لماذا لا يستجاب بعض أدعية الناس؟

هوية الكتاب

لماذا لا يستجاب بعض أدعية الناس؟

السيد مرتضی الحسيني الشيرازي

حقوقه الطبع محفوظة

الطبعة الأولى

1441 ه - 2020 م

منشورات:

مؤسسة التقی الثقافية

النجف الأشرف

ص: 1

اشارة

حقوقه الطبع محفوظة

الطبعة الأولى

1441 ه - 2020 م

منشورات:

مؤسسة التقی الثقافية

النجف الأشرف

7810001902 00964 malshirazi.com

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لماذا لا يستجاب بعض أدعية الناس؟

السيد مرتضی الحسيني الشيرازي

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ

نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ

ص: 4

اللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الحُجَّةِ بْنِ الحَسَنِ

صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ

فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ

وَلِيّاً وَحَافِظاً وَقائِداً وَنَاصِراً وَدَلِيلاً وَعَيْناً

حَتَّى تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فِيهَا طَوِيلاً

ص: 5

ص: 6

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة اللّه في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

موضوع البحث: إن موضوع البحث ومحوره ومداره: الإجابة على السؤال الذي كثيراً ما يتردد في الأذهان أو على الألسنة، وهو أننا كثيراً ما ندعوا اللّه تعالى ولكن لا يستجاب لنا مع أنه جل اسمه وعد بالاستجابة عند الدعاء إذ يقول: (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(1) وإذ يقول: (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنِّي فَإِنِّي قَريبٌ أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ)(2) ومع تصريح الروايات الكثيرة بالاستجابة مطلقاً لأشخاص كثيرين، كالداعي عند القبة الشريفة وكالمظلوم على ظالمه والوالد لولده والمعتمر والصائم، نظير: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَوَّضَ الْحُسَيْنَ (عليه السلام) مِنْ قَتْلِهِ أَنْ جَعَلَ الْإِمَامَةَ فِي ذُرِّيَّتِهِ وَالشِّفَاءَ فِي تُرْبَتِهِ وَإِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ قَبْرِهِ»(3) و«أَرْبَعَةٌ لَا تُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ حَتَّى تُفَتَّحَ لَهُمْ

ص: 7


1- سورة غافر: 60.
2- سورة البقرة: 186.
3- الأمالي - للطوسي -: ص317.

أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتَصِيرَ إِلَى الْعَرْشِ: الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ وَالْمَظْلُومُ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ وَالْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَرْجِعَ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ»(1) و«مَا اجْتَمَعَ أَرْبَعَةُ رَهْطٍقَطُّ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ فَدَعَوُا اللَّهَ إِلَّا تَفَرَّقُوا عَنْ إِجَابَةٍ»(2)، مع أننا كثيراً ما لا نرى استجابة دعائهم! وقد استبطن الجواب استعراض شروط استجابة الدعاء، وهي خمسة وعشرون شرطاً وأكثر، والتي غالباً ما يغفل عنها الناس.

هيكلية البحث ونطاقه: تضمن البحث أربعة أجوبة على الشبهة وهي: أن الدعاء مقتضٍ للإجابة، مع تفسير المقتضي بوجه دقيق لطيف، وأن لاستجابة الدعاء شروطاً استعرض منها البحث خمسة وعشرين شرطاً، وأن الاستجابة قد تكون بنحو آخر أو في زمن آخر مما يعود إلى تفسير (أَسْتَجِب ) و(أُجيب ) و(الإجابة) بتوسعته بنحو الحكومة التنزيلية استناداً إلى الروايات الكثيرة المصرحة بما يفيد ذلك، وأن الاستجابة في زمن صدور الروايات ولفتراتٍ محددة في علم اللّه تعالى، كانت عامة شاملة رغم عدم توفر كثير من الشروط، وذلك لمصالح استعرضها البحث، وفيما عدا ذلك فإنها (الاستجابة) بقيت في دائرة المقتضي الذي تطرق له الجواب الأول وأكمله الجواب الثاني، وهذا الجواب الرابع مطروح صناعياً لكي يتأمل فيه الأفاضل وأما التبنّي فأمر آخر.

ص: 8


1- الكافي: ج2 ص510.
2- الكافي: ج2 ص487.

كما أن البحث استعرض الإجابة - ضمناً - على سبع أسئلة أو إشكالات، وهي: الفرق بين آداب الاستجابة وشروطها، وإن الشروط إما شروط لأصل الاستجابة أو شروط لأقربيتها مع بيان معاني الأقربية، والجواب عن أن اشتراط كل تلك الشروط موجب ليأس الناس من استجابة الدعاء لندرة من تتوفر فيه الشروط على أن ذلكمخالف لما نجده من استجابة بعض الأدعية ممن لم تتوفر فيه الشروط؟ والجواب عن أن اشتراط كل تلك الشروط في الاستجابة موجب لتخصيص الأكثر وهو قبيح، وإن بعض روايات شرائط الاستجابة ضِعاف فكيف تخصِّص الكتاب؟! والجواب عن أن لسان بعض روايات التي وعدت بالاستجابة، آبية عن التخصيص فكيف خصّصتموها؟! والجواب عن أنه لماذا ندعوا ونحن نعلم بعدم استجابة بعض الأدعية ك:«اللَّهُمَّ أَغْنِ كُلَّ فَقِيرٍ، اللَّهُمَّ أَشْبِعْ كُلَّ جَائِعٍ، اللَّهُمَّ اكْسُ كُلَّ عُرْيَانٍ، اللَّهُمَّ اقْضِ دَيْنَ كُلِّ مَدِينٍ، اللَّهُمَّ فَرِّجْ عَنْ كُلِّ مَكْرُوبٍ، اللَّهُمَّ رُدَّ كُلَّ غَرِيبٍ، اللَّهُمَّ فُكَّ كُلَّ أَسِيرٍ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ كُلَّ فَاسِدٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ»(1)!

كما تضمن البحث الجواب على السؤال عن: (كيفية تأثير الأدعية في تغيير المقدّرات التكوينية) واختتم بالجواب عن الشبهة التي يزداد طرحها عند الابتلاء بالرزايا والبلايا والمصائب العامة، كالأوبئة التي قد تقتل الألوف أو مئات الألوف أو حتى الملايين وكالحروب

ص: 9


1- البلد الأمين: ص222.

التي تحصد أرواح الملايين وشبه ذلك، وأن دعوات المؤمنين لم تنفع في دفعها أو رفعها! وبذلك كله يتضح نطاق البحث أيضاً.

غاية البحث: إن غاية البحث، وكما اتضح من استعراض هيكليته، هو الوصول إلى فهم أشمل وأصح للمنظومة المتكاملة من الآيات والروايات التي تناولت موضوعة (الدعاء) ومدى استجابته وحدوده، خروجاً من طرفي الإفراط والتفريط في توهم الاستجابة المطلقة أو العام المطلق أو النادر، بما يشكل الإجابة على الكثير منالشبهات المطروحة في المقام.

منهجية البحث: اعتمد البحث على المنهج التحليلي - العقلي والأصولي وعلى منهج النقد النقلي، في تحليل مختلف الأدلة النقلية الواردة في موضوع (استجابة الأدعية).

مصادر البحث: اعتمد البحث في النقل على أهم المصادر النقلية فقد اعتمد بعد القرآن الكريم على نهج البلاغة وأصول الكافي وعدة الداعي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب والأمالي وغيرها، إضافة إلى اعتماده في بعض تحليلاته على (الفقه: الآداب والسنن) وغير ذلك مما نجده في قائمة المصادر.

ومن الجدير أن نقدم الشكر الجزيل لعدد من أساتذة الخارج في الحوزة العلمية ولبعض أساتذة الجامعة الذين اتحفونا بنقدهم وبطرح الكثير من الإشكالات التي حفزتنا على التفكير فيها ثم التطرق للجواب عنها في (التنبيهات) وفي (الخاتمة) وغيرها.

ص: 10

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة اللّه في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

لماذا لا تستجاب أدعية بعض الناس؟ وماذا نصنع كي تستجاب أدعيتنا؟

قال اللّه العظيم: (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(1) وقال عن العسل: (فيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ)(2)، وورد في الحديث: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَوَّضَ الْحُسَيْنَ (عليه السلام) مِنْ قَتْلِهِ أَنْ جَعَلَ الْإِمَامَةَ فِي ذُرِّيَّتِهِ وَالشِّفَاءَ فِي تُرْبَتِهِ وَإِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ قَبْرِهِ»(3).

والسؤال الذي يطرحه بعض الناس هو: إننا كثيراً ما ندعوا اللّه تعالى ولا يستجاب لنا، وقد ندعوا تحت القبة الشريفة ولا يستجاب لنا، كما قد نأكل من التربة المقدسة ولا نرى الشفاء؟!

ص: 11


1- سورة غافر: 60.
2- سورة النحل: 69.
3- الأمالي - للطوسي -: ص317.

ويمكن الجواب عن ذلك بوجوه أو بأنحاء عديدة(1):

أولاً- الدعاء مقتضٍ للاستجابة

النحو الأول: إن ذلك كله، إنما بنحو (المقتضي)، وليس بنحو (العلة التامة).

والمراد بالمقتضي (المُعِدّ) أو (العلّة المُعدّة) مقابل الشرط والمانع وما أشبه.

والمهم أن نعرف أن (المقتضي) له عرض عريض جداً، أو فقل إنه حقيقة تشكيكية ذات مراتب فقد يكون الاقتضاء بدرجة تسعين بالمائة، وقد يكون بدرجة خمسين بالمائة، وقد يكون بدرجة واحد بالمائة وقد يكون بدرجة واحد بالألف، وكل ذلك لا يخلّ بكونه مقتضياً من حيث ذاته أصلاً لأن (الاقتضاء) علاقة (جوهرية) بين الشيئين، وليس علاقة (كميّة) ... وتوضيح ذلك:

إنه يقال: (النار مقتضية للإحراق) والاقتضاء فيها درجته 99.99(عليهم السلام) أو ما يقارب ذلك، أي إن النار علّة للإحراق في 9.999 مورداً من ال-10.000 مورد، بل إنها قد تكون علّة للإحراق(2) في مليون مورداً إلا مورداً واحداً أو علة في مليار أو ترليون مورداً إلا واحداً، وذلك الاستثناء (الواحد بالمليار مثلاً) هو فيما لو كان البدن

ص: 12


1- عبّرنا بالوجوه إشارة إلى تغاير الجوابين، و ب- (أنحاء) فيما لو كان النحوان وجهين لجواب واحد، ولكننا في العناوين ذكرناها كلها بعنوان (النحو...).
2- (العِلّية) للمقتضي، عرفية؛ أو بناءً على تعميمها فلسفياً للمقتضي نفسه.

أو القماش مطلياً مثلاً بمادة عازلة، أو لم تكن هناك المحاذاة اللازمة.

وعليه: فإذا فرضنا أن المليون قطعة قماش كانت كلها - إلا واحداً - مطليةً بمادة عازلة، فإن قضيتنا (النار محرقة) أو (النار مقتضية للإحراق) أو (النار علّة للإحراق) لا تزال صادقة وإن تضاءلت كمية ما يحترقمنها بالنار، إلى أقصى الحدود.

وبعبارة أخرى: (الاقتضاء) يرتبط بجوهر العلاقة بين الشيئين (العلّة والمعلول) ولا يرتبط ب(كمية) انفعال الثاني عن الأول.

وهكذا حال الدعاء فإن الدعاء مقتضٍ للاستجابة، والتربة الحسينية كذلك مقتضية للشفاء، وقد تكون الاستجابة والشفاء مائة بالمائة، كما في دعاء المعصومين (عليهم السلام) (فيما لو طلبوا طلباً حتمياً)(1) وقد تكون الاستجابة والشفاء 90(عليهم السلام) مثلاً كما في دعاء الأولياء، وقد تكون واحداً بالمائة أو واحداً بالألف أو واحداً بالمليون، كما في أدعية العُصاة على اختلاف درجاتهم.

ثانياً - الدعاء مستجاب بشرط توفر الشروط وعدم المزاحِم

النحو الثاني: وقد يكون عدم استجابة الدعاء أو عدم الشفاء رغم تناول التربة، نتيجة (تزاحم المقتضيات)(2) فمثلاً قطع الرحم مقتضٍ لِقِصَرِ العمر والموت المبكّر عبر مرضٍ أو اصطدام أو ما أشبه

ص: 13


1- كلامياً: قد يقال: بأنهم (عليهم السلام) لا يطلبون طلباً حتمياً إلا بعد الإحاطة بكافة الملاكات وتوفر الشروط وارتفاع الموانع والمزاحمات، فتدبر.
2- والجواب مكملٌ للجواب الأول، وقد أُفرد بالذكر لأن كلّا منهما بيّن وجهاً مِن وجهي القضية.

ذلك، وفي المقابل فإن الدعاء أو التربة مقتضٍ للشفاء وطول العمر، فإذا قام الشخص بالعملين في وقت واحد تزاحم مقتضيان شديدا الاقتضاء، وترتبط المحصلة النهائية بنوع وبدرجة كل منهما (مع قطع النظر عن سائر العوامل) وذلك بعد إذن اللّه تعالى ومشيئته، مثلاً: درجة يقينه حين الدعاء أو درجة إخلاصه، أو نوع قطعه للرحم ودرجة القطيعة للرحم وغير ذلك.

وذلك كما يقال: إن هذا الدواء (الأنتي بيوتيك 500) مثلاً هو علاج قطعي للانفلونزا العادية خاصة إذا تناوله المريض مع فيتامين C أو B1 وغيرهما، ولكن هذا (القطع) إنما هو بلحاظ (الدواء والانفلونزا) فقط، أي لو لاحظنا هذين الأمرين فقط وقمنا بتحييد سائر العناصر والعوامل، ولكن المريض إذا استعمل الأدوية كلها ومع ذلك ألقى بنفسه في بحيرة متجمدة وبقي فيها ساعتين أو وقف في الهواء البارد القارص بدون ملابس كافية لساعات، فإنه لا شك أنه سيستمر مرضه بل قد يشتد ويزداد، ولا يخلّ ذلك أبداً بقاعدة أن (هذا الدواء هو علاج أكيد لهذا المرض).

ومثال آخر: التداخلات الدوائية التي يحذّر منها الأطباء، فإن بعض الأدوية قد يكون له مفعول مضاد لبعض الأدوية الأخرى، فإذا استعمل المريض كلا النوعين من العلاج فإن أحدهما يبطل مفعول الآخر.

ص: 14

وكذلك لو كان (المعقم والمطهّر) قطعي المفعول، فإنه يؤثر دون شك، لكن بشرط أن لا تسكب على الجرح ملوثات جديدة أخرى بنحو مستمر.

إننا ندعوا ونعصي!

والمشكلة فينا أننا ندعو اللّه تعالى في السَّحَر أو تحت القبة المنورة أو عند الكعبة المشرفة أو نأكل التربة، ولكننا أحطنا أنفسنا - مع ذلك - بالمضادات والمزاحِمات القوية قبل الدعاء، ومعه وبعده أيضاً! فمثلاً: قد يكون ظالماً لزوجته أو للموظفين لديه أو لجيرانه أو حتى لشعبه وهو يدعو! فكيف يستجاب له؟ أو قد يكونممن تعلقت به حقوق الناس من أموال سرقها منهم أو غصبها أو من رشوة ارتشاها أو اختلاس ارتكبه أو دَين مستحق عليه وهو لا يؤديه أو قد يكون ممن هتك أستار الناس أو أشاع فيهم الفاحشة وأتهم العلماء أو المؤمنين أو اغتابهم أو جرحهم بوجه (في مجلسٍ أو عبر إذاعة أو في كتاب أو جريدة ومجلة أو غير ذلك) وظلمهم عبر (الإعلام المضلل) فكيف يستجاب له؟!

وقد ورد: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبِ الَّتِي تَحْبِسُ الدُّعَاءَ»(1) «وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي تَحْبِسُ الدُّعَاءَ»(2) و«فأسألك بعزتك أن لا يحجب عنك دعائي سوء عملي وفعالي»(3).

ص: 15


1- إقبال الأعمال: ص706.
2- تهذيب الأحكام: ج3 ص95.
3- إقبال الأعمال: ص706.

أو قد يكون هذا الداعي قبل الدعاء ومعه وبعده، ممن تعلّقت به حقوق اللّه تعالى من صلاة وصوم وخُمس وحج وأمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر، وقد ورد: «لَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيُوَلِّيَ اللَّهُ أَمْرَكُمْ شِرَارَكُمْ ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ»(1) أو قد تكون بطنه مليئة من لقمة الحرام أو الشبهة فلا يستجاب له، أو قد يدعو وقلبه مليء بالحسد أو بالحقد على بعض المؤمنين، فكيف يستجاب له؟! أو قد يدعو وعقله ممتلئ من العجب والكبرياء والغرور، فكيف يستجاب له؟! وقد يدعو ثم يذنب فلا يستجاب له، وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إِنَّ الْعَبْدَ يَسْأَلُ اللَّهَ الْحَاجَةَ فَيَكُونُ مِنْ شَأْنِهِ قَضَاؤُهَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ أَوْ إِلَى وَقْتٍ بَطِي ءٍ فَيُذْنِبُ الْعَبْدُ ذَنْباً فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْمَلَكِ لَا تَقْضِ حَاجَتَهُ وَاحْرِمْهُ إِيَّاهَافَإِنَّهُ تَعَرَّضَ لِسَخَطِي وَاسْتَوْجَبَ الْحِرْمَانَ مِنِّي»(2) وسيأتي.

ولعله تعالى أشار في قوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)(3) إلى هذين الجوابين، فالوفاء بالعهد الذي له علينا هو بإطاعته وعدم معصيته، فإن إطاعته في سائر الأمور يوفر (الشرط) لاستجابة الدعاء 100(عليهم السلام) بإذن اللّه تعالى، ومعصيته في القضايا الأخرى تشكّل المانع من الاستجابة في كل الموارد؛ أي

ص: 16


1- تحف العقول: ص197 / والكافي: ج7 ص51.
2- الكافي: ج2 ص271.
3- سورة البقرة: 40.

إذا أردت لطف اللّه تعالى باستجابة الدعاء 100(عليهم السلام) فعليك بالإطاعة المطلقة لله تعالى وتجنب معاصيه 100(عليهم السلام) وعندئذٍ تكون كما روي في الحديث القدسي:

«يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا غَنِيٌّ لَا أَفْتَقِرُ أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ غَنِيّاً لَا تَفْتَقِرْ.

يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا حَيٌّ لَا أَمُوتُ أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ حَيّاً لَا تَمُوتُ.

يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا أَقُولُ لِلشَّيْ ءِ كُنْ فَيَكُونُ، أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ تَقُولُ لِلشَّيْ ءِ كُنْ فَيَكُونُ»(1).

خمسة وعشرون شرطاً لاستجابة الدعاء

كما أشير إلى وجود شروط لاستجابة الدعاء في روايات كثيرة(2)، ومنها:

معرفة اللّه تعالى

1 - ما ورد عن الإمام موسى بن جعفر 3 قال:«قَالَ قَوْمٌ لِلصَّادِقِ (عليه السلام) نَدْعُو فَلَا يُسْتَجَابُ لَنَا؟ قَالَ: لِأَنَّكُمْ تَدْعُونَ مَنْ لَا تَعْرِفُونَهُ»(3) وقال تعالى: (وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ

ص: 17


1- عدة الداعي: ص310 / وإرشاد القلوب: ج1 ص75.
2- ومن المهم جداً الالتفات إلى أن الشروط الآتية تتوزع بين ما هو شرط لأصل استجابة الدعاء - أي أنه لا يستجاب الدعاء بدونه، لولا فضل اللّه - وبين ما هو شرط لأقربية الدعاء للاستجابة، وسيأتي ذلك في التنبيهات بعد الشرط الخامس والعشرين.
3- التوحيد: ص288.

جَميعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمينِهِ)(1) ويستفاد من الحديث:

الشرط الأول لاستجابة الدعاء هو: (معرفة اللّه تعالى) فإنه شرط في الإجابة وقضاء الحاجة، والمعرفة على درجات، وعلى حسب درجاتها تكون درجة استجابة الدعاء، فإذا أردت أن يستجاب دعاؤك فاسعَ لكي تتعرف، على قدر المستطاع، على اللّه تعالى وصفات جماله وجلاله، وعلى عظمته وجزيل إحسانه ووافر نِعَمه، وذلك عبر التدبر في الآيات القرآنية وقراءة أدعية (الصحيفة السجادية)، ومطالعة ما جاء في (نهج البلاغة) و(أصول الكافي) و(التوحيد) وغيرها عن اللّه تعالى، وتجليات عظمته وصفاته ونِعَمه.

الإخلاص له جل اسمه

2 - وقال تعالى: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ)(2) والمستظهر أن:

الشرط الثاني هو: (الإخلاص لله تعالى) وذلك لأنه إن دعا اللّه مخلصاً له الدين، كان داعياً له حقاً فهو أشبه بالشرط المحقق للموضوع(3)!

ص: 18


1- سورة الزمر: 67.
2- سورة غافر: 14.
3- الموضوع الدعاء، والشرط الإخلاص له، فإن الدعاء بدون الإخلاص له ليس دعاء حقيقةً أو إدّعاءً وتنزيلاً.

والحاصل: إنه يشترط في استجابة الدعاء بأن لا يكون مشركاً به بوجهٍ: بشِرك جلي أو خفي، كأن يكونمرائياً مثلاً، فطهّر قلبك من الشرك والرياء والسمعة وشبهها، كي يستجاب دعاؤك. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لابنه محمد بن الحنفية (رضوان اللّه عليه): «وَأَخْلِصِ الْمَسْأَلَةَ لِرَبِّكَ فَإِنَّ بِيَدِهِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَالْإِعْطَاءَ وَالْمَنْعَ وَالصِّلَةَ وَالْحِرْمَانَ»(1).

الإقبال بالقلب حين الدعاء، واليقين بالإجابة

3 -4 - وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً بِظَهْرِ قَلْبٍ سَاهٍ فَإِذَا دَعَوْتَ فَأَقْبِلْ بِقَلْبِكَ ثُمَّ اسْتَيْقِنْ بِالْإِجَابَةِ»(2).

وعن ابن القداح عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دُعَاءَ قَلْبٍ لَاه، وَكَانَ عَلِيٌّ (عليه السلام) يَقُولُ: إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ لِلْمَيِّتِ فَلَا يَدْعُو لَهُ وَقَلْبُهُ لَاهٍ عَنْهُ وَلَكِنْ لِيَجْتَهِدْ لَهُ فِي الدُّعَاءِ»(3)، ويستفاد منه:

الشرطان الثالث والرابع وهما: (الإقبال بالقلب) و(اليقين بالإجابة) فإنهما شرطان لاستجابة الدعاء، وسهو القلب مانع، والإقبال يرتبط بالقلب، واليقين يرتبط بالعقل، بل ورد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إِذَا دَعَوْتَ فَأَقْبِلْ بِقَلْبِكَ وَظُنَّ حَاجَتَكَ

ص: 19


1- من لا يحضره الفقيه: ج4 ص384.
2- الكافي: ج2 ص473.
3- الكافي: ج2 ص473.

بِالْبَابِ»(1) أي ليبلغ يقينك إلى هذه الدرجة!.

الاستكانة لله تعالى والتضرع له

5 -6 - وقال تعالى: (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ)(2) وعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام)، عن قول اللّه عز وجل: (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ)؟ قَالَ (عليه السلام): «الِاسْتِكَانَةُ هِيَ الْخُضُوعُ وَالتَّضَرُّعُ رَفْعُ الْيَدَيْنِ وَالتَّضَرُّعُ بِهِمَا»(3). وعن المفضل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كَانَ فِيمَا نَاجَى اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ بِهِ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ (عليه السلام) أَنْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ عِمْرَانَ كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي فَإِذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ نَامَ عَنِّي أَلَيْسَ كُلُّ مُحِبٍّ يُحِبُّ خَلْوَةَ حَبِيبِهِ هَا أَنَا ذَا يَا ابْنَ عِمْرَانَ مُطَّلِعٌ عَلَى أَحِبَّائِي إِذَا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ حَوَّلْتُ أَبْصَارَهُمْ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَمَثَّلْتُ عُقُوبَتِي بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ يُخَاطِبُونِّي عَنِ الْمُشَاهَدَةِ وَيُكَلِّمُونِّي عَنِ الْحُضُورِ يَا ابْنَ عِمْرَانَ هَبْ لِي مِنْ قَلْبِكَ الْخُشُوعَ وَمِنْ بَدَنِكَ الْخُضُوعَ وَمِنْ عَيْنِكَ الدُّمُوعَ فِي ظُلَمِ اللَّيْلِ وَادْعُنِي فَإِنَّكَ تَجِدُنِي قَرِيباً مُجِيباً»(4) وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «بُكَاءُ الْعُيُونِ وَخَشْيَةُ الْقُلُوبِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا وَجَدْتُمُوهَا فَاغْتَنِمُوا الدُّعَاءَ وَلَوْ أَنَّ عَبْداً بَكَى فِي أُمَّةٍ

ص: 20


1- الكافي: ج2 ص473.
2- سورة المؤمنون: 76.
3- الكافي: ج2 ص481.
4- الأمالي - للصدوق -: ص356.

لَرَحِمَ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْأُمَّةَ لِبُكَاءِ ذَلِكَ الْعَبْدِ»(1) وعن صفوان، عن الرضا (عليه السلام) في حديث: أن أبا قرة قال له: مَا بَالُكُمْ إِذَا دَعَوْتُمْ رَفَعْتُمْ أَيْدِيَكُمْ إِلَى السَّمَاءِ؟ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام): «إِنَّ اللَّهَ اسْتَعْبَدَ خَلْقَهُ بِضُرُوبٍ مِنَ الْعِبَادَةِ» إِلَى أَنْ قَالَ: «وَاسْتَعْبَدَ خَلْقَهُ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَالطَّلَبِ وَالتَّضَرُّعِ بِبَسْطِ الْأَيْدِي وَرَفْعِهَا إِلَى السَّمَاءِ لِحَالِ الِاسْتِكَانَةِ وَعَلَامَةِ الْعُبُودِيَّةِ وَالتَّذَلُّلِ لَهُ»(2) ويستفاد منه:

الشرطان الخامس والسادس وهما: (التضرع إلى اللّهتعالى) و(الاستكانة له).

وقد وردت روايات رائعة عن الكيفيات المختلفة للدعاء ومن الجدير ان نلتزم بها جميعاً، ومنها: عن محمد بن مسلم قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ: «مَرَّ بِي رَجُلٌ وَأَنَا أَدْعُو فِي صَلَاتِي بِيَسَارِي، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بِيَمِينِكَ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَقّاً عَلَى هَذِهِ كَحَقِّهِ عَلَى هَذِهِ»، وَقَالَ:

الرَّغْبَةُ: تَبْسُطُ يَدَيْكَ وَتُظْهِرُ بَاطِنَهُمَا.

وَالرَّهْبَةُ: تَبْسُطُ يَدَيْكَ وَتُظْهِرُ ظَهْرَهُمَا.

وَالتَّضَرُّعُ: تُحَرِّكُ السَّبَّابَةَ الْيُمْنَى يَمِيناً وَشِمَالًا.

وَالتَّبَتُّلُ: تُحَرِّكُ السَّبَّابَةَ الْيُسْرَى تَرْفَعُهَا فِي السَّمَاءِ رِسْلًا وَتَضَعُهَا.

ص: 21


1- مكارم الأخلاق: ص317.
2- الاحتجاج: ج2 ص407.

وَالِابْتِهَالُ: تَبْسُطُ يَدَيْكَ وَذِرَاعَيْكَ إِلَى السَّمَاءِ وَالِابْتِهَالُ: حِينَ تَرَى أَسْبَابَ الْبُكَاءِ»(1).

وقال السيد الوالد (رحمه اللّه) في موسوعة الفقه: (وهذه أقسام من الضراعة، ولعل الاصطلاحات تختلف، وإن كان الظاهر أن الألفاظ المختلفة لمعنى واحد تختلف من جهة الخصوصيات كالأسد والهصور والفدوكس، فلكل وجه وإن الكل يشير إلى الحيوان المفترس)(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام): (أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّغْبَةَ وَأَبْرَزَ بَطْنَ رَاحَتَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَهَكَذَا الرَّهْبَةُ، وَجَعَلَ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَهَكَذَا التَّضَرُّعُ، وَحَرَّكَ أَصَابِعَهُ يَمِيناً وَشِمَالًا، وَهَكَذَا التَّبَتُّلُ، يَرْفَعُ أَصَابِعَهُ مَرَّةً وَيَضَعُهَا مَرَّةً، وَهَكَذَا الِابْتِهَالُ، وَمَدَّ يَدَهُ بِإِزَاءِ وَجْهِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَقَالَ لَاتَبْتَهِلْ حَتَّى تَجْرِيَ الدَّمْعَةُ)(3).

إلفات هام: من الحديثين يستفاد أن للتضرع صورتين:

1- تحريك السبابة اليمنى يميناً وشمالاً.

2- تحريك كل الأصابع يميناً وشمالاً، ولعلهما بحسب درجات البلاء فإذا ازداد حرك كلّ أصابعه.

كما يستفاد آن التبتل نوعان:

ص: 22


1- الكافي: ج2 ص480.
2- موسوعة الفقه - كتاب الآداب والسنن -: ج95/2 ص22.
3- مكارم الأخلاق: ص272.

1 - تحريك السبابة اليسرى برفعهما إلى السماء ووضعها.

2 - تحريك كل أصابعه صعوداً ونزولاً، ويبدو أنهما حسب درجات البلاء أيضاً.

والرواية الرائعة التالية، هي خير مذكّر لنا بالدور الأساسي للقلب والخشية من اللّه والإقبال عليه، والتضرع في استجابة الدعاء، قال رسول اللّه: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً نَصَبَ فِي قَلْبِهِ نَائِحَةً مِنَ الْحُزْنِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كُلَّ قَلْبٍ حَزِينٍ، وَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ إِلَى الضَّرْعِ، وَانَّه لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانٌ جَهَنَّمَ في منخري المؤمن أبداً، وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْداً جَعَلَ فِي قَلْبِهِ مِزْمَاراً مِنَ الضَّحِكِ وَإِنَّ الضَّحِكَ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ»(1).

تمجيد اللّه تعالى والثناء عليه والصلاة على النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم) والتباكي

7 -9 - وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «إِنْ خِفْتَ أَمْراً يَكُونُ أَوْ حَاجَةً تُرِيدُهَا فَابْدَأْ بِاللَّهِ وَمَجِّدْهُ وَأَثْنِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ (صلی اللّه علیه وآله وسلم) وَسَلْ حَاجَتَكَ وَتَبَاكَ وَلَوْ مِثْلَ رَأْسِ الذُّبَابِ إِنَّ أَبِي (عليه السلام) كَانَ يَقُولُ إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُالْعَبْدُ مِنَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ سَاجِدٌ بَاكٍ»(2) ومنه يستفاد:

ص: 23


1- عدة الداعي: ص168.
2- الكافي: ج2 ص483.

الشرط السابع: لأقربية الاستجابة: (تمجيد اللّه والثناء عليه). وقد ورد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إِذَا طَلَبَ أَحَدُكُمُ الْحَاجَةَ فَلْيُثْنِ عَلَى رَبِّهِ وَلْيَمْدَحْهُ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَبَ الْحَاجَةَ مِنَ السُّلْطَانِ هَيَّأَ لَهُ مِنَ الْكَلَامِ أَحْسَنَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِذَا طَلَبْتُمُ الْحَاجَةَ فَمَجِّدُوا اللَّهَ الْعَزِيزَ الْجَبَّارَ وَامْدَحُوهُ وَأَثْنُوا عَلَيْهِ، تَقُولُ: يَا أَجْوَدَ مَنْ أَعْطَى وَيَا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ يَا أَرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ يَا أَحَدُ يَا صَمَدُ، يَا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، يَا مَنْ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً، يَا مَنْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَيَقْضِي مَا أَحَبَّ يَا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ يَا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى يَا مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ، يَا سَمِيعُ يَا بَصِيرُ، وَأَكْثِرْ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ كَثِيرَةٌ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَقُلِ اللَّهُمَّ أَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الْحَلَالِ مَا أَكُفُّ بِهِ وَجْهِي، وَأُؤَدِّي بِهِ عَنْ أَمَانَتِي وَأَصِلُ بِهِ رَحِمِي وَيَكُونُ عَوْناً لِي فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ»(1).

وعن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «إِنَّ فِي كِتَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): إِنَّ الْمِدْحَةَ قَبْلَ الْمَسْأَلَةِ، فَإِذَا دَعَوْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَمَجِّدْهُ»، قُلْتُ: كَيْفَ أُمَجِّدُهُ؟ قَالَ (عليه السلام): «تَقُولُ: يَا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، يَا فَعَّالًا لِمَا يُرِيدُ، يَا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، يَا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى، يَا مَنْ هُوَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ»(2).

ص: 24


1- الكافي: ج2 ص485.
2- الكافي: ج2 ص484.

وقال السيد الوالد (رحمه اللّه): (ما ذكر في هذه الروايات من التمجيد من باب المثال، كما هو واضح)(1) أي إنهليس للحصر بل من باب التفسير بالمصداق.

الشرط الثامن: (الصلاة على النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم) وآله (عليهم السلام))(2) فقد ورد عن صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كُلُّ دُعَاءٍ يُدْعَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ مَحْجُوبٌ عَنِ السَّمَاءِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ»(3) وعن ابن القداح، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم): لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ فَإِنَّ الرَّاكِبَ يَمْلَأُ قَدَحَهُ فَيَشْرَبُهُ إِذَا شَاءَ، اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ وَ فِي آخِرِهِ وَفِي وَسَطِهِ»(4).

وقال السيد الوالد (رحمه اللّه): (أقول: لعل المراد أنكم إذا شئتم صليتم عليَّ وإذا لم تشاءوا لم تصلّوا كالقدح الذي يملأه الراكب

ص: 25


1- موسوعة الفقه - كتاب الآداب والسنن -: ج95/2 ص46 - 47.
2- لروايات عديدة أخرى، ك:عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ آبَائِهِ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّه علیه وآله وسلم): مَنْ صَلَّى عَلَيَ وَ لَمْ يُصَلِ عَلَى آلِي لَمْ يَجِدْ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ» (وسائل الشيعة: ج7 ص203). ولمسلمية قوله (صلی اللّه علیه وآله وسلم): «لا تصلوا عليَّ الصلاة البتراء» (الصواعق المحرقة: ص 88 / كشف الغمة للشعراني: ج 1 ص 194) وفيه: قال (صلی اللّه علیه وآله وسلم): «لا تصلوا على الصلاة البتراء تقولون (اللّهم صل على محمد) و تمسكون بل قولوا اللّهم صل على محمد و آل محمد. فقيل له و من أهلك يا رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم)؟ قال: «علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ». وغيرها من مصادر أهل العامة.
3- الكافي: ج2 ص493.
4- الكافي: ج2 ص492.

إذا شاء شرب منه، بل ليكن دعائكم منوطاً بذكري في أوله وآخره ووسطه، وإلا فلا يستجاب، فالاستجابة كالماء الذي عند الغير لا يعطي للطالب إلا إذا اعطاه ثمنه.

وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةٌ فَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ثُمَّ يَسْأَلُ حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَخْتِمُ بِالصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ اللَّهَعَزَّ وَجَلَّ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَقْبَلَ الطَّرَفَيْنِ وَيَدَعَ الْوَسَطَ، إِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ لَا تُحْجَبُ عَنْهُ»(1))(2).

الشرط التاسع: (التباكي)، وقد ورد عن اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أَكُونُ أَدْعُو فَأَشْتَهِي الْبُكَاءَ وَلَا يَجِيئُنِي وَرُبَّمَا ذَكَرْتُ بَعْضَ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي فَأَرِقُّ وَأَبْكِي، فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ (عليه السلام): «نَعَمْ، فَتَذَكَّرْهُمْ فَإِذَا رَقَقْتَ فَابْكِ وَادْعُ رَبَّكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»(3).

وعن عنبسة العابد قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «إِنْ لَمْ تَكُنْ(4) بِكَ بُكَاءٌ فَتَبَاكَ»(5).

ص: 26


1- الكافي: ج2 ص494.
2- موسوعة الفقه - كتاب الآداب والسنن -: ج95/2 ص56 - 57.
3- الكافي: ج2 ص483.
4- لعل التأنيث، إن كانت النسخة صحيحة، بلحاظ تقدير (حالة) أو شبهها أي إن لم تكن بك حالة البكاء.
5- الكافي: ج2 ص483.

وعن سعد بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إِنِّي أَتَبَاكَى فِي الدُّعَاءِ وَلَيْسَ لِي بُكَاءٌ؟ قَالَ (عليه السلام): «نَعَمْ وَلَوْ مِثْلَ رَأْسِ الذُّبَابِ»(1).

وقال السيد الوالد (رحمه اللّه): (أقول: ذكرنا سابقاً أن المتباكي شبيه بالباكي، ومن تشبّه بقوم فهو منهم، لأن معيار القلب أهم من معيار الجسد، قال سبحانه: (آثِمٌ قَلْبُه)(2) وقال تعالى: (إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَليمٍ)(3))(4).

وقد جُمعت هذه الثلاثة وهي تمجيد اللّه تعالى والصلاة على النبي وآله والتباكي في الرواية التالية: عنعلي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) لأبي بصير: «إِنْ خِفْتَ أَمْراً يَكُونُ أَوْ حَاجَةً تُرِيدُهَا فَابْدَأْ بِاللَّهِ وَمَجِّدْهُ وَأَثْنِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ (صلی اللّه علیه وآله وسلم) وَسَلْ حَاجَتَكَ وَتَبَاكَ وَلَوْ مِثْلَ رَأْسِ الذُّبَابِ، إِنَّ أَبِي (عليه السلام) كَانَ يَقُولُ: إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ سَاجِدٌ بَاكٍ»(5).

الدعاء والقلب غير قاسٍ

10 - وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً بِظَهْرِ قَلْبٍ قَاسٍ»(6) ويستفاد منه:

ص: 27


1- الكافي: ج2 ص483.
2- سورة البقرة: 283.
3- سورة الشعراء: 89.
4- موسوعة الفقه - كتاب الآداب والسنن -: ج95/2 ص41.
5- الكافي: ج2 ص483.
6- الكافي: ج2 ص474.

الشرط العاشر وهو: أن لا يكون قلب الداعي قاسياً عند الدعاء، وقساة القلوب هم الذين لا يَحِنّون على اليتامى والمرضى والعجزة والأطفال، ولا يرقّ قلبهم للمظلومين، ولا يبكون من خشية اللّه تعالى ولا يرحمون أهلهم أو جيرانهم أو تلامذتهم أو الموظفين لديهم أو لا يرحمون شعبهم، قال السيد الوالد (رحمه اللّه): (أقول: الصفات النفسية السيئة كالقسوة والحقد والنفاق والحسد وما أشبه تمنع استجابة الدعاء؛ فإنه لا يستجاب إلا مِن قلب نظيف، من باب المقتضي)(1).

وقد ورد عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) إنه قال: «إِنَّ رَجُلًا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ دَعَا اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ غُلَاماً، يَدْعُو ثَلَاثاً وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَلَمَّا رَأَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُجِيبُهُ قَالَ: يَا رَبِّ أَبَعِيدٌ أَنَا مِنْكَ فَلَا تَسْمَعُ مِنِّي أَمْ قَرِيبٌ أَنْتَ فَلَا تُجِيبُنِي؟! فَأَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ تَدْعُو اللَّهَ بِلِسَانٍ بَذِيٍّ وَقَلْبٍ غَلِقٍ عَاتٍ غَيْرِ نَقِيٍّ وَبِنِيَّةٍ غَيْرِ صَادِقَةٍفَاقْلَعْ مِنْ بَذَائِكَ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ قَلْبُكَ وَلْتَحْسُنْ نِيَّتُكَ. قَالَ: فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوُلِدَ لَهُ غُلَامٌ»(2).

تجنّب الذنوب بعد الدعاء

11 - وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إِنَّ الْعَبْدَ يَسْأَلُ اللَّهَ الْحَاجَةَ فَيَكُونُ مِنْ شَأْنِهِ قَضَاؤُهَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ أَوْ إِلَى وَقْتٍ بَطِي ءٍ

ص: 28


1- موسوعة الفقه - كتاب الآداب والسنن -: ج95/2 ص26.
2- قصص الأنبياء (عليهم السلام): ص181.

فَيُذْنِبُ الْعَبْدُ ذَنْباً فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْمَلَكِ لَا تَقْضِ حَاجَتَهُ وَاحْرِمْهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ تَعَرَّضَ لِسَخَطِي وَاسْتَوْجَبَ الْحِرْمَانَ مِنِّي»(1) ومنه يستفاد أن:

الشرط الحادي عشر وهو: عدم المعصية بعد الدعاء أصلاً، فإنه إن عصى استوجب غضب اللّه تعالى واستحق عدم الاستجابة، وذلك طبيعي ووجداني؛ ألا ترى إنك لو طلبت حاجة من أبيك أو من شيخ عشيرتك أو من مسؤول في الحكومة، ثم أهنته أو آذيته أو سرقت ماله أو ضربت أهله، فإنه لا وجه لأن تتوقع منه أن يقضي حاجتك؟! بل إن قضاء حاجته حينئذٍ خلاف الحكمة لأنه يزيده جرأة على الظلم والإيذاء، فعدم تلبية حاجته عقوبة وتأديب مطابق للحكمة.

ويلحق بهذا الشرط، بل قد نعتبره شرطاً آخر، الإقرار بالذنوب، والاستغفار منها؛ فعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَمَّنْ حَدَّثَه عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قُلْتُ: آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَطْلُبُهُمَا فَلَا أَجِدُهُمَا! قَالَ: «وَمَا هُمَا؟».

قُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فَنَدْعُوهُ وَلَا نَرَى إِجَابَةً، قَالَ: «أَفَتَرَى اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ أَخْلَفَ وَعْدَهُ؟».

قُلْتُ: لَا! قَالَ: «فَمِمَّ ذَلِكَ؟».

قُلْتُ: لَا أَدْرِي! قَالَ: «لَكِنِّي أُخْبِرُكَ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا أَمَرَهُ ثُمَّ دَعَاهُ مِنْ جِهَةِ الدُّعَاءِ أَجَابَهُ».

ص: 29


1- الكافي: ج2 ص271.

قُلْتُ: وَمَا جِهَةِ الدُّعَاءِ؟! قَالَ: «تَبْدَأُ فَتَحْمَدُ اللَّهَ وَتَذْكُرُ نِعَمَهُ عِنْدَكَ ثُمَّ تَشْكُرُهُ ثُمَّ تُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ (صلی اللّه علیه وآله وسلم) ثُمَّ تَذْكُرُ ذُنُوبَكَ فَتُقِرُّ بِهَا ثُمَّ تَسْتَعِيذُ مِنْهَا فَهَذَا جِهَةُ الدُّعَاءِ»، ثُمَّ قَالَ: «وَمَا الْآيَةُ الْأُخْرَى؟».

قُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) وَإِنِّي أُنْفِقُ وَلَا أَرَى خَلَفاً! قَالَ: «أَفَتَرَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْلَفَ وَعْدَهُ؟».

قُلْتُ: لَا! قَالَ: «فَمِمَّ ذَلِكَ؟».

قُلْتُ: لَا أَدْرِي! قَالَ: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمُ اكْتَسَبَ الْمَالَ مِنْ حِلِّهِ وَأَنْفَقَهُ فِي حِلِّهِ لَمْ يُنْفِقْ دِرْهَماً إِلَّا أُخْلِفَ عَلَيْهِ»(1).

وفي رواية أخرى: قَالَ: قُلْتُ: وَمَا جِهَةُ الدُّعَاءِ؟! قَالَ: «إِذَا أَدَّيْتَ الْفَرِيضَةَ مَجَّدْتَ اللَّهَ وَعَظَّمْتَهُ وَتَمْدَحُهُ بِكُلِّ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ وَتُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ وَتَجْتَهِدُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَشْهَدُ لَهُ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَتُصَلِّي عَلَى أَئِمَّةِ الْهُدَى (عليهم السلام) ثُمَّ تَذْكُرُ بَعْدَ التَّحْمِيدِ لِلَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ (صلی اللّه علیه وآله وسلم) مَا أَبْلَاكَ وَأَوْلَاكَ وَتَذْكُرُ نِعَمَهُ عِنْدَكَ وَعَلَيْكَ وَمَا صَنَعَ بِكَ فَتَحْمَدُهُ وَتَشْكُرُهُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ تَعْتَرِفُ بِذُنُوبِكَ ذَنْبٍ ذَنْبٍ وَتُقِرُّ بِهَا أَوْ بِمَا ذَكَرْتَ مِنْهَا وَتُجْمِلُ مَا خَفِيَ عَلَيْكَ مِنْهَا فَتَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ جَمِيعِ مَعَاصِيكَ وَأَنْتَ تَنْوِي أَنْ لَا تَعُودَ وَتَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا بِنَدَامَةٍ وَصِدْقِ نِيَّةٍ وَخَوْفٍ وَرَجَاءٍ وَيَكُونُ

ص: 30


1- الكافي: ج2 ص486.

مِنْ قَوْلِكَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِي وَأَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ فَأَعِنِّي عَلَى طَاعَتِكَ وَوَفِّقْنِي لِمَا أَوْجَبْتَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ مَا يُرْضِيكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَحَداً بَلَغَ شَيْئاًمِنْ طَاعَتِكَ إِلَّا بِنِعْمَتِكَ عَلَيْهِ قَبْلَ طَاعَتِكَ فَأَنْعِمْ عَلَيَّ بِنِعْمَةٍ أَنَالُ بِهَا رِضْوَانَكَ وَالْجَنَّةَ ثُمَّ تَسْأَلُ بَعْدَ ذَلِكَ حَاجَتَكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ لَا يُخَيِّبَكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى»(1).

تطييب المطعم وما يكسبه

12 - وعن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم) «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْتَجَابَ دُعَاؤُهُ فَلْيُطَيِّبْ مَطْعَمَهُ وَمَكْسَبَهُ»(2) ومنه يستفاد:

الشرط الثاني عشر وهو: أن يكون طعامه حلالاً وأن يكون كسبه من الحلال، لا من رشوة أو سرقة أو غصب أو اختلاس أو غش أو ربا أو احتكار أو شبه ذلك.

تعميم الدعاء للمؤمنين كافة

13 - وقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم): «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعُمَّ فَإِنَّهُ أَوْجَبُ لِلدُّعَاءِ»(3) ومنه يستفاد:

الشرط الثالث عشر: الدعاء لعموم المؤمنين فإنه من شروط أقربية استجابة الدعاء مما لو دعى لنفسه فقط، واللطيف أن الإنسان إذا سحق أنانيته وأهتم بالآخرين أكثر، منحه اللّه من عطاياه أكثر

ص: 31


1- فلاح السائل: ص38.
2- عدة الداعي: ص139.
3- الكافي: ج2 ص487.

فأكثر، وبالعكس كلما ازداد أنانيةً، ازداد حرماناً وبُعداً عن اللّه تعالى وعن الناس وعن الكمال وعن أهدافه الدنيوية أو الأخروية، ومن مصاديق تعميم الدعاء أن يدعو الإنسان لجيرانه، ورد: (عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن فاطمة الصغرى عن الحسين بن علي عن أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): «قَالَ رَأَيْتُ أُمِّي فَاطِمَةَ (عليها السلام) قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا لَيْلَةَ جُمُعَتِهَا فَلَمْ تَزَلْرَاكِعَةً سَاجِدَةً حَتَّى اتَّضَحَ عَمُودُ الصُّبْحِ وَ سَمِعْتُهَا تَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَتُسَمِّيهِمْ وَتُكْثِرُ الدُّعَاءَ لَهُمْ وَ لَا تَدْعُو لِنَفْسِهَا بِشَيْ ءٍ! فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّاهْ لِمَ لَا تَدْعِينَ لِنَفْسِكِ كَمَا تَدْعِينَ لِغَيْرِكِ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ الْجَارُ ثُمَّ الدَّارُ»(1).

وقد قال تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصيبٌ مِنْها وَ مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ مُقيتا)(2)، ويمكن أن يستفاد من هذه الآية أن الذي يدعو ظلماً على الغير يصاب بالسوء الذي دعا به غيره.

كثرة الدعاء في الرخاء

14 - وقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ فِي الشِّدَّةِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ»(3) ومنه يستفاد:

ص: 32


1- علل الشرائع: ص181.
2- سورة النساء: 85.
3- الكافي: ج2 ص472.

الشرط الرابع عشر: كثرة الدعاء في الرخاء، ليستجاب للداعي إذا مسه البلاء والضراء، والمشكلة أننا لا ندعوا إلا عند البلاء عادة، أو إذا دعونا في الرخاء كانت دعواتنا قليلة، متراخية وغير متناسبة مع عظيم نِعمَ اللّه وفضله علينا أبداً. وتؤكد ذلك روايات أخرى أيضاً فعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «مَنْ تَقَدَّمَ فِي الدُّعَاءِ اسْتُجِيبَ لَهُ إِذَا نَزَلَ بِهِ الْبَلَاءُ، وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: صَوْتٌ مَعْرُوفٌ وَلَمْ يُحْجَبْ عَنِ السَّمَاءِ، وَمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ إِذَا نَزَلَ بِهِ الْبَلَاءُ وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: إِنَّ ذَا الصَّوْتَ لَا نَعْرِفُهُ»(1).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إِنَّ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ يَسْتَخْرِجُ الْحَوَائِجَ فِي الْبَلَاءِ»(2).

15- 17 - وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كَانَ أَبِي إِذَا طَلَبَ الْحَاجَةَ طَلَبَهَا عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ قَدَّمَ شَيْئاً فَتَصَدَّقَ بِهِ وَشَمَّ شَيْئاً مِنْ طِيبٍ وَرَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَدَعَا فِي حَاجَتِهِ بِمَا شَاءَ اللَّهُ»(3) ومنه يستفاد:

الصدقة قبل الدعاء

الشرط الخامس عشر: الصدقة قبل الدعاء؛ فإن الدعاء أقرب للإجابة إذا تصدقت أولاً.

ص: 33


1- الكافي: ج2 ص472.
2- الكافي: ج2 ص472.
3- الكافي: ج2 ص477.

طلب الحاجة عند زوال الشمس

الشرط السادس عشر: طلب الحاجة عند زوال الشمس (لأنه الوقت الذي تفتح فيه أبواب السماء بالرحمة)، وهذا الشرط هو على سبيل البدل مع بعض الشروط الأخرى ككون الدعاء وقت السَّحَر، وكذا حال بعض الشروط الأخرى.

الدعاء في المسجد مع الطيب

الشرط السابع عشر: الدعاء في المسجد وأنت متطيب، ولعل من وجوه الحكمة في تأثير التطيب أنه يؤثر في انشراح النفس وفي التفاؤل، فيزداد ثقة وأملاً بإجابة اللّه تعالى لدعائه فيكون أقرب للاستجابة، ولعل من وجوهه أنه يؤثر في حسن خلق الإنسان، وكلما حسنت أخلاق الإنسان كان أقرب لله تعالى وأقرب للناس بل ربما سبّب ذلك تمشية أموره نتيجةً لتوثّق علاقة الناس به، وهذا مع قطع النظر عن الأثر الغيبي لذلك.

الصبر وعدم اليأس والقنوط

18 - وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ بِخَيْرٍ وَرَجَاءٍ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ فَيَقْنَطَ وَيَتْرُكَ الدُّعَاءَ قُلْتُ لَهُ كَيْفَ يَسْتَعْجِلُ؟ قَالَ: يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَمَا أَرَى الْإِجَابَةَ»(1) ومنه يستفاد:

ص: 34


1- الكافي: ج2 ص290.

الشرط الثامن عشر: (الصبر) فإن الصبر من شروط استجابة الدعاء، وبوجه آخر يعني: إن استجابة الدعاء مضمونة ولو بعد حين.

اقتران الدعاء بالعمل بالأسباب

19 - وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «الدَّاعِي بِلَا عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلَا وَتَرٍ»(1) ومنه يستفاد:

الشرط التاسع عشر وهو: (العمل) أي أن لا يكتفي بالدعاء عن العمل بل عليه الأخذ بالأسباب الظاهرية والدعاء أيضاً. وقد ورد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) إنه قال: «أَرْبَعَةٌ لَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ:

دَعْوَةٌ الرَّجُلُ وَهو جَالِسٌ فِي بَيْتِهِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي فَيُقَالُ لَهُ: أَلَمْ آمُرْكَ بِالطَّلَبِ؟

وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَدَعَا عَلَيْهَا فَيُقَالُ لَهُ: أَلَمْ أَجْعَلْ أَمْرَهَا إِلَيْكَ؟

وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ مَالٌ فَأَفْسَدَهُ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي! فَيُقَالُ لَهُ: أَلَمْ آمُرْكَ بِالِاقْتِصَادِ أَلَمْ آمُرْكَ بِالْإِصْلَاحِ؟ ثُمَّ قَالَ: (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً)(2)

وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ مَالٌ فَأَدَانَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. فَيُقَالُ لَهُ: أَلَمْ آمُرْكَ

ص: 35


1- نهج البلاغة: باب حكم أمير المؤمنين (عليه السلام) الحكمة: 337.
2- سورة الفرقان: 67.

بِالشَّهَادَةِ؟»(1).

والمشكلة أننا نقصّر ونهمل الأسباب التي أمر اللّه تعالى بالأخذ بها، ثم ندعوا ونتوقع الإجابة ونعتب على اللّه تعالى إذا لم يستجب! وقد قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم): «اعْقِلْ وتَوَكَّلْ»(2) وفي الآية الشريفة: (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً)(3).

الإحسان للآخرين، مع الدعاء

20 - كما قال تعالى: (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَريبٌ مِنَ الْمُحْسِنينَ)(4) ولعله يستفاد منه:

الشرط العشرون: وهو الإحسان إلى الناس، فإنه يوجب أقربية الدعاء للاستجابة فإن استجابة الأدعية هي من رحمة اللّه و(إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَريبٌ مِنَ الْمُحْسِنينَ).

الإلحاح في الدعاء

21 - وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّه علیه وآله وسلم): رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً طَلَبَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةً فَأَلَحَّ فِي الدُّعَاءِ اسْتُجِيبَ لَهُ أَوْ لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: (وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى -

ص: 36


1- عوالي اللئالي: ج4 ص22.
2- عوالي اللئالي: ج1 ص75.
3- سورة الكهف: 89.
4- سورة الأعراف: 56.

أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا)(1) »(2) ومنه يستفاد:

الشرط الحادي والعشرون: الإلحاح في الدعاء وهو شرط من شروط الاستجابة في كثير من الأحيان، فإن لميستجب له فرضاً رغم إلحاحه فذلك لأجل ان يتفضل اللّه تعالى عليه بحسن العاقبة مثلاً، أي انه لو لم يلحّ في الدعاء لحاجاته، لكان سيموت كافراً، لكن اللّه لم يقضِ حاجته ليستمر في الدعاء ليمنّ جل اسمه عليه بتغيير مصيره إلى حسن العاقبة.

اليأس عما في أيدي الناس، ودعاء الغريق

22 - 23 - وقد ورد عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ لَا يَسْأَلَ رَبَّهُ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ فَلْيَيْأَسْ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَلَا يَكُونُ لَهُ رَجَاءٌ إِلَّا عِنْدَ اللَّهِ، فَإِذَا عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِهِ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ»(3) وفي (عدة الداعي) قال: «وَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى عِيسَى (عليه السلام) ادْعُنِي دُعَاءَ الْحَزِينِ الْغَرِيقِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُغِيثٌ، يَا عِيسَى سَلْنِي وَلَا تَسْأَلْ غَيْرِي فَيَحْسُنَ مِنْكَ الدُّعَاءُ وَمِنِّي الْإِجَابَةُ الْحَدِيثَ»(4) ومنه يستفاد:

الشرطان الثاني والثالث والعشرون وهما: اليأس عما في أيدي

ص: 37


1- سورة مريم: 48.
2- الكافي: ج2 ص475.
3- الكافي: ج2 ص148.
4- عدة الداعي: ص134.

الناس، والدعاء دعاء الحزين الغريق.

العمل بالقرآن الكريم

24 - وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «اللَّهَ اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ لَا يَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ»(1) وقال (عليه السلام): «أَنَّكُمْ قَرَأْتُمْ كِتَابَهُ الْمُنْزَلَ عَلَيْكُمْ فَلَمْ تَعْمَلُوا بِهِ وَقُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ثُمَّ خَالَفْتُمْ»(2) ومنه يستفاد:

الشرط الرابع والعشرون وهو: العمل بالقرآن الكريم كله بكافة تعاليمه ودساتيره وقوانينه. وقال تعالى من قبل: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(3) وقال: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْييكُمْ)(4) وقال: (وَالَّذينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحينَ)(5).

التوسل بالنبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم) وإمام الزمان (عليه السلام) ودعاؤهم للداعي

25 - قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسيلَةَ وَجاهِدُوا في سَبيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(6) وقال جل اسمه:

ص: 38


1- نهج البلاغة: باب المختار من كتب ووصايا أمير المؤمنين (عليه السلام)، من وصية له (عليه السلام) للحسن والحسين 3 لما ضربه ابن ملجم، الوصية: 47.
2- أعلام الدين: ص269.
3- سورة الأعراف: 96.
4- سورة الأنفال: 24.
5- سورة الأعراف: 170.
6- سورة المائدة: 35.

(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحيماً)(1) وورد في الزيارة: «أَنَا سَائِلُكُمْ وَآمِلُكُمْ فِيمَا إِلَيْكُمْ فِيهِ التَّفْوِيضُ وَعَلَيْكُمُ التَّعْوِيضُ فَبِكُمْ يُجْبَرُ الْمَهِيضُ وَيُشْفَى الْمَرِيضُ وَعِنْدَكُمْ مَا تَزْدَادُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَغِيضُ»(2) و«اللَّهُمَّ الْمُمْ بِهِ شَعْثَنَا وَاشْعَبْ بِهِ صَدْعَنَا وَارْتُقْ بِهِ فَتْقَنَا وَكَثِّرْ بِهِ قِلَّتَنَا وَأَعِزَّ بِهِ ذِلَّتَنَا وَأَغْنِ بِهِ عَائِلَنَا وَاقْضِ بِهِ عَنْ مَغْرَمِنَا وَاجْبُرْ بِهِ فَقْرَنَا وَسُدَّ بِهِ خَلَّتَنَا وَيَسِّرْ بِهِ عُسْرَنَا وَبَيِّضْ بِهِ وُجُوهَنَا وَفُكَّ بِهِ أَسْرَنَا وَأَنْجِحْ بِهِ طَلِبَتَنَا وَأَنْجِزْ بِهِ مَوَاعِيدَنَا وَاسْتَجِبْ بِهِ دَعْوَتَنَا وَأَعْطِنَا بِهِ فَوْقَ رَغْبَتِنَا.

يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ وَأَوْسَعَ الْمُعْطِينَ اشْفِ بِهِ صُدُورَنَا وَأَذْهِبْ بِهِ غَيْظَ قُلُوبِنَا وَاهْدِنَا بِهِ لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍوَانْصُرْنَا عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّنَا إِلَهَ الْحَقِّ آمِينَ»(3).

و«أَشْهَدُ أَنَّكَ الْإِمَامُ الْمَهْدِيُّ قَوْلًا وَفِعْلًا وَأَنَّكَ الَّذِي تَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلًا فَعَجَّلَ اللَّهُ فَرَجَكَ وَسَهَّلَ مَخْرَجَكَ وَقَرَّبَ زَمَانَكَ وَأَكْثَرَ أَنْصَارَكَ وَأَعْوَانَكَ وَأَنْجَزَ لَكَ مَوْعِدَكَ وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ يَا مَوْلَايَ حَاجَتِي كَذَا وَكَذَا فَاشْفَعْ لِي فِي

ص: 39


1- سورة النساء: 64.
2- مصباح المتهجد: ص821.
3- تهذيب الأحكام: ج3 ص110.

نَجَاحِهَا، وَتَدْعُو بِمَا أَحْبَبْتَ»(1).

تنبيهات هامة

آداب استجابة الدعاء هي شروط أيضاً

التنبيه الأول: قال بعض العلماء: إن هنالك شروطاً لاستجابة الدعاء وهناك آداب، وبعض المذكورات في الروايات، كالتطيب مثلاً، آداب وليست شروطاً، ولكن قد يقال إن الآداب شروط، لكن الشروط على قسمين:

الأول: شروط أصل الاستجابة، الثاني: شروط أقربية الاستجابة.

والآداب هي مما توجب أقربية الاستجابة - بالمعنى الآتي في التنبيه الآتي من الأقربية الكميّة أو من كون الشرط شرط كمال الاستجابة وتمامها أو شرط فوريتها بدل تراخيها -، وإن لم يتوقف عليها أصل الاستجابة، وبوجه آخر: إن (الآداب شروط مخففة) إذ الشرط تارة شرط يتوقف عليه - أي على تحققه مع تحقق المقتضي - تحقق المعلول حتماً، وأخرى شرط ترجيحي، بمعنى أن المولى وإن اشترطه إلا أنه قد يتخلى عنه ببساطة نسبية،ويوضحه ما نجده بالوجدان من أننا قد نشترط لزيادة راتب موظفنا أو لإعطاء هدية لطفلنا أن يفعل كذا، فإذا توسّل بنا أو توسط لدينا صديق أو شفعت له أمه مثلاً منحناه الهدية أو زيادة في الراتب بدون عمله

ص: 40


1- بحار الأنوا:ر ج91 ص31.

بالشرط؛ بعبارة أخرى: ان الشرط الحقيقي فكيف بالشرط الاعتباري فقد لا يكون له بديل حتى التوسل والشفاعة مثلاً، يكون له بديل أو يكون في نظر المولى كذلك، ويعود الأمر إلى تزاحم مقتضى ذلك الشرط مع تلك الشفاعة أو التوسل في عالم الجعل لا المجعول، وقد يقال بأن الجامع حينئذٍ هو الشرط، أو أنها شرائط على سبيل البدل، فتأمل.

وقد يقال: إن الآداب على قسمين: فمنها ما يرجع إلى كونها شروطاً - كما سبق - ومنها ما حبّذ الشارع إليه ليزداد العبد قرباً إلى اللّه تعالى بالالتزام به، أو يزداد ثواباً، وإن لم يكن ذا مدخلية في أقربية الاستجابة، والمرجع لسان الأدلة ومناسبات الحكم والموضوع، وقد يقود في ذلك إلى التفصيل في الآداب وأنها على نحوين، مما يستدعي التدبر في كل دليلٍ دليل، واللّه العالم.

الشرط إما شرط لأصل استجابة الدعاء أو شرط لأقربية الاستجابة

التنبيه الثاني: إن الشرط قد يكون شرطاً لأصل استجابة الدعاء، بمعنى أنه لا يستجاب الدعاء بدونه أبداً، وقد يكون شرطاً لأقربية الدعاء للاستجابة لا لأصله، وللأقربية معنيان ثبوتي وإثباتي: أما المعنى الثبوتي فبوجوه:

المعاني الثلاثة لأقربية الاستجابة

الأول: أن تزداد درجة الاستجابة أو تقل حسب توفر ذلك

ص: 41

الشرط وعدمه، فمثلاً: من التزم بهذا الشرط فإن 70(عليهم السلام) من أدعيته تستجاب ومن لم يلتزم فإن 30(عليهم السلام) من أدعيته تستجاب.

الثاني: أو يكون الالتزام بهذا الشرط سبباً لسرعة الاستجابة.

الثالث: أو يكون الالتزام بالشرط سبباً لأتمية الاستجابة، فمثلاً إذا طلب أن يقضي اللّه دينه - وهو مليون مثلاً - فإذا التزم بالشروط قضى اللّه تعالى دينه كله، وإلا قضى بعضه أي أجابه في الجملة وبحدٍّ ما وليس كاملاً.

ولعل ذلك مما يفسّر الشفاء النسبي لبعض الأمراض، فإن بعض الناس يدعو فيشفى كاملاً وبعضهم يدعو فتزول عنه شدة المرض وتبقى درجة منه، وكما يفسّر الاستجابة النسبية أحياناً لدفع العدو، فقد يدعو فيرتفع شرّ عدوه عنه بالكامل بل قد يتحول إلى صديق، وقد يدعو فتقلّ ضراوة عداوة عدوه له وتقل اعتداءاته عليه، ولا ينفي صحةَ ذلك وتحققه، أن الاستجابة النسبية للدعاء قد تكون لأجل أسباب أخرى كالامتحان مثلاً، فان كليهما ممكن وواقع.

والفرق بين الوجوه الثلاثة: إن الوجه الأول بلحاظ الكمّ المنفصل، والوجه الثاني بلحاظ الكمّ المتصل غير القارّ (الزمان) والوجه الثالث بلحاظ الكيف.

وأما معنى الأقربية للاستجابة الإثباتي فهو: ازدياد درجة

ص: 42

احتمال الاستجابة، لدى الداعي كلما عمل بالشروط والتزم بها، وهو فرع الوجه الثبوتي(1) على أنه وجدانيإذ كلما أزداد العبد التزاماً بشروط المولى ازداد أملاً وثقة بتلبيته لحاجاته، ولهذا العامل الإثباتي تأثير بوجهٍ على عامل الثبوتي وهو أنه كلما ازداد أملاً بالمولى ازداد المولى به لطفاً وكان أقرب حينئذٍ لاستجابة دعائه.

اجتماع الشروط نادر، فتندر الاستجابة!

التنبيه الثالث: إنه قد يعترض بأن اجتماع هذه الشروط كلها، نادر؛ إذ يندر أن يوجد داعٍ يعمل بالقرآن الكريم كله (وهو الشرط الرابع والعشرون) وقليل من لا يعصى اللّه تعالى بعد الدعاء ولا يكون قلبه قاسياً ولا ساهياً، ولا...!

ف: أ - كاشتراط كل تلك الشروط مما يدعو لليأس من إجابة الدعوات لعامة الناس!

ب - وبوجه آخر: إننا نجد وجداناً، استجابة كثير من الدعوات رغم عدم توفر بضع تلك الشروط؟

الجواب: الاستجابة مع اجتماع الشروط حقٌ، ومع عدمها فضلٌ

والجواب: ليس الأمر على ما تُوهم في (أ) ولا وجه لليأس؛ إذ اجتماع هذه الشروط (وغيرها مما لم نذكره) يوجب، حتمية استجابة الأدعية، بعد إذن اللّه تعالى ومشيئته، وأما بدون تحقق

ص: 43


1- نعم قد لا يتفرع عليه، وفي وهمه - نظراً لجهله - بل قد يتعاكسان، في تصوره، فتدبر.

بعضها، فالدعاء مجرد مقتضٍ، كما سبق في الجواب الأول والثاني، وكثيراً ما يستجاب بفضل اللّه تعالى أو بالشفاعة - وهي من فضله - وشبه ذلك، نعم كلما توفر شرط من الشروط كان الاقتضاء أقوى فأقوى والتأثير أكبر فأكبر.

وبعبارة أخرى: استجابة الدعاء بدون بعض هذه الشروط (فضلٌ من اللّه تعالى) وفضله مأمول (دائماً) كماأنه كثير، فإنه جواد واسع - وبه يظهر الجواب عن (ب) أيضاً -، وقال تعالى: (وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَليماً)(1)، كما قال: (وَرَحْمَتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ)(2) وأما حتميتها ف(فَسَأَكْتُبُها لِلَّذينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ)(3). إن لم نقل باختصاص كتابتها لهم بعالم الآخرة(4).

وأما مع تحقق الشروط فهو أشبه ب(الاستحقاق) وإن كان الاستحقاق، في جوهره مما يعود إلى فضل اللّه تعالى أيضاً، لدى

ص: 44


1- سورة النساء: 32.
2- سورة الأعراف: 156.
3- سورة الأعراف: 156.
4- إذ يحتمل في تفسيرها وجوه: الأول: إن رحمته تعالى وسعت في الدنيا البر والفاجر، وهي في الآخرة خاصة بالمتقين. الثاني:إنها وسعت كل شيء لكن لا تجب - حتى في الدنيا - إلا للمتقين، وأما الكافر فهو تسعه رحمة اللّه في الدنيا ببركة المؤمن. الثالث: إنها تسع كل شيء إن دخلوها، لكن منهم من لا يدخلها لضلالته. فراجع تفسير مجمع البيان.

التحقيق، وذلك كالفرق بين الملتزم بالطاعات والمتجنب للمعاصي الذي (يستحق) على اللّه الجنة مع أن (استحقاقه) يعود في واقعه إلى فضله تعالى - إذ إن كل ما نفعله ونقوم به من عبادات وطاعات وخيرات ومبرّات فإنه من فضله وتوفيقه بل إنها كلها لا تشكّل أداء لجزء يسير من حقه فكيف (نستحق) عليه الجنة بفعلنا ما هو ليس في واقعه إلا أداء لبعض حقه! -.

نعم (نستحق) بأداء حق العبودية الوقاية من النار ودفع العذاب أما (الجنة) فلا مجال لدعوى الاستحقاق فيها أصلاً.

ولإيضاح ما سبق أكثر نقول:

التحرك باتجاهين

تنبيه: إن توفر كل شرط من هذه الشروط يزيد درجة أقربية الاستجابة للدعاء، بمرحلةٍ أو مراحل، وقد يتفضل اللّه تعالى على عبده بقضاء حوائجه حتى مع عدم توفر بعض الشروط فيهم، وذلك يدعونا للحركة باتجاهين في وقت واحد:

الاتجاه الأول: محاولة توفير كل الشروط السابقة في أنفسنا.

الاتجاه الثاني: الدعاء ونحن في مسيرة استكمال الشروط، أي ان لا نيأس من الاستجابة مادامت بعض الشروط غير متوفرة فينا، بل علينا أن ندعوا اللّه تعالى مهما كانت نواقصنا عظيمة ومعايبنا جسيمة وجرائرنا كبيرة، فإن الدعاء عبادة، في حدّ ذاته وهو يوجب غفران الذنوب بنفسه، كما أن فضل اللّه قد يشمل عبده فيمنّ عليه

ص: 45

باستجابة دعائه رغم بعض نواقصه وعدم توفر بعض الشروط فيه.

ومن فضل اللّه تعالى أن جعل لنا شفعاء وكثيراً ما تقضى الحاجات بسبب وساطتهم (عليهم السلام) رغم عدم استحقاق العبد إذ (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسيلَةَ)(1) وعلينا في الوقت نفسه تزكية أنفسنا والتحرك بعزم وثبات لنتحلى بكل تلك المواصفات والشروط الحسنة الرائعة الآنفة الذكر.. «اللّهم غيّر سوء حالنا بحسن حالك» آمين رب العالمين.

وسيأتي ذكر موانع ثمانية عن استجابة الدعاء، وهي كلها على سبيل المثال لا الحصر.

الأمل برحمة اللّه الواسعة

وبعبارة أخرى: إن وجود كل تلك الشروط لاستجابة الدعاء مما لا ريب فيه، إلا أنه لا ينفي (الأمل) بلطف اللّه تعالى رغم ذلك بمعنى أن من لم يتوفر فيه بعض شروط استجابة الدعاء، فعليه أن لا ييأس من الاستجابة، بل عليه أن يدعو كما عليه أن يسعى لتوفير شروط الاستجابة، ولا يعني عدم توفر بعض الشروط عدم الاستجابة بوجه مطلق؛ وذلك لأن فضل اللّه تعالى ورحمته الواسعة قد تقتضي الاستجابة حتى مع فقد بعض الشروط وقد قال تعالى: (وَرَحْمَتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ) نعم حتميتها هي لجامعي الشرائط كما قال: (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذينَ

ص: 46


1- سورة المائدة: 35.

هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ)(1) كما ورد في الحديث: «كُنْ لِمَا لَا تَرْجُو أَرْجَى مِنْكَ لِمَا تَرْجُو فَإِنَّ مُوسَى (عليه السلام) ذَهَبَ لِيَقْتَبِسَ لِأَهْلِهِ نَاراً فَانْصَرَفَ إِلَيْهِمْ وَهُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ»(2) فحتى لو لم ترجُ الإجابة، لِمَا بِكَ من نواقص، فادع اللّه مع ذلك وتوجّه إلى زيارة الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) وتوسل بهم إذ (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسيلَةَ)(3) وكما ورد:

وكَم للّه مِن لُطفٍ خَفِيِّ *** يَدِقُّ خِفاهُ عَن فَهمِ الذَّكِيِّ

وكَم أمرٍ تُساءُ بِهِ صَباحا *** وتَأتيكَ المَسَرَّةُ بِالعَشِيِّ

كما أن لله تعالى الأمر من قبل ومن بعد وهو فعّال لما يشاء ولا ريب في صحة البداء، إلا أن الأصل كما سبق هو السعي لتوفير شروط استجابة الدعاء. وقد ورد عن أبي ولاد قال: قال أبو الحسن موسى (عليه السلام): «عَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ فَإِنَّ الدُّعَاءَ لِلَّهِ، وَالطَّلَبَ إِلَى اللَّهِ يَرُدُّ الْبَلَاءَ وَقَدْقُدِّرَ وَقُضِيَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا إِمْضَاؤُهُ، فَإِذَا دُعِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَسُئِلَ صُرِفَ الْبَلَاءُ صَرْفَةً»(4)، وقال السيد الوالد (رحمه اللّه): (أقول: "قدر" بأن يموت زيد مثلاً، وأمر عزرائيل قضاءً بأن يميته، لكن الدعاء يردهما، لأنه نوع آخر من القضاء والقدر حاكم على النوع الأول، فالمقدّر أولاً بدون الدعاء وثانياً بالدعاء، نظير كون

ص: 47


1- سورة الأعراف: 156.
2- الكافي: ج5 ص83.
3- سورة المائدة: 35.
4- الكافي: ج2 ص470.

المقدّر أولاً عدم الولد لمن لم يتزوج، وثانياً: الولد إذا تزوج و"الإمضاء" هو الحكم النهائي الذي يأتي بعد الأول، إن لم يكن ثاني وبعد الثاني إن كان)(1).

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: «إِنَّ الدُّعَاءَ وَالْبَلَاءَ لَيَتَرَافَقَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ الدُّعَاءَ لَيَرُدُّ الْبَلَاءَ وَقَدْ أُبْرِمَ إِبْرَاماً»(2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إِنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ الْقَضَاءَ وَقَدْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، وَقَدْ أُبْرِمَ إِبْرَاماً»(3).

عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إِنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ الْقَضَاءَ يَنْقُضُهُ كَمَا يُنْقَضُ السِّلْكُ وَقَدْ أُبْرِمَ إِبْرَاماً»(4).

عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: «إِنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ مَا قَدْ قُدِّرَ وَمَا لَمْ يُقَدَّرْ»، قُلْتُ: وَمَا قَدْ قُدِّرَ عَرَفْتُهُ فَمَا لَمْ يُقَدَّرْ؟ قَالَ: «حَتَّى لَا يَكُونَ»(5).

قال الوالد (رحمه اللّه): (أقول: أي له فائدة الدفع، وفائدةالرفع)(6).

ص: 48


1- موسوعة الفقه - كتاب الآداب والسنن -: ج95/2 ص14.
2- الكافي: ج2 ص469.
3- الكافي: ج2 ص469.
4- الكافي: ج2 ص469.
5- الكافي: ج2 ص469.
6- موسوعة الفقه - كتاب الآداب والسنن -: ج95/2 ص14.

وإذا كان ذلك كله كذلك، وهو كذلك، فما بالك بالدعاء تحت القبة الشريفة، فإنه يوجب أقربية الاستجابة للأدعية بدرجات كبيرة جداً كما سيظهر من الروايات القادمة وغيرها. هذا.

الشروط الكثيرة توجب استثناء الأكثر من (أَسْتَجِبْ لَكُمْ)

التنبيه الرابع: إنه قد يعترض على شرطية مجموع تلك الشروط أو على شرطية بعضها خاصة، كالشرط الرابع والعشرين، إن اشتراطها يوجب استثناء الأكثر إذ: (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(1) لكن الشروط المذكورة توجب ندرة استجابة الأدعية واستثناء الأكثر قبيح!

أجوبة أربعة

ويمكن الجواب بوجوه، بين ما سبق ضمناً ذِكره، وما سنضيفه:

فضل اللّه يوجب الإجابة كثيراً رغم فقد بعض الشروط

الجواب الأول: ما سبق من أنها وإن كانت شروطاً لاستجابة الدعاء، لكن فضل اللّه ورحمته الواسعة كثيراً ما تشمل العبد فيستجاب دعاؤه وإن لم تتوفر فيه بعض الشروط، فلا يلزم استثناء الأكثر، غاية الأمر أن يتغير وجه الاستجابة للدعاء من أن يكون باستحقاق الداعي إلى أن يكون محض فضل اللّه تعالى، بعبارة أخرى:

ص: 49


1- سورة غافر: 60.

إنه وإن لم يستجب له، من حيث فقده للشرائط، لكنه يستجاب له من حيث فضل اللّه (ومنه الشفاعة)، والجزاء في الآية الكريمة:(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ) هو فعلية الاستجابة ولا كلام في الآية عن جهة الاستجابة وكونها الاستحقاق أو الفضل، أو فقل: لا كلام فيها عن عِلّية الدعاء في حد ذاته للاستجابة بل قد يكون بضميمة مزيد فضل اللّه تعالى عليه، هو العِلّة.

الاستجابة أكثرية أو دائمية بنحو آخر أو في زمن آخر

الجواب الثاني: ما سبق من أن الاستجابة قد تكون بنحو آخر أو في زمن آخر(1)، وبذلك يكون الجزاء قد تحقق وهو: (أَسْتَجِبْ لَكُمْ)؛ وبعبارة أصولية: تلك الروايات حاكمة أي هي ناظرة إليها ومفسرة للآية الكريمة وهي إذ تفسر كيفية الاستجابة، وبذلك يظهر أنه لا تخصيص بل هي حكومة، والمآل وإن كان واحداً من حيث النتيجة الخارجية إلا أن اختلاف لسان الحكومة عن لسان التخصيص، يخرجه بتنزيل وبنحو الحقيقة الادعائية عن كونه إخراجاً للأكثر، فتدبر(2).

الروايات منقّحة لموضوع الآية

الجواب الثالث: إن العديد من تلك الروايات منقّحة لموضوع الآية الشريفة إذ الآية تصرح ب(ادْعُوني) والذي دعى وهو ساهٍ أو

ص: 50


1- راجع الجواب الثالث.
2- وأما ضعف الرواية أو إرسالها فسيأتي الجواب عنه في التنبيه الخامس.

وقد علّق قلبه بالناس، لم يدعُ اللّه حقاً، أو هي منقحة للشرط في الآية الأخرى: (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنِّي فَإِنِّي قَريبٌ أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ)(1) فلاحظ اشتراطه تعالى (إِذا دَعانِ) والعديد من تلك الروايات تنقح كونه دعا اللّه حقاً أم دعا غيره.

ومرجع هذا أيضاً إلى الحكومة بوجه آخر..

لا إطلاق لقبح استثناء الأكثر

الجواب الرابع: إن استثناء الأكثر ليس قبيحاً إذا كان لحكمة ما، وبعبارة أخرى: استثناء الأكثر قسمان: قبيح، وهو ما لم يكن له وجه، وحَسَن، وهو ما كان له وجه، فمثلاً من الحسن أن يقول (أكرم أهل هذه المنطقة إلا فساقهم) مع كون الفساق 90(عليهم السلام) منهم فإنه حسن جداً إذ كان يريد أن يُلفِت إلى أن علّة حكمه بوجوب الإكرام أو برجحانه هو كونهم عدولاً، وإن عِلّة عدم إكرام أولئك كونهم فساقاً، أو كان يريد أن يشجع أهل المنطقة على أن يكونوا عدولاً حيث وجدوا إكرامه وانعامه مختصاً بالعدول، وقد فصّلنا الكلام عن حسن تخصيص الأكثر في ثلاث من الصور في بحث يجدر أن يجال فيه النظر(2).

وفي المقام: فإن من الحسن جداً بعث الناس بقوة نحو الدعاء

ص: 51


1- سورة البقرة: 186.
2- راجع موقع مؤسسة التقى الثقافية: malshirazi.com، الدرس 58 من دروس التعادل والترجيح (1436 - 1437) وفي موضع آخر أيضاً أكثر تفصيلاً.

وتشجيعهم عليه ووعدهم بالاستجابة من جهة، ومن جهة أخرى وعبر مخصصات منفصلة، كما جرى عليه دأب القرآن والحديث، بيان الشروط التي لو لم يعمل بها لما استجاب اللّه الدعاء والتي يلزم منها - على الفرض - تخصيص الأكثر. ووجه الحُسن في الأمرين معاً التشجيع عليهما معاً أي على الدعاء فإنه عبادة في حد ذاته وعلى الالتزام بتلك الشروط فإنها بين مستحبات وواجبات.

وبذلك يظهر أن ذلك ليس من الإغراء بالجهل، بل هو من (الإغراء بالفضل) أو فقل: إنه حثٌ للعبد علىالكمال والطاعة والقرب وعلى ما ينفعه بكلا طرفيه، بنحوٍ عقلائي حكيم وإن كان على خلاف ما توهمه العبد، فهذا إغراء بالعدل والفضل، وإن تصوره العبد جهلاً منه أنه إغراء بالجهل!

بل إن من الجهل عدم إغراء العبد بالفضل لمجرد تصور العبد أنه إغراء بالجهل(1)!

الحكمة في فصل المخصصات والشروط عن الوعد بالإجابة

ويوضح لنا ذلك أكثر، فصلُ تلك المخصصات والشروط، عادة، عن آيات وروايات استجابة الدعاء، ووجه الحِكمة في ذلك وجه رائع جداً وهو، إضافة إلى جريان سنة اللّه في الكتاب وسنة

ص: 52


1- ويوضحه أكثر: إن بناء العقلاء على حسن التورية لغرض حسن عقلائي، وعلى ذلك المشهور، بل إن المقام أفضل حالاً من المجاز المصحوب بالقرينة عليه، فتأمل.

النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم) وآله الأطياب،إنهما لو جمعا معاً لأوجبا يأس كثير من الناس عن الاستجابة - كما ذكر في اشكال سابق والأجوبة التي ذكرناها مما لا يلتفت إليها عامة الناس، بل الخواص فقط عادة ككل بحث علمي آخر -، فكان الحل هو بعث الناس من جهة بقوة نحو الدعاء وتحريضهم عليه بأنه موجب للاستجابة (وهو صحيح في حد ذاته، كما أوضحناه في الجواب الأول فإنه ككل مقتضٍ ذو علاقة جوهرية باستجابة الدعاء وإن لم تكن علاقة كميّة)، وهذا ما يشجع الناس على الدعاء بأقصى حدّ، وهو عبادة في حد ذاته ففيه فائدة أخرى لهم، كما أن الدعاء يربط الناس باللّه تعالى وهو من أهم الأسباب لحفظ الناس عن الوقوع في المعاصي وفي المصائب أيضاً (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْرَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ)(1) وورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «ادْفَعُوا أَمْوَاجَ الْبَلَاءِ عَنْكُمْ بِالدُّعَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الْبَلَاءِ، فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَلْبَلَاءُ أَسْرَعُ إِلَى الْمُؤْمِنِ مِنِ انْحِدَارِ السَّيْلِ مِنْ أَعْلَى التُّلْعَةِ إِلَى أَسْفَلِهَا وَ مِنْ رَكْضِ الْبَرَاذِين »(2) وبنفس المقدار من قربهم إلى اللّه تعالى بالدعاء ومن حفظهم عن المعاصي ببركته تكون أدعيتهم أقرب للاستجابة، فيكون فصل المخصصات المنفصلة لهذه الحكمة الرائعة. (أي لو وُصِلت بها لتثبط عامة الناس عن الدعاء إذ سيجدون، في وهمهم

ص: 53


1- سورة الفرقان: 77.
2- الخصال: ج2 ص621.

استحالة الاستجابة أو ندرتها).

ومن جهة أخرى تذكر الشروط في مخصصات منفصلة كي تتكامل الصورة وتتجلى أمام ناظر العلماء والأدلاء على اللّه، ليشجعوا الناس أولاً على الالتزام بتلك الشروط كي تكون أضمن لاستجابة أدعيتهم، وليردوا إشكال المستشكلين على أننا دعونا فلِمَ لم يستجب لنا، من جهة ثانية!

وهناك حكمة أخرى أيضاً في فصل المخصصات وهي (الامتحان) فإن (الامتحان) فلسفة أساسية جوهرية في كل أنواع تعامل اللّه تعالى - الغيبي والظاهري - مع البشر، قال تعالى: (لِيَميزَ اللَّهُ الْخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)(1) وقال: (إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدي مَنْ تَشاءُ)(2) وقال: (الم * أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذينَ صَدَقُواوَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبينَ)(3) وقال: و(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(4).

ومن غفل عن فلسفة الامتحان والابتلاء في الكثير، إن لم يكن كل، أفعاله تعالى التشريعية والتكوينية، كالزلزلة وغيرها،

ص: 54


1- سورة الأنفال: 37.
2- سورة الأعراف: 155.
3- سورة العنكبوت: 1 - 3.
4- سورة البقرة: 155.

جَهِل الفلسفة من مجيء اللّه تعالى بنا إلى هذا العالم(1)!

لا يقال: لقد وعد اللّه بالاستجابة، واللّه غير مخلفٍ وعده!

إذ يقال: الروايات منقحة لوعده، أي ما الذي وعد به؟ وأنه تعالى لم يعد بالاستجابة مطلقاً عند كل دعاء، بل بشرطها وشروطها والشروط أجملتها الآية الأخرى: (أَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُم) وفصّلتها الروايات، أو فقل الآية الأخرى قيدت الأولى وأوضحت المراد منها والروايات شارحة للآية الأخرى وبالمآل للأولى.

وبذلك ظهر أيضاً أن (الامتحان) و(الفتنة) المصرح بها في آيات أخرى هي من (محدّدات) الاستجابة وأنها تكون في هذا الإطار، أو فقل هي قرينة منفصلة كالحافة(2) فيكون (الوعد) متأطراً بهذا الإطار متقيداً به، أي إنه لا وعد في خارج دائرته، فلم يتحقق وعدٌ خارج الدائرة ليتحقق الخلف.

بعض الروايات ضعاف فكيف تخصص الكتاب؟

التنبيه الخامس: إنه قد يقال إن بعض تلك الروايات، مراسيل أو ضعاف فلا اعتبار بها في تخصيص الكتاب.

ص: 55


1- فصّلت الروايات الفلسفة في ذلك، وقد أوضحنا بعض جوانب ذلك في بعض البحوث.
2- بل حافة إذا لوحظ أن القرآن الكريم وكلامهم (عليهم السلام) كلمة ككلامٍ واحد في المجلس الواحد، فتأمل.

أربعة أجوبة

والجواب: أولاً: إن المعتبرات منها كثيرة فعليها المعتمد، وأما المراسيل فإن الكثير منها معتضد بروايات أخرى تصل بها إلى درجة الاستفاضة المفيدة للاطمئنان نوعا(1)، بل إن مضامين بعضها مطابق للآيات الكريمة أو لبعض الروايات المعتبرة الأخرى أو للعقل ومستقلاته أو لما يجده الإنسان من وجدانه، فلاحظ؛ وحيث لم نكن في مقام الاستقصاء والاستقراء التام ذكرنا بعض تلك الروايات ولم نذكر ما تعتضد به، بل لعل المتتبع سيجد روايات معتبرة بنفس مضمون بعض الروايات الضعيفة.

ثانياً: إنه ليس من تخصيص الكتاب في شيء، بل هو من (الحكومة) كما أوضحناه سابقاً، ويمكن التفصيل بالقول بأن المراسيل لا تخصص الكتاب ولكنها يمكن أن تفسّره، إذ التخصيص مصادمٌ للمراد الاستعمالي باقتطاع المراد الجدي منه، أما الحكومة فلا تصادِم حتى المراد الاستعمالي لأنها مفسرة له، فهو كالقرينة المتصلة ك(أسد يرمي) فإن يرمي لا يصادم حتى المراد الاستعمالي للأسد إذ إنه انعقد مفسّراً، ولكن هذا على المبنى وقد فصّلنا الكلام عنه في كتاب (الحكومة والورود) بمناسبة كلام المحقق العراقي (رحمه اللّه) وغيره في الفرق بين التخصيص والحكومة، وإن الحاكم المنفصل بمنزلة المخصص المتصّل، لكن هذا الجواب مبني على القول بحجية مراسيل الثقات،

ص: 56


1- يمكن عدّ (المفيدة...) قيداً احترازياً أو توضيحياً، على المبنيين، فتدبر.

وإلا فلا يعقل أن يكون اللاحجة مفسراً أو حاكماً.

ثالثاً: بل قد يقال: إنها لا تعارض الكتاب بتخصيصه، بل إن الآية الكريمة (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(1) تخصصها آية أخرى وهي: (وَأَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)(2) وتلك الروايات شارحة للعهد المذكور في الآية الثانية وليست مخصصة بنفسها للآية الأولى، لكن هذا كسابقه مبني على القول بحجية مراسيل الثقات.

رابعاً: إنه على مبنى (حجية مراسيل الثقات المعتمدة) كما اخترناه وحققناه في ذلك الكتاب، فلا إشكال في تخصيص الكتاب بها لكن بشرط كونها (معتمدة) عند بعض الأعلام كالشيخ الطوسي (رحمه اللّه) مثلاً على حسب القيد المذكور في عنوان الكتاب نفسه(3).

خامساً: سلّمنا، لكن الاحتياط في هذه الشؤون، مطلوب؛ إذ العبد يريد قضاء حاجته، وقد ورد خبر - ولنفرض أنه مرسل، ولا معاضد له - بشرطية التطيب مثلاً أو بشرطية طيب المكسب، فإن العبد حيث تعلق غرضه بتحقيق حاجته قطعاً - بإذن اللّه - فما أجدر به أن يعمل الشرط المفروض أنه لا إشكال في جوازه بل رجحانه بذاته شرعاً وإن شك في مدخليته في استجابة الأدعية وقضاء الحاجة فرضاً؟

ص: 57


1- سورة غافر: 60.
2- سورة البقرة: 40.
3- يراجع كتاب (حجية مراسيل الثقات المعتمدة) للمؤلف.

بعبارة أخرى: إنه من (العنوان والمحصّل)(1) الذيإن قيل بكونه مجرى الاحتياط فالأمر واضح، وإن قيل بكونه مجرى البراءة فإنه لا ينفي حسن الاحتياط بل ينفي وجوب العمل بذلك الجزء أو الشرط المشكوك، وحيث إن المطلوب من استجابة الدعاء لا المنجزية ودفع العقاب (فإنه مندفع بإجراء البراءة حتى في الارتباطيات على المبنى) لذا كان من الراجح الإتيان بكل محتمل الشرطية دون شك.

بعض الروايات لسانها آب عن التخصيص

التنبيه السادس: قد يقال: إن لسان بعض الروايات آبٍ عن التخصيص (باشتراط شروط أخرى للاستجابة)، كقوله (عليه السلام): قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم): «أَرْبَعَةٌ لَا تُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ حَتَّى تُفَتَّحَ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتَصِيرَ إِلَى الْعَرْشِ: الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ وَالْمَظْلُومُ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ وَالْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَرْجِعَ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ»(2)، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «مَا اجْتَمَعَ أَرْبَعَةُ رَهْطٍ قَطُّ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ فَدَعَوُا اللَّهَ إِلَّا تَفَرَّقُوا عَنْ إِجَابَةٍ»(3)، وقال الإمام الحسن (عليه السلام): «أَنَا

ص: 58


1- المحصل للشيء هو المحقق والموجد له، وهو إما محصل شرعي كالغسلة أو الغسلتين التي اعتبرها الشارع سبباً للطهارة، وإما محصل عقلي وهو السبب التوليدي كالإحراق فإنه محصل للاحتراق، أو إما محصل عادي كالإلقاء من أعلى الذي ينتج عادةً القتل، والدعاء بالنسبة إلى قضاء الحاجة يعد من الأول بوجهٍ، ومن الثالث بوجه، بل قد يقال إن الدعاء محصل شرعي - بلطفه وكرمه - للاستجابة، فتأمل.
2- الكافي: ج2 ص510.
3- الكافي: ج2 ص487.

الضَّامِنُ لِمَنْ لَمْ يَهْجُسْ فِي قَلْبِهِ إِلَّا الرِّضَا أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ فَيُسْتَجَابَ لَهُ»(1).

والجواب من وجوه

أولاً: إن هذه الروايات محكومة بالآية السابقة عليها رتبةً وزمناً وهي قوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)(2) فمهما كان لسانها قوياً فإنها تنطلق من هذهالقاعدة (أي من قاعدة الآية الكريمة) أي هي مبنية عليها، وذلك كما لو قال رئيس الشركة لصديقه مثلاً: (واللّه لو ذهبت إلى المدرسة وتخرجت منها بمعدل جيد لنصبتك مديراً في شركتي) وكان سابقاً قد قال له: (كل وعودي مشروطة بأن تكون أميناً غير خائن) أو ما أشبه، فإن كلامه السابق مقيِّد حتمي.

وبعبارة أخرى: الآية الكريمة بمنزلة القرينة المتصلة الحافّة التي لا ينعقد معها المراد الجدي سواءً أقلنا بانعقاد المراد الاستعمالي أم لا، فتدبر وتأمل.

ثانياً: إن الروايات التي تصرح بالشروط (الخمسة والعشرين الآنفة وغيرها)، حاكمة على هذه الروايات، وقد يكون لسان الرواية آبياً عن التخصيص لكنه غير آبٍ عن الحكومة، والوجه فيه: أن الحكومة لا يُصادم لسانُها لسانَ المحكوم مهما كان قوياً إذ

ص: 59


1- الكافي: ج2 ص62.
2- سورة البقرة: 40.

الحاكم مفسِّر وشارح، كما فصّلناه في كتاب (الحكومة والورود) فراجع، ويكفي هنا تبسيط الجواب: بأن مجيء المتكلم بالحاكم هو بمنزلة مجيئه ب(أي) التفسيرية ولا يرى العرف حينئذٍ تصادماً بينهما فمثلاً قوله (عليه السلام): «مَا اجْتَمَعَ أَرْبَعَةُ رَهْطٍ قَطُّ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ فَدَعَوُا اللَّهَ إِلَّا تَفَرَّقُوا عَنْ إِجَابَةٍ» يصح أن يضاف له (أي فيما لو لم يشركوا باللّه تعالى) وهو الشرط الثاني السابق، أو (أي فيما لو لم يعصوا اللّه سبحانه بعد الدعاء) وهو مما سبق من الشروط أيضاً؛ وكذا قوله (عليه السلام): «أَنَا الضَّامِنُ لِمَنْ لَمْ يَهْجُسْ فِي قَلْبِهِ إِلَّا الرِّضَا أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ فَيُسْتَجَابَ لَهُ» لو شفعه بقوله: (أنا الضامن له أي فيما لم يذنب بعده أو فيما لم يدعُ وقلبه ساهٍ لاهٍ) فإنه لا يرى العرف تنافراً حينئذٍ، والحاكم - حسبما رآه بعضأعلام الأصوليين - هو بمنزلة أي التفسيرية، وإن ذهبنا إلى أنه على قسمين، فراجع.

ثالثاً: ما سبق ونعيده بتصرف وإضافة بما يناسب المقام: (إن الاستجابة قد تكون بنحو آخر أو في زمن آخر(1)، وبذلك يكون الجزاء قد تحقق، وهو «إِلَّا تَفَرَّقُوا عَنْ إِجَابَةٍ» و«فَيُسْتَجَابَ لَهُ»؛ وبعبارة أصولية: تلك الروايات حاكمة أي هي ناظرة إليها ومفسرة لهذه الروايات إذ تفسِّر كيفية الاستجابة، وبذلك يظهر أنه لا تخصيص بل هي حكومة، والمآل وإن كان واحداً من حيث النتيجة الخارجية إلا أن اختلاف لسان الحكومة عن لسان التخصيص،

ص: 60


1- راجع الجواب الثالث.

يخرجه(1) بتنزيلٍ وبنحو الحقيقة الادعائية عن كونه معارضاً للسان المحكوم مهما كان قوياً، فتدبر).

وبعبارة أخرى: إن قوله (عليه السلام): «لَا تُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ...» غاية الأمر أنه ظاهر في الفورية، لكنه ليس بنص فيها، وبعض الروايات (السابقة) نص في تأجيل الإجابة في بعض الصور أو الحالات، فراجعها؛ وكذلك قوله: «إِلَّا تَفَرَّقُوا عَنْ إِجَابَةٍ» ظاهر في (إجابة الدعاء نفسه) ولكن بعض الروايات الأخرى نص في أن الإجابة قد تكون بإعطائهم الأفضل مما طلبوا: إما في الدنيا وإما في الآخرة، وكذا «فَيُسْتَجَابَ لَهُ»، لكن كيف؟ الكيفية تصرح بها روايات أخرى من روايات الشروط السابقة فتكون حاكمة على ظهور هذه.

رابعاً: إن روايات الشروط (الخمس والعشرين وغيرها) أكثر عدداً وأصح سنداً، من الروايات التيلسانها آبٍ عن التخصيص(2) فترجُح عليها، فهذا على ما ببالي لكنه يحتاج إلى تتبع أكثر فلاحظ.

خامساً: إنه لدى تعارض الطائفتين فالمرجع - أو المرجِّح، على المبنيين - كتاب اللّه حيث يقول: (وَأَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) حسب القاعدة العامة في التعارض بين طائفتين من الروايات(3) لدى التكافؤ أو مطلقاً، فتأمل.

ص: 61


1- أي الحاكم.
2- يدقق إننا قلنا (التي لسانها آبٍ عن التخصيص) لا (مطلق الروايات التي بها وعد).
3- إن لم تكن إحداهما مباينة للكتاب وإلا فإنها تطرح مطلقاً سواءً أكان لها معارض أم لا.

لماذا ندعوا ونحن نعلم بعدم استجابة بعض الأدعية؟

التنبيه السابع: وقد يُسأل عن الوجه في بعض الأدعية التي أُمرنا بأن ندعوا بها، مع العلم بأنها لا تستجاب قطعاً، كالدعاء ب«اللَّهُمَّ أَغْنِ كُلَّ فَقِيرٍ، اللَّهُمَّ أَشْبِعْ كُلَّ جَائِعٍ، اللَّهُمَّ اكْسُ كُلَّ عُرْيَانٍ، اللَّهُمَّ اقْضِ دَيْنَ كُلِّ مَدِينٍ، اللَّهُمَّ فَرِّجْ عَنْ كُلِّ مَكْرُوبٍ، اللَّهُمَّ رُدَّ كُلَّ غَرِيبٍ، اللَّهُمَّ فُكَّ كُلَّ أَسِيرٍ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ كُلَّ فَاسِدٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اشْفِ كُلَّ مَرِيضٍ، اللَّهُمَّ سُدَّ فَقْرَنَا بِغِنَاكَ، اللَّهُمَّ غَيِّرْ سُوءَ حَالِنَا بِحُسْنِ حَالِكَ، اللَّهُمَّ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(1).

والجواب: أولاً: إنه يكفي في حُسن الطلب والدعاء، أن يستجاب بعضُه؛ ألا ترى إنك لو علمت بأنك لو طلبت من أبيك مائة حاجة لأعطاك عشرة منها، فإنك ستطلب حتماً مادامت العشرة التي بينها، أية عشرة كانت، مطلوبة ومهمّة؟

ثانياً: ما سبق مراراً من أن كل دعاء يستجابولكن تارة بنفسه وأخرى بالأفضل منه إما في الدنيا وإما في الآخر، أي إنه يستجاب هذا الدعاء في حق المؤمنين إما في زمان آخر وإما بنحوٍ آخر ف(الروح السارية) هي المِلاك، نظير روح القانون ونصه، فتدبر.

ثالثاً: إن الدعاء في حد ذاته عبادة وله ثواب، سواء أستجيب أم لم يستجب، والظاهر أن الدعاء للغير أكثر ثواباً، فقد أمرنا

ص: 62


1- البلد الأمين: ص222.

بالدعاء لنتقرب إلى اللّه أكثر ولكي نحصل على الثواب الأجزل، وأما إجابته تعالى للدعاء وقضائه الحاجة فله الأمر فيها من قبل ومن بعد، وبعبارة أخرى: (الدعاء) له الموضوعية فإن اقترن بالمقدمية والطريقية فقد اجتمعت فيه جهتان وإلا كَفَتْ في حُسنه الجهة الأولى (الموضوعية).

وقد ذكر بعض الفضلاء وجهاً لطيفاً وهو أن هذه الأدعية كلها تستجاب في زمن الإمام الحجة (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) فإن كان المدعوّ له حياً حينذاك رأى الإجابة في الدنيا وإن كان ميتاً نالته الإجابة في عالم البرزخ لأنه قطعة من الحاجات هنالك، فتدبر؛ وهذا الوجه من صغريات الوجه الثاني.

وبعبارة أخرى: هذه الأدعية هي دعاء باللازم الذي يراد به الملزوم أو يراد به كلاهما معاً؛ وذلك لأن هذه الأدعية لا تستجاب كاملاً إلا في زمن الظهور المبارك، فالدعاء بها كناية عن الدعاء بالظهور وتعجيله كي تتحقق كل هذه الطلبات، وقد ذكرنا في كتاب (المعاريض والتورية) أنه لا مانعة جمع في المعاني الكنائية بين أن يراد منها كلا المعنيين: الموضوع له (وهو الحاجة نفسها، في المقام) والمعنى الكنائي (وهو تعجيل الفرج)،فتأمل وتدبر.

وبعد أن أشرنا إلى العديد من شروط استجابة الدعاء التي تكون الاستجابة عند توفرها حتمية بإذن اللّه تعالى وبدونها

ص: 63

(لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)(1)، فلنشر إلى بعض موانع استجابة الدعاء:

رواية رائعة: ثمانية أسباب لعدم استجابة الأدعية

والرواية الآتية رواية هامة جداً إذ تذكر ثمانية أسباب لعدم استجابة الدعاء فقد (رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّهُ خَطَبَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ خُطْبَةً بَلِيغَةً فَقَالَ فِي آخِرِهَا: «أَيُّهَا النَّاسُ سَبْعُ مَصَائِبَ عِظَامٍ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا عَالِمٌ زَلَّ، وَعَابِدٌ مَلَّ، وَمُؤْمِنٌ خَلَّ، وَمُؤْتَمَنٌ غَلَّ، وَغَنِيٌّ أَقَلَّ، وَعَزِيزٌ ذَلَّ، وَفَقِيرٌ اعْتَلَّ».

فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: صَدَقْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَنْتَ الْقِبْلَةُ إِذَا مَا ضَلَلْنَا وَالنُّورُ إِذَا مَا أَظْلَمْنَا، وَلَكِنْ نَسْأَلُكَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فَمَا بَالُنَا نَدْعُو فَلَا يُجَابُ؟!

قَالَ (عليه السلام): «إِنَّ قُلُوبَكُمْ خَانَتْ بِثَمَانِ خِصَالٍ:

أَوَّلُهَا: أَنَّكُمْ عَرَفْتُمُ اللَّهَ فَلَمْ تُؤَدُّوا حَقَّهُ كَمَا أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْكُمْ مَعْرِفَتُكُمْ شَيْئاً.

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّكُمْ آمَنْتُمْ بِرَسُولِهِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ سُنَّتَهُ وَأَمَتُّمْ شَرِيعَتَهُ فَأَيْنَ ثَمَرَةُ إِيمَانِكُمْ.

وَالثَّالِثَةُ: أَنَّكُمْ قَرَأْتُمْ كِتَابَهُ الْمُنْزَلَ عَلَيْكُمْ فَلَمْ تَعْمَلُوا بِهِ وَقُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ثُمَّ خَالَفْتُمْ.

وَالرَّابِعَةُ: أَنَّكُمْ قُلْتُمْ إِنَّكُمْ تَخَافُونَ مِنَ النَّارِ وَأَنْتُمْ فِي كُلِّ

ص: 64


1- سورة الروم: 4.

وَقْتٍ تَقْدَمُونَ إِلَيْهَا بِمَعَاصِيكُمْ فَأَيْنَ خَوْفُكُمْ.

وَالْخَامِسَةُ: أَنَّكُمْ قُلْتُمْ إِنَّكُمْ تَرْغَبُونَ فِي الْجَنَّةِ وَأَنْتُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَفْعَلُونَ مَا يُبَاعِدُكُمْ مِنْهَا فَأَيْنَ رَغْبَتُكُمْ فِيهَا.

وَالسَّادِسَةُ: أَنَّكُمْ أَكَلْتُمْ نِعْمَةَ الْمَوْلَى وَلَمْ تَشْكُرُوا عَلَيْهَا.

وَالسَّابِعَةُ: أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِعَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ وَقَالَ إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا فَعَادَيْتُمُوهُ بِلَا قَوْلٍ وَوَالَيْتُمُوهُ بِلَا مُخَالَفَةٍ.

وَالثَّامِنَةُ: أَنَّكُمْ جَعَلْتُمْ عُيُوبَ النَّاسِ نُصْبَ عُيُونِكُمْ وَعُيُوبَكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ تَلُومُونَ مَنْ أَنْتُمْ أَحَقُّ باللَّوْمِ مِنْهُ.

فَأَيُّ دُعَاءٍ يُسْتَجَابُ لَكُمْ مَعَ هَذَا وَقَدْ سَدَدْتُمْ أَبْوَابَهُ وَطُرُقَهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا أَعْمَالَكُمْ وَأَخْلِصُوا سَرَائِرَكُمْ وَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَكُمْ دُعَاءَكُمْ»)(1).

وإذا عكسنا تلك الموانع، كانت شروطاً(2) والشروط الثمانية هي بعبارة أخرى موجزة:

أولاً: أداء حقوق اللّه تعالى.

ثانياً: العمل بسنة رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم) وإحياء شريعته.

ثالثاً: العمل بكافة أحكام القرآن الكريم وتعاليمه.

رابعاً: الخوف الحقيقي من النار بتجنب كافة المعاصي.

ص: 65


1- أعلام الدين: ص269.
2- بناءً على أن كل مانع فإن عدمه شرط، وكل شرط فإن عدمه مانع، فتأمل والأمر سهل لأنه اصطلاح، فتدبر.

خامساً: الرغبة الصادقة في الجنّة بالقيام بكافة الأفعال التي تقرّبنا إليها.

سادساً: شكر نِعَم المولى كلها.

سابعاً: معاداة الشيطان حقاً بالقول والفعل والسلوك.

ثامناً: أن تجعلوا عيوبكم نصب أعينكم (وتصلحوها) وأن لا تتطلعوا إلى عيوب الآخرين.

ثالثاً - عموم الإجابة ولو في زمن آخر وبنحو آخر

النحو الثالث: وقد يجاب بأن الأدعية كلها تستجاب ولكل الموالين، ولكن قد تكون الإجابة في زمن آخر وقد تكون بنحو آخر؛ وقد لا يستجاب له فوراً ليزداد قرباً، أو لا يستجاب له لأنه دعا بالشر وما لا يحلّ.

فأولاً: قد تكون استجابة الدعاء في زمن آخر، وذلك فيما لو لم تقتضِ مصلحة العبد الداعي نفسه، إجابة دعائه فوراً، وهو لا يعلم ذلك، فيستجيب اللّه دعاءه ولكن بعد يوم أو أسبوع أو شهر أو سنة مثلاً، وذلك كما لو طلب من اللّه تعالى الشفاء من مرضه الآن وكان في علم اللّه تعالى إنه لو شفي الآن فإنه سيسافر إلى بلد آخر فيقتل هنالك، أو سيسافر بالسفينة الآتية فتغرق ويغرق معها، أو أنه لو شفي الآن كان سيجرح جرحاً بليغاً أو سيُقتل أو سيَقتل أحداً ظلماً في معركة ناشبة، أو أنه لو شفي الآن كان سيعتقل بتهمة

ص: 66

كاذبة ويعذب عذاباً شديداً أو شبه ذلك فيؤخر اللّه استجابة دعائه ريثما يندفع عنه الخطر.

وثانياً: بل قد يؤخر اللّه إجابة الدعاء، ليستمر العبد بالدعاء أكثر فأكثر ليحظى بقرب من اللّه أكبر وبثواب أكثر، لأن الدعاء في حد ذاته عبادة، وقد علم اللّه أنه لو أعطاه حاجته فوراً فإنه سيتراخى في الدعاء - كمّاً أو كيفاً -، فيبتعد بنفس القدر عن اللّه تعالى، أو يقلّ قربه، أو لا يزداد قرباً.

وقد ورد في الحديث عن عثمان بن سعيد العمري في حديث قال رُوِّينَا عَنِ الْعَالِمِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا دَعَا الْمُؤْمِنُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ صَوْتٌ أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ اقْضُوا حَاجَتَهُ فَاجْعَلُوهَا مُعَلَّقَةً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى يُكْثِرَ دُعَاءَهُ شَوْقاً مِنِّي إِلَيْهِ وَإِذَا دَعَا الْكَافِرُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَوْتٌ أَكْرَهُ سَمَاعَهُ اقْضُوا حَاجَتَهُ وَعَجِّلُوهَا حَتَّى لَا أَسْمَعَ صَوْتَهُ وَيَشْتَغِلَ بِمَا طَلَبَهُ عَنْ خُشُوعِهِ»(1).

وعن أبي الحسن (عليه السلام) (في حديث): «إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةً فَيُؤَخِّرُ عَنْهُ تَعْجِيلَ إِجَابَتِهِ حُبّاً لِصَوْتِهِ وَاسْتِمَاعِ نَحِيبِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَخَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ مَا يَطْلُبُونَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا عَجَّلَ لَهُمْ فِيهَا، وَأَيُّ شَيْ ءٍ الدُّنْيَا، إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) كَانَ يَقُولُ: يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ دُعَاؤُهُ فِي الرَّخَاءِ نَحْواً مِنْ دُعَائِهِ فِي الشِّدَّةِ، لَيْسَ

ص: 67


1- مستدرك الوسائل: ج5 ص195.

إِذَا أُعْطِيَ فَتَرَ فَلَا تَمَلَّ الدُّعَاءَ فَإِنَّهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ»(1).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَاجَتِهِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَخِّرُوا إِجَابَتَهُ شَوْقاً إِلَى صَوْتِهِ وَدُعَائِهِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَبْدِي دَعَوْتَنِي فَأَخَّرْتُ إِجَابَتَكَ وَثَوَابُكَ كَذَا وَكَذَا وَدَعَوْتَنِي فِي كَذَا وَكَذَا فَأَخَّرْتُ إِجَابَتَكَ وَثَوَابُكَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَيَتَمَنَّى الْمُؤْمِنُ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا مِمَّا يَرَى مِنْ حُسْنِ الثَّوَابِ»(2).

وعن الصادق (عليه السلام) (في حديث): «أَنَّ رَجُلًا قَالَلِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ (عليه السلام): إِنَّ لِي دَعْوَةً مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ مَا أُجِبْتُ فِيهَا بِشَيْ ءٍ؟ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً احْتَبَسَ دَعْوَتَهُ لِيُنَاجِيَهُ وَيَسْأَلَهُ وَيَطْلُبَ إِلَيْهِ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْداً عَجَّلَ دَعْوَتَهُ وَأَلْقَى فِي قَلْبِهِ الْيَأْسَ مِنْهَا»(3).

وثالثاً: إن استجابة الدعاء قد تكون بنحو آخر، فقد يطلب العبد من الرب أن يرزقه هذه الزوجة، فلا يستجاب له لكن اللّه يرزقه بدلاً منها زوجة أخرى أجمل منها وأتقى وأبرّ وأفضل، وقد يطلب العبد من الرب أن يعطيه هذه الدار فيعطيه اللّه بعد فترة، داراً أحسن منها، وقد يطلب من اللّه أن ينجح في امتحان الطب مثلاً،

ص: 68


1- الكافي : ج2 ص488.
2- الكافي: ج2 ص490.
3- وسائل الشيعة: ج7 ص62.

فيفشل لا لتقصير منه بل لأنه يعيل أسرته ويدرس فلم يكن له المجال الكافي للدراسة، لكن اللّه يستجيب دعاءه بنحو آخر إذ يقدر له أن يصبح تاجراً كبيراً أو محامياً عظيماً أو ما أشبه مما كان أفضل له لديناه وآخرته...

وبوجه آخر: قد يطلب من اللّه تعالى المال والغنى، لكن اللّه يرزقه بدله الذرية الصالحة إذ علم جل اسمه أنه لو اغتنى لانحرف هو وأبناؤه، فكان أن عوّضه اللّه تعالى بالذرية الصالحة، مما لو كان يعلم هو بذلك لطلب الذرية الصالحة بدل الأموال الزائلة.

ورابعاً: بل قد يطلب الإنسان الشرّ فلا يستجاب له، وقد قال تعالى: (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً)(1) وورد في الحديث :«يَا صَاحِبَ الدُّعَاءِ لَا تَسْأَلْ مَا لَا يَكُونُ وَلَا يَحِلُّ»(2) وما لا يحل هو الحرام وما لايكون هو المحال.

وإلى ذلك كله تشير الرواية الآتية الرائعة: «وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الْإِجَابَةُ لِيَكُونَ أَطْوَلَ لِلْمَسْأَلَةِ وَأَجْزَلَ لِلْعَطِيَّةِ وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْ ءَ فَلَمْ تُؤْتَهُ وَأُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجِلًا وَآجِلًا، أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلَاكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ، وَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ فِيمَا يَعْنِيكَ مِمَّا يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ أَوْ يُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ

ص: 69


1- سورة الإسراء: 11.
2- تحف العقول: ص122.

وَالْمَالُ لَا يَبْقَى لَكَ وَلَا تَبْقَى لَهُ »(1).

والرواية الرائعة الآتية أيضاً فيها الكثير من النور والعبرة: «فَلَا تَمَلَّ الدُّعَاءَ فَإِنَّهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ وَعَلَيْكَ بِالصَّبْرِ وَطَلَبِ الْحَلَالِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِيَّاكَ وَمُكَاشَفَةَ النَّاسِ فَإِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ نَصِلُ مَنْ قَطَعَنَا وَنُحْسِنُ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْنَا فَنَرَى وَاللَّهِ فِي ذَلِكَ الْعَاقِبَةَ الْحَسَنَةَ إِنَّ صَاحِبَ النِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا إِذَا سَأَلَ فَأُعْطِيَ طَلَبَ غَيْرَ الَّذِي سَأَلَ وَصَغُرَتِ النِّعْمَةُ فِي عَيْنِهِ فَلَا يَشْبَعُ مِنْ شَيْ ءٍ وَإِذَا كَثُرَتِ النِّعَمُ كَانَ الْمُسْلِمُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى خَطَرٍ لِلْحُقُوقِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَا يُخَافُ مِنَ الْفِتْنَةِ فِيهَا»(2).

وتلك الرواية الشريفة السابقة(3) أشارت إلى وجوه عديدة:

1 - إن تأخير الإجابة قد يكون لأجل أن يعطيك اللّه أجراً أعظم وثواباً أجزل.

2 - وقد لا تُعطى الحاجة نفسها ولكن تُعطى الأفضل منها جداً إما عاجلاً أو آجلاً، حسب مقتضياتباب التزاحم.

3 - وقد لا تُعطى الحاجة كي يتم دفع بلاء عظيم عنك، والبلاء قد يكون دنيوياً وقد يكون دينياً.

وجاء في موسوعة الفقه للسيد الوالد (رحمه اللّه): (عن هشام بن

ص: 70


1- تحف العقول: ص75.
2- الكافي: ج2 ص488.
3- «وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الْإِجَابَةُ لِيَكُونَ أَطْوَلَ لِلْمَسْأَلَةِ...».

سالم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كَانَ بَيْنَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما)(1) وَبَيْنَ أَخْذِ فِرْعَوْنَ أَرْبَعِينَ عَاماً»(2).

أقول: الدعاء من الأسباب الكونية، فكما أن الإنسان إذا طلب الولد يعطى بعد تسعة أشهر، أو الثمر بعد مجيء فصله فكذلك الدعاء، وقد كان نضج الثمر في دعاء موسى (عليه السلام) بعد تلك المدة، فإذا أبطأ لم يكن يأس وإنما انتظار لوصول الوقت، وربما قدم اللّه سبحانه، لأن الأمر كله بيده تعالى.

وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَدْعُو فَيُؤَخَّرُ إِجَابَتُهُ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ»(3).وعن إسحاق بن عمار قال: قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): قَالَ يُسْتَجَابُ لِلرَّجُلِ الدُّعَاءُ ثُمَّ يُؤَخَّرُ؟ قَالَ: «نَعَمْ عِشْرِينَ سَنَةً»(4).

أقول: هذا من باب المثال)(5).

رابعاً - إن عموم الاستجابة وفوريتها زمن صدور الروايات

النحو الرابع: وقد يقال بالنسبة إلى بعض الرواياتوالوعود التي بها ك:«إِنَّ إِلَى جَانِبِكُمْ قَبْراً مَا أَتَاهُ مَكْرُوبٌ إِلَّا نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ

ص: 71


1- سورة يونس: 89.
2- الكافي: ج2 ص489.
3- الكافي: ج2 ص489.
4- الكافي: ج2 ص489.
5- موسوعة الفقه - كتاب الآداب والسنن -: ج95/2 ص27 - 28.

وَقَضَى حَاجَتَهُ...»(1) إن (درجات استجابة الدعاء) مرتهنة بالظروف المختلفة وبوضع الدين أو المذهب.

وتوضيحه: إن هذه الروايات من حيث تمصدقها لها جهتان بحسب ظرفين وزمانين مختلفين:

الجهة الأولى: ففي زمان صدورها وفي فترات محددة في علم اللّه، كان التقدير الإلهي بالاستجابة الكاملة والفورية لكل أحد في كل حاجة.

الجهة الثانية: وفي سائر الأزمنة فإن التقدير الإلهي استجابة الدعاء بنحو المقتضي فقد تكون فوراً وقد تكون بعد مدة، وقد يستجاب لهذا ولا يستجاب لذاك ولكن مع تعويضه بقضاء حاجة أهم له (في الدنيا أو في الآخرة)، وذلك كله بقرينة ضم سائر الروايات مما سبق بعضها والتي هي حاكمة على الروايات المطلِقة ومفسِّرة لها.

فرض ظهور الروايات في الإجابة الفورية زمن صدورها

ولكن الاستجابة الفورية الكاملة لكل أحد في زمن صدورها إنما يكون فيما لو تمسكنا بظاهرها الدال على أمرين: أ - استجابة الدعاء لكل أحد. ب - وكونه بنحو الفور.

فلو سلّمنا بهذا الظهور وبعدم صارفٍ عنه، فإن هذه الروايات تكون بنفسها الدليل على الأمرين - أي تحقق استجابة

ص: 72


1- كامل الزيارات: 167.

الدعاء في زمن صدور هذه الروايات، لكل أحد وعلى نحو الفور - ولا نحتاج إلى التماس دليل آخر من رواية تاريخية وغيرها، أي أنها تكون، بما نعلمه منصدقهم (عليهم السلام) وإحاطتهم، الدليل على التاريخ حيث إنهم أخبروا (عليه السلام)(1) عن أن ذلك سيحدث فلا بد أنه حدث في الفترة المقارنة لصدور الروايات، وبعبارة أخرى: كانت بعض رواياتهم إخباراً عن المستقبل وبعضها وعداً به، وخُلف الوعد قبيح وقول خلاف الواقع كذلك.

فهذا كله لو تمسكنا بظاهرها أو نصّ بعضها ولم نَحِد عنه، وأما لو رفعنا اليد عن ظاهرها بقرينة سائر الروايات الدالة على تأخير إجابة بعض الأدعية لمصلحة العبد نفسه أو الدالة على الإجابة ولكن بإعطاء الأفضل مما طلبه كما سبق، فإن هذه الروايات تندرج حينئذٍ في دائرة (المقتضي) كما سبق أي تكون دالة على استجابة الدعاء بنحو المقتضي المتوقف على توفر الشروط وانتفاء الموانع ولا يكون حينئذٍ بين الظروف والأزمنة فرق، ولكن وجود الفرق بين الظروف والأزمنة والأمكنة - إجمالاً - مما لا ريب فيه؛ إذ تستجاب الأدعية في بعض الأزمنة أو الأمكنة أو الظروف، أكثر من استجابتها في أمكنة أو أزمنة أو ظروف أخرى، فتدبر.

بعض المقربات لذلك

وأما الوجه في عدم استبعاد القول باستجابة الدعاء فوراً لكل

ص: 73


1- بناءً على استظهار ذلك، كما سبق في المتن.

أحد في بعض أزمنة الأئمة (عليهم السلام) (إضافة إلى ظهور تلك الروايات وعدم صارف عنها في حدود تلك الفترات، على القول بذلك) فهو بأن يقال: إن بعض أزمنة الأئمة (عليهم السلام) كانت كبعض أزمنة الأنبياء (عليهم السلام)، تستدعي تدخلاً غيبياً شاملاً للحفاظ على أصل الدين أو المذهب، وذلك لأن القاعدة العامة هي أنه كلما تعرضأصل الدين أو المذهب للخطر تدخّل اللّه تعالى بإعجاز منقطع النظير، وكلما لم يتعرض أصله لخطر الفناء تَرَكَ اللّه تعالى الأسباب الطبيعية على ما هي عليه من تأثيرها في مسبباتها (وإلى جوارها اقتضاء أمثال الدعاء والصدقة، لا عليتها التامة).

ويمكن أن توضّح ذلك الشواهد التالية:

المثال الأول: توقف حفظ حياة النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم) على إعجاز اختفائه في الغار قال تعالى: (إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ)(1) وإلا لقتل (صلی اللّه علیه وآله وسلم) وانهدم الدين كله، لذلك تدخل اللّه تعالى بهذه الطريقة الإعجازية، ولكن الدين عندما ألقى بجِرانه لم يمنع اللّه تعالى المتآمرين من قتله (صلی اللّه علیه وآله وسلم) بالسمّ.

مثال آخر: إن اللّه تعالى أنزل خمسة آلاف من الملائكة كنجدة فورية على الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلم) وأصحابه (يوم بدر) ولم ينزلهم (يوم أحد) كما جاء في سورة الأنفال: (إِذْ تَسْتَغيثُونَ رَبَّكُمْ

ص: 74


1- سورة التوبة: 40.

فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفينَ)(1) وفي سورة آل عمران (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلينَ * بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمينَ)(2).

وأما (يوم أحد)، فلم يكن الأمر بهذه المثابة وكان التقصير من المسلمين أنفسهم لذا استحقوا ما لقوه من نَصبٍ وعَنَت، بمعنى أن الرماة عندما عصوا الرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلم) وتركوا ثنية الجبل طمعاً في المغانم، دارت الدوائر على جيش المسلمين وقتل منهم من قتل(3) وجرح من جرح، وهنا أوشك الكفار على الانتصار لولا ثبات علي (عليه السلام) ومن معه حول الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلم)(4) وقد جاء في تفسير القمي(5) ذيل الآية الكريمة: (فلما دخلوا المدينة قال أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم): ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا النصر؟ فأنزل اللّه تعالى: (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ)(6) الآية، وذلك أن يوم بدر

ص: 75


1- سورة الأنفال: 9.
2- سورة آل عمران: 123 - 125.
3- وهم سبعون رجلاً.
4- وقد تجلى النصر الإلهي الاعجازي بنحو آخر أي بنحو غير إرسال ألف أو ألفين أو خمسة آلاف من الملائكة، والذي هو مورد الشاهد.
5- بحار الأنوار: ج20 ص66/ وتفسير القمي: ج1 ص126.
6- سورة آل عمران: 165.

قُتل من قريش سبعون، وأسر منهم سبعون، وكان الحكم في الأسارى القتل، فقامت الأنصار إلى رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم) فقالوا: يا رسول اللّه هبهم لنا ولا تقتلهم حتى نفاديهم، فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال: إن اللّه قد أباح لهم الفداء أن يأخذوا من هؤلاء ويطلقوهم على أن يستشهد منهم في عام قابل بقدر ما يأخذون منه الفداء، فأخبرهم رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم) بهذا الشرط فقالوا: قد رضينا به نأخذ العام الفداء من هؤلاء ونتقوى به ويقتل منا في عام قابل بعدد من نأخذ منهم الفداء وندخل الجنة، فأخذوا منهم الفداء وأطلقوهم، فلما كان في هذا اليوم وهو يوم أُحُد قُتل من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم) سبعون، فقالوا: يا رسول اللّه ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا النصر؟ فأنزل اللّه (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ) إلى قوله: (هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) بما اشترطتم يوم بدر).

وقال الطوسي (رحمه اللّه) في التبيان(1) ذيل الآية: (والمعنى: ما كان لنبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم) أن يحبس كافراً للفداء والمنّحتى يثخن في الأرض... وقوله: (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) يعني تريدون الفداء .. وهذه الآية نزلت في أسارى بدر قبل أن يكثر الإسلام، فلما كثر المسلمون قال تعالى: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً)(2). وقال في مجمع البيان في ذيل الآية ما يقارب ذلك، فراجع.

ولذا: (لما كان يوم أحُد وقُتل من أصحاب الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلم)

ص: 76


1- التبيان: ج5 ص156.
2- سورة محمد : 4.

سبعون، قالوا: يا رسول اللّه ما هذا الذي أصابنا وقد كنتَ تعدنا النصر)، فأنزل اللّه(1): (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها)، وهما سبعون قتيلاً من المشركين ببدر وفداء سبعين أيضاً (قُلْتُمْ أَنَّى هذا) من أين ورد هذا البلاء العظيم علينا في هذه الحرب، حرب أحُد، (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)(2)، فأنتم السبب في حلوله بكم لاختياركم الفداء في حرب بدر...).

مثال آخر: الإعجاز الإلهي بفلق البحر لموسى (عليه السلام) وإغراق فرعون وجنوده، وكذلك الإعجاز الإلهي في إنقاذ نوح (عليه السلام) ومن معه وهم ثمانون فقط في السفينة، وإهلاك كافة الكافرين من أهل الأرض ونظائر ذلك، فهذا من جهة، ومن جهة أخرى عدم تدخل اللّه تعالى إعجازياً في إنزال العذاب الفوري على (نبوخذ نصر) والعديد من الطغاة الذين قتلوا الأنبياء وعاثوا في البلاد الفساد قال تعالى: (وَإِذا قيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَتَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ)(3) و(فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولي بَأْسٍ شَديدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ

ص: 77


1- تفسير القمي: ج1 ص126 وص270 ذيل آية (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئ ) بعدة صفحات، وراجع بحار الأنوار: ج20 ص66.
2- سورة آل عمران: 165.
3- سورة البقرة: 91.

وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفيراً)(1).

والذي يبدو أن مذهب أهل البيت (عليه السلام) كان معرّضاً للانقراض الكامل في فترات من أزمنة الأئمة (عليهم السلام) وذلك بسبب جور الأمويين والعباسيين المذهل وقتلهم الشيعة على التهمة والظنة - الحجاج مثلاً، المتوكل مثالاً آخر - وبسبب ماكنتهم الإعلامية الضخمة الهائلة التي تفعّلت أكثر زمن معاوية حتى بلغت إلى درجة أن يسبوا الإمام علياً (عليه السلام) على سبعين ألف أو على تسعين ألف منبر لمدة عشرات السنين(2) حتى تصور كثير من الناس أن علياً (عليه السلام) لم يكن يصلي!

ضرورة التدخل الإعجازي كضرورة التضحية الحسينية الفريدة

وحيث إن كافة الدول الإسلامية كانت بيد الأمويين والعباسيين، وحيث كان كل شيء بأيديهم: من الأموال الطائلة، والسجون والتعذيب، والإعلام المضلّل وعلماء البلاط المتكاثرين جداً، لذلك كان لا بد من:

أ - تضحية الإمام الحسين (عليه السلام) بنفسه وبكافة أهل بيته (عليهم السلام) بل وتعريض نسائه، وهنّ حرائر النبوة، للأَسْرِ بتلك الطريقة

ص: 78


1- سورة الإسراء: 5 - 6.
2- حتى زمن عمر بن العزيز (حكم سنة 99 حتى 101 ه)، وحتى في فترات بعده إذ استمر الإرهاب الشديد تجاه الشيعة حتى وإن لم يسبوا الإمام علي (عليه السلام) على المنابر (مثلاً زمن المتوكل "حكم سنة 232 حتى 247ه")

المأساوية المفجعة المذهلة.

ب - ثم التدخل الغيبي الإلهي بحفظ هذه الثورةوقدسيتها ورمزيتها وحيويتها، بشكل إعجازي، بأنحاء شتى؛ إذ كان يستحيل ظاهراً الحفاظ عليها بغير ذلك ولذلك تكررت الكرامات(1) وكان أهم وسيلة للحفاظ على الثورة وإعطائها زخماً مستمراً هو؛ بحسب هذا المبنى، أن يقدّر اللّه العلي القدير بأن يكون الشفاء تحت قبة الإمام الحسين (عليه السلام) وفي تربته فورياً وعامّاً كاملاً شاملاً لكل أحد، وغطى ذلك عدة مساحات زمنية مفتاحية، بحيث إن كل من كان يدعو تحت القبة الشريفة في فترات من زمن الإمامين الباقر والصادق 3 وفي بعض فترات سائر الأئمة (عليهم السلام)، كان يستجاب له فوراً (حتى وإن لم تتوفر فيه الشروط ولم تنتفِ فيه الموانع والمزاحمات التي أشرنا إليها آنفاً).

وذلك بأحد وجهين - على المبنيين -:

أ - إما بتقدير إلهي إعجازي مباشر.

ب - وإما بإعمال الأئمة (عليهم السلام) ولايتهم التكوينية فإنه إذا كان «أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ تَقُولُ لِلشَّيْ ءِ كُنْ فَيَكُونُ»(2) فما بالك بمن هم نفس الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلم) (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ)(3)

ص: 79


1- كتكلّم رأسه الشريف على رأس القنا، ومجيء الإمام السجاد (عليه السلام) الإعجازي إلى كربلاء... وهكذا
2- عدة الداعي: ص310 / وإرشاد القلوب: ج1 ص75.
3- سورة آل عمران: 61.

والذين ورد فيهم: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً)(1) وذلك كله عكس الحالات التي كان المذهب فيها مما لا يمكن اقتلاعه، حيث عادت عندئذٍ الأسباب الغيبية إلى اقتضاءاتها الطبيعية.

تنبيه: إن هذا المدعى في مرتبة متأخرة عنالمستظهر من الروايات، بمعنى أنه إن استظهرنا من نصوص: «مَا أَتَاهُ مَكْرُوبٌ إِلَّا نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ وَقَضَى حَاجَتَهُ» أن المراد تنفيس الكربة وقضاء الحاجة فوراً، وكون المقضيّ هو الحاجة التي طلبها العبد بنفسها، لا أخرى مماثلة أو أفضل منها، فلا نرفع اليد عن هذا الظهور إلا في الأزمنة التي ثبت فيها عدم قضاء الحاجات كلها بنحو الفور وبعينها هي، وحيث لم يثبت كون زمن صدور الروايات كذلك (مما لا تقضى فيه الحاجات فوراً) فنبقى على ظاهر الروايات وأنه قد تحقق ذلك (قضاء الحاجات فوراً بنفسها وجميعاً) في بعض أزمنتهم (عليهم السلام)، فهذا هو ما في المرتبة الأولى، ثم نأتي بعد ذلك لتحليل الوجه فيه (بعد فرض تسليمه) وكيفيته وأن وجهه وكيفيته بتدخل إعجازي غيبي إلهي (أو بإعمال ولائي) لقضاء كل الحاجات فوراً رغم عدم توفر الشروط أو وجود الموانع.

ومما يشهد على أن ظروف الصادقين (عليهم السلام) كانت استثنائية

ص: 80


1- سورة الأحزاب: 33.

جداً مما يعطي وجهاً لذلك المدعى(1) أو يكون مؤيداً على الأقل، العديد من الروايات الدالة على الإرهاب العام في بعض تلك الأزمنة، والمُوجّه خاصة نحو زوار الإمام الحسين (عليه السلام) والروايات الدالة على الخوف والرعب الذي كان يتملّك الزوار، ولذا أَكثَرَ الشيعة من السؤال عن حكم زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، رغم الخوف، بل رغم القطع بالضرر الكبير بل حتى درجة القتل ... ولذلك أيضاً حكم الإمامان 3 بجوازأو رجحان أو وجوب الزيارة رغم القطع بالضرر أو الظن به أو احتماله احتمالاً معتداً به، مع أن من الواضح أن (المستحب) وهو من اللاإقتضائيات لا يجوّز الحرام (إلقاء النفس في التهلكة أو في الضرر الكبير) التي هي من الاقتضائيات، مما لعله يستظهر منه ومن قرائن أخرى عديدة أن أصل المذهب كان متوقفاً على القيام بأمرين: تشريعي وتكويني:

أ - أما التشريعي فهو: تجويز الزيارة بل التحبيذ إليها بل إيجابها أحياناً رغم الضرر الكبير جداً المحتمل بل حتى المظنون بل حتى المقطوع، إذ كان الحفاظ على أصل المذهب (بل أصل الدين) متوقفاً على مثل ذلك فقد صار مقدمة الواجب بذلك.

ب - وأما التكويني فهو: التقدير الإعجازي الإلهي بالاستجابة الفورية لكافة أدعية من يزور الإمام الحسين (عليه السلام) كي يمنح ذلك

ص: 81


1- من التدخل الغيبي الإعجازي بقضاء كل الحاجات فوراً، لأجل حفظ منجزات النهضة الحسينية المباركة.

مصداقية غيبية كبرى للثورة الحسينية، لدى المسلمين، ويكون ذلك عاملاً أكيداً يحافظ على هذه الشعيرة المقدسة ويقاوم مفعول الإرهاب والقتل والتنكيل الشديد الذي كان يمارس بحق الزائرين.

«لَا تَدَعْ زِيَارَةَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) لِخَوْفٍ»

فلاحظ الروايات التالية الناهية عن ترك الزيارة لأجل الخوف (الأعم من السجن والقطع والقتل) والمحرّضة عليها رغم كل الأخطار:

فعن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قَالَ لِي:

«يَا مُعَاوِيَةُ لَا تَدَعْ زِيَارَةَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) لِخَوْفٍ، فَإِنَّمَنْ تَرَكَهُ رَأَى مِنَ الْحَسْرَةِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّ قَبْرَهُ كَانَ عِنْدَهُ، أَمَا تُحِبُّ أَنْ يَرَى اللَّهُ شَخْصَكَ وَسَوَادَكَ فِيمَنْ يَدْعُو لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّه علیه وآله وسلم) وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْأَئِمَّةُ (عليهم السلام)، أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَا مَضَى وَيَغْفِرُ لَكَ ذُنُوبَ سَبْعِينَ سَنَةً، أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ يُتْبَعُ بِهِ، أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ غَداً مِمَّنْ يُصَافِحُهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّه علیه وآله وسلم) »(1).

و: وقوله (عليه السلام): «لَا تَدَعْ زِيَارَةَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) لِخَوْفٍ» مطلق يشمل الخوف من السجن أو القطع أو القتل، بل كان موردها ذلك وأشباهه.

ص: 82


1- كامل الزيارات: ص117.

وعن زرارة قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): مَا تَقُولُ فِيمَنْ زَارَ أَبَاكَ عَلَى خَوْفٍ، قَالَ (عليه السلام): «يُؤْمِنُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَتَلَقَّاهُ الْمَلَائِكَةُ بِالْبِشَارَةِ، وَيُقَالُ لَهُ: لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي فِيهِ فَوْزُكَ»(1).

وعن ابن بكير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَنْزِلُ الْأَرَّجَانَ وَقَلْبِي يُنَازِعُنِي إِلَى قَبْرِ أَبِيكَ، فَإِذَا خَرَجْتُ فَقَلْبِي مُشْفِقٌ وَجِلٌ حَتَّى أَرْجِعَ خَوْفاً مِنَ السُّلْطَانِ وَالسُّعَاةِ وَأَصْحَابِ الْمَسَالِحِ، فَقَالَ (عليه السلام): «يَا ابْنَ بُكَيْرٍ أَمَا تُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ اللَّهُ فِينَا خَائِفاً، أَمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ مَنْ خَافَ لِخَوْفِنَا أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ، وَكَانَ مُحَدِّثُهُ الْحُسَيْنَ (عليه السلام) تَحْتَ الْعَرْشِ، وَآمَنَهُ اللَّهُ مِنْ أَفْزَاعِ الْقِيَامَةِ، يَفْزَعُ النَّاسُ وَلَا يَفْزَعُ، فَإِنْ فَزِعَ وَقَّرَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَسَكَّنَتْ قَلْبَهُ بِالْبِشَارَةِ»(2).

والثواب على قدر الخوف

وعن محمد بن مسلم في حديث طويل، قال: (قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ 3: «هَلْ تَأْتِي قَبْرَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)؟»، قُلْتُ: نَعَمْ عَلَى خَوْفٍ وَوَجَلٍ، فَقَالَ لَهُ: «مَا كَانَ مِنْ هَذَا أَشَدَّ فَالثَّوَابُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْخَوْفِ، وَمَنْ خَافَ فِي إِتْيَانِهِ آمَنَ اللَّهُ رَوْعَتَهُ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَانْصَرَفَ بِالْمَغْفِرَةِ، وَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ

ص: 83


1- كامل الزيارات: ص125.
2- كامل الزيارات: ص126.

الْمَلَائِكَةُ وَزَارَهُ النَّبِيُّ (صلی اللّه علیه وآله وسلم) وَدَعَا لَهُ وَانْقَلَبَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُ سُوءٌ وَاتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ» ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ)(1) ولاحظ تصريحه (عليه السلام) ب: «مَا كَانَ مِنْ هَذَا أَشَدَّ فَالثَّوَابُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْخَوْفِ».

مؤيدية ورود معظم الروايات عن الصادِقَين 3

ولعل مما يؤيد(2) ما ذكرناه من أن استجابة الدعاء لدى الحسين (عليه السلام) بقول مطلق وبنحو الفورية لكل شخص ولكل حاجة بدون استثناء كان خاصاً بفترات من أزمنتهم (عليهم السلام) إن الأعم الأغلب شبه المستغرق من الروايات الواردة في استجابة الدعاء عنده (عليه السلام) وَرَدَت من أحد الإمامين الباقر والصادق 3 مما يؤكد كون (مرحلتهما) مصيرية في مستقبل المذهب كله - بل والدين أيضاً - بحيث لو لم يقدّر اللّه تعالى تنجيز استجابة كافة الدعوات فوراً، وبحيث لو لم تجز (أو تجب) الزيارة في صورة الخوف الأكيد، لإنقرض المذهب، فلاحظ الروايات التالية وكونها صادرة كلها من أحد الإمامين3:

فعن فضيل بن يسار قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «إِنَّ إِلَى

ص: 84


1- كامل الزيارات: ص126.
2- تلاحظ العناية في اختيار كلمة (يؤيد) هنا وفيما سبق دون (يدل)، والفائدة من المؤيدات تجميع القرائن والتعاضد فان إفادت الاطمئنان فهو المطلوب، وإلا كفتنا أجوبة (المقتضي) و(إجابة الأدعية ولو بنحو آخر أو في زمن آخر) وشبهها.

جَانِبِكُمْ لَقَبْراً مَا أَتَاهُ مَكْرُوبٌ إِلَّا نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ وَقَضَى حَاجَتَهُ»(1).

وعنه عن عبيد اللّه بن نهيك عن محمد بن أبي عمير عن سلمة صاحب السابري عن أبي الصباح الكناني قال سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «إِنَّ إِلَى جَانِبِكُمْ قَبْراً مَا أَتَاهُ مَكْرُوبٌ إِلَّا نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ وَقَضَى حَاجَتَهُ، وَإِنَّ عِنْدَهُ لَأَرْبَعَةَ آلَافِ مَلَكٍ مُنْذُ قُبِضَ شُعْثاً غُبْراً يَبْكُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ زَارَهُ شَيَّعُوهُ إلى مأمنه، وَمَنْ مَرِضَ عَادُوهُ وَمَنْ مَاتَ اتَّبَعُوا جَنَازَتَهُ»(2) ولعل قوله (عليه السلام): «إِنَّ إِلَى جَانِبِكُمْ» يشعر(3) بكونه القضية خارجية إذ الخطاب كان لهم. ولكن كون مجرد صدور الروايات من أحدهما، مؤيداً - غير تام -، إلا بضميمة (الخوف) المصرح به في الروايات السابقة وشبه ذلك، فتأمل جيداً وتدبر.

وذِكر الإمام (عليه السلام) شروطاً للاستجابة أو لشفاء التربة

فهذا كله من جهة، ومن جهة أخرى نجد أن الإمام (عليه السلام) يذكر أحياناً شروطاً للاستجابة، ولعل ذلك كان في فترة تراخي قبضة السلاطين، مما لم تبق معه ضرورة لإعمال الولاية المطلقة وذلك فيما لو قلنا - كما سبق - بدلالة ظواهر تلك الروايات(4) على

ص: 85


1- كامل الزيارات: ص167.
2- كامل الزيارات: ص167.
3- لاحظ قولنا (يشعر) وليس (يدل).
4- (مَا أَتَاهُ مَكْرُوبٌ...)

الاستجابة الفورية العامة لكل الحاجات لكل أحد، وأما لو لم نقبل هذا المبنىفالأمر أوضح إذ تكون هذه الروايات وأشباهها مقيدة لإطلاق روايات «مَا أَتَاهُ مَكْرُوبٌ...» فلاحظ الروايات التالية:

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: «إِنَّ إِلَى جَانِبِهَا(1) قَبْراً لَا يَأْتِيهِ مَكْرُوبٌ فَيُصَلِّي عِنْدَهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إِلَّا رَجَعَهُ اللَّهُ مَسْرُوراً بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ»(2) فهنا نجد التقييد بصلاة أربع ركعات على أن تكون «عِنْدَهُ (عليه السلام) ». وذلك بناءً على أن المطلق والمقيد المثبتين يقيد أحدهما الآخر؛ فانه المتفاهم عرفاً، خلافاً لبعضٍ.

كما أن هناك روايات عديدة تصرح بأن الشفاء في تربته، ولكن بشروط خاصة:

عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي عن يونس بن الربيع: (عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إِنَّ عِنْدَ رَأْسِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) لَتُرْبَةً حَمْرَاءَ، فِيهَا شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ»، قَالَ: فَأَتَيْنَا الْقَبْرَ بَعْدَ مَا سَمِعْنَا هَذَا الْحَدِيثَ، فَاحْتَفَرْنَا عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ، فَلَمَّا حَفَرْنَا قَدْرَ ذِرَاعٍ ابْتَدَرَتْ عَلَيْنَا مِنْ رَأْسِ الْقَبْرِ مِثْلُ السِّهْلَةِ حَمْرَاءَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ، فَحَمَلْنَاهَا إِلَى الْكُوفَةِ فَمَزَجْنَاهُ، وَأَقْبَلْنَا نُعْطِي النَّاسَ يَتَدَاوَوْنَ بِهَا)(3) إذاً: الشرط للشفاء الأكيد الحتمي هو هذه (التربة الحمراء) وهي

ص: 86


1- الكوفة.
2- كامل الزيارات: ص167.
3- الكافي: ج4 ص588.

قليلة ولا يحصل عليها كل أحد، وأما سائر تربته (عليه السلام) (حتى أربعة أميال) ففيها الشفاء طبعاً، ولكن بنحو المقتضي (نعم هو مقتضٍ شديد الاقتضاء بدون شك).

ولاحظ هذه الروائية المطولة الرائعة:

عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): قَالَ كُنْتُ بِمَكَّةَ وَذَكَرَ فِي حَدِيثِهِ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي رَأَيْتُ أَصْحَابَنَا يَأْخُذُونَ مِنْ طِينِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) يَسْتَشْفُونَ بِهِ هَلْ فِي ذَلِكَ شَيْ ءٌ مِمَّا يَقُولُونَ مِنَ الشِّفَاءِ؟

قَالَ، قَالَ (عليه السلام): «يُسْتَشْفَى بِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَبْرِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَكَذَلِكَ طِينُ قَبْرِ جَدِّي رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه علیه وآله وسلم) وَكَذَلِكَ طِينُ قَبْرِ الْحَسَنِ وَعَلِيٍّ وَمُحَمَّدٍ فَخُذْ مِنْهَا فَإِنَّهَا شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ سُقْمٍ وَجُنَّةٌ مِمَّا تَخَافُ وَلَا يَعْدِلُهَا شَيْ ءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُسْتَشْفَى بِهَا إِلَّا الدُّعَاءُ.

وَإِنَّمَا يُفْسِدُهَا مَا يُخَالِطُهَا مِنْ أَوْعِيَتِهَا وَقِلَّةُ الْيَقِينِ لِمَنْ يُعَالِجُ بِهَا فَأَمَّا مَنْ أَيْقَنَ أَنَّهَا لَهُ شِفَاءٌ إِذَا تَعَالَجَ بِهَا كَفَتْهُ بِإِذْنِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِهَا مِمَّا يَتَعَالَجُ بِهِ، وَيُفْسِدُهَا الشَّيَاطِينُ وَالْجِنُّ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْهُمْ يَتَمَسَّحُونَ بِهَا وَمَا تَمُرُّ بِشَيْ ءٍ إِلَّا شَمَّهَا وَأَمَّا الشَّيَاطِينُ وَكُفَّارُ الْجِنِّ فَإِنَّهُمْ يَحْسُدُونَ ابْنَ آدَمَ عَلَيْهَا فَيَتَمَسَّحُونَ بِهَا فَيَذْهَبُ عَامَّةُ طِيبِهَا وَلَا يَخْرُجُ الطِّينُ مِنَ الْحَيْرِ إِلَّا وَقَدِ اسْتَعَدَّ لَهُ مَا لَا يُحْصَى مِنْهُمْ وَاللَّهِ إِنَّهَا لَفِي يَدَيْ صَاحِبِهَا وَهُمْ يَتَمَسَّحُونَ بِهَا، وَلَا يَقْدِرُونَ مَعَ

ص: 87

الْمَلَائِكَةِ أَنْ يَدْخُلُوا الْحَيْرَ.

وَلَوْ كَانَ مِنَ التُّرْبَةِ شَيْ ءٌ يَسْلَمُ مَا عُولِجَ بِهِ أَحَدٌ إِلَّا بَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ فَإِذَا أَخَذْتَهَا فَاكْتُمْهَا وَأَكْثِرْ عَلَيْهَا ذِكْرَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَأْخُذُ مِنَ التُّرْبَةِ شَيْئاً يَسْتَخِفُّ بِهِ حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَطْرَحُهَا فِي مِخْلَاةِ الْإِبِلِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ أَوْ فِي وِعَاءِ الطَّعَامِ وَمَا يَمْسَحُ بِهِ الْأَيْدِيَ مِنَ الطَّعَامِ وَالْخُرْجِ وَالْجَوَالِقِ فَكَيْفَ يَسْتَشْفِي بِهِ مَنْ هَذَا حَالُهُ عِنْدَهُ وَلَكِنَّ الْقَلْبَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ الْيَقِينُ مِنَ الْمُسْتَخِفِّبِمَا فِيهِ صَلَاحُهُ يُفْسِدُ عَلَيْهِ عَمَلَهُ»(1).

شروط الاستشفاء بالتربة

ويستفاد من هذا الحديث وجود شروط للاستشفاء بالتربة وهي:

1- اليقين أن التربة شفاء له حين يتعالج بها لا أن يأكلها شاكاً في أثرها أو مجرِّباً.

2 - أن يحفظها من أن يختلط بها شيء مما في الأوعية التي توضع فيها (كاختلاطها ببقايا طعام مشتبه أو بوساخات الكيس أو اليد أو ما أشبه).

3 - أن يحفظها من أن يتمسح بها الشياطين وكفار الجن، وذلك بحفظها وكتمانها والإكثار من ذكر اللّه تعالى عليها(2).

ص: 88


1- كامل الزيارات: ص280.
2- وفي بعض الروايات: أن يختمها فوراً بسورة القدر.

4 - احترامها وعدم الاستخفاف بها بأي وجه من الوجوه.

رواية رائعة جداً عن الشفاء الغيبي في التربة الحسينية

ولاحظ الرواية الأخرى الرائعة جداً:

وعن محمد بن مسلم قَالَ خَرَجْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَنَا وَجِعٌ، فَقِيلَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَجِعٌ فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) شَرَاباً مَعَ الْغُلَامِ مُغَطًّى بِمِنْدِيلٍ فَنَاوَلَنِيهِ الْغُلَامُ وَقَالَ لِي: اشْرَبْهُ فَإِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ لَا أَبْرَحَ حَتَّى تَشْرَبَهُ، فَتَنَاوَلْتُهُ؛ فَإِذَا رَائِحَةُ الْمِسْكِ مِنْهُ وَإِذَا شَرَابٌ طَيِّبُ الطَّعْمِ بَارِدٌ، فَلَمَّا شَرِبْتُهُ قَالَ لِيَ الْغُلَامُ: يَقُولُ لَكَ مَوْلَايَ: «إِذَا شَرِبْتَ فَتَعَالَ»، فَفَكَّرْتُ فِيمَا قَالَ لِي وَمَا أَقْدِرُ عَلَىالنُّهُوضِ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى رِجْلٍ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الشَّرَابُ فِي جَوْفِي فَكَأَنَّمَا نُشِطْتُ مِنْ عِقَالٍ فَأَتَيْتُ بَابَهُ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَصَوَّتَ بِي: «صَحَّ الْجِسْمُ ادْخُلْ»، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَأَنَا بَاكٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقَبَّلْتُ يَدَهُ وَرَأْسَهُ.

فَقَالَ لِي: «وَمَا يُبْكِيكَ يَا مُحَمَّدُ؟» فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَبْكِي عَلَى اغْتِرَابِي وَبُعْدِ الشُّقَّةِ وَقِلَّةِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُقَامِ عِنْدَكَ أَنْظُرُ إِلَيْكَ؟ فَقَالَ لِي: «أَمَّا قِلَّةُ الْقُدْرَةِ فَكَذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ أَوْلِيَاءَنَا وَأَهْلَ مَوَدَّتِنَا وَجَعَلَ الْبَلَاءَ إِلَيْهِمْ سَرِيعاً، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الْغُرْبَةِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا غَرِيبٌ وَفِي هَذَا الْخَلْقِ الْمَنْكُوسِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ بُعْدِ الشُّقَّةِ فَلَكَ

ص: 89

بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أُسْوَةٌ بِأَرْضٍ نَائِيَةٍ عَنَّا بِالْفُرَاتِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ حُبِّكَ قُرْبَنَا وَالنَّظَرِ إِلَيْنَا وَأَنَّكَ لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِكَ وَجَزَاؤُكَ عَلَيْهِ».

ثُمَّ قَالَ لِي: «هَلْ تَأْتِي قَبْرَ الْحُسَيْنِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ عَلَى خَوْفٍ وَوَجَلٍ فَقَالَ: «مَا كَانَ فِي هَذَا أَشَدَّ فَالثَّوَابُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْخَوْفِ فَمَنْ خَافَ فِي إِتْيَانِهِ آمَنَ اللَّهُ رَوْعَتَهُ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وَ انْصَرَفَ بِالْمَغْفِرَةِ وَ سَلَّمَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَ زَارَهُ النَّبِيُّ (صلی اللّه علیه وآله وسلم) وَمَا يَصْنَعُ وَدَعَا لَهُ وَانْقَلَبَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ».

ثُمَّ قَالَ لِي: «كَيْفَ وَجَدْتَ الشَّرَابَ؟» فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتِ الرَّحْمَةِ وَأَنَّكَ وَصِيُّ الْأَوْصِيَاءِ لَقَدْ أَتَانِي الْغُلَامُ بِمَا بَعَثْتَ وَمَا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَسْتَقِلَّ عَلَى قَدَمَيَّ وَلَقَدْ كُنْتُ آيِساً مِنْ نَفْسِي فَنَاوَلَنِي الشَّرَابَ فَشَرِبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُ مِثْلَ رِيحِهِ وَلَا أَطْيَبَ مِنْ ذَوْقِهِ وَلَا طَعْمِهِ وَلَا أَبْرَدَ مِنْهُ فَلَمَّا شَرِبْتُهُ قَالَ لِيَ الْغُلَامُ إِنَّهُ أَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ لَكَ إِذَاشَرِبْتَهُ فَأَقْبِلْ إِلَيَّ وَقَدْ عَلِمْتَ شِدَّةَ مَا بِي فَقُلْتُ لَأَذْهَبَنَّ إِلَيْهِ وَلَوْ ذَهَبَتْ نَفْسِي فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ وَكَأَنِّي أُنْشِطْتُ مِنْ عِقَالٍ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَكُمْ رَحْمَةً لِشِيعَتِكُمْ.

فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الشَّرَابَ الَّذِي شَرِبْتَهُ فِيهِ مِنْ طِينِ قُبُورِ آبَائِي وَهُوَ أَفْضَلُ مَا اسْتُشْفِيَ بِهِ فَلَا تَعْدِلَنَّ بِهِ فَإِنَّا نَسْقِيهِ صِبْيَانَنَا

ص: 90

وَنِسَاءَنَا فَنَرَى فِيهِ كُلَّ خَيْرٍ».

فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّا لَنَأْخُذُ مِنْهُ وَنَسْتَشْفِي بِهِ؟

فَقَالَ: «يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ فَيُخْرِجُهُ مِنَ الْحَيْرِ وَقَدْ أَظْهَرَهُ فَلَا يَمُرُّ بِأَحَدٍ مِنَ الْجِنِّ بِهِ عَاهَةٌ وَلَا دَابَّةٍ وَلَا شَيْ ءٍ بِهِ آفَةٌ إِلَّا شَمَّهُ فَتَذْهَبُ بَرَكَتُهُ فَيَصِيرُ بَرَكَتُهُ لِغَيْرِهِ وَهَذَا الَّذِي نَتَعَالَجُ بِهِ لَيْسَ هَكَذَا، وَلَوْ لَا مَا ذَكَرْتُ لَكَ مَا تَمَسَّحَ بِهِ شَيْ ءٌ وَلَا شَرِبَ مِنْهُ شَيْ ءٌ إِلَّا أَفَاقَ مِنْ سَاعَتِهِ وَمَا هُوَ إِلَّا كَحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَتَاهُ أَصْحَابُ الْعَاهَاتِ وَالْكُفْرِ وَالْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ لَا يَتَمَسَّحُ بِهِ أَحَدٌ إِلَّا أَفَاقَ، قَالَ: وَكَانَ كَأَبْيَضِ يَاقُوتَةٍ فَاسْوَدَّ حَتَّى صَارَ إِلَى مَا رَأَيْتَ».

فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ؟

فَقَالَ: «أَنْتَ تَصْنَعُ بِهِ مَعَ إِظْهَارِكَ إِيَّاهُ مَا يَصْنَعُ غَيْرُكَ تَسْتَخِفُّ بِهِ فَتَطْرَحُهُ فِي خُرْجِكَ وَ فِي أَشْيَاءَ دَنِسَةٍ فَيَذْهَبُ مَا فِيهِ مِمَّا تُرِيدُ بِهِ»، فَقُلْتُ: صَدَقْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ! قَالَ: «لَيْسَ يَأْخُذُهُ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ جَاهِلٌ بِأَخْذِهِ وَلَا يَكَادُ يَسْلَمُ بِالنَّاسِ».

فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَكَيْفَ لِي أَنْ آخُذَهُ كَمَا تَأْخُذُ؟ فَقَالَ لِي: «أُعْطِيكَ مِنْهُ شَيْئاً؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَإِذَا أَخَذْتَهُ فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟» قُلْتُ: أَذْهَبُ بِهِ مَعِي، قَالَ: «فِي أَيِّ شَيْ ءٍ تَجْعَلُهُ؟» قُلْتُ: فِي ثِيَابِي، قَالَ: «فَقَدْ رَجَعْتَ إِلَى مَاكُنْتَ تَصْنَعُ، اشْرَبْ عِنْدَنَا مِنْهُ حَاجَتَكَ وَلَا تَحْمِلْهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْلَمُ لَكَ»، فَسَقَانِي مِنْهُ مَرَّتَيْنِ

ص: 91

فَمَا أَعْلَمُ أَنِّي وَجَدْتُ شَيْئاً مِمَّا كُنْتُ أَجِدُ حَتَّى انْصَرَفْتُ»(1).

شاهدان آخران

والذي يؤكد أنّ (حتمية استجابة الدعاء تحت قبته الشريفة فوراً، لكل أحد ولكل حاجة(2)) كانت - على فرضها - خاصة بفترات من زمنهم (عليهم السلام) وليست عامة لكل الأزمان (وإن العام لكل الأزمان هو: كون الدعاء تحت القبة بنحو المقتضي شديد الاقتضاء فهي قضية حقيقية بنحو المقتضي القوي، فإن الاقتضاء درجات، فكما أن الدعاء مقتضٍ للاستجابة لكنه في المسجد أو في السَّحَر أقوى اقتضاءً بكثير فكذلك الدعاء تحت القبة أو عند قبره الشريف شديد الاقتضاء جداً) أقول: الذي يؤكد أن استجابة الحاجات عند الدعاء تحت القبة، هو بنحو المقتضي (شديد الاقتضاء) لا بنحو العلّة التامة لفورية قضاء نفس(3) كل الحاجات التي يطلبها كل الناس، أمران:

أولاً: إننا نجد الكثير من الناس يدعون اللّه تحت القبة ولا يستجاب لهم بنحو الفور وعلى حسب ما طلبوا، وإن قدّر اللّه تعالى أن يستجيب لهم بنحو آخر بأن يعوّضهم باستجابة حاجة أخرى لم يطلبوها مع كونها أهم جداً من الحاجة التي طلبوها، أو

ص: 92


1- كامل الزيارات: ص275.
2- لاحظ القيود.
3- نفس الحاجة التي طلبها العبد.

يعوّضهم في الآخرة بما لا قياس بينه وبين ما طلبوه في الدنيا بحيث أنهم لوعلموا ذلك لرجّحوا عدم تلبية حاجتهم الآن واصرّوا على تعويضهم في الآخرة ... إذاً: لا يراد من الاستجابة، في أزماننا، ما يتوهمه بعض الناس من الاستجابة الفورية، خاصة وإن قيد الفورية لم يرد في روايات «مَا أَتَاهُ مَكْرُوبٌ إِلَّا نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ وَقَضَى حَاجَتَهُ» وغاية الأمر ظهور في الفور، ولكنه معارض بأقوى منه في الروايات الأخرى المصرّحة بالتأخير لأجلٍ أو لمصلحةٍ.

ثانياً: إن الاستجابة الفورية لكل الحاجات لكل أحد وبحسب نفس طلبه وحاجته مناقض لكون الدنيا دار امتحان وابتلاء، وإلا (لو كانت استجابة الدعاء تحت القبة، والشفاء بأكل التربة، هي بنحو الفور لكل أحد) لترك الناس كافة، الأطباء وتوجهوا بمئات الملايين إلى كربلاء وأخذوا الشفاء، وبذلك كان يختلّ النظام الذي وضعه اللّه تعالى لهذا العالم: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)(1) و(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(2) و(كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا)(3) و(إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء

ص: 93


1- سورة العنكبوت: 1 - 3.
2- سورة البقرة: 155.
3- سورة الإسراء: 20.

وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ)(1).

من حدود قاعدة اللطف

وبوجه آخر: إن قاعدة (اللطف) لا تقتضي التدخل الإعجازي الإلهي في استجابة (الدعاء) وشفاء (التربة)في كل الأزمنة ولكل الأشخاص بنحو الفور، بل إنها تقتضي ذلك في صورة تعرّض أصل الدين والمذهب للخطر، فكلما كان في مظان أن يُطفأ هذا النور تماماً، فإنه يكون على القاعدة(2) أن يقتضي التقدير الإلهي رفع درجة المقتضي وزيادته ليوصله إلى مرتبة العلّة التامة حتى مع فقد الأشخاص للشروط أو ابتلائهم بالموانع أو القواطع أو الروافع أو المزاحمات.

وأخيراً: فإن هذا الوجه الرابع - وكما ذكرنا في المقدمة - هو وجه صناعي، نطرحه ليتناوله الأعلام الأفاضل بالبحث، والجرح أو التعديل والتقوية أو التضعيف، وليس للتبني، كما ضمّنّا ذلك في البحث عبر التعبير ب(على فرض...) وشبهه واللّه العالم.

استجابة الدعاء الشاملة في البرزخ والمحشر

وأخيراً: قد يقال إنه يستفاد من بعض الروايات أن قضية استجابة الدعاء لزوار الحسين (عليه السلام) تكون بنحو العلّية التامة، في

ص: 94


1- سورة الأعراف: 155.
2- لاحظ قولنا (على القاعدة).

البرزخ أو في يوم المحشر فقط (وأما في الدنيا فبنحو الاقتضاء).

أي إن زوار الحسين (عليه السلام) تقضى لهم الحاجات التي يطلبونها وهم في البرزخ أو بالمحشر، كلها سواء أتعلقت بشؤون الدنيا كالدعاء لبعض ذويهم، أم بشؤون الآخرة، فلاحظ الرواية التالية:

عن المفضل بن عمر قال قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) «كَأَنِّي(1) وَاللَّهِ بِالْمَلَائِكَةِ قَدْ زَاحَمُوا الْمُؤْمِنِينَ عَلَى قَبْرِالْحُسَيْنِ (عليه السلام) » قَالَ: قُلْتُ فَيَتَرَاءَوْنَ؟، قَالَ: «هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ قَدْ لَزِمُوا وَاللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَمْسَحُونَ وُجُوهَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ، قَالَ وَيُنْزِلُ اللَّهُ عَلَى زُوَّارِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) غُدْوَةً وَعَشِيَّةً مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ(2) وَخُدَّامُهُمُ الْمَلَائِكَةُ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهَا إِيَّاهُ» قَالَ قُلْتُ هَذِه:ِ وَاللَّهِ الْكَرَامَة.

قَالَ: «يَا مُفَضَّلُ أَزِيدُكَ قُلْتُ نَعَمْ سَيِّدِي قَالَ كَأَنِّي بِسَرِيرٍ مِنْ نُورٍ قَدْ وُضِعَ وَقَدْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ قُبَّةٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ مُكَلَّلَةٍ بِالْجَوْهَرِ وَكَأَنِّي بِالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) جَالِسٌ عَلَى ذَلِكَ السَّرِيرِ وَحَوْلَهُ تِسْعُونَ أَلْفَ قُبَّةٍ خَضْرَاءَ وَكَأَنِّي بِالْمُؤْمِنِينَ يَزُورُونَهُ وَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ أَوْلِيَائِي سَلُونِي فَطَالَمَا(3) أُوذِيتُمْ وَذُلِّلْتُمْ وَاضْطُهِدْتُمْ فَهَذَا يَوْمٌ لَا تَسْأَلُونِّي حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا

ص: 95


1- لعل المستظهر أنه (عليه السلام) كان ينظر إلى المؤمنين وهم في البرزخ أو في يوم المحشر.
2- وهذه قرينة على أن الأمر في عالم البرزخ أو المحشر.
3- وهذه قرينة على أن الأمر بعد عالم الدنيا.

قَضَيْتُهَا لَكُمْ فَيَكُونُ أَكْلُهُمْ وَشُرْبُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ فَهَذَا وَاللَّهِ الْكَرَامَةُ الَّتِي لَا انْقِضَاءَ لَهَا وَلَا يُدرك مُنْتَهَاهَا»(1). والظاهر أن آخرها قرينة على المراد من أولها، لا العكس.

ولكن هذا الوجه متأمل فيه، لمعارضته بالروايات الأكثر عدداً والأصح سنداً والأقوى دلالة على أن استجابة الدعاء هي في الدنيا أيضاً، فتدبر.

كيفية تأثير الأدعية في تغيير المقدرات التكوينية

وفي الخاتمة: قد يتساءل عن كيفية تأثير الأدعية في تغيير المقدرات التكوينية ذات الأسباب الطبيعية ،كالشفاء من المرض المستعصي أو قضاء الدين المتعسر أو اطلاق سراح السجين رغم فقد الأمل أو نزول المطر في الجدب، بعد الاستسقاء، أو سقوط الحاكم الظالم أو شبه ذلك؟!

وقد يجاب بوجوه، لكن الظاهر أن أتم الأجوبة وأكملها هو التفصيل:

أ - فقد يكون استجابة الدعاء عبر الإلقاء في الأذهان والتصرف في القلوب، بأن يلقي اللّه تعالى في ذهن الطرف الآخر قضاء الحاجة التي طلبتها من الآخرين، كرئيسك في العمل الذي طلبت منه ترقيتك مثلاً - وكنت لها أهلاً، لكنه كان متعنتاً - أو الغني الذي طلبت منه إلغاء طلبه وإسقاطه أو تأجيله أو المرأة الصالحة

ص: 96


1- كامل الزيارات: ص135.

التي أقدمتَ على الزواج بها فرفضت، أو الجار المشاكس الذي يزعجك دوماً.

وبعبارة أخرى: يلقي اللّه تعالى في ذهن من طلبت منه قضاء حاجتك أو في ذهن من بيده قضاء حاجتك وإن لم تطلب، أن يستجيب لك، وهو ما يعبر عنه ب(الإلهام)(1). وإلقاء اللّه تعالى في ذهن الطرف الآخر أو قلبه أمراً، قد يكون بطرق عديدة: فقد يكون بإلقاء المَلَك في ذهنه أمراً، وقد يكون لرؤيا رآها، وقد يكون لقراءته أو سماعه آية أو رواية أو موعظةً أو قصةً عن قضاء الحوائج أو عن الموت أو عن الجنة ونعيمها، فخطر بباله أن يقضي حاجتك.

ب - وقد تكون الاستجابة عبر تأثير الدعاء نفسهعلى بدن الإنسان أو نفسه أو روحه، كالمريض الذي يدعو اللّه تعالى ويلحّ لشفائه من مرض عضال، فإن تأثير الدعاء يفوق تأثير التلقين والإيحاء، ومن يذع بالعلاج بالتلقين النفسي والإيحاء الذاتي، فليس له أن يرفض تأثير الدعاء حتى إذا لم يعتقد بأثره الغيبي.

ج - وقد تكون الاستجابة عبر تسبيب الأسباب الطبيعية الأخرى، وذلك كمن يلح في الدعاء على اللّه تعالى لتوسعة رزقه، فيدفعه ذلك ليطالع ويستشير حول سبل إنتاج الثروة السهلة المحللة فيسلك ذلك الطريق فينجح، وهذا الوجه هو مزيج من الوجه

ص: 97


1- أو الوحي بالمعنى الأعم: (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (سورة النحل: 68) و(إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى )(سورة طه: 38) و(فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا)(سورة مريم: 11).

الأول والثاني.

د - وقد يقال: بأن للأدعية إضافة إلى جوانبها الغيبية وآثار المعنوية المسلّمة، (تموّجات) تكوينية وتأثيرات على الطبيعة نفسها، إضافة إلى تموجاتها على النفس والبدن والروح والعقل، فكما أن الأمواج الكهرومغناطيسية ذات تأثير حقيقي كذلك للدعاء تأثير تكويني حقيقي إضافة إلى تأثيره الغيبيي، وكما أن أشعة الليزر قادرة على ما لا تقدر عليه (المادة) كذلك الدعاء، وهذا كله للتقريب إلى الذهن، ولعل العلم يكتشف يوماً بعض التأثيرات التكوينية للدعاء، ويكفي ههنا الاحتمال، ولا يصح نفيه بدعوى أن العلم الحديث لم يثبته، إذ العلم مذعن بأنه غير محيط بأسرار هذا العالم، وعدم الثبوت لا يعني النفي، ومجرد هذا الاحتمال كافٍ حتى لغير المؤمن بفائدة الدعاء، لكي يحتاط إذا أراد حل مشكلته، بالتمسك بالدعاء إضافة إلى العمل وتسبيب الأسباب!

وبعبارة أخرى: قد يقال: إن الدعاء إضافة إلى كونه من علم الغيب فهو أيضاً من عالم (الطاقة) وعالم الطاقة أقوى من عالم (المادة)، ولكل منهما قوانين تحكمهما، كماأن للأدعية قوانين تحكمها - وهي الشروط السابقة الذكر ونظائرها -.

بعبارة ثالثة أشمل: إن الأدعية هي ملتقى عوالم ثلاث: عالم الغيب وعالم الطاقة وعالم المادة، ويقرّبه إلى الذهن ما يقال عن (الحفر السوداء في الفضاء) وما يقال عن (ميكانيكا الكم)

ص: 98

و(الفيزياء الكميّة)(1) وغيرها.

والأهم من ذلك إن الأدعية هي فوق ذلك كله تكتسب زخمها من عالم أسمى من المادة والطاقة، ولا مانعة جمع، واللّه العالم.

ه- - وقد تكون الاستجابة بخرق الأسباب الطبيعية كلها، وذلك كطوفان نوح ونار إبراهيم ويمّ موسى وإحياء الموتى على يد عيسى (عليهم السلام) وشق القمر ومشي الشجر وتكلم المدر لخير البشر المصطفى (صلی اللّه علیه وآله وسلم) وكرد الشمس لإمام الجن والإنس المرتضى (عليه السلام) وغيرها(2)، وكبعض الكرامات التي يحظى بها كبار الأولياء كطي الأرض والسماء والمشي على الماء والهواء، وشفاء المرضى بمجرد أن يمسح بعض الأولياء يده على المريض وبأيسر الدعاء.

والذي يبدو أن اللّه سبحانه جرت حكمته على أن يوجه الأسباب الغيبية نحو التسبيبات الطبيعية (كالوجوه الثلاثة الأولى) بأن يقّيّض للداعي له سبباً من الأسباب الطبيعية لتتحقق حاجته، وذلك كما جرت حكمته أن يقبض عزرائيل الأرواح ولكن مقارناً للأسباب الطبيعية منغرق أو حرق أو اصطدام أو جلطة أو شبه ذلك!

وأما تأثير الأدعية بخرق قوانين عالم الطبيعة كلها، فالذي

ص: 99


1- حيث تتصرف الجسيمات كأمواج وكجسيمات في الوقت نفسه و... وهي المسماة ب(Quantum).
2- نعم ليس كل مدّعٍ للكرامات بصادق! بل ما أكثر الكاذبين، فيجب الحذر وعدم التصديق بمجرد نقل هذا أو ذاك أو بمجرد مشاهدة ما يحتمل أن يكون له.

يبدو أنه الأقل إن لم يكن النادر، فإن لم يكن ذلك بندرة المعجزات فإنه يتلوها في الندرة، والفرق أن المعجزات خاصة بالأنبياء (عليهم السلام) أما الكرامات واستجابة الأدعية على خلاف التسبيبات الطبيعية فهو خاص بمن جمع كل الشروط الخمسة والعشرين السابقة (وغيرها أيضاً) إذ يكون حينئذٍ مصداق «أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ تَقُولُ لِلشَّيْ ءِ كُنْ فَيَكُونُ»(1) وذلك كله نظير طي الأرض والعين البرزخية وإحياء الميت نادراً على يد بعض الأولياء؛ ألا ترى أن الشخص لو دعا اللّه أن يرزقه ولداً وهو غير متزوج، استجاب اللّه دعاءه بأن يقيض له زوجة صالحة فتلد له ذكراً سوياً، وأما لو دعى اللّه أن يرزقه ولداً، ولم يتزوج ولو لكونه في السجن أو في جزيرة منعزلة أو غير ذلك أي حتى لو لم يكن مقصراً في تمهيد الأسباب، فإن اللّه لا يرزقه ولداً من دون زوجة كما لا يرزق المرأة، ولداً من دون زوج إلا بإعجاز إلهي نادر كما في ولادة عيسى (عليه السلام) من غير أب.

وبعبارة أخرى: جريت حكمة اللّه تعالى أن تكون الأسباب الغيبية في (طول) الأسباب الطبيعية لا في (عرضها) وبموازاتها، أي لم يجعلها اللّه تعالى - عادة - بديلاً عن الأسباب الطبيعية بل جعلها مهيمنة عليها، بمعنى أنه اقتضت حكمته جل اسمه جعل الغيبيات موجِّهة للطبيعيات أي مفعّلة للأسباب الطبيعية ولذا ورد: «اعْقِلْ

ص: 100


1- عدة الداعي: ص310 / وإرشاد القلوب: ج1 ص75.

وتَوَكَّلْ»(1) ويدل عليه قوله: « أَبَى اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ الْأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَابٍ فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً وَ...»(2) والطبيعيات أسباب، والغيبيات أسباب فوقها في طولها واللّه منا ورائهم محيط قال تعالى: (وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَليماً حَكيماً)(3) و(أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)(4) (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى )(5).

وماذا عن الأوبئة والحروب والفقر والبطالة؟

فهذا كله عن المصائب الشخصية والمشاكل الخاصة بكل شخصٍ شخصٍ، كمرضٍ أو دين أو ما أشبه، وأما المصائب العامة كحرب ذرية أو نووية تقع بين الدول العظمى والتي قد تقضي على عشرات الملايين من الناس، أو كحرب كلاسيكية بين مختلف الدول المتجاورة، وكوباء عام قد يقضي على مئات الألوف أو الأكثر، فإن المعادلة تتلخص في أمرين - إضافة إلى ما سبق في الأجوبة الثلاثة الأولى(6) -.

ص: 101


1- عوالي اللئالي: ج1 ص75.
2- الكافي: ج1 ص183.
3- سورة الإنسان: 30.
4- سورة الواقعة: 64.
5- سورة الأنفال: 17.
6- إن الدعاء مقتضٍ للإجابة وليس علّة تامة، وإن استجابته مرتهنة بتحقق شروط كثيرة، وإن الاستجابة قد تكون بنحو آخر أو في زمن آخر.

1 - على الناس تقع مسؤولية قراراتهم وتقصيرهم في المقدمات

الأمر الأول: إن اللّه تعالى جرت حكمته - عموماً - بعدم إلغاء قانون الأسباب والمسببات الطبيعية التي وضعها لهذا العالم وهندَسَها عليه(1) وإلا لتحولت الدنيا إلى جنةأرضية ولم تكن هذه الدنيا هي هذه الدنيا! وكان كلما حلّ بلاء عام فلجأ الناس إلى الدعاء وحده، فانحلت كافة المشاكل العامة فوراً (كالتضخم والغلاء، والفقر والبطالة والحروب والوباء وغيرها) وهذا التوقع للتدخل الغيبي المتواصل ل(الدعاء) في تغيير عالم الأسباب والمسببات، خطأ؛ إذ «أَبَى اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ الْأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَابٍ فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً وَ...» وقال تعالى: (فَأَتْبَعَ سَبَباً)(2) وقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلم): «اعْقِلْ وتَوَكَّلْ»، وقال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)(3).

وعليه: فإنه تقع على أكتاف عامة الناس ومؤسسات المجتمع المدني والخبراء والعلماء والرأي العام، مسؤولية منع حكومات بلادهم من صناعة أو تطوير الأسلحة النووية أو الجرثومية أو البيولوجية، ومنع دخول حكومات بلادهم في حروب مع دول

ص: 102


1- أو فقل إلا تسامحاً: هندسها عليه، اللّهم في الموارد النادرة.
2- سورة الكهف: 85.
3- سورة الأنفال: 60.

أخرى قد تتكرر فيها فجائع الحرب العالمية الأولى والثانية وجرائر مختلف الحروب في مختلف الدول، ومنع حكوماتهم والشركات الربحية الخاصة من إجراء تجارب مختبرية جرثومية وشبهها مما يحتمل تسربه إلى الخارج بشكل من الأشكال، كما كان يجب على الناس سابقاً ردم المستنقعات التي تحيط بالمدن، والتي كانت المنشأ الأساسي لانتشار البعوض الحامل لوباء الطاعون وغيره.

والحاصل: إن الناس يتحملون مسؤولية قراراتهم التي اتخذوها بأنفسهم، ولا يصح لهم أن يعترضوا على اللّه تعالى كلما اساءوا اتخاذ القرار أو لم يقدموا المقدماتالمطلوبة ولم يقوموا بتمهيد التمهيدات اللازمة! ألا ترى أن الطالب لو تكاسل فبقي أمياً حتى كبر، أنه لا يصح له أن يتمسك الآن بالدعاء ليصبح فجأة من كبار العلماء! كذلك الأمم فإذا اختار الناس حاكماً مستبداً(1) فإن عليهم أن يتحملوا مسؤولية مغامراته ودكتاتوريته، وإذا خضع الناس لحكم طاغية مستبد(2)، ولم يثوروا بوجهه كلهم أجمعون فإنه سيجر عليهم الدواهي والويلات.

بل إنهم إذا اختاروا حاكماً ثم انحرف وطغى أو ظهر كون اختيارهم خاطئاً، فإن عليهم أن يتّحدوا جميعاً لإسقاطه، فإذا فعلوا ذلك سقط، وإن لم يفعلوا بقي وأذاقهم الأمرين عذاباً وهواناً

ص: 103


1- كهتلر.
2- كصدام والقذافي.

وفي الحديث: «لَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيُوَلِّيَ اللَّهُ أَمْرَكُمْ شِرَارَكُمْ ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ»(1)، والنهي عن المنكر له مظهران ومصداقان:

أ - نهي الحكومات وردعها عن ارتكاب المنكرات وعلى رأسها ظلم العباد وسرقة أموالهم وسحق حقوقهم.

ب - ونهي آحاد الناس عن المعاصي، والغريب أننا نهتم عادة بالنوع الثاني من النهي عن المنكر ونهمل النوع الأول (نهي الحكومات وردعها عن المنكر والوقوف بوجهها كي لا تتمادى في الطغيان).

ومما يوضح ذلك أكثر المثال التالي: فإن الناس إذا انتخبوا - مثلاً - حكومة انتهجت منهج اقتصاديات جانب العرض والتشدد النقدي وخفض عرض النقود، لأجل كسر التضخم، مع تخفيضات كبيرة في الضرائبعلى دخول الأغنياء، بتوهم أن ذلك يؤدي إلى تحفيز الاقتصاد والتوسع في استخدام العمالة والإنتاج، مع خفض الإنفاق الحكومي، فإن من الطبيعي في اقتصاد عالم اليوم أن ينتج ذلك ارتفاع نسبة البطالة، وبالملايين(2) ولا يمكن

ص: 104


1- تحف العقول: ص197 / والكافي: ج7 ص51.
2- كما حدث في زمن الرئيس الأمريكي ريغان مثلاً، حيث اتبع هذه السياسة فارتفعت البطالة إلى 12(عليهم السلام) عام 1981 وهو أعلى معدل للبطالة منذ الكساد العظيم عام 1929، كما ارتفع الدين القومي أثر خفض الضرائب وزيادة الإنفاق العسكري وعمق الركود، إلى 3.2 تريليون دولار!.

للناس وللملايين من العمال الذين سُرِّحوا من أعمالهم أن يعتبوا على اللّه تعالى ويطلبوا منه أن يحلّ مشكلة البطالة بإعجاز إلهي لمجرد أنهم بدأوا بالدعاء في الكنائس أو غيرها، بل يكون عليهم تغيير الحكومة أو الضغط عليها لتغيير سياستها الاقتصادية إذا شاؤوا أن تتوفر فرص العمل لملاين الناس.. وهكذا وهلم جرّا.

2 - وأما مع القصور والعجز الحقيقي فالحل في:

الأمر الثاني: إن المطلوب - وكما سبق - تمهيد كافة الأسباب الطبيعية، فإذا فعل الناس ذلك وحلّ بهم البلاء العام، فإذا ارادوا ارتفاعه بشكل إعجازي فإن عليهم الالتزام بأمرين:

أ - تهذيب الناس أنفسهم وتزكيتها بشكل متكامل

الأول: تهذيب الأنفس وتزكيتها والانقلاع عن كافة أنواع المعاصي من ظلم وغصب وغش واحتكار ورشوة وربا وزنا وكذب وغيبة ونميمة وغيرها؛ إذ كيف يتوقّع الناس تدخلاً إعجازياً من اللّه تعالى في خرق قوانين الطبيعة، وهم يعصونه ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً؟! مع أنهتعالى قال: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(1) وقال: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)(2)

ص: 105


1- سورة الأعراف: 96.
2- سورة المائدة: 66.

و(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّريقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً)(1).

كما قال جل اسمه: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ)(2) و(تغيير الناس ما بأنفسهم) يكون بأمرين: الأخذ بالأسباب الطبيعية والأخذ بالأسباب الغيبية جميعاً، والغريب أننا نجد الناس يتوقعون من اللّه تعالى تغيير معادلات الكون وهم يتقاعسون عن تغيير أنفسهم كما طلبه منهم جل اسمه؟!

ب - انقطاع الجميع إلى اللّه في مظاهر عامة للدعاء

الثاني: انقطاع الجميع إلى اللّه تعالى، في مظاهر عامة للدعاء، فكما أن البلاء بلاء عام، فكذلك يجب أن تكون مظاهر الأدعية عامة، وذلك بأن تتحول البلاد كلها، بمدارسها وشركاتها ووزاراتها وساحاتها وحدائقها ومنازلها إضافة إلى مساجدها وحسينياتها، إلى قطعة من الدعاء والتضرع والتهجد والتوسل والبكاء.

ويرشد إلى ذلك ما ورد في صلاة الاستسقاء من خروج الناس كلهم إلى الصحاري رجالاً ونساء وأطفالاً وهم يبكون ويتضرعون ويضجون إلى اللّه تعالى، مع صدق النية وحسن الطويّة والتوبة والندم على ما فرطوافي جنب اللّه؛ وعندئذٍ فإن لهم أن يتوقعوا الفرج بين لحظة وأخرى قال تعالى: (فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ

ص: 106


1- سورة الجن: 16.
2- سورة الرعد: 11.

بَأْسُنا تَضَرَّعُوا)(1).

وفي قصة قوم يونس (عليه السلام) شاهد ودليل

وفيما فعل قوم يونس (عليه السلام) من ألوان الاستغاثة باللّه تعالى، المرشد والدليل لما يجب أن تكون عليه كيفية الدعاء والاستغاثة عند البلايا العامة وقد جاء (عن الإمام أبى جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «إنّ يونس لمّا أذاه قومه دعا اللّه عليهم فاصبحوا أوّل يوم ووجوههم صفرة واصبحوا اليوم الثانى ووجوههم سود، قال: وكان اللّه واعدهم أن يأتيهم العذاب فأتاهم العذاب حتّى نالوه برماحهم، ففرّقوا بين النساء وأولادهنّ، والبقر وأولادها، ولبسوا المسوح والصوف ووضعوا الحبال فى أعناقهم والرماد على رءوسهم وضجّوا ضجّة واحدة إلى ربهم وقالوا آمنا باله يونس (عليه السلام) » قال: «فصرف اللّه عنهم العذاب إلى جبال آمد». قال: وأصبح يونس (عليه السلام) وهو يظنّ أنهم هلكوا فوجدهم فى عافية»(2).

فقد جاء في تفسير القمي (رحمه اللّه): عنِ ابن أبي عمير عن جميل قال: قال لي أَبو عبدِ اللَّهِ (عليه السلام): «مَا رَدَّ اللَّهُ الْعَذَابَ إِلَّا عَنْ قَوْمِ يُونُسَ (عليه السلام)، وَكَانَ يُونُسُ (عليه السلام) يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَيَأْبَوْا ذَلِكَ، فَهَمَّ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِمْ وَكَانَ فِيهِمْ رَجُلَانِ عَابِدٌ وَعَالِمٌ، وَكَانَ اسْمُ

ص: 107


1- سورة الأنعام: 43.
2- تفسير الصافي: ج2 ص426.

أَحَدِهِمَا مَلِيخَا وَالْآخَرُ اسْمُهُ رُوبِيلَ، فَكَانَ الْعَابِدُ يُشِيرُ عَلَى يُونُسَ (عليه السلام) بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ، وَ كَانَ الْعَالِمُ يَنْهَاهُ وَ يَقُولُ: لَا تَدْعُعَلَيْهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ يَسْتَجِيبُ لَكَ، وَ لَا يُحِبُّ هَلَاكَ عِبَادِهِ، فَقَبِلَ قَوْلَ الْعَابِدِ وَلَمْ يَقْبَلْ مِنَ الْعَالِمِ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ، يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فِي سَنَةِ كَذَا وَ كَذَا فِي شَهْرِ كَذَا وَ كَذَا، فِي يَوْمِ كَذَا وَ كَذَا، فَلَمَّا قَرُبَ الْوَقْتُ خَرَجَ يُونُسُ (عليه السلام) مِنْ بَيْنِهِمْ مَعَ الْعَابِدِ، وَ بَقِيَ الْعَالِمُ فِيهَا، فَلَمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ نَزَلَ الْعَذَابُ فَقَالَ الْعَالِمُ لَهُمْ: يَا قَوْمِ افْزَعُوا إِلَى اللَّهِ، فَلَعَلَّهُ يَرْحَمُكُمْ وَ يَرُدُّ الْعَذَابَ عَنْكُمْ!، فَقَالُوا: كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: اجْتَمِعُوا وَ اخْرُجُوا إِلَى الْمَفَازَةِ، وَ فَرِّقُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَ الْأَوْلَادِ، وَ بَيْنَ الْإِبِلِ وَأَوْلَادِهَا، وَ بَيْنَ الْبَقَرِ وَ أَوْلَادِهَا وَ بَيْنَ الْغَنَمِ وَ أَوْلَادِهَا، ثُمَّ ابْكُوا وَ ادْعُوا. فَذَهَبُوا وَ فَعَلُوا ذَلِكَ وَ ضَجُّوا وَ بَكَوْا، فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ وَ صَرَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، وَفَرَّقَ الْعَذَابَ عَلَى الْجِبَالِ، وَ قَدْ كَانَ نَزَلَ وَ قَرُبَ مِنْهُمْ، فَأَقْبَلَ يُونُسُ (عليه السلام) لِيَنْظُرَ كَيْفَ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، فَرَأَى الزَّارِعِينَ يَزْرَعُونَ فِي أَرْضِهِمْ، قَالَ لَهُمْ: مَا فَعَلَ قَوْمُ يُونُسَ؟! فَقَالُوا لَهُ - وَلَمْ يَعْرِفُوهُ -: إِنَّ يُونُسَ دَعَا عَلَيْهِمْ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَنَزَلَ الْعَذَابُ عَلَيْهِمْ، فَاجْتَمَعُوا وَ بَكَوْا وَ دَعَوْا، فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ وَ صَرَفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَفَرَّقَ الْعَذَابَ عَلَى الْجِبَالِ، فَهُمْ إِذاً يَطْلُبُونَ يُونُسَ لِيُؤْمِنُوا بِه »(1).

ص: 108


1- تفسير القمي (رحمه اللّه):ج1 ص318.

وجاء في تفسير العياشي: (وَ أَقَامَ رُوبِيلُ مَعَ قَوْمِهِ فِي قَرْيَتِهِمْ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ شَوَّالٌ صَرَخَ رُوبِيلُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ فِي رَأْسِ الْجَبَلِ إِلَى الْقَوْمِ: أَنَا رُوبِيلُ شَفِيقٌ عَلَيْكُمْ الرَّحِيمُ بِكُمْ [إِلَى رَبِّهِ قَدْ أَنْكَرْتُمْ عَذَابَ اللَّهِ] هَذَا شَوَّالٌ قَدْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ، وَ قَدْ أَخْبَرَكُمْ يُونُسُ (عليه السلام) نَبِيُّكُمْ وَرَسُولُ رَبِّكُمْ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّ الْعَذَابَ يَنْزِلُ عَلَيْكُمْ فِي شَوَّالٍ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ بَعْدَ طُلُوعِالشَّمْسِ، وَ لَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ رُسُلَهُ، فَانْظُرُوا مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ؟! فَأَفْزَعَهُمْ كَلَامُهُ وَوَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ تَحْقِيقُ نُزُولِ الْعَذَابِ، فَأَجْفَلُوا نَحْوَرُوبِيلَ وَ قَالُوا لَهُ: مَا ذَا أَنْتَ مُشِيرٌ بِهِ عَلَيْنَا يَا رُوبِيلُ فَإِنَّكَ رَجُلٌ عَالِمٌ حَكِيمٌ، لَمْ نَزَلْ نَعْرِفُكَ بِالرِّقَّةِ [الرَّأْفَةِ] عَلَيْنَا وَالرَّحْمَةِ لَنَا، وَقَدْ بَلَغَنَا مَا أَشَرْتَ بِهِ عَلَى يُونُسَ فِينَا، فَمُرْنَا بِأَمْرِكَ وَ أَشِرْ عَلَيْنَا بِرَأْيِكَ، فَقَالَ لَهُمْ رُوبِيلُ: فَإِنِّي أَرَى لَكُمْ وَ أُشِيرُ عَلَيْكُمْ، أَنْ تَنْظُرُوا وَ تَعَمَّدُوا إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ، أَنْ تَعْزِلُوا الْأَطْفَالَ عَنِ الْأُمَّهَاتِ، فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ فِي طَرِيقِ الْأَوْدِيَةِ، وَ تَقِفُوا النِّسَاءَ فِي سَفْحِ الْجَبَلِ [وَ كُلَّ الْمَوَاشِي جَمِيعاً عَنْ أَطْفَالِهَا] وَ يَكُونُ هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ [فَإِذَا رَأَيْتُمْ رِيحاً صَفْرَاءَ أَقْبَلَتْ مِنَ الْمَشْرِقِ] فَعِجُّوا عَجِيجَ الْكَبِيرِ مِنْكُمْ وَ الصَّغِيرِ بِالصُّرَاخِ وَالْبُكَاءِ وَ التَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ وَ التَّوْبَةِ إِلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُ، وَ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ إِلَى السَّمَاءِ وَ قُولُوا: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَكَذَّبَنَا نَبِيَّكَ وَ تُبْنَا إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِنَا، وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ

ص: 109

الْمُعَذَّبِينَ، فَاقْبَلْ تَوْبَتَنَا وَ ارْحَمْنَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ثُمَّ لَا تَمَلُّوا مِنَ الْبُكَاءِ وَ الصُّرَاخِ، وَ التَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ وَ التَّوْبَةِ إِلَيْهِ، حَتَّى تَوَارَى الشَّمْسُ بِالْحِجَابِ، أَوْ يَكْشِفُ اللَّهُ عَنْكُمْ الْعَذَابَ قَبْلَ ذَلِكَ.

فَأَجْمَعَ رَأْيُ الْقَوْمِ جَمِيعاً عَلَى أَنْ يَفْعَلُوا مَا أَشَارَ بِهِ عَلَيْهِمْ رُوبِيلُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ الَّذِي تَوَقَّعُوا فِيهِ الْعَذَابَ تَنَحَّى رُوبِيلُ عَنِ الْقَرْيَةِ حَيْثُ يَسْمَعُ صُرَاخَهُمْ وَ يَرَى الْعَذَابَ إِذَا نَزَلَ.

فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَعَلَ قَوْمُ يُونُسَ (عليه السلام) مَا أَمَرَهُمْ رُوبِيلُ بِهِ، فَلَمَّا بَزَغَتِ الشَّمْسُ أَقْبَلَتْ رِيحٌصَفْرَاءُ مُظْلِمَةً مُسْرِعَةً لَهَا صَرِيرٌ وَ حَفِيفٌ وَ هَدِيرٌ، فَلَمَّا رَأَوْهَا عَجُّوا جَمِيعاً بِالصُّرَاخِ وَالْبُكَاءِ وَ التَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ، وَتَابُوا إِلَيْهِ وَ اسْتَغْفَرُوهُ، وَصَرَخَتِ الْأَطْفَالُ بِأَصْوَاتِهَا تَطْلُبُ أُمَّهَاتِهَا، وَ عَجَّتْ سِخَالُ الْبَهَائِمِ تَطْلُبُ الثَّدْيَ، وَعَجَّتِ الْأَنْعَامُ تَطْلُبُ الرَّعْيَ»(1).

وجاء في تفسير مجمع البيان: (إن قوم يونس (عليه السلام) كانوا بنينوى من أرض الموصل، وكان يدعوهم إلى الإسلام فأبوا، فأخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث إن لم يتوبوا، فقالوا: إنا لم نجرب عليه كذبا، فانظروا فإن بات فيكم تلك الليلة، فليس بشئ، وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم.

فلما كان في جوف الليل خرج يونس (عليه السلام) من بين أظهرهم، فلما أصبحوا تغشّاهم العذاب، قال وهب: أغامت السماء غيما

ص: 110


1- تفسير العياشي: ج2 ص131 - 132.

أسود هائلاً، يدخن دخاناً شديداً، فهبط حتى غشي مدينتهم، واسودت سطوحهم. وقال ابن عباس: كان العذاب فوق رؤوسهم قدر ثلثي ميل.

فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك، فطلبوا نبيهم فلم يجدوه، فخرجوا إلى الصعيد بأنفسهم، ونسائهم، وصبيانهم، ودوابهم، ولبسوا المسوح، وأظهروا الإيمان والتوبة، وأخلصوا النية، وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والأنعام، فحنّ بعضها إلى بعض، وعلت أصواتها، واختلطت أصواتها بأصواتهم، وتضرعوا إلى اللّه عز وجل، وقالوا: آمنا بما جاء به يونس (عليه السلام). فرحمهم ربهم واستجاب دعاءهم وكشف عنهم العذاب بعد ما أظلهم.

قال عبد اللّه بن مسعود: بلغ من توبة أهل نينوى أنترادّوا المظالم بينهم حتى كان الرجل ليأتي الحجر، وقد وضع عليه أساس بنيانه فيقتلعه ويرده.

وروي عن أبي مخلد أنه قال: لما غشي قوم يونس (عليه السلام) العذاب، مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم، فقالوا له: لقد نزل بنا العذاب، فما ترى؟ قال: قولوا: (يا حي حين لا حي، ويا حي محيي الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت) فقالوها، فانكشف عنهم العذاب)(1). فلاحظ كيف أنهم ضجوا إلى اللّه تعالى بالدعاء والتضرع من جهة وبالتوبة قولاً وعملاً وسلوكاً من جهة أخرى،

ص: 111


1- مجمع البيان في تفسير القرآن: ج5 ص229 - 230.

وكيف لجأوا إلى ألوان مختلفة من مظاهر الدعاء والانقطاع إلى اللّه تعالى حتى استجاب اللّه لهم، وهل فعلنا مثل ذلك حتى نتوقع ارتفاع أنواع البلاء؟

فهذا بحث موجز مختصر حول وجه عدم استجابة بعض الأدعية، وحول شروط استