهر منه، وبالتالي، فإن الناس يحكمون على الآخرين بما يرونه منهم، إن خيرًا فخيرٌ، وإن...

ص: 45

القندیل الثاني عشر: التحذير من الكذب

1/ يرتبط الناس فيما بينهم بوشائج الثقة، ابتداءً من البيت إلى أوسع العلاقات وأكثرها تشابكًا، فهل ترى تلك الوشائج قوية في علاقة مبنية على الكذب؟!

2/ نقطة الضعف واقع وجداني في كل موجود، حتى الإيمان له نقطة يضعف عندها كثيرًا وقد ينهدم!

إنها رذيلة الكذب!

3/ إن لبعض الصفات خاصية (المغنطة) وجذب غيرها إليها بقوة إلى حدّ الالتصاق، إنْ في جانب الفضيلة وإنْ في جانب الرذيلة، فحذارِ من الكذب، فإنه بؤرة الرذائل والجامع بل والجاذب لها.

4/ ما هذه الألفاظ إلا وسائل لنقل المعاني التي عندي إلى الآخر، فهي مرآة الباطن وقلم القلب، وشأنُ المرآة والقلم هو الصدقُ، ولكن البعض يتفنّن في تشويش تلك المرآة ليجعلها تقلب الحقائق وتكتب ما لا تؤمن به إطلاقًا.

ص: 46

5/ كلُّ واحد منّا يعرف قدْر نفسه في العادة، فإذا وضع نفسه فوق إمكاناتها، فإنه سيقع وقعة أعمى في جحر أفعى، حتى وإنْ لمّع وهمه وزيّنه بمعسول الكلام!

6/ إنّ طلب العهد والوثيقة والرهن لا يكون إلا مع فقدان الثقة، وإلا فالثقة مصدّقٌ من دون يمين، وأمينٌ من دون رهينة، فلينظرْ كلُّ واحد منّا إلى نفسه، هل يحتاج غيرُه منه إلى وثيقة، أو إن كلمته أوثق رهينة؟!

7/ يبقى الأَسْوَدُ أسْودًا مهما أحاطت به الألوان، وتبقى النقطة السوداء سوداء حتى لو انفردت بنفسها على ورقة بيضاء! والكذب كذبٌ مهما زيّنه المرءُ أو حسَّنه.

8/ عالمُنا عالمُ التزاحم والتضادّ، وعند التزاحم يحكم العقل بتقديم الأهم على غيره، وعلى هذا جرى الدين في كثير من مفردات التزاحم.

9/كم هو محرجٌ أن يبني الفرد مواقفه على الكذب، ثم يُفتضحُ أمرُه قبل بلوغه مرامه، حينها، سيخسر نفسه قبل ناسه.

ص: 47

10/كم هو خائن من يحدّثُ صديقه كاذباً، وصديقه يحسب أنّ أمامه الصادق الأمين!

11/لماذا كان الكاذب أسوأ من إبليس؟!

لعله لأن إبليس كان صادقاً حينما أعلن عداوته لبني آدم، لكن الإنسان قد يُعلن المودة لأخيه، وهو يضمر العداوة ويبطن البغض!

12/لو طُلب من أي عاقل أن يُصنف الكذب، فلا ريب في أنه يضعه حيث يمقت من الصفات ويُنكر من الأحوال. إذن، لماذا يُخالف البعض حكم عقله ووجدانه؟!

13/قد لا يكون الفرد كاذباً، لكنه اعتاد أن ينقل أي حديث سمعه، وبالتالي سيحكم الناس على ناقل الكذب بأنه كاذب.

14/ربما يزلُّ اللسان مرة أو مرتين، فنحن غير معصومين، لكن أنْ لا تجد في كلام البعض إلا خلاف الواقع، فهذا ما لا يكفي لتبريره عدمُ العصمة.

15/لا أقول: جرّب أن تترك الكذب...

عذراً، بل أتحدث مع نفسي: دعني أجرّب أن أكون صادقاً في كل شيء، هل تراني بعدها أفعل خطأ أو أواقع معصية!

ص: 48

القندیل الثالث عشر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

1/ لقد افترضت السماء مُسبقًا أن المسلمين يمارسون عملية التصحيح الذاتي والنقد البنّاء، لكنها لم تجبرهم على ذلك، إذن، عليك أن تختار طريقك، فإنما هما طريقان لا غير.

2/ أنْ تُغمض عينيك عن خطأ يقع أمامك، هو أمر عقلائي في بعض الأحيان، ولكنه خيانة لمبادئك أو لصدق علاقتك مع أخيك في بعض الأحيان الأخرى، أما كيف يمكنك تمييز الصواب؟

فهذا ما يحتاج إلى مجهر الفقه وعدسة الإيمان.

3/ لا تخف! فمالِكُ الحياة هو مالِكُ الموت، فلن تموت إلا إذا أراد المالِكُ الحقيقي لهما، فلماذا إذن النكوص عن القيام بمبادئ الإسلام؟

ص: 49

4/ إن أهملت مرضاً من دون علاج، فلربما استفحل عليك وأبى إلا طغياناً، وهكذا إهمال الخروقات الاجتماعية، فإنه لو لم يتم وأدها وهي فَتِيَّةٌ، فإنها قد تتجذّر عميقاً في المجتمع، فتكون ظاهرة مستعصية عنيدة.

5/ يمكنك اختلاق الأعذار لأخطائك، ولإهمالك، ولكسلك، لكنك لن تتمكن من خداع نفسك.

كن واقعياً، وافتح عينيك جيداً...

6/ حتى الصخور الصلدة تتأثر بقطرات الماء المستمرة، فلا شيء في الحياة لا يتغير...

وأنت أيضاً، يمكنك أن تتغير، فقط إنْ أردتَ ذلك.

7/ مهما اختلط الذهب بالتراب، فإنه يبقى ذهبًا، ويبقى ينتظر الفرصة المناسبة لينفض عنه التراب، ويرقى بجماله الرقاب، وأنت أيضًا صقرٌ، إن أردتَ أن تكون صقرًا، فلا تكن دجاجة!

8/ هناك أشياء في الحياة لا تتحمل القسوة: الزهرة في حديقتك، والزهرية في بيتك، وهناك قلوب كذلك، فلا تُصلح قلبًا بكسره... كن رفيقًا، فالرفق حياة.

ص: 50

9/ حتى الأُسُود لا تعتمد على قوَّتها فقط في تصيّدها، بل إنها تخطّط بدقة وبهدوء قبل أن تفوز بالغنيمة، فاختر الوقت المناسب لإبداء النصيحة، لتفوز بغنيمة القبول ومحبة القلوب.

10/ هل رأيت الشاعر الولهان، كيف يتغزّل بعيون المها، خوفًا على معشوقته.

كذلك أنت، كن شاعرًا في نصيحتك، ذوّاقًا في اختيار ألفاظك، حتى لا تجرح أخاك ولو من دون قصد.

11/ لو أن كل شخص كنس فناء داره، لأضحت المدينة أنظف ما يكون، وهكذا لو كل واحد منا مارس النهي عن المنكر، لانعدم المنكر أو كاد.

12/حتى ولدك، عندما تهمل تربيته وتعليمه ونهيه عن بعض التصرفات، فإن الرذائل قد تجد طريقها إلى سلوكه بعد أن تتجذر في قلبه، إذن، لا بد من عملية تطهير مستمر.

ص: 51

13/لم يصلْ أحد من العظماء إلى العظمة من دون أن يكون له معارض وأضداد، لكنهم كانوا يُبينون الحقيقة ولو أبغضهم بعض الناس، ولم يكونوا يغفلون نصيحةً من صادق.

وهكذا أنت، عليك أن تشق طريقك نحو العُلا، لكن لا تنس أن تستمع لذوي العقول وذوي الدين، لو عرض لك ما يُهدّد مصيرك الأخروي.

14/لا تدع نفسك تنفر بك عن مواضع النصيحة، فإنها لا تهتم لو وقعت أنت، ما دامت هي تُشبع نهمها اللاعقلائي.

15/ما دمنا لسنا معصومين، فنحن إذاً في دائرة الخطأ، ومن لم يتعلم من خطأه فهو خاسر، ومن لا يتقبل النقد، سيبقى أبداً في المؤخرة.

ص: 52

القندیل الرابع عشر: تنظيم الوقت.

1/ هل رأيتم بائع الثلج كيف يذوب رأسُ ماله كلما أشرقت عليه الشمس؟!

كذلك نحن، رأسُ مالنا هو عمرنا، وهو يذوب شيئًا فشيئًا في كل نفَس نتنفسه!

فهل من أُذُن واعية؟!

2/ من أشهر خُدع العصر هي فكرة (وقت الفراغ)...

في الحقيقة لا فراغ في البين، إنما هو ضياع عمرك وهدر وقتك!

3/ هل تعلم: أن عدد ساعات اليوم عند المبدعين والعباقرة هي نفسها التي عندنا: 24 ساعة فقط!

فلماذا كانت نتاجاتهم أكثر وأدق وأروع؟!

سؤال لا بد من التأمل فيه كثيرًا.

4/ يحاول الفاشلون أن يُلقوا باللوم على غيرهم ليبرؤوا أنفسهم ويبرّروا كسلهم، ومن ذلك قولهم (ليس عندي

ص: 53

وقت كافٍ).

فكان (الوقت) أحد (ضحايا) فشلهم.

5/ إداريًا، واقتصاديًا، من دون جدول منظّم، لن يصل الفرد إلى نتائج باهرة، وإنما سيكون كما السرب، حشرٌ مع الناس عيد!

6/ هل رأيت الفلاح كيف يعطي كل بذرة ما تحتاج إليه من ماء وسماد، لا أكثر ولا أقل، إنه يعمل وفق نظام: (العطاء على قدر الحاجة، والمنع للضرورة).

أنت أيضًا، اعمل في حياتك وفق هذا النظام، وستقف الدقائق إلى جنبك كثيرًا.

