السيد مرتضی الحسيني الشيرازي
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الثالثة
1439 ه - 2018 م
منشورات:
مؤسسة التقی الثقافية
النجف الأشرف
ص: 1
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الثالثة
1439 ه - 2018 م
منشورات:
مؤسسة التقی الثقافية
النجف الأشرف
7810001902 00964 m-alshirazi.com
ص: 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المرابطة في زمن الغيبة الكبرى
(المقدِّمات،المتقدِّمات،الممهِّدات والمسؤوليات)
تقريراً لمحاضرات
سماحة السيد مرتضی الحسيني الشيرازي
المقرِّر
الشيخ هادي الإسماعيلي
ص: 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
ص: 4
اللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ
الحُجَّةِ بْنِ الحَسَنِ
صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ
فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ وَلِيّاً وَحَافِظاً
وَقائِداً وَنَاصِراً وَدَلِيلاً وَعَيْناً حَتَّى تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ
طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فِيهَا طَوِيلاً
ص: 5
ص: 6
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصَلى اللّهُ على سيدِنا ونبيِنا أبي القاسمِ محمدٍ وعلى ألهِ الطيبينَ الطاهرينَ.
اَللَّهْمَّ وَصَلِّ عَلى وَليّ أمرِكَ القائِم المُؤَمَل، والعَدلِ المُنتظَر، وحُفّهُ بملائكَتِك المُقَربين، وأَيّدهُ بِرُوح القدُسِ يا ربَ اْلعالمينَ، اللَّهْمَّ اجْعَلْهُ الداعِيَ إلى كتابِك، والقائَمِ بديِنِك، اِسْتَخْلفهُ في الأرضِ كما استَخْلَفْتَ الذينَ مِن قَبله، مَكِّن له دينه الذي ارتضْيتَه له، اَبْدِلهُ من بَعدِ خوفه اَمناً، يَعْبُدُكَ لا يُشْرِكُ بكَ شيئاً.
قالَ عزَ من قائِل:
(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)(1).
إن دراسة قضية الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) والتعريف بها وبحثها بحثاً علمياً، ومناقشة الشبهات المثارة حولها، تعدّ من أهم المباحث الفكرية التي تشغل اهتمام المثقفين والواعين من أتباع أهل البيت بل ومن أهل العامة بل ومن سائر الأديان أيضاً.
ولقد كتب العلماء والمفكرون والباحثون والمحققون الكتب والدراسات
ص: 7
الجادة والمتميزة حول هذا الموضوع الحيوي والخطير، ولا زالت المؤلفات والدراسات القيّمة مستمرة ولله الحمد إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها.
وقد توزعت الدراسات والتحقيقات في القضية المهدوية الىدراساتٍ عقديةٍ وأخرى فكريةٍ، وثالثة سياسيةٍ، ورابعة أخلاقيةٍ وغير ذلك، الأمر الذي يعبر عن شمولية هذه القضية واستيعابها لكل جوانب الحياة.
بل إنه يمكن القول:
أن جهود جميع الأنبياء والمرسلين وأتباعهم من الصالحين والمؤمنين، معلقةٌ على ظهور هذا المصلح العالمي الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ورحمةً وطمأنينةً بعد أن عاث المفسدون في الأرض حتى ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيديهم، وما اللّه بغافلٍ عما يعملون.
فلابد أن يأتي يومٌ على الإنسانية المعذّبة تتحقق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مر التاريخ إستقرارها وطمأنينتها ؛ فقد أرتكز في ضمير الإنسانية شعورٌ قويٌ يخالجُ وجدان كل إنسان بظهور المنقذ، ويتجلى هذا الشعور أكثر عندما تتعاظم الأمور وتتفاقم المحن وتدلهم الخطوب، ويُطبقُ الظلم، وهو ما تبشر به الأديان ويحكيه تاريخ الحضارات الإنسانية.
ومن المحققين الذين تناولوا القضية المهدوية الكبرى بالدراسة والتحليل سماحة آية اللّه السيد الأستاذ مرتضى الحسيني الشيرازي (حفظه اللّه تعالى) وضمن سلسلة الدروس والأبحاث التفسيرية، التي كان يلقيها علينا في حاضرة العلم والعلماء مدينة النجف الأشرف، فقد تناول سماحته مواضيع فكرية وأخرى تربوية أخلاقية هامة في زمن الغيبة الكبرى للإمام المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) ومن تلك
ص: 8
المواضيع الرئيسية:
1) الأعجاز في عصر الظهور المقدس.
2) المسؤولية الكبرى في زمن الغيبة هي (المرابطة).
3) المرابطة في ثغري (التصور والتصديق) في زمن الغيبة.
4) من وظائفنا في عصر الغيبة.
5) (المتقدمات) على الظهور المبارك للإمام القائم المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف).
6) المقدِّمات والمتقدِّمات والممهِّدات والمسؤوليات في زمنالغيبة الكبرى.
7) أعلى درجات التواتر لإخبار مولد الإمام القائم المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف).
وتعد هذه المباحث من المباحث الحيوية التي تشغل بال الكثير من المؤمنين التواقين الى الطلعة البهية، والغرة الحميدة، لإمامنا الغائب الحاضر (روحي فداه).
وقد أبدع السيد الأستاذ (حفظه اللّه) في الإجابة على الكثير من التساؤلات المشروعة، والشبهات المغرضة، التي تثار من المؤمنين او المخالفين، ببيانٍ سلس هادفٍ جمع بين الخطاب الجماهيري والبعد التخصصي.
وقد مَنّ اللّه تعالى عليّ بأن وفقني لكتابة وتقرير المباحث التفسيرية القيمة لسماحته (حفظه اللّه)، حتى خرجت مجموعة منها الى النور ككتاب (توبوا الى اللّه) و(الإمام الحسين وفروع الدين) ليأتي هذا الكتاب (المرابطة في زمن الغيبة الكبرى المقدمات والمتقدمات والممهدات والمسؤوليات في زمن الغيبة الكبرى) ثالثاً، مكملاً لما ألقاءها في مدينة النجف الأشرف على ساكنها آلاف التحية والسلام؛ لأن سماحته كان ولايزال يلقي الكثير من الدروس والمحاضرات الهادفة في العديد من الدول والمدن في مختلف القضايا الفكرية والثقافية والأخلاقية.
وختاماً نسال اللّه سبحانه وتعالى أن يتقبل عملنا هذا بأحسن القبول وأن
ص: 9
يجعلنا من شيعة إمامنا المهدي المنتظر وأنصاره وأعوانه، ويهب لنا رحمته ورأفته، إنه حسبنا ونعم الوكيل.
" اللّهمُ إِنا نَرْغَبُ إليكَ في دولةٍ كريمةٍ تُعِزُّ بها الإسلامَ وأَهلَه، وتُذِلً بِها النِفاقَ وأهلَه، وتَجْعَلُنا فيها من الدُعاةِ إلى طاعَتِك، والقادَةِ إلى سَبيِلِك، وترزُقُنا بها كرامةَ الدنيا والآخرةِ ".
أبو الحسن هادي الإسماعيلي
النجف الأشرف
1رجب الأصب 1435ه-- /2014 م
ص: 10
ص: 11
ص: 12
بسم اللّه الرحمن الرحيم
يقول اللّه سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)(1).
في هذه الآية الشريفة هناك مواطن كثيرة للتوقف والتدبر والإستضائة، وفي كلمة (أشرقت) هناك إضاءات عديدية، نذكر إحدى تلك الإضاءات في هذه المحاضرة ثم ننطلق إلى صلب البحث إن شاء اللّه.
إن (أشرقت) كما هو واضح فعل ماضٍ وكذلك الأمر في سائر الأفعال الواردة في الآية الكريمة: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ) ففي كافة هذه الأفعال نجد أن الحديث كله جرى بصيغة الماضي عن أمر مستقبلي, وهناك بحث عام في سر أو علة استخدام القرآن الكريم في مواطن عديدة الفعل الماضي فيما يرتبط بالمستقبل.
وهذه الآية الشريفة تتحدث في ظاهرها وفي التنزيل عن القيامة، لكنها
ص: 13
تتحدث في باطنها وفي التأويل عن زمن الظهور المبارك (وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) أي في يوم القيامة كظاهر وفي يوم الظهور المبارك كباطن، وكلاهما من المستقبل.هنالك وجهان قد يعلّل بهما ذلك، أحدهما بلاغي والآخر فلسفي(1):
أما الوجه الفلسفي لتوجيه استخدام اللّه سبحانه وتعالى لما يقع في المستقبل بصيغة الماضي كما في هذه الآية الشريفة، وكما في (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ)(2)، وكما في (غُلِبَتْ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ)(3)، فإنه يشير إلى أن اللّه سبحانه وتعالى حيث أنه مجرد عن الماضي والحاضر والمضارع، أي انه مجرد من الزمان، فهو المحيط بالأزمنة الثلاثة، فهو المهيمن عليها بأجمعها، إنما (الزماني) هو الذي تقيّده تصاريف الأفعال.
فكل منا كممكن مادي حيث أنه محدود الآن في هذا الزمن، أي أن وجوده متحدد الآن في اللحظة الحاضرة، فليس موجودا الآن في الزمن الماضي، لذا الماضي بالنسبة لكل إنسان هو ماض، وكذلك ليس كل منا موجوداً في الزمن الآتي ولذا المستقبل بالنسبة لكل فرد فرد هو مستقبل، ولذا فإن الأفعال بالقياس إلى آحاد الناس ستكون هي الحاكمة في عالم الإثبات ايضا، فكما أن الماضي والحاضر حددني وأطّرني ثبوتاً، فإنه يحدد تعبيري عن أفعالي ايضا إثباتا، فأقول: جاء، يجيء، أو هو جاءٍ، وأقول: جئت، أجيء، أنا جاءٍ.
ص: 14
أما لو فُرِض وجودي ممتداً، يعني كان وجودي - وكذلك وجود آحادكم - ممتداً على امتداد الزمن، يعني كنت أنا الآن في الماضي موجوداً فرضاً أيضاً - وفرض المحال (أي المحال بالنسبة للمادي، وإلا فإن المجرد مجرد) ليس بمحال - فإن الأمر يختلف.
فلو فرض وجودي الآن في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل جميعاً، بأن كان وجوداً منبسطاً في وقت واحد على الأزمنة ممتداً عليها، كما أنه في بُعد المكان نجد أن وجوداتنا ممتدة حسبالرقعة التي حزناها من دون تدافع، فكذلك لو كنا كذلك بالنسبة إلى الزمان، فإن استخدامات الفعل أيضا كانت مطواعة بأيدينا تماما.
أما اللّه سبحانه وتعالى فحيث أنه محيط بالأزمنة كلها، فإن المستقبل له كالحاضر وكالماضي، بوزان واحد، فمن الممكن أن يستخدم فعل الماضي للمستقبل، وفعل المستقبل للماضي، إذ كلها حاضرة لديه، وهو مهيمن عليها جميعاً بنحو واحد، إذ كلها بوزان واحد في شأنه.
والحاصل: أن اللّه لأنه مجرد عن الزمان ثبوتاً فله تعالى أن يعبر إثباتاً بأي زمن شاء.
وهذه لفتة قرآنية بديعة، إذ عادة تجد الإنسان لا يستخدم هذه الطريقة لأنه متأطر بالزمان، فكيف يستطيع أن يتخلص من هذه العقدة؟ ولو تخلص فبتعمل وتمعن.
لكن هذا الوجه ترد عليه مناقشات عديدة..
منها: أن المستقبل لا شك أنه معدوم فكيف يكون حاضراً بنفسه قبل وجوده، لدى اللّه تعالى فهو تناقض لا يدفعه توهم اختلاف الرتبة.
ص: 15
ومنها: أن تجرد الفاعل عن الزمان لا يكفي مصححاً لتجريد ما يرتبط بالقابل غير المجرد عنه، عن الزمان.
ومنها: أنه يلزم منه تحصيل الحاصل عند وجوده في المستقبل. وتفصيل هذا النقاش وغيره يترك للمباحث الكلامية التخصصية.
الوجه الثاني وجه بلاغي معروف وواضح، وهو أن المستقبل المحقق الوقوع لأنه محقق الوقوع فانه يُنزّل منزلة الماضي، ولذلك فائدتان مزدوجتان:
الفائدة الأولى: هي للمتكلم؛ حيث أنه يريد أن يؤكد كلامه بأعلىدرجات التأكيد بل بما يفوق قوله انه متيقن من وقوع هذا الحدث.
الفائدة الثانية: وهي للسامع؛ لكي تطمئن نفسه وتستقر. إذ تارة تعد الشخص بأن تبذل له شيئا،وهو وعد مستقبلي قد لا تفي به، لكنك لو صغته - ملتفِتا - بصيغة ماضية، فكأنه قد وقع، والماضي لا ينقلب عن ما وقع عليه فهل يمكن أن ينقلب الماضي عن ما وقع عليه؟ كلا. وكذلك ما نُزّل منزلته..
فلو كان المتكلم حكيما ملتفتا لما أمكن أن يتوهم الطرف في ذلك الخُلف، كما لا يمكن أن يتوهم في الماضي الانقلاب.
وهنا تتمات لهذا البحث نتركها للمستقبل إن شاء اللّه.
في مبحث عصر الظهور هناك جوانب عديدة يمكن أن تدرس وتحلّل، إلا أن من الزوايا التي قلّ ان تطرق هي القضية التالية والتي لها بعدان: بعد علمي معرفي، ثم بعد تربوي عملي، فنقول:
ص: 16
هناك نظريتان حول عصر الظهور:
النظرية الأولى: ترى بأن ما بعد الظهور سيبقى عالم الأسباب والمسببات على حاله وكما هو، والإعجاز إنما هو ظاهرة استثنائية في هذا العالم وليست هي الأصل، نعم ستتوسع رقعته وتتضمن مفاجآت مذهلة للبشرية.
النظرية الثانية: ولعلها هي المرتكزة في الأذهان أكثر: أن عصر الظهور أي ما بعد الظهور، هو عصر الإعجاز الإلهي بكل المقاييس، فهو عالم الإعجاز. فهو عالم من نمط آخر، ليس مطابقاً لهذا العالم الذي نراه؛ بل هو عالم مختلف بكل المقاييس: نفسيا، روحيا، عقليا، فكريا، ماديا، فيزيائيا، كمياويا، وغير ذلك، كل شيء فيه يختلف.
والسؤال الآن هو:
هل الأصل في زمن ما بعد الغيبة هو الإعجاز؟ أم ان الأصل هو الأسباب والمسببات قد طعّمت أحيانا بلفتات إعجازية؟ أم أن الأمر غير ذلك، فتوجد هناك نظرية ثالثة، أو رأي ثالث؟.سوف نجد أن لكلتا النظريتين أدلة وشواهد، وسوف نشير إلى بعض ما يمكن أن ينصر به هذا الرأي أو ذاك الرأي او الرأي الثالث، وبعد ذلك سوف نبحث الأثر التربوي لهذه النظريات.
النظرية الأولى تقول بأن كل ما يحدث في عصر الظهور فإنه مفسَّر ومبرَّر ومعلَّل علمياً، وأن كل قضية يمكن أن تدرس من زاوية علمية وتبرهن وتوضح بحسب أدلتها ومعطياتها، فلماذا نلجأ للإعجاز؟ من غير إنكار للإعجاز، لكن هذه القضايا التي قد أشير لها في الروايات هي مما سيحدث في عصر الظهور
ص: 17
سيصل لها التطور العلمي الطبيعي، إنما الإعجاز استثناء، كما كان في زمن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)، إذ كان الإعجاز موجوداً، لكن القاعدة العامة هي نظام الأسباب والمسببات.
فمثلا: قول الإمام الباقر (عليه السلام): «إذا قام قائمنا وضع اللّه يده(1) على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم»(2).
هذه الرواية يمكن أن تفسر على حسب التحليل الأول بالتفسير الطبيعي، لأن اليد كناية عن يد القدرة وليست هذه اليد المادية كما هو واضح، وقدرة اللّه سبحانه وتعالى في مخلوقاته - عادةً - تجلت عبر الأسباب والمسببات، فهناك تطور طبيعي تدريجي، وتكامل معرفي تدريجي، ونضج عقلي، ولا شك أن اللّه سبحانه وتعالى بيده أسباب هذا التطور وهو المهيمن عليه وهو الذي أذن به وسبّب له الأسباب من قسرية واختيارية. لكن سنة التطور جارية سيالة حسب القوانين الطبيعية التي أودعها اللّه في الكون والمجتمع.
الرواية الثانية عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إن قائمنا إذا قام مدَّ اللّه عزوجل لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لايكون بينهم وبينالقائم بريد(3) يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه»(4).
وهذه الرواية يمكن أيضاً أن تفسر علمياً، وقد توصل العلم الحديث إلى نوع من أنواع ذلك، فان الإنسان يمكنه ان يرى صاحبه وهو في الغرب أو في
ص: 18
الشرق ويسمع كلامه أيضاً، عبر أجهزة بحجم الكف(1).
إذن هذه الروايات يمكن أن تفسر وتحلل بتفسير علمي، فهذه الروايات - حسب هذه النظرية - تشير إلى أن عصر الظهور هو قمة في العلم والمعرفة، والإمام سوف يظهر في هذا الزمان ويكون المهيمن عليه والقائد والإمام بقول مطلق، كما أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ظهر في زمن كان العرب فيه القمة في البلاغة فأكمل المسيرة وأضاف إليها ما أضاف مما أعجزهم وهيمن عليهم، كما هو أشهر من أن يسطر.
الرأي الآخر يرى بأن كل تلك المذكورات هي جوانب إعجازية، كبقية الجوانب، فكل ما في الكون سيكون بإعجاز كقاعدة عامة.
وهذه النظرية الثانية تفسر مثل هذه الروايات كما هو واضح بتفسير غيبي، وتستدل على ذلك بروايات أخرى لا يمكن أن تفسر علميا، وهنا أقول: إننا عند استعراضنا لبعض الروايات فإن من الحسن جداً أن نجعل أنفسنا في تلك الأجواء؛ أجواء جنة الأرض كي نزداد إليها شوقا وبذلك سوف نربح فائدة كبيرة أخرى إضافة إلى فائدة البحث العلمي والتربوي.
فمن الروايات الشريفة، وما أكثرها والتي يعسر بل قد لا يمكن في بعض بنودها أن تُفسر تفسيرا علميا الرواية التالية:
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا قام القائم استنزل المؤمنُ الطيرمن الهواء، فيذبحه فيشويه ويأكل لحمه ولايكسر عظمه، ثم يقول له: إحيَ بإذن اللّه فيحيى ويطير، وكذلك الضباء من الصحاري.
ص: 19
ويكون (أي الإمام (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)) ضوءَ البلاد ونورَهَا ، ولا يحتاجون إلى شمس ولا قمر، ولا يكون على وجه الأرض مؤذٍ ولا شر ولا إثم ولا فساد أصلا، لأن الدعوة سماوية، وليست بأرضية، ولا يكون للشيطان فيها وسوسة، ولا عمل ولا حسد ولا شيء من الفساد».
ثم يقول الإمام (عليه السلام): «وإن الرجل ليكسو ابنه الثوب فيطول معه كلما طال ويتلون بأي لون أحب وشاء»(1).
وذلك كله إعجاز دون شك فإن قوله (وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ)(2) ليس تطوراً علمياً حتى يفسر البعض مثل هذه الرواية أيضا بأنه نتيجة تطور علم الاستنساخ وعلم الهندسة الوراثية، فهما وإن كانا يتطوران في تسريع حركة الجينات فيحتمل - عقلاً - أن ينمو الشيء دفعة واحدة، فيقطع مسافة سنة في دقيقة واحدة مثلاً، إلا أن الرواية صريحة في نهايتها: «ثم يقول له احيَ بإذن اللّه فيحيى ويطير».
وكذلك قوله (عليه السلام) «ولا يحتاجون إلى شمس ولا قمر...» فإن هذه المنظومة ليست منظومة الأسباب الطبيعية التي نعهدها، لأن الكرة الأرضية قائمة بالشمس والقمر: في ضيائها، في حرارتها، في جاذبيتها وانجذابها وكونها في المدار الطبيعي(3)، في مدها وجزرها، وغير ذلك.
وكذلك قوله (عليه السلام) «فإن الدعوة سماوية وليست بأرضية» فان هذا التعليل أيضا صريح في أن هذا العالم استثنائي وإنه عالم آخر، وليس العالم المعهود الذي نعرفه من عالم الأسباب والمسببات.
نعم قوله (عليه السلام): «فيطول معه كلما طال ويتلون بأي لون أحب وشاء»
ص: 20
قد يفسر علميا؛ فقد اقترب العلم الحديث لهذه النقطة الأخيرة بصناعة ملابس تتلون طبيعيا آلياً وتطول وتقصر طبيعيا.
حسنا فلنفترض ذلك، لكن هناك مقاطع أخرى لا يمكن أن تفسرعلمياً أبداً فإن الإمام يقول:
«ويصافح المؤمنون الملائكة، ويوحى إليهم، ويحيون (ويجتمعون مع) الموتى بإذن اللّه.. ..»
وهذا عالم غيبي، وهو عالم آخر بلا شك؛ فإنه عالم يتداخل فيه عالم الغيب وعالم الشهود، وهذا العالم لا يستطيع العلم البشري أن يصل إليه مهما حلَّق.
إذن النظرية الأولى ترى بأن عالم الظهور هو عالم الأسباب والمسببات في البعد العملي وفي البعد المعرفي، بينما النظرية الثانية تذهب إلى أن عالم الظهور هو عالم الإعجاز المطلق.
وقد يستشهد للنظرية الأولى بسنة اللّه في الكون؛ لأن اللّه سبحانه وتعالى جرت سنتَّه على التكامل الطبيعي التدريجي، ثم على ضوء الكمال البشري كانت تحدث ألطاف إلهية كبرى، وكان كل لطف إلهي كبير بإرسال نبي أو نصب إمام مرتهناً بالوضع العام للبشرية في ذلك الزمن.
فمثلا: نبي اللّه موسى (عليه السلام)، بعث بالعصى وغيرها، أي أن إعجازه كان العصى التي تأكل وتلقف ما يافكون؛ لأن التطور العملي في ذلك الوقت أو التميز كان في حقل السحر، فكانت العصى هي المعجزة المناسبة لهذا الجو والمهيمنة عليه بحق.
وفي زمن نبي اللّه عيسى (عليه السلام) كان الطب في قمته، فبُعِث عيسى (عليه السلام) بمعجزة إبراء الأكمه والأبرص بإذن اللّه وإحياء الموتى بإذنه تعالى.
ص: 21
وفي زمن النبي الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان العرب الذين بُعث النبي بلغتهم وفيهم، قمة في البلاغة والفصاحة، لذلك نزل القرآن قمة في الإعجاز البلاغي إضافة لسائر أنحاء إعجازه.
ومن نافلة القول أن نشير إلى أنه حتى الآن ورغم تطور العلم الحديث اللغوي والأدبي، أي تطور اللغة الانجليزية وغيرها، وإمتلائها بالكلمات والمفردات المستحدثة، ورغم تطور الأدب الانجليزي والفرنسي وغيرهما، فإنه لاتزال اللغة العربية أقوى اللغات على الإطلاق في إعجازها البلاغي بإذعان كثير منهم أيضا.
والمستظهر أن اللغة العربية كانت ولا زالت وستبقى اللغةالوحيدة المؤهلة لكي تحمل رسالة السماء، لذا نزلت الآيات القرآنية بهذه اللغة.
أما زمان الإمام المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) فإنه سيكون القمة في التطور العلمي وفي التطور المعرفي، فسيكون ظهور الإمام (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) في هذا الجو، ويطعّم ذلك بالمعاجز بدون كلام، إلا أن الأصل في هذا العالم سيبقى كونه عالم الأسباب والمسببات حسب هذه النظرية.
ثم أن هذه النظرية ترى أن عالم الأسباب والمسببات يقود إلى عهد الظهور ويسوق إليه، إنما الأمر في التقديم والتأخير منوط بمقدمات آخرى وسيأتي بحث ذلك بإذن اللّه تعالى.
إن الأثر التربوي للنظرية الأولى واضح، لكن ماذا عن النظرية الثانية؟ ثم ما هو المستظهر في المقام؟.
إن الأثر التربوي لنظرية الأسباب و المسببات واضح، فإذا كان العالم عالم
ص: 22
الأسباب والمسببات فإن كل خطوة تقوم بها، معرفيا أو علميا، فإنها تمهد للظهور سواء أقصدها الإنسان أم لم يقصد(1).
فعلى ضوء هذه النظرية فإن كل تطور علمي يحدث في الكون: في الأرض أو في السماء، سواء أقام به مسلم أم غيره ، فإنه شاء أم أبى، قصد أم لم يقصد، يقع في عجلة تسريع الظهور المبارك، بنحو الاقتضاء لا العِلّية.
وهنا تتجلى لنا ثمرة هامة جداً لهذه النظرية: هي أننا سنمتلك بذلك لغة خطاب جديدة مع علماء العصر الحديث، إذ أننا عادة ننطلق في قضية الظهور من منطلق ديني أو مذهبي، وذلك ضروري ولازم، لكنه قد يوجِد حاجزاً نفسياً بيننا وبين بعض المسيحيين وكذا البوذيين وغيرهم؛ إذ يرى أن هذا الشخص مسلم من دين آخر ويتحدث بلغة أخرى، إلا لو هداه اللّه سبحانه وتعالى للجادة وللطريق الصحيح، لكن لو سلكنا هذا الطريق الجديد - أيضاً - في خطاب الطرف الآخر واستطعنا أن ننضجه ونبرهنه، لحققّ ذلك مكسباً جديداً وطريقاً حديثاًللهداية، والبراهين على ذلك موجودة في بطون الروايات، بمعنى أن هذه المؤشرات المذكورة في الروايات عن زمن الظهور و بعده - لو فسرناها بكونها مندرجة تحت التطور العلمي و طبق نظام الأسباب والمسببات - كلها تكشف عن أن المتكلم بها يعرف المستقبل كما نعرفه نحن، ويعرف الحاضر كما نعرفه نحن، بل أفضل مما نعرفه؛ ذلك أن كثيراً من المكتشفات العلمية الغريبة يجدها المتتبع بجذورها أو نتائجها مذكورة في الروايات، بل الأغرب منها مذكور فيها، مما لعله سيصل له العلم، فإذا تسلحنا بهذه اللغة من الخطاب، فإنه خطاب علمي ينفع لهداية الكثير من العلماء: أن الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) سيأتي في مثل هذا العصر وسيكون قمة القمة في التطور العلمي والمعرفي الذي أنت - أيها العالِم الغربي
ص: 23
أو الشرقي - أيضا من الممهدين(1) له، وإن كان ذلك من حيث لا تدري، فلمَ لا تكون من المنتفعين به؟ فإنه قد يمهِّد شخص لظهور شخص آخر أو لمجيئه، لكنه يستقر بعد ذلك في الجبهة المقابلة، فيكون هو الخاسر الأكبر، لكنه قد يكون من الممهدين ثم من المنتفعين أيضا، وهذا البحث يحتاج إلى مزيد من البحث والتأمل والنقاش وسيأتي لاحقاً بإذن اللّه تعالى.
والأمر شبيه إلى حد كبير باستدلالنا على التوحيد: حيث أن أدلتنا على توحيد اللّه سبحانه وتعالى، قد نسلك فيها مسلك الفطرة، وتارة نسلك مسلك العلم فنستند إلى برهان النظم مثلاً، وأن النظم الحاكم على الذرة هي بنفسها الحاكمة على المجرة وعلى كل أجزاء الكون، فالخالق واحد إذاً، وهذا طريق علمي ولغة خطاب أخرى.
والحاصل: إننا عندما نخاطب الطرف الآخر، فتارة نخاطبه بمصطلحات دينية ومنطلق ديني، وتارة اخرى نخاطبه بمصطلحات علمية و منطلقات علمية.
فهذا إذن مدخل للحديث مع الآخرين في قضية عصر الظهور المبارك، على حسب الرأي الثاني.
الرأي الثالث يرى أمراً وسطاً بين الأمرين إذ يجمع هذا الرأي بين الرأيين فيراهما مجموعاً أصليين، أي يجمع بين سنة اللّه في الكون من جهة، وإنها على التطور التدريجي المعرفي والعلمي، وبين الفيض الإلهي واللطف الإلهي الإعجازي الكبير المهيمن على مستوى تطور البشرية، فالمجموع هو الأصل وليس احدهما أصلاً والآخر استثناءً.
ص: 24
فالنظرية الثالثة وجه جمع بين ملاحظة سنة اللّه في الكون، وبين ملاحظة الروايات الكثيرة التي لا شك في أنها تشير إلى إعجازات كثيرة كبيرة ومتنوعة.
وذلك يعني أنها ليست قضية تطعيم ببعض مظاهر الإعجاز، وإنما ستكون البشرية في القمة العلمية والمعرفية بما يؤهلها لحدوث قفزات إعجازية لا تتصور.
وبكلمة فإنه سيكون عصر الظهور المبارك هو مجمع الاثنين معا، فمن جهة فإن البشر سيكونون قمة القمة في العلم وقمة القمة في المعرفة، إما كلهم أو النخبة منهم، وهذا بحث سنشير له لاحقاً بإذن اللّه تعالى؛ هل أن كل البشر سيكونون القمة المعرفية والعلمية والعملية، أم أن نخبة النخبة - يعني ال- (313) وال- (10,000) - سيكونون هم قمة القمة؟ أيهما؟
و سنذكر لاحقاً أنه لا شك في أن القمة ونخبة النخبة سيكونون هم القمة، لكن هناك إشارات عديدة في الروايات قد يستفاد منها أن البشر أيضا بشكل عام سيكونون كأشد ما يكونون من التهيؤ ومن النمو لاستقبال هذا الحدث العظيم.
ولعل الأظهر - واللّه العالم - على حسب ملاحظة سنة اللّه سبحانه وتعالى ومجموعة الروايات هو هذا الرأي الثالث وهو: أن كلا الأمرين سيكون في أعلى درجاته، يعني: عالم الأسباب والمسببات سيبلغ أقصى مدياته، وعالم الإعجاز ايضا متناسبا(1) مع عالم الأسباب والمسببات سيبلغ أقصى مدياته ايضا.
وإذا كان الأمر كذلك فإن المعادلة التربوية ستتجلى بشكل شامل عميق أيضاً، وسنستنتج من ذلك أن أي واحد منا - وسنفصله في بحثٍ قادمٍ أكثر إن شاء اللّه - لو أسس مكتبة أو حسينية أو صندوقاً للإقراض الخيري، فإن هذه الحسينية أو المكتبة
ص: 25
أو الصندوق يحتمل أن تكون خطوة من مليار أو ترليون - أو أكثر أو أقل - خطوة مما يقرب عصر الظهور بنحو الاقتضاء(1).
وكذلك إذا أسس الإنسان مدرسة علمية أو ميتماً أو مسجدا واحدا، فإن تلك المدرسة أو ذلك الميتم أو هذا المسجد قد يكون خطوة من مليار خطوة مما يقرب عصر الظهور.
وكذلك لو أسس جامعة أيضا على الطريق الصحيح أو فضائية ملتزمة، فإن هذه الجامعة أو الفضائية التي تسهم في رقي البشرية علميا أو معرفيا، فإنها أيضا يحتمل أن تكون خطوة من خطوات تقريب عصر الظهور.
فليست إذن تصفية الأنفس وتهذيبها هي العامل الوحيد المقرب لعصر الظهور، وإن كان عاملا أساسياً جوهرياً أكيدا حقيقياً لا شك فيه، بل إن أي إنجاز علمي أو معرفي يحتمل أيضاً أن يكون مما يقدم(2) عصر الظهور أكثر أيضا.
وكذلك أي إنجاز صناعي، فلو أن البشرية تطورت صناعياً، وكذا لو أننا في العراق مثلاً زراعياً تطورنا أو صناعياً أو طبياً، فإن ذلك قد يكون من الممهدات للظهور المبارك، فلننظر للقضية إذاً من هذه الزاوية أيضاً:
أن هذا التطوير الصناعي، الزراعي، الفكري، العلمي، على مستوى هذا البلد أو أي بلد آخر، وكذلك التطور في النظافة، النظام، الأمن، الاستقرار، الازدهار، وكل خطوة أخرى فإنها يحتمل أنتكون علة معدة من سلسلة ترليون خطوة مقربة من عصر الظهور.
ص: 26
إننا إذا نظرنا للقضية من هذه الزاوية، فإن أي عمل نقوم به علمياً كان أو معرفياً أو صناعيا أو زراعيا أو تربوياً، سيكون عندئذ - لو قمنا به من هذا المنظور - متلونا بلون السماء، وسيكون عندئذ مباركاً، وسيكون الأجر عندئذٍ فيه أعظم، وسيدفعنا ذلك لنكون نحن المبادرين والسباقّين في كلا الحقلين بدل أن يكون الآخرون السباقين في أحد الحقلين.
إذن كل خطوة علمية أو معرفية، كل كتاب يكتب شرط استقامته؛ إذ لولا استقامته لشكل عقبة وعثرة في طريق الظهور، كل محاضرة تلقى، كل شخص يُربى، كل طفل يُنمّى ويزكى، وكل مدرسة أو ميتم أو حسينية أو مكتبة أو صندوق للإقراض الخيري يؤسس، فإنه يحتمل أن يكون - بلطف اللّه تعالى - من العوامل الممهدة للظهور المبارك.
وعند ظهوره ستشرق الأرض بنور اللّه سبحانه وتعالى أو بنور رب الأرض وندعو اللّه جميعاً أن نكون بلطف مولى الكونين أمير المؤمنين (عليه السلام) ودعائه، من أعوانه وأنصاره والمجاهدين تحت لوائه والمستشهدين بين يديه، إن شاء اللّه.
ص: 27
ص: 28
ص: 29
ص: 30
بسم اللّه الرحمن الرحيم
يقول اللّه سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) (1).
ويقول جل اسمه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(2).
الكلام في هذا الفصل يدور بحول اللّه تعالى حول مبحثين يتعلقان بكلمتين في هاتين الآيتين المباركتين المترابطتين.
المبحث الأول: حول كلمة (أشرقت)، ويعدُّ تتمةً للبحث الماضي.
المبحث الثاني: حول كلمة المرابطة في قوله تعالى: (وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ) والتي ترتبط جوهريا بكلمة (أشرقت) في تلك الآية الأخرى.
ص: 31
المبحث الأول
أما كلمة أشرقت في قوله تعالى: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) فقد مضى في الفصل السابق أن هذه الآية ظاهرها هو يوم القيامة، لكن تأويلها وباطنها هو يوم الظهور المبارك. (رزقنا اللّه وإياكم أن نكون ممن يشهد هذا الظهور المبارك الميمون وممن يكون من خلّص خدمه وأنصاره وشيعته والمجاهدين بين يديه والمستشهدين في سبيله وطريقه إن شاء اللّه).
وقد ذكرنا أن صيغة الماضي عندما تستخدم في المستقبل، فإن لها تفسيرين من جملة تفسيرات أخرى؛ تفسيراً أدبياً بلاغياً لنا عليه تتمة آتية، وتفسيراً فلسفياً.
وأما التفسير الآخر فهو فلسفي عرفاني، نوضحه ثم نناقشه بإيجاز.
فقد سبق الوجه الفلسفي الذي يرى بأن اللّه سبحانه وتعالى حيث أنه مجرد من الزمان ومهيمن عليه ومحيط به؛ ولذا تتساوى بالنسبة له الأزمنة الثلاثة؛ الماضي والحاضر والمستقبل، فلذا من الممكن أن يعبر عن كل زمن باي فعل من الأفعال الثلاثة، حيث أنه مهيمن على الزمان وعلى الأفعال، وغير متأطر بها.
وأما الوجه العرفاني: فإن بعض الفلاسفة العرفاء ذهبوا إلى أن المتفرقات في وعاء الزمان مجتمعات في وعاء الدهر، لتبرير مثل هذه القضية.
ويعنون بذلك أنه يوجد ههنا ظرفان ووعاءان؛ الظرف الأول: هو ظرف الزمان، الظرف الثاني: هو ظرف الدهر.
ص: 32
وكما يقول السبزواري في حاشيته على الأسفار أن الدهر هوروح الزمان أو هو المحيط بالزمان، في تعبيرين.
والمنسوب إلى المعلم الأول في كتاب أثولوجيا هو أن الأشياء كلها حاضرة لدى اللّه، فالماضي حاضر لدى اللّه الآن، والحاضر حاضر لدى اللّه الآن، والمستقبل حاضر لدى اللّه الآن.
ولكن كيف؟ يفسرون ذلك بفرضية وعاء الدهر، إذ من الواضح أن الماضي قد مضى وقته ولزم أجله، فقد كان لكنه الآن ليس بكائن، ولا وجود له بالفعل وقد انقضى، وأما المستقبل فهو مستقبل ولم يأتِ، فكيف يكون حاضراً بالفعل؟ فيفسرون ذلك بأن لنا وعائين، وعاء الزمان وهو المتصرّم التدريجي بين الماضي والحاضر والمستقبل، أما وعاء الدهر فهو محيط بهذه الأزمنة الثلاثة.
فالماضي موجود الآن في وعاء الدهر، والمستقبل الآن موجود في وعاء الدهر، بل يرون للحركة أيضاً وجودين؛ وجوداً متدرجاً متصرماً و وجوداً آخر ثابتاً!
كما جاء ذلك في الفتوحات المكية وفي الأسفار وغيرها.
هذا البحث كما هو واضح هو بحث تخصصي، لكننا نشير إلى بعض وجوه النقاش فيه إشارة عابرة.
نقول وبإيجاز:
أولاًً: هذه الدعوى دعوى بلا دليل، لأن كل مدّعٍ يحتاج إلى دليل، فأين الدليل؟ إنهم لم يقيموا أي دليل سوى تكرار الإدعاء بعبارات أخرى.
ثانياً: بل نقول: إن هذا في الواقع لا يعدو أن يكون نوعاً من الخيال العلمي، أو الخيال الشعري أو ما أشبه؛ فإن البديهة والوجدان يشهدان على أنه
ص: 33
ليس لكل واحد منا وجودان في وعائين: وجود في وعاء الزمن وهو متدرج متصرّم - حسب كلامه المنسوب إليه في آثولوجيا - وهذا التصرم وهذه التدريجية إنما هي في وعاء الزمان، ووجود آخر في وعاء الدهر ثابت ولا يعتريه التغير والنقصانوالزيادة والتحولات.
فإن ذلك خلاف الضرورة و الوجدان.
والحاصل: إن نتيجة كلامهم هي: أن هاهنا زمانين: الزمان المعهود المتصرم التدريجي الذي ينقضي آنا فآناً، وزماناً آخر يسمى بالدهر، وهو ظرف أيضاً، لكنه ليس بمعنى الزمان، وكل الأشياء المتصرمة فيه غير متصرمة!
لكن الفطرة تشهد بخلاف ذلك؛ إذ من البديهي أن لك وجوداً واحداً وليس وجودان، وإن الحركة متدرجة متصرمة وليست ثابتة بأي معنى حقيقي يراد، نعم إذا كان المراد مجرد معنى مجازي، فلا بأس، لكنه في حقيقته مجرد خيال علمي أو توهم شعري. إلا أن كلامهم بحسب الظاهر ليس عن عالم الخيال والتخيل بل يرون أنها حقيقة بل هي حقيقة أسمى من حقيقة الزمان!
