الشورى في الإسلام

هویة الکتاب

بطاقة تعريف:الحسیني الشیرازي ، السیدمحمد، ‫1307 - 1380.

عنوان واسم المؤلف:الشوری في الاسلام/ السیدمحمد الحسیني الشیرازي؛ [برای] موسسةالشجرةالطیبة.

تفاصيل المنشور:قم : انتشارات دارالعلم ‫،1442ق. ‫= 1399.

خصائص المظهر:104ص. ‫؛ 21×14/5س م.

ISBN: 978-964-204-602-7

حالة الاستماع:فاپا(الطبعة الرابعة)

لسان:العربية.

ملحوظة:الطبعة السابقة : مطبعه الشهید، 1420ق.= 1378.

ملحوظة:الطبعة الرابعة.

ملحوظة:ببليوغرافيا مع ترجمة.

مشكلة:تقديم المشورة -- الجوانب الدينية -- اسلام

Counseling -- Religious aspects -- Islam

المعرف المضاف:موسسةالشجرةالطیبة(قم)

تصنيف الكونجرس: ‫ ‮ BP230

تصنيف ديوي: ‫ ‮ 297/483

رقم الببليوغرافيا الوطنية:7534125

معلومات التسجيلة الببليوغرافية:فاپا

الشورى في الإسلام

يهدی ثواب طباعة هذا الكتاب إلی الإمام زين العابدين (علیه السلام)

________________________________________________________________________

آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمة الله)

الناشر: دارالعلم

المطبوع: 10000

المطبعة: احسان

الطبعة الرابعة 1442ه ق

إخراج: نهضة الله عظيمي

_________________________________

شابك 978-964-204-602-7

_________________________________

النجف الأشرف: مكتبة الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام) للطلب 07826265250

كربلاء المقدسة: شارع الإمام علي(علیه السلام)، مكتبة الإمام الحسين(علیه السلام) التخصصية

مشهد المقدسة: مدرسة الإمام الرضا(علیه السلام)، جهارراه شهدا، شارع بهجت، فرع 5

طهران: شارع انقلاب، شارع 12 فروردين، مجتمع ناشران، الطابق الأرضي، الرقم 16 و 18، دار العلم

قم المقدسة: شارع معلم، دوار روح الله، أول فرع 19، دار العلم

قم المقدسة: شارع معلم، مجتمع ناشران، الطابق الأرضي، الرقم 7، دار العلم

ص: 1

اشارة

الشوری فی السلام

آیة الله العظمی السید محمد الحسینی الشیرازي

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

ص: 3

ص: 4

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين.

وبعد فهذا (الشورى في الإسلام)، مختصرٌ في هذا البعُد الإسلامي كتبته لإلقاء بعض الضوء على هذا الجانب، والمسؤول منه سبحانه وتعالى أنْ يُوفق المسلمين للعمل بالشورى، ليرجع إليهم عزّهم وسعادتهم، بالإضافة إلى أنّه سبب رضاه سبحانه، حيث ذلك طاعة له، ويكون للعامل ب_ه جَنةُ عرضها السماوات والأرض أُعدّت للمتقين، وقد جعلت البحث في ذلك في أربعة فصول:

الفصل الأول: الشورى في نظرة إجمالية، من حيث معنى الشورى وآيات الشورى في القرآن الكريم.

الفصل الثاني: الشورى حجيتها ومواردها، وفيه مطالب:

المطلب الأول: حجيّة الشورى.

المطلب الثاني: موارد إلزام المشورة.

المطلب الثالث: هل يجب على المستشار إبداء الرأي؟

المطلب الرابع: حدود الشورى.

المطلب الخامس: الشورى والعُرف.

المطلب السادس: كيفية الاستشارة.

ص: 5

الفصل الثالث: الشورى في الأحاديث والأخبار.

الفصل الرابع: الشورى في مجال التطبيق.

والله سبحانه المسؤول أن ينفع بهذا الكتاب، ويجعلهُ مقدمة لتطبيق الإسلام، وهو المستعان.قم المقدسة

محمد الحسيني الشيرازي

1408ه ق

ص: 6

الفصل الأول: الشورى في نظرة إجمالية

اشارة

ص: 7

ص: 8

المطلب الأول: معنى الشورى

الشورى مأخوذة من الجذر (ش و ر).

شَوَر: بمعنى أَومأ، يُقال شاوره في الأمر: طلب منه المشورة. تشاور واشتَور القوم: شاور بعضهم بعضاً. استشار الأمر: تبين واستنار(1).

أما الراغب الأصفهاني، فقد أرجع كلمة الشورى إلى المصدر (شور)، ومنها (الشُّوار) ما يبدو من المتاع، ويكنّى به عن الفرح كما يكنّى به عن المتاع، ومنها (شرتُ الدابة) أي استخرجتُ عَدْوَه تشبيهاً بذلك، والتشاور والمشورة والمشاورة: استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض، من قولهم: (شرت العَسَل) إذا اتخذته من موضعه واستخرجتهُ منه(2).

والظاهر أنّ (شرتُ) بمعنى الاستخراج هو الأقرب لمفهوم الشورى باعتباره يتضمن معنى استخراج الرأي كما يستخرج العسل من داخل خليّة النحل.

المطلب الثاني: الشورى في القرآن الكريم

ورد لفظ (الشورى) ثلاث مرات في القرآن الكريم:

ص: 9


1- وفي مجمع البحرين 3: 354، مادة (شور): قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ} يقال: صار هذا الشيء شورى بين القوم: إذا تشاوروا فيه، وهو فعلى من المشاورة وهو المفاوضة، وفي الكلام ليظهر الحق، أي لا ينفردون بأمر حتى يشاوروا غيرهم فيه».
2- مفردات ألفاظ القرآن: 470.

1- {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمّ الرّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ وَكِسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ لاَتُكَلّفُ نَفْسٌ إِلاّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لّهُبِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوَاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلّمْتُم مّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(1).

فإذا كان القرآن الكريم يوجِّهنا إلى أن نُشاور في أدنى أعمال تربية الولد وهو الفصل في الرضاع، فبشكل أولى يوجهنا نحو الاستشارة في الحكم، فلا يبيح الإسلام لرجل واحد أن يستبد في الأمة.

فق_د أمرنا الله سبحانه رحم_ة بالطفل أن تتشاور الأم مع الأب قبل أن يقررا فصله عن الرضاعة، فكيف وأمر الحكومة وفيها مصير الأمة بأسرها، فرحمة بالأمة أمَر اللهُ سبحانه وتعالى الحكام بأن يتشاوروا.

2- {فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ}(2)، لما نزلت هذه الآية قال رسول الله(صلی الله علیه و اله): «أما إنّ الله ورسوله لغنيان عنها ولكن جعلها الله تعالى رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يُعدم رُشداً ومن تركها لم يُعدم غيّاً»(3).

ص: 10


1- سورة البقرة، الآية: 233.
2- سورة آل عمران، الآية: 159.
3- راجع الدر المنثور 2: 90.

فقد كانت المشورة رحمة لعباده، فقد حفظ عبر الشورى وحدتهم، وجعل منهم شخصيات بارزة في المجتمع . والقسم الأخير من الآية {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}(1)، ففيه رأيان، رأي يقول بالعزيمة على رأيه(صلی الله علیه و اله)، ورأي ثانٍ يقول: إذاعزمت بعد المشاورة في الأمر على إمضاء ما ترجحهُ الشورى وأعددت له عدته فتوكل على الله في إمضائه، وكن واثقاً بمعونته وتأييده لك فيه، وهو الرأي الأظهر يدعمه في ذلك سيرة الرسول(صلی الله علیه و اله) في بدرٍ وأُحد.

3- {وَالّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}(2). والآية في وصف المؤمنين وفي تحديد واجباتهم، ومن جملة تلك الواجبات الشورى، فقد وردت الشورى بين أمرين واجبين إقامة الصلاة والإنفاق(3)، فالأولى في المجال العبادي، تزكية النفس وبناء الشخصية الإيمانية، والثانية في المجال السياسي، وبناء الدولة ون_ظام الحكم، والثالثة في المجال الاقتصادي، وه_ي ثلاث حلق_ات مترابطة، وه_ي أركان للمجتمع الإسلامي.

واستناداً لهذه الآيات الثلاثة يتضح ما يلي:

ص: 11


1- سورة آل عمران، الآية: 159.
2- سورة الشورى، الآية: 38 .
3- وهذه الأمور تستعرضها الآيات 36-38 من سورة الشورى: {فَما أُوتيتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَ إِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ}.

1- إنّ الشورى مبدأ إسلامي عام لا يختصّ فقط في المجال السياسي بل حتى في الحياة الأسرية والاجتماعية.

2- إنّ للشورى مجالين، الأول: مشورة الحاكم المسلم للمسلمين في الأمور المتعلقة بهم، والثاني: مشورة المسلمين في ما بينهم على إدارة شؤونهم، فهي دعوة الطرفين إلى الشورى، طرف الحاكم وطرف الرعية.3- مبدأ التشاور قائم في الأمور المتعلقة بشؤون المسلمين دون الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص(1).

ص: 12


1- كما أن مبدأ التشاور لا يشمل منصب النبوة والإمامة فإنهما يكونان بالنص والتعيين الإلهي، كما سيأتي.

الفصل الثاني: الشورى حجيتها ومواردها

اشارة

ص: 13

ص: 14

المطلب الأول: حجية الشورى

اشارة

ويحتج على وجوب الشورى بأمور:

أولاً: وجوب أخذ الإذن بالتصرف

فكل شيء يرتبط بشؤون الأم_ة لاب_دّ م_ن الاستش_ارة فيه، سواء في أصل الجعل أو تابعه، مثل: المدارس، والجامعات، والمستشفيات، والمطارات، والمعامل الكبيرة، وما أشبه ذلك، فإنّها تفتح وتعمل بمال الأمة ومقدراتها، وكذلك حال الوظائف من الرئاسة، إلى الوزارة، إلى المجلسين، إلى المحافظين، إلى مدراء النواحي، وهكذا، وذلك لجهتين:

1- أنّها تصرُّف بمال الأمة، سواء أموال الخمس والزكاة، أو المعادن، أو ما أشبه، ولا يحق لأحدٍ أن يتصرف في مال غيره إلاّ بإذنه.

2- أنّها تصرّف في الأمة، ولا يحق لأحد أن يتصرّف في غيره إلاّ بأذنه، ومن الواضح أنّ رضى الأمة وإجازتهم، ف_ي طول رضى الله سبحانه وإجازته، فاللازم أن يكون التصرّف حسب الرضاءين.

وق_د ذكرنا في بعض المباحث المفصَّلة: إنّ النساء أي_ضاً لهن الحق في ذلك إذا توفر الشرط، أي كان شيء من المال مرتبطاً بهنّ، أو كان شيء من التصرف مرتبطاً بهن.

وكذلك حال الأطفال، إلاّ أنّ الإجازة بيد أوليائهم الشرعيين حسب ما قرر في الفقه.

ص: 15

لا يقال: إذا قلّد الناس مراجع التقليد وهم ن_صبوا المدراء ومن أشبههم كفى، لأنهم وكلاء الأَمة وخلفاء الرسول(صلی الله علیه و اله).

لأنّه يقال: إذا فوضت الأمة إليهم الأمر بهذه السعة صحّ،وإلاّ لم يصح؛ لعدم التلازم بين الأمرين.

ومن الواضح أنّ مثل هذا التفويض الفضفاض لا يتحقق، بل الفقهاء بأنفسهم، وهم في قمة التعقل والعدالة _ بعد المعصومين عليهم آلاف التحية والسلام _ لا يحتكرون الأمر لأنفسهم، وهم العالمون بأنّ الاستشارة خير مظهر لأوجه الرأي، وتوصلهم إلى أَحسن النتائج.

فإذا طبِّقت الاستشارة في كل هذه الشؤون، من القرية إلى المدينة، ومن اتحاد الطلبة إلى أكبر إدارة للشؤون الاجتماعية، تظهر الكفاءات، وتتقدم عجلة الحياة إلى الأمام بسرعة كبيرة.

وبذلك تبين لنا أنّ من يستشير ومن يُ_شير؟

ف_المجموع بما هو مجموع يستشيرون ويُستشارون، وإنْ كان كلٌّ ف_ي مورده؛ فإنّ إطلاق الاستشارة شامل لكل ذلك، وإن كانت الخصوصيات بيد العُرف العاقل الملاحظ للزمان والمكان والشرائط، كما ه_و شأن الكبريات الملقات منه_م عليهم الصلاة والسلام والصغريات التطبيقية لتلك الكبريات، ولذا قالوا: «علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع»(1).

ثانياً: الآيات الكريمة

الشورى: عبارة عن استطلاع الآراء ليظهر الرأي الأصوب، وهو في

ص: 16


1- وسائل الشيعة 27: 62؛ وراجع بحار الأنوار 2: 245؛ عن السرائر 3: 575.

باب الحكم واجب، حيث قال سبحانه: {وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ}(1)، فإنهُ حيث ذُكر في صفات المؤمنين، وكان بين الواجبات، دلّ على الوجوب سياقاً واتصافاً، قال سبحانه: {فَمَآ أُوتِيتُمْ مّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىَ لِلّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىَ رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ * وَالّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْيَغْفِرُونَ * وَالّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}(2).

ومن المعلوم أنّ الشورى ذُكرت من بين صفات المؤمنين، فكان ظاهراً في وجوبها، كما أنّهُ ذُكر في عِداد اجتناب الكبائر وإقامة الصلاة وما أشبه ذلك من الواجبات، وهو دليل على الوجوب؛ إذ سياق الآية يُفيدُ ذلك.

وقد يستشكل: بأنّ التوكل وغفران الذنب ليسا بواجبين؛ ذلك لأنه:

1- إذا كان دليل على عدم وجوب شيء بسبب قرينة خارجية، لم يكن ذلك صارفاً عمّا ظاهره الوجوب، ولذا قالوا: إنّ الأمر ف_ي غسل الجمعة والجنابة لا يفيد استحباب الجنابة، لسياقها مع الجمعة المستحبة.

2- التوكل قسمان: واجب ومستحب، فإيكال الأمر إلى الله سبحانه في ما ليس من صنع الإنسان من لوازم الإيمان، وقد ورد في الآيات والروايات الأمر بذلك، وألمعنا إليه في الفقه في قسم الواجبات والمحرمات(3).

ص: 17


1- سورة الشورى، الآية: 38.
2- سورة الشورى، الآية: 36-38.
3- راجع موسوعة الفقه 2: 92-93.

أما الغفران في قِبال الاسترسال في المعاصي من جهة الغضب _ كما هي عادة كثير من الناس، حيث إنّهم إذا غضبوا فعلوا المُحرّم بالنسبة إلى المغضوب عليه _ فواجب. نعم، لا يجب بالنسبة إلى القدر المحتاج منه، مما أشار الله سبحانه بقول_ه: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}(1)، وقول_ه تعالى {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}(2)، إلى غيرذلك.

ولذا قال سبحانه بعد الآيات المذكورة: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}(3)، إلى آخر الآيات.

فممّا تقدم يظهر لنا وجه الجواب ف_ي الإشكال: أن_هُ إذا كان مطلق الشورى في كافة الأُمور واجبة كان ذلك خلاف الضرورة، وإن كان في بعضها كان ذلك مجملاً فلا دلالة، وعليه فلابدّ من حمل الآية على الاستحباب.

إذ يقال في رده: إنّ ظاهر الآية وجوب الشورى إلاّ ما خرج، والحكم(4)

ممّا لم يخرج قطعاً، فالآية سواء استعملت ف_ي الجامع ب_ين الواجب والمستحب م_ثل آيات الإنفاق(5)

أو في الوجوب، احتاج الخارج

ص: 18


1- سورة البقرة، الآية: 194.
2- سورة البقرة، الآية: 194.
3- سورة الشورى، الآية: 40-41.
4- أي الحكومة.
5- راجع سورة الإسراء، الآية: 100؛ وسورة البقرة، الآية: 195؛ وسورة النساء، الآية: 39؛ وسورة الرعد، الآية: 22؛ وسورة الفرقان، الآية: 67.

إلى الدليل، وكانت الاستشارة في الحُكم واجبة، هذا ويؤيد الوجوب قول_ه سبحانه: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}(1) بضميمة أنه(صلی الله علیه و اله) أسوة(2)

فاللازم اتباع الحاكم الإسلامي له.

مناقشة الاستدلال بالآية:

1- إنّ هذه الآية لا تدل على الشورى في تعيين الحاكم، بلشورى على نفس الحاكم في إدارة ش_ؤون البلاد، فمن أين جاء وجوب الشورى ف_ي الأول؟!

2- لا دليل على وجوب الشورى على الرسول(صلی الله علیه و اله)، فإذا لم يكن واجباً عليه لم يكن واجباً على غيره.

3- لعله إذا ثبت الوجوب عليه(صلی الله علیه و اله) كان ذلك من اختصاصاته.

4- إنهُ كان واجباً عليه(صلی الله علیه و اله) ولم يكن من اختصاصاته، لكن من أين أنهُ كان عليه(صلی الله علیه و اله) الأخذ بمقتضاه، بل كان لأجل استجلاب خواطرهم؟ ويؤيدهُ أنّ عقلهُ فوق الكل والمتصل بالوحي فلم يكن يحتاج إلى آرائهم.

5- إنّ {الأمر} مجمل، فلا دلالة فيه ع_لى الإطلاق الذي هو مصبّ الكلام.

وجواب هذه الاشكالات:

عن الأول: إنّ الآية تدل بالملاك الأولوي على الشورى في تعيين الحاكم بعد أن لم يكن المنصوب عن الله سبحانه حاضراً، كما في الحال

ص: 19


1- سورة آل عمران، الآية: 159.
2- عملاً بالآية: 21 من سورة الأحزاب {لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيراً}.

الحاضر، حيث غيبة الإمام الم_هدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، فهل يمكن وجوب الشورى في الأمور العامة، وعدم وجوبه في تعيين القيادة التي هي الأصل؟

والأولوية بعد وضوحها عُرفاً، وهم(1) الملقى إليهم الكلام، قال سب_حانه: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}(2)، إلى غير ذلك، واضحة من جهة أنّ القيادة تكون بتعيين الله سبحانه، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ للْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}(3)، وقالسبحانه: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً}(4)، وفي زيارة الإمام الحجة(عجل الله تعالی فرجه الشریف): «السلام عليك يا خليفة الله وخليفة آبائه المهديين»(5)،

إلى غير ذلك.

وعن الثاني: إنّ ظاهر الأمر الوجوب، فمن أين أنهُ لم يكن واجباً عليه(صلی الله علیه و اله) في ما لم يرد فيه نص من الله؟

ربما قيل: بدليل السياق، حيث قال سبحانه: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمر}(6)، بضميمة أنّ العفو والاستغفار لهم غير واجبين.

وفيه: 1- كيف يدعى عدم وجوبهما عليه(صلی الله علیه و اله) بل على كل قائد، مع أنّ القيادة لا تستقيم إلاّ بهذين: العفو والاستغفار، وإلاّ فالناس لا يلتفون

ص: 20


1- أي العرف.
2- سورة الشعراء، الآية: 195.
3- سورة البقرة، الآية: 30.
4- سورة ص، الآية: 26.
5- بحار الأنوار 99: 116؛ عن المزار الكبير: 586.
6- سورة آل عمران، الآية: 159.