7/ حتى الطيور ترجع إلى أوكارها في وقت مناسب، ليجتمع الشمل بعد شتات العمل.

وبيتك فيه طيور تحنّ إلى رجوعك، فلا تقضم حقهم من الوقت وتهدره على غيرهم، ولا تعطِ لغير طيورك أكثر مما يستحقون.

8/ من دون عمل لن تأكل، ومن دون وقت لن تعمل، ومن دون تنظيم لا وقت، ومن دون إرادة وعزم لا تنظيم.

ص: 54

9/ نفسك هي المِعْول الذي تشق به طريق الحياة، فجهّزها جيدًا لمعركة الحياة، وقوّها ما استطعت، وهي لا تقوى ولا يشتدّ عودها إلا إذا أدمنتَ حسابها، وقطعت عنها أدغال السوء باستمرار.

10/ حتى تنجح في استثمار وقتك، فإنك تحتاج إلى عين ثاقبة، تلتقط كل ضائع من الوقت، ومهدور من الدقائق، لتجمعها في جعبتك، وعندها ستجد الكنز وفيرًا، والغنيمة عظيمة.

11/ ليس عند الناجحين شيء مختلف عنا كثيراً، إنما هم مثلاً يحملون ورقة وقلماً على الدوام، ومتى ما خطرت فكرة في أذهانهم دوّنوها، وتأملوا فيها، وهكذا تتراكم الأفكار، ولربما تكون مشروعاً في بعد.

12/فُتات الخبز الصغيرة يُمكن أن تُغذّي الكثير من الطيور، وهكذا فُتات الأوقات المنثورة بين أعمالك، بإمكانها أن تصنع الشيء الكثير!

فقط، لو تم استثمارها بشكل صحيح.

ص: 55

13/لن تنتهي مشاكل الحياة منذ وُجدت، بل حتى وأنت ميت، ربما هناك من ينتقدك!

إذاً، لا بد من التكيّف والتأقلم معها، بحيث لا تُعطيها أكثر من حجمها، ولا تُشغل بالك بها أكثر مما تستحق، وحينها، ستجد وقتاً كافياً لتشرب فنجان قهوةٍ من دون كدر.

14/إن لم يكن عندك ما تملأ به أوقاتك، فبإمكانك أن تشغلها بالتأمل فيما كنت فيه، وما أنت عليه الآن، وبالتفكر في مستقبلك، يمكنك استرجاع ذكرياتك وتجاربك، فهذا أيضاً نوع من العمل، وهو لا يقلّ أهمية عن البحث عن لقمة طعامك.

15/انظر إلى المقابر، ستجد أن أهلها ماتوا ولمّا يقضوا جميع حوائجهم، لأن الموت جاءهم من دون سابق إنذار!

ها هم قد أعطوك العظة، فلا تهملها، استثمر ثواني عمرك، فيما لا تندم عليه غداً، وفيما يبقى لك جميل ذكره وعظيم أثره، فالموت أسرع مما نتوقع.

ص: 56

القندیل الخامس عشر: هل تعلم؟!

1 - هل تعلم: أنَّ الذنوب التي يعتبرها البعض صغيرة، قد تتجمع لتكون رُكاماً هائلاً من الذنوب، قد تهوي بالفرد في وادي جهنم لسنواتٍ طوال؟

وقد روي أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نزل بأرض قرعاء (أي لا نبات فيها) فقال لأصحابه: «ائتوا بحطب»، فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب، قال (صلّى الله عليه وآله): «فليأتِ كلُّ إنسان بما قدر عليه»، فجاؤوا به حتَّى رموا بين يديه، بعضه على بعض، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «هكذا تجتمع الذنوب»، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): «إيّاكم والمحقّرات من الذنوب، فإنَّ لكلِّ شيء طالباً، ألَا وإنَّ طالبها يكتب ما قدَّموا وآثارهم، ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: 12]»(1).

ص: 57


1- الكافي للشيخ الكليني (ج 2/ ص 288/ باب الإصرار على الذنب/ ح 3).

2 - هل تعلم: أنَّ اختلاف النظرة إلى الدنيا يؤدي إلى اختلاف السلوك المترتب على تلك النظرة؟

فسعيُ الذي يتخذ من الدنيا مقراً ثابتاً، ويحسب نفسه فيها خالداً، لا شكَّ في أنَّه يختلف اختلافاً جذرياً عمَّن يتخذ منها قنطرةً تعبر به من جانب إلى جانب.

فانظر لنفسك؟ هل اتخذت الدنيا معبراً أو مسكناً؟!

3 - هل تعلم: أنَّ إساءة استعمال القوة المدرِكة بحيث تؤدي إلى استغلال الآخرين أو الإضرار بهم أو خديعتهم ليست من العقل بشيء، وإنما هي (جربزة) أو شيطنة؟

فقد روي أنَّ رجلاً سأل الإمام الصادق (عليه السلام): ما العقل؟ قال (عليه السلام): «ما عُبِد به الرحمن واكتسب به الجنان»، فقال: فالذي كان في معاوية؟ فقال (عليه السلام): «تلك النكراء! تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل، وليست بالعقل»(1).

ص: 58


1- المحاسن لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ج 1/ ص 195/ باب العقل/ ح 15).

4 - هل تعلم: أنَ من أهمّ المشاكل الروحية في طريق التكامل، هو إحساس الفرد بالاستغناء والاستقلالية عن الله تعالى؛ لأنَّ هذا الإحساس سيجعله يعيش حالة من التعالي على العباد فيخسر حسن صحبتهم، والتناسي للأحكام الإلهيَّة فيعرضه للغضب الإلهي، وحينئذٍ أي حالةٍ روحيةٍ سيعيش وأي تكاملٍ سيرتقي؟!

الحقيقة هي: أن الكمال كلّ الكمال في الافتقار إلى الله تعالى...

ومن هنا، روي عن ابن أبي يعفور، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول وهو رافع يده إلى السماء: «ربِّ لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً، لا أقلَّ من ذلك ولا أكثر»، قال: فما كان بأسرع من أنْ تحدر الدموع من جوانب لحيته(1).

ص: 59


1- الكافي للشيخ الكليني (ج 2/ص 581/باب دعوات موجزات لجميع الحوائج/ح 15).

5 - هل تعلم: أنَّ العلماء يُؤكِّدون على أنَّ الذي يرى بالعين ويسمع بالأُذُن ويمسُّ بإصبعه ليس هو البدن، بل هي الروح؟ ولكنَّها تحتاج في هذا الإحساس إلى آلة، فتستخدم البدن، فالذي يرى هي الروح بواسطة العين، والذي يسمع هي الروح بواسطة الأُذُن، وهكذا بقيَّة الحواسِّ.

إذن، كيف لنا أن نتعامل مع الآلة؟

هل يرضى العقل بالاهتمام بها أكثر مما هي آلة له؟!

6 - هل تعلم: أنَّ الصدق وأداء الأمانة من أهم صفات التشيع لأهل البيت (عليهم السلام)؟ بحيث لم يُقبل عذر الخائن مهما كان، وأنّى كان...

فقد روي عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنَه قال: «لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحجِّ والمعروف، وطنطنتهم بالليل، انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة»(1).

ص: 60


1- أمالي الشيخ الصدوق (ص 379/ ح 481/6).

7 - هل تعلم: أنَّ كثرة النِّعَم على الإنسان ليست دائماً علامة الحُبِّ الإلهي لهذا الفرد؟

وإنَّما هي في بعض الأحيان علامة للنقمة الإلهيَّة، كما في الاستدراج، أو تكون وسيلة للابتعاد عنه جلَّ وعلا كما في تكبر الإنسان.

أمّا ما هي علامة ذلك؟

لقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك أنه قال: «يا بن آدم، إذا رأيت ربَّك سبحانه يتابع عليك نِعَمه وأنت تعصيه فاحذره»(1).

8 - هل تعلم: أنَّ الشريعة المقدسة قد حثّت على التعاون في طريق التكامل؟

فطريق التكامل هو طريق التواضع، ونبذ الأنانية، وهجر الغلّ، هو طريق يحتاج فيه المرء إلى أن يضع يده بيد أخيه المؤمن، لتقوى قدم كل منهما ثباتاً على طريق التكامل...

وفي ذلك قال أبو عبد الله (عليه السلام): «... إنَّ الايمان عشر درجات بمنزلة السُّلَّم يُصعَد منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولنَّ صاحب الاثنين

ص: 61


1- نهج البلاغة (ج 4/ ص 7).

لصاحب الواحد: لست على شيء، حتَّى ينتهي إلى العاشر، فلا تُسقِط من هو دونك فيُسقِطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق، ولا تحملنَّ عليه ما لا يطيق فتكسره، فإنَّ من كسر مؤمناً فعليه جبره»(1).

9 - هل تعلم: أنَّ العلم ليس شرفاً عظيماً فحسب، بل هو مسؤولية عظيمة أيضاً، ومن مسؤوليته: العمل به وضرورة نشره لمن لا يعلم به، وإلَّا فسيكون وبالاً على الإنسان؟

وقد روي عن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) أنَّه قال: «ما أخذ الله ميثاقاً من أهل الجهل بطلب تبيان العلم، حتَّى أخذ ميثاقاً من أهل العلم ببيان العلم للجُهّال، لأنَّ العلم كان قبل الجهل»(2).

ص: 62


1- الكافي للشيخ الكليني (ج 2/ ص 44 و45/ باب آخر من درجات الإيمان/ ح 2).
2- أمالي الشيخ المفيد (ص 66).

10 - هل تعلم: أنً القول المعروف خيرٌ من الصدقة التي يتبعها أذى؟

فعندما تُقرِّر الإعطاء، فلتُعطِ بإحسان، ولا تُرفِق عطيَّتك بوابلٍ من الكلام المؤذي للسائل، فإنَّ الله تبارك وتعالى يقول: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾ (البقرة: 263).

