التصريح بإسم الإمام علي عليه السلام في القرآن الكريم

هوية الكتاب

التصريح بإسم الإمام علي عليه السلام في القرآن الكريم

السيد مرتضى الحسيني الشيرازي

ص: 1

اشارة

ص: 2

إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ

ص: 3

ص: 4

المقدَّمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمّد الأمين، وآله الغرِّ الميامين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليِّ العظيم.

(التصريح بإسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم) هو عنوان هذا الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ الكريم.

وهذا الكتاب يثبت بما لا يرقى إليه الشكّ إنَّ اسم وصيِّ الرسول الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله) وابن عمِّه وصهره وخليفته على أُمته من بعده علي بن أبي طالب (صلوات اللّه وسلامه عليه) مذكور بصريح القول وبحروف اسمه المبارك (ع. ل. ي) في القرآن الكريم مراراً عديدة، وليس مرَّة واحدة فقط.

وذلك كلّه استناداً إلى القرآن الكريم بذاته، وإلى الروايات الصحيحة وإلى الشواهد العقلية المتنوعة.

وهذا البحث ما هو إلاّ "مقتطفات" حول هذا الموضوع الخطير، لعلَّ اللّه تعالى يوفقنا لاستيعاب الحديث حول ذلك، ولعلّه سيبلغ حوالي الألف صفحة بإذن اللّه تعالى، وقد يقيّض اللّه غيرنا للاضطلاع بذلك إنَّ لم يمهلنا الأجل...

كما أنَّ هذا الكتاب يعدّ استكمالاً لكتابنا السابق الذي يطرح التساؤل الذي يثيره البعض (لماذا لم يصرَّح باسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم؟)(1) والذي تضمَّن واحداً وثلاثين إجابة علىهذا السؤال.

ص: 5


1- وقد أسمينا الكتاب لاحقاً ب(هل صُرّح باسم الإمام علي عليه السلام في القرآن الكريم) لأنَّ السؤال (لماذا لم يصرّح...) لا يتكفل التعبير عن الرأي المنصور وهو انَّ اسم الإمام علي في القرآن الكريم مذكور ومسطور، بل كانت تلك التسمية مجاراة لرأي الآخرين الذين ارتأوا عدم التصريح باسمه المبارك، فكانت الإجابات (مبنائية) أي انَّه على فرض قبول انَّ اسمه المبارك غير مذكور – وفرض المحال ليس بمحال، كما انَّ فرض ما يناهض الواقع ويخالفه ليس بمحال – فما هي العلل التي يمكن أنْ تُتصور لذلك؟ وكيف يجيب أصحاب هذا الرأي عن هذه الشبهة؟.

فإنَّ هذا الكتاب تضمَّن جوابين من الأجوبة المطروحة في ذلك الكتاب، بتصرف وتطوير، إضافة إلى أجوبة أخرى

وقد ذكرنا هنالك أنَّ (الحقَّ) و(المنصور) هو أنَّ اسم الإمام علي (عليه السلام) في (القرآن الكريم) مذكور ومسطور، كما فصلَّنا ذلك في الجواب (العشرين) و(الواحد والثلاثين) من ذلك الكتاب.

ولكنَّنا مع ذلك تطرّقنا للأجوبة على هذا السؤال الخاطئ(1) من باب التنزّل، وأنَّه لو سلمنا جدلاً أنَّ اسمه المبارك غير مذكور فلماذا؟ وما هي دلالات ذلك؟ وهل ذلك سيكون لصالح الخصم أو بضرره؟

نسأل اللّه تعالى أنْ يجعل ذلك في ميزان حسناتنا، وأنْ يتقبله بقبول حسن، وأنْ ينبته نباتاً حسناً، كما منَّ على مريم البتول (عليها السلام) إذ: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾(2).

وأنْ يوفقنا لحمل (الأمانة) الإلهية كاملة تامة شاملة(3)، وأنْ يعيننا على أداء أجر الرسالة النبوية بأفضل الوجوه وأكملها وبأزكى الأعمال والأقوال وأفضلها، امتثالاً لأمره (صلّى اللّه عليه وآله) وأمر الباري عزَّ وجلَّ:

ص: 6


1- والسؤال الصحيح هو (كم مرّة ذكر اسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم)؟
2- سورة آل عمران: 37.
3- عكس أولئك الذين خانوا الأمانة بعد أنْ حملوها فكانوا كما وصفهم تعالى: {وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} (سورة الأحزاب:72) راجع تفسير وتأويل هذه الآية في منكري الولاية، في تفسير البرهان والصافي والقمي ونظائرها.

﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾(1).

إنَّه جلّ اسمه الموفق الهادي، السميع المجيب، الحافظ الناصر.

﴿رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾(2).

ومن الضروري الإشارة إلى أنَّ (المخاطَب) بالأجوبة المطروحة في هذا الكتاب يكون تارة الشيعي من أتباع أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، وأخرى يكون المخاطب المخالِف من أهل العامّة، وذلك حسب نوع الأجوبة، فانَّ الأجوبة العقلية، أو القرآنية، هي أجوبة عامة، أمّا الأجوبة الروائية فإنَّ رواياتهم حجّة عليهم كما أنَّ رواياتنا حجّة علينا، على أنَّ رواياتنا تصلحولو في الجملة -حجّة عليهم أيضاً، كما سنشير لذلك في ثنايا الكتاب.

وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين، واللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين.

النّجف الأشرف

رجب الأصبُّ 1433

مرتضى الحسيني الشيرازي

ص: 7


1- سورة الشورى: 23.
2- سورة آل عمران:193- 195.

ص: 8

الفصل الأوّل: طريق الاحتجاج مغلق على المنكرين

اشارة

ص: 9

ص: 10

قال اللّه العظيم:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾(1)

(1)

لا يمكن إنكار

وجود أسماء الأئمة الاثني عشر في القرآن الكريم!(2)

السؤال الذي قد يطرحه البعض هو: لماذا لم يذكر اللّه سبحانه وتعالى أسماء أئمة المسلمين: علي المرتضى والحسن المجتبى والحسين الشهيد بكربلاء وعلي السجاد ومحمّد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمّد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والحجّة المنتظر (عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام) في القرآن الكريم؟

ومن الأجوبة(3) على ذلك:

إنَّ هذا السؤال -سواءاً أكان استفهامياً أم استنكارياًغير صحيح في جوهره وجذوره ومبناه؛ إذ من أين إنَّ اللّه تعالى لم يذكر أسماءهم في القرآن الكريم؟ وما هو الدليل على النفي لكي يتفرّع عليه السؤال: لماذا لم يصرّح بأسمائهم المباركة في القرآن الكريم؟ والحقُّ:

ص: 11


1- سورة التوبة: 119.
2- الخطاب في هذا الجواب موجّه بالأساس للمخالفين من أهل العامّة، غير السائرين على نهج أهل البيت عليهم السلام.
3- هذا الكتاب يتضمن اقتباساً لجوابين من ضمن واحد وثلاثين جواباً على هذا السؤال، طرحهما آية اللّه السيد مرتضى الشيرازي (دام ظله) في كتابه: (لماذا لم يصرّح باسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم؟) حيث أثبت فيه أنَّ هذا السؤال خاطئ وأنَّ اسم الإمام علي (عليه السلام) مذكور في القرآن الكريم بنفس كلمة (علي). كما أضيف إليه الفصل الرابع بأكمله.

إنَّ البراهين الساطعة هي التي تدلُّ على ذلك:

لا دليل على النفي

إنَّه لا يمكن نفي وجود اسم "علي (عليه السلام)" في القرآن الكريم

وذلك من باب إلزام القوم بما ألزموا به أنفسهم(1)، وحسب ما هو موجود في "البخاري" وغيره، وسنتناول هذا المبحث بشكل علمي، وسنتطرق له بشكل موضوعي، فإنَّ الطرف الآخر -من غير أتباع مدرسة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام -قد يسألنا: لماذا لم يذكر اللّه تعالى اسم الإمام علي بن أبي طالب وسائر الأئمة من أهل البيت ﴿الصَّادقينَ﴾(2) (عليهم صلوات المصلّين) في القرآن الكريم؟ أو لماذا لم يُصرَّح بأسمائهم؟

ونجيب: إنَّنا نحتجُّ على أهل العامّة بالذي يقوله "البخاري"! والذي يقوله "مسلم"(3)! والذي تقوله بعض مصادرهمالأخرى بأسانيد موثّقة عند أهل

ص: 12


1- قاعدة فقهية مستفادة من كلمات أهل البيت (عليهم السلام) انظر: الوسائل ج26: ص158، وص320، نقلاً عن الاستبصار ج4: ص148، والتهذيب ج9: ص322. وقد تطرّق سماحة المؤلف آية اللّه السيد مرتضى الشيرازي (دام ظله) إلى هذه القاعدة بالتفصيل في كتاب بعنوان (قاعدة الإلزام) سيصدر قريباً إن شاء اللّه تعالى.
2- إشارة إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (سورة التوبة: 119).
3- ولأهمية كتابي البخاري ومسلم عند المخالفين ننقل بعض آراء علماءهم فيهما: قال النووي في مقدمة شرحه لمسلم ج1: ص14: «اتفق العلماء على أنَّ أصحَّ الكتب بعد الكتاب العزيز الصحيحان البخاري ومسلم» ويقول ابن حجر في فتح الباري ج1: ص10: «وكتابهما أصحُّ الكتب بعد الكتاب العزيز» وقال المناوي في فيض القدير ج1: ص32: «زين الأمة وافتخار الأئمة صاحب أصحِّ الكتب بعد القرآن وقال بعضهم إنَّه آية من آيات اللّه التي يمشي على الأرض» وقال ابن كثير في البداية والنهاية ج11: ص24: «واجمع العلماء على قبوله وصحة ما فيه » وقال الشوكاني في كتابه: ولاية اللّه: «قد اجمع أهل هذا الشأن أنّ أحاديث الصحيحين أو أحدهما كلُّها من المعلوم صدقه المتلقى بالقبول المجمع على ثبوته» إذن هم متفقون على انَّ أصح كتاب عندهم بعد القرآن الكريم هو صحيح البخاري ثمَّ صحيح مسلم، وأنّه كلُّه صحيح لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كما يزعمون.

العامّة!

فنحتجُّ بما عندهم.. لنثبت أنَّ هذا السؤال غير صحيح.. ولا يمكنهم القول بأنَّه: لَمْ يذكر اللّه تعالى اسم الإمام علي والأئمة الأطهار عليهم السلام في القرآن!

فإنَّه ليس لهم نفي وجود أسمائهم في القرآن أبداً؛ وذلك بناءً على ما ذكرَته مجموعة من أهم مصادرهم الحديثية على الإطلاق، من "تحريف القرآن" و"إسقاط بعض آياته" أو "الكثير من آياته"!!

ثلاثة أنواع من التحريف، تؤكدها روايات "العامّة"

اشارة

توضيح ذلك :

إنَّ عدداً من أهم مصادر أهل العامّة ك- "البخاري" و"مسلم" و"الطبراني" تضمّنت كلاماً غريباً حول تحريف القرآن بالنقيصة(1)، ونحن نرفضه دون شكٍّ،

ص: 13


1- وروايات التحريف في كتبهم أكثر من أن تحصى، كما اعترف بذلك الآلوسي في تفسيره روح المعاني ج1: ص25، حيث قال: «وروى أبو عبيد عن ابن عمر قال: «لا يقولنَّ أحدكم قد أخذت القرآن كلَّه وما يدريه ما كلُّه قد ذهب منه قرآن كثير ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر» ثم يعقّب الآلوسي فيقول: «والروايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى». وإليك بعض علمائهم ممّن روى أحاديث التحريف معتقداً بصحّتها: 1-عبد الرزاق الصنعاني (ت:211ه) روى أحاديث كثيرة تثبت التحريف في كتاب المصنف. 2-أحمد بن حنبل (ت: 241) روى أحاديث غفيرة في إثبات التحريف. 3-البخاري: (ت: 256ه) روى أحاديث كثيرة تثبت التحريف وقد صحّحها. 4-مسلم بن الحجاج (ت: 261ه) صاحب الصحيح روى كذلك أحاديث كثيرة تثبت التحريف. 5-الترمذي (ت: 279ه) أخرج وصحّح أحاديث التحريف. 6- ابن ماجة (ت: 273ه) صحّح أحاديث التحريف. 7- النسائي (ت: 303ه) في السنن الكبرى. 8- أبو يعلى الموصلي (ت:307ه) في مسند أبي يعلى. 9-الطبري، محمّد بن جرير (ت: 310ه) صاحب التاريخ المعروف،وقد أخرج أحاديث التحريف في جلِّ مصنافته. 10- القرطبي (ت: 671ه) مصنف التفسير المشهور أخرج أحاديث كثيرة تثبت التحريف. 11- السيوطي (ت911ه) صاحب الدر المنثور والاتقان وغيرهما، وفيهما أحاديث كثيرة في إثبات التحريف.

ولكنَّ مصادرهم تصرّحبثلاثة أصناف من تحريف القرآن، أي هي مصنفة مبدئياً إلى أصناف ثلاثة.. إذ تصرح الروايات الموجودة في صحاحهم بما يلي:

1- يقولون: ثلثا القرآن محذوف!

إنَّ ثلثي القرآن حسب ما تفيده رواياتهم(1) محذوف!! نعم.. هذا هو ما يوجد في صحاحهم، حيث تصرّح الرواية عندهم بأنَّ ما يعادل ثلثي القرآن محذوف، وليس الآن موجوداً بين الدفتين(2)..

وتأسيساً على ذلك نقول: لا يصحُّ لمن يؤمن منكم بالبخاري ومسلم والكتب الأخرى أنْ يعترض بعدم وجود اسم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وسائر ﴿الصادقين﴾ في القرآن الكريم؛ إذ مِن أين أحرزتم أنَّ اسمه المبارك غير موجود في هذين الثلثين المفقودين من القرآن الكريم، حسب ما تقول مصادركم..؟

ص: 14


1- سيأتي ذكر المصادر في الصفحات القادمة.
2- وسيأتي التفصيل وذكر المصادر لاحقاً.

2- يقولون: إنَّ سوراً كاملة قد حذفت!

يروون أنَّ سوراً كاملة من القرآن الكريم قد حُذفت، وذلك كسورة "الخلع" (1) وسورة "الحفد"! فمن أين تثبتون - بعد أنْ أنكرتمتمامية القرآن وسلامته من التحريف بالنقصان - بأنه لا توجد سورة أخرى قد حذفت من القرآن الكريم أيضاً ربما تكون مشتملة على هذه الأسماء المباركة؟!

3- يقولون: إنَّ آيات قد حذفت!

وتقول مصادركم: إنَّ القرآن الكريم -والعياذ باللّهقد سقطت منه آيات؛ فلعلَّ اسم الإمام علي (عليه السلام) وسائر الأئمة الأطهار (عليهم سلام اللّه) مذكور في تلك الآيات التي سقطت!

وملخّص القول: إنَّنا نلزمكم بما تصرّح به صحاحكم! فمن أين لكم أنْ

ص: 15


1- رواية السورتين كما في السنن الكبرى للبيهقي: ج2 ص210 ح3268: وقد روي عن عمر بن الخطاب صحيحاً موصولاً أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا اسيد بن عاصم حدثنا الحسين بن حفص عن سفيان قال حدثني ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير: أنه عمر قنت بعد الركوع فقال: اللّهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللّهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أوليائك، اللّهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وانزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين، بسم اللّه الرحمن الرحيم اللّهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك، بسم اللّه الرحمن الرحيم اللّهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد ولك نسعى ونحفد ونخشى عذابك الجد ونرجو رحمتك إن عذابك بالكافرين ملحق. رواه سعيد بن عبد الرحمن ابن ابزى عن أبيه عن عمر فخالف هذا في بعضه. وقد ذكروا أنَّ هاتين سورتين كان يقنت بهما عمر، وهاتان السورتان موجودتان في بعض مصاحف الصحابة كمصحف أُبي بن كعب. (انظر: الاتقان في علوم القرآن، للسيوطي ج1: ص178)

تقولوا إنَّ اسم الإمام علي (عليه السلام) غير موجود في القرآن الكريم؟ وأنتم تقولون في كتبكم: إنَّ سورة كاملة من القرآن قد حذفت؟ أو آيات من القرآن قد حذفت؟ أو كلمات في القرآن الكريم قد حُرِّفت؟ بل تقولون إنَّ أكثر القرآن الكريم قد حذف!

فنحن نلزمكم بما تقوله مصادركم الصحاح عندكم التي عليها مدار مذهبكم على مرِّ السنين.

إنْ قال أحدهم: أنا شخصياً لا أقبل بذلك؟

فنقول: أنت شخصياً كواحد من أهل العامّة سواء أكنت تقبل بهذا الكلام أمْ لا تقبل به، فإنَّ ذلك لا يغيّر من المعادلة عند كبار علمائكم شيئاً؛ إذ إنَّهم لا يرونك تمثِّل مذهب أهل العامّة، بل يرون أنفسهم هم الذين يمثلونه، كما أنَّهم يعتبرون مصادرهم المعتمدة لدى جميع علمائهم هي التي تمثِّل مذهب أهل السنة!!

والآن نقول لهؤلاء العلماء:

إنه عندما تقول مصادركم المعتمدة بتحريف القرآن بالنقصان وبغيره، فكيف تدَّعون أنَّ أسماء ﴿الصّادِقين﴾ ليست مذكورة؛ إذ لعل الأسماء كانت موجود هنالك، وما يدركم؟!

إنَّ إنكاركم ليس إلاّ من مصاديق ﴿مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾(1).

ص: 16


1- سورة النساء: 157.

نصوص روايات (العامّة) في تحريف القرآن بالنقيصة

اشارة

والآن لنستعرض بعض روايات أهل العامّة في أصحِّ مصادرهم، والتي تصرّح بتحريف القرآن بالنقيصة، أي تلك التي تصرّح بحذف آية أو آيات أو حتى سور من القرآن الكريم.

أ. عمر يقول: آية الرجم سقطت!

الرواية الأولى: هي ما رواه "البخاري" في كتاب الحدود، باب الاعتراف بالزنا(1): عن عمر بن الخطاب، حيث يصرّح فيها بأنَّ آية كاملة سقطت من القرآن الكريم! تقول رواية "البخاري":

«فجلس عمر على المنبر فلمّا سكت المؤذنون، قام فأثنى على اللّه بما هو أهله، ثمَّ قال: أمَّا بعد فإنَّي قائل لكم مقالة»

وقد مهّد بهذا التمهيد لأنَّ المسألة خطيرة جداً؛ وهي إثبات أنَّ آية كاملة قد حذفت من القرآن الكريم!!

«أمّا بعد، فإنِّي قائل لكم مقالة قد قُدِّر لي أنْ أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي»

أي أخاف أنْ أموت ولم أقل لكم هذه الكلمة؟

«فمن عقلها ووعاها فليُحدِّث بها حيث انتهت به راحلته(2)، ومن خشي ألاّ يعقلها فلا أحلُّ لأحد أنْ يكذب عليَّ؛ إنَّ اللّه بعث محمداً بالحق وأنزل عليه

ص: 17


1- وسننقل النص الكامل لكل الرواية في الملحق، فمن شاء فليرجع إليه.
2- إذن هو يطالب الناس بأنْ يعلنوا عن تحريف القرآن بسقوط آيات منه، وأنْ يروّجوا لذلك؟ ولكن لماذا لا يلتزم أهل السنة بأوامره؟

الكتاب، فكان ممّا أنزل اللّه آية الرجم»

والملاحظ بوضوح انَّ هذا هو نص عبارة عمر في "البخاري" عن "آية الرجم"، ولكنْ الآية غير موجودة في القرآنالكريم الذي بين أيدي المسلمين:

«فكان ممّا أنزل اللّه آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول اللّه».

أي أن الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) عمل بها!

«ورجمنا بعده، فأخشى إنْ طال بالناس زمان أنْ يقول قائل: واللّه ما نجد آية الرجم في كتاب اللّه، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها اللّه، والرجم في كتاب اللّه حقٌّ على من زنى إذا أحصن»(1).

وهكذا يؤكد ذلك مرة واثنتين وثلاثة..!!

ب. سورة الأحزاب كانت مائتي آية!

ومثال آخر: تجدون في أكثر من صحيح من صحاحكم تصريحاً خطيراً، بأنَّ مقاطع كاملة من القرآن الكريم قد حذفت، كآيات كثيرة من سورة "الأحزاب"، فإنَّ سورة "الأحزاب" حسب صحاحكم ومصادركم المعتمدة كانت

ص: 18


1- صحيح البخاري ج6: ص2503، باب: رجم الحبلى، الحديث: 6442. وانظر كذلك: الجمع بين الصحيحين ج1: ص28، جامع الأصول لابن الاثير ج4: ص90، وقد عبّر عنه المحقق الارنؤوط بالصحيح وذكر رواةً كثيرين لهذا الحديث منهم، مالك ومعمر وسفيان بن عيينه وهشيم ويونس وصالح وعبد اللّه بن أبي بكر وعقيل عن ابن شهاب الزهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة عن ابن عباس وقال اخرجه مالك والحميدي والدارمي والبخاري وأبو داود وابن ماجة والترمذي والنسائي واحمد بن حنبل بطرق عديدة. وانظر أيضاً: صحيح ابن حبّان ج2: ص154، مسند احمد ج1: ص378، الحديث 276، وقال ابن حزم الاندلسي في اسناد هذا الحديث: «هذا اسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه» انظر: المحلى ج11: ص235.

مائتي آية!!

بل تجدون في مسند أحمد بن حنبل تصريحاً بأنَّ سورة الأحزاب كانت بحجم سورة البقرة (1)، لكنْ سورة الأحزاب الآن هيثلاث وسبعون آية فقط، فأين البقية الباقية من السورة؟!

وقد ورد هذا في مصادر عديدة؛ منها ما في "مسلم" أيضاً من أن هذه السورة الشريفة كانت فيها مائتا آية!!

وكما روي عن عمر التحريف فقد روي عن عائشة: إن سورة الأحزاب كانت تقرأ في زمن النبي (صلّى اللّه عليه وآله) في مائتي آية!، فلم نقدر منها إلاّ على ما هو الآن(2)..

فعائشة هي التي تصرّح بأن القرآن الكريم قد حذفت منه آيات كثيرة، فمن هو القائل بتحريف القرآن؟ وما حكم من يقول بتحريفه في نظركم؟

وقالوا أيضاً: إنَّ سورة الأحزاب كانت تقارب سورة البقرة، أو هي أطول منها، وهذا عن عكرمة عن مولى لابن عباس، وفيها كانت آية الرجم.. وهذه في مصادر أهل السنة!.

ورد عن حذيفة بن اليمان، قال: قرأت سورة "الأحزاب" على النبي (صلّى

ص: 19


1- في مسند أحمد: ج25 ص134 ح21207 عن زرِّ قال: قال لى أُبَىّ بن كعب: كأيِّن تقْرأُ سورة الأحزاب أو كأيّن تعدّها قال: قلت له ثلاثاً وسبعين آية. فقال: قطّ لقد رأيتُها وإنّها لتُعادل سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم)..» وراجع أيضا: تفسير ابن كثير: ج3 ص473 تفسير سورة الأحزاب، والدر المنثور للسيوطي: ج6 ص560 سورة الأحزاب، وفتح القدير للشوكاني: ج4 ص259، وتفسير الآلوسي: ج21 ص142. وكذلك رواه المستدرك على الصحيحين، والسنن الكبرى، وكنز العمال، والنسائي إلى غير ذلك من المصادر.
2- تفسير القرطبي: ج14 ص113. الإتقان: ج3 ص82.

اللّه عليه وآله) فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها(1).. وهكذا، وتروي الصحاح والسنن بأنَّ: أبا موسى الأشعري قال لقراء البصرة: كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها، غير أني حفظت منها: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب»(2).وتأسيساً على ذلك كلِّه نقول لكلِّ من يدعي ان اسم الإمام علي (عليه السلام) غير مذكور في القرآن الكريم، ممن يرى حجية "البخاري" وسائر أعلام أهل الخلاف: من أين علمتم ومن أين حكمتم بأن اسم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) غير مذكور في تلك الآيات؟، فكيف تنكرون شيئاً لم تحيطوا به علماً؟! قال تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾(3).

ج. حذف سورتي الخلع والحفد!

ثم نلاحظ سورتي الخلع والحفد وهما السورتان اللتان ادعى عمر بن الخطاب أنهما كانتا من القرآن الكريم فحذفتا!! ويدعون - حسب مصادر أهل العامّة - أنها كانت في مصحف ابن عباس، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وأن عمر بن الخطاب قنت بهاتين السورتين في الصلاة، وأن أبا موسى الأشعري كان يقرأهما، وهما:

ص: 20


1- الدر المنثور: ج6: ص560، التاريخ الكبير، للبخاري ج4: ص241، الحديث: 2659، فتح القدير ج4: ص259.
2- صحيح مسلم: ج2 ص726 ح1050، الجمع بين الصحيحين ج1: ص193، ح490، حلية الاولياء ج1: ص257.
3- سورة يونس: 39.

(اللّهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك، اللّهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإياك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق)(1).

والآن لنسأل: هل هذا أدب القرآن؟

وهل توجد في هذه الكلمات نكهة القرآن الكريم؟

إن من الواضح أنها مختلقة، ولكن ذلك هو ما تصرّح به الصحاح ومصادرالعامة(2)، فراجعوا كتاب "الإتقان" في تفسير هذهالروايات(3).

وراجعوا "تفسير القرطبي"(4).

وفي "مناهل العرفان" للزرقاني(5)، وفي "الدر المنثور"(6) للسيوطي، وفي "محاضرات الراغب الأصفهاني"(7)، وفي "مسند أحمد بن حنبل"(8)، وفي

ص: 21


1- انظر: الاتقان في علوم القرآن للسيوطي ج1: ص178، وكذلك سنن البيهقي ج2: ص210، ح:3268.
2- انظر كتاب الأم للشافعي: ج7 ص148وقد عبر ب(ويروى ذلك عن عمر بن الخطاب انه قنت بهاتين السورتين (اللّهم انا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير...)
3- وقد نقل السيوطي في الاتقان في علوم القرآن عن ترتيب المصحف كما ينقله أبو جعفر الكوفي (... ثم القارعة، ثم التكاثر، ثم العصر، ثم سورة الخلع، ثم سورة الحفد، ثم (ويل لكل همزة...) الخ الإتقان ج1 ص176.
4- الجامع لاحكام القرآن ج4: ص201.
5- مناهل العرفان: ج1 ص216.
6- الدر المنثور ج8: ص695.
7- محاضرات الراغب، الحدَّ العشرون في الديانات، باب ما روي فيه زيادة.
8- مسند احمد ج25: ص134.

"المستدرك على الصحيحين"(1)، وفي "السنن الكبرى للبيهقي"(2)، وفي "الكشاف للزمخشري"(3)، وفي كتب أخرى متعددة من أمهات المتون المعتبرة عندكم، والروايات كثيرة ومتعددة، حيث إنَّ بعضها وإنْ ذكر أنَّ ذلك ممّا يُقنت به ولم يزد على ذلك، إلا أنَّ بعضها صرح بأنهما سورتان من القرآن الكريم!!

د. عمر: القرآن سقط منه ثلثاه!

ويروي "الطبراني" بسند موثق أو صحيح، عن عمر بن الخطاب أنه قال: (القرآن "ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألفحرف)(4) وهذا هو ما ينقله السيوطي في "الإتقان"(5) وذلك يعني: أن القرآن الذي بين أيدينا هو حوالي ثلث القرآن الواقعي فقط..!!

وهناك رواية أخرى عن نافع عن ابن عمر قال: «لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله، وما يدريه ما كله؟ قد ذهب منه قرآن كثير!! ولكن ليقل: قد أخذت منه ما ظهر»(6).

فهل تريدون رواية أشد صراحة من هذه الروايات في تحريف القرآن الكريم، الذي قال فيه تعالى: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ

ص: 22


1- المستدرك على الصحيحين ج2: ص450.
2- السنن الكبرى: ج2 ص211.
3- الكشاف ج3: ص526.
4- المعجم الاوسط ج6: ص361، ح6616، وانظر كذلك: الدر المنثور ج8: ص699، مناهل العرفان ج1: ص283، كنز العمال ج1: ص517، مجمع الزوائد ج7، ص339، ح:11653.
5- الإتقان في علوم القرآن: ج1 ص190 ح971.
6- المصدر: ج2 ص66 ح4117، وانظر أيضاً: الدر المنثور ج1: ص258، روح المعاني ج1: ص25، سنن سعيد بن منصور ج2: ص431.

خَلْفِهِ﴾(1)، وقال عنه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾(2)؟!

ه. سورتان طويلتان محذوفتان!

وبعض الروايات الموجودة في (مسلم) في كتاب الزكاة تصرّح بما يلي: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرؤوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد، فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ب- "براءة" فأنسيتها، غير أني قد حفظتُ منها: (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات، فأنسيتها، غير أني حفظت منها: (يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون مالا تفعلون فتكتب شهادةًفي أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة)!!(3).

وتوجد في صحيح "مسلم" وفي "منتخب كنز العمال" روايات أخرى عديدة!!

إذن فهي ليست رواية واحدة، أو روايتين، أو ثلاث روايات، حتّى يغض المحقِّق منكم الطرف عنها، ويقول بأنها شاذة أو نادرة، بل هي في صحاحكم موجودة: في (البخاري)، و(مسلم) وما أشبه ذلك..

ص: 23


1- سورة فصلت: 42.
2- سورة الحجر: 9.
3- صحيح مسلم: ج2 ص726 ح490، عن أبي الأسود ظالم بن عمرو قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن...، وانظر أيضاً: الجمع بين الصحيحين ج1: ص193، وحلية الأولياء ج1: ص257.

فكيف بعد ذلك يدعي بعض أهل العامّة أنه لم يُذكر اسم ﴿الصادقين﴾ في القرآن الكريم؟ ثم كيف يتساءل بعضهم عقيب ذلك: لما ذا لم يذكر اسم علي والحسن والحسين وسائر أبنائه (عليهم السلام) من الصادقين في القرآن الكريم؟

ثم كيف لذلك البعض أن يستنتج بعد ذلك: إنهم ليسوا هم خلفاء الرسول الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله)!، كابراً عن كابر (سلام اللّه عليهم أجمعين)(1)!!

وعليه ألا يحقُّ لنا، بل لكل منصف، أنْ نعترض على العديد من حكومات الدول الإسلامية ووزاراتها وبعض الجهات المتنفذة ونقول:

لماذا تمنعون طباعة الكافي وتطبعون البخاري!

فيا أهل العامّة! صحاحكم تصرّح بأن القرآن الكريم مُحرَّف بحذف سورٍ طوال منه، وبحذف آيات، بل وبحذف حوالي ثُلثيه، أي إنها تصرّح بالتحريف وبالنقيصة، كما تصرّح صحاحكم بالتحريفبالتغيير أيضاً، وذلك حسب ما جاء في (البخاري) و(مسلم) و(مسند أحمد) وغيرها، فلماذا لا تمنعون هذه الكتب من الطباعة، وتمنعون (الكافي) الشريف من الطباعة في بعض بلاد الإسلام، بحجّة أنَّ (الكافي) يقول بتحريف القرآن؟!

ولكن: هل تجد في الكافي روايةً واحدة تصرّح بأنَّ سورة كاملة قد حذفت من القرآن الكريم؟

أمّا في كتبكم المعتبرة والتي تسمونها بالصحاح فذلك موجود، بل روايات

ص: 24


1- حول الأدلة والنصوص النبوية على إمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم صلوات اللّه وسلامه) راجع (الغدير) للعلامة الأميني و(ليالي بيشاور) للعلامة الشيرازي و(المراجعات) للعلامة شرف الدين و(العبقات) للعلامة الموسوي، وكذلك كمصدر سريع يمكن مراجعة كتاب (ثم اهتديت) و(لأكون مع الصادقين) و(بنور فاطمة اهتديت) وغيرها.

التحريف أكثر من أنْ تحصى كما يقول الآلوسي في تفسيره(1).

وأين تجد في (الكافي) الشريف روايةً تصرّح بأن ثلثي القرآن قد سقط أو أُسقط وحُذف؟

غاية ما في الأمر، أنَّ في بعض روايات (الكافي) إشارة إلى بعض الاختلاف في عوامل التنقيط والإعراب، أو إضافة بعض الكلمات التي هي من باب التفسير أو التأويل للآيات..

فمثلاً في قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾(2)، تقول الرواية:

«بلّغ ما أنزل إليك من ربِّك في عليٍّ، هكذا أُنزلت..»(3).

والسيد الوالد (رحمه اللّه) كان يقول: إن المراد بها هو غير ما هو متوهَّم ظاهراً؛ وذلك لأن القرآن الكريم كان ينزل على الرسول العظيم (صلى اللّه عليه وآله) كقرآن، وكان جبرائيل (عليه السلام) يفسر بعض المفردات، أو الجمل، أو ما أشبه ذلك كبيان شأن النزول، وهذا يعني إنه يوجد لدينا (وحي قرآني)، كما يوجد (حديث قدسي)،فعندما كان جبرائيل (عليه السلام) ينزل على النبي (صلّى اللّه عليه وآله) كان ينزل بنص قرآني واضح، وينزل بشرح ، وتعقيب ، وتوضيح.. أيضاً.

