رسالات تربوية
تأليف
الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي
تقديم
معهد تراث الأنبياء للدراسات الحوزوية الإلكترونية
الطبعة الأُولىٰ: 1440ﻫ
العدد: 1000 نسخة
جميع الحقوق محفوظة للمعهد
ص: 1
سلسلة: تربية.. بلون جديد
الحلقة الثانية
رسالات تربوية
الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي
تقديم
معهد تراث الأنبياء للدراسات الحوزوية الإلكترونية
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحيم
تُمثِّل إقامة الأُسرة وتربية الأولاد مطلباً مهمًّا لأفراد بني البشر، وصارت أيضاً هدفاً تسعىٰ لإشباع تصوُّراته عدَّةُ علوم إنسانية، حتَّىٰ برز فيه الكثير من العلماء والمنظِّرون، وتأسَّست لأجله الكثير من المعاهد والمؤسَّسات، ويكشف عن أهمّيته أيضاً أنَّ القانون الوضعي قد استحدث قسماً خاصًّا بقضايا الأُسرة ومشاكلها، محاولاً استغلال قبضته القانونية للحدِّ من انتهاكها.
وقد أشبع الإسلام الجوانب المتعلّقة بالأُسرة ومن كافَّة متعلّقاتها، ابتداءً من الدعوة إلىٰ تكوين الأُسرة، مروراً بصياغة الطُّرُق الكفيلة ببنائها بناءً رصيناً، وانتهاءً بإيجاد الحلول الناجعة عند حدوث مشاكل فيها.
وتُمثِّل سلسلة (تربية.. بلون جديد) واحدة من الخطوات الجادَّة في هذا المضمار، حيث أخذ مؤلِّفها (سماحة الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي) فيها الإفادة من التجارب الشخصية والواقعية، والنصوص الدِّينية التربوية، ليُنقِّط بكلِّ وضوح خُطُوات عملية لبناء أُسرة مسلمة، يملأ أرجاءها التفاهم والودُّ والمحبَّة.
فجزاه الله خيراً علىٰ ما فعل، وجعله في ما يُحِبُّ الله ويرضىٰ.
ص: 3
ومن الجدير بالذكر أنَّنا - معهد تراث الأنبياء للدراسات الحوزوية الإلكترونية - نسعىٰ لطباعة النتاجات الثقافية والعلمية ونشرها وتسويقها، طلباً منّا لرضا الله تعالىٰ، ونشراً لعلوم آل بيت محمّد (علیهم السلام)، وإثباتاً للجميع أنَّنا مجتمع منتج لا مستهلك فقط.
إدارة المعهد
ص: 4
إلىٰ الثائر الحُرِّ..
والشهيد الحيِّ..
إلىٰ العَلَم الذي يهدي الضالّين..
والنور الذي يكشف ظلمات الحياة..
إلىٰ صاحب الرسالات الإلهيَّة..
حيث سار بسيرة جدِّه الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله) ..
إلىٰ من أمر بالمعروف، ونهىٰ المنكر، حتَّىٰ قضىٰ في سبيل الله..
إليك يا أبا عبد الله..
يا شهيد كربلاء..
بضاعة مزجاة.. من عبد مسَّه الضرُّ..
راجياً القبول..
* * *
ص: 5
ص: 6
بسم الله الرحمن الرحيم
الحركة والتغيُّر قدرُ هذه الحياة، وحتَّىٰ يتماهىٰ المرءُ معها عليه أنْ يعيش الحركة والتغيير، لكن ليس بما يؤدّي إلىٰ النزول والابتعاد عن الإنسانية، وإنَّما باتِّجاه التكامل في شتّىٰ مجالات الحياة.
والتربية، بمعنىٰ التنشئة - كما تقدَّم في الحلقة الأُولىٰ من هذه السلسلة - لم تشذّ عن هذا القدر، فهي الأُخرىٰ تعيش الحركة والتغيير، وعلىٰ كلِّ مُرَبٍّ - سواء أكان أباً أو أُمًّا أو معلِّماً أو واعظاً أو... - أن يتماشىٰ مع هذا التغيُّر باتِّجاه التكامل.
وهذا يقتضي تواصلاً مستمرًّا مع كلِّ ما من شأنه أن يزيد من المعرفة التربوية والتعديل السلوكي.
هذه الرسالات هي خطوة من خطوات ذلك التماهي مع التغيير.
هي خطوة في منتصف الطريق، وحتَّىٰ يصل الواحد منّا إلىٰ نهاية الطريق عليه أن يحثَّ الخطوات من خلال:
- قراءة الكُتُب التربوية.
- والبحوث التخصُّصية المعتمدة.
- وحفظ التجربة وتحليلها.
- واستشارة الآباء الناجحين.
وغيرها من الخطوات.
ص: 7
هي رسالات كلُّ واحدة منها تخطو بنا خطوة أُخرىٰ في طريق التربية التكاملية.
وعلىٰ الله تعالىٰ قصدُ السبيل.
حسين عبد الرضا الأسدي
النجف الأشرف
(22/ صفر الخير/ 1439ﻫ)
(11/ تشرين الثاني/ 2017م)
ص: 8
إنَّ مفهوم (العدل) من المفاهيم التي تهفو إليها النفوس بفطرتها، فكلُّ إنسان يُحِبُّ العدل، ويُحِبُّ أنْ يعامله الناس بالعدل، وإنْ كان البعض من الناس يُحِبُّه لنفسه، ولكنَّه يتعامل مع غيره بالظلم!
المهمُّ، أنَّ عنوان (العدالة بين الأولاد) هو موضوع في غاية الأهمّية في التربية، وقد أكَّدت عليه النظريات التربوية عموماً، ونحن لا نُعدَم الإشارات، بل التصريحات الروائية حوله، فقد روي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله): «اتَّقوا الله، واعدلوا في أولادكم»(1).
وعنه (صلی الله علیه و آله): «إنَّ الله تعالىٰ يُحِبُّ أنْ تعدلوا بين أولادكم حتَّىٰ في القُبَل»(2).
وحتَّىٰ نُسلِّط الضوء أكثر علىٰ هذا المفهوم التربوي، نذكر التالي:
قالوا في علم الكلام: إنَّ للعدل ثلاثة معانٍ متصوَّرة، ونحن لا نريد تفاصيلها الكلامية، وإنَّما نأخذ تلك المعاني ونُطبِّقها في مجال التربية.
وهذا هو ما ربَّما يتبادر إلىٰ الأذهان عند سماع كلمة (العدل)، وهو
ص: 9
قد يكون صحيحاً في بعض الأحيان، لكنَّه ليس كذلك دائماً، وهو يتبع الظروف الموضوعية الحاكمة.
إنَّ العدل بهذا المعنىٰ يتحقَّق في عدَّة مفردات تربوية، نذكر منها التالي:
فمنها: إظهار الحُبِّ والحنان:
فالوالدان مطالبان بالتسوية بين جميع أولادهما في هذا المجال، لا كما نراه من البعض - مع الأسف - من أنَّهم يُقدِّمون الكبير علىٰ الصغير أو بالعكس، والبعض يُقدِّم الذَّكَر علىٰ الأُنثىٰ، بل إنّي رأيت من لا تطاوعه نفسه علىٰ تقبيل ابنته ولا الابتسامة في وجهها، ويقول: إنَّها جاءت رغماً عنّي!
علىٰ الوالدين أنْ يساويا بين أولادهما في هذا المجال، فإذا قبَّلْتَ أحد أولادك والآخر ينظر إليك عليك أنْ تُسرِع بدعوته لإهدائه قُبلة أيضاً، ولا تنسَ ابنتك أبداً، فإنَّها بأشدّ الحاجة إلىٰ الحنان، فتكوينها يبتني أساساً علىٰ العاطفة الجيّاشة.
ومن هذه الناحية روي كما تقدَّم قبل قليل عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنَّه قال: «إنَّ الله تعالىٰ يُحِبُّ أنْ تعدلوا بين أولادكم حتَّىٰ في القُبَل»(1).
وأيضاً ورد عنه في رواية السكوني، قال: «نظر رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلىٰ رجل له ابنان، فقبَّل أحدهما وترك الآخر، فقال له النبيُّ (علیه السلام): فهلَّا واسيت بينهما؟»(2).
ص: 10
وروي عنه (صلی الله علیه و آله): «ساووا بين أولادكم في العطيَّة، فلو كنتُ مفضِّلاً أحداً لفضَّلْتُ النساء»(1).
وتفضيل النساء راجع إلىٰ قضيَّة نفسية تعيشها النساء في بعض الثقافات من أنَّها مواطن من الدرجة الثانية، وهذا أمر نجده في الكثير من البيوت مع الأسف، لذلك ومن باب مراعاة العاطفة التي تعيشها البنت ورقَّة طبعها أشار الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) إلىٰ أنَّ التربية القويمة تقتضي مساواتها مع الذَّكَر في العطيَّة، بل إنَّها تقتضي في بعض الأحيان زيادة عطائها.
ومنه أيضاً ما روي من أنَّه: بينما النبيُّ (صلّىٰ الله عليه [وآله]) جالس إذ جاء صبيٌّ حتَّىٰ انتهىٰ إلىٰ أبيه في ناحية القوم، فمسح برأسه وأقعده علىٰ فخذه اليمنىٰ، فلبث ساعة، ثمّ جاءت ابنة له حتَّىٰ انتهت إليه، فمسح برأسها وأقعدها بالأرض، فقال النبيُّ صلّىٰ الله عليه [وآله]): «فهلَّا علىٰ فخذك الأُخرىٰ؟!»، فأقعدها علىٰ فخذه الأُخرىٰ، فقال: «الآن سوَّيت بينهما»(2).
ومن هذا القبيل ما ورد من ضرورة عدم حرمان(3) بعض الأولاد في العطايا، فإنَّ هذا في الوقت الذي يحكي عن تربية غير صحيحة هو يُؤّدي إلىٰ شحن الأولاد بالكراهية بعضهم مع البعض الآخر، خصوصاً الفرد المحروم.
ص: 11
ومن هنا ورد: «اعدلوا بين أولادكم في النِّحَل، كما تُحِبُّون أنْ يعدلوا بينكم في البرِّ واللطف»(1).
وقد روي أنَّ النعمان بن بشير قال وهو علىٰ المنبر: أعطاني أبي عطيَّةً، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضىٰ حتَّىٰ تُشهِد رسول الله صلّىٰ الله عليه [وآله]، فأتىٰ رسول الله (صلّىٰ الله عليه [وآله])، فقال: إنّي أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطيَّةً فأمرتْني أنْ أُشهِدك يا رسول الله، قال صلّىٰ الله عليه [وآله]: «أعطيتَ سائر ولدك مثل هذا؟»، قال: لا. قال (صلّىٰ الله عليه [وآله]): «فاتَّقوا الله، واعدلوا بين أولادكم»، قال: فرجع، فردَّ عطيَّته(2).
كذلك ينبغي أنْ يساوي الأبوان بين أولادهما حتَّىٰ في نظرات عيونهما، فالتواصل البصري مهمٌّ جدًّا في بناء شخصية الطفل، ومن المؤكَّد جدًّا أنَّه سيحسُّ بالكآبة والانكسار إذا رأىٰ أبويه يُكثِران من النظرات الحنونة لأخيه الأصغر مثلاً، وإذا كلَّمهما لم يعيراه أيَّ انتباه.
فهذه الموارد وأمثالها تقتضي أنْ تكون العدالة بمعنىٰ الإعطاء بالسويَّة، ولكنَّها قد تنقلب إلىٰ ضدِّها لتكون ظلماً في موارد أُخرىٰ ممَّا سنعرفه بعد قليل إن شاء الله تعالىٰ.
ثمّ إنَّ هنا ملاحظة مهمَّة، وهي التالي:
صحيح أنَّنا قلنا بلابدّية إظهار المساواة في المحبَّة بين الأولاد، ولكن مع ذلك علىٰ الوالدين أنْ ينتبها جيِّداً لأحاسيس أولادهما، فربَّما احتاج بعضٌ منهم إلىٰ زيادة في تقريبه وتقبيله وإظهار المحبَّة له، رغم أنَّ
ص: 12
غيره أحبُّ إليهما منه، ولكن التربية القويمة تقتضي أنْ يملأ الأبوان مواطن النقص في الحنان أو غيره من أولادهما كلٌّ حسب حاجته، ممَّا يعني أنَّ الأمر يقتضي زيادة في إظهار المحبَّة للبعض حتَّىٰ نأمن من وقوع ما لا تُحمَد عُقباه في المستقبل القريب أو البعيد.
وهذا ما تعلَّمناه ممَّا ورد عن الإمام جعفر بن محمّد (علیه السلام) أنَّه قال: «قال والدي (علیه السلام): والله إنّي لأُصانع بعض وُلْدي وأُجلسه علىٰ فخذي، وأُكثِر له المحبَّة وأُكثِر له الشكر، وإنَّ الحقَّ لغيره من ولدي، ولكن محافظةً عليه منه ومن غيره، لئلَّا يصنعوا به ما فُعِلَ بيوسف وإخوته، وما أنزل الله سورة يوسف إلَّا أمثالاً، لكي لا يحسد بعضُنا بعضاً، كما حسد بيوسف إخوتُه...»(1).
صحيح أنَّ الحقَّ فرع المديونية، بمعنىٰ أنَّه لن يكون لك عليَّ حقٌّ إلَّا إذا كان لك عليَّ دَيْنٌ معيَّنٌ، وصحيح أنَّه لا دَيْنَ للولد في ذمَّة أبويه حتَّىٰ يقال: إنَّ هناك حقًّا للولد علىٰ الوالد، ولكن مع ذلك فإنَّ منظومة حقوق الأولاد قد أفرزتها مقتضيات أُخرىٰ غير المديونية، وهي:
المقتضي الأوَّل: أنَّ الشريعة المقدَّسة افترضت حقوقاً للأولاد علىٰ والديهم، فيلزم علىٰ الأبوين تنفيذ تلك الأوامر الشرعية(2).
المقتضي الثاني: أنَّ الوالدين عادةً ما يبنيان أملاً في أنَّ أولادهما
ص: 13
يوماً ما سيردُّون لهم إحسانهم بالحسنىٰ، وهذه مسألة وجدانية، فكلُّ واحدٍ منّا يقول: أنا أتعب مع أولادي وأُعطيهم كلَّ وجودي من أجل أن يقوموا برعايتي إذا كبرت.
فالأبوان يعيشان أملاً في أنَّ أولادهما يوفون لهم ديونهما، فهو حقٌّ علىٰ تقدير الوفاء.
المقتضي الثالث: هناك شيء فُطِرَ عليه الوالدان، وهو أنَّهما يعتبران نفسيهما مديونينِ لأولادهما، فالحنان الذي يعيشه الوالدان يجعل منهما مديونينِ لأولادهما.
المقتضي الرابع: فضلاً عن كلِّ ما تقدَّم، فإنَّ الأبوين مطالبان إنسانياً بإعطاء أولادهما - تلك الموجودات اللطيفة الضعيفة التي جاءت بناءً علىٰ رغبة الأبوين بالتناسل والتكاثر - كُلَّ ما يُعتَبر حقًّا لهم، وبالتالي فالأبوان باختيارهما للتناسل قد جعلا نفسيهما في خانة المديونين لأولادهما الضعاف.
فحياتُك قبل الزواج ليست كما هي بعده، وحياتك الزوجية بعد أن يُولَد لك ولدٌ ليست كما هي قبلها، إنَّها في الحقيقة تحوَّلت من حياتك إلىٰ (حياتهم وخدمتهم).
هذه حقيقة لا بدَّ أنْ يُقِرَّ بها الآباء.
ولأجل هذه المقتضيات نشأت منظومة تربوية متكاملة من حقوق الأولاد علىٰ أبويهم.
وبهذا الاعتبار تقتضي العدالة هنا - بهذا المعنىٰ الثاني - عدَّة حقوق، نذكر منها - علىٰ سبيل المثال لا الحصر - التالي:
الحقُّ الأوَّل: اختيار الرجل لأُمِّ أولاده المستقبلية، بشرط أنْ
ص: 14
تكون عفيفة، وكذلك علىٰ المرأة أنْ تختار أباً لأولادها بنفس الشرط، فضلاً عن الشرط العامِّ فيهما، وهو الكفاءة.
الحقُّ الثاني: تسميته باسم حسن:
لا شكَّ أنَّ الاسم من أهمّ ما يعتزُّ به المرء في حياته، وقد قالوا في علم التربية بأنَّ حُسْنَ الاسم ينعكس إيجاباً علىٰ سلوك الفرد، وقُبْحه ينعكس سلباً، وبالتالي اعتبرت التربويات الدينية أنَّ الاسم الحسن هو من الحقوق التي يلزم علىٰ الأب أن يلتزم بها، وأن لا يهملها أبداً.
وقصَّة تسمية الإمامين الحسنين (علیهما السلام) واضحة جدًّا في هذا الاهتمام، فلم يرضَ أمير المؤمنين (علیه السلام) أنْ يُسمّيهما إلَّا بعد أنْ يراجع الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله)، وكذلك الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) انتظر الوحي الإلهي ليلقي إليه بالاسم المناسب، وهكذا كان(1).
الحقُّ الثالث: تعليمه القراءة والكتابة:
وكون هذا حقًّا صار اليوم من الوضوح بمكان، فلا مكان في هذا العالم للجهل ولا للجاهل، ولا فرصة تُتاح لمن لا يُحسِن التواصل مع التقدُّم العلمي، لذلك فعلىٰ الوالدين أنْ يُتعِبا نفسيهما كثيراً في هذا الحقِّ، ليس بمعنىٰ أنْ يُعلِّما أولادهما كلَّ شيء من دون أن يبذل الأولاد أيَّ جهد، بل بمعنىٰ أن يُوجِّها الأولاد لطلب العلم، وأنْ يهملاهما(2) بعض الشيء مع المراقبة المستمرَّة، حتَّىٰ يبذل الأولاد جهدهما في كسب المعرفة، الأمر الذي يجعلهم يحسُّون بنشوة الانتصار علىٰ الجهل، وبالتالي الإحساس بلذَّة المعرفة(3).
ص: 15
الحقُّ الرابع: احترام الشعور:
حاله حال أيِّ إنسان، فإنَّ الولد له شعور، وله شخصية، وينادي بلسان حاله: يا ناس احترموني، فمن غير المعقول من الوالدين أنْ لا يرضيا من غريب أن يشتمَّ ولدهما ولكنَّهما ينتهكان هذا الحقّ أشدّ الانتهاك!
بربِّكم! كم رأيتم أباً يشتم ولده لأنَّه كسر زجاج النافذة؟!
كم رأيتم أباً يقول لولده: يا غبي؟!
كم من أُمٍّ تتفنَّن في شتم أولادها؟! (وربَّما تشتم حتَّىٰ أباهم! في غيابه طبعاً!).
كم من أمثال هؤلاء ممَّن يضربون أولادهم من دون أيِّ احترام لشعورهم، أمام أصدقائهم، وأمام الناس، وفي الشارع!
يوماً ما كنت في زيارة لموقع عبادي، وإذا بامرأة ضربت ولدها الذي لم يتجاوز الثالثة من عمره ضربة قويَّة جدًّا أوقعته أرضاً، وكانت تلك الصفعة مصحوبة بسبٍّ علني لأبيه (الذي لم يكن معها)، ومن دون شعور صرختُ بوجه تلك المرأة: لماذا ضربتيه؟! لكنّي انتبهت لنفسي وتراجعتُ - بعد أن ارتعبتْ هي من صيحتي - وانسحبتُ خوفاً من ألقىٰ مصير زوجها المشتوم، أو ربَّما حتَّىٰ مصير ولدها!
إنَّ التربويات الدينية تُؤكِّد علىٰ ضرورة أنْ نحترم - نحن الآباء وأنتنَّ أيَّتها الأُمَّهات - شعور الأولاد، فإنَّ ذلك من شأنه أن يبني الشخصية المتكاملة لديهم بناءً رصيناً، وهذه سيرة نبيِّنا الأعظم (صلی الله علیه و آله) كانت علىٰ ذلك.
فعن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: «صلّىٰ رسول الله (صلی الله علیه و آله) الظهر
ص: 16
والعصر، فخفَّف الصلاة في الركعتين، فلمَّا انصرف قال له الناس: يا رسول الله أَحَدَثَ في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: خفَّفْتَ في الركعتين الأخيرتين؟ فقال لهم: أمَا سمعتم صراخ الصبيِّ»(1).
وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يُؤتىٰ بالصبيِّ الصغير ليدعو له بالبركة أو يُسمّيه، فيأخذه فيضعه في حجره تكرمةً لأهله، فربَّما بال الصبيُّ عليه، فيصيح بعض من رآه حين يبول، فيقول (صلی الله علیه و آله): «لا تزرموا بالصبيِّ(2)»، فيدعه حتَّىٰ يقضي بوله، ثمّ يفرغ له من دعائه أو تسميته، ويبلغ سرور أهله فيه، ولا يرون أنَّه يتأذّىٰ ببول صبيِّهم، فإذا انصرفوا غَسل ثوبه بعده(3).
وروي أنَّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) أُتي بالحسين بن عليٍّ (علیه السلام)، فوُضِعَ في حجره، فبال عليه، فأُخِذَ، فقال: «لا تُزرِموا ابني»، ثمّ دعا بماء فصبَّه عليه(4).
هذه بعض الحقوق التي تقتضي العدالةُ بهذا المعنىٰ توفيرها للأولاد.
وفي الحقيقة، إنَّ كلَّ مفردات التربية التي تكلَّمنا ونتكلَّم فيها تدخل ضمن نطاق الحقِّ التربوي للأولاد، فانتبه.
كلُّ إنسان له قابليات معيَّنة، وله ظروف يمرُّ بها، تقتضي تصرُّفاً مناسباً معه خلالها، والناجح في هذه الحياة هو من يعرف كيف يتصرَّف
ص: 17
التصرُّف المناسب في مكانه ووقته المناسبين، وهو معنىٰ من معاني الحكمة.
وفي مجال التربية علينا أيضاً أنْ نلاحظ الظروف المختلفة، والقابليات المتنوِّعة لدىٰ أولادنا، لتأتي العدالة هنا وتفرض علىٰ الأبوين إشباع قابليات كلِّ واحدٍ علىٰ حِدَة، وهنا يكون (الإعطاء بالتساوي) نوعاً من الظلم في الحقيقة، فالتفاوت هنا مطلوب لأنَّه يُشبِع حاجة كلِّ واحدٍ، وهل من المناسب والعدالة أنْ تضع (50) لتراً من الماء في إناء لا يسع لأكثر من (10) لترات؟!
لاحظوا كيف أنَّ الله تعالىٰ أشار إلىٰ هذا المعنىٰ من العدالة الممزوجة بالحكمة في قوله تعالىٰ: ]أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها[ (الرعد: 17).
إنَّ الكرم الإلهي مستمرٌّ بإفاضة الخير علىٰ الدنيا، ولكن الحكمة تقتضي أنْ يأخذ كلُّ وعاء و(وادٍ) ما يسعه، لا أكثر، ولا أقلّ.
وهكذا العدالة هنا في التربية تقتضي إعطاء الأولاد ما يحتاجونه حسب حاجتهم، وهذا يقتضي التالي:
أوَّلاً: إذا كان أحد الأولاد مريضاً، فإنَّه وبلا شكٍّ يحتاج إلىٰ رعاية زائدة تقتضي صرف المال والوقت والجهد الإضافي عليه إلىٰ أنْ يتماثل للشفاء، فليس من العدل في هذا الظرف أنْ تساوي بين المريض وبين غيره.
ثانياً: جرت العادة علىٰ إعطاء مصروف يومي للأولاد، سواء في أيّام الدوام المدرسي أو غيرها.
ولا شكَّ أنَّ لكلِّ مرحلة دراسية أو عمرية مقتضيات معيَّنة تقتضي صرفاً مالياً معيَّناً.
ص: 18
وهنا من العدالة بين الأولاد ملاحظة مرحلة كلِّ واحدٍ منهم والتعامل معها حسب نوعها، فليس من العدل هنا أنْ نُعطي مصروفاً لتلميذ في الأوَّل الابتدائي مساوياً لمصروف طالب الإعدادية!
ثالثاً: تزويج المستحقِّ:
فإذا وصل الولد إلىٰ مرحلة يحتاج معها إلىٰ الزواج ينبغي تربوياً(1) علىٰ الأب أنْ يعمل علىٰ تزويج ولده، وقد اعتبرت بعض المرويّات أنَّ وقوع الشابِّ في العمل الحرام بسبب عدم تزويجه ذنبٌ يشترك معه أبوه إذا كان قادراً علىٰ تزويجه ولم يفعل.
فقد روي عنه (صلی الله علیه و آله): «من أدرك له ولد وعنده ما يُزوِّجه فلم يُزوِّجه فأحدث فالإثم بينهما»(2).
رابعاً: تقديم البنت:
فإنَّه وكما تقدَّم تعيش الفتاة بعاطفتها أكثر من عقلها، وبالتالي فهي بحاجة إلىٰ إشباع هذا الجانب أكثر من الذَّكَر، ومن هنا أكَّدت التربويّات الدينية علىٰ ضرورة إشباع هذا الجانب، وأنَّ الإكثار من إغداق العاطفة عليها وتقديمها في بعض الأُمور لا ينافي العدالة التربوية، بل هو مقتضاها.
وممَّا يشير إلىٰ هذا المعنىٰ ما تقدَّم من رواية عنه (صلی الله علیه و آله): «ساووا بين أولادكم في العطيَّة، فلو كنت مفضِّلاً أحداً لفضَّلْتُ النساء»(3).
ص: 19
ومنه أيضاً ما روي عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «من دخل السوق فاشترىٰ تُحفة فحملها إلىٰ عياله كان كحامل صدقة إلىٰ قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنَّه من فرَّح أُنثىٰ فكأنَّما عتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أقرَّ بعينِ ابنٍ فكأنَّما بكىٰ من خشية الله، ومن بكىٰ من خشية الله أدخله الله جنّات النعيم»(1).
ملاحظة مهمَّة: علىٰ الوالدين هنا أنْ يشرحا سبب التفرقة بين الأولاد في هذه المرحلة بصورة واضحة جدًّا، وإعطاء وعد للآخر بأنَّه لو مرَّ بنفس الظرف أو بلغ نفس المرحلة فإنَّ الصرف والتصرُّف سيكون معه كذلك.
* * *
ص: 20
قدرنا في هذه الحياة أنَّنا (من جهلنا نُخطئ)، والمفروض أنَّه (من جهلنا نتعلَّم)، وليس في هذا مشكلة، إنَّما المشكلة تكمن في:
1 - أنْ نجهل أو نتناسىٰ أنَّنا نُخطئ.
2 - أو أنْ نعلم بخطئنا ولكن لا نخطو خطوة جادَّة نحو التصحيح والتعلُّم.
3 - أو أنْ يكون تصحيحنا للخطأ بخطأ آخر.
والناجح في هذه الحياة ليس هو من لم أو لا يُخطئ أبداً، إنَّما هو من نظر إلىٰ واقعه المملوء بالجهل وأخذ بملئ فراغاته بخطوات وئيدة راسخة.
والتربية مفهوم اختلفت ترجماته وتطبيقاته بين أفراد البشر حسب ثقافاتهم المعاشة وظروف الزمكان، فالظروف الموضوعية تُضفي علىٰ التربية لوناً معيَّناً قد يكون أُرجوانياً يريح النفس ويبسطها ويشرحها، وقد يكون رمادياً أو قاتماً يقبضها.
لذلك تولَّدت عبر القرون والثقافات المختلفة مفاهيم عديدة اعتبرها بعض الآباء والأُمَّهات صحيحة، إلَّا أنَّ العلم والواقع والتجربة كشفت عن أنَّها مفاهيم أقرب إلىٰ الهمجية واللّاتربية منها إلىٰ التربية.
ص: 21
ونذكر هنا بعضاً من تلك المفاهيم التربوية المغلوطة، أو قل: المفاهيم غير التربوية:
كثيراً ما يعتبر الناس أنَّ (التقدُّم في السنِّ) هو علامة (الفهم والرشد)، ممَّا يعني أنَّ الطفل موجود لا يفهم أو قليل الفهم.
والحال أنَّ (التقدُّم في السنِّ) لا يدلُّ دوماً علىٰ الرشد، إنَّما قد يكون علامة علىٰ كبر الجثَّة!
إنَّ الواقع معضوداً بالاكتشافات العلمية والأدبيات الدينية كلّها تدلُّ علىٰ أنَّ الطفل وإنْ كان لا يستطيع استعمال لسانه بطلاقة، ولا يُحسِن التعبير عن مكنوناته ببلاغة، ولكنَّه في الحقيقة عبارة عن جهاز استقبال من نوع راقٍ جدًّا، فهو يحفظ ويُحلِّل ويستنتج، وتتحوَّل تلك الاستنتاجات إلىٰ سلوك عملي في المستقبل القريب.
ومن هنا علينا أنْ ننتبه إلىٰ هذه الحقيقة، وأنَّ صغارنا يرون ويسمعون ويفهمون.
وممَّا يُؤشِّر إلىٰ هذه الحقيقة التالي:
أوَّلاً: أثبت العلم أنَّ (جهاز السمع) يعمل لدىٰ الطفل وهو في بطن أُمِّه(1).
ص: 22
ص: 23
ثانياً: أكَّدت الكثير من الأدبيات الدينية علىٰ عدم الاستخفاف بمدارك الطفل، وعدم القيام ببعض السلوكيات التي تنعكس عليه سلباً، مثل (الجماع علىٰ مرأىٰ أو مسمع منه، الكذب عليه، ضربه أو شتمه).
ثالثاً: تشهد الإحصاءات العلمية بحقيقة أنَّ الطفل يبدأ باستلام الرسائل السلوكية من محيطه في سنواته السبع الأُولىٰ، ممَّا له مدخلية في صياغة سلوكه المستقبلي بنسبة عالية جدًّا.
ص: 24
رابعاً: لاحظْ أنَّ الطفل عنده من القدرة علىٰ طرح الأسئلة المعقَّدة التي يعجز البالغون عن الإجابة عنها وإنْ كانت في ظاهرها بسيطة، كما لو سأل: (أين الله؟ من خلق الله؟ لماذا أنا موجود؟ كيف يطير العصفور [سؤال عن آلية وفيزيائية الطيران])، وغيرها من الأسئلة.
بل إنَّ لدىٰ الطفل القدرة - إذا أُتيحت له الفرصة بالكلام - علىٰ أن يبدأ سلسلة غير متناهية من الأسئلة والتأمُّلات التي قد تُربِك الكبار في كثير من الأحيان.
ولهذا وغيره أصدر بعض علماء التربية والنفس مقولات تشهد لهذه الحقيقة، مثل التالي(1):
- (الطفل ممتلئ، والراشد خاوٍ) [جون فورانسيه].
- (يكون الإنسان دوماً أقلّ بلوغاً من ماضيه) [تاركوفسكي].
من الأُمور التي باتت من الواضحات أنَّ الإنسان امتاز وتميَّز عن بقيَّة الموجودات علىٰ هذه الأرض بالقوَّة الإدراكية التي وهبها الله تعالىٰ له (العقل)، ذلك العقل الذي كان وراء تقدُّم الحياة الإنسانية بشكل تكاملي هرمي مستمرٍّ، ولم يقف مكتوف الأيدي كالحيوانات ليعيش حياة دائرية لا تقدُّم فيها.
والإنصاف يقتضي أنْ نذكر أنَّ هناك شيئاً آخر في تركيبة الإنسان ميَّزه عن عالم (الملائكة)، وهي (الغرائز) و(الشهوات)، وبعبارة أُخرىٰ: مصدر التصرُّفات غير العقلائية.
ص: 25
والإنسان البالغ يعتبر أنَّ الرشد والنجاح كامن في التوازن بين متطلِّبات الغريزة وقيود العقل، ولا شكَّ أنَّ هذه النظرية صحيحة ولا غبار عليها.
إلَّا أنَّه قد يحصل (إفراط) في عملية التوازن هذه لتوضع في غير موضعها المناسب، فليس من الصحيح أن نجعل سلوكنا محدوداً بمسطرة العقل في موضع يقتضي نوعاً من إظهار الحُبِّ والليونة والتسامح...
وفي التربية قد يحصل هذا الإفراط لدىٰ بعض الآباء إلىٰ الحدِّ الذي لا يرتضي من ولده (الصغير) أيَّ تصرُّف غير عقلائي، الأمر الذي سينعكس علىٰ شكل صراخ وتدخُّل عملي إجرائي من قِبَل الوالدين للحدِّ من التصرُّف غير العقلائي وقطع دابره.
والحال أنَّ طبيعة الإنسان الطفولية هي أن تكون تصرُّفاته (غير عقلائية) علىٰ الأقلّ بنظر الأطفال، الأمر الذي يعني - وعلىٰ عكس ما يتوقَّع الكبار - أنَّ الطفل الذي يمارس (لا عقلائيته) في تصرُّفاته سيكون أقرب إلىٰ الطفل السويِّ من ذلك الطفل الخامل.
إنَّ إجبار الطفل علىٰ أن تكون سلوكياته وفق (عقلائية) البالغين هو من أكثر الأخطاء شيوعاً في التربية، وهذا يُؤدّي إلىٰ أن (يدافع) الطفل عن حقوق مرحلته العمرية، ليتعمَّد (مخالفة الأوامر) الصارمة، ولو كلَّفه ذلك حرمانه من مصروفه اليومي!
علينا - نحن الآباء وأنتنَّ أيَّتها الأُمَّهات - أن نفهم جيِّداً أنَّ تلك التصرُّفات غير العقلائية لدىٰ الطفل هي ما يحكي عن شخصيته الطبيعية، وهي ما سيُؤسِّس لنجاحٍ مستقبلي غير متوقَّع.
ص: 26
إنَّ (لعب الطفل بالتراب).
أو (كسر لعبته الجديدة).
أو (تخيُّل أنَّه يطير في الهواء).
أو (اعتبار نفسه بطل الفضاء).
أو (طلبه منك أن تحلَّ عقدة الخيط).
أو (ارتفاع صوت ضحكته عندما يكسر الإناء).
أو (تمزيقه لكتابك المفضَّل).
أو (تلويث ملابسه بالطين).
أو (رسمه علىٰ يده أو علىٰ الحائط).
أو (استعمال العصا لضرب شاشة التلفاز).
وغيرها، كلّها تُعبِّر عن طبيعة مستوية عند الطفل، والمطلوب من المربِّين أنْ يُوجِّهوا هذه السلوكيات الغريزية إلىٰ ما يُؤدّي إلىٰ تصحيح الفكرة منها، لا نهرها وقطعها بأُسلوب القبضة الحديدية.
طبعاً لا يعني هذا إمضاء تلك التصرُّفات، ولكنَّه يعني أنَّ علينا أنْ نفهم أنَّ أبناءنا يتصرَّفون وفق طبيعتهم، وعلينا أن نسايرهم قليلاً، وأن نعمل علىٰ تعديل سلوكهم بالتدريج.
ولأجل هذه الحقيقة أحبَّ النبيُّ الأكرم (صلی الله علیه و آله) الصبيان، فقد ورد عنه (صلی الله علیه و آله) أنَّه قال: «أُحِبُّ الصبيان لخمسٍ: الأوَّل: أنَّهم هم البكّاؤون، والثاني: يتمرَّغون بالتراب، والثالث: يختصمون من غير حقد، والرابع: لا يدَّخرون لغدٍ شيئاً، والخامس: يُعمِّرون ثمّ يُخرِّبون»(1).
ص: 27
ولذلك أيضاً وردت في التربويات الدينية ضرورة (التصابي) للطفل، فعن النبيِّ الأعظم (صلی الله علیه و آله): «من كان عنده صبيٌّ فليتصابَ(1) له»(2).
وعن أبي هريرة، قال: كنت عند النبيِّ (صلی الله علیه و آله) وأبو بكر وعمر والفضل بن العبّاس وزيد بن حارثة وعبد الله بن مسعود إذ دخل الحسين بن عليٍّ (علیهما السلام)، فأخذه النبيُّ (صلی الله علیه و آله) وقبَّله، ثمّ قال: «حُبقَّه، حُبقَّه، ترقَّ، عين بقَّة»، ووضع فمه علىٰ فمه، ثمّ قال: «اللّهمّ إنّي أُحِبُّه فأحبَّه وأحبَّ من يُحِبُّه، يا حسين»(3).
وعن سعيد بن أبي راشد أنَّ يعلىٰ بن مرَّة حدَّثهم أنَّهم خرجوا مع النبيِّ (صلّىٰ الله عليه [وآله]) إلىٰ طعام دعوا له، فإذا حسين يلعب في السكَّة، قال: فتقدَّم النبيُّ (صلّىٰ الله عليه [وآله]) أمام القوم، وبسط يديه، فجعل الغلام يفرُّ هاهنا وهاهنا، ويضاحكه النبيُّ (صلّىٰ الله عليه [وآله]) حتَّىٰ أخذه، فجعل إحدىٰ يديه تحت ذقنه والأُخرىٰ في فأس رأسه فقبَّله، وقال: «حسين منّي وأنا من حسين، أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط»(4).
ومنه أيضاً ما ورد من مدحٍ لعرامة الصبيِّ.
عن صالح بن عقبة، قال: سمعت العبد الصالح (علیه السلام) يقول:
ص: 28
«تُستَحبُّ عرامة(1) الصبيِّ في صغره ليكون حليماً في كبره»، ثمّ قال: «ما ينبغي أنْ يكون إلَّا هكذا»(2).
وروي أنَّ أكيس الصبيان أشدّهم بغضاً للكُتّاب(3)»(4).
كلُّ ذلك للإشارة إلىٰ أنَّ تمام عقلائية الطفل تكمن في لا عقلائيته!
كلُّ الموجودات التي تتكاثر بعملية التناسل تجد عندها فطرة ذاتية تجعلها تعمل بكلِّ ما أُوتيت من قوَّة من أجل الحفاظ علىٰ (ذرّيتها) ولو كلَّف ذلك بعضها حياته فضلاً عن جهده أو ماله.
وهذا - لحدِّ الآن - لا يُمثِّل مشكلة في الحقيقة، إذ (المولود) لن يستطيع العيش من دون رعاية أبويه.
إلَّا أنَّ غير الإنسان - من الحيوانات - عنده قانون ثابت ونظام مستمرٌّ، وهو أنَّه يبقىٰ يحافظ علىٰ (أولاده) لفترة معيَّنة، ثمّ يتركهم ليُدبِّروا أُمور حياتهم وشؤونها بمفردهم، ولكن الإنسان - بعض الآباء
ص: 29
علىٰ الأقلّ - لم يفهم هذه الحقيقة، فيبقىٰ يعمل علىٰ أنْ يحافظ علىٰ أولاده مهما طالت المدَّة.
إنَّ من أشدّ المفاهيم التي تنتج نتائج عكسية وسلبية في التربية هو مفهوم (الحماية الزائدة) و(الحفاظ الدائم)، لأنَّ هذا المعنىٰ سيقضي علىٰ الوالد والولد كليهما.
أمَّا علىٰ الوالد، فلأنَّه سيبقىٰ مشدود الأعصاب مشغول الذهن إلىٰ وقت غير معلوم، ممَّا قد يُكلِّفه الكثير الكثير. وأمَّا علىٰ الولد، فلأنَّه سيعيش الاتِّكالية وإلقاء اللوم علىٰ الآخرين، وعدم تحمُّل المسؤولية ما بقي حيًّا.
الأمر الذي سينتهي بوالدين محطَّمين وولد فاشل.
علينا أنْ نعلم أنَّ هناك تصرُّفاتٍ تقتل عملية (التربية) الصحيحة، ومنها التالي:
1 - عندما لا يُترَك الطفل ليُحضِّر دروسه لوحده.
2 - عندما تنزل صاعقة علىٰ الرأس لو لم يحصل الأولاد علىٰ درجة كاملة في الامتحان.
3 - عندنا تشهق الأُمُّ بقوَّة تقرب من إزهاق روحها لو وقع الولد من الطاولة!
4 - عندما لا تسمح للولد بالخروج إلىٰ حديقة الشارع لوحده.
5 - عندما تُنفِّذ له كلَّ رغباته من دون اعتذار.
6 - عندما تمسك يد ولدك وتُؤشِّر بإصبعك بين عينيه وتقول له: (أنت لن تستطيع فعل هذا من دوني)، أو (عليَّ أن أقوم بهذا الفعل دونك)!
ص: 30
7 - عندما لا تسمح لولدك بإظهار إبداعه في تركيب لعبته أو فتح غطاء علبة العصير.
8 - عندما لا تتحمَّل بكاء ولدك ونزول دمعته لخمس دقائق.
9 - عندما لا ترضىٰ لولدك أن يكون في صفِّ أصحابه ويتصرَّف مثلهم، وتطلب منه أن يتميَّز عنهم بسلوك (عقلائي) (رجالي).
10 - عندما لا تسمح لولدك أن يبرمج يومه كما يُحِبُّ، بل أنت تقوم بتسييره كما يحلو لك.
11 - عندما لا تسمح للطفل بشيء من (العبثية) و(اللّانظام).
عندما تصنع ذلك فأنت في الحقيقة تجني علىٰ أولادك جنايةً لا يسدُّها ولا يُلائم جراحها أحد.
علينا أنْ نرفع أيدينا قليلاً عنهم، لنترك أولادنا يعيشون (الخطر) و(التحدّي) و(الاعتماد علىٰ النفس).
وإلَّا فنحن إلىٰ (اللّاتربية) أقرب منّا إلىٰ (التربية).
ولنتذكَّر قول أمير المؤمنين (علیه السلام): «إذا هِبْتَ أمراً فقَعْ فيه، فإنَّ شدَّة توقّيه أعظم ممَّا تخاف منه»(1).
وكلُّ ما ذكرناه لا يعني أنْ نخلي أولادنا من حمايتنا، ونرجع للمربَّع الأوَّل لنقول: إنَّ رهان النجاح في هذه المسألة هو (التوازن).
علىٰ طول خطِّ وجودها تنوَّعت أساليب التبليغ والدعوة
ص: 31
والإقناع، وقد ابتدع الإنسان طُرُقاً كثيرة جدًّا من أجل ذلك، فمرَّة يستعمل السوط والنار، وأُخرىٰ يستخدم الأموال، وثالثة يستخدم الرشوة، ورابعة استعمل الخداع! وهكذا.
انظر إلىٰ مدير شركة ما لديه موظَّفون، لاحظ أنَّ له أُسلوباً معيَّناً يستعمله من أجل أنْ يجعل موظَّفيه يعملون بالتزام أو بإبداع.
وهذا من سُنَن الحياة التكوينية.
في عالم التربية هناك طُرُق متنوِّعة أيضاً، إلَّا أنَّ من المفاهيم المغلوطة في هذا المجال هو أن يعتقد الأبوان أنَّ أُسلوب التربية هو أُسلوب (اسمع كلامي يا ولد)!
إنَّ بعض الآباء ينهال بكمٍّ هائل من الكلمات والتوجيهات (الفارغة باعتقاد الأولاد) ليُعلِّمهم كيف يحترمون أُمَّهم، وكيف يُرتِّبون أغراضهم، وكيف يُنظِّفون أجسامهم، وكيف يتفاهمون فيما بينهم.
إنَّ بعضاً منهم يكون أشبه بإذاعة عالمية تعمل علىٰ مدار أربع وعشرين ساعة، حتَّىٰ آذان الأولاد اختلَّت من كثرة (طنين) المواعظ والأوامر!
إنَّ هذا الأُسلوب في الحقيقة ليس بدرجة عالية من السوء، إلَّا إذا أفرط في استعماله الآباء والأُمَّهات، وإلَّا فإنَّه لا بدَّ للآباء من الكلام مع أولادهم لبيان بعض المجهولات لهم وتبويب معلوماتهم وما شابه.
إلَّا أنَّه وفي مقام التربية السلوكية نحتاج إلىٰ أُسلوب «كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع»(1).
ص: 32
إنَّ الأُسلوب الأرقىٰ في التربية هو الأُسلوب العملي لا اللفظي، فتصدُّقك علىٰ فقير وولدك يراك، يعدل خطبةً عصماء من المواعظ والنصائح للدفع نحو التصدُّق.
وصدقُك بوعدك معه، أكثر تأثيراً من ألف ساعة من الكلام في الدعوة إلىٰ الصدق.
وهذا هو الأُسلوب الذي يذهب إليه التربويون أيضاً، فقد قال (مارجري فيشر) نقلاً عن هافيلند (1973م): (إنَّ أمثل النصائح هي غير المرئية منها، لا تكون نصائح، بل أُسلوباً لإذكاء الناصح الباطني، حيث ينعدم جميع أنواع التحايل والإيحاء الخارجي)(1).
تتحكَّم في هذا العالم وفي حياة البشر العديد من القوانين التكوينية والعرفية والشرعية، ولها بصماتها الواضحة في مختلف مجالات الحياة، ولهذه القوانين هيمنة قد يصعب أو حتَّىٰ يستحيل التملُّص منه، كقانون العلّية، وقانون الفعل وردِّ الفعل، وقانون الرغبات المتزايدة، وغيرها كثير.
وفي مجال التربية هناك قانون لا بدَّ أن نلتفت إليه، وحتَّىٰ يتَّضح الأمر نقول التالي:
هناك سؤال موجَّه إلىٰ كلِّ أبٍ، وكذلك إلىٰ كلِّ أُمٍّ:
لو صدر سلوك سلبي من الولد - ذَكَراً كان أو أُنثىٰ - فكيف ستتعامل معه ليتركه؟
ص: 33
لو رأيت ابنك يُدخِّن سيجاراً.
أو رأيته يكتب علىٰ الحائط.
أو رأيتِ ابنتكِ تسرق.
أو أنَّها رمت النفايات في غير موضعها.
أو ضرب أحد أولادكم الآخر.
ماذا ستفعلون؟
إنَّ القانون هنا هو: كلُّ ممنوع مرغوب فيه!
إنَّ الواقع والتجربة يشهدان علىٰ أنَّ لدىٰ الطفل سلوكاً معاكساً لما يُمنَع عنه، فإذا قمعته وضربته لأنَّه أكل (الآيس كريم) في الجوِّ البارد فإنَّه (سيعاندك) ويشتري مرَّةً أُخرىٰ من دون علمك عندما تذهب لعملك! ذلك ربَّما ليثُبِتَ رجولته، أو ليُثبِتَ شخصيته، أو لا لشيء سوىٰ عنادك!
وإذا صفعته لأنَّه صفع أخاه الأصغر فإنَّه سيتحيَّن الفرصة المناسبة لكيل كمٍّ هائل من الصفعات طلباً (لثأره)!
هذا أمر لا يمكن إغفاله في التربية.
إذن، فمن المفاهيم المغلوطة في التربية هي الإجراءات العملية الصارمة، والإكثار من النهي الموجِّه (لا تفعل)، أو مع التهديد (إيّاك أن تفعل) إزاء سلوك سلبي يصدر من الأولاد.
وباختصار نحتاج في هذا المجال كعلاج لحالة سلبية أن نلتفت إلىٰ التالي - علىٰ سبيل المثال لا الحصر -:
1 - إذا أردت لولدك أن يترك (التدخين) أو لا يُدخِّن أبداً فارمِ السيجارة أنت أوَّلاً.
ص: 34
2 - أظهِر له عدم الرضا قليلاً، وأخبِره أنَّك تُحِبُّ له أنْ لا يكتب علىٰ الحائط، لأنَّ هذا فعل الصغار وأنت رجل كبير.
3- دع الصغير يُقدِّم هدية لأخيه الأكبر ليكتسب مودَّته فيترك صفعته، وإذا كان هناك مشادَّة من جهة الصغير فدع الأكبر يقوم بدور تقديم الهدية.
جرِّبوها فقط، وسترون أثرها الناجع، حتَّىٰ ولو كان هذا باتِّفاق سرّي مع الأكبر.
4 - دعه يشعر بالأمان من عقابك مهما كان سلوكه خاطئاً، وأخبِره أنَّ نجاته ستكون في صدقه مهما كان حجم الخطأ، واعقدا بينكما عهداً علىٰ عدم العودة للخطأ. وحتَّىٰ لو عاود الولد الخطأ جدِّد العهد معه من دون عقاب.
إذن، أُسلوب القمع والتهديد لن يُثمِر إلَّا العناد والإصرار غير المبرَّر، لكن لا يعني هذا إغماض العين أو صمَّ الأُذُن عن التصحيح كما هو واضح، بل يجب أنْ يعرف الولد أنَّ هذا السلوك خاطئ ولا ينبغي فعله لكن بأُسلوب مناسب، وطبعاً هناك نوع من العقوبة الخفيفة لا بدَّ منها، الأمر الذي أشارت إليه الروايات الشريفة بضرب الولد إذا بلغ تسعاً من أجل الصلاة(1)، وطبعاً لا بدَّ أنْ يكون الضرب بمستوىٰ يتناسب مع عمر الولد وقدرته، وبحدٍّ لا يتجاوز الخطوط الشرعية الحمراء.
* * *
ص: 35
ص: 36
هناك العديد من الآباء يعيشون حالة من الفوبيا المستقبلية من احتمال عقوق أولادهم لهم، وهناك العديد منهم بلا شكٍّ ممَّن عقَّهم أولادهم وخالفوا أوامرهم وآذوهم كثيراً.
وهنا يحقُّ لأحد أن يسأل: لماذا عقَّني ولدي؟ وما هو العمل تجاه هذه الحالة السلبية؟
الجواب: هنا عدَّة نقاط:
علينا أنْ نتعامل بواقعية شرعية وعقلائية مع الحالة الحاصلة، إذ لعلَّها ليست من العقوق في شيء، ولعلَّها مجرَّد مشاكسات طبيعية أو مخالفات مؤقَّتة أو نزوات مراهق بعيدة عن العقوق.
وهنا علينا أنْ نتعرَّف علىٰ معنىٰ البرِّ والعقوق حتَّىٰ نكون علىٰ بيِّنة في تبويب ما يصدر من أولادنا من تصرُّف وكونه من العقوق أو لا.
إنَّ البرَّ - ويقابله العقوق - له مرتبتان:
أي ما يجب علىٰ الأولاد أن يلتزموا به إزاء آبائهم، وحدُّه هنا هو أنْ لا تترتَّب علىٰ مخالفة أحد الأبوين أذيَّته من باب الشفقة علىٰ الولد.
ص: 37
وأن لا يكون في سفره مثلاً تركٌ لأبويه بصورة يُعَدُّ تقصيراً في حقِّهما ووقوعهما في الحرج بدونه.
وبيانه: لو أراد الولد مثلاً أنْ يسافر إلىٰ بلاد أُخرىٰ ومنعه أحد أبويه، فهنا نسأل: لماذا منعاه من السفر؟
إذا كان الجواب من الأب مثلاً هو: إنَّني احتاج لولدي في عملي المعيَّن، أو أحتاجه في أُمور البيت، أو لا يعجبني أن يسافر، وما شابه، ففي هذه الحالة كان منع الأبوين ليس من باب الشفقة علىٰ الولد، وإنَّما من أجل مصلحة راجعة إليهما، فهنا لا يجب علىٰ الولد أنْ يطيعهما في ذلك، ولو خالفهما فلا يُعَدُّ عاقًّا شرعاً.
وأمَّا إذا كان الجواب من أحد الأبوين هو: إنَّني أخاف علىٰ ولدي من أخطار تلك البلاد، وأخشىٰ عليه أن يُؤذىٰ فيها، أو أن يقع في مأزق، وما شابه، فهنا كان منع الوالدين بسبب أنَّهما يخافان علىٰ ولدهما ويشفقان عليه، ويتأذَّيان بسبب ذلك، ففي هذه الحالة يجب علىٰ الولد أنْ يطيع الوالدين ولا يخالفهما وعليه أنْ يترك السفر، فيما إذا لم يكن مضطرًّا إلىٰ السفر ولم يترتَّب عليه ضرر بالغ.
ومعه علينا أن نلتفت إلىٰ أنَّ العديد من مخالفات الأولاد لنا لم تكن عقوقاً، لأنَّ مَنْعنا لهم لم يكن بداعي الخوف عليهم ولا الشفقة، وإنَّما هي أوامر صادرة من الإحساس بالاستعلاء، ومن إرادة تنفيذ أوامرنا بلا أدنىٰ نقاش(1).
ص: 38
ص: 39
إنَّ التعامل الشرعي الواقعي في هذه الحالات يلزم أنْ يكون بالتي هي أحسن، وبمحاولة إقناع الولد بطُرُق تربوية في أن يلتزم
ص: 40
التصرُّف الفلاني أو يتركه، ولو خالف فلا داعي لإقامة العزاء والعويل، فبالتالي الولد لم يرتكب محرَّماً شرعياً.
ويقابله العقوق كذلك، وهنا ينبغي للولد أنْ يعمل علىٰ إرضاء أبويه ما أُوتي إلىٰ ذلك سبيلاً، حتَّىٰ لو تأذّىٰ، وحتَّىٰ لو ذهبت عليه فرصة ذهبية للنجاح، وما شابه.
وهذه المرتبة أشارت لها بعض الروايات (ممَّا يحفظه العديد من الآباء ويُردِّدونه علىٰ مسامع أولادهم)، مثل ما ورد من أنَّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال لرجل: «أنت ومالك لأبيك»(1).
وفي كتاب عليٍّ (علیه السلام): «أمَّا الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً إلَّا بإذنه، وللوالد أنْ يأخذ من مال ابنه ما شاء»(2).
إنَّ هذه المرتبة في الوقت الذي لا تجب شرعاً علىٰ الولد(3)، ولكن
ص: 41
الأبوين - أو الكثير منهم - يعتقدون أنَّها مرتبة واجبة علىٰ الولد، وبالتالي إذا حصلت مخالفة معيَّنة من الولد اعتبرها الآباء عقوقاً، وأنزلوا وابلاً من المواعظ (وربَّما السباب والتهكُّم) علىٰ الولد (العاقِّ)!
علينا أنْ نتعامل بواقعية مع أبنائنا في هذه المسألة، فليس كلُّ مخالفة تُعتَبر عقوقاً، وليس كلُّ تصرُّف من دون استئذان منّا يُعتَبر وقاحة، فهل وصلت الرسالة؟!
في كثير من الأحيان يكون عقوق الأبناء أو بدايته بسبب نفس الآباء! وذلك إذا لم يُحسِنوا تربية أبنائهم، أو لم يعقدوا معهم جلسات حوارية هادئة، أو إنَّهم تركوهم بين أحضان الشارع والأماكن المشبوهة، أو إنَّهم أمروهم بالعمل في مواقع مرشَّحة لإيقاع من يدخلها في طريق مظلم من الانحرافات الأخلاقية والمخالفات الاجتماعية، أو كانوا يتعاملون معهم بالضرب والسُّباب والإهمال.
علينا أوَّلاً أنْ نراجع أنفسنا، إذ لعلَّنا نحن السبب في ما وصلت إليه حالة الأولاد من المخالفات والعقوق.
وإذا كان الأمر كذلك، فهذا معناه أنَّ علينا أن نُصحِّح سلوكنا نحن أوَّلاً مع أولادنا، وأن نُغيِّر من أُسلوبنا في التعامل معهم، عسىٰ ولعلَّ أنْ نُدرِك البقية الباقية من البراءة في داخلهم.
إذا حصل عندنا اطمئنان بأنَّ أُسلوبنا نحن الآباء لم يكن هو سبب عقوق الأولاد، أو لم يكن هو السبب الوحيد في ذلك، فعلينا بعدها أن
ص: 42
نبحث عن السبب الرئيسي الذي كان وراء عقوقهم وميلهم من الصحيح إلىٰ الخاطئ.
ابحثوا في علاقات أولادكم في المدرسة وفي الشارع وفي النادي الرياضي.
تابعوا جلسات أولادكم مع أصدقائهم.
انظروا اهتماماتهم وما يُحِبُّون.
اكتشفوا في من يعتبرونه قدوةً لهم، وهل هو بطل فيلم أو لاعب كرة قدم أو ماذا؟
إنَّ جمع المعلومات المتعلّقة بأولادكم له أثر مهمٌّ جدًّا في معرفة السبب وراء عقوقهم.
وحينها سنعرف أنَّ ما صدر من الولد - كالصراخ بوجه الأب أو الأُمِّ، أو عدم اهتمامه بالاتِّفاقات المسبقة، أو ضربه لأخيه الأصغر بلا مبرِّر، أو تأخُّره ليلاً في الرجوع إلىٰ البيت، وما شابه - ربَّما يكون تقليداً منه لصديقه المفضَّل، أو محاولة منه لتقليد تجربة حصلت مع زميله ووالديه، وقد يكون حالة نفسية يمرُّ بها المراهق إثْر موقف معيَّن مرَّ به، وكان ما صدر منه ردَّة فعلٍ مؤقَّتة تنتهي بانتهاء صدمته مثلاً.
ربَّما يدفع أحدهم ابنك إلىٰ أن يخالف أمرك ويقول له: لقد فعلتُ هذا مع أبي وبعدها لم يستطع أنْ يمنعني من الخروج ليلاً!
ربَّما تقول البنت لأُمِّها: انظري إلىٰ فلانة كيف أنَّ أُمَّها تساعدها علىٰ التبرُّج أو تُخفي معها هاتفها النقّال عن أبيها وإخوتها!
علينا أنْ نتوخّىٰ الحذر في مثل هذه المخالفات، خصوصاً إذا كانت مفاجِئة ومن دون سابق إنذار، لنتعرَّف علىٰ الأُسلوب المناسب للتعامل مع الحالة.
ص: 43
دينياً فإنَّ دعاء الوالدين مهمٌّ جدًّا في هداية الأولاد وفي مساعدتهما علىٰ برِّهما، فقد روي أنَّه قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «رحم الله من أعان ولده علىٰ برِّه، وهو أنْ يعفو عن سيِّئته، ويدعو له فيما بينه وبين الله»(1).
وقد ورد أنَّ دعوة الوالد لا تُرَدُّ في حقِّ ولده، فعن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنَّه قال: أربعة لا تُرَدُّ لهم دعوة، وتُفتَح لها أبواب السماء، وتصير إلىٰ العرش: دعاء الوالد لولده، والمظلوم علىٰ من ظلمه، والمعتمر حتَّىٰ يرجع، والصائم حتَّىٰ يفطر»(2).
ولكن هنا لا بدَّ أنْ نلتفت إلىٰ الأمرين التاليين:
الأوَّل: في الوقت الذي كان دعاء الوالد مستجاباً في حقِّ ولده كان دعاؤه عليه كذلك كما في بعض الروايات، فليحذر الأبناء من دعوة أب إذا عقُّوه.
فعن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنَّه قال: «إيّاكم ودعوةَ الوالد، فإنَّها تُرفَع فوق السحاب، حتَّىٰ ينظر الله تعالىٰ إليها، فيقول الله: ارفعوها إليَّ حتَّىٰ أستجيب له، فإيّاكم ودعوةَ الوالد، فإنَّها أحدُّ من السيف».
الثاني: وهذا يعني: أنَّه ليس من الصحيح تربوياً ولا دينياً أنْ يدعو الأب أو الأُمُّ علىٰ أولادهما حتَّىٰ لو عقُّوهما، وذلك لأجل التالي:
1 - لا شكَّ أنَّ الدعاء عليهم لن يُصلِحهم.
2 - ولعلَّ الدعاء عليهم يُستجاب فيقع الولد في بلاء يؤذي الوالدين أكثر من عقوقه لهما.
ص: 44
3 - والأفضل من ذلك أنْ يدعو الأبوان لأولادهما بالهداية والبرِّ.
ولذا روي عنه (صلی الله علیه و آله): «لا تدعوا علىٰ أولادكم، أنْ تُوافَق(1) من الله إجابة»(2).
وروي عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنَّه قال: «أيّما رجل دعا علىٰ ولده، أورثه الله الفقر»(3).
وعلينا أن نتعلَّم من القرآن الكريم أنَّ المطلوب من الآباء هو الدعاء للأولاد لا الدعاء عليهم، فهذه السيِّدة أُمُّ مريم العذراء تدعو لابنتها كما حكاه القرآن الكريم بقوله عزَّ من قائل: ]وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ 36[ (آل عمران: 36).
جاء في كتاب تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي أنَّ الإمام أبا عبد الله الصادق (علیه السلام) يُصلّي عن ولده في كلِّ ليلة ركعتين وعن والديه في كلِّ ليلة ركعتين...، وكان يقرأ فيهما ]إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[، و]إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ[(4).
وجاء في كتاب مكارم الأخلاق للشيخ الطبرسي(5) صلاة بعنوان (صلاة الوالد لولده)، وصفتها كالتالي:
ص: 45
أربع ركعات: يقرأ في الأُولىٰ (الحمد) مرَّة، وعشر مرّات الآية التالية: ]رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 128[ (البقرة: 128).
وفي الثانية (الحمد) مرَّة، وعشر مرّات الآية التالية: ]رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ 40 رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ 41[ (إبراهيم: 40 و41).
وفي الثالثة (الحمد) مرَّة، وعشر مرّات الآية التالية: ]رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً 74[ (الفرقان: 74).
وفي الرابعة (الحمد) مرَّة، وعشر مرّات الآية التالية: ]رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلىٰ والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ15[ (الأحقاف: 15).
فإذا سلَّم قال عشراً: ]رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً 74[ (الفرقان: 74).
طبعاً يُؤتىٰ بهذه الصلاة بنيَّة رجاء المطلوبية.
وقد نُقِلَ عن بعض المراجع أنَّه أوصىٰ بها لإصلاح الأولاد، وأنَّ من الأفضل للأُمِّ أنْ تُصلّيها أيضاً(1).
* * *
ص: 46
كلُّ الآباء في الحقيقة يمتهنون مهمَّة إرشاد أولادهم شاؤوا أم أبَوا. وكلُّ مرشِد يواجه في مهمَّته الإرشادية العديد من العقبات التربوية مع المسترشدين (الأبناء، حيث يطلبون الإرشاد منّا، أو نحن حينما نُوجِّه الإرشاد لهم). وتلك المشاكل واقعاً تقضُّ مضجع الأبوين اللذينِ يهمُّهما مصلحة أولادهما، وتُربِك عملهم، وقد تجعلهم يفقدون أعصابهم في بعض الأحيان، خصوصاً وأنَّ المشاكل التي يواجهونها في تجدُّد مستمرٍّ، وتطوُّر مستمرٍّ.
والذي يبرز كصفة مشتركة بين تلك المشاكل هو أنَّها تصدر من أفراد مراهقين، يحسبون أنفسهم رجالاً بلغوا مبلغهم، إلَّا أنَّ تصرُّفاتهم لا زالت تصرُّفات صبيانية وغير محسوبة العواقب.
ولا أُريد أنْ أسرد تلك المشاكل وأُعطي حلولها، فلهذا بحث طويل الذيل، وتفرُّعاته أكثر ممَّا نتصوَّر، وإنَّما الهدف من هذه الرسالة هي الإحاطة بالقواعد المهمَّة التي يمكن من خلالها إدارة جلسة حوار هادئة وهادفة مع المراهق فيما لو صدرت منه مشكلة ما، بمعنىٰ أنَّ هذه الرسالة تعالج مرحلة ما قبل العلاج العملي، فهي خطوات عملية يلزم تطبيقها حتَّىٰ يمكن بعدها للأبوين أن يختارا الطريقة المناسبة للعلاج.
ص: 47
والبحث عملي أكثر منه علمي، مستوحىٰ من تجارب واقعية معاشة. وحتَّىٰ نكون علىٰ بيِّنة من هذه القواعد العملية نذكر خطوات أربع:
مراهق: اسم فاعل، من الفعل (رَهَقَ).
وللفعل (رَهَقَ) عدَّة معانٍ ذُكِرَت في كُتُب اللغة، وما يهمُّنا منها هو ما يتعلَّق بموضوعنا، أي المراهق، وقد ذكر علماء اللغة في هذا المجال التالي:
قال الفراهيدي: (الرهق: جهل في الانسان، وخفَّة في عقله. يقال: به رَهَقٌ(1)...، والمراهق: الغلام الذي قارب الحُلُم)(2).
وقال الجوهري: (وراهق الغلام فهو مراهق، إذا قارب الاحتلام)(3).
وقال ابن منظور: (وراهق الغلام فهو مراهق إذا قارب الاحتلام، والمراهق: الغلام الذي قد قارب الحُلُم، وجارية مراهقة. ويقال: جارية راهقة وغلام راهق، وذلك ابن العشر إلىٰ إحدىٰ عشرة)(4).
وقال الطريحي: (راهق الغلام مراهقة فهو مراهق إذا قارب الاحتلام ولم يحتلم)(5).
ص: 48
وقال الزبيدي: (وراهق الغلام مراهقة قارب الحُلُم فهو مراهق، والجارية مراهقة)(1).
ومن
كلمات اللغويين السابقة نستنتج أنَّ المراهق يتَّصف بعدَّة صفات، هي:
أوَّلاً: خفَّة في العقل، بمعنىٰ أنَّ سلوكه يكون فيه نوع من الخفَّة وعدم الاتِّزان وعدم حساب النتائج المترتِّبة علىٰ السلوك حساباً دقيقاً.
ثانياً: أنَّ المراهقة هي مرحلة عمرية لها وقت تبدأ به ولها وقت تنتهي عنده، وقد اختلفت الكلمات في تحديد مرحلة البدء والنهاية، كما سنرىٰ إن شاء الله تعالىٰ.
ثالثاً: أنَّ المراهق هو من قارب الحُلُم، وقد فُسِّر الحُلُم بالاحتلام(2).
لا يختلف المعنىٰ الاصطلاحي للمراهق كثيراً عن المعنىٰ اللغوي، فالمراهق هو الشخص الذي يعيش مرحلة انتقالية من عمره بين الصبا والشباب.
ولكن اختلفت الكلمات في تحديد تلك الفترة من عمر الإنسان، فالبعض حدَّدها بعمر العشر إلىٰ الإحدىٰ عشرة سنة كما تقدَّم هذا من ابن منظور.
والبعض حدَّدها بين عمر الاثنتي عشرة سنة إلىٰ الثمان عشرة سنة(3).
ص: 49
والبعض الآخر قسَّمها إلىٰ ثلاث مراحل: مبكِّرة ومتوسِّطة ومتأخِّرة. والمراهقة المبكِّرة تبدأ في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، أمَّا المتوسِّطة فإنَّها تبدأ في الخامسة عشرة أو السادسة عشرة، وتأتي بعدها مرحلة المراهقة المتأخِّرة، وهذه تمتدُّ إلىٰ سنِّ الحادية والعشرين أو الثانية والعشرين(1).
ويمكن أن يقال في هذا المجال:
إنَّ المراهقة هي مرحلة عمرية يمرُّ بها الإنسان، هذا لا خلاف فيه، وإنَّ هذا المرحلة العمرية ترافقها عدَّة أنواع من التغيُّرات الفسيولوجية والنفسية، أهمُّها التالي:
وتظهر في الذكور بالاحتلام (أي خروج المنيِّ)، وبظهور الشعر الخشن في مناطقه المعهودة، وبخشونة الصوت، وظهور ما يُسمّىٰ بحَبِّ الشباب عند بعض المراهقين.
أمَّا في الإناث فتظهر تلك التغيُّرات في بروز الثدي، وبالطمث، وبظهور الشعر الخشن في مناطقه...(2).
ولا يهمُّنا التعرُّض إلىٰ الغدَّة المسؤولة عن هذه التغيُّرات بعد أنْ كان هدفنا عملياً يتناول عرض كيفية إدارة جلسة حوار هادفة عملياً لا مجرَّد بحث علمي(3).
ص: 50
وتظهر هذه التغيُّرات علىٰ سلوك المراهق عبر عدَّة مظاهر، منها التالي:
1 - يبدأ ينظر لنفسه وكأنَّه صار رجلاً مُدرِكاً.
2 - يحاول أنْ يستقلَّ في تصرُّفاته عمَّن كانوا يُوجِّهونه لسنوات عديدة.
3 - تظهر منه ردّات فعل إزاء بعض الأوامر من غيره.
4 - يحسُّ برغبة في الظهور والبروز ولو من خلال مخالفة المعهود والانشقاق علىٰ الواقع.
5 - يحسُّ برغبة في تكوين مجاميع من المراهقين أمثاله، وهنا قد يكون المراهق قيادياً، وقد يكون تبعياً، وقد يُمثِّل بعضهم العنصر المتخاذل، وآخر يُحِبُّ أنْ يجني الثمرات من دون أدنىٰ تعب.
6 - قد تظهر عند بعضٍ منهم ميول نحو السفر خارج بلده الذي عاش فيه.
وطبعاً يصاحب هذه التغيُّرات ازدياد ملحوظ في ذكاء المراهق(1).
وبهذا يمكن أن نصل إلىٰ التالي:
إنَّ تحديد سنٍّ محدَّد لبداية المراهقة أو لنهايتها من الصعوبة بمكان، ذلك لأنَّ تلك التغيُّرات تتأثَّر في كثير من الأحيان بنوع الثقافة التي يعيشها الفرد والجوّ الأُسري ونوع الالتزام الديني ونوع الجوِّ المدرسي وجوِّ الرفقاء، وحتَّىٰ المناخ له علاقة بظهور بعض تلك التغيُّرات، فمثلاً في المناطق الحارَّة تطمث الفتاة قبل مثيلاتها في المناطق الباردة، وهكذا.
ص: 51
والمهمُّ في تحديد المراهقة إذن هي ملاحظة تلك التغيُّرات الفسيولوجية والنفسية.
من المهمِّ جدًّا للأب المرشد وقبل أن يبدأ جلسة إرشادية تتعلَّق بالمراهق أن يفهم المراهق والمراهقة، وحتَّىٰ تتَّضح الصورة في هذا المجال نذكر التالي:
1 - علىٰ الأب أنْ لا ينسىٰ أنَّه كان في يوم من الأيّام مراهقاً، فعليه أنْ يراجع تلك الفترة ويرىٰ التغيُّرات التي حدثت له، ويتذكَّر الأُمور التي كانت تستثيره أو تلك التي تُكدِّره والأُخرىٰ التي تُفرحه، وهكذا.
وهذا يعني فيما يعنيه أنَّ علينا أنْ نتذكَّر أخطاءنا التي برزت منّا إبّان تلك المرحلة من أعمارنا.
2 - لو نظرنا نظرة واقعية لمشاكل المراهقين لاكتشفنا أنَّها ليست مشاكل كبيرة وخطرة إلىٰ الحدِّ الذي نقع في مأزق منها، وإنَّما هي في الغالب مشاكل من النوع الاستفزازي والإزعاجي، أو من نوع المشاكل الناشئة من ردَّة فعل معيَّنة، فالطفل يرىٰ نفسه قد كبر، ويريد أن يستقلَّ في جميع شؤون حياته، فيعمل علىٰ أن يُبرِز شخصيته للآخرين بصورة وبأُخرىٰ، وهذا ما قد يُغضِب المربّين عموماً، ويُثير أعصابهم.
فعلينا أنْ نفهم أنَّ ما يفعله المراهق يفعله أغلب المراهقين، وعلينا أنْ لا ننظر إلىٰ المراهق علىٰ أنَّه ما زال طفلاً، علىٰ الأقلّ من وجهة نظره هو، وإنْ كنّا - نحن البالغين - نراه ما زال صغيراً يافعاً.
3 - علينا أنْ نفهم أنَّ أكثر المراهقين يتعلَّمون من أخطائهم أكثر ممَّا يتعلَّمون من التوجيهات والأوامر الصادرة اتِّجاههم، وهذا يعني
ص: 52
ضرورة التفكير بطريقة موضوعية، ومحاولة إيجاد سُبُل حضارية في كيفية إيصال الفكرة إلىٰ المراهق وكيفية بيان أنَّه أخطأ في السلوك الفلاني.
4 - علينا أنْ نُدرِك أنَّ ما يفعله المراهقون وما يصدر عنهم من سلوكيات فيزيائية أو نفسية هي أُمور مؤقَّتة، وسوف تتحسَّن تلك السلوكيات مع مرور الوقت، وعلينا أن نتذكَّر هنا أيضاً بعض تصرُّفاتنا عندما كنّا بأعمارهم، وسنرىٰ أنَّنا نستحيي من أنفسنا كيف كنّا نفعلها، وسنرىٰ أيضاً أنَّنا تركنا تلك التصرُّفات مع مرور الوقت.
ولكن هذا لا يعني الاستغناء عن عملية الإرشاد للمراهق وتركه من دون نُصْح، بل يعني لزوم المحافظة عليه من تلك السلوكيات لكن بالأُسلوب العلمي والخطاب الحكيم والتوجيه الذكي.
5 - علينا أنْ لا ننسىٰ تأثير الوسائل الإعلامية والتكنولوجيا الحديثة علىٰ سلوك المراهق، فبالأمس القريب لم يكن عند المراهق منابع للشحن ومتنفَّس للتفريغ(1) إلَّا من بعض النوافذ المعدودة، أمَّا اليوم فنوافذ الشحن والتفريغ صارت أكثر ممَّا كانت عليه، ولربَّما نعيش اليوم مرحلة يصعب معها إلىٰ حدٍّ كبير السيطرة علىٰ منافذ الشحن والتفريغ في سلوكيات المراهق.
6 - وعلينا أنْ نتذكَّر أنَّ المراهق هو جزء من المجتمع، ولديه
ص: 53
الكثير من الخير والبراءة والطيب، ولكنَّه يمرُّ بمرحلة انتقالية تجعل التفاهم بينه وبين الكبار أمراً صعباً، وقد يعتقد البعض أنَّ التواصل معه أمر ميؤوس منه.
وهنا أكثر ما يحتاج المربّي إلىٰ صفة الصبر، والتأنّي، والتحمُّل، وغضِّ الطرف ما وجد لذلك سبيلاً.
يواجه الآباء المربُّون الكثير من مشاكل المراهقين، وحتَّىٰ يُؤدّي الأب مهمَّته فإنَّ الحكمة تقتضي أنْ يعمل علىٰ استدعاء المراهق الذي صدر منه سلوك يُراد تصحيحه، ويعقد معه جلسة إرشادية منعزلة، وبأُصول موضوعية وعلمية معيَّنة، ويعمل علىٰ أنْ يصبَّ نظرياته العلمية وتجاربه الحياتية وأفكاره التي يبني سلوكه وفقها في قالب من الكلمات يُوجِّهها نحو المراهق.
ولكن نجد أنَّ تلك النظريات والتجارب والأفكار في بعض الأحيان لا تُعطي ثمراتها المرجوَّة منها، وهذا يعني أنَّ هناك خللاً ما في تلك الجلسة الإرشادية.
وبعيداً عن تعيين الخلل وسببه، أُريد أن أذكر بعض الملاحظات التي أرىٰ أنَّها مهمَّة، نجعلها نصب أعيننا قبل البدء بعملية الإرشاد، وتلك الملاحظات هي:
علينا أن نُدرِك أنَّ ما صدر من المراهق هو يصدر من أكثر المراهقين، وبالتالي علينا أن نستفيد من المشاكل التي حُلَّت سابقاً ومن الطريقة التي تمَّ حلُّها بها.
ص: 54
وهذا يعني أنَّ علىٰ الأبوين أنْ يستفيدا من تجربة أصدقائهم مع أبنائهم المراهقين، أو من الكُتُب التي كُتِبَت في هذا المجال، ويمكنهم أيضاً أن يسألوا الآباء الذين بنوا علاقات حميمة مع أولادهم المراهقين.
الآن دعونا - نحن الآباء والأُمَّهات أيضاً - نسأل أنفسنا ونجيب عن هذا السؤال بكلِّ إنصاف وشفّافية:
هل رأيتم بعض المراهقين كيف تغيَّروا نحو الأفضل بسرعة؟
هل تساءلتم عن الطريقة التي تغيَّروا بها؟
هل كلَّف أحدُنا نفسه ليسأل أباه أو أُمَّه عن الطريقة التي نجعت في تغيير ولدهم المراهق؟!
علينا أنْ نُظهِر للمراهق أنَّنا لم نعد نراه طفلاً وديعاً، وإنَّما نوحي إليه بأنَّنا نعتقد أنَّه صار رجلاً مسؤولاً عن كلمته وعن موقفه، وأنَّه سيُحاسَب محاسبة الرجال البالغين، وبالتالي علينا أنْ نُلقي في روعه أنَّه صار بمستوىٰ يفرض عليه أنْ يُبرِّر أيَّ تصرُّف يصدر منه تبريراً عقلائياً ومنطقياً.
وينفع كثيراً في تحقيق هذه الملاحظة أنْ نعقد اتِّفاقات مسبقة مع المراهق بشأن القوانين التي ينبغي التزامها، وعن الطُّرُق التي يمكن أنْ يُستفاد منها في حلِّ النزاعات أو فضِّ المشاكل، ولا شكَّ أنَّ أهمَّ خطوة في تشريع أيِّ قانون هو إعلام الطرف الذي سيجري عليه القانون بمفردات القانون وما يترتَّب عليه التزاماً أو مخالفةً.
علينا أنْ نتذكَّر أنَّ المراهق يعيش مرحلة انتقالية صعبة، وأنَّ أكثر ما
ص: 55
يُضجِره هو تكرار المواعظ والنصائح، فعلينا إذن أنْ نوصل الفكرة المطلوبة إليه بلباقة وفنٍّ من دون أنْ نُحسِّسه بأنَّنا في مقام تقريعه وتوبيخه.
يقول الإمام عليٌّ (علیه السلام): «الإفراط في الملامة يشبُّ نار اللجاجة»(1).
وفي رواية أُخرىٰ: «وإيّاك أنْ تُكرِّر العتب، فإنَّ ذلك يُغري بالذنب، ويُهوِّن العتب»(2).
في كلِّ جلسة إرشاد ونصح وتصحيح خطأ أو تقويم سلوك علينا أنْ نترك مجالاً ولو صغيراً للمراهق في أنْ يُبدي عذراً لسلوكه، ونُظهِر له أنَّنا قبلنا عذره هذه المرَّة وإنْ كنّا نراه عذراً واهياً، حتَّىٰ لا نحمله علىٰ المكابرة والجحود والتصلُّب والعناد ومحاولة إثبات الذات.
قال الإمام عليٌّ (علیه السلام): «إذا عاتبت فارفق، إذا عاتبت فاستبقِ»(3).
وفي رواية أُخرىٰ عنه (علیه السلام): «إذا عاتبت الحَدَث فاترك له موضعاً من ذنبه، لئلَّا يحمله الإخراج علىٰ المكابرة»(4).
من المهمِّ جدًّا أنْ تتعرَّف علىٰ اهتمامات المراهق وأُمنياته وأنشطته، ولو من خلال توجيه أسئلة إليه، أو من خلال الاتِّصال بزملائه وأصدقائه، وأنْ نسألَه عن إنجازاته التي حقَّقها والأُمور التي نجح فيها، فإنَّ هذا من شأنه أن يجعل المراهق يحسُّ بقربنا منه واهتمامنا به، ممَّا يُسهِّل عملية الإرشاد وتعديل السلوك.
ص: 56
وبعبارة بسيطة: علينا أنْ نُظهِر له نوعاً من الاحترام المتبادل من خلال تبادل أطراف الحديث والاستماع.
علينا أنْ نتذكَّر أنَّ أكثر ما يغيظ المراهق هو سيطرة الآخر عليه، وقد أكَّدت دراسة علمية أنَّ (80%) من مشاكل المراهقين في عالمنا العربي هي نتيجة مباشرة لمحاولة أولياء الأُمور تسيير أولادهم بموجب آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم(1).
قال الإمام عليٌّ (علیه السلام) - في الحِكَم المنسوبة إليه -: «لا تقسروا أولادكم علىٰ آدابكم، فإنَّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم»(2).
ومن هنا علينا أنْ نظهر أمامه بمظهر الصديق الرفيق، وأنْ نتعامل معه علىٰ أنَّه شخص له كامل الاستقلال، وأنَّ له الحقَّ في اختيار أيِّ سلوك، وأنَّ له الحُرّية في التعبير عن رأيه بالطريقة التي يجدها مناسبة، ولكن في نفس الوقت علينا أنْ لا نغفل تذكيره بأنَّه فرد من المجتمع، وعليه أنْ يراعي الجوانب الاجتماعية والثوابت الدينية في أيِّ تصرُّف وسلوك يريد أن يفعله، وأنْ لا ينسىٰ أنَّه ابن عائلته، وهو محسوب عليها، وبالتالي فما يصدر منه سيُنسَب لعائلته بكلِّ تأكيد.
هناك العديد من الأخلاقيات والتربويات التي يذكرها علماء التربية من أجل الوصول إلىٰ جلسة إرشادية ناجحة مع المسترشد عموماً
ص: 57
والمراهق خصوصاً، وتلك الأُمور مستوحاة من الواقع والتجربة المتكرِّرة، ومن مشاهدة نتائج الجلسات مع عدَّة أصناف من المسترشدين المراهقين.
وتلك التربويات تدخل ضمن عنوان عامٍّ هو: (فنُّ الحوار)، فأنْ تكونَ محاوراً ناجحاً يجعلك مرشِداً متميِّزاً وأباً يُقتدىٰ به، وللحوار فروعه المختلفة، وفيما يتعلَّق بالحوار مع المراهق يوجد التالي:
فالوقت لا بدَّ أنْ يكون مناسباً لكلا الطرفين: المرشد والمسترشد، ومع الأسف نجد أنَّ هذه الفقرة مفقودة في كثير من جلسات الإرشاد، فالأب يرىٰ هو وقتاً مناسباً له ليفتح جلسة للحوار مع المراهق، وقد يفتح جلسة حسابية معه أمام إخوته الصغار، الذين يعتبرهم المراهق ما زالوا صغاراً، فيكون انتقاده أمامهم تنقيصاً من شأنه وهدراً لكرامته، وهو ما لا يرضاه المراهق قطعاً، وهكذا البعض يحاسب ولده المراهق في الشارع أمام أصدقائه أو أمام الجيران أو أمام أحد الأقارب وما شابه هذه التصرُّفات.
والحال أنَّه لا بدَّ من الالتفات إلىٰ ما قلناه في الخطوة الثالثة من ضرورة الإيحاء إلىٰ المراهق بأنَّه صار رجلاً وله استقلاله، ومن ذلك ما يلزم مراعاته من اختيار وقت الحوار، فعلينا والحال هذه أنْ نجري اتِّفاقاً مسبقاً مع المراهق علىٰ وقت مناسب لكلا الطرفين.
ولا شكَّ أنَّ الأفضل أنْ تكون الجلسة مع المراهق بعيداً عن أيِّ طرف آخر، لأنَّ الولد لا يتحمَّل أنْ ينتقده أحد - ولو كان أباه - أمام الناس - ولو كانت أُمَّه أو إخوته -.
ص: 58
جرِّب أنْ تستدعي ولدك المراهق في مكان منعزل في غرفة الضيوف مثلاً، أو أن تخرجا معاً في السيّارة الخاصَّة، أو أن تتمشَّيا قليلاً لوحدكما، وافتح معه بلباقة مسألة تصرُّف معين سلباً أو إيجاباً، لاحظ أنَّ الولد حتَّىٰ وإنْ امتعض من النقد ولكنَّه بالتالي سيتجاوب معك بطريقة أفضل بكثير ممَّا لو أجريتَ هذا اللقاء الصحفي أمام كاميرات الإخوة أو الأصدقاء!
ونفس الكلام يجري في قضيَّة اختيار المكان المناسب لعقد جلسة الإرشاد.
علينا - وحتَّىٰ نصل إلىٰ نتيجة مثمرة مع المراهق - أنْ نُحسِّسه أثناء جلسة الاسترشاد بأنَّنا نجلس معه بصفتنا أصدقاء له لا آباء أو مسؤولين، فإنَّ لهذا الإحساس دوراً فاعلاً في خلق الثقة المتبادلة مع المراهق، وبالتالي تُؤدّي تلك الثقة إلىٰ فتح ملفّات مخفيَّة داخل نفس المراهق، ممَّا يساعد كثيراً في فهم طبيعة المشكلة وأسبابها والنتائج التي يمكن التوصُّل إليها.
ولذلك يُستَحسن أن تكون الجلسة متساوية بالمكان، فلا يكون أحد الطرفين واقفاً والآخر جالساً.
ولا بدَّ أن نُخْلي الجلسة من المتَّهم والحاكم.
ومن قطع الكلام غير المبرَّر.
وأنْ نُقلِّل من حركات اليد التي ترمز إلىٰ القوَّة والاتِّهام، وما شاكل ذلك.
كثيرٌ من الآباء والأُمَّهات فشلوا في هذه النقطة، فهم لم يعقدوا
ص: 59
اتِّفاق صداقة مع أولادهم، وبالتالي ما زالت نظرتهم الاستعلائية حاضرة في كلِّ حديث يتمُّ تبادله مع الأولاد، الأمر الذي يجعل الأولاد في مرحلة المراهقة يتحاشون الكلام مع أبويهم، لأنَّهم وصلوا إلىٰ مرحلة لا يتحمَّلون معها الأوامر المباشرة والاستعلاء عليهم.
من الأُمور التي تساعد كثيراً علىٰ تحقيق الصداقة مع الأولاد هو الزواج المبكَّر، الأمر الذي يعني تقارب سنِّ الوالد والولد نوعاً ما، ممَّا يعني أنَّ تفكير الأب سوف لن يكون بعيداً عن عالم ولده، وربَّما سيعيشان معاً مرحلة مراهقة من نوع ما! ممَّا يعني إمكان كسب ثقة الولد، كما يكسب ثقة صديقه.
علىٰ الأب وكلِّ مرشدٍ أنْ يختار أسئلة ذكيَّة ومرنة ليستشفَّ منها معلومة يستفيد منها في الإرشاد، فعليه إذن أنْ يبتعد عن الأسئلة المغلقة (التي يُجاب عنها بنعم أو لا)، ولتكن الأسئلة مفتوحة، فبدلاً من أنْ يقول له: هل تُحِبُّ المدرِّس الفلاني؟ عليه أنْ يقول له مثلاً: ما هو أكثر شيء يُعجبك في طريقة تدريس المدرِّس الفلاني؟ وما هو الشيء الذي تعتقد أنَّه يغيظك فيه؟
وبدلاً من أنْ يعقد مقارنة بينه وبين أخيه الأكبر، عليه أنْ يُوجِّه له سؤالاً يجعله يلتفت إلىٰ الإيجابيات التي يمتلكها أخوه، فنقول له مثلاً: ما هو التصرُّف الذي ترىٰ أنه يجعل من أخيك رجلاً كبيراً؟ وما هو نوع التصرُّف الذي ترغب في أنْ يُغيِّره أخوك معك؟
إنَّ هذه الأسئلة ستفتح لنا الكثير من الملفّات الدفينة في أعمال
ص: 60
المراهق من حيث لا يشعر، الأمر الذي يجعلنا نُدرِك تماماً ما هي المشكلة التي يواجهها، أو ما هو نوع السلوك الذي يرغب فيه، أو ما هو الشيء الذي أثَّر فيه، وهكذا.
علىٰ الأب أنْ يكون منصتاً ومستمعاً جيِّداً أثناء عملية الإرشاد، فإنَّ هذا من شأنه أنْ يخلق إحساساً بالاحترام المتبادل بين الطرفين، ومن شأنه أنْ يجعل المراهق يسترسل بكلامه، ليتصيَّد منها الأب معلومة تكشف له عن سرٍّ أو سبب وراء مشكلةٍ ما أو سلوك معيَّن من المراهق.
ويدخل ضمن هذا الأمر تشجيع المراهق علىٰ إيصال مشاعره المختلفة ولو كانت مشاعر سخط أو غضب، علينا أنْ نُعطيه المجال للتعبير عن مختلف مشاعره، ولكن علينا أيضاً أنْ لا نفقد سيطرتنا علىٰ جلسة الإرشاد، بمعنىٰ أنْ نُوحي للمراهق بأنَّ هناك خطوطاً حمراء ليس له أنْ يتجاوزها أثناء التعبير عن مشاعره، فالمطلوب إذن هو التعبير عن المشاعر بصورة مهذَّبة ولائقة وبعيدة عن التهكُّم والوقاحة.
(فالشرط الوحيد هو أنْ يُعبِّروا بطريقة صحيحة، ليتحدَّث الواحد منهم بصراحة تامَّة عن كلِّ ما يُزعجه وعن كلِّ ما يراه غير لائق...)(1).
ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ هناك فاصلة ثقافية بين الأب الراشد وبين ولده المراهق، تلك الفاصلة تجعل التواصل بين الطرفين قد يكون صعباً، فالثقافة عندهما مختلفة، والهموم مختلفة بينهما، والاهتمامات مختلفة، فأنت
ص: 61
ربَّما تُفكِّر في الادِّخار أكثر من الصرف، وربَّما تُفكِّر في بناء البيت أكثر من شراء سيّارة، وربَّما تُفكِّر في توفير الطعام أكثر من ملابسك ومظهرك، والولد علىٰ عكس ذلك تماماً.
وبالتالي يحتاج الأب إلىٰ قليل من المسايرة مع ولده المراهق، حتَّىٰ يتيح الفرصة له للتعبير عن اهتماماته، وبالتالي تتاح فرصة مهمَّة للأب في أنْ يفهم قليلاً من شخصية المراهق.
قد يحسُّ المراهق بأنَّه عندما يجلس مع أبيه جلسة الاسترشاد بأنَّه جالس في قفص اتِّهام، وعليه أنْ يُدلي باعترافاته، وهذا من شأنه أنْ يجعل المراهق يُفكِّر في طُرُق ملتوية للتخلُّص من العقوبة، ربَّما بالكذب أو بتزوير الحقائق أو برمي المسؤولية علىٰ الولد الأصغر وما شابه، والحال أنَّ الصحيح هو أنْ يخلق الأب جوًّا من الأمان يسود الجلسة، حتَّىٰ يتيح الفرصة للمراهق بأنْ يُبيِّن الحال التي مرَّ بها من دون خوف ولا رعب.
علينا أنْ نوصل فكرة مهمَّة إلىٰ المراهق، وهي أنَّه حيث يرىٰ نفسه صار رجلاً كبيراً ومستقلًّا في تصرُّفاته وسلوكياته، فهو إذن مسؤول عنها، وعليه أنْ يُبرِّرها بتبرير عقلائي، وإلَّا فعليه أنْ يتحمَّل عواقب سلوكياته بكلِّ شجاعة، وهذا من شأنه أنْ يُشجِّع المراهق علىٰ الاعتراف بكلِّ ما يحيط بالمشكلة ممَّا له دخل في معرفة أسباب نشوئها والحلول المناسبة لها، إذ لعلَّها تُخفِّف من المسؤولية أو من التبعات المترتِّبة عليها.
قد يأخذ ولدك مبلغاً من المال من دون علمك، وهنا عليك أنْ توصل له فكرة بأنَّ عليه أنْ يُبرِّر هذا السلوك، وأنَّه لو كان مديوناً مثلاً
ص: 62
فما كان عليه إلَّا أنْ يُبلِّغك بالدَّين لتُعطيه ما يسدُّه به، وقبلها عليك أنْ تُفهِمه أنَّ من الخطأ بمكان أنْ يعمل علىٰ سدِّ احتياجاته بالاقتراض من صديقه، وأنَّ عليه أنْ يُخبِرك بكلِّ هدوء وأمان بأنَّه محتاج لمبلغ من المال، لكي (يُصلِّح درّاجته الهوائية) التي انكسرت من دون قصد، وعندها عليك أنْ توحي له بأنَّك مستعدٌّ تماماً للوقوف معه في مشكلته (درّاجته المكسورة) إلىٰ أنْ تُصلِّحها له، وأنَّه غير مضطرٍّ لا إلىٰ الاقتراض من صديقه، ولا إلىٰ أخذ المال من دون علمك.
والخلاصة من كلِّ ما تقدَّم:
أنَّ المراهق هو فرد من المجتمع، له حقوق وعليه واجبات، وهو قد يُخطئ، حاله في ذلك حال أيِّ فردٍ منّا، كلُّ ما في الأمر أنَّ أخطاءه قد تكون بارزة وقد تتلبَّس بثوب أخرق.
إلَّا أنَّه بالنتيجة علينا أنْ لا نتركه يخوض غمار أخطائه لوحده من دون وعظ وإرشاد.
لكن علينا في نفس الوقت أنْ نُدرِك أهمّية الحوار الهادئ معه، وأهمّية النظر إليه نظرة رجل مستقلٍّ مسؤول عن كلمته وموقفه، وعلينا أنْ لا ننسىٰ أهمّية الإنصات في الجلسات الإرشادية.
* * *
ص: 63
ص: 64
يُولَد الإنسان في هذه الحياة وليس عنده من المعارف والعلوم إلَّا بعض العلوم الفطرية، فيبكي إذا جاع، ويبتسَّم إذا رأىٰ أُمَّه، و...
لكن اليد الإلهيَّة جهَّزته بالعديد من أجهزة الاستقبال الراقية: ]وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 78[ (النحل: 78)، لتبدأ رحلته الطويلة في تخزين المعلومات ثمّ تحليلها ثمّ تحويلها إلىٰ سلوك عملي خارجي.
وفيما مضىٰ من الزمن كانت المصادر العلمية والعملية التي تُغذّي أذهان الأولاد منحصرة بين جدران البيت، فالأب وكذا الأُمُّ كانا يُمثِّلان للولد القدوة ومصدر المعارف، لذلك كان الأولاد في سنيِّ عمرهم الأُولىٰ يستقبلون معارفهم من الأبوين وحسب.
إلَّا أنَّه، ولأنَّ حياة الإنسان تكاملية من جانب، ولأنَّ الإنسان يُحِبُّ أنْ يتماشىٰ مع التطوُّر من جانب آخر، فقد أدخل الأبوان - من حيث يشعران أو لا - إلىٰ البيت مصادر جديدة للمعرفة، ليس التلفاز فحسب، وإنَّما كافَّة أجهزة الإرسال والاستقبال الحديثة، خصوصاً ما يتعلَّق بالأجهزة المستقبلة للشبكة الإلكترونية (الإنترنيت)، الأمر الذي أدّىٰ إلىٰ أنْ يُسحَب بساط التغذية العلمية والفكرية من الأبوين بالتدريج لتجلس عليه الأجهزة الحديثة والتكنولوجيا المتقدِّمة.
ص: 65
وبدافع الحُبِّ والعاطفة يشتري الأبوان هاتفاً ذكيًّا أو جهازاً لوحياً لأولادهما، وبدافع إشغال الطفل يُسمَح له بتنزيل ما يشاء من ألعاب إلكترونية، وحتَّىٰ نتجنَّب ثورة صراخه يُتاح له المجال بالاستمتاع بهاتفه ما شاء من الوقت، الأمر الذي جعل الأطفال يأنسون بهواتفهم أكثر من أبويهم، ويقضون أوقاتاً سعيدةً معها أكثر من أُسرهم، ليس هذا فحسب، بل نجد حتَّىٰ الآباء والأُمَّهات أخذوا يأنسون بهواتفهم أكثر من ثمرات أفئدتهم، وبدلاً من أنْ يستمتعوا بضحكات أولادهم ومواقفهم المضحكة أخذوا يشاهدون بعض المقاطع لأطفال لا يعرفونهم ليضحكوا كثيراً من تصرُّفاتهم الطفولية، وربَّما كان لأولادهم من المواقف ما هو أطرف ممَّا يُشاهَد علىٰ ال- (you tube) وأكثر لطافةً منها.
لقد أصبح الكثير من أفراد العوائل اليوم رغم أنَّ سقفاً واحداً يجمعهم إلَّا أنَّ تلك الأجهزة اللعينة فرَّقتهم، لتجد أنَّ أحدهم لا يُفارق هاتفه حتَّىٰ علىٰ مائدة الطعام.
وقد نقل لي أحدهم أنَّه يتواصل مع أبيه وأُمِّه وأخته بواسطة مجموعة خاصَّة بالعائلة عبر برنامج (واتس أب) وهم في البيت نفسه، لأنَّهم لا يجدون وقتاً للِّقاء المباشر!
إنَّ لهذا الواقع المعاش أسباباً موضوعية، فلم يصل المجتمع إلىٰ ما وصل إليه اليوم صدفةً ومن دون أسباب، وإنَّما كان هناك برنامج منظَّم غير مرئي، عمل فيه المؤسِّسون للشركات العظمىٰ عملاً مزدوجاً، بين أمرين متوازيين:
ص: 66
الأوَّل: محاولة تطوير إنتاجهم التكنولوجي فيما يتعلَّق بالألعاب الإلكترونية، وتوفير أجهزة إلكترونية ذات وظائف متعدِّدة، فبينا كان لكلِّ جهاز عمل مستقلٌّ صار الجهاز الواحد يعمل عدَّة وظائف في وقت واحد، فصار هو مستقبل قنوات، ثمّ جُهِّز بأجهزة خاصَّة للتخزين، ثمّ صار يعمل كمستقبِل للإنترنيت، وتطوَّر إلىٰ أنْ صار أيضاً جهاز ألعاب، ثمّ تطوَّرت الأجهزة أكثر لتجعل الشخص لا يلعب مع نفسه أو مع الجهاز فقط وإنَّما صار يلعب مع أشخاص حول العالم من خلال العالم الافتراضي وبرامج التواصل الاجتماعي، وتطوَّرت الألعاب من كونها للتسلية أو ألعاب ذكاء إلىٰ ألعاب قتال وخداع وإسقاط دول والسفر عبر المجرّات والتمسُّك بالخيال اللّاواقعي، بل وصل الحال إلىٰ أن يعيش الأفراد ألعاب الواقع الافتراضي حيث تُظهِر الألعابُ تلك كائناتٍ افتراضية تتحرَّك ضمن البيئة الحقيقية التي ترصدها الكاميرا الخاصَّة بالهاتف المحمول(1)!
الثاني: سار إلىٰ جنب هذا التطوُّر الهائل زيادة الطلب لتلك الأجهزة، واستهلاك انفجاري لها، ومتابعة لأخبار تطوُّرها، ممَّا جعل أرباب تلك الشركات الإلكترونية يربحون أرباحاً تكاد تكون خيالية، فقد ورد في بعض التقارير(2) أنَّ شركة (مايكروسوفت) عام (2001م) باعت (24) مليون قطعة من جهاز (إكس بوكس) الذي يُعَدُّ الجيل السادس لألعابها.
ص: 67
ووصلت أرباح ألعاب الحاسوب إلىٰ مبلغ (20) مليار دولار عام (2012م) في جميع أنحاء العالم، وكانوا يتوقَّعون ارتفاع الأرباح في عام (2016) إلىٰ (25.7) مليار دولار!
وأعلنت شركة الأبحاث والتحليلات (نيوزو) تقريراً قالت فيه: إنَّ المستهلكين حول العالم سينفقون (108.9) مليار دولار علىٰ ألعاب الفيديو في عام (2017م)! وتوقَّع التقرير أنَّ ألعاب الفيديو في الهواتف الذكيَّة ستستحوذ علىٰ (46.1) مليار دولار منها، وهو ما يقرب من (42%) من تلك الأموال، في حين أنَّ ألعاب الكمبيوتر ستكون حصَّتها (29.4) مليار دولار، ما نسبته (27%).
أمام هذا الواقع المُقرِف، وبغضِّ النظر عمَّا يُقال من الآثار السلبية (أو الإيجابية ربَّما) لتلك التكنولوجيا، كيف نرجع إلىٰ سابق عهدنا - نحن الآباء قبل الأبناء - لنكون مؤثِّرين في أولادنا ومصدراً مهمًّا لمعارفهم وعلومهم وسلوكياتهم؟
علينا أن نلاحظ التالي:
أوَّلاً: من المكابرة أنْ يسعىٰ أحدُنا إلىٰ منع أولاده من تلك التكنولوجيا الحديثة تماماً، فهذا قد يكون ضرباً من الخيال في كثير من الأحيان، ومحدِّثكم لم يمنع أولاده منها أبداً.
وبدلاً من السعي (المفلس) هذا، علينا أنْ نعمل علىٰ (تقنين) اقتناء واستعمال هذه الأجهزة الحديثة، لا أنْ (نتصلَّب) في هذه القضيَّة إلىٰ الحدِّ الذي سنجعل الأولاد يبحثون عن (بديل) مناسب، وبالتالي قد تحتويهم (المقاهي) و(الكازينوهات)!
ص: 68
ثانياً: بطريقة ليِّنة، علينا أنْ نُوحي لأولادنا أنَّ هذه الأجهزة لا تُمثِّل البديل عن الأبوين، أو عن التواصل مع الإخوة، وإنَّما هي (وسيلة) لتسهيل بعض الأُمور الحياتية، وأنَّ (قيمتها) لا تعدو كونها (وسيلة) و(آلة) لا هدفاً وغايةً.
ثالثاً: بطريقة صارمة، علينا أنْ نُقنِّن (العمر) المناسب لاقتناء تلك الأجهزة، فلا يجوز (أي إنَّه لا قانون مُلزِم يقتضي) حصول كلِّ (ولد) أو (بنت) علىٰ نسخة من تلك الأجهزة، وحصول (الزميل) أو (الصديق) أو حتَّىٰ (ابن العمِّ) علىٰ واحد منها لا يُبرِّر ضرورة حصول ذلك لولدك.
رابعاً: وبطريقة ذكيَّة، علينا أنْ نُقنِّن (ساعات أو دقائق) استعمال تلك الأجهزة، فليس من الصحيح فتح الباب علىٰ مصراعيه وترك المركب (بلا مرساة)، فجدولة الاستعمال، والالتزام بالمواعيد، وترتيب بعض العقوبات (غير البدنية طبعاً) لو حصلت المخالفة، أمر ضروري جدًّا ولا مسامحة فيه أبداً، إلَّا فيما تقتضيه الظروف الحاكمة الآنية.
خامساً: أنَّ تخصيص وقت يومي معيَّن، لا يقبل الإلغاء، من أجل (التحرُّر) عن أسر وقيود تلك الأجهزة، والجلوس مع باقي أفراد الأُسرة بالطريقة التي كان عليها آباؤنا، لهو أمر مهمٌّ جدًّا لتقوية الروابط والأواصر فيما بيننا وبين أولادنا.
علىٰ كلِّ واحدٍ منّا أنْ يتَّفق مع أولاده حول ذلك الوقت، (وقت التحرُّر من التكنولوجيا والعودة إلىٰ أحضان العائلة).
ولنتذكَّر: أنَّ أولادنا غنيمة ومسؤولية!
* * *
ص: 69
ص: 70
هذه الحياة تسير وفق نظام التكامل التدريجي، فليس فيها شيءٌ دفعي، فالكلُّ يسير فيها وفق خطىٰ وئيدة ليصلَ الفرد إلىٰ هدفٍ رسَمَه مُسْبقاً لنفسِه.
والإنسان يخرج إلىٰ هذه الحياة ويبدأ مسيرته فيها وهو خالي الوفاض من أيِّ معارف سابقة، غير تلك المعارف الفطرية التي أودعها الله تعالىٰ في كيانه، ليبكي عند الجوع، وليحسَّ بالأمان إذا سمع دقّات قلب أُمِّه...، ليمضي الفرد بعد هذه المرحلة بشقِّ طريقه تحت رعاية أبويه، الذين يعملان علىٰ تعليم الولد أنظمة الحياة.
قال تعالىٰ: ]وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 78[ (النحل: 78).
فالولد لا يخرج متعلِّماً، ولا يعرف (الإتكيت) مع الضيوف، ولا يُحسِن أنْ يضع كأس الماء في مكانه، ولا أنْ يلبس ملابسه بصورة صحيحة.
ولذلك سيعبث، ويعبث، وستزهق نفوس الأبوين، من كثرة الأخطاء. وربَّما سيمرض، فيمرض الأبوان معه.
ص: 71
وربَّما احتاج الأولاد إلىٰ مصاريف إضافية تُثقِل كاهل الوالد، وربَّما احتاجوا إلىٰ رعايةٍ تُنهك قوىٰ الأُمِّ.
كلُّ ذلك لا بدَّ أنْ يكون بالحسبان، وأنْ يحتسب الأبوان ذلك عند الله تبارك وتعالىٰ.
عن محمّد بن مسلم، قال: كنت جالساً عند أبي عبد الله (علیه السلام) إذ دخل يونس بن يعقوب فرأيته يئنُّ، فقال له أبو عبد الله (علیه السلام): «ما لي أراك تئنُّ؟»، قال: طفل لي تأذَّيت به الليل أجمع، فقال له أبو عبد الله (علیه السلام): «يا يونس، حدَّثني أبي محمّد بن عليٍّ، عن آبائه (علیهم السلام)، عن جدّي رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنَّ جبرئيل نزل عليه ورسول الله وعليٌّ (صلوات الله عليهما) يئنّان، فقال جبرئيل (علیه السلام): يا حبيب الله، ما لي أراك تئنُّ؟ فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله): طفلان لنا تأذَّينا ببكائهما، فقال جبرئيل: مَهْ، يا محمّد، فإنَّه سيُبعَث لهؤلاء القوم شيعة إذا بكىٰ أحدهم فبكاؤه لا إله إلَّا الله إلىٰ أنْ يأتي عليه سبع سنين، فإذا جاز السبع فبكاؤه استغفار لوالديه إلىٰ أنْ يأتي علىٰ الحدِّ، فإذا جاز الحدَّ فما أتىٰ من حسنة فلوالديه وما أتىٰ من سيِّئة فلا عليهما»(1).
وروي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنَّه قال: «من بكىٰ صبيٌّ له فأرضاه حتَّىٰ يُسكِّنه أعطاه الله (عزوجلّ) من الجنَّة حتَّىٰ يرضىٰ»(2).
وروي أيضاً: «غمُّ العيال سترٌ من النار»(3).
ص: 72
فواحدة من مسؤولياتك أيُّها الأب وأنتِ أيَّتها الأُمُّ، هي أنْ تتحمَّلا قدراً كبيراً من مسؤولية التعليم، وأنْ تُرحِّبا بإنهاك القوىٰ وشغل البال في تربية الأولاد.
أضف إلىٰ ذلك كلِّه أنَّ زمننا اليوم أخذ يتسابق معنا بإعلامه المتميِّز والمتنوِّع، وبألعابه الخلّابة التي أخذت عقول الكبار قبل الصغار، وببرامجه السحرية التي تُنسي المرء حتَّىٰ الجوع والعطش، فضلاً عن الثقافات الغريبة التي أخذت تتسلَّل إلىٰ بيوتنا، وربَّما خدعت الكبار من رجالنا ونسائنا قبل شبابنا وصغارنا، وهذا ما يُضفي صعوبة أُخرىٰ علىٰ التربية، إذ إنَّ تلك الوافدات الثقافية تضيف تحدّياً كبيراً جدًّا أمام الأبوين، وعليهما أن يبذلا الكثير من الوقت والجهد وحتَّىٰ المال لكي يستعيدوا سيطرتهم علىٰ أولادهم.
احفظا معي التالي:
كما أنَّ الأسد لم يكن مَلِكاً من دون فروة رأسه، كذلك لا تكون التربية من دون مشقَّة وتعب!
ملاحظة:
ذكرت التربويات الدينية أنَّ لتربية الأولاد - بالإضافة إلىٰ ما فيها
ص: 73
من إشباع للطبيعة الإنسانية (بل وغيرها) المُحبِّة والعاشقة لذرّياتها - ثواباً عظيماً يُعطيه الباري جلَّ وعلا للأبوين من فضله ومنِّه وجوده.
فعن أبي عبد الله (علیه السلام) أنَّه قال: «إنَّ الله (عزوجلّ) يرحم الرجل لشدَّة حُبِّه لولده»(1).
وعن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنَّه قال: «من دخل السوق فاشترىٰ تحفة فحملها إلىٰ عياله كان كحامل صدقة إلىٰ قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنَّه مَنْ فرَّح أُنثىٰ فكأنَّما عتق رقبة من ولد إسماعيل، ومَنْ أقرَّ بعين ابن فكأنَّما بكىٰ من خشية الله، ومَنْ بكىٰ من خشية الله أدخله الله جنّات النعيم»(2).
ليس في تربية الأولاد فحسب، بل وحتَّىٰ في تربية الإخوة والأخوات، فقد يحدث أنْ يموت الأب ويتكفَّل أحد الإخوة بتربية إخوته، فله من الله تعالىٰ الثواب العظيم إذا أحسن إليهم.
فقد روي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنَّه قال: «من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنَّة»، فقيل: يا رسول الله، واثنتين؟ فقال: «واثنتين»، فقيل: يا رسول الله، وواحدة؟ فقال: «وواحدة»(3).
وقد أكَّدت الروايات الشريفة أنَّ من يعيل بنتاً فإنَّه مُعانٌ عليها، وهذا وعدٌ ممَّن لا يُخلِف الميعاد، فليطمئنَّ صاحب البنات بأنَّ الله تعالىٰ كافله ومعينه بإعالته للبنات.
فقد روي أنَّه قال الإمام الصادق (علیه السلام): «إذا أصاب الرجل ابنة
ص: 74
بعث الله (عزوجلّ) إليها مَلَكاً، فأمرَّ جناحه علىٰ رأسها وصدرها، وقال: ضعيفة خُلِقَت من ضعف، المُنفِق عليها مُعانٌ»(1).
بل وورد الثواب العظيم حتَّىٰ في إعالة العمّات أو الخالات، فقد روي عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: «من عال ابنتين أو أُختين أو عمَّتين أو خالتين حجبتاه من النار»(2).
بل ورد مثلُ هذا الثواب وأعظم فيمن يتكفَّل يتيماً مات أبوه أو أبواه، فقد روي عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنَّه قال: «من عال يتيماً حتَّىٰ ينقطع يتمه أو يستغني بنفسه،أوجب الله (عزوجلّ) له الجنَّة كما أوجب النار لمن أكل مال اليتيم»(3).
وكلُّ هذه المفردات تُشجِّع المربّين عموماً علىٰ تحمُّل مشاقِّ التربية واحتسابها عند الله تعالىٰ، ولا يهمُّك بعد ذلك أنْ تلاقي إحساناً في المستقبل أو لا، فما عند الله خيرٌ وأبقىٰ.
ويكفيك أنْ تسمع ما روي عن مُيسّر، عن أحدهما (الإمام الباقر أو الصادق (علیهما السلام) )، قال: قال لي: «يا مُيسّر، إنّي لأظنُّك وصولاً لقرابتك»، قلت: نعم جُعلت فداك، لقد كنت في السوق وأنا غلام وأُجرتي درهمان، وكنت أُعطي واحداً عمَّتي وواحداً خالتي، فقال: «أمَا والله لقد حضر أجلك مرَّتين، كلُّ ذلك يُؤخَّر(4) بصلتك قرابتك»(5).
* * *
ص: 75
ص: 76
هناك معادلة تربوية لا بدَّ منها رغم صعوبتها واقعاً، وهي: أنَّ علىٰ الأبوين في الوقت الذي يعملان علىٰ الرعاية التامَّة لأولادهما، بحيث يكونان لهم كالربِّ المداري والرازق والمربّي، عليهما أيضاً أنْ يعملا علىٰ تعليم أولادهما كيفية الطيران لوحدهما في جوِّ هذه الحياة الدنيا.
علينا أن نعمل علىٰ معادلة متوازنة بين هذين الأمرين: الرعاية والاعتماد علىٰ النفس.
وحتَّىٰ تتحقَّق هذه المعادلة هناك عدَّة أساليب تربوية لا بدَّ من رعايتها أثناء عملية التربية الصحيحة، ومنها: الإهمال التربوي.
ومعنىٰ هذا: أنَّه ليس من الصحيح أنْ يقتل الأبوان نفسيهما من أجل أولادهما، فلا بدَّ من إهمال قليل، وشأنُ هذا الإهمال ونتيجته ليس هو الفشل، وإنَّما هو إهمال من أجل بناء شخصية الولد بالصورة التي تسمح له بخوض لُجَج الحياة.
لاحظوا الطيور كيف تهمل صغارها لتضطرَّ لتعلُّم الطيران، وأنت كذلك أهمل ولدك قليلاً ليتعلَّم الطيران في هذه الحياة.
إنَّ الأبوين الذينِ يقومان بكلِّ شيء نيابةً عن الولد، والذينِ يقومان علىٰ قدم وساق من أجل توفير طلبات الأولاد من دون أيِّ
ص: 77
اعتراضات، والذينِ يعملان علىٰ الاستجابة لكلِّ الطلبات المقدَّمة من الأولاد، لهما أقرب إلىٰ (اللّاتربية) منهما إلىٰ (التربية).
وهنا عدَّة مفردات ينبغي لنا أنْ لا نُظهِر فيها شيئاً من الاهتمام إلَّا الشيء القليل الذي لا يكون ملفتاً للنظر:
أوَّلاً: إذا وقع ولدك أو ابنتك تصرَّف وكأنَّك لم ترَه أبداً، حينها سوف لن يبكي حتَّىٰ لو كانت وقعته مؤلمة، أمَّا إذا أقمتَ الدنيا ولم تُقعدها وشهقت الأُمُّ شهقة تكاد روحها تخرج مع شهقتها، فسينفجر بالبكاء حتَّىٰ لو كانت السقطة بسيطة.
جرِّبوا وانظروا النتائج.
ثانياً: قد يبكي ولدك لأجل الحصول علىٰ حاجة معيَّنة، حينها اتركه، حتَّىٰ لا يتَّخذ البكاء سلاحاً ضدَّك. ويُرجىٰ من الأبوين هنا أنْ يتحكَّما قليلاً في عاطفتهما عندما يريان لآلي دموع الطفل تنسكب علىٰ خدَّيه.
ثالثاً: قد يحدث نزاع بين أولادك حول مائدة الطعام، وقد يحدث أنَّ أحدهم (يزعل) ويترك المائدة، هنا عليكم أن لا تتركوا له طعاماً، ليعرف أنَّ (زعله) لن يفيده شيئاً، وسترون أنَّه في المرَّة القادمة سيُؤجِّل (زعله) إلىٰ ما بعد المائدة.
طبعاً يمكن تقديم طعامٍ له فيما بعد، لكنَّه أقلّ جودةً من طعام المائدة، أو يمكن تركه يجوع قليلاً.
رابعاً: قد يطلب الولد من الأُمِّ أن تصنع له طعاماً لأنَّه جائع. أيَّتها الأُمُّ أهمليه قليلاً في بعض الأحيان، حتَّىٰ يتعلَّم كيف يسدُّ جوعته بنفسه.
ص: 78
خامساً: قد تكثر طلباته ورغباته فوق قدرتك الشرائية، أو حتَّىٰ إذا كانت ضمن المستوىٰ المقدور، أهمل بعض طلباته، حتَّىٰ يتعلَّم أنَّ الحياة وما فيها ليست متاحة بالمجانِّ.
ولنتذكَّر قول أمير المؤمنين (علیه السلام): «لا تجعلنَّ أكثر شغلك بأهلك وولدك، فإن يكن أهلك وولدك أولياء الله فإنَّ الله لا يضيع أولياءه، وإن يكونوا أعداء الله فما همُّك وشغلك بأعداء الله»(1).
ملاحظة:
هناك مفردات يكون الإهمال فيها غير تربوي يلزمنا الابتعاد عنها، ومن تلك المفردات التالي:
أوَّلاً: إهمال صحَّة الأولاد من دون رعاية، كما هو الحال في إهمال أبدانهم من بنائها بناءً صحيحاً، فينبغي للأبوين أن يعملا علىٰ تقوية أجسام الأولاد من خلال دفعهم لأكل الطعام النافع، والتزام الرياضة البدنية بعيداً عن الخمول ولو من خلال طريق اللعب البدني، فضلاً عن الإسراع بعلاج الخلل الفسيولوجي لأبدانهم لو وقع، ولنتذكر: أنَّ الوقاية خير من العلاج.
ثانياً: إهمال متابعة الأولاد في دراستهم، من دون مراجعة إدارة المدرسة والتواصل معها مثلاً، أو عدم متابعة علامات ودرجات الأولاد في الاختبارات، أو عدم متابعتهم في فروضهم المدرسية.
وقد سمعت أولاداً لأب واحد يتألَّمون كثيراً عندما يتذكَّرون أنَّ أباهم لم يزرهم ولا مرَّة واحدة في مدارسهم، ولم يسأل عن مستواهم الدراسي، فضلاً عن أن يُشجِّعهم علىٰ شيء فيها، وكان هذا أحد الأسباب - في نظرهم - لترك الدراسة والاشتغال بأعمال متعبة جدًّا.
ص: 79
ثالثاً: إهمال الأخطاء التربوية التي تصدر منهم، كتجاوزهم علىٰ طفل صغير، أو أخذهم حقَّ غيرهم، أو تلفُّظهم بما يقبح التصريح به، أو عدم احترامهم لأُمِّهم، وهكذا، فالأخطاء أشواك تربوية إنْ لم يتمّ اقتلاعها في وقت مناسب قويت وتعزَّزت وامتنعت علىٰ قالعها.
* * *
ص: 80
عادةً ما نجد الأُمَّهات - بالخصوص - يشكينَ من أنَّ أولادهنَّ كثيرو المشاكل، وأنَّهم لا يكادون يجلسون في مكان واحد إلَّا وتثور مشاكساتهم ولأدنىٰ ولأتفه الأسباب، الأمر الذي أدّىٰ إلىٰ أنْ يتبرَّم الآباء والأُمَّهات كثيراً من هذه الحالة، وقد يعتبرونها مشكلة تكشف عن خلل في التربية أو عن خلل في الصحَّة النفسية لدىٰ الأطفال.
وحينها يتساءلون: كيف نعالج أولادنا ليتركوا العراك والمشاكسة؟
والجواب:
هنا عدَّة أُمور لا بدَّ أن نلتفت إليها جيِّداً، وهي التالي:
أوَّلاً: أنَّ مشاكسة الأولاد أمر فَرَضَ نفسه بقوَّة في الواقع، وهي بلا أدنىٰ شكٍّ تُسبِّب التعب والإرهاق للأبوين، فقد تمنعهما مشاكل وصياح الأولاد من النوم بهناء، وقد تُكلِّفهم تلك المشاكل مصروفات إضافية، وقد تتسبَّب بالتضحية ببعض حاجيات البيت التي تُكسَر أثناء المشاكسات، وغيرها من الصعاب وأنواع الإرهاق الذي يلاقيه الأبوان جرّاء تلك الحالة.
وهنا علىٰ الأبوين أن يتذكَّرا ما لهما من الأجر عند تحمُّل مشاقِّ التربية، وقد تقدَّمت الرسالة المختصَّة بذلك.
ص: 81
ثانياً: علينا أنْ نلتفت إلىٰ أنَّ ما نراه من مشاكل (تافهة) بحسب نظرنا (العقلاني)، هي تُمثِّل قضيَّة العصر ومشكلة الدهر عند الأطفال، وبالتالي علينا أنْ نتعامل معها بعقليَّتهم هم لا بعقليَّتنا نحن.
عندما يتعارك ولدك مع أخيه من أجل أنْ يجلس بجنبك عند الطعام.
وعندما يعلو صراخه إذا سبقه أخوه في جلب الماء لك.
وعندما يتعاركان من أجل (ممحاة).
أو من أجل أنَّ أحدهما جلس علىٰ أريكة الآخر.
أو لأنَّه قال له: (أنت لست جميلاً).
وعندما يثور أحدهما لأنَّ الآخر تهكَّم به.
وعندما يبكي أحدهما بشدَّة عندما يفوز الآخر بلعبة إلكترونية.
وعندما وعندما (ممَّا تعرفونه وتعايشونه أيُّها الآباء كلَّ يوم مع أطفالكم)، فهذه المشاكل نحن نراها تافهة، ولكنَّها عندهم أمر مهمٌّ، بل يُعتبر قضيَّة إثبات موقف وذات!
ولا ننسَ أنَّ التربية الصحيحة تقتضي أنْ نتعامل مع الولد بعقليَّته لا بعقليَّتنا، الأمر الذي أشارت له الروايات بتعبير التصابي للولد.
وعلينا أنْ نتذكَّر ما يقوله علماء النفس والتربية، من أنَّ هذه المشاكسات لها دور مهمٌّ جدًّا في بناء شخصية الطفل، لأنَّها بالتالي تُعلِّمهم كيفية إثبات الحقِّ (فيما لو كان له حقٌّ)، وكيفية تبادل أطراف الحديث، وكيفية استعمال الحُجَج المقنعة وما شابه.
مرَّة كان عندنا بعض الترميمات في البيت، وقد تبرَّعت (زوجتي) بأنْ تساعد ولدي في صبغ مشبك السُّلَّم، فجاءت ابنتي الصغيرة
ص: 82
وأرادت أن تأخذ الفرشاة لتشارك في الصبغ، ولصغرها كنّا متأكِّدين من عدم اتقانها للصبغ، فمنعتُها، فقالت: لماذا؟ قلت: لأنَّكِ صغيرة! قالت: هذا أخي صغير أيضاً! قلت لها: لأنَّكِ فتاة. قالت: هذه أُمّي فتاة أيضاً! فاستسلمتُ وأعطيتُها الفرشاة!
ثالثاً: ويترتَّب علىٰ الأمر الثاني: أنَّ ما نراه من مشاكل ومشاكسات تُمثِّل حالة طبيعية عند الأطفال لا مَرَضيَّة مقلقة، فمن الطبيعي جدًّا أنْ يتشاكس الأولاد لأجل هذه المسائل (التافهة) بنظرنا.
ويترتَّب عليه أيضاً: أنَّ تلك المشاكل غالباً ما تكون مؤقَّتة لا دائمة، وستنتهي في غضون دقائق قليلة، وسيتضاحكان بعدها وكأنَّ شيئاً لم يكن، وهذا من أغرب وألطف مواقف الأطفال.
طبعاً سيبقىٰ ضغط دم الأُمِّ مرتفعاً لساعات طويلة بعد حدوث تلك المشكلة، وهنا سنكتشف أنَّ (عقلانيَّتنا) أسوء بكثير من (لاعقلانيَّة) الأطفال!
فيا حبَّذا لو تعاملنا بلاعقلانيَّة الأطفال مع مشاكلنا، عندها سنجد الكثير منها ستختفي، وستعود المياه لمجاريها بسرعة.
وهذا ما أشارت له الرواية التي رُويت عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) في تعداد الأُمور التي جعلته يُحِبُّ الصبيان.
فقد روي عنه (صلی الله علیه و آله) أنَّه قال: «أُحِبُّ الصبيان لخمسٍ: الأوَّل: أنَّهم هم البكّاؤون، والثاني: يتمرَّغون بالتراب، والثالث: يختصمون من غير حقد، والرابع: لا يدَّخرون لغدٍ شيئاً، والخامس: يُعمِّرون ثمّ يُخرِّبون»(1).
ص: 83
رابعاً: لا يعني كونها أمراً طبيعياً ومؤقَّتاً أنْ نتركها من دون مراقبة ولا علاج، وأنْ نهملها تماماً، فإنَّها وإنْ كانت كذلك ولكنَّها إذا تُرِكَت من دون مراقبة ومتابعة وعلاج فربَّما تتفاقم لتكبر أكثر.
في الحقيقة، إنَّ كونها مؤقَّتة كان نتيجة مراقبة الأبوين الدائمة من جهة، ونتيجة طيبة الأولاد الفطرية من جهة أُخرىٰ، فإذا ترك الأبوان المراقبة فلربَّما ترك الأطفال طيبتهم، وبالتالي قد تستمرُّ المشكلة أكثر من وقتها الطبيعي.
إنَّ من أهمّ طُرُق العلاج هنا هي:
1 - الجلوس أطول فترة ممكنة مع الأولاد، خصوصاً جلوس الأب، إذ إنَّ تواجده مع أولاده يمنعهم عادةً من إظهار المشاكل.
2 - زرع روح (الفريق) في الأولاد، الأمر الذي يعني أنَّهم سيحاولون حلَّ مشاكلهم بعيداً عنكما أيُّها الأبوان، ويعني أيضاً أنَّهم سيحاولون إخفاء مشاكساتهم عنكما حتَّىٰ لا يفشل فريقهما.
ويساعد علىٰ هذا الأمر أنْ تُلقي إليهم مهمَّة حلِّ مشكلتهم بأنفسهم، بأنْ يتَّفقوا علىٰ الحلِّ المناسب لهم، وإلَّا فإنَّك ستتدخَّل بالحلِّ الذي يعجبك أنت! عندها سيعمل الأولاد علىٰ إثبات ذاتهم، واختيار فتح طاولة للنقاش فيما بينهم، وستجد أنَّهم سيتَّفقون بشكل رائع جدًّا.
3 - التدخُّل بطرح بعض الاقتراحات لحلِّ المشكلة، وترك الخيار لهم، ولكن إذا لم يتمّ الاتِّفاق بينهم فعليك قبل الجزم أنْ تعطيهم حلولاً أُخرىٰ، وهذا يقتضي أنْ تعطيهم الوقت الكافي للتفكير بالحلِّ المناسب.
خامساً: لا يعني هذا أنَّ كلَّ مشاكل الأطفال كذلك، بل بعضها له أسباب واقعية يلزمنا أنْ نتعرَّف عليها عن كَثَب لنتمكَّن من علاجها،
ص: 84
ومن أهمّ المشاكل الواقعية هي: الغيرة، الحسد، ضعف الشخصية، التجسُّس علىٰ الآخر، التجاوز علىٰ خصوصيات الآخر.
وهنا لا بدَّ من تدخُّل إجرائيٍّ عمليٍّ مناسب من الأبوين للحدِّ من هذه الأسباب وما يترتَّب عليها من مشاكل.
* * *
ص: 85
ص: 86
تصلني في بعض الأحيان رسائل من بعض الأُمَّهات فحواها: أنَّها فقدت السيطرة علىٰ تربية ولدها رغم معرفتها بطُرُق التربية الصحيحة، ورغم اهتمامها بتنشئة أولادها تنشئة تربوية مستقيمة.
والسبب في ذلك - في العادة - هو أنَّ (أهل الزوج) تدخَّلوا بقوَّة في تربية (ولد ابنهم)، ومنعوا الأُمَّ من التدخُّل فيما يرونه هم مناسباً، خصوصاً إذا كان الطفل هو الأوَّل من الأحفاد، وبالتالي فإنَّ (التدليل) الزائد سيجعل الولد يتجاوز كلَّ الخطوط التربوية الحمراء!
فإذا كسر حاجة من البيت سيواجه تصفيقاً حارًّا من الجدَّة!
وإذا تلفَّظ بلفظ سباب أو فحش ضحك بوجهه الجدُّ أو العمُّ!
وإذا ضرب (أُمَّه) احتوته جدَّتُه بالأحضان مع نظرة شزر للأُمِّ!
وإذا سرق شيئاً شجَّعوه ليشتري به حاجة له، معلنين له أنَّ ما فعله يُمثِّل انتصاراً رائعاً!
وإذا أرادت أُمُّه أنْ تمنعه من فعلٍ خاطئ، أو أنْ تردعه عن تصرُّف مشين، بادر الجدُّ أو الجدَّة بالتدخُّل الصارخ، موجِّهين أصابع الاتِّهام إلىٰ الأُمِّ، مصحوبة بصرخة في وجهها، الأمر الذي سيجعل الولد يستهين بأُمِّه وبأوامرها، ولا يهتمُّ لشعورها ولا لتأديبها.
ص: 87
في الحقيقة، إنَّ هذه مشكلة تربوية عميقة، وسببها في الأصل هو (التدخُّل غير التربوي للأجداد والأعمام)، و(عدم استقلال الزوجين في بيت خاصٍّ).
أمام هذا الواقع، ما هو الحلُّ؟
والجواب:
أوَّلاً: ليس من الصحيح أنْ تُصاب الأُمُّ بالهيستيريا وتُعلِن المعارضة الصارخة أمام أُمِّ الزوج وأبيه، إذ إنَّ هذه الحالة قد ترجع بالسلب عليها، ولعلَّ الزوج سيسمع من أبويه من الأقاويل ما يجعله يثور ضدَّ زوجته، وسترجع الزوجة من هذه المعارضة بخُفَّي حُنين.
ثانياً: علىٰ الأُمِّ أنْ تتعامل بحكمة ورويَّة وهدوء في مثل هذه الحالة، عليها أوَّلاً أنْ تعمل علىٰ (مصادقة) ولدها والتعامل معه كطفلة وطفل، وأنْ تعمل علىٰ (جذبه) إليها بصورة وبأُخرىٰ، عليها أنْ تتعرَّف علىٰ ما يجعل الطفل يتعلَّق بالآخر، وتبذله له أكثر من غيرها، حتَّىٰ إذا ما أحسَّ الطفل بأنَّه لا يستغني عن أُمِّه أمكنها حينئذٍ أنْ تعمل علىٰ تشذيب وتقويم سلوكه شيئاً فشيئاً، بعَقْد الاتِّفاقات - ولو في السرِّ - معه، وأنَّه لو التزم بالمبدأ الفلاني فإنَّه سيحصل علىٰ جائزته المفضَّلة، وهكذا.
ثالثاً: علىٰ الأب أنْ يمارس دوره الأبوي والتربوي في مثل هذه الحالة، لا بأنْ يُعلِن المعارضة ضدَّ أبويه بالحدِّ الذي يخرج عن الإحسان إليهما، وإلىٰ إيذائهما، وإنَّما بالجلوس معهما وتبادل أطراف الحديث معهما، وبيان مواضع الخطأ في علاقتهما مع الولد، وأنَّ (حنانهما) و(حبَّهما) للولد لا يُمكِن أن يُنكَر أو يُستهان به، وهو موضع تقدير بلا شكٍّ، ولكن في الوقت نفسه لا بدَّ من تحديد هذا الحُبِّ والعاطفة منهما اتِّجاه الحفيد بحدود العقل والأعراف العامَّة المتَّفق عليها.
ص: 88
رابعاً: العمل علىٰ الاستقلال في بيت منفرد، فإنَّ في هذا الكثير من الفوائد والمنافع التربوية.
ولا يعني هذا ترك الإحسان إلىٰ الأبوين، ولا يُمثِّل عقوقاً لهما، اللّهمّ إلَّا إذا لم يكن للأبوين أحد غير ابنهما هذا، فحينئذٍ البقاء معهما أولىٰ، ولكن مع تفعيل النقطة الثالثة المتقدِّمة.
خامساً: ليس من الصحيح أنْ ننتقدَ ما يفعله آباؤنا مع أولادنا من الطُّرُق التربوية غير القويمة، وفي نفس الوقت إذا كبرنا نحن أعدْنا نفس الأفعال مع أحفادنا!
علينا أن نستلهم الحلول والأفعال الصحيحة من أخطاء غيرنا، وأنْ نعمل علىٰ عدم الوقوع مجددًّا فيها، الأمر الذي سيُكلِّف أولادنا الكثير من الجهد والعناء ليتمكَّنوا من تصحيح سلوك أولادهم، وربَّما تسبَّبنا نحن في جعل أولادنا يعقُّوننا أو يثورون ضدَّنا، وجعلهم يُسمعوننا ألفاظاً قاسية، والحُرُّ تكفيه إشارة.
* * *
ص: 89
ص: 90
من الأُمور الواضحة لدىٰ الجميع هو أنَّ عملية التربية عملية تكاملية بين طرفين، كلٌّ منهما يقوم بما عليه من دور، ويُكمِل دور الآخر فيها، وهما: الأب والأُمُّ، وأيُّ تقصير من أحدهما في أداء ما عليه من دور لازم يعني خللاً في عملية التربية تظهر آثاره السلبية ولو بعد حين.
ولكن ماذا لو انفردت الأُمُّ - قهراً - بتربية الأولاد، بسبب موت الأب، أو بسبب انفصالها عن زوجها وبقاء الأولاد عندها، أو لأيِّ سبب آخر؟
كيف ستستطيع أن تراعي أولادها لتُظهِرهم إلىٰ العالم الخارجي ناضجين، ويكون لهم دورهم الفاعل في الحياة؟
هنا عدَّة نقاط لا بدَّ علىٰ الأُمِّ من الالتفات إليها:
النقطة الأُولىٰ: أنَّ الحياة لم ولن تنته بموت الأب أو تركه لأولاده وزوجته، فهي مستمرَّة بأيّامها ولياليها وأحداثها - خيرها وشرِّها -.
نعم، لا شكَّ أنَّ فراق الأب (والزوج) له أثر واضح في خلخلة الحياة، ولكن بالتالي علىٰ الأُمِّ (الزوجة) أن تعي دورها، وأن يكون في خلدها أنَّها تقوم بمهمَّة لا يُؤجِرها عليها إلَّا ربُّ العزَّة والكمال.
فليس من الصحيح أن تجلس الأُمُّ تندب حظَّها وتولول كلَّ صباح ومساء، وليس من الصحيح أن تقع في مصيدة اليأس أو خطيئة
ص: 91
القنوط، بل عليها أن تُشمِّر عن ساعد الجدِّ، وتبدأ تشقُّ أمواج الحياة بكلِّ إرادة وصبر وحماس وثقة وتحدّي.
عليها أن تعرف أنَّه يمكنها أن تتغلَّب علىٰ كلِّ الصعاب مهما تعقَّدت، وإلَّا، فلا مصير أمامها سوىٰ الفشل والخسران والتراجع، في نفسها وفي أولادها.
النقطة الثانية: لا شكَّ أنَّ هناك ضغوطاً نفسية كثيرة علىٰ المرأة التي تفقد زوجها، خصوصاً في المجتمعات - الشرقية منها بالخصوص -.
ففي الوقت الذي قد تحتاج المرأة فيه إلىٰ (زوج) لحاجتها النفسية، هي قد تواجه مجتمعاً يرفض للمرأة الأرملة أن تتزوَّج مرَّةً أُخرىٰ، معتبراً ذلك من (الخيانة) للزوج السابق، أمَّا المطلَّقة فإنَّ الزواج منها (كفر وإلحاد)! وقد نجد هذا الضغط من داخل أُسرة المرأة، فضلاً عن العرف العامِّ!
وفيما لو تغلَّبت علىٰ هذا الضغط، فأنّىٰ لها بالرجل الذي يرضىٰ بأن يتزوَّج منها وهي عندها عدَّة أولاد من زوج سابق؟!
ولو وجدت ذلك الرجل، فإنَّها ستقع بين فكَّي كمّاشة، بين حقِّها في الزواج، وبين طلب أهل زوجها الأوَّل بأن يأخذوا (أولادهم) من أُمِّهم بمجرَّد تفكيرها بالزواج!
ولو تجاوزت كلَّ تلك الصعاب، وبقي أولادها عندها، فقد يتغيَّر مزاج (الزوج الجديد) ويبدأ بتوجيه الظلم إلىٰ أولاد زوجته، وربَّما يصل الأمر إلىٰ تشريدهم.
وقد رأيتُ بنفسي رجلاً يجبر أولاد زوجته علىٰ أن يناموا في سيّارته القديمة في الشارع، رغم قساوة زمهرير ليل الشتاء!
ص: 92
وبالتالي، فهناك ألف ضغط تواجهه المرأة قد يُؤدّي بها إلىٰ كبت رغباتها من أجل الحفاظ علىٰ أولادها، وهذا يُمثِّل تحدّياً لا نظير له في حياتها الخاصَّة.
ولست الآن في صدد تعليمها كيفية الخروج من هذا المأزق.
النقطة الثالثة: علىٰ الأُمِّ أن تستفيد من خبرة مثيلاتها ممَّن مرَرْنَ بنفس تجربتها، بشرط أن يكنَّ ممَّن نجَحْنَ في التحدّي، فتتعلَّم منهنَّ الطُّرُق المناسبة للتعامل مع الأولاد، وتستمع لهنَّ بدقَّة، وتستشيرهنَّ في ما تواجهه من مشاكل يومية مع الأولاد.
إنَّ استشارة ذوي التجربة مفيدة جدًّا في كلِّ مجالات الحياة، وفي ذلك جاءت بعض النصوص التربوية، فعن النبيِّ (صلی الله علیه و آله) أنَّه قال: «ما من رجل يشاور أحداً إلَّا هُدي إلىٰ الرشد»(1).
وعن الحسن بن الجهم، قال: كنّا عند أبي الحسن الرضا (علیه السلام) فذكرنا أباه (علیه السلام)، فقال: «كان عقله لا يُوازَن به العقول، وربَّما شاور الأسود من سودانه، فقيل له: تشاور مثل هذا؟! قال: إنَّ الله تبارك وتعالىٰ ربَّما فتح لسانه...»(2).
وأظنُّ أنَّنا بحاجة ماسَّة هنا إلىٰ التأكيد أكثر علىٰ نوعية الأُناس الذين يمكن الاستئناس برأيهم وأخذ المشورة منهم، بأن يكونوا من ذوي العقول الراجحة، وكذلك التأكيد علىٰ مواصفات ذوات التجارب الناجحة، وهذا في الحقيقة أمر يخضع لضوابط ومقاييس النجاح، والتي تتلخَّص في محاولة التوازن بين حاجات الدنيا والآخرة، وبين الحاجات
ص: 93
النفسية والمادّية، وبين مقاومة ضغوط العصر وبريق التطوُّر وما تعانيه الأُمُّ من عوز مادّي أو نفسي.
في مسح ميداني لهذا الموضوع نقلت إحدىٰ النساء (من ذوات التجارب في هذا المجال) من خلال ملاحظتها الشخصية: (أنَ المشورة والنصح في مجتمع النساء فيها مغالطات وتطرُّفات كثيرة تحتاج إلىٰ سعة إدراك وتوخّي الحذر ممَّن يعمل بها).
وهذا يُضفي مسؤولية عظيمة علىٰ المرأة أن تتوخّىٰ الحذر كما أشارت تلك المرأة.
النقطة الرابعة: علىٰ الأُمِّ أن يكون هدفها من تربيتها لأولادها أن تصنع منهم رجال المستقبل، الذين يعينونها في مقتبل أيّامها، ففي الوقت الذي يلزمها أن تغمرهم بعطفها وحنانها، عليها أن تتقمَّص شخصية الرجل في إلقاء أولادها في بعض الصعاب، لتُعلِّمهم كيفية الاعتماد علىٰ أنفسهم شيئاً فشيئاً، وليقوموا بدور أبيهم في ما يتناسب مع أعمارهم، وبذلك تضمن الأُمُّ نتيجة مزدوجة: من بناء شخصية أولادها، وجعلهم يعينونها في حياتها وحياتهم.
وهنا نقطة مهمَّة جدًّا هي عامَّة لجميع الآباء، وليس لخصوص هذه الأُمِّ، وهي:
لا بدَّ من التشجيع المستمرِّ للأولاد.
شجِّعوهم ليُحقِّقوا أحلامهم.
نعم، قفوا معهم في صنعها بصورة صحيحة.
لا تكونوا (قاتلي أحلام) أولادكم.
فأنتم لا تعلمون ماذا سيفعل أولادكم في المستقبل.
ص: 94
النقطة الخامسة: علىٰ الأُمِّ أن تُقوّي علاقتها جيِّداً بالسماء، مع الغيب، بواسطة الدعاء والتوسُّل والاستغاثة بأهل البيت (علیهم السلام)، فلا شيء يمكنه إعانتها بمثل إعانة الله تعالىٰ لها، وستجد العون لها بصورة غير متوقَّعة.
النقطة السادسة: ربَّما نجد أكبر صعوبة تواجهها الأُمُّ هي ما يتعلَّق بصعوبة توفير المال الكافي لسدِّ احتياجاتها وأولادها، فيما لو لم يترك لها الزوج شيئاً من الإرث أو المال.
وهنا علىٰ الأُمِّ أن تلتفت إلىٰ التالي:
أ - يمكن للمرأة أن تعمل في الحدود المسموح بها شرعاً، وإن أرادت النجاح فعليها أن تجعل عملها قدر الإمكان داخل بيتها، كتحضير الطعام، أو الخياطة، وما شابه.
لكن عليها أن لا تنسىٰ أمراً مهمًّا جدًّا، وهو أنَّ عليها أن تستقطع من وقتها ما يكفي للجلوس مع أولادها الذين لا يرون في الحياة غيرها أُمًّا حنونة وأباً كدوداً وخيمة يستظلُّون تحت فيئها، عليها أن تضع في حسبانها أنَّ الحاجة النفسية للأطفال قد تفوق في كثير من الأحيان الحاجة المادّية، والله معينٌ لها.
ب - يمكنها الاستفادة من عمل أولادها لو كانوا بمرحلة عمرية وعقلية تسمح لهم بالعمل في مكان مناسب، بشرط أن لا يتعارض عملهم مع دراستهم، وإن كان الواقع يفرض في بعض الأحيان علىٰ بعض الأولاد أن يترك دراسته ليسدَّ حاجة إخوته وأُمِّه، وحينها:
إذا لم تجد إلَّا الأسنَّة مَركباً *** فما حيلةُ المضطرِّ إلَّا ركوبها
ج - وهنا دعوة إلىٰ كلِّ من يرىٰ أُمًّا كهذه الأُمِّ، خصوصاً إذا
ص: 95
كانت تُربّي أيتاماً، أن يمدَّ لها يد العون بما لا يُنقِصه إذا أعطاه، ولا يُخلِّده إذا منعه، بشرط أن يحافظوا تمام الحفاظ علىٰ كرامتها وكرامة أولادها، وليرحموا عزيز قوم ذلَّ، وليضعوا نُصب أعينهم النصوص التي حثَّت علىٰ مساعدة المحتاجين عموماً، والأيتام خصوصاً.
والحذر كلُّ الحذر من أن يعمل ذئاب البشر علىٰ استغلال تلك الشاة ليفترسوها من حيث تحتسب أو لا تحتسب، وليتَّقوا الله ربَّهم.
د - علىٰ الأُمِّ أن تتعلَّم فنَّ (التوفير)، والعمل بالممكن، وأن تُعوِّد أولادها علىٰ الاكتفاء بالموجود، بكلِّ كرامة وعزَّة نفس، وأن تُؤمِّلهم خيراً فيما يتعلَّق بالمستقبل، فبالنتيجة هذه الحياة بين مدٍّ وجزر، ولعلَّ الله تعالىٰ يحدثُ أمراً يقلب المعادلة، ويجعلهم بعد الحاجة أغنياء، لينتهي عناؤها، وعناء أولادها، فليصبروا، وليضعوا في خلدهم أنَّ معهم من لا تضيع عنده الودائع، وليتَّقوا الله ربَّهم.
أخيراً، لكِ أنتِ أيَّتها الأُمُّ الصابرة، اسمعي منّي التالي:
أوَّلاً: لا دخل لأولادكِ فيما جرَّه القدر عليكِ حينما مات عنكِ زوجكِ (أو طلَّقكِ)، فهم كأنتِ كبش فداء، فلا تُشعريهم بالتقصير، ولا تُحمّليهم ذنباً لم يقترفوه.
ثانياً: ستجدين في (دمعة ليلٍ) و(مناجاة ربٍّ رحيم) تخفيفاً عليكِ، فمهما كنتِ عصامية وفولاذية، فإنَّه سيبقىٰ فيكِ جزءٌ ليِّنٌ جدًّا، يحتاج أن يأخذ منك حقَّه، فأنتِ ريحانة ولستِ بقهرمانة، فلا تغفلي وقت السحر، ولا تتركي صلاة الفجر.
أعطي لنفسكِ حقَّها.
استرخي قليلاً.
ص: 96
اسمحي لنفسكِ ببعض الراحة، والدعة، والهدوء.
بعيداً عن صخب الحياة، وجشوبة العيش.
ثالثاً: اعلمي أنَّ أجرك مزدوج من عملين:
العمل الأوَّل: كفالة اليتيم، أو علىٰ الأقلّ: من تركه أبوه من دون رعاية، وفي ذلك من الأجر الشيء الكثير. يكفيك تشجيعاً أن تسمعي ما روي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله): «من عال ثلاثة من الأيتام كان كمن قام ليله وصام نهاره، وغدا وراح شاهراً سيفه في سبيل الله، وكنت أنا وهو في الجنَّة أخوين كهاتين أُختان [وألصق إصبعيه السبّابة والوسطىٰ](1)»(2).
العمل الثاني: تحمُّلكِ مشاقَّ التربية، مع جشوبة العيش، وقلَّة ذات اليد.
وختاماً: كوني لأولادكِ أُمًّا وأباً، فلا ملجأ لهم سواكِ بعد الله تعالىٰ.
واعلمي أنَّ أجركِ لا يعلمه إلَّا الله تعالىٰ، وأنَّه سيقف معكِ حيث لا معين، وتذكَّري دوماً: ]إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا[ (الحجّ: 38).
* * *
ص: 97
ص: 98
مشكلة واقعية ربَّما لا تخلو منها مدرسة، وهذه المشكلة مزدوجة، يواجهها طرفان:
الطرف الأوَّل: المعلِّمون في المدرسة، حيث تبدأ معاناتهم في كيفية إدخال المعلومة التي لم يطَّلع التلميذ علىٰ أبجدياتها، الأمر الذي سينعكس علىٰ شكل (ضوضاء) و(مخالفة النظام) و(غشٍّ) و(شرود الذهن) و(هروب من المدرسة) وغيرها.
الطرف الثاني: الوالدان وبالأخصّ الأُمَّهات، حيث تتكرَّر مشكلة تلكُّؤ ذهاب الأولاد إلىٰ المدرسة كلَّ يوم، وعدم الاهتمام بواجباتهم المدرسية، وبالتالي ستتألَّم قلوبهم كثيراً عندما يرون علاماتهم الواطئة، وعندما يُكرَّر عليهم الاستدعاء من قِبَل إدارة المدرسة.
فما هي الأسباب (الواقعية) لذلك؟
قبل أن نذكر الأسباب أُلفت الأنظار إلىٰ ثلاث قضايا مهمَّة:
الأُولىٰ: أنَّ الفشل الدراسي لا يعني دوماً (الغباء)، وإنَّما قد يعني ردَّة فعلٍ معيَّنة من الولد تجاه المدرسة، أو غيرها من الأسباب التي سنعرفها إن شاء الله تعالىٰ. فليس من الصحيح أن يُنبَز الولد بالغبيِّ أو بالفاشل عندما لا يكون موفَّقاً في دراسته الأكاديمية.
ص: 99
أيُّها الآباء وأنتم أيُّها المعلِّمون، الرجاء أنْ لا تقتلوا شخصية الولد إذا لم يكن يرغب بالدراسة.
لا ترموه بالغبيِّ.
ولا بالكسول.
كونوا عوناً لهم، لا فرعوناً عليهم.
الثانية: أنَّ عدم نجاح الولد في الدراسة لا يعني أنَّه سيكون فاشلاً في كلِّ حياته، فربَّما ينجح في مجال الإدارة، أو التجارة، أو أيِّ مجال من مجالات الحياة الأُخرىٰ، ممَّا يعني أنَّ علىٰ الوالدين أن يعملا علىٰ توفير البديل المناسب للولد ممَّا يرغب به، ويساعداه علىٰ النجاح فيه.
وعلىٰ المعلِّم أيضاً أن لا يعمل علىٰ تحطيم ما بقي من وهج الإبداع في نفسية الطفل.
وقد نُقِلَ أنَّ معلِّم (أديسون) نعته يوماً بالغبيِّ في دراسته، ولكن أديسون صار مشهوراً باختراعه المصباح، ومعلِّمه لا نعرف عنه حتَّىٰ اسمه!
ومن اللطيف من الكلمات ما نُقِلَ عن (بيل جيتس)(1) مؤسِّس شركة مايكرو سوفت (Microsoft) وأحد أغنىٰ عشرة رجال في العالم: النجاح معلِّم سيِّئ، فهو يغري الأذكياء بالتفكير أنَّه من المستحيل أن يخسروا.
علماً أنَّ أباه كان يُخطِّط له أن يكون محامياً، ولكنَّه ترك جامعة هارفارد بعد سنتين من التحاقه بها، واستلم درجته الفخرية من جامعة هارفارد في (2007م)، أي بعد (32) عاماً من تركه للجامعة.
ص: 100
طبعاً لا يعني هذا أن نُشجِّع أبناءنا علىٰ العمل وترك الدراسة، ولكنَّه يعني: أنَّ الفشل في الدراسة لا يعني نهاية الحياة.
الثالثة: لا بدَّ أن نعرف أوَّلاً أنَّ (الدراسة) و(طلب العلم) فعل اختياري للإنسان، وكلُّ فعل اختياري له مبادئ، ومبادئه تبدأ بتصوُّر الفعل، ثمّ الإذعان به، ثمّ تتولَّد رغبة عارمة في داخل النفس تُؤدّي إلىٰ تفعيل الإرادة وتحريك العضلات نحو تحقيق الهدف.
ممَّا يعني أنَّ واحداً من أهمّ مبادئ الفعل الاختياري هي (الرغبة) و(الحُبُّ) و(الشوق) إليه.
وقد يكون واحداً من أهمّ أسباب التأخُّر الدراسي هو عدم توفُّر الولد علىٰ الرغبة في الدراسة.
لا تسألوا: لماذا لا يرغب بالدراسة؟!
فإنَّ لعدم الرغبة أسبابها التي سنعرفها تباعاً إن شاء الله تعالىٰ، ولكن بالتالي إذا لم تتوفَّر الرغبة عند الولد فإنَّه لن يكون في صفِّه الدراسي إلَّا مثل كومة من اللحم والعظم التي لا تعقل ما يقوله المعلِّم من طلاسم عجيبة لعلوم غريبة!
أمَّا ما هي تلك الأسباب، فنذكر أهمَّها في التالي:
السبب الأوَّل: أنَّ للمنهج الدراسي دوراً مهمًّا في توليد الرغبة لدىٰ التلاميذ للدراسة، وحتَّىٰ يكون المنهج كذلك لا بدَّ أن يتوفَّر علىٰ التالي:
أ - أن يكون متناسباً مع مستواهم الفكري، ويناغم توجُّهاتهم الفطرية نحو اللعب واللهو.
ب - أن يتعامل مع (خيالهم) الذي يُحِبُّ تكوين الصور التي يرون أنَّها تُمثِّل هدفاً لحياتهم.
ص: 101
ج - أن يكون هدف المنهج هو (الإبداع) لا (التلقين)، إذ التلقين يقتل في نفس الطفل خياله، وسيتحوَّل إلىٰ مجرَّد آلة تسجيل تُكرِّر ما يتمُّ تسجيله عليها، وسرعان ما ينساها في اللحظة التي يخرج فيها من قاعة الامتحان.
د - أن يطرح المنهج الدراسي موادًّا مرنة لا جافَّة، تعتمد منهجية تكاملية، بأنْ تكون المواضيع العلمية والأدبية تتدرَّج من الأبجديات ثمّ تتكامل بصورة منهجية صحيحة، لا أنْ يتمَّ طرح المواضيع بصورة عشوائية وغير مرتَّبة من حيث المنهجية الخاصَّة بالعلم - أيّ علم -.
إنَّ عدم توفُّر المنهج الدراسي علىٰ هذه الأُمور - وربَّما غيرها ممَّا يراه المتخصِّصون من ذوي الخبرة في مجال وضع المناهج الدراسية، وأُكرِّر: من ذوي الخبرة لا مجرَّد الأكثر خدمةً - يُؤدّي إلىٰ عدم تناغم الطفل مع الكتاب المدرسي، وبالتالي تراه يكره الكتاب المدرسي ولا يرغب في أن يراه.
والنتيجة: تأخُّر دراسي!
السبب الثاني: لا شكَّ أنَّ أُسلوب المعلِّم له دور فعّال، بل له أكبر الدور في جعل التلميذ يُحِبُّ معلِّمه أوَّلاً، ثمّ مدرسته ثانياً، ثمّ الدراسة ثالثاً.
والعكس بالعكس في كلِّ ذلك.
إنَّ طريقة المعلِّم في الترحيب بتلاميذه، ونبرة صوته معهم، وأُسلوب تواصله البصري واللفظي، ونوع ألفاظه التي يستعملها، وكيفية طرحه للموضوع، واستعماله الألوان في الكتابة، ومتابعته للتلاميذ باستمرار، وتعامله عند تلكُّؤ تلميذ ما في درس ما، كلُّها تتظافر
ص: 102
وتتعاون فيما بينها، لتُولِّد رغبة في الدراسة أو رهبة، فيما إذا تعامل المعلِّم بصورة إيجابية أو سلبية.
وليكن معلوماً أنَّ كلمة تصدر من المعلِّم ربَّما لأنَّه تعوَّد عليها أو ربَّما لأنَّه تعمَّدها، قد تحفر أثرها في قلب التلميذ فلا ينساها أبداً، وقد تُغيِّر مسيرة حياته - سلباً أو إيجاباً -.
دعوني أنقل لكم القصَّتين التاليتين:
القصَّة الأُولىٰ: يوماً ما كنت ضمن دورة تطويرية في الإرشاد التربوي، فنقل لنا أُستاذ علم النفس القصَّة التالية:
استدعت إدارة مدرسة معيَّنة وليَّ أمر تلميذ كان متأخِّراً دراسياً، فجاءت أُمُّه، وكانت (بدينة)، فلمَّا رآها أحد المعلِّمين قال للتلميذ: (جاءت أُمُّك، يا بن السمينة)، وانتهت جملته عند هذا الحدِّ.
وبعد عدَّة سنوات أُقيمت دورة تطويرية لمعلِّمي تلك المدرسة، فجاء الأُستاذ المحاضر، ولمَّا دخل قام إليه المعلِّمون احتراماً، رغم أنَّه كان شابًّا وهم أكبر منه، فلمَّا أخذ مكانه علىٰ المنصَّة وجَّه سلامه إلىٰ كلِّ المعلِّمين، ورحَّب بهم بحرارة، ولكنَّه استثنىٰ أحدهم وقال: إلَّا أنت يا أُستاذ فلان!
عندها اندهش الحضور! لماذا هذا الاستثناء؟ فقطع الأُستاذ المحاضر دهشتهم وقال له: أنا ابن تلك السمينة! أنت ألصقت بي لقباً كان كلُّ التلاميذ يُعيِّرونني به طيلة حياتي معهم، لذلك أنت لم تغرس فيَّ إلَّا البغض لك!
ربَّما كان هذا التصرُّف منه ردَّة فعل، وربَّما كان درساً تأديبياً لذلك المعلِّم ولأمثاله. وعلىٰ كلِّ حالٍ، هذا واقع لا بدَّ أن نلتفت إليه.
ص: 103
ملاحظة: هذا الكلام يشملكم أنتم أيُّها الآباء وأنتنَّ أيَّتها الأُمَّهات، وليس خاصًّا بذلك المعلِّم!
القصَّة الثانية: عندما دخل ولدي الصغير صفَّه الدراسي الأوَّل سأله معلِّمه بكلِّ لطف كما سأل زملاءه: ماذا تُحِبُّ أن تصير عندما تكبر؟! فأجابه: أُريد أن أصير ضابطاً يقود دبّابة! (وكان ذلك منه ردَّة فعل لما يسمعه من هجوم داعش علىٰ بلادنا)، وبقيت هذه أُمنيته.
في صفِّه الثاني ذهبتُ لأُتابع مستواه، فدخلت بعد الاستئذان إلىٰ صفِّه، فوجدتُ معلِّمته تُلقي عليهم درسها، فسألتها عن (سجّاد) فقالت: (تلميذ مجتهد، وأعتقد أنَّه سيصبح مهندساً معمارياً، لأنَّه ما إنْ أُدير وجهي نحو اللوح حتَّىٰ أراه يصنع عمارة من أدواته الكتابية!).
الآن، سجّاد لا يرغب بأقلّ من المهندس!
السبب الثالث: أنَّ للجوِّ العائلي تأثيراً مباشراً علىٰ حُبِّ الأولاد للدراسة أو العكس، فإنَّه:
أ - إذا كان الأبوان متعلِّمين، فإنَّهما سيعملان علىٰ ترغيب أولادهما بالعلم والدراسة، وسيعملان علىٰ توفير الجوِّ المناسب لهم لذلك.
ب - إذا كان الأبوان من النوع الذي يتابع دراسة الأولاد، فإنَّ النتيجة تعني الاهتمام المتبادل بالدراسة، بعكس ما إذا كانا لا يتابعان ذلك، وأعرف أباً لا يعرف أين وصل ولده بالدراسة!
ج - إذا كان الأبوان ممَّن يزورون مدرسة الأولاد، ويتعرَّفون علىٰ معلِّميهم، ويدعونهم إلىٰ تشجيع أولادهم، فإنَّهما سيزرعان الثقة في نفس الولد، وسيوحيان إليه بأنَّ عليه أنْ يردَّ لهما هذا الإحسان، وأنْ يظهر بمظهر فارس المدرسة.
ص: 104
والعكس بالعكس تماماً، فإنَّ الولد إذا لم يرَ أبويه يتابعان دراسته، ولا يهتمّان بشأن الحضور إلىٰ اجتماع الآباء والمدرِّسين، في الوقت الذي يرىٰ زملاءه يتبجَّحون بحضور أوليائهم وتعارفهم مع معلِّميهم، فإنَّه سيبادلهما عدم اهتمامهم هذا بعدم اهتمامه بالدراسة أيضاً، وسيكون بارعاً جدًّا في إخفاء درجاته الواقعية عن أبويه، وسيترك علاماته المتدنّية مفاجأة لهم نهاية العامّ الدراسي!
السبب الرابع: هناك دور مهمٌّ وخطر جدًّا يقوم به الإعلام الذي يأخذ بمجامع قلب الأولاد وربَّما قبلهم الكبار، فإنَّ الإعلام - من أفلام كرتون وإعلانات وبرامج وما شابه - إنْ كان موجَّهاً للإيحاء للأولاد بضرورة الاهتمام بالدراسة وباحترام المعلِّم وبتقدير جهود الأبوين من أجله، فإنَّ النتيجة ستكون إيجابية تماماً، والعكس بالعكس تماماً أيضاً.
إنَّ عرض المسلسلات المشوِّقة في وقت الدراسة أو في وقت متأخِّر من الليل.
وتركيز الإعلام علىٰ اللهو واللعب حتَّىٰ في وقت الجدِّ.
والإيحاء إلىٰ المشاهد الصغير بطرافة الهروب من المدرسة أو خداع المعلِّم أو الأبوين.
وأمثال هذه المشاهد، كلّها توحي إلىٰ الطلّاب بعدم الاهتمام بالدراسة فعلاً، وبالتالي سينتج تأخُّر دراسي غريب.
يوماً ما رأيت ثلاثة طلّاب في المرحلة المتوسِّطة قد تأخَّروا عن الحضور في الوقت المحدَّد صباحاً إلىٰ المدرسة، فأردت أن عرف السبب من حيث لا يشعرون، فسألتُ أحدهم: من الذي فاز الليلة الماضية في لعبة كرة القدم؟ فأجاب: إنَّه الفريق (س) وبثلاثة أهداف!
ص: 105
قلت له مباشرةً وأظهرت له فرحي بفوز فريقه: ومن الذي سجَّل الأهداف الثلاثة؟ فقال: الهدف الأوَّل سجَّله (فلان) في الدقيقة كذا، والثاني فلان في الدقيقة كذا، والثالث فلان في الدقيقة كذا...، وهكذا انشرح مزاجه وأخذ يشرح لي عدَّة تفاصيل، ففاجأته بسؤال: ما هو درسك الأوَّل في جدولك الدراسي هذا اليوم؟ فتسمَّر في مكانه، ولم ينبس ببنت شفة!
عليكم أن تأخذوا نتيجة من هذا اللقاء.
ملاحظة: علينا أن نُعطي الأولاد حقَّهم من اللعب واللهو، وحتَّىٰ مشاهدة مباريات كرة القدم لو كانوا يرغبون بذلك، ولكن علينا أن نعمل علىٰ تحديد وقت المشاهدة بعيداً عن الإرهاق، وبعيداً عن التضحية بالأهمّ من مبادئ الحياة.
* * *
ص: 106
الرسالة الثانية عشرة: الأحكام الفقهية للأولاد(1)
الحكم الأوَّل: مشروعية عبادات الصبيِّ(2):
الصبيُّ غير مكلَّف بالتكاليف الشرعية، لحديث رفع القلم: «رُفِعَ القلم عن الصبيِّ حتَّىٰ يبلغ»(3)، وغيره.
ولكن:
أوَّلاً: يُستَحبُّ للوليِّ أن يُمَرِّن ولده - ذَكَراً كان أو أُنثىٰ - علىٰ أداء الفرائض - كالصلاة والصوم بل حتَّىٰ الحجِّ -، وعلىٰ أداء النوافل المستحبَّة، كصلاة الليل وبقيَّة الصلوات المستحبَّة، بل كلِّ عبادة، كالصدقات وصلة الرحم وغيرها.
وقد وردت روايات عديدة في هذا الشأن.
أذكر لكم منها التالي:
قال الإمام الباقر (علیه السلام): «إنّا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس
ص: 107
سنين، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين. ونحن نأمر صبياننا بالصوم إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم إن كان إلىٰ نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقلّ فإذا غلبهم العطش والغرث (أي الجوع) أفطروا حتَّىٰ يتعوَّدوا الصوم ويطيقوه، فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما استطاعوا من صيام اليوم فإذا غلبهم العطش أفطروا»(1).
فهذه الرواية تُبيِّن كيفية تمرين الصبيِّ علىٰ التدرُّج في الامتثال للتكاليف الشرعية، حتَّىٰ لا يجد صعوبة في القيام بها عند البلوغ، وكذلك تُبيِّن الاستحباب لأداء تلك الأعمال بالنسبة له، وهذا يعني التالي:
ثانياً: أنَّ عبادات الصبيِّ مشروعة، بمعنىٰ أنَّه وإن كان غير مكلَّف بالتكاليف الشرعية ولكنَّه إذا أتىٰ بالأعمال الصالحة فإنَّه يُعطىٰ الثواب عليها وإن كانت السيِّئات لا تُكتَب عليه، وهذا من الرحمة الإلهيَّة التي وسعت كلَّ شيء.
ثالثاً: ويترتَّب علىٰ هذا أنَّه لو صلّىٰ الصبيُّ مثلاً صلاة الظهر قبل البلوغ، ثمّ بلغ بعد صلاة الظهر، فإنَّ تلك الصلاة تجزيه، ولا تجب عليه الصلاة مرَّةً أُخرىٰ.
هناك بعض الموضوعات التي تترتَّب عليها تكاليف شرعية تتحقَّق تلك الموضوعات في حقِّ الغلام دون الحكم المترتِّب عليها، كالتنجُّس، فإنَّ الطفل لو أصابته نجاسة تنجَّس، ولكن لا يجب عليه هو إزالتها مثلاً.
وهكذا لو حصل جماع من الصبيِّ فإنَّه يتحقَّق الجماع، ولكن لا يجب عليه الاغتسال ما دام صبيًّا، ولو بلغ فإنَّه يجب عليه الاغتسال
ص: 108
لأجل الصلاة والصوم وهكذا. ولو اغتسل قبل البلوغ صحَّ منه، لأنَّ عباداته مشروعة كما تقدَّم في الحكم الأوَّل(1).
وهكذا لو حصل له ربح فإنَّه يتحقَّق موضوع الخُمُس، ولكن لا يجب علىٰ الصبيِّ تخميسه ما دام صبيًّا، نعم يجب علىٰ وليِّه إخراج خُمُسه، وإذا لم يُخمِّسه الوليُّ فيجب علىٰ الصبيِّ دفع الخُمُس المستحقّ بعد بلوغه(2).
وهكذا إخراج زكاة غلّاته ومواشيه.
الحكم الثالث: كيف تبلغ الصبيَّة والصبيُّ(3)؟
علامة البلوغ في الأُنثىٰ واحدة فقط، وهي إكمال تسع سنين هلالية، وليست هناك علامة أُخرىٰ لبلوغها غير إكمال السنين التسع.
فإذا أكملت البنت تسع سنين قمرية ودخلت في العاشرة، (وهو ما يقارب
ص: 109
إكمال الثمان سنوات وتسعة أشهر بالشمسية)، فقد أصبحت بالغة شرعاً، ومكلَّفة بالأحكام الشرعية، وتُكتَب لها الحسنات وعليها السيِّئات.
ولا دخل لنزول دم الحيض عليها في بلوغها، فهي تبلغ بإكمال السنوات التسع سواء نزل عليها دم الحيض أو لا.
فينبغي للأُمَّهات الكريمات أن يلتفتْنَ إلىٰ هذه المسألة، وأن يقمْنَ بتنبيه بناتهنَّ علىٰ ذلك.
وعلىٰ الآباء والأُمَّهات علىٰ حدٍّ سواء أن يُدرِّبوا بناتهم علىٰ الحجاب والصلاة وعدم الجلوس في حجر الأجنبي وعدم التكشُّف أمام إخوانها بل وأبيها وأُمِّها من عمر الستّ سنوات كما في بعض الروايات الشريفة.
وعليهم أن يمنعوا بناتهم في هذا العمر من الخروج من دون حجاب للمدرسة أو غيرها.
وعليهم أن يمنعوهنَّ من التكشُّف أمام الضيوف أو المزاح معهم وغيرها من التكاليف الشرعية.
هناك الكثير من الروايات التي تدعو إلىٰ تعليم البنت العفاف قبل بلوغها، وتمنع وتنهىٰ عن التكشُّف أمامها أو تكشُّفها أمام الرجال الأجانب، ننقل بعضاً منها:
فقد روي أنَّ بعض بني هاشم دعا الإمام الرضا (علیه السلام) مع جماعة من أهله، فأتىٰ بصبيَّة له، فأدناها أهل المجلس جميعاً إليهم، فلمَّا دنت منه (علیه السلام) سأل عن سنِّها فقيل: خمس، فنحّاها عنه(1).
ص: 110
وفي رواية أُخرىٰ أنَّ رجلاً سأل الإمام الصادق (علیه السلام) عن: جويرية ليس بيني وبينها محرم تغشاني فأحملُها فأُقبِّلها، فقال: «إذا أتىٰ عليها ستُّ سنين فلا تضعْها علىٰ حجرك»(1).
وعن أبي عبد الله الصادق (علیه السلام)، قال: «إذا بلغت الجارية الحُرَّة ستّ سنين فلا ينبغي لك(2) أن تُقبِّلها»(3).
وعنه (علیه السلام): «إذا بلغت الجارية ستّ سنين فلا يُقبِّلها الغلام، والغلام لا يُقبِّل المرأة إذا جاز سبع سنين»(4).
وعن أمير المؤمنين (علیه السلام): «مباشرة المرأة ابنتها إذا بلغت ستّ سنين شعبة من الزنا»(5).
بيان: مباشرة المرأة ابنتها: كناية عن تكشُّف البنت أمام أُمِّها ومسّ عورتها وما شابه.
وشعبة من الزنا، أي إنَّه يدخل ضمن زنا العين وزنا اللمس وما شابه، وهي كناية أيضاً عن الكراهة وضرورة تعليم البنت علىٰ العفاف والستر.
يبلغ الذَّكَر بأحد الأُمور الثلاثة التالية:
ص: 111
الأوَّل: نبات الشعر الخشن علىٰ العانة (وهي المنطقة الواقعة ما بين أسفل البطن والعورة)، أو علىٰ الخدِّ، أو في الشارب، سواء أكمل الخمس عشرة سنة هلالية أو لا، فكلُّها تدلُّ علىٰ بلوغ الصبيِّ.
الثاني: خروج المنيِّ، سواء خرج بإرادته أو بدون إرادته، في اليقظة أو في النوم، بجماع أو غيره، بحلال أو حرام، وسواء أكمل الخمس عشرة سنة هلالية أو لا.
فالمهمُّ أن يخرج المنيُّ، فإنَّه علامة علىٰ بلوغ الذَّكَر.
الثالث: إكمال خمس عشرة سنة هلالية.
فإذا لم يخرج المنيُّ ولم ينبت الشعر الخشن، فالصبيُّ يبقىٰ غير بالغ إلىٰ أن يُكمِل خمس عشرة سنة هلالية (أو ما يقارب أربع عشرة سنة وستَّة أشهر شمسية).
هذه هي علامات البلوغ في الذَّكَر.
وهناك أُمور لا تُعتَبر علامات للبلوغ، وهي:
1 - نبات الشعر تحت الإبط.
2 - نبات الشعر الخفيف الناعم وما يُسمّىٰ بالزغب، الذي يُغطّي أغلب مناطق الجسم.
3 - غلظة الصوت.
4 - ظهور ما يُسمّىٰ بحَبِّ الشباب.
5 - الميل إلىٰ الجنس الآخر (تحرُّك الشهوة والغريزة).
يمرُّ الإنسان شرعاً بثلاث مراحل (في ما نقصده هنا من معنىٰ):
الأُولىٰ: مرحلة الصبيِّ غير المميِّز.
ص: 112
الثانية: مرحلة الصبيِّ المميِّز.
الثالثة: مرحلة التكليف والبلوغ.
وقد عرفنا علامات المرحلة الثالثة تفصيلاً، وأنَّ الإنسان يصبح فيها مكلَّفاً، تُسجَّل له الحسنات وعليه السيِّئات.
أمَّا المرحلة الأُولىٰ (عدم التمييز) فمعناها أن يكون الطفل صغيراً بحيث لا يُميِّز الأُمور علىٰ اختلافها، فلا يُميِّز معنىٰ العورة وأنَّها أمر قبيح.
ولا يُميِّز مثلاً وجوب الصلاة وأنَّها أمر يريده الشارع المقدَّس.
ولا يُدرِك معنىٰ أنَّ البول نجس أو الدم نجس، وهكذا.
وأمَّا المرحلة الثانية (التمييز) فمعناها أنَّ الصبيَّ قد تطوَّرت إدراكاته قليلاً - قبل أن يصل إلىٰ حدِّ البلوغ - بحيث أصبح يُميِّز الأُمور الشرعية والقبيح من غير القبيح، فصار يُميِّز أنَّ العورة أمر قبيح، وأنَّه من العيب أن تظهر، وصار يكره أن ينظر أحد إلىٰ عورته، وربَّما صار عنده نوع من التحرُّك الغريزي اتِّجاه الجنس الآخر.
وهكذا صار يعرف أنَّ الصلاة أمر أراده الله تعالىٰ، ويمكنه أن يقصد القربة إلىٰ الله (عزوجلّ) بالصلاة.
وصار يعرف أنَّ الدم مثلاً أمر نجس، وأنَّه يلزم الابتعاد عنه، وهكذا.
إذن، الصبيُّ المميِّز هو: (الذي يُدرِك الشيء ويعقله، ويختلف ذلك بحسب اختلاف الموارد، فالمميِّز في كلِّ مورد بحسبه، فالمميِّز للصلاة من يعقل الصلاة ويعرف أنَّها عبادة ويُميِّزها عن الحركات
ص: 113
والأقوال المشابهة لها، والمميِّز في البيع من يعرف أنَّه معاملة تعني المبادلة بين المالين، وهكذا)(1).
من أهمّ الفروق بين هاتين المرحلتين (الصبيّ غير المميِّز والمميِّز)، هو أنَّ الصبيَّ غير المميِّز لا تُسجَّل عليه السيِّئات، ولا تصحُّ منه الأعمال كالصلاة والصوم والحجّ، لأنَّه لا يُدرِك معاني هذه الأُمور.
أمَّا الصبيُّ المميِّز فتصحُّ منه العبادات، لأنَّه يُميِّزها ويعرف معانيها، فلذا تُكتَب له الحسنات وإن لم تُكتَب عليه السيِّئات، لأنَّه غير مكلَّف.
وهناك أحكام شرعية موضوعها الصبيّ المميِّز، والتي من أهمّها عدم جواز النظر إلىٰ عورته كما سيأتي إن شاء الله تعالىٰ، وكذلك صحَّة تقليده وغيرها من الأحكام التي ستأتي في محالِّها المناسبة تباعاً إن شاء الله تعالىٰ.
وقد يسأل البعض: هل هناك سنٌّ محدَّد يبلغه الصبيُّ ليكون مميِّزاً؟
والجواب: ليس هناك سنٌّ محدَّد يمكن أن نقول: إنَّه السنُّ الذي إذا بلغه الصبيُّ صار مميِّزاً.
بل المسألة تابعة للعرف، وتابعة للتربية، فرُبَّ صبيٍّ يتربّىٰ في بيئة إسلاميَّة وبيت متديِّن يعرف الأحكام الشرعية بعمر الخمس سنوات مثلاً، بل وحتَّىٰ الأربعة ربَّما، ورُبَّ صبيٍّ يتأخَّر في معرفة ذلك إلىٰ عمر الستّ سنوات.
وعلىٰ كلِّ حالٍ، فالاحتياط حسن في محلِّه.
ص: 114
الحكم الخامس: تقليد الصبيِّ(1):
يجب علىٰ المكلَّف أن يُحصِّل الحكم الشرعي من خلال أحد طُرُق، هي:
1 - الاجتهاد.
2 - الاحتياط.
3 - التقليد.
والتقليد هو طريق مناسب لكلِّ طبقات المجتمع (من غير المجتهدين طبعاً).
ولكن هل يصحُّ التقليد من الصبيِّ غير البالغ؟
الجواب:
نعم، إذا كان صبيًّا مميِّزاً، يعني يعرف معنىٰ التقليد والرجوع إلىٰ المجتهد في أخذ الأحكام الشرعية، فإنَّه يصحُّ التقليد منه.
وهنا ملاحظتان:
الأُولىٰ: أنَّ الصبي حكمه حكم غيره في جواز البقاء أو عدم البقاء علىٰ تقليد المجتهد إذا مات، بمعنىٰ أنَّه إذا قلَّد مجتهداً ثمّ مات فإنَّه يجوز له البقاء علىٰ تقليده إذا أجاز الفقيه الأعلم الحيُّ، ولا يجب عليه حينئذٍ العدول إلىٰ المجتهد الحيِّ.
الثانية: أنَّ الصبيَّ المميِّز وإن صحَّ التقليد منه ولكنَّه لا يجب عليه الاحتياط في المسائل التي يجب فيها علىٰ البالغ الاحتياط.
فمثلاً: لو وجب الاحتياط بالجمع بين الصلاة قصراً وتماماً في آنٍ واحدٍ
ص: 115
(أُؤكِّد: من باب الاحتياط في بعض الأحيان)، فإنَّ هذا الاحتياط لا يجب علىٰ الصبيِّ المميِّز، لأنَّ الفرض أنَّه غير مكلَّف وإن كان مميِّزاً. اللّهمّ إلَّا من باب التمرين علىٰ الالتزام بالأحكام الشرعية وإن كانت فيها مشقَّة.
الحكم السادس: إذا صلّى ثمّ بلغ(1):
هنا أمران:
الأمر الأوَّل: لا يجب علىٰ الصبيِّ أن يُصلّي وإن كان صبيًّا مميِّزاً، نعم يُستَحبُّ للصبيِّ المميِّز أن يُصلّي وأن يقوم بجميع العبادات كما تقدَّم.
ولكن إذا بلغ وجبت عليه الصلاة إذا بقي من الوقت ما يكفي لأداء الصلاة فيه.
وهنا عدَّة صور:
1 - لو بلغ قبل أن تشرق الشمس بربع ساعة مثلاً، وكان يمكنه تحصيل الطهارة والصلاة، وجبت عليه صلاة الفجر قطعاً.
2 - لو بلغ مثلاً في وقت لا يسع إلَّا صلاة العصر بتمامها فقط (مع تحصيل الطهارة لها)، وجبت عليه صلاة العصر فقط.
3 - لو بلغ مثلاً في وقت لا يمكنه أن يُؤدّي جميع صلاة العصر، ولكن أمكن له أن يُكمِل ركعة كاملة (الركوع مع السجدتين) أو أكثر مع تحصيل الطهارة، فهل تجب عليه هذه الصلاة؟
الجواب:
نعم، فإنَّه لو أدرك ركعة واحدة من الصلاة وجبت عليه تلك
ص: 116
الصلاة، فيُصلّي تلك الركعة داخل الوقت، ويُكمِل بقيَّة الصلاة وإن كانت خارج الوقت، لأنَّ من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت. ويترتَّب علىٰ هذا أنَّه إذا لم يصلِّ الصبيُّ أو الصبيَّة في هذه الصورة فقد وجب عليهما قضاء الصلاة، وتبقىٰ في ذمَّتهما إلىٰ أن يقضياها.
الأمر الثاني: لو كان الصبيُّ المميِّز يُحسِن أداء الصلاة بأركانها وشروطها، وصلّىٰ، ولنفرضها صلاة الظهر، ثمّ بلغ، فهنا صورتان:
الصورة الأُولىٰ: أن يكون قد أدّىٰ الصلاة بتمامها ثمّ بلغ، فهنا تصحُّ منه تلك الصلاة، ولا يجب عليه أن يُؤدّي هذه الصلاة مرَّة أُخرىٰ بعد البلوغ، حتَّىٰ لو كان بلوغه قبل غروب الشمس مثلاً، لأنَّ صلاته شرعية وصحيحة، فلا موجب لإعادتها.
نعم، الأحوط استحباباً له أن يعيد هذه الصلاة.
الصورة الثانية: أن يبلغ أثناء الصلاة، يعني وهو يُصلّي بلغ (كما إذا دخلت الفتاة في العاشرة أثناء الصلاة، أو الذَّكَر في الخامسة عشرة أثناء الصلاة)، فهنا يُكمِل صلاته، ولا تجب عليه إعادتها أيضاً.
نعم، الأحوط استحباباً له أيضاً أن يعيد هذه الصلاة.
الحكم السابع: لو بلغ الصبيُّ في الصوم(1):
1 - لا إشكال في أنَّ البلوغ شرط في وجوب الصوم، فلا يجب الصوم علىٰ غير البالغ.
2 - إنَّ الصبيَّ المميِّز وإن كان لا يجب عليه الصوم، ولكن مع
ص: 117
ذلك يُستَحبُّ له الصيام، ولو صام فإنَّه يُثاب علىٰ صيامه، لأنَّ عباداته شرعية كما تقدَّم.
3 - لو بلغ الصبيُّ قبل الفجر، فهل يجب عليه الصوم؟
الجواب: نعم، يجب عليه الصوم بلا إشكال، كما هو واضح.
4 - لو كان الصبيُّ في شهر رمضان، ولم يكن صائماً، يعني استعمل المفطر أثناء النهار، وبلغ أثناء النهار، فهل يجب عليه أن يُمسِك بقيَّة يومه هذا؟
الجواب: لا، فيجوز له أن يستمرَّ في إفطاره، ولا حرمة عليه.
5 - لو صام الصبيُّ استحباباً، وبلغ في النهار، فهل يجب عليه أن يبقىٰ صائماً أو يجوز له الإفطار؟
الجواب: لا يجب عليه الصيام، فيجوز له الإفطار في ذلك اليوم.
نعم، الأحوط استحباباً له أن يستمرَّ بصيام ذلك اليوم.
ولو أفطر في هذا اليوم، فهل يجب عليه القضاء بعد ذلك؟
الجواب: لا يجب عليه القضاء، لأنَّ صوم ذلك اليوم لم يكن واجباً عليه، لذلك جاز له أن يفطر ذلك اليوم.
الحكم الثامن: صلاة الصبيِّ المسافر(1):
الشرح:
من المعلوم أنَّ المسافر يُقصِّر في صلاته، إلَّا إذا نوىٰ الإقامة في مكانٍ عشرة أيّام فما فوق، فإنَّه يتمُّ صلاته ويصوم.
والسؤال هنا: هل هذا الحكم مختصٌّ بالبالغ أو يعمُّ الصبيَّ المميِّز؟
ص: 118
بمعنىٰ أنَّ الصبيَّ المميِّز إذا سافر، هل يُصلّي قصراً أم تماماً أم أنَّه مخيَّر إن شاء صلّىٰ قصراً وإن شاء صلّىٰ تماماً؟
والجواب:
إنَّ الصبيَّ كالبالغ من هذه الناحية، فإذا سافر وأراد أن يُصلّي فعليه أن يُقصِّر في صلاته، ولا يشرع له أن يُصلّي تماماً، بمعنىٰ أنَّه لا يُستَحبُّ له ذلك، ولو خالف فإنَّه لا يُعاقَب لأنَّه غير مكلَّف، لكنَّه لا يحصل علىٰ ثواب الصلاة، لأنَّ المستحبَّ في حقِّه هي صلاة القصر لا التمام.
ولو علم أنَّه سيبقىٰ في مكان سفره عشرة أيّام، فإنَّه يُصلّي تماماً لا قصراً، سواء بلغ أثناء هذه العشرة أو بقي صبيًّا.
والخلاصة: أنَّ حكم الصبيِّ من ناحية القصر والتمام هو حكم البالغ.
الحكم التاسع: صلاة الصبيِّ بالذهب والحرير ولبسه لهما(1):
يحرم علىٰ الرجل البالغ أن يلبس الحرير الطبيعي الخالص (وليس الموجود هذه الأيّام في الأسواق ممَّا يُسمّىٰ بالحرير الصناعي)، وكذلك يحرم عليه أن يلبس الذهب، كالقلادة والخاتم وما شابه.
وكذلك لا يجوز له أن يُصلّي وهو لابس الحرير أو الذهب، ولو صلّىٰ بهما فصلاته يُحكَم بكونها باطلة.
وهنا أسئلة:
1 - هل يجوز للصبيِّ أن يقوم هو بلبس الذهب والحرير؟
الجواب: نعم، لأنَّه غير مكلَّف بالأحكام التكليفية الإلزامية من الوجوب والحرمة.
ص: 119
2 - ولو صلّىٰ بالذهب والفضَّة فهل صلاته باطلة؟
الجواب: كلَّا، بل يُحكَم بصحَّة صلاته.
3 - هل يجوز لوليِّ الصبيِّ كالأب مثلاً أن يُلبِس ولده الذَّكَر الذهب والحرير، كما نرىٰ ذلك في بعض الأحيان حيث تقوم الأُمُّ أو الأب بإلباس الولد الذَّكَر بعض القطع الذهبية؟
الجواب: نعم، يجوز ذلك ولا مشكلة فيه.
4 - وهل يفرق في هذا بين الصبيِّ المميِّز وغير المميِّز؟
الجواب: كلَّا لا يفرق، فما دام الولد غير بالغ فيجوز له هو أن يلبس الذهب والفضَّة، ويجوز لوليِّه أن يُلبِسه ذلك أيضاً، ولو صلّىٰ بهما فصلاته صحيحة بلا إشكال.
الحكم العاشر: محاذاة الصبيِّ للمرأة والصبيَّة للرجل حال الصلاة(1):
لا يجوز - علىٰ الأحوط لزوماً - أن يُصلّي الرجل وإلىٰ جنبه امرأة
ص: 120
تصلي، أو تكون المرأة متقدِّمة عليه، بل يجب إمَّا أن يتقدَّم الرجل عليها بحيث يكون الموضع الذي تسجد عليه المرأة بمحاذاة موضع ركبتي الرجل علىٰ الأقلّ، بل الأحوط استحباباً أن تتأخَّر عنه المرأة أكثر من هذا المقدار، بحيث يكون مسجدها وراء موقفه.
وإمَّا أن يكون بينهما حائل كجدار أو باب أو ما شابه.
أو يكون الفاصل بين الرجل والمرأة المتقدِّمة عليه أكثر من عشرة أذرع بذراع اليد (4.5 متراً تقريباً).
وهنا سؤال:
هل يشمل هذا الحكم الصبيَّ والصبيَّة غير البالغين؟
بمعنىٰ أنَّه لو صلّىٰ صبيٌّ بجنب امرأة وبمحاذاتها، أو تقدمت عليه المرأة بمقدار أقل من عشرة أذرع من دون حائل، أو صلَّت صبيَّة بجنب رجل أو تقدمت عليه بالمقدار المذكور، فهل تبطل صلاتهم؟
الجواب:
كلَّا، فإنَّ حكم عدم جواز المحاذاة في الصلاة مختصٌّ بالبالغين، فيجوز أن تُصلّي المرأة البالغة بجنب صبيٍّ غير بالغ أو متقدمةً عليه حتَّىٰ إذا كان مميِّزاً، ويجوز للرجل أن يُصلّي بجنب صبيَّة غير بالغة أو متأخراً عنها حتَّىٰ وإن كانت مميِّزة، وتصحُّ صلاتهما بلا إشكال.
الحكم الحادي عشر: الاجتزاء بأذان وإقامة الصبيِّ المميِّز(1):
من المستحبّات المؤكَّدة في كلِّ فريضة هو الأذان والإقامة، فقد ورد عن المفضَّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «من صلّىٰ بأذان
ص: 121
وإقامة صلّىٰ خلفه صفّان من الملائكة، ومن صلّىٰ بإقامة بغير أذان صلّىٰ خلفه صفٌّ واحدٌ»، قلت له: وكم مقدار كلِّ صفٍّ؟ فقال: «أقلُّه ما بين المشرق والمغرب، وأكثره ما بين السماء والأرض»(1).
وقد ذكر الفقهاء عدَّة موارد لسقوط استحبابهما(2)، ومن تلك الموارد ما إذا سمعت شخصاً يُؤذِّن فإنَّه يسقط عنك الاستحباب، أي إنَّه تكتفي بأذانه وإقامته في حصولك علىٰ الثواب، لكن بشرط أن تسمع كلَّ فصول الأذان والإقامة، وأن تُصلّي بعد أن يُكمِل ذلك الشخص أذانه وإقامته من دون فصل كثير، سواء كان هذا الأذان والإقامة في صلاة جماعة أو أنَّك كنت تُصلّي مفرداً وسمعت شخصاً يُؤذِّن ويقيم.
وهنا سؤال:
لو أذَّن صبيٌّ مميِّز وأقام، في صلاة جماعة أو صلاة مفردة، فهل نكتفي - نحن البالغين - بأذانه وإقامته أو لا؟
الجواب:
أمَّا الأذان فنكتفي به، فلا حاجة إلىٰ الأذان بعده.
ولكن الأحوط لزوماً عدم الاكتفاء بإقامته، فإذا أقام لصلاته لم يسقط الاستحباب عن البالغين في الإقامة لصلاتهم، سواء كانت جماعة أو مفردة.
الحكم الثاني عشر: ردُّ السلام من قِبَل الصبيِّ المميِّز(3):
ورد التأكيد في الروايات الشريفة علىٰ استحباب البدء السلام،
ص: 122
وعلىٰ وجوب ردِّ السلام، وهنا عدَّة أسئلة:
السؤال الأوَّل: هل يُستَحبُّ للصبيِّ المميِّز أن يبدأ بالسلام؟
الجواب: نعم، فإنَّه يُستَحبُّ له ما يُستَحبُّ للبالغ، فإنَّ عباداته شرعية كما تقدَّم.
السؤال الثاني: إذا بدأ الصبيُّ المميِّز بالسلام علىٰ البالغ، فهل يجب علىٰ البالغ أن يردَّ السلام؟
الجواب: نعم يجب علىٰ البالغ أن يردَّ علىٰ كلِّ من سلَّم عليه، حتَّىٰ ولو كان صبيًّا مميِّزاً (أو امرأة أجنبية، يعني ليست محرمة علىٰ الرجل).
السؤال الثالث: إذا سلَّم رجل علىٰ مجموعة من البالغين (سواء كان هذا السلام في الصلاة أو بدونها)، وكان فيهم صبيٌّ مميِّز، وردَّ الصبيُّ السلام، هل يكفي ردُّه أم يجب علىٰ أحد البالغين أن يردَّ السلام؟
الجواب: يكفي أن يردَّ الصبيَّ، ويسقط حينئذٍ وجوب الردِّ عن البالغين.
ملاحظات:
1 - يجب ردُّ السلام حتَّىٰ إذا كنت تُصلّي، بشرط أن لا يردَّ غيرك من الموجودين. نعم، إنَّما يجب الردُّ إذا كان السلام بصيغة (السلام عليكم) أو بإضافة (ورحمة الله) أو بإضافة (وبركاته) دون غيره من أنواع إلقاء التحيَّة، ويجب أن يكون الردُّ بنفس الصيغة من دون تقديم ولا زيادة ولا نقصان.
2 - ردُّ السلام واجب كفائي، يعني إذا قام به أحد الأشخاص ممَّن أُلقي السلام عليهم سقط الوجوب عن الباقين، وإن لم يردّ منهم أيُّ أحد أُثِموا جميعاً.
3- إذا سلَّم أحدهم علىٰ بالغ أثناء الصلاة، وردَّ الصبيُّ المميِّز،
ص: 123
فإنَّه يكفي، ولا يجب علىٰ المصلّي أن يردَّ السلام، ولكن الأحوط استحباباً لذلك المصلّي أن يردَّ السلام وأن يعيد الصلاة.
الحكم الثالث عشر: قضاء صلاة الصبيِّ(1):
كلُّ بالغ فاتته صلاة يجب عليه قضاؤها، وهنا أسئلة:
السؤال الأوَّل: عرفنا أنَّ الصبيَّ يُستَحبُّ له الصلاة، ولكن هل يجب عليه أن يقضي ما فاته من صلوات قبل البلوغ؟
الجواب: كلَّا، فإنَّ الصلاة للصبيِّ المميِّز مستحبَّة، ولا يجب عليه قضاء المستحبِّ.
السؤال الثاني: إذا بلغ الصبيُّ قبل المغرب مثلاً ولم يُصَلِّ، هل يجب عليه أن يقضي صلاة الظهر والعصر؟
الجواب: نعم، فإنَّ الصلاة وجبت عليه، لأنَّه بلغ أثناء الوقت.
السؤال الثالث: إذا بلغ الصبيُّ قُبيل المغرب، لكن لم يكن عنده من الوقت ما يكفي لأداء صلاة الظهر والعصر، فما حكمه؟
الجواب: إذا أمكنه أن يُصلّي العصر فقط (مع الوضوء)، وجبت عليه صلاة العصر فقط، ولا تجب عليه الظهر، وإذا لم يُصَلِّ العصر آنذاك وجب عليه قضاؤها.
ص: 124
السؤال الرابع: إذا لم يبقَ من وقت صلاة العصر إلَّا ما يكفي لأداء ركعة واحدة فقط (مع الوضوء)، فهل تجب عليه هذه الصلاة؟
الجواب: نعم، تجب عليه هذه الصلاة، فيُصلّي الركعة داخل الوقت ويُكمِل صلاته وإن كانت الركعات الأُخرىٰ خارج الوقت، فإنَّ من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت، وإذا لم يُصَلِّ آنذاك وجب عليه القضاء.
السؤال الخامس: إذا لم يبقَ من وقت صلاة العصر مثلاً إلَّا ما يكفي لأدائها لكن مع التيمم لا الوضوء، فهل تجب عليه هذه الصلاة؟
الجواب: نعم تجب عليه علىٰ الأحوط لزوماً، وإذا لم يُصلّها وجب عليه قضاؤها علىٰ الأحوط لزوماً.
وهكذا الحكم لو أدرك مقدار ركعة واحدة مع التيمُّم.
الحكم الرابع عشر: قضاء الولد الصلاة والصوم عن الأب والأُمِّ(1):
يجب (علىٰ الأحوط وجوباً) علىٰ الولد أن يقضي ما فات أباه المؤمن من الصلوات بشروط هذه أهمّها:
الشرط الأوَّل: أن يتيقَّن بأنَّ أباه قد فاتته بعض الصلوات، أمَّا إذا شكَّ في ذلك فلا يجب.
الشرط الثاني: أن تكون الصلاة قد فاتت الأب لعذر، من نوم أو مرض لم يتمكَّن معه من الصلاة، ونحوها. أمَّا ما فاته من دون عذر فلا يجب قضاؤه، نعم القضاء هو الأحوط الأولىٰ.
ص: 125
الشرط الثالث: أن يكون الأب قد تمكَّن من قضاء هذه الصلاة ولكنَّه لم يقضها، أمَّا إذا فاتته الصلاة لعذر ولم يتمكَّن من القضاء فلا يجب قضاؤها عنه، نعم القضاء هو الأحوط الأولىٰ.
الشرط الرابع: إنَّما يجب القضاء علىٰ الولد الذَّكَر الأكبر إذا كان بالغاً حال الموت، أمَّا إذا مات الأب وكان أكبر الذكور صبيًّا غير بالغ فلا يجب عليه القضاء حتَّىٰ بعد البلوغ.
نعم، لا شكَّ أنَّ القضاء عن الأب وإبراء ذمَّته هو أمر محبَّذ ومستحبٌّ.
الشرط الخامس: أن لا يكون الولد ممنوعاً من الإرث بسبب كونه قاتلاً لأبيه مثلاً أو كافراً(1).
وهنا عدَّة أسئلة:
السؤال الأوَّل: هل يجب قضاء مثل صلاة الآيات وصلاة الطواف وغيرها من الفرائض الواجبة عن الميِّت؟
الجواب: نعم، بنفس الشروط المتقدِّمة.
السؤال الثاني: هل يجب القضاء عن الأُمِّ؟
الجواب: كلَّا لا يجب، نعم هو الأحوط الأولىٰ.
السؤال الثالث: هل يجب قضاء الصوم عن الأب(2)؟
ص: 126
الجواب: نعم، بنفس الشروط التي يجب فيه قضاء الصلاة.
السؤال الرابع: هل يجب قضاء الصوم عن الأُمِّ؟
الجواب: كلَّا لا يجب، نعم هو الأحوط استحباباً.
الحكم الخامس عشر: إجارة الصبيِّ في الصلاة(1):
يجوز للإنسان أن يُؤجِّر شخصاً ليُصلّي عن ميِّت صلاة فريضة، كالصلاة اليومية والآيات والطواف.
وهنا سؤال: هل يجوز أن أُؤجِّر صبيًّا مميِّزاً يُحسِن أداء الصلاة تماماً ليُصلّي عن ميِّت؟
الجواب: لا يجوز علىٰ الأحوط لزوماً.
سؤال آخر: هل يجوز أن يتبرَّع الصبيُّ المميِّز بالصلاة عن ميِّت؟
الجواب: نعم، بمعنىٰ أنَّ إجارة الصبيِّ لا تجوز علىٰ الأحوط لزوماً، ولكن يجوز للصبيِّ أن يتبرَّع بالصلاة عن الميِّت من دون إجارة.
سؤال ثالث: إذا تبرَّع الصبيُّ المميِّز عن الميِّت، فهل تبرأ ذمَّة الميِّت من الصلاة؟
الجواب: لا تُجزي صلاته عن الميِّت علىٰ الأحوط لزوماً.
لا شكَّ في استحباب صلاة الجماعة وترتُّب الثواب العظيم عليها، فعن الإمام الصادق (علیه السلام): «الصلاة في جماعة تفضل علىٰ كلِّ صلاة الفرد بأربعة وعشرين درجة، تكون خمسة وعشرين صلاة»(1).
وهنا نقطتان:
النقطة الأُولىٰ: هل يصحُّ أن يكون الصبيُّ إماماً ويأتمَّ به غيره، سواء كان المأموم بالغاً أو صبيًّا مثله؟
الجواب: كلَّا، لا يصحُّ ذلك مطلقاً.
نعم، هناك احتمال (وهو رأي لبعض الفقهاء) أنَّه يصحُّ للصبيِّ إذا بلغ عشر سنوات أن يكون إماماً وتصحُّ صلاة الجماعة بإمامته، ولكن الأحوط لزوماً عدم صحَّة ذلك.
النقطة الثانية: يُشتَرط - فيما يُشتَرط - في انعقاد صلاة الجماعة أن لا يكون هناك فصل بين الإمام والمأموم، وبين المأموم والمأموم الآخر (أي بين رجل ورجل، أمَّا المرأة فيجوز أن يكون بينها وبين الرجل فاصل من حائل ونحوه)، حتَّىٰ لو كان الفاصل شخصاً واقفاً في الصفِّ وهو لا يُصلي جماعةً(2). وهنا:
سؤال: لو كان هناك صبيٌّ يُصلّي في الصفِّ، فهل يحصل الاتِّصال بين المصلّين أم أنَّ الصبيَّ يُعتَبر فاصلاً؟
ص: 128
الجواب: لا يضرُّ الفصل بالصبيِّ بشروط:
1 - أن يكون الصبيُّ مأموماً لا إماماً، لأنَّه لا تصحُّ إمامة الصبيِّ كما تقدَّم.
2 - أن يكون الصبيُّ مميِّزاً (يعني يعرف معنىٰ الصلاة ويعرف أجزاءها ويصحُّ منه قصد القربة).
3 - أن نحتمل (ويكفي هنا الاحتمال ولا يجب اليقين) أنَّ صلاته صحيحة.
فإذا توفَّرت هذه الشروط في الصبيِّ فإنَّه يحصل الاتِّصال، ولا يضرُّ الفصل به في صلاة الجماعة.
الحكم السابع عشر: الأُمُّ والصبيُّ في شهر رمضان(1):
هنا عدَّة نقاط:
النقطة الأُولىٰ: يجوز مضغ الطعام للصبيِّ (بأن تقوم الأُمُّ مثلاً بوضع الطعام في فمها وتقوم بمضغه ولوكه وتقطيعه وتليينه ليسهل علىٰ
ص: 129
الصبيِّ أكله)، ولا يُعتَبر هذا من المفطرات، بشرط أن لا يدخل شيء من الطعام إلىٰ الجوف.
النقطة الثانية: يجوز للمرأة الحامل المقرب (يعني التي قربت ولادتها) أن تفطر في شهر رمضان، بشرط أن يُؤثِّر الصوم علىٰ صحَّتها أو علىٰ صحَّة جنينها، أمَّا إذا لم يُؤثِّر الصوم عليها أو علىٰ جنينها فلا يجوز لها الإفطار.
ويترتَّب عليها ما يلي:
1 - القضاء بعد ذلك.
2 - الفدية، بمعنىٰ أن تدفع عن كلِّ يوم أفطرته مُدًّا من الطعام (يعني ثلاثة أرباع الكيلوغرام من الطعام كالطحين مثلاً) تُعطيه للفقراء. ولا بدَّ من إعطاء نفس الطعام، ولا يكفي أن تُعطي للفقير ثمنه.
النقطة الثالثة: يجوز للمرأة التي عندها طفل تُرضِعه أن تفطر، بشرط أن يُؤثِّر الصوم عليها، أي يُسبِّب لها الضعف بسبب إرضاعها للطفل، أو أنَّ الصوم لم يكن يُؤثِّر عليها ولكنَّها إذا صامت يقلُّ لبنها ممَّا يُؤثِّر علىٰ تغذية الطفل بصورة صحيحة.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون الطفل ولدها، أو ليس ولدها لكنَّها التزمت بإرضاعه.
ولكن إنَّما يجوز لها الإفطار بشرط أن ينحصر (علىٰ الأحوط لزوماً) طريق إرضاع الطفل بإرضاعه من ثديها، أمَّا إذا أمكنها أن تُرضِعه رضاعة طبيعية مثلاً من دون أن يُؤثِّر هذا علىٰ الطفل فإنَّه لا يجوز لها آنذاك الإفطار، أو أمكنها أن تُعطي ولدها لامرأة أُخرىٰ تساعدها في إرضاعه، أو أمكنها أن ترضع الطفل بالرضاعة الصناعية من دون أن يُؤثِّر ذلك علىٰ صحَّته، فإنَّه لا يجوز لها آنذاك الإفطار.
ص: 130
الحكم الثامن عشر: بعض أحكام الصوم بالنسبة للصبيِّ(1):
سؤال: هل يجب علىٰ الصبيِّ أن يقضي ما فاته من صيام قبل البلوغ؟
الجواب: كلَّا، لأنَّه غير مكلَّف بالأحكام التكليفية قبل البلوغ وإن كان الصوم مستحبًّا له قبل البلوغ.
ويُكرَه الصوم في عدَّة موارد، منها: أن يصوم الولد صوماً مستحبًّا من دون أن يأذن له والده، أمَّا إذا استأذن من والده وأذن له فلا كراهة آنذاك.
الحكم التاسع عشر: اعتكاف الولد(2):
الاعتكاف من العبادات المستحبَّة في الشريعة الإسلاميَّة، ومعناه أن يلبث المكلَّف في المسجد ولا يخرج منه بقصد التعبُّد، وهناك عدَّة شروط ذكرها الفقهاء لصحَّة الاعتكاف، ومنها التالي:
إذا أراد الولد أن يعتكف، وكان والداه حيِّين، فهنا فرضان:
الأوَّل: أن لا يُسبِّب اعتكافه أذيَّة أبويه شفقةً عليه، وهنا يصحُّ اعتكافه بلا إشكال.
الثاني: أن يُسبِّب اعتكافه أذيَّة أبويه من باب الشفقة عليه، بمعنىٰ
ص: 131
أنَّ الوالدين يتأذَّيان علىٰ ابنهما إذا اعتكف، وهنا لا يصحُّ الاعتكاف إلَّا بعد أن يأذنا له، فإذا أذنا له صحَّ اعتكافه حتَّىٰ إذا كان يتأذَّيان، فالمهمُّ هو إذنهما.
الحكم العشرون: زكاة الصبيِّ(1):
الأمر الأوَّل: تثبت الزكاة في موارد (مع اجتماع شرائط الزكاة المذكورة في محلِّها)، ويختلف حكم مال الصبيِّ، والتفصيل هو التالي:
أوَّلاً: النقدان (يعني الذهب والفضَّة المسكوكة بسكَّة المعاملة، وهذه ليس لها وجود في زمننا)، ومال التجارة، وهذه لا تثبت فيها علىٰ الصبيِّ زكاة.
ص: 132
نعم يستحب للولي أن يُخرج زكاة مال التجارة للأولاد إذا اتَّجر الوليُّ بمال الصبيِّ للصبيِّ(1).
ثانياً: الغلّات (يعني الحنطة والشعير والتمر والزبيب)، والمواشي (يعني الإبل والبقر والغنم)، وهذه تثبت الزكاة فيها حتَّىٰ علىٰ الصبيِّ، فيجب علىٰ الوليِّ أن يُخرِج زكاتها من أموال الصبيِّ(2).
الأمر الثاني: تُصرَف الزكاة علىٰ عناين خاصَّة ذكرتها الآية الشريفة: ]إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ...[ (التوبة: 60)، ولكن هل يجوز للأب أن يُعطي زكاته لولده؟
الجواب:
أوَّلاً: إذا كان الولد (سواء كان بالغاً أو صبيًّا) فقيراً، ويُراد إعطاؤه الزكاة بعنوان الفقير، فهنا ثلاث حالات:
الأُولىٰ: أنْ يُعطىٰ من الزكاة لأجل الإنفاق عليه، يعني أنَّ الأب يُعطي زكاته لولده كنفقة يُنفِقها عليه، وهذا لا يجوز.
الثانية: أنْ يُعطي الأب ولده من الزكاة لأجل التوسعة الزائدة علىٰ الإنفاق الواجب، وهذا لا يجوز علىٰ الأحوط لزوماً إذا كان عنده ما يُوسِّع به عليهم.
الثالثة: أن يُعطىٰ من الزكاة لأجل حاجة أُخرىٰ غير الإنفاق، كما إذا كان الولد مديوناً ويريد أن يُوفّي دينه وليس عنده أموال، أو كانت
ص: 133
عنده زوجة ولا يستطيع أن يُنفِق عليها، فيُعطيه الأب من الزكاة ليُنفِق علىٰ زوجته، وهذه الحالة يجوز فيها إعطاء الزكاة للولد.
ثانياً: أنْ يكون الولد غير فقير، ولكنَّه كان ابن سبيل أو كان مديوناً مثلاً، فهل يجوز إعطاؤه من الزكاة؟
الجواب: نعم، يجوز إعطاؤه بلا إشكال.
إذن: التفصيل بالجواز وعدمه هو في ما إذا أراد الأب أنْ يُعطي ولده بعنوان أنَّه فقير، أمَّا بغير هذه العنوان من عناوين المستحقّين فيجوز إعطاؤه بلا إشكال.
ونفس الكلام يجري في إعطاء الولد زكاته لأبيه.
وهنا سؤال آخر: هل يجوز إعطاء الزكاة لولد الولد بعنوان أنَّه فقير؟
الجواب: لا يجوز ذلك علىٰ الأحوط لزوماً إذا كان بعنوان الفقير، ويجوز بغير عنوان الفقير، كما تقدَّم في الولد.
الحكم الحادي والعشرون: الصبيُّ وزكاة الفطرة(1):
زكاة الفطرة هي ما يدفعه المؤمن بعد شهر رمضان، ومقدارها ثلاثة كيلوغرامات من الطحين أو الرُّز وما شابه، أو قيمة هذه الأُمور.
وهنا عدَّة أحكام نذكرها من خلال الأسئلة التالية:
السؤال الأوَّل: هل تجب زكاة الفطرة علىٰ غير البالغ؟
الجواب: كلَّا، ولكن يجب علىٰ وليِّه أن يُخرِجها عنه (بشروط).
السؤال الثاني: هل يجب علىٰ الوليِّ أن يُخرِج زكاة الفطرة عن الجنين في بطن أُمِّه؟
ص: 134
الجواب: كلَّا، لا يجب.
السؤال الثالث: هل يجب أن يُخرِج الوليُّ زكاة الفطرة عن ولده إذا وُلِدَ بعد غروب ليلة العيد؟
الجواب: كلَّا، لا تجب آنذاك.
السؤال الرابع: هل يجب أن يُخرِج الوليُّ زكاة الفطرة عن ولده إذا وُلِدَ قبل غروب ليلة العيد؟
الجواب: إذا عُدَّ الولد من عيال وليِّه وجب عليه أداء زكاة الفطرة عنه، وأمَّا إذا لم يُعَدّ كذلك فلا يجب علىٰ الوليِّ أنْ يُخرِج زكاة الفطرة عنه.
فلو ولدت الأُمُّ مثلاً ولدها عند أهلها، وبقيت عندهم ليلة العيد، فهنا لا يُعَدُّ الطفل من عيال أبيه، فلا يجب علىٰ الأب أنْ يُخرِج زكاة الفطرة عنه، بل تجب حينئذٍ زكاة فطرته علىٰ أهل الزوجة إذا عُدَّ الولد من عيالهم ولو لتلك الليلة فقط.
أمَّا إذا ولدت في بيتها أو في المستشفىٰ وكان الأب هو الذي يتولّىٰ شؤون الولادة، فإنَّه حينئذٍ يُعَدُّ من عياله، فيجب عليه إخراج زكاة الفطرة عنه.
السؤال الخامس: لو لم يُخرِج الوليُّ زكاة الفطرة عن الصبيِّ، فهل يجب علىٰ الصبيِّ أنْ يُخرِج زكاة الفطرة عن نفسه بعد بلوغه عن تلك السنوات التي لم يدفعها أبوه أو وليُّه؟
الجواب: كلَّا لا يجب عليه ذلك، لأنَّها لم تكن واجبة عليه حال صباه، وإنَّما كانت واجبة علىٰ وليِّه، ولا يجب علىٰ الولد أن يُبرأ ذمَّة وليِّه من زكاة الفطرة.
ص: 135
الحكم الثاني والعشرون: الصبيُّ والخُمُس(1):
هنا عدَّة أحكام نذكرها ضمن الأسئلة التالية:
السؤال الأوَّل: هل يجب الخُمُس في أموال الصبيِّ؟
الجواب: نعم يجب الخُمُس في أمواله، فإنَّه لا يُشتَرط البلوغ في ثبوت الخُمُس، ولا فرق في هذه الحالة بين الصبيِّ المميِّز وغير المميِّز، إذا كان المميِّز يُقلِّد من يقول بوجوب الخُمُس في أموال الصبيِّ.
السؤال الثاني: علىٰ من يجب إخراج الخُمُس في أموال الصبيِّ؟
الجواب: يجب علىٰ وليِّه أن يُخرِج خُمُس أمواله.
السؤال الثالث: لو لم يُخرِج الوليُّ الخُمُسَ فهل يجب علىٰ الصبيِّ بعد بلوغه أن يُخرِج خُمُس أمواله؟
الجواب: نعم يجب عليه أن يُخرِج خُمُس أمواله بعد بلوغه.
السؤال الرابع: لو كان الصبيُّ مميِّزاً، وكان يُقلِّد مرجعاً يقول بعدم وجوب الخُمُس في أموال الصبيِّ، وكان الوليُّ يُقلِّد من يقول بوجوب الخُمُس في أموال الصبيِّ، فهل يجوز للوليِّ إخراج خُمُس أموال الصبيِّ المميِّز؟
الجواب: كلَّا، ليس له ذلك في هذا الفرض.
السؤال الخامس: إذا أردنا أن نُعطي الخُمُس للأيتام (من بني هاشم)، فهل هناك من شروط يجب توفُّرها فيهم غير اليتم؟
ص: 136
الجواب: نعم يُشتَرط أن يكونوا مؤمنين وفقراء، فلا يُعطىٰ الخُمُس لليتيم إذا كان غنيًّا(1).
السؤال السادس: هل يجوز للأب أن يُعطي خُمُسه لولده؟
الجواب: هنا فرضان:
أ - أن يُعطيه الخُمُس من أجل نفقته اللازمة أو من أجل التوسعة عليه، وهنا لا يجوز إعطاؤه من الخُمُس علىٰ الأحوط وجوباً.
ب - أن يكون للولد حاجة خارج النفقة الضرورية والتوسعة الزائدة، كما إذا كان له زوجة واجبة النفقة ولا يستطيع أن يُنفِق عليها، فهنا يجوز إعطاؤه من الخُمُس ليصرفه في نفقة زوجته(2).
الحكم الثالث والعشرون: ستر الصبيَّة في الصلاة(3):
يجب علىٰ الصبيَّة (المميِّزة) في الصلاة ستر جميع بدنها إلَّا وجهها ورأسها وشعره وعنقها وكفَّيها إلىٰ الزندين وقدميها إلىٰ الساقين ظاهرهما وباطنهما، ولا بدَّ من ستر شيء ممَّا هو خارج عن الحدود المذكورة. وما عدا هذه الحدود تُعتَبر عورة للصبيَّة في الصلاة، فيلزمها سترها.
ص: 137
الحكم الرابع والعشرون: أحكام دم الصبيَّة(1):
الحيض حالة طبيعية تمرُّ بالنساء، ودم الحيض موضوع شرعي تترتَّب عليه العديد من الأحكام الشرعية، كسقوط الصلاة عن المرأة أثناءه، وحرمة مسِّ كتابة القرآن الكريم، وحرمة المكث في المساجد، وغيرها من الأحكام. وحتَّىٰ يتحقَّق فله شروط معيَّنة، وواحد من شروطه أن يكون بعد بلوغ الصبيَّة، وهذا يعني:
أوَّلاً: أن كلَّ دم تراه الفتاة قبل بلوغها فهو ليس بحيض.
ثانياً: لا يجب أن ترىٰ الفتاة دماً مقارناً لبلوغها، فقد يتأخَّر نزول الدم عليها فترة من الزمن، قد تطول وقد تقصر.
ونفس الكلام يُقال في دم الاستحاضة، (وهو ما تراه المرأة من دم غير دم الحيض والنفاس والبكارة والقروح والجروح)، فحتَّىٰ يتحقَّق موضوع الاستحاضة وبالتالي تترتَّب عليه أحكامه الشرعية المذكورة في الرسائل العملية يلزم أنْ يتحقَّق البلوغ أوَّلاً في الفتاة، فإذا حدث ورأت دماً، فيمكن أن يُحكَم عليه بأنَّه دم استحاضة إذا انطبقت عليه شروطه.
الحكم الخامس والعشرون: نجاسة السقط(2):
ميتة الإنسان واحدة من الأعيان النجسة التي يلزم التطهير منها
ص: 138
إذا حدثت المماسَّة معها برطوبة مسرية، وهنا سؤال: إذا حدث إجهاض للجنين فهل يُعتَبر ميتة، وبالتالي فمسُّه برطوبة يستوجب التطهير؟
الجواب: أمَّا بعد ولوج الروح فهو نجس قطعاً وبالتالي يلزم التطهير منه، وأمَّا قبل ولوج الروح فيه فهو كذلك علىٰ الأحوط وجوباً.
ملاحظة: هذا الحكم يتكفَّل بيان نجاسة السقط المادّية التي توجب تطهير الملاقي له.
الحكم السادس والعشرون: غُسل مسِّ الميِّت(1):
إذا مات الإنسان وبرد جسمه ثمّ مسَّه إنسان حيٌّ فإنَّه يجب علىٰ الحيِّ أنْ يغتسل غُسلاً يُسمّىٰ غُسل مسِّ الميِّت، ولا فرق في ذلك بين كون الميِّت بالغاً أو غير بالغ.
وماذا
عن الجنين إذا أُسقط؟
الجواب: إذا كان الجنين قد ولجته الروح فيجب الغُسل بمسِّه، سواء وُلِدَ حيًّا ثمّ مات أو وُلِدَ ميِّتاً.
وأمَّا إذا لم تلجه الروح فلا يجب الغُسل بمسِّه.
وهل هناك فرق في الذي يمسُّ الميِّت بين كونه بالغاً أو غير بالغ؟
الجواب: لا فرق من هذه الناحية، فحتَّىٰ لو مسَّه الصغير فإنَّه يجب عليه أنْ يغتسل غُسل مسِّ الميِّت، ويصحُّ منه الغُسل لأنَّ عباداته تشريعية كما تقدَّم، وإذا لم يغتسل وهو غير بالغ وجب عليه الغُسل بعد البلوغ.
ص: 139
ملاحظة: هذا الحكم يتكفَّل بيان نجاسة السقط المعنوية التي توجب الغُسل بملاقاته كما تبيَّن.
الحكم السابع والثلاثون: حكم السقط من حيث الغُسل والدفن(1):
إذا أُسقط الجنين فهنا:
أوَّلاً: إنْ تمَّت له أربعة أشهر جرىٰ عليه حكم الإنسان الكامل، فيُغسَّل ويُحنَّط ويُكفَّن ويُدفَن. نعم لا تجب الصلاة عليه، لأنَّها لا تجب علىٰ الصغير إلَّا إذا عقل الصلاة(2).
ثانياً: إذا كان عمر السقط أقلّ من أربعة أشهر، فحينئذٍ:
أ - إذا لم يكن الجنين مستوي الخلقة فالأحوط وجوباً أن يُلَفَّ بخرقة ويُدفَن، من دون حاجة إلىٰ تغسيل وتكفين.
ب - إذا كان الجنين مستوي الخلقة فالأحوط لزوماً جريان حكم ما تمَّ له أربعة أشهر، وهو المتقدِّم في (أوَّلاً)، فيُغسَّل ويُحنَّط ويُكفَّن ويُدفَن.
الحكم الثامن والعشرون: تطهير ثوب المربّية المتنجِّس ببول الصبيِّ(3):
إذا تنجَّس ثوب المربّية للطفل (سواء كانت هي أُمَّه أو غيرها كالمرضعة المستأجرة) ببوله، ولم يكن عندها ثوب غيره، وكان في تبديله حرج شخصي
ص: 140
عليها، جاز تطهيره مرَّة واحدة في اليوم والليلة والصلاة فيه، أمَّا إذا لم يكن في تبديله حرج شخصي عليها لم يكفِ ذلك، ووجب تطهيره للصلاة.
فالمناط في العفو هنا هو في تحقُّق الحرج الشخصي في غَسل الثوب.
والحاصل: (اذا لم يتيسَّر لها غَسله إلَّا مرَّة واحدة في اليوم جاز لها الاكتفاء به، وعليها حينئذٍ أن تغسله في وقت تتمكَّن من إتيان أكبر عدد من الفرائض مع الطهارة أو مع قلَّة النجاسة)(1).
الحكم التاسع والعشرون: التطهير من بول الصبيِّ(2):
التنجُّس بالبول قد يحتاج إلىٰ تعدُّد (كما في اللباس والبدن المتنجِّس بالبول)، أو إلىٰ عصر (كما في التطهير بالماء القليل)، ولكن إذا تنجَّس الثوب (وكذا الفراش) ببول صبيٍّ أو صبيَّة، وكانا صغيرين يتغذّيان علىٰ اللبن فقط لا علىٰ الطعام، فيكفي أن يُصَبَّ الماء علىٰ المتنجِّس بمقدار أنْ يحيط الماء بالنجاسة حتَّىٰ لو كان الماء قليلاً، بلا حاجة إلىٰ عصر أو تعدُّد.
وأمَّا إذا كان الصبيُّ أو الصبيَّة يتغذَّيان علىٰ الطعام، فهما وغيرهما سواء في الحاجة إلىٰ تعدُّد أو عصر حسب التفاصيل المذكور في محلِّها.
يُشتَرط أن يكون الذي يُغسِّل الميِّت مماثلاً له في بالجنس [عدا ما اُستثني]، هذا إذا كان الميِّت بالغاً، وأمَّا إذا كان غير بالغ أي كان صبيًّا، فإن كان ذلك الصبيُّ الميِّت مميِّزاً فهنا يكون حاله كحال البالغ في اشتراط أن يكون الذي يُغسِّله مماثلاً له في الجنس، وأمَّا إذا لم يكن مميِّزاً فإنَّه يجوز حينها أن يكون الذي يُغسِّله غير مماثل له في الجنس حتَّىٰ وإن كان المماثل موجوداً.
نعم، الأحوط استحباباً أن يكون الذي يُغسِّله مماثلاً له إذا تجاوز الثلاث سنين وإن كان بعدُ غير مميِّز.
الحكم الحادي والثلاثون: ثمن كفن زوجة الصغير(1):
نحن نعلم:
أوَّلاً: أنَّ للطفل استقلالاً ماليًّا شرعاً.
ص: 142
ثانياً: لا يجب علىٰ وليِّ الطفل أنْ يُنفِق عليه إذا كان عنده مال.
ويترتَّب عليه: إذا كان الصغير (أي غير البالغ) متزوِّجاً وماتت زوجته فثمن كفن زوجته عليه لا علىٰ الوليِّ، سواء كانت زوجته بالغة أو غير بالغة(1).
الحكم الثاني والثلاثون: صلاة الميِّت على صبيٍّ(2):
لا تجب الصلاة علىٰ الطفل الذي حُكِمَ عليه بالإسلام، (وهو الطفل المتولِّد من مسلم، ومن وُجِدَ في دار الإسلام، ولقيط دار الإسلام، بل ولقيط دار الكفر مع احتمال كونه مسلماً علىٰ الأحوط لزوماً).
ولكن إذا عقل الصلاة فتلزم حينئذٍ صلاة الميِّت عليه لو مات.
أمَّا ما هو المناط في كونه عاقلاً للصلاة؟
حكم سماحته (دام ظلُّه) بأنَّ المناط عرفي، ولكن مع الشكِّ فالمناط بلوغ ستّ سنين.
وأمَّا إذا لم يعقل الصلاة فهل تُستَحبُّ الصلاة عليه أم لا؟
استشكل سماحته (دام ظلُّه)، ولكن إذا أراد أحد الصلاة عليه فيلزم الإتيان بها برجاء المطلوبية علىٰ الأحوط لزوماً.
ص: 143
الحكم الثالث والثلاثون: صلاة الصبيِّ على الميِّت(1):
حيث إنَّه تجب الصلاة علىٰ الميِّت المسلم، فهنا سؤال: هل يجب أن يكون الذي يُصلّي علىٰ الميِّت بالغاً بحيث إذا صلّىٰ عليه الصبيُّ لم تُجْزِ؟
الجواب: أنَّ الصبيَّ إمَّا أن يكون مميِّزاً أو غير مميِّز.
فإن كان مميِّزاً فإنَّ صلاته علىٰ الميِّت تُجزي، وبالتالي تسقط عن بقيَّة المسلمين البالغين.
نعم الأحوط استحباباً أن يُصلّي البالغ علىٰ الميِّت حتَّىٰ إذا صلّىٰ عليه الصبيُّ المميِّز.
وأمَّا إذا صلّىٰ عليه غير المميِّز فلا تكفي، وتجب على المسلمين البالغين الصلاة عليه.
الحكم الرابع والثلاثون: دفن الجنين في بطن الكافرة(2):
من المعلوم أنَّ الكافر لا يُدفَن في مقبرة المسلمين، ولكن لو حملت الكافرة من مسلم، كما لو كانت مسلمة مثلاً وتزوَّجها المسلم فحملت منه ثمّ كفرت وماتت، فهل يجوز أن ندفنها في مقابر المسلمين؟
الجواب: حيث إنَّ الولد يُلحَق بأبيه المسلم، فيلزم أن ندفن تلك الحامل الكافرة في مقبرة المسلمين لأجل جنينها المسلم، ولكن لا بدَّ من الالتفات إلىٰ التالي:
ص: 144
أوَّلاً: يجب أن تُوضَع الكافرة علىٰ جانبها الأيسر مستدبرة القبلة، (ولعلَّه لأجل ما يُقال من أنَّ الجنين في بطن أُمِّه تكون وجهته إلىٰ ظهرها، فإذا وضعنا أُمَّه مستدبرة القبلة كان هو مستقبلاً للقبلة، وهي الوضعية التي يلزم أن يُدفَن عليها المسلم).
ثانياً: إذا كان الجنين ولجته الروح فهذه العملية واجبة.
وأمَّا إذا كان بعدُ لم تلجه الروح، فالعمل المذكور (أي دفن أُمِّه في مقبرة المسلمين بالكيفية المذكورة) هو الأحوط استحباباً، وليس واجباً علىٰ المسلمين أن يعملوا به.
الحكم الخامس والثلاثون: نبش قبر الصبيِّ(1):
لا يجوز نبش قبر المسلم بحيث يظهر جسده حتَّىٰ لو كان هذا المسلم صبيًّا غير بالغ، إلَّا في حالات خاصَّة ذُكِرَت في محلِّها، ومنها ما إذا طالت الفترة علىٰ الدفن بحيث يحصل العلم بأنَّ الجسد قد اندرس وتحلَّل وصار تراباً.
الحكم السادس والثلاثون: إخراج الجنين من بطن أُمِّه(2):
هنا أمران:
أوَّلاً: إذا مات الجنين في بطن أُمِّه، فهنا:
ص: 145
أ - إن أمكن إخراجه صحيحاً من دون أن يُقطَّع جسمه وجب ذلك، ولم يجز تقطيعه بدواء أو بغيره.
ب - وإن لم يمكن إخراجه إلَّا بتقطيعه جاز تقطيعه، وحينئذٍ يلزم أن يُتحرّىٰ الأرفق فالأرفق.
ثانياً: إذا ماتت الحامل وبقي طفلها حيًّا في بطنها، فهنا:
أ - إذا كان الحفاظ علىٰ حياة الطفل بشقِّ بطنها من الجانب الأيسر أوثق وأرفق به لزم ذلك.
ب - وإن لم يكن ذلك أوثق وأرفق جاز شقُّ الجانب الذي يكون بقاء الطفل حيًّا من خلاله أوثق وأرفق.
ج - وإن تساوت الجوانب في احتمالية الحفاظ علىٰ الطفل تخيَّر المكلَّف في شقِّ أيٍّ منها شاء.
وفي جميع هذه الحالات يلزم أن تُخاط بطن الأُمِّ الميِّتة، ثمّ تُدفَن.
الحكم السابع والثلاثون: الأحكام الخاصَّة بالحقوق المالية للصبيِّ(1):
أوَّلاً: يمكن أنْ يحصل الصبيُّ علىٰ المال من خلال:
1 - الإرث.
ص: 146
2 - الهدايا.
3 - الدية، فيما لو استحقَّها علىٰ من تجاوز عليه، كمن ضربه بحدٍّ يوجب الدية، ولو كان المعتدي أباه أو أُمَّه.
4 - حصوله علىٰ لقطة مع عدم وجود علامة فيها.
5 - الجعالة.
ثانياً: عدم استقلال الصبيِّ في التصرُّفات المالية (الحجر المالي):
فالصبيُّ ليس له - شرعاً - أن يتصرَّف في أمواله، فهو (محجور) عليه شرعاً، ولا يرتفع الحجر عنه إلَّا باجتماع شرطين:
الأوَّل: البلوغ، وقد تقدَّم الكلام في كيفية بلوغ الصبيِّ.
الثاني: الرُّشد بعد البلوغ.
والرُّشد هو عدم السفه، والسفيه (هو الذي ليس له حالة باعثة علىٰ حفظ ماله والاعتناء بحاله يصرفه في غير موقعه ويتلفه بغير محلِّه، وليس معاملاته مبنيَّة علىٰ المكايسة والتحفُّظ عن المغابنة، لا يبالي بالانخداع فيها، يعرفه أهل العرف والعقلاء بوجدانهم إذا وجدوه خارجاً عن طورهم ومسلكهم بالنسبة إلىٰ أمواله تحصيلاً وصرفاً)(1).
وهنا سؤال: هل يجوز للصبيِّ أنْ يتصرَّف في أمواله بمعاملة أو وصيَّة مثلاً؟ وهل يجوز له التصرُّف في أموال غيره؟
الجواب:
هنا فرضان:
الفرض الأوَّل: أن يكون التصرُّف بنحو المعاملة(2):
ص: 147
وهنا عدَّة حالات، ولكلِّ حالة حكمها الخاصّ:
الحالة الأُولىٰ: أن يتصرَّف الصبيُّ في أمواله من دون إذن وليِّه، وهنا لا تصحُّ المعاملة، سواء كانت في الأُمور اليسيرة أو غيرها. وسواء كان الصبيُّ مميِّزاً أو غير مميِّز. وسواء أذن الوليُّ فيما بعد أو لم يأذن.
الحالة الثانية: أنْ يتصرَّف الصبيُّ في أمواله بإذن وليِّه كأبيه مثلاً، ولا يكون مستقلّاً في التصرُّف، بل كان أبوه مثلاً معه، كأنْ يذهب مع أبيه ليشتري قميصاً، ويدفع الثمن بحضور أبيه وتدخُّله في المعاملة، فهنا تصحُّ المعاملة.
الحالة الثالثة: أنْ يتصرَّف الصبيُّ في أمواله بإذن وليِّه كأبيه مثلاً، ويكون الصبيُّ مستقلّاً في التصرُّف، وكان التصرُّف في الأشياء غير اليسيرة ممَّا لم تجر العادة علىٰ تصدّي الصبيِّ لإجراء المعاملة فيها، كأنْ يشتري هاتفاً نقّالاً مثلاً، فهنا لا يصحُّ التصرُّف ولا تصحُّ المعاملة.
الحالة الرابعة: أنْ يتصرَّف الصبيُّ في أمواله بإذن وليِّه كأبيه مثلاً، ويكون الصبيُّ مستقلّاً في التصرُّف، وكان التصرُّف في الأشياء اليسيرة التي جرت العادة علىٰ تصدّي الصبيِّ لإجراء المعاملة فيها، كأن يشتري حلوىٰ مثلاً، أو قلماً، وما شابه، فهنا تصحُّ المعاملة.
الحالة الخامسة: أن يكون الذي يقوم بالمعاملة هو الوليُّ، فهو الذي يتَّفق مع البائع مثلاً، وبعد أنْ يتمَّ الاتِّفاق يوكّل ولده في إجراء العقد مع
ص: 148
البائع، فالولد الصبيُّ وكيل في إجراء العقد فقط، (وربَّما يكون ذلك من الوليِّ لأجل تعليم الولد إجراء العقد أو تعليمه طريقة البيع والشراء أو ليعمل علىٰ بناء شخصيته في المستقبل وما شابه هذه الأغراض العقلائية)، وهنا يكون العقد صحيحاً.
الحالة السادسة: أنْ يتصرَّف الصبي في أموال غيره لا في أمواله هو مع إذن صاحب المال بالتصرُّف، وهنا تصحُّ المعاملة، سواء أذن وليُّه أم لم يأذن، ما دام صاحب المال قد أذن بذلك.
وأمَّا إذا لم يأذن صاحب المال فلا تصحُّ المعاملة كما هو واضح.
الفرض الثاني: أن يكون التصرُّف في أمواله بنحو الوصيَّة(1):
وهنا عدَّة حالات أيضاً:
الحالة الأُولىٰ: إذا أوصىٰ الصبيُّ بوصيَّة ما وكان عمره أقلّ من سبع سنوات فلا تصحُّ وصيَّتُه ولا يلزم تنفيذها مطلقاً، سواء كانت الوصيَّة لأرحامه أو غيرهم، وسواء كانت في شيء يسير أو غير يسير.
الحالة الثانية: إذا كان عمر الصبيِّ سبع سنوات وأوصىٰ بشيء غير يسير من أمواله فلا تصحُّ وصيَّتُه، سواء كانت وصيَّته لأرحامه أو لغيرهم.
الحالة الثالثة: إذا كان عمر الصبيِّ سبع سنوات وأوصىٰ إلىٰ أرحامه بشيء يسير من أمواله، ففي نفوذها إشكال، والأحوط وجوباً عدم نفوذها.
ص: 149
الحالة الرابعة: إذا كان عمر الصبيِّ عشر سنوات وأوصىٰ إلىٰ أرحامه، فتصحُّ وصيَّتُه وتلزم.
الحالة الخامسة: إذا كان عمر الصبيِّ عشر سنوات وأوصىٰ بعمل مبرّات وخيرات من أمواله، فتصحُّ وصيَّته وتلزم.
الحالة السادسة: إذا كان عمر الصبيِّ عشر سنوات وأوصىٰ إلىٰ غير أرحامه، ففي نفوذها إشكال، والأحوط وجوباً عدم نفوذها.
كيف نعرف أنَّ الصبيَّ قد صار راشداً(1)؟
علينا أن نعرف أوَّلاً أنَّ (الرُّشد) ليس مرحلة زمنية معيَّنة تأتي بعد البلوغ، وإنَّما هو حُسْنُ التصرُّف في الأموال، بحيث يكون عنده قدرة علىٰ التعاملات والمساومة، ولا يقع في الغبن وما شابه، وهذه القدرة قد تحصل قبل البلوغ، كما إذا كان الصبي قد مارس الأعمال في السوق برعاية أبيه مثلاً أو شخص آخر، بحيث صار عنده قدرة في التعامل مع الأموال، وهذا ما نراه كثيراً في الصبيان الذين يدخلون سوق العمل في مرحلة مبكَّرة من أعمارهم.