11 - هل تعلم: أنَّ على من يسير في طريق تحصيل العلم أنْ يبقى متشبِّثاً بجهله؟!

أي أنْ يضع في حسبانه دوماً وأبداً أنَّه مهما كان عنده من علمٍ فإنَّ هناك من هو أعلم منه، وأنَّه مهما اكتسب من المعارف، فما لم يُقيِّدها بالعمل الصالح فإنَّها لن تنفعه.

ولذلك، فإن العلم في بعض الأحيان قد يكون سبباً للتحاسد والتكبُّر، وربَّما يصل الأمر إلى محاولة تسقيط الآخر من أجل أنْ يُبرِز الشخص علمه.

فلا مناص من العودة إلى ساحة القدس الإلهي، والتزام الدعاء بأن يكون العلم نافعاً للدنيا والآخرة...

ص: 63

12 - هل تعلم: أنَّ هناك مقامين، يكون العزُّ فيهما بالتذلُّل، وهما: التذلل لله تعالى، والتملّق إلى الأُستاذ في طلب العلم؟!

فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قال: «ليس من أخلاق المؤمن التملُّق... إلَّا في طلب العلم»(1).

وحتى في العلم، لا ينبغي لك أن تتملق إلا لمن هو أهل لذلك، فالعلم طريق إلهي، فينبغي أن يكون المعلم إلهياً، دالاً على مرضاة الله تبارك وتعالى، ودافعاً لك عن الوقوع في الذنب والخطأ...

وإلّا فالحذر، فلن يحمل ذنبَك غيرُك...

13 - هل تعلم: أنَّ مجالسة الإخوان والأصدقاء من الأعمال التي سيتمُّ محاسبة الفرد عليها؟

ولذا وضحّت النصوص الدِّينية الأصناف التي تجدر بك مجالستهم، والأصناف التي لا يجدر بك ذلك، ومنها ما روي أنَّ لقمان الحكيم قال لابنه: يا بنيَّ،

ص: 64


1- الجامع الصغير لجلال الدِّين السيوطي (ج 2/ ص 464/ ح 7671).

اختر المجالس على عينك، فإنْ رأيت قوماً يذكرون الله فاجلس معهم، فإنْ تكن عالماً نفعك علمك، وإنْ تكن جاهلاً علَّموك، ولعلَّ الله أنْ يظلَّهم برحمته فيعمَّك معهم. وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله، فلا تجلس معهم، فإنْ تكن عالماً لم ينفعك علمك، وإنْ كنت جاهلاً يزيدوك جهلاً، ولعلَّ الله أنْ يظلَّهم بعقوبة فيعمَّك معهم(1).

14 - هل تعلم: أنَّ العمل الصالح مهدَّدٌ بأنْ يسقط من يد عامله في منتصف الطريق قبل أنْ يصل إلى ساحة المحشر، فلا يبقى له منه إلَّا التعب والنصب؟

فقد روي عن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) أنَّه قال: «من قال: (سبحان الله) غرس الله له بها شجرة في الجنَّة، ومن قال: (الحمد لله) غرس الله له بها شجرة في الجنَّة، ومن قال: (لا إله إلَّا الله) غرس الله له بها شجرة

ص: 65


1- الكافي للشيخ الكليني (ج 1/ ص 39/ باب مجالسة العلماء وصحبتهم/ ح 1).

في الجنَّة، ومن قال: (الله أكبر) غرس الله له بها شجرة في الجنَّة»، فقال رجل من قريش: يا رسول الله، إنَّ شجرنا في الجنَّة لكثير، قال: «نعم، ولكن إيّاكم أنْ تُرسلوا عليها نيراناً فتحرقوها، وذلك أنَّ الله يقول: ﴿يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ﴾ [محمّد: 33]»(1).

15 - هل تعلم: أنَّ ابتلاء الإنسان بمرضٍ ما ليلةً واحدةً إذا اقترن بالصبر عليه، فإنه يُسقِط عنه ذنوب ستين سنة؟

فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها وأدّى إلى الله شكرها، كانت له كفّارة ستّين سنة»، قال الراوي أبو عبد الرحمن: قلت: وما معنى قبلها بقبولها؟ قال: «صبر على ما كان فيها»(2).

من هنا، ينبغي أن ننظر إلى البلاء بنظرة إيجابية نحصل منها على رحمة إلهية، فيكون البلاء حينها مرقاة للتكامل...

ص: 66


1- أمالي الشيخ الصدوق (ص 704 و705/ ح 968/16).
2- ثواب الأعمال للشيخ الصدوق (ص 193).

القندیل السادس عشر: نواقيس في طريق التكامل:

1 - علينا دوماً أنْ ننظر إلى من هم أكمل منّا، ونحاول أنْ نصل إليهم، ونتكامل معهم، ولا نعجب بأنفسنا مهما وصلنا إلى مراحل كمالية عالية، فهذا هو الذي من شأنه أن يدفعنا نحو العمل، أما لو رضينا بالحالة التي نحن عليها، حينها، سنبقى نراوح في نفس المكان، ولن يكون لنا حينها إلّا التأخّر.

2 - بما أنَّ طريق التكامل لا متناهي، وأنَّ حياتنا متناهية بلا شك، وقد فتح الله تعالى بمنِّه وكرمه باباً واسعاً نحصد عبره الحسنات حتى بعد وفاتنا، وهو مفاد ما روي عن الرسول (صلّى الله عليه وآله): «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلَّا من ثلاث: علم يُنتَفع به، أو صدقة تُجرى له، أو ولد صالح يدعو له»(1).

ص: 67


1- روضة الواعظين للفتّال النيسابوري (ص 11).

فمن الذكاء إذاً التفاني من أجل ولوج ذلك الباب والفوز بثمراته، إذ الرابح أنت، لا غيرك، ولا عاقل يرفض الربح.

اللهم إلا إذا كان كسولاً.

3 - لا يتوهمنّ أحدٌ أن كل ما في الدنيا هو تسافل، وأنها في كل مفرداتها على الضد من الآخرة، كلا، إذ إنَّ طلب الدنيا قد يكون طلباً للآخرة في الوقت عينه.

أمّا كيف ذلك؟

فهو ما يتبين مما روي أن رجلاً قال لأبي عبد الله (عليه السلام): والله إنّا لنطلب الدنيا ونُحِبُّ أنْ نؤتاها؟ فقال: «تُحِبُّ أنْ تصنع بها ماذا؟»، قال: أعود بها على نفسي وعيالي، وأصل بها، وأتصدَّق بها، وأحجّ، وأعتمر، فقال (عليه السلام): «ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة»(1).

ص: 68


1- الكافي للشيخ الكليني (ج 5/ ص 72/ باب الاستعانة بالدنيا على الآخرة/ ح 10).

4 - إنَّ من أهمّ مدارج الكمال، هو الإحساس بالفقر الوجودي إلى الله تعالى، فإنَّه عين الغنى الحقيقي، أي إنَّه من نوع القوانين المتعاكسة إذا صحَّ التعبير، فالإنسان إذا أراد الغنى، فعليه أنْ يعيش الفقر إلى الله تعالى، وهو مفاد ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من أراد عزّاً بلا عشيرة، وغنىً بلا مال، وهيبةً بلا سلطان، فلينتقل من ذُلِّ معصية الله إلى عزِّ طاعته»(1).

5 - رغم أن الدعاء أمر ضروري للمؤمن، ولكنه لابُدَّ أن يقترن بسعي وعمل، وإلّا كان تواكلاً وكسلاً، وحينئذٍ لا يُستجاب، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أربعة لا يُستجاب لهم دعوة: رجل جالس في بيته يقول: اللّهمّ ارزقني، فيقال له: ألم آمرك بالطلب؟! ورجل كانت له امرأة فدعا عليها، فيقال له: ألم أجعل أمرها إليك؟! ورجل كان له مال فأفسده

ص: 69


1- الخصال للشيخ الصدوق (ص 169/ ح 222).

فيقول: اللّهمّ ارزقني، فيقال له: ألم آمرك بالاقتصاد؟! ألم آمرك بالإصلاح؟!»، ثمّ قال: «﴿وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً﴾ [الفرقان: 67]، ورجل كان له مال فأدانه بغير بيِّنة، فيقال له: ألم آمرك بالشهادة؟!»(1).

6 - روي عن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) أنَّه قال: «إذا أتى عليَّ يوم لا أزداد فيه علماً، فلا بورك في طلوع شمس ذلك اليوم»(2)

تأمّل فيه، ستجد أنه يتضمن دلالة عميقة وموعظة موقظة من الغفلة، فأمّا الأولى فإن التكامل مستمر وغير متناهي، وأما الثانية فأين نحن من خُلُقه العظيم وسلوكه القويم (صلّى الله عليه وآله)؟

7 - إنَّ النِّعَم الإلهيَّة وإنْ كانت تُدخِل السرور على قلب المؤمن، وهذا أمر طبيعي، لكنَّها في الوقت نفسه تفرض عليه أنْ يُؤدّي حقَّها، وحقُّها هو شكر الله

ص: 70


1- الكافي للشيخ الكليني (ج 2/ ص 511/ باب من لا تُستجاب دعوته/ ح 2).
2- المعجم الأوسط للطبراني (ج 6/ ص 367).

تعالى وعدم استعمالها في الحرام إطلاقاً، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قال: «أحسن الناس حالاً في النِّعَم من استدام حاضرها بالشكر، واسترجع فائتها بالصبر»(1).

وعنه (عليه السلام): «أقلُّ ما يلزمكم لله أنْ لا تستعينوا بنِعَمه على معاصيه»(2).

8 - إنَّ كمال الصلاة في نهيها عن الفحشاء والمنكر، فعلى المؤمن أنْ يجعل منها حاجزاً دون أيِّ منكر أو معصية، وخَرْقُ هذا الحاجب بفعل ما لا يجوز، يعني أنَّها لم تُؤَدَّ كما أراد الله تعالى، وبالتالي قد تنقلب من كونها (قربان كلِّ تقي)(3) إلى ما ذكره النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) حيث روي أنَّه قال: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلَّا بُعداً»(4).

ص: 71


1- عيون الحِكَم والمواعظ لعليِّ بن محمّد الليثي الواسطي (ص 123).
2- نهج البلاغة (ج 4/ ص 78).
3- نهج البلاغة (ج 4/ ص 34).
4- بحار الأنوار للعلَّامة المجلسي (ج 79/ ص 198).

9 - ما أجمل أن يكون المؤمن محسناً في العطاء وفي المنع على حدٍّ سواء، فعندما يأتيه سائل، فإنْ أعطاه فبها، وإلَّا ردَّه بماء وجهه ردّاً جميلاً، فإنْ لم يُحسِن له بماله، أحسن له بقوله، وقد قال تعالى: ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا

تَنْهَرْ﴾ (الضحى: 10).

وقد كان من صفات نبيِّنا الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنَّه ما سأله أحد حاجة إلَّا رجع بها أو بميسور من القول(1).

10 - أفضل ما في الوجود هو الإنسان، وأفضل ما في الإنسان هي مضغة فيه تُسمّى القلب، وهي مركز المشاعر والأحاسيس وغيرها، وإنَّما سُمّي القلبُ قلباً لتقلُّبه وعدم استقراره؛ ولذا، فإنَّ له حالات متعدِّدة، كما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: «القلوب ثلاثة: قلب منكوس لا يعي شيئاً من الخير، وهو قلب الكافر، وقلب فيه نكتة سوداء، فالخير والشرُّ فيه

ص: 72


1- معاني الأخبار للشيخ الصدوق (ص 82).

يعتلجان(1)،

فأيُّهما كانت منه غلب عليه، وقلب مفتوح فيه مصابيح تزهر، ولا يطفأ نوره إلى يوم القيامة، وهو قلب المؤمن»(2).

11 - ليست الكثرة علامة الحقّانية، ولا هي ملاكها وأساسها، فإنَّ الحقَّ أمر ثابت واضح، والقرآن يُنبِّه على أنَّ الكثرة قد تكون في طريق الباطل، فيقول تعالى: ﴿بَلْ جاءَهُمْ بِالحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ﴾.

إذاً، المؤمن وإنْ كان يعيش بين قلَّة مثله، إلَّا أنَّ الكثرة لا تعني إلَّا الوحشة الإيمانية، ممَّا يعني أنَّهم قد يُمثِّلون أُنساً للمؤمنين في هذه الحياة الموحشة، ويعني أيضاً أنَّ على المؤمن أنْ لا يقطع علاقته تماماً بالكثرة، فإنَّ الحياة بالتالي تجمع بين المؤمن وبين غيره، فعليه أنْ يتعايش مع الجميع بما لا يُؤثِّر على دينه.

ص: 73


1- الاعتلاج: المصارعة وما يشابهها. (من هامش المصدر).
2- الكافي للشيخ الكليني (ج 2/ ص 422/ باب في ظلمة قلب المنافق وإنْ أعطى اللسان، ونور قلب المؤمن وإنْ قصَّر به لسانه/ ح 3).

12 - اجتهد في الطاعة، ولا تعتمد على شرفية النسب فقط، وضع في حساباتك ما روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «خلق الله الجنَّة لمن أطاعه وأحسن ولو كان حبشياً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيِّداً قرشياً، أمَا سمعت قوله تعالى: ﴿فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ﴾ (المؤمنون: 101)، والله لا ينفعك غداً إلَّا تقدمةٌ تُقدِّمها من عمل صالح»(1).

13 - من الطبيعي جدّاً أنْ لا عاقل يرضى لنفسه بالإهانة والذلِّ، بل يريد لها العزَّ والسؤدد، ولكن قد نغفل عن بعض الأُمور التي تُؤدّي إلى المهانة من حيث لا نشعر؛ لذا أسعفتنا النصوص الدِّينية بمفردات علينا أنْ نلتفت إليها جيِّداً، ونبتعد عنها كثيراً، ومنها إظهار العوز والفقر، فقد روي عن لقمان الحكيم أنَّه

ص: 74


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب (ج 3/ ص 291 و292).

قال لابنه: يا بنيَّ، ذقت الصبر وأكلت لحاء الشجر، فلم أجد شيئاً هو أمرَّ من الفقر، فإنْ بُليتَ به يوماً فلا

تُظهِر الناس عليه فيستهينوك ولا ينفعوك بشيء، ارجع إلى الذي ابتلاك به، فهو أقدر على فرجك وسَلْه، من ذا الذي سأله فلم يُعطِه أو وثق به فلم يُنجِه؟!»(1).

14 - روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنَّه قال: «لأعلمنَّ أقواماً من أُمَّتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباءً منثوراً! أمَا إنَّهم إخوانكم من أهل جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنَّهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها»(2).

يا الله! ما العمل والحال هذه؟

إن مقتضى الاحتياط العقلي هو: أنْ يُحيط المؤمن عمله الصالح بسور من الورع والتقوى والابتعاد

ص: 75


1- الكافي للشيخ الكليني (ج 4/ ص 22/ باب كراهية المسألة/ ح 8).
2- كنز العُمّال للمتَّقي الهندي (ج 16/ ص 5/ ح 43685)؛ وميزان الحكمة للريشهري (ج 1/ ص 528/ مادَّة الحبط).

عن الحرام، فهذا هو ما يحفظ العمل عن أنْ يسرقه ذنبٌ، أو تخطفه معصية.

15 - قال تعالى: ﴿مَنْ جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾.

خلاصة القول في الآية: أنَّ ملاك العمل الصالح ليس في عمله فقط، وإنما في الحفاظ عليه من أنْ يُحبط بعمل سيِّء حتى يجيء به يوم القيامة، وبالتالي، على المؤمن أنْ يكون حذراً جدّاً من أن يخسر أعماله الصالحة، ممَّا تَعِبَ في تحصيلها، وبذل جهده ووقته وربَّما راحته وماله من أجلها.

ص: 76

القندیل السابع عشر: محطات في طريق العُلى:

1 - لا ينبغي أنْ ينظر الفرد منّا إلى نفسه باستصغار واستخفاف، فكلُّ واحدٍ منّا يملك الإرادة التي إنْ عمل على تقويتها جعلت منه إنساناً عظيماً، بحيث إنه حتى لو مات جسده، فإن ذكره يبقى خالداً، والذكر يُخلّد الإنسان عمراً طويلاً...

2 - إنَّ الاعتقاد برحمانية وغفران الله تعالى وغناه عن طاعة العابدين وتعذيب العاصين، إنما هي نظرة لجانبٍ واحدٍ من جوانب اللوحة، مع تناسي الجانب الثاني منها.

علينا أن ننظر أيضاً إلى الجانب الثاني من صفاته تعالى، وهو ما قاله سبحانه: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (المائدة:98).

لابدَّ من ملاحظة صورة الدِّين كاملة، سواءً في دراسة الدِّين، أو في التعامل الشخصي مع الدِّين، أو في محاولة تقديم الدِّين إلى الآخر.

ص: 77

3 - إنَّ الفعل عندما يصدر من الإنسان العاقل فإنَّه يتَّكئ على العديد من المبادئ، أو الدوافع الداخلية التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجرَّدة، والتي تلوّن الفعل بما لا نراه بأعيننا، فكلُّ فعل إذاً يُحتمل أن يكون إيجابياً، أو سلبياً، واحتمال كونه صادراً عن أحدهما لا ينفي احتمال صدوره عن الآخر.

فلِمَ البعض لا يُحسن سوى إساءة الظن بالآخرين؟!

4 - كثيرٌ من الناس لا يتريث بالحكم، ويكفيه أن يراك على حالة معينة ليُلصق بك حكماً أبدياً، ومن هنا، كان من التعقل الابتعاد عن مواقع التهمة، كالدخول في أماكن الفساد، أو مرافقة الطالحين، أو السفر إلى البلدان التي يكثر فيها الفساد من دون مبرّر، فإنَّ «من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومنَّ من أساء به الظنَّ»(1).

ص: 78


1- نهج البلاغة (ج 4/ ص 41).

5 - كما أنَّ القدوة الحسنة تدفع بالمقتدي بها نحو الفضائل، فإنَّ القدوة السيِّئة تسحب الفرد إلى الرذائل، فاحرص على اختيار قدوتك بعناية، فإنما هما نجدان: حقٌ، وباطلٌ، ولا عذر لأحد منّا اليوم، فالعلم صار يطرق أبوابنا على غير عادته، فاغتنم الفرصة، واستعن بمثالٍ يقودك نحو النجاة...

6 - إنَّ تزكية النفس ليست من الأُمور الثانوية، التي تُرِكَت لرغبة الفرد أو مزاجه؟

وإنَّما هو أساس المطلوب من المؤمن عموماً، فترك المحرَّمات (التخلية أو الطهارة) وفعل الواجبات (التحلية أو النموُّ) وبالتالي معرفة الحقِّ والسير وفق منهجه المنضبط (التجلية أو الصلاح) هو الإسلام لا غير؟

وأيُّ تقصير في أيِّ مفردة من هذه المفردات يعني خللاً في المنظومة المعرفية والعملية للمؤمن.

ص: 79

7 - قال: تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ [المجادلة 22]

هي واضحة جداً، فالمبدأ أولاً، لأنه هو ما يصنع الإنسان، ويحفظ له وجوده، وكيانه، وذاته، وأمَّا المصالح فهي مؤقَّتة مهما كانت مهمة وكبيرة، ولعلها تهدر كرامتك، وتغدر بك قبل أن ينبلج الصباح، ولات حين مندمِ...

8 - للكون وجهان: وجه مشرق، وآخر مظلم، فنهار وليل، وخير وشرٌّ، وفرح وحزن، وشبع وجوع، وأمن وخوف، وعقل وجنون، وغنى وفقر، وعلم وجهل.

ومن كمال العقل النظر إلى الجانب المشرق ولو في أحلك الظروف، فهذا ما يُساعدك على تجاوز

ص: 80

المحنة مهما كانت، فهذا الإمام الكاظم (عليه السلام) رغم آلام السجن والغربة والابتعاد عن الأهل كان يقول: «اللّهمّ إنَّك تعلم أنّي كنت أسألك أنْ تُفرِّغني لعبادتك، اللّهمّ وقد فعلت، فلك الحمد»(1).

9 - قال تعالى: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 139).

لقد نهى الله تعالى المسلمين عن الاستسلام لليأس والحزن أو الشعور بالضعف والهوان بعد خسارتهم في واقعة أحد؛ لأن التعامل الصحيح بعد وقوع الأزمات يكون بتوجيه النظر إلى نقاط الضعف لتقويتها، وتركيز الذهن على الحلول وتنفيذها.

10 - ليس الدِّين مجرَّد طقوس تُتلى في المساجد، لكنه مشروع يتدخَّل في كلِّ جزئيات الحياة، ويتحكَّم بجميع التصرُّفات، فيرسم خارطة الطريق نحو المعالي في

ص: 81


1- الإرشاد للشيخ المفيد (ج 2/ ص 240).

الدنيا، ويُلقي بحبل الفلاح للنجاة في الآخرة، وما دونه إلا التخبط، والضياع، والفوضى...

11 - يعيش الإنسان صراعاً مع نفسه وشهواتها لا ينتصر فيه إلا ذو العزيمة الثابتة والإرادة الثاقبة.

خذ مثالاً على ذلك: أن الروح تنتعش بثقافة العطاء والجود والكرم، وتأبى النفس الأمارة البخيلة ذلك، فيقف المرء بين نداء روحه وهتاف نفسه، وهنا، يكون الدور الأكبر للإرادة، والعزم، والبصيرة.

12 - ورد في دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة: «عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقِيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلَ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيباً، إِلهِي... ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ وَما الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ؟! لَقَدْ خابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلاً وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغى عَنْكَ مُتَحَوَّلاً...»(1).

إنَّ المرتبط بالله سبحانه دوماً في حالة انتفاع

ص: 82


1- بحار الأنوار للعلَّامة المجلسي (ج 95/ ص 226).

وربح وإن كان في شدَّة، والعكس بالعكس، أي إن غير المرتبط بالله تعالى هو في خسران وضياع وإن كان يتنعّم في هذه الدنيا ظاهراً.

ضع تلك الفقرات من الدعاء نصب عينيك، حاول أن تطبق ما فيها عملاً في سلوكك اليومي، وسترى ما يُفرحك دوماً...

13 - إن ابتلاء المؤمن وإنْ كان كله خيراً - لأنه إما أنْ يكون تكفيراً عن ذنب أو رفعاً لدرجة - إلّا أنَه ليس من الصحيح الاستسلام له، بل ينبغي دفعه بالأسباب الطبيعية ما أمكنه؛ فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «إنَّ نبيّاً من الأنبياء مرض فقال: لا أتداوى حتَّى يكون الذي أمرضني هو

الذي يشفيني، فأوحى الله تعالى: لا أشفيك حتَّى تتداوى، فإنَّ الشفاء منّي والدواء منّي، فجعل يتداوى، فأتى الشفاء»(1).

ص: 83


1- مكارم الأخلاق للشيخ الطبرسي (ص 362).

14 - أين تكمن سعادة الإنسان؟

اختلف الناس... فهناك من حصَرها بالاعتناء بالجانب الروحي فقط، محتقراً حقوق الجسم، وهناك من حصرها بالجانب الجسمي فقط، فطلب إشباع لذائذه ولو بطريقة: الغاية تبرر الوسيلة.

أمّا الدين، فقد وزّع سعادة الإنسان بين الروح والجسم، فاعتنى بالروح كثيراً، ولم يُهمل الجسم دون أن يُعطيه حقوقه، وبذلك يربح الإنسان خير الدنيا والآخرة، وهذه هي غاية الربح.

15 - قد نستغرب كثيراً ممن رأى النبي (صلّى الله عليه وآله) وخالفه وما آبَ معه، وقد نستغرب كثيراً من إنسان لا ترى للإنسانية حضوراً في سلوكه، ولا للاستقامة تواجداً في أفعاله.

وقد نسأل عن السبب وراء ذلك؟

إن الجواب نجده في ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام):

ص: 84

«مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وفِي قَلْبِه نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، فَإِذَا أَذْنَبَ ذَنْباً خَرَجَ فِي النُّكْتَةِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِنْ تَابَ ذَهَبَ ذَلِكَ السَّوَادُ، وإِنْ تَمَادَى فِي الذُّنُوبِ زَادَ ذَلِكَ السَّوَادُ، حَتَّى يُغَطِّيَ البَيَاضَ، فَإِذَا غَطَّى البَيَاضَ لَمْ يَرْجِعْ صَاحِبُه إِلَى خَيْرٍ أَبَداً، وهُوَ قَوْلُ الله (عَزَّ وجَلَّ): ﴿كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطفِّفين: 14]»(1).

ص: 85


1- الكافي للشيخ الكليني (ج 2/ ص 273/ باب الذنوب/ ح 20).

القندیل الثامن عشر: ضع في حساباتك...

1 - عليك أن تتصف بما يجعلك تلتزم طريق الاستقامة، وأن من صفات المتقين أنَّهم (لَا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ القَلِيلَ، وَلَا يَسْتَكْثِرُونَ الكَثِيرَ، فَهُمْ لأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ، وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ، إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَه، فَيَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي، وَرَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي، اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ)(1).

2 - إنّ مبدأ (الوقاية خير من العلاج) لا يقتصر وجوب مراعاته على سلامة الأبدان وحسب، بل يمتد ليشمل سلامة النفوس أيضاً، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قال: «اجتناب السيِّئات أولى

ص: 86


1- نهج البلاغة (ج 2/ ص 162 و163).

من اكتساب الحسنات»(1)

3 - إنَّ أعظم كنز يمكن أنْ يستفيد منه المرء في الانطلاق نحو المجد، ونحو بلوغ الكمال، هي النيَّة الراسخة والعزيمة القويَّة، لا المال، ولا الجاه، ولا المناصب، ولا غيرها، وإن كانت كلها عوامل مساعدة على ذلك أحياناً.

فكم من شخص فقير الحال، ضعيف البدن، لكنَّه بإرادته وصل إلى ما لم يصل إليه أصحاب الأموال الطائلة والعضلات المفتولة!

وقد أشار الإمام الصادق (عليه السلام) إلى هذه الحقيقة بقوله: «ما ضعف بدن عمَّا قويت عليه النيَّة»(2).

4 - بإمكان المؤمن أنْ يفتح لنفسه باباً إلى الثواب الأخروي دون أن يبذل أدنى جهدٍ اضافي، وذلك

ص: 87


1- عيون الحِكَم والمواعظ لعليِّ بن محمّد الليثي الواسطي (ص 125).
2- أمالي الشيخ الصدوق (ص 408/ ح 526/6).

بأنْ يأتي بالأعمال التوصلية والمباحات التي يفعلها بدافع الحاجة الفطرية أو الطبيعية، يأتي بها بنية القربة إلى الله تعالى.

وقد روي في وصيَّة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) لأبي ذرٍّ (رضوان الله عليه) أنَّه قال له: «يا أبا ذرٍّ: ليكن لك في كلِّ شيء نيَّةٌ صالحةٌ، حتَّى في النوم والأكل»(1).

5 - إنَّ طلب الدنيا ليس مذموماً في حدِّ ذاته، وإنما الذي يحدّد المذموم منها من الممدوح هو الهدف من طلبها، فإن كان للدنيا فحسب، فهو مذموم، وإن كان للآخرة فهو سبيلٌ لها.

وقد أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى كليهما بقوله للعلاء بن زياد الحارثي لما رأى سعة داره: «مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِسِعَةِ هَذِه الدَّارِ فِي الدُّنْيَا، وأَنْتَ إِلَيْهَا فِي الآخِرَةِ كُنْتَ أَحْوَجَ، وبَلَى إِنْ شِئْتَ بَلَغْتَ بِهَا

ص: 88


1- مكارم الأخلاق للشيخ الطبرسي (ص 464).

الآخِرَةَ، تَقْرِي فِيهَا الضَّيْفَ وتَصِلُ فِيهَا الرَّحِمَ، وتُطْلِعُ مِنْهَا الحُقُوقَ مَطَالِعَهَا، فَإِذاً أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ بِهَا الآخِرَةَ»(1).

6 - إنَّ التكسب عبادة، وإنَّ من يجمع بينه وبين العبادة أعبد ممن هو متفرغٌ لها فقط، فقد روي أنَّ السيِّد المسيح (عليه السلام) قال لرجل: «ما تصنع؟»، قال: أتعبَّد، قال: «فمن يعود عليك؟»، قال: أخي، قال: «أخوك أعبد منك»(2).

7 - إنَّ الانتماء إلى أهل البيت (عليهم السلام) هو مسؤولية كما هو فخرٌ وكرامة، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال لأحدهم ممن كان يدّعي التشيع لهم: «يا شقران، إنَّ الحسن من كلِّ أحد حسن، وإنَّه منك أحسن، لمكانك منّا، وإنَّ القبيح من كلِّ أحد قبيح، وإنَّه منك أقبح»(3).

ص: 89


1- نهج البلاغة ج 2/ ص 187 و188
2- ميزان الحكمة للريشهري (ج 3/ ص 1800/ مادَّة العبادة)، نقلاً عن تنبيه الخواطر للشيخ ورّام (ج 1/ ص 39 و65)
3- بحار الأنوار ح47ص350

8 - إنَّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) سيشكو هاجري القرآن إلى الله يوم القيامة، قال تعالى: ﴿وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً﴾ (الفرقان: 30).

وإنَّ هجران القرآن قد يكون على مستوى هجران القراءة، أو على مستوى عدم الالتزام بأحكامه، أو على مستوى عدم السير على هَدْيه، وهكذا.

9 - إنَّ من حق القرآن على المسلمين - بحسب بعض الروايات - أنْ يتعاهدوه بالقراءة اليومية، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «القُرْآنُ عَهْدُ الله إِلَى خَلْقِه، فَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ المُسْلِمِ أَنْ يَنْظُرَ فِي عَهْدِه، وأَنْ يَقْرَأَ مِنْه فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسِينَ آيَةً»(1).

ص: 90


1- الكافي للشيخ الكليني (ج 2/ ص 609/ باب في قراءته/ ح 1).

10 - إنَّ الإسلام لم يكن يوماً ضد المصالح الشخصية للإنسان، وإنما هو معها ما دام هو على الطريق المستقيم، فلم يمل من حق إلى باطل، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «لَا خَيْرَ فِي مَنْ لَا يُحِبُّ جَمْعَ المَالِ مِنْ حَلَالٍ، يَكُفُّ بِه وَجْهَه، ويَقْضِي بِه دَيْنَه، ويَصِلُ بِه رَحِمَه»(1)

لكن ذلك بشرط أنْ لا يجرح لأجل تلك المصالح مشاعر مبادئه واعتقاداته، أو يتجاوز على الخطوط الحمراء للشريعة والعقيدة.

11 - إنَّ المرء إذا كان داخلاً ضمن دائرة الرضا الإلهي، فإن هذا يكفيه لمواجهة كلِّ صعوبات الحياة، وهذا الأمر هو ما ترجمته السيِّدة زينب (عليها السلام) في مجلس ابن زياد، لمَّا قال ابن زياد لها: كيف رأيتِ صنع الله بأهل بيتكِ؟ فقالت:

ص: 91


1- الكافي للشيخ الكليني (ج 5/ ص 71 و72/ باب الاستعانة بالدنيا على الآخرة/ ح 5).

«ما رأيت إلَّا جميلاً، هؤلاء قوم كُتِبَ عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاجّ وتُخاصَم، فانظر لمن الفلج، هبلتك أُمُّك يا ابن مرجانة...»(1).

12 - كما أن الذاكرة نعمة على الإنسان، كذلك فإنَّ النسيان نعمة، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «...وأعظم من النعمة على الإنسان في الحفظ النعمة في النسيان، فإنَّه لولا النسيان لما سلا أحد عن مصيبة، ولا انقضت له حسرة، ولا مات له حقد، ولا استمتع بشيء من متاع الدنيا مع تذكُّر الآفات، ولا رجا غفلة من سلطان، ولا فترة من حاسد، أفلا ترى كيف جعل في الإنسان الحفظ والنسيان، وهما مختلفان متضادّان، وجعل له في كلٍّ منهما ضرب من المصلحة؟...»(2).

ص: 92


1- مثير الأحزان لابن نما الحلّي (ص 71)؛ بحار الأنوار للعلَّامة المجلسي (ج 45/ ص 115 و116) بتفاوت يسير
2- بحار الأنوار للعلَّامة المجلسي (ج 3/ ص 81).

13 - إنَّ أهمَّ مسؤولية للمسلم هي أنْ يكون مهتدياً وهادياً، متوازناً في ذلك بين الدنيا والآخرة، فلا إفراط ولا تفريط في كلا جانبي الحياة الدنيا والآخرة، وهذه المسؤولية تختلف من شخص لآخر حسب

وضعه، وهذا ما يُعبِّر عنه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيما روي عنه: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته، فالإمام راعٍ وهو المسؤول عن رعيَّته، والرجل في أهله راعٍ وهو مسؤول عن رعيَّته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيَّتها، والخادم في مال سيِّده راعٍ وهو مسؤول عن رعيَّته، والرجل في مال أبيه راعٍ وهو مسؤول عن رعيَّته، وكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته»(1).

14 - إنَّ معنى التقوى مركَّب من أمرين: الأول هو: الورع، وهو الابتعاد عن المعاصي صغيرها وكبيرها، بل وعن الشبهات. والثاني هو: الاجتهاد، وهو بذل الجهد في

ص: 93


1- عوالي اللئالي لابن أبي جمهور الأحسائي (ج 1/ ص 129).

عمل الواجبات والطاعات.

فاعمل الواجبات، واترك المحرمات، تكن أتقى الناس.

وإن زدتَ - بفعل المستحبات وترك المكروهات - فستجد عند الله تعالى ما هو أكثر مما تتوقع.

15 - إنَّ هدايتك رجلاً نحو الخير والصلاح، هو خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت، فقد روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنَّه قال للإمام علي (عليه السلام) عندما أرسله إلى اليمن: «يَا عَلِيُّ، لَا تُقَاتِلَنَّ أَحَداً حَتَّى تَدْعُوَه، وأيْمُ الله، لأَنْ يَهْدِيَ الله عَلَى يَدَيْكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْه الشَّمْسُ وغَرَبَتْ، ولَكَ وَلَاؤُه يَا عَلِيُّ»(1).

ص: 94


1- الكافي للشيخ الكليني (ج 5/ ص 28/ باب وصيَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) في السرايا/ ح 4)

القندیل التاسع عشر: تأملات أُسرية:

1 - لا يشكُّ أحد في أنَّ أوَّل وأهمّ من يُؤثِّر في سلوك الأولاد هما أبواه، فإنَّ الولد وخلال عدَّة سنوات يكون حبيس بيت أبويه، ومن خلال المستشعرات التي جُهِّز بها تكويناً فإنَّه يأخذ بالتقاط واستشعار كلِّ تصرُّف وسلوك يصدر من أبويه، ليحتفظ بتلك الصور في ذهنه، ومن خلال عمليات ذهنية معقَّدة تتحوَّل تلك الصور المخزونة عنده إلى سلوك عملي.

2 - لو كسر ابنك يوماً إناءً زجاجياً باهض الثمن مثلاً، وهو في نشوة انتصاره على ذبابة ضربها؟! فلا تتوقع أنَّك ستسترجع الثمن منه بضربة على رأسه أو صفعة على خدِّه الناعم! فإنْ فعلت ذلك، فإنَّك لم تنظر إلى بهجة قلبه وهو يحسب نفسه قد انتصر على

ص: 95

عدوٍّ لدود يُهدِّد مصيره بالخطر وحياته بالدمار!

3 - بعض المربين يزرعون في قلوب الأطفال ثقافة الاهتمام برضا الناس ولو على حساب رضا الله تعالى، وخشيتهم على حساب خشيته، وهي ثقافة تناقض الثقافة الإسلامية تماماً، فقد ورد عن الإمام الحسين

(عليه السلام): من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أُمور الناس، ومن طلب رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس(1).

4 - ما أرقى أنْ يُعلِّم المربون الأطفال أنَ لا يسلكوا السبل التي تثلم من إيمانهم وإنْ بدت لهم سبل نجاةٍ؛ وأنَّ الثبات على الإيمان هو طريق النجاة الأوحد؛ لأن الله تعالى حينئذٍ هو من يتولى الدفاع عنهم، قال عزَ من قائل: ﴿إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ (الحجّ: 38).

ص: 96


1- أمالي الشيخ الصدوق (ص 268)؛ الاختصاص للشيخ المفيد (ص 225).

5 - لعل البعض لا يعلم أنه يمكن أن يكون الأولاد والأزواج أعداءً! وهو ما أشار له قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾ [التغابن 14]

ويكون ذلك كما إذا تدخلوا في منع الأب عن عمل الخير، أو كانوا سبباً في إلجائه إلى فعل الحرام، أو فعلوا ما يسبب الأذى على الوالدين، وما شابه هذه الأمور.

6 - ربما يلتزم البعض بطلاقة الوجه مع أصدقائه وزملائه، إلَّا أنَّه إذا دخل بيته لم يرَ أهله منه إلَّا وجهاً عبوساً، ولساناً يقطر قمطريراً! والحال أن المفترض أنْ يكون لأهل بيته النصيب الأوفر من هذا الخُلُق الطيِّب، فقد روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «عيال الرجل أُسراؤه، وأحبّ العباد إلى الله أحسنهم صنعاً إلى أُسرائه»(1).

ص: 97


1- من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق (ج 3/ ص 555/ ح 4909).

7 - من عظيم لطف الله تعالى أنَّه جعل حلم الرجل عن أهل بيته عبادة عظيمة، ومن عظيم رحمته تعالى بهم أنه جعل ظلمهم ظلماً عظيماً، فقد روي عن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله): «إنَّ الرجل ليُدرك بالحِلْم درجة الصائم القائم، وإنَّه ليُكتَب جبّاراً ولا يملك إلَّا أهل بيته»(1).

8 - صحيحٌ أنَّ على المؤمن أنْ يلتزم نفقة عياله، وأنَّ عليه أنْ يوفّر لهم حياةً كريمةً، وأنْ يجعلهم في مأمنٍ من صروف الدهر، ولكن ليس من الصحيح أنْ يوفر هذه الأمور بهلاك وشقاء نفسه، إذ لن يشفع له أهله وولده ولا عشيرته، قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾.

فأنت وحدك من ستتحمَّل تبعات عملك، فكن على حذر.

ص: 98


1- كنز العُمّال للمتَّقي الهندي (ج 3/ ص 129/ ح 5809).

9 - لا تكن بخيلاً، لا على نفسك، ولا على عيالك، فالمال خُلق ليكون بخدمتك، ليقضي لك حوائجك، ولتبلغ به مآربك، وليس هو هدفاً في حدّ نفسه، وليكن نصب أعيننا قولُ أمير المؤمنين: «عجبتُ للبخيل!

يستعجل الفقر الذي منه هرب، ويفوته الغنى الذي إيّاه طلب، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويُحاسَب في الآخرة حساب الأغنياء»(1).

فلا تكن خازناً لغيرك، فعليك أنْ تنفع نفسك أوَّلاً، وأنْ تقيها من المصير المظلم، ثمّ تُفكِّر بغيرك، وعليك أيضاً أن لا تجعل أولادك يتمنون موتك ليرثوا أموالك.

10 - إنَّ عقوق الوالدين من الذنوب التي تُعجَّل عقوبتها في الحياة الدنيا، وإنه لا يُقبل عمل صالح إذا كان الولد عاقاً بوالديه، كما نصَّت الروايات الشريفة، وهذا لوحده كافٍ ليكون دافعاً للمؤمن أن يتحرى

ص: 99


1- نهج البلاغة (ج 4/ ص 29 و30).

مواضع رضا والديه، وأن يقدم رضاهما على رضاه ما أوتي إلى ذلك سبيلاً، وليتذكر ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «من نظر إلى أبويه نظر ماقت وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاة»(1).

فاعمل على أن تكون باراً بوالديك، مهما كانا، ومهما كنت، فلا شهادتك، ولا علمك، ولا أموالك، بالتي تبرّر لك عقوق والديك...

فهما جنتك ونارك...

11 - لا يوجد أبٌ عاقل - فضلاً عن مؤمن - لا يريد لأولاده الخير والنجاح، ولا يسعى إلى ذلك، ولكن علينا أن لا نعتمد على ما عندنا من أمور مادية، علينا أن لا ننسى أنَّ للتدخُّل الغيبي أثراً مهمّاً في صناعة المستقبل - مادّياً كان أو معنوياً -، ودعاء الوالدين لأولادهما يدخل تحت هذا المضمار، ولذا كان من الأدعية المستجابة هو دعاء الوالد لولده، فقد روي

ص: 100


1- الكافي للشيخ الكليني (ج 2/ ص 349/ باب العقوق/ ح 5).

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أَرْبَعَةٌ لَا تُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ حَتَّى تُفَتَّحَ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وتَصِيرَ إِلَى العَرْشِ: الوَالِدُ لِوَلَدِه، والمَظْلُومُ عَلَى مَنْ ظَلَمَه، والمُعْتَمِرُ حَتَّى يَرْجِعَ، والصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ»(1).

12 - نحن لا نغذي أولادنا الطعام فقط، وإنما نغذيهم بالأخلاق أيضاً، ونحن بالنسبة لهم أعظم قدوة، خصوصاً في بدايات حياتهم، لذا، علينا أن نعلمّ أولادنا أنَّهم حتَّى إذا أخطأوا، فإنَّ منجاهم الأمثل هو الصدق، وأنَّهم إذا صدقوا فلن يصيبهم أيُّ مكروه، وعلينا أنْ نجعلهم يحسُّون بقيمة الصدق عندما نعفو عن خطأ ارتكبوه واعترفوا به من دون كذب.

13 - ليس من الصحيح تلقين الأولاد العقيدة بصورة عمياء وغير مستدلَّة، بل لا بدَّ أنْ يتهيَّأ الأبوان لنقل

ص: 101


1- في الكافي للشيخ الكليني (ج 2/ ص 510/ باب مَنْ تستجاب دعوته/ ح 6).

العقيدة الصحيحة لأولادهم بطريقة علمية مستدلَّة تتناسب مع المستوى الثقافي والعقلي للأولاد، وهذا

معناه: أنَّ على الأبوين أنْ يتسلَّحا بالمعرفة الكافية بطُرُق إيصال العقيدة، بعد تسلُّحهم بالأدلَّة على حقّانيتها.

واستعدَّ، ففي يوم من الأيّام سيسألك ولدك ذو الأربع سنوات: أين الله؟

14 - هناك ساعات محدَّدة لا بدَّ أنْ يأخذ فيها الطفل راحته، وأنْ يستسلم فيها للنوم.

علِّموه أنَّ وقت النوم محترم، ولا يجوز التجاوز عليه من دون مبرِّر، وإلَّا لسرق البدنُ لنفسه بعضاً من ساعات اليقظة والإنتاج، الأمر الذي سيُؤثِّر على وقت المدرسة مثلاً.

15 - من المهامّ الأساسية في التربية: الاهتمام بالصحَّة النفسية للطفل، المتمثِّلة باحترامه وتقديره الذاتي، واحترام خصوصياته، وعدم إهانته، والاستماع إليه،

ص: 102

وحلِّ مشاكله، كلُّ ذلك من شأنه أن يُطوِّر من حالته النفسية ويُنمّي الجانب المعنوي فيها.

ويدخل في ضمن هذه النقطة الجلوس مع الأولاد أطول وقت ممكن، وعدم تركهم تحت ذمَّة برامج التلفاز، فإنَّه قد يصل الأمر إلى أن يُصاب أحدهم بالتوحُّد، أو أنَّه يصل إلى مرحلة لا يأنس فيها إلَّا بأبطاله الافتراضيين عبر الصندوق الناطق.

ص: 103

القندیل العشرون: ليكن معلوماً:

1 - ليكن معلوماً: أن للنفس حركتين:

تصاعدية: تبدأ من تخليتها من المعاصي، ثمّ تحليتها بالفضائل والمكرمات، ثمّ تتجلى لها الحقائق كلُّها على ما هي عليها، فتلتحق بالفوز الأوفى، وهو الفناء في الذات، وهي السعادة الأبدية.

وأخرى تسافلية: وتنتهي إلى الإخلاد إلى الأرض، والاختلاط مع الأرواح الشرّيرة، وبذلك تصبح منبعاً للسيِّئات، ومصدراً للمفاسد، فيكون الفرد شيطاناً في صورة إنسان.

2 - ليكن معلوماً: أن الأعمال تنقسم دينياً إلى قسمين:

توصُّلية: وهي الأعمال التي تُطلَب نتيجتها، لا كيفية حصولها، ولا يُشترط البلوغ فيها، كتطهير الثوب من النجاسة مثلاً، إذ يمكن تطهيره بالنهر

ص: 104

أو الحوض أو الغسّالة أو ما شابه. وهذه لا تجب نية القُربى فيها.

وأخرى تعبُّدية، وهي الأفعال التي يُطلَب من المكلَّف حصولها بكيفية خاصَّة، وعن نيَّة وقصد، وقوامها نيَّة القربة إلى الله تعالى، ومن دون نيَّة خالصة لا تصحُّ.

3 - ليكن معلوماً: أنه ورد أنًّ نيَّة الإنسان هي سبب من أسباب خلوده في الجنة أو في النار، فقد سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن ذلك فأجاب: «إنَّما خُلِّدَ أهل النار في النار لأنَّ نيّاتهم كانت في الدنيا أنْ

لو خُلِّدوا فيها أنْ يعصوا الله أبداً، وإنَّما خُلِّدَ أهل الجنَّة في الجنَّة لأنَّ نيّاتهم كانت في الدنيا أنْ لو بقوا فيها أنْ يطيعوا الله أبداً، فبالنيّات خُلِّد هؤلاء وهؤلاء»، ثمّ تلا قوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ﴾ [الإسراء: 84]، أي على نيَّته»(1).

ص: 105


1- الكافي للشيخ الكليني (ج 2/ ص 294 و295/ باب الرياء/ ح 7).

4 - ليكن معلوماً: أنَّ العمل قد يُبتلى ببعض الشوائب التي تُبطِله، كالرياء، وقد لا يُوفَّق العبد للقيام به، بينما النيَّة سالمة من هذه الأُمور، وعليه فلا قيمة للعمل من دونها، ولذلك كان للعبد ثوابها وإنْ لم تقترن بعمل، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «إِنَّ العَبْدَ المُؤْمِنَ الفَقِيرَ لَيَقُولُ: يَا رَبِّ ارْزُقْنِي حَتَّى أَفْعَلَ كَذَا وكَذَا مِنَ البِرِّ ووُجُوه الخَيْرِ، فَإِذَا عَلِمَ الله (عَزَّ وجَلَّ) ذَلِكَ مِنْه بِصِدْقِ نِيَّةٍ، كَتَبَ الله لَه مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَا يَكْتُبُ لَه لَوْ عَمِلَه، إِنَّ الله وَاسِعٌ كَرِيمٌ»(1).

5 - ليكن معلوماً: أنه عندما تبشر الروايات الشريفة بمثل ما روي عن الرسول (صلّى الله عليه وآله): «اتَّقوا الله معاشر الشيعة فإنَّ الجنَّة لن تفوتكم وإنْ أبطأت بها عنكم قبائح أعمالكم فتنافسوا في درجاتها»(2)،

ص: 106


1- الكافي للشيخ الكليني (ج 2/ ص 85/ باب النيَّة/ح 2)
2- - التفسير المنسوب إلىٰ الإمام العسكري (عليه السلام) (ص 305 و306).

فإن ذلك لا يعني التغرير بمواقعة المعصية؛ ذلك لأنَّ النصوص الدِّينية الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) تُؤكِّد أنَّ التشيُّع طريق لطاعة الله تعالى، ومن لا يلتزم هذا الطريق فهو ليس شيعياً من رأس، كما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): «يا جابر، لا تذهبنَّ بك المذاهب... من كان لله مطيعاً فهو لنا وليٌّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوٌّ، وما تُنال ولايتنا إلَّا بالعمل والورع»(1).

6 - ليكن معلوماً: أن مما يثبت أنَّ معرفة الله وتوحيده هو أمر فطري، هو تعلق قلب الإنسان بالله تعالى عند الشدائد، فقد روي أنَّ رجلاً قال للإمام الصادق (عليه السلام): يا ابن رسول الله، دلَّني على الله ما هو؟ فقد أكثر عليَّ المجادلون وحيَّروني. فقال له: «يا عبد الله، هل ركبت سفينة قطُّ؟، قال: نعم، قال: «فهل كُسِرَ بك حيث لا سفينة تُنجيك ولا

ص: 107


1- الكافي للشيخ الكليني (ج 2/ ص 74 و75/ باب الطاعة والتقوى/ ح 3).