حول أصحاب العنف كما هو واضح، كما أن الاستغفار للتطهير، حتى يكونوا موضع لطف الله سبحانه، فإنه بدون لطفه لا ينزل النصر عليهم، بل صدر الآية {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ}(1) دالً على الوجوب.

2- لو سلم عدم وجوبهما، فإنّ الأمر ظاهرٌ فيه(2) كما تقدم في: (اغتسل للجمعة والجنابة)، وظاهره مقدم على ظاهر السياق.

وعن الثالث: إنّ ظاهر الأحكام أنها عامة إلاّ ما خرج بدليل، وليس المقام من المستثنى؛ وذلك بضميمة دليل الأسوة دالٌ على الوجوب على الحكام، كما يدل على تعيين الحكام بالشورىبالملاك المتقدم.

وعن الرابع: إنّه خلاف الظاهر، ولا منافاة بين كونه(صلی الله علیه و اله) عقلاً كاملاً واتصاله بالوحي، ومع ذلك كان عليه(صلی الله علیه و اله) الشورى لتعليم الأمة الاستشارية.

ثم لو استشار(صلی الله علیه و اله) فإن لم يأخذ بآرائهم كان ذلك تنفيراً لهم، بل أكثر من عدم الاستشارة، فإنّ مَن لا يستشير ويعمل برأي نفسه منفور في المجتمع، فكيف بمن يستشير ثم يضرب برأي المستشارين عرض الحائط؟!

والآية صريحةٌ في الأمر، لأجل الجمع والالتفاف، قال سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ...}(3).

ثم إذا استشارهم واختلفوا _ كما هي طبيعة الآراء _ فإما أن يكون هناك

ص: 21


1- سورة آل عمران، الآية: 159.
2- أي في وجوب الشورى.
3- سورة آل عمران، الآية: 159.

أقلية وأكثرية وهو الأغلب، أو تساوً وهو الأقل.

ففي الحالة الأولى: إن أَخذ برأي الأقلية ك_ان جرحاً لرأي الأكثرية، وذلك ممّا لا يليق عقلاً ولا شرعاً؛ أمّا عقلاً فواضح، وأمّا شرعاً فلما نجده في مسألة أكثرية شاهد طرف من شاهد طرف آخر، كما في كتاب القضاء، فلو كان في مثل النزاع في الدارٍ أو مائة درهم أو ما أشبه ذلك، يؤخذ بالأكثرية شهوداً(1)،

فهل لا يدل ذلك على تقديم الأكثرية في الأمور المهمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية ونحوها؟

ومن الواضح أنّ الأقلية غير المأخوذ برأيهم في هذه القضية لا ينزعجون بعد أن رأوا تقديم رأيهم إذا صاروا أكثرية في قضية أخرى، كما يلاحظ ذلك ف_ي مجالس الشورى، واتحاد الطلبة، ومجالس الوزراء، وغير ذلك، في العالم الحاضر.وفي الحالة الثانية: إذا تساوى الرأيان، فالسبيل القرعة، وقد قال سبحانه وتعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ}(2) في قصة يونس(علیه السلام).

وقال تعالى: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}(3) في قصة زكريا(علیه السلام).

ولما جاء في الحديث الشريف عن الرسول الأكرم(صلی الله علیه و اله): «القرعة لكل أمرٍ مُشكل»(4)،

بل ل_ه(صلی الله علیه و اله) أن يأخذ بأحد الرأيين؛ لأنّه بالإضافة إلى

ص: 22


1- من لهُ أربعة شهود في قبال مَن لهُ شاهدين.
2- سورة الصافات، الآية: 141.
3- سورة آل عمران، الآية: 44.
4- راجع بحار الأنوار 88: 234؛ ووسائل الشيعة 27: 257.

أحدهما يكوّن الأكثرية، بل الظاهر أنّ معنى الشورى هو الأمران في ما كان أكثرية وفي ما كان تساوٍ.

لا يقال: في قول_ه تعالى {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}(1) دليل على أنّ الأمر كان لاسترضائهم، وإلاّ فهو(صلی الله علیه و اله) العازم الوحيد.

لأنهُ يقال: {فَإِذَا عَزَمْتَ} بعد {شاور} ظاهر في أنّ العزمَ منبعث عن نتائج المشورة، لا أنّهُ في قِبالها، ألا ترى أنك إذا قلت: (شاور الطبيب فإذا عزمت فتوكل) كان معناهُ العزيمة المنبعثة عن مشورته.

ومن الواضح أنّ التوكل لإيكال أمرٍ ما ليس بيد الإنسان، إليه سبحانه، كما ذكرنا تفصيله في بعض الكتب المرتبطة بهذا الشأن.

وعن الخامس: إنّ {الأمر} محلى باللام، ومثله يُفيد العموم،كما فصلنا ذلك ف_ي كتابنا الأصول، ولذا كان {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}(2) ونحوه دالاً على ذلك، حيث إنّ الطبيعة سارية في كل الأفراد. نعم، بقرينة العُرف الملقى إليه الكلام ذلك في الشؤون المرتبطة بالقيادة وما أشبه.

فلا يقال: إنّه إن كان عاماً فهو مقطوع العدم، وإن كان خاصاً كان مجملاً، فإذا قيل لمن يريد بناء الأبنية: (استشر المهندس) سبق إلى الذهن الاستشارة في شؤون الهندسة، وهكذا بالنسبة إلى أشباه ذلك.

بل إنّا ذكرنا في الأصول: إن المفرد إذا لم تكن قرينة على إرادة الفردية منه يُفيد العموم، فمثل «تمرة خير من جرادة»(3)، و{ آتِنَا فِي الدُّنْيَا

ص: 23


1- سورة آل عمران، الآية: 159.
2- سورة البقرة، الآية: 275.
3- تهذيب الأحكام 5: 363.

حَسَنَةً}(1)، و{إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}(2)، و«شر الدنيا وشر الآخرة»(3)،ونحوها ظاهر في الطبيعة السارية مما يُفيد العموم البدلي في مورده، والاستقرائي في مورده.

وبهذا تبين أنّ الشورى في ماذا؟ ولماذا؟ فإنّها في أيّ أمر مرتبط بقطاع من الأَمة صغيراً وكبيراً، فالاستبداد في الأمة بالحكم محرّم، حراماً بحجم الأمة.

والاستبداد في اتحاد الطلبة _ مثلاً_ حرام بحجم اتحاد الطلبة؛ إذ معنى الاست_بداد هو الاستئثار بحق الآخ_رين حقاً مالياً أو حقاً جسدياً أو حقاً اعتبارياً، ف_«الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم»(4).هذا حتى إذا فرض أن الحاكم لم يفعل الحرام في إدارته _ مثلاً _ أدار المستشفيات أحسن إدارة من حيث الرعاية والعناية والموازين الشرعية، فهي كما إذا جاء الغاصب إلى دار الناس وقام بإدارة العائلة أحسن إدارة، أليس ذلك حراماً؟ أمّا إذا فعل الحاكم الحرام، كما إذا أخذ المكوس والعُشر(5) أو فرض الضرائب الخارجة عن الخُمس وأخواته الثلاثة(6)، أو

ص: 24


1- سورة البقرة، الآية: 201.
2- سورة الشرح، الآية: 6.
3- جمال الأسبوع: 422.
4- قاعدة فقهية صدرها رواية، راجع غوالي اللئالي 1: 222. وللتفصيل انظر كتاب القواعد الفقهية، للإمام المؤلف(رحمة الله).
5- العُشر: جزء من عشرة أجزاء الشيء، قانونّ كان سائداً في الدولة الفارسية والدولة البيزنطية وفي الجاهلية عند العرب حيث كانت الدولة أو القبيلة تأخذ العُشر من البضائع عند بيعها أو عند إدخالها للمدن. وعندما جاء الإسلام حرّم ذلك. وهناك روايات عديدة تشير إلى الحرمة، وقد فصل الإمام المؤلف(رحمة الله) الحديث عن المكوس والعُشر في موسوعة الفقه ج107-108 كتاب الاقتصاد.
6- الزكاة والجزية والخراج.

منع الناس من حرية الزراعة والتجارة والصناعة والبناء وما أشبه(1)،فهو حرام في حرام، كشرب الخمر في إناء الذهب.

وعلى أيّ، فمن يستولي على اتحاد الطلبة بدون الشروط التي وضعها الله سبحانه ووضعتها الأمة، وعددهم مثلاً ألف، سيفعل ألف حرام، بينما من يستولي على بلدٍ ذي خمسين مليوناً يفعل خمسين مليوناً عملاً محرّماً.

أمّا لماذا الشورى؟ فقد عَرفْتَ بأنهُ من جهة العقل والشرع، وربما يُستدل بالأدلة الأربعة. نعم، الإجماع وإن لم يصرِّح بهذه الصغرى إلاّ أنها مشمولة لما دلّ من الإجماع على حرمة التصرف في مال المسلم والكافر المحترم وشخصهما بدون رضاه.

المطلب الثاني: موارد إلزام المشورة

ففي الواجبات والمحرمات لا مشورة، ومن ذلك في أمرالنبوة والإمامة(2)،

وكذلك لا مشورة ف_ي سائر الأح_كام الخمس _ المستحب والمكروه والمباح _ والتي منها الأمور الوضعية(3).

أمّا في سائر الشؤون الشخصية منها، فتستحب المشورة فيها، وفي

ص: 25


1- كالاستفادة من الثروات الطبيعية.
2- حيث إنهما بالنص من قبل الله سبحانه.
3- كالصحة والبطلان في العبادات.

الشؤون الاجتماعية(1)

تجب مشورة الحاكم مجيئاً إلى الحكم وتنفيذاً لأمرٍ دون أمر.

أمّا وجوب المشورة في مجيء الحاكم إلى الحكم، فلأنه نوع تسلط على الناس، والناس لا يصح التسلط عليهم إلاّ برضاهم، أمّا الصغرى فواضح، وأمّا الكبرى فلقاعدة السلطنة _ الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم _ هذا بالإضافة إلى وجوب كون الحاكم جامعاً للشرائط المقررة ف_ي الشريعة الإسلامية.

أمّا وجوب المشورة ف_ي أمور الناس بعد مجيئه إلى الحكم، لأنّ للحاكم الصلاحية بقدر تخويل الناس ل_ه، ففي غيره يحتاج إلى إذنهم.

والحاصل: إنهُ ما كان شأن الناس يحتاج إليه ابتداءً واستدامةً.

إن قلت: أليس مرجع التقليد منصوباً من قِبلهم(علیهم السلام) فهو كالواجب.

قلت أولاً: اختيار هذا المرجع دون ذاك بيد الناس كاختيار إمام الجماعة والقاضي وما أشبه ذلك.

ثانياً: إذا كان هناك مراجع اختارهم الناس _ مما يصدق اختيار الناس لهم _ لا أن يكون فقيهاً يقلده عدد محدود من الناس _ كمائة ألف مثلاً_ حيث لا يصدق بالحمل الشائع(2)

أنهُاختاره الناس؛ إذ لا حق لأحدهم في تنفيذ رأيه على سائر المراجع(3)

ولا على مقلديه، بل لا حق لتنفيذ رأيه

ص: 26


1- نحو المؤسسات الثقافية كالجامعات، والخدمية كالمستشفيات ودور الأيتام.
2- الحمل الشائع: هو حمل أحد المفهومين على الآخر وجوداً، أي الاتحاد في المصداق الخارجي كحمل الأبيض على الإنسان.
3- ذلك للضرورة الفقهية لأن المراجع العظام كل منهم في عرض الآخر، وهم جميعاً في طول الإمام المعصوم(علیه السلام) باعتبار أن ولايتهم جميعاً مستمدة من الإمام المعصوم(علیه السلام)، وبعبارة أقصر: أدلّة التقليد والولاية تشمل كل من جمع الشرائط بلسانٍ واحد ونحو واحد، فلا يكون رأي أحد الفقهاء حاكماً على غيره من الفقهاء.

على مقلديه بالقسر _ سواء القسر الظاهر أو المغلّف _ إذ انتخاب المقلدين ل_هُ ف_ي هيئة للحكومة ليس معناه تخويلهم ل_ه الصلاحية المطلقة لتصرفه في أم_والهم ودمائهم وأعراضهم بل ب_قدر ما يرى الم_قلدون، فإذا رأى هو الحرب(1)،

والمقلدون السلم، لا حق له في إدخال الناس في الحرب.

وقوله(علیه السلام): «فإذا حكم بحكمنا»(2)

لا دلالة فيه على نفوذ رأيه إذا لم ير المقلدون أنهُ ليس بحكمهم عليهم الصلاة والسلام.

والمراد بالمقلدين ل_ه أو بالمراجع: الأكثرية؛ لأنّ دليل الشورى حاكم على دليل التقليد، وإلاّ لم يبق لدليل الشورى مجال، كما ذكروا في العناوين الثانوية الحاكمة على العناوين الأولية.

ص: 27


1- وقد يؤخذ على هذا القول: أن ذلك يتنافى مع رضا الله للفقيه، إضافة إلى أنّ الأمة لا تدرك أحكام الله بالصورة المطلوبة؛ لأنها ليست أهل خبرة في هذا الحقل، وكذلك لأنّ الأمة لا تتفق على رأي ثابت للاختلاف العلمي والطبيعي والمصلحي. وهذا الكلام مردود من عدة جهات: إن رضا الله سبحانه للفقيه مشروط بجامعيته للشرائط، ومن تلك الشرائط رضا الأمة به، فلو لم ترض الأمة بالفقية فإن ولايته ساقطة، وإن الفقيه يرجع إلى الأمة في الموضوعات، وعند الاختلاف يؤخذ بالأكثر والأشهر.
2- الكافي 1: 67.

المطلب الثالث: هل يجب على المستشار إبداء الرأي؟

الظاهر أنه لازم على نحو الكفاية، من باب إرشاد الجاهل وتنبيه الغافل، بل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر _ في جملة من مواردها _ على التفصيل الذي ذُكر في الفقه في تلك الأبواب.

أمّا الزائد على ذلك ف_لا يلزم، وإن كان يُستحب لإطلاق بعض الأدلة، ولعل ما روي من قول الرسول(صلی الله علیه و اله): «أشيروا عليّ»(1)،

وق_ول الإمام علي(علیه السلام) ب_أنّ لهم المشورة عليه(2)

يعطيان كلا الأمرين من الواجب والمستحب كل في مورده حسب مقتضيات الحكم والموضوع، فإنَّ الموضوع قد يكون قرينة الحكم، وقد يكون العكس، فإذا قال _ وهم في حالة الحرب _ جئني بأسد، دلّ الحكم على إرادة الشجاع من الموضوع لا الحيوان المفترس، ولو كان في حديقة حيواناته كانت القرينة على إرادة المفترس، بينما إذا كان بحاجة إلى رجل شجاع لحراسته ومفترس لحديقة حيواناته، لم تكن لأيّهما القرينة، وفي عكس الأمر لو قال: من أكرم عالماً فقد أكرمني، حيث إن العالم قرينة على إكرام خاص، لا كل إكرام لا يليق بالفقهاء، وإن لاق بالتجار والشجعان ومن أشبههم.

المطلب الرابع: حدود الشورى

اللازم الأخذ بالمشورة بقدر تحقق إجازة التصرف في المال والنفس، لا أكثر ولا أقل.

ص: 28


1- بحار الأنوار 19: 247؛ عن تفسير القمي 1: 258.
2- انظر الجمل : 239 حيث قال(علیه السلام): «أشيروا علي».

أما الأول: فلعدم الدليل عليه.

وأما الثاني: فلأن دونه خلاف تسلط الناس على أموالهم وأنفسهم، فإذا اقتضت المشورة تبليط ألف كيلومتر من الطرق لم يجز أقل؛ لأنّه تصرف في أموال الأمة، حيث لا يريدون،ولو كان بالسلب، كمن أعطاه الولي ديناراً ليشترى بضاعة فاشترى بنصف المبلغ، كما أنهُ لا يلزم أن يُتعب نفسه في تبليط أكثر من القدر المقرر، وإن كانت الأمة راضية بذلك.

المطلب الخامس: الشورى والعُرف

اشارة

أمّا قدر المشورة، فذلك موكول إلى العُرف، وليس من قبيل الأمر بالطبيعة، المحقق ولو بأقل قليل منها، فهو مثل ما إذا قال المولى: جئني بالماء، حيث لا يكفي الإتيان بقدر قطرة، بينما القرينة قائمة على مقدار السقي بعد الطعام، ومن ذلك وضح وجه عدم لزوم الإتيان بكل الطبيعة وإن كانت ميسورة، فإذا قال: جئني بالصاغة، لا يلزم الإتيان بجميعهم بدعوى أن الطبيعة سارية في الجميع.

وقد يرد سؤال على ذلك: إذا اختلف العُرف وتعددت الآراء وفقاً لاختلاف الب_لدان أو اختلاف العادات، فما العمل؟

وفي الجواب نقول: يؤخذ بأشهر الأعراف، إن لم يمكن أن يؤخذ في كل بلد بعرف ذلك البلد، فإن تعدد عُرف البلد الواحد تخيّر أو اقترع إن كان تباين وإلاّ احتيط بالجمع أو بالأخذ بالأشد، على التفصيل الأصولي.

والحاصل: إنّ القرائن الحالية والمقالية هي ال_تي تحدد قدر الطبيعة زيادةً ونقيصةً وقلةً وكثرةً، وما في بعض الروايات الآتية من استشارة عشرة، أو عشر مرات ف_ي مستشار واحد، إنما أريد ظهور الرأي الحصيف بذلك،

ص: 29

فالغالب أن عشرة أشخاص متعلقين بالأمر من أه_ل الخبرة تكفي آراؤهم لظهور النتيجة الأكثر قرباً إل_ى الحقيقة والواقع، كما أن_ه لو استشير من شخص واحد عشر مرات كان ف_ي ذلك متقلب الآراء ظهراً وبطناً وقرباً وبعداً بما لا يحتمل الظفر بأكثر مما ظفر به من مقترب الصواب، وعشر مرات من قبيل الكرّ والفرّ في المباحث العلمية المظهرة للرأي السديد.

مثلاً: لو سأل عن ضمان الضامن للقيمة التي ارتفعت لا منجهة السوق بل من جهة أن المثل موجود عند من لا يبيعهُ إلاّ بأضعاف أضعاف قيمته، فهل يلزم؟ أو لا يلزم إلاّ بقدر القيمة الواقعية؟ أو يفصّل بين القيمة المجحفة ف_لا يلزم، وغيره فنعم، أو يفصّل بين ما كان المتلف عالماً عامداً فنعم، وإلاّ فلا؟ أو يفصّل بين قدر القيمة حتى الزائدة دون الإجحاف، لا بقدره، ف_إذا كانت القيمة ديناراً، وخمسة دنانير إجحاف، وثلاثة بينهما وجبت الثلاثة _ كما لكلٍ قولٌ في الفقه _ فإنّ هذه الآراء الخمسة إذ ذكرت لمن يريد الاستنباط اختار أحصفها، فكيف إذا كانت الأدلة عشرة م_ن عشرة أفراد أو خمسة لكلٍ رأيان، أو واحد يُقيّم الوجه لكلٍ رأي من العشرة، إلى غير ذلك.