ص: 150
وعلىٰ كلِّ حالٍ هنا حالتان:
الحالة الأُولىٰ: أن نجزم بأنَّ الصبيَّ قد صار راشداً، وهنا يلزم تسليمه أمواله، وهو أحقُّ بالتصرُّف بها، هذا إذا كان الرشد بعد البلوغ، وأمَّا إذا جزمنا بذلك قبل البلوغ، فيلزم انتظاره إلىٰ أنْ يبلغ ثمّ تُسلَّم إليه أمواله، لأنَّ الرُّشد وحده غير كافٍ لرفع الحجر عنه، كما أنَّ البلوغ لوحده غير كافٍ كذلك، فاللازم هو حصول البلوغ والرُّشد كليهما.
الحالة الثانية: إذا احتملنا أنَّه صار راشداً ولم نجزم بذلك، فهنا لا تُسلَّم له أمواله إلَّا بعد الاختبار علىٰ الأحوط لزوماً، بأنْ نُكلِّفه بإجراء معاملة معيَّنة، ويراقب الوليُّ تصرُّفه في الأموال وكيف يصرفها وكيف يداورها، فإن أثبت الاختبار أنَّه راشد في تعاملاته فنُسلِّم له أمواله بمجرَّد البلوغ، وإنْ تبيَّن أنَّه ليس راشداً فلا تُسلَّم إليه أمواله حتَّىٰ لو كان بالغاً، ولكن يلزم علىٰ الوليِّ أن يختبره كلَّما احتمل أنَّه صار راشداً، ولا يُسلِّم إليه أمواله إلَّا بعد أن يثبت رشده.
الحكم الثامن والثلاثون: لا ربا بين الوالد وولده(1):
من الواضح أنَّ الربا حرام، ولكن جاء الدليل الشرعي علىٰ أنَّه يجوز بين الولد ووالده، فيجوز للولد - ذَكَراً كان أو أُنثىٰ - أن يأخذ الربا من أبيه، وكذا يجوز للأب أن يأخذ الربا من ولده - ذَكَراً كان أو أُنثىٰ -.
ص: 151
وهل يجوز أن يأخذ الولد الربا من جدِّه؟
الجواب: نعم يجوز ذلك.
وهل يجوز للجدِّ أن يأخذ الربا من حفيده؟
الجواب: نعم يجوز ذلك.
وهل يجوز ذلك بين الولد وأُمِّه؟
الجواب: كلَّا لا يجوز الترابي بينهما.
الحكم التاسع والثلاثون: عدم جواز التصرُّف بمال تعلَّق به حقُّ الصبيِّ(1):
يُشتَرط في لباس المصلّي الإباحة، فإذا كان الثوب المغصوب ساتراً للعورة فعلاً لم تصحّ الصلاة فيه علىٰ الأحوط لزوماً، وإذا كان ساتراً لغير العورة لم تصحّ الصلاة فيه علىٰ الأحوط استحباباً(2).
وللغصب صور ذكر سماحته (دام ظلُّه) بعضاً منها، ثمّ بيَّن أنَّه لو كان للميِّت وارث قاصر لم يجز التصرُّف في تركته إلَّا بمراجعة وليِّه الشرعي من الأب أو الجدِّ ثمّ القَيِّم ثمّ الحاكم الشرعي، وهذا يعني أنَّه لو كان ثوب المصلّي من تركة ميِّت مِلكاً للقاصر لم تصحّ الصلاة فيه - احتياطاً لزومياً في الساتر للعورة فعلاً واستحبابياً في ما عدا الساتر للعورة كما تقدَّم - إلَّا بمراجعة وليِّه الشرعي من الأب أو الجدِّ ثمّ القَيِّم ثمّ الحاكم الشرعي. وذلك لأنَّ حقَّ القاصر تعلَّق بهذا الثوب، ولا يجوز التصرُّف بمال القاصر إلَّا بما ذكره سماحته (دام ظلُّه).
ص: 152
وهذه المسألة ليست خاصَّة باللباس، بل كلُّ شيء تعلَّق به حقُّ الصبيِّ غير البالغ، فلا يجوز لأحد التصرُّف فيه إلَّا مَنْ أذن له الشارع، وهو الوليُّ الشرعي. ومن ذلك ما يكون للصبيِّ من تركة أبيه، كما لو قُتِلَ الأب مثلاً، فإنَّ ديته هي إرث، فلا يجوز إسقاطها إذا كان الوارث قاصراً، بل تُؤخَذ حصَّته وتُعزَل وتُحفَظ له.
الحكم الأربعون: عدم جواز أكل المارِّ من بستان الصبيِّ(1):
من الواضح أنَّه لا يجوز للإنسان أن يتصرَّف في مِلك غيره إلَّا إذا رضي المالك، ولكن جاء الحكم الشرعي بجواز أن يأكل الشخص الذي يمرُّ ببستانٍ ما، فإنَّه يجوز له أن يأكل منه، ولكن لا بدَّ من ملاحظة أنَّ جواز الأكل مشروط بشروط:
الشرط الأوَّل: لا يجوز له أن يأخذ معه شيء منه، فالجائز هو الأكل فقط.
الشرط الثاني: إذا كان للبستان حائط، أو ظنَّ الشخص أنَّ مالك البستان يكره الأكل منه، فالأحوط لزوماً أنْ لا يأكل منه.
الشرط الثالث: إذا كان مالك البستان قاصراً وليس بالغاً، سواء كان هو المالك للبستان كلِّه أو كان له حصَّة فيه، فالأحوط لزوماً أنْ لا يأكل منه.
ص: 153
الحكم الحادي والأربعون: من مسائل اليتيم(1):
اليتيم شرعاً هو غير البالغ الذي مات أبوه، فإذا بلغ خرج عن (اليتم) شرعاً(2) وإن أُطلِقَ عليه مجازاً. وقد حثَّت الروايات الشريفة كثيراً علىٰ كفالته ورعايته، فقد روي عن عجلان أبي صالح، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن أكل مال اليتيم، فقال: «هو كما قال الله (عزوجلّ): ]إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامىٰ ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعيراً 10[ [النساء: 10]»، ثمّ قال (علیه السلام) من غير أن أسأله: «من عال يتيماً حتَّىٰ ينقطع يتمه أو يستغني بنفسه أوجب الله (عزوجلّ) له الجنَّة كما أوجب النار لمن أكل مال اليتيم»(3).
وما دام اليتيم غير بالغ فيجري عليه حكم (الحجر الشرعي)، وحينها سيُترَك أمر التصرُّف في أمواله - بالحدِّ الشرعي - إلىٰ وليِّه الشرعي، وفي هذا المجال عدَّة نقاط:
ص: 154
أوَّلاً: يجوز لوليِّ اليتيم أن يخلطه مع عائلته، في مأكلهم وملبسهم ومسكنهم.
ثانياً: يصرف الوليُّ علىٰ اليتيم من أمواله - اليتيم - إن كانت له أموال.
ثالثاً: فيما يتعلَّق بالمصاريف المشتركة عادةً كالأكل والشرب والمسكن - لو كان قد استأجر مسكناً مثلاً -، فيجوز للوليِّ أن يخلط اليتيم مع بقيَّة أفراد عائلته، فيُقسِّم المصاريف عليهم بالنسبة، ويأخذ ما يقع علىٰ اليتيم من أمواله.
رابعاً: أمَّا فيما يتعلَّق بالمصاريف الخاصَّة كالملابس، فيصرف علىٰ اليتيم مستقلّاً ولا يخلطه بعائلته، فإذا احتاج إلىٰ ملابس معيَّنة أو كان الأمر يستلزم إدخال اليتيم مثلاً في مدرسة خاصَّة، ففي مثل هذه الحال يصرف الوليُّ علىٰ اليتيم من ماله ولا يخلطه ببقيَّة أفراد عائلته.
ملاحظة:
إذا استحقَّ اليتيم إرثاً من دية أبيه مثلاً فلا يجوز إسقاطها من قِبَل البالغين، بل تُحفَظ حصَّته وتُصرَف عليه، ومن أراد أن يجامل الناس فعليه أن يجاملهم من ماله لا من مال اليتيم.
الحكم الثاني والأربعون: التصرُّف في مال الصبيِّ(1):
ص: 155
عرفنا أنَّ الصبيَّ يملك مستقلّاً بالهبة أو الإرث وما شابه، وفي نفس الوقت هو محجور عليه من التصرُّف بأمواله ما دام صبيًّا غير راشد، ولكن بالتالي فإنَّ الصبيَّ يحتاج إلىٰ صرف بعض أمواله من أجل حاجاته، فكيف يتمُّ التصرُّف في أمواله والحال أنَّه محجور عليه؟
الجواب: أنَّ ذلك موكول إلىٰ وليِّه الشرعي، فهو من يقوم بالتصرُّف في أمواله.
وهنا عدَّة أسئلة:
س - ومن هو الوليُّ؟
ج - هو الأب، والجدُّ من جهة الأب.
س - وهل يُشتَرط في تصرُّف أحدهما إذنُ الآخر؟
ج - كلَّا، فأيٌّ منهما سبق في التصرُّف فقد مضىٰ تصرُّفه حتَّىٰ لو لم يأذن الآخر.
س - وهل تُشتَرط العدالة في الوليِّ؟
ج - كلَّا.
س - وهل يُشتَرط في التصرُّف أن يكون في صالح الصبيِّ؟
ج - كلَّا، بل الشرط هو أن لا يكون في التصرُّف مفسدة علىٰ الصبيِّ، حتَّىٰ لو لم يكن فيه مصلحة.
ص: 156
س - وماذا لو تردَّد التصرُّف بين الصالح والأصلح، فأيَّهما يُقدَّم رغم أنَّ كلّاً منهما لا مفسدة فيه؟
ج - في هذه الحالة يُقدَّم الأصلح، بشرط أنْ يُعَدَّ تقديم الصالح علىٰ الأصلح تفريطاً من الوليِّ في مصلحة الصغير.
مثال ذلك: لو اضطرَّ الوليُّ إلىٰ بيع سلعة لليتيم مثلاً، وكان سعرها في السوق هو ألف دينار، ولكن أمكنه أن يبيعها بألفين، فهنا لا يجوز له بيعها بالألف.
س - هل المدار في صحَّة التصرُّف الصحيح الذي لا مفسدة فيه علىٰ الواقع في علم الله تعالىٰ، أو علىٰ التصرُّف الصحيح في نظر العقلاء؟
ج - الصحيح هو الثاني، فنحن لا نعلم الواقع، فيكفي للوليِّ أنْ يتصرَّف بما فيه مصلحته بحسب نظر العقلاء، حتَّىٰ لو صادف أنَّ في هذا التصرُّف مفسدة في علم الله تعالىٰ.
وهنا سؤال أخير(1): ما هي الحالة المتوسِّطة التي يجوز للوليِّ فيها أن يُنفِق علىٰ الصبيِّ؟
ج - يُنفِق الوليُّ علىٰ الصبيِّ بالاقتصاد، بمعنىٰ أنْ لا يكون في إنفاقه إسراف (وهو الصرف أكثر من اللازم)، ولا تقتير (وهو الصرف أقلّ من اللازم)، في كلِّ ما يحتاج إليه الصبيُّ من طعام وشراب وملابس وسكن ودراسة ما شابه.
ص: 157
الحكم الثالث والأربعون: التصرُّف في نفس الصبيِّ(1):
هنا عدَّة نقاط:
الأُولىٰ: يجوز لوليِّ الصبيِّ (وهو الأب والجدُّ للأب) أنْ يُؤجِّر الصبيَّ للعمل في مجال معيَّن، بشرط أنْ لا يكون في ذلك مفسدة للصبيِّ، وبشرط تقديم الأصلح علىٰ الصالح كما تقدَّم.
الثانية: يلزم الانتباه إلىٰ أنَّه وإنْ جاز للوليِّ أنْ يُسلِّم الصبيَّ إلىٰ من يُعلِّمه صنعة معيَّنة أو حرفة، أو أن يُدخِله في مدرسة تُعلِّمه القراءة والكتابة والعلوم النافعة لدنياه وآخرته، ولكن في النفس الوقت يجب علىٰ الوليِّ أنْ يصون ولده عمَّا يُفسِد أخلاقه، أو ما يضرُّ بعقائده، فلا يجوز له إدخاله في الأماكن المشبوهة التي تُؤدّي إلىٰ فساد الأخلاق أو العقائد، وهذه من المسائل الابتلائية التي يلزم علىٰ الأولياء أن ينتبهوا إليها.
الثالثة: يجوز للوليِّ أن يُزوِّج الصبيَّ بالشرط المتقدِّم (عدم المفسدة وتقديم الأصلح علىٰ الصالح)، ولكن هل له أن يُطلِّق زوجة الصبيِّ؟
ج - كلَّا لا يحقُّ له ذلك.
ص: 158
الحكم الرابع والأربعون: وليُّ البنت في الزواج(1):
هنا عدَّة نقاط:
ص: 159
الأُولىٰ: لا يجوز للبنت البالغة فضلاً عن غير البالغة أن تتزوَّج إلَّا بإذن وليِّها الشرعي، وهو الأب والجدُّ للأب. هذا إذا كانت بكراً، أمَّا إذا كانت ثيِّباً فهي تملك أمر نفسها، فيجوز أن تتزوَّج ولو من دون إذن وليِّها إذا كانت بالغة رشيدة.
الثانية: يجوز للوليِّ أن يُزوِّج البنت، لكن بشرط أنْ لا يكون في تزويجه مفسدة، وأن يُقدِّم الأصلح علىٰ الصالح. ويُشتَرط أيضاً أنْ ترضىٰ البنت البالغة بالزواج علىٰ الأحوط وجوباً.
الثالثة: إذا كانت البنت الباكر مستقلَّة في أُمور حياتها وشؤونها الخاصَّة فليس للأب أو للجدِّ أن يُزوِّجها. نعم، عليها هي أن تستأذن منهما علىٰ الأحوط وجوباً.
الرابعة: ليس لغير الأب والجدِّ للأب ولاية في تزويج البنت، سواء كانت الأُمُّ أو الخال أو العمُّ أو غيرهم. نعم الأفضل للبنت المالكة لأمر نفسها أن تستأذن أباها أو جدَّها، وإن لم يكونا حيِّين فينبغي لها أن تستأذن أخاها الأكبر.
ملاحظة: لا فرق في كلِّ ذلك بين الزواج الدائم والمنقطع.
الخامسة: يسقط اعتبار إذن الوليِّ في عدَّة حالات:
1 - إذا اعتزل الوليُّ أمر تزويج البنت، بحيث لم يتدخَّل فيه أصلاً.
2 - إذا كان مجنوناً مثلاً.
3 - أنْ يعضلها، بأنْ يمنعها من الزواج بالكفؤ لها شرعاً وعرفاً كلَّما تقدَّم لها حتى فات أوان الزواج.
4 - أنْ يكون الوليُّ غائباً لمدة طويلة، بحيث لا تستطيع أن تحصل علىٰ الإذن منه، وكانت بحاجة ملحَّة إلىٰ الزواج.
ص: 160
ففي هذه الحالات يسقط اعتبار إذنه، فيجوز لها أن تتزوَّج ولو من دون إذنه.
وفي هذه النقطة الخامسة ملاحظة مهمَّة، وهي:
إنَّ ما ذُكِرَ من موارد لسقوط إذن الوليِّ إنَّما هو في الزواج الدائم، أمَّا في الزواج المؤقَّت فلا يسقط إذن وليِّها في كلِّ ذلك علىٰ الأحوط وجوباً، فيلزمها - على الأحوط وجوباً - إذا أرادت أن تتزوَّج متعةً أن تستأذن من وليِّها حتَّىٰ لو اعتزل أمر تزويجها الدائم، وحتَّىٰ لو عضلها عن الزواج الدائم، وحتَّىٰ لو كان غائباً مدَّة طويلة.
وهنا عدَّة نقاط:
أ - خلال السنتين الأُوليتين تكون الحضانة بين الأبوين بالسويَّة، حتَّىٰ لو افترقا، والأفضل إلىٰ سبع سنوات. وبعدها للأب. نعم، الأحوط الأولى للأب أن لا يفصله عن أمه إلى سبع سنوات.
ب - وإذا مات الأب خلال هذه الفترة فالأُمُّ أحقّ بولدها من غيره، وكذا لو ماتت الأُمُّ فالأب أحقّ.
ج - إذا تزوَّجت الأُمُّ خلال السنتين بعد انفصالها من زوجها الأوَّل سقط حقُّ حضانتها لولدها من زوجها الأوَّل، حتَّىٰ لو طلَّقها زوجها الثاني خلال السنتين. وإذا مات الزوج الأوَّل بعد ذلك، فإنَّها حينئذٍ أحقّ من غيرها بحضانة أولادها منه.
د - إذا لم تتزوَّج بعد انفصالها من زوجها، فيبقىٰ حقُّها المشترك مع
ص: 162
طليقها في حضانة الولد، فلا بدَّ من توافقهما علىٰ ممارسة حقِّهما المشترك بالتناوب أو بأيَّة كيفية أُخرىٰ يتَّفقان عليها.
ه- - إذا فُقِدَ الأبوان فالحضانة للجدِّ من طرف الأب، فإذا فُقِدَ ولم يكن له وصيٌّ ولا للأب فالأحوط لزوماً التراضي بين أقارب الولد علىٰ ترتيب مراتب الإرث مع الاستئذان من الحاكم الشرعي أيضاً.
ملاحظات:
الملاحظة الأُولىٰ: صحيحٌ أنَّ الأب أحقُّ بحضانة ولده من أُمِّه بعد السنتين الأُوليتين، فيجوز له أن يأخذ ولده منها، ولكن هنا حالتان:
الحالة الأُولىٰ: أن لا يضرَّ فصلُ الولد عن أُمِّه بحال الولد، فهنا يجوز للأب أن يفصله عنها، نعم الأحوط الأولىٰ له أن لا يفصله إلىٰ عمر سبع سنين، كما تقدَّم.
الحالة الثانية: أن يضرَّ فصله عنها بحاله، وهنا لا يجوز للأب أن يفصله عن أُمِّه.
الملاحظة الثانية: الحضانة حقٌّ واجب للولد، فلو امتنع الأبوان أُجبرا عليه، ولا يجوز التنازل عنها لأحد إلَّا أحد الزوجين للآخر. ولا يسقط هذا الحقُّ إلَّا إذا بلغ الولد رشيداً.
الملاحظة الثالثة: إذا بلغ الولد رشيداً، لم يكن لأحد عليه حقّ الحضانة، فيجوز له أن يختار أيًّا من والديه، بل يجوز له أن يختار غيرهما، اللّهمّ إلَّا إذا كانا يتأذَّيان عليه شفقةً عليه، فحينها لا يجوز للولد أن يتسبَّب في أذيَّتهما.
* * *
ص: 163
ص: 164
1 - القرآن الكريم.
2 - اختيار معرفة الرجال: الشيخ الطوسي/ تصحيح وتعليق: ميرداماد الأسترابادي/ تحقيق: السيِّد مهدي الرجائي/ 1404ﻫ/ مط بعثت/ مؤسَّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث/ قم.
3 - الأُصول الستَّة عشر: عدَّة محدِّثين/ تحقيق: ضياء الدِّين المحمودي بمساعدة نعمة الله الجليلي ومهدي غلام عليّ/ ط الأُولىٰ/ 1423ﻫ/ دار الحديث للطباعة والنشر.
4 - الألعاب الإلكترونية وأثرها الفكري والثقافي: من سلسلة الاختراق الثقافي (3) الصادرة عن المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية.
5 - الأمالي: الشيخ الصدوق/ مؤسَّسة البعثة/ الطبعة الأُولىٰ/ 1417ﻫ/ قم.
6 - بحار الأنوار: العلَّامة المجلسي/ ط الثانية المصحَّحة/ 1403ه- - 1983م/ مؤسَّسة الوفاء/ لبنان/ بيروت.
7 - تاج العروس: الزبيدي/ عليّ شيري/ 1414ه- - 1994م/ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت.
8 - تربية الطفل في الإسلام: الشيخ محمّد الريشهري/ الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر/ الطبعة الثانية/ المطبعة: دار الحديث.
ص: 165
9 - تفسير العيّاشي: محمّد بن مسعود العيّاشي/ الحاجّ السيِّد هاشم الرسولي المحلّاتي/ المكتبة العلمية الإسلاميَّة/ طهران.
10 - تفسير مجمع البيان: الشيخ الطبرسي/ تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحقِّقين الأخصّائيين/ ط الأُولىٰ/ 1415ه- - 1995م/ مؤسَّسة الأعلمي للمطبوعات/ لبنان/ بيروت.
11 - تفسير نور الثقلين: الشيخ الحويزي/ تصحيح وتعليق: السيِّد هاشم الرسولي المحلّاتي/ ط الرابعة/ 1412ﻫ/ مؤسَّسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع/ قم.
12 - تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي/ تحقيق وتعليق: السيِّد حسن الموسوي الخرسان/ ط الثالثة/ 1364ش/ خورشيد/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
13 - ثواب الأعمال: الشيخ الصدوق/ تقديم: السيِّد محمّد مهدي السيِّد حسن الخرسان/ ط الثانية/ 1368ش/ مط أمير/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
14 - الجامع الصغير: جلال الدِّين السيوطي/ ط الأُولىٰ/ 1401ه- - 1981م/ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت.
15 - الخصال: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغّفاري/ 1403ﻫ/ منشورات جماعة المدرِّسين في الحوزة العلمية في قمّ المقدَّسة.
16 - سُنَن ابن ماجة: محمّد بن يزيد القزويني/ تحقيق وترقيم وتعليق: محمّد فؤاد عبد الباقي/ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
17 - شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد/ محمّد أبو الفضل إبراهيم/ ط الأولىٰ/ 1378ه- - 1959م/ دار إحياء الكُتُب العربية.
ص: 166
18 - الصحاح: الجوهري/ أحمد عبد الغفور العطّار/ ط الرابعة/ 1407ه- -
1987م/ دار العلم للملايين/ لبنان/ بيروت.
19 - صحيح البخاري: البخاري/ 1401ه- - 1981م/ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
20 - الطفولة والمراهقة: سعد جلال/ ط الثانية/ دار الفكر العربي.
21 - عدَّة الداعي: ابن فهد الحلّي/ تصحيح: أحمد الموحِّدي القمّي/ مكتبة وجداني/ قم.
22 - العروة الوثقىٰ: السيِّد محمّد كاظم اليزدي/ تعليقة: السيِّد عليّ السيستاني/ ط 4/ 1436ه- - 2015م/ دار المؤرِّخ العربي/ لبنان/ بيروت.
23 - عوالي اللئالي: ابن أبي جمهور الأحسائي/ تقديم: السيِّد شهاب الدِّين النجفي المرعشي/ تحقيق: الحاجّ آقا مجتبىٰ العراقي/ ط الأُولىٰ/ 1403ه- - 1983م/ سيِّد الشهداء/ قم.
24 - عيون الحِكَم والمواعظ: عليُّ بن محمّد الليثي الواسطي/ الشيخ حسين الحسيني البيرجندي/ ط الأُولىٰ/ دار الحديث.
25 - الفتاوىٰ الميسَّرة: السيِّد السيستاني/ ط الثالثة/ 1417ه- - 1997م/ مط الفائق الملوَّنة.
26 - فقه المغتربين: السيِّد السيستاني.
27 - في بيتنا مراهق: آن شابيرو نييل/ ترجمة: الفيرا عون/ طبع شركة دار الفراشة للطباعة والنشر والتوزيع.
28 - الكافي: الشيخ الكليني/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفّاري/ ط الخامسة/ 1363ش/ مط حيدري/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
ص: 167
29 - كتاب العين: الخليل الفراهيدي/ الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي/ ط الثانية/ 1409ﻫ/ مؤسَّسة دار الهجرة.
30 - كفاية الأثر: الخزّاز القمّي/ السيِّد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي/ 1401ﻫ/ مط الخيّام/ انتشارات بيدار/ قم.
31 - كنز العُمّال: المتَّقي الهندي/ ضبط وتفسير: الشيخ بكري حيّاني/ تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا / 1409ه- - 1989م/ مؤسَّسة الرسالة/ لبنان/ بيروت.
32 - لاءات التربية: د. عبد العظيم كريمي/ دار الكتاب العربي/ ط الأُولىٰ/ 1434ه- - 2013م.
33 - لسان العرب: ابن منظور/ 1405ﻫ/ نشر أدب الحوزة/ قم.
34 - مجمع البحرين: الشيخ الطريحي/ السيِّد أحمد الحسيني/ ط الثانية/ 1408ﻫ/ مكتب النشر الثقافة الإسلاميَّة.
35 - المحاسن: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي/ تصحيح وتعليق: السيِّد جلال الدِّين الحسيني (المحدِّث)/ 1370ﻫ/ دار الكُتُب الإسلاميِّة/ طهران.
36 - المراهق كيف نفهمه وكيف نُوجِّهه: أ د. عبد الكريم بكار/ ط الثانية/ 1431ه- - 2010م/ مط دار وجوه للنشر والتوزيع/ المملكة العربية السعودية/ الرياض.
37 - مسند ابن المبارك: عبد الله بن المبارك/ د . مصطفىٰ عثمان محمّد/ ط الأُولىٰ/ 1411ه- - 1991م/ دار الكُتُب العلمية/ لبنان/ بيروت.
ص: 168
38 - معاني الأخبار: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفّاري/ 1379ﻫ/
مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
39 - مكارم الأخلاق: الشيخ الطبرسي/ ط السادسة/ 1392ه- -1972م/ منشورات الشريف الرضي.
40 - من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفّاري/ ط الثانية/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
41 - منهاج الصالحين: السيِّد السيستاني. طبعة محققة ومنقّحة/1439 ﻫ.ق.
42 - موقع استفتاءات السيِّد السيستاني (www.sistani.org).
43 - نهج البلاغة: الشريف الرضي/ شرح: الشيخ محمّد عبده/ ط الأُولىٰ/ 1412ﻫ/ مط النهضة/ دار الذخائر/ قم.
* * *
ص: 169
ص: 170
مقدّمة المعهد. 3
الإهداء. 5
مقدّمة المؤلِّف.. 7
الرسالة الأُولىٰ: مفهوم العدالة بين الأولاد. 9
المعنىٰ الأوَّل: الإعطاء بالسويَّة. 9
المعنىٰ الثاني: إعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه. 13
المعنىٰ الثالث: إعطاء كلِّ ذي قابلية ما هو مستعدٌّ له. 17
الرسالة الثانية: مفاهيم لا تربوية (أو تربوية مغلوطة). 21
المفهوم الأوَّل: أنَّه طفلٌ لا يَفهم!. 22
المفهوم الثاني: عليك أنْ تتصرَّف بعقلانية. 25
المفهوم الثالث: عليَّ أنْ أُحافظ عليك دوماً يا ولدي.. 29
المفهوم الرابع: اسمع كلامي!. 31
المفهوم الخامس: لا تفعل، وإلَّا!. 33
الرسالة الثالثة: ماذا لو عقَّني ولدي؟. 37
النقطة الأُولىٰ. 37
المرتبة الأُولىٰ: البرُّ الشرعي. 37
المرتبة الثانية: البرُّ الأخلاقي. 41
النقطة الثانية. 42
ص: 171
النقطة الثالثة. 42
النقطة الرابعة. 44
فائدة: صلاة الوالد لولده. 45
الرسالة الرابعة: كيف تتعامل مع المراهق؟. 47
الخطوة الأُولىٰ: ما أو مَنْ هو المراهق؟. 48
التعريف بالمراهق. 48
المراهق لغةً. 48
المراهق اصطلاحاً 49
التغيُّرات الفسيولوجية. 50
التغيُّرات النفسية. 51
الخطوة الثانية: كيف نفهم المراهق؟. 52
الخطوة الثالثة: أُمور ضرورية أثناء عملية الإرشاد. 54
الملاحظة الأُولىٰ. 54
الملاحظة الثانية. 55
الملاحظة الثالثة. 55
الملاحظة الرابعة. 56
الملاحظة الخامسة. 56
الملاحظة السادسة. 57
الخطوة الرابعة: إدارة جلسة الإرشاد أو فنِّ الحوار مع المراهق. 57
الأمر الأوَّل: اختيار الوقت والمكان المناسب.. 58
الأمر الثاني: لتكن الجلسة بين أصدقاء. 59
ملاحظة. 60
ص: 172
الأمر الثالث: أسئلة ذكيَّة. 60
الأمر الرابع: فنُّ الإنصات.. 61
الأمر الخامس: المسايرة الذكيَّة. 61
الأمر السادس: جلسة أمان لا اتِّهام. 62
الأمر السابع: لا تنصُّلَ من المسؤولية. 62
الرسالة الخامسة: التربية في عصر التكنولوجيا 65
التكنولوجيا والشركات العالمية. 66
التوصيات العملية. 68
الرسالة السادسة: تحمُّل مشاقِّ التربية. 71
الرسالة السابعة: إهمال تربوي.. 77
الرسالة الثامنة: ولدي مشاكس كثير المشاكل!. 81
الرسالة التاسعة: ولدي يُربّيه غيري!. 87
الرسالة العاشرة: ماذا لو انفردت الأُمُّ بتربية الأولاد؟. 91
الرسالة الحادية عشرة: لماذا يتأخَّر الطلّاب دراسياً؟. 99
الرسالة الثانية عشرة:
الأحكام الفقهية للأولاد. 107
الحكم الأوَّل: مشروعية عبادات الصبيِّ. 107
الحكم الثاني .. 108
الحكم الثالث: كيف تبلغ الصبيَّة والصبيُّ؟. 109
أوَّلاً: بلوغ الصبيَّة. 109
روايات نافعة. 110
ثانياً: بلوغ الذَّكَر. 111
الحكم الرابع: الصبيُّ المميِّز وغير المميِّز. 112
ص: 173
الحكم الخامس: تقليد الصبيِّ. 115
الحكم السادس: إذا صلّى ثمّ بلغ. 116
الحكم السابع: لو بلغ الصبيُّ في الصوم. 117
الحكم الثامن: صلاة الصبيِّ المسافر. 118
الحكم التاسع: صلاة الصبيِّ بالذهب والحرير ولبسه لهما. 119
الحكم العاشر: محاذاة الصبيِّ للمرأة والصبيَّة للرجل حال الصلاة 120
الحكم الحادي عشر: الاجتزاء بأذان وإقامة الصبيِّ المميِّز. 121
الحكم الثاني عشر: ردُّ السلام من قِبَل الصبيِّ المميِّز. 122
الحكم الثالث عشر: قضاء صلاة الصبيِّ. 124
الحكم الرابع عشر: قضاء الولد الصلاة والصوم عن الأب والأُمِّ. 125
الحكم الخامس عشر: إجارة الصبيِّ في الصلاة. 127
الحكم السادس عشر: الصبيُّ وصلاة الجماعة. 127
الحكم السابع عشر: الأُمُّ والصبيُّ في شهر رمضان. 129
الحكم الثامن عشر: بعض أحكام الصوم بالنسبة للصبيِّ. 131
الحكم التاسع عشر: اعتكاف الولد. 131
الحكم العشرون: زكاة الصبيِّ. 132
الحكم الحادي والعشرون: الصبيُّ وزكاة الفطرة. 134
الحكم الثاني والعشرون: الصبيُّ والخُمُس... 136
الحكم الثالث والعشرون: ستر الصبيَّة في الصلاة. 137
الحكم الرابع والعشرون: أحكام دم الصبيَّة. 138
الحكم الخامس والعشرون: نجاسة السقط.. 138
الحكم السادس والعشرون: غُسل مسِّ الميِّت.. 139
ص: 174
الحكم السابع والثلاثون: حكم السقط من حيث الغُسل والدفن. 140
الحكم الثامن والعشرون: تطهير ثوب المربّية المتنجِّس ببول الصبيِّ. 140
الحكم التاسع والعشرون: التطهير من بول الصبيِّ. 141
الحكم الثلاثون: تغسيل الصبيِّ الميَّت.. 141
الحكم الحادي والثلاثون: ثمن كفن زوجة الصغير.. 142
الحكم الثاني والثلاثون: صلاة الميِّت على صبيٍّ. 143
الحكم الثالث والثلاثون: صلاة الصبيِّ على الميِّت.. 144
الحكم الرابع والثلاثون: دفن الجنين في بطن الكافرة. 144
الحكم الخامس والثلاثون: نبش قبر الصبيِّ. 145
الحكم السادس والثلاثون: إخراج الجنين من بطن أُمِّه. 145
الحكم السابع والثلاثون: الأحكام الخاصَّة بالحقوق المالية للصبيِّ. 146
الحكم الثامن والثلاثون: لا ربا بين الوالد وولده. 151
الحكم التاسع والثلاثون: عدم جواز التصرُّف بمال تعلَّق به حقُّ الصبيِّ. 152
الحكم الأربعون: عدم جواز أكل المارِّ من بستان الصبيِّ. 153
الحكم الحادي والأربعون: من مسائل اليتيم. 154
الحكم الثاني والأربعون: التصرُّف في مال الصبيِّ. 155
الحكم الثالث والأربعون: التصرُّف في نفس الصبيِّ. 158
الحكم الرابع والأربعون: وليُّ البنت في الزواج.. 159
الحكم الخامس والأربعون: حضانة الولد. 161
المصادر والمراجع. 165
الفهرس... 171
ص: 175