ثالثاً: ثم إن ذلك يلزم منه التناقض، لأن الوجود المستقبلي ليس متحققا في الحال وإنما سيتحقق، مثلا: غداً سيصبح فلان ثرياً، وغداً ستشرق شمسُ غدٍ، وهكذا. ولكن - وحسب هذا الكلام - فإن شمسَ غد ليست بمشرقة وهي مشرقة أيضا، أما ليست بمشرقة فلأنها زمانية وهي في الزمان، والزمان لمّا يأتِ بعد، وأما هي مشرقة الآن، فلأنها في وعاء الدهر متحققة(1) ووعاء الدهر موجود الآن، ومحيط بالفعل - (الآن) استخدمناها لا بالمعنى الزماني وإنما بالمعنى الفعلي - فيلزم جمع النقيضين، وهو محال بل إليه مرجع المحالات كلها.
ورابعاً: أنه يلزم منه تحصيل الحاصل، لأننا نتساءل ما الذي سيوجد غداً؟
ص: 34
إما نفسه(1) أو غيره، وعلى الثاني يلزم أن لا يكون موجوداً الآن بل الموجود غيره، وعلى الأول يلزم تحصيل الحاصل، وهو محال كما أقروا.
ولهذا الكلام تتمة بل تتمات، نتركها للبحث المتخصص بإذن اللّه تعالى.
الوجه الادبي: إن المستقبل المحقق الوقوع ينزل منزلة الماضي لإفادة القطع به، إذ كما أن الماضي لا يمكن أن ينقلب عما وقع عليه،أيضا لو كان المستقبل مقطوع الوقوع فهو يشترك مع الماضي في هذه الجهة، فلذا نعبر عنه بالفعل الماضي لإفادة هذا المعنى.
المبحث الثاني
والحديث هنا يدور حول كلمة (المرابطة)، والتي سيتضح أنها مرتبطة ارتباطا جوهريا بكلمة (أَشْرَقَتِ) في تلك الآية الكريمة.
يقول اللّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ)(2).
المرابطة: تعني ملازمة الثغر، فإذا كان الإنسان في الثغر الذي يلي حدود العدو فهو مرابط، أي ملازم للثغر، والثغر يعني الموضع الذي يُخاف أن يتسلل العدو منه أو يهاجمنا من خلاله.
فملازمة الثغر تسمى المرابطة لديه.
ص: 35
وهناك تفسير آخر للمرابطة مذكور في كتب اللغة(1) وهو: (المرابطة المواظبة على الأمر).
وعليه: فإن الأم مثلاً عندما تدبر أمر أطفالها ليلاً ونهاراً، وتقوم بالمواظبة عليهم جيداً، فإنه يقال عنها: إنها مرابطة في ثغر المنزل، فقد اختلف نوع الثغر هاهنا، لكن المرابطة كجنس وجوهر وجامع، موجودة متحققة فهي إذن مرابِطة على تربية أبناءها.
مثال ثان: طالب العلم الذي يواظب على درسه ودراسته نقول عنه أنه: مرابط على طلب العلم، وهكذا وهلم جرى.
والجامع هو: أن (المرابطة) لا تختص بالثغر العسكري، وإنما تشمل الثغر الاقتصادي، والثغر الاجتماعي. فإن الذين يحافظون على اقتصاد البلد من أن تحطمه السياسات أو التشريعات الخاطئة، هممرابطون في هذا الثغر، كي لا تعصف رياح الفقر بالبلاد، أو التضخم أو غير ذلك.
كما أنه قد يكون الإنسان مرابطاً في الثغر العلمي، أو في الثغر المعرفي، أو في الثغر الأصولي أو الفقهي أو الكلامي أو غير ذلك.
فالمرابطة بتفسيرها الثاني: تعني المواظبة على الأمر، فإن كان مواظباً حقاً فهو مرابط حقاً، كما أنها بتفسيرها الأول شاملة لكل ذلك أيضاً لو عمّمنا الثغر.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا) وفي كلمتي ( اصْبِرُوا) و(صَابِرُوا) كلام طويل ليس مجال ذكرهما هنا، (وَرَابِطُوا) فالمرابطة هنا تعني ملازمة الثغر بالمعنى الأعم، لا بالمعنى الأخص كما تدل عليه الروايات أيضاً.
وتعني: واظبوا على الأمر؛ على أمر الدين، أمر العقيدة والشريعة، وبكلمة دقيقة: رابطوا على أمر الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
ص: 36
إن هذه الآية الشريفة فُسِّرت بالمصداق الأجلى لها في زمن الغيبة، فقد ورد في بعض الروايات:
الرواية الأولى: فقد جاء في تفسير البرهان - وهو أجمع التفاسير للروايات المتعلقة بتأويل الآيات(1) - عن تفسير علي بن إبراهيم القمي، في تفسير هذه الآية الشريفة، قال الإمام الصادق (عليه السلام): «اصبروا على المصائب، وصابروا على الفرائض، ورابطوا على الأئمة»(2).
وبناءاً على ذلك فإن وظيفتنا الأساسية الأولى الكبرى الجوهرية في زمن الغيبة هي أن نرابط على الأئمة، ولكن كيف؟ هذا ما سيتبين بعد قليل بإذن اللّه تعالى.
الرواية الثانية: ينقلها البرهان عن مختصر بصائر الدرجات في هذه الآية الشريفة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا) قال الإمام الصادق (عليه السلام): «اصبروا على دينكم ، وصابروا على عدوكم، ورابطوا إمامكم فيما أمركم» (3).
هذه الرواية توضح بعض أبعاد تلك الرواية الأولى. ذلك أن الرواية الأولى تقول رابطوا على الأئمة، لكن ماذا يعني أن نرابط على الأئمة؟ يعني
ص: 37
فيما يعني: واظبوا على أوامر الأئمة ولازموها، فإن هذا الثغر هو الذي يدخل منه عليكم إبليس والنفس الأمارة بالسوء،كي تتهاونوا عنه وتتكاسلوا أو تعرضوا عنه - لا سمح اللّه - أو تعادوا.
وأوامر الأئمة وما أكثرها هي المتطابقة للقرآن الكريم في مختلف الحقول، كما أنها المفسرة للقران الكريم والشارحة أو المأولة، ظهراً وبطناً له، ومن تلك الأوامر: لزوم المواظبة على المعروف، وعلى الأمر به؛ فإن الذي يأمر بالمعروف مرابطاً في هذا الثغر ليل نهار في مختلف الجهات، يكون هو الذي قد عمل بهذه الآية القرآنية الشريفة.
وبذلك يتضح الجواب عن السؤال التالي رابطوا إمامكم في ماذا وكيف؟ مع أن الإمام غائب الآن؟ فالإجابة هي المرابطة فيما أمركم به وفرضه عليكم.
الرواية الثالثة: وهذه الروايات يكمل بعضها الآخر، قال الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي بصير: «اصبروا على المصائب، وصابروهم على التقية، ورابطوا على من تقتدون به، واتقوا اللّه لعلكم تفلحون»(1) .
فالأئمة (عليهم السلام) هم قدوة في كل الجهات من الفضائل والواجبات، وليسوا قدوة في فعل الواجبات وفي ترك المحرمات فقط، بل هم قدوة في الفضائل أيضاً:
أ) في الشجاعة مثلاً فإن المؤمن ينبغي أن يكون شجاعا غير جبان يفر عند أدنى مواجهة مع جبهة الباطل.
ب) وفي الكرم أيضاً فإن المؤمن ينبغي أن يكون كريماً.
ج) كما ينبغي أن يكون بشوشاً حسن الخلق.
ص: 38
د) وينبغي أن يكون متواضعاً فيرابط عند ثغر التواضع، إذ أن التواضع يحتاج إلى مرابطة دائمة، ذلك أن الإنسان عندما يترقى في الأسباب، ويحصل على مال أو علم أو جمال أو كمال أو أي شيء آخر، فإنه عادة يفقد دفعة أو تدريجاً ميزة التواضع.فلا بد أن نرابط على التواضع والكرم والشجاعة وحسن الخلق، وعلى كل ما يجب أن نقتدي به في الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
إن الفضائل كلّها تحتاج إلى مرابطة، فاللازم على الإنسان أن يرابط عند قلبه وصفاته النفسية، كما يرابط الجندي في الثغر على حدود البلاد، كي لا تتسلل إليه رذائل الأخلاق، كالحسد؛ فإن الإنسان من طبيعته الابتلاء بالحسد، فهو بذرة موجودة في النفس تنمو وتنمو لو أهمل المواظبة عليها والمرابطة عليها.
كذلك الحقد، الكبرياء، التكبر، العجب، فإن الإنسان قد يلقي محاضرة جيدة أو يكتب كتاباً يلقى رواجاً واسعاً أو يؤسّس مؤسّسة ضخمة أو يحقق إنجازاً كبيراً فيسمع الناس يمدحونه من هنا وهناك، فيأخذه بعض العجب، فيحبط بذلك عمله.
وكذلك الظلم ، فإن من يظلم زوجته مثلاً فإنه بذلك يحبط عمله، وكذلك من يظلم أخاه أو شريكه أو حتى منافسه، فكيف بمن يظلم إمامه أو مذهبه فيكون لا سمح اللّه كما قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً)(1).
إذاً: رابطوا على صالح أعمالكم، وعلى من تقتدون به، كي لا تنسفها رياح الرذائل الاخلاقية من عجب وغرور وتكبر و ظلم و خيانة وغيرها نسفاً.
ص: 39
الرواية الرابعة: وهي تكمّل الصورة أكثر، فقد ورد في تفسير العياشي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال لمسعدة بن صدقة: « (اصْبِرُوا) عن المعاصي (وَصَابِرُوا) على الفرائض (وَاتَّقُوا اللَّهَ) يقول: مروا، بالمعروف وانهوا عن المنكر ثم قال (عليه السلام): وأي منكر أنكر من ظلم الأمة لنا، وقتلهم إيانا (وَرَابِطُوا) يقول في سبيل اللّه، ونحن السبيل فيما بين اللّه وخلقه، ونحن الرباط الأدنى، فمن جاهد عنا فقد جاهد عن النبي صلى اللّه عليه وآله، وما جاء به من عند اللّه»(1).
فالمرابط في سبيل اللّه هو العامل بهذا الآية الشريفة؛ في صدقه، في وفائه، في هدايته للناس، وفي سمته، في هديه، في مشيته، في تأليفه، في محاضراته، في تنظيمه وتربيته، في كل ذلك يرابط في سبيل اللّه.
فهل نحن حقاً مرابطون في سبيل اللّه؟ أو أننا أحيانا نقوم بالوظيفة، ولعدة ساعات باليوم فقط؟
فقوله (عليه السلام): « (وَرَابِطُوا) يقول في سبيل اللّه»، دليل على أن المرابطة أعم من المرابطة العسكرية في الثغر.
أما قوله (عليه السلام): «ونحن الرباط الأدنى» فلأنه يوجد رباط أبعد مثلاً، الرباط عند الروم أو غيرها وهو الرباط السلبي، لكن الرباط الأدنى وهو الرباط الإيجابي هو الرباط عند الأئمة (عليهم السلام)، أي الرباط عند تعاليمهم، وعندما ينبغى أن نتأسى فيه بهم، كحماية شيعتهم، ورفع ظلامتهم، فهذا رباط أدنى ملاصق لك.
ص: 40
الرواية الخامسة: وهي رواية رائعة حقاً -- ككل الروايات - وبمجموع هذه الروايات تتضح الصورة الكلية الشاملة:
قال لي أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): «كم الرباط عندكم؟ - أي الرباط العسكري -» قلت: أربعون، قال (عليه السلام):«لكن رباطنا رباط الدهر»(1).
إن المؤمن عليه أبد الدهر أن يكون مرابطاً على الاقتداء بأهل البيت (عليهم السلام)، أن يكون أبد الدهر آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتحددان بليل أو نهار أو بسرّ أو بجهار، أو بغير ذلك، بل هما وظيفة دائمة ومسؤولية لازمة.
الرواية السادسة: وفيها من اللطافة الشيء الكثير، كما أنها تحدد أحد مصاديق المرابطة لننطلق منها إلى المعنى الأوسع الأرحب.
ففي الكافي بإسناده عن ابن طيفور المتطبب، قال سألني أبو الحسن (عليه السلام): «أي شيء تركب؟» قلت: حماراً. فقال (عليه السلام): «بكم ابتعته؟» قلت: بثلاثة عشر دينارا، فقال (عليه السلام): «إن هذا هو السرف أن تشتري حماراً بثلاثة عشر ديناراً وتدع برذونا(2)» ، قلت: يا سيدي إن مؤونة البرذون أكثر من مؤونة الحمار(3)، فقال (عليه السلام): «الذي يموّن الحمار هو يمون البرذون».
ص: 41
ثم ذكر الإمام (عليه السلام) وجه الحكمة في المرابطة والإرتباط، اعقبها بذكر بعض فوائدها: «أما تعلم أنه من ارتبط دابة»:
وهنا الرمزية وهنا وجهة الحكمة، فإن الإنسان لا يستطيع أن يقاتل بالحمار، أما الجواد فإنه يمكنه أن يقاتل به(3)، وهذا المعنى - الاستعداد لنصرة الإمام (عليه السلام) -- بنوعيه: الواقعي(4) والرمزي، هو الذي ينبغي أن يكون حاضراً نصب العين دائماً وأبداً.
إن الإمام (عليه السلام) يذكر بذلك مصداقا من مصاديق الاستعداد للظهور، ولا يريد الحصر به كما هو واضح فإن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.
والنقطة الهامة هي أن الرواية صدرت في زمان الإمام الهادي (عليه السلام)، ومن الواضح أن المكتوب في اللوح المحفوظ هو أن الإمام الثاني عشر هو الذي سيظهر، وإن كان في عالم البداء ولوح المحو والاثبات، كان قد ذكر اسم عدد من الأئمة(5).
والظاهر من كلام الإمام (عليه السلام) أن القضية حقيقية وليست خارجية(6).
ص: 42
إن الإمام (عليه السلام) يعلم بأن زمانه ليس زمن الظهور، لكنه مع ذلك يوجّهه بأن يكون مستعداً للظهور، ذلك إن الإنسان الذي يمتلك جواداًأو سيفاً، كما في رواية أخرى ، متوقعاً ظهور الإمام (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)، فإن ذلك يلهمه دوماً، ويلقنه، ويوحي إليه بأنه جندي تحت الطلب، وهذا الأمر بحدّ ذاته يمنحه من المعنوية الشيء الكثير، ويوثق علاقته بالإمام (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)، ويعطيه من الاستعداد الأكثر فالأكثر؛ أني جندي تحت الطلب فكيف يشغل فكري وقلبي غيرهم؟ وكيف تشط جوارحي عن الاقتداء بأهل البيت (عليهم السلام)؟ كيف أحب المال؟ وحبّ المال يودي إلى المهالك، وقد يؤدي به حبه للمال عند ظهور الإمام (عليه السلام) إلى أن يتخندق في الجبهة الأخرى المعادية للإمام (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) إذا ما وجد مصالحه المالية مهددة، وكذلك الذي يحب الشهرة أو المنصب والرياسة، فكم من المعارك في العالم قد حدثت وتحدث جراء حب الرياسة والعلو والاستعلاء والنفوذ، سواءً على مستوى المؤسسات أم الشركات أم الحكومات.
إن الذي وقع أسير حب الرياسة فإنه عندما يظهر الإمام (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) قد لا يستطيع التخلص من حبّها المستمكن من قلبه، فيتخندق في الجبهة الأخرى فيكون من أهل النار - لا سمح اللّه -.
وبكلمة واحدة: إن الإنسان عندما يمتلك شيئاً رمزياً تذكيرياً كسلاح أو دابة أو كتاب مثل كتاب (مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم)، فيتصفحه يومياً، ويتذكر بأنه جندي، له صاحب وولي ينتظره، فإن هذا الإنسان من خلال هذه التذكرات اليومية لنفسه يتحول إلى إنسان آخر؛ إنسانٍ ملائكي طاهر رباني، ويكون عندئذ بإذن اللّه تعالى مرابطاً حقاً في ثغر أهل البيت (عليهم السلام) ومرابطاً في سبيلهم.
ص: 43
ثم يقول الإمام (عليه السلام) شارحاً الغاية الثانية(1) المقصودة والهدف المنشود من (الارتباط):
ب) «ويغيظ به عدونا وهو منسوب إلينا».
فهذه إذاً حرب نفسية: أن تغيظ العدو، عندما يرى استعداد المؤمن للظهور بكل أنحاء الاستعداد، وهو مطلوب في حد ذاته، وليس المطلوب أن يتملق الإنسان الأعداءَ أو يتنازل لهم.
ثم بدأ الإمام (عليه السلام) بذكر بعض الآثارالإيجابية والفوائد والثمرات لهذا النحو من المرابطة والارتباط:
أ) «أدرّ اللّه رزقه».
ب) «وشرح صدره».
أي للإيمان ولعلّه وللعلم أيضاً، ومن ذلك أن ذلك يلوّن نيته بلون سماوي، فتكون خالصة لله تعالى، فلا يتعلم العلوم ولا يقرأ الروايات، إلا بهذه النية؛ أنني أعد نفسي لكي أكون من أعوان الإمام (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) قدر ما يمكنني من الإعداد والاستعداد.
ج) «وبلّغه أمله».
فإن اللّه يبلغه عندئذٍ كل ما يأمله، كأن تكون ذريته من الصالحين، فإن اللّه يبلغه ذلك كأجر على أنه ارتبط ولو دابةً متوقعاً أمرهم (عليهم السلام)، فإن اللّه يجعل عندئذٍ البركة في ذريته فيكونون علماء صالحين أو أبراراً متقين.
د) «وكان عوناً على حوائجه»(2).
ص: 44
والخلاصة: إن المصداق الأجلى للمرابطة المأمور بها في الآية الشريفة، في زمن الغيبة هو المرابطة في سبيل اللّه وهو طريق أهل البيت (عليهم السلام)؛ إذ هم السبيل الأقوم والصراط الأوضح الأبلج كما هو واضح ومبيّن ومبرهن.
ثم إن الخطير في هذا الثغر الذي يجب علينا ملازمته والمرابطة فيه، هو أنه تهاجمه ليل نهار أربعة أعداء أشداء أقوياء.
فإننا تارة تهاجمنا دولة من الشرق مثلاً فالأمر قد يكون سهلاً نسبياً، لكن تصوروا لو أن أربع دول من الأطراف الأربعة هاجمتنا في وقت واحد عسكريا، فإن البلية سوف تكون عظيمة جداً، ذلك أن الدولةتستطيع عادة أن تكافح دولة أخرى مقاربة لها في القوة لو نزلت بكل قواها العسكرية، لكن ماذا لو هاجمتها أربع دول؟
إننا الآن حقيقةً في ساحة حرب مفتوحة، لكننا عنها غافلون، فما هي هذه الحرب؟ ومن هم الأعداء والمهاجمون؟
والجواب:
العدو الأول: الشيطان، والشيطان قوي جداً فإنه أقوى من كل دول العالم، لأنه يخدع الجميع بل قد يخدع حتى المخلصين؛ إذ المخلصون على خطر عظيم أيضاً، وهذه ساحة حرب مفتوحة ليل نهار، وفي كل آن، وهذا العدو موجود ومرابط على أطراف هذا الثغر، بل في داخله أيضاً لكن الإنسان المسكين غافل عن ذلك أو متغافل!
العدو الثاني: النفس، فإن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.
ص: 45
العدو الثالث: الدنيا، والدنيا عدو قوي، فهي حلوة خداعة غرارة بما تحتضنه من: المال، والجمال، والرياسة وغير ذلك.
العدو الرابع: الهوى.
ثم إن الإنسان أحياناً يسقط سقوطا مدويا في الامتحان، وقد يسقط سقوطاً خفياً لا يظهر للعلن!
ونحن جميعاً في معرض الخطر ولا يوجد ضمان نهائي محرز، فعلى كل منا أن يخاطب نفسه دوماً: أنني إنسان صالح الآن، لكني غداً في امتحان رياسةٍ قد أقتل أحداً، أو في امتحان مالٍ قد أغصب مالاً بغير حق، أو في امتحان امرأة أو شهرة أو غير ذلك فقد يسقط الإنسان في الامتحان سقوطاً مدوياً، وقد يسقط سقوطاً خفياً...
وإذا كان يوسف النبي (عليه السلام) احتاج إلى عصمة من اللّه، فكيف بزيد من الناس لو كان في جامعة أو سوق أو منزل في غرب أوشرق؟
إن السقوط يكون أحياناً مدوياً، وتارة يكون خفياً، مثلاً: شاه إيران الأسبق، الأول، كان في البدايات يشترك في المواكب الحسينية وكان على حسب قول الشاعر - بالفارسية -:
اولّش او در عزاها ميدويد *** عاقبت جشني به با در ليلهء عاشور كرد
لقد كان البهلوي الأول ككثير من الناس يشارك في المواكب بل كان يهرول
ص: 46
ويركض في الموكب حاسر الرأس لكنه عندما وصل للسلطة انقلب رأسا على عقب،حتى وصل به الأمر أن أقام حفلاً ماجنا فيه عربدة ومجون في ليلة عاشوراء!!
تصوروا!! إلى هذه الدرجة! لقد انحرفت أيها الطاغية على أية حال وقد تقيم ليلة مجون لا سمح اللّه، لكن لِمَ في ليلة عاشوراء؟
نعم.. هكذا تصنع السلطة بالانسان! فما هو الضمان الذي يمتلكه أي واحد منا ان لا يكون كذلك؟
إننا الآن نتكلم عن شاه إيران، ونشير إليه كحاكم طاغية منحرف أشد الانحراف، لكن الكلام في حقيقته هو حول كل واحد واحد منا، فما الذي سنكون عليه في المستقبل؟ فقد يسقط أحدنا - لا سمح اللّه - فجأة ودون سابق إنذار في امتحان رياسة أو شهرة أو مال أو جمال، أو حسد أو حقد، أو كبرياء أو نظرة أو غيبة أو تهمة.. فإن (الغيبة) مثلاً منتشرة - أعاذنا اللّه منها - كالنار في الهشيم في مجتمعاتنا، وهي مبررة أيضاً مع الأسف، فكل جهة تبرر اغتيابها للطرف الآخر بتبرير ما، وخاصة في المتدينين، حيث نجد أن تبرير الغيبة قائم على قدم وساق، بل كثيراً ما تجده يفسّق الطرف الآخر ثم يغتابه! مع أنها كثيراً ما تكون على الأقل شبهة، ينبغي اجتنابها.
إن على الإنسان في زمن الغيبة الكبرى أن يرابط على التقوى في هذا الثغر؛ ثغر الغيبة، ثغر التهمة، ثغر النميمة، فإن بعض الناس همّه أن يوقع بين الناس!، فقد توجد مشكلة بين هذه الجهة وتلك الجهة، حزباً كانت أم مرجعية أم عشيرة وقبيلة أم عائلتين، فبينما تجد بعض الناس دأبه الإصلاح، ترى البعض الآخر ديدنه النميمة فينقل خبراً سلبياً من هذه الجهة إلى تلك الجهة وبالعكس!.
ص: 47
ألم يرو أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عن النبي الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن: «صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام»(1)؟ أم أنه قال: إفساد ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام؟.
فلتكن هذه الجهة هي الجهة المخطئة أو المجرمة أو ما شئت فقل، لكن: أما أنت فأصلح وكن من المصلحين!، تكلم مع هذا الطرف لكي يتنازل قليلاً ومع ذلك الطرف كي يتنازل قليلاً، فيلتقيان في منتصف الطريق، أو ليتنازل أحدهما تماماً، رغبة في الصلاح والإصلاح وإن ضاع بعض حقه الشخصي أو كله!.
وفي الرواية سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «لَا يَفْتَرِقُ رَجُلَانِ عَلَى الْهِجْرَانِ إِلَّا اسْتَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَرَاءَةَ وَ اللَّعْنَةَ وَ رُبَّمَا اسْتَحَقَّ ذَلِكَ كِلَاهُمَا»، فَقَالَ لَهُ مُعَتِّبٌ: جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ هَذَا الظَّالِمُ فَمَا بَالُ الْمَظْلُومِ ؟ قَالَ (عليه السلام): «لِأَنَّهُ لَا يَدْعُو أَخَاهُ إِلَى صِلَتِهِ وَ لَا يَتَغَامَسُ لَهُ عَنْ كَلَامِهِ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: إِذَا تَنَازَعَ اثْنَانِ فَعَازَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلْيَرْجِعِ الْمَظْلُومُ إِلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَقُولَ لِصَاحِبِهِ أَيْ أَخِي أَنَا الظَّالِمُ، حَتَّى يَقْطَعَ الْهِجْرَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ صَاحِبِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَكَمٌ عَدْلٌ يَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ»(2).
وهذا الأمر - تنازل المظلوم - صعب جداً بل هو غريب حقاً فمن هو المستعد لذلك؟ فكثيراً ما يكون الأمر مختلطاً، ولا يكون معلوماً من هو الظالم ومن هو المظلوم! أو قد يكون الأمر متشابكاً فهذا ظلمه بعض الظلم وذاك ظلمه بعض الظلم، لكن لنفرض أنه من الثابت المطابق للواقع أن ذاك هو الظالم كما لو غصبه ماله أو ضربهعدواناً، إلخ، فما بال المظلوم لا يذهب إلى الظالم ويقول له: أنا الظالم وأنت المظلوم كي يصطلحا؟
ص: 48
«إن صلاح ذات البين هو أفضل من عامة الصلاة والصيام» أفلا يجدر بنا التنازل عن حقوقنا الشخصية لننال هذه المثوبة العظيمة؟
وصفوة القول: إن الواجب في زمن الغيبة هو المرابطة على هذا الثغر؛ ثغر الاقتداء بالأئمة الأطهار (عليهم السلام) في جميع أوامرهم ونواهيه، في الفضائل واجتناب الرذائل، فضلاً عن الواجبات والمحرمات.
وكلكم تتذكرون قضية الشيخ الأنصاري (رحمه اللّه) حيث رأى أحدهم الشيطان في المنام وبيده بعض الخيوط الملونة والحبال الغليظة وسلسلة مقطعة سبع قطع، فسأل الشيطان عن معنى ذلك، فقال له: هذه الخيوط والحبال أصطاد بها بني آدم، ألوانها كثيرة منها حب الرياسة، حب المال، حب الجمال، حب الشهرة، إلخ، وأما الأحجام المختلفة فلأن بعض الناس ضعاف فأسحبهم بخيط -- والعياذ باللّه - (فإن بعضهم ما إن يسمع برياسة فإنه يركض إليها، وما إن يسمع بقليل من المال حتى يبيع دينه، وقد حدث قبل فترة أن شخصاً قتل سائق تكسي على مائة دولار فقط(1)!، كل إنسان منا معرض لهذا الامتحان ليل نهار).
فقال له: والذي هو أقوى منه اسحبه بحبل، والأقوى بحبل غليظ وهكذا. فسأله عن السلسلة، فقال الشيطان: هذه السلسلة رميتها على عنق الشيخ الأنصاري سبع مرات، فقطعها في كل مرة.
ولذلك تجدون الشيخ الأنصاري (رحمه اللّه) أصبح الشيخ الأنصاري، لذا بارك اللّه في مكاسبه وفي رسائله(2)، فإن كثيراً من الناس يكتبون كتباً، والكثير من
ص: 49
الناس ينجزون، ويؤسسون، لكن البركة الإلهية أمرآخر.
إذا كان الإنسان مرابطاً في هذا الثغر، ثغر الشيطان، ثغر النفس، ثغر الهوى، ثغر الدنيا، فعندئذ يكون مصداقاً لهذه الروايات الشريفة، ولتلك الآية الكريمة؛ حيث يكون مرابطا في سبيل اللّه.
ص: 50
ص: 51
ص: 52
بسم اللّه الرحمن الرحيم
يقول اللّه سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)(1).
ويقول جل اسمه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(2).
الحديث في هذا الفصل يتمحور حول المرابطة في زمن الغيبة، وسيكون الكلام بإذنه تعالى حول عنوانين:
العنوان الأول: هو العنوان المنطقي الشهير وهوالتصور والتصديق، ودورهما في بناء الإنسان.
العنوان الثاني: هو عنوان (المرابطة) والذي ورد في هذه الآية القرآنية الكريمة بصيغة الأمر (وَرَابِطُوا).
ص: 53
إحدى بحوث المنطق الشهيرة هو مبحث التصور والتصديق، والذي نريد أن نسلط الأضواء عليه هو أننا ندرس المنطق بشكل عام من زاوية علمية بحتة، حيث نريد أن نحفظ الفكر عن الخطأ الناتج من العلة الصورية للاستدلال والبحث.
لكن منطقة الفراغ ونقطة الضعف هي أننا لا ندرس علم المنطق من زاوية علم النفس الاجتماعي كما لا ندرس المنطق من زاوية علم الأخلاق، وهذا ما نريد أن نشير له بإيجاز في هذه الفصل الأول من الكلام.
وسنجد فيما يرتبط بإطار حديثنا الثاني وهو المرابطة، ذلك الترابط الجوهري بين مبحث التصور والتصديق وبين علم النفس وعلم النفس الاجتماعي، وبذلك سيظهر لنا أيضاً الرابط بين (التصور والتصديق المنطقي) وبين (المرابطة) في الآية القرآنية الكريمة.
إننا عندما نقوم بدراسة التصور والتصديق من زاوية علم النفس، ومن زاوية علم النفس الاجتماعي، ومن زاوية علم الأخلاق، فستفتح لنا نافذة معرفية جديدة:
إن التصور - بإيجاز - يتعلق بأحد أمور أربعة؛ إذ أن متعلَّق التصور:
1) تارة يكون المفردات، كما لو تصورت جبلاً أو ذهباً أو تصورت الأبيض أو الأسود أو العادل أو الفاسق أي ما تعقّله الإنسان، وما حصل في ذهنه من المفردات فهو تصور.
ص: 54
2) وتارة يتعلق بالمركبات الناقصة، مثل المضاف والمضاف إليه مثل: غلامُ زيدٍ، إذ أنه لا تصديق فيه، كذلك الصفة والموصوف مثل: الرجل العادل، كذلك الصلة والموصول مثل: الرجل الذي.
3) كما أن التصور أيضا يتعلق بالإنشائيات مثل: اذهب، وهوفعل أمر، ليس فيه تصديق بأمر موجود في الخارج يحكيه هذا لكي تصدِّق به، وإنما هو إنشاء وإيجاد، كذلك الاستفهام: هل ذهبتَ؟ فإنه لا يخلو عن تصديق، بل هو إنشاءُ استفهامٍ عن تحقق هذا الأمر.
4) ويتعلق أيضا بالجملة الخبرية المشكوك فيها إذ لا تصديق حينئذٍ، كما لو بلغك خبر فشككت في صدقه وكذبه، فأنت متصور للموضوع والمحمول والنسبة الحكمية بينهما، أما التصديق: فإن متعلقه هو النسبة الحكمية مع الإذعان بها.
وهذا هو البحث المنطقي الشهير وبإيجاز، وتوجد هناك بحوث أكثر تخصصاً وعمقاً لكننا نكتفي هنا بهذا المقدار لموضع الحاجة.
والذي نريد أن نضيفه: أن التصور له دور أساسي في صناعة شخصية الإنسان، وهنا موطن من مواطن المرابطة المأمور بها في الآية القرآنية الكريمة، فإنه صغرى من صغرياتها.
بل قد يقال: إن أول موطن للمرابطة هو المرابطة في مقابل (شيطان التصور) في بعض أنواعه.
ثم إن التصور يصنع التصديق وينتجه في بعض الحالات، ومن المعروف أن التصور لا يستلزم التصديق، لكن يستثنى من ذلك بعض العناوين الرئيسية التي قد نتحدث في المستقبل عنها، وسوف يتبين أن التصور يوجد التصديق في
ص: 55
بعض الحالات كما سنشير الآن إلى بعض مصاديق موطن الشاهد من ذلك على ضوء آية المرابطة.
بل إننا نذهب إلى أبعد من ذلك فنقول: إن التصور قد ينتج العمل، أي أن التصور بنفسه قد يثمر السلوك والعمل الخارجي، وذلك على عكس المعروف عادة من أن التصديق يستتبع العمل فإنه وإن صح في أحيان كثيرة، إلا أننا عندما ندرس القضية من زاوية علم النفس وعلى ضوء التجربة الواقعية والوجدانية، سنكتشف أن التصور في أحيان كثيرة أخرى هو الذي يصنع السلوك، وإن كان التصديق على النقيض تماماً.
فمثلاً: قد يتصور الإنسان امرأة أجنبية متبرجة، فإن هذا التصور هو تصور شيطاني وعلى الإنسان أن يرابط دون وجوده وتسرُّبِهِ إلى منطقة النفس والخيال، فإن هذه أول محطات المرابطة، أي أن نفس التصور لامرأة أجنبية متبرجة، هو شيطان بعينه ينبغي أن يُبعد عن صفحة سريرة الإنسان.
وقد يتصور الإنسان المعصية، فيكون نفس تصوره هذا شيطاناً يغويه ويغريه على الاقتراب منها، فيكون عليه أن يطهر نفسه وقلبه منه.
وقد ورد في الدعاء الذي يقرأ عند الاغتسال أن يقول الإنسان عنده: «اللّهم طهر قلبي»(1) من ماذا؟ من وساوس الشيطان ومن التصورات الشيطانية أيضاً.
فلو أن الإنسان نظر إلى امرأة أجنبية في الشبكة العنكبوتية أو التلفزيون، فحتى لو كانت هذه النظرة مجردة من الريبة وخوف الافتتان، وحتى لو أن مرجع التقليد الذي قلده الإنسان لم يحرِّم النظر إلى هذه الصورة، فإن ما ينبغي للمؤمن
ص: 56
هو أن لا ينظر إليها، لأن هذه الصورة عندما تنعكس في داخل الإنسان تقرِّب الإنسان إلى المعصية عند المحطة الفارقة بين الحق والباطل، فتغريه بالمعصية حيث يقع في امتحان حقيقي؛ وذلك لأن الصور تبدأ في اللاوعي تتراكم فتجره للمعصية، فهذه الصورة إذن هي من شياطين التصور.
ولا يقولنّ أحدنا أن هذا أو ذاك مكروه! وذلك لأن المكروه مكروه ومبغوض، ولا يصح للحكيم أن يتسلح بسلاح أنه مكروه فيفعله! فإن من الصحيح أن اللّه تعالى أراد أن يسهل علينا فلم يحرم كثيراً من الأمور، لكن لِمَ لا يكون الإنسان محتاطاً حكيما، لأنه وعند ساعة الصفر فإن هذه الصور المتراكمة ستؤثر قطعاً بدرجة أو أخرى في الانشداد للمعصية.
وفي حزمة أمثلة أخرى: فإن الإنسان قد يتصور بينه وبيننفسه: هل أدفع الخمس أم لا أدفع؟ أقوم لأصلي صلاة الليل أم لا؟ هنالك دَيْن عليّ فهل أسدده في وقته أم لا؟ فهذه من شياطين التصور، فإنه من مقولة الإنشاء التي ذكرنا أنها من أقسام التصور، وكان ينبغي عليه أن لا يتصور ويفكر ويتردد، بل عليه أن يقرر، وأن يقوم لصلاة الليل ويدفع ما بذمته فوراً فيرضي ربه ويقضي فرضه.
كذلك هل أسترضي فلاناً حيث اغتبته(1)؟ أقول: لماذا تفكر وتبقى في دائرة التصور؟ اذهب واسترضه، واكسر غرورك فما الإشكال في ذلك؟ بل إنه هو عين السمو الروحي والعزة؛ أن تتعزز بطاعة اللّه، و بالفرار عن معصيته.
ص: 57
إن المشكلة الكبرى هي أننا لا نرابط عند الثغر الأول الذي يدخل منه إبليس، وأول ثغر هو التصورات الشيطانية، وثاني ثغر هو التصديقات الضالة والباطلة والمنحرفة، وثالث ثغر هو العمل والسلوك الخارجي.
إن التصور يسهم في صناعة شخصية الإنسان إنْ سلباً من خلال تصورات شيطانية، أو إيجاباً في جهة معاكسة للتصورات الشيطانية، فلو تصور الإنسان مثلاً أمير المؤمنين (عليه السلام) بتلك الطلعة النورانية وذلك السيماء الملائكي، لو أنه تجسده في ذهنه وتصوره فقط، فإن هذا بنفسه يوجد نوراً في قلبه وجوانحه، ويصوغ شخصيته الإيمانية بنحو أفضل.
ولو أن الإنسان تصور الإمام المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) وتذّكره في الصباح والمساء، وحاول أن يتخيله، يتمثله، يتجسده، ولو بصورة نورانيةبشكل هالة من النور، فإن هذا بنفسه يسهم في صناعة شخصية الإنسان المعنوية، وسوف يمنعه ذلك من المعصية إذا كاد أن يقترب منها.
وكذلك لو عايش الإنسان في ضميره ووجدانه وداخله صور ضريح الإمام الحسين (عليه السلام) أو الكعبة المنورة، أو كتاب الكافي الشريف أو تحف العقول أو نهج البلاغة أو الاحتجاج أو بحار الأنوار، فإن نفس هذا التصور يسهم في صناعة شخصية الإنسان الروحية والمعنوية بل والفكرية أيضاً.
وبالعكس من ذلك: أن يتصور كتاب فسق - والعياذ باللّه -، أو حتى في متابعة نشرات الأخبار ومشاهدتها، فيما تتضمن من لقطات غير نزيهة أو أخبار غير أخلاقية، فإن لكل ذلك تأثيراً عكسياً على روحية ومعنوية الإنسان في الغالب.
ص: 58
والمتتبع يلاحظ بوضوح أن الغرب له منهجية خطيرة في هذا الحقل، فإنهم يدرسون المنطق من زاوية علم النفس، وأنتم تلاحظون الآن كيف أن وسائل الإعلام مشحونة بأخبار الجرائم وسفك الدماء والمشاهد المؤلمة والمروعة، كما هي مليئة بالمشاهد أو الأخبار غير الأخلاقية!!
إن وراء ذلك تخطيطاً ودراسات نفسية وتحليلات دقيقة عن مدى تأثير ذلك على ملايين المشاهدين من المسلمين وغيرهم.
فإن الإنسان عندما يقرأ في الجرائد أو الإذاعات أو الشبكة العنكبوتية أو غير ذلك، عن حالات كثيرة من جرائم القتل، أو جرائم الاغتصاب، فإنه يتعوّد على سماع ذلك وتتشبع نفسه بهذا اللون من المشاهد والأخبار، فلا يستعظم المنكر ولا يستقبح الظلم، بل قد تجده شيئاً فشيئاً ينسلخ عن ضميره وإنسانيته، ثم قد تجده يتقبل القوانين المتهتكة والأساليب الشاذة وهو لا يبالي(1).
إن نفس هذا التصور يصنع شخصية أولئك الشباب أو جوانب منها، لأن قبح العمل يرتفع بالتدريج عن أذهانهم ويصبح شيئاً عادياً روتينياً.