ثم إنّ الاستشارية سواء في الحكومات الزمنية _ مما تسمى بالديمقراطية _ أو في الحكومة الإسلامية هي صمام الأمان؛ وذلك لأنّ الناس كما يحتاجون إلى ملء بطونهم، يحتاجون إلى ملء أذهانهم، فكما أنّ الجائع يخرج على مَن أجاعهُ بالإضراب والمظاهرة، حيث ورد: «عجبتُ للفقراءِ كيفَ لا يخرجونَ بالسَّيف على الأغنياءِ»، كذلك من لا يستشار يخرج على من أجاع فكرهُ، مهما فُرضَ نزاهة الحاكم، وكونه مطبّقاً لقوانين البلاد،

ص: 30

سواء كانت تلك القوانين إسلامية كما في بلد الإسلام، أو غير إسلامية كما في البلاد الديمقراطية.

ولا يكفي للحاكم الإسلامي أن يُطبّق مبادئ الإسلام وقوانينه، بدون تطبيق مبدأ الشورى الذي هو ركن من أركان الحكم في الإسلام؛ ذلك لأنّ الناس عندما يرون أنهُ لم يُطبَّق قانون الإسلام الذي هو الشورى ينفضّون من حوله ثم يثورون عليه ح_تى إسقاطه هذا إذا فرض أنهُ حسن الاستنباط وحسن التطبيق، وذلك قليل أو يكاد يكون معدوماً، بل الظاهر أنّ_ه من غير الممكن أن يُحسن الاستنباط ويُحسن التطبيق من غير الاستشارية في أصل مجيء الحاكم، وفي مدة امتداده بعد المجيء؛ إذ الاستنباط المحتاج إلى العمل المداوم لا يكون حسناً، فكيف بالتطبيق الخالي عن الاستشارة الدائمة، وفيالحديث: «إنّ العلمَ يَهتفُ بالعملِ، فإن أجابهُ وإلاّ ارتحلَ عنهُ»(1).

ولذا ف_الذي ذكرناه من أن حُسن الاستنباط والت_طبيق لا ي_كون إلاّ بالاستشارية، نجد أنّ الحكومات في العصر الحاضر، التي قامت باسم الإسلام لم يمض إلاّ زمان يسير حتى انفضَّ الناس من حولهم، ثم عملوا لتقويضهم، فبعضهم سقط وبعضهم قرُبَ سقوطه.

إنّ أوّل سؤال يسأله الناس عنهم: أين هي الشورى؟ وحيث إنهم يريدون الاستبداد، تارة يقولون: إن الشورى ليس بواجبة، وأخرى أنها من شأن الرسول الأكرم(صلی الله علیه و اله) فقط؛ لأنّ الخطاب خاص به، وثالثة يقولون: بأننا نستشير، ألا ترون لدينا مجلس أمة ومجلس لقيادة الثورة

ص: 31


1- الكافي 1: 44؛ بحار الأنوار 2: 33.

ومجلس للوزراء وما أشبه ذلك.

وفي ذات الوقت الذي يتكلمون فيه حول الديمقراطية والشورى نجدهم يلفّون حول أنفسهم _ بأموال الأمة _ المصفقين والمهرجين والمُرتزقة والإمعّات ليسبّحوا بحمدهم في الإعلام، ونجدهم يفتحون أبواب السجون لأصحاب الفكر وال_رأي، وينصبون المشانق لكل حرّ، والويل لمن فتح فمه بكلمة واحدة، ظناً منهم أن السجون والمشانق ستقمع الصوت الحر والإرادة النبيلة.

لذا تراهم أكثر إمعاناً في سلب الأموال، وقتل الناس الأبرياء، وتكثير السجون، وتخريب الب_لاد، وإذلال العباد، ممن سبقهم الذين ما كانوا يسمّون أنفسهم بالإسلاميين.

لقد زالت الخلافة الأم_وية ولم تعد؛ لأنها مارست الإرهاب والاستبداد، كذلك جاء العباسيون وحكموا بالحديد والنار ثم سقطوا، ولم يعودوا من جديد، الشيء نفسه بالنسبة إلى الخلافة العثمانية التي سقطت واندثرت بل لم يترحّم عليها أحد، ولميذرف أحد عليها دمعة واحدة، وهكذا من جاء بعدهم سقط أو هم في حالة السقوط، فالاستشارية ليس معناها عدم تطبيق الشورى في الحكم فقط بل معناها عدم تطبيق المئات من أحكام الإسلام.

والمسلمون يعون السياسة الإسلامية كما يع_ون الصلاة والصيام والحج والخمس، فكما إنهم لا يخدعون بمن يترك العبادة بألف عُذر وعُذر، كذلك فُهم لا ينخدعون بمن يترك السياسة الإسلامية بألف عُذر وعُذر، وإذا انفصل المسلمون عن الحاكم صغرُ وحان سقوطه بين لحظة أخرى.

ص: 32

إنّ عدم تطبيق الشورى سيجعل الفاصلة بين الحاكم والمحكومين شاسعة وكبيرة، فيأخذ كل طرف بقذف الطرف الآخر، وهنا يبدأ الصراع، فيأخذ الحاكم ال_ذي يسمي نفسه بالإسلامي بمهاجمة المسلمين ويقذفهم بمختلف أنح_اء التهم، ابتداءً م_ن أنهم ضد الثورة أو ضد الحاكم أو عملاء للاستعمار والأجنبي، وانتهاءً بأنهم رجعيون خرافيون، وأنهم كسالى عاطلون، إلى غير ذلك من التُهم والافتراءات.

وكلّما اشتد الصراع سيعجّل من سقوط الحاكم، إن مثل هذا الحاكم مثل لص دخل الدار وسرق أثاثها، ثم لما رأى هجوم صاحب الدار عليه، أخذ يتهِّم صاحب الدار بأنهُ لص وكذا وكذا، ف_هل يكون ذلك إلاّ سبباً لتعجيل القبض عليه وإخراجه من الدار ومعاقبته؟ ومن شك في ذلك فلينظر إلى النميري حاكم السودان وغيره ممّن ادّعوا الإسلامية زوراً، كما أن الأمر كذلك ف_ي سائر مدّعي المبادئ الذين خالفوها، كجمال عبد الناصر في ادعائه القومية وعبد الكريم قاسم بادعائه الوحدة الوطنية، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة في العالم المتخلف ال_ذي يسمى بالعالم الثالث، وليس سرّ تخلفه إلاّ حكامه الذين حالوا بين الناس وحرياتهم.

وكان علينا أن ن_قف عند تاريخ الغرب ال_ذي ابتُلي بحكام مستبدين سواء باسم الدين كما هو في حكام الكنيسة، أو باسمالدنيا كما كان في الملوك والدوقات، وكان أوضاع الإمارات الأوربية تتقهقر من سيئ إلى أسوء، حتى ألَّفَ عقلاء الغرب عشرين ألف نوع من الكتب التوعوية _ كما قرأت في إحدى النشرات _ وقاموا بتوزيع هذه الملايين من الكتب على الناس، وقد أدّت هذه الكتب إلى أيقاظ الناس وتنبيههم إلى أنّ المشكلة التي يعانون منها سببها الحكام المستبدون، وأن الخلاص لا يتحقق إلاّ

ص: 33

بتوزيع السلطة(1).

وكانت الحصيلة انتصار الغرب على مشكلاته وارتفاعه فوق الحضيض، حتى أنهُ أصبح سيداً ليس على نفسه بل على العالم بأسره. ونحن هنا لا ندعي أنّ الغرب قد وصل إلى حدّ الكمال؛ لأنّ الكمال في الإسلام، إلاّ أننا لابدّ أن نقرّ بأن الغرب لمّا حاول تطبيق الشورى _ إلى حدّ ما _ ارتفع عن ذلك الحضيض إلى هذا المكان المرتفع الذي وصله. وقد نبهَّنا أميرُ المؤمنين(علیه السلام) قائلاً: «الله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم»(2).

الأمة الضعيفة تنتج واقعاً ضعيفاً

ليست المشكلة فقط في الحكام المستبدين والمتزلفين الذين يدورون حول_ه وينالون من ماله وجاهه، ولذا يسحقون وجدانهم فيطرونه ويكيلون الثناء والمديح ل_ه جُزافاً، ويعملون بأوامره حتى في قتل الأبرياء وهتك الأعراض ونهب الأموال.

بل الطامة الكبرى في الرحم التي تولّد هؤلاء الحكام، وهي الأمة، فإذا لم تكن الأمةُ ضعيفة وفيها قابلية لتقبل الاستبداد، لما كان بإمكان الحكام الطغاة من السيطرة عليها، فالأمة إذا صارت كالجسم الضعيف تسلط عليها المرض من كل مكان،بينما الأقوياء لهم المناعة في طرده عن

ص: 34


1- وكان على رأس من كتب في هذه الأفكار: جان جاك روسو، في كتابه العقد الاجتماعي، و: جون لوك، في كتابه الحكم المدني، و: مونتسكيو، في كتابه روح الشرائع. الناشر.
2- بحار الأنوار 42: 256؛ عن نهج البلاغة، الكتاب: 47.

أجسامهم.

ولذا فمهمة الوعاة رَفعُ هذا المرض عن الأمة حتى لا تستعد لتقبُّل المستبد، وحينذاك لا تجد أثراً منه، قال الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام): «لولا.. ما أخَذَ اللهُ عل_ى العُلماءِ أنْ لا يقارّوا على كِظةِ ظال_م ولا سَغَب مَظلوم لألقيتُ حَبْلَها على غارِبها ولسقيتُ آخ_رَها بكأسِ أوّلِها»(1)،وفي الحديث: «لتَحمِلُنَّ ذنوبَ سُفهائكُم على عُلمائكُم»(2)،وفي حديث آخر: «إذا ظَهرت البدع في أمتي، فليظهر العالمُ علمه وإلاّ فعليه لعنةُ الله»(3)، إلى غير ذلك.

وقبل كل ذلك قال القرآن الكريم: {لَوْلا يَنْهَاهُمْ الربَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ}(4).

وكما أنّ الطبيب الجسماني بحاجة إلى بيان المرض والعلاج، كذلك أطباء الروح بحاجة إلى توعية الناس بمشاكلهم، وأنّها من أين ابتدأت، وإلى بيان العلاج، وقد تقدم أنّه في تقسيم القدرة، كما ذكرنا تفصيله في كتب متعددة.

ومن المؤكد أن الجسم الذي تعشعش في_ه المرض مدة طويلة لا يمكن علاجه بمدة قصيرة، أو دواء بسيط، وكذلك جسم المسلمين الذي تعشعش فيه الاستبداد قروناً لا يعالج إلاّ بنشر الوعي العام بكل الوسائل

ص: 35


1- نهج البلاغة، الخطبة: 3.
2- بحار الأنوار 2: 22؛ عن السرائر 3: 598.
3- بحار الأنوار 54: 234.
4- سورة المائدة، الآية: 63.

الممكنة الإعلامية وغيرها. لكن هول المشكلة لا يحول دون الشروع في العلاج كلٌ بحسب قدرته العلمية والمادية.

وق_د ذكرت التواريخ: أن كنفوشيوس مرّ على قبيلة قاطنة جنب جبل عظيم، فالتف حوله أفراد القبيلة طالبين عونه ف_يحل مشكلتهم؟ قالوا: يا معلم الخير، نحن قبيلتان انحدرنا من جدٍّ واحد، لكن أقرباؤنا يقطنون الطرف الآخر من الجبل، ولابدّ لنا من اللقاء كل عام مرة أو أكثر من مرة، وقطع الجبل يستوعب زماناً كثيراً وتضحية في أفرادنا، سواء هم جاءوا إلينا أو نحن ذهبنا إليهم، بالسقوط من الجبل ف_ي المهاوي أو بافتراس الوحوش لأفراد منا، فما هو الحل؟ قال: إنهُ بسيط إن عملتم على قلع الجبل، صخرة صخرة، من بينكم. فعملوا بما قال، وبعد سنوات كانت القبيلتان مترابطتين عبر نفق في الجبل.

المطلب السادس: كيفية الاستشارة

تبين ممّا تقدم، العلاقة بين الشورى والعُرف؛ إِذ حسب الاستنباط الشرعي في الكبريات والتطبيق العرفي في الصغريات، فإنّ حدود المفاهيم الشرعية بيد العُرف الملقى إليهم الكلام، كما أن تشخيص الموضوعات بأيديهم، فإذا قال الشارع المقدس: «الناس مسلطون على أموالهم»(1)

مثلاً، روجع إلى العرف ف_ي تحديد مفهوم السلطة ومصداقها، ولدى الشك بالشبهة الصدقية أو المصداقية فالمرجع الأصول العملية.

ول_ذا فمن الضروري على السلطة المنتخبة مرجعياً، أو سائر السلطات

ص: 36


1- بحار الأنوار 2: 272؛ نهج الحق: 494؛ غوالي اللئالي 3: 208.

التنفيذية أو القضائية، أو التأطيرية _ التي تُسمى بالتشريعية، لكن لما كان التشريع الإسلامي هو بيد الله وحده، فقد سمينا هذه السلطة بالتأطيرية، وه_ي صبّ القانون الإلهي في الصفة الملائمة عصرياً، فإن لك_ل كبرى صغريات يمكن الأخذ بهذه أو هذه _ أن تجمع حول نفسها جماعة من المثقفين الإسلاميين وآخرين م_ن المثقفين الزمنيين، لتكون الكبرى بأعين الأولين، والصغرى بأعين الآخرين.

نعم، مما لا شك فيه أن أعلى السلطات التي هي السلطة المرجعية الاستشارية (شورى المراجع) لا تحتاج إلى المثقفينالكبرويين، لغرض أنهم هم المستنبطون، كما أن المثقف الزمني، كالاقتصادي أو التجاري أو الزراعي أو ما أشبه، لا يحتاج إلى المثقف الصغروي.

وممّا تقدَّم ظ_هر حال ما إذا اختلفت جماعة مخصصة لشأنٍ ف_ي الكيف _ الصغرى _ حيث يلزم ملاحظة الأكثرية؛ وذلك لمبدأ الشورى المتقدِّم، فمثلاً: إذا قال جماعة من الفئة الاقتصادية: إن اللازم تقوية الاقتصاد الزراعي، وقال آخرون بلزوم تقوية الاقتصاد الصناعي، قدّم الأكثر منهما، وكذلك إذا اختلفوا ف_ي تقوية الصناعات الثقيلة أو الخفيفة، ولو فرض التساوي في الآراء، فالمرجع السلطات العليا. ولو وقع الانشقاق هناك أيضاً فالأكثرية، ثم القرعة التي هي لكل مشكل. وربما كان من الصالح العمل على تقسيم المشروعات، فيخصص نصف الجهود ونحوها طبقاً لأحد الرأيين، والنصف الآخر حسب الرأي الآخر.

وعلى أيّ ليس المهم البحث في هذه المسألة الجزئية، بعد الأخذ بمبدأ الشورى في كل شؤون الأمة على ما عرفت.

ص: 37

ص: 38

الفصل الثالث: الشورى في الأحاديث والأخبار

ص: 39

ص: 40

وه_ذه جملة من الروايات الواردة عن الرسول الأكرم وأهل بيته المعصومين عليهم آلاف التحية والسلام في باب المشورة، نذكرها لأهميتها.

عن النبي(صلی الله علیه و اله): «مَن أراد أمراً فشاوَرَ فيهِ وقضى، هدي لأرشدِ الأمورِ»(1).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «مَن أرادَ أمراً فشاوَرَ فيهِ امرئً مسلماً وفّقَهُ الله لأرشد أموره»(2).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «ما تشاوَرَ قومٌ إلاّ هُدوا لأرشدِ أمرِهم»(3).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «ما خابَ مَنْ استخارَ ولا نَدِمَ مَن استشار»(4).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاؤكم، وأمركم شورى بينكم، فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاءكم، ولم يكن أمركم شورى بينكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها»(5).

ص: 41


1- الدر المنثور 6: 10.
2- الجامع الصغير 2: 563.
3- تحف العقول: 233، وفيه: «ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم».
4- الأمالي للطوسي: 136.
5- تفسير أبي الفتوح 5: 126.

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاؤكم، وأمركم شورى بينكم، فظهر الأرض خير لكم منبطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاءكم، وأموركم إلى نسائكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها»(1).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «ما شقى عب_د بمشورة، ولا سعد باستغن_اء رأي»(2).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «لا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة»(3).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «ما من رجل يشاور أحداً إلاّ هدي إلى الرشد»(4).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «لا يفعلن أحدكم أمراً، حتى يستشير»(5).

وعن ابن عباس قال: لما نزلت: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}(6)، قال رسول الله(صلی الله علیه و اله): «أمّا إن الله ورسوله لغني_ان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً، ومن تركها ل_م يعدم غياً»(7).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «شاوروا العلماء الصالحين، فإذا عزمتم على إمضاء

ص: 42


1- بحار الأنوار 74: 139؛ عن تحف العقول: 36.
2- راجع تفسير القرطبي 4: 771.
3- المحاسن 1: 17.
4- مجمع البيان 9: 51.
5- مكارم الأخلاق: 238.
6- سورة آل عمران، الآية: 159.
7- الدر المنثور 2: 90.

ذلك فتوكلوا على الله»(1).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «آخ من الإخوان أهل التقى، وأجعل مشورتك من يخاف الله تعالى»(2).وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «شاور المتقين، الذين يؤثرون الآخرة على الدنيا، ويؤثرون على أنفسهم في أموركم»(3).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «الح_زم أن تستشير ذا الرأي، وتطيع أمره»(4).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «إذا أشار عليك العاقل الناصح فاقبل، وإياك والخلاف عليهم، فإن فيه الهلاك»(5).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «استرشدوا العاقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا»(6).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «من استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشده فقد خانه»(7).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «م_ن استشار أخاه فأشار عليه بأمر وهو يرى الرشد غير ذلك فقد خانه»(8).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه»(9).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «المستشار مؤتمن، فإذا استشير أحدكم فليشر بما هو صانع لنفسه»(10).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «من أشار على أخيه بأم_ر يعلم أنّ الرشد في غيره فقد خانه»(11).

ص: 43


1- تفسير التستري: 51.
2- تفسير التستري: 51.
3- تفسير التستري: 51.
4- مستدرك الوسائل 8: 342؛ عن أعلام الدين: 294.
5- بحار الأنوار 72: 105؛ عن أعلام الدين: 295.
6- مجموعة ورام 2: 32.
7- الأدب المفرد: 65.
8- مسند أحمد 2: 365.
9- الجامع الصغير 1: 68.
10- كنز العمال 3: 790.
11- كنز العمال 3: 411.

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «المستشير معان»(1).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «من استشير فأشار بغير رأيه سلبه الله تعالى رأيه»(2).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «من غش المسلمين ف_ي مشورة فقد برئت منه»(3).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحّضه النصيحة سلبه الله لبه»(4).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «من شاور واتكل في إمضاء ما عزم ثم ندم فقد اتّهمَ الله تعالى»(5).

وعن النبي(صلی الله علیه و اله): «المستشار مؤتمن، إن شاء أشار، وإن شاء لم

ص: 44


1- تفسير أبي الفتوح 5: 127.
2- تفسير التستري: 51.
3- بحار الأنوار 72: 99؛ عن عيون أخبار الرضا(علیه السلام) 2: 66.
4- مستدرك الوسائل 8: 346.
5- تفسير التستري: 51.

يشر»(1).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ»(2).

وعن عليّ(علیه السلام) في وصيته لمحمد بن الحنفية قال: «اضمم آراء الرجال بعضها إلى بعض، ثم اختر أقربها من الصواب وأبعدها من الارتياب _ إلى أن قال: _ خاطر بنفسه من استغنى برأيه، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ»(3).وعن علي(علیه السلام) قال: «اضربوا بعض الرأي ببعض يتولَّد منه الصواب»(4).