سباحة تُغنيك؟»، قال: نعم، قال: «فهل تعلَّق قلبك هنالك أنَّ شيئاً من الأشياء قادر على أنْ يُخلِّصك من ورطتك؟» فقال: نعم، قال الصادق (عليه السلام): «فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث»(1).

7 - ليكن معلوماً: أن مراحل التكامل الوجودي للإنسان هي ثلاث مراحل:

الأُولى: التخلية: بأنْ يتمَّ تنقية النفس من الرذائل.

الثانية: التحلية: بأنْ يتمَّ إشغال النفس بالفضائل.

الثالثة: التجلية: وهي من الجلاء بمعنى الظهور والانكشاف والتبيين، وهي نتيجة المرتبتين السابقتين، بأنْ تتجلّى الحقائق أمام عين العبد، فيعرف ربَّه ويعمل بما يريد.

ص: 108


1- التوحيد للشيخ الصدوق (ص 231).

8 - ليكن معلوماً: أنَّ واحداً من أساسات النفاق - الذي هو إظهار الإيمان وإضمار الكفر وأمثاله - هو الخوف من المؤمنين أكثر من الخوف من الله تعالى، وبالتالي يعود إلى الجهل بعظيم صفاته وجليل آياته سبحانه، قال تعالى: ﴿لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ﴾ (الحشر: 13).

9 - ليكن معلوماً: أنَّ في داخل كل إنسان محكمة داخلية تحاكمه عند كل خطأ يرتكبه، وتحاول هدايته إلى الطريق القويم وجعله يلتزمه ولا يتنكَّب عنه، وهو الإحساس النابع من الذات، والذي يُسمّيه القرآن الكريم (النفس اللوّامة)، أو كما يُسمّى ب-(الضمير)، وهي تنمو في داخل الإنسان كلَّما استمع إليها، وتضمر شيئاً فشيئاً إذا تجاهلها.

ص: 109

10 - ليكن معلوماً: أن مما يُفسر به ما روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنَّه قال: «أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَزْنُوا فَتَزْنِيَ نِسَاؤُكُمْ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ»(1)،

هو: أنَّ ذلك ليست هي العلَّة التامَّة لوقوع الفجور من نسائهم، وإنَّما المقصود هو المقتضي، بمعنى أنَّ فجور الرجال يُوفِّر الأجواء المناسبة لفجور النساء، فإنَّ هذه الأفعال الشائنة تنعكس على تصرُّفات نفس الفاجر، ممَّا يعني أنَّه قد يُوفِّر ظروفاً ملائمة تُؤدّي إلى انجرار نسائه إلى الفجور ولو بعد حين.

11 - ليكن معلوماً: أنَّ التشيُع ليس بمجرد ادّعاء حب أهل البيت (عليهم السلام)، بل هناك شروطٌ لابُدَّ أن تتوفر ليكون المؤمن شيعياً، ومنها ما ذُكر فيما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: «يَا جَابِرُ، أيَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ البَيْتِ، فَوَالله مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى الله وأَطَاعَه ومَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ

ص: 110


1- - الكافي للكليني 5: 553/ باب إنَّ من عفَّ عن حرم الناس عُفَّ عن حرمه/ ح 1.

والتَّخَشُّعِ والأَمَانَةِ، وكَثْرَةِ ذِكْرِ الله والصَّوْمِ والصَّلَاةِ والبِرِّ بِالوَالِدَيْنِ، والتَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ الفُقَرَاءِ وأَهْلِ المَسْكَنَةِ والغَارِمِينَ والأَيْتَامِ، وصِدْقِ الحَدِيثِ وتِلَاوَةِ القُرْآنِ وكَفِّ الالسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ وكَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الأَشْيَاءِ»(1).

12 - ليكن معلوماً: أنه يمكن أنْ يأمن العبد من خطر الاستدراج، وذلك عند الالتزام بشكر النعمة بأداء حقِّها لله تعالى، وعدم الانجرار وراء المعاصي، أو استعمال النِّعَم الإلهيَّة فيما يُغضِبه جلَّ وعلا، فعن عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): إِنِّي سَالتُ الله (عَزَّ وجَلَّ) أَنْ يَرْزُقَنِي مَالاً فَرَزَقَنِي، وإِنِّي سَالتُ

الله أَنْ يَرْزُقَنِي وَلَداً فَرَزَقَنِي وَلَداً، وسَالتُه أَنْ يَرْزُقَنِي دَاراً فَرَزَقَنِي، وقَدْ خِفْتُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجاً؟ فَقَالَ (عليه السلام): أَمَا والله مَعَ الحَمْدِ فَلَا»(2).

ص: 111


1- الكافي للكليني ج2 ص 74 بَابُ الطَّاعَةِ والتَّقْوَى ح3.
2- الكافي للكليني ج2 ص 97 بَابُ الشُّكْرِ ح17.

13 - ليكن معلوماً: أن بعض الناس يكون الموت خيراً له من الحياة، ليس لأنه مريض قد يئس الأطباء من علاجه فملّه أهله، وليس لأنه غريم قد أغرقته الديون، ففَقَد لذة الكرى لأجل ذلك، وإنما لأنه فرّط في ساعات حياته، وأهمل الاستفادة منها في خير للدنيا أو للآخرة، فكان كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، ومن كان آخر يوميه شرَّهما فهو ملعون، ومن لم يرَ الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة»(1).

14 - ليكن معلوماً: أنَّ الفضائل مستمرَّة في مراتبها الكمالية إلى ما لا نهاية، وهو ما يُشير إليه قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾ (الحجر: 99)،

ص: 112


1- معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص 342.

وقد فسَّروا اليقين بالموت، فيكون المعنى: اعبد ربَّك ما دمت حيّاً(1).

ولو كان للفضائل سقف محدَّد، لأمكن أنْ يصل فردٌ ما إليها، وبالتالي تنقطع العبادة عندها، ولكنّا نجد أنَّ أعظم مخلوق خلقه الله تعالى، وهو الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، على ما هو عليه من الكمال، كان يُتعِب نفسه بالعبادة، بحيث كان يُصلّي على أطراف أصابعه، ولمَّا عوتب على ذلك قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً؟»(2).

15 - ليكن معلوماً: أنه مهما سقط البعض في الرذائل، ومهما ابتعد عن سُلَّم الكمال، فعليه أنْ يعرف أنَّ باب التوبة مفتوح، وأنَّه تعالى لن يغلقه بوجه عبد قصده مخلصاً، فطريق الرذائل وإنْ كان تنازلياً، بل هو عبارة عن سقوط في الهاوية، ولكن ذلك لا يمنع الفرد

ص: 113


1- تفسير شُبَّر (شرح ص 266).
2- (الكافي للشيخ الكليني: ج 2/ ص 95/ باب الشكر/ ح 6).

من أنْ يتشبَّث بحبل التوبة، وسُلَّم الرأفة والعطف والعفو الإلهي.

عن معاوية بن وهب، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إِذَا تَابَ العَبْدُ تَوْبَةً نَصُوحاً أَحَبَّه الله فَسَتَرَ عَلَيْه فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ. فَقُلْتُ: وكَيْفَ يَسْتُرُ عَلَيْه؟

قَالَ: يُنْسِي مَلَكَيْه مَا كَتَبَا عَلَيْه مِنَ الذُّنُوبِ، ويُوحِي إِلَى جَوَارِحِه: اكْتُمِي عَلَيْه ذُنُوبَه، ويُوحِي إِلَى بِقَاعِ الأَرْضِ: اكْتُمِي مَا كَانَ يَعْمَلُ عَلَيْكِ مِنَ الذُّنُوبِ، فَيَلْقَى الله حِينَ يَلْقَاه ولَيْسَ شَيْءٌ يَشْهَدُ عَلَيْه بِشَيْءٍ مِنَ

الذُّنُوبِ»(1).

ص: 114


1- الكافي للشيخ الكليني (ج 2/ ص 430 و431/ باب التوبة/ ح 1).

ختاماً:

الأرض مزرعتك...

والإرادة معولك...

وأيام عمرك رأس مالك...

لن تصل إلى هدفك بالكسل، وبالتواكل، وبالتململ، وبالتضجّر...

إنما هو العمل، والجدّ، والعزم...

وليكن نصب عينيك: (إِلىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ. يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ. بَلِ الْإِنْسانُ عَلىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَلَوْ أَلْقىٰ مَعاذِيرَهُ.) [القيامة 12 – 15]

إذ: (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدّثر 38]

ص: 115

الفهرس

الإهداء ........................................................ 4

المقدمة ........................................................ 5

مقدمة المعهد .................................................. 6

القندیل الأول: نظام الدين ................................... 8

القندیل الثاني: المراقبة الإلهية .............................. 12

القندیل الثالث: الحذر من النفس الأمارة بالسوء ........ 15

القندیل الرابع: إزالة الحجب .............................. 18

القندیل الخامس: التحذير من الذنوب .................... 22

القندیل السادس: حقوق البدن ........................... 26

القندیل السابع: الدقة في الفتوىٰ ........................... 29

القندیل الثامن: الحذر من نعمة المال ..................... 33

القندیل التاسع: حقوق الأولاد ............................ 3

ص: 116

القندیل العاشر: الابتعاد عن الوقوع في أعراض الناس .... 39

القندیل الحادي عشر: العفاف ........................... 42

القندیل الثاني عشر: التحذير من الكذب .................... 46

القندیل الثالث عشر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...... 49

القندیل الرابع عشر: تنظيم الوقت ........................ 53

القندیل الخامس عشر: هل تعلم؟! ........................ 57

القندیل السادس عشر: نواقيس في طريق التكامل ......... 67

القندیل السابع عشر: محطات في طريق العُى .............. 77

القندیل الثامن عشر: ضع في حساباتك... .................. 86

القندیل التاسع عشر: تأمات أُسرية ...................... 95

القندیل العشرون: ليكن معلوماً... ........................ 104

الفهرس .................................................... 11

ص: 116

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.