ف- (هكذا نزلت) حسب ما إرتآه السيد الوالد وجمع آخر(4) تعني:مع

ص: 25


1- روح المعاني ج1: ص25.
2- سورة المائدة: 67.
3- كتاب العمدة: ص99 ف14، وتفسير القمي ج2: ص201 فزع الأبالسة يوم الغدير، وتفسير نور الثقلين: ج1 ص654 ح298.
4- انظر: البيان في تفسير القرآن، للسيد الخوئي: ص225، حيث قال: «ليس كل ما نزل من اللّه وحياً يلزم أنْ يكون من القرآن، فالذي يستفاد من الروايات في هذا المقام أنَّ مصحف علي (عليه السلام) كان مشتملاً على زيادات تنزيلاً أو تأويلاً، ولا دلالة في شيء من هذه الروايات على أنَّ تلك الزيادات هي من القرآن».

شرحها وتوضيح مصداقها، وأن (في علي) هو الشرح والتفسير للآية جاء بعد نزولها مباشرة.

فليس بمقدور أهل الخلاف إذن إلزام (الكافي) بأنه يقول عند نقله رواية: «واللّه هكذا نزلت..» بتحريف الكتاب، إذ لا دليل على أنه يقصد ويعني أنها نزلت كقرآن كريم.

بل إنه يقصد(1) النزول كحديث قدسي، وكوحي سماوي غير قرآني، ذلك أن (الوحي) أعمُّ من القرآن، لأن الحديث القدسي وحيٌ لا يُنكر، فباب الاحتمال مفتوح هنا على أقل التقادير..

ولكن (البخاري) يصرّح بنقص القرآن وحذف مقاطع كاملة منه!! فلماذا يطبع كتاب (البخاري) في الدول ويُدرَّس في المعاهد وغيرها بدون اعتراض ومنع، مع أنَّه يُصرِّح بأنَّ القرآن ناقص، وأمّا الكتب الأخرى فهي غير مسموح بطباعتها(2)؟!

إذن، خلاصة الجواب الأول هو:

ص: 26


1- إذ على الأقل (لعله يقصد) وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال، وعلى فرض أنه يقصد ذلك، فإنه لا يزيد على ما ذكره (البخاري) وغيره، مما نقلناه سابقاً من رواياته في حذف ثلثي القرآن أو حذف سور أو آيات منه.
2- بل الغريب: إن مشهور علماء العامّة ذهبوا إلى ذلك.. (أي إلى تحريف الكتاب) بمعنى أنهم التزموا بالنسخ، وأن الآية قد نسخت، ومعنى أن الآية قد نسخت هو أن القرآن قد حُرِّف... وراجع للتفصيل «البيان في تفسير القرآن» للسيد الخوئي و«الهدى إلى دين المصطفى» للإمام البلاغي، و«مواهب الرحمن» للسيد السبزواري.

إنه حسب صحاح أهل العامّة، لا يمكن نفي وجود اسم الإمامعلي (عليه السلام) في القرآن!

وإننا نلزمكم في ذلك بما ألزمتكم به صحاحكم، إذ أن صحاحكم تقول: إن قسماً كبيراً من القرآن الكريم قد حذف، ونقول: ولعل هذه الأسماء الطيبة كانت هنالك وما يدريك؟!

وأؤكد إننا لا نقول بتحريف القرآن، ولكننا نتكلم الآن حسب صحاحكم ونقول: انَّ من يقول بذلك ليس له أنْ يحتج ويعترض ويقول: إنَّه لمْ تذكر أسماء ﴿الصادقين﴾ في القرآن الكريم!!

ص: 27

ص: 28

الفصل الثاني: القراءات: إحدى بوابات المثبتين ...

اشارة

لذكر اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) و الاستدلال بآية (هذا صراط علي مستقيم)

ص: 29

ص: 30

(2)

قوله تعالى: (هذا صراط علي مستقيم)

ان اسم الإمام علي (عليه السلام)

مذكور في بعض آيات القرآن الكريم حسب مبنى تعدد القراءات(1)

فإنَّ أهل العامّة يقولون بالقراءات السبع أو العشر(2)، كما أن بعض علماء الشيعة يقولون بها أيضاً(3).(4)

وهذا الجواب مهم جداً ودقيق، ويبتني على هذا الأصل، ولا يصح للمخالف أن يعترض عليه أبداً؛ لأنه يلتزم بتعدد القراءات ولا يجدها مصداقاً لتحريف الكتاب، وعلى ذلك نقول:

ان اسم الإمام علي (عليه السلام) مذكور في القرآن الكريم

ص: 31


1- هذا في بعض الآيات الكريمة، كالآية المستشهد بها ههنا، أما في بعضها الآخر فالقراءات كلها متحدة، والاسم المبارك لمولى الموحدين مذكور بالصراحة، ولا اختلاف بين القراءات، فلاحظ الجواب القادم.
2- انظر : البرهان في علوم القرآن للزركشي ج1: ص332، وانظر كذلك: النشر في القراءات العشر، لابن الجزري، و(القراءات السبع) للقيرواني المالكي ت 415 ه. و(إتحاف فضلاء الأمة المحمدية ببيان جمع القراءات السبع من طريق التيسير والشاطبية) للمدابغي الشافعي ت 1170 ه- ، و(إتحاف فضلاء البشر بالقراءة الأربعة عشر) لابن البناء الدمياطي الشافعي ت 1116 ه. و(شرح الشمعة المضية بنشر القراءات السبع المرضية) لعبد العزيز الحفظي. وغيرها.
3- ويرى بعض العلماء بأنَّ القرآن نزل على قراءة واحدة، وأن قراءة واحدة هي الصحيحة فقط، والمقصود من سبعة أحرف: أنه نزل على أمر ونهي وترغيب وترهيب ووعظ وقصص وأمثال، وما أشبه ذلك من الوجوه الأخرى المذكورة لهذه الراواية ومعانيها، لا أن قراءاته سبعة.
4- وعلى هذا فان الخطاب في هذا الجواب موجّه للقائلين بالقراءات السبع، سواءاً أكانوا من علماء أهل الخلاف، أم كانوا من علماء شيعة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.

وذلك على حسب بعض القراءات؛ هذا مع قطع النظر عن إشكالنا الأول على أهل الخلاف بانهم يقولون: بأن قسماً كبيراً من القرآن قد سقط - والعياذ باللّه -.والحاصل: إن هنالك قراءات أخرى، وبحسب هذه القراءات الثابتة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أو غيرهم من كبار الصحابة، فإن اسم الإمام علي (عليه

السلام) موجود في القرآن الكريم ..

باؤك تجرّ وبائي لا تجرّ!

وكتنبيه، نقول: يا أيها المخالف! لَعَمْري إنه غريب أمرك، إذ أنك عندما تسمع بأن هناك قراءات متعددة للقرآن هي سبع أو عشر قراءات، وبعضها يختلف به المعنى كلياً، لا تعترض أو تحتج، بل تقبل وتُسلِّم، ولكنَّك إذا دلّ الدليل على قراءة ترتبط باسم الإمام علي (عليه السلام)، تعترض وتنادي: وا إسلاماه!! وكأنّ السماء قد انطبقت على الأرض، لماذا؟!

لماذا تقول بالقراءات السبع، بل يقول بعض علمائكم ب(سبعين قراءة)(1)!! في القرآن الكريم، وبعضها تعدّ من المشهور لديكم، ولذا ذهب المشاهير من كبار القراء إلى هذه القراءات، فكيف إذا قالوا لك ذلك تقبله هنالك، ولا تقبله هنا! إن هذا من العجب العجاب حقاً(2)؟!

ص: 32


1- انظر: معرفة القرّاء الكبار، للذهبي ج1: ص109، وامتاع الاسماع للمقريزي ج4: ص296.
2- والذين يقولون بأن القرآن غير مُحرَّف لا يجدون في اختلاف القراءات تحريفاً، ولعل فلسفتهم في ذلك: إن القرآن كتب بالخط الكوفي، والخط الكوفي ليست فيه نقاط ولا تشكيلات، ف- (صراطٌ عليَّ)، أو (صراطٌ عليٌ)، أو (صراطُ عَليٍّ)، كل ذلك ممكن أن يكون هو الملفوظ وهو المقصود، لخصوصية الخط الكوفي، إذن يقولون القرآن نفسه لا تحريف فيه، بل إن بعضهم بل أكثرهم يصرح بأن القراءات السبعة أو العشرة كلها صحيحة وقد أقرها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله).

قوله تعالى: ﴿هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾

وكمثال على أن اسم الإمام علي (عليه سلام اللّه) مذكور في القرآن الكريم حسب بعض القراءات، نشير إلى قوله تعالى:

القراءة الأولى:

﴿هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾(1).

هذا هو الموجود في القراءات المعهودة في القرآن الكريم المتداول بيننا الآن، ولكن هناك قراءة أخرى مشهورة أيضاً، ولا تستطيع أن تُلزم مَنْ ذهب إلى تلك القراءة الأخرى بأنه "لم يذكر اسم الإمام علي في القرآن".

القراءة الثانية:

(هذا صراطٌ عليٌ مستقيم)(2) برفع (صراط) كخبر، ورفع (علي) كخبر بعد خبر(3)، ويسمى في قواعد النحو المدرسي خبراً ثانياً أو باعتباره بدلاً(4)، وقد أطلق (الصراط) و(مستقيم) على الشخص - وهو الإمام علي (عليه السلام) - ووصف به(5) من باب المبالغة، كما تقول: (زيد عدل)، بل إن (صراط) و(مستقيم) يقعان صفتين للشخص حقيقة، فتدبر(6).

ص: 33


1- سورة الحجر: 41.
2- والمعنى: هذا صراط مستقيم وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أو إن شئت فقل: هذا صراط وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو مستقيم.
3- فيكون المعنى: هذا صراط هذا علي (عليه السلام).
4- فيكون المعنى: هذا علي (عليه السلام)، بدلا من (صراط).
5- أي وصف به في جوهره، وليس المراد (الوصف) من الناحية الشكلية النحوية.
6- ولذا تقول: هذا رجل مستقيم مثلاً، أو هذا الرجل طريقك أو صراطك أو جسرك إلى الجنة.

ويتضح هذا المعنى أكثر لو لاحظت صحة الجملة أيضا لو قمنا بتغيير ترتيب الكلمات، كما لو قيل (هذا عليٌ صراط مستقيم).

القراءة الثالثة:

(هذا صراطُ عليٍّ مستقيم)

وهناك قراءة ثالثة رويت عن الإمام الصادق (عليه السلام) وهي:(هذا صراطُ عليٍّ مستقيم)(1)..

وأما تفصيل القراءات: فإننا نجد أن ثمانية من القراء قرأوا برفع (عليُّ) منوناً على التوصيف وهي قراءة أبي رجاء، وابن سيرين، وقتادة، والضحاك، ومجاهد، وقيس بن عبادة، وعمر بن ميمون ويعقوب فقرأوا هكذا: (هذا صراطٌ عليٌ مستقيم)(2).

كما نجد أن قراءة الإمام الصادق (عليه السلام) حسب عدد آخر من الروايات هي: (هذا صراطُ عليٍّ مستقيم).

والسؤال الآن هو: لماذا بمجرد أن يروي العلماء رواية عن كبار الصحابة وأهل البيت (عليهم سلام اللّه) بقراءة فيها فضيلةٌ لأهل البيت (عليهم السلام) يقيم بعض أهل الخلاف الدنيا ولا يقعدوها، ويعتبر ذلك تحريفاً للقرآن؟!

لكنكم – يا بعض أهل الخلاف -عندما تروون روايات عديدة تصرّح - جهاراً نهاراً - بقراءة غير القراءة المعهودة في القرآن الكريم، وقد يتغير بها المعنى أو اللفظ كلياً، لا تجدون في ذلك أية مشكلة، ولا ترفعون عقيرتكم بالاحتجاج والضجيج والإدانة؟!

ص: 34


1- سنذكر بعض مصادر ذلك بإذن اللّه تعالى.
2- انظر: مجمع البيان ج6: ص116، تفسير الثعلبي ج5: ص341، تفسير الرازي ج19: ص150.

وهناك أمثلة عديدة على ذلك نذكر أحدها فقط:

منها قوله تعالى: ﴿وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ﴾(1) وفي معناها ذكرت أقوال: منها أنه شجر كثير الشوك، ومنها أنه شجر الموز(2)..

وللآية قراءة ثانية أنها :(وطلع منضود) وليس ﴿وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ﴾، وتستشهد تلك القراءة الأخرى بآية قرآنية أخرى، هي قوله تعالى: ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ﴾(3)، وأين (طلع) من (طلح)؛ إذ لكل منهمامعنى مغاير للآخر(4)..

والأمثلة على اختلاف القراءات بالعشرات، وربما تكون بالمئات، ممّا يغير المبنى والمعنى أيضاً.

والنتيجة: إنك إذا رأيت جماعة من علماء الشيعة في بعض كتبهم قد نقلوا رواية تصرّح بأن القراءة كانت هكذا: (صراطٌ عليُّ) أو (صراطُ عليٍّ) فليس بمقدورك أن تحتج عليه بأن اسم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) غير موجود في القرآن الكريم؟ وذلك لأنه موجود استناداً إلى مبنى تعدد القراءات، واعتماداً على روايات لا تؤدي -حسب مبناكم أيضاًإلى القول بتحريف الكتاب.

والآن لنرجع إلى الآية الشريفة وقراءتها الثالثة: (هذا صراطُ عليٍّ مستقيم) فقد جاء في كتاب (تفسير البرهان) للمحقق البحاثة العالم الكبير السيد هاشم البحراني (قدّس سرّه) وناقلاً له عن مصادر عديدة منها (الكافي) الشريف

ص: 35


1- سورة الواقعة: 29.
2- انظر: الكشاف للزمخشري ج4: ص459، تفسير البيضاوي ج5: ص286.
3- سورة ق: 10.
4- انظر: تفسير الرازي ج29: ص143، تفسير القرطبي ج17: ص208، فتح القدير ج5: ص155.

و(مائة منقبة)(1) و(مختصر بصائر الدرجات)(2) ما يلي:

الكافي الشريف: أحمد بن مهران عن عبد العظيم عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام)، قال: «هذا صراطُ عليٍّ مستقيم» انتهى(3).

اعتراض عمر على الرسول (صلّى الله عليه وآله)

ينقل لنا التاريخ أنَّ عمر بن الخطاب اعترض على الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) بعدم ذكر اسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم، فأجابه جواباً صريحاً واضحاً، كما عنّفه أشد التعنيف، ولنكتف ههنا بإحدى الروايات التي ينقلها كتاب «مائة منقبة»(4): (أنه قام عمر بن الخطاب إلى النبي (صلى اللّه عليه وآله)،

ص: 36


1- مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين: ص161.
2- مختصر بصائر الدرجات: ص68.
3- الكافي الشريف ج 1: ص424، ح:63، وحسب طبعة دار المرتضى عام 2005 ص321 وأما النسخة الليزرية التي لدي، فلعل خيانة حصلت فيها عمداً، ويحتمل السهو، إذ حذف كلمة (علي) فصارت كل الرواية هكذا (هذا صراط مستقيم) مع انه لا معنى له حينئذٍ إضافة إلى أنه يخرج عن ارتباطه بالباب الذي عقد الكليني لأجله هذه الروايات، والباب هو باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية كما يؤكد ذلك نقل (البحار) و(البرهان) وغيرهما عن الكافي بهذا النص (هذا صراط عليِّ مستقيم) لا (هذا صراط مستقيم). ولا يخفى ان هذه الرواية حجة على (الشيعي)، لوجودها في أحد أهم مصادرنا المعتبرة، وهو الكافي الشريف – كما ان الرواية موجودة في مصادر عديدة أخرى ذكرنا بعضها قبل قليل وتوجد مصادر أخرى أيضاً – والسند حجة في حد ذاته، مع قطع النظر عن حجية مراسيل الكافي عامة، على ما فصلناه في كتاب (حجية مراسيل الثقات). وأما السند فهو (أحمد بن مهران) اعتمد عليه (الوحيد)، وقد روى عنه الكافي في 52 مورداً وترحم عليه مراراً، وأما عبد العظيم الحسني فجلالة شأنه أوضح من الشمس في رابعة النهار وكذلك هشام بن الحكم.
4- كتاب: مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من ولده عليهم السلام من طريق العامّة. تأليف أبي الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمي المعروف بابن شاذان من مفاخر أعلام القرنين الرابع والخامس.

فقال: إنك لا تزال تقول لعلي بن أبي طالب: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» وقد ذكر اللّه هارون في القرآن ولم يذكر عليا؟!

- لاحظوا الاعتراض على النبي (صلى اللّه عليه وآله)!! وما أكثر أمثال اعتراضه هذا على الرسول الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله)(1)، واللّه تعالى يقول: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى﴾(2)، ويقول جلّ اسمه: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا ممّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾(3)، إنه اعتراض واضح على النبي (صلى اللّه عليه وآله): بأنك لماذا تذكر علياً واللّه لم يذكره في كتابه؟! وكأن النبي (صلّى اللّه عليه وآله) قد خرج عن دائرة أمر اللّه أو أنه في جبهة مخالفة لله - والعياذ باللّه - أو كأن النبي (صلّى اللّه عليه وآله) ليس هو الذي قد قال اللّه تعالى فيه: ﴿وَمَايَنطِقُ عَنِ الهَوَى﴾؟ فكلامه (صلّى اللّه عليه وآله) كلام اللّه سبحانه وتعالى؛ لأنه لا يكون إلا عن وحي، وقال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(4).

فكيف تعترض على النبي (صلّى اللّه عليه وآله) يا عمر؟!

ما أجرأك على اللّه ورسوله (صلّى اللّه عليه وآله)!!

ولنعد إلى التاريخ لنجده يحدثنا:

قام عمر بن الخطاب إلى النبي (صلّى اللّه عليه وآله) وقال: إنك لا تزال

ص: 37


1- راجع (النص والاجتهاد) و(الغدير) وغيرهما..
2- سورة النجم: 3- 4.
3- سورة النساء: 65.
4- سورة الحشر: 7.

تقول لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» وقد ذكر اللّه هارون في القرآن ولم يذكر علياً؟! فقال النبي (صلّى اللّه عليه وآله): «يا غليظ، يا أعرابي، إنك ما تسمع ما يقول: (هذا صراطُ عليٍّ مستقيم)..»(1).

فهذه قراءة من القراءات(2).

وليس لك الحق - أيها المخالف - بأن تحتجَّ على الطرف الآخر، وتقول: لماذا تقرأ هكذا؟! ولا يحقُّ لك أنْ تقول إنه تحريف للكتاب؟!إذ سوف يجيبك الطرف الآخر: إنكم تلتزمون بشرعية (القراءات) وأنه توجد عندكم الكثير من القراءات للكثير من الألفاظ القرآنية ذات العديد من المعاني المغيرة للقرآن، وهي موجودة ومذكورة في مصادركم، ومع ذلك لا تعترضون بأنه (تحريف للقرآن الكريم)، ولكنكم بمجرد أن تسمعوا قراءة عن أهل البيت (عليهم سلام اللّه) فإنّكم تعترضون؟! ﴿تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾!!

ص: 38


1- المنقبة الخامسة والثمانون، من كتاب (مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من ولده من طريق العامّة) ص160، وفي رواية ابن شهرآشوب ج2: ص302: «يا غليظ يا جاهل..» وكذا البحار: ج35 ص58، أقول: هذه الرواية حجة على (الشيعي) الذي يرى حجية ما ذكرناه من الكتب المعتمدة، فالاحتجاج بهذه الرواية عليه، إذا كان منكراً، وأما أهل العامّة فنقول لهم أن مضمون هذه الرواية شاهد على صدقها لأن موقف (عمر) كان سلبياً بوضوح من الإمام علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام، ولأن الإشكال بما استشكله طبيعي لمن لا يذعن بولاية علي وخلافته المباشرة بعد الرسول، وأما جواب الرسول فإنه مطابق لرواية الإمام الصادق (عليه السلام) الذي لا ينكر فضله وعلمه وجلالته ووثاقته عامي ولا خاصي. إضافة إلى أن هذه القراءة الثالثة هي الأكثر سلاسة وبلاغة من القرائتين الآخريين. فتأمل وعلى أي حال فإن القراءة الثانية السابقة تكفينا للاحتجاج على أهل العامّة. فتدبر جيداً.
2- ولا يخفى أن مشهور الشيعة ملتزمون بالقراءة المعهودة الآن في المصحف وهي: قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ، لكن الكلام هو: أن القراءات الأخرى، حسب مبنى تعدد القراءات المشهور عند علماء السنة، صحيحة أيضاً.

هذا مع قطع النظر عن الجواب السابق من أنكم تصرحون في صحاحكم - بما مفاده - أن ثلثي القرآن الكريم محذوف! وتصرحون بأن سوراً طوالاً محذوفة! وتصرحون.. وتصرحون...!!

ولهذا المبحث مجال واسع فلنتركه للمفصلات ولنكتف ههنا بهذا القدر.

ص: 39

ص: 40

الفصل الثالث: الاستدلال بآية (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)

اشارة

﴿سورة مريم: 50﴾

ص: 41

ص: 42

(3)

قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾(1)

وهذا الجواب يثبت لنا بالبراهين القاطعة -وعلى حسب القراءة المجمع عليها -: أن اسم الإمام علي (عليه السلام) مذكور في القرآن الكريم!

وقبل البدء نقول:

إن هذا الجواب سيظهر بوضوح أن السؤال المطروح هو "خاطئ" تماماً، وغير صحيح بالمرة.

وستوضح لنا هذه الإجابة ان هذا السؤال: (لماذا لم يذكر اسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم؟) هو سؤالٌ خاطئ؛ لأنّهُ حسب البراهين القاطعة وعلى حسب ما التزمه فطاحل من العلماء تعضدهم أدلة وقرائن كثيرة "نقلية" قرآنية وروائية، و"عقلية" برهانية، فإنّ اسم الإمام أمير المؤمنين (عليه صلوات المصلين) قد ذُكِر في القرآن الكريم حسب قراءة مجمع عليها وبنفس حروف اسمه المبارك أي "علي" وليس بالإشارة، أو بنحو شأن النزول، أو بذكر الصفات فقط.

وبناءً على هذا الجواب العلمي الدقيق فإن السؤال ينبغي أن يتحوَّل إلى:

أين ذُكِرَ اسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم؟

وليس: "لماذا لم يُذكَر؟"

ثم عندما نتوصل على ضوء ما سنذكره في هذا البحث - إن شاء اللّه - إلى أن الاسم الشريف قد ذُكِر بالصراحة في القرآن الكريم، وليس في موطنٍ واحد، بل في أكثر من موطن، فإن السؤال الصحيح سيتحول إلى:

ص: 43


1- سورة مريم: 50.

كم مرة ذكر اسم علي (عليه السلام) في القرآن الكريم؟

إضافة إلى السؤال المعهود وهو: كم مرة ذكر لقبه (عليه السلام)الخاص؟ أو أوصافه (عليه السلام) الخاصة؟

والإجابة ستكون باستقراء مجموعة غنية حافلة بالشواهد من الآيات القرآنية مصحوبة بالبرهان والدليل، بل بالأدلة والبراهين.

فلنتوقف إذن عند الآية الشريفة:

يقول اللّه سبحانه وتعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾(1)

إن أبرز وأشهر تفسيرين لهذه الآية الكريمة هما:

الرأي الأول: إن قوله تبارك وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ(2) لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾، يعني: ذِكراً حسناً عالياً على مرِّ الأزمان، وهذا هو الرأي المشهور(3)، ولكن: لماذا أصبح هذا التفسير هو التفسير المشهور؟

الجواب: لعل المزيج من الظلم والاضطهاد والإرهاب الفكري والسياسي والاجتماعي الذي تعرض له أتباع أهل البيت(4) (عليهم السلام)، إضافة إلى العداء المستحكم الذي تميّز به خط الجاحدين لإمامة أمير المؤمنين (سلام اللّه عليه) ،

ص: 44


1- سورة مريم: 50.
2- أي: لإسماعيل وإسحاق ويعقوب (عليهم السلام).
3- ينظر مجمع البيان في تفسير القرآن: ج6 ص427 سورة مريم. والتفسير الصافي للفيض الكاشاني (قدس سره): ج3 ص384. وشواهد التنزيل للحسكاني: ج1 ص462 ح487 و488. وتنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين: ص107 سورة مريم.
4- هذا فضلاً عمّا تعرّض له أهل البيت (عليهم السلام) أنفسهم، ويكفي للاستدلال على ذلك كتاب «مقاتل الطالبيين» فهو يكفي دليلاً لما تعرض له أهل البيت (عليهم السلام) من ظلم وقتل وارهاب.

والمنكرين لكل أو لأكثر أو للكثير من فضائله ومناقبه، كل ذلك كان هو الباعث ليتحول هذا الرأي إلى الرأي المشهور ولو من باب "التقية".

الرأي الثاني هو: إن ﴿عَلِيّاً﴾ اسم عَلَم يراد به الإمام علي بن أبي طالب (صلوات اللّه وسلامه عليه) وليس صفة، أي ليس صفة للسان الصدق(1).

فهو كما لو قال: (جعلنا لهم أمير المؤمنين علياً) بتغيير المفعول الأول: أي ﴿لسان صدقٍ﴾ أو هو كما لو قال: (وجعلنا لهم لسان صدق محمداً) بتغيير المفعول الثاني، أو الحال، مع أنه لو كان فرضا (محمداً) فإنه كان يحتمل (الصفتية) أي محموداً ، و(العلمية) أي الاسم الخاص والعلم المحدد للذات النبوية الشريفة.

وسنذكر بإذن اللّه تعالى لهذا الرأي الثاني، العديد من الأدلة والشواهد والقرائن المستلهمة من القرآن الكريم، إضافة للروايات الصحيحة الواردة في هذا الباب:

فإن الذي اكتشفته - في هذه العجالة - بالتدبر في نفس الآية القرآنية الكريمة، والآيات المحيطة بها، بلغ تسع قرائن وأدلة وشواهد، كلها تدل على أنّ (عليّاً) ههنا عَلَمٌ، وليس صفة، وسوف نتطرق لها في أواخر البحث، أي إن ﴿علياً﴾ في الآية الشريفة هو: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهذا يعني أن اللّه سبحانه وتعالى قدّر أن يكون "لسان صدقِ" أولئك الأنبياء العظام عليهم السلام متجسداً في أهل بيتِ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) منذ البعثة النبوية الشريفة وإلى مديات المستقبل القريب والمتوسط والبعيد، حتّى يوم الظهور المبارك، بل حتّى يوم القيامة، بل حتّى في يوم الحشر الأكبر..

ص: 45


1- تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج2 ص51 سورة مريم.

وذلك عن طريق سيد الأوصياء الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وبضعة الرسول الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله) الزهراء الحوراء (عليها السلام)، ثم عبر السلسلة النورية المباركة التي نتجت عن:

﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ﴾(1).

أي عبر: الإمام الحسن، والإمام الحسين، والإمام السجاد، والإمام الباقر، والإمام الصادق، والإمام الكاظم، والإمام الرضا، والإمام الجواد، والإمام الهادي، والإمام العسكري، والإمام الحجة المهدي المنتظر (صلوات اللّه وسلامه عليهم جميعاً).

ومن ذلك نعرف: أن إبراهيم (عليه السلام) إذ طلب من اللّه تعالى:﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ﴾(2) لم يطلب من اللّه تعالى مجرد (الذكر الحسن فقط)، بل طَلِبَ ما هو الأكمل والأسمى والأفضل من مصاديقه وهو: أن يكون امتداده إلى يوم القيامة عبر هذه السلسلة النورية، التي تخلّد له "الذكر الحسن" إلى أبد الآبدين، وهذه قرينة واضحة أكيدة سيأتي بيانها لاحقاً، إذا شاء اللّه سبحانه وتعالى.

لا استحالة ذاتية، ولا وقوعية

ان مقتضى "الحكمة" هو إرادة الإمام علي (عليه السلام) من (واجعل لي لسان صدق علياً).

ولكن: وقبل أن نبدأ في ذكر الأدلة القرآنية والحديثية البرهانية على ذلك، لابد أن نطرق المسألة بطريق آخر يعد تمهيداً للبحث، فنقول:

ص: 46


1- سورة الرحمان: 19 - 20.
2- سورة الشعراء: 84.

إن مَن يقول: إن المراد من: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) هل قال أمراً مستحيلاً ذاتياً، أو مستحيلاً وقوعياً؟

يعني: هل من المستحيل على اللّه تعالى أن يريد ب: ﴿عَلِيّاً﴾ علي بن أبي طالب (سلام اللّه عليهما) استحالة ذاتية، أي كاستحالة اجتماع النقيضين، أو ارتفاع النقيضين؟

أم هل توجد استحالة وقوعية في ذلك، أي هل من القبيح على اللّه تعالى أن يعني ب- ﴿عَلِيّاً﴾ علي بن أبي طالب (عليهما السلام)!، حتّى تكون الاستحالة وقوعية؟

الجواب بوضوح: كلا.. ثم كلا..

إذ: أين وجه القبح في ذلك؟ أوَ ليس (علي) هو باب علم رسول اللّه (صلى اللّه عليهما وآلهما)(1)؟

أوَ ليس (علي) هو مَنْ قال فيه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله):«أقضاكم علي»(2)؟

و:«أعلمكم علي»(3)؟

وقال (صلّى اللّه عليه وآله) فيه: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا

ص: 47


1- انظر: أمالي الصدوق: ص425، الإرشاد للشيخ المفيد ج1: ص33، المستدرك على الصحيحين ج3: ص137، المعجم الكبير ج11: ص65، حلية الأولياء ج1: ص64.
2- انظر: الكافي ج7: ص408، دعائم الإسلام ج1: ص92، الصواعق المحرقة: ج1: ص110، وج2: ص358، المواقف للايجي ج2: ص627، وجاء في صحيح البخاري ج4: ص1628 بلفظ: «أقضانا علي».
3- الكافي ج7: ص424، خصائص الأئمة: ص84، كنز العمال ج11: ص614، الفردوس بمأثور الخطاب ج1: ص370، ينابيع المودة: ص70.

نبي بعدي(1)»(2)؟

بل: أليس (علي) هو الذي وردت فيه الآية القرآنية: ﴿وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ﴾(3) يوم المباهلة، فهو نفس رسول اللّه(4) (صلّى اللّه عليه وآله).

ثم أليس (علي) (عليه السلام) هو مفخرة الإسلام الكبرى وفخر البشرية الخالد أينما ذكر، في شجاعته، وبطولاته، وانجازاته؟ في جهاده.. في علمه الغزير، في زهده الفريد، في ورعه وعدله، في حكمته وحكومته، وفي كافة مناحي حياته؟

أليس بحق "لسان صدق" للأنبياء؟ والأنموذج الأسمى للطهر والنقاء؟

وبعد ذلك كله فأين القبح لو كان المراد بلسان الصدق للأنبياء هو علي بن أبي طالب؟!

إن ذلك (لو كنتم تعقلون) ليس بقبيح، وليس بمستحيل، بل هوالمستملح، والمستحسن، والجيد، والمحبذ، والرائع، واللطيف.

نعم ذلك هو عين الحسَن، وعين الحكمة، وعين الجمال، وعين الكمال ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾(5).

ص: 48


1- الخصال: ص211، المحاسن ج1: ص159، صحيح البخاري ج3: ص1359، الحديث: 3503، وج4: ص1602، الحديث: 4154، صحيح مسلم ج4: ص1870، الحديث: 2404، صحيح ابن حبان ج15: ص15، الحديث 6643، و6926 و6927.
2- هذه الروايات والعشرات بل المئات غيرها من المشهورات في كتب المسلمين جميعاً.
3- سورة آل عمران: 61.
4- انظر: الدر المنثور ج2: ص233، تفسير الكشاف ج1: ص396، تفسير القرطبي ج4: ص104، وقال الجصاص في أحكام القرآن ج2: ص295: «نقل رواة السير ونقلة الاثر لم يختلفوا فيه أنّ النبي (صلّى اللّه عليه وآله) أخذ بيد الحسن والحسين وعلي وفاطمة رضي اللّه عنهم».
5- سورة البقرة: 76.

والغريب أن يأتي البخاري بروايات هي في غاية القُبح، هي في غاية البُعد، هي في غاية الاستحالة، ومع ذلك يعتز بها، وتعتزون بها، بل وتتبجحون!!

ما أغرب هذه المفارقة؟ وإن عشت أراك الدهر عجباً... وسيأتي تفصيل ذلك آخر هذا الكتاب.

ص: 49

الأنواع الأربعة من الأدلة الراوئية

اشارة

الأنواع الأربعة من الأدلة الراوئية(1)

النوع الأول من الأدلة الروائية:

اشارة

النوع الأول: الروايات الصريحة:

روايتان صحيحتا السند تصرحان بأن ﴿عَليّاً﴾ يعني: علي بن أبي طالب (عليهما السلام):

ولنبدأ بالروايات الشريفة، على حسب ما يراه أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، ثم ننتقل إلى بعض أتباع السقيفة، لنرى ما يقولون، حلاً ونقضاً، ثم نأتي إلى الشواهد القرآنية الكريمة الدالة على ذلك، ونختم القضية ببعض الأدلة العقلية على ذلك.