أما إذا لم يتصور الإنسان إلا المسجد، إلا الحسينية، إلا الطهر، إلا العفاف، إلا الورع، إلا التقوى، إلا الأولياء، فإن هذا الإنسان يسمو ويحلّق في أفق النزاهة والمعنويات طبيعيا.
ص: 59
إذن: الثغر الأول الذي ينبغي أن يُرابَطَ عنده هو شيطان التصور في مقابل نزاهة التصور، ولذا تجدون أن أولياء اللّه لا يفكرون في المعصية... فإن الإنسان أحيانا تخطر بباله المعصيةفيفكر أن يعمل بها أو لا يعمل، ثم إنه بعد ذلك لا يعمل، لكن نفس هذا التفكير هو منقصة ورذيلة، تؤثر في نفس الإنسان وتنخر من كمال إيمانه.
فإن هذه التصورات سواء أكانت في حقل الإنشاء أم في المركّب الناقص أم غير ذلك من التصورات فإنها تؤثر سلباً أو إيجاباً على نفس الإنسان.
وقد أبدعت الرواية الشريفة في التعبير ب- «رابطوا على من تقتدون به..» أي أن يرابط الإنسان على الاقتداء برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) و بالأئمة الأطهار (عليهم السلام)، حيث كانوا منزهين حتى عن خطرات القلوب، وحتى عن وساوس النفوس، وذلك بالمقدار الذي نستطيع فإننا وإن كنا لا نستطيع أن نحلّق إلى مستوى تلك العلياء كما هو واضح، ولكن يمكن أن نسعى لنصل إلى ما يمكن أن نصل إليه كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد»(1).
فعلى الإنسان دوماً أن يملئ ذهنه ومحيط قوته المتخيلة والمتوهمة بالصور المشرقة الإيجابية، وبالمعاني السامية الرّبانية مثل الوفاء، الصفاء، الصدق، المحبة في اللّه وباللّه ولله، التوسل والتوكل، فإن هذه المعاني عندما يستحضرها الإنسان في ذهنه دائماً فإنه سوف تتغير نفسه وتسمو، ويتحول إلى شخص آخر أكثر كمالاً وفضيلة وتقوى بإذن اللّه تعالى.
ص: 60
فهذه - إذن - هي الحقيقة الأولى وهذا هو موطن المرابطة الأول.
الحقيقة الثانية: إن التصور يسهم في صناعة التصديق في أحيان كثيرة.وتوضيح ذلك: إن التصور كثيراً ما لا يكون له أي ارتباط بالتصديق، مثلاً مفهوم جبل من ذهب، فهل نصدق بوجوده أو لا نصدق به؟، إن هذا التصور هو لابشرط بالقياس إلى التصديق أي أنه حياد فلا ينطق: بأنني موجود كما لا يقول: أنا لست موجوداً، لكن - وفي الاتجاه المقابل - فإن بعض التصورات تسهم في صناعة التصديق.
وذلك مثل كافة الممتنعات وكافة الواجبات بالذات، ولذا يقال: تصوره مساوق لتصديقه. فمثلاً: الدور ممتنع، فإن الإنسان إذا فهم معنى الدور حقيقة، فحينها يقطع بأنه ممتنع ولا يحتاج مع ذلك إلى إستدلال(1).
وإن مشكلتنا مع بعض العلمانيين ومع غيرهم ممن ينكر بعض البديهات، هو أنهم لا يتصورون هذا المفهوم جيدا، ولذا يبدأ يناقش ويجادل وقد يرفض، لكنه لو خلى مع نفسه، وأمكنه أن يتصور ما هو (الدور) لأذعن بامتناعه فوراً، والدور هو توقف الشيء على ما يتوقف عليه، وكذلك قضية أن يكون الشيء أسفل في نفس الوقت الذي هو فيه فوق من جهة واحدة؟ وكذا قضية أن يكون الشيء علة لما هو علة له من جهة واحدة؟ فإن كل ذلك غير معقول، يكفي تصوره في الحكم بامتناعه.
والمشكلة الأساسية في المحاورات العلمية أنه كثيراً ما لا يوجد لدى الطرف الآخر تصور عن الموضوع، وبالتالي فلا يمكنه إبصار الحقيقة، بينما لو تصور
ص: 61
الموضوع لشاهدها بوضوح وخضع لها واعترف بها، ونحن في مباحثاتنا الكلامية مع الآخرين، نجد أن شيطان التصور هو السبب في ضلال الكثيرين، فحيث تصور البعض أبا بكر على غير صورته، أو تصور أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) على غير صورته، فإن ذلك هو الذي جرّه إلى ذلك الوادي السحيق، فلم يدرك الحقيقة الناصعة والمحجة الواضحة، بل مرد ذلك إلى أنه لم يتصور النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على حقيقته وصورته، إذ كيف يمكن لقائد أعلى ومؤسس أمة وحضارة أن يترك أمته بلاراعي ولا نذير ولا وصي يولي شئونهم؟!
فالمشكلة الأولى إذن هي في التصور، وأما المشكلة الثانية فهي في أن التصور قد يصنع التصديق.
ففي الواجب الوجود الأمر كذلك أيضاً، و كذا في مطلق الفطريات والأوليات والبديهيات، فمثلاً فإن تصور اللّه تعالى يغني عن كل شيء آخر، أي تصور الذات المستجمعة لجهات الكمال كلها، فإنه يستلزم التصديق بوجوده ووحدانيته وخالقيته، ولذا يقول تعالى: (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)(1) فإنه يريد أن يقول: أنه لا شك فيه ولا مجال للشك فيه، فإنه فطري وبمجرد الرجوع للفطرة يكشف لك الأمر، وبمجرد تصور المراد ب- (اللّه) جيداً فإنك ستصدق، وليس هناك شك، ولا يحتاج ذلك لاستدلال فإن نفس تصوره مستلزم لتصديقه.
وعوداً إلى المعاصي - وكذلك الرذائل الأخلاقية - نجد أن مشكلة الكثير منّا أنه لا تصور حقيقي له عن فداحة هذه المعصية والجريمة، فنتصورها مثلاً كذبة
ص: 62
بيضاء، ولا يوجد لدينا تصور واضح عن واقع الكذبة؛ إن الكذب هو عقرب سوداء، وليست كذبة بيضاء، لكن عندما يكون التصور مشوهاً وساذجاً، حينها يقول الإنسان أنها مجرد كذبة عادية لا ضرر فيها!! لو كان التصور حقيقياً لاستتبع التصديق والعمل أيضا.
ففي قوله تعالى: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً)(1) لو تجسّد الإنسان هذا المعنى حقيقةً وتصوره جيداً، تصور قِطعاً وأجزاءً مدميّة من لحم أخيه عنده وهو يأكل منها، فكم يتقزز الإنسان حينها إذا تصور ذلك حقيقة؟ كما أنه سيصدق قَطْعاً بأن هذا العمل - أي الغيبة - من أقبح الأعمال.
كذلك لو تصور بأن شخصية أخيه الاعتبارية، هي أهم من هذهالشخصية الجسدية، وتصور نفسه هو ينهش من لحمه ومن سمعته، إذا تصور ذلك حقيقة فإنه لا يحتاج إلى استدلال على أنه قبيح وحرام، كما لا يحتاج إلى رادع آخر، بل سيكون واضحاً لديه وضوح الشمس بأن ذلك قبيح أشد القبح، وحرام أكيد، فيمتنع طوعياً دون شك.
فالإنسان المبتلى بالغيبة - لا سمح اللّه -، عليه أن يذهب إلى المقبرة ويتصور أحد الأموات هناك وهو في قبره ثم يتصور نفسه وهو ينهش من لحمه، فكم هو مقزز؟ كم هو منفر؟
وكذلك الحال في تصور حقيقة قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً)(2).
ولكي يتصور الإنسان فداحة الأمر فعلى ذلك المبتلى بالربا أن يقصد ناراً مشتعلة، ويقرب يده إليها ليحس ببعض الحرارة، ثم يتذكر بها بالنار التي ابتلعها
ص: 63
في بطنه، فيتجسد هذا المعنى في ذهنه.
فالتجسيد الحسي والتصور المجسّد، يعدّ نوعاً من أنواع الإيحاء القوي المؤثر في صناعة شخصية الإنسان؛ في التصديق بقبح الشيء، وفي الأثر الخارجي الذي يمكن أن يترتب على ذلك.
ولذا فإن من الأساليب النفسية المهمة لكي يرتدع الإنسان عن المعاصي، ولكي يكون مرابطاً في هذا الثغر، وهو أول ثغر، هو أن القيام بعملية تشبيه المعقول في ذهنه بالمحسوس بشكل أفضل.
وهنا أنقل لكم قصة لطيفة - وهي قصتان في الحقيقة في قصة واحدة - :
القصة الأولى وهي تمهيد للقصة الثانية مع أن لها الموضوعية أيضاً:
أحد العلماء وهو من الخطباء أيضا، دُعي إلى مجلس في إحدى البلاد المعروفة بأنها تعطي أموالاً جيدة للخطيب، إضافة إلى أن أهالي ذلك البلد الكرام لا يقصرون في إعطاء الخطيب بل إنهم أيضاً يهدونه الهدايا والنذورات، خاصة أنه إنسان ورع صالح - كما أعرفه- والناس يحبون بطبعهم المتقي الورع، فيعطوه هدايا ويعطوه أيضا نذورات, وما أشبه ومنهم من يدفع النذورات مسبقا...(1)
ففي ذلك البلد المعروف، يحصل الخطيب على مبلغ جيد من النقود، وذات يوم دعى بالهاتف بعض أرباب المجالس في ذلك البلد هذا الخطيب إلى مجلس في شهر محرم لكنه اعتذر, وقال لهم أني التزمت قبل أن تتصلوا بي مع
ص: 64
مجلس أخر في إحدى القرى النائية، لذلك اعتذر منكم، - وكانت القرية تخصص للخطيب مبلغاً ضئيلا جداً - فقالوا له: أنه يمكن أن تبعث نائباً أو تتصل بهم لتعتذر منهم وترضيهم بنحو ما، فقال: كلا، لأني أعطيت كلمة، وأنا عند كلمتي!
لاحظوا الوفاء، رغم عدم وجوب الوفاء بالوعد على حسب رأي المشهور(1)،فكم لهذا الإنسان من قيمة؟ كم له من القيمة عند نفسه؟ وعند الناس؟، وقبل ذلك كم له من القيمة عند اللّه سبحانه وتعالى؟ وهذا نموذج واحد من الإنسان المرابط عند هذا الثغر، أعني ثغر هذه الفضيلة؛ فضيلة الوفاء.
ولو أن كل إنسان متدين من طبيب أو مهندس أو رجل دين أو غيره عُرف بالوفاء، فكم سيكون ذلك عزة للدين؟ وكم سيشكل ذلك دعوة للدين؟ فهنا إذن موطن مرابطة: المرابطة على فضائل الأخلاق.
ثم إن هذا العالم الخطيب ينقل قضية هامة يقول: أعرف فلاناً من العلماء الأولياء، منذ سنوات طوال، كان يجاهد نفسه بشكل غريب، ولذا فإنه بعد طول جهاد للنفس حصل على كرامات، لكنه كان يتكتم عليها بشكل شديد فلم يعرفه إلا الأوحدي، وهو منهم.
يقول بين فترة وأخرى كنت أزوره، وفي إحدى المرات طلبتمنه موعداً فرفض، وكررت الطلب مرة ثانية، وثالثة، ورابعة، لكنه كان يرفض، ثم بعد إصرار سمح باللقاء، فدخلت عليه فرأيته حزيناً كئيبا فقلت له: مولانا ما الذي حصل؟ قال لي: أنت لا تدري ما الذي حدث! إن جهود سنين طويلة جداً من جهاد النفس تحطمت كلها في ثانية واحدة!! والآن مهما بكيت وتوسلت
ص: 65
وتضرعت، كي تعود لي حالتي السابقة إلا أنها لم تعد!
يقول هذا العالم: القضية كانت هي أنني لسنين طوالاً كنت أجاهد نفسي حتى وصلت إلى بعض المراتب المعنوية، ثم إنني في إحدى الأيام زرت ابني في بيته، ولم يكن لدينا في البيت تلفاز(1) فأراد اللّه امتحاني واللّه محيط بأعمق أعماق النفس، فدخلت في البيت وإذا التلفاز مفتوح، وكان في نفس اللحظة يبث مشهداً لنساء متبرجات ينزلن من سلم الطائرة وبعض أجزاء جسدهن مكشف، فيقول:
لجزء من الثانية نظرت إليهن أكثر من النظرة الأولى - فإن النظرة الأولى التي هي غير اختيارية ليس فيها إشكال - يقول: فجأة رأيت الظلام خيم على قلبي، وسُلِبتُ كل ما أعطيت، وتحطمت في ثانية واحدة جهود وجهاد سنين طويلة!!.. نعم هكذا يمتحن اللّه تعالى عبيده أفلا يجب أن نكون جميعاً على حذر؟
يقول الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم): «يَا حُمَيْرَاءُ أَكْرِمِي جِوَارَ نِعَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكِ فَإِنَّهَا لَمْ تَنْفِرْ مِنْ قَوْمٍ فَكَادَتْ تَعُودُ إِلَيْهِمْ»(2) إن النعمة إذا ذهبت فمن النادر أو الصعب جداً أن تعود وترجع.
فقد يكون للإنسان ماء وجه في المجتمع، فلماذا يبيع ماء وجهه لأجل مالٍ فإنه مهما كثر فهو قليل، أو لأجل رياسة أو لأجل أي شيء آخر، فإن النعمة إذا ذهبت فقد لا تعود: الصحة والمال والعلم والفضائل و...
يجب علينا إذاً أن نرابط في الثغر الذي يلي إبليس ليل نهاروفي ثغر النفس الأمارة بالسوء وثغر الهوى والدنيا.
ص: 66
لنقرأ ولنمرر معاً هذه الرواية عن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام): «وَاللَّهِ لَتُكْسَرُنَّ كَسْرَ الزُّجَاجِ وَإِنَّ الزُّجَاجَ يُعَادُ فَيَعُودُ كَمَا كَانَ وَاللَّهِ لَتُكْسَرُنَّ كَسْرَ الْفَخَّارِ وَإِنَّ الْفَخَّارَ لَا يَعُودُ كَمَا كَانَ وَاللَّهِ لَتُمَحَّصُنَّ وَاللَّهِ لَتُغَرْبَلُنَّ كَمَا يُغَرْبَلُ الزُّؤَانُ مِنَ الْقَمْحِ»(1).
وذلك يعني أن الإيمان فجأة يتفتت ويتحطم ،وقد يكون ذلك في امتحان رياسة أو امتحان شهرة أو امتحان غيبة مؤمنين أو تيارات من المؤمنين، إذ قد يكون لهم عذرهم، وقد يكون لهم اجتهادهم الشرعي، فناقشهم نقاشاً اجتهادياً، أما الغيبة والتهمة والنميمة والتي أصبحت سوقاً رائجة، فإن كل ذلك مما يكسر الإيمان ويفتته، كما يُكسر الزجاج ويتفتت.
والملاحظ هو أن الإمام (عليه السلام) يقسم على ذلك، أفلا يجب على الإنسان على الأقل أن يحتاط؟ وألا يجب أن تكون مرابطته بأشد أنواع المرابطة عند ثغر المعاصي؟.
ثم إن هذه الرواية تفيد التشجيع على الاحتياط، وليست للتحريض على الاستسلام وذلك كما لو قال الخبير: واللّه إن اللصوص محيطون بالدار وسيقتحمونها غداً مثلاً، فإن ذلك دعوة لاتخاذ الحائطة والحذر والإعداد والاستعداد قدر المستطاع، أو المحاولة للتخفيف من الخسائر، لا للاستسلام لهم وفتح الطريق أمامهم!
ثم إن من الممكن أن يتوب الإنسان، ويستغفر اللّه سبحانه وتعالى من غيبة أو تهمة أو نظرة أو حسد أو حقد مُظهَر، فيعود كما كان إلا أن الإمام (عليه السلام) يزيد من حدة الوتيرة بقوله: «واللّه لتكسرن كسر الفخار(2) وإن الفخار لا يعود كما كان..»
ص: 67
فإن الفخار إذا كسر فإنه لا يعود كما كان، أفلا يستدعي ذلك أعظم المرابطة؟
فعلينا إذن أن نحتاط أشد الاحتياط وأن ندقق كي لا تصدر منا حتى معصية واحدة، لأن هذه المعصية قد تجر إلى معاصي أخرىوقد تحطم كل إيمان الإنسان، وذلك الاحتياط والورع هو المطلوب منا لسبعين سنة - أو أقل أو أكثر - فقط ثم لننعم لملايين السنين بل إلى ما لا يتناهى من السنين بإذن اللّه تعالى.
فلنتصور هذا حقاً: نتصور الزجاج ونتصور تفتته، فإن هذا التصور إذا كان واضحاً قوياً فإنه يقود للعمل، يقود للاحتياط، ويقود للنزاهة حقا.
ثم يكمل الإمام (عليه السلام): «واللّه لتميزن» فإن سنة اللّه سبحانه وتعالى أن يميز الخبيث من الطيب «واللّه لتمحصن» وهذا ابتلاء إلهي بأعلى درجاته، ولا يستثني اللّه من ذلك عالماً ولا جاهلاً ولا مرجعاً ولا مقلداً ولا مهندساً ولا طبيباً ولا غير ذلك. «واللّه لتغربلن» فكما أن المصفاة تغربل الحبوب كذلك الناس يغربلون، وبعضهم يسقطون كما تسقط حبات الرمل الناعمة من الغربال!!.
ففي الامتحان الإلهي يسقط حتى بلعم بن باعورا رغم أنه كان الذي آتاه اللّه الاسم الأعظم، فليست لأحد ضمانة إلا الإلحاح في الدعاء، والتمسك الشديد بحبل التوسل والمرابطة الدائمة والاحتياط الشديد الشديد. «واللّه لتغربلن كما يغربل الزؤان من القمح»
فهذه إذن هي نقطة مرابطة جوهرية، نقطة مرابطة حقيقية، وهي أن يرابط الإنسان عند كل تلك الثغور: ثغر الشيطان، ثغر النفس، ثغر الأهواء، ثغر الشهوات، ثغر التصور الذي يجر إلى التصديق، وعلى الإنسان دائماً أن يتصور بتصور واضح أن شخصيته مهددة في كل لحظة من أربعة أعداء أقوياء جداً!!
ص: 68
من وظائفنا في عصر الغيبة
ص: 69
ص: 70
بسم اللّه الرحمن الرحيم
(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)(1).
يقول اللّه تعالى في كتابه الكريم: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا).
هل المراد بالرب، في هذه الآية الشريفة، هو اللّه تعالى؟
لا شك في أن اللّه سبحانه وتعالى هو الرب للأرض والسماء وما فيهن وما بينهن، فإن اللّه سبحانه وتعالى هو رب العالمين وليس رب الأرض فقط، إذن: فلمَ هذا التخصيص؟
نقول: هنا نكته دقيقة وهنا وجه مهم: وذلك أنه لا يصح إطلاق الرب بقول مطلق إلا على اللّه تعالى، كما لا يصح إطلاق الرب المضاف إلى كل الأشياء إلا على اللّه تعالى، أما غير ذلك فالإطلاق صحيح فمثلا يقال: رب البيت، يعني الزوج أو الأب، وفي اللغة العربية ذلك دارج وكثير.
كما نجد في الآيات القرآنية الكريمة أنه قد استخدمت هذه المفردة على لسان
ص: 71
يوسف النبي (عليه السلام): (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا)(1).
ومعنى ذلك أن الرب المضاف لشيء خاص يطلق على غير اللّه تعالى أيضاً، والسبب في ذلك هو: إن (رب) في اللغة قد يراد بها (السيد)، فعندما نسأل: من هو سيد الأرض؟ فلا شك أن السيدالمطلق هو اللّه تعالى، لكن هناك سيداً للأرض بإذن اللّه، أي في طول ربوبية اللّه سبحانه وتعالى وبإذنه، فمن هو؟
كما أن من معاني الرب أيضاً: (المنعم) وهنا نسأل أيضاً: من هو المنعم وواسطة الفيض على البشرية؟ المنعم بالذات هو اللّه بلا شك، لكن المنعم بالعرض أي بمنحةٍ من اللّه سبحانه وتعالى له وبما أعطاه جل اسمه وحباه، من هو؟
كما أن من معاني الرب: (الصاحب) فيكون معنى الآية على هذه المعاني: (وَأَشْرَقَتْ الْأَرْض بِنُورِ رَبّهَا) (وسيدها) و(المنعم عليها) ( وصاحبها).
وهنا يأتي السؤال المهم: من هو صاحب الأرض وسيدها وواسطة الفيض عليها؟
الجواب: هو رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم أمير المؤمنين ثم الأئمة (عليهم السلام) واحداً بعد آخر وصولاً إلى الإمام الحجة المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) زمناً إثر آخر، حيث إن رب الأرض في هذا الزمن - زمن الغيبة - هو الإمام الثاني عشر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) الذي تشرق الأرض (بنوره) إذ جعله اللّه سيداً للأرض.
فإذا عرفنا ذلك فلا وجه لاستغراب بعض الروايات التي تفسر المراد من هذه الآية الشريفة، ومنها ما في تفسير القمي (رحمه اللّه) - المعروف بوثاقته وجلالته ومنزلته ومكانته -- فقد روى عن الإمام الصادق (عليه السلام) في هذه الآية، قال: «رب الأرض إمام الأرض قيل فإذا خرج يكون ماذا ؟ قال: إذن يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزئون بنور الإمام»(2).
ص: 72
وقد نقل هذه الرواية أيضاً الشيخ المفيد (رحمه اللّه) في الإرشاد، وآخرون أيضاً من علمائنا الأبرار(1).
ولكن هل يتنافى هذا المعنى مع المعنى الظاهر من الآية الشريفة؟
الجواب: كلا وذلك لأن هذا المعنى المذكور في الرواية هو من عالم الحجج الخفية ومعاريض الكلام، أو من عالم البطون وطريقة التورية وبيان ما وراء الظاهر، فلا يستشكل: أن ذلك خلاف قرينة السياق بدعوى أن سياق الآية هو عن يوم القيامة إذ يُجاب:
أولاً: ما هو مقرر في محله من أن السياق ليس حجة وأنه لا يخصص ولا يقيد.
وثانياً: على فرض أن السياق حجة، فإنه حجة في عالم الحجج الظاهرية، فيقيد أو يخصص المراد من المطلقات والعمومات مثلاً، لكنه لا شأن له بعالم الحجج الأخرى، فإنه ليس من عالمها ولا هو في مدارها.
وبعبارة أخرى: إن الظاهر لا يتنافى مع الباطن كما أوضحنا ذلك في بحث
ص: 73
التورية والمعاريض(1).
وثالثاً: أن مبنى القرآن الكريم على الظاهر والبطون معاً، وذلك من البديهيات كما أنه أحد أوجه المراد من أنه على سبعة أحرف أو أوجه بل أكثر، لأن (سبعة) هي كناية عن الكثرة وليست للحصر.
والحاصل: أن كل بطن وتأويل صدر من منبع الوحي فهو صحيح، لكن التأويل لا يؤخذ إلا منهم (عليهم السلام) حصراً؛ وذلك لأن علم التأويل ليس متاحاً لكل شخص، وإنما هو علم يلهمه اللّه سبحانه وتعالى أنبياءه، وإنما سمي النبي نبياً لأنه يُنبَأ بالغيب، وهكذا أوصياؤه بالحق كما ثبت ذلك بالدليل العقلي والنقلي في محله(2)،وهذا البحث له تفصيل نكتفي من ذلك بهذا المقدار.
إذن (وَأَشْرَقَتْ الْأَرْض بِنُورِ رَبّهَا) تفسيرها في يوم القيامة، وأما تأويلها ففي يوم ظهور الإمام المهدي المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف).
من وظائفنا في عصر الغيبة (3)
وظائفنا في زمن الغيبة الكبرى كثيرة وقد سبق بعضها ونشير الآن إلى بعضها وعلى ضوء الروايات الشريفة:
ص: 74
الوظيفة الأولى على حسب الروايات الشريفة هي: التمسك بالأمر الأول، فقد ورد في غيبة النعماني، عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال: «إذا كان ذلك فتمسكوا بالأمر الأول»(1) إذن هذه هي الوظيفة الأولى.
الأمر الأول له حديث طويل لكن نقول كإشارة: إن الأمر الأول هو أمرهم (عليهم السلام)، فإن الأمور فيها محدثات وفيها بدع، والإنسان عليه أن يتمسك بالأمر الأول(2)، فإن تطور الزمان وتوالي الأحداث وتجدد الأفكار قد تزعزع البُنى العقدية والفكرية الأساسية الدينية أو المذهبية للأفراد، فيجب عندئذٍ أن يتمسك الإنسان بالأمر الأول، وإن أسموه رجعياً، فإنه لايصلح للمؤمن أن يخاف من أن تلصق به تهمة من التهم، فليُسَمَّ رجعياً! أو فليُستهزأ به! وليقولوا عنه أنه إقطاعي أو برجوازي أو إنه متحجر أو كذا وكذا. لا عليه بكل ذلك بل عليه أن يتمسك بالأمر الأول.
ولعل من مصاديق ذلك ما نشهده من أن البعض قد يتبجح بأنه خالف الإجماع أو المشهور وكأنّ لمخالفتهم الموضوعية والقيمة الذاتية!
وهذا خطأ كبير فإن العقلاء بما هم عقلاء لا يرون من الصحيح مخالفة المشهور لمجرد أنه مشهور أو لمجرد الرغبة في المخالفة واكتساب الشهرة، بل نقول:
ص: 75
إن بناءهم على (مرجّحية) الشهرة إذا كانت من أهل الخبرة الثقات (أو العدول)، كما استدل البعض علىذلك بقوله تعالى (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ)(1) فتأمل، كما ورد عنهم (عليهم السلام) : «خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر فإن المجمع عليه لاريب فيه» بناء على أن الموصول يراد به الأعم من الحكم والفتوى والرواية بقرينة التعليل وإن اللام في (المجمع) للجنس لا للعهد، على كلام مفصل في ذلك.
نعم يستثنى من ذلك ما لو قامت أدلة قطعية على خلاف رأي المشهور، أما أن يرى البعض في مخالفة المشهور سبقاً صحفياً، ويرى الكرامة في أن يشتهر بأنه يسبح خلاف الموج، فهذه ليست فضيلة، وإنما الفضيلة كل الفضيلة أن يكون الإنسان على الأمر الأول المعهود من الذين كانوا في زمن الأئمة (عليه السلام) وتلقوا العلوم منهم.
هذا مع قيام الدليل من إطلاق أو عموم، وأما عروض الاحتمالات فإنها غير مسقطة للحجج عن الحجية، وأما مع فقد الأدلة، فالاستصحاب محكم ما لم يدل دليل على الخلاف، ولعل الرواية تشير إليه.
والحاصل: أن مخالفة المشهور رغبة في الشهرة أو تحدياً للمشهور أو حسب تعبير البعض: إنه لمجرد كسر لهذه الصنمية(2). فذلك هو الخطأ الفاحش ذلك أن هذه ليست صنمية، وإنما هذه هي النبع الصافية فإن احتمال التلوث والتلون في تلك المعرفة التي وصلت إلى المحيطين بتلك النبع الصافية أقل بكثير ممن يتشبث بكل محدث حداثوي أو هرمنيوطيقي أو غير ذلك.
ولذا ترون أن الشهرة الفتوائية على مر التاريخ لم تنقلب إلا في مواطن
ص: 76
نادرة جداً، لعلها تعد على الأصابع وأقصد: ماثبت أن الشهرة القدمائية كانت عليه ثم ما ثبت أن الشهرة المتأخرية كانت على عكسه، فإن هذه قليلة جداً إن لم تكن نادرة، وما عدا ذلك فإما أنه لم تكن هنالك شهرة أو أن الشهرة حقاً على الخلاف لم تنعقد.
إذن هذا هو الأصل الأول؛ وهو أن نتمسك بالأمر الأولكأصل، ولا نقول أن هذه القاعدة سيالة مئة في المئة لا استثناء لها، إنما نقول: أن الاستثناء يحتاج إلى تثبّت واحتياط ومراجعة ثم مراجعة وتفاوض مع العلماء وتشاور ثم تأمل وتدبر وتفكر.
إذن تمسكوا بالأمر الأول، وعلى الإنسان ينبغي أن لا تميله الرياح الحداثوية من شرقية أو غربية.
ولنضرب لذلك مثلاً آخر: فلقد أصبحت حقوق الإنسان(1) مثلاً صنماً! إن حقوق الخالق هي التي لها الموضوعية، فإنه هو الخالق والرازق والمنعم، فحقوقه علينا هي المحور، أما أن تكون (حقوق الإنسان) بالمفهوم الغربي أو الشرقي هي المحور ثم بعد ذلك الإسلام، فذلك خطأ، والغريب أن تجد هذا المثقف أو المتأثر الحداثوي، يحاول أن يزيح مبدءاً إسلامياً مسلّماً في حدود ومساحات حقوق الإنسان، لأن الموجة العالمية تدعو إلى حقوق البشر بما لها من الموضوعية، وكأنها هي المنبع الأول للتشريع.
كلا بل المنبع الأول للتشريع هو الخالق جل اسمه، فما أفاض على البشر من حقوق فلهم، وما وضع عليهم من تكاليف فعليهم، قال تعالى: (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)(2) وقال: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤولُونَ)(3).
ص: 77
ثم إننا لا ننكر التجديد في الآليات وفي الوسائل لكننا نرفض التجديد في مبادئ العقيدة، أو التجديد في القيم والأخلاق أو التجديد في الفطريات والمستقلات العقلية، كما قال الشيوعيون ب- (اللاءات الخمسة): لا لله لا للدين لا للأخلاق لا لرأس المال لا للعائلة، مع أن الصحيح أن الأخلاق هي الأخلاق كما كانت؛ ذات القيمة الجوهرية العليا، فالتواضع مثلاً يبقى في حد ذاته حسناً،وإن تغير العالم وتطور بالطائرات والصواريخ والقنابل الذرية وغيرها، والتكبر مذموم وإن حدث ما حدث، وكذلك البخل والكرم والعدل والإحسان والدين والإلحاد..
وبالتالي فالتجديد هو في الآليات والسبل، لا في المبادئ، لا في القيم، لا في الأسس، فالتجديد مؤطر بإطار الأصالة، يدور في فلكها ويتمحور حولها.
الوظيفة الثانية على ضوء الروايات أيضاً: وظيفة الدلالة والدعوة والذبّ عن الإمام المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) . يقول الإمام الهادي (عليه السلام) - كما في تفسير الإمام (عليه السلام) -:
«لَوْ لَا مَنْ يَبْقَى بَعْدَ غَيْبَةِ قائمكم (عليه السلام) مِنَ الْعُلَمَاءِ الدَّاعِينَ إِلَيْهِ وَالدَّالِّينَ عَلَيْهِ وَالذَّابِّينَ عَنْ دِينِهِ بِحُجَجِ اللَّهِ، وَالْمُنْقِذِينَ لِضُعَفَاءِ عِبَادِ اللَّهِ مِنْ شِبَاكِ إِبْلِيسَ وَمَرَدَتِهِ وَمِنْ فِخَاخِ النَّوَاصِبِ لَمَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلَّا ارْتَدَّ عَنْ دِينِ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يُمْسِكُونَ أَزِمَّةَ قُلُوبِ ضُعَفَاءِ الشِّيعَةِ كَمَا يُمْسِكُ صَاحِبُ السَّفِينَةِ سُكَّانَهَا أُولَئِكَ هُمُ الْأَفْضَلُونَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ»(1).
ص: 78
هذه العناوين الثلاثة يجب أن نتدبر فيها جيداً: العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه؛ ذلك أن الدعوة للشيء أمر، والدلالة عليه أمر آخر، والذب عنه أمر ثالث.
فأن تدعو إلى بيتك شخصاً، هذه دعوة، لكن أن تدله على طريق بيتك هو أمر آخر، فقد تدعو ولا تدل، وقد تعكس: أي تدله على المكان لكن لا تدعوه إليه.
فالوظيفة إذاً هي الدعوة من جهة، والدلالة من جهة ثانية، والذب والدفاع ثالثاً.
وهنا نسال: هل نحن بشكل عام سواء أكنا علماء أم كنا خطباء أم كنا أطباء ومهندسين، هل نحن ندعو إلى ولي اللّه الأعظم (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) أم ندعو إلى أنفسنا؟ وهل ندل عليه أم ندل على أنفسنا؟ وهل ندافع عنه أو ندافع عن أنفسنا؟
إن على كل واحد منا أن يزن عمله بهذا الميزان يومياً، فهل الطريق أصبح هو ذا الطريق؟ كثيراً ما يكون هكذا الأمر، ويا للأسف، فقد يغرق الإنسان في يومياته من درس أو بحث أو تربية أو عمل اجتماعي أو سياسي أو غير ذلك، وقليلاً قليلاً من حيث يشعر أو لا يشعر تتحول نفسه إلى المحور، فتكون لها الموضوعية لا الطريقية، وهذا خطر حقيقي لأن الإنسان بذاته يحب ذاته فلو لم يراقبها لتحولت ذاته إلى صنم، وذلك من أعظم ابتلاءات اللّه للإنسان: أي حب الإنسان لنفسه فإن حبه لنفسه لا يضارعه عادة شيء، لكن الآية تقول: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)(1) وهذا هو المؤمن الحقيقي.
إن الإنسان عادة يحب الراحة فإذا أخل شيء براحته فسترى أعصابه تتوتر بل تختل، كذلك يحب الشهرة، يحب الرياسة، يحب المال، يحب الدار
ص: 79
والمقتنيات، إذ أنه تعب على داره لمدة عشرين سنة مثلاً!
إن علينا أن نضع هذا المقياس أمام أعيننا يومياً، عندما أدرس، لماذا؟ هل لكي يمدحني الناس ويثنون عليّ ويقدمون لي ما يقدمون، أو لا، بل إنما أدرس وأطالع وأؤسس وأكتب وأتاجر وأتصدى، لكيأدعو لولي اللّه الأعظم (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) ولكي أرشدهم إلى السبيل الأقوم؟
إن هذا المقياس يحتاج إلى رقابة نفسية دائمة، لأن النفسَ لأمارة بالسوء (إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي)(1).
إذن: واجبنا هو الدعوة إليه (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) أولاً، والدلالة عليه (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) ثانياً، والذب عنه ثالثاً والذبّ يعني الدفاع، والدفاع أيضاً قد يكون لا بالحجج فحسب، بل يقرنها بالأعمال والأنشطة والبرامج والمؤسسات الدينية والفكرية وغيرها.
ثم إن (الذبّ) لعله إشارة للجانب السلبي، وأما ذانك الأمران فإشارة للجانب الإيجابي.
وأما الوظيفة الثالثة فهي أصعب: وهي أن نبقى سبّاقين.
فإن الإنسان تارة يكون داعية، ودالاً وذاباً عن دين لله بحجج اللّه، لكنه تارة يكون سباقاً ويكون قمة القمة في ذلك، فإن ذلك أيضاً من وظائف المنتظِر الحقيقي.
ومما يلفت النظر: أنكم كثيراً ما ترون بعض الطلاب أو المؤمنين في بداية الطريق مجّداً مجتهداً مجاهداً في تهذيب نفسه، يراقب نفسه حقيقة، كي لا يخالطها نوع من الرياء أو العجب أو الغرور أو الكبر والكبرياء أو غير ذلك، لكنه بمرور الزمن يتضاءل ذلك حتى ينسى أو يكاد.
إن الإنسان يجب عليه أن يكون سبّاقا، وأن يكون يومه أفضل من أمسه،
ص: 80
وأن يكون غده أفضل من يومه وهكذا، فهذه أيضا وظيفة؛ أن تكون سبّاقاً إلى الخيرات والصالحات وإلى تهذيب النفس وإصلاحها.
وهذه السباقية مما تدل عليه بعض الروايات يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَلَا إِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ (صلی اللّه عليه وآله وسلم)، وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ وَأَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ، وَلَيَسْبِقَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا،وَلَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا، وَاللَّهِ مَا كَتَمْتُ وَسْمَةً وَلَا كَذَبْتُ كَذِبَةً، وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وَهَذَا الْيَوْمِ»(1).
إن هذا الانذار وهذا التحذير موجه إلينا جميعاً، فإن الإنسان قد ينقلب على عقبيه في امتحان الشهرة، امتحان الرياسة، امتحان المال، امتحان المرأة، امتحان المنصب وغير ذلك، فتجده بعد أن جاهد نفسه لخمسين سنة مثلاً يقع - لا سمح اللّه - في شباك إبليس، فيصبح مطية له ولأهواء نفسه.
فقوله (عليه السلام): «وليسبقن سباقون كانوا قصروا، وليقصرن سباقون كانوا سبقوا» يكشف عن أن بعض الناس في البداية قد يكون مقصراً، لكنه بعد ذلك يشمله لطف من اللّه سبحانه وتعالى وواعظ من نفسه، فيكون هو السباق إلى الخيرات.
كما أن بعض الناس قد ينطلق بقوة في ميادين الإرشاد والتوعية والتربية وفي ميادين تهذيب نفسه وتطويرها وتزكيتها، ولكنه بعد ذلك يقصّر ويتراجع - لا سمح اللّه تعالى -.
يقول اللّه سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا).
نسأل اللّه سبحانه أن نكون ممن يتنعم بتلك الإشراقة الربانية وممن ينتصر بهم لدينه انه سميع مجيب.
ص: 81
ص: 82
للإمام القائم المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)
محذرات ومنبهات
ص: 83
ص: 84
بسم اللّه الرحمن الرحيم
يقول اللّه سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا)(1).
ويقول جل اسمه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (2).
البحث يدور بإذن اللّه سبحانه وتعالى حول العناوين التالية:
أ) المتقدِّمات.
ب) المقدِّمات.
ج) المممهِّدات.
وبعض العناوين الأخرى المشابهة لذلك في إطار العنوان الرئيسي وهو المرابطة.
ص: 85
إن من المعروف أن لظهور سيد الكائنات الحجة المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) علامات عديدة بين حتمية وغيرها، وأن مبحث العلامات يحتاج إلى بسط من الكلام لاندخل فيه الآن، لكن سوف نتحدث بايجاز عن ثلاثة عناوين أخرى اصطلحنا في بعضها على ذلك العنوان كي تكون هذه العناوين حاكية عن الواقع كما هو.
إن عنوان المقدمة والمقدمات والمقدّمية، عنوان معروف، أما عنوان (المتقدمات) فهو عنوان آخر نجد أن من الضروري أن ننحت له هذا المصطلح إلى جوار عنوان المقدمات، ثم إن هناك عنواناً آخر وهو (الممهدات) فماهو الفرق بين (الممهدة) و(المقدمة) و(المتقدمة)؟ وما هي الثمار التي تترتب على ذلك ؟
هذه العناوين الثلاثة ستكون المحور في هذا البحث ان شاء اللّه تعالى.