وعن علي(علیه السلام) قال: «الاستشارة عين الهداية، وق_د خاطر من استغنى برأيه»(5).

وعن علي(علیه السلام) قال: «ك_انت الحكماء في ما مضى من الدهر يقولون ينبغ_ي أن يكون الاختلاف إلى الأبواب لعشرة أوجه، أولها: بيت الله عزّوجل لقضاء نسكه والقيام بحقه وأداء فرضه _ إلى أن قال: _ والسابع: أبواب من يرتجى عندهم النفع في الرأي والمشورة، وتقوية الحزم، وأخذ الأُهبة لما يحتاج إليه»(6).

ص: 45


1- الجامع الصغير 2: 667.
2- الكافي 8: 22.
3- من لا يحضره الفقيه 4: 385 و 388.
4- غرر الحكم: 158.
5- بحار الأنوار 66: 410؛ عن نهج البلاغة، الحكمة: 211.
6- وسائل الشيعة 12: 82؛ عن الخصال 2: 426.

وعن علي(علیه السلام) قال: «من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها»(1).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من شاور ذوي الألباب دلّ على الرشاد»(2).

وعن علي(علیه السلام) قال: «مكتوب في التوراة ومن لم يستشر يندم...»(3).

وعن علي(علیه السلام) قال: «لا ظهير كالمشاورة»(4).

وعن علي(علیه السلام) قال: «لا مظاهرة أوثق من المشاورة»(5).

وعن علي(علیه السلام) قال: «ما عطب من استشار»(6).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من أعجب برأيه ضل، وم_ن استغنى بعقله زل»(7).

وعن علي(علیه السلام) قال: «لا رأي لمن انفرد برأيه»(8).

وعن علي(علیه السلام) قال: «أفضل الناس رأياً من لا يستغني عن رأي مشير»(9).

ص: 46


1- بحار الأنوار 72: 104؛ عن نهج البلاغة، الحكمة: 161.
2- بحار الأنوار 72: 105؛ عن كنز الفوائد 1: 367.
3- مستدرك الوسائل 8: 341؛ عن تفسير العياشي 1: 120.
4- وسائل الشيعة 12: 40؛ عن نهج البلاغة، الحكمة: 54.
5- وسائل الشيعة 12: 39؛ عن المحاسن 2: 601.
6- بحار الأنوار 72: 105؛ عن كنز الفوائد 1: 367.
7- الكافي 8: 19.
8- مستدرك الوسائل 8: 341؛ عن كنز الفوائد 1: 367.
9- غرر الحكم: 202.

وعن علي(علیه السلام) قال: «إنّما حُض على المشاورة لأن رأي المشير صِرفٌ، ورأي المستشير مشوب بالهوى»(1).

وعن علي(علیه السلام) قال: «إذا عزمت فاستشر»(2).

وعن علي(علیه السلام) قال: «إذا أمضيت أمراً، فأمضه بعد الروّية ومراجعة المشورة»(3).

وعن علي(علیه السلام) قال: «لا يستغني العاقل عن المشاورة»(4).

وعن علي(علیه السلام) قال: «شاوروا فالنجح في المشاورة»(5).

وعن علي(علیه السلام) قال: «ق_د أص_اب المسترشد، [و] قد أخ_طأ المستبد»(6).

وعن علي(علیه السلام) قال: «كفى بالمشاورة ظهيراً»(7).

وعن علي(علیه السلام) قال: «صواب الرأي بإجالة الأفكار»(8).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من استغنى بعقله ضل»(9).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من شاور ذوي العقول استضاء بأنوار

ص: 47


1- غرر الحكم: 276.
2- غرر الحكم: 281.
3- غرر الحكم: 287.
4- غرر الحكم: 778.
5- غرر الحكم: 313.
6- غرر الحكم: 419.
7- غرر الحكم: 519.
8- غرر الحكم: 419.
9- غرر الحكم: 581.

العقول»(1).

وعن علي(علیه السلام) قال: «عليك بالمشاورة، فإنها نتيجة الحزم»(2).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من ش_اور ذوي النهى والألباب، ف_از بالنجح والصواب»(3).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من استشار العاقلَ ملك»(4).

وعن علي(علیه السلام) قال: «المشاورة راحة لك وتعب لغيرك»(5).

وعن علي(علیه السلام) قال: «المستشير متحصِّن من السَقَط»(6).

وعن علي(علیه السلام) قال: «حق على العاقل أن يضيف إلى رأيه رأي العقلاء، ويضم إلى علمه علوم الحكماء»(7).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من استعان بذوي الألباب سلك سبيلالرشاد»(8).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من لزم المشاورة لم يعدَم عند الصواب مادحاً، وعند الخطأ عاذراً»(9).

ص: 48


1- غرر الحكم: 627.
2- غرر الحكم: 442.
3- غرر الحكم: 628.
4- غرر الحكم: 579.
5- غرر الحكم: 101.
6- غرر الحكم: 64.
7- غرر الحكم: 351.
8- غرر الحكم: 647.
9- غرر الحكم: 650.

وعن علي(علیه السلام) قال: «ما ضل من استشار»(1).

وعن علي(علیه السلام) قال: «ما استُنبط الصواب بمثل المشاورة»(2).

وعن علي(علیه السلام) قال: «نِعمَ المظاهرة المشاورة»(3).

وعن علي(علیه السلام) قال: «نِعمَ الاستظهار المشاورة»(4).

وعن علي(علیه السلام) قال: «امخضوا الرأي مخض السقاء ينتج سديد الآراء»(5).

أقول: مخض الرأي أي قلبّه كما يمخض السقاء، وتدبر عواقبه حتى يظهر له الصواب.

وعن علي(علیه السلام) قال: «شاور قبل أن تَعزم، وتفكّر قبل أن تُقدِم»(6).

وعن علي(علیه السلام) قال: «جم_اع الخي_ر ف_ي المشاورة، والأخ_ذ ب_قول النصيح»(7).

وعن علي(علیه السلام) قال: «خوافي الآراء تكشفها المشاورة»(8).

وعن علي(علیه السلام) قال: «المشورة تجلب لك صواب غيرك»(9).

ص: 49


1- غرر الحكم: 683.
2- غرر الحكم: 687.
3- غرر الحكم: 715.
4- غرر الحكم: 717.
5- غرر الحكم: 158.
6- غرر الحكم: 413.
7- تصنيف غرر الحكم: 441؛ وراجع غرر الحكم: 339، وفيه: «جمال الخير...».
8- غرر الحكم: 818.
9- غرر الحكم: 81.

وعن علي(علیه السلام) قال: «المستشير على طرف النجاح»(1).

وعن علي(علیه السلام) قال: «المشاورة استظهار»(2).

وعن علي(علیه السلام) قال: «الحزم الن_ظر ف_ي العواقب، ومشاورة ذوي العقول»(3).

وعن علي(علیه السلام) قال: «ليس لمعجب رأي»(4).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من أعجبته آراؤه غلبته أعداؤه»(5).

وعن علي(علیه السلام) قال: «لا تستبد برأيك، فمن استبد برأيه هلك»(6).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من أعجب برأيه ملكه العجز»(7).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من استبد برأيه خفّت وطأته على أعدائه»(8).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من قنع برأيه فقد هلك»(9).

وعن علي(علیه السلام) قال: «ما أعجب برأيه إلاّ جاهل»(10).

ص: 50


1- غرر الحكم: 65.
2- غرر الحكم: 24.
3- غرر الحكم: 105.
4- عيون الحكم والمواعظ: 410.
5- غرر الحكم: 600.
6- غرر الحكم: 752.
7- عيون الحكم والمواعظ: 444؛ وفي غرر الحكم: 603: «من أعجب برأيه أهلكه العجز».
8- غرر الحكم: 630.
9- غرر الحكم: 579.
10- غرر الحكم: 684.

وعن علي(علیه السلام) قال: «من استبد برأيه [فقد] خاطر وغرّر»(1).

وعن علي(علیه السلام) قال: «الاس_تبداد برأيك يزلك، ويهوّرك في المهاوي»(2).

وعن علي(علیه السلام) قال: «المستبد متهور في الخطأ والغلط»(3).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من استبد برأيه زلَّ»(4).

وعن علي(علیه السلام) قال: «اتهموا عقولكم، فإنه من الثقة بها يكون [في] الخطأ»(5).

وعن علي(علیه السلام) قال: «حق عل_ى العاقل أن يستديم الاسترشاد، ويترك الاستبداد»(6).

وعن علي(علیه السلام) قال: «بئس الاستعداد الاستبداد»(7).

وعن علي(علیه السلام) قال: «خير م_ن ش_اورت ذوي النهى والعلم، وأولوا التجارب والحزم»(8).

وعن علي(علیه السلام) قال: «رأي الشيخ أحبّ إلي من حيلة الشباب»(9).

ص: 51


1- غرر الحكم: 666.
2- غرر الحكم: 81.
3- غرر الحكم: 64.
4- غرر الحكم: 581.
5- غرر الحكم: 158.
6- غرر الحكم: 351.
7- غرر الحكم: 310.
8- غرر الحكم: 356.
9- بحار الأنوار 72: 105؛ عن كنز الفوائد 1: 367، وفيه: «الشاب».

وعن علي(علیه السلام) قال: «رأي الشيخ أحبّ إلي من جَلَدِ الغلام»(1).

أقول: الجلَدَ: القوة والشدة والصلابة.

وعن علي(علیه السلام) قال في عهده لمالك الأشتر: «ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزين لك الشره بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله»(2).

وعن علي(علیه السلام) قال: «استشر عدوك العاقل، احذر رأي صديقك الجاهل»(3).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من ضل مشيره بطل تدبيره»(4).

وعن علي(علیه السلام) قال: «رأي الجاهل يردي»(5).

أقول: ردى أي سقط وهلك، وأرداه ف_ي البئر أي أسقطه فيها، أردى الرجل أي أهلكه.

وعن علي(علیه السلام) قال: «رأي الرجل على قدر تجربته»(6).

وعن علي(علیه السلام) قال: «شاور ذوي العقول تأمن [من] الزلل و الندم»(7).

ص: 52


1- غرر الحكم: 388.
2- نهج البلاغة، الكتاب: 53.
3- غرر الحكم: 149.
4- غرر الحكم: 585.
5- غرر الحكم: 388.
6- غرر الحكم: 388.
7- غرر الحكم: 413.

وعن علي(علیه السلام) قال: «ش_اور ف_ي أم_ورك الذين يخشون الله تَرشُد»(1).

وعن علي(علیه السلام) قال: «لا تشركن في مشورتك حريصاً، يهون عليك الشر ويزين لك الشّره»(2).

وعن علي(علیه السلام) قال: «لا تستشر الكذاب، فإنه كالسراب يقرب عليك [إليك] البعيد ويبعد عليك القريب»(3).

وعن علي(علیه السلام) قال: «أفضل من شاورت ذو التجارب، وشر من قارنت ذو المعايب»(4).

وعن علي(علیه السلام) قال: «لا تدخلن في مشورتك بخيلاً فيعدل بك عن القصد ويعدك الفقر»(5).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من استشار ذوي النهى والألباب، فاز بالحزم والسداد»(6).

وعن علي(علیه السلام) قال: «لا تشاور عدوك، واستره خَبَرَك»(7).

وعن علي(علیه السلام) قال: «لا تشاورن في أمرك من يجهل»(8).

ص: 53


1- غرر الحكم: 413.
2- غرر الحكم: 756.
3- غرر الحكم: 756.
4- عيون الحكم والمواعظ: 123.
5- غرر الحكم: 756.
6- غرر الحكم: 647.
7- غرر الحكم: 745.
8- غرر الحكم: 745.

وعن علي(علیه السلام) قال: «جهل المشير هلاك المستشير»(1).

وعن علي(علیه السلام) قال: «مشاورة الجاهل المشفق خطر»(2).

وعن علي(علیه السلام) قال: «مشاورة الحازم المشفق ظفر»(3).

وعن علي(علیه السلام) قال: «رأي العاقل ينجي [و] رأي الجاهل يردي»(4).

وعن علي(علیه السلام) قال: «اللجوج لا رأي له»(5).

وعن علي(علیه السلام) قال: «شاور في حديثك الذين يخافون الله»(6).

وعن علي(علیه السلام) قال في ما كتبه إلى أهل مصر ومحمد بن أبي بكر: «وانص_ح المرء إذا استشارك»(7).

وعن علي(علیه السلام) قال: «م_ن غ_ش مستشيره سُلب تدبيره»(8).

وعن علي(علیه السلام) قال: «ظُلم المستشير ظُلمٌ وخيانةٌ»(9).

وعن علي(علیه السلام) قال: «خيانة المستسلم والمستشير من أفظع الأمور،

ص: 54


1- غرر الحكم: 339.
2- عيون الحكم والمواعظ: 486؛ وفي غرر الحكم: 711: «مشاورة الجاهل المشفق خطأ».
3- غرر الحكم: 711.
4- غرر الحكم: 388.
5- غرر الحكم: 50.
6- المحاسن 2: 601.
7- الأمالي للمفيد: 269.
8- غرر الحكم: 594.
9- غرر الحكم: 439.

وأعظم الشرور، وموجب عذاب السعير»(1).

وعن علي(علیه السلام) قال: «على المشير الاجتهاد في الرأي،وليس عليه ضمان النجح»(2).

وعن علي(علیه السلام) قال: «اللجاجة تسل الرأي»(3).

أقول: السل: الهزال والضعف.

وعن علي(علیه السلام) قال: «اللجاج يفسد الرأي»(4).

وعن علي(علیه السلام) قال: «الخلاف يهدم الرأي»(5).

وعن علي(علیه السلام) قال: «الخلاف يهدم الآراء»(6).

وعن علي(علیه السلام) قال: «شر الآراء ما خالف الشريعة»(7).

وعن علي(علیه السلام) قال: «صلاح الرأي بنصح المستشير»(8).

وعن علي(علیه السلام) قال: «من خالف المشورة ارتبك»(9).

وعن علي(علیه السلام) قال: «لا تستغشن المشير»(10).

ص: 55


1- غرر الحكم: 363.
2- غرر الحكم: 452.
3- نهج البلاغة، الحكمة: 179.
4- غرر الحكم: 58.
5- نهج البلاغة، الحكمة: 215.
6- غرر الحكم: 58.
7- غرر الحكم: 408.
8- غرر الحكم: 416.
9- غرر الحكم: 577.
10- غرر الحكم: 750، وفيه: «المستشير».

وعن علي(علیه السلام) قال: «يأتي على الناس زمان لا يقرَّب فيه إلاّ الماحل، ولا يظرَّف فيه إلاّ الفاجر، ولا يضعّف فيه إلاّ المنصف، يعدُّون الصدقة فيه غُرماً، وصلة الرحم منَّاً، والعبادة استطالة على الناس، فعند ذلك يكون السلطان بمشورة النساء، وإمارة الصبيان، وتدبير الخصيان»(1).

وعن علي(علیه السلام) قال: «إيّاك ومشاورة النساء _ إلا من جرّبتبكمال عقل _ فإن رأيهن يجر إلى الأفن، وعزمهن إلى وهن»(2).

وعن علي(علیه السلام) قال: «الشركة في الرأي تؤدي إلى الصواب»(3).

وعن علي(علیه السلام) قال: «آفة المشاورة انتقاض الآراء»(4).

وعن علي(علیه السلام) قال: «استشر أعداءك تعرف من رأيهم مقدار عداوتهم ومواضع مقاصدهم»(5).

وعن علي بن الحسين(علیه السلام) قال: «حق المستشير إن علمت أَن له رأياً أشرت عليه، وإن لم تعلم أرشدته إلى من يعلم»(6).

وعن علي بن الحسين(علیه السلام) قال: «أمّا حق المستشير فإن حضرك له وجه رأي جهدت له في النصيحة، وأشرت عليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به، وذلك ليكن منك في رحمة ولين، فإن اللين يونس الوحشة،

ص: 56


1- نهج البلاغة، الحكمة: 102.
2- بحار الأنوار 100: 253؛ عن كنز الفوائد 1: 376.
3- غرر الحكم: 107.
4- غرر الحكم: 278.
5- غرر الحكم: 148.
6- الخصال 2: 570.

وإن الغِلظ يوحش من موضع الأنس، وإن لم يحضرك ل_ه رأي وعرفت ل_ه من تثق برأيه وترضى به لنفسك دللته عليه، وأرشدته إليه، فكنت لم تَألُهُ خيراً، ولم تدّخره نصحاً، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله»(1).

وعن علي بن الحسين(علیه السلام) في دعائه: «اللهم صل على محمّد وآله وتولّني في جيراني ومواليّ العارفين بحقنا، والمنابذين لأعدائنا، بأفضل ولايت_ك، ووفق_هم لإقامة سُنتك، والأخذ بمحاسن أدبك، ف_ي إرفاق ضعيفهم، وسدّ خلّتهم، وعيادةمريضهم، وهداية مسترشدهم، ومن_اصحة مستشيرهم»(2).

وعن علي بن الحسين(علیه السلام) قال: «حق المشير عليك أن لا تتهمه في ما لا يوافقك من رأيه، فإن وافقك حمدت الله»(3).

وعن علي بن الحسين(علیه السلام) قال: «وأمّا حق المشير إليك فلا تتهمه بما يوقفك عليه من رأيه إذا أشار عليك، فإنّما هي الآراء وتصرّف الناس فيها واختلافهم، فكن عليه في رأيه بالخيار إذا اتهمت رأيه. فأما تهمته فلا تجوز لك إذا كان عندك ممن يستحق المشاورة، ولا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه وحسن مشورته، فإذا وافقك حمدت الله وقبلت ذلك من أخيك بالشكر، والإرصاد بالمكافاة في مثلها إن فزع إليك ولا قوة إلاّ بالله...»(4).

ص: 57


1- بحار الأنوار 71: 18؛ عن تحف العقول: 269.
2- الصحيفة السجادية، الدعاء: 26.
3- الخصال 2: 570.
4- مستدرك الوسائل 11: 166؛ عن تحف العقول: 263.

وعن أبي جعفر الصادق(علیه السلام) قال: «في التوراة أرب_عة أسطر: من لا يستشير يندم...»(1).

وعن أبي جعفر الصادق(علیه السلام) عن أمير المؤمنين(علیه السلام) أنه قال: «إن الجاهل من ع_دّ نفس_ه بم_ا جهل من معرفته للعلم عالماً، وبرأيه مكتفياً»(2).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «في ما أوصى به رسول الله(صلی الله علیه و اله) علياً(علیه السلام) أنه قال: لا مظاهرة أوثق من المشاورة»(3).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «لا استظهار في أمر بأكثر منالمشورة فيه»(4).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «ما عطب امرؤ استشار»(5).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «لن يهلك امرؤ عن مشورة»(6).

وعن جعفر بن محمد عن أبيه(علیهم السلام) قال: قيل لرسول الله(صلی الله علیه و اله) ما الحزم؟ قال: «مشاورة ذوي الرأي واتباعهم»(7).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا أردت أمراً فلا تشاور في_ه أحداً حتى تشاور ربك. قال الراوي: قلت: وكيف أشاور ربي؟ قال تقول: استخير

ص: 58


1- بحار الأنوار 13: 357؛ عن المحاسن 2: 601.
2- بحار الأنوار 74: 203؛ عن تحف العقول: 73.
3- وسائل الشيعة 12: 39؛ عن المحاسن 2: 601؛ وراجع الكافي 8: 20.
4- الكافي 1: 29.
5- مستدرك الوسائل 8: 341؛ عن الخصال 2: 620.
6- المحاسن 2: 601.
7- مكارم الأخلاق: 319؛ وراجع المحاسن 2: 600؛ تحف العقول: 46.

الله مائة مرة، ثم تشاور الناس، فإنّ الله يج_ري لك الخيرة على لسان من أحب»(1).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا أراد أحدكم أمراً فلا يشاورن في_ه أحداً حتى يبدأ ويشاور الله تبارك وتعالى فيه . قلت: وما مشاورة الله؟ قال: يبدأ فيستخير الله فيه أولاً، ثم يشاور فيه، فإذا بدأ بالله تبارك وتعالى أجرى الله ل_ه الخيرة على لسان من يشاء من الخلق»(2).

وعن الحسن بن راشد قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «يا حسن، إذا أُنزلت بك نازلة فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف، ولكن اذكرها لبعض إخوانك، فإنك لن تعدم خصلة من أربع خصال: إما كفاية بمال، وإما معونة بجاه، أو دعوة تستجاب، أو مشورة برأي»(3).وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «قال لقمان لابنه: إذا ساف_رت م_ع قوم، فأكثر استشارتهم في أمرك وأمورهم... واجهد رأيك لهم إذا استشاروك، ثم لا تعزم، حتى تثبّت وتنظر، ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي، وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك ف_ي مشورتك، ف_إن م_ن لم يمحض النصيحة لم_ن استشاره، سلبه الله رأيه، ونزع منه الأمانة»(4).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «استشيروا في أمركم الذين يخشون

ص: 59


1- بحار الأنوار 88: 253؛ عن مكارم الأخلاق: 318.
2- بحار الأنوار 88: 252؛ عن المقنعة: 216.
3- بحار الأنوار 78: 207؛ وراجع الكافي 8: 170.
4- من لا يحضره الفقيه 2: 296.

ربهم»(1).

وعن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «إذا أراد أحدكم أن يشتري أو يبيع أو يدخل في أمر فليبتدئ بالله ويسأله.

قال: قلت: فما يقول؟

قال: يقول: اللهم إني أريد كذا وكذا، فإن كان خيراً لي في ديني ودنياي وآخرتي، وعاجل أمري وآجله، فيسّره لي، وإن كان شراً [لي] في ديني ودنياي فاصرفه عني، رب اعزم لي علي رشدي وإن كرهته وأبته نفسي، ثم يستشير عشرة من المؤمنين، فإن لم يقدر على عشرة، ولم يصب إلاّ خمسة، فيستشير خمسة مرتين، فإن لم يصب إلاّ رجلين فليستشرهما خمس مرات، فإن لم يصب إلاّ رجلاً واحداً فليستشره عشر مرات»(2).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «المستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل»(3).

أقول: المدحضة: المزلقة والمزلة.وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «ثلاث هن قاصمات الظهر: رجل استكثر عمله، ونسي ذنوبه، وأُع_جب برأيه»(4).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «لا يطمعن ذو الكبر ف_ي الثناء الحسن،

ص: 60


1- المحاسن 2: 601.
2- بحار الأنوار 88: 252؛ عن فتح الأبواب: 139.
3- مستدرك الوسائل 8: 342؛ عن أعلام الدين: 304.
4- معاني الأخبار: 343.

... ولا القليل التجربة المعجب برأيه في رئاسة»(1).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «من أُعجب بنفسه هلك، ومن أُعجب برأيه هلك، وإن عيسى بن مريم(علیه السلام) قال: داويت المرضى فشفيتهم بإذن الله، وأبرأت الأكمه والأبرص بإذن الله، وعالجت الموتى فأحييتهم بإذن الله، وعالجت الأحمق فلم أقدر على إصلاحه.

فقيل: يا روح الله وما الأحمق؟

قال: المعجب برأيه ونفسه، الذي يرى الفضل كله له لا عليه، ويوجب الحق كله لنفسه، ولا يوجب عليها حقاً، فذاك الأحمق الذي لا حيلة في مداواته»(2).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و اله): «مشاورة العاقل الناصح رشد ويمنٌ وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك الناصح العاقل فإياك والخلاف، فإن في ذلك العطب»(3).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين(علیه السلام) إذا صعد المنبر قال: ينبغي للمسلم أن يتجنب مؤاخاة ثلاثة: الماجن والأحمق والكذاب، ... أما الأحمق فإنه لا يشير عليك بخير، ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه، وربما أراد منفعتك فضرك، فموته خير من حياته، وسكوته خير م_ننطقه، وبُعدَه خير من قربه...»(4).

ص: 61


1- بحار الأنوار 75: 195؛ عن الخصال 2: 434.
2- مستدرك الوسائل 1: 138؛ عن الاختصاص: 221.
3- المحاسن 2: 602.
4- الكافي 2: 376.

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «سمعته يق_ول كان أبي(علیه السلام) يقول: قم بالحق، ... والأمين من خشي الله، ... واستشر في أمورك الذين يخشون ربهم»(1).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «ما يمنع أحدكم إذا ورد عليه ما لا قبل له به أن يستشير رجلاً عاقلاً له دين وورع»، ثم قال أبو عبد الله(علیه السلام): «أمّا إن_ه إذا فعل ذلك لم يخذله الله بل يرفعه الله ورماه بخير الأمور وأقربها إلى الله»(2).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «استشر العاقل من الرجال الورع، فإن_ه لا يأمر إلاّ بخير، وإياك والخلاف، فإن خلاف الورع العاقل مفسدة ف_ي الدين والدنيا»(3).

وعن سفيان الثوري قال: لقيت الصادق بن الصادق جعفر بن محمد(علیهم السلام) فقلت له: يا بن رسول الله، أوصني. فقال لي: «... شاور في أمرك الذين يخشون الله عز وجل»(4).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «لا تشاور أحمق... يجهد لك نفسه ولا يبلغ ما تريد»(5).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «شاور ف_ي أمورك مما يقتضي الدين، من

ص: 62


1- بحار الأنوار 72: 99؛ عن علل الشرائع 2: 559.
2- وسائل الشيعة 12: 42؛ عن المحاسن 2: 602.
3- بحار الأنوار 88: 254؛ عن مكارم الأخلاق: 319.
4- الخصال 1: 169.
5- بحار الأنوار 75: 230؛ عن تحف العقول: 316.

فيه خمس خصال: عقل، وعلم، وتجربة، ونصح، وتقوى، فإن لم تجد فاستعمل الخمسة واعزم وتوكل على الله، فإن ذلك يؤديك إلى الصواب، وما كان من أمور الدنيا التي هيغير عائدة إلى الدين فارفضها ولا تتفكر فيها، فإنك إذا فعلت ذلك أصبت بركة العيش وحلاوة الطاعة، وفي المشاورة اكتساب العلم، والعاقل من يستفيد منها علماً جديداً، ويستدل به على المحصول من المراد، ومثل المشورة مع أهلها مثل التفكر في خلق السماوات والأرض وفنائهما وهما غيبان عن العبد لأنه كلما تفكر فيهما غاص في بحور نور المعرفة وازداد بهما اعتباراً ويقيناً، ولا تشاور من لا يصدقه عقلك وإن كان مشهوراً بالعقل والورع، وإذا شاورت من يصدقه قلبك فلا تخالفه في ما يستشير به عليك، وإن كان بخلاف مرادك، فإنّ النفس تجمع عن قبول الحق وخلافها عند قبول الحقائق أبين، قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}، وقال الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} أي متشاورون فيه»(1).

وعن عمار الساباطي قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «يا عمار، إن كنت تحب أن تستتب لك النعمة، وتكمل لك المودة _ المروّة _ وتصلح لك المعيشة، فلا تستشر العبد والسفلة في أمرك، فإنّك إن ائتمنتهم خانوك، وإن حدثوك كذبوك، وإن نك_بت خ_ذلوك، وإن وع_دوك م_وعداً لم يصدقوك»(2).

ص: 63


1- راجع مستدرك الوسائل 8: 344؛ مصباح الشريعة: 152؛ بحار الأنوار 72: 103.
2- بحار الأنوار 72: 99؛ عن علل الشرائع 2: 558.

وعن أبي عبد الله(علیه السلام): «إن المش_ورة لا تكون إلاّ بحدودها، فمن عرفها بحدودها وإلاّ كانت مضرّتها على المستشير أكثر من منفعتها ل_ه، فأولها: أن يكون الذي تشاوره عاقلاً، والثانية: أن يكون حراً متديناً، والثالثة: أن يكون صديقاً مؤاخياً، والرابعة: أن تطلعه على سرك، فيكون علمه به كعلمك بنفسك ثم يستر ذلك ويكتمه، فإنه إذا كان عاقلاً انتفعت بمشورته، وإذاكان حراً متديناً أجهد نفسه في النصيحة لك، وإذا كان صديقاً مؤاخياً كتم سرك إذا أطلعته على سرك، وإذا أطلعته على سرك، فكان علمه به كعلمك به تمت المشورة، وكملت النصيحة»(1).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: أتى رجل إلى أمير المؤمنين(علیه السلام) فقال: جئت_ك مستشيراً... فق_ال(علیه السلام): «المستشار مؤتمن»(2).

وعن الإمام الصادق(علیه السلام) عن آبائه(علیهم السلام) عن النبي(صلی الله علیه و اله): «م_ن استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه الله لبه»(3).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام): «من استشار أخاه فل_م ينصحه محض الرأي سلبه الله عز وجل رأيه»(4).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام): «لا تكوننّ أول مشير، وإياك والرأي الفطير، وتجنب ارتجال الكلام، ولا تشر على مستبد برأيه، ولا على وغد، ولا على متلوِّن، ولا على لجوج، وخف الله في موافقة هوى المستشير، فإن

ص: 64


1- وسائل الشيعة 12: 43؛ عن المحاسن 2: 602.
2- بحار الأنوار 43: 337؛ عن المحاسن 2: 601.
3- مستدرك الوسائل 8: 346.
4- المحاسن 2: 602؛ وفي الكافي 2: 363، «من استشار أخاه فلم يمحضه...».

التماس موافقته لؤم، وسوء الاستماع منه خيانة»(1).

أقول: الفطير: كل ما أعجل عن إدراكه، يقال: هذا رأي فطير، أي من غير رؤية. الوغد: أي الضعيف العقل الأحمق.

وعن أبي عبد الله(علیه السلام): «لا تشر على المستبد برأيه»(2).

وعن الإمام الصادق(علیه السلام): في وصيته: «اعلم أنّ ضاربعلي(علیه السلام) بالسيف وقاتله لو ائتمنني واستنصحني واستشارني ثم قبلت ذلك منه، لأديت إليه الأمانة»(3).

وعن الصادق(علیه السلام): «ثلاثة لا يعذر المرء فيه: مشاورة ناصح، ومداراة حاسد، والتحبّب إلى الناس»(4).

وعن موسى بن جعفر(علیه السلام): «إنّ أمير المؤمنين(علیه السلام) كان يقول: لا يجلس في صدر المجلس إلاّ رجل فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سُئل، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه شيء منهن فجلس فهو أحمق»(5).

وعن الإمام موسى بن جعفر(علیه السلام) قال: قال علي بن الحسين(علیه السلام): «إرشاد المستشير قضاء لحق النعِّمة»(6).

ص: 65


1- بحار الأنوار 72: 104؛عن الدرة الباهرة: 31.
2- مستدرك الوسائل 8: 342؛ عن أعلام الدين: 304.
3- الكافي 5: 133.
4- بحار الأنوار 75: 232؛ عن تحف العقول: 318.
5- مستدرك الوسائل 9: 154؛ عن تحف العقول: 389.
6- الكافي 1: 20.

وعن الإمام موسى بن جعفر(علیه السلام): «يا هشام، ... ومشاورة العاقل الناصح يُمن وبركة ورشد وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك العاقل الناصح، فإياك والخلاف فإنّ في ذلك العطب»(1).

وعن الإمام موسى بن جعفر(علیه السلام): «من استشار لم يعدم عند الصواب مادحاً، وعند الخطأ عاذراً»(2).

وعن أبي الحسن الرضا(علیه السلام) عن آبائه(علیهم السلام) عن علي(علیه السلام) ق_ال: ق_ال: رسول الله(صلی الله علیه و اله): «يا علي، لا تشاورن جباناً فإنه يضيّق عليك المخرج، ولا تشاورن بخيلاً فإنه يقصر بك عن غايتك،ولا تشاورن حريصاً فإن_ه يزيّن لك شرهاً، واعلم أن الجبن والبخل والحرص غري_زة يجمعها سوء الظن»(3).

وعن علي بن موسى الرضا(علیه السلام) عن أبيه(علیه السلام) عن آبائه(علیهم السلام) عن رسول الله(صلی الله علیه و اله) قال: «ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر معهم من اسمه محمد أو حامد أو محمود أو أحمد فأدخلوه في مشورتهم إلاّ خِيرَ لهم»(4).

وعن أبي جعفر الجواد(علیه السلام) في حديث: «إنّ المشورة مباركة، قال الله تعالى لنبيه في محكم كتابه: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلينَ}(5)»(6).

ص: 66


1- تحف العقول: 398.
2- مستدرك الوسائل 8: 342؛ عن الدرة الباهرة: 34.
3- الخصال 1: 102؛ من لا يحضره الفقيه 4: 409.
4- بحار الأنوار 72: 98؛ عن عيون أخبار الرضا(علیه السلام) 2: 29.
5- سورة آل عمران، الآية: 159.
6- بحار الأنوار 72: 103؛ عن تفسير العياشي 1: 205.

وعن أبي جعفر الجواد(علیه السلام): «ما حار من استخار، ولا ندم من استشار»(1).

وعن أبي جعفر الجواد(علیه السلام) عن آبائه(علیهم السلام) عن أمير المؤمنين(علیه السلام): «خاطر بنفسه من استغنى برأيه»(2).

ص: 67


1- الأمالي للطوسي: 136.
2- بحار الأنوار 72: 98؛ عن الأمالي للصدوق: 447.

ص: 68

الفصل الرابع: الشورى في مجال التطبيق

اشارة

ص: 69

ص: 70

تفصيل الحزب

البحث في تفصيل الحزب حتى يكون رُكناً لمن يريد العمل في هذا الإطار _ الحزب المرجعي طبعاً _ ، وقد كتبنا بعض الأمر في ذلك في كتاب فقه السياسة، وهذا الفصل إلماع إلى جملة أخرى من ذلك، وذلك باعتبار أن الديمقراطية الاستشارية(1)

في نظم الحكم _ اليوم _ تعتمد وبشكل أساسي على معرفة ماهية الأحزاب وحقيقتها وأسبابها ونتائجها، لكونها ذات تأثير كبير وفعال في الحياة السياسية والاجتماعية لكل شعب وحكومة تأثيراً

ص: 71


1- لا يخفى أن الإمام المؤلف(رحمة الله) يرى وجود فوارق بين الديمقراطية الغربية والاستشارية الإسلامية ذكرها في كتابه الفقه: السياسة، وإليك بعضها: 1- السيادة في النظام الديمقراطي هي للشعب، بمعنى أن الشعب هو سيد نفسه وليس هناك قوة أعلى سلطة من الشعب. بينما السيادة في نظام الشورى للقانون الإلهي _ القرآن الكريم والسنة أي الأحكام _ فحتى الحاكم لابد أن يخضع للقانون الإلهي، بل وحتى الأنبياء والأئمة(علیهم السلام) عليهم التقيد بهذه القوانين. 2- الشعب هو الذي يسنّ القوانين في النظام الديمقراطي، بينما في الإسلام لا حق لأحد في سن القوانين، فالأحكام هي من الله، والله كشف عنها في كتابه أو جعلها مخفية لحكمةٍ، وطلب من العلماء الكشف عنها واستنباطها. 3- يأخذ النظام الديمقراطي بالأكثرية على أنه الحق، بينما يأخذ الإسلام بهذا المبدأ من باب الترجيح فقط، فرأي الأكثرية لا يمثل الحق في النظام الإسلامي فقد يكون الحق مع الأقلية.

سلبياً ف_ي الأحزاب المنحرفة وإيجابياً في ما لو توفرت في الحزب شروط ومواصفات خاصة، ذكرناهابالتفصيل في كتابيّ: السبيل إلى إنهاض المسلمين والصياغة الجديدة.

كما تعتمد تماماً على نظام تعدد الأحزاب، باع_تباره الضمانة العملية للحفاظ على الديمقراطية والحيلولة دون الاستبداد في تاريخ الشعوب، ولقد كانت ولا تزال المصلحة المشتركة لجمعٍ من الأفراد تشكل عامل تكتلٍ وتجمّعٍ بين هؤلاء الأفراد، ولكن وجود مصلحةٍ مشتركةٍ بين عددٍ أو فئة من الأشخاص لا يكفي لأن يشملَ المصلحة العامة أيضاً.

فعلى سبيل المثال: تعتبر غرفة التجارة تنظيماً قائماً على وجود مصلحةٍ مشتركة بين جمع من أفراد المجتمع لا كلّ أفراده.

وإن الحزب لا يُستثنى من هذه القاعدة، فالحزب المحافظ يُجسّدُ أُسلوب تفكير اجتماعي خاص، والحزب التقدمي هو على هذا النمط أيضاً، والطوائف الدينية وشبه الدينية أيضاً تُمثل سلسلة من المصالح المشتركة بين الأفراد، وعلى هذا فإنّ التعريف المُبسَّط للحزب هو وجود هدف أو مصلحة مشتركة بين أفرادٍ تجمَّعوا حول بعضهم البعض من أجل الوصول إلى هذا الهدف وصونه والتوسع فيه.

وتصنّف الأحزاب السياسية _ كما قالوا _ إل_ى: يسارية ويمينية ومعتدلة وراديكالي_ة يمينية وراديكالية يسارية(1).

وعندما يقال لحزب إنه يميني،

ص: 72


1- لنا ملاحظات على التعاريف التي ذكرت وستذُكر في هذا الفصل للأحزاب، باعتبار أنها تعاريف قد لا تطابق الواقع، وقد فصّلنا الحديث عن التعريف الصحيح للحزب ولمختلف الأحزاب وعن الأهداف التي تتوخاها بعض الأحزاب في العديد من كتبنا، منها: السبيل إلى إنهاض المسلمين، والفقه السياسة، وممارسة التغيير، وغيرها فلتراجع، ومنها يتضح أن التعاريف والتقسيمات اللاحقة لا تعكس آراءنا وإنما ذكرت لتعرّف القارئ بما للآخرين من تصورات وآراء حول الموضوع منه(رحمة الله).

فمعناه هو أنه يشمل مصالح فئةخاصة ومحدودة، أي المصالح التي تحتكرها طبقة خاصة في المجتمع، وأن هذه الطبقة تنشط وتسعى من أجل المحافظة على مصالحها في إطار الحزب، والحزب اليساري يعني أنه يشمل مصالح فئاتٍ أوسع من أفراد المجتمع. وبعبارة أخرى أنه يُطالب بتوزيع المنافع والمزايا في البلاد على نطاق أوسع وأن تخرج هذه المنافع والممكنات من دائرة احتكار فئةٍ خاصة، هذا حسب الاصطلاح الشرقي.

أمّا حسب الاصطلاح الغربي، فاليميني هو الذي يجعل كسب كل أحد لنفسه، واليساري ه_و الذي يج_عل كسب الأفراد للمجموع، وكلاهما في النظر الإسلامي غير قائم، كما ذكرناه في كتابي: الفقه: السياسة(1)، والفقه: الاقتصاد(2).

وأمّا الحزب المعتدل فهو لا يطالب بأن تكون المنافع والمزايا والممكنات داخل البلاد في يد فئةٍ خاصةٍ، ولا يُطالب بتوزيعها بين أوسع شريحةٍ من فئات المجتمع، بل ل_ه هدف معتدل، والجناح الراديكالي اليميني يسعى لكسب امتيازات أكثر علاوة على الامتيازات التي تتمتع بها طبقة خاصة في المجتمع، ولا يتوانى عن القيام بأيّ عمل أو استخدام أيّة وسيلة في سبيل المحافظة على هذه الامتيازات، والجناح الراديكالي اليساري، يرى في

ص: 73


1- موسوعة الفقه، المجلد 105-106.
2- موسوعة الفقه، المجلد 107-108.

المقابل أن تتم السيطرة على المزايا والمنافع الموجودة في المجتمع بأسرع وقتٍ، والتوسع في النشاطات الرامية على حصولها، عبر اللجوء إلى أعنف الوسائل، والالتفاف حولَ الطرق والأساليب العادية والمتعارف عليها، وعدم التواني عن اتخاذ أيّة خطوةٍ على هذا الصعيد.

وربما تقسَّم الأحزاب على هذا النحو:

1- الأحزاب الراديكالية، أو التقدمية المتشددة: وتتألف منمجموعات اجتماعية مُعارضة وساخطة ترمي إلى تغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمع بأيّ ثمنٍ كان.

2- الأحزاب التقدمية المعتدلة، أو الأحرار: وتتألف من مجموعات اجتماعية لا تُبدي امتعاضاً وسُخطاً تجاه الظروف السائدة داخل المجتمع، لكنها في الوقت نفسه هي على استعداد لأيّ تغيير في الوضع بصورة هادئة غير متسرعة.

3- المحافظون، هم مجموعات تبدي ارتياحاً حيال الوضع الراهن ولا ترغب في أيّ تغيير بالرغم من أنهم يزعمون أنهم يسعون إلى تحسين الحالة السائدة ف_ي المجتمع.

4- الرجعيون، هم مجموعة من الناس الذين يبدون رضاءهم حيال الوضع الراهن داخل المجتمع، ولا يرضون لأيّ تحسين أو تغيير في هذا الوضع.

ويرى البعض: إن الناس في سنيّ عمرهم المختلفة يُغيرون أساليبهم، ففي سنيّ الشباب يميلون إلى الاتجاه التقدمي المتشدد، وكلما تقدموا في العُمر غيروا اتجاهَهم حتى يصل بهم المطافُ في سني الشيخوخة إلى الاتجاه الرجعي، ونادراً ما حَصَل أن غيَّر فردٌ اتجاهَه إلى الاتجاه

ص: 74

الُمناهِض فجأةً من دُون التدرّج في الاتجاهات المختلفة.

وأخيراً:

1- فالحزب تجمعٌ لأفراد لهم مصالح مشتركة من وجهة النظر الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، وأنه من أجل استلام السلطة ينشط ويتحرك في إطار برنامج عام.

2- وجود حزبٍ ما، يعني تلقائياً حقيقةً أن جمعاً من الناس قد تكتَّلوا وتعاضدوا من أجل المحافظة على مصالح مشتركة قائمة بينهم، أو للدفاع عن مصالح مشتركة بينهم يسعون للحصول عليها وتحقيقها.3- إن الجاذب الاجتماعي لأيّ حزب في الوسط الشعبي والفئات التي تقف خارج نظام توزيع الممكنات والمزايا المتاحة داخل المجتمع، يتوقف على مدى احتواء المصلحة المشتركة ال_تي تُشكّل أساس وفلسفة ه_ذا الحزب للمصالح الاجتماعية الخاصة والعامة لفئاتٍ أوسع من أفراد الشعب.

إن المجتمعات التي تتبنّى الديمقراطية الاقتصادية بما يجعلها في غنىً عن الأحزاب، تحتفظ في نفس الوقت بهذه الأحزاب بوصفها تنظيمات من أجل الكفاح الاجتماعي المُتواصل، وذلك لغاية رفع مستوى الوعي السياسي وتحقيق الخيارات الاجتماعية والحفاظ على أيديولوجيتها؛ لأنه لا يوجد حزبٌ بمعناه السياسي والاجتماعي والاقتصادي دون أن يقبل بمبدأ الكفاح والدخول بميادينه، ولا يستطيع أن يكسب العطف الشعبي وبسط نفوذه في صفوف الجماهير.

إن أيّ حزبٍ ل_ه أرضية من الكفاح الاجتماعي، يبقى على ديمومته

ص: 75

وتواجده كتنظيمٍ حزبي ما دامت ل_ه نفسية كفاحية على هذا النمط، وأن الحزب يبقى محافظاً على مبدأ الكفاح ومفهومه من منطلق أنه عامل أساسي، وحتى الأحزاب المحافظة واليمينية في البلدان الرأسمالية والتي تُدافع أصلاً عن الامتيازات الطبقية، تكافح هي الأخرى من أجل الحفاظ على التقاليد الاقتصادية والاجتماعية التي تضمن مصالحها وامتيازاتها وتحقق نجاحاتها؛ لأن الفلسفة التي تكمن في قيام الأحزاب هي الكفاح، ولا يستطيع حزب أن يستمر في حياته السياسية بدون الكفاح، خاصة في المجتمعات النامية، حيث الأحزاب السياسية لا تستطيع أن تكون مم_ثلةً ومجسِّدةً للمصالح الاجتماعية والاقتصادية المشتركة لجماهير الشعب بتقديمها فقط لائحة تأسيسية تقدميّة، وبتمليكها لمباني عديدة وبإصدار نشرات إعلامية.

الأحزاب الديكتاتورية

عند ما تكون آراء القائمين على حزبٍ ما مُتحكمّةً به ومفروضةً عليه، فإنّ قدرة التفكير والإرادة الح_رة والبصيرة لدى منتسبي الحزب وجماهيره، تزول وتمحى، وتزول معها قدرتُهم على خلق القيم وتبلورها، وبنتيجة التوزيع غير المُتعادل وغير المتكافئ للإمكانيات الحزبية، فإنّ الكذب والنفاق وفقدان الإيمان والمُبالغة في الأمور والخوف، تطغى على الأخلاقيات والتقاليد الحزبية السليمة.

وفي مثل هذا الحزب، فإنّ المُنتسبين إليه من وجهةِ النظر الشخصية أكثر حقارةً وتزلّفاً ونِفاقاً وخوفاً ولا عقائدية، وبالطبع أكثر انقياداً واستسلاماً، ومثل هذا المنتسب الحزبي هو من أكثر العوامل والعناصر المؤلفة لهيكلية

ص: 76

الحزب ثقةً وتقرباً عند القائمين عليه.

وعلى العكس م_ن ذلك، ف_إن الأفراد الشجعان من ذوي الإيمان والإرادة والذين لا يتلاءم طبعهم الذاتي مع الانقياد الأعمى والطاعة المطلقة، لا يمكنهم أن يكونوا موضعَ ثقة واطمئنان هؤلاء القائمين والمشرفين على شؤون الحزب، بل لا يمر زمان إلاّ ويُطردون من الحزب.

وفي البلدان النامية، تفقد الأحزاب تلقائياً نفوذها الاجتماعي وطبيعتها الشعبية إذا كانت مُمثلةً بصورة مباشرة للحكومات والنظم السياسية والاجتماعية القائمة في البلاد، فإنّ مثل هذه الأحزاب تفتقد للجاذبة السياسية والشعبية؛ وذلك لأنّها ديكتاتورية بطبيعتها، والديكتاتور ينفضّ الناس من حول_ه وإنّما يبقى بمشنقته وسجنه وتعذيبه، وإذا أرادت أن تنشط في مواجهة الأهداف والأساليب التي يريدها لمنافعها الشخصية، فإنها تتسبب في تعقيد الأمور وخلق المشاكل سواء كانت تريد ذلك أم لا، وإذا نشطت في ظروف مؤاتية، بسبب انقلاب عسكري أو انقلاب شعبي استبد بعده بالحكم، فإنه يسبب الخراب والدَّمار.

وفي المجتمعات التي يفتقد الناس فيها النفسية والتجربةوالممارسة الحزبية، في ما الحكومات الحزبية لا ترغب في توزيع السلطة بين الأحزاب الصحيحة والسليمة، فإنّ الأحزاب تصبح على شكل منظماتٍ لا تشعر الحكومة أمامها بالمسؤولية، كما أن الناس لا ترى فيها ما يُجسّد ويعكس خياراتها الاجتماعية ومتطلباتها الاقتصادية.

أسباب فشل الأحزاب السياسية في العالم الثالث

بالرغم من مرور أكثر من نصف قرنٍ على تأسيس الأحزاب السياسية

ص: 77

في هذا البلدان _ بلدان العالم الثالث _ ، فإنه لا تزال قضية الحزب شيئاً جديداً بالنسبة للجماهير الشعبية العريضة والفئات الوسيعة من أفراد المجتمع . والسبب الرئيسي في هذه الجدّة يكمن في عاملين يمكننا بحثهما ودراستهما على النحو التالي:

1- إنّ شعوب العالم الثالث لها ذكرياتٌ مُرّةٌ دائماً مع الأحزاب السياسية في بلدانها.

2- فقدان الكتب اللازمة وعدم تعليم قواعد السياسية في المعاهد بوجه صحيح أدّى إلى جهل المجتمع وخاصة جيل الشباب فيه بالقضايا السياسية والحزبية حتى تدار الأحزاب بالوجه الصحيح. ومن هنا، فإنّ الأحزاب السياسية واجهت الفشل من أُولى تجربتها الاجتماعية المرتبطة بالانتخابات النيابية وانتخابات مجالس المدن.

وبه_ذا الصدد أسئلة حائرة على ألسنة المثقفين والذي_ن فوجئوا بالأحزاب والانقلابات وذاقوا الويلات وهي:

هل للأحزاب مقدرة على تجسيد الخيارات الاجتماعية للشعوب؟

وهل هي قادرة على التعبير عن رؤيتها العالمية وتحسسها بقضايا الأمة، أو تؤدي إلى تصنيف المجتمع إلى فئاتٍ نخبوية بلا حدود وفئاتٍ فقيرة بلا حدود؟وهل هي قادرة على أن تكون سنداً وقوةً للجماهير الشعبية؟

وهل هي قادرة على أداء الرسالة والقيام بالواجبات، وتكون الحصيلة إقبال الناس على عضويتها والعمل على إعلاء البلاد؟

وهل توجد علاقة بين الأحزاب والشعوب؟

ص: 78

وهل يمكن لزعم_اء الأحزاب أن يوجدوا رابطةً أو صلةً مع جماهير الشعب على أساس الخيارات الاجتماعية المشتركة؟

وف_ي أيّ ظروف يمكن للأحزاب السياسية أن تكون مكملّةُ للديمقراطية الاستشارية(1)

التي بدأت تسود المجتمعات الحديثة؟

وهل العالم المتقدم أو الذي في طور التقدم هو ف_ي حاجة إلى الأحزاب السياسية أم لا؟

وأين تكمن حسنات الأحزاب وأين تكمن مساوئها؟

وما هو دور الأحزاب في مصير الحكومات؟

وكيف يُمكن للأحزاب أن تكسبَ لنفسِها أرضية الكفاح الاجتماعي؟

وكيف يُمكن للعناصر المؤلفة للأحزاب أن تتفهم الأداة المُحرّكة للنشاطات الاجتماعية وأن تتحسس ضرورة مثل هذه النشاطات؟

وكيف تصبح قوى الأحزاب السياسية في المجتمعات أداة تحقيق لأغراضٍ شخصيةٍ خاصة؟

هذه هي مجموعة أسئلة، بحاجة إلى الجواب وحيث لسنا ف_ي هذا الكتاب بصدد التفصيل نترك الأجوبة للكتب المفصلة.

تعريف الحزب

الحزب كلمة عربية تعني: فريقاً أو مجموعة من الناس الذين لهم تفكيرٌ واحد وهدف واحدٌ، وجمعُ كلمة الحزب هو:الأحزاب، وتوجد في

ص: 79


1- ذكر الإمام المؤلف(رحمة الله) الديمقراطية وجعلها مرادفة للاستشارية من باب التماشي مع البحث، وإلاّ فهناك فروق بينهما ذكرها سماحته في بعض كتبه ونبهنا إلى ذلك في بداية الفصل الرابع.

القرآن الكريم سورة باسم: الأحزاب، يقول الله سبحانه وتعالى في الآية 22 من هذه السورة: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ}.

وقد استخدمت ف_ي القرآن عبارةُ: {حِزْبَ اللَّهِ}(1)، و{حِزْبُ الشَّيْطانِ}(2)، و{أَيُّ الْحِزْبَيْنِ}(3)، وفي حديث، قال رسول الله(صلی الله علیه و اله): «أنا في الحزب الذي فيه ابن الأَدرَع»(4).

ويمكن تعريف الحزب السياسي بهذا الشكل:

الحزب السياسي هو عبارة عن الشريحة لطبقة اجتماعية تكافح نظاماً معيناً م_ن أجل تأمين المصلحة حسب ما تراها واستلام السلطة وتطبيق مسلكها العقائدي وزعامة الطبقة الخاص_ة التي يمثلها هذا الحزب على ساحة الصراع الاجتماعي.

إن قوة الأحزاب في البلدان الغربية هي في إطِّراد، نظراً لإقبال الناس على هذا النوع من المدارس السياسية، حتى باتت الحكومات غير قادرة على البقاء في السلطة أو في سعيها للسلطة دون دعم ومساندة من الأحزاب، فالحكومات التي جاءت إلى السلطة بدون دعم حزبي لم تدم طويلاً فسقطت في مواجهتها لأقل مانع أو مشكلة، وقد وصل الأمر إلى حدّ أنّ الأحزاب السياسية أصبحت في المجتمعات الغربية من مستلزمات

ص: 80


1- سورة المائدة، الآية: 56.
2- سورة المجادلة، الآية: 19.
3- سورة الكهف، الآية: 12.
4- مستدرك الوسائل 14: 79؛ عن غوالي اللئالي 3: 266.

الديمقراطية، فأكثر الرجالات السياسية في عالمنا اليوم هم زعماء أو ممثلون لحزبٍ ما، أو كانوا في الماضي يتزعمّون حزباً ما.إنّ الأحزاب السياسية ومؤسساتها لها تأثيراتها على سير الانتخابات، ولعلّ هذه التأثيرات تبدو واضحة أكثر للعيان ف_ي التركيبة الداخلية للمؤسسات الحكومية، ولا يمكن توضيح هذا الموضوع بسهولة ويسر، وعندما نأخذ في الاعتبار أن الأحزاب السياسية لا تكتفي بتنظيم صفوف الناخبين في المناطق الانتخابية ولا بالمرشحين للانتخابات بل تُبادر بتعيين الوزراء والنواب أيضاً، نرى من اللازم أن نقارن بين ما يعتبرونه موضوعاً هيكلياً وموضوعاً أساسياً، فف_ي إطار الحكومات اليوم سواءٌ كانت حكوماتٍ ديمقراطية أو حكومات ديكتاتورية مستبدة _ لأن الاستبداد الجديد يقوم على الحزب الواحد _ تُشكّل الأحزاب السياسية أساس أو دعامات هيكلية المجتمع في حين أنّ المنظمات الشعبية العامة تشكلُ هيكلية المجتمع على النحو الذي أوضحناه.

تُقسم الأحزاب إلى صنفين، أحدهما ينشط خارج البرلمانات والآخر داخلها. ولكن يوجد اختلاف كبير جداً بين الحزب الذي يأخذ مشروعية م_ن خارج البرلمان، وبين الحزب الذي يجد أرضيته في الأوساط البرلمانية والهيئات الانتخابية؛ لأنّ الأحزاب الناشطة خارج البرلمانات لها تمركزٌ وتماسكٌ أكثر من تلك الأحزاب ال_تي تعمل داخل البرلمانات، نظراً لأنّ تكامل مثل ه_ذه الأحزاب _ أي الأحزاب العاملة داخل البرلمانات _ يبدأ م_ن الأعل_ى، بينما سائر الأحزاب تتشكل بدايةً من الوسط الشعبي، أي أنها تقوم من أعماق جماهير الشعب.

ص: 81

الهيكلية العامة للأحزاب السياسية

في الأحزاب السياسية يتولى عدد مُحددٌ من الأشخاص _ ممّن هم في مستوى المسؤولية الحزبية في مختلف الأصعدة _ إصدار الأوامر، في ما الغالبية من الأفراد الحزبين يطيعون هذه الأوامر.

ولكن هذه الآمرية وهذا الانقياد لا يكفيان وحدهما فيتحريك عجلات الأحزاب السياسية وأداء دورٍ من أجل تدعيم الحزب وديمومته، بل إنّ هناك عوامل أخرى يجب أن تتوفر في الحزب كي يُصبح حزباً سياسياً، ويتكوّن الحزب بأن يتكتّل أعضاء الحزب انطلاقاً م_ن لائحته التنظيمية ونُظُمه الإدارية بمجموعات صغيرة وأنّ ه_ذه المجموعات والعوامل المنسقة بينها تشكّل أساس الحزب، وكيان الحزب يتوقف على هذه المجموعات الصغيرة.

وطبيعي أنه في إطار هيكلية الأحزاب السياسية، تختلف طبيعةُ صلة أو ارتباط الأفراد الحزبيين مع التنظيمات المختلفة للحزب، وإن هذه الصلة أو العلاقة تتم بصورتين:

1- العلاقة المباشرة.

2- العلاقة غير المباشرة.

وفي العلاقة المباشرة أو بدون الواسطة، الأفراد يقبلون بعضوية الحزب ويدفعون بدل العضوية ويشتركون في الاجتماعات الحزبية ويبدون وجهات نظرهم حولَ القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلاد، وخلاصة أن آراءهم ومقترحاتهم ترفع إلى مسؤول الحزب عبرَ اللجنة الحزبية، وإذا كانت الحكومة مشكلة من هذا الحزب فإنّ مسؤوله

ص: 82

يتولى اطلاع الحكومة بهذه الآراء والمقترحات وذلك من أجل التنفيذ.

وفي العلاقة غير المباشرة، الأفراد غير قادرين على الالتحاق بعضوية الحزب بصورة مباشرة ودفع بدل العضوية، بل إنّ مثل هذا الإجراء يتم بواسطة النقابات والشركات التعاونية والجمعيات ووجود مثل هذه الواسطات بين الحزب والجماهير من شأنه أن لا يتمكن الأفراد من الانضمام لعضوية الحزب بصورة مباشرة، وأن لا يستطيع فرد من إبداء وجهة نظره بشأن القضايا المختلفة، ومن أن يوجِد علاقةً مباشرة مع المسؤولين في الحزب.

التنظيمات الداخلية للأحزاب السياسية

إن تنظيمات الأحزاب السياسية في عالم اليوم تصنّفُ إل_ى عدة مجموعات منها:

أولاً: اللجنة في الأحزاب الحُرة والمحافظة والراديكالية المُتشددة.

ثانياً: المنطَقة في الأحزاب الاشتراكية.

وتتألف اللجنة من عدد مح_دود من الأفراد الذين تتم عضويتهم ف_ي الحزب عن طريق تعريفُهم وتقديمهم من جانب المؤسسين للحزب.

والأحزاب التي تقوم على أساس وحدة اللجنة لا تولي اهتماماً بكمية الأعضاء بل تهتم بالكيفية _ أي شخصية الأعضاء _ ، واللجنة بحسب الدول المختلفة يمكن أن تتألف من نوعين من الأعضاء:

النوع الأول: ينصبّ الاهتمام على طبيعة الشخص الراغب ف_ي العضوية وأهميته الخاصة، والفرد الذي ينتخب في العضوية يُشارك في اللجنة.

ص: 83

النوع الثاني: يشترك الأعضاء في اللجان ممثلين للنقابات والجمعيات، وإن عمل اللجنة غير متواصل على الدوام وإن اجتماعاتها لا تنعقد بصورة منتظمة، بل إن أعمال اللجان تبدأ عشية المعركة الانتخابية، وفي بعض المدن يشرف على شؤون اللجان فردٌ يُعرف بالقائم بالأعمال، وكل قائم بالأعمال له منطقة انتخابية صغيرة يضم أربعمائة فرد ناخب أو غيره من الأعداد المقررة، ويجب على القائم بالأعمال أن يتعرّف على كل الناخبين في منطقته وأن يكون على اتصال بهم وأن يبادر إلى مساعدتهم عند الحاجة، ويمتلك القائم بالأعمال تأثيراً ونفوذاً على الناخبين وهو المحرك الحقيقي لسير الانتخابات وأنه يضع نفسه في خدمة المسؤولين بالحزب، ولا يُستبعد أن ينشط ويعمل القائم بالأعمال ف_ي خِضَّم الانتخابات لصالححزب ما، في حين كان نفسه هو في الجولة السابقة من الانتخابات يعمل لصالح حزبٍ مُعارض ومناوئ لهذا الحزب _ في ما إذا لم يكن القائم بالأعمال مبدئياً من جهته الحزبية وإن كان مبدئياً من جهته الوطنية أو ما أشبه _ وَيدير اللجان المؤلفة م_ن موفدي وممثلي النقابات والجمعيات المختلفة، عجلة الحزب برمَّته.

وفي الأحزاب اليمينية، لا يبدي الأعضاء رغبةً ف_ي التدخّل ف_ي الشؤون السياسية، ولذا فإنهم يفضِّلون العضوية فقط في اللجان الحزبية، وفي الأحزاب العاملة ببعض الدول لا تزال اللجان تحتفظ بكيانها؛ لأن شعوب هذه الدول لا تستطيعُ التكيّف مع الانضباط الحزبي، فالشعوبُ هناك ليست لها نفسية التمايز الطبقي، كما أنها ليست على استعداد لقبول التعليمات الاجتماعية والسياسية المتشددة والروتينية، وإن الفرد العامِلَ في

ص: 84

هذه الدول بالرغم من كونه عضواً في النقابات العمالية لكنه ليس على شاكلة عُمال بعض الدول الأخرى، فهو يفتقد لنفسية التحدّي الطبقي ويفضِّل أن لا يتقيدَّ بالانضباط الحزبي المتشدد، على العكس من عمال بعض الدول الأخرى . واللجان في الأحزاب السياسية بهذه الدول هي من الدعائم التنظيمية الحزبية.

أما المنطَقة التي هي مبتكرات الأحزاب الاشتراكية، فهي على النقيض تماماً من اللجنة؛ إذ تتلقى الأوامر من مركزٍ واحدٍ، وهو النواة المركزية للحزب، وتعتبر المنطقة في التنظيمات الأساسية للأحزاب السياسية جزءاً من الدعاية الأساسية للحزب، فهي العامل الرئيسي في إيجاد التمركز والتكتّل بين الأقسام المختلفة في الحزب.

والمنطَقةٌ على النقيض من اللجنة، تولي اهتماماً بالكمية أكثر من الكيفية وتسعى لجر الفئات المختلفة في المجتمع إلى الانضمام للحزب، ويمكن للأفراد أن يختاروا العضويةبالمناطق بشروط سهلة جداً . وتنعقد اجتماعات المناطق بصورة دائمية ويجرى البحث فيها حول القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

ويمكن توجيه النقد من خلال المناطق لأساليب الحكومة الحزبية والمسؤولين ف_ي الحزب، وأن يوضَعَ منهجُ الحزب موضعَ البحث والمناقشة، ويتم ابتكار مناهج جديدة ترسل إلى المسؤولين في الحزب من أجل التنفيذ.

والمنطقة على العكس من اللجنة، لا ت_ؤدي دوراً رئيسياً ف_ي النشاطات الانتخابية، ولا يتمكن رئيس المنطَقة من التدخل في شؤون الانتخابات

ص: 85

والإجراءات المتعلقة بها بصورة مباشرة خلافاً لدور رئيس اللجنة.

العلاقات الداخلية في التنظيمات الحزبية

العلاقات الداخلية في التنظيمات الحزبية يمكن أن تتم بطريقتين:

1- العلاقات العمودية.

2- العلاقات الأفقية.

أولاً: إن العلاقات العمودية تحولُ دونَ تسرّب خطر الانفصال عن الحزب إلى أجزائه المختلفة، ودون حصول فكرة الانفصال لدى أعضائه، ومنع تسلل أيّة أفكار مناهضة لعقيدة الحزب إلى داخل تنظيماته.

فإن التسلسل التنظيمي الداخلي للحزب يقضي بأن يكون إلى جانب التنظيم الرسمي المعلَن للحزب تنظيمٌ سري لمهمة الرقابة، ويتمثّل هذا التنظيم السري بالمسؤولين للوحدات الحزبية؛ إذ إن هؤلاء المسؤولين يتعيّنون من جانب الهيئة المركزية للحزب، ومن أجل الحفاظ على موقعهم داخل الحزب يتعين على هؤلاء أن يراقبوا ما يج_ري داخل وحداتهم وأن يحولوا دون تسرّب الأفكار المناهضة للانضباط الحزبي إلىداخل وحداتهم.

إنّ العلاقة العمودية لا تؤدي فحسب إلى إقرار الانضباط الحزبي المتشدد، بل تؤدي أيضاً إلى أن تقوم التنظيمات الحزبية بنشاطاتها بصورةٍ سرية، وذلك في حالات الخطر التي من شأنها أن تؤدي إلى إلغاء الحزب قانونياً؛ لأن الخلايا غير مرتبطةٍ مع بعضها البعض، ولذا يطول الكشف عنها.

وتوجد في جميع الأحزاب السياسية في العالم رغبةُ إلى خلق العلاقة العمودية، حيث إن الأحزاب السياسية مضطرة إلى الاستفادة من العلاقة

ص: 86

العمودية حفاظاً على موقعها وكيانها وديمومتها.

ثانياً: في الأحزاب التي لا تحتاج إلى الترابط والقوى والتعاضد الحزبي بين أفرادها ومسؤوليها، يسمى الترابط بينها بالعلاقة الأفقية؛ لأن في هذا الترابط جميع العوامل والمؤسسات في مستوىً واحد، كلهم قادرون على إيجاد الترابط في ما بينهم، لا يتقيدون بالضوابط الإدارية ومراعاة التسلسل القيادي، وإذا وجد حزبٌ كذلك فإنه غير قادر على إقرار الانضباط الحزبي في داخله ولا يستطيع الحفاظ على كيانه في حالات بروز خطر إلغائه قانونياً.

وبصورة عامة، قلّما توجد العلاقة الأفقية فقط في الأحزاب السياسية، أمّا في النقابات المختلفة والجمعيات الأدبية والثقافية والرياضية والجمعيات السياسية ذات الأهداف المحدودة والواضحة، مثل جمعيات أنصار السلام في الغرب والتي تسعى أصلاً إلى جرّ مؤيّدين لها، فإن العلاقة الأفقية تبدو أكثر وضوحاً للعيان.

أقسام التمركز

التمركز على قسمين:

1- التمركز الديكتاتوري.

2- التمركز الديمقراطي.إذا أبدى القائمون على حزب ما رقابة وإشرافاً على اجتماعات أعضاء الحزب، وإذا فرضوا الرقاب_ة العقائدية على ه_ذه الاجتماعات، ولم يسمحوا لأعضاء الحزب بأن يعبِّروا بحرية عن آرائهم ومقترحاتهم، وإذا لم تكن هناك أيّة علاقة بين آراء أعضاء الحزب وقرارات المسؤولين في الحزب،

ص: 87

في مثل هذه الظروف، يتّصف الحزب بالتمركز الديكتاتوري، ومثل ه_ذا الأسلوب ساري المفعول بدقة تامة في الأحزاب الفاشية، حيث كانت قرارات القائمين على الحزب توضع موضع التنفيذ دون أن تُؤخذ في الاعتبار آراء ومُقترحات أعضاء الحزب أنفسهم.

وفي العصر الحاضر، يبدو هذا الأسلوب بادياً للعيان بوضوح كبير في المجتمعات المتخلِّفة، حيث الأحزاب تتّصف بالتمركز الديكتاتوري.

أما عند ما يسودُ التمركز الديمقراطي في حزبٍ ما، فإن آراء غالبية أعضاء الحزب أو مندوبيهم تؤخذ في الاعتبار لدى صياغة القرارات الحزبية من جانب القائمين على الحزب؛ إذ توجد علاقة مباشرة بين آراء الأعضاء وقرارات قادة الحزب، حيث آراء الأعضاء تحظى بالاحترام ويبقى مبدأ التعبير الحر محتفظاً بموقعه داخل الحزب.

بدل العضوية

إن من جملة واجبات أعضاء الحزب هو تسديد بدل العضوية، فالفرد لدى التحاقه بعضوية الحزب يُسدّد بدلَ العضوية لثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو لسنة، إضافة إلى بدل الالتحاق، وفي الأحزاب التي تولي اهتماماً بالكيفية _ نوعية الأعضاء _ لا يؤثر بدلُ العضوية كثيراً في حالتها المالية؛ لأنّ الأعضاء على علم بأن الحزب يتلقى الدعم المالي من جهات معنية موالية للحزب.

ومن هنا يمكن لعضو الحزب الكيفي أن لا يسدد بدلالعضوية أبداً بعدما يكون قد سدّد بدلَ الدخول إلى عضوية الحزب، وأنّ لا يعير أيّ اهتمام لأوامر اللجنة المالية للحزب والخاصة بتسديد بدل العضوية من

ص: 88

جانب الأعضاء، في حين أنّ الأحزاب التي تولي اهتماماً بالكمية فإنّ المبالغ المستحصلة من الأعضاء _ كبدل لعضويتهم _ تشكل المورد الرئيسي لمالية الحزب؛ لأنّ مثل ه_ذه الأحزاب ليست لها عوائد مالية م_ن أيّة جهة توالي الحزب على تمركز القوى القيادية.

إن تسيير قيادة الأحزاب السي_اسية من جانب زعيمٍ أو أمين عام هي أمر لا يمكن استمراره على الدوام، فالأحزاب الحقيقية تسعى قدر المستطاع إلى إحداث التغييرات الضرورية ف_ي الكوادر القيادية، بمقتضى الظروف والمستجدات على الساحة السياسية، وعدم تمركز القوى بسبب استشارية الحزب؛ إذ لو تمركزت القوى في أيادي معدودة كانت الديكتاتورية كما يشاهد في الأحزاب الشيوعية ونحوها.

الأحزاب الديمقراطية والأحزاب الديكتاتورية

يقال لحزب إنه ديمقراطي ف_ي حال ما إذا انتخب زعماؤه من قبل أعضاء الحزب من خلال انتخابات حقيقية وبالاقتراع السرّي أو العلني، والمنهج والسياسة العامة لمثل ه_ذه الأحزاب سواء على صعيد التنظيمات أو القرارات، يتم تعيينهما وتحديدهما في المؤتمر العام للحزب، وهو المؤتمر المؤلف من الممثلين والمندوبين الحقيقيين لأعضاء الحزب، وتبرز في اجتماعات مثل هذا الحزب الآراء والنظريات والاتجاهات المختلفة والمتضاربة، وإن الاتجاه الغالب فيه ه_و الاتجاه الذي تُؤيّده غالبية الأعضاء.

ويقال لحزب إنه ديكتاتوري في حال ما إذا تم تعيين قادته بحلول النائب مَحلَ القائد، وهلمّ جرا، ويكون منهجُ الحزب تجسيداً لما يريده قادة

ص: 89

الحزب، ويكون الرأي المخالف للمنهج العام فيه ممنوعاً، فيحظر فيه تعدد الأفكار والآراء، ويطرد أيّشخص ل_ه علاقة بالفكر المعارض، وفي مثل هذه الحالة ينساق الحزبُ نحو الاستبداد والديكتاتورية والتفرد السلطوي(1).

الأحزاب السياسية والمؤسسات الحكومية

إنّ تعدد الأحزاب السياسية وطبيعة تنظيماتها لهما تأثير كبير جداً في انتخاب الهيئة الحاكمة، وإن هذا التأثير ملحوظٌ بشكلٍ أكبر في الهيكلية الداخلية للمؤسسات الحكومية.

ومن هنا فإن الأحزاب السياسية لا تكتفي بتصنيف الناخبين والمرشحين، بل تسعى أيضاً إلى التأثير في اختيار الوزراء ونواب الوزراء وأعضاء البرلمان.

وهناك خلاف بين المفكرين في أفضلية النظام القائم على حزبين على القائم على عدة أحزاب، فبينما يذهب بعض المفكرين إلى الرأي الثاني انطلاقاً من علل عديدة منها: أصالة الحرية والتي يوفرها بشكل أكبر وجود عدة أحزاب، إضافة إلى وجود مج_ال أوسع وخيارات أكثر للأمة ف_ي عملية انتخاب الأطروحات، نجد أنصار الرأي الأول يقولون:

إن النظام القائم على وجود حزبين، تزول فيه التصارعات والتصادمات الثانوية، حيث إنّ جميع الفئات المعارضة تندفع في إطار قناةٍ سياسية معارضةٍ يحق لها التعبير عن توجهاتها وآرائها المعارضة، وعلى العكس من ذلك فإن النظام القائم على عدة أحزاب من شأنه أن يوجد

ص: 90


1- ذكر الإمام المؤلف(رحمة الله) سمات الحزب الديكتاتوري في موسوعة الفقه، المجلد 109-110.

الفرصة المناسبة لظهور التصارعات والتصادمات الثانوية وتفتيت وتجزئة المعارضة الكبرى، وبوجه عام يمكن القول إن النظام المسنود بعدة أحزاب يفتت المعارضة ف_ي ع_دة جهات، ويمتصها _ أي يمتص زخمها _ في حين أن النظام المسنود بحزبين أو الجبهتين يخلق معارضة هي بحدّها الأعلى.ومن لوازم النظام القائم بحزبٍ واحد هي العقيدة الواحدة وممارسة سياسة الإرهاب والعنف واحتكار السلطة. ولذا فالنظام الفاشي شأنه كالنظام الشيوعي، يتبنى حزباً واحداً ينفرد بالنشاطات السياسية في البلاد.

وكانت الإيديولوجية وبيئة العنف والإرهاب هما القاسم المشترك للنظامين الفاشي والشيوعي، وعلى هذا الغرار النظم القومية وما أشبه، التي هي وليدة النظم الشرقية والغربية ذات الحزب الواحد.

إنّ هذه النظم تعتبر مناهضي إيديولوجيتها أخطر من الجناة العاديين، وتُعامِلَ المُنفصلين عن الحزب الواحد فيها كمعاملة المعارضين بكل شدةٍ وقسوة، مثلما عامل زعماء الأحزاب الفاشية رفاقهم المنشقين عنهم في الحزب.

النظام القائم على الحزبين

وهو ذلك النظام الذي ينشط فيه حزبان قويّان يتسلمان السلطة فيها واحداً بعد آخر عبر انتخابات حرة، ويمكن أن تكون هناك أحزابٌ أخرى لكن السلطة الحكومية تظل في يد هذين الحزبين الذين يتسلمانها على التناوب، وذلك لقرب أفكار مثل هذين الحزبين إلى أفكار الجماهير، بينما أفكار غيرهما ليست كذلك.

مثلاً في بريطانيا توجد أحزابٌ أخرى غير حزب العمال والمحافظين مثل

ص: 91

الحزب الليبرالي والحزب الشيوعي، ولهذه الأحزاب ممثلون في البرلمان، لكن السلطة الحكومية تظل بيد هذين الحزبين القويين وعلى التناوب.

وفي النظام ذي الحزبين يظل حزبُ الأغلبية هو الحاكم على الدوام، وتكون المعارضة والنقد والرقابة من نصيب حزب الأقلية.

وفي أمريكا توجد أحزابٌ غير الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لها ممثلون في البرلمان، لكن أكثرية أعضاءالكونغرس وغالبية الناخبين في انتخابات رئيس الجمهورية هم من المنتسبين لواحد من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

الفرق بين النظام ذات الحزبين والأحزاب المتعددة

إن دراسة الفرق بين النظام ذي الحزبين والنظام ذي الأحزاب المتعددة أمرٌ ذو أهمية كبيرة؛ إذ نظرةٌ على طبيعة الانتخابات بين الحزبين والانتخابات بين الأحزاب المتعددة تُوضح بجلاء هذا الفرق الشاسع، فنتيجةُ الانتخابات بين حزبين تظهر في مرةٍ _ دورة _ واحدة حيثُ رأي الأكثرية هو الملاك، في حين أن الانتخابات بين الأحزاب المتعددة تتم في _ دورين _ ، وأنّ رأي الأكثرية النسبية للأحزاب المتعددة يعتبر الملاك.

ولإيضاح هذه النقطة نقول: نأخذ في اعتبارنا منطقة انتخابية، فنجد _ مثلاً _ أَن مائة ألف صوت هي لصالح حزب المحافظين ومائة وخمسين ألف صوت هي لصالح الحزب التقدمي، ففي مثل هذه الحالة إذا تمت الانتخابات في دورٍ واحد وتجزّأ التقدميون إلى فريقين في ما شكل المحافظون فريقاً واحداً فإن حزب المحافظين يمكنه أن يفوز على التقدميين بمائة ألف صوت، إن مثل هذه الحالة تؤدي بالحزبين _ الفريقين _ التقدميين لكي يتحدا

ص: 92

ويسعيا إلى الفوز بمقاعد البرلمان بقوة متكتلة أقوى من قبل حتى يوجد حزب تقدمي له أكثر م_ن مائة ألف صوت، وإذا لم يتحدا فإن الناخبين سوف يقترعون لصالح الفريق الذي هو أكثر تقدمياً من نظيره، وبهذه الصورة تخلق حوافز لاتحاد الأحزاب أو لتحطيم مراكز السلطة الحزبية لديهم.

الأحزاب والتجمعات الضاغطة

الأحزاب السياسية توجد عادةً من أجل النشاطات السياسية، وأما مجموعات النفوذ والضغط فهي منظماتٌ سياسية تفرض نفوذها عَبْرَ نشاطات تتم خلف الستار من أجل تحقيق أغراض نقابية أو مهنية أو تجارية، وتصل هذه النشاطات الخفية إلىذروتها أحياناً، مثل مراكز الضغط _ اللوبي _ التي تتدخل في المضاربات والصراعات بين أعضاء مجلس الأمة أو مجلس الأعيان والوزراء وكبار الموظفين في الحكومة.