أولاً: لنا أن نتساءل، هل هناك روايات صحيحة السند تدلُ على أنّ: ﴿عَلِيّاً﴾ عَلَم، وليس وصفاً ل﴿لِسَانَ صِدْقٍ﴾ في آية: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ في سورة مريم، التي هي السورة التاسعة عشرة من القرآن، الآية خمسون من هذه السورة المباركة؟

والجواب الصريح هو: إنه توجد ليس رواية صحيحة واحدة فحسب، وإنما توجد أكثر من رواية صحيحة في هذا الحقل، وسنستعرض ههنا روايتين هما في أعلى درجات الصحة، بمعنى أن سندها سندٌ لعله لا يُضارع، أو هو قليل

ص: 50


1- طرف الخطاب في هذا المبحث، يعود إلى (الشيعي) من جديد، فانه المقصود الآن بالاستدلال، وسنذكر أدلة أخرى تصلح دليلاً حتى عند أهل الخلاف أيضاً، وأهم ما سيأتي مما يصلح دليلاً واضحاً حتى على المخالف هو (الشواهد القرآنية التسعة) فانتظر.

المثيل في الصحة والجلالة والوثاقة.

ومن البديهي - رجالياً - أن الرواية الصحيحة يُتمسك بها دون كلام وبدون شك، فكيف لو وجدت روايتان صحيحتان على أقوال مختلف علماء الرجال؟!

سند الرواية الأولى في أعلى درجات الصحة

الرواية الأولى؛ يرويها الشيخ الصدوق (رحمه اللّه) بإسناده الراقي.

والعلماء يعرفون طبعاً هذه السلسلة من السند ومدى وثاقة رجال السند وجلالة شأنهم، لكن كثيراً من الناس ربما لا يعرف هذه الأسماء أو لعله يعرفها لكنه لا يعرف بعض الخصوصيات التي تلقي الضوء على عظمة ومكانة وجلالة ووثاقة أولئك العظماء؛ لذا فإننا في البداية سوف نتطرق وكإشارة سريعة لبعض الحديث عن السند، والذي يمكن أن نُعبّر عنه بالسند الذهبي، أو السلسلة الذهبية..

الراوي الأول: هو الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) في كتاب «كمال الدين وتمام النعمة»، أو «إكمال الدين وإتمام النعمة».

والشيخ الصدوق (رحمه اللّه) كما تعلمون، وُلِدَ بدعاء خاص من الإمام الحجة المنتظر (عجّل اللّه فرجه)، والإمام الحجة (عليه السلام) عبّر عنه عند ما بعث رسالة إلى والده، بهذا التعبير النادر وبهذا الوصف العظيم: «إنّهُ سيولد لك ولدٌ مباركٌ ينتفع به».

إذن، هو شخصية مباركة عملاقة استثنائية، كما أن له من المؤلفات ثلاثمائة كتاب، وهذا يشكل رقماً كبيراً جداً في ذاك الوقت، بل حتّى في هذا الوقت، خاصة لشخصية متعددة الأدوار والمهام والمسؤوليات.

بل إنه أشهر من أن يُذكر أو يوصف أو يُعرّف، فقد كان (رحمه اللّه) شيخ الطائفة في زمانه ، وحتى أن بعض الرجاليين، يقول: «لم يُرَ في القميين مثلُهُ في

ص: 51

حفظه وكثرة علمه، وكان حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرجال»(1).

الراوي الثاني: هو (والد الشيخ الصدوق) (رحمه اللّه).

فإن الشيخ الصدوق يروي هذه الرواية عن والده، ووالده أيضاً من الأعلام والثقات والمعروفين بالورع والتقوى والزهد، ويكفينا ما يقوله النجاشي حوله: «شيخ القميين في عصره، ومتقدمهم، وفقيههم، وثقتهم»(2).

وأيضاً فإن الشيخ الصدوق يروي هذه الرواية عن شخصٍ آخر، يعني: أن الصدوق يرويها عن شخصين: عن والده، وعن شخص آخر، وذاك الآخر هو بدوره قمّة في الوثاقة والجلالة، وهو:

محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد:

ونلاحظ أيضاً، أن كبار علماء الرجال وَصَفوا هذا العظيم ب(ثقةٌ ثقة)(3)، وليس فقط ثقة، بل: ثقة ثقة، و(عين)(4) وهي عبارة أخرى قوية الدلالة، و(مسكون إليه)(5) و(شيخ القميين وفقيههم، ومتقدمهم، ووجههم)(6)، إلى آخر العبارات التي تشيد بهذا الإنسان العظيم، وهذا كله في الطبقة الثانية.

هؤلاء يروون عمّن؟

إنهم يروون عن:

الراوي الثالث: هو (سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف الأشعري القمّي)،

ص: 52


1- الفهرست للشيخ الطوسي (قدّس سرّه): باب محمّد ص237.
2- رجال النجاشي: ص261.
3- المصدر نفسه: ص383.
4- المصدر نفسه.
5- المصدر نفسه.
6- المصدر نفسه.

وكان أيضاً في زمانه: (شيخ الطائفة)(1)..

ولاحظوا: أن سلسلة السند كلهم، ليسوا علماء أو مراجع عاديين فقط، بل إنهم أكبر علماء أهل البيت (عليهم السلام) في زمنهم، كابراً عن كابر، وستجدون السند حتّى آخره كذلك، فالسند في قمّة الجلالة والصحّة والوثاقة.

وقد وصفه علماء الرجال ب(شيخ هذه الطائفة، وفقيهها،ووجهها)(2)، وكان (سعد بن عبد اللّه) حتّى عند أهل الخلاف محترماً جداً، وكان قد سمع من حديث العامّة شيئاً كثيراً، وسافر في طلب العلم، وصنّف كتباً كثيرة، وقد وصل إلينا من أسمائها اسم ثلاثين كتاباً. كما أن هذا العالم العظيم، روى على أقل تقدير "ألف ومائة واثنين وأربعين رواية"، وتوجد كلمات كثيرة حول هذا الرجل، فلنكتف بهذا القدر(3).

هذا الراوي ينقل عمّن؟ إنه ينقل عن:

الراوي الرابع: وهو (يعقوب بن يزيد)

والذي وقع أيضاً في إسناد «كامل الزيارات»، وهو من مشاهير الثقات، ومن الذين وثقه كبار العلماء، وعبروا عنه: بأنه (ثقة صدوق)، وهي صفة بعد صفة، وكان (ثقةً صدوقاً)(4)، وأوصافه وأحواله يمكن أن تراجعوها في كتب الرجال، كما أنه كان من أصحاب الإمام الكاظم والإمام الرضا والإمام الجواد

ص: 53


1- رجال النجاشي: ص177.
2- المصدر نفسه.
3- انظر: رجال النجاشي: ص177، الفهرست: ص215، رجال الطوسي: ص399، رجال ابن داود ج1: ص167، الخلاصة، للعلامة الحلي: ص78.
4- انظر: رجال النجاشي: ص450، فهرست الطوسي: ص508، رجال الكشي ج1: ص613، رجال ابن داود ج1: ص379، الخلاصة: ص186.

والإمام الهادي (عليهم الصلاة وأزكى السلام).

هذا الرجل العظيم ينقل عمّن؟ إنه ينقل عن:

الراوي الخامس: وهو (محمّد بن أبي عُمير).

وهو من (أصحاب الإجماع) وكان معروفاً بالزهد والورع والنُسك، عند العامّة والخاصة، وإليكم بعض العبارات التي وردت في وصف محمّد بن أبي عمير:

«كان من أوثق الناس عند الخاصة والعامّة، وأنسكهم نُسكا، وأورعهم، وأعبدهم»(1)، وقد وصفه الجاحظ في كتابه «فخر قحطانعلى عدنان»: «إنّهُ كان واحد أهل زمانه في الأشياء كلها»(2).

هذا العالم العظيم ينقل عمَّن؟ إنه ينقل عن:

الراوي السادس: وهو (هشام بن سالم)

وقد عبّر عنهُ الرواة والمؤرخون: ب(ثقة ثقة)(3)، والشيخ المفيد (رحمه اللّه) له عبارة قوية في حق هشام بن سالم؛ إذ يقول عنه: «إنه من الرؤساء والأعلام المأخوذ منهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام، الذين لا يُطعن فيهم بشيء، ولا طريقة إلى ذم واحد منهم»(4).

وهشام بن سالم أيضاً من المشهورين في مقامه العلمي، وفي زهده وورعه، وتقواه ووثاقته..

ويقع في سلسلة السند ختاماً:

ص: 54


1- الفهرست للشيخ الطوسي: 218.
2- نقلا عن فهرست الطوسي: ص218.
3- رجال النجاشي: ص434.
4- جوابات أهل الموصل: ص25.

الراوي السابع: وهو (أبو بصير)

وهو معروف بمكانته، وجلالة شأنه، وعظمته أيضاً(1).

ومن شواهد جلالة أبي بصير أنّ محمّد بن مسلم -على عظمته وعلوِّ مكانته(2)كان يصلي خلف أبي بصير في طريق مكة.

إذن: هذا السند من حيث الوثاقة في أعلى درجات الاعتبار.

نص الرواية الصحيحة الأولى:

ولنقرأ الآن الرواية التي رواها هؤلاء الأعلام الفطاحل، وعيون الأمة وثقات الأئمة، وشيوخ الطائفة، ومراجعها العظمى في أزمانهم والرواية طويلة، ونحنُ نقتطف منها موضع الحاجة فقط:

يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير الآية:

« ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ(3) وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّه وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ يعني: به علي بن أبي طالب (عليه

السلام)؛ لأنّ إبراهيم (عليه السلام) كان قد دعا اللّه عزّ وجلّ أن يجعل له لسان صدقٍ في الآخرين..»(4) إلى آخر الرواية المُطولة.

ص: 55


1- لا يخفى أن (أبا بصير) ينصرف إلى يحيى بن القاسم، وهو (أبو بصير الأسدي المكفوف) وهو الثقة المعروف الذي عدّه الكشِّي من أصحاب الإجماع الأول، ولا أقل من تردده بينه وبين ليث بن البختري المرادي، وهو أيضاً ثقة.
2- كان الإمام الصادق (عليه السلام) يُرجع الناس إليه في الفتيا بل كان يُرجع بعض أصحابه إليه، وكان يقول إنَّه كان عند أبي وجيهاً. انظر: الخلاصة: ص149.
3- المقصود هو إبراهيم النبي.
4- كمال الدين: ص139، بحار الأنوار ج35، ص59، والبرهان في تفسير القرآن، في تفسير الآية الكريمة. ثم انه لا يخفى انه توجد روايتان بسندين احداهما رواية الصدوق في كمال الدين، بهذا السند الذي ذكرناه. والثانية رواية الكافي بسند آخرن (علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابي عمر عن هشام بن سالم عن أبي أيوب الخزاز عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه قال...) الكافي كتاب الروضة ج8: ص366، ح: 558، ولا وجه لما صنعه بعض محققي بعض طبعات (كمال الدين) من إرجاع رواية الصدوق، للكافي، واعتبارهما رواية واحدة ثم تصحيح رواية (كمال الدين) على حسب رواية (الكافي) فان الظاهر وجود روايتين بسندين كل منهما تشتمل على خصوصيات وزيادات ليست في الأخرى، خاصة إذا لاحظنا أن هشام بن سالم يروي مباشرة عن الإمام الصادق، كما عن الإمام الكاظم، فلم يكن بحاجة إلى توسيط أبي أيوب الخزاز الذي يروي عن أبي بصير الذي يروي عن الإمام الصادق عليه السلام – كما في الكافي – فالظاهر وجود كلتا الروايتين بطريقين ولكل منهما خصوصيات. وبناء العقلاء على التعدد فيما لو روى راوٍ حادثةً بسندين، وكان في كل منهما خصوصيات تنفرد بها، لكن من دون منافاة وتعارض، فإن بناءهم على إكمال الصورة بلحاظ مجموع الروايتين وعدم طرح بعض خصوصيات احداهما لعدم ورودها في الأخرى، وعدم إرجاع احداهما للأخرى بدعوى انها رواية واحدة فقط، وان الاختلاف نشأ من خطأ النساخ أو إضافة كلام الناقل مثلاً. ومما يشهد لذلك اعتماد العلامة المجلسي – وهو خريت هذا الفن – على رواية الصدوق من دون إرجاعها لرواية الكليني.

فهذه رواية واضحة صريحة صحيحة، بيِّنة في الدلالة على المقصود والمراد ب- :﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ حيث يُصرّح الإمام (عليه الصلاة وأزكى السلام) في هذه الرواية ب: (يعني به علي بن أبي طالب) (عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام).

الرواية الصحيحة الثانية ونصها:

الرواية الثانية: وهي أيضاً صحيحة السند، وواضحة الدلالة علىالمقصود، ويرويها علي بن إبراهيم (رحمه اللّه) وهو المفسر المعروف الشهير بفضله وجلالته، وهو الذي قد روى أكثر من سبعة آلاف رواية، وقد وردت في حقه عبارات ذات دلالات عظيمة، مثل: (إنّه ثقة في الحديث، ثبتٌ، معتمد،

ص: 56

صحيح المذهب)(1)، وإن كنّا في غنى عنها لأنه مجمع عليه.

كما أن والده وقع في طريق إسناد أكثر من ستة آلاف رواية.

وهذان العلمان يعدّان من أشهر الأعلام في تاريخ علماء ورواة شيعة أهل البيت (عليهم السلام).

علي بن إبراهيم (رحمه اللّه) يقول: « ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا﴾ يعني: لإبراهيم وإسحاق ويعقوب ﴿مِن رَّحْمَتِنَا﴾ يعني (رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله))، ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ يعني: أمير المؤمنين (عليه السلام)»(2).

قال علي بن إبراهيم: «حدثني بذلك أبي، عن الإمام الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام)».

وهذا هو طريق الرواية، أي إن هنالك واسطة واحدة فقط بين الراوي وبين الإمام (عليه السلام).

إذن: هناك روايتان صحيحتان -حسب هذا التتبع الناقص العاجللا يرقى إليهما الشك، تصرحان بأنّ المقصود ب: ﴿لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ هو: علي بن أبي طالب (عليه الصلاة وأزكى السلام).

ص: 57


1- انظر: رجال النجاشي: ص260، رجال ابن داود ج1: ص237، الخلاصة: ص100.
2- راجع تفسير علي بن إبراهيم القمي ج2: ص51، وعنه البحار للشيخ المجلسي (قدس سره) ج12: ص93.

النوع الثاني: الروايات المستفيضة

روايات مستفيضة تدل على ذلك:

هناك روايات أخرى كثيرة مستفيضة دون شك، وهذه قد لا تكون بقوة الصحيحتين السابقتين لكنها تتعاضد فيما بينها ويجبر بعضها بعضاً.

وهي تصرّح بوجود اسم الإمام علي (عليه سلام اللّه) في القرآن الكريم، أو تذكر الآيات التي تضمنت اسمه المبارك، وللباحث أن يراجع تفسير (البرهان) و(بحار الأنوار) وغيرها ليطلع على عدد منها.

فإنها روايات مستفيضة، وان الواحد منها إذا انفرد ربما يقال لعله لا يكون حجة، لكنها بتعاضدها تفيد المقصود، وتنتج المطلوب، وبناء العقلاء على حجية مثل ذلك أيضاً.

ولعل اعتمادهم على (المستفيضة) لا يقل عن اعتمادهم على (الصحيحة). ومما يوضح ذلك معادلة (حساب الاحتمالات) المعروف.

ص: 58

النوع الثالث : روايات من طرق العامّة

اشارة

أحد كبار علماء العامّة يؤكد أن ﴿عَلِيّاً﴾ عَلَمٌ للإمام علي(عليه السلام)

والغريب أنّ بعض كبار علماء العامّة صرّح بأنّ ﴿عَلِيّاً﴾ في هذه الآية الكريمة يعني علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهذا العالم يعدّ من كبار ومشاهير علماء أهل السنة، وهو عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أحمد بن محمد الحسكاني الحنفي المعروف(1)، في كتابه «شواهد التنزيللقواعد التفضيل» المجلد الأول صفحة 358

ص: 59


1- الحاكم الحسكاني قال عنه السيوطي في (طبقات الحفاظ) (الحسكاني القاضي المحدث أبو القاسم عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن حسكان القرشي العامري النيسابوري – ويعرف بابن الحذاء – شيخ متقن ذو عناية تامة بعلم الحديث، عمّر وعلا إسناده، وصنف في الأبواب وجمع...) وقال الذهبي في أخر الطبعة 14 تحت الرقم 1032 من كتاب (تذكرة الحفاظ) نظير ذلك ومنه (شيخ متقن ذو عناية تامة بعلم الحديث وهو من ذرية الأمير عبد اللّه بن عامر بن كريز الذي افتتح خراسان زمن عثمان، وكان معمراً عالي الاسناد... وما زال يسمع ويجمع ويفيد....) هذا. ولا يمكن تضعيف الحسكاني بما ذكره الذهبي بعد ذلك (ووجدت له مجلساً يدل على تشيعه وخبرته بالحديث وهو تصحيح خبر رد الشمس لعلي رضي اللّه عنه وترغيم النواصب الشمس) وذلك لأن بناء العقلاء من كل الملل والنحل على (الاتقان والخبروية) وقد اعترف الذهبي والسيوطي بانه (متقن، ذو عناية تامة بعلم الحديث... وما زال يسمع ويجمع ويفيد). ثم هل يعد جريمة إذا اعتقد عالم باحث محقق بصحة حديث ورد عن النبي (صلى اللّه عليه وآله) لأنه عثر على الأدلة الروائية المختلفة على صحة ذلك الحديث؟ بل ان ذلك يعد دليلاً على ورعه وتقواه حيث لم يَحُل التعصب لمذهبه، عن ان يذعن بما وصله من طرق مختلفة لحديث رد الشمس عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) وهل هو إلا عامل بقوله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً). هذا إضافة إلى أن (الحسكاني) أدان (النواصب الشُّمس) ولا يوجد مسلم إلا وهو يدين النواصب، فكيف يعد ذلك دليلاً على تشيعه؟ ثم هل يعد (التشيع) على فرضية جريمة إذا كان عن دليل وبسبب روايات رسول اللّه الواصلة للمحقق؟ ثم انه لو كان تصحيح حديث ورد عن رسول اللّه، أو تأكيده، أو الاعتماد عليه، في حق علي عليه السلام، دليلاً على تشيع الفقيه الراوي للحديث أو المحدث الراوي له، لكان اللازم على الذهبي أن يفتي بتشيع أغلب بل كل علماء المخالفين – إلا النواصب وإلا النادر منهم – لأنهم رووا رواية بل روايات في فضائل علي بن أبي طالب، فراجع التفاسير وكتب الحديث والفقه من كتب العامّة، فستجدها طافحة بالأحاديث عن مقام ومنزلة أو فضائل الإمام علي عليه السلام.

(وحسب طبعة أخرى صفحة 463).

ولاحظوا كم هي حساسة جداً هذه المسألة: اسمُ علي بن أبي طالب مذكورٌ بالصراحة في القرآن الكريم!! وكيف يجرأ عالم سني شهير أنْ يصرح بذلك في كتابه رغم كلّ الإرهاب الذي يلفُ الأجواء؟! إلا لو كانت الروايات في هذا الحقل من القوة والمتانة بحيث لم يجد بُدّا إلا أن ينقلها وينشر الحق على رؤوس الأشهاد!!

ومن الملاحظ إنه حتّى في هذا الزمن فإن الكثير من أتباع أهل البيت من علمائهم وعامتهم يحذرون أو يتقون أن يقولوا بعض هذا الذي نقوله الآن، بل إن من يقول ذلك قد يتصوره بعض الناس متهوراً فيما يصفه البعض بالشجاعة!! فيكف إذا روى ذلك عالم بكري(1) شهير في كتابه، رغم أن الضغط على مثل هذا العالم مضاعف كما هو معلوم! وتلك قرينة عقلائية أكيدة عامة على صحة تلك الرواية أو الروايات.

يقول في (شواهد التنزيل لقواعد التفضيل): قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله): «ليلة عُرِجَ بي إلى السماء، حملني جبرائيل على جناحه الأيمن، فقيل لي: مَنْ استخلفته على أهل الأرض؟»

وتدبروا في المفارقة الغريبة:

ص: 60


1- نسبة إلى أبي بكر وذلك لأنه المؤسس لمذهب أهل العامّة.

أهل السماء يسألون، وأهل الأرض ينكرون؟! ويقولون: لا ضرورة لأن يعين النبي (صلّى اللّه عليه وآله) خليفة، بل ربما قالوا ذلك لغو!

والا يناقض ذلك صريح (الفطرة) و(الوجدان)!!

فإن الأب عندما يسافر هل يترك أولاده سدى، هَمَلاً؟!

وماذا عن رئيس الشركة أو مدير المدرسة أو المستشفى أو قائد الجيش لو سافر دون أن يعين نائباً أو خليفة، ألا يذمه العقلاء؟! وألايستحق العتاب بل العقاب؟!

ولو حدثَ حدثٌ في غيابه من جريمة أو سرقة أو ضياع طفل أو ما أشبه ألا يعدّ هو المسؤول الأول؟!(1)

«فقلتُ: خيرَ أهلها لها أهلا: علي بن أبي طالب أخي، وحبيبي، وصهري يعني ابن عمي، فقيل لي : يا محمد أتحبه؟ فقلت: نعم يا ربَّ العالمين».

ومن هذا الجواب يظهر أن: «قيل لي» كانت من ربَّ العزّة والجلال.

«فقال لي» يعني: اللّه تبارك اسمه قال لمحمدٍ المصطفى (صلّى اللّه عليه وآله): «أحبّهُ ومُرْ أمتك بحبه، فإني أنا العلي الأعلى اشتققت له من أسمائي اسما فسميته علياً(2)، فهبط جبرائيل، فقال: إن اللّه يقرأ عليك السلام ويقول لك: إقرأ، قلت: وما أقرأ؟ قال: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ

ص: 61


1- ثم لو كان تعيين (الخليفة) غير ضروري، وليس من (الحكمة) ولذا لم يعين الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) خليفته، فلماذا عين أبو بكر خليفته؟! ولماذا عين عمر الخليفة وحصره في واحد من ستة؟ إلا أن يصرحوا بأنهم أشد حرصاً من رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) - والعياذ باللّه - على شؤون الأمة!
2- وما أوضح ذلك في الدلالة على أن (علياً) في الآية الشريفة هو علم لعلي بن أبي طالب، فلاحظ قوله تعالى: (اشتققت له من أسمائي إسماً فسميته علياً) ثم نزول جبرئيل بالآية الشريفة (وجعلنا لهم لسان صدق عليا)

صِدْقٍ عَلِيًّا﴾(1).

هذه الرواية ينقلها مَنْ؟

ينقلها هذا العالم السني الشهير، وكفى بذلك شاهداً ودليلاً.

ولو تتبع متتبعٌ لوجد أضعاف ما أشرت له ههنا من الروايات في كتب الفريقين، فإنه مع لحاظ أنني لست متفرغاً لهذا الحقل، ولكن مع ذلك ومع بعض التتبع وجدت هذه الروايات في كتب الفطاحل منالفريقين.. فكيف إذا تتبع الإنسان، وبذل جهداً في ذلك؟

بل كيف لو كانت لا تزال بأيدينا الألوف بل عشرات الألوف من الكتب التي أُتلفت؟ فكم من كتبنا أُحرقت؟ وكم من كتبنا ألقيت في نهر دجلة والفرات؟ حتّى أن النهر تحول إلى نهر أسود من الحبر!

تصوروا ذلك، على الرغم من أنّ نهر دجلة والفرات هما نهران عظيمان، فأيُّ كمٍّ هائل من الكتب ولعلها تكون بالملايين ألقيت في نهر دجلة حتّى تتحول مياه النهر الجاري العظيم إلى مياه سوداء ولمدة ثلاثة أيام؟!

هذه الكتب كلها أتلفت، وربما توجد في تلك الكتب أضعاف، أضعاف، أضعاف، أضعاف، بل وأكثر ممّا وصل إلينا من الروايات ومن الأدلة.

الإرهاب في عصر الحريات! ومنع طباعة الكتب!

ولأن الأشياء تعرف بأشباهها كما تعرف بأضدادها، فمن المفيد أن يلاحظ الآن وفي عصر العلم والحريات كيف أن كثيراً من الأحداث يعمّى عليها ويُطمّس

ص: 62


1- شواهد التنزيل للحسكاني: ج1 ص463 وقد رواها الحسكاني عن عبد الرحمن بن علي بن محمد بن موسى البزاز عن هلال بن محمد بن جعفر بن سعدان عن أبي القاسم اسماعيل بن علي الخزاعي عن أبيه

عليها، وكيف أن الكتب ممنوعة.

الآن «الكافي» الشريف في البلاد الإسلامية غالباً أو شبه الغالب ممنوع! فكيف بذاك الزمان؟!

فلو وصلت إلينا رواية أو كتاب في فضائل أهل البيت (عليهم السلام) لكان ذلك كرامة خارقة للعادة، فكيف برواية تقول: إن الآية الشريفة تتحدث عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكون المراد ب- ﴿عَلياً﴾ اسمه المبارك، ألا يعد ذلك معجزة؟!

وألا يعد دليلاً قاطعاً على أن هذه الرواية هي واحدة من مئات أو ألوف أمثالها التي منعت، وقد أفلتت هذه من يد (الرقيب الرهيب)؟!

وألا يعد دليلاً واضحاً على قوتها وقطعية صدورها، حتّى استطاعت المقاومة واختراق حاجز الزمان، رغم قوته وكثافته وعبر مئات السنين؟!

والغريب أننا نشهد الآن في عصر الحريات كتاب المسيحي يُطبع ولا يوجد معترض، وكتاب العلماني يطبع ويوزع ولا يوجدمانع أو رادع، بل الكتاب المعادي للدين، بل الكتاب الذي هو ضد اللّه خالق الكون سبحانه وتعالى يُطبع، ولا يحرك مسؤول ساكناً(1)، لكن (الكافي) الشريف الذي يتضمن ينابيع ومعارف وروايات الرسول الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم سلام اللّه وصلواته)، ممنوع!! وصاحب المطبعة لعلّهُ يُجرّم، والذي نشر هذا الكتاب أو وزعه، لعله يُغرّم، والمؤلف (إذا كان حاضراً الآن) ربما يُحاكم ..

الآن الوضع هكذا، فكيف في تلك الأزمنة، والضلال مُخيّم والظلام مستحكم وبشكل رهيب، ورغم ذلك كله تصلنا هذه الروايات؟!

ص: 63


1- بل لعل بعض البلاد التي تسمى إسلامية، تشجع وتدعم طباعة هذه الكتب.

النوع الرابع: روايات شأن النزول

اشارة

روايات شأن نزول سائر الآيات، والحديث عنها طويل جداً، ولكن سنكتفي ههنا بالإشارة؛ فإن هناك المئات من الروايات، بل الألوف من الروايات التي تحتوي على الكثير من الروايات صحيحة السند عند الشيعة، وعند السنة، وهي التي وردت حول آيات كثيرة جداً - منها آية ﴿الصادقين﴾ - وأنها نزلت في علي بن أبي طالب (عليهما الصلاة وأزكى السلام) دون شك، أو أُولت به، أو كانت كناية عنه، فإنها بمجموعها - آيات وروايات - تعد أقوى من ألف تصريح يصدر من أي شخص حول أي موضوع.

توضيح ذلك: إن المشهور ذكروا أن الآيات النازلة في شأن علي (عليه السلام) والمؤولة به هي ثلاثمائة وثلاث عشرة آية كريمة.

لكن السيد العمّ (حفظه اللّه) (1) في كتاب «علي (عليه السلام) في القرآن» بكلا جزئيه جمع أكثر من سبعمائة آية قرآنية كريمة، وردت فيها روايات كثيرة من طرق السنة فحسب، - فيكف بالروايات المروية عن طرقنا - ليس بالعشرات، بل بالمئات، وما جمعه (دام ظله) يشكل بعض الروايات الشريفة في هذا الحقل، ولو قيض اللّه سبحانه وتعالى من يتفرغ لذلك، ويتتبع بشكل أكثر، فإنه ربما يكتشف أن هذه الروايات تصل إلى الألوف، ولعلها مع ما لم يصل بأيدينا منها ممّا أحرق أو أغرق أو بقي مخطوطاً يبلغ عشرات الألوف.

ص: 64


1- هو المرجع الديني آية اللّه العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله).
الطغاة ضد أهل البيت عليهم السلام

وذلك كله على الرغم من أن التاريخ كله والطغاة كلهم كانوا ضد أهل البيت (عليهم من اللّه السلام)، وكان الحاكم يتخذ سياسة التجهيل المطلق، والتعتيم الإعلامي الشديد، وسياسة البطش والإرهاب بكل من يذكر فضيلة لأمير المؤمنين (عليه سلام اللّه)، بل كثيراً ما كانوايقتلون الشخص على روايته رواية واحدة يرويها، أو على ذكره فضيلة واحد لعلي بن أبي طالب (عليهما صلوات اللّه وسلامه) وإن كانت فضيلة عادية في ظاهرها، كما في زمن معاوية والحجاج وغيرهما، فكيف إذا روى شخص بأنّ القرآن الكريم قد صرّح باسم هذا العظيم، تُرى: هذا الشخص ماذا كانوا سيفعلون به؟! وماذا كانوا سيفعلون بعائلته؟! بل - أحياناً ولعلها لم تكن بالقليلة - وماذا بأصدقائه بل بكل عشيرته؟!

إن هذه تعدّ قرينة عامة على صدق ما وصل إلينا من هذه الروايات، بل إننا لا نحتاج كي نطمئن بالصدور حتّى إلى رواية واحدة صحيحة، فإنه إذا وصلتنا رواية واحدة فقط، حتّى لو لم تكن صحيحة بالمنطق السَنَدي الرجالي، مع هذا الجو من الإرهاب العجيب، لكفى ذلك في بناء العقلاء في القول بحجيتها، فكيف لو كانت هناك - حسب التتبع الناقص - روايتان صحيحتان أولاً، وكانت هنالك روايات مستفيضة في خصوص هذه الآية القرآنية الكريمة ثانياً. وكيف إذا علمنا ثالثا بان هناك:

ألف آية نزلت في الإمام علي (عليه السلام)

حسب الاستقراء الأولي الناقص وجد عدد من كبار العلماء أن هناك ثلاثمائة وثلاث عشرة آية قرآنية نزلت في شأن الإمام علي بن أبي طالب أو أوّلت به، ثم وبتتبع أكثر وجد بعض آخر من كبار العلماء – وكما سبق – ان هناك أكثر من سبعمائة آية في القرآن الكريم نزلت في شأن الإمام علي أو أوّلت به

ص: 65

ولكن التتبع المستفيض يقودنا إلى الأكثر من ذلك وربما سمعتُ من السيد العمّ (حفظه اللّه) بأنّهُ بعد ما ألف هذا الكتاب «علي (عليه السلام) في القرآن» بفترة، تتبع بعد ذلك، فوجدَ أنّ الآيات التي نزلت في شأن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، أو أوِّلت به بصراحة، أو بالكناية، بلغت ألف آية قرآنية كريمة(1).

ولعمري إن هذه حقيقة معجزة، أن يصل إلى أيدينا هذا الكم الهائل من الروايات رغم كل الإرهاب والتعتيم الإعلامي الشديد والشديد جداً.

ومن الواضح أن هذا الدليل يحتاج إلى سنين من الحديث والكلام، والعشرات من الكتب والدراسات، إذ ليس الحديث عن آية أو آيتين، وإنما الحديث عن أكثر من سبعمائة آية بل الحديث يدور حول ألف آية من القرآن الكريم، بما حولها من ألوف الروايات...!!

ولعمري إنها حجة اللّه البالغة.. ولكن ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾(2).

ص: 66


1- وقد أطلعني أحد الطلاب الأفاضل بعد هذا الحديث بأيام على كتاب «1000 آية نزلت في الإمام علي (عليه السلام) » علماً بأن اسم الكتاب كما وضعه المؤلف هو «اللوامع النورانية في أسماء علي وأهل بيته القرآنية» ومؤلفه هو السيد هاشم البحراني (قدس سره) الذي قال عنه الشيخ الحر العاملي (قدس سره) في (أمل الآمال): «فاضل عالم ماهر مدقق فقيه عارف بالتفسير والعربي والرجال» وقال الشيخ عباس القمي (قدّس سرّه) كما في (سفينة البحار): «بلغ - أي السيد هاشم - في القدس والتقوى بمرتبة أن (صاحب الجواهر) قال في بحث العدالة: لو كان معنى العدالة الملكة دون حسن الظاهر فلا يمكن الحكم بعدالة شخص أبدا إلاّ في مثل المقدس الأردبيلي والسيد هاشم البحراني على ما ينقل في أحوالهما» راجع سفينة البحار: ج2 ص717، وجواهر الكلام: ج13 ص295. وكتاب (ألف آية نزلت في الإمام علي (عليه السلام)) يقع في 530 صفحة حسب الطبعة التي لدي، وقد فرغ المؤلف من تأليفه في 1096ه- يوم مولد الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) والإمام الصادق (عليه سلام اللّه) في 17ربيع الأول، علماً بأن المؤلف الكبير استعرض في هذا الكتاب ألف اسم وصفة وردت في القرآن الكريم للإمام علي (عليه السلام) ولعل اثنين منها أو أكثر اجتمع في آية واحدة، فليلاحظ.
2- سورة النمل: 14.
تسعة أدلة على أن ﴿عَلِياً﴾ في آية ﴿لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ هو الإمام علي (عليه السلام)
اشارة

والآن لننتقل إلى (الأدلة) و(الشواهد) و(القرائن) العامّة أو الخاصة الدالة على أن المقصود ب- ﴿علياً﴾ في قول اللّه سبحانه وتعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾(1) هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإن القرائن والشواهد المستفادة والمنتزعة من نفس الآيةالشريفة والآيات المحيطة بها الدالة على أن: ﴿علياً﴾ هنا ليس صفةً وإنما هو عَلَم هي متعددة وهي أكثر من عشرة، نذكر الآن تسعة منها فقط، وهي تتوزع ما بين الشواهد من نفس (المفردات) في الآية الكريمة، وبين الشواهد من (السياق والجو العام)(2).

1. (اللسان) يُكنَّى به عن (الشخص)

الشاهد الأول: - وهو يعتمد على التدبر في المفردات - نلاحظه في آية: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ فإن كلمة (لسان) عادة يُكنَّى بها عن الشخص، ولذا يقال مثلاً: (فلان لساني الناطق) علماً بأن المعنى الحقيقي ليس هو المراد في الآية كما هو واضح؛ إذ لا يقصد: جعلنا له هذا اللسان، أي القطعة من اللحم الموجودة في الفم؛ لأن هذا غير مُراد قطعاً.

فالمراد هو: المعنى المجازي لا الحقيقي للسان، ولكن ما هو المعنى المجازي هنا؟ فإنه يحتمل:

ص: 67


1- سورة مريم: 50.
2- ولا يخفى أن بعض هذه الشواهد تعد (دليلاً) وبعضها يمكن أن تعدّ (مؤيداً) إلا انها بتعاضدها تصلح دليلاً حسب معادلة حساب الاحتمالات.

أ -أن يراد به (شخص ذو لسان صدق) أو (شخص هو لسان صدق) كما نستظهر، وتدل عليه الروايات الصحيحة السابقة، وكما تدل عليه الأدلة والقرائن القرآنية اللاحقة.

ب -ويحتمل أن يُراد به (الذكر الحسن) كما تقولون.

لكن المشكلة والإشكال في هذا الاحتمال الثاني هو أن (اللسان) لا يكنى به عن (الذكر الحسن) وإنما يُكنى به عن (الشخص) عادةً، تقول: (فلان لساني الناطق) أو(لساني في القوم)، هكذا يقولون عادةً، ف- ﴿لِسَانَ صِدْقٍ﴾ يعني شخصاً ذا لسان صدق.

وكل متأمل في الأعراف سيجد بوضوح أنهم لا يُكنَّون عن المعنى، أي السمعة والذكر الحسن باللسان، وإنما يكنى به عن الشخص، تقول: (فلان هو لساني الناطق، أو يدي الباطشة، أو عيني الناظرة)، ولا تقول فيما إذا أردت بيان أن سمعتك حسنة: (إن لسانك حسن). كما لا تقول إذا أردت بيان أن سمعته حسنة: (إن لسانه حسن).

فهذه هي القرينة الأولى: وهي أن (اللسان) يُكنى به عن الشخص عادةً، وإذا أرادوا (الذكر الحسن) فإنهم يقولون: (سمعة حسنة أو جيدة) مثلاً، ولا يقولون: (لسان حسن أو جيد).

والأمر في الطلب والدعاء كذلك؛ إذ تطلب: (رب اجعلي لي سمعة حسنة) ولا تقول: (رب اجعل لي لساناً حسناً) قاصداً سمعة حسنة.

والكلام في الظهور ليس الامتناع للقسيم.

ثم بعد ذلك، لو أننا تنزلنا وسلمنا فرضا، لكن نقول: لو ثبت الإمكان والحسن، فإنه لا مانعة جمع من إرادتهما معاً، فإنه لا تنافي بينهما، كظهر وكبطن، بل كمصداقين أو صنفين للكلي، فإنه على تقدير صحة وحسن التكنية

ص: 68

عن الشخص باللسان، فإن الأشمل والأكمل والأفضل في طلب إبراهيم(1) (على نبينا وآله وعليه السلام)، أن يطلبهما معاً، أي أن يطلب شخصاً من ذريته يكون ذا لسان صدق وأن يطلب السمعة والذكر الحسن، فيكون إجابة الطلب(2) بأن يمنحه اللّه تعالى الحُسنيين معاً، ومن الروعة والجمال أن يجمعهما إبراهيم (على

نبينا وآله وعليه سلام اللّه) في طلبه واللّه تعالى في استجابته وهبته في جملة واحدة؛ فإن خير الكلام ما قل ودل، وقد فصلّنا في «مباحث الأصول كتاب القطع» وفي كتاب «قاعدة الملازمة بين حكمي العقل والشرع» وكتاب «الضوابط الكلية لضمان الإصابة في الأحكام العقلية» في الحديث حول الوجوه المتصورة للجمع بين الباطن والظاهر، ولإرادة أكثر من معنى من لفظ واحد، كما برهنّا إمكانه، فليلاحظ وليتأمل.

2. اللسان لا يوصف ب(علي) عادة

القرينة الثانية: إن (اللسان) لا يوصف ب(علي)، ذلك أن اللسان قد يوصف ب(طويل)، فيقال: فلان لسانه طويل، لكن هل سمعت أحداً يقول: (فلان لسانه عَليٌّ)؟!

إنني لم أسمع، وبحثت فما وجدت، فإن سمع أحد فليخبرنا، ونحن كلنا عرب ولله الحمد، وعندنا كتب اللغة، وعندنا العرف، هل سمعتم أحداً يقول: (فلان لسانه علي)؟ إنهم يقولون: لسانه طويل، أو لسانه بذيء مثلاً، أو لسانه عذب، أما: لسانه علي!! فليس من المعهود توصيف (اللسان) ب(علي). فليس (علياً) إذن صفة بل هو عَلَم.

ص: 69


1- في قوله تعالى: وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ.
2- في قوله تعالى: وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا.

وفي الآية القرآنية الكريمة: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ فإنه وحسب كلامهم فإن ﴿لِسَانَ صِدْقٍ﴾ يعني الذكر الحسن، والحال أن اللسان لا يُوصف بعلي، وهو مستبعد لغةً، كما لا يوصف (الذكر الحسن) ب(علي) أيضاً.

إذن لا مناص لنا إلاّ بالقول بأن "علياً" هو اسم شخصٍ، أي جعلنا لهم شخصاً ذا لسان صدق وهو علي أمير المؤمنين (عليه السلام).

والحاصل هو: أن القرينة الأولى، هي كلمة لسان نفسها؛ إذ أن اللسان يُكنى به عن الشخص، وليس عن المعنى عادةً.

أما القرينة الثانية فقد يقال: إنها تنتج (قبح إرادة الصفة) فإن (علياً) لا يطلق على اللسان ولا يُوصف اللسان بعلي، وإنما يوصف بالعذب، أو ما أشبه ذلك من الألفاظ، فتأمل، واللّه العالم.

3. ﴿جعلنا﴾ هنا هي نظير ﴿اجعل لي وزيراً﴾
اشارة

القرينة الثالثة: ترتكز على كلمة ﴿وَاجْعَل﴾، ﴿وَجَعَلْنَا﴾ في قوله تعالى: ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ﴾ وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾، حيث إننا عندما نتدبر في ﴿واجعل﴾ هذه، وعندما نقارنها ب- ﴿واجعل﴾ أخرى في القرآن الكريم، نرى الوزان وزاناً واحداً، والقرآن يُفسر بعضهُ بعضاً، فلاحظوا الآية القرآنية الكريمة الأُخرى: ﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَأَخِي﴾(1).

ولو كانت الآية هكذا: (واجعل لي وزيراً من أهلي علياً)، فهل يصح لواحد أن يقول: (علياً) يعني عالياً؟ فإنه يمكن أن يقال له: كلا؛ لأن الوزير لا

ص: 70


1- سورة طه: 29 - 30.

يُوصف بالعالي والعلي، كما أن اللسان لا يُوصف ب(عالياً) و(علياً)، ﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾..

وفي آيتنا الشريفة فإن: ﴿لِسَانَ صِدْقٍ﴾ تعادل: ﴿وَزِيراً﴾ في: ﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي﴾ و: ﴿عَلِيّاً﴾ تعادل ﴿هَارُونَ أَخِي﴾، لاحظوا السياق، ولاحظوا البيان، ﴿اجعل﴾ أو ﴿جعلنا﴾(1):

﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي﴾.

وهنا يقول: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾.

فهذه تقابل تلك، وتلك تقابل تلك، وهذه هي القرينة الثالثة في الآية القرآنية الشريفة.

لاحظوا المخطط التالي:

الصورة

ص: 71


1- وهناك المزيد من البحث في هذين اللفظين: لِسَانَ صِدْقٍ وعَليّاً، وهل هما مفعولان أو الثاني بدل، أو غير ذلك؟ ربما نتطرق في المستقبل إلى تفصيل أكثر، بإذن اللّه تعالى.
لو كان اللفظ : عمرَ!

وإليكم هذه اللفتة اللطيفة قبل التطرق للقرائن الأخرى، لاحظوا؛ فلو أن هذه الآية القرآنية الكريمة كانت فرضاً(1) هكذا: (ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عمر!!) فما الذي كان سيحدث؟ كانوا يملؤون الدنيا ضجيجاً وعجيجاً بأن المراد به (ابن الخطاب)، وأن (عمر) هنا اسم عَلَم وليس صفة أي (عامراً)، لأن اللسان لا يوصف ب(العامر)(2)!

فكيف (باؤكم) المتوهمة تجر، و(باؤنا) الحقيقية لا تجر؟!

ولكن لأنّ تلك هي مكرمة للإمام علي بن أبي طالب ((عليهما السلام)) فيجب - عندهم - أن تساق الآية على خلاف ظاهرها! وان يُقصقص اسمه المبارك، ويجب أن يعمل فيه مقص الرقيب!

صحبة أبي بكر في الغار فضيلة أم رذيلة؟

والدليل على ذلك، إنّ اللّه تعالى ذكر في كتابه الكريم أمراً لا دلالة له على مرادهم أبداً، ولكن مع ذلك تراهم قد رفعوه علماً وراية وسوطاً على رؤوس العالمين!!

وذلك في آية الغار، إذ يقول اللّه تعالى في الآية القرآنية: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(3).

ص: 72


1- وفرض المحال ليس بمحال كقوله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ.
2- مع أن الصحيح وصف اللسان به، إذ يقال مثلاً: لسانه عامر بذكر اللّه.
3- سورة التوبة: 40.

فإنهم منذ ألف وأربعمائة سنة يقرعون العالم بكلمة (صاحبه)، معتبريها فضيلة لصاحبهم والحال أنها:

أولاً: كلمة الصاحب ليست مكرمة أو فضيلة، فإن المؤمن قد يصحب الفاسق، والفاسق قد يصحب المؤمن، فإن "الصحبة" بما هي هي ليست دليل خير ولا دليل شر، قال تعالى: ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُأَكَفَرْتَ﴾(1)؟، واللّه يقول: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾(2)، فإن معية اللّه هي لكل شيء للفاسق والمؤمن، وللحيوان والنبات والجماد، ولكل الأشياء..واللّه كان مع نمرود، ومع فرعون، ومع هامان، وقارون، فإنهم لم يكونوا غائبين عن اللّه تعالى، بل كان معهم حيثما كانوا وأين ما كانوا، كما هو مع كل شيء وقبله وبعده، إذن فالمعيّة والصحبة ليست فضيلة .

ثانياً: إن الآية تنادي بصوت عال بأن هذه المصاحبة ليست بفضيلة، بل هذه المعية هي رذيلة وأية رذيلة! لاحظوا قوله تعالى: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ ولم يقل (عليهما) أي أنزل اللّه سكينته على أحدهما، وليس على الاثنين، ونسأل: نزلت السكينة على مَنْ منهما؟ إنها نزلت على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) قطعا وهذا واضح بديهي، إلا إذا كنت تُفضِّل ذاك الرجل على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) والعياذ باللّه، ﴿فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ وليس (عليهما).

ولاحظوا أيضاً، إن اللّه تعالى في البداية يقول: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ فيؤكد مفهوم الإثنينية، لكنه يرجع الضمير إلى أحدهما فقط، فالضمير أصبح مفرداً،

ص: 73


1- سورة الكهف: 37.
2- سورة الحديد: 4.

أولاً في (أنزل سكينته) حيث خصه برسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله): ﴿فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ وثانياً في (التأييد): ﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا﴾.

وعند ما نلاحظ الآيات الأخرى نرى أنه اللّه عزوجل خص إنزال السكينة على المؤمن، أما من لم يكن مؤمنا فهو محرم من السكينة، قال تعالى في سورة التوبة(1): ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ﴾، وقال عزّ وجلّ في سورة الفتح(2): ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ﴾.

ولاحظوا مرة أخرى المفارقة: فإن اللّه تعالى يؤكد أنهما إثنان، و: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ﴾ ومع ذلك يحصر إنزال السكينة على أحدهما فقط، ويحصر التأييد بأحدهما فقط، وبذلك تظهر مذمة هذا الصاحب وعدم إيمانه بشكل واضح جلي...

ومع ذلك يقولون هذه فضيلة لأبي بكر وأية فضيلة؟!!

فكيف إذا كان اللّه يقول: (وجعلنا لهم لسان صدق عمر) أو (أبا بكر) ما الذي كان سيحدث؟

أما علي بن أبي طالب (عليهما الصلاة وأزكى السلام) وهو العظيم في السماوات العلى، فإنه مجهول القدر عندنا، إلى درجة أن بعضنا يستصعب حتّى ذكر فضائله، رغم مختلف الشواهد عليها...

فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل.

ص: 74


1- الآية: 26.
2- الاية26.
السرّ في عدم ظهور الإمام المنتظر (عج)

والحقيقة: إن من عجائب صنع اللّه سبحانه وتعالى - إن صحَّ هذا التعبير - أن بعث فينا محمداً المصطفى (صلّى اللّه عليه وآله) رسولاً، وعيّن علياً المرتضى (عليه السلام) وصياً، وحكم بكونه وأبنائه الأطهار عليهم السلام وصولاً للإمام المهدي (عجل اللّه فرجه) خلفاءه، رغم أننا لا نستحق ذلك ولسنا أهلاً لذلك، بل كنا ويا لشديد الأسف مصداق قوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً﴾(1).

فكّروا لماذا سيد الكائنات الإمام المهدي المنتظر (عجل اللّه فرجه) غائب الآن؟! أليس لأننا لا أهلية لنا، ولا توجد فينا القابلية؟ واننا لسنا بمستوى المسؤولية؟

وفكروا مرة أخرى: أين الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلاً؟

إنهم إذا كانوا موجودين - وهؤلاء هم الذين لهم القابلية فقط - لكان الإمام (عليه السلام) يظهر، لكن.. ويا للغرابة ويا للأسى والأسف، في كل السبعة مليارات من البشر لا يوجد حتّى ثلاثمائة وثلاثة عشرشخصاً ممن يرتضيهم اللّه حقاً.

ما معنى هذا؟! سبعة مليارات من البشر يعيشون ويتنعمون بنعم اللّه سبحانه وتعالى، لكن ليست لهم قابلية ليتعرفوا مباشرة على خليفته في أرضه، بعد أن قَتَل أسلافُهم أنبياءَ اللّه ورسله والأوصياء على امتداد التاريخ.

ولكن مع ذلك ورغم الجحود والكفران جعل اللّه تعالى أفضل خلائقه من

ص: 75


1- سورة الأحزاب: 72.

البشر، وجعلهم في أرضه، كما جعل خاتم الأوصياء (عجل اللّه فرج قربه الشريف) بينهم، وإن كان غائباً، أليس ذلك من عظيم فضل اللّه ولطفه وكرمه؟!

ولكن هل شكرنا النعمة؟!

أم جحدنا حقَّ الأوصياء والأولياء؟! وجحدنا كراماتهم وفضائلهم ومناقبهم؟! وإلى متى؟!

لنرجع مرة أخرى للآية الشريفة:

﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ ونؤكد إذا كان اسم شخص آخر هو المذكور هنا، وإن احتمل كونه صفة ما الذي كانوا يصنعون؟ لكن حيث هو علي بن أبي طالب (عليهما السلام) ورغم أن لدينا أكثر من رواية صحيحة تدل على ذلك، إلا أنه حيث أننا لا قابلية لنا؛ لذلك تجد البعض، بل الكثير (يتلجلج) أو (يتخوف) أو (يحتاط) أو ما أشبه ذلك من العناوين الأولية، أو الثانوية، أو الثالثية، أو العاشرية، إن صحَّ هذا التعبير!!

والحق أقول: إنه لا يوجد - هنا - مجال للتقية ولا للخوف أبداً... قال تعالى: ﴿يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ﴾(1) وقد جاء عن الصادق (عليه السلام) عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) «إغزوا تورثوا أبناءكم مجداً»(2).

فلنعد الآن إلى الآية القرآنية الكريمة: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْلِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ ولنُشِر إلى قرينة داخلية أخرى، ثم ننتقل للإشارة إلى بعض القرائن الخارجية في القرآن الكريم، وذلك بإيجاز واختصار:

ص: 76


1- سورة المائدة: 54.
2- الكافي ج5: ص8، الوافي ج15: ص50.
4. (المفعول) ل- ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا﴾

4. (المفعول) ل- ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا﴾(1)

القرينة الرابعة: وهي قرينة لطيفة، تتجلى بعد التدبير في أن "المفعول به" أين هو؟ فإن الآية الكريمة تقول ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا﴾، فإن اللّه تعالى في الآيات السابقة واللاحقة ذكر المفعول به، لكنه في هذه الآية لم يذكره، لماذا؟

إن ذلك يكشف عن أن هناك أمراً ما، وأنه يوجد نوع من التغيير، فلابد من التعرف عليه وعلى السر فيه واكتشافه..

لاحظوا الآيات السابقة: ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ﴾ ماذا؟ ﴿إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ هذه هي الآية السابقة؛ إذن الموهوب هو (إسحاق ويعقوب)، وهو المفعول به وهو مذكور.

ثم في الآية التي تأتي بعدها: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ الآية 53، ف ﴿أخاهُ هَارونَ﴾ هو المفعول به.

لكن في آيتنا ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا﴾ (المفعول به) أين هو؟ ليس بموجود ظاهراً، فماذا وهبنا؟ لماذا لم يذكر المفعول به؟

والجواب: هناك احتمالان، كلاهما يكفي للدلالة على المطلوب:

الاحتمال الأول: أن يكون مفعول: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم﴾ محذوفاً مقدراً، وهو (رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)) وتدل عليه رواية الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره القيّم:

﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا﴾ يعني رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) حدثني بذلك أبي عن

ص: 77


1- سورة مريم: 50.

الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (1).

وهذه الرواية صريحة في تفسير ﴿علياً﴾ بالإمام علي بن أبي طالب (عليه صلوات اللّه وسلامه)، ويشهد لها من نفس الآية الشريفةشاهدان:

الشاهد الأول: بما أنَّ علي بن أبي طالب (عليه السلام)، شَفْعُ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) وخليفته ونائبه والقائم بكل شؤونه وأموره، فكان المناسب أنْ يقول جلّ اسمه في مقام الامتنان على إبراهيم (عليه السلام) إنه تعالى (وهبه) رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) و(جعل له) علياً كلسان صدق.

الشاهد الثاني: إن (جعلنا لهم) هنا تطابق كلمة (جعل) في آية استخلاف موسى لهارون (عليهما السلام): ﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي﴾، حيث استخدمت (جعل) متعدية لمفعول هو شخص وليس صفة، أي استخدمت في خصوص الخليفة والوزير والنائب المطلق، وكذلك قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾(2).

الاحتمال الثاني(3): هو أن يقال: إنّ ﴿عَلِيّاً﴾ المذكور في آخر الآية القرآنية الكريمة هو المفعول به للجملتين، يعني: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا .. وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ أي: (ووهبنا لهم من رحمتنا عليا وجعلنا لهم لسان صدق عليا)، وهذه قاعدة نحوية معروفة، أشار إليها محمّد بن مالك في

ص: 78


1- تفسير القمي ج2: ص51 وعنه بحار الأنوار: ج12 ص93 ح3.
2- سورة البقرة: 30.
3- لا يخفى أن الاحتمال الأول هو المتعين، لوجود رواية صحيحة به، وهي رواية علي بن إبراهيم في تفسيره، فإن السند تام وصحيح كما مضى. وقد ذكرنا الاحتمال الثاني سداً لذريعة من لا يقبل الرواية، ولو لكونه من أهل العامّة، فنقول له: الاحتمال الأول ممكن، والاحتمال الثاني أيضاً ممكن،وعلى كليهما يتم المقصود.

ألفيته بقوله:

إن عاملان اقتضيا في اسم عمل *** قبلُ فللواحد منهما العمل

إذ أحياناً يتوارد عاملان على مفعول واحد، وقد أُستغني بذكر المفعول به أخيراً عن تكراره مرتين أو مراراً، فإنه نوع جمال وبلاغة، وذلك كما تقول: أكرم وأطعم زيداً، بدل أكرم زيداً وأطعم زيداً، ف(زيداً) في الجملة الأولى هو المفعول به لفعلي الأمر كليهما، وفي الآية فإن ﴿عَلِيّاً﴾ مفعول به للجملتين، أي ل- ﴿وَهَبْنَا﴾ ول ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ﴾،وذلك كما تقول في مثال آخر: (وهبتُ له وجعلت له خليفة)، فإن هذه الجملة صحيحة وبليغة، لكنها في الواقع تتركب من جملتين.

بل نقول: إنه قد لا يكون من البلاغة أن تكرر المفعول به، مثلاً: لك أن تقول: (وهبت لك المال، وأجزت وأبحتُ لك مطلق التصرف بالمال)(1)، لكن الأفضل أن تقول: (وهبت لك وأبحتك المال)(2)، أو ما أشبه ذلك(3)، فالأفضل عند توارد العاملين، أن لا يُكرر المفعول في كل الجمل، وإنما يُترك للجملة الأخيرة.

وفي الآية الشريفة يبقى الاستفهام: أين المفعول؟ والحال أننا نجد في الآية السابقة المفعول موجوداً: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ﴾ الآية 49، لكن في هذه الآية ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا﴾ الآية 50، لا نرى ذكراً للمفعول؟

ص: 79


1- أي الهبة ليست مشروطة بأن لا تهبها أو تبيعها للغير مثلاً.
2- أو (وهبت وأبحتُ لك المال).
3- ك- (وقفت لك ولذريتك من بعدك الدار) بدل: (وقفت الدار لك ووقفتها لذريتك من بعدك).

فلعل ﴿عَلِيّاً﴾ هو المفعول، ولا يتوهمَنَّ متوهمٌ ﴿مِن رَحْمَتِنا﴾ مفعول، فإن الجار والمجرور لا يقعان مفعولاً به، والتقدير على خلاف الأصل.

إضافة إلى أنه يتضح أكثر من الآية 53 اللاحقة أن المفعول أمر آخر، وليس ﴿مِن رَحْمَتِنا﴾، والآية 53 هي: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ لكن هنا: نجد فقط ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا﴾ فما هو الموهوب والمفعول به.. ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا﴾؟ سكوت ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ وحيث إن الفعل لابد له من مفعول، فلعل المفعول هو ﴿عَليّاً﴾ في آخر الجملة، كما هو مفعول ﴿وَجَعَلْنا﴾، أو هو ﴿لِسَانَ صِدْقٍ﴾ و﴿عَليّاً﴾ بدل منه.

وعلى أي تقدير، فإن سياق ﴿وَهَبنا﴾ في الآيات السابقة واللاحقة يؤكد أن مفعول ﴿وَهَبنا﴾ هو (شخص معين) وليس معنى وصفة، فيراد ب- ﴿لِسَانَ صِدْقٍ﴾ أيضاً الشخص كما سبق تفصيله، ويكون حاصل المعنى: (جعلنا لهم شخصاً ذا لسان صدق وهو علي (عليه السلام)).

5. السياق يشهد بأن (علياً) عَلَمٌ ، وليس صفةً

القرينة الخامسة: هي (السِّياق) فإنه أيضاً يدل على أن ﴿علياً﴾ هنا عَلَم وليس صفة، لكن كيف؟

إنّ السياق في هذه الآيات القرآنية الكريمة هو سياق الحديث عن (الأشخاص)، وليس سياق الحديث عن (المعاني)، لاحظوا الآيات الشريفة في سورة مريم: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ

ص: 80

الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾(1).

في هذه الآيات كلها الحديث عن الأشخاص، فإن الآية السابقة مباشرة هي الآية 49: ﴿وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾ ثم بعدها تأتي آيتنا: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ وهي الآية 50، ثم تجد الحديث كله عن الأشخاص أيضاً في الآية اللاحقة مباشرة هي: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا﴾ وهي الآية 51، ثم في الآية 53: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾، وبعدها الآية 54: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ﴾، كما أن مطلع هذه الآيات كلها كان حديثاً عن (الشخص) أيضاً حيث تبتدئ بالآية 41: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا﴾.

إذن: هذه هي القرينة العامّة في هذه الآيات القرآنية الكريمة وهي السياق، فإن السياق هو الحديث عن الأشخاص(2)، وليس حديثاً عن المعاني، فيكون السياق شاهداً على أن ﴿علياً﴾ في: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ المراد به

ص: 81


1- سورة مريم: 41 - 50.
2- سواء في ذلك (الهبة) أو (الموهوب له) فتدبر جيداً.

العَلَم والشخص، وليس الصفة..

6. (التوازن) بين جناحي إسماعيل وإسحاق (عليهما السلام)

القرينة السادسة: وهي قرينة أخرى على ما ذكرناه، وعلى ما التزم به وأكّده عدد من الأعاظم من العلماء والفقهاء، نذكر هذه القرينة ونترك سائر القرائن العقلية والنقلية إلى بحث آخر إذا شاء اللّه تعالى. والقرينة هي: إنه قد يقال إن هذه الآيات القرآنية الشريفة لا يوجد فيها حسب تفسيركم "توازن"!

توضيحه: إن اللّه تعالى ذَكَر (إسحاق)، وذَكر (يعقوب) كامتداد له من أنبياء بني إسرائيل، لكن أين (إسماعيل) وأين امتداده وهو النبي محمّد (صلّى اللّه عليه وآله) أو أي واحد آخر من ذريته، أي ذرية إسماعيل؟ فأين التوازن بين (الجناحين) في هذه الآية القرآنية الكريمة؟ وأين جد النبي (صلّى اللّه عليه وآله)، أو أحد أحفاد إبراهيم من إبنه الآخر إسماعيل؟

إن الذي نقوله ونذهب إليه بمقتضى عدد من روايات أهل البيت (عليهم سلام اللّه) يتحقق به (التوازن) ويتم، أما غيره فلا توازن فيه ظاهراً، ويلزم أن يبحث له عن حل، فإن النبي إبراهيم (على نبينا وآله وعليه السلام) خَلَّف (إسماعيل) جد النبي الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله)، وخلف أيضاً (إسحاق)، فمن ابن إسحاق؟ ابنه يعقوب، وابن يعقوب هو لآوي على ما ذكره بعض المؤرخين، وابن لآوي هو قاهاث، وابنه عمران، وابن عمران هو موسى (على نبينا وآله وعليهم السلام) حسب بعض الروايات.

فإذن: إسماعيل وصولاً إلى النبي المصطفى (صلّى اللّه عليه وآله) هو الجناح الأول، والجناح الثاني هو (إسحاق)، وإذا قلت إن ﴿علياً﴾ في ﴿لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ هي صفة يراد بها الذكر الحسن، فإن هذه السلسلة النورية من إسماعيل

ص: 82

إلى النبي وأهل بيته (عليهم السلام) ومن عدّ اللّه تعالى نفسه نفسه(1)، محذوفة بالمرة، والحال أنّ الفخر الأعظم لإبراهيم (عليه السلام) كان هذا الجانب، ولا شك في أن أولئك أيضاً كانوا أنبياء عظماء، لكن الجناح الأعظم - وهو الذي تضمن الرسول(صلّى اللّه عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) - أين هو!! أما حسب هذا الكلام الذي نقوله فإن التوازن موجود، والجناحان كلاهما قد ذُكِرا، والآن نلاحظ هذا المخطط المبسط ثم نرجع إلى الآيات الشريفة.

الصورة

ص: 83


1- إشارة لقوله تعالى: وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ سورة آل عمران: 61.

لاحظوا جيداً يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّه﴾ ماذا صنعنا له؟ ﴿وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾ إذن، هذا هو جناح إسحاق ويعقوب فقط، ولا يوجد ذكر لأي واحد من الجناح الأعظم الآخر حسب تفسيركم.

ولكن حسب التفسير الآخر الذي ذكرناه لهذه الآية، فإن التوازن يتم: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾.

أ -فلو كان المقصود من ﴿علياً﴾ هو علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، فإن التوازن يتمُّ.

فإن (علي بن أبي طالب (عليه السلام)) هو أحد أعظم أحفاد إبراهيم (عليه السلام)، بل أعظمهم على الإطلاق بعد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) وهو نفس رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) بنص الآية الكريمة:﴿وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ﴾ فذكره ذكرٌ لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) أيضاً، وبه يتم التوازن.

بل في ذلك من الروعة والجمال ما لا يخفى؛ إذ لعل ذلك يبعث على التساؤل: لماذا لم يذكر أيضاً رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)؟ ونبحث عن الجواب فنجده في قوله تعالى: ﴿وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ﴾ فقد تضمن ذكر (علي (عليه السلام)) فائدتين في الوقت نفسه، وهو من معاجز الكلام.

ب -ولو ذهبنا للتفسير الآخر وهو: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا﴾ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ أي علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كان التوازن أوضح، إذ قد ذكر اللّه تعالى من ذلك الجناح شخصين هما: إسحاق ويعقوب، وذكر من هذا الجناح شخصين هما: محمّد وعلي (عليهم جميعاً الصلاة والسلام).

ص: 84

لا يقال: إن (إسماعيل) قد ذكر اسمه بعد ذلك في الآية 54 حيث قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا﴾.

إذ يقال: أولاً: على حسب بعض الروايات الواردة في المقام فإن هذا هو (إسماعيل بن حزقيل) وهو نبي آخر، وليس (إسماعيل بن إبراهيم) عليهم السلام.

فقد ورد في علل الشرائع عن الإمام الصادق (عليه سلام اللّه) - كما نقله عنه تفسير الصافي وغيره -

«قال: إن إسماعيل الذي قال اللّه في كتابه : ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا﴾(1) لم يكن إسماعيل بن إبراهيم، بل كان نبياً من الأنبياء بعثه اللّه إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه فأتاه ملك فقال: إن اللّه جلّ جلاله بعثني إليك فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بما يصنع بالأنبياء وفي رواية أخرى: «لي بالحسين بن علي (عليه السلام) أسوة»(2).

أقول: لا مانعة جمع بين القولين، بل الحكمة تقتضي ذلك بأن يقول: (لي أسوة بما يصنع بالأنبياء، ولي أسوة بما يصنع بالحسين بنعلي (عليه السلام)) إذ يكون قد أشار إلى التأسي بالأنبياء عليهم السلام وإلى التأسي بالأوصياء عليهم السلام أيضا، ويكون قد أشار إلى التأسي بمن مضى وإلى التأسي بمن يأتي، ويكون قد أشار إلى التأسي بمختلف درجات المصائب والبلايا التي يمر بها الأولياء، وصولاً إلى أعظمهم على الإطلاق وهي مصيبة سيد الشهداء (عليه السلام).

ص: 85


1- سورة مريم: 54.
2- تفسير الصافي ج3: ص285.

هذا كله إضافة إلى أن هذا النبي العظيم (إسماعيل بن حزقيل (عليه السلام)) يكون قد أحرز بالقولين والنسبتين: ثوابين عظيمين، ف- «إنما الأعمال بالنيات»(1) و«إنما لكل امرئ ما نوى»(2)، فلو نوى التأسي بالأنبياء عليهم السلام لحصل على ثواب النية العظيمة هذه المشفوعة بعمله، ولو نوى التأسي بسيد شباب أهل الجنة (عليه السلام)، لحصل على ثواب النية العظيمة هذه أيضاً المقرونة بعمله، أليس إذن من مقتضى الحكمة أن ينوي التأسي بالأنبياء عليهم السلام وسيد الشهداء (عليه السلام) معا؟

ثانياً: إن كونه إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام) قد يقال بأنه خلاف (التوازن الداخلي والخارجي في الآيات) فليدقق جيداً، إذ أن التسلسل العام هو:

أ: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا﴾ الآية 41، ثم تحدّث اللّه من الآية 42 إلى الآية 48 عن حواره مع أبيه (آزر) أي عمه، ثم قال في الآية 49: ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّه وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ الآية 50.

ب: ثم قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا﴾ الآية 51.

ج: ثم قال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا﴾ الآية 54، ولو كان إسماعيل هذا هو إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام) لكان من المناسب أن يذكر في ضمن الآية 49 لأن إسماعيل هو كإسحاق

ص: 86


1- التهذيب: ج1 ص83 ب4 ح67.
2- وسائل الشيعة: ج1 ص48 - 49 ب5 ح92.

ابن مباشر لإبراهيم عليهم السلام فكان الأولى أن يذكر إلى جواره، ثمينتقل إلى ذكر الأحفاد، مثل موسى وهارون (عليهما السلام) في الآية 51 و52. هذا أولاً.

وثانياً: لو كان هذا هو إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام) لكان من المناسب أن يذكر في ضمن ما أعطاه اللّه لإبراهيم (عليه السلام) جزاءً على جهاده واعتزاله القوم، أي عند قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّه وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾ الآية 49 ويضيف: (ووهبنا له إسماعيل) مثلاً، فإن اللّه وهبه هذين الابنين وجعلهما نبيين، وهذا أنسب أيضاً بمقام الامتنان، لا أن يذكر أنه وهبه إسحاق ويعقوب عندما ﴿اعْتزَلَهُمْ﴾ ثم يستمر في السياق العام ل- ﴿وَاذْكُرْ﴾ فيمر على موسى (عليه السلام) وهو الحفيد الخامس لإبراهيم (عليه السلام) ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا﴾ الآية 51 ثم يرجع السياق العام إلى الوراء ويقول: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ﴾ الآية 53، ثم يقفز السياق العام مرة أخرى للأمام، فيقول: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا﴾ الآية 56، ممّا يعني ضمناً الإعراض – أو ما يوهمه -عن ذكر إسماعيل (عليه السلام) في مقام ما وهبه اللّه لإبراهيم (عليه السلام) جزاءً على جهاده واعتزاله القوم، واللّه العالم.

الخلاصة: والحاصل في المقام:

إنّ هناك أولاً: روايات عديدة صحيحة.

وثانياً: إن الروايات مستفيضة.

وثالثاً: إن الروايات في المضمون متواترة، وقد وردت وتوزعت على مختلف الآيات القرآنية الكريمة.

ورابعاً: قد نقل بعضها بعض كبار علماء أهل السنة.

ص: 87

هذا كله إضافة إلى الشواهد والأدلة القرآنية المختلفة التي كلها تفيد وتؤكد أنّ ﴿عَلِيّاً﴾ هنا عَلَم واسم شخص هو علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، وليس صفة.

وبقيت قرائن عقلية أخرى، ومنها قرينة قرآنية دقيقة ترتبط بمسألة نحوية دقيقة نتركها إذا شاء اللّه للمستقبل، حول المفعولين أو المفعول الواحد، في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾. ف- ﴿عليّاً﴾ ما هو؟ هل هو بدل؟ أو مفعول ثان؟ أو مفعول أول؟

يوجد كلام دقيق ومفيد، سنتعرض له في البحوث القادمة، بإذناللّه تعالى(1).

7. قوله تعالى: ﴿لَهُمْ﴾

القرينة السابعة:وربما أمكن الاستناد إلى قوله تعالى: ﴿لَهُمْ﴾ فإن طلب إبراهيم (عليه السلام) من ربه تعالى كان هو: ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ﴾ فقد طلب لسان الصدق في الآخرين "له" صلوات اللّه عليه.

لكن اللّه تعالى في استجابته لطلب إبراهيم (عليه السلام) لم يقتصر على مورد طلبه وحجم مطلوبه، بل أعطى لسان الصدق ﴿لَهُمْ﴾ أي لإبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام؛ إذ يقول جلّ اسمه: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾، فماذا يعني ذلك؟

ربما يكون ذلك، فيما يكون، للالتفات إلى أن "المُعطَى" أي (العطية الإلهية) كانت أشمل ممّا طلبه النبي إبراهيم (عليه السلام) وأعمق، فإن طلب النبي

ص: 88


1- وقد أشرنا لبعضه سابقاً.

إبراهيم (عليه السلام) حتّى لو فرض(1) أنه كان «الذكر الحسن» لكن اللّه تعالى أعطاه وأبناءه وأحفاده : الأفضل وهو "التجسيد الأكبر" للسان الصدق وهو ﴿عليّاً﴾ (عليه السلام)، فكان تغيير مرجع الضمير من ﴿لَهُ﴾ إلى ﴿لَهُمْ﴾ كأنه تمهيد للإلفات إلى أنه كما تغير المُعطَى له - أي مرجع الضمير من له إلى لهم - فقد تغير "المُعطَى" فكان "المُعطى" أفضل ممّا طلب.

ويؤيد هذا الاحتمال: أن إسحاق ويعقوب (عليهما السلام) ليس لهما: ﴿لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ بالمعنى المشهور من حسن الذكر الكبير، بل إنه لإبراهيم (عليه السلام) فقط، فإنه أبو الأنبياء عليهم السلام والمتكاثر ذكره في كل مكان، دون إسحاق ويعقوب (عليهما السلام)، فإن ذكرهما الحسن ليس بتلك المثابة، بل هما ككثير من الأنبياء، بل أقل ذكراً من أمثال "يوسف و موسى" (عليهما السلام) إذ أين "الذكر الحسن" لإبراهيم (عليه السلام)، وأين الذكر الحسن ليعقوب وإسحاق (على نبينا وآله وعليهم السلام)؟

وبعبارة أخرى: إن من الواضح وضوح الشمس تحقق ﴿لِسَانَ صِدْقٍ

ص: 89


1- قلنا: (حتّى لو فرض) إذ بعض الروايات تؤيد، والعقل يعضد: أن طلب إبراهيم (عليه السلام) كان من البداية أن يجعل له (ذرية ذات ذكر حسن) حيث اطلّع على أنوار محمّد وعلي (عليهما السلام) من قبل، حيث أخبره اللّه تعالى عن (صدِّيق) ذلك النبي الذي سيبعث فيهم في آخر الزمن، فطلب من اللّه تعالى أن يجعلهما من ذريته، فاستجاب اللّه له دعاءه. وسنذكر دليلاً عقلياً على ذلك، في القرينة التاسعة بإذن اللّه تعالى. وعلى هذا فإن تغيير السياق من (له) إلى (لهم) كان فيما كان للإلفات إلى أن (طلبه) (عليه السلام) لم يكن هو ما يتوهم من أنه الذكر الحسن، بل الأعمق من ذلك... أي إن اللّه تعالى جعل تغيير (المُعطَى له) حيث صار أعم وأشمل في استجابة الدعاء، مما كان عند الطلب ظاهراً، وسيلة للإلفات إلى أن (الطلب) و(المُعطَى) أيضاً كان أمراً آخر دقيقاً، أدق مما يتوهم أنه مجرد الذكر الحسن، بل هو (الذرية) و(التجسيد) وشخص علي بن أبي طالب (عليه السلام).

عَلِيًّا﴾ للنبي إبراهيم (عليه السلام) دون إسحاق ويعقوب (عليهما السلام)، فإن الفارق في درجة الذكر الحسن بين إبراهيم (عليه السلام) وبين ابنه وحفيده (عليهما السلام)، كبير جداً.

وعلى هذا فقد يقال: إن (لسان الصدق) لا يقصد به (الذكر الحسن)، وإلا لعله لما صح القول: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ﴾ إذ قد جعل الذكر الحسن - كعطية استثنائية - لإبراهيم (عليه السلام) فقط، أما لو أريد ب- ﴿لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ شخص الإمام علي (عليه السلام) فإن ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ﴾ صحيح تماماً لأن ﴿عليّاً﴾ (عليه السلام) هو التجسيد الأكبر – لكونه نفس رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) - لكافة آمال وأهداف ومقاصد أولئك الأنبياء العظام: إبراهيم وإسحاق ويعقوب.

فلعلّه تعالى أراد باستخدام ضمير الجمع ﴿لَهُمْ﴾ دون ضمير المفرد ﴿لَهُ﴾ الإلفات إلى أن (لسان صدق علياً) لا يراد به المعنى المشهور لدى المفسرين، بل يراد به شخصٌ عَلَمٌ هو علي بن أبي طالب (عليهما السلام)؛ فإنه ﴿لِسَانَ صِدْقٍ﴾ لإبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام؛ فإنه الوارث بعد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) لكل الأنبياء عليهم السلام والمحيي لهم ولذكرهم، ولولاه لاندثرت أسماؤهم وآثارهم؛ إذ لولاه لقلّب (المنقلبون على الأعقاب) الأمور وأفنوا الدين والإسلام والشريعة ومناهج الأنبياء بأكملها.

ولذا قال اللّه تعالى: ﴿وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾(1).وقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله): «أنا مدينة العلم وعلي بابها»(2).

والأدلة - على أنه: لولا علي وذريته الأطهار وصولاً للمهدي المنتظر

ص: 90


1- سورة المائدة: 67.
2- وسائل الشيعة: ج27 ص34 ح (33146) حلية الأولياء ج1: ص64، كنز العمال ج11: ص600.

(عليهم وعليهم السلام) لأفنى قادة الانقلاب(1) ضد الرسول الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله)، ثم أشباه معاوية(2) والطغاة الدين كله، ومحوا كل آثار الأنبياء -كثيرة، وقد ذكرها جمع من العلماء -من الفريقين -في كتبهم فلتراجع(3).

8. طلب إبراهيم (عليه السلام) متعلق بدائرة (الأشخاص) لا (المعاني)

القرينة الثامنة: إن طلب إبراهيم (عليه السلام) بقوله: ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ﴾ الظاهر أنه طلب يتعلق بعلاقته (بالأشخاص) لا (المعاني) فلنلاحظ الآيات 83 -85 جيداً.

فالآية السابقة وهي الآية 83: ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ تتعلق بطلب النبي إبراهيم (صلّى

اللّه عليه وآله) إلحاقه بالصالحين الذين مضواأي (بمن قبلي من النبيين في الدرجة والمنزلة)(4)، إذن فالآية تتحدث عن طلب يتعلق ب(أشخاص) من (الماضي).

ص: 91


1- حيث (حرفوا القرآن) بزعمهم، فراجع (البخاري) وراجع (كشف المتواري عن صحيح البخاري) وقد سبق بعض الكلام عن ذلك، وسيأتي في المجلد الثالث بعضه بإذن اللّه تعالى، وحيث منعوا رواية أحاديث رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) بذريعة واضحة البطلان هي (حسبنا كتاب اللّه) المعارض لصريح قوله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ - سورة الحشر: 7- وحيث أفسحوا المجال لليهود أمثال كعب الأحبار ليكونوا مستشارين وفي موقع الصادرة.
2- حيث قال: «لا واللّه إلا دفناً دفناً» وحيث غير كل معالم الدين وأحكامه وقوانينه في السياسة والاقتصاد والحقوق وجعلها (مُلكاً عضوضاً) وحيث قتل الأبرار والأخيار أمثال حجر بن عدي وغيره.
3- ومنها: (النص والاجتهاد) للعلامة شرف الدين (قدّس سرّه)، و(عقبات الأنوار) للعلامة الموسوي، و(ليالي بيشاور) للعلامة الشيرازي، و(الغدير) للعلامة الأميني، و(سيرة الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه وآله) للشيخ الطائي وغيرها.
4- مجمع البيان: ج7 ص337، في تفسير سورة الشعراء الآية 83.

والآية اللاحقة وهي الآية 85: ﴿وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾، طلب النبي إبراهيم (عليه السلام) من اللّه تعالى لكي يكون من ضمن الأشخاص الذين يرثون جنة النعيم، إذن فالآية تتحدث عن طلب يتعلق بعلاقته ب(أشخاص) من (المستقبل البعيد)، أي: ما بعد الدنيا.

وهذه الآية الوسطى وهي الآية 84: ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ﴾ على القاعدة تكون طلباً يتعلق بشخص من الزمن المتوسط بين (الماضي) و(المستقبل البعيد) وهو المستقبل القريب، أي في الدار الدنيا، أي عن (شخص) أو (أشخاص)(1) من المستقبل القريب، فهذه ثلاث حلقات متسلسلة يكمل بعضها بعضاً:

1- أن يلتحق بالأنبياء: الآية 83.

2- أن يكون من ذريته الأوصياء: الآية 84.

3- أن يكون من ورثة الجنة ومن السعداء: الآية 85.

وبذلك تكون الصورة متكاملة وتكون طلبات نبي اللّه إبراهيم (عليه السلام) متسلسلة، متماسكة منطقياً، ومتعاضدة ومتكاملة.

قال في (مجمع البيان):

(وقيل: إن معناه واجعل لي ولد صدق في آخر الأمم، يدعو إلى اللّه، ويقوم بالحق، وهو محمّد(2) (صلّى اللّه عليه وآله))(3).

ص: 92


1- المقصود (بالأشخاص) هم: علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأئمة من ذريته (سلام اللّه عليهم أجمعين) إلى المهدي المنتظر (عجّل اللّه فرجه الشريف).
2- ولعل قول «مجمع البيان»: (وهو محمّد) كان تقية: لعلمه بشدة إنكار المنكرين على القول بأنه: (علي) في تلك الأزمنة.
3- المصدر.

وقد استظهرنا أن طلبه كان أن يجعل علياً (عليه السلام) من ذريته.

وقد نقل في تفسير الصافي عن تفسير القمي: قال: هو أمير المؤمنين (عليه سلام اللّه).

ولو قلنا بأن طلبه كان هو أن يجعل محمداً (صلّى اللّه عليه وآله) من ذريته، فنقول: ذلك لا ينفي ما نقول بل يؤكده، إذ قد أجابه اللّه تعالى ب: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ لأن علياً (عليه السلام) هو نفس محمّد (صلى اللّه عليهما وآلهما) بصريح آية ﴿وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ﴾(1).

وبعبارة أخرى: إن اللّه تعالى زاده على طلبه، فلأنه جعل له ﴿عليّاً﴾ (عليه السلام) لسان الصدق وهو تلميذ محمّد (صلّى اللّه عليه وآله) وامتداده وخليفته ووزيره ووصيه، فقد جعل له (محمداً) (صلّى اللّه عليه وآله) لسان الصدق بطريق أولى.

بل يؤيد كون الحديث كله عن (العلاقة بالأشخاص) الآية اللاحقة أيضاً وهي الآية 86: ﴿وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾.

هذا كله إضافة إلى قرينة أخرى أيضاً، وهي:

إن إبراهيم (عليه السلام) بدأ دعاءه بطلب يتعلق بالمعاني وهو ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا﴾ ثم عرج إلى ما يتعلق بالأشخاص، ولو كان ﴿لسان الصدق﴾ من المعاني (أي أريد به الذكر الحسن) لكان الأولى أن يلحق بالطلب الأول - أي يلحق ب: ﴿رب هب لي حكماً﴾ - للتجانس ووحدة المساق، لا أن ينتقل إلى الأشخاص ثم يعود للمعاني ثم ينتقل للأشخاص مرة أخرى، فتأمل، واللّه العالم.

9. حُسنُ ترجيحِ الراجح الأفضل

القرينة التاسعة: إن إبراهيم (عليه السلام) من أعظم أنبياء اللّه تعالى، حكمة

ص: 93


1- سورة آل عمران: 61.

وعقلاً وعلماً ومعرفة، فلا يصح أن يطلب (الأقل) و(الأدنى)، ويترك (الأفضل) و(الأسمى) و(الأعلى)، خاصة وأنه أعلم من غيره بأن اللّه جواد كريم، يجيب دعوة الداعي، فكيف إذا كان نبيه إبراهيم (عليه السلام)!

و(الأدنى والأقل): هو أن يطلب مجرد (الذكر الحسن) في الأمم اللاحقة.

و(الأفضل والأسمى):هو أن يطلب (من يجسِّد الذكر الحسن) أي أن يطلب أن يكون من ذريته مَن يجسِّد كل القيم والفضائل ويحملمواريث كافة الأنبياء عليهم السلام فيكون له به:

1- (الذكر الحسن) والثناء الجميل.

2- و(الذرية الصالحة)، بل أعلى قممها وأسماها (الأئمة الأطهار أوصياء النبي المختار (صلّى اللّه عليه وآله)) وبذلك يكون له ما لا يتصور ولا يحصى من الأجر العظيم حيث كانت ذريته من الأئمة النجباء هم الصدقة الجارية له على امتداد الأزمان ومر العصور وكر الدهور.

ولا قياس بين الأمرين أبداً.

ثم إنه لو فرض أنه طلب الأقل، فقد عَدَل اللّه تعالى به لفضله وجوده وكرمه إلى الأكثر.

هل طلب (إبراهيم) عليا أم محمداً؟

وقد يتساءل عن: سر طلب إبراهيم (عليه السلام) أن يكون (علي (عليه السلام)) من ذريته ولم يطلب أن يكون (محمّد (صلّى اللّه عليه وآله)) من ذريته (لسان الصدق) له؟

والجواب:

أولاً: قد يقال: الظاهر أنه طلب الاثنين معاً.

ويؤكده ما ذكرناه من الرواية في تفسير الآية: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا﴾

ص: 94

رسول اللّه محمداً (صلّى اللّه عليه وآله) ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ أمير المؤمنين (عليه السلام).

ثانياً: لو فرض أنه طلب أن يكون (علي (عليه السلام)) من ذريته، فلعله لأجل علمه(1) بكون علي وصي الرسول (صلى اللّه عليهما وآلهما)، فطلَبُ هذا يستلزم طلب ذاك بشكل أولى، فقد طلبهما معاً لكن بهذا اللسان.

ثالثاً: ولعله لعلمه بكونه (عليه السلام) نفس النبي (صلّى اللّه عليه وآله)، لقوله تعالى: ﴿وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ﴾ (2) فكان طلب أحدهما طلباً للآخر أيضاً قطعاً.

رابعاً: ولعله كان تأدباً مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) وحياءً منه، لما يعرف من عظيم مقامه، فطلب ما يؤول إلى ذلك أيضاً دون تصريح.

خامساً: ولعله طلب ذلك لأنه علم أن الإمامة ستكون من نسل علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى يوم القيامة، فقد طلب بذلك (الاستمرار) و(الفروع) التي يضمن بها (المبتدأ) و(الأصل) وهو رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله).

سادساً: ولعله كان للاشادة بمقام الإمام علي الشامخ ولتعريف الناس بعظيم منزلته، بعد علمه باختلاف الأمة فيه وجهلها حقه، أما الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) فلاتفاق الأمة عليه فلم تكن ثمة ضرورة للتصريح باسمه المبارك.

سابعاً: ولعله لما رأى في ملكوت السماوات، وفي مسيرة حركة الأنبياء على مرّ التاريخ، من كون علي عليه السلام هو الموكّل من قبل رب العالمين، للقضاء على الطغاة والجبارين ونصرة الأنبياء والمرسلين، كما تدل عليه روايات عديدة.

ص: 95


1- فإن اللّه تعالى حسب الرواية أطلعه على كونه (عليه السلام) وصي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله).
2- سورة آل عمران: 61.

ص: 96

الفصل الرابع: الاستدلال بآية: [وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ]

اشارة

﴿سورة الزُّخرف:4﴾

ص: 97

ص: 98

(4)

قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾(1)

والمقصود من ﴿عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ في هذه الآية الشريفة هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كما يدل عليه الاعتبار العقلي، وتدل عليه شواهد من القرآن الكريم(2)، وكذلك الروايات المستفيضة، بل قد يقال بكونها متواترة، كما سيأتي.

والآن سنقوم باستعراض الروايات الشريفة التي تدل على أن المراد ب- ﴿عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ في الآية الشريفة هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وهي روايات معتبرة من جهات عديدة:

أدلة حجية هذه الروايات

أدلة حجية هذه الروايات(3):

الجهة الأولى: إن بعض هذه الروايات صحيحة السند أو موثقة السند، كما سيأتي.

الجهة الثانية: إن بعض هذه الروايات ورد في كتب معتبرة عليها المعوّل،

ص: 99


1- سورة الزخرف: 4.
2- سنفصل الحديث عن (الاعتبار العقلي) و(شواهد من القرآن الكريم) في بحث لاحق بإذن اللّه تعالى، وسنشير في آخر هذا الفصل إلى بعض جوانب ذلك فقط.
3- الخطاب في القسم الروائي من هذا الفصل بالأساس موجّه للشيعة وللمحايدين، أما غيرهم من المخالفين فيمكن الاحتجاج عليهم بأكثر أو ببعض ما سيجيء من باب ان المدار في الحجية في بناء العقلاء على (الوثاقة) لا على التحزبات الطائفية، ولا شك في أن الوثاقة النوعية حاصلة بملاحظة مجموعة الأدلة الروائية الآتية، هذا إضافة إلى أن الشواهد العقلية – القرآنية الآتية تصلح دليلاً مستقلاً وحجة قوية حتى على المخالف بل حتى على المعاند. فتدبر جيداً

وإليها المرجع، مثل (التهذيب) لشيخ الطائفة الطوسي(رحمه اللّه)، ومثل (تفسير القمي) لعلي بن إبراهيم القمي (رحمه اللّه).

و ورود الخبر في مثل أحد هذين الكتابين يكفي في حجيته، وإنكان مرسلاً إذا اعتمد عليه المؤلف، ولم يبتل بالمعارض، لبناء العقلاء في كافة شؤونهم على ذلك، كما هو الملاحظ للمتتبع في سيرتهم أيضاً، بذينك القيدين.

وكذلك ورود الخبر في مثل كتاب (تأويل ما نزل من القرآن الكريم في النبي وآله) لمحمد بن العباس كما سيأتي، ومثل كتاب (تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة) للسيد شرف الدين الاسترآبادي، فإن أدلة حجية الخبر تشمله لما سبق، ولشمول مثل (التعليل) في قوله تعالى: ﴿إِنْ جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾(1)، فإن الاعتماد على أخبار الثقات ليس إصابةً للقوم بجهالة عرفاً وفي بناء العقلاء. وشمول مثل ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾(2) فإن تقييده بما إذا ذكروا المصدر وبما إذا أحرزنا وثاقة المنقول عنه، خلاف الظاهر والمتفاهم العرفي جداً.

وشمول مثل «لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك في ما يرويه عنّا ثقاتنا، قد عرفوا بأنا نفاوضهم سرنا ونحمّلهم إياه إليهم»(3)، ومثل «العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي»(4)، ومثل ما سأله الرواي: فممن آخذ معالم ديني؟ فقال (عليه السلام): «من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا»(5)، ومثل

ص: 100


1- سورة الحجرات: 6.
2- سورة النحل: 43.
3- وسائل الشيعة: ج27 ص150 ب11 ح33455.
4- الكافي: ج1 ص329 باب في تسمية من رآه (عليه السلام) ح1
5- وسائل الشيعة: ج27 ص146 ب11 ح33442.

«أجلس في مسجد المدينة وأفتِ الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك»(1) إلى غير ذلك.

وقد فصلنا الاستدلال بذلك وغيره، وما يمكن أن يورد عليه والإجابة عنه في كتاب (قاعدة الإلزام) بمناسبة البحث عن حجيةمراسيل الثقات كالشيخ الطوسي (رحمه اللّه) والصدوق (رحمه اللّه) حيث إن بعض روايات الإلزام وردت مرسلة في (من لا يحضره الفقيه) و(التهذيب).

الجهة الثالثة: إن هذه الروايات مستفيضة، بل قد يقال بأنها متواترة(2)، وسننقل منها عشر روايات، مع أنها أكثر من ذلك، كما يظهر للمتتبع.

توضيح ذلك: إن (التواتر) هو (إخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب عادةً)، وهذا يختلف باختلاف أنواع الخبر والمخبرين والظروف الاجتماعية والسياسية والشخصية التي تكتنف الحدث، وسائر العوامل المكانية والزمانية.

وإن وصول خبر واحد يصرح بأن المقصود ب- ﴿لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ في الآية الشريفة هو الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) مع كون نقلة الخبر من كبار العلماء الورعين الأتقياء، يعد عند العقلاء من الأدلة القطعية على صحة مضمونه، فكيف إذا اعتضد ذلك بتوافر مئات العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية العامّة والخاصة، التي تجعل نقل مثل هذا الخبر مخاطرةً بل أكبر مخاطرة، وتجعل اختراق مثل هذا الخبر لحاجز الزمان ووصوله إلينا عبر جدار بكثافة 1300 عام أو أكثر، فإنه بلحاظ ذلك كله فلا شك في أنه يمتنع تواطؤ أولئك العِدّة من العلماء الناقلين للخبر على الكذب، كما يمتنع خطأهم دون ريب، بل لعمري إن ذلك

ص: 101


1- مستدرك الوسائل: ج17 ص315 ب11 ذيل ح21452.
2- هذا الدليل يصلح للاحتجاج به حتى على المخالف كما لا يخفى.

أشبه بالمعجزة، بل هو المعجزة حقاً حقاً.

الجهة الرابعة: إن مضمون هذه الروايات شاهد على صدقها، كما سيتضح ذلك أكثر عند تناولنا لمبحث أن الاعتبار العقلي أيضاً هو من أدلة كون المقصود بالآية هو الإمام علي (عليه السلام).

الجهة الخامسة: حساب الاحتمالات.

وذلك أن احتمال خطأ أو كذب مثل الشيخ الطوسي، ومثل علي بن إبراهيم، ومثل محمد بن العباس، ومثل السيد شرف الدينالإسترآبادي (رضوان اللّه عليهم) - مع معرفة هؤلاء العلماء بالنهي الشديد عن التفسير بالرأي، ونقلهم للأخبار الرادعة عن ذلك وتشديدهم عليها - في نقل مثل هذه الروايات والاستناد إليها، يقارب الصفر، بل الاحتمال معدوم تماماً.

وذلك إذا لاحظنا:

أ: جلالة شأنهم (رحمهم اللّه) من جهة، واحترام الخاصة والعامّة وإكبارهم لعدد منهم.

ب: وكون المسألة ممّا يرتبط بالعقيدة من جهة أخرى.

ج: وكونها ممّا ترتبط بتفسير القرآن الكريم من جهة ثالثة.

د: وكونها ترتبط بمسألة خلافية شديدة الوطأة، بين الشيعة والمخالفين، ولاحظنا أن المخالفين لنا بالمرصاد لتصيّد أية هفوة أو زلة أو قول بلا دليل.

فكيف يعقل بعد ذلك كله، أو يحتمل أن يكون مثل الشيخ الطوسي (رحمه اللّه) والسيد شرف الدين (رحمه

اللّه) قد كذبا في نقل الرواية، أو لم يدققا بالمقدار الكافي فأخطئا؟

إن الاحتمال معدوم كما سلف، حتى ممن لا يعتقد بالشيخ الطوسي وبعلي بن إبراهيم، نظراً لعدم معقولية أن يكذب مثلهما في مثل هذه القضية

ص: 102

الخلافية التي كانت ولا زالت أعين المخالفين ترصد من يتكلم حولها بشدة، وتحاول أن تتصيد عليه أدنى هفوة أو كبوة.

بل إنه إذا فتح باب التشكيك في مثل ذلك، لما بقي حجر على حجر، ولأمكن التشكيك حتى في الأخبار المتواترة!(1)

وإليكم بعض الروايات الشريفة في هذه الآية المباركة:

أكثر من عشر روايات تفسِّر هذه الآية بالإمام علي (عليه السلام)

الروايتان الأولى والثانية: روايتا علي بن إبراهيم القمي في تفسيره

1: قال علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن حماد، عن أبي عبد اللّه (عليه سلام اللّه) في قوله ﴿الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ﴾ قال: هو أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعرفته، والدليل على أنه أمير المؤمنين (عليه السلام) قولهتعالى : ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) في ﴿أم الكتاب﴾ وفي قوله ﴿الصراط المستقيم﴾(2).

2: وورد في تفسير علي بن إبراهيم: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)، مكتوب في الحمد في قوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ﴾، قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «هو أمير المؤمنين».(3)

سند الرواية الأولى

والرواية الأولى صحيحة السند بدون كلام، فإن:

1: علي بن إبراهيم (رحمه اللّه)

ص: 103


1- هذا الدليل حجة على المنصف من المخالفين أيضاً.
2- تفسير القمي: ج1 ص28 أول سورة الفاتحة.
3- تفسير القمي: ج2 ص280 أول سورة الزخرف.

جلالة شأنه أشهر من أن تسطر، لكن مع ذلك نشير إليه إشارة:

فقد قال النجاشي(1): (علي بن إبراهيم بن هاشم أبو الحسن القمي: ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب، سمع فأكثر، وصنف كتباً).

وقد روى ألوف الروايات، فقد روى عن أبيه (إبراهيم بن هاشم) فقط 6214 رواية، كما في معجم رجال الحديث(2).

كما أن مجموع رواياته - حسب ما وصل إلينا -7140 رواية.

كما أنه لا خلاف من أحد فيما وصفه به النجاشي(3)، وله كتب منها كتاب التفسير المتلقى بالقبول حتى عند من لا يقبل في التفسير غير الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام).(4)

2: إبراهيم بن هاشم (أبوه).

صرح (ابن طاووس) بوثاقته، وادعى الإتفاق على وثاقته(5)، كما روى عنه في كامل الزيارات، وهو أول من نشر حديث الكوفيين بقم - كما ذكره النجاشي(6)، وتبلغ رواياته - حسب ما وصل إلينا - 6414 رواية، ولا يوجد في الرواة مثله في كثرة الرواية، كما قاله العلامة(7) (قدّس سرّه)، اللّهم إلا ابنه علي بن إبراهيم كما سبق.

ص: 104


1- رجال النجاشي: ص260، تحت الرقم 680
2- معجم رجال الحديث: ج11 ص475.
3- انظر: فهرست الشيخ الطوسي: ص266، رجال ابن داود ج1: ص237، خلاصة العلامة: ص100.
4- مستدركات علم رجال الحديث: ج5 ص278 (9560 علي بن إبراهيم بن هاشم القمي).
5- فلاح السائل: ص158.
6- رجال النجاشي: ص16، إبراهيم بن هاشم أبو إسحاق.
7- الخلاصة: 4.

كما أنَّ هناك أكثر من ألف رواية من روايات الكافي منقولة عنه بواسطة ابنه، وقال العلامة الهمداني في مصباح الفقيه: (إن إبراهيم بن هاشم باعتبار جلالة شأنه وكثرة رواياته واعتماد ابنه والكليني والشيخ وسائر العلماء المحدثين، غني عن التوثيق بل هو أوثق في النفس من أغلب الموثقين).(1)

3: حماد.

وحماد وقع في 1825 مورداً بهذا العنوان، وهو مشترك بين حماد بن عثمان، وحماد بن عيسى - كما في المعجم(2)- وكلاهما ثقة.

أما حماد بن عيسى، فقد وثقه النجاشي ونقل: (إنه روى عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن والرضا عليهم السلام... ثم قال: وكان ثقة في حديثه صدوقاً) (3) وقال في المستدركات: (وبالجملة هو ثقة صدوق بالاتفاق وممن أجمعت العصابة عليهم)(4).

وأما حماد بن عثمان، فقد قال عنه النجاشي: (حماد بن عثمانبن عمرو بن خالد الفزاري... وأخوه عبد اللّه، ثقتان، رويا عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، وروى حماد عن أبي الحسن والرضا (عليهما السلام) ومات حماد بالكوفة سنة 190) (5).

وهكذا عبر عن وثاقته العلامة في رجاله(6).

ص: 105


1- مصباح الفقيه: كتاب الزكاة مسألة نصاب الغنم. وراجع ما قاله العلامة المامقاني عنه، وليراجع أيضاً مستدركات علم رجال الحديث: ج1 ص222-225.
2- معجم رجال الحديث: ج6 ص198.
3- رجال النجاشي: ص142 تحت الرقم 370 - حماد بن عيسى أبو محمد الجهني.
4- مستدركات علم رجال الحديث: ج3 ص258.
5- رجال النجاشي: ص142 تحت الرقم 370 - حماد بن عيسى أبو محمد الجهني.
6- رجال العلامة الحلي: ص56.

وقال ابن داود الحلي في رجاله: كوفي ثقة هو وأخوه(1).

وقال: حماد بن عثمان الناب هو وأخوه ثقتان، وأخوه حسين خير فاضل، وحماد ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه(2).

وهو ثقة جليل القدر بالاتفاق(3). وعلى أي فإن حماد بن عثمان الناب وحماد بن عثمان الفزاري سواء اتحدا - كما استظهره (المعجم) - أم اختلفا، كلاهما ثقتان(4) بلا خلاف.(5)

تفسير ﴿الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ﴾ بالإمام علي (عليه السلام)

ولابد أن نشير إلى أن تفسير ﴿الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ﴾(6) بأمير المؤمنين (عليه السلام) أو بمحمد وآله الطاهرين عليهم السلام ليس بالمستغرب، بل قد ورد ما يقارب هذا المعنى في العديد من كتب العامّة، مضافاً إلى ما ورد عن طرق الخاصة.وقد نقل السيد العم(7) (دام ظله) في كتابه القيّم (علي (عليه السلام) في القرآن) بعض الروايات الموجودة في كتب العامّة:

وأما مجموع الموجود في كتب الخاصة والعامّة فقد بلغ حد التواتر.

وهذا نص ما نقله السيد العم (دام ظله):

(أخرج إبراهيم بن محمد الحمويني الشافعي بإسناده عن خيثمة الجعفي،

ص: 106


1- رجال ابن داود: ص132 تحت الرقم 512.
2- رجال ابن داود: ص131 - 132 تحت الرقم 511.
3- مستدركات علم رجال الحديث: ج3 ص257.
4- الموسوعة الرجالية الميسرة: رقم 2027 حماد بن عثمان الناب.
5- مستدركات علم رجال الحديث: ج3 ص256.
6- أو تأويله.
7- هو المرجع الديني آية اللّه العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله).

عن أبي جعفر - يعني محمد بن علي الباقر (عليه السلام) - قال سمعته يقول: «نحن خيرة اللّه، ونحن الطريق الواضح، والصراط المستقيم إلى اللّه»(1). وروى الثعلبي(2) في تفسيره (كشف البيان في تفسير القرآن) في تفسير قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ﴾ قال مسلم بن حيان: سمعت أبا بريدة يقول: صراط محمد وآله(3).

وأخرج وكيع بن الجراج في تفسيره، بإسناده عن عبد اللّه بن عباس في قوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ﴾، قال: قولوا معاشر العباد أرشدنا إلى حب محمد وأهل بيته(4).

وأخرج هذا المعنى عديد من المفسرين والمحدثين، منهم السيدأبو بكر الشافعي في (رشفة الصادي) (5). ومنهم الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة)، أورد أحاديث عديدة في ذلك(6)، وآخرون غيرهما).

ص: 107


1- فرائد السمطين: ج2 ص253.
2- هو أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري، صاحب التفسير الكبير المتوفى عام (427 أو 437) وقد ترجم له الكثير، منهم عبد اللّه أسعد اليمني المعروف باليافعي في كتابه (مرآة الجنان): ج3 ص46. ومنهم الشافعي السيوطي في (طبقات المفسرين): ص5. ومنهم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي في كتابه (أبناء الرواة) ج1 ص119، ومنهم ياقوت الحموي في (معجم الأدباء) ج5 ص35 ، وآخرون...
3- الكشف والبيان ج1: ص120، وانظر كذلك: مناقب آل أبي طالب: ج2 ص271، ونهج الإيمان، لابن جبر: ص540.
4- غاية المرام: ص246.
5- رشفة الصادي: ص25.
6- ينابيع المودة: ص114.

توضيح وتنبيه:

ولابد من بعض التوضيح لهذه الروايات، والجواب عن شبهة متوهمة:

1: نجد في الرواية الأولى تصريحاً للإمام الباقر (عليه سلام اللّه) بأنهم - أي الأئمة الاثني عشر عليهم السلام - جميعاً ﴿الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ﴾ إلى اللّه تعالى.

ولا مانعة جمع؛ فإن تفسيرها بأمير المؤمنين (عليه السلام) متضمَّن في هذا التفسير، وبعبارة أخرى: إنه تفسير بالمصداق فلا تنافي، وبتعبير ثالث: المثبتان لا يقيد أحدهما الآخر.

وببيان رابع: أحدهما يشير للفرد الأكمل، والآخر يشير إلى الكلي، والجزئي من مصاديق الكلي، فصحة الحمل متحققة في الاثنين.

وذلك كتفسير (النبي) ب(كل من أنبأه اللّه وأوحى إليه) وب(النبي محمد (صلّى اللّه عليه وآله))، وكلاهما صحيح(1)، أو كتفسير (الدين) بأديان الأنبياء عليهم السلام، وتفسيره بدين الإسلام، فإنه تفسير بالمصداق لكن أحدهما أخص والآخر أعم.

2: وأما الرواية الثانية (صراط محمد وآله)، فإن علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام - وصولاً إلى المهدي المنتظر (عليه السلام) - هم طليعة آل الرسول (صلى اللّه عليه وآله) وذلك ممّا لا شك فيه ولا شبهة تعتريه. ثم الظاهر أن الإضافة في (صراط محمد وآله) هي إضافة بيانية، فإن الرسول (صلى اللّه عليه وآله) هو بنفسه الصراط الأعظم إلى اللّه تعالى، وكذلك آله الطاهرين عليهم السلام، فيكون المعنى (صراطٌ هو محمد وآله).

على أن الإضافة لو كانت لامية لما أضرت، إذ لا مانعة جمع بين كون

ص: 108


1- ولا يخفى أن الأول تفسير بالمفهوم والثاني تفسير بالمصداق.

الشخص بنفسه صراطاً، وكون حبه صراطاً، وكون تعاليمه صراطاً، فإن هذه الثلاثة بأجمعها لها جامع واحد هو الصراط المستقيم والطريق إلى اللّه تعالى، فهي بأجمعها ممّا تأخذ بأيدي الإنسان إلى طاعة اللّه سبحانه وتعالى وإلى ﴿جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ﴾.(1)

3: وبذلك يتضح وجه الجمع مع الرواية الثالثة (أرشدنا إلى حب محمد وأهل بيته) فإن (الحب) من مصاديق (الصراط)، ولذا ورد «المرء مع من أحب»(2)، و«من أحب قوماً حشر معهم»(3).

والحديث حول الاستدلال بآية ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ﴾ طويل، ولعلنا نتطرق له في المستقبل إذا شاء اللّه تعالى.

الرواية الثالثة: رواية الطوسي في (التهذيب)

3: ما رواه الشيخ الطوسي (رحمه اللّه) في التهذيب:

عن الحسين بن الحسن الحسيني قال: حدثنا محمد بن موسى الهمداني قال: حدثنا علي بن حسان الواسطي قال: حدثنا علي بن الحسين العبدي قال: سمعت أبا عبد اللّه الصادق (عليه سلام اللّه) - وذكر فضل يوم الغدير والدعاء فيه، إلى أن قال في الدعاء -: «فاشهد يا إلهي إنه الإمام الهادي المرشد الرشيد، علي أمير المؤمنين الذي ذكرته في كتابك فقلت: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾(4) ».(5)

ص: 109


1- سورة آل عمران: 133.
2- الكافي: ج2 ص126 باب الحب في اللّه ح11.
3- مستدرك الوسائل: ج12 ص108 ب80 ح13648.
4- سورة الزخرف: 4.
5- تهذيب الأحكام: ج3 ص145 ب7 صلاة الغدير ح1.

الرواية الرابعة: رواية ابن الماهيار

4: ما رواه محمد بن العباس بن علي بن مروان بن الماهيار، المعروف بابن الجُحام(1) في كتابه القيم (تأويل ما نزل من القرآنالكريم في النبي وآله عليهم السلام)(2)، فقد روى عن أحمد بن إدريس، عن عبد اللّه بن محمد بن عيسى، عن موسى بن القاسم، عن محمد بن علي بن جعفر، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) وهو يقول: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) وقد تلا هذه الآية: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ قال: «علي بن أبي طالب».(3)

سند الحديث الرابع

أ -محمد بن العباس بن علي بن مروان.

هو فوق أن يمدح، ومع ذلك ننقل بعض كلمات أشهر العلماء الرجاليين عنه:

فقد وصفه النجاشي ب: (ثقة ثقة، من أصحابنا، عين، سديد، كثير الحديث).(4)

وقال العلامة الحلي: (ثقة ثقة، عين في أصحابنا، سديد، كثير الحديث)(5).

ص: 110


1- لم يذكر تاريخ وفاته لكنه كان حياً عام 328 ه- إذ نقل الشيخ في رجاله أنه سمع منه التلعكبري سنة 328 وله منه إجازة، وفي البحار: إنه كان معاصراً للشيخ الكليني المتوفى 329 ه.
2- قال النجاشي في وصف هذا الكتاب: قال جماعة من أصحابنا: (إنه كتاب لم يصنف في معناه مثله) رجال النجاشي: 379 الرقم 1030.
3- تأويل الآيات: ج2 ص552 ح2 (نقلاً عن تفسير البرهان أول سورة الزخرف).
4- رجال النجاشي: رقم 1030.
5- الخلاصة [رجال العلامة]: ص161.

وقال ابن داوود الحلي: (ثقة ثقة، من أصحابنا، عين من أعيانهم، كثير الحديث، سديد)(1).

وقال في المستدركات: (ولا خلاف في ذلك كله ولا غمز فيه).(2)

وقال السيد ابن طاووس: (الشيخ العالم، الثقة الثقة، المشهوربوثاقته وتزكيته).(3)

وأما كتابه (تأويل ما نزل من القرآن الكريم في النبي وآله عليهم السلام) فقد كانت للسيد بن طاووس (رحمه اللّه) نسخة كاملة منه، وقد نقل عنه في العديد من كتبه مثل (سعد السعود) و(اليقين) و(محاسبة النفس)، كما أن حسن بن سليمان الحلي كانت لديه نسخة من الكتاب وقد روى عنه عدة روايات في كتاب (مختصر بصائر الدرجات)، كما أن علي بن عيسى الأربلي - المتوفى 693 ه- - روى عنه في كتاب (كشف الغمة)، كما أن شرف الدين علي الحسيني الاسترابادي، كانت لديه نسخة تحوي النصف الثاني منه(4).

ب -أحمد بن إدريس

هو أحمد بن إدريس بن أحمد، أبو علي الأشعري القمي المتوفى سنة 306 هجرية.

وقد وصفه علماء الرجال: (كان فقيهاً، كثير الحديث، صحيح الرواية)،

ص: 111


1- رجال ابن داود: ص317.
2- المستدركات: ج7 ص150.
3- في (اليقين) في عدة أماكن كالصفحات 279، و289، و461.
4- لمزيد من التفصيل راجع المقدمة القيمة التي كتبها فارس تبريزيان على كتاب (تأويل ما نزل القرآن الكريم في النبي وآله) مطبعة الهادي، 1420 هجري.

فراجع رجال النجاشي(1) والشيخ(2) والعلامة(3)، وقال في المستدركات(4): (ولا غمز فيه وهو من مشايخ الكليني، أكثر من الرواية عنه في الكافي).

ج -عبد اللّه بن محمد بن عيسى

وهو بُنان أخو أحمد بن محمد بن عيسى، وقد روى عنه كامل الزيارات، ويكفي ذلك لتوثيقه على المبنى، كما روى عنه (الكافي)، ويكفي ذلك لتوثيقه على المبنى أيضا، وله بهذا العنوان أكثر من 44رواية في الكتب الأربعة، بل له أكثر من 75 رواية في الكافي والتهذيب، فتشمله قاعدة (إكثار الثقات من الرواية عن شخص دليل وثاقته)، كما أن محمد بن أحمد بن يحيى روى عنه ولم يستثن روايته، كما نقله (الوحيد)(5).

د -موسى بن القاسم

وهو موسى بن القاسم بن معاوية بن وهب البجلي، قال عنه النجاشي (رحمه اللّه): (ثقة ثقة، جليل، واضح الحديث، حسن الطريقة، له كتب)(6). وقال الطوسي (رحمه اللّه) في الفهرست: (له ثلاثون كتاباً مثل كتب الحسين بن سعيد، مستوفاة، حسنة)(7).

وقال في رجال الإمام الرضا (عليه السلام): (كوفي، ثقة)

وعده في رجال الإمام الجواد (عليه السلام).

ص: 112


1- رجال النجاشي: ص92.
2- فهرست الشيخ: ص64.
3- الخلاصة: ص16.
4- المستدركات: ج1 ص256.
5- الفوائد الرجالية،للوحيد البهبهاني: ص53.
6- رجال النجاشي: ص405.
7- الفهرست للطوسي: ص162 تحت الرقم 706.

ه - محمد بن علي بن جعفر الصادق (عليه السلام).

وهو من رجال الإمام الرضا (عليه السلام) وله أربع روايات عنه (عليه السلام) في الكافي والتهذيب(1).

وقد فصلنا في كتاب (حجية الكتب الأربعة) أن رواية الكليني (رحمه اللّه) عن شخص في الكافي دليل وثاقته، لشهادته بذلك في مقدمته.

وكذلك رواية الطوسي (رحمه اللّه) في التهذيب أو الاستبصار، فكيف لو اجتمعا.

وبما فصلناه في مبحث حجية مراسيل الثقات، تثبت حجية ما ذكره الشيخ الطوسي في (التهذيب) معتمداً عليه من غير معارض.

الرواية الخامسة: رواية محمد بن العباس

5: ما رواه محمد بن العباس بن علي بن مروان، أيضاً في (تأويل ما نزل من القرآن الكريم في النبي وآله).

قال: حدثنا أحمد بن إدريس(2)، عن محمد بن أحمد بن يحيى(3)، عن إبراهيم بن هاشم(4)، عن علي بن معبد(5)، عن واصل بن سليمان(6)، عن عبد

ص: 113


1- راجع الموسوعة الرجالية الميسرة: رقم 5344، ومستدركات علم رجال الحديث: رقم 13950.
2- سبق حاله ووثاقته.
3- الظاهر أنه محمد بن أحمد بن عمران بن عبد اللّه بن سعد بن مالك الأشعري القمي، كان ثقة في الحديث، قاله النجاشي، وقال الطوسي (جليل القدر، كثير الرواية، له كتاب نوادر الحكمة).
4- سبق حاله ووثاقته.
5- علي بن معبد هو من أصحاب مولانا الهادي (عليه السلام) قاله الشيخ، له كتاب رواه عنه إبراهيم بن هاشم وغيره، وهناك جملة روايات تدل على كماله وحسن عقيدته، فراجع (المستدركات: ج5 ص480 الرقم 10542).
6- واصل بن سليمان، روى عنه - أي بالواسطة - الكليني في الكافي والصدوق في الأمالي، والكشي والمفيد والبرقي وغيرهم، فراجع (المستدركات: ج8 ص97 الرقم15672) وله ست روايات في الكافي والتهذيب. الموسوعة الرجالية الميسرة حرف و.

اللّه بن سنان(1)، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: (لما صرع زيد بن صوحان يوم الجمل، جاء أمير المؤمنين (عليه سلام اللّه) إليه حتى جلس عند رأسه فقال: رحمك اللّه يا زيد، قد كنت خفيف المؤونة، عظيم المعونة، فرفع زيد رأسه إليه فقال: وأنت جزاك اللّه خيراً يا أمير المؤمنين، فواللّه ما علمتك إلاّ عليماً، وفي أم الكتاب علياً حكيماً، وإن اللّه في صدرك لعظيم).

ورواه أيضاً في (تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة)(2).

وجهان للاستدلال بالرواية:

ووجه الاستدلال بهذه الرواية الشريفة:

أولاً: (تقرير) أمير المؤمنين (عليه صلوات اللّه وسلامه) لكلام زيد بن صوحان، وتقرير المعصوم (عليه السلام) حجة بلا ريب.

ثانياً: بل قد يستدل بنفس شهادة زيد، وقسمه باللّه على أمر عظيم كهذا، فإنه يوجب الاطمئنان بل القطع بأن مثله على جلالة شأنه وعلى خطورة القضيةوعلى بعدها ظاهراً عن بعض الأذهانلا يدعي ذلك إلاّ عن خبر صحيح بَلَغه، أو عن سماع من رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) أو من الإمام (عليه الصلاة والسلام).

ص: 114


1- عبد اللّه بن سنان، قال النجاشي (ثقة من أصحابنا جليل لا يطعن عليه في شيء) وعده المفيد في رسالته العددية من الأعلام، وله أكثر من 1146 رواية في الكتب الأربعة.
2- وانظر كذلك: الاختصاص للشيخ المفيدة: ص79، بحار الأنوار ج32: ص188، رجال الكشي ج1: ص284، وقد رواه أبو نعيم في حلية الأولياء ج1: ص72، ولكن اقتطع منه قوله عليه السلام: «وفي أمِّ الكتاب عليّاً حكيما».

من هو زيد بن صوحان؟

ولا تخفى جلالة شأن زيد بن صوحان، فإن الطوسي (رحمه اللّه) والعلامة (رحمه اللّه) قالا عنه: إنه من رجال علي (عليه السلام) ومن الأبدال، قُتل يوم الجمل(1).

وروى الكشي ما يدل على جلالته(2).

وقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) في حقه: «زيد وما زيد يسبق منه عضو إلى الجنة» فقطعت يده يوم نهاوند في سبيل اللّه(3).

الرواية السادسة: رواية محمد بن العباس والاسترابادي

6: ما وما رواه محمد بن العباس أيضاً في نفس الكتاب(4)، قال:

(حدثنا أحمد بن محمد النوفلي(5)، عن محمد بن حماد الشاشي(6)،عن الحسين بن أسد الطغاوي(7)، عن علي بن إسماعيل الميثمي(8)، عن عباس

ص: 115


1- رجال الشيخ الطوسي: ص64، تحت الرقم 566. رجال العلامة: ص73.
2- رجال الكشي: ص66 - 67.
3- الخرائج والجرائح: ج1 ص66
4- راجع أيضاً تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: للاسترابادي ص297 - 298.
5- أحمد بن محمد بن موسى النوفلي، ربما يظهر من رواياته حسن حاله، فتأمل، راجع المستدركات: ج1 ص477.
6- محمد بن حماد الشاشي، وقع في طريق الصدوق في العلل، وفي طريق الشيخ في الأمالي، كما روى في تفسير سورة نوح من تفسير القمي، المستدركات: ج7 ص7.
7- الحسين بن أسد الطغاوي، وقع في طريق الشيخ في (الأمالي).
8- علي بن إسماعيل بن شعيب بن يحيى التمار، قال النجاشي: «كان من وجوه المتكلمين» وقال الطوسي في الفهرست: «أول من تكلم على مذهب الإمامية وصنّف كتاباً في الإمامة».

الصائغ(1)، عن سعيد الإسكاف(2)، عن الأصبغ بن نباتة(3)، قال: خرجنا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى انتهينا إلى صعصعة بن صوحان فإذا هو على فراشه، فلما رأى علياً (عليه

السلام) خفّ له، فقال له علي (عليه السلام): «لا تتخذن زيارتنا إياك فخراً على قومك»، فقال: لا يا أمير المؤمنين، ولكن ذخراً وأجراً، فقال (عليه السلام) له: «واللّه ما كنت علمتك إلاّ خفيف المؤونة كثير المعونة»، فقال صعصعة: وأنت واللّه يا أمير المؤمنين ما علمتك إلاّ باللّه لَعليم، وأن اللّه في عينك لعظيم، وأنك في كتاب اللّه لعلي حكيم، وأنك بالمؤمنين لرؤوف رحيم»(4).

تنبيه: هاتان قضيتان

من الواضح حدوث قضيتين في التاريخ إحداهما حدثت مع (زيد بن صوحان) في يوم الجمل، لما صرع زيد فجاءه الإمام علي (عليه السلام والصلاة)، فقال ما قال.

والثانية: حدثت مع (صعصعة بن صوحان) عندما تمرض فزاره أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فقال ما قال، فلا تتوهمنّ أن القضية واحدة!

من هو صعصعة بن صوحان؟

ولا يخفى أن (صعصعة) هو أخو (زيد) ووالدهما (صوحان).

ص: 116


1- عباس الصائغ، لعله العباس بن عبد الرحمن الصائغ الكوفي والذي ذكره الكمباني في مجمع الرجال.
2- سعيد الإسكاف وقيل سعيد الخفاف.
3- الأصبغ بن نباتة أشهر من أن يذكر، فراجع المستدركات: ج1 ص690 وغيره.
4- وانظر أيضاً: الغارات، لابراهيم الثقفي الكوفي [ت:283] ج2: ص893، البرهان في تفسير القرآن ج4: ص846.

وقد عد (البرقي)(1) (صعصعة بن صوحان العبدي) من خواص أصحاب علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما روى (الكشي)(2) في مدحه وجلالته روايات، وقال (النجاشي)(3) إنه روى عهد مالك بن الحارث الأشتر. ويظهر من الكافي والتهذيب أنه كان من شهود وصية الإمام علي (عليه السلام).

الرواية السابعة: رواية الديلمي

7: ما ما رواه الحسن بن أبي الحسن الديلمي على ما رواه عنه السيد شرف الدين علي الحسيني الاسترابادي الغروي - تلميذ المحقق الكركي، الذي توفي سنة 940ه- - في (تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة) ص537 في أول سورة الزخرف قال:

(ومن التأويل: ما رواه الحسن بن أبي الحسن الديلمي (رحمه اللّه)(4) بإسناده عن رجاله إلى حماد السندي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) وقد سأله سائل عن قول اللّه عز وجل: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ قال: هو أمير المؤمنين (عليه السلام))(5).

موجز عن السيد شرف الدين

ولا يخفى جلالة شأن السيد شرف الدين علي الحسيني الاسترابادي، فقد قال العلامة الكبير والبحاثة الخبير الميرزا عبد اللّه الأفندي في (رياض العلماء):

ص: 117


1- رجال البرقي: ص5.
2- رجال الكشي ج1: ص68.
3- رجال النجاشي: ص203.
4- أبو محمد الحسن بن أبي الحسن بن محمد الديلمي وهو مؤلف كتاب (إرشاد القلوب).
5- وانظر أيضاً: الغارات ج2: ص894، البرهان في تفسير القرآن ج4: ص847.

(السيد شرف الدين علي الحسيني الاسترابادي ثم النجفي، المتوطن في الغري، فاضل عالم جليل زكي ذكي نبيل، وهو من أجلة العلماء، وله من المؤلفات... وله أيضاً كتاب (تأويل الآيات الظاهرة الباهرة في فضائل العترة الطاهرة) وهو كتاب معروف) كما نقل ذلك عنه في فهرس بحار الأنوار.(1)

وقال في البحار: ج1 ص31: (وكتاب (تأويل الآيات) وكتاب (كنز جامع الفوائد) رأيت جمعاً من المتأخرين رووا عنهما، ومؤلفهما في غاية الفضل والديانة).

ولا يخفى أن (أمل الآمل) للحر العاملي ذكر في باب الشين المعجمة أن المؤلف هو (الشيخ شرف الدين بن علي النجفي) وذكر كذلك الحسن بن محمّد الديلمي ووصفهما بهذا الوصف: (كان فاضلاً عالماً محدثاً صالحاً) مؤلف (إرشاد القلوب)(2)، ولا يهمنا الآن تحقيق الحال في ذلك بعد ثبوت وثاقة كليهما.

الرواية الثامنة: رواية السيد الاسترابادي

8: ما رواه السيد شرف الدين في كتابه (تأويل الآيات الظاهرة) ص537 قال:

(وروي عنه (عليه السلام) أنه سئل: أين ذكر علي (عليه السلام) في ﴿أُمِّ الْكِتَابِ﴾؟ فقال: في قوله سبحانه: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ﴾ وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام))(3).

ومن الواضح أن السؤال عن آية ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾

ص: 118


1- راجع فهرس بحار الأنوار ج1، ص12.
2- أمل الآمل: ص77 وص132.
3- وانظر أيضاً: بحار الأنوار ج23: ص211، البرهان في تفسير القرآن ج4: ص846.

ولذاسئل (عليه السلام): أين ورد ذكره في (أم الكتاب)؟

فهذه الرواية كبعض الروايات الأخرى، تعد من الروايات الشارحة والمفسرة لكلتا الآيتين الكريمتين، أي آية ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ﴾ وآية ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾.

الرواية التاسعة: رواية الطوسي في (مصباح المتهجد)

9: وما رواه الشيخ الطوسي (رحمه اللّه) في مصباح المتهجد(1)، ونقله عنه أيضاً السيد شرف الدين في كتابه تأويل الآيات الظاهرة:

(ثم تقول - أي بعد صلاة يوم الغدير -: (وأشهد أنه الإمام الهادي المهدي الرشيد أمير المؤمنين الذي ذكرته في كتابك فإنك قلت وقولك الحق ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾.

لا يقال: إن هذا الدعاء يختلف بعض الشيء عن الدعاء المذكور في التهذيب، إذ يوجد ههنا (المهدي) ولا يوجد هناك، ويوجد هناك (المرشد) و(علي) ولا يوجد هنا، كما أن ههنا (وأشهد أنه الإمام...) وهناك (فاشهد يا إلهي أنه الإمام...).

إذ يقال:

أولاً: لا ينفي أي منهما الآخر، بل لعل كليهما قد ورد.

ثانياً: بل مثل هذا الاختلاف يؤكد صحة المضمون والجوهر، ويؤكد صحة سائر الألفاظ المتفق عليها، من تفسير الآية ب: «فإنك قلت وقولك الحق...» إلخ. إذ من المتداول لدى العقلاء النقل بالمضمون، فلا تضر زيادة كلمة

ص: 119


1- مصباح المجتهد: ص526 طبعة مؤسسة الأعلمي 1418 ه في بحث صلاة يوم الغدير والدعاء فيه.

أو إبدالها بكلمة مشابهة، هذا إضافة إلى احتمال كون الاختلاف ليس من الرواة بل من مستنسخي الرواية والكتب.

توثيق الشيخ الطوسي ل (المصباح)

ولا يخفى توثيق الشيخ الطوسي (رحمه اللّه) لما دوّنه في كتابه (مصباح المتهجد) إذ قال: (سألتم أيدكم اللّه أن أجمع عبادات السنة ما يتكرر منها وما لا يتكرر، وأضيف إليها الأدعية المختارة عند كلعبادة... وأسوق ذلك سياقة يقتضيها العمل... فيكون لكل طائفة منهم شيئاً يعتمدونه ويرجعون إليه وينالون بغيتهم منه، وأنا مجيبكم إلى ذلك مستعيناً باللّه ومتوكلاً عليه)(1)، كما قال في آخر (المصباح): (وقد وفينا بما شرطناه في صدر الكتاب).(2)

وفي كلامه هذا مواضع ثلاثة تدل صراحة أو بالإلتزام على توثيقه:

1: (أن أجمع عبادات السنة).

2: (وأضيف إليه الأدعية المختارة).

3: (يعتمدونه ويرجعون إليه... وأنا مجيبكم إلى ذلك).

ووجه الاستدلال: إن الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية الواقعية، فقوله (أن أجمع عبادات السنة) دليل على أنه يعتبرها عبادات حقاً، ويرى مصادره إليها كالمرآة للحقيقة، وكذا قوله (الأدعية المختارة) فإنه دليل على أنه يعتبرها أدعية بالمعنى المعهود صادرة عن مصادر الدعاء عندنا، وهم الحجج الأطهار (عليهم السلام) وعلى اختياره هذه الأدعية من بين ما وجده من الضعيف والقوي، فيدل على اعتماده عليها.

ص: 120


1- مصباح المتهجد: ص4.
2- مصباح المتهجد: ص594.

وكذا قوله (يعتمدونه ويرجعون إليه) إذ كيف يذكر لهم ما يريدهم الاعتماد عليه، وهو لا يعتمد عليه؟

ثم صرح بقوله: (وأنا مجيبكم إلى ذلك). وقال في آخر الكتاب: (وقد وفينا بما شرطناه في صدر الكتاب).

الرواية العاشرة: رواية ابن شهر آشوب في (المناقب)

10: ما رواه ابن شهر آشوب في كتاب (مناقب آل أبي طالب)(1)، قال: (وقال أبو جعفر الهاروني في قوله: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾وأم الكتاب الفاتحة، يعني أن فيها ذكره قوله ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَالمُسْتَقِيمَ﴾.(2)

كما أنه نقل عن التهذيب والمصباح في دعاء الغدير: «وأشهد أن الإمام الهادي الرشيد أمير المؤمنين الذي ذكرته في كتابك فقلت: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ ».(3)

وقال في موضع ثالث: (ثم إن اللّه سمى علياً مثل ما سمى به كتبه، قال... ﴿ولعليّ﴾: ﴿لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾».(4)

وقال: (وهاتان الصفتان - أي ﴿علي حكيم﴾ - له خليقة (أو له حقيقة) لأنهما من صفات الحي وفي القرآن على سبيل التوسع).(5)

ص: 121


1- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص271.
2- المصدر نفسه.
3- مناقب آل أبي طالب: ص302.
4- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص36.
5- المصدر نفسه.

موجز عن ابن شهر آشوب

هو محمد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني، قال عنه المحدث القمي (رحمه اللّه) في كتاب (الفوائد الرضوية):

(محمد بن علي بن شهر آشوب، فخر الشيعة وتاج الشريعة، محيي آثار المناقب والفضائل، البحر المتلاطم الزخار، الذي ليس له ساحل، قطب المحدثين وشيخ مشايخهم، ورئيس الفقهاء وفقيههم، رشيد الملة والدين، شمس الإسلام والمسلمين).

وقال عنه أيضاً: (فقيه، وجيه، محدث، مفسر، محقق، أديب، أريب، شاعر، منشئ، بليغ، جامع فنون الفضائل والمحاسن، عالم رباني).

وقال عنه في (الكنى والألقاب)(1):

(ابن شهرآشوب، رشيد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن شهرآشوب السروري المازندراني فخر الشيعة ومروج الشريعة،محيي آثار المناقب والفضائل والبحر المتلاطم الزخار الذي لا يساجل:

هو البحر لا بل دون ما علمه البحر *** هو البدر لا بل دون طلعته البدر

هو النجم لا بل دونه النجم رتبة *** هو الدر لا بل دون منطقه الدر

هو العالم المشهور في الدهر والذي *** به بين أرباب النهى افتخر الدهر

هو الكامل الأوصاف في العلم والتقى

ص: 122


1- الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي: ج1 ص332 – 333.

فطاب به في كل ما قطر الذكر

محاسنه جلت عن الحصر وازدهى *** بأوصافه نظم القصائد والنثر

ثم قال: شيخ مشايخ الإمامية صاحب كتاب المناقب والمعالم وغيرهما، وكفى في فضله إذعان فحول أعلام أهل السنة بجلالة قدره وعلو مقامه . ثم نقل ما حكي عن الصفدي).

وقال الصفدي في ترجمته في (الوافي بالوفيات):

«حفظ أكثر القرآن وله ثماني سنين، وبلغ النهاية في أصول الشيعة، كان يُرحل إليه من البلاد، ثم تقدم في علم القرآن والغريب والنحو، ووعظ على المنبر أيام المقتفي ببغداد فأعجبه وخلع عليه، وكان بهي المنظر حسن الوجه والشيبة، صدوق اللّهجة، مليح المحاورة، واسع العلم، كثير الخشوع والعبادة والتهجد، لا يكون إلا على وضوء. أثنى عليه ابن أبي طي في تأريخه ثناءً كثيراً، توفي سنة 588»(1).

وذكر ما يقرب منه الفيروز آبادي في محكي بلغته، وقال: «عاش مائة سنة إلا عشرة أشهر»(2).

وقال غيره في حقه: وكان إمام عصره ووحيد دهره، أحسن الجمعوالتأليف، وغلب عليه علم القرآن والحديث، وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنة في تصانيفه وتعليقات الحديث ورجاله ومراسيله ومتفقه ومتفرقه إلى غير ذلك من أنواعه، واسع العلم كثير الفنون، مات في شعبان سنة 588»(3).

ص: 123


1- الوافي بالوفيات ج4: ص118.
2- البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة، تحت الرقم: 345.
3- طبقات المفسرين، للسيوطي: ص96.

وقال في (طبقات المفسرين): (أحد شيوخ الشيعة، اشتغل بالحديث ولقي الرجال ثم تفقه وبلغ النهاية في فقه أهل مذهبه، ونبغ في الأصول حتى صار رحلة، وقد تقدم في علم القرآن والقراءة والنحو، وكان إمام عصره، وغلب عليه علم القرآن والحديث)(1).

كما أن ابن شهر آشوب، شهد في مقدمة كتابه (مناقب آل أبي طالب) بصحة روايات كتابه ومضامينه، فقال (... وكتبت على نفسي أن أميز الشبهة من الحجة، والبدعة من السنة، وأفرق بين الصحيح والسقيم، والحديث والقديم، وأعرف الحق من الباطل، والمفضول من الفاضل، وأنصر الحق وأتبعه، وأقهر الباطل وأقمعه، وأظهر ما كتموا وأجمع ما فرقوا...).(2)

وقال بعد صفحات طويلة: (وقد قصدت في هذا الكتاب من الاختصار على متون الأخبار، وعدلت عن الإطالة والإكثار.. وحذفت أسانيدها لشهرتها، ولإشارتي إلى رواتها وطرقها والكتب المنتزعة منها، لنخرج بذلك عن حد المراسيل وتلحق بباب المسندات..).(3)

فقد وثّق كتابه هذا ومضامينه بوجوه شتى لا تخفى، فلا داعي للإطالة في التوضيح.

ص: 124


1- المصدر نفسه.
2- مناقب آل أبي طالب: ج1 ص6.
3- المصدر: ص14.

روايات أخرى

اشارة

منها: ما رواه تفسير البرهان(1) عن الحافظ رجب البرسي(2)، قال - أي السيد هاشم البحراني (رحمه اللّه) في البرهان -: (البُرسي، بالإسناد يرفعه إلى الثقات الذين كتبوا الأخبار، إنهم أوضحوا ما وجدوا وبانَ لهم من أسماء أمير المؤمنين (عليه سلام اللّه)، فله ثلاثمائة اسم في القرآن، منها ما رووه بالإسناد الصحيح عن ابن مسعود، قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾(3)، وقوله تعالى ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً﴾(4) (5).

وذلك كما ورد في (مشارق أنوار اليقين في حقائق أسرار أمير المؤمنين (عليه السلام)) رواية تصلح مؤيداً.

قال في الذريعة: (قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) لا اعتماد على ما تفرد به).(6)

وقوله (لا اعتماد على ما تفرد به) لا يشمل ما لم يتفرد به، وهذه الرواية ممّا لم يتفرد به، بل نقول إنه قال: (منها ما رووه بالإسناد الصحيح عن ابن مسعود) فيختلف عما أرسله دون توثيق ولو إجمالي كهذا.

ص: 125


1- البرهان: ج7 ص108.
2- الحافظ رجب بن محمد بن رجب البُرسي الحلي.
3- سورة الزخرف: 4.
4- سورة مريم: 50.
5- البرهان في تفسير القرآن ج4: ص847، وانظر كذلك: الفضائل، لابن شاذان: ص174.
6- الذريعة: ج21 ص34.

إضافة إلى أن الإشكالات التي أوردت عليه لا ترد على مثل هذه الرواية، لعدم انطباقها عليها كما يظهر للمتأمل.هذا، وهناك روايات أخرى غير ما ذكرناها تظهر بالتتبع، مع أن كثيراً من الروايات قد ضاع أو أحرق أو دُفن أو أُغرق أو غير ذلك، ولو كانت كل الروايات بأيدينا لوجدنا ثروة ضخمة حقاً، وإلى اللّه المشتكى، والأمل بظهور وليه الأعظم (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف).

مرجع الضمير في ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾

وقد يعترض على تفسير ﴿لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ في الآية الشريفة بالإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بأن الضمير في ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ..﴾ يعود إلى القرآن الكريم الذي سبق ذكره، ولا ذكر لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) قبل ذلك ليرجع إليه الضمير!.

والجواب بعدة وجوه:

الجواب الأول: ذلك من مقتضيات البلاغة

اشارة

إن من أهم مميزات، بل من أهم وجوه (الإعجاز) في القرآن الكريم، هو بلاغته الإعجازية التي لا يرقى إليها عقل البشر. ومن وجوه بلاغته ما اصطلح عليه علماء البلاغة ب- (الاستخدام) و(الالتفات) و(الحذف) وغيرها.

1: الاستخدام

أما (الاستخدام) فهو (أن يكون للفظ معنيان، فيطلقه المتكلم ويريد به أحد المعنيين، ثم يذكر ضميره ويريد به المعنى الآخر، نحو قوله تعالى: ﴿فَمَنْ

ص: 126

شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾(1)، أراد بالشهر أولاً (الهلال) ثم أعاد الضمير عليه وهو يريد أيام الشهر المبارك، وكقوله:

إذا نزل السماء بأرض قوم *** رعيناه وإن كانوا غضابا

أراد ب- (السماء): المطر، وبضميره في (رعيناه) النبات.(2)

2: الإلتفات

وأما (الإلتفات) فهو أن يشرع في بيان أمر، ثم يلتفت عنه إلى غيره، فيبدأ الكلام مستأنفاً.

ومن أمثلته قوله تعالى: ﴿وَأَطِعْنَ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللّهِ﴾.(3)

فلقد كان الخطاب في الآيات السابقة لنساء النبي (صلّى اللّه عليه وآله) والضمير ضمير النسوة، و(أطعن اللّه ورسوله).

ثم تحول الخطاب لأهل بيت النبي (صلّى اللّه عليه وآله)، والضمير ضمير الجمع المذكر ﴿لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ... وَيُطَهِّرَكُمْ﴾.

ثم عاد مرة أخرى إلى نساء النبي (صلّى اللّه عليه وآله) وعاد الضمير ضمير النسوة، وكل ذلك من دون أية مقدمات أو تمهيدات في ظاهر اللفظ.

ومن أمثلته أيضاً قوله تعالى: ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾(4)، (والمراد ب- ﴿الخير﴾ هنا الخيل، فإن العرب

ص: 127


1- سورة البقرة: 85.
2- البلاغة، للشيرازي (قدّس سرّه): ص157 ط 1417ه.
3- سورة الأحزاب: 33 - 34.
4- سورة ص: 32.

تسمى الخيل خيراً.

﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ أي غربت الشمس.

عن ابن مسعود وجماعة من المفسرين: وجاز ذلك وإن لم يجر للشمس ذكر، كما قال لبيد في المعلَّقات:

حتى إذا ألقت(1) يداً في كافر *** وأجنَّ عورات الثغور ظلامُها

وقيل: الضمير للخيل يعني حتى توارت الخيل بالحجاب.(2)

وحاصل الكلام: إن الآيات كانت تتحدث عن الصافنات الجياد وأنها عرضت على سليمان (عليه السلام) فانشغل باستعراضها عن وقتفضيلة صلاة العصر(3)، ولم يكن هنالك ذكر للشمس، فعاد ضمير (توارت) للشمس مع عدم ذكر لها سابقاً أصلاً.

3: الابتداء بالضمير أو عوده لمتأخر

كما توجد موارد كثيرة في القرآن الكريم، لم يرجع فيها الضمير إلى أمر سابقٍ مذكورٍ لفظاً، ولذلك صور.

منها: الابتداء بالضمير فجأة، من دون وجود مرجع سابق، كقوله تعالى: ﴿هُوَ اللّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ...﴾.(4)

وبعبارة أخرى: قد يعود الضمير إلى ما ليس موجوداً في الجملة السابقة، لعدم وجود جملة سابقة أصلاً.

ص: 128


1- أي الشمس.
2- مجمع البيان: سورة ص الآيات 30-40.
3- كما أوضحه الإمام الشيرازي (قدّس سرّه) في (تبيين القرآن).
4- سورة الحشر: 22.

كقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾(1) أي القرآن، مع أن هذه الآية هي أول آية في السورة، وقد اكتفي بمعرفة السامع الذكي بمرجع الضمير.

ومنها: عود الضمير للمتأخر عنه كقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ﴾ (2).

ومنها: عود الضمير إلى ما ليس موجوداً في الجملة السابقة، بل يقدر وجوده ويستفاد من سياق الكلام.

كقوله تعالى: ﴿وَلأَبَوَيْهِ﴾ أي الميت، ولا يوجد للميت ذكر لفظي في الفقرة السابقة ﴿وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ﴾(3).

4: الحذف

ومنها: حذف المفعول، كقوله تعالى: ﴿يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾(4) أيويثبت ما يشاء، وقوله سبحانه: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى﴾(5) أي يخشى اللّه تعالى.

ومنها: حذف الخبر، كقوله تعالى: ﴿أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾(6) أي ورسوله (صلّى اللّه عليه وآله) بريء أيضاً.

ومنها: حذف الشرط، كقوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ﴾(7) أي اتبعوني فإن اتبعتموني يحببكم اللّه.

ص: 129


1- سورة القدر: 1.
2- سورة الإخلاص: 1.
3- سورة النساء: 11.
4- سورة الرعد: 39.
5- سورة الأعلى: 10.
6- سورة التوبة: 3.
7- سورة التوبة: 3.

ومنها: حذف المسند إليه، كقوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ المُتَعَالِ﴾(1) أي هو.

ومنها: حذف الاسم الموصوف كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً﴾(2) أي وعمل عملاً صالحاً.

ومنها: حذف المتعلق، كقوله تعالى: ﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾(3) أي يسألون عما يفعلون.

ومنها: حذف الجملة، كقوله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾(4) أي فاختلفوا.

ومنها: حذف الجمل، كقوله تعالى: ﴿فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا﴾(5) أي فأرسلوني إلى يوسف لأقص عليه الرؤيا واطلب تعبيره، فأرسلوه فأتاه وقال ليوسف ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ...﴾. إلى غير ذلك من الموارد، وقد ذكر بعض علماء البلاغة اثني عشر نوعاً من أنواع الحذف.(6)

الجواب الثاني: الاشكال لا يعم التأويل

إن ذلك الاعتراض على فرض تماميته - وليس بتام أبداً كما سبق في

ص: 130


1- سورة الرعد: 9.
2- سورة الفرقان: 71.
3- سورة الأنبياء: 23.
4- سورة البقرة: 213.
5- سورة يوسف: 45 - 46.
6- يراجع (البلاغة، المعاني، البيان، البديع) لسلطان المؤلفين المرجع الكبير السيد محمد الشيرازي (رحمه اللّه): ص102-103.

الجواب الأول - فإنما يرِد لو قيل بأن رجوع الضمير في ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾(1) إلى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو من باب التفسير، كما هو المستظهر المنصور.

وأما لو قلنا بأنه من باب التأويل، ودلّ عليه الاعتبار(2)، كما دلت عليه الروايات الكثيرة، فلا يبقى أي وجه لهذا الاعتراض الشكلي، لأن هذه القواعد النحوية والصرفية إنما تحكم ظاهر الألفاظ لا تأويلها.

وللتفصيل حول (التأويل) يمكن مراجعة مقدمة تفسير (البرهان في تفسير القرآن) ومقدمة (الصافي) وغيرهما.

الجواب الثالث: أهل البيت أدرى بما فيه

دلت الروايات المستفيضة، بل والمتواترة، على أن المراد ب- ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾(3) هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه صلوات اللّه وسلامه).

و(أهل البيت عليهم السلام) أدرى بما فيه وهم عليهم السلام الذين نزل القرآن في بيوتهم، وهم الذين ورد فيهم ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾(4)، فهل يعقل أن يفسروا القرآن أو يأولوه، من دون

ص: 131


1- سورة الزخرف: 4.
2- فإن الاعتبار العقلي العقلائي الشرعي يدل على أن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لدى اللّه علي عظيم، ويكفي للدلالة على ذلك مئات الآيات والروايات الدالة على عظمة شأنه وعلو مقامه ومنزلته، فراجع (الغدير) للعلامة الأميني، و(علي في القرآن) للمرجع السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله وغيرهما.
3- سورة الزخرف: 4.
4- سورة الأحزاب: 33.

كونه تفسيراً أو تأويلاً صائباً قطعياً مستقى من رسول اللّه (صلى اللّهعليه وآله) ومن منابع علم الغيب لديهم؟(1).

الجواب الرابع: الاعتبار العقلي

والاعتبار العقلي أيضاً يؤيد أو يدل على أن المقصود من ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾(2) هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه صلوات اللّه وسلامه) إضافة للروايات الكثيرة الدالة على ذلك.

توضيحه:

إن العقل يحكم - أو يدرك - بأن مقتضى الحكمة والرحمة واللطف الإلهي(3)، هو أن يراد بهذه الآية الشريفة والعديد من نظائرها، الإمام علي (عليه الصلاة والسلام)، وذلك ممّا يكون برهانياً بملاحظة مجموع الجهات التالية:

أ: إن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو: نفس رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) بشهادة آية ﴿وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾ (4) وغيرها.

وهو ولي اللّه بعد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) على الخلائق كافة بشهادة آية ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾(5)، وغيرها.

وهو الذي كمُل به دين اللّه، ولولاه لكان الدين ناقصاً بشهادة آية ﴿الْيَوْمَ

ص: 132


1- كالعلم اللدني باللطف الإلهي، وكعمود النور، وكالنقر في الأسماع والنكت في القلوب.
2- سورة الزخرف: 4.
3- حول قاعدة اللطف وبرهانها، راجع للمؤلف كتاب: (فقه التعاون على البر والتقوى).
4- سورة آل عمران: 61.
5- سورة المائدة: 55.

أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾(1).

وهو (الهادي) في قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾(2).

وهو باب مدينة علم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) والأعلم،والأقضى من بعده، ووارثه ووصيه، وأفضل الخلق بعده، بشهادة المئات من الروايات الشريفة(3)، بل هو (عليه السلام) وجه اللّه ويد اللّه وعين اللّه، وإنه هو (الإمام المبين) الذي قال عنه تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾(4)، فهو إذن (علي عظيم) حقاً حقاً، وصدقاً صدقاً.

ب: وإن القرآن الكريم حيث كان كتاب هداية للبشر على مر التاريخ، فكان لابد أن يرشدهم إلى خاتم الرسل محمد المصطفى (صلّى اللّه عليه وآله) وإلى الخليفة من بعده علي المرتضى (صلوات اللّه عليهما).

وكيف يذكر اللّه تعالى اسم موسى وخليفته هارون (عليهما السلام) في القرآن الكريم، مع أن ذلك ليس مورد ابتلائنا الفعلي، ويترك ذكر اسم محمد (صلّى اللّه عليه وآله) وخليفته علي (عليه السلام) مع كون (علي (عليه السلام)) هو الخليفة من بعد الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) وهو الإمام المفترضة علينا طاعته؟(5).

ص: 133


1- سورة المائدة: 3.
2- سورة الرعد: 7.
3- يراجع (الغدير) و(عبقات الأنوار) و(ليالي بيشاور) و(مناقب آل أبي طالب) و(إرشاد القلوب) و(بصائر الدرجات) و(علي (عليه السلام) في القرآن) و(تأويل الآيات الظاهرة) و(بحار الأنوار) وغيرها.
4- سورة يس: 12.
5- وقد ذكر بعض المحققين مؤيداً لذلك، وهو أن اسم (محمد) ورد في القرآن الكريم أربع مرات (آل عمران 144، الأحزاب 40، محمد 2، الفتح 29) كذلك اسم (علي) ذكر في القرآن الكريم أربع مرات (الحجر 41، مريم 50، الشورى 51، الزخرف 4) فتدبر.

ج: ربما كان الأولى - بالنظر للحكمة - أن يذكر اسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم لكن بحيث يغفل عنه ﴿الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾(1) وهم غير ﴿الَّذِينَ اهْتَدَوْا﴾(2) أو يتوهمون المراد أمراً آخر، وذلك لأجل صيانة القرآن عن التحريف ولغير ذلك.

كما فصلنا الحديث عن ذلك في كتاب (لماذا لم يصرح باسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم) حيث قلنا (لم يصرح) ولم نقل (لم يذكر) لأن اسمه المبارك (مذكور) في القرآن الكريم، لكنه (لميصرح) به على رأي البعض(3)، وإن كنا قد أوضحنا هنالك في آخر الكتاب أنه قد صرح باسم الإمام (عليه السلام) في القرآن الكريم كما أثبتناه في هذا الكتاب تفصيلاً.

وأما (الاحتمال) عند البعض، فلا يدفع كونه تصريحاً، نظراً لوجود مثل هذا (الاحتمال) حتى في (النص) بل حتى في البديهيات لمن كانت على (قلبه غشاوة).

قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾(4).

كما قد يعترض على كون (علي) في (لعَلَيُّ) علماً لورود (حكيم) بعدها، وحكيم نكرة فلا بد أن يكون (علي) نكرة وصفة بمعنى اسم الفاعل أي (عالي).

والجواب من وجهين:

ص: 134


1- سورة محمد: 16.
2- سورة مريم: 76.
3- أوضحنا في هذا الكتاب وفي خاتمة ذاك الكتاب أن الرأي المنصور هو أنه قد صرح باسمه المبارك في القرآن الكريم، لكن بتصريح حكيم ذكي جداً.
4- سورة ق: 37.

الوجه الأول: ان (حكيم) خبر بعد خبر، وليس حكيم صفة ل(لعلي) حتى يعترض بان الصفة تتبع الموصوف في أربعة من عشرة منها التعريف والتنكير، فقوله تعالى ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ بمنزلة (وانه... لعلي، وانه لحكيم) أو (انه لَهُوَ علي) و(انه لهو حكيم) وورود الخبر بعد الخبر، كثير في لغة العرب.

قال ابن مالك:

وأخبروا باثنين أو بأكثرا *** عن واحد كهم سراة شعرا

وقال الإمام علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام: أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات غليظ القصره * أكيلكم بالسيف كيل السندرة(1)

وقال حميد بن ثور الهلالي:ينام(2)

بإحدى مقلتيه ويتقي بأُخرى المنايا فهو يقظانُ نائمُ

وقال رؤبة بن الحجاج:

مَنْ يَكُ ذا بَتٍّ فهذا *** بَتِّي مُقَيِّظٌ مُصَيِّفٌ مُشَتِّي

ومنه قوله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى﴾

وفي قراءة ابن مسعود (وهذا بعلي شيخ)

ولعل من قوله تعالى ﴿فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾ ولا يضر احتمال وجوه أخرى كالحاليّة بعد صحة هذا الوجه أيضاً.

الوجه الثاني: ان (حكيم) بدل من (علي) في (لعلي) ولا اشكال أبداً في

ص: 135


1- فقد توالت ثلاثة أخبار عن مبتدأ واحد وهو (أنا)، رغم تخالف بعضها عن بعض اسماً وفعلاً وتعريفاً وتنكيراً فتدبر
2- يصف بذلك ذئباً.

تخالف البدل والمبدل منه في التعريف والتنكير.

قال في (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب): في مبحث (ما افترق فيه عطف البيان والبدل): (ولا يُختلف في جواز ذلك(1) في البدل، نحو «إلى صراط مستقيم صراط اللّه» ونحو «بالناصية ناصية كاذبة»)(2) لكن الأظهر هو الوجه الأول.

هذا كله إضافة إلى الجواب الثالث والرابع السابقين في الإجابة عن الشبهة السابقة في مرجع الضمير، فان ابيت فالمرجع هو الجواب الثاني السابق. واللّه الهادي سواء السبيل.

شواهد من الكتاب:

وأما الشواهد من القرآن الكريم على أن ﴿لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾(3) يراد به الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فهي كثيرة، ويمكن للقارئ الكريم أن يراجع (تأويل ما نزل من القرآن الكريم في النبي وآله) و(تأويل الآيات الظاهرة) و(بصائر الدرجات) و(إرشاد القلوب) و(البحار) و(المنهج القويم في إثبات الإمامة من الذكر الحكيم) و(علي(عليه السلام) في القرآن) وغيرها، ولعلنا نوفق في المستقبل لكتابة كتاب مستقل عن ذلك، إنه جل اسمه الموفق المستعان.

ص: 136


1- أي تخالف البدل والمبدل منه في التعريف والتنكير.
2- مغني اللبيب ج2 ص456.
3- سورة الزخرف: 4.

الفصل الخامس: ينكرون الحق ويجاهرون بالباطل!

اشارة

مفارقة غريبة:

ينكرون الحق ويجاهرون بالباطل!

ص: 137

ص: 138

(5)

صحاح (أهل الخلاف) وروايات تناقض العقل والقرآن!!

اشارة

وفي الفصل الختامي من هذا الكتاب، ولكي نطلع على مفارقة غريبة، لابد أن ننتقل إلى الاتجاه الآخر، وإلى بعض معتقداته ورواياته الشاذة، بل والمخالفة للعقل والنقل، فنقول:

يا أيها الناس! إن أتباع أهل البيت (عليهم سلام اللّه وصلواته) بأيدهم هذه الآيات والروايات الكثيرة وهي غيض من فيض، بل قطرة من بحر، بل من محيط، وبعض علماء السنة أيضاً رووا هذه الروايات، ومع ذلك (يستصعب) البعض أو (يستثقل) نقل هذه الروايات! وقد (تخونه الشجاعة) إن أراد نقلها أو الدفاع عنها! مع أن (اللّه يحب المؤمن الشجاع ولو بقتل حية)!

ولكن اذهبوا إلى أتباع السقيفة، وانظروا إلى الكثير منهم وكيف أنهم يروون الرواية التي تناقض العقل أولاً، وتناقض القرآن الكريم بالصراحة ثانياً، وتناقض الذوق السليم ثالثاً، وتناقض الفطرة رابعاً، وتناقض حتّى (الأعراف) خامساً؟! وتأملوا كيف أنهم يروون روايات شاذة غريبة ويروّجون لها، وبكل قوة.

وبعض هذه الروايات موجودة في (البخاري) ولا يستشعرون أدنى حرج من الدعوة للبخاري والترويج له كأعظم كتاب بعد القرآن الكريم؟!

والآن ننقل لكم إحدى تلك الروايات المخالفة لصريح العقل، ولصريح النقل، والمخالفة للقرآن الكريم بالصراحة، ومع ذلك ينقلها البخاري في (صحيحه)! ومع ذلك يعتبرون (البخاري) كتاباً صحيحاً لا ريب فيه!! بل تأتي

ص: 139

مرتبته عندهم بعد القرآن الكريم مباشرةً.

1- (البخاري): إن الله يضع رجله في النار فتمتلئ!!

إنّ النار تطلب المزيد والمزيد، وهذا ممّا لا غبار عليه إذ يقولاللّه: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾(1) ولكن ماذا بعد ذلك؟ الجواب هو حسب رواية (البخاري): إن اللّه سبحانه وتعالى بعد ذاك يُخرج رجله، ويضعها في النار فتمتلئ(2)!!

أليس هذا مخالفاً لصريح القرآن الكريم؟!

ص: 140


1- سورة ق: 30.
2- في البخاري باب كامل تحت هذا الاسم (333 - باب قوله (وتقول هل من مزيد)، حديث 4567 - حدثنا عبد اللّه بن أبي الأسود، حدثنا حرمي بن عمارة، حدثنا شعبة عن قتادة، عن أنس عن النبي (صلى اللّه عليه - وآله - وسلم) قال: «يلقى في النار وتقول هل من مزيد حتى يضع قدمه فتقول: قط قط». والحديث 4568 - 4569: حدثنا محمد بن موسى القطان، حدثنا أبو سفيان الحميري سعيد بن يحيى بن مهدي، حدثنا عوف عن محمد، عن أبي هريرة رفعه، وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان: «يقال لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد، فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط». والحديث في (البخاري ومسلم) 4569: حدثنا عبد اللّه بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال: قال النبي (صلى اللّه عليه - وآله - وسلم): «تحاجت الجنة والنار فقالت النار: أؤثرت بالمتكبرين والمتجبرين. وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلاّ ضعفاء الناس وسقطهم. قال اللّه تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنار: إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها. فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول: قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم اللّه عز وجل من خلقه أحداً. وأما الجنة فإن اللّه عز وجل ينشئ لها خلقا» أخرجه (مسلم) في الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب النار يدخلها الجبارون.. رقم 2846.

فإنا لله سبحانه وتعالى يقول: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾(1)، وهذا نص قرآني صريح لا لبس فيه، وهذه الرواية تخالف صريح القرآن الكريم، ومع ذلك يروونها وبكل قوة!!

ان علماءنا إذا رووا في آية: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ إن ﴿عَلِيّاً﴾ اسمٌ وعلمٌ، وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نجد بعضهم يعترض ويحتج، ويقيم الدنيا ولا يقعدها؟! مع أن هذا لا يخالف القرآن أبداً، ولا يخالف شيئاً من الأدلة إطلاقاً، فلا هو مخالف للعقل، ولا هو مخالف للنقل، بل إنه مطابق للأدلة العامّة الثابتة حولمكانة علي (عليه سلام اللّه) وفضائله، ومنزلته في الآيات والروايات المتواترة والصحيحة، كما أنه مطابق للأدلة والشواهد الخاصة، من الروايات، والأدلة العقلية، والقرآنية على ذلك في خصوص هذه الآية الشريفة.

ثم أنتم يا أهل الخلاف(2)!! تخالفون القرآن والعقل بالصراحة، وتعتبرون هذه الرواية - أي رواية «حتّى يضع قدمه» كما في (البخاري) و«حتّى يضع رجله» كما في (مسلم) - رواية صحيحة، وكذلك أشباهها، وتنسون أو تتناسون قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾.

ثم أو ليس هذا استخفافاً بالعقل البشري؛ اللّه يضع رجله في جهنم! ماذا يعني ذلك؟! ولماذا لا يضع (حجراً) أو (جبلاً) مثلاً حتّى تمتلئ؟! مالكم كيف

ص: 141


1- سورة الشورى: 11.
2- المقصود منهم مَن يؤمن بصحة أمثال هذه الرواية، ويتعبّد بروايات (البخاري) ونظائره، وليس المقصود ذوي العقول المتفتحة وذوي التدبر والتأمل والتفكير ممن يرفض ذلك وأمثاله، وهم -ولله الحمد -في ازدياد مطرّد.

تحكمون، أم على اللّه تعالى تفترون؟

وإليكم رواية أخرى بنفس المضمون، يرويها (البخاري) في كتاب التوحيد، باب ما جاء في قوله اللّه عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ﴾(1)، والرواية طويلة، نقتطف منها موضع الشاهد قال: «فأمّا الجنة فإنّ اللّه لا يظلم من خلقه أحداً، يعني يدخل الجميع في الجنة، - طبعاً المستحقين - وإنّهُ يُنشئُ للنارِ ما يشاء . - ولنا على هذا المقطع تعليق نتركه لوقت آخر - فَيُلقَونَ فيها، فتقول: هل من مزيد ثلاثاً؟ حتّى يضع فيها قدمه، فتمتلئ!.

اللّه يضع قدمه في النار فتمتلئ النار، وتكتفي عندئذٍ!

ومع قطع النظر عن مخالفة ذلك لصريح العقل ولصريح القرآن الكريم كما سبق، نتساءل هل هذا يطابق الذوق السليم!

إذا أراد اللّه أن يملئ جهنم ألا يوجد هنالك إلا رجله؟!

ولماذا لا يضع فيها (الجبال)؟!

أو(الكرات الأخرى)؟!

أو (أطنان الحديد والفولاذ)؟!

ثم إنك تطمح أن يدخلك اللّه في الجنة، لكنك تدخل رجل اللّه في النار، ﴿تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾؟!

2- (البخاري):

الحبر اليهودي يتكلم والرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) يؤيد!

ونستشهد الآن على ذلك بشاهد آخر، وننتقل إلى رواية أخرى من روايات

ص: 142


1- سورة الأعراف: 56.

(البخاري)، لكي يقارن المنصفون من أهل الخلاف، بين رواياتهم ورواياتنا؛ لأنّ الأشياء تُعرف بأضدادها، كما تعرف بأشباهها.. فلاحظوا جيداً ماذا يقولون عن اللّه سبحانه وتعالى؟

وهذه الروايات موجودة في كتب أخرى عديدة من كتبهم أيضاً، ولكن يكفينا الآن نقلها عن (البخاري).

وأول أمر غريب نصطدم به هو أن (البخاري) يرويها عن حبر يهودي، فإن (الحبر) هو اليهودي؛ إذ هو مفرد وجمعه (أحبار) وهو (واحد أحبار اليهود، وهو العالم الذي صناعته تحبير المعاني)(1) وإن قال البعض أنه: (رئيس ديني عند المسيحيين، أسقف، مطران)(2)، لكن الأظهر هو الأول

تصوروا كيف يعتمدون على كلام عالم يهودي، وكيف يختلقون خبراً كهذا:

إن حبراً يهودياً(3) يأتي إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) ثم يسند إلى اللّه تعالى أمراً غريباً، بل يدعي على اللّه سبحانه أمراً مستحيلاً؛ لأنّ اللّه تعالى ليس بجسم، ثم يؤيده رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)!! ومع ذلك نجد (البخاري) بكل جرأة على اللّه ورسوله (صلّى اللّه عليه وآله)، ينقلها في أكثر من مكان، كما ينقلها مسلم في صحيحه، وهناك مصادر أخرى ترويها، لا ضرورة لذكرها الآن.

3- البخاري: «الله يضع السماء على إصبع والأنهار على إصبع»!

جاء في (البخاري) كتاب التوحيد، باب 25، ما جاء من قول اللّه تعالى:

ص: 143


1- مجمع البحرين: ج1 ص444 مادة (حبر).
2- المنجد: مادة (حبر).
3- أو حبراً مسيحياً، لا فرق.

﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾(1)، تقول روايتهم:

«جاء حبر (أي أحد علماء اليهود) إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) فقال: يا محمّد، إنّ اللّه يضع السماء على إصبع»

وهذا يعني: ان اللّه تعالى أصبح جسماً يتركب من أجزاء ومنها الإصبع!! مع أنه تعالى يستحيل عقلاً أن يكون جسماً، إذ لم يكن إلهاً لكونه محتاجاً للغير، كما يلزم منه التسلسل، ولوضوح أن ما بالغير لابد أن ينتهي إلى ما بالذات.

ثم إنه لو كان جسماً لكان في حيّز وفي مكان، فكان محدوداً، فاستحال أن يكون إلهاً؛ لأن الإله هو اللا متناهي المطلق، وإلا لتركب(2) واحتاج.

إضافة إلى أنه يلزم من ذلك: أن يكون جلّ اسمه في مكان دون مكان، وموضع دون موضع، وهو معارض بصراحة لقوله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾(3).

إضافة إلى مناقضة وجود إصبع لله، لقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌوَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾(4)؟!

«فقال: يا محمّد، إن اللّه يضع السماء على إصبع، والأرض على إصبع،

ص: 144


1- البخاري: حديث 7451 باب إن اللّه يمسك السماوات والأرض أن تزولا، حدثنا موسى، حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللّه قال: جاء حبر إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه - وآله - وسلم) فقال: يا محمّد، إن اللّه يضع السماء على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر والأنهار على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يقول بيده: أنا الملك، فضحك رسول اللّه (صلى اللّه عليه - وآله - وسلم) وقال: وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ..
2- من الوجود وحدِّه (أي الماهية).
3- سورة الحديد: 4.
4- سورة الشورى: 11.

والجبال على إصبع، والشجر والأنهار على إصبع، وسائر الخلق على إصبع».

والغريب - إضافة إلى ما سبق - أنه لا يوجد (توازن)، ولا (حكمة) في هذا التوزيع الغريب، فمع قطع النظر عن (الاستحالة العقلية)، نقول: كيف تقول الرواية: إن (السماء) بما فيها من المجرات العملاقة بحيث أن (الأرض) إذا قيست إليها تكون كحبة رمل ضئيلة في الصحراء الواسعة، فهذه السماء التي تشمل مجرة (درب التبانة)، والتي تعد بدورها كقطرة في بحر السماوات الأخرى، هذه السماء يجعلها الرب على إصبع، و(الأرض الصغيرة) يجعلها على إصبع!! ثم (الأشجار) وهي جزء صغير من الأرض، يجعلها على إصبع، لماذا؟! وما هذا التوازن: (الشجرة) على إصبع، أو (الشجر والأنهار) حسب اختلاف الروايات! و(الماء والثرى) يجعلها على إصبع! وهل الثرى وهو التراب إلا جزء من الأرض! فكيف ولماذا يضع الأرض على إصبع والتراب على إصبع؟ و(سائر الخلق) يجعلهم على إصبع، «ثم يقول بيده أنا الملك»!!

وفي رواية أخرى: «أنا الملك، أنا الملك».

أليست هذه الطريقة في تصوير اللّه سبحانه وتعالى هي طريقة الكتب الخرافية وهي من نسج رواة الأساطير؟ وهي من نتاج طريقة تفكير الإنسان البدائي في العصر الحجري؟، والعجيب أن هذه تُذكر في كتاب يعتبرونه بعد القرآن الكريم أعظم كتاب في الكون! والرجل عندهم في غاية الجلالة! ويعتبرون هذا الكتاب صحيحاً! ثم يعكفون عليه، يدرسونه ويدرّسونه ويعطون الجوائز لمن حفظ هذا الكتاب!!

ونعود إلى تتمة الرواية: «ثم يقول بيده أنا الملك، فضحك رسول اللّه وقال: ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾».

لا يقال: إنه يمكن لمتمحّل أن يوجه قوله (فضحك رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله))

ص: 145

ويقول: إنه (صلّى اللّه عليه وآله) ضحك من سخافة عقل اليهودي؟

وهذا احتمال، قد يتمسك به متشبث، ويستدل بأن الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) بعد أن ضحك، قرأ الآية: ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾(1) ممّا يعني رفض ورد كل ذاك الكلام، إذ ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللّه﴾ حيث إنهم صوروا اللّه بهذه الصورة: وأنه يضع السماء على إصبع، والأنهار والأشجار على إصبع و...!!

لأنه يقال: إن البخاري بنفسه يكذّب هذا الاحتمال وينفي الاستدلال، فلاحظوا (الرواية الثانية) في (البخاري)، كتاب التفسير سورة الزمر باب2، قوله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ رقم الحديث: 4811، وكذلك توجد في الرقم 7513، فإن نفس الرواية تُنقل مع اختلاف في (التوزيع الجغرافي)! يعني تلك الرواية تقول: «الشجر والأنهار على إصبع»، لكن في هذه الرواية «والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع» وهل الثرى إلا جزء من الأرض؟! فإن الثرى: هو التراب النديّ وهو الذي تحت الظاهر من وجه الأرض، فإن لم يكن، فهو تراب وليس ثرى(2)، ولماذا فرز اللّه خصوص (الثرى) دون التراب والمعادن، وسائر ما في باطن الأرض، أو ما على ظاهرها؟!

ثم إنك تجد في الرواية 7513 تقسيماً رباعياً إذ هي: «.. جعل اللّه السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يهزهن..» وفي سائر الروايات تجد التقسيم خماسياً؟!

وعلى أي تقدير يقول: «فضحك النبي حتّى بدت نواجذهُ تصديقاً لقول الحبر»(3).

ص: 146


1- سورة الأنعام: 91.
2- مجمع البحرين: مادة ثرى.
3- البخاري، الحديث4533: حدثنا آدم حدثنا شيبان عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد اللّه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه - وآله - وسلم) فقال: يا محمد إنا نجد أن اللّه يجعل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلائق على إصبع فيقول أنا الملك، فضحك النبي (صلى اللّه عليه - وآله - وسلم) حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول اللّه (صلى اللّه عليه - وآله - وسلم): وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ، وأخرجه مسلم في صفات المنافقين وأحكامهم كتاب صفة القيامة والجنة والنار رقم 2786.

وفي الرواية 7414 من باب قوله تعالى: ﴿لما خلقت بيدي﴾: (... فضحك رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) تعجباً وتصديقاً له)!

وماذا تعني هذه الرواية؟ هل تريدون أن توحوا إلى القارئ والسامع: أن النبي (صلّى اللّه عليه وآله) يأخذ الوحي وأخبار المغيبات من الحبر اليهودي، وإن ناقض صريح العقل وصريح آيات القرآن الأخرى؟!

وما هي (الرسالة) التي توحي بها هذه الرواية، ولماذا (تصديقاً لقول الحبر)؟! وهل هو نوع تأكيد مبطن لما قاله المشركون: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾(1) حيث اتّهم المشركون رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) بأنه يأخذ الوحي والقرآن من علماء اليهود والمسيحيين؟!

ولاحظوا مرة أخرى الرواية: فضحك النبي (صلّى اللّه عليه وآله) حتّى بدت نواجذهُ تصديقاً لقول الحبر!، ثم قرأ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله): ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾..

وهذه الرواية أيضاً موجودة في (مسلم) وفي مصادر عديدة مختلفة لدى القوم(2).

ص: 147


1- سورة الفرقان: 5.
2- انظر على سبيل المثال: الجمع بين الصحيحين ج1: ص111، سنن النسائي ج4: ص400، ح:7686، المعجم الكبير ج10: ص164، حلية الأولياء ج7: ص126، سنن الترمذي ج5: ص371، صحيح ابن حبان ج16: ص318، مسند أبي يعلى ج9: ص265، مسند البزار ج4: ص314، الابانة الكبرى ج7: ص283.

مفارقة غريبة!

اشارة

ولنتوقف عند هذه المفارقة الغريبة، فإن (أهل الخلاف) في (الصحيح) عندهم، وفي العديد من كتبهم، ينقلون روايات تخالف صريح القرآن الكريم، وتخالف صريح العقل، وتخالف صريح النقل، وتخالف الذوق، وتخالف الموازين العقلية والنقلية، ومع ذلك لا يتحرجون – أي كثير منهم على الأقل - من طرحها والترويج لها.

وأما بعضنا فعلى الرغم من وجود روايات صحاح أولاً، وأخرى مستفيضة ثانياً، ومتواترة مضموناً ثالثاً، وقد رواها بعض علماء أهل السنة ونقلوها أيضاً رابعاً، وكلها تدل على أن ﴿علياً﴾ في قوله تعالى ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ومع ذلك يتحرج البعض من طرحها أو حتّى من سماعها!!

أليس ذلك من أعجب العجائب وأغرب الغرائب؟!

4- عائشة تصرّح بوجود أخطاء في القرآن!

وهذا نموذج آخر نسوقه عن (عائشة).. فلاحظوا جيداً ماذا تقول؟

وهذه الرواية – الآتية -حسب إسنادهم صحيحة، فإن السيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القرآن) المجلد الأول صفحة 536 الرقم 3482، يقول:

هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. ونص الرواية هو: «3482: قال

ص: 148

أبو عبيدة في فضائل القرآن حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه قال: سألتُ عائشة عن لحن القرآن أ -عن قوله تعالى: ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾(1)».

وسيُعرف بوضوح من هذه الرواية الصحيحة عند علماء السنة على شرط الشيخين

أولاً: إنَّ عائشة كانت (تجهل) النحو وقواعده.

ثانياً: لا تعرف القرآن وتفسيره.ثالثاً: أنها تتجرأ على القرآن الكريم، فتعتبره محرّفاً، وتكذِّب القرآن - والعياذ باللّه - .

فنقول: لماذا لا تعترضون على ذلك(2).

لكنكم تستوحشون عندما نقول: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ يعني علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، رغم أنه لا يخالف العقل ولا النقل، بل تعضده مئات الروايات المتواترة عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) في تأييد علي بن أبي طالب (عليهما السلام) وفي مدحه والثناء عليه، وفي الشكوى من الأمة لإعراضهم عنه؟!

أهذه التي تصرّح بتحريف القرآن العظيم، لا تستوحشون منها؛ لأن اسمها عائشة!!

ثم إن عائشة تخطِّئ القرآن بالصراحة!، وتقول بأن هذا القرآن الموجود بأيدينا محرَّف؟! مع أن المسألة واضحة في أبجديات علم النحو.

ص: 149


1- سورة طه: 63.
2- الخطاب موّجه للكثير من أهل العامّة الذين لا يعترضون على مثل ذلك، واما من يعترض منهم على ذلك وأمثاله فقد انصف ورجّح القرآن العظيم على تصنيم الأشخاص.

تقول الرواية:

«قال: سألت عائشة عن لحن القرآن - يعني خطأ القرآن (1) -

عن قوله تعالى: ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾(2)؟»

فقد توهم السائل، وأخطأت عائشة حيث تصورت أنه يلزم أن تكون الآية هكذا: (إنَّ هذين لساحران) لأن (إنَّ) تنصب الاسم وترفع الخبر.

ولكن عائشة لم تكن تعرف الجواب ولا القواعد النحوية، فحكمت بخطأ القرآن الموجود بين أيدينا!، والحال أن الجواب واضح وهو: أنّ (إنْ) هنا بمعنى (نعم)، وليست هي من (إنَّ) وأخواتها،فالآية بمعنى: (نعم هذان لساحران).

ب - «وعن قوله تعالى:

﴿وَالمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾(3)؟»

وهنا أيضاً عائشة تخطِّئ القرآن بدل الاعتراف بالجهل على الأقل، أو إرجاع السائل إلى العلماء بالقرآن وأهل القرآن وأهل اللغة.

والجواب عن هذه الشبهة: إنه على نحو القطع، للإلفات، يعني إن اللّه قطع الكلام للإلفات، وهذا ونظائره يتكرر في القرآن الكريم.

ج - «وعن قوله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ﴾(4)؟».

وأيضاً هنا نجد أن عائشة - مثل السائل الجاهل - تتصور أن الصحيح هو

ص: 150


1- (لحن في كلامه: أخطأ الإعراب وخالف وجه الصواب في النحو) المنجد مادة لحن، وقال: (لَحن: مخالفة قواعد القراءة الصحيحة والإعراب والبناء كرفع المنصوب..)
2- سورة طه: 63.
3- سورة النساء: 162.
4- سورة المائدة: 69.

(الصابئين)، لكنها لا تعرف قاعدة القطع للالتفات.

«فقالت - أي عائشة -:

يا ابن أخي هذا عمل الكُتّاب، أخطأوا في الكتاب. هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين!!(1). »

فنقول لها: هذا هو النص القرآني كما هو بين أيدينا وأيدي جميع المسلمين، فكلامها تخطئة للقرآن الكريم، كما هو رد وإنكار لقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾(2).

فالنص الموجود هو: ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾.

وأيضاً: ﴿وَالمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾.

وأيضاً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ﴾.

لكنها تخطِّئ القرآن ولو باسم تخطئة الكُتّاب، وتخطّئ قوله سبحانه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾(3) حيث قالت:

يا ابن أخي هذا عمل الكتّاب، أخطأوا في الكتابة!.

وهل تجد أوضح من كلامها في (تحريف هذا القرآن)؟! وفي الرد على اللّه عزّ وجلّ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.

ص: 151


1- الاتقان في علوم القرآن للسيوطي / رقم 3482 ج1 ص536 وأيضاً (الدر المنثور) سورة النساء ج2 ص745 وفيه السؤال عن آيتي (والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة) و(ان هذان لساحران) فقالت (يا ابن اختي هذا عمل الكتاب اخطأوا في الكتاب). وانظر أيضاً: تفسير الطبري ج7: ص680، كتاب المصاحف للسجستاني: ص129، مناهل العرفان في علوم القرآن ج1: ص393.
2- سورة الحجر: 9.
3- سورة الحجر: 9.

ومن الواضح أنه لو فتح هذا الباب، لتجرأ كل إنسان أن يقول: بأن القرآن ليس هكذا، وهذا من خطأ الكُتّاب!، وحينئذ لما استقر حجر على حجر، وللزم منه أكبر التلاعب بالقرآن الكريم، إذ كلما وجد شخص كلمة أو معنى لا يفهمها، أو لا توافق رأيه، يقول: هذا من خطأ الكتّاب! والصحيح هو كذا وكذا!

مثل أن يقول: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾ (1) هو خطأ من عمل الكتّاب، أي أخطأوا في الكتابة، والصحيح هو (للذكر مثل حظ الأنثى)!!. وهكذا في كثير من الآيات القرآنية حتى الصريحة منها.

* * *

وهذا غيض من فيض، فإنَّ لديهم العشرات من الروايات بل المئات، التي تؤكد تحريف القرآن، بشكل أو آخر، ونحن لسنا الآن بمقام تفصيل كلماتهم، ورواياتهم الصحيحة والمستفيضة والمعتبرة - حسب طرقهم - كثيرة جداً وهي تنصُّ على تحريف القرآن، ومنها ما يفيد أن ثلثي القرآن قد حُذف!، كما سبق نقله.

لكنْ نقول:

إنَّ هؤلاء القوم على باطلهم يستأسدون على أهل الحق، رغم مضادة كلامهم ورواياتهم لنفس القرآن الكريم وللعقل والفطرة السليمة، أمّا بعض أهل الحق فمع وجود الروايات المطابقة للقرآن، والتي تطابق العقل والنقل، مع كل ذلك يحذر أو يحتاط من الإصحار بالحقِّ الناصع؟

* * *

نسأل اللّه سبحانه وتعالى أن يوفقنا لكي نكون من أتباع ﴿الصَّادقِينَ﴾ حقاً

ص: 152


1- سورة النساء: 11.

وصدقاً، ومن الذين يتبعون ﴿لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ عليه من اللّه الصلاة والسلام، حقاً وصدقاً، إنّهُ سميع مجيب..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى اللّه على محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

رجب الأصب 1433

النجف الأشرف

مرتضى الحسيني الشيرازي

ص: 153

ملحق الهوامش

(1) تتمة الهامش ص 16

جاء في ما يسمى (صحيح البخاري) كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة/ ج8 ص25 حسب الطبعة الليزرية حدثنا عبد العزيز بن عبد اللّه حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال: كنت أقرئ رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها إذ رجع إلي عبد الرحمن فق--ال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين! اليوم فقال: يا أمير المؤمنين! هل لك في فلان؟ يقول لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا فواللّه ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت..

فغضب عمر ثم قال: إني إن شاء اللّه لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم .

قال عبد الرحمن فقلت: يا أمير المؤمنين! لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكنا فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها .

فقال عمر: واللّه - إن شاء اللّه - لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة .

قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة

ص: 154

عجلت الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حوله تمس ركبتي ركبته فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف، فأنكر علي وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله.

فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على اللّهبما هو أهله ثم قال: أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي، إن اللّه بعث محمدا (صلى اللّه عليه - وآله - وسلم) بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان ممّا أنزل اللّه آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها رجم رسول اللّه (صلى اللّه عليه - وآله - وسلم) ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل واللّه ما نجد آية الرجم في كتاب اللّه فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللّه: والرجم في كتاب اللّه حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب اللّه: أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم . ألا ثم إن رسول اللّه (صلى اللّه عليه - وآله - وسلم) قال: «لا تطروني كما أطري عيسى بن مريم وقولوا عبد اللّه ورسوله».

ثم إنه بلغني قائل منكم يقول واللّه لو قد مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن اللّه وقى شرها وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي تابعه تغرة أن يقتلا وإنه

ص: 155

قد كان من خبرنا حين توفى اللّه نبيه (صلى اللّه عليه - وآله - وسلم) أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا لا عليكم أن لا تقربوهم اقضوا أمركم، فقلت واللّه لنأتينهم فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم فقلت من هذا؟ فقالوا هذا سعد بن عبادة، فقلت ما له؟ قالوا يوعك فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثنى على اللّه بما هو أهله ثم قال أما بعد فنحن أنصار اللّه وكتيبة الإسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأنيحضنونا من الأمر. فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر على رسلك، فكرهت أن أغضبه فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر، واللّه ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت فقال ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا فلم أكره ممّا قال غيرها كان واللّه أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر اللّهم إلا أن تسول لي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن . فقال قائل من الأنصار أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف

ص: 156

فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار. ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل اللّه سعد بن عبادة، قال عمر وإنا واللّه ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا.. (البخاري: ج6، باب رجم الحبلى).

ص: 157

كتب أخرى للمؤلف

1. أضواء على حياة الإمام علي (عليه السلام)، مطبوع

2. الإمام الحسين عليه السلام وفروع الدين، دراسة عن العلاقة الوثيقة بين سيد الشهداء عليه السلام وبين كل فرع فرع من فروع الدين، مخطوط

3. الأصول مباحث القطع، مجلدان، مخطوط

4. الاجتهاد في أصول الدين، مخطوط

5. الأوامر المولوية والإرشادية، مطبوع

6. بحوث في العقيدة والسلوك، أربعة مجلدات، مجموعة محاضرات على ضوء الآيات القرآنية الكريمة، ألقيت في الحوزة الزينبية وفي النجف الأشرف، طبع المجلد الأول منها.

7. التصريح باسم الإمام علي عليه الصلاة و السلام في القرآن الكريم، مطبوع

8. توبوا إلى اللّه، مخطوط

9. الحجة معانيها ومصاديقها، مطبوع

10. حجية مراسيل الثقات، مخطوط

11. الحوار الفكري، مطبوع

12. دروس في أصول الكافي، الجزء الأول كتاب العقل والجهل، مخطوط

13. دراسة عن حجية الأحلام والمنامات ، تقريرات درس الخارج، ألقي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مخطوط

14. رسالة في قاعدة الإلزام، تقريرات درس الخارج ألقي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مخطوط

ص: 158

15. رسالة في أجزاء العلوم ومكوناتها، مطبوع

16. شعاع من نور فاطمة الزهراء عليها الصلاة و السلام، دراسة عن القيمة الذاتية لمحبة الزهراء عليها السلام، مطبوع.

17. شرعية وقدسية ومحورية النهضة الحسينية، مطبوع.

18. شرح دعاء الافتتاح، مخطوط

19. شورى الفقهاء دراسة فقهية أصولية، مطبوع

20. السيدة نرجس عليها السلام مدرسة الأجيال، مطبوع

21. الضوابط الكلية لضمان الإصابة في الأحكام العقلية، مخطوط

22. فقه الرشوة وأحكامها ، تقريرات درس الخارج، ألقي في الحوزة في العلمية في النجف الأشرف – مخطوط

23. فقه حفظ كتب الضلال ومسببات الفساد، تقريرات درس الخارج ألقي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مخطوط

24. فقه الخمس، تقريرات درس الخارج ألقي في الحوزة العلمية الزينبية، مخطوط

25. فقه التعاون على البر والتقوى، مطبوع

26. فقه الاجتهاد والتقليد مباحث الاحتياط، تقريرات درس الخارج ألقي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مخطوط

27. في السجن كانت مقالات، مطبوع

28. فقه الاجتهاد في أصول الدين، تقريرات درس الخارج، ألقي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مخطوط

29. كونوا مع الصادقين، بحوث تفسيرية في الآية الشريفة ، مطبوع

30. لماذا لم يصرح باسم الإمام علي عليه السلام في القرآن الكريم؟، مطبوع

ص: 159

31. المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول، مطبوع

32. من حياة الإمام الحسن عليه السلام، مخطوط

33. ملامح العلاقة بين الدولة والشعب، مطبوع

34. نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة واللغة، مطبوع

نسبية النصوص والمعرفة.. الممكن والممتنع، مطبوع

ص: 160

من مصادر الكتاب

خير ما نبتدئ به:

القرآن الكريم.

نهج البلاغة.

سائر المصادر:

1. الاستبصار، الشيخ الطوسي، النجف، مطبعة النجف، 1375ه.

2. وسائل الشيعة، الحر العاملي، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) ط:أولى، قم، 1409ه.

3. تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، تحقيق: السيد حسن الخرسان، الطبعة الرابعة،دار الكتب الإسلامية، طهران 1365ه.ش.

4. المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج [المعروف ب: شرح النووي على صحيح مسلم] أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، الطبعة الثانية ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1392ه.

5. فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: احمد بن علي بن حجر، بيروت، دار المعرفة، 1379ه.

6. فيض القدير شرح الجامع الصغير، محمّد عب الرؤوف المناوي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415ه.

7. البداية والنهاية، ابن كثير، مكتبة المعارف، بيروت.

8. روح المعاني، الآلوسي، دار إحياء التراث العربي.

9. الاتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي، تحقيق: سعيد المندوب،

ص: 161

الطبعة الأولى، دار الفكر، لبنان، 1416ه- 1996م.

10. السنن الكبرى، البيقهي، الطبعة الأولى، حيدر آباد، 1344ه.

11. صحيح البخاري، محمّد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: د. مصطفى ديب، الطبعة الثالثة، دار ابن كثير، بيروت، 1407ه- - 1987م.

12. الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم، محمّد الحميدي، تحقيق: علي حسين البواب، الطبعة الثانية، دار ابن حزم، بيروت، 1423ه- 2002م.

13. جامع الأصول في أحاديث الرسول، ابن الاثير الجزري، تحقيق عبد القادر الارنؤوط، الطبعة الأولى، مكتبة الحلواني ومطبعة الملاح ومكتبة دار البيان.

14. صحيح ابن حبان، محمّد بن حبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة.

15. مسند احمد بن حنبل، احمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة، 1420ه- 1999م.

16. تفسير ابن كثير، ابن كثير الدمشقي، قدّم له: يوسف عبد الرحمن، دار المعرفة، بيروت 1412ه- - 1991م.

17. الدر المنثور، عبد الرحمن السيوطي، دار الفكر، بيروت، 1993م.

18. فتح القدير، محمّد بن علي الشوكاني، دار الفكر، بيروت.

19. المحلّى، ابن حزم الاندلسي، دار الفكر.

20. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، تحقيق: احمد البردوني وابراهيم أطفيش، الطبعة الثانية، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1384- 1964م.

ص: 162

21. كشف الخفاء، العجلوني، الطبعة الثالثة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1408ه.

22. السنن الكبرى، احمد بن شعيب النسائي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411ه- 1991م.

23. تهذيب الآثار، ابن جرير الطربي، تحقيق: محمّد محمود شاكر، مطبعة المدني، القاهرة.

24. الكشاف عن حقائق التنزيل،محمود بن عمر الزمخشري، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

25. التاريخ الكبير، البخاري، تحقيق: هاشم الندوي، دار الفكر.

26. صحيح مسلم، مسلم النيسابوري، تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث، بيروت.

27. حلية الأولياء، أبو نعيم الاصبهاني، الطبعة الرابعة ، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405ه.

28. مناهل العرفان، محمّد الزرقاني، الطبعة الأولى، دار الكتاب العربي، بيروت، 1415ه.

29. المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري،تحقيق: مصطفى عبد القادر الطبعة الأولى ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411ه.

30. كنز العمال، المتقي الهندي، الطبعة الخامسة، مؤسسة الرسالة، 1401ه.

31. مجمع الزوائد، علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الفكر، بيروت، 1412ه.

32. سنن سعيد بن منصور، سعيد بن منصور الخراساني الجوزجاني [ت: 227ه]، الطبعة الأولى ،دار العصيمي، الرياض، 1414ه.

33. عمدة عيون صحاح الأخبار، ابن البطريق، جامعة المدرسين، قم، 1407ه.

ص: 163

34. تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، تحقيق: طيب الموسوي الجزائري، مطبعة النجف.

35. تفسير نور الثقلين، الحويزي، تحقيق: المحلاتي، الطبعة الرابعة، اسماعيليان، قم، 1412ه.

36. البيان في تفسير القرآن، السيد الخوئي، الطبعة الرابعة، دار الزهراء، بيروت، 1395ه.

37. البرهان في علوم القرآن،محمّد بن عبد اللّه الزركشي، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة

الأولى، دار إحياء الكتب العربية، بيروت، 1376ه.

38. النشر في القراءات العشر، ابن الجزري، تحقيق: علي محمّد الضباع، المطبعة التجارية.

39. معرفة القرّاء الكبار على الطبقات والاعصار، محمّد بن احمد الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنأووط، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1404ه.

40. إمتاع الاسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع،1. المقريزي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1420ه.

41. مجمع البيان في تفسير القرآن، الشيخ الطبرسي، الطبعة الأولى، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1415ه.

42. الكشف والبيان [تفسير الثعلبي] احمد بن محمّد الثعلبي، تحقيق: ابن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1422ه.

43. مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، الفخر الرازي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1421ه.

ص: 164

44. تفسير البيضاوي، البيضاوي، دار الفكر، بيروت.

45. الكافي، الشيخ الكيني، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الخامسة، دار الكتب الإسلامية ،طهران، 1363ه. ش.

46. مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين والأئمة من ولده (عليهم السلام) ، ابن شاذان، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام)، قم، 1407ه.

47. مختصر بصائر الدرجات، حسن بن سليمان الحلي، الطبعة الأولى، المطبعة الحيدرية، النجف، 1370ه.

48. البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، مؤسسة البعثة، قم.

49. مناقب ابن شهر آشوب، محمّد بن علي بن شهر آشوب، المطبعةا لحيدرية، النجف.

50. بحار الأنوار ، محمّد باقرا لمجلسي، الطبعة الثانية، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403ه.

51. تفسير الصافي، محسن الفيض الكاشاني، الطبعة الثانية، مكتبة الصدر، طهران، 1416ه.

52. شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني، تحقيق: محمّد باقر المحمودي، الطبعة الأولى،مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، طهران، 1411ه.

53. تنبيه الغافلين في فضائل الطالبيين، المحسن بن بركة، تحقيق: السيد تحسين آل شبيب، الطبعة الأولى، مركز الغدير للدراسات، 1420ه.

54. الأمالي، الشيخ الصدوق، الطبعة الأولى، مؤسسة البعثة، طهران، 1417ه.

55. الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد، الشيخ المفيد، الطبعة الثانية، دار

ص: 165

المفيد للطباعة والنشر، بيروت، 1414ه.

56. المعجم الكبير، سلمان بن احمد الطبراني، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد، الطبعة الثانية، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، 1404ه.

57. حلية الأولياء، أبو نعيم الاصبهاني، الطبعة الرابعة، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405ه.

58. دعائم الإسلام، القاضي النعماني المغربي، تحقيق: آصف بن علي اصغر، دار المعارف، مصر، 1393ه- - 1963.

59. الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1997م.

60. المواقف، عبد الرحمن الايجي، تحقيق: عبد الرحمن عميره، الطبعة الأولى، دار الجيل، بيروت، 1997م.

61. خصائص الأئمة، الشريف الرضي، تحقيق: محمّد هادي الاميني، مجمع البحوث الإسلامية، مشهد، 1406ه.

62. الفردوس بمأثور الخطاب، ابن شيرويه الديلمي، تحقيق: السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406ه.

63. ينابيع المودة لذي القربى، سلمان القندوزي الحنفي، الطبعة الأولى، دار الاسوة 1416ه.

64. الخصال، الشيخ الصدوق، تحقيق: علي أكبر غفاري، جماعة المدرسين، قم، 1403ه.

65. المحاسن ، احمد بن محمّد بن خالد البرقي، تحقيق: جلال الدين الحسيني، دار الكتاب الإسلامية.

66. احكام القرآن، أبو بكر الجصاص، تحقيق: محمّد الصادق، دار إحياء

ص: 166

التراث العربي، بيروت، 1405ه.

67. كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، تحقيق: علي أكبر غفاري، جامعة المدرسين، قم، 1405ه.

68. الهداية، الشيخ الصدوق، الطبعة الأولى، مؤسسة الإمام الهادي1. (عليه السلام) ، قم 1418ه.

69. الغيبة، الشيخ الطوسي، تحقيق: عباد اللّه الطهراني وعلي احمد ناصح، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، 1411ه.

70. الفهرست، الشيخ الطوسي، تحقيق:جواد القيومي، مؤسسة نشر الفقاهة، 1417ه.

71. رجال النجاشي، احمد بن علي النجاشي، تحقيق: موسى الشبيري الزنجاني، جامعة المدرسين، قم.

72. رجال الكشي، محمّد بن عمر الكشي، مؤسسة النشر في جامعة مشهد، 1338ه. ش.

73. رجال ابن داود،ابن داود الحلي، مؤسسة النشر في جامعة طهران، 1383ه.

74. الخلاصة [رجال العلامة الحلي]، العلامة الحلي، دار الذخائر، قم، 1411ه.

75. رجال الطوسي، الشيخ الطوسي، مؤسسة النشر الإسلامي، 1415ه.

76. جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية، الشيخ المفيد، تحقيق: مهدي نجف.

77. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، عبيد اللّه بن احمد الحسكاني، تحقيق: المحمودي، وزارة الإرشاد، طهران، 1411ه.

ص: 167

78. الوافي، الفيض الكاشاني، تحقيق: ضياء الدين الحسيني، منشورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).

79. معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، مركز نشر آثار شيعة، قم ، 1410ه.

80. اليقين باختصاص مولانا علي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين، رضي الدين علي بن طاووس، تحقيق: الأنصاري، الطبعة الأولى، مؤسسة دارا لكتاب (الجزائري)، قم، 1413ه.

81. الغارات، إبراهيم الثقفي الكوفي، تحقيق: جلال الدين الحسيني.

82. أمل الآمل، محمّد بن الحر العاملي، تحقيق: السيد احمد الحسيني، مطبعة الآداب، النجف.

83. الوافي بالوفيات، الصفدي، تحقيق: احمد الارناؤط،دار إحياء1. التراث، بيروت، 1420ه.

84. الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي، مكتبة الصدر، طهران.

85. البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة،محمّد بن يعقوب الفيروز آبادي، تحقيق: محمّد المصري، الطبعة الأولى، جمعية إحياء التراث الإسلامي، الكويت، 1407ه.

86. طبقات المفسرين، جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت.

87. الفضائل، لابن شاذان [ت:660ه] ، المطبعة الحيدرية، النجف.

88. الذريعة إلى تصانيف الشيعة، الطبعة الثانية، دار الأضواء، بيروت.

89. مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام الأنصاري، منشورات مكتبة المرعشي النجفي، قم، 1404ه.

90. سنن الترمذي، محمّد بن عيسى الترمذي، تحقيق: احمد محمّد شاكر، دار

ص: 168

إحياء التراث العربي، بيروت.

91. مسند أبي يعلى، احمد بن علي أبو يعلى الموصلي، تحقيق: حسين سليم أسد، الطبعة الأولى، درا المأمون للتراث، دمشق، 1404ه.

92. مسند البزار، أبو بكر احمد بن عمرو البزار [ت: 292ه]، تحقيق: محفوظ الرحمن، مؤسسة علوم القرآن ومكتبة العلوم والحكم، بيروت، 1409ه.

93. الابانة الكبرى، ابن بطة العكبري [ت: 387ه]،دار الراية، الرياض.

94. جامع البيان في تفسير القرآن، محمّد بن جرير الطبري، تحقيق: عبد اللّه بن عبد المحسن، الطبعة الأولى، دار هجر.

95. كتاب المصاحف، ابن أبي داود السجستاني، تحقيق: محمّد عبده، الفاروق الحديثة، القاهرة، 1423ه.

ص: 169

ص: 170

الفهرس

المقدَّمة... 5

الفصل الأوّل... 9

طريق الاحتجاج مغلق على المنكرين... 9

لا دليل على النفي... 12

ثلاثة أنواع من التحريف، تؤكدها روايات (العامّة)... 13

1- يقولون: ثلثا القرآن محذوف!... 14

2- يقولون: إنَّ سوراً كاملة قد حذفت!... 15

3- يقولون: إنَّ آيات قد حذفت!... 15

نصوص روايات (العامّة) في تحريف القرآن بالنقيصة... 17

أ. عمر يقول: آية الرجم سقطت!... 17

ب. سورة الأحزاب كانت مائتي آية!... 18

ج. حذف سورتي الخلع والحفد!... 20

د. عمر: القرآن سقط منه ثلثاه!... 22

ه. سورتان طويلتان محذوفتان!... 23

لماذا تمنعون طباعة الكافي وتطبعون البخاري!... 24

الفصل الثاني... 29

قوله تعالى: (هذا صراط علي مستقيم)... 31

باؤك تجرّ وبائي لا تجرّ!... 32

القراءة الأولى:... 33

ص: 171

القراءة الثانية هي:... 33

القراءة الثالثة:... 34

اعتراض عمر على الرسول (صلّى اللّه عليه وآله)... 36

الفصل الثالث... 41

(وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)... 41

لا استحالة ذاتية، ولا وقوعية... 46

الأنواع الأربعة من الأدلة الراوئية... 50

النوع الأول: الروايات الصريحة:... 50

سند الرواية الأولى في أعلى درجات الصحة... 51

نص الرواية الصحيحة الأولى:... 55

الرواية الصحيحة الثانية ونصها:... 56

النوع الثاني: الروايات المستفيضة... 58

النوع الثالث : روايات من طرق العامّة... 59

الإرهاب في عصر الحريات! ومنع طباعة الكتب!... 62

النوع الرابع: روايات شأن النزول... 64

الطغاة ضد أهل البيت عليهم السلام... 65

ألف آية نزلت في الإمام علي (عليه السلام)... 65

تسعة أدلة على أن ﴿عَلِياً﴾ في آية ﴿لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ هو الإمام علي (عليه السلام)... 67

1. (اللسان) يُكنَّى به عن (الشخص)... 67

2. اللسان لا يوصف ب(علي) عادة... 69

3. ﴿جعلنا﴾ هنا هي نظير ﴿اجعل لي وزيراً﴾... 70

ص: 172

لو كان اللفظ : عمرَ!... 72

صحبة أبي بكر في الغار فضيلة أم رذيلة؟... 72

السرّ في عدم ظهور الإمام المنتظر (عج)... 75

4. (المفعول) ل- (وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا)... 77

5. السياق يشهد بأن (علياً) عَلَمٌ ، وليس صفةً... 80

6. (التوازن) بين جناحي إسماعيل وإسحاق (عليهما السلام)... 82

7. قوله تعالى: (لَهُمْ)... 88

8. طلب إبراهيم (عليه السلام) متعلق بدائرة (الأشخاص) لا (المعاني)... 91

9. حُسنُ ترجيحِ الراجح الأفضل... 94

الفصل الرابع... 98

[وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ]... 98

أدلة حجية هذه الروايات:... 100

تفسير (الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ) بالإمام علي (عليه السلام)... 107

توضيح وتنبيه:... 110

الرواية الثالثة: رواية الطوسي في (التهذيب)... 111

الرواية الرابعة: رواية ابن الماهيار... 112

الرواية الخامسة: رواية محمد بن العباس... 115

وجهان للاستدلال بالرواية:... 116

من هو زيد بن صوحان؟... 117

الرواية السادسة: رواية محمد بن العباس والاسترابادي... 117

تنبيه: هاتان قضيتان... 118

من هو صعصعة بن صوحان؟... 118

ص: 173

الرواية السابعة: رواية الديلمي... 119

موجز عن السيد شرف الدين... 119

الرواية الثامنة: رواية السيد الاسترابادي... 120

الرواية التاسعة: رواية الطوسي في (مصباح المتهجد)... 121

توثيق الشيخ الطوسي ل- (المصباح)... 122

الرواية العاشرة: رواية ابن شهر آشوب في (المناقب)... 123

موجز عن ابن شهر آشوب... 124

روايات أخرى... 127

مرجع الضمير في (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ)... 128

الجواب الأول: ذلك من مقتضيات البلاغة... 128

1: الاستخدام... 128

2: الإلتفات... 129

3: الابتداء بالضمير أو عوده لمتأخر... 130

4: الحذف... 131

الجواب الثاني: الاشكال لا يعم التأويل... 132

الجواب الثالث: أهل البيت أدرى بما فيه... 133

الجواب الرابع: الاعتبار العقلي... 134

شواهد من الكتاب:... 138

الفصل الخامس... 139

ينكرون الحق ويجاهرون بالباطل!... 139

صحاح (أهل الخلاف) وروايات تناقض العقل والقرآن!!... 141

1- (البخاري): إن اللّه يضع رجله في النار فتمتلئ!!... 142

ص: 174

2- (البخاري):... 144

الحبر اليهودي يتكلم والرسول الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله) يؤيد!... 144

3- البخاري: «اللّه يضع السماء على إصبع والأنهار على إصبع»!... 145

مفارقة غريبة!... 150

4- عائشة تصرّح بوجود أخطاء في القرآن!... 150

ملحق الهوامش... 156

من مصادر الكتاب... 163

الفهرس... 173

ص: 175

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.