هناك أمور كثيرة ينطبق عليها عنوان المقدمة، إذ إن الكثير من الأشياء هي مقدمة للوصول لأشياء أخرى، كما في المشي إلى المسجد أو إلى السوق، حيث إنه مقدمة للوصول إليه، لكن هناك أشياء أخرى هي(متقدمة) وليست ب- (المقدمة) والفرق بينهما كبير؛ إذ تارة يكون بين الشيئين تعاقب بدون اقتضاءٍ ولا علّية ولا سببية أو مسببية، وعندها يكون ههنا (تقدُّم)، بحيث لايكون (المتقدم) مقدمة للمتأخر منهما، بل هو صِرف التقدم، وذلك نظير المتقارنين إذ قد يكونان متلازمين، وقد تكون المقارنة اتفاقية.
ثم إن التقدم قد يكون زمانياً أو مكانياً أو كليهما، وقد يكون في المتقدم الاقتضاء للآخر فهو المقدمة، وقد لايكون كذلك فهو المتقدّم. هذا من جهة.
ص: 86
ومن جهة أخرى:
فإن (المقدمة) تختلف عن (الممهِّدة) إذ الأولى هي ما توصلك إلى الشئ من غير أن يكون لها دور في وجوده، أما الثانية - الممهدة - فهي ما تصنع الشئ ويكون لها التأثير ولو بنحو جزء العلة في وجوده وتحققه.
كمثال لتوضيح الفكرة: إذا خرجتم من داركم قاصدين المسجد، فاعترضكم جبّار وصفعكم، فإن هذه الصفعة (متقدّمة) على وصولكم إلى المسجد، وليست بمقدمة له(1)، بينما مشيكم نحو المسجد (مقدمة) لذلك، أي أن مشيكم علة معدة للوصول إلى المسجد.
ثم إن مشيكم لمّا كان (مقدمة) للوصول فإنه يختلف عن (الممهِّدة) وهي العوامل والأشخاص والعلل التي سببت وجود المسجد وإنشاءه كالبنّاء والمهندس والعمال وحفر الأرض وتعبيدها وغير ذلك.
بعد هذا التوضيح يقع كلامنا في (المتقدمات) على الظهور المبارك لولي اللّه الأعظم (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) وهي كثيرة جداً لكنها ليست (مقدمات) كما قد يتصور البعض خطأً، كما أنها ليست ب(ممهدات) للظهور المبارك.
ومن هذه (المتقدمات) والتي ليست بمقدمات أو ممهدات للظهور أو لم يدل دليل على ذلك في بعضها على الأقل، ما جاء في: الكافي الشريف بسندين، ومع قطع النظر عن القول بحجية روايات الكافي بشكل عام(2)، فإن هذه الروايات بعضها معتبر إسناداً بشكل خاص.
ص: 87
فقد روى الشيخ الكليني(1) (رحمه اللّه) حديث الإمام الصادق (عليه السلام)(2) مع حمران وقد جاء فيه قوله (عليه السلام):
«فإذا رأيت الحقّ قد مات وذهب أهله، ورأيت الجور قد شمل البلاد».
فإنه أحيانا يغزو الجور بعض أرجاء البلاد، لكنه في أحيان أخرى يدخل في كل بيت بيت وفي كل حجر حجر، وفي كل عشيرة وأسرة وشخص، وهذه من المتقدمات لا المقدمات، وسوف نشير إلى الثمرة في فرقها عن المقدمات إن شاء اللّه تعالى.
«ورأيت القرآن قد خلق، وأُحدث فيه ما ليس فيه، ووُجِّه على الأهواء، ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفىء الماء»
فإن الإنسان قد يصب الماء شيئاً فشيئاً، لكنه أحياناً أخرى يقلب الإناء على وجهه تماماً، فهل يبقى من الدين عندئذٍ شيء؟ وألا يحيق بكل واحد منا هذا الخطر؟
ثم يقول الإمام (عليه السلام):
«ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق»، وهذا ما نجده الآن كذلك،من الشرق إلى الغرب ومن العام الى الخاص.
«ورأيت الشرّ ظاهراً لا يُنهى عنه، ويُعذر أصحابه، ورأيت الفسق قد ظهر، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء».
«ورأيت المؤمن صامتاً لا يُقبَل قوله، ورأيت الفاسق يكذب ولا يُردّ عليه
ص: 88
كذبه وفريته».
«ورأيت الصغير يستحقر الكبير، ورأيت الأرحام قد تقطعت، ورأيت من يُمتدح بالفسق يضحك منه ولا يردّ عليه قوله، ورأيت الغلام يعطي ما تعطي المرأة، ورأيت النساء يتزوجنّ بالنساء».
«ورأيت الثناء قد كثر»، كما تجدون الآن أن كثيراً من الناسيتغنَّون بأمجاد عائلتهم أو سياسييهم أو عالم منطقتهم أو مرجعيتهم أو غير ذلك، مع أن الثناء المذموم يراد به - ولو بمناسبات الحكم والموضوع - الثناء بالباطل عادة، إلا أن الأغلب لعله جرى على أن فضيلة الغير تطمس، بينما فضيلة المتكلم أو من يحبه يُروَّج لها اكثر مما ينبغي.
«ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة اللّه فلا يُنهى عنه ولا يؤخذ على يديه»، فإنك ترى الملايين بل المليارات تنفق في تشييد السينماءات الفاسدة أو المخامر أو المقامر أو الفضائيات أو مدارس الضلال أو الأحزاب الضالة المضلة، ولا يوجد أحد ينهى عن ذلك، مع أن المطلوب النهي عن المنكر باستمرار ودون كلل أو ملل، بل المطلوب أن يؤخذ على يديه ويمنع بالقوة حسب مراتب النهي عن المنكر وحسب شروطه وضوابطه، درءاً للفساد والإفساد.
«ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع».
ولعل إطلاق هذا الكلام وإلا فملاكه، يشمل الدولة الجارة التي تؤذي الدولة الثانية فتتدخل في شؤونها، وتؤوي الإرهابيين وتقود التفجيرات الإرهابية، أو تحاول زعزعة وضعها الاقتصادي أو الاجتماعي وغير ذلك.
«ورأيت الكافر فرحاً لِما يُرى في المؤمن، مَرِحاً لِما يرى في الأرض من الفساد»، ومن المشهود جلياً الآن أن الكفار فرحون بما يجري في بلادنا؛ من حروب
ص: 89
داخلية وسفك دماء وظلم الحكام لشعوبهم وثورة الشعوب على حكامهم، والاستبداد والتخلف والأثرة وتحطم الزراعة والصناعة.. ويكفي فرحهم بما يجري في دول الخريف العربي!
«ورأيت الخمور تشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف اللّه تعالى».
«ورأيت الآمر بالمعروف ذليلاً»، فمن يستطيع أن يتجرأ ويخاطب الحاكم أو الرئيس أو غيرهما ويأمره بالمعروف؟ وإنتجرأ فإنهم يسعون بمختلف الطرق لإذلاله أو تحطيمه أو تحجيمه.
«ورأيت الفاسق فيما لا يحب اللّه قوياً محموداً، ورأيت أصحاب الآيات يحتقرون ويحتقر من يحبّهم، ورأيت سبيل الخير منقطعاً، وسبيل الشر مسلوكا».
«ورأيت الرجل يقول ما لا يفعله»، إذ تجد بعضهم يتكلم مع الناس عن الصبر، ثم تجده جازعاً في أدنى مصيبة، أو يتكلم عن الورع أو الحلم فلا تجده في مظان الشبهة أو غيرها ورعاً ولا حليماً.
«ورأيت الرجال يتسمّنون للرجال، والنساء للنساء، ورأيت الرجل معيشته من دبره، ومعيشة المرأة من فرجها، ورأيت النساء يتّخذن المجالس كما يتّخذها الرجال، وتُنُوفس في الرجل ويغار عليه الرجال».
«وكان صاحب المال أعزّ من المؤمن، وكان الربا ظاهراً لا يعيّر، وكان الزنا تُمتدح به النساء، ورأيت المؤمن محزوناً محتقراً ذليلاً، ورأيت البدع والزنا قد ظهر، ورأيت الناس يعتدون بشهادة الزور، ورأيت الحرام يحلّل».
«ورأيت الدين بالرأي»، كما نجده في القياس الذي أضحى سيد المواقف، والذي اصطلحوا عليه الآن بمصطلح برَّاق: (تاريخية الأحكام) و(نسبية النصوص والمعرفة) وغير ذلك.
ص: 90
«وعطّل الكتاب وأحكامه» بعناوين شتى ومنها عنوان الأهم والمهم المتوهَّم! ومنها عنوان تعدد القراءات، وغيرها.
«ورأيت الليل لا يُستخفى به من الجرأة على اللّه» فقد أصبح الليل الوقت المفضل للفساد والإفساد في كل العالم، كما تجد الأفلام الفاسدة تبث ليلاً بعد منتصفه بل وفي كل الأوقات، ومن الغريب أن بعض الدول الإسلامية تعتبر شهر رمضان ولياليه موسم الأفلام والمسلسلات بما تتضمنه من انحلال وميوعة.
«ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلا بقلبه، ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط اللّه عزّوجلّ، ورأيت الولاة يقرّبون أهل الكفر ويباعدون أهل الخير»، فتجد أبرز مستشاري حكومات الدولالإسلامية وشركاتها هم من المؤسسات أو الشخصيات الغربية الكافرة وفي مختلف الاختصاصات!
«ورأيت الولاة يرتشون في الحكم، ورأيت الولاية قبالة لمن زاد» وقد تعارف مؤخراً بيع وشراء المناصب في الصفقات السياسية.
«ورأيت ذوات الأرحام ينكحن ويكتفى بهنّ، ورأيت الرجل يُقتل على التهمة وعلى الظنّة، ويُتغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه وماله، ويأكل الرجل من كسب امرأته من الفجور، يعلم ذلك ويقيم عليه، ورأيت المرأة تقهر زوجها وتعمل ما لا يشتهي وتنفق على زوجها».
«ورأيت الأَيمان باللّه كثيرة على الزور، ورأيت القمار قد ظهر، ورأيت الشراب يباع ظاهراً ليس له مانع».
«ورأيت النساء يبذلن أنفسهنّ لأهل الكفر، ورأيت الملاهي قد ظهرت يُمرّ بها لا يجتري أحد على منعها».
«ورأيت الشريف يستذلّه الذي يُخاف سلطانه، ورأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت، ورأيت من يحبّنا يزوّر ولا تقبل شهادته،
ص: 91
ورأيت الزور من القول يُتنافس فيه».
«ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه، وخفّ على الناس استماع الباطل».
«ورأيت الجار يكرم جاره خوفاً من لسانه».
«ورأيت الحدود قد عُطِّلت وعمل فيها بالأهواء، ورأيت المساجد قد زخرفت، ورأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب، ورأيت الشرّ قد ظهر والسعي بالنميمة، ورأيت البغي قد فشا»(1).
فترى البغي منتشراً في كل مكان؛ في الأسواق والعشائر والجامعات إلا من عصم اللّه. ثم إن البغي تارة يكون من الأعلى للأدنى، وأخرى من الأدنى للأعلى، والثالثة من المساوي للمساوي!
«ورأيت الغيبة تُستَملَح ويبشّر بها الناس بعضهم بعضاً، ورأيت طلب الحج والجهاد لغير اللّه، ورأيت السلطان يُذِلّ للكافر المؤمنَ»،أي يذل المؤمن لأجل رضا الكافر! وما أكثر ذلك في حكومات بلاد الإسلام اليوم!
«ورأيت الخراب قد أُدِيلَ من العمران»، ألا ترى كثرة الأراضي اليباب البائرة في بلاد الإسلام وألم تكن العراق مثلاً أرض السواد سابقاً؟ فما بالها اليوم؟
«ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان».
«ورأيت سفك الدماء يُستخفّ بها».
وهذا ما نشاهده بوضوح في عصرنا الحاضر، بل لعله لا يوجد له في التاريخ نظير، فتجد أمراء الحروب وملوك التفجيرات ومن ورائهم الديمقراطيات الزائفة يقتلون الألوف ومئات الألوف بل بعضهم يلتذ بسفك الدماء أيَّ التذاذ خصوصاً دماء أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، ومن ذلك ما ينقل عن ذلك الإرهابي
ص: 92
الهارب: إن شهيته كانت مسدودة عن الطعام لمدة ثلاثة أيام فلما بلغه نجاح العملية الإرهابية التفجيرية التي أعد لها وقتل جماعة وجرح العشرات قال: الآن انفتحت شهيتي! هلموا بالطعام!!!
«ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لغرض الدنيا»، فعلى الإنسان أن يراقب ذاته في كل ذلك.
«ويشهر نفسه بخبث اللسان ليُتّقى، وتُسنَد إليه الاُمور، ورأيت الصلاة قد استُخِفّ بها».
«ورأيت الرجل عنده المال الكثير لم يزكّه منذ ملكه».
وفي الحادثة التالية عِبرة: فقد زار أحد العلماء تاجراً في إحدى البلاد الإسلامية وطلب منه المساهمة في مشروع خيري فوعد بما يعادل حوالي ألفي دولار، ثم أخذ يماطل إلى ستة أشهر مع أنه تاجر كبير ، فما قيمة ألفي دولار في بحر أمواله، لكن اللّه يمهل ولا يهمل؟! وإذا به بعد مدة يخسر في صفقة تجارية ضخمة بما يعادل أربعة وعشرين مليون دولار، فالمعاصي تجر البلايا والخسائر.
«رَأَيْتَ الْهَرْجَ قَدْ كَثُرَ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُمْسِي نَشْوَانَ وَيُصْبِحُسَكْرَانَ لَا يَهْتَمُّ بِمَا النَّاسُ فِيهِ، وَرَأَيْتَ الْبَهَائِمَ تُنْكَحُ، وَرَأَيْتَ الْبَهَائِمَ يَفْرِسُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَرَأَيْتَ قُلُوبَ النَّاسِ قَدْ قَسَتْ وَ جَمَدَتْ أَعْيُنُهُمْ».
وما أكثر من يرى المعاصي فلا يهتم ولا يبالي!، وفي السابق كنا إذا سمعنا عن سرقة أو ظلامة فإن قلوبنا كانت تنكسر وكان يعتصرها الألم، لكنها الآن نسمع ونرى أمواجاً من المعاصي والجرائم المهولة خاصة تفجيرات الإرهابيين وجرائمهم فلا نبالي بل نمر عليها مرور الكرام، فالقلوب أضحت قاسية بشكل عجيب.
ص: 93
وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
«...وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، وَالاْخْرَى المُعَاهَدَةِ، فيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلْبَهَا وَقَلاَئِدَهَا، وَرِعَاثَهَا، ما تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاِسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ، وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِن بَعْدِ هَذا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً»(1).
إن القلوب أصبحت الآن قاسية حقاً فكيف يرحمنا اللّه تعالى؟ وهل نحن مأهّلون لظهور الإمام (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)؟ كلا، إذ أين مظهر النور ومعدن القداسة والطهارة والكمال، من هذا البشر نازل المستوى في أقل التعابير؟
«وثقل الذكر عليهم»، تقول لهذا أو ذاك: اذكر اللّه وأنت في الطريق أو السوق أو الجامعة أو الوزارة، فيثقل عليه ذلك!!
«ورأيت السُحتَ قد ظهر يُتنافس فيه، ورأيت المصلّي إنّما يُصلّي ليراه الناس».
«ورأيت الفقيه يتفقّه لغير الدين يطلب الدنيا والرئاسة، ورأيت الناس مع من غلب» ففي كل مكان تجد الناس مع من غلب، إلا من عصمه اللّه.
«ورأيت طالب الحلال يُذمّ ويُعيّر، وطالب الحرام يمدح ويعظّم، ورأيت الحرمين يعمل فيهما بما لا يحب اللّه لا يمنعهم مانع، ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد».
«ورأيت الرجل يتكلّم بشيء من الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيقوم إليه من ينصحه في نفسه، فيقول: هذا عنكموضوع، ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض ويقتدون بأهل الشرور».
ص: 94
«ورأيت مسلك الخير وطريقه خالياً لا يسلكه أحد».
«ورأيت كلّ عام يحدث فيه من الشرّ والبدعة أكثر ممّا كان».
«ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلّا الأغنياء، ورأيت المحتاج يُعطى على الضحك به ويرحم لغير وجه اللّه، ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد، ورأيت الناس يتسافدون كما يتسافد البهائم لا ينكر أحد منكراً تخوّفاً من الناس، ورأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة اللّه، ويمنع اليسير في طاعة اللّه».
«ورأيت العقوق قد ظهر واستُخِفّ بالوالدين، وكانا من أسوء الناس حالاً عند الولد، ويفرح بأن يُفترى عليهما».
«ورأيت النساء قد غلبن على الملك، وغلبن على كلّ أمرٍ لا يؤتى إلّا مالهنّ فيه هوى».
«ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه ويدعو على والديه ويفرح بموتهما».
«ورأيت الرجل إذا مرّ به يوم ولم يكتسب فيه الذنب العظيم من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر، كئيباً حزيناً يحسب أنّ ذلك اليوم وضيعة من عمره».
«ورأيت السلطان يحتكر الطعام».
«ورأيت أموال ذوي القربى تُقسَّم في الزور ويُتقامَر بها وتشرب بها الخمور».
«ورأيت الخمر يتداوى بها وتوصف للمريض ويستشفى بها».
«ورأيت الناس قد استَوَوا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك التدين به».
«ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق قائمة ورياح أهل الحق لا تحرّك».
«ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر».
«ورأيت المساجد محتشية ممّن لا يخاف اللّه، يجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم
ص: 95
أهل الحق، ويتواصفون فيها شراب المسكر،ورأيت السكران يصلّي بالناس وهو لا يعقل ولا يُشان بالسكر، وإذا سكر اُكرم واتُّقي وخِيف وتُرك، لا يعاقب ويعذر بسكره».
«ورأيت من يأكل أموال اليتامى يُحمد بصلاحه».
«ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر اللّه، ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع».
«ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسق والجرأة على اللّه، يأخذون منهم ويخلّونهم وما يشتهون».
«ورأيت المنابر يُؤمَر عليها بالتقوى ولا يعمل القائل بما يأمر».
«ورأيت الصلاة قد استُخِفّ بأوقاتها».
«ورأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه اللّه، وتُعطى لطلب الناس».
«ورأيت الناس همّهم بطونهم وفروجهم لا يبالون بما أكلوا وما نكحوا، ورأيت الدنيا مقبلة عليهم، ورأيت أعلام الحق قد دُرِست».
«فكن على حذر، واطلبْ إلى اللّه تعالى النجاة، واعلم أنّ الناس في سخط اللّه تعالى، وإنّما يُمهلهم لأمر يُراد بهم، فكن مترقّباً، واجتهد ليراك اللّه تعالى في خلاف ما هم عليه، فإن نزل بهم العذاب وكنت فيهم عجّلت إلى رحمة اللّه، وإن أخّرت ابتلوا وقد كنت قد خرجت ممّا هم فيه من الجرأة على اللّه تعالى. واعلم أنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين، وأنّ رحمة اللّه قريب من المحسنين».
وفي رواية أخرى عن الإمام (عليه السلام) في نهج البلاغة: (ولُبِس الإسلام لبس الفرو مقلوبا)(1).
ص: 96
فتراه يعمل بالمنكر، فإذا أنكرت عليه بادرك إن هذا هو المعروف!! وهذه هي الشريعة وهذه هي الأدلة!! كذبا وزورا.
ولذا يقول الإمام (عليه السلام) كما في إكمال الدين: «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ»(1).
وفي رواية أخرى في مكارم الأخلاق: «سيأتي من بعدي أقوام يأكلون طيبات الطعام و ألوانها و يركبون الدواب و يتزينون بزينةالمرأة لزوجها ويتبرجون تبرج النساء وزيهم مثل زي الملوك الجبابرة هم منافقوا هذه الأمة في آخر الزمان شاربوا القهوات لاعبون بالكعاب راكبون الشهوات تاركون الجماعات راقدون عن العتمات مفرطون في الغدوات يقول اللّه تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)(2) يا ابن مسعود مثلهم مثل الدفلى زهرتها حسنة و طعمها مر، كلامهم الحكمة و أعمالهم داء لا تقبل الدواء»(3).
وكم تجد الآن من أشخاص ظلمه متسلطين عملهم عمل الحاسد الحاقد الظالم الجائر، لكن كلامهم معسول منمّق؟!
وفي رواية اخرى: «يَظْهَرُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَقْوَامٌ وُجُوهُهُمْ وُجُوهُ الْآدَمِيِّينَ وَ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِين... »(4).
فتجده أستاذاً في المكر والتدليس والحيلة، إلى درجة أن الشيطان قد يتعلم منه!!.
ص: 97
وقد نقل لي بعض أهل الخبرة والتتبع والإطلاع عن أحد حكام بلاد الإسلام أنه قبل فترة شكل لجنة لدراسة كيفية سيطرة معاوية بن أبي سفيان على البلدان الإسلامية تلك المدة الطويلة؟ وماهي الحيل السياسية التي استعملها معاوية في ذلك؟ وما هي أساليبه في القتل غيلة؟ وكيف أدار البلاد بالمكر والخديعة حتى خضعت لحكمه وجوره؟
وقد تتبعت شخصياً سياسة ذلك الحاكم ومنهجيته وأنواع قراراته، فرأيت أن بعض أساليبه الآن مقتبسة بالفعل من سياسة معاوية بن أبي سفيان؛ نفس الأسلوب ونفس المنهج!!.
وصفوة القول: إن هذه الأمور(1) هي من (المتقدمات)، وليست من (المقدمات)، فما هو الفرق؟ وما هي الثمرة من هذا التفريق؟
إن هذه (المتقدمات) ليست لها عِلِّيه للظهور المبارك بل وليس لها اقتضاء ولا أية جهة إعدادية أبداً، فلا هي علة موصلة ولا هي من الممهدات، بل هي (متقدمات) فقط، أي أمر يحدث قبل أمر أخر فهو كالتقدم المكاني.
وتظهر الفائدة في ذكرها أنها (محذِّرات) فعلى الإنسان أن يحذر مما ذكر فيها من الأهاويل والفدائح والمعاصي، والملفت أن من يطالعها فإنه يشعر في عمقه أن الإمام (عليه السلام) لم يأتِ بها لمجرد الأخبار الغيبي الصرف، بل يشعر أنها تحذّره وتشير - بدلالة الإيماء والتنبيه أو غيرها - إلى أنه يجب أن لا يكون كذلك، أن يحذر من أن يكون قلبه قاسياً، أو كقلوب الشياطين أو أن يمر على المعصية ولا ينقلع قلبه لها!
ص: 98
إننا نسمع في الفضائيات أو نقرأ في الجرائد والمجلات الكثير الكثير من مصاديق هتك المقدسات، من قبيل هتك حرمة بعض أهل البيت (عليهم السلام)، ولكننا نمر على ذلك مرور الكرام.
وإنني شخصياً أعرف أحد العلماء سمع ذات مرة أن أحدهم قال كلمة غير مهذبة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فبقي هذا العالم الموالي أياما متألماً قَلِقاً مضطرباً، كيف أن شخصاً يتكلم عن الأمير (عليه السلام) بهذا الكلام؟!! ثم اتخذ سلسلة من الإجراءات والخطوات لمنع تكرار مثل تلك الاساءات.
إن الكثير منا قد يسمع شخصاً يتكلم بكلام يجترئ به على مقدساتنا وحرماتنا ومحرماتنا، لكن يمرّ عليها مروراً عابراً، وما ذلك إلا لقسوة القلوب(1) - والعياذ باللّه -.
والحاصل: إن هذه المتقدمات محذِّرات... فهل من معتبر؟!
ثم إن بعض الجهلة تصوروا ، كما أن بعض المغرضين اتهموا بعض العلماء العاملين: بأن الظهور المبارك متوقف على هذه العلامات.
فتصور البعض أن (المتقدمات) هي (مقدمات) بل (ممهدات) للظهور، كما اتهم زورا البعضُ الآخر بعضَ العلماء العاملين بأنه ممن يذهب إلى هذا الراي أعني أن المتقدمات هي مقدمات وممهدات.
فهؤلاء الجهلة والمغرضون اتهموا أولئك العلماء؛ بأنهم يقولون: أن عليهم أن يكثروا من المعاصي والموبقات والظلم وكل ما ذكر في تلك الروايات
ص: 99
حتى يعجلوا الظهور للامام (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)!! وبذلك فقد صوروا - خطأ منهم أو عمداً وعناداً - المتقدِّمات كمقدِّمات بل كممهِّدات.
وممن اتّهم بذلك المرحوم الشيخ محمود الحلبي (رحمه اللّه) وهو أحد كبار العلماء العاملين الأبرار الذين ربوا عشرات الآلاف من خيرة الشباب الجامعيين وغيرهم، وقد رأيت الكثير ممن رباهم هذا الشيخ الرباني الكبير في دول عديدة وقد وجدتهم من خيرة المتدينين.لكن بعض المغرضين اتهموه أنه يدعو إلى نشر الفساد والظلم والرذيلة، وكالوا له نظائر ذلك من الكذب والاتهام وأنه يدعو للفساد، لكي يكون ذلك سبباً لتعجيل الظهور المبارك!
وكلامنا فعلاً ليس عن ذلك العالم - وإن كان إحقاق الحق والدفاع عن المظلوم مطلوباً لازماً - إلا أن كلامنا عن أصل الشبهة القائلة: إن الظهور يتوقف على نشر الفساد والإفساد فعلينا أن نقوم بذلك لتعجيله وتقريبه!! ومن البديهي أنها شبهة باطلة واهية مخالفة لضروريات الدين ومعارضة لمسلمات الكتاب والسنة.
وعليه: فلا مجال أبداً للخلط بين (المتقدمات) و (المقدمات)، فالمتقدمات ليست مقدمات ولا هي ممهدات إن لم تكن معوقات!
لقد ظهر إذن بجلاء: أن عالم ما قبل الظهور فيه متقدمات، لكن السؤال المهم هو:
ما هي المسؤولية الملقاة على عواتقنا في عصر الغيبة وعالم ما قبل الظهور؟
نقول: المسؤولية هي (المرابطة)، وقد تناولنا الحديث عن جوانب موجزة منها في هذا الكتاب، لكننا نشير هنا إلى قاعدة مهمة:
ص: 100
وهذه القاعدة تقول: (كلما كانت الرؤية تجاه خطر من الأخطار أوضح، كان الحافز للتصدي له اكبر).
وهذا أمر فطري وجداني، فلو أن الإنسان كانت رويته واضحة اتجاه خطر الأفعى الرقطاء وأن سمها قاتل له على الفور فإنه سوف يحذرها ويتجنبها بكل ما يستطيع.
والمشكلة الأساسية هي أننا لا ندرك مخاطر عصر الغيبة جيداً، نعم قد ندرك بعض المخاطر أو بعض أبعادها ثم نتناساها في زحمة العمل والالتهاء الروتيني في مشاغل الحياة اليومية، لذا فإن من النافع والضروري أن يطلع الإنسان على مختلف المتقدمات التي أشرنا إليها وغيرها، وبشكل مستوعب وأن يقرأ على الأقل رواية واحدة عن ذلك كل يوم، فإن استعداده عندئذٍ سوف يكون أكثر وأكبر.
وسوف نذكر رواية من هذه الروايات ونختم بها الكلام: فقد أورد صاحب كتاب عوالم العلوم والمعارف والأحوال:
عن الامام الباقر (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذَاتَ يَوْمٍ وَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: اللَّهُمَّ لَقِّنِي إِخْوَانِي مَرَّتَيْنِ فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: أَمَا نَحْنُ إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا، إِنَّكُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانِي قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ آمَنُوا بي وَلَمْ يَرَوْنِي لَقَدْ عَرَّفَنِيهِمُ اللَّهُ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَأَرْحَامِ أُمَّهَاتِهِمْ، لَأَحَدُهُمْ أَشَدُّ بَقِيَّةً عَلَى دِينِهِ مِنْ خَرْطِ الْقَتَادِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، أَوْ كَالْقَابِضِ عَلَى جَمْرِ الْغَضَا، أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الدُّجَى يُنْجِيهِمُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ»(1).
ص: 101
و(خرط القتاد) مثل يضرب لشدة مقاساة الألم في مواجهة المخاطر الكبيرة فإن دخول الشوكة الواحدة في يد الإنسان مؤلم جداً، فكيف بأن يمسك الإنسان بيده غصناً مليئاً بالأشواك المدبّبة ثم يخرطها بقوة من أعلى إلى أسفل! كم ذلك مؤلم؟ وكم أنه يحتاج إلى صبر دؤوب حتى انتهاء العملية بأكملها! وقد جاء في (مجمع البحرين): القتاد كسحاب شجر صلب شوكه كالأبر تضرب فيهالأمثال.
ولا شك أن مواجهة الابتلاءات الدنيوية التي تنازع المؤمن على دينه كالظلم وحب الدنيا والرياسة والأموال وغير ذلك من الخطورة بمكان بحيث كأنها كخرط القتاد.
و(جَمْرِ الْغَضَا) هو نوع من الشجر، حطبه يستمر كثيرا في الاشتعال والاستعار حتى ينطفئ.
نسال اللّه سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن أشار إليهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بهذه الكلمات بأن نكون ممن يتصفون بهذه المواصفات كي نكون ممن يرقى بجدارة إلى مقام أخوّة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم).
اللّهم أرني الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة، وأكحل ناظري بنظرة مني اليه، وعجل فرجه وسهل مخرجه وأوسع منهجه واسلك بي محجته.. آمين رب العالمين.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى اللّه على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ص: 102
ص: 103
ص: 104
سوف يتمحور الحديث حول (الميمات الأربع) التي تسبق الظهور المبارك في زمن الغيبة الكبرى:
1) المقدِّمات.
2) المتقدِّمات.
3) الممهِّدات.
4) المسؤوليات والوظائف.
وهذه الأمور الأربعة التي وردت حول مضامينها روايات كثيرة والتي يلزم أن نكون مرابطين عند ثغرها دائما.
(المقدمات) هي أعلى رتبة من (المتقدمات)، لكنها لا ترقى إلى مستوى (الممهِّدات) بل تبقى مقدمات في المرتبة المتوسطة، وقد بينا سابقاً أن المقدمة: هي التي توصل إلى الشيء لكنها لا تصنع الشيء ولا تسهم في تكوينه.
ص: 105
أ) أن هناك أشياءً تسهم في تعجيل الظهور المبارك والتي عبرنا عنها ب- (الممهِّدات) كما سيأتي في نهاية المطاف إن شاء اللّه تعالى.
ب) وإن هناك أشياءً هي متقدمة على الظهور المبارك، لكن من دون علِّية أو اقتضاء فيها للايصال ولا تأثير لها في صناعة ذلك الحادث العظيم القادم، فلا هي جزء العلة ولا شرط تأثيرها ولا هي حلقة من حلقات العلة المعدة، وهي ما أسميناه ب- (المتقدمات).
ج) وهناك أمور توصل الإنسان لأدراك عهد الظهور وإن لم تكن من صنّاع تعجيل الظهور وأسبابه، بمعنى أن الشخص إذا أراد أن يكون من أنصار الإمام المنتظر(عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)، أو أن يحيى إلى أن يظهر(عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)، أو أن يُحيى بعد الموت ليشهد زمن الظهور، فإن هناك طرقاً ذكرتها الروايات، توصل الإنسان العامل بها إلى عصر الظهور، لكنها لا تعجل بالظهور، وعلى الأقل يمكن القول: أنه لايظهر من الروايات أنها من الممهدات.
وإن لم يكن بنحو العلية التامة، وسيتضح ذلك عندما نقرأ الرواية الشريفة:
قد نقل كتاب العوالم عن الكافي الشريف باسناده إلى جابر قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من قرأ المسبحات كلها قبل أن ينام لم يمت حتى يدرك القائم (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) وإن مات كان في جوار محمد النبي(صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(1).
فهذه وسيلة و طريقة مهمة جداً عرفّنا عليها الأئمة الأطهار، فلماذا نغفل عنها وعن أمثالها؟
إن كل مؤمن لا ريب أنه يتمنى أن يتشرف برؤية وخدمة الإمام المعصوم (عليه السلام) ولو لحظة واحدة، فكيف بأن يدركه ويكون من جنوده وأعوانه؟!
نعم يظهر من الرواية أن ذلك بنحو المقتضي وليس بنحو العلة التامة، فقد يقوم بالقراءة بعض الأفراد لكنهم لايدركونه (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) إلا أن اللّه تعالى يعوضهم بشي آخر له أهميته القصوى بدوره، وهو ما تصرح به تتمة الرواية إذ تقول: «وإن مات كان في جوار محمد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ». نعم يحتمل أن يكون «وإن مات» تتمة لا بديلاً فلا بد أن يكون المراد من الإدراك الإدراك الشخصي لا إدراك عهد الظهور مطلقاً فتأمل.
وهذه المقدمة وسائر المقدمات علينا أن نتعرف عليها بأجمعها في عهد الغيبة جيداً وأن نلتزم بها أيضاً ففي ذلك سعادة الدارين، إذ كم لها من الأثر في تهذيب النفس، وكم لها من الأثر في البركة والتسديد للأفكار والتصرفات والأعمال، فإننا عادة نعيش في ضمن دائرة تفكير وتخطيط الغير لنا أو أنهم يعيشون في ضمن دائرة تخطيطنا، وهذا التخطيط هو الذي يحيي الأمم و ينقذها
ص: 107
أو يدمرها سلباً أو إيجاباً، وقد قيل: إن 2(عليهم السلام) من البشر يخططون في مستويات عليا أو دنيا، بينما 98(عليهم السلام) من البشر يعيشون في دائرة تخطيط الآخرين.
فالإنسان إما مخطِّط وإما مخطَّط له، أو هو مزيج؛ يخطط من جهة لجماعة وهناك جماعة تخطط له، فإذا أردت التسديد في تخطيطك وفيما يُخَطَّط لك فالتزم بمثل تلك المقدمة (قراءةالمسبِّحات)، فإن ذلك مؤثر بلا شك لأن الأمور كلها بيد اللّه سبحانه وتعالى. فإذا التجأت إليه أنجدك وأعانك وسددك في أفكارك وفي خطواتك وأعمالك.
إذن هناك مقدمات لإدراك الظهور المبارك بالمعنى الذي شرحناه، ولذلك حديث طويل نوكله إلى وقت آخر إن شاء اللّه تعالى.
وهناك متقدمات على الظهور المبارك وقد سبق أن التقدم يعني التعاقب وليس الترابط العلِّي والمعلولي أو الاقتضائي، فالمتقدم: مجردُ حَدَثٍ يسبق الظهور المبارك من غير تاثير له فيه بالمرة، إلا أنها قضايا مهمة لأنها تتضمن طابع التحذير، ومنها ما ورد في بعض الروايات وهي كثيرة ينبغي أن يلتفت لها ومنها:
اختلاف الشيعة إلى حد أن يبصق ويتفل - بحسب تعبير الرواية - بعضهم في وجه بعض.
وهذه (المتقدمة) هي رذيلة في حد ذاتها، وليست (مقدمة) حتى يتوهم البعض أن القيام بها مما يقرب الظهور المبارك.
ص: 108
ومناشئ الاختلاف والنزاع هي أربعة أمور:
أ) فقد يكون الخلاف والاختلاف والتنازع وليدَ اختلاف المصالح وتضاربها، وهذا النوع له طرق معينة لمعالجته.
ب) وقد يكون النزاع ناشئا من اختلاف الاجتهادات، وهذا أيضاً له طرق معالجة من نوع اخر.
ج) وقد يكون التنازع ناشئا عن اختلاف الأذواق والسلائق والطبائع والعادات والتقاليد، وهذا أيضاً له نحوٌ من المعالجة.
د) وقد يكون الاختلاف ناجماً ومتولداً من الاختلاف في القيم والمبادئ كالدين والمذهب، وهذا أيضا له طرق علاج اخرى.
وهذا البحث بحد ذاته يستدعي أياماً من الحديث، لكن كلامنا الآن ليس حول الاختلاف، وما هو موقفنا الذي يجب أن يكون من:
1) الاختلاف نفسه.
2) المتخالفين كشخصين أو جهتين.
3) ماهية القضية المختلف فيها، وغير ذلك مما يستدعي بحثا مفصلاً.
إنما كلامنا يدور حول أصل تقدم هذه الظاهرة (الاختلاف) أي اختلاف الشيعة بشكل شديد، على الظهور المبارك.
وسوف نعلق بكلمة واحدة مهمة جداً لله فيها رضاً ولكم أجر وثواب: يقول الإمام الصادق (عليه السلام) كما في الكافي الشريف: «كيف أنت إذا وقعت
ص: 109
السبطة(1) بين المسجدين(2) فيأرِز(3) العلم كما تأرز الحية في جحرها، واختلفت الشيعة وسمّى بعضهم بعضاً كذابين وتفل بعضهم في وجوه بعضٍ»، قلت: جعلت فداك ماعند ذلك من خير؟ فقال (عليه السلام): «لي الخير كله عند ذلك ثلاثاً»(4)
وهنا نقول: إن الكلام حول (فقه الاختلاف) و(أخلاقيات الاختلاف) يستدعي مباحث مستوعبة، والأول يرجع إلى المسائل الشرعية الفقهية، أما الثاني فهو من خانة المسائل الأخلاقية. .
لكن كلامنا الآن يدور حول بُعده الكلامي أي في جهة الإيمان وما يتعلق بآخرتنا.
ولابد أن نسأل أنفسنا الآن: هل اختلاف الشيعة كظاهرة حصلت بالفعل الان؟ قد يقال إنه توجد الآن درجة شديدة من درجات الاختلاف حاصلة بالفعل، ومن مظاهره ما يحصل من تراشق أو تسقيط في الكثير من الفضائيات والجرائد وفي الكثير من المجالس وبعض البرلمانات، بل ينقل عن رمي بعضهم للاخرين بالكراسي أو كاسات الماء أو بصاق بعضهم على البعض الآخر، إلى غير ذلك.
إن المؤلم أن هذا الاختلاف أضحى بدرجة يزعزع إيمان الكثيرين، ولكن مثل هذه الرواية تعدّ من المحذِّرات ببيانها بعض المتقدمات؛ فإن من أكبر الأخطاء أن يرتهن إيماننا بالأشخاص؛ لأن الأشخاص قد يختلفون، والجهات الدينية قد تختلف، فقد يختلف حزبان دينيان أو حسينيتان أو حتى مرجعيتان أو غير ذلك،
ص: 110
لكن ذلك يجب أن لا يتسبب في زعزعة إيمان الشخص وعلاقته بربه وإمامه (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) أبداً، إنَّ الاختلاف أمر واقع، ولكن: «اعرف الحق تعرف أهله» فإذا انطلق الإنسان في إيمانه باللّه وبرسوله وبالأئمة الأطهار (عليهم السلام) من الأدلة والعقل والبداهة والفطرة والوجدان لا التقليد الأعمى لزيد أو عمرو مهما كان زيد أو غيره؛ لأنه بالتالي لا يمثل الحق المطلق، فإنه سيثبت على الحق مهما اختلف الناس وتنازعوا.
كان الحارث الهمداني من خُلَّص شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد رأى اختلافاً كبيراً بين الشيعة في زمن خلافة الإمام (عليه السلام) فتحسر على ما رأى ، فدخل على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: «كيف أنت ياحارث؟» قال: نال الدهر منّي - أي أنني مريض - إلا أن مايؤلمني أكثر اختلاف الشيعة ببابك، بين مفرط غال، ومقتصد تال، ومتردد مرتاب لايدري أيحجم أم يقدم؟ فأجابه الإمام (عليه السلام) بجواب طويل، جاء فيه «اعرف الحق تعرف أهله».
وإليكم نص الرواية لروعتها وجمالها:
دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين (عليه السلام) في نفر من الشيعة، وكنت فيهم، فجعل الحارث يتأوّد في مشيته ويخبط الأرض بمحجنه(1)، وكان مريضاً فأقبل عليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكانت له منه منزلة فقال (عليه السلام): «كيف تجدك يا حارث؟».
قال: نال الدهر منّي يا أمير المؤمنين، وزادني أواراً وغليلاً اختصام أصحابك ببابك، قال: «وفيم خصومتهم؟» قال: في شأنك، والثلاثة من قبلك، فمن مفرطٍ غال، ومقتصدٍ تال، ومن متردّدٍ مرتاب لا يدري أيقدم أم يحجم؟
قال (عليه السلام): «فحسبك يا أخا همدان، ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط
ص: 111
إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي».
قال: فقال له الحارث: لو كشفت فداك أبي وأُمّي الريب عن قلوبنا، وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا، قال8: «قدك(1) فإنّك امرء ملبوس عليه، إنّ دين اللّه لا يُعرف بالرجال بل بآية الحق فاعرف الحقّ تعرف أهله، يا حارث إنّ الحقّ أحسن الحديث، والصادع به مجاهد، وبالحقّ أخبرك فارعني سمعك، ثمّ خبّر به مَن كانت له حصافة من أصحابك.
ألا إنّي عبد اللّه، وأخو رسول اللّه، وصدّيقه الأكبر: صدّقته وآدم بين الروح والجسد»(2)
والجدير ذكره: إن أحد الحكماء المعاصرين وهو من دين آخر ولايعرف التشيع ولا الأئمة (عليهم السلام) عندما وصلته كلمة الأمير (عليه السلام) هذه «اعرف الحق تعرف أهله»، قال: إن هذه الكلمة بمفردها تصلح منهاجا لسعادة البشرية!
وبالفعل إذا عملت الإنسانية بهذه الكلمة الرائعة والقيِّمة فسوف تسعد البشرية أيما سعادة!
ومعنى الكلمة ظاهراً: اعرف الحق عبر الأدلة والبراهين والضوابط والمحددات للحق، ثم انظر إلى درجة انطباقها على زيد أو عمرو أو غيرهما، فإن انطبقت على شخص فإنه محق، وإلا فلا.
لكن من الغريب جداً أن نجد بعض الناس عندما يرى اختلافاً في المدارس أو المساجد والحسينيات أو في السوق أو الجامعة أو غيرها، بين الشيعة تراه يضعف إيمانه أو ينهار، والبعض الآخر قد يرى اختلافا بين مذهبين أو بين عالمين معينين فيعتقد أن الدين بأكمله كذب وافتراء - والعياذ باللّه -.
ص: 112
والحاصل: إن اختلاف الشيعة فيما بينهم وتصاعد وتيرة الخلافات هي من المتقدمات، لكنه لا يصح أن يصاب الإنسان باليأس إذ (إِنَّهُ لا يَاْيئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ)(1).
بل إن الاختلاف هو سنة اللّه في الحياة (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)(2)، وعلى مر التاريخ نجد أن كل الأمم اختلفت، (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(3) فلا ينبغي أن يرتهن الإنسان إيمانه بحدوث الاختلاف وعدمه بل ينبغي أن يزداد إيمانه ويشتد كلما حصل الاختلاف؛ لأنه يعرف الحق بمقاييس الحق، فلا تزعزعه هذه الاختلافات أبداً؛ لأنه على بصيرة من أمره.
إن الروايات الشريفة تؤكد على أن الكثير من الناس يرتدون وينحرفون في زمن الغيبة وتؤكد على لزوم الثبات والاستقامة وعلى أن ذلك محنة وابتلاء فقد ورد في غيبة الشيخ الطوسي (رحمه اللّه) عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) «إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة فاللّه اللّه في أديانكم لايزيلنَّكم عنها أحد، يابني إنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتى يرجع عن هذا الأمر (أي التشيع) من كان يقول به (أي كثير ممن يقول به)، إنما هي محنة من اللّه(4)
امتحن اللّه تعالى بها خلقه»(5).
ص: 113
ألم يقل تعالى: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)(1).
فكلما رأى الإنسان شخصاً أو اشخاصاً أو مجاميع انحرفت عن الحق فإنه ينبغي أن يزداد تمسكاً بدينه واحتياطاً على مستقبله وإلحاحاً في الدعاء والتضرع والتوسل كي يقيه اللّه تعالى من سوء العاقبة - أعاذنا اللّه وإياكم منها -.
إن العديد من الروايات صريحة في أن هنالك مجموعة من الممهِّدات للظهور المبارك والمقرِّبات له(2) كما أن هنالك مبعِّدات، أي أن هنالك أفعالاً نقوم بها تتسبب في لطف اللّه تعالى بنا فيقرّب الظهور، أو نقوم - لاسمح اللّه - بأفعال أو نجترح معاصي تبعد زمن الظهور الميمون، ومن هذه الممهدات:
إن الكثير منا يدعو لتعجيل فرج ولي اللّه الأعظم (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) إلا أن دعاءه دعاء عادي لاتهتز له أعماق قلبه ومشاعره فقد يقرأ دعاء الفرج ثم يمضي لشأنه وينسى إمام زمانه (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) لساعات أو أكثر، بينما نجده إذا أصيب بعزيز من أولاده، أو كان
ص: 114
أحد أبويه في المستشفى أو غير ذلك، فإنه سيكون قلقاً على طول الخط وتراه يدعو بكل لهفة وتضرع وانقطاع وخشوع وخضوع.
فكم منا ومن هذه الملايين من المسلمين، يدعو اللّه سبحانه وتعالى لتعجيل الظهور الميمون بلهفة ولوعة وانقطاع على امتداد ساعات النهار والليل؟ بل حتى خمس مرات يومياً بانقطاع حقيقي؟!
وقد ورد صريحاً عن الإمام (عليه السلام) كما في تفسير العياشي عن الفضل بن أبي قرة : سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «أوحى اللّه إلىإبراهيم (عليه السلام) أنه سيولد لك.
فقال لسارة، فقالت: أألد وأنا عجوز ؟!
فأوحى اللّه إليه أنها ستلد ويعذب أولادها أربعمئة سنة بردها الكلام علىّ!
قال: فلمّا طال على بني إسرائيل العذاب ضجوا وبكوا إلى اللّه أربعين صباحاً، فأوحى اللّه إلى موسى وهارون أن يخلصهم من فرعون، فحط عنهم سبعين ومئة سنة».
قال: وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «هكذا أنتم لو فعلتم لفرّج اللّه عنا، فأما إذا لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه»(1).
ولاحظوا قوله (عليه السلام) «عنا» ولم يقل (عنكم)، ولهذه الكلمة دلالة مؤلمة حقاً فإن تخاذلنا عن الدعاء والبكاء والضجيج، سبب لاستمرار الغيبة وتأخير فرجهم (عليهم السلام) وفي تأخير فرجهم تأخير لفرجنا ايضاً.
كلمة واحدة قالتها سارة فعوقبت بأربعمئة عام من العذاب يصب على أبنائها وأحفادها صباً صباً، إذن كيف حالنا ونحن نرد دائما على اللّه تعالى؟
ص: 115
وكم يوجد في الواقع الخارجي من أنماط الرد على اللّه تعالى، أليست الضرائب والكمارك والمكوس من أنواع الرد على اللّه تعالى؟ كيف وقد وردت روايات شديدة اللّهجة بالنهي عنها والتحذير منها وكون فاعلها ملعوناً؟، وكذلك الربا المسيطر على كل التعاملات التجارية والاقتصادية في كل البنوك التابعة للدول الإسلامية وغير الإسلامية ألا يعد من الرد على اللّه تعالى؟ وكذلك الحدود الجغرافية، وإقرار مختلف القوانين التي لم ينزل اللّه تعالى بها من سلطان كمصادرة أموال الناس وسحق حقوقهم، وغير ذلك، أليس كل ذلك ردّاً على اللّه تعالى؟
إن هذه المرأة قالت كلمة واحدة وهي في حالة استغراب ودهشة فاستوجبت غضب اللّه تعالى وعقوبته، فكيف بنا وحياتنا كلها رد على اللّه تعالى، فخذ مثلاً القياس وما أكثره! وخذ مثلاً دعاوىنسبية المعرفة! وخذ مثلاً القول بأن القرآن نزل لزمان خاص ولمكان خاص!! وخذ مثلاً ازدياد معارضة النصوص بالاجتهادات! وخذ مثلاً الركون إلى الظالمين والاستنجاد بل الاعتماد على الدول الكافرة الشرقية والغربية! وخذ مثلاً الضرائب! وخذ مثلاً الحدود الجغرافية والجواز والجنسية! وخذ مثلاً الربا والرشوة! وخذ مثلاً الفساد المنتشر! وخذ مثلاً الغيبة والتهمة والنميمة!
وبذلك كله يظهر أن القابلية فينا لظهور الإمام (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) غير موجودة، ويظهر أننا لسنا عباداً حقيقين لله تعالى، بل نحن - الكثرة الكاثرة منا - نتصرف وكأننا سادة ومجتهدون في كل شئ وفي مقابل الأئمة و الرسول (عليهم السلام) وفي مقابل اللّه تعالى!!
وذلك كله رغم أننا جميعاً نعرف أن كل الأمور بيد اللّه تعالى، وليست بيد فلان الوجيه ذي النفوذ أو بيد الجهة الفلانية أو الدولة العظمى الكذائية بزعمهم، ومن يعتقد ذلك أو يعمل على طبق ذلك فإن اللّه يَكِل أمره إليه كما هو المشاهد الآن في بلداننا الإسلامية إذ تبع الكثير منهم الغرب أو الشرق.
ص: 116
إن الأمر سهل وقد وضع اللّه تعالى مفاتيحه بأيدينا وهو أن نتضرع إلى اللّه تعالى بانقطاع ورجاء حقاً ليلاً ونهاراً وأن نجتهد في ربط سفينتنا بسفينة أهل البيت (عليهم السلام)، وعندها ستتغير المعادلات الكونية والسياسية والاجتماعية وغيرها بإذن اللّه تعالى حتى يقترب الظهور وتسعد الأرض ومن عليها بوجود ولي اللّه الأعظم (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) .
فقد ورد في كتاب الاحتجاج (ج2 ص325): إن الإمام المنتظر(عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) وجه رسالة إلى الشيخ المفيد (رحمه اللّه) في العام 412 ه، ومما جاء فيها: «...ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين - وكل كلمة وصفة في هذه الرسالة تعدل الدنيا ومافيها، الولي، المخلص، المجاهد، ولذا كان الشيخ المفيد علماً وركناً من أهم أركان الدين - أيدك اللّه بنصره الذي أيد به السلف من أوليائنا الصالحين، أنهمن اتقى ربه من إخوانك في الدين وأخرج ما عليه إلى مستحقيه، كان آمنا من الفتنة المطلّة ومحنها المظلمة المضلة، ومن بخل منهم بما أعاره اللّه من نعمته على من أمره بصلته، فإنه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته، ولو أن أشياعنا وفقهم اللّه لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا(1)، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم، واللّه المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل،
ص: 117
وصلاته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم» وكتب في غرة شوال من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. نسخة التوقيع باليد العليا صلوات اللّه على صاحبها.
وفي قوله (عليه السلام) «ولو أن أشياعنا» دلالة واضحة على أن اجتماع قلوب أشياعهم (عليهم السلام) على الوفاء بالعهد سبب تعجيل اليمن بلقائهم والسعادة بمشاهدتهم.
ومن الواضح أن (أشياعنا) جمع وأن فسح المجال لكل الأشياع - إذا التزموا بالعهد - للقائه ومشاهدته (عليه السلام) يعني انتهاء الغيبة الكبرى وبداية الظهور المبارك؛ لأن الغيبة الكبرى لا يمكن فيها اللقاء به ومشاهدته إلا استثناءا للأوحديّ من الناس، أما التقاء كل الأشياع به ومشاهدته فلا يمكن - حسب التقدير الإلهي - إلا بعد الظهور المبارك.
ثم إنه يصرح (عليه السلام) أيضاً «فما يحبسنا عنهم» وهذا يعني أن الوفاء بالعهد مقرّب للظهور المبارك وفي المقابل: فإن أعمالنا الطالحة مما يؤخر الظهور الميمون؛ وذلك أن كل أعمالنا تصل إلى الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) وتعرض عليه مرتين في اليوم على الأقل فيصل إليه أن فلاناً اغتاب أو كذب أو نظر إلى امرأة أجنبية أو أن فلاناً حسد أو حقد أو تكبر أو أعجب بعبادته وغير ذلك وكلها مما يحبسظهوره عنا. كما أن التحابب في اللّه ومودة أهل البيت (عليهم السلام) والأعمال الصالحة الخيرة من التصدق والدعاء والورع والتقوى لهي من الممهّدات والمقربات للظهور المبارك بإذن اللّه تعالى.
وأخيراً ف- «وإن اللّه تبارك وتعالى يصلح أمره - أي الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) - في ليلة»(1) و«يصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيه موسى 8 »(2).
ص: 118
وقد قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)(1).
فلنغير ما بأنفسنا كي يغير اللّه تعالى ما بنا من ضرّ وبلاء إنه سميع الدعاء، آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى اللّه على محمد واله الطيبين الطاهرين.
ص: 119
ص: 120
ص: 121
ص: 122
بسم اللّه الرحمن الرحيم
يقول اللّه سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا)(1).
ويقول جل اسمه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(2).
حديثنا يتمحور حول المرابطة في زمن الغيبة، وقد سبق أن نقلنا بعض الروايات الشريفة حول معنى المرابطة، حيث ورد في بعضها «ورابطوا على الأئمة..» وورد في بعضها الأخر «ورابطوا على من تقتدون به.. » وورد في بعضها «ورابطوا في سبيل اللّه، ونحن السبيل فيما بين اللّه وخلقه ونحن الرباط، ألا فمن جاهد عنا فقد جاهد عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وما جاء به من عند اللّه».
كما مضى شطر من الحديث حول المرابطة عند ثغر شياطين التصور وفخاخ التصديقات، وأما المبحث في هذا الفصل فسوف يكون بإذن اللّه تعالى مصداقاً من
ص: 123
مصاديق المرابطة في ثغر الغيبة، إذ سوف يكون حول إثبات تواتر الروايات الدالة على (ولادة) الإمام المهدي المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)، وأنه قد ولد (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) حيث أن البعض أثار شبهة مفادها:
إن الروايات من كتب الشيعة التي تتحدث عن ولادة الإمامالمهدي غير متواترة على مباني بعض أعلام الطائفة وأن الأخبار الواردة في هذا الحقل أخبار آحاد لا تفيد علماً، بل تفيد الظن فقط وإن كانت صحاحا، وأن الظن في أصول الدين غير مجدي.
ولذا سيكون محور الحديث هو إثبات التواتر القطعي بأعلى درجات التواتر بأنواعه لمولد الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) (1).
وسنثبت بعد ذلك أنه لو فرض عدم تحقق التواتر فإن الروايات محتفة بقرائن قطعية تفيد الصدور قطعاً والتي تنفي أية شبهة يمكن أن تطرح في المقام.
عدم حجية الاستقراء الناقص(2)
وبداية نقول: ينبغي للباحث الذي يريد أن يشيّد نظرية، أو يهدم مبنى من المباني أو أن ينقد فكراً أو مفكراً أو عالماً، ينبغي أن يكون استقراؤه استقراءً تاماً أو شبه تام، لأن الاستقراء الناقص ليس بحجة، ولايصح من أي باحث أن يعتمد عليه لتشييد نظرية أو لنسف فكرة.
فمثلا الكافي الشريف ذكر واحداً وثلاثين روايةً في باب مولد الصاحب (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف).
وهنا نجد أن البعض قد توهم نتيجة لاستقرائه الناقص: أن هذه هي الروايات المعتمدة في إثبات مولد صاحب الأمر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) فقط، وأن صاحب البحار
ص: 124
أضاف لها بعض الروايات فصارت حوالي أربعين رواية، وأن المجلسي ذكر في مرآة العقول: أن بعضها صحاح فقط، فليست إذن الروايات على بعض المباني متواترة.
فنقول في جواب هذه الشبهة: إن هذا الاستقراء استقراء ناقص، لاينبغي أن تشيد عليه نظرية أو ينقد بسببه منهج، بدون استفراغ الوسع والجهد في البحث عن الروايات الأخرى: ويتجلى ذلك بوضوح عبر ملاحظة:
1) إن الشيخ الكليني (رحمه اللّه) لم يدَّعِ أن الروايات منحصرة في هذه ال- (31) رواية، ولم يكن من وارده وشأنه الاستقراء التام، بل لعله لم يكن ذلك مقدوراً له، كما أن العلامة المجلسي (رحمه اللّه) لم يدّعِ ذلك أيضاً.
2) إضافة إلى أنه توجد في نفس الكافي روايات أخرى في أبواب أخرى تدل على مولد الصاحب (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف):
فقد روى الكليني روايات عديدة بعضها صحاح، في أبواب أخرى مثل: باب تسمية من رآه، وفي باب: الغيبة، وفي باب: من مات وليس له إمام من أئمة الهدى، وفي باب: ما يجب على الناس عند مضي الإمام(1).
فعلى الباحث أن يستفرغ الوسع في تحصيل الحجة منجِّزةً أو معذِّرةً، أما الاستقراء الناقص فليس من شأن الباحث العلمي أو الموضوعي.
3) إن التواتر لا يتوقف على كون كل واحد من الرواة عدلاً إمامياً، بل لا يتوقف حتى على الوثاقة، فإن التواتر حسب ما يعرِّفه الشيخ البهائي (رحمه اللّه) في الزبدة وتبعه آخرون هو:
(خبر جماعة يفيد بنفسه العلم بصدقه) الأمر الذي قد يحصل من إخبار
ص: 125
حتى مجموعة من الفسّاق، فإذا جاء فرضاً خمسون فاسقاً مختلفاً وأخبروا في حالات شتى وظروف شتى: بأن حريقاً قد شبّ أو أن زيداً قد مات أو أن عمرواً وُلِد له ولد، فإن الإنسان السويّ عادة يقطع بصحة خبرهم هذا.
المتواتر: خبر يفيد (بنفسه) - وليس بالقرائن الخارجية - العلم بصدقه.
4) بل إن العبد الفقير قام باستقراء بسيط فوجدت بأن المئات من الروايات تدل على مولده (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) بأعلى درجات التواتر، وهذه الروايات تدل بالدلالة المطابقية أو التضمنية، أو الدلالة الالتزامية، أو بدلالة الاقتضاء (وهي ما يتوقف صحة أو صدق الكلام عليه)، أوبدلالة التنبيه أو الإيماء (وهي ما أفاد اقتران شئ بشئ عليته للحكم أو للشئ أو أفاد أصل وجوده أو أفاد وجهه أو أفاد مطلباً أخر كما فصلناه في بحوث الاجتهاد والتقليد)، وهذه الروايات هي بالمئات وفي أعلى درجات التواتر، والصحاح فيها بالعشرات فهي جامعة لأعلى مواصفات المتواتر: كون الرواة في كل الطبقات عدولاً إماميين ضابطين.
1) التواتر الإجمالي.
2) التواتر المضموني.
3) التواتر المعنوي.
4) التواتر اللفظي.
وهذا التقسيم وبعض التعريفات، هو جرياً على حسب تصنيفنا، وإلا فإن التواتر على المشهور على ثلاثة أقسام فقط.
ص: 126
فالتواتر الإجمالي يراد به: خبر جماعة يقطع بصدق أحدهم أو صحة أحدها.
فلو وردتنا أربعون رواية مثلاً ثم قطعنا بأن أحدها على سبيل البدل مطابق للواقع، فإن ذلك يعد تواتراً إجماليا، ولعل هذا التفسير هو ما يلوح من بعض كلمات الشيخ الخراساني (رحمه اللّه) في الكفاية.
أما التواتر المضموني: فهو أن يكون المضمون متواتراً وإن كانت الألفاظ والتعبيرات مختلفة.
وأما التواتر المعنوي: فهو أن تكون المضامين مختلفة لكن يوجد جامع مشترك، كأنباء شجاعة أمير المؤمنين أسد اللّه وأسد رسوله علي بن أبي طالب (عليه السلام) وإن تعددت الوقائع والحوادث(1).
والتواتر اللفظي: أن يكون اللفظ منقولاً بعينه، ومتفقاً على نقله.
وهنا نقول: إن أخبار مولد الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) متواترة قطعاً تواتراً إجمالياً ومتواترة قطعاً تواتراً مضمونياً، ومتواترة قطعاً تواتراً معنوياً، كما أنها بالدرجة الرابعة والأخيرة متواترة تواتراً لفظياً ظاهراً.
وسوف نذكر نموذجاً من النماذج، علماً أننا لاحظنا ما يقرب من ستين رواية بهذا المضمون وبهذه الدلالة في عدد من الأبواب فقط، فاستقراؤنا استقراء ناقص جداً، وهناك العشرات من الروايات التي ذكرتها مختلف كتبنا المصدرية المهمة كالغيبة وكشف الغمة وإثبات الرجعة وكفاية الأثر والاختصاص وغيبة النعماني والكافي وعقد الدرر وعيون أخبار الرضا وكمال الدين والغيبة للطوسي
ص: 127
ورجال الكشي وعلل الشرائع ومقتضب الأثر وفرائد السمطين وإرشاد المفيد وأعلام الورى والمناقب وغيرها.
ومن الكتب القيمة جداً في هذا الحقل كتاب (عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال) للمحدث الكبير والمتتبع الخبير الشيخ عبد اللّه البحراني الأصفهاني (رحمه اللّه) مع مستدركاتها للسيد محمد باقر المرتضوي الموسوي الموحد الابطحي الأصفهاني (رحمه اللّه) فقد نقل روايات كثيرة جداً(1) في أبواب مختلفة(2):
منها: باب ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فعن كمال الدين بعدة أسانيد(3) يقول أمير المؤمنين: «... ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي وهو المهدي يملأها عدلاً..."(4).
ص: 128
ومنها: أنه (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) من ولد الحسن والحسين 3، ومنها كما في كتاب إثبات الوصية حديث الإمام الكاظم (عليه السلام) عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: «إختار من الحسين تسعة تاسعهم قائمهم... »(1).
ص: 129
وفي باب أنه (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) من ولد الحسين (عليه السلام) جاء فيه من الروايات: «مهدينا التاسع من صلب الحسين...»(1) وفي رواية أخرى: «وهو التاسع من صلب الحسين...»(2) وقد ورد ذلك بأسانيد عديدة.
وفي رواية أخرى: «منا اثنا عشر مهدياً أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأخرهم التاسع من ولدي..»(3) وفي رواية عن الإمام الحسين (عليه السلام):
ص: 130
«في التاسع من ولدي سنة من يوسف» وغيرها كثير جداً(1).
وفي باب آخر بعنوان: أنه (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) من ولد محمد بن علي الباقر 3، يقول الإمام الباقر (عليه السلام) عن الإمام الحسين (عليه السلام): السابع من ولد ابني محمد بن علي،
ص: 131
وهو الحجة بن الحسن (عليه السلام) (1)، «سابعنا قائمنا...»(2) وفي رواية أخرى يقول: «السابع من بعدي بأبي من يملأالارض عدلا»(3) وغيرها(4).
ص: 132
وفي باب أنه (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) من ولد جعفر بن محمد (عليه السلام): يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «المهدي من ولدي الخامس من ولد السابع(1)...
»(2).
وفي رواية أخرى: «على رأس السابع منا الفرج...»(3).
وفي رواية أخرى: «منا اثنا عشر مهديا مضى ستة وبقي ستة»(4)
ص: 133
وغيرها(1).
وفي باب أنه (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) من ولد موسى بن جعفر الكاظم 3: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) «وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك...»(2) وغيرها(3).
ص: 134
وفي باب أنه من ولد علي بن موسى الرضا (عليه السلام) نقرأ: «لابد من فتنة صماء وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي(1)» (2).
وفي عيون أخبار الرضا عنه (عليه السلام): «كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي يطلبون المرعى فلا يجدونه(3)» (4) وغيرها(5).
ص: 135
وكذلك في باب أنه من ولد محمد بن العلي التقي (عليه السلام) روايات أخرى(1).
وفي باب أنه من ولد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) والتي يصرح فيها الإمام بكلمة (ابني) أو (إبنه) أو (ولدي) أو ما أشبه.
ومنها: (إثبات الرجعة) حدثنا محمد بن عبد الجبار قال: قلت لسيدي الحسن بن علي (العسكري) (عليه السلام) ... قال (عليه السلام): «إن الإمام من بعدي ابني سمي رسول اللّه وكنيّه... من ابنة قيصر ملك الروم إلا أنه سيولد فيغيب عن الناس غيبة طويلة...»(2).
ص: 136
ومنها: (كفاية الأثر) عن جابر عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: هو الحسن؟ قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم): «لا، ولكن ابنه الحجة»(1).
ومنها: (أعلام الورى) عن المفضل عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يامفضل الإمام من بعدي موسى والخلف المنتظر (م ح م د) بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى».
وهكذا روايات إلى ما شاء اللّه تعالى(2).
ص: 137
ص: 138
علماً بأن كتاب عوالم العلوم ومستدركاته لم يذكر كل الروايات ولم يدّعِ أنه استقرء الجميع(1).
من طوائف الروايات المتواترة(2)
وأما الروايات التي تدل على ولادة الإمام (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) بدلالة الاقتضاء أو التنبيه والإيماء أو الإشارة القطعية أو الدلالة الألتزامية أو التضمن فهي بالمئات وهي على طوائف:
ص: 139
فمنها حديث الثقلين الشهير والمعروف وقد استقرأ بعض الباحثين مصادر هذه الرواية «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي» فوجد (260) رواية من روايات أهل العامة تصرح بذلك وقد وردت في أهم كتبهم كصحيح مسلم والنسائي والترمذي وكتب أحمد بن حنبل، وقد نقلها الطبراني والطبري وغيرهم وهذا جدول بتلك الروايات:
الصورة
ص: 140
الصورة
ص: 141
كما أن عدداً من كبار علمائهم حتى المتعصبين منهم كابن الحجر يعترف بأن العترة مع القرآن إلى يوم القيامة. وهذا نص عبارة ابن حجر:
قال ابن حجر في الصواعق المحرقة(1):
(والحاصل أن الحث وقع على التمسك بالكتاب وبالسنة وبالعلماء بهما من أهل البيت ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة).
وقال أيضاً (ص151): (وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهِّلٍ منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أن الكتاب العزيز كذلك ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي إلى آخره ثم أحق من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه لما قدمناه من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته).
ومن طوائف الروايات: حديث اللوح وقد رواه أعلام الطائفة بأسانيد وطرق متعددة بل قد يكون متواتراً. وهذا أحد أسانيده:
(حدثنا صفوان بن يحيى عن أبي أيوب ابراهيم بن زياد الخراز عن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على مولاي علي بن الحسين (عليه السلام) وفي يده صحيفة كان ينظر إليها و يبكي بكاء شديدا، فقلت: ما هذه الصحيفة؟ قال: هذه نسخة اللوح الذي أهداه اللّه تعالى إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيه اسم اللّه تعالى و رسول اللّه و أمير المؤمنين علي، و عمي الحسن بن علي، وأبي واسمي
ص: 142
واسم ابني محمد الباقر، و ابنه جعفر الصادق، و ابنه موسى الكاظم، و ابنه علي الرضا، و ابنه محمد التقي، و ابنه علي النقي، و ابنه حسن العسكري، و ابنه الحجة القائم بأمر اللّه المنتقم من أعداء اللّه الذي يغيب غيبة طويلة ثم يظهر فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جوراً و ظلماً)(1).
* ورواة الحديث كلهم من عيون الطائفة وثقاتها.
ومن طوائف الروايات: «خلقكم اللّه أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين»
وقد ورد بطرق كثيرة جداً، والظاهر أنه متواتر تواتراً مضمونياً. ومن طرقه:
(الصدوق) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَابُنْدَاذَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ:
«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم): لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ أَوْحَى إِلَيَّ رَبِّي جَلَّ جَلَالُهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي اطَّلَعْتُ عَلَى الْأَرْضِ اطِّلَاعَةً فَاخْتَرْتُكَ مِنْهَا فَجَعَلْتُكَ نَبِيّاً وَشَقَقْتُ لَكَ مِنِ اسْمِي اسْماً فَأَنَا الْمَحْمُودُ وَأَنْتَ مُحَمَّدٌ ثُمَّ اطَّلَعْتُ الثَّانِيَةَ فَاخْتَرْتُ مِنْهَا عَلِيّاً وَجَعَلْتُهُ وَصِيَّكَ وَخَلِيفَتَكَ وَزَوْجَ ابْنَتِكَ وَأَبَا ذُرِّيَّتِكَ وَشَقَقْتُ لَهُ اسْماً مِنْ أَسْمَائِي فَأَنَا الْعَلِيُّ الْأَعْلَى وَهُوَ عَلِيٌّ وَخَلَقْتُ فَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ مِنْ نُورِكُمَا ثُمَّ عَرَضْتُ وَلَايَتَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَمَنْ قَبِلَهَا كَانَ عِنْدِي مِنَ الْمُقَرَّبِينَ يَا مُحَمَّدُ لَوْ أَنَّ عَبْداً عَبَدَنِي حَتَّى يَنْقَطِعَ وَيَصِيرَ كَالشَّنِّ الْبَالِي ثُمَّ أَتَانِي جَاحِداً لِوَلَايَتِهِمْ فَمَا أَسْكَنْتُهُ جَنَّتِي وَلَا أَظْلَلْتُهُ تَحْتَ عَرْشِي يَا مُحَمَّدُ تُحِبُّ أَنْ تَرَاهُمْ قُلْتُ
ص: 143
نَعَمْ يَا رَبِّ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا أَنَا بِأَنْوَارِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَعَلِيِّ بْنِ مُوسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَ م ح م د بْنِ الْحَسَنِ الْقَائِمِ فِي وَسْطِهِمْ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّقُلْتُ يَا رَبِّ وَمَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ وَهَذَا الْقَائِمُ الَّذِي يُحَلِّلُ حَلَالِي وَيُحَرِّمُ حَرَامِي وَبِهِ أَنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِي وَهُوَ رَاحَةٌ لِأَوْلِيَائِي وَهُوَ الَّذِي يَشْفِي قُلُوبَ شِيعَتِكَ مِنَ الظَّالِمِينَ وَالْجَاحِدِينَ وَالْكَافِرِين»(1).
* والحديث صحيح عن طريق تبديل الإسناد، على أننا في غنى عن ذلك لتواتره.
ومن طوائف الروايات: «لا تخلو الأرض من حجة»(2).
ومن طوائف الروايات: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية».
فلو لم يكن الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) مولوداً متصلاً زمانه بزمان الإمام الحادي عشر (العسكري) (عليه السلام) لخلت الأرض من حجة، ولما وُجِد لفترةٍ إمامٌ للزمان، أفيموت الناس كلهم ميتة جاهلية لأنهم لم يعرفوا إمام زمانهم لأنه غير موجود؟
ومن طوائف الروايات طائفة روايات: «الأئمة من بعدي اثنا عشر».
ومنها: (كفاية الأثر: الخزار القمي: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ النَّجَّارِ النَّحْوِيِّ الْكُوفِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ
ص: 144
زَكَرِيَّا الْمُحَارِبِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الْأَئِمَّةِ (عليهم السلام) فَقَالَ: الْأَئِمَّةُ اثْنَا عَشَرَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَاضِينَ وَ ثَمَانِيَةٌ مِنَ الْبَاقِينَ، قُلْتُ: فَسَمِّهِمْ يَا أَبَهْ، فَقَالَ: أَمَّا الْمَاضِينَ فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَ مِنَ الْبَاقِينَ أَخِيَ الْبَاقِرُ وَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ ابْنُهُ وَ بَعْدَهُ مُوسَى ابْنُهُ وَ بَعْدَهُ عَلِيٌّ ابْنُهُ وَ بَعْدَهُ مُحَمَّدٌ ابْنُهُ وَ بَعْدَهُ عَلِيٌّ ابْنُهُ وَ بَعْدَهُ الْحَسَنُ ابْنُهُ وَ بَعْدَهُ الْمَهْدِيُّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَهْ أَ لَسْتَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: لَا، وَ لَكِنِّي مِنَ الْعِتْرَةِ، قُلْتُ: فَمِنْ أَيْنَ عَرَفْتَ أَسَامِيَهُمْ؟ قَالَ: عَهْدٌ مَعْهُودٌ عَهِدَهُ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم))(1).
* والحديث صحيح رجاله ثقات أجلاء.
كما أن من طوائف الروايات الدالة على وجوده الشريف: المئات من كلمات وأقوال الإمام المهدي المنتظر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) والتي نقلهاالعدول والثقات وغيرهم، ولعلها بمفردها تصلح دليلاً على التواتر بأعلى درجاته، فراجع مثلاً الروايات التي جمعها السيد العم الشهيد (رحمه اللّه) في (كلمة الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف))(2).
والحاصل: أن الروايات بالمئات وفيها العشرات من الروايات الصحاح والمعتبرات بلا ريب، بل لو لم يكن فيها حتى رواية واحدة صحيحة لما أضرّ لأن ضابط التواتر متحقق كما أوضحنا ذلك.
ولنختم فصل الروايات بذكر روايتين أو ثلاثة عن كل معصوم على حسب التسلسل مع الإشارة إلى مدى وثاقة الحديث إجمالاً:
ص: 145
(كفاية الأثر) للخزاز القمي: حدثنا محمد بن وهبان، قال: حدثنا علي بن الحسين الهمداني، قال: حدثنا محمد بن عبد اللّه بن سليمان الحضرمي في مطين قال حدثنا الحسن بن سهل الخياط، قال: حدثنا سفيان بن عيينه، عن جعفر بن محمد، عن ابيه عليهما السلام، عن جابر بن عبداللّه الانصاري:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَسَنِ بْنِ مَنْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ هَارُونَ بْنِ مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ وَصَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ جَمِيعاً عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ الْخَيَّاطُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام): «يَا حُسَيْنُ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِكَ تِسْعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ مَهْدِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِذَا اسْتُشْهِدَ أَبُوكَ فَالْحَسَنُ بَعْدَهُ فَإِذَا سُمَّ الْحَسَنُ فَأَنْتَ فَإِذَا اسْتُشْهِدْتَ فَعَلِيٌّ ابْنُكَ فَإِذَا مَضَى عَلِيٌّ فَمُحَمَّدٌ ابْنُهُ فَإِذَا مَضَى مُحَمَّدٌ فَجَعْفَرٌ ابْنُهُ فَإِذَا مَضَى جَعْفَرٌ فَمُوسَى ابْنُهُ فَإِذَا مَضَى مُوسَى فَعَلِيٌّ ابْنُهُ فَإِذَا مَضَى عَلِيٌّ فَمُحَمَّدٌ ابْنُهُ فَإِذَا مَضَى مُحَمَّدٌ فَعَلِيٌّ ابْنُهُ فَإِذَا مَضَى عَلِيٌّ فَالْحَسَنُ ابْنُهُ فَإِذَا مَضَى الْحَسَنُ فَالْحُجَّةُ بَعْدَ الْحَسَنِ يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»(1).
* الحديث: صحيح رجاله ثقات.
ص: 146
(الغيبة) للشَّيْخُ الثِّقَةُ الْجَلِيلُ فَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ الْأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوَرِّقٌ قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: دَخَلَ جَنْدَلُ بْنُ جُنَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى رَسُولِاللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَمَّا لَيْسَ لِلَّهِ وَعَمَّا لَيْسَ عِنْدَ اللَّهِ إِلَى أَنْ قَالَ رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ فِي النَّوْمِ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ (عليه السلام) فَقَالَ لِي يَا جَنْدَلُ أَسْلِمْ عَلَى يَدِ مُحَمَّدٍ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وَاسْتَمْسِكْ بِالْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ فَقَدْ أَسْلَمْتُ وَرَزَقَنِيَ اللَّهُ ذَلِكَ فَأَخْبِرْنِي بِالْأَوْصِيَاءِ بَعْدَكَ لَأَسْتَمْسِكَ بِهِمْ فَقَالَ (صلی اللّه عليه وآله وسلم): «يَا جَنْدَلُ أَوْصِيَائِي مِنْ بَعْدِي بِعَدَدِ نُقْبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ» وَسَاقَ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: «فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ عَلِيٍّ (عليه السلام) قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ الْحَسَنُ (عليه السلام) يُدْعَى بِالزَّكِيِّ ثُمَّ يَغِيبُ عَنِ النَّاسِ إِمَامُهُمْ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَغِيبُ الْحَسَنُ مِنْهُمْ؟، قَالَ (صلی اللّه عليه وآله وسلم): «لَا وَلَكِنِ ابْنُهُ الْحُجَّةُ يَغِيبُ عَنْهُمْ غَيْبَةً طَوِيلَةً» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا اسْمُهُ؟ قَالَ (صلی اللّه عليه وآله وسلم): «لَا يُسَمَّى حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْخَبَرَ»(1).
* الحديث موثق. وله سند آخر موثق أيضاً فراجع كفاية الأثر.
(كفاية الأثر): (أَخْبَرَنِي أَبُو الْمُفَضَّلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُطَّلِبِ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُطْرِقِ بْنِ سَوَادِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْقَاضِي الْبُسْتِيُّ بِمَكَّةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَاتِمٍ الْمُهَلَّبِيُّ الْمُغِيرَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَلَّبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ كَثِيرٍ الْكُوفِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ يَهُودِيٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يُقَالُ لَهُ نَعْثَلٌ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ أَشْيَاءَ تَلَجْلَجُ فِي صَدْرِي مُنْذُ حِينٍ فَإِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنِي عَنْهَا أَسْلَمَتُ عَلَى يَدِكَ، قَالَ (صلی اللّه عليه وآله وسلم): «سَلْ يَا أَبَا عُمَارَةَ» فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ صِفْ لِي رَبَّكَ، فَقَالَ (صلی اللّه عليه وآله وسلم): «إِنَّ الْخَالِقَ لَا يُوصَفُ إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَكَيْفَ يُوصَفُ الْخَالِقُ الَّذِي
ص: 147
تَعْجِزُ الْحَوَاسُّ أَنْ تُدْرِكَهُ وَالْأَوْهَامُ أَنْ تَنَالَهُ وَالْخَطَرَاتُ أَنْ تَحُدَّهُ وَالْأَبْصَارُ عَنِ الْإِحَاطَةِ بِهِ جَلَّ عَمَّا يَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ نَأَى فِي قُرْبِهِ وَقَرُبَ فِي نَأْيِهِ كَيَّفَ الْكَيْفِيَّةَ فَلَا يُقَالُ لَهُ كَيْفَ وَأَيَّنَ الْأَيْنَ فَلَا يُقَالُ لَهُ أَيْنَ هُوَ مُنْقَطِعُ الْكَيْفِيَّةِ فِيهِ وَالْأَيْنُونِيَّةِ فَهُوَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ وَالْوَاصِفُونَ لَا يَبْلُغُونَ نَعْتَهُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ»، قَالَ: صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِكَ إِنَّهُ وَاحِدٌ لَا شَبِيهَ لَهُ أَلَيْسَ اللَّهُ وَاحِداً وَالْإِنْسَانُ وَاحِداً فَوَحْدَانِيَّتُهُ أَشْبَهَتْ وَحْدَانِيَّةَ الْإِنْسَانِ. فَقَالَ (صلی اللّه عليه وآله وسلم): «اللَّهُ وَاحِدٌ وَاحِدِيُّ الْمَعْنَى وَالْإِنْسَانُ وَاحِدٌ ثَنَوِيُّ الْمَعْنَى جِسْمٌ وَعَرَضٌ وَبَدَنٌ وَرُوحٌ وَ إِنَّمَا التَّشْبِيهُ فِي الْمَعَانِي لَاغَيْرُ»، قَالَ: صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ فَأَخْبِرْنِي عَنْ وَصِيِّكَ مَنْ هُوَ فَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَلَهُ وَصِيٌّ وَإِنَّ نَبِيَّنَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ أَوْصَى إِلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، فَقَالَ (صلی اللّه عليه وآله وسلم): «نَعَمْ إِنَّ وَصِيِّي وَالْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) وَ بَعْدَهُ سِبْطَايَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ تَتْلُوهُ تِسْعَةٌ مِنْ صُلْبِ الْحُسَيْنِ أَئِمَّةٌ أَبْرَارٌ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَسَمِّهِمْ لِي قَالَ نَعَمْ إِذَا مَضَى الْحُسَيْنُ فَابْنُهُ عَلِيٌّ فَإِذَا مَضَى فَابْنُهُ مُحَمَّدٌ فَإِذَا مَضَى فَابْنُهُ جَعْفَرٌ فَإِذَا مَضَى جَعْفَرٌ فَابْنُهُ مُوسَى فَإِذَا مَضَى مُوسَى فَابْنُهُ عَلِيٌّ فَإِذَا مَضَى عَلِيٌّ فَابْنُهُ مُحَمَّدٌ فَإِذَا مَضَى مُحَمَّدٌ فَابْنُهُ عَلِيٌّ فَإِذَا مَضَى عَلِيٌّ فَابْنُهُ الْحَسَنُ فَإِذَا مَضَى الْحَسَنُ فَبَعْدَهُ ابْنُهُ الْحُجَّةُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهم السلام) فَهَذِهِ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً عَلَى عَدَدِ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ»، قَالَ: فَأَيْنَ مَكَانُهُمْ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «مَعِي فِي دَرَجَتِي»، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَشْهَدُ أَنَّهُمْ الْأَوْصِيَاءُ بَعْدَكَ وَلَقَدْ وَجَدْتُ هَذَا فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَفِيمَا عَهِدَ إِلَيْنَا مُوسَى (عليه السلام) إِذَا كَانَ آخِرُ الزَّمَانِ يَخْرُجُ نَبِيٌّ يُقَالُ لَهُ أَحْمَدُ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ أَئِمَّةٌ أَبْرَارٌ عَدَدَ الْأَسْبَاط)(1).
وقد رواه الفضل بن شاذان عن محمد بن أبي عمير وأحمد بن محمد بن أبي
ص: 148
نصر البزنطي عن أبان بن عثمان الأحمر عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن عبد اللّه بن عباس - والسند موثق دون شك -.
وفي (الغيبة) للشيخ الجليل الفضل بن شاذان، بسندين(1) عن عبد اللّه بن عباس: قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم): «لما عرج بي إلى السماء بلغت سدرة المنتهى، ناداني ربي جلّ جلاله، فقال: يا محمد: فقلت: لبيك لبيك يا رب.
قال: ما أرسلت رسولاً فانقضتْ أيّامه إلّا أقام بالأمر بعده وصيّه ; فأنا جعلت عليّ بن أبي طالب خليفتك وإمام أمّتك، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفربن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم الحجة بن الحسن. يا محمد! ارفع رأسك.
فرفعت رأسي فإذا بأنوار علي والحسن والحسين وتسعة أولاد الحسين، والحجة وسطهم يتلألأ كأنّه كوكب درّي.
فقال اللّه تعالى: يا محمد! هؤلاء خلفائي وحججي في الأرض، وخلفاؤك وأوصياؤك من بعدك، فطوبى لمن أحبّهم، والويل لمن أبغضهم».
* والحديث: صحيح رجاله ثقات عيون.
(مختصر اثبات الرجعة) عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «قلت: سمّهم لي يا رسول اللّه، قال: أنت يا علي أوّلهم، ثمّ ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسن (عليه السلام) - ثمّ ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين (عليه السلام) - ثمّ سميّك
ص: 149
عليّ ابنه زين العابدين، و سيولد في زمانك يا أخي فاقرأه منّي السلام. ثمّ ابنه محمّد الباقر، باقر علمي و خازن وحي اللّه تعالى. ثمّ ابنه جعفر الصادق، ثمّ ابنه موسى الكاظم، ثمّ ابنه علي الرضا، ثمّ ابنه محمّد التقيّ، ثمّ ابنه عليّ النقيّ، ثمّ ابنه الحسن الزكيّ، ثمّ ابنه الحجّة القائم، خاتم أوصيائي و خلفائي و المنتقم من أعدائي الّذي يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً». ثمّ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «واللّه إنّي لأعرف جميع من يبايعه بين الركن و المقام و أعرف أسماء أنصاره و أعرف قبائلهم» وورد نحوه في (إثبات الهداة): الفضل بن شاذان عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حماد بن عيسى عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام) - والسند صحيح قوي جداً - .
كما مضى قوله الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي وهو المهدي يملأها عدلاً...»،
* وهو في أعلى درجات الصحة.
كمال الدين: المظفر العلوي(1)، عن ابن العيّاشي، عن أبيه، عن جبرئيل بن أحمد، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن الحسن بن محمد الصيرفي، عن حنّان ابن سدير، عن أبيه سدير بن حكيم، عن أبيه، عن أبي سعيد عقيصا، قال: لما صالح الحسن بن علي 3 معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته! فقال (عليه السلام): «ويحكم ما تدرون ما عملت؟!
واللّه، الذي عملت خير لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت،
ص: 150
ألا تعلمون أنّني إمامكم مفترض الطاعة عليكم، وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنصّ من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) [عليّ]؟» قالوا: بلى. قال (عليه السلام): «أما علمتم أنّ الخضر (عليه السلام) لمّا خرق السفينة، وقتل الغلام، وأقام الجدار كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران (عليه السلام) إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك؛ وكان ذلك عند اللّه - تعالى ذكره - حكمة وصواباً.
أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلّي روح اللّه عيسى بن مريم 3 خلفه، فإنّ اللّه عز وجل يخفي ولادته، ويغيّب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين، ابن سيدة الإماء يطيل اللّه عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أن اللّه على كل شيء قدير».
الإحتجاج: عن حنّان بن سدير (مثله)(1).
(كمال الدين) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْهَمَدَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ الْهَرَوِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا وَكِيعُ
ص: 151
بْنُ الْجَرَّاحِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلِيطٍ قَالَ قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام): «مِنَّا اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيّاً أَوَّلُهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَآخِرُهُمُ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِي وَهُوَ الْإِمَامُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ يُحْيِي اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَيُظْهِرُ بِهِ دِيْنَ الْحَقِّ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ لَهُ غَيْبَةٌ يَرْتَدُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَيَثْبُتُ فِيهَا عَلَى الدِّينِ آخَرُونَ فَيُؤْذَوْنَ وَيُقَالُ لَهُمْ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَمَا إِنَّ الصَّابِرَ فِي غَيْبَتِهِ عَلَى الْأَذَى وَالتَّكْذِيبِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) »(1).
* وروى الحديث بنفس هذا السند الخزاز وابن عياش والحديث معتبر.
الفضل بن شاذان: عن صفوان بن يحيى، عن إبراهيم بن ابي زياد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَرَّاقُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الصُّوفِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَحْيَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ (عليه السلام) فَقُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِالَّذِينَ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ طَاعَتَهُمْ وَمَوَدَّتَهُمْ وَأَوْجَبَ عَلَى عِبَادِهِ الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فَقَالَ لِي: «يَا كَنْكَرُ إِنَّ أُولِي الْأَمْرِ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَئِمَّةً لِلنَّاسِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام) ثُمَّالْحَسَنُ ثُمَّ الْحُسَيْنُ ابْنَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَيْنَا»
ص: 152
ثُمَّ سَكَتَ فَقُلْتُ لَهُ يَا سَيِّدِي رُوِيَ لَنَا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عليه السلام) أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ عَلَى عِبَادِهِ فَمَنِ الْحُجَّةُ وَالْإِمَامُ بَعْدَكَ قَالَ (عليه السلام): (ابْنِي مُحَمَّدٌ وَاسْمُهُ فِي التَّوْرَاةِ بَاقِرٌ يَبْقُرُ الْعِلْمَ بَقْراً هُوَ الْحُجَّةُ وَالْإِمَامُ بَعْدِي وَمِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ ابْنُهُ جَعْفَرٌ وَاسْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ السَّمَاءِ الصَّادِقُ» فَقُلْتُ لَهُ يَا سَيِّدِي فَكَيْفَ صَارَ اسْمُهُ الصَّادِقَ وَكُلُّكُمْ صَادِقُونَ؟ قَالَ (عليه السلام): «حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ 3 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قَالَ إِذَا وُلِدَ ابْنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام) فَسَمُّوهُ الصَّادِقَ فَإِنَّ لِلْخَامِسِ مِنْ وُلْدِهِ وَلَداً اسْمُهُ جَعْفَرٌ يَدَّعِي الْإِمَامَةَ اجْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ وَكَذِباً عَلَيْهِ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ جَعْفَرٌ الْكَذَّابُ الْمُفْتَرِي عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمُدَّعِي لِمَا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ الْمُخَالِفُ عَلَى أَبِيهِ وَالْحَاسِدُ لِأَخِيهِ ذَلِكَ الَّذِي يَرُومُ كَشْفَ سَتْرِ اللَّهِ عِنْدَ غَيْبَةِ وَلِيِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ثُمَ بَكَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) بُكَاءً شَدِيداً ثُمَّ قَالَ «كَأَنِّي بِجَعْفَرٍ الْكَذَّابِ وَقَدْ حَمَلَ طَاغِيَةَ زَمَانِهِ عَلَى تَفْتِيشِ أَمْرِ وَلِيِّ اللَّهِ وَالْمُغَيَّبِ فِي حِفْظِ اللَّهِ وَالتَّوْكِيلِ بِحَرَمِ أَبِيهِ جَهْلًا مِنْهُ بِوِلَادَتِهِ وَحِرْصاً مِنْهُ عَلَى قَتْلِهِ إِنْ ظَفِرَ بِهِ وَطَمَعاً فِي مِيرَاثِهِ حَتَّى يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ» قَالَ أَبُو خَالِدٍ فَقُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ فَقَالَ (عليه السلام): «إِي وَ رَبِّي إِنَّ ذَلِكَ لَمَكْتُوبٌ عِنْدَنَا فِي الصَّحِيفَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْمِحَنِ الَّتِي تَجْرِي عَلَيْنَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) » قَالَ أَبُو خَالِدٍ فَقُلْتُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا، قَالَ (عليه السلام): «ثُمَّ تَمْتَدُّ الْغَيْبَةُ بِوَلِيِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ أَوْصِيَاءِ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وَالْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ يَا أَبَا خَالِدٍ إِنَّ أَهْلَ زَمَانِ غَيْبَتِهِ الْقَائِلِينَ بِإِمَامَتِهِ وَالْمُنْتَظِرِينَ لِظُهُورِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْطَاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ وَالْأَفْهَامِ وَالْمَعْرِفَةِ مَا صَارَتْ بِهِ الْغَيْبَةُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاهَدَةِ وَجَعَلَهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِينَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم)
ص: 153
بِالسَّيْفِ أُولَئِكَ الْمُخْلَصُونَ حَقّاً وَشِيعَتُنَا صِدْقاً وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سِرّاً وَجَهْراً وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) انْتِظَارُ الْفَرَجِ مِنْأَعْظَمِ الْفَرَج»(1).
* الحديث: الظاهر أن سند الفضل بن شاذان صحيح، وكذلك سند الصدوق بعد تبديل الإسناد.
الفضل بن شاذان:
حدثنا الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن ثابت بن أبي صفية دينار عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث أن الحسين (عليه السلام) قال: «يظهر اللّه قائمنا فينتقم من الظالمين، فقيل له: يا ابن رسول اللّه من قائمكم؟ قال (عليه السلام): السابع من ولد ابني محمّد بن علي، وهو الحجة بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابني، وهو الذي يغيب مدة طويلة ثم يظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما»(2).
* والحديث صحيح وكل رواته عيون أجلاء.
الفضل بن شاذان:
و قال: حدثنا الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن ثابت بن أبي صفية دينار عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث أن الحسين (عليه السلام) قال: «يظهر اللّه قائمنا فينتقم من الظالمين، فقيل له: يا ابن رسول اللّه من قائمكم؟ قال (عليه السلام): السابع من ولد ابني محمّد بن علي، و هو الحجة بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابني، و هو الذي يغيب مدة طويلة ثم
ص: 154
يظهر و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما»(1).
* الحديث: صحيح، رجاله ثقات من عيون الطائفة.
(إثبات الرجعة):
الفضل بن شاذان: قال: حدثنا فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): قال رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «يا علي أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم أنت يا علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم الحجة بن الحسن الذي تنتهي إليه الخلافة والوصاية ويغيب مدة طويلة، ثم يظهر ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً»(2).
* الحديث: صحيح قوي.
روى الثقة الصدوق الفضل بن شاذان في كتاب (إثبات الرجعة) قال:
حدثنا عبد الرحمن بن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث أنه قال لأمير المؤمنين علي (عليه السلام): «اعلم أن ابني منتقم من ظالميك وظالمي شيعتك في الدنيا ويعذبهم اللّه في الآخرة فقال سلمان: من هو يا رسول اللّه؟ قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم): التاسع من ولد ابني الحسين الذي يظهر بعد غيبته الطويلة فيعلن أمر اللّه و يظهر دين اللّه،
ص: 155
وينتقم من أعداء اللّه، و يملأ الأرض عدلاً و قسطاً كما ملئت ظلماً و جوراً»(1).
* والسند معتبر دون شك.
(الصدوق):
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْهَمْدَانِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ (عليهم السلام) قَالَ: «سُئِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَنْ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِوَعِتْرَتِي مَنِ الْعِتْرَةُ فَقَالَ أَنَا وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَالْأَئِمَّةُ التِّسْعَةُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ تَاسِعُهُمْ مَهْدِيُّهُمْ وَقَائِمُهُمْ لَا يُفَارِقُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَلَا يُفَارِقُهُمْ حَتَّى يَرِدُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حَوْضَهُ»(2).
* والسند معتبر بل لعله صحيح.
(مصباح المتهجد) رَوَى عَاصِمُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) «إِذَا حَضَرَتْ أَحَدَكُمُ الْحَاجَةُ فَلْيَصُمْ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ اغْتَسَلَ وَلَبِسَ ثَوْباً نَظِيفاً ثُمَّ يَصْعَدُ إِلَى أَعْلَى مَوْضِعٍ فِي دَارِهِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَيَقُولُ:
اللَّهُمَّ إِنِّي حَلَلْتُ بِسَاحَتِكَ لِمَعْرِفَتِي بِوَحْدَانِيَّتِكَ وَصَمَدَانِيَّتِكَ وَإِنَّهُ لَا قَادِرَ عَلَى قَضَاءِ حَاجَتِي غَيْرُكَ وَقَدْ عَلِمْتَ يَا رَبِّ أَنَّهُ كُلُّ مَا شَاهَدْتُ نِعْمَتَكَ عَلَيَّ اشْتَدَّتْ فَاقَتِي إِلَيْكَ وَقَدْ طَرَقَنِي يَا رَبِّ مِنْ مُهِمِّ أَمْرِي مَا قَدْ عَرَفْتَهُ قَبْلَ مَعْرِفَتِي لِأَنَّكَ عَالِمٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ فَأَسْأَلُكَ بِالاسْمِ الَّذِي وَضَعْتَهُ عَلَى السَّمَاوَاتِ فَانْشَقَّتْ
ص: 156
وَعَلَى الْأَرَضِينَ فَانْبَسَطَتْ وَعَلَى النُّجُومِ فَانْتَثَرَتْ وَعَلَى الْجِبَالِ فَاسْتَقَرَّتْ وَأَسْأَلُكَ بِالاسْمِ الَّذِي جَعَلْتَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ عَلِيٍّ وَعِنْدَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ كُلِّهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَقْضِيَ لِي يَا رَبِّ حَاجَتِي وَتُيَسِّرَ لِي عَسِيرَهَا وَتَكْفِيَنِي مُهِمَّهَا وَتُفَتِّحَ لِي قُفْلَهَا فَإِنْ فَعَلْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلَكَ الْحَمْدُ غَيْرَ جَائِرٍ فِي حُكْمِكَ وَلَا مُتَّهَمٍ فِي قَضَائِكَ وَلَا حَائِفٍ فِي عَدْلِكَ .... اللَّهُمَّ وَأَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِوَلِيِّكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَوَصِيِّ نَبِيِّكَ مَوْلَايَ وَمَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ قَسِيمِ النَّارِ وَقَائِدِ الْأَبْرَارِ وَقَاتِلِ....
اللَّهُمَّ وَأَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِالْوَلِيِّ الْبَارِّ التَّقِيِّ الطَّيِّبِ الزَّكِيِّ الْإِمَامِ بْنِ الْإِمَامِ السَّيِّدِ بْنِ السَّيِّدُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ،
وَأَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِالْقَتِيلِ الْمَسْلُوبِ قَتِيلِ كَرْبَلَاءَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ،
وَأَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِسَيِّدِ الْعَابِدِينَ وَقُرَّةِ عَيْنِ الصَّالِحِينَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ،وَأَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِبَاقِرِ الْعِلْمِ صَاحِبِ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ وَ وَارِثِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ،
وَأَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِالصَّادِقِ الْخَيِّرِ الْفَاضِلِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ،
وَأَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِالْكَرِيمِ الشَّهِيدِ الْهَادِي الْمَوْلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ،
وَأَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِالشَّهِيدِ الْغَرِيبِ الْحَبِيبِ الْمَدْفُونِ بِطُوسَ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى
وَأَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِالزَّكِيِّ التَّقِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ،
وَأَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِالطُّهْرِ الطَّاهِرِ النَّقِيِّ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ،
وَأَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِوَلِيِّكَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ،
وَأَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِالْبَقِيَّةِ الْبَاقِي الْمُقِيمِ بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ الَّذِي رَضِيتَهُ لِنَفْسِك»
ص: 157
* والحديث صحيح، إذ للشيخ الطوسي عدة طرق إلى العاصم بن حميد كما ان الشيخ الصدوق رواه بسنده عن عاصم، والشيخ الطوسي يروي كل كتب الصدوق.
(كفاية الأثر): حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُوسَى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ وَهْبٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَعْيَنَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ وَهْبٍ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي الْخَبَرِ ....
ثُمَّ قَالَ (عليه السلام) «إِنَّ أَفْضَلَ الْفَرَائِضِ وَأَوْجَبَهَا عَلَى الْإِنْسَانِ مَعْرِفَةُ الرَّبِّ وَالْإِقْرَارُ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَحَدُّ الْمَعْرِفَةِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ لَهُ وَأَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّهُ قَدِيمٌ مُثْبَتٌ بِوُجُودٍ غَيْرُ فَقِيدٍ مَوْصُوفٌ مِنْ غَيْرِ شَبِيهٍ وَلَا مُبْطِلٍ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَبَعْدَهُ مَعْرِفَةُ الرَّسُولِ وَالشَّهَادَةُ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَأَدْنَى مَعْرِفَةِ الرَّسُولِ الْإِقْرَارُ بِهِ بِنُبُوَّتِهِ وَأَنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ فَذَلِكَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَعْدَهُ مَعْرِفَةُ الْإِمَامِ الَّذِي بِهِ يَأْتَمُّ بِنَعْتِهِ وَصِفَتِهِ وَاسْمِهِ فِي حَالِ الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَأَدْنَى مَعْرِفَةِ الْإِمَامِ أَنَّهُ عِدْلُ النَّبِيِّ إِلَّا دَرَجَةَ النُّبُوَّةِ وَوَارِثُهُوَأَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ وَالرَّدُّ إِلَيْهِ وَالْأَخْذُ بِقَوْلِهِ وَيَعْلَمُ أَنَّ الْإِمَامَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ الْحَسَنُ ثُمَّ الْحُسَيْنُ ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثُمَّ أَنَا ثُمَّ مِنْ بَعْدِي مُوسَى ابْنِي ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ عَلِيٌّ وَبَعْدَ عَلِيٍّ مُحَمَّدٌ ابْنُهُ وَبَعْدَ مُحَمَّدٍ عَلِيٌّ ابْنُهُ وَبَعْدَ عَلِيٍّ الْحَسَنُ ابْنُهُ وَالْحُجَّةُ مِنْ وُلْدِ الْحَسَن (عليهم السلام) ».
* الحديث: حسن معتبر.
ص: 158
(الصدوق): مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ(1) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنْدَبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ 3 أَنَّهُ قَالَ: «تَقُولُ فِي سَجْدَةِ الشُّكْرِ اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ مَلَائِكَتَكَ وَأَنْبِيَاءَكَ وَرُسُلَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ رَبِّي وَالْإِسْلَامَ دِينِي وَمُحَمَّداً نَبِيِّي وَعَلِيّاً وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَعَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَجَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَمُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ وَعَلِيَّ بْنَ مُوسَى وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَعَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَالْحُجَّةَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَئِمَّتِي بِهِمْ أَتَوَلَّى وَمِنْ أَعْدَائِهِمْ أَتَبَرَّأُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ دَمَ الْمَظْلُومِ ثَلَاثاً اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ بِإِيوَائِكَ عَلَى نَفْسِكَ لِأَعْدَائِكَ لَتُهْلِكَنَّهُمْ بِأَيْدِينَا وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ بِإِيوَائِكَ عَلَى نَفْسِكَ لِأَوْلِيَائِكَ لَتُظْفِرَنَّهُمْ بِعَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى الْمُسْتَحْفَظِينَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ثَلَاثاً، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْيُسْرَ بَعْدَ الْعُسْرِ ثَلَاثاً، ثُمَّ ضَعْ خَدَّكَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَرْضِ وَتَقُولُ يَا كَهْفِي حِينَ تُعْيِينِي الْمَذَاهِبُ وَتَضِيقُ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ يَا بَارِئَ خَلْقِي رَحْمَةً بِي وَكُنْتَ عَنْ خَلْقِي غَنِيّاً صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَ عَلَى الْمُسْتَحْفَظِينَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ثَلَاثاً، ثُمَّ تَضَعُ خَدَّكَ الْأَيْسَرَ عَلَى الْأَرْضِ وَتَقُولُ يَا مُذِلَّ كُلِّ جَبَّارٍ وَيَا مُعِزَّ كُلِّ ذَلِيلٍ قَدْ وَعِزَّتِكَ بَلَغَ مَجْهُودِي ثَلَاثاً، ثُمَّ تَعُودُ لِلسُّجُودِ وَتَقُولُ مِائَةَ مَرَّةٍ شُكْراً شُكْراً ثُمَّ تَسْأَلُ حَاجَتَكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»(2).
وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنْدَبٍ نَحْوَهُ ورَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ.
* الحديث: صحيح على المنصور، رجاله ثقات من عيون الطائفة ومعتبر على المشهور.
ص: 159
(كفاية الأثر): حَدَّثَنَا أَبُو الْمُفَضَّلِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْأَجْلَحُ الْكِنْدِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم): «لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ رَأَيْتُ مَكْتُوباً عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ بِالنُّورِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَيَّدْتُهُ بِعَلِيٍّ وَنَصَرْتُهُ بِعَلِيٍّ وَرَأَيْتُ عَلِيّاً عَلِيّاً عَلِيّاً وَ مُحَمَّداً مُحَمَّداً مَرَّتَيْنِ وَ جَعْفَراً وَ مُوسَى وَالْحَسَنَ وَ الْحُجَّةَ اثْنَيْ عَشَرَ اسْماً مَكْتُوباً بِالنُّورِ فَقُلْتُ يَا رَبِّ أَسَامِي مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدْ قَرَنْتَهُمْ بِي فَنُودِيتُ يَا مُحَمَّدُ هُمُ الْأَئِمَّةُ بَعْدَكَ وَ الْأَخْيَارُ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ»(1).
* والحديث: حسنٌ.
(الصدوق): حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبْدُوسٍ النَّيْسَابُورِيُّ الْعَطَّارُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَيْسَابُورَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ النَّيْسَابُورِيُّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ قَالَ: سَأَلَ الْمَأْمُونُ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا (عليه السلام) أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَ الْإِسْلَامِ عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ فَكَتَبَ (عليه السلام) لَهُ: «أَنَّ مَحْضَ الْإِسْلَامِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ... وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَمِينُهُ وَصَفِيُّهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَسَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَأَفْضَلُ الْعَالَمِينَ .... وَأَنَّ الدَّلِيلَ بَعْدَهُ وَالْحُجَّةَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْقَائِمَ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّاطِقَ عَنِ الْقُرْآنِ وَالْعَالِمَ بِأَحْكَامِهِ أَخُوهُ وَخَلِيفَتُهُ وَوَصِيُّهُ وَوَلِيُّهُ وَالَّذِي كَانَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ وَأَفْضَلُ الْوَصِيِّينَ وَوَارِثُ عِلْمِ
ص: 160
النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَبَعْدَهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ بَاقِرُ عِلْمِ النَّبِيِّينَ ثُمَّ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ وَارِثُ عِلْمِ الْوَصِيِّينَ ثُمَّ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ الْكَاظِمُ ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ثُمَّ الْحُجَّةُ الْقَائِمُ الْمُنْتَظَرُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَشْهَدُ لَهُمْ بِالْوَصِيَّةِ وَالْإِمَامَةِ وَأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِفِي كُلِّ عَصْرٍ وَأَوَانٍ وَأَنَّهُمُ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى وَأَئِمَّةُ الْهُدَى وَالْحُجَّةُ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَأَنَّ كُلَّ مَنْ خَالَفَهُمْ ضَالٌّ مُضِلٌّ بَاطِلٌ تَارِكٌ لِلْحَقِّ وَالْهُدَى»(1).
* الحديث: حسنٌ رجاله ممدوحون.
(الصدوق): حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي اللّه عنه قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني عن عليّ بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: «كأني بالشيعة عند فقدانهم الثالث من ولدي، يطلبون المرعى فلا يجدونه» قلت: و لم ذاك يا ابن رسول اللّه؟ قال (عليه السلام): «لأن إمامهم يغيب عنهم»، قلت: ولم؟ قال (عليه السلام): «لئلا يكون في عنقه بيعة إذا قام بالسيف»(2).
* الحديث: معتبر.
(كفاية الأثر): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمِّي الْحَسَنُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ الْهَرَوِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ دِعْبِلَ بْنَ عَلِيٍّ الْخُزَاعِيَّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقُولُ:
ص: 161
مَدَارِسُ آيَاتٍ عَفَتْ مِنْ تِلَاوَةٍ *** وَ مَهْبِطُ وَحْيٍ مُقْفِرُ الْعَرَصَاتِ
فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى قَوْلِي:
خُرُوجُ الْإِمَامِ لَا مَحَالَةَ خَارِجٌ *** يَقُومُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ وَ الْبَرَكَاتِ
يُمَيِّزُ فِينَا كُلَّ حَقٍّ وَ بَاطِلٍ *** وَ يُجْزِي عَلَى النَّعْمَاءِ وَ النَّقِمَاتِ
بَكَى الرِّضَا (عليه السلام) بُكَاءً شَدِيداً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ الشَّرِيفَ إِلَيَّ وَقَالَ: «يَا خُزَاعِيُّ نَطَقَ رُوحُ الْقُدُسِ عَلَى لِسَانِكَ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ فَهَلْ تَدْرِي مَنْ هَذَا الْإِمَامُ وَمَتَى يَقُومُ» قُلْتُ: لَا يَا مَوْلَايَ إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ بِخُرُوجِ إِمَامٍ مِنْكُمْ وَيُطَهِّرُ الْأَرْضَ مِنَ الْفَسَادِ وَيَمْلَأُهَا عَدْلًا، فَقَالَ (عليه السلام): يَا دِعْبِلُالْإِمَامُ بَعْدِي مُحَمَّدٌ ابْنِي وَبَعْدَ مُحَمَّدٍ ابْنُهُ عَلِيٌّ وَبَعْدَ عَلِيٍّ ابْنُهُ الْحَسَنُ وَبَعْدَ الْحَسَنِ ابْنُهُ الْحُجَّةُ الْقَائِمُ الْمُنْتَظَرُ فِي غَيْبَتِهِ الْمُطَاعُ فِي ظُهُورِهِ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَمْلَأَهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَأَمَّا مَتَى فَإِخْبَارٌ عَنِ الْوَقْتِ وَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) أَنَّ النَّبِيَّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى يَخْرُجُ الْقَائِمُ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ قَالَ مَثَلُهُ مَثَلُ السَّاعَةِ لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً».
ورواه الصدوق عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبي الصلت الهروي.
* والسند صحيح عندنا ومعتبر عند المشهور (بإبراهيم بن هاشم).
(الكافي): (1388/ 1) عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيِّ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (عليه السلام)، قَالَ:
ص: 162
«أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَ مَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) و هُوَ مُتَّكِئٌ عَلى يَدِ سَلْمَانَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَجَلَسَ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ واللِّبَاسِ، فَسَلَّمَ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، فَجَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهِنَّ، عَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ رَكِبُوا مِنْ أَمْرِكَ مَا قُضِيَ عَلَيْهِمْ، وأَنْ لَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وآخِرَتِهِمْ؛ وإِنْ تَكُنِ الْأُخْرى، عَلِمْتُ أَنَّكَ وهُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ. قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ؟ وعَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ وَيَنْسى؟ وعَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُشْبِهُ ولَدُهُ الْأَعْمَامَ والْأَخْوَالَ؟ فَالْتَفَتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) إِلَى الْحَسَنِ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَجِبْهُ»، قَالَ (عليه السلام): «فَأَجَابَهُ الْحَسَنُ (عليه السلام)، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَشْهَدُ أَنْ لَاإِلهَ إِلَّا اللَّهُ، ولَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، ولَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِذلِكَ، وأَشْهَدُ أَنَّكَ وصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ - وأَشَارَ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) - ولَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا، وأَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُوالْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ - وأَشَارَ إِلَى الْحَسَنِ (عليه السلام) - وأَشْهَدُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وصِيُ أَخِيهِ والْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ بَعْدَهُ، وأَشْهَدُ عَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْحُسَيْنِ بَعْدَهُ، و أَشْهَدُ عَلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وأَشْهَدُ عَلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ، وأَشْهَدُ عَلى مُوسى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وأَشْهَدُ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُوسى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وأَشْهَدُ عَلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُوسى، وأَشْهَدُ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَشْهَدُ عَلى رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ لَا يُكَنّى ولَايُسَمّى حَتّى يَظْهَرَ أَمْرُهُ، فَيَمْلَأَهَا عَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً، والسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ورَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكَاتُهُ. ثُمَّ قَامَ فَمَضى، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام):
ص: 163
يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، اتْبَعْهُ، فَانْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ، فَخَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، فَقَالَ: مَا كَانَ إِلَّا أَنْ وضَعَ رِجْلَهُ خَارِجاً مِنَ الْمَسْجِدِ، فَمَا دَرَيْتُ أَيْنَ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ، فَرَجَعْتُ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَأَعْلَمْتُهُ، فَقَالَ (عليه السلام): يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَتَعْرِفُهُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ ورَسُولُهُ وأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ، قَالَ (عليه السلام): هُوَ الْخَضِرُ (عليه السلام) »(1).
* الحديث: صحيح رجاله ثقات من عيون الطائفة، ولم ينفرد البرقي بروايته إضافة إلى أنه ليس من مراسيله، كما أعتمد الرواية الصدوق والطوسي كما رواه في تفسير القمي بسند آخر فراجع.
روى هذا الفضل العظيم الشأن (الفضل بن شاذان) في كتابه في الغيبة: عن سهل ابن زياد الآدمي، عن عبد العظيم، قال: دخلت على سيدي علي بن محمّد (عليهما السلام) فلما بصر بي، قال لي: «مرحبا بك يا أبا القاسم أنت وليّنا حقا»، فقلت له: يا ابن رسول اللّه إنّي أريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضيّاً ثبتّ عليه حتى ألقى اللّه عزّ و جلّ؟ فقال (عليه السلام): «هات يا أبا القاسم»، فقلت:
إني اقول: أن اللّه تبارك وتعالى واحد، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ، خارجعن الحدّين، حدّ الأبطال وحدّ التشبيه، وأنه ليس بجسم، ولا صورة، ولا عرض، ولا جوهر، بل هو مجسّم الأجسام، ومصوّر الصور، وخالق الاعراض والجواهر، وربّ كلّ شي ء ومالكه وجاعله ومحدثة، وأن محمّداً عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبيّ بعده إلى يوم القيامة.
وأقول: أن الإمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم من بعده ولده الحسن والحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمّد بن علي الباقر،
ص: 164
ثم جعفر بن محمّد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمّد بن علي، ثم أنت يا مولاي.
فقال (عليه السلام): «ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده؟»
قال: فقلت: فكيف ذاك يا مولاي؟.
قال (عليه السلام): «لأنه لا يُرى شخصه ولا يحلّ ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»، قال: فقلت: أقررت.
وأقول: أن وليّهم ولي اللّه، وعدوّهم عدوّ اللّه، وطاعتهم طاعة اللّه، ومعصيتهم معصية اللّه.
وأقول: أن المعراج حقّ، والمسائلة في القبر حقّ، وأن الجنّة حق، والنار حق، والصراط حق، والميزان حقّ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن اللّه يبعث من في القبور.
وأقول: أن الفرائض الواجبة بعد الولاية: الصلاة، و الزكاة، و الصوم، والحجّ، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
فقال علي ابن محمّد (عليهما السلام): «يا أبا القاسم هذا واللّه دين اللّه الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه، ثبّتك اللّه بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة».(1)
وقد روى الصدوق في كمال الدين هذا الحديث بسند آخر.
* والحديث حسن ظاهراً.
(الصدوق): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَلَوِيُّ(2) عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ
ص: 165
بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ صَاحِبَ الْعَسْكَرِ (عليه السلام) يَقُولُ: «الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي ابْنِيَ الْحَسَنُ فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ الْخَلَفِ» فَقُلْتُ: وَلِمَ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ؟ فَقَالَ (عليه السلام): «لِأَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ» قُلْتُ: فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ؟ قَالَ (عليه السلام): «قُولُوا الْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ».(1)
* والسند معتبر.
الفضل بن شاذان:
حدثنا محمّد بن علي بن حمزة العلوي قال: سمعت أبا محمّد (عليه السلام) يقول: «قد ولد وليّ اللّه وحجته على عباده وخليفتي من بعدي مختوناً، ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين عند طلوع الفجر «الحديث» و فيه جملة من أحواله»(2).
* والسند صحيح مع لحاظ ان للحر العاملي طريقاً صحيحاً إلى كتاب الفضل بن شاذان.
(كمال الدين): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيِّ بْنِ هَمَّامٍ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْرِيَّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ سُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) وَأَنَا عِنْدَهُ عَنِ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، فَقَالَ (عليه السلام) «إِنَّ هَذَا حَقٌّ كَمَا أَنَّ النَّهَارَ حَقٌّ» فَقِيلَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَمَنِ الْحُجَّةُ وَالْإِمَامُ بَعْدَكَ؟
ص: 166
فَقَالَ (عليه السلام): «ابْنِي مُحَمَّدٌ هُوَ الْإِمَامُ وَالْحُجَّةُ بَعْدِي مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً أَمَا إِنَّ لَهُ غَيْبَةً يَحَارُ فِيهَا الْجَاهِلُونَوَيَهْلِكُ فِيهَا الْمُبْطِلُونَ وَيَكْذِبُ فِيهَا الْوَقَّاتُونَ ثُمَّ يَخْرُجُ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْأَعْلَامِ الْبِيضِ تَخْفِقُ فَوْقَ رَأْسِهِ بِنَجَفِ الْكُوفَةِ»(1).
* والسند معتبر.
(كمال الدين): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَرَّاقُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) وَ أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ الْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ فَقَالَ (عليه السلام) لِي مُبْتَدِئاً: «يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُخَلِّ الْأَرْضَ مُنْذُ خَلَقَ آدَمَ (عليه السلام) وَلَا يُخَلِّيهَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ مِنْ حُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ بِهِ يَدْفَعُ الْبَلَاءَ عَنْ أَهْلِ الْأَرْضِ وَبِهِ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَبِهِ يُخْرِجُ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ» قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَمَنِ الْإِمَامُ وَالْخَلِيفَةُ بَعْدَكَ؟ فَنَهَضَ (عليه السلام) مُسْرِعاً فَدَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ خَرَجَ وَعَلَى عَاتِقِهِ غُلَامٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّلَاثِ سِنِينَ فَقَالَ (عليه السلام): «يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ لَوْ لَا كَرَامَتُكَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَى حُجَجِهِ مَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ ابْنِي هَذَا إِنَّهُ سَمِيُّ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وَ كَنِيُّهُ الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ مَثَلُهُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلُ الْخَضِرِ (عليه السلام) وَمَثَلُهُ مَثَلُ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَاللَّهِ لَيَغِيبَنَّ غَيْبَةً لَا يَنْجُو فِيهَا مِنَ الْهَلَكَةِ إِلَّا مَنْ ثَبَّتَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ وَوَفَّقَهُ فِيهَا لِلدُّعَاءِ بِتَعْجِيلِ فَرَجِهِ» فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا مَوْلَايَ فَهَلْ مِنْ عَلَامَةٍ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا قَلْبِي؟ فَنَطَقَ الْغُلَامُ (عليه السلام) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ فَصِيحٍ فَقَالَ: «أَنَا بَقِيَّةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَالْمُنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِهِ فَلَا تَطْلُبْ أَثَراً بَعْدَ عَيْنٍ يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ» فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَخَرَجْتُ مَسْرُوراً
ص: 167
فَرِحاً فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ عُدْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَقَدْ عَظُمَ سُرُورِي بِمَا مَنَنْتَ بِهِ عَلَيَّ فَمَا السُّنَّةُ الْجَارِيَةُ فِيهِ مِنَ الْخَضِرِ وَذِي الْقَرْنَيْنِ فَقَالَ (عليه السلام): «طُولُ الْغَيْبَةِ يَا أَحْمَدُ» قُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَإِنَّ غَيْبَتَهُ لَتَطُولُ؟ قَالَ (عليه السلام): «إِي وَرَبِّي حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ أَكْثَرُ الْقَائِلِينَ بِهِ وَلَا يَبْقَى إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدَهُ لِوَلَايَتِنَا وَكَتَبَ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ هَذَا أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَسِرٌّ مِنْ سِرِّاللَّهِ وَغَيْبٌ مِنْ غَيْبِ اللَّهِ فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَاكْتُمْهُ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ تَكُنْ مَعَنَا غَداً فِي عِلِّيِّينَ»(1).
* والحديث معتبر ورجال السند أجلاء ثقات.
الفضل بن شاذان:
حدثنا إبراهيم بن محمّد بن فارس النيسابوري عن أبي محمّد (عليه السلام) وذكر حديثاً فيه أنه دخل عليه وعنده غلام فسأله عنه، فقال (عليه السلام): «هو ابني وخليفتي من بعدي، وهو الذي يغيب غيبة طويلة ويظهر بعد امتلاء الأرض جوراً وظلماً فيملأها عدلاً وقسطاً»(2).
* والحديث صحيح.
5) هناك مصطلح ذكره بعض علماء الأصول والدراية(3)
وهو (المتضافر) ومصطلح (المتسامَع) فلو تنزلنا وقلنا أن خبر الولادة غير متواتر، فإنه متضافر ومتسامع وهو حجة بلا شك، ولا يشترط في المتضافر والمتسامع شروط التواتر
ص: 168
ومنها الاتصال في كل الطبقات ولا كونهم عدولاً أو ثقاة(1).
وللتوضيح نقول: المتضافر والمتسامع مثل أخبار البلدان وأخبار الشخصيات، فإن أخبار البلدان والشخصيات لو أخبر بها جماعة معتد بها فإنها تورث القطع عادة مع أنه لا تجتمع فيهم شروط التواتر، والعقلاء من الأمم ببابك. قال المحقق القمي (رحمه اللّه) في القوانين: (إن الضرورة إمّا تحصل بتواتر الأخبار إلى أن يحصل بالبداهة، أو يحصل بالتسامع والتظافر، وأكثر أخبار البلدان والسّلف من قبيل الثاني، كما أشرنا إليه في بحث الخبر المتواتر، وما بلغ إلينا بالبديهةمن دين نبينا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أكثرها من باب القرائن والتسامع والتظافر، فإن علمنا بوجوب الصلاة الخَمس في ديننا يحصل بملاحظة فعل الناس ونسبتهم ذلك إلى الدين، وإن لم ينقل هذه الطبقة من سلفهم وهكذا إلى زمان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على شرائط التواتر، بل وإن لم ينقله واحد بطريق واحد إليه أيضاً، فضلاً عن التواتر، فكما أن الأفعال قد تصير ضرورياً، فقد تصير العقائد أيضاً ضرورياً)(2).
6) لو فرض أن الأخبار ليست متواترة، لكنها أخبار محفوفة بالقرائن القطعية والخبر المحفوف بها حجة قطعاً؛ لأنه يدخل في دائرة القطع واليقين، وحجيته ذاتية، فليست أخبار آحاد لا تفيد إلا ظناً حتى يقال: أن الظن لا يصح التمسك به في الاعتقاديات(3).
ص: 169
وعليه: فلو وجدت رواية واحدة ضعيفة لكنها كانت محتفة بما يفيد القطع فهي حجة؛ لأنها أفادت القطع ومثال ذلك: لو أن شخصاً كان معروفاً بأنه ليس بالعادل أخبر أن العدوّ داهم المدينة فإننا قد لانصدقه، لكننا لو رأينا قرائن أخرى إضافة الى إخباره كما لو كان يركض مذعوراً وملامح الخوف بادية على وجهه أو سمعنا بأصوات وجلبة شديدة متصاعدة، فإننا نطمئن بل نقطع عادة بهجوم العدو في تلك المنطقة.
وروايات مولد الصاحب (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) لو لم تكن متواترة ولم تكن متضافرة تنزلاً فإنها محتفة بقرائن قطعية عديدة ومتنوعة، ومن هذه القرائن(1):
1) أخبار النسّابة الذين يذكرون مشجرات النسب، فإن قولهمحجة بلا شك(2)؛ لأنهم أهل خبرة وعلى ذلك بناء العقلاء.
فمثلاً الأشراف الذين يسكنون المغرب العربي أو في مصر أو الهاشميون في الأردن أو السادة في العراق وإيران والخليج والهند والباكستان وأفغانستان وغيرها فإنهم ينتسبون إلى الرسول الأكرم (صلی اللّه عليه وآله وسلم)، وقد عرفنا ذلك وقطعنا به
ص: 170
من خلال النسّابة(1).
ثم إن النسّابة هؤلاء ليسوا من مذهب معين بل هم من فرق شتى، وقد ذكروا أن الحسن بن علي العسكري ولد له ولد واسمه (محمد) (عليهما السلام)، وبعضهم صرح بالقول أنه هو الإمام الذي تقول الشيعة بإمامته.
ومن هؤلاء النسابة من كان معاصراً لزمن الغيبة الصغرى(2)، وقد جمع بعض الباحثين من أصدقائنا الكرام جزاه اللّه خيراً بعض أقوال النسابة في دراسة قيمة، جاء فيها:
* ما صرح به في كتاب (سر السلسلة العلوية): ص 39 - للنسابة الشهير سهل بن نصر بن عبد اللّه بن داوود بن سليمان البخاري - وهو من أعلام القرن الرابع الهجري وقد كان حياً سنة 341ه- وهو من أشهر الأعلام المعاصرين لغيبة الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) الصغرى والتي انتهت سنة 329ه- وهو يقول: (وَوَلَد عليُّ بن محمد التقي الحسنَ بن علي العسكري من أم ولد نوبية تدعى ريحانة وولدسنة 231ه- وقبض سنة 260 ه- بسامراء...) إلى أن يقول: (... وإنما تُسمّيه الإمامية بذلك - أي جعفر أخو الإمام العسكري (عليه السلام) - لادعائه ميراث أخيه الحسن دون ابنه القائم الحجة، لاطعن في نسبه).
* وما ذكره في كتاب (سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب)(3) - للنسابة الشيخ محمد أمين البغدادي - إذ يقول: (الحسن العسكري - محمد المهدي: وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين وكان مربوع القامة حَسَن الوجه والشعر أقنى الأنف
ص: 171
صبيح الجبهة، وزعم الشيعة أنه غاب في السرداب بسر من رأى والحرس عليه سنة مائتين وأثنين وستين وأنه صاحب السيف القائم المنتظر و... والذي اتفقت عليه العلماء على أن المهدي هو القائم في آخر الوقت وأنه يملأ الأرض عدلاً والأحاديث فيه وفي ظهوره كثيرة ليس هذا الموضع محل ذكرها).
* وما جاء في كتاب (الشجرة المباركة في أنساب الطالبية) - للفخر الرازي - وهو المعروف بتعصبه ومع ذلك نجده يقر بولادة الإمام (عليه السلام) حيث يقول: (أما الحسن العسكري فله ابنان وبنتان... -- ثم يصرح باسم الإمام (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) -- ).
وهناك كتب أخرى لنسابة آخرين من مختلف القرون سنذكر بعضهم بإذن اللّه تعالى في (الملحق رقم 1) فلاحظ.
وهؤلاء النسابة وغيرهم ممن ذكرنا بعضهم في الملحق وممن لم نذكرهم، هم من أهل الخبرة بلا ريب، ولا ريب أن أخبار هؤلاء النسابة بنفسها - لمن لم يبتلِ بالوسوسة أو السفسطة - تورث القطع واليقين في كل الملل والنحل، ولو تنزلنا فإنها تصلح قرينة على صحة الروايات المصرحة بمولده الشريف.
وبالتالي فقرينة أقوال النسابة متحققة ووافية بالمقصود والمقام لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
2) أقوال المؤرخين وهم من أهل العامة والخاصة، نعم ربما لا يصدّق بقول المؤرخ الواحد إذا انفرد بخبر ما، لكن لو كانت عندنا روايات كثيرة بل كثيرة جداً وكان بعضها صحاحاً ووجدنا مؤرخي السنة مع الشيعة يؤكدون هذا المعنى ويذعنون به مع أن ذلك ليس في صالح معتقدهم ومذهبهم، فإن ذلك مما يورث القطع عادة.
ص: 172
ومن أولئك المؤرخين:
* الذهبي في (العبر في خير من غبر) حيث يذكر حوادث سنة 260 ه، ويقول: (وفيها توفي الحسن بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني أحد الأئمة الاثني عشر الذي تعتقد الرافضة فيهم العصمة وهو والد المنتظر محمد صاحب السرداب).
* ومنهم: أبو الفداء في (المختصر في أخبار البشر): ج1 ص361، حوادث سنة 254 ه، (ط. دار الكتب العلمية). قال: (والحسن العسكري المذكور هو والد محمد المنتظر صاحب السرداب ومحمد المنتظر المذكور هو ثاني عشر الأئمة الاثني عشر على رأي الإمامية ويقال له القائم والمهدي والحجة. وولد المنتظر المذكور في سنة خمس وخمسين ومائتين والشيعة يقولون: دخل السرداب...).
* ومن المؤرخين: ابن الأثير في (الكامل في التاريخ): مجلد 7 ص 274، حوادث سنة 260ه، حيث يذكر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ويقول: (وفيها توفي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو أبو محمد العلوي العسكري، وهو أحد الأئمة الاثني عشر، على مذهب الإمامية، وهو والد محمد الذي يعتقدونه المنتظر بسرداب سامراء وكان مولده سنة اثنتين وثلاثين ومائتين).
* ومن المؤرخين: الصفدي في (الوافي بالوفيات): ج2 ص336 - 337، قال: (محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي ابن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم الحجة المنتظر ثاني عشر الأئمة الاثني عشر، هوالذي تزعم الشيعة أنه المنتظر القائم المهدي وهو صاحب السرداب عندهم وأقاويلهم فيه كثيرة ينتظرون ظهوره آخر الزمان من السرداب بسر من رأى ولهم
ص: 173
إلى حين تعليق هذا التاريخ أربع مائة وسبعة وسبعين سنة ينتظرونه ولم يخرج).
* ومن المؤرخين: ابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب): ج3 ص265، حوادث سنة 260 دار ابن كثير. قال: (وفيها: الحسن بن علي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني أحد الإثني عشر الذين تعتقد الرافضة فيهم العصمة، وهو والد المنتظر محمد صاحب السرداب).
* ومن المؤرخين: ابن خلكان في (وفيات الاعيان): ج4 ص176 رقم 562 دار صادر، قال: (أبو القاسم المنتظر: أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد المذكور قبله، ثاني عشر الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، المعروف بالحجة، وهو الذي تزعم الشيعة أنه المنتظر والقائم والمهدي... كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه - وقد سبق ذكره - كان عمره خمس سنين).
وهناك مؤرخون آخرون كثيرون ذكرنا بعضهم في (الملحق رقم 2) فراجع.
3) وممن شهد بذلك أيضاً: ابن عربي في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات قال: (واعلموا أنه لا بد من خروج المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جوراً وظلماً، فيملؤها قسطاً وعدلاً ولو لم يكن من الدنيا إلا يوم واحد طوّل اللّه تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة وهو من عترة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من ولد فاطمة رضي اللّه عنها جده الحسين بن علي بن أبي طالب ووالده الحسن العسكري ابن الإمام علي النقي بالنون ابن محمد التقي بالتاء ابن الإمام الرضا بن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن
ص: 174
أبي طالب رضي اللّه عنه يواطئ اسمه اسم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يبايعه المسلمون بين الركن والمقام يشبه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الخلق بفتح الخاء وينزل عنه في الخلق بضمها إذ لا يكون أحد مثل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أخلاقه واللّه تعالى يقول: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) هو أجل الجبهة أقنى الأنف)(1).
4) ومن كلمات أحد أشهر المتعصبين: بن حجر الهيثمي في (الصواعق المحرقة) الذي حاول أن ينقض عقيدة الشيعة حجراً حجراً، ففشل وأخزاه اللّه، فمع أن التعصب يقطر من كتبه بل يسيل ويجري، فإنك تجده عندما يصل إلى الإمام المهدي المنتظر(عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) تأخذ الروايات بتلابيبه وبعنقه فيبهت ويخشع لها صاغراً مقراً مذعناً. فلنلاحظ مجموع كلماته، يقول:
أ) (وأخرج الماوردي: أبشروا بالمهدي رجل من قريش من عترتي يخرج في اختلاف من الناس وزلزال فيملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ويقسم المال صحاحاً بالسوية ويملأ قلوب أمة محمد غنى ويسعهم عدله)(2).
ب) وفي مكان آخر يقول: (الأحاديث الصحيحة السابقة: «أن المهدي من ولد فاطمة»(3) وبهذا فهو يضيق الدائرة ويحددها أكثر فيما كانت الدائرة السابقة
ص: 175
أنه من قريش.
ج) وفي موضع آخر يقول: (ولم يخلف - الإمام العسكري (عليه السلام)- غير ولده أبي القاسم محمد الحجة)(1).
كما صرح: (وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه اللّه فيها الحكمة ويسمى القائم المنتظر لأنه ستر بالمدينة فغاب فلم يعرف اين ذهب...)
وقال: (ومرّ في الآية الثانية عشر قول الرافضة فيه أنه المهدي وأوردت ذلك مبسوطاً؛ لأنه مهم).
د) ويقول: (قال أبو الحسن الابري: تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى بخروجه «وإنه من أهل بيته وإنه يملا الأرض عدلاً وإنه يخرج مع عيسى فيساعده على قتل الدجال»(2).
وفي نفس الوقت الذي يهاجم فيه ابن حجر الشيعة ويستهزأ بهم في قضية الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) وقضية السرداب ويذكر عبارات لاتليق حتى بالإنسان العادي فكيف بمن يدعي العلم، لكن مع ذلك فإن الحق فرض نفسه، ولم يستطع أن ينكره.
نقول: فالأخبار متواترة بكل أنواع التواتر، ولو تنزلنا فرضاً وقلنا أنها ليست متواترة فهي متضافرة قطعاً، ولو لم تكن كذلك فهي محتفة بالقرائن القطعية المتنوعة التي ذكرنا بعضها فقط.
كما توجد آيات عديدة دالة بدلالة التنبيه والإيماء أو بدلالة الاقتضاء أو غيرهما على استمرارية وجوده (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)، ولعلنا نوفق لاستكمال البحث لاحقاً
ص: 176
بإذن اللّه تعالى(1).
وبعبارة أخرى: لو تنزلنا حتى عن إفادة تلك الروايات القطع فإنها بمفردها أو بمعونة القرائن السابقة وغيرها لا شك في أنها تورث الاطمئنان وبحسب حساب الاحتمالات فإن احتمال الخلاف في نظر العقلاء ملغى لا يلتفت إليه أبداً(2).
وأما الآيات القرآنية الدالة على استمرار وجود إمام حيّ(3) فمتعددة وهي بحاجة إلى فصل خاص وقد نوفق لذلك في المستقبل، وتكفي هنا الإشارة إلى احدى الآيات الكريمة منها:
سورة (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ
ص: 177
هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) ومن الواضح أن ليلة القدر تتكرر كل سنة.. والفعل المضارع (تتنزل) يدل على الاستمرار فما دامت ليلة القدر موجودة فإن الملائكة تتنزل على النبي أو الإمام المنصوب من قبله، والروايات عديدة في هذا الحقل، وقد نقل بعضها تفسير البرهان عن الكافي الشريف وعن كتاب تأويل الآيات الظاهرة فراجع.
والبحث عن الآيات القرآنية طويل ويكفي إلقاء نظرة على كتاب (المهدي في القرآن) للسيد العم (دام ظله).
وأخيراً نتوجه إلى اللّه تعالى بالدعاء الشهير والمعروف:
«يَا ابْنَ الْأَطَايِبِ الْمُسْتَظْهَرِينَ يَا ابْنَ الْخَضَارِمَةِ الْمُنْتَجَبِينَ يَا ابْنَالْقَمَاقِمَةِ الْأَكْبَرِينَ يَا ابْنَ الْبُدُورِ الْمُنِيرَةِ يَا ابْنَ السُّرُجِ الْمُضِيئَةِ يَا ابْنَ الشُّهُبِ الثَّاقِبَةِ يَا ابْنَ الْأَنْجُمِ الزَّاهِرَةِ يَا ابْنَ السُّبُلِ الْوَاضِحَةِ يَا ابْنَ الْأَعْلَامِ اللَّائِحَةِ يَا ابْنَ الْعُلُومِ الْكَامِلَةِ يَا ابْنَ السُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ يَا ابْنَ الْمَعَالِمِ الْمَأْثُورَةِ يَا ابْنَ الْمُعْجِزَاتِ الْمَوْجُودَةِ يَا ابْنَ الدَّلَائِلِ الْمَشْهُودَةِ يَا ابْنَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ يَا ابْنَ النَّبَإِ الْعَظِيمِ يَا ابْنَ مَنْ هُوَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَى اللَّهِ عَلِيٌّ حَكِيمٌ يَا ابْنَ الْآيَاتِ وَالْبَيِّنَاتِ يَا ابْنَ الدَّلَائِلِ الظَّاهِرَاتِ يَا ابْنَ الْبَرَاهِينِ الْبَاهِرَاتِ يَا ابْنَ الْحُجَجِ الْبَالِغَاتِ يَا ابْنَ النِّعَمِ السَّابِغَاتِ يَا ابْنَ طَهَ وَ الْمُحْكَمَاتِ يَا ابْنَ يس وَالذَّارِيَاتِ يَا ابْنَ الطُّورِ وَ الْعَادِيَاتِ يَا ابْنَ مَنْ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى دُنُوّاً وَ اقْتِرَاباً مِنَ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى لَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّوَى بَلْ أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّكَ أَوْ ثَرَى أَبِرَضْوَى أَمْ غَيْرِهَا أَمْ ذِي طُوًى عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَرَى الْخَلْقَ وَ لَا تُرَى وَ لَا أَسْمَعَ لَكَ حَسِيساً وَ لَا نَجْوَى عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ تُحِيطَ بِكَ دُونِيَ الْبَلْوَى وَ لَا يَنَالَكَ مِنِّي ضَجِيجٌ وَ لَا شَكْوَى بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ
ص: 178
يَخْلُ مِنَّا بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نَازِحٍ مَا نَزَحَ عَنَّا بِنَفْسِي أَنْتَ أُمْنِيَّةُ شَائِقٍ يَتَمَنَّى مِنْ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ ذَكَرَا فَحَنَّا بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ عَقِيدِ عِزٍّ لَا يُسَامَى بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ أَثِيلِ مَجْدٍ لَا يُجَارى بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ تِلَادِ نِعَمٍ لَا تُضَاهَى بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نَصِيفِ شَرَفٍ لَا يُسَاوَى إِلَى مَتَى أَحَارُ فِيكَ يَا مَوْلَايَ وَ إِلَى مَتَى وَ أَيَّ خِطَابٍ أَصِفُ فِيكَ وَ أَيَّ نَجْوَى عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أُجَابَ دُونَكَ وَ أُنَاغَى عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَبْكِيَكَ وَ يَخْذُلَكَ الْوَرَى عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْكَ دُونَهُمْ مَا جَرَى هَلْ مِنْ مُعِينٍ فَأُطِيلَ مَعَهُ الْعَوِيلَ وَ الْبُكَاءَ هَلْ مِنْ جَزُوعٍ فَأُسَاعِدَ جَزَعَهُ إِذَا خَلَا هَلْ قَذِيَتْ عَيْنٌ فَسَاعَدَتْهَا عَيْنِي عَلَى الْقَذَى هَلْ إِلَيْكَ يَا ابْنَ أَحْمَدَ سَبِيلٌ فَتُلْقَى هَلْ يَتَّصِلُ يَوْمُنَا مِنْكَ بِغَدِهِ فَنَحْظَى مَتَى نَرِدُ مَنَاهِلَكَ الرَّوِيَّةَ فَنَرْوَى مَتَى نَنْتَفِعُ مِنْ عَذْبِ مَائِكَ فَقَدْ طَالَ الصَّدَى مَتَى نُغَادِيكَ وَ نُرَاوِحُكَ فَنُقِرَّ مِنْهَا عَيْناً مَتَى تَرَانَا وَ نَرَاكَ وَ قَدْ نَشَرْتَ لِوَاءَ النَّصْرِ تُرَى أَ تَرَانَا نَحُفُّ بِكَ وَ أَنْتَ تَؤُمُّ الْمَلَأَ وَ قَدْ مَلَأْتَ الْأَرْضَ عَدْلًا وَ أَذَقْتَ أَعْدَاءَكَ هَوَاناً وَ عِقَاباً وَ أَبَرْتَ الْعُتَاةَ وَ جَحَدَةَ الْحَقِّ وَ قَطَعْتَ دَابِرَ الْمُتَكَبِّرِينَ وَ اجْتَثَثْتَ أُصُولَ الظَّالِمِينَ وَ نَحْنُ نَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ أَنْتَ كَشَّافُ الْكُرَبِ وَ الْبَلْوَى وَ إِلَيْكَ أَسْتَعْدِي فَعِنْدَكَ الْعَدْوَى وَ أَنْتَ رَبُّ الْآخِرَةِ وَ الْأُولَى فَأَغِثْ يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ عُبَيْدَكَ الْمُبْتَلَى وَ أَرِهِ سَيِّدَهُ يَا شَدِيدَ الْقُوَى وَ أَزِلْ عَنْهُ بِهِ الْأَسَى وَالْجَوَى وَ بَرِّدْ غَلِيلَهُ يَا مَنْ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى وَ مَنْ إِلَيْهِ الرُّجْعَى وَالْمُنْتَهَى اللَّهُمَّ وَ نَحْنُ عَبِيدُكَ الشَّائِقُونَ إِلَى وَلِيِّكَ الْمُذَكِّرِ بِكَ وَ بِنَبِيِّكَ خَلَقْتَهُ لَنَا عِصْمَةً وَ مَلَاذاً وَأَقَمْتَهُ لَنَا قِوَاماً وَ مَعَاذاً وَ جَعَلْتَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَّا إِمَاماً فَبَلِّغْهُ مِنَّا تَحِيَّةً وَ سَلَاماً وَ زِدْنَا بِذَلِكَ يَا رَبِّ إِكْرَاماً وَ اجْعَلْ مُسْتَقَرَّهُ لَنَا مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً وَ أَتْمِمْ نِعْمَتَكَ بِتَقْدِيمِكَ إِيَّاهُ أَمَامَنَا حَتَّى تُورِدَنَا جِنَانَكَ وَ مُرَافَقَةَ
ص: 179
الشُّهَدَاءِ مِنْ خُلَصَائِكَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ جَدِّهِ وَ رَسُولِكَ السَّيِّدِ الْأَكْبَرِ وَ عَلَى أَبِيهِ السَّيِّدِ الْأَصْغَرِ وَ جَدَّتِهِ الصِّدِّيقَةِ الْكُبْرَى فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ وَ عَلَى مَنِ اصْطَفَيْتَ مِنْ آبَائِهِ الْبَرَرَةِ وَ عَلَيْهِ أَفْضَلَ وَ أَكْمَلَ وَ أَتَمَّ وَ أَدْوَمَ وَ أَكْبَرَ وَ أَوْفَرَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْفِيَائِكَ وَ خِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَ صَلِّ عَلَيْهِ صَلَاةً لَا غَايَةَ لِعَدَدِهَا وَ لَا نِهَايَةَ لِمَدَدِهَا وَ لَا نَفَادَ لِأَمَدِهَا اللَّهُمَّ وَ أَقِمْ بِهِ الْحَقَّ وَ أَدْحِضْ بِهِ الْبَاطِلَ وَ أَدِلْ بِهِ أَوْلِيَاءَكَ وَ أَذْلِلْ بِهِ أَعْدَاءَكَ وَ صِلِ اللَّهُمَّ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ وُصْلَةً تُؤَدِّي إِلَى مُرَافَقَةِ سَلَفِهِ وَ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَأْخُذُ بِحُجْزَتِهِمْ وَ يَمْكُثُ فِي ظِلِّهِمْ وَ أَعِنَّا عَلَى تَأْدِيَةِ حُقُوقِهِ إِلَيْهِ وَ الِاجْتِهَادِ فِي طَاعَتِهِ وَ الِاجْتِنَابِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَ امْنُنْ عَلَيْنَا بِرِضَاهُ وَ هَبْ لَنَا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَ دُعَاءَهُ وَ خَيْرَهُ مَا نَنَالُ بِهِ سَعَةً مِنْ رَحْمَتِكَ وَ فَوْزاً عِنْدَكَ وَ اجْعَلْ صَلَاتَنَا بِهِ مَقْبُولَةً وَ ذُنُوبَنَا بِهِ مَغْفُورَةً وَ دُعَاءَنَا بِهِ مُسْتَجَاباً وَ اجْعَلْ أَرْزَاقَنَا بِهِ مَبْسُوطَةً وَ هُمُومَنَا بِهِ مَكْفِيَّةً وَ حَوَائِجَنَا بِهِ مَقْضِيَّةً وَ أَقْبِلْ إِلَيْنَا بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَ اقْبَلْ تَقَرُّبَنَا إِلَيْكَ وَ انْظُرْ إِلَيْنَا نَظْرَةً رَحِيمَةً نَسْتَكْمِلُ بِهَا الْكَرَامَةَ عِنْدَكَ ثُمَّ لَا تَصْرِفْهَا عَنَّا بِجُودِكَ وَ اسْقِنَا مِنْ حَوْضِ جَدِّهِ ص بِكَأْسِهِ وَ بِيَدِهِ رَيّاً رَوِيّاً هَنِيئاً سَائِغاً لَا ظَمَأَ بَعْدَهُ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ».
والحمد لله رب العالمين وصلى اللّه على محمد واله الطيبين الطاهرين.
ص: 180
الملحق رقم 1 (تصريحات علماء النسب)(1)
ومن الكتب: (الجوهر الشفاف في أنساب السادة الأشراف) ج1 ص 160- 161 -- لعارف أحمد عبد الغني -- دار كنان قال:
(الحسن بن علي (الهادي العسكري) بن محمد (الجواد) بن علي (الرضا) بن موسى (الكاظم) بن جعفر (الصادق) بن محمد (الباقر) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني، يكنى أبا محمد من أم ولد أسمها نرجس كان من الزهد والعلم على أمر عظيم وهو والد الإمام المهدي ثاني عشر الأئمة عند الإمامية وهو القائم المنتظر عندهم).
ومن الكتب: (قلائد الذهب في أنساب قبائل العرب) ص78 - 79 -- لمصطفى حمدي بن أحمد الكردي البالوي الدمشقي -- تقديم وتعليق وشرح: كامل سلمان الجبوري، منشورات دار ومكتبة الهلال - بيروت، قال:
(الحسن العسكري - محمد المهدي: وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين وكان مربوع القامة حسن الوجه اقنى الأنف صبيح الجبهة).
ومن الكتب: (الدرر البهية في الأنساب الحيدرية والأويسية) ص 73 -- للنسابة المعاصر محمد أويس الحيدري السوري -- قال في بيان أولاد الإمام الهادي (عليه السلام):
(أعقب خمسة أولاد: محمد وجعفر والحسين والإمام الحسن العسكري وعائشة. فالحسن العسكري أعقب محمداً المهدي صاحب السرداب). ثم قال بعد ذلك مباشرة وتحت عنوان: (الإمامان محمد المهدي والحسن العسكري):
الإمام الحسن العسكري: ولد بالمدينة سنة 231ه- وتوفي بسامراء سنة 260ه.
ص: 181
الإمام محمد المهدي: لم يذكر له ذرية ولا أولاد له أبداً.
ثم علق في هامش العبارة الأخيرة بما هذا نصه: (ولد فيالنصف من شعبان سنة 255ه، وأمه نرجس، وُصِف فقالوا عنه: ناصع اللون، واضح الجبين، أبلج الحاجب، مسنون الخد، أقنى الأنف، أشم، أروع، كأنه غصن بان، وكأن غرته كوكب دري، في خده الأيمن خال كأنه فتات مسك على بياض الفضة، وله وفرة سمحاء تطالع شحمة أذنه، ما رأت العيون أقصد منه ولا أكثر حسناً وسكينة وحياء).
ومن الكتب: (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب) ص180 -- لجمال الدين أحمد بن علي الحسيني -- المعروف بابن عنبة المتوفى سنة 838 ه، قال:
(في ذكر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) كان من الزهد والعلم على أمر عظيم وهو والد الإمام محمد المهدي ثاني عشر الأئمة عند الإمامية وهو القائم المنتظر عندهم من أم ولد اسمها نرجس واسم أخيه أبو عبد اللّه جعفر).
ومن الكتب: (المجدي في أنساب الطالبيين) ص325 - 326 -- للنسابة أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن محمد العلوي العمري -- من أعلام القرن الخامس قال:
(ومات أبو محمد (عليه السلام) وولده من نرجس عليها السلام معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله وسنذكر حال ولادته والأخبار التي سمعها في ذلك. وامتحن المؤمنون بل كافة الناس بغيبته. وشَرِه جعفر على مال أخيه وحاله فدَفَعَ أن يكون له ولد وأعانه بعض الفراعنة على قبض جواري أخيه).
ومن الكتب: (الأصيلي في أنساب الطالبيين) ص161 - 162 -- للنسابة صفي الدين محمد بن تاج الدين علي -- المعروف بابن الطقطقي الحسني المتوفى سنة 709 ه، تحقيق مهدي الطائي، قال:
ص: 182
(وأما الإمام الحسن بن علي الزكي العسكري (عليه السلام) فولد بالمدينة في يوم العاشر من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائتين من الهجرة. ولم يذكر للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ولد إلا ولده الإمام أبو القاسم محمد المهدي صاحب الزمان (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) وهو الذي ذهبت الشيعة الإمامية الاثنا عشرية إلى بقائه وأنه المهدي الذي يظهرفي آخر الزمان حسب ما بشّر به جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مولده ليلة النصف من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين، هذا هو الصحيح وقيل غير ذلك، أمه أم ولد تدعى نرجس وقيل: صفية ولد بسر من رأى.
قال العمري النسابة ومن خط يده نقلت: رويته عن والدي شيخ الشرف أبي الحسن بن أبي جعفر).
ومن الكتب: (نخبة الزهرة الثمينة في نسب أشراف المدينة) ص164 -- للنقيب الشدقمي -- قال:
(الثمرة الثانية: عقب الحسن العسكري (عليه السلام) وكان إماماً هادياً وسيداً عالياً ومولى زاكياً أمه أم ولد قاله المجدي، توفي لثمان خلون من ربيع الأول قاله في العمدة، فالحسن لم يعرف له ولد ظاهر، والمتواتر أنه خلف محمداً قال في العمدة ما لفظه: محمد بن الحسن القائم المنتظر عند الإمامية وقد أكثرت من الروايات في ولادته وغيبته وذكر مؤرخو الزيدية وأهل السنة شيئاً من ذلك).
ومن الكتب: (النفحات العنبرية في أنساب خير البرية) -- للنسابة محمد كاظم بن أبي الفتوح بن سليمان اليماني الموسوي -- من أعلام القرن التاسع، تحقيق مهدي الرجائي، قال:
(ذكر ولد الحسن بن العسكري (عليه السلام)،وله من الولد: المنتظر عند الإمامية أو هو المنتظر أو غيره وسنورد من ذلك ما بلغ إليه الاجتهاد وعلى اللّه الاعتماد.
ص: 183
ذكر محمد بن الحسن العسكري الملقب المهدي عند الإمامية من أم ولد اسمها نرجس بفتح النون وسكون الراء وسين مهملة بعد الميم المكسورة وهو تاسع سبط وثاني عشر إمام عند الاثنا عشرية.
وقد أكثر الناس في ذلك وقد روت الإمامية في ولادته وتربيته وكيفية أمره روايات وذكر مؤرخو أهل السنة نحواً من ذلك، وهو صاحب السرداب عند الإمامية وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان من السرداب بسامراء(1) وكانت ولادته يوم الجمعة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وتوفي أبوه وهو ابن خمس سنوات).
ومن الكتب: (تحفة الأزهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار) ج2 ص495 -- لضامن بن شدقم الحسيني المدني -- كان حياً سنة 1090ه، تحقيق وتعليق: كامل سلمان الجبوري، قال:
(الباب الحادي عشر فيما يختص بالإمام القائم المنتظر المهدي محمد بن الحسن العسكري صاحب الزمان 3:...
-- الفصل الأول: يتضمن ذكر مختصر حال والدته نرجس اسمها مليكة بنت قيصر ملك الروم...
-- الفصل الثاني: يتضمن مولد الإمام صاحب الزمان (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) روت حكيمة بنت محمد الجواد (عليه السلام) - وذكر قصة ولادته ثم قال -:
وغاب في زمن المعتمد من بني العباس لما سعى به عمه جعفر الكذاب وذلك بإذن اللّه عز وجل يوم الاحد ثامن شهر رمضان سنة إحدى وستين ومائتين هجرية وعمره ثلاث سنين وأيام... قال السيد حسين السمرقندي: لما توفي والده كان عمره الشريف خمس سنين ولما دخل السرداب في دار أبيه وأمه تنظر إليه سنة 268
ص: 184
وقيل 265 ه- وعمره يومئذ تسع سنين وقيل: سبع عشرة سنة واللّه أعلم).
ومن الكتب: (روضة الألباب لمعرفة الأنساب) ص105 -- للنسابة الزيدي السيد أبو الحسن محمد الحسيني اليماني الصنعاني -- من أعيان القرن الحادي عشر. ذكر في المشجرة التي رسمها لبيان نسب أولاد أبي جعفر محمد بن علي الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) تحت اسم الإمام علي النقي المعروف بالهادي (عليه السلام) خمسة من البنين وهم: الإمام العسكري، الحسين، موسى، محمد، علي. وتحت اسم الإمام العسكري (عليه السلام) مباشرة كتب: (محمد بن الحسن) وبإزائه: (منتظر الإمامية).
ص: 185
ومن المؤرخين: خير الدين الزركلي في (الأعلام) ج6 ص80، طبعة: دار العلم للملايين، قال:
(المهدي المنتظر (256 - 275 ه، 870 - 888 م): محمد بن الحسن العسكري (الخالص) بن علي الهادي، أبو القاسم: آخر الأئمة الاثني عشر عند الإمامية.
وهو المعروف عندهم بالمهدي، وصاحب الزمان، والمنتظر، والحجة، وصاحب السرداب. ولد في سامراء. ومات أبوه وله من العمر نحو خمس سنين).
ومن المؤرخين: ابن الوردي في تاريخه، حوادث سنة 254.
ومنهم: العصامي في (سمط النجوم العوالي) ج2 ص352، وهو يتحدث عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قال:
(مات في أوائل خلافة المعتمد مسموماً في يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين ب- (سر من رأى) ودفن عند قبر أبيه الهادي، خلَّف ولده محمداً أوحده. وهو الإمام محمد المهدي بن الحسن العسكري بن علي التقي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنهم أجمعين. ولد يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وقيل: سنة ست وهو الصحيح.
وأمه أم ولد: اسمها صقيل، وقيل سوسن، وقيل نرجس. كنيته: أبو القاسم.
ألقابه: الحجة، والخلف الصالح، والقائم، والمنتظر، وصاحب الزمان، المهدي وهو أشهرها).
ص: 186
ومن المؤرخين: المسعودي في (مروج الذهب) ج4 ص227، حوادث سنة 260 ه، ط: دار الكتب العلمية. قال:
(وفي سنة ستين ومائتين قبض أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بنعلي بن أبي طالب (عليهم السلام) في خلافة المعتمد، وهو ابن تسع وعشرين سنة، وهو أبو المهدي المنتظر، والإمام الثاني عشر عند القطعيَّة من الإمامية، وهم جمهور الشيعة).
ومن المؤرخين: بن طولون في (الائمة الاثني عشر) ص115 وما بعد، منشورات الشريف الرضي. قال:
(الحجة المهدي 265ه- - 878م وثاني عشرهم ابنه محمد بن الحسن، وهو أبو القاسم محمد بن الحسن ابن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا... ولما توفي أبوه المتقدم ذكره رضي اللّه عنهما، كان عمره خمس سنين. واسم أمه: خمط، وقيل نرجس...).
ومن المؤرخين: العارف شرف الدين الموصلي الشافعي في (مناقب آل محمد) ص157 وما بعد. قال:
(الفصل الثاني عشر: في الإمام محمد المنتظر ابن الإمام الحسن العسكري، ابن الإمام علي الهادي... وهو الإمام الثاني عشر، لقبه: الحجة والمنتظر والقائم، وهو الخلف الصالح، الأمين المكين، من سلالة الأنبياء، وحجة الأولياء، إمام المؤمنين، وبقية الطاهرين، لم يُرَ أوقر، ولا أطهر، ولا أظهر، ولا أعطر، ولا أفخر، ولا أزهد، ولا أعبد ولا أتم، ولا أعلم، ولا أكمل، ولا أجمل، ولا أشجع، ولا أورع منه).
ومن المؤرخين: سبط بن الجوزي في (تذكرة الخواص) ص325، منشورات الشريف الرضي. قال:
ص: 187
(فصل في ذكر الحجة المهدي: هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكنيته أبو عبد اللّه وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة صاحب الزمان، القائم والمنتظر والتالي، وهو آخر الأئمة).
ومن المؤرخين: ابن صباغ المالكي في (الفصول المهمة) ص281 وما بعد، دار الأضواء. قال:
(الفصل الثاني عشر: في ذكر أبي القاسم محمد الحجة الخلف الصالح بن أبي محمد الحسن الخالص).ومن المؤرخين: محمد بن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول) ص311 وما بعد، مؤسسة البلاغ. قال:
(الباب الثاني عشر: في أبي القاسم محمد بن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق...).
ومن المؤرخين: الشيخ مؤمن الشبلنجي في (نور الأبصار) ص185 - 186-187، دار الفكر. قال:
في آخر ترجمة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (وخلف من الولد ابنه محمد..
فصل: في ذكر مناقب محمد بن الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم.
أمه: أم ولد يقال لها نرجس وقيل: صقيل وقيل: سوسن(1). وكنيته: أبو القاسم، ولقَّبه الإمامية بالحجة والمهدي والخلف الصالح والقائم والمنتظر
ص: 188
وصاحب الزمان وأشهرها المهدي).
ومن المؤرخين: القندوزي الحنفي في ينابيع المودة.
ومنهم: الشيخ محمد بن يوسف الكنجي في (البيان في أخبار صاحب الزمان).
ومنهم: الديار بكري في (تاريخ الخميس).
ومنهم: الشبراوي في (الاتحاف بحب الاشراف).
ومنهم: الشعراني في (اليواقيت والجواهر) وغيرهم كثير كثير.
ص: 189
الملحق رقم 3 (مجموعة روايات معتبرة)(1)
(الكليني):مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ(2) عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): «لِلْقَائِمِ غَيْبَتَانِ إِحْدَاهُمَا قَصِيرَةٌ وَالْأُخْرَى طَوِيلَةٌ الْغَيْبَةُ الْأُولَى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِهِ فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ شِيعَتِهِ وَالْأُخْرَى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِهِ فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ مَوَالِيهِ»(3).
* الحديث معتبر.
(الصدوق): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْجَمَّالِ قَالَ: قَال الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «أَمَا وَاللَّهِ لَيَغِيبَنَّ عَنْكُمْ مَهْدِيُّكُمْ حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ مِنْكُمْ مَا لِلَّهِ فِي آلِ مُحَمَّدٍ حَاجَةٌ ثُمَّ يُقْبِلُ كَالشِّهَابِ الثَّاقِبِ فَيَمْلَؤُهَا عَدْلًا وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»(4).
* الحديث صحيح.
(الصدوق): حَدَّثَنَا أَبِي وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ سَدِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ فِي الْقَائِمِ سُنَّةً مِنْ يُوسُفَ» قُلْتُ: كَأَنَّكَ تَذْكُرُ خَبَرَهُ أَوْ غَيْبَتَهُ فَقَالَ (عليه السلام) لِي: «وَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ
ص: 190
أَشْبَاهُ الْخَنَازِيرِ أَنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ كَانُوا أَسْبَاطاً أَوْلَادَ أَنْبِيَاءَ تَاجَرُوا يُوسُفَ وَبَايَعُوهُ وَهُمْ إِخْوَتُهُ وَهُوَ أَخُوهُمْ فَلَمْ يَعْرِفُوهُ حَتَّى قَالَ لَهُمْ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ يُرِيدُ أَنْ يَسْتُرَحُجَّتَهُ عَنْهُمْ لَقَدْ كَانَ يُوسُفُ يَوْماً مَلِكَ مِصْرَ وَكَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ وَالِدِهِ مَسِيرَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُعَرِّفَهُ مَكَانَهُ لَقَدَرَ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّهِ لَقَدْ سَارَ يَعْقُوبُ وَوُلْدُهُ عِنْدَ الْبِشَارَةِ فِي تِسْعَةِ أَيَّامٍ إِلَى مِصْرَ فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَفْعَلُ بِحُجَّتِهِ مَا فَعَلَ بِيُوسُفَ أَنْ يَكُونَ يَسِيرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَمْشِي فِي أَسْوَاقِهِمْ وَيَطَأُ بُسُطَهُمْ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ نَفْسَهُ كَمَا أَذِنَ لِيُوسُفَ (عليه السلام) حِينَ قَالَ لَهُمْ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ قالُوا أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي»(1).
* الحديث معتبر.
(الصدوق): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى الْكِلَابِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ نَجِيحٍ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْقَائِمِ غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ» قُلْتُ لَهُ: وَلِمَ؟ قَالَ (عليه السلام): «يَخَافُ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى بَطْنِهِ ثُمَّ قَالَ يَا زُرَارَةُ وَهُوَ الْمُنْتَظَرُ وَهُوَ الَّذِي يَشُكُّ النَّاسُ فِي وِلَادَتِهِ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ حَمْلٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ غَائِبٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا وُلِدَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ وُلِدَ قَبْلَ وَفَاةِ أَبِيهِ بِسَنَتَيْنِ غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يَمْتَحِنَ الشِّيعَةَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَابُ الْمُبْطِلُونَ» قَالَ زُرَارَةُ فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَإِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَأَيَّ شَيْ ءٍ أَعْمَلُ؟ قَالَ (عليه السلام): «يَا زُرَارَةُ إِنْ أَدْرَكْتَ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَأَدِمْ هَذَا الدُّعَاءَ: اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ
ص: 191
اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي» ثُمَّ قَالَ: «يَا زُرَارَةُ لَا بُدَّ مِنْ قَتْلِ غُلَامٍ بِالْمَدِينَةِ» قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَلَيْسَ يَقْتُلُهُ جَيْشُ السُّفْيَانِيِّ؟ قَالَ (عليه السلام): «لَا وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ جَيْشُ بَنِي فُلَانٍ يَخْرُجُ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ فَلَا يَدْرِي النَّاسُ فِي أَيِّ شَيْ ءٍ دَخَلَ فَيَأْخُذُ الْغُلَامَ فَيَقْتُلُهُ فَإِذَا قَتَلَهُ بَغْياً وَعُدْوَاناً وَظُلْماً لَمْ يُمْهِلْهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَعِنْدَ ذَلِكَ فَتَوَقَّعُوا الْفَرَجَ»(1).
* والسند معتبر.(الصدوق):حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ النَّيْسَابُورِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ [بْنِ] قُتَيْبَةَ النَّيْسَابُورِيُّ عَنْ حَمْدَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ حَيَّانَ السَّرَّاجِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّيِّدَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْحِمْيَرِيَّ يَقُولُ: كُنْتُ أَقُولُ بِالْغُلُوِّ وَأَعْتَقِدُ غَيْبَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَدْ ضَلَلْتُ فِي ذَلِكَ زَمَاناً فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيَّ بِالصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَأَنْقَذَنِي بِهِ مِنَ النَّارِ وَهَدَانِي إِلى سَواءِ الصِّراطِ فَسَأَلْتُهُ بَعْدَ مَا صَحَّ عِنْدِي بِالدَّلَائِلِ الَّتِي شَاهَدْتُهَا مِنْهُ أَنَّهُ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَيَّ وَعَلَى جَمِيعِ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَنَّهُ الْإِمَامُ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ وَأَوْجَبَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فَقُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ رُوِيَ لَنَا أَخْبَارٌ عَنْ آبَائِكَ (عليهم السلام) فِي الْغَيْبَةِ وَصِحَّةِ كَوْنِهَا فَأَخْبِرْنِي بِمَنْ تَقَعُ فَقَالَ (عليه السلام): «إِنَّ الْغَيْبَةَ سَتَقَعُ بِالسَّادِسِ مِنْ وُلْدِي وَهُوَ الثَّانِي عَشَرَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْهُدَاةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أَوَّلُهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَآخِرُهُمُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ بَقِيَّةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَصَاحِبُ الزَّمَانِ وَاللَّهِ لَوْ بَقِيَ فِي غَيْبَتِهِ مَا بَقِيَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَظْهَرَ فَيَمْلَأَ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً»، قَالَ السَّيِّدُ فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ مَوْلَايَ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) تُبْتُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ
ص: 192
عَلَى يَدَيْهِ وَ قُلْتُ قَصِيدَتِيَ الَّتِي أَوَّلُهَا:
فَلَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ فِي الدِّينِ قَدْ غَوَوْا *** تَجَعْفَرْتُ بِاسْمِ اللَّهِ فِيمَنْ تَجَعْفَرُوا
وقال في آخر قصيدة أخرى:
بِذَاكَ أَدِينُ اللَّهَ سِرّاً وَ جَهْرَةً *** وَلَسْتُ وَ إِنْ عُوتِبْتُ فِيهِ بِمُعْتِبٍ(1)
قال الصدوق: وكان حيان السراج الراوي لهذا الحديث من الكيسانية.
* والسند معتبر ويؤكده كون الراوي واقفياً مخالفاً.
(الصدوق): قَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ الْقُمِّيُّ الْفَقِيهُ مُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابِ (رحمه اللّه) حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِمِهْرَانَ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ الْأَئِمَّةِ وَ جَحَدَ الْمَهْدِيَّ كَانَ كَمَنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَ جَحَدَ مُحَمَّداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نُبُوَّتَهُ» فَقِيلَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَمَنِ الْمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِكَ؟ قَالَ (عليه السلام): « الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ يَغِيبُ عَنْكُمْ شَخْصُهُ وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ تَسْمِيَتُهُ»(2).
* والسند حسن معتبر.
(الصدوق): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْهَمَدَانِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ(3) عَنْ يُونُسَ
ص: 193
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَنْتَ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ فَقَالَ(عليه السلام): «أَنَا الْقَائِمُ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ الْقَائِمَ الَّذِي يُطَهِّرُ الْأَرْضَ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً هُوَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِي لَهُ غَيْبَةٌ يَطُولُ أَمَدُهَا خَوْفاً عَلَى نَفْسِهِ يَرْتَدُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَيَثْبُتُ فِيهَا آخَرُونَ» ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «طُوبَى لِشِيعَتِنَا الْمُتَمَسِّكِينَ بِحَبْلِنَا فِي غَيْبَةِ قَائِمِنَا الثَّابِتِينَ عَلَى مُوَالاتِنَا وَالْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِنَا أُولَئِكَ مِنَّا وَنَحْنُ مِنْهُمْ قَدْ رَضُوا بِنَا أَئِمَّةً وَرَضِينَا بِهِمْ شِيعَةً فَطُوبَى لَهُمْ ثُمَّ طُوبَى لَهُمْ وَهُمْ وَاللَّهِ مَعَنَا فِي دَرَجَاتِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(1).
* والسند صحيح على المنصور ومعتبر على القاعدة.
(الصدوق): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْهَمَدَانِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا (عليه السلام) أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ فَقَالَ (عليه السلام): «أَنَا صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ وَ لَكِنِّي لَسْتُ بِالَّذِي أَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ كَيْفَ أَكُونُ ذَلِكَ عَلَى مَا تَرَى مِنْ ضَعْفِ بَدَنِي وَإِنَّ الْقَائِمَ هُوَ الَّذِي إِذَا خَرَجَ كَانَ فِي سِنِّ الشُّيُوخِ وَ مَنْظَرِ الشُّبَّانِ قَوِيّاً فِي بَدَنِهِ حَتَّى لَوْ مَدَّ يَدَهُ إِلَى أَعْظَمِ شَجَرَةٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَقَلَعَهَا وَ لَوْ صَاحَ بَيْنَ الْجِبَالِلَتَدَكْدَكَتْ صُخُورُهَا، يَكُونُ مَعَهُ عَصَا مُوسَى وَ خَاتَمُ سُلَيْمَانَ 3 ذَاكَ الرَّابِعُ مِنْ وُلْدِي يُغَيِّبُهُ اللَّهُ فِي سِتْرِهِ مَا شَاءَ ثُمَّ يُظْهِرُهُ فَيَمْلَأُ بِهِ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً»(2).
* الحديث صحيح على المنصور ومعتبر على القاعدة.
(الصدوق):حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي اللّه عنه قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني عن عليّ بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه عن
ص: 194
أبي الحسن علي بن موسى الرضا 3 قال: «كأني بالشيعة عند فقدانهم الثالث من ولدي، يطلبون المرعى فلا يجدونه» قلت: و لم ذاك يا ابن رسول اللّه؟ قال (عليه السلام): «لأن إمامهم يغيب عنهم»، قلت: ولم؟ قال (عليه السلام): «لئلا يكون في عنقه بيعة إذا قام بالسيف»(1).
* والسند معتبر.
(الصدوق): حَدَّثَنَا أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ الْعَبَرْتَائِيِّ(2) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا (عليه السلام) قَالَ: «قَالَ لِي لَا بُدَّ مِنْ فِتْنَةٍ صَمَّاءَ صَيْلَمٍ يَسْقُطُ فِيهَا كُلُّ بِطَانَةٍ وَ وَلِيجَةٍ وَذَلِكَ عِنْدَ فِقْدَانِ الشِّيعَةِ الثَّالِثَ مِنْ وُلْدِي يَبْكِي عَلَيْهِ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ وَكُلُّ حَرَّى وَحَرَّانَ وَكُلُّ حَزِينٍ وَلَهْفَانَ ثُمَّ»، قَالَ (عليه السلام): «بِأَبِي وَأُمِّي سَمِيُّ جَدِّي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وَشَبِيهِي وَشَبِيهُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ (عليه السلام) عَلَيْهِ جُيُوبُ النُّورِ يَتَوَقَّدُ مِنْ شُعَاعِ ضِيَاءِ الْقُدْسِ يَحْزَنُ لِمَوْتِهِ أَهْلُ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ كَمْ مِنْ حَرَّى مُؤْمِنَةٍ وَكَمْ مِنْ مُؤْمِنٍ مُتَأَسِّفٍ حَرَّانَ حَزِينٍ عِنْدَ فِقْدَانِ الْمَاءِ الْمَعِين »(3).
* والسند معتبر.
(الفضل بن شاذان):حدثنا محمّد بن عبد الجبار قال: قلت لسيدي الحسن بن علي (عليه السلام): يا ابن رسول اللّه جعلني اللّه فداك أحب أن أعلم من الإمام
ص: 195
وحجة اللّه على عباده من بعدك؟ فقال (عليه السلام): «إن الإمام وحجة اللّه من بعدي ابني سميّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكنيّه الذي هو خاتم حجج اللّه وآخر خلفائه»، قال: ممن هو يا ابن رسول اللّه؟ قال (عليه السلام): «من ابنة ابن قيصر ملك الروم ألا إنه سيولد و يغيب عن الناس غيبة طويلة ثم يظهر»(1).
* والسند معتبر.
(كمال الدين): (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ حُكَيْمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَمْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالُوا: عَرَضَ عَلَيْنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) وَنَحْنُ فِي مَنْزِلِهِ وَكُنَّا أَرْبَعِينَ رَجُلًا فَقَالَ (عليه السلام): «هَذَا إِمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ أَطِيعُوهُ وَلَا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِي فِي أَدْيَانِكُمْ فَتَهْلِكُوا أَمَا إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا» قَالُوا: فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَمَا مَضَتْ إِلَّا أَيَّامٌ قَلَائِلُ حَتَّى مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) )(2).
* والسند معتبر.
(كمال الدين): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ وَهْبٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليه السلام) يَقُولُ: «كَأَنِّي بِكُمْ وَقَدِ اخْتَلَفْتُمْ بَعْدِي فِي الْخَلَفِ مِنِّي أَمَا إِنَّ الْمُقِرَّ بِالْأَئِمَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الْمُنْكِرَ لِوَلَدِي كَمَنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ نُبُوَّةَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وَالْمُنْكِرُ لِرَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم)
ص: 196
كَمَنْ أَنْكَرَ جَمِيعَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ لِأَنَّ طَاعَةَ آخِرِنَا كَطَاعَةِ أَوَّلِنَا وَالْمُنْكِرَ لِآخِرِنَا كَالْمُنْكِرِ لِأَوَّلِنَا أَمَا إِنَّلِوَلَدِي غَيْبَةً يَرْتَابُ فِيهَا النَّاسُ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»(1).
* والسند معتبر.
(الفضل بن شاذان): حدثنا محمّد بن علي بن حمزة العلوي(2) قال: سمعت أبا محمّد (عليه السلام) يقول: «قد ولد وليّ اللّه وحجته على عباده وخليفتي من بعدي مختونا، ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين عند طلوع الفجر»(3).
* الحديث صحيح.
(المسعودي): (الحميري عن أحمد بن اسحاق قال: دخلت على أبي محمّد (عليه السلام) فقال لي: «يا أحمد ما كان حالكم فيما كان الناس فيه من الشكّ والارتياب؟» قلت: يا سيدي لما ورد الكتاب بخبر سيّدنا ومولده لم يبق منّا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلّا قال بالحقّ. فقال (عليه السلام): «أما علمتم أن الأرض لا تخلو من حجّة اللّه».
ثم أمر أبو محمّد (عليه السلام) والدته بالحجّ في سنة تسع وخمسين ومائتين وعرّفها ما يناله في سنة الستين وأحضر الصاحب (عليه السلام) فأوصى إليه وسلّم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إليه. وخرجت أم أبي محمد مع الصاحب (عليهم السلام) جميعاً إلى مكّة، وكان أحمد بن محمد ابن مطهر أبو علي المتولي لما يحتاج إليه الوكيل)(4).
ورواه في كمال الدين بسند آخر.
* الحديث صحيح.
ص: 197
(الطوسي):
(سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ: كُنْتُ مَحْبُوساً مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) فِي حَبْسِ الْمُهْتَدِي بْنِ الْوَاثِقِ فَقَالَ (عليه السلام) لِي: «يَا أَبَا هَاشِمٍ إِنَّ هَذَا الطَّاغِيَ أَرَادَ أَنْ يَعْبَثَ بِاللَّهِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَقَدْ بَتَرَ اللَّهُ تَعَالَى عُمُرَهُ وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْقَائِمِ مِنْ بَعْدِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِي وَلَدٌ وَسَأُرْزَقُ وَلَداً».قَالَ أَبُو هَاشِمٍ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ شَغَبَ الْأَتْرَاكُ عَلَى الْمُهْتَدِي فَقَتَلُوهُ وَ وُلِّيَ الْمُعْتَمِدُ مَكَانَهُ وَسَلَّمَنَا اللَّه)(1).
* الحديث صحيح.
(الكليني):
الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَرَجَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) حِينَ قُتِلَ الزُّبَيْرِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ «هَذَا جَزَاءُ مَنِ اجْتَرَأَ عَلَى اللَّهِ فِي أَوْلِيَائِهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَقْتُلُنِي وَلَيْسَ لِي عَقِبٌ فَكَيْفَ رَأَى قُدْرَةَ اللَّهِ فِيهِ وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ سَمَّاهُ (م ح م د) فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن »(2).
* الحديث حسن.
(المفيد):
أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَكْفُوفِ عَنْ عَمْرٍو الْأَهْوَازِيِّ قَالَ (أَرَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنَهُ (عليه السلام) وَقَالَ هَذَا صَاحِبُكُمْ بَعْدِي)(3).
* الحديث معتبر.
ص: 198
(الصدوق): (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ وَاللَّهِ إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ لَيَحْضُرُ الْمَوْسِمَ كُلَّ سَنَةٍ فَيَرَى النَّاسَ وَيَعْرِفُهُمْ وَيَرَوْنَهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ)(1).
* الحديث صحيح.
(المفيد): (أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ: أَنَّهُ رَآهُ بِحِذَاءِ الْحَجَر وَالنَّاسُ يَتَجَاذَبُونَ عَلَيْهِ وَ هُوَ يَقُولُ مَا بِهَذَا أُمِرُوا)(2).
* والحديث صحيح.
(الصدوق): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ(3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ لَهُ: أَرَأَيْتَ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْر؟ِ فَقَالَ: نَعَمْ وَآخِرُ عَهْدِي بِهِ عِنْدَ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَهُوَ يَقُولُ «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي»، ورَأَيْتُهُ (عليه السلام) مُتَعَلِّقاً بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فِي الْمُسْتَجَارِ وَهُوَ يَقُولُ «اللَّهُمَّ انْتَقِمْ لِي مِنْ أَعْدَائِي»(4).
* الحديث صحيح.
ص: 199
(الطوسي): (جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَجَجْنَا فِي بَعْضِ السِّنِينَ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) فَدَخَلْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ فَرَأَيْتُ أَبَا عَمْرٍو عِنْدَهُ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا الشَّيْخَ وَأَشَرْتُ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ وَهُوَ عِنْدَنَا الثِّقَةُ الْمَرْضِيُّ حَدَّثَنَا فِيكَ بِكَيْتَ وَكَيْتَ وَأقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ يَعْنِي مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ فَضْلِ أَبِي عَمْرٍو وَمَحَلِّهِ وَقُلْتُ أَنْتَ الْآنَمِمَّنْ لَا يُشَكُّ فِي قَوْلِهِ وَصِدْقِهِ فَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ اللَّهِ وَبِحَقِّ الْإِمَامَيْنِ اللَّذَيْنِ وَثَّقَاكَ هَلْ رَأَيْتَ ابْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الزَّمَانِ (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)؟ فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: عَلَى أَنْ لَا تُخْبِرَ بِذَلِكَ أَحَداً وَأَنَا حَيٌّ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: قَدْ رَأَيْتُهُ (عليه السلام) وَعُنُقُهُ هَكَذَا يُرِيدُ أَنَّهَا أَغْلَظُ الرِّقَابِ حُسْناً وَتَمَاماً)(1).
* السند صحيح جداً.
(الصدوق): (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنِّي أَسْأَلُكَ سُؤَالَ إِبْرَاهِيمَ رَبَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ حِينَ قَالَ لَهُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، فَأَخْبِرْنِي عَنْ صَاحِبِ هَذَا الْأَمْر،ِ هَلْ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَهُ رَقَبَةٌ مِثْلُ ذِي وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عُنُقِهِ) (2).
* الحديث صحيح جداً.
(الصدوق): (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِصَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ(3) قَالَ: وُلِدَ الصَّاحِبُ (عليه السلام)
ص: 200
لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن)(1).
* الحديث صحيح.
من الضروري للباحث أن يراجع الكتب التالية:
-- عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال، للشيخ عبد اللّه البحراني مع مستدركاتها للسيد محمد باقر الابطحي الاصفهاني.
-- منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)، للشيخ لطف اللّهالصافي الكلبايكاني.
-- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، للحر العاملي.
-- أربعون حديثاً معتبراً في النص على الأئمة الاثني عشر بأسمائهم، للشيخ الماحوزي.
فقد وفرت هذه الكتب الأربعة جهداً كبيراً على الباحثين.
إضافة للكتب المصدرية الأولى مثل:
-- الغيبة، للشيخ الطوسي.
-- كمال الدين، للشيخ الصدوق.
-- كفاية الأثر، للشيخ علي بن محمد بن علي الخزاز القمي.
-- الرجعة، للفضل بن شاذان.
-- بصائر الدرجات، لمحمد بن الحسن الصفار.
-- إثبات الوصية، لعلي بن الحسين بن علي المسعودي وغيرها.
ص: 201
بسم اللّه الرحمن الرحيم
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى حُجَّتِكَ وَوَلِيِّ أَمْرِكَ وَصَلِّ عَلَى جَدِّهِ مُحَمَّدٍ رَسُولِكَ السَّيِّدِ الْأَكْبَرِ وَصَلِّ عَلَى عَلِيٍّ أَبِيهِ السَّيِّدِ الْقَسْوَرِ وَحَامِلِ اللِّوَاءِ فِي الْمَحْشَر وَسَاقِي أَوْلِيَائِهِ مِنْ نَهَرِ الْكَوْثَرِ وَالْأَمِيرِ عَلَى سَائِرِ الْبَشَرِ الَّذِي مَنْ آمَنَ بِهِ فَقَدْ ظَفَرَ(1) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَقَدْ(2) خَطَرَ وَكَفَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَخِيهِ وَعَلَى نَجْلِهِمَا الْمَيَامِينِ الْغُرَرِ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَمَا أَضَاءَ قَمَرٌ وَعَلَى جَدَّتِهِ الصِّدِّيقَةِ الْكُبْرَى فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ بِنْتِ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى وَعَلَى مَنِ اصْطَفَيْتَ مِنْ آبَائِهِ الْبَرَرَةِ وَعَلَيْهِ أَفْضَلَ وَأَكْمَلَ وَأَتَمَّ وَأَدْوَمَ وَأَكْبَرَ وَأَوْفَرَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْفِيَائِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ.
وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلَاةً لَا غَايَةَ لِعَدَدِهَا وَلَا نِهَايَةَ لِمَدَدِهَا وَلَا نَفَادَ لِأَمَدِهَا اللَّهُمَّ وَأَقِمْ(3) بِهِ الْحَقَّ وَأَدْحِضْ بِهِ الْبَاطِلَ وَأَدِلْ بِهِ أَوْلِيَاءَكَ وَأَذْلِلْ بِهِ أَعْدَاءَكَ.
ص: 202
وَصِلِ اللَّهُمَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وُصْلَةً تُؤَدِّيَ إِلَى مُرَافَقَةِ سَلَفِهِ وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَأْخُذُ بِحُجْزَتِهِمْ وَيُمَكَّنُ(1) فِي ظِلِّهِمْ وَ أَعِنَّا عَلَى تَأْدِيَةِ حُقُوقِهِ إِلَيْهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي طَاعَتِهِ وَالِاجْتِنَابِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ.
وَامْنُنْ عَلَيْنَا بِرِضَاهُ وَ هَبْ لَنَا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَدُعَاءَهُ وَخَيْرَهُ مَا نَنَالُ بِهِ سَعَةً مِنْ رَحْمَتِكَ وَ فَوْزاً عِنْدَكَ وَ اجْعَلْ صَلَاتَنَا بِهِ مَقْبُولَةً وَ ذُنُوبَنَا بِهِ مَغْفُورَةً وَ دُعَائَنَا بِهِ مُسْتَجَاباً وَاجْعَلْ أَرْزَاقَنَا بِهِ مَبْسُوطَةً وَهُمُومَنَا بِهِ مَكْفِيَّةً وَحَوَائِجَنَا بِهِ مَقْضِيَّةً وَأَقْبِلْ إِلَيْنَا بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِوَاقْبَلْ تَقَرُّبَنَا إِلَيْكَ وَانْظُرْ إِلَيْنَا نَظِرَةً رَحِيمَةً نَسْتَكْمِلُ بِهَا الْكَرَامَةَ عِنْدَكَ ثُمَّ لَا تَصْرِفْهَا عَنَّا بِجُودِكَ وَاسْقِنَا مِنْ حَوْضِ جَدِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِكَأْسِهِ وَبِيَدِهِ رَيّاً رَوِيّاً هَنِيئاً سَائِغاً لَا ظَمَأَ بَعْدَهُ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين.
ص: 203
ص: 204
المقدمة...7
الفصل الأول
الإعجاز في عصر الظهور المقدس
الإعجاز في عصر الظهور المقدس...13
لماذا وردت (أشرقت) بصيغة الماضي؟...13
أولاً: لأن المجرد من الزمان محيط بالأزمنة الثلاثة...14
مناقشات للوجه الأول...15
ثانياً: لأنه مستقبل محقق الوقوع...16
نظريتان حول عصر الظهور المبارك...16
النظرية الأولى: عصر الظهور هو عصر الأسباب والمسببات، كأصل عام...17
النظرية الثانية: عصر الظهور هو عصر الإعجاز، كأصل عام...19
شواهد على نظرية الإعجاز المطلق...19
الأثر التربوي لنظرية الأسباب والمسببات...22
النظرية الثالثة: كلاهما الأصل: 1- الأسباب والمسببات 2- وأنواع الإعجاز...24
كل تطور علمي وإنجاز وعمل صالح هو مقدمة...25
ص: 205
الفصل الثاني
مسؤولية (المرابطة في الثغور) في زمن الغيبة الكبرى
المسؤولية الكبرى في زمن الغيبة هي (المرابطة)...31
تفسيران لاستخدام فعل الماضي عند الحديث عن المستقبل/ المبحث الأول...32
التفسير الثالث: فرضية: المتفرقات في وعاء الزمن مجتمعات في وعاء الدهر...32
من وجوه مناقشة هذه الفرضية...33
المرابطة في الثغر الديني والعلمي والاقتصادي و.../ المبحث الثاني...35
ماذا تعني المرابطة؟...35
معاني المرابطة على ضوء الروايات الشريفة...37
1) المرابطة على الأئمة (عليهم السلام)...37
2) المرابطة على أوامرهم (عليهم السلام)...37
3) المرابطة على الاقتداء بهم...38
4) المرابطة في سبيل اللّه...40
5) المرابطة أبد الدهر...41
6) الرباط ولو بجوادٍ: واقعي ورمزي...41
من أهداف المرابطة وفوائدها...42
من فوائد المرابطة...44
الأعداء الأربعة لكل بشريّ...45
إعلان الحرب على أربع قوى كبرى...45
السقوط الخفي والسقوط المدوّي...46
شاه إيران والسقوط المدوي...46
السقوط في امتحان الرياسة أو المال والشهرة أو...47
ص: 206
انتصار الشيخ الانصاري (رحمه اللّه) على أقوى أسلحة إبليس 49
الفصل الثالث
المرابطة في ثغري التصور والتصديق في زمن الغيبة
المرابطة في ثغر (التصور والتصديق) في زمن الغيبة...53
العنوان الأول: التصور والتصديق ودورهما في بناء شخصية الإنسان...54
أنواع التصور الأربعة...54
التصور قد يصنع التصديق وقد ينتج العمل...55
نماذج من شياطين التصور...56
التصورات الرحمانية...58
من خطط الغرب لصناعة التصورات الآثمة...59
«رابطوا على من تقتدون به» حتى في خطرات القلوب...60
التصور كثيراً ما يستلزم التصديق...61
التصور المجسّم لفداحة المعاصي من أفضل طرق الردع عنها...62
من أروع قصص المرابطة في ثغر الفضائل...64
في ثانية واحدة ضاعت جهود سنوات طويلة!...65
«وَاللَّهِ لَتُكْسَرُنَّ كَسْرَ الزُّجَاجِ »...67
الفصل الرابع
من هو رب الأرض؟/ من وظائفنا في عصر الغيبة
من هو رب الأرض؟...71
التأويل مكمّل للتفسير ولا تضاد بينهما...73
من وظائفنا في عصر الغيبة...74
أولاً: التمسك بالأمر الأول...75
ص: 207
فماذا يعني الأمر الأول؟...75
التجديد في الآليات...78
ثانياً: الدعوة والدلالة والذبّ عنه عجل اللّه تعالی فرجه الشريف...78
ثالثاً: أن نبقى سبّاقين...80
الفصل الخامس
(المتقدِّمات) على الظهور المبارك للإمام القائم المنتظر(عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) محذرات ومنبهات
(المتقدمات) على الظهور المبارك محذِّرات ومنبِّهات...85
المتقدِّمات والمقدِّمات والممهِّدات...86
الفرق بين (المتقدمة) و(المقدمة) و(الممهدة)...86
من (المتقدمات) على الظهور المبارك...88
يبخل بألفين فيخسر الملايين...93
حاكم إسلامي معاصر يستنسخ تجربة معاوية!...98
الثمرة في المتقدمات: أنها محذِّرات...98
اتهام أحد العلماء العاملين بأنه يرى الإفساد مقدمة لتعجيل الظهور!...99
مسؤولية (المرابطة) في زمن الغيبة...100
وضوح الرؤية يضاعف الحافز...101
الفصل السادس
المقدِّمات والمتقدِّمات والممهِّدات والمسؤوليات في زمن الغيبة الكبرى
المقدِّمات والمتقدِّمات والممهِّدات والمسؤوليات في زمن الغيبة الكبرى...105
أولاً: المقدِّمات...105
والمستفاد من الروايات...106
من المقدمات: قراءة المسبِّحات...106
ص: 208
تأثير الالتزام بالمسبحات ونظائرها في البركة والتسديد...107
ثانياً: المتقدِّمات...108
(اختلاف الشيعة) من المتقدمات على الظهور المبارك...108
مناشئ الاختلاف والنزاع الأربعة...109
لا تزعزعنّ الاختلافاتُ إيمانكم مهما اشتدت!...110
قلق (الحارث) من اختلاف الشيعة وجواب امير المؤمنين عليه السلام...111
الاختلاف هو سنة اللّه في الحياة...113
ثالثاً: الممهِّدات...114
1) التضرع والدعاء والبكاء والالتجاء إلى اللّه...114
من نتائج الرد على اللّه تعالى...115
2) الوفاء بالعهد الإلهي...117
الفصل السابع
أعلى درجات التواتر لأخبار مولد الإمام القائم (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف)
أعلى درجات التواتر لإخبار مولد الامام القائم المنتظر عجل اللّه تعالی فرجه الشريف...123
عدم حجية الاستقراء الناقص...124
لم يكن الكليني ولا المجلسي (رحمهما اللّه) في مقام الحصر ولا...125
أعلى درجات التواتر عبر المئات من الروايات...126
أقسام التواتر...126
تواتر روايات «مهدينا التاسع من صلب الحسين» ونظائرها...127
من طوائف الروايات المتواترة...139
حديث الثقلين...140
اعتراف ابن حجر في الصواعق بعدم انقطاع الثقلين إلى القيامة...142
ص: 209
حديث اللوح...142
حديث الأنوار...143
من الروايات المعتبرة الواردة عن جميع المعصومين (عليهم السلام)...145
من أحاديث رسول اللّه صلی اللّه عليه وآله وسلم...146
من أحاديث أمير المؤمنين علي عليه السلام...149
من أحاديث الإمام الحسن عليه السلام...150
من أحاديث الإمام الحسين عليه السلام...151
من أحاديث الإمام السجاد عليه السلام...152
من أحاديث الإمام الباقر عليه السلام...154
من أحاديث الإمام الصادق عليه السلام...155
من أحاديث الإمام الكاظم عليه السلام...159
من أحاديث الإمام الرضا عليه السلام...160
من أحاديث الإمام الجواد عليه السلام...162
من أحاديث الإمام الهادي عليه السلام...164
من أحاديث الإمام العسكري عليه السلام...166
5) المتظافِر والمتسامَع...168
6) الأخبار محفوفة بالقرائن القطعية...169
من كلمات النسابة في ولادة الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) من الإمام العسكري عليه السلام...170
من كلمات المؤرخين...172
من كلمات بعض العرفاء المخالفين...174
من كلمات بعض المتعصبين...175
خلاصة البحث...176
ص: 210
إشارة إلى الآيات القرآنية...177
الملحق رقم 1 (تصريحات علماء النسب)...181
الملحق رقم 2 (بعض كلمات المؤرخين)...186
الملحق رقم 3 (مجموعة روايات معتبرة)...190
من روايات الإمام الصادق عليه السلام...190
من روايات الإمامين الكاظم والرضا 3...193
من روايات الإمام العسكري عليه السلام...195
من روايات الثقات...199
إلفات...201
الفهرس...205
كتب أخرى للمؤلف...213
ص: 211
ص: 212
1. أضواء على حياة الإمام علي (عليه السلام)، مطبوع.
2. التصريح باسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم، مطبوع.
3. لماذا لم يصرح باسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم؟، مطبوع.
4. استراتيجيات إنتاج الثروة ومكافحة الفقر في منهج الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، مطبوع.
5. شعاع من نور فاطمة الزهراء (عليها السلام)، دراسة عن القيمة الذاتية لمحبة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، مطبوع.
6. تجليات النصرة الإلهية للزهراء المرضية عليها السلام، مطبوع.
7. لمحات من حياة الإمام الحسن (عليه السلام)، مطبوع.
8. الإمام الحسين (عليه السلام) وفروع الدين، دراسة عن العلاقة الوثيقة بين سيد الشهداء(عليه السلام) وبين كل فرع فرع من فروع الدين، مطبوع.
9. شرعية وقدسية ومحورية النهضة الحسينية (عليه السلام)، مطبوع.
10. السيدة نرجس (عليها السلام) مدرسة الأجيال، مطبوع.
11. دروس وعبر من الكلمات القصار من نهج البلاغة، مخطوط.
12. بحوث في العقيدة والسلوك، مجموعة محاضرات على ضوء الآيات القرآنية الكريمة، ألقيت في الحوزة الزينبية وفي النجف الأشرف، مطبوع.
13. إضاءات في التولي والتبري، مطبوع.
14. دروس في أصول الكافي - الجزء الأول كتاب العقل والجهل، مخطوط.
15. كونوا مع الصادقين، بحوث تفسيرية في الآية الشريفة (كونوا مع
ص: 213
الصادقين)، مطبوع.16. لمن الولاية العظمى؟، مطبوع.
17. توبوا إلى اللّه، مطبوع.
18. شرح دعاء الافتتاح، مخطوط.
19. بصائر الوحي في الإمامة، مطبوع.
20. سوء الظن في المجتمعات القرآنية، مطبوع.
21. مقتطفات قرآنية، مطبوع.
22. مناشئ الضلال ومباعث الانحراف، مطبوع.
23. ملامح النظرية الإسلامية في الغنى والثروة والفقر والفاقة، بحث عن هندسة اتجاهات الفقر والغنى في المجتمع، مطبوع.
24. مقاصد الشريعة و مقاصد المقاصد اللين والرحمة نموذجاً، مطبوع.
25. شورى الفقهاء والقيادات الإسلامية بحث اصولي فقهي على ضوء الكتاب والسنة والعقل، مطبوع.
26. رسالة في قاعدة الإلزام، تقريرات دروس الخارج في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مخطوط.
27. فقه التعاون على البر والتقوى، مطبوع.
28. فقه الخمس، تقرير دروس الخارج في الحوزة العلمية الزينبية، مخطوط.
29. فقه المكاسب مباحث البيع، مخطوط.
30. فقه المكاسب المحرمة - حفظ كتب الضلال ومسببات الفساد، مطبوع.
31. فقه المكاسب المحرمة - مباحث الرشوة، مطبوع.
32. فقه المكاسب المحرمة - حرمة الكذب ومستثنياته، مطبوع.
ص: 214
33. فقه المكاسب المحرمة - رسالة في التورية موضوعاً وحكماً، مطبوع.
34. فقه المكاسب المحرمة - رسالة في الكذب في الإصلاح،مطبوع.
35. فقه المكاسب المحرمة - احكام اللّهو واللغو واللعب وحدودها، مطبوع.
36. فقه المكاسب المحرمة - رسالتان في النجش والدراهم المغشوشة، مطبوع.
37. فقه المكاسب المحرمة - مباحث النميمة، مخطوط.
38. رسالة في الحق والحكم التعريف والضوابط والاثار، مخطوط.
39. الاجتهاد في أصول الدين، مخطوط.
40. الأصول مباحث القطع، مخطوط.
41. الأوامر المولوية والإرشادية، مطبوع.
42. بحوث تمهيدية في الاجتهاد والتقليد، تقريرات دروس الخارج في الحوزة العلمية في النجف الاشرف، مطبوع.
43. التبعيض في التقليد، مخطوط.
44. تقليد الأعلم وحجية فتوى المفضول، مطبوع.
45. التقليد في مبادئ الاستنباط، مطبوع.
46. الحجة؛ معانيها ومصاديقها، مطبوع.
47. حجية مراسيل الثقات المعتمدة (الصدوق والطوسي قدس سرهما نموذجاً)، مطبوع.
48. رسالة في أجزاء العلوم ومكوناتها، مطبوع.
49. رسالة في فقه مقاصد الشريعة، مخطوط.
50. فقه الرؤى، دراسة في عدم حجية الأحلام على ضوء الكتاب والسنة والعقل والعلم، مطبوع.
51. مباحث الأصول، التعادل والتراجيح، مخطوط.
ص: 215
52. مباحث الأصول، رسالة في الحكومة والورود، مخطوط.
53. المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول، مطبوع.
54. المبادئ والضوابط الكلية لضمان الإصابة في الأحكام العقلية، مخطوط.
55. رسالة في نقد الكشف والشهود، مخطوط.
56. نسبية النصوص والمعرفة... الممكن والممتنع، مطبوع.57. نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة واللغة، مطبوع.
58. مدخل إلى علم العقائد، نقد النظرية الحسية، مطبوع.
59. ملامح العلاقة بين الدولة والشعب، مطبوع.
60. معالم المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي، مطبوع.
61. الخط الفاصل بين الأديان والحضارات، مطبوع.
62. الحوار الفكري، مطبوع.
63. الوسطية والاعتدال في الفكر الإسلامي، مطبوع.
64. قاعدة اللطف، مخطوط.
ص: 216