ويمكن تصنيف مجموعات النفوذ إلى فريقين:

أ- مجموعات السلطة الحاكمة.

ب- مجموعات الجماهير الشعبية.

ففي ما يخص الفريق الأول، فإنّ صلة ه_ذه المجموعات تتحدد بالمنظمات الحاكمة وأعضاء البرلمان أو الأعيان ومجلس الوزراء وأصحاب الرتب العالية في الحكومة، وفي ما يخص الجماهير الشعبية، فإنّ عملها يتم عبر الصحف والخطب والاجتماعات والنشرات الأخبارية والنشاطات الأخرى التي بها يمكن التأثير على جماهير الشعب، ونتيجة لذلك تستطيع مجموعات النفوذ أن تفوز في القضايا السياسية والاجتماعية والانتخابية

ص: 93

وقضايا أخرى بدعمٍ من آراء ومساندة الجماهير الشعبية، كما تستطيع القيام بدور رئيسي بواسطة التحديات التي تقوم بها الصحف والإضرابات وتنظيم المظاهرات. وبناءً على ذلك تكون نشاطات مجموعات النفوذ علنية بوسائل مشروعة قانونية تارةً وبالعنف والتضليل وصرف الأموال للرشوة والدعايات تارةً أخرى.

اللجوء إلى السرّية

وإذا لم ترد حكومات الدول أن تعترف رسمياً بالسلطة الخفية الحاكمة فيها ولم تسمح لها بالنشاط والفاعلية وحَظَرت عليها مثل هذا النشاط، فإن ذلك لا يعني أنّ ه_ذه القوى سوف تتوقف عن نشاطاتها ومساعيها؛ لأن السلطات الخفية لها وسائلها وطرقها الخاصة بها، والتي يمكن لها م_ن توظيفها والعبور منها إلى غاياتها في فرض آراءها وتوجهاتها، والتي لا تستطيع السلطة السياسية الحاكمة سدّها ومنعها.

إنّ نشاطات السلطة الخفية التي تتم في المجتمعات المتقدمةف_ي إطار الكفاح _ الصراع _ السياسي للحفاظ على الثروات الوطنية وغيرها، لا تؤدي إلى تصدّع بنيان الديمقراطية في هذه المجتمعات، بل إنّها تعتبر من الشروط الضرورية لبقاء الديمق_راطية؛ وذلك لأنّ النقد الموضوعي من جانب السلطة الخفية للأساليب التي تتبعها السلطة السياسية الحاكمة في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية م_ن شأنه أن يؤدي إلى تدعيم الديمقراطية ويقضي على التمايز الطبقي الشديد الذي ه_و من عوامل تحكُّم ورسوخ البيروقراطية، بينما في المجتمعات المتخلفة _ الديكتاتورية _ تسقط الحكومة لسبب ه_ذه الجماعات السرية ويكون التنازع

ص: 94

بينهما عَبْرَ التخريب والإفساد والتهريج، كما هو المشاهد في العالم الثالث.

الفرق بين مجموعات النفوذ والأحزاب السياسية

1- إن مجموعات النفوذ ليس لها تنظيم محدد وأيديولوجية معلومة، وذلك على النقيض من الأحزاب السياسية.

2- إن عدد أعضاء مجموعات النفوذ محدود في الغالب؛ إذ أن هذه المجموعات تتألف من أفراد لهم مصالح مشتركة، وذلك على العكس من الأحزاب السياسية التي عادةً ما تسعى إلى بسط نفوذها في صفوف الجماهير، محاولةً البحث عن مؤيّدين ونصيرين بها أكثر فأكثر.

3- ليست لمجموعات النفوذ أيّة صلة مباشرة مع السياسة والإدارة والحكومة، بل تسعى إلى تأمين مصالحها بالذات بواسطة أفراد يتولون السلطة الحكومية، حيث تعمل على جرّ هؤلاء إلى النهوض لنصرتها وتحقيق مآربها، وذلك على خلاف الأحزاب السياسية التي تسعى لاستلام السلطة السياسية لأجل السعي لتطبيق مناهجها الاجتماعية.

إن أيّة جمعي_ة أو اتحاد أو تنظيم مهني أو أيّ تنظيم آخر يمكن أن تلجأ إلى الضغط السياسي ف_ي بعض مراحلنشاطاتها، ونادراً ما تكون مجموعات النفوذ سياسية بحتة، أي أن يكون هدفها المشاركة في الكفاح السياسي فقط.

إنّ غالبية ه_ذه المجموعات تخفي نشاطاتها السياسية خلف ستار نشاطات أُخَرْ، وبهذه الصورة تأخذ الطابع السياسي النسبي لا مطلق السياسية كما ف_ي الأحزاب السياسية.

وتتم نشاطات مجموعات النفوذ في عدة أشكال وصور، فتارةً تفرض

ص: 95

نفوذها على السلطة الحاكمة باللجوء مباشرة إلى الحكومة والموظفين الكبار وأعضاء البرلمان، وتارةً أخرى عَبْرَ التسلل إلى داخل الوسط الشعبي ليكون الموقف الشعبي ه_و عامل ضغط على السلطة الحاكمة، ولهذا تنظّم الإضرابات والمظاهرات وسدّ الطرقات وإثارة الحملات الصحفية. وتجري هذه النشاطات بصورة عامة ومُعلنة ومفتوحة تارةً، وبصورة خفية غير مرئية تارةً أخرى، كما تجري عَب_رَ قنوات سليمة وشريفة ومشروعة تارةً، وبوسائل غير شريفة وباستخدام العُنف تارةً أخرى.

الزعماء الحقيقيون للأحزاب السياسية

في أكثر الأحوال لا يعتبر الشخص الواقف على رأس تنظيم ما زعيماً ورئيساً حقيقياً لهذا التنظيم الذي يبدو أنه هو _ أي هذا الشخص _ يديره، بل إن المسيِّرين والمديرين والموجهين الحقيقيين للمنظمات السياسية هم مخفيون عن الأنظار، أو أنهم يعيشون وسط الناس بوصفهم أفراداً عاديين أو أعضاءً بسيطين ف_ي نفس التنظيم.

والأحزاب السياسية بوصفها إحدى المنظمات السياسية السائدة في العالم تدار وتُسير عادة بهذه الصورة، فف_ي داخل الأحزاب يُوجد أفرادٌ مجهولون ليست لهم أيّة مسؤولية في الكوادر القيادية لكنهم يديرون الحزب على الطبيعة _ أي من خلف الكواليس _ دون أن يعرفوا على حقيقتهم في الظاهر.

رصد الأموال للأحزاب السياسية

يقوم الرأسماليون الكبار في أوروبا وأمريكا وغيرهما من البلاد الديمقراطية بتوظيف أموالهم على الأحزاب السياسية، وهؤلاء لا يميلون

ص: 96

أبداً إلى المشاركة شخصياً ف_ي الأحزاب السياسية، وهؤلاء الرأسماليون عبارة عن أصحاب الصناعات الكبيرة وأصحاب المصارف ومدراء المؤسسات وشركات المقاولات الكبيرة، والذين يحرصون ويسعون ف_ي البحث عن طرق تُمكنهم من التمتع بالمساعدات المادية من الحكومة أو الفوز في مناقصة.

إن هؤلاء الأف_راد والمؤسسات الكبيرة يبذلون جهوداً كبيرة ف_ي مواسم الانتخابات العامة، ويصرفون مبالغ ضخمةً من أجل الدعاية لحزب أو فرد دون أن يتدخلوا بأنفسهم في شؤون الحزب بصورة مباشرة.

إن بقاء حزب سياسي على مسرح النشاط السياسي ل_ه علاقة بأهدافه المادية والمعنوية، وإذا أراد حزبٌ أنْ يستمر في موقعه بالسلطة وأن ينشر نفوذه وسط أوسع الجماهير والفئات الشعبية العريضة وأن ينفرد بالحكم لفترةٍ طويلة، عليه أن يكون في غنىً عن المساعدات المادية حتى يبقى حائزاً لدعم ومساندة الشعب لحسن سمعته وطيب أعماله، وبذلك يستطيع أن يُعرِّف خياراته على أنها خيارات الشعب نفسه(1).

إنّ الإمكانيات المالية لحزبٍ ما تجعله قادراً على جلب وجذب فئات الشعب نحوه عن طريق الصرف على الدعاية ونشر المقالات والكراسات وتنظيم الاجتماعات الدعائية والخطابية، وبذلك يستطيع إقناع الجمهور بخياراته وأهدافه.

إن من الصفات الجوهرية للمال هو أنه يفرض سيطرته على كل شيء، ويحوي كل شيءٍ، وأنّه ف_ي سعي لأن يعطي ثمناً لأيّ شيء يريده وأن

ص: 97


1- أي أهداف الشعب وطروحاته.

يجذبه لحضيرته؛ لأنّ المال نوع القوة التي لا يمكن تحجيمها، ونتيجة لذلك فقد أصبحت الأنهروالشلالات والمحيطات والمناجم والغابات والبلدان وحصيلة تعب وكدّ ملايين الأشخاص في أيّ جزءٍ من العالم وحتى نواميس الطبيعة وذكاء وفطنة وعقل الإنسان _ أي الاختراعات والاكتشافات _ هدفاً سهلاً للمال، إنّ كل هذه الأشياء تدخل في حضيرة المال، وهذه القوة الضخمة تُوظفُ في تحريك عجلات الأحزاب السياسية والصحافة والحملات الانتخابية مما يحقق مخططات وأهداف وغايات أصحاب المال.

الرأي العام الداخلي

إنّ الرأي العام مجزّأ ومتنوع، أي إنه غير موحّد، وإذا لم يجر تقنينه في إطار حزب ما فإنه لن يكون له تأثير يُذكر، لكن الحزبَ يصنّف الآراء والاتجاهات المتباينة ويوجد لها قاسماً مشتركاً ويبلور بذلك الرأي العام، أي إنه يجسِّد رأي الأكثرية.

إنّ كلَّ حزبٍ لابد وأن يعلن خياراته ومرشحيه وأن يجعل الناس قادرين على اختيار المذهب السياسي الذي يري_ده الحزب والالتحاق بتنظيماته، والحزب يسعى إلى تثقيف أعضائه ف_ي نفس الوقت الذي يسعى فيه إلى فرض نفوذه عليهم، ومن هذه النقطة يتولى الحزب مهمة مرشد ومُعلّم بالنسبة لأعضائه.

ومن خصائص الحزب البارزة هي أنه يُزيل عن كاهل أعضائه الكسل والتقاعس، ويجعلهم في طريق الأحداث ومُجريات الأمور، ويدعم النشاطات الجماعية، ويقوِّي الاتجاه الشعبي على صعيد الخيارات

ص: 98

الإنسانية، وبه_ذه الصور يقوم بتحريك عجلات الديمق_راطية والنظام الديمقراطي، وكذلك الحزب هو أداة بواسطتها يترجم الرأي العام إلى مسلك خاص ومذهب معين.

النظام الحزبي

يستطيع النظام الحزبي أن يحدد مسؤولية الحكومة تجاه الشعب، والحكومة الديمقراطية تتيحُ للأحزاب المعارض_ة حرية التعبير وتأسيس منظماتها وتدعيم قدراتها، بل إنّها تسهِّللها مثل هذه الأمور.

وف_ي العديد من الدول يأخذ الحزبُ لنفسه حالةً تشبه حالةَ وزارةٍ من الوزارات وأن قادته يتقاضون المرتبات.

وهذه النقطة توضّح جيداً الفرق بين النفسية السائدة ف_ي ظل الحكم الديمقراطي والنفسية في النظام الديكتاتوري.

وفي ظل النظام ذي الحزبين، يتولى الحزبُ المعارض مهمةَ توجيه النقد إلى الحكومة، والبحث عن أوجه الضعف فيها، ويقوم بمتابعة خطوات الحكومة، في ما الحكومة مضطرة إلى الدفاع عن نفسها وعن مجلس الوزراء وإلى عرض منهجها العام لتحكيم الرأي العام حتى يقول الشعب رأيه في التنازع الواقع بين الحكومة والحزب المعارض، وإلى جانب ذلك يجعل النظام الحزبي القضايا السياسية ف_ي متناول الناس العاديين والشارع السياسي.

البرلمان

في البلدان التي تعتبر اليوم من دول العالم الحر، استحدث البرلمان في البداية من أجل تحديد وتحجيم السلطة الديكتاتورية المطلقة للحاكم،

ص: 99

ولغرض تحديد نفقات ومصروفات المؤسسات الحكومية وال_تي يتم تأمينها من الضرائب المستوفاة من الناس.

وقد استطاعت المجالس البرلمانية بعد استحداثها وبدء نشاطاتها أن تحصل على مزايا لصالحها في مقابل مصادقتها على اللوائح المالية للحكومات، وبذلك تمكنت بالتدريج من إحداث إصلاحات في مستوى متطلبات البلاد، وذلك في شكل قوانين جرت المصادقة عليها من جانبها، وتولت بالتدريج مسؤولي_ة التقنين والرقابة على الحكومة، حتى تبلورت في صورة البرلمانات القائمة في هذا اليوم.

وفي الأنظمة الحرة تجري الانتخابات بعيداً عن التزوير وبصور قانونية إلى حدٍّ ما، وفي الأنظمة نصف الحرة يتم ترشيد المعركة الانتخابية بواسطة ضوابط.أما في الأنظمة الديكتاتورية فليست هناك انتخابات، وإذا ما جرت انتخابات فإنّه_ا تكون عادة انتخابات مزورة وغير حقيقية، يقودها الحاكم الديكتاتور بسبب الإرهاب والسجون والإعدام.

الحزب والانتخابات

إنّ من جملة الواجبات الرئيسية الهامة للأحزاب السياسية هي المشاركة ف_ي الانتخابات البرلمانية، وانطلاقاً من ذلك، فإنّ المراكز الحزبية تنشط بشكل غير عادي ف_ي مواسم الانتخابات، وإنّ من أكثر المراحل أهميّة وحيويةً في حياة الأحزاب السياسية هي مرحلة الانتخابات العامة.

وإذا ما كانت الأحزاب السياسية ذات ماضٍ حسن وإيجابي وسمعة طيبة على صعيد النشاطات السياسية والاجتماعية، وكان الناس

ص: 100

يتحسسون تأثيراتها في ظروفها الاقتصادية والاجتماعية، فإنهم ينظرون إلى المرشحين الحزبين على أنهم ممثلون لهم، ولذا يتوجهون إلى صناديق الاقتراع، ويدلون بأصواتهم لصالح مرشحي تلك الأحزاب.

النظام الحزبي أو النظام البرلماني

في نظام حكم الأكثرية يتم انتخاب مرشحين لعضوية البرلمان في ما لو فاز هؤلاء بأصوات أكثر، وف_ي النظم الحزبية يتم توزيع المقاعد البرلمانية بنسبة الأصوات التي تفوز بها الأحزاب السياسية، وعلى سبيل المثال إذا كانت أصوات الناخبين في منطقةٍ تقدر بمائة ألف صوتٍ لصالح عشرة مرشحين، وإذا كانت أصوات حزب المحافظين خمسين ألف صوتً، والحزب الليبرالي ثلاثين ألف صوتً، والحزب الراديكالي عشرين ألف صوتً، فإنّ حزب المحافظين يحظى بخمسة نواب والحزب الليبرالي بثلاثة نواب والحزب الراديكالي بنائبين.

لقد ثبتت بالتجربة أنّ النظام البرلماني ف_ي بلاد ما سيكونثابتاً ومستقراً إذا كانت هناك أحزاب نشطة تتنافس في ما بينها ف_ي الرأي والعقيدة وتبحث في القضايا السياسية وتضع آراءها واتجاهاتها أمام الرأي العام من أجل التحكيم، وبمثل هذه الطريقة يمكن إشراك الرأي العام ف_ي النقاش السياسي العام وجعله على رغبة واهتمام بالشؤون السياسية في البلاد.

وف_ي مثل هذه البلدان تتجه أنظار الجماهير إلى الأحزاب السياسية، ويسعى غالب الأفراد إلى المشاركة في بحث ودراسة القضايا السياسية التي تطرح للنقاش من جانب الأحزاب المختلفة، ثم يختار في خضّم تضارب الآراء والأفكار المختلفة، الرأي الذي يقبله ويصوّت لصالح أولئك

ص: 101

الأشخاص الذين يليقون بمهمة تطبيق ذلك الرأي في يوم الانتخابات البرلمانية. وبهذه الطريقة يمكن أن يظهر ويتجسد الوعي والتثقيف السياسيان لشعبٍ من الشعوب في العالم.

ثم إنّا قد ذكرنا في كتاب الصياغة الجديدة إمكان مشاركة الناس في وضع القوانين بطريقة أخرى غير الطريقة الديمقراطية، لكن ذلك لم يطبق في العالم إلى اليوم.

وهذا أخر ما أردنا إيراده في هذا المجال، نسأل الله سبحانه أن يوفق المسلمين لتطبيق مناهج الإسلام، إنه سميع مُجيب.

سبحان ربك، ربّ العزّة عَمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.

قم المقدسة 1408ه ق

محمد الشيرازي

ص: 102

الفهرس

مقدمة المؤلف.................................................................. 5

الفصل الأول: الشورى في نظرة إجمالية.............................. 7

المطلب الأول: معنى الشورى........................................... 9

المطلب الثاني: الشورى في القرآن الكريم.......................... 9

الفصل الثاني: الشورى حجيتها ومواردها......................... 13

المطلب الأول: حجية الشورى........................................ 15

أولاً:وجوب أخذ الإذن بالتصرف............................ 15

ثانياً:الآيات الكريمة................................................ 16

المطلب الثاني: موارد إلزام المشورة.............................. 25

المطلب الثالث: هل يجب على المستشار إبداء الرأي؟...... 28

المطلب الرابع: حدود الشورى....................................... 28

المطلب الخامس: الشورى والعُرف................................ 29

الأمة

الضعيفة تنتج واقعاً ضعيفاً............................... 34

المطلب السادس: كيفية الاستشارة................................... 36

الفصل الثالث: الشورى في الأحاديث والأخبار................... 39

الفصل الرابع: الشورى في مجال التطبيق......................... 69

تفصيل الحزب.............................................................. 71

الأحزاب الديكتاتورية.................................................... 76

ص: 103

أسباب فشل الأحزاب السياسية في العالم الثالث................ 77

تعريف الحزب.............................................................. 79

الهيكلية العامة للأحزاب السياسية................................... 82

التنظيمات الداخلية للأحزاب السياسية............................. 83

العلاقات الداخلية في التنظيمات الحزبية.......................... 86

أقسام التمركز............................................................... 87

بدل العضوية................................................................ 88

الأحزاب الديمقراطية والأحزاب الديكتاتورية.................. 89

الأحزاب السياسية والمؤسسات الحكومية........................ 90

النظام القائم على الحزبين.............................................. 91

الفرق بين النظام ذات الحزبين والأحزاب المتعددة........... 92

الأحزاب والتجمعات الضاغطة...................................... 93

اللجوء إلى السرّية......................................................... 94

الفرق بين مجموعات النفوذ والأحزاب السياسية.............. 95

الزعماء الحقيقيون للأحزاب السياسية............................. 96

رصد الأموال للأحزاب السياسية.................................... 96

الرأي العام الداخلي........................................................ 98

النظام الحزبي............................................................... 99

البرلمان........................................................................ 99

الحزب والانتخابات.................................................... 100

النظام الحزبي أو النظام البرلماني................................ 101

الفهرس...................................................................... 103

ص: 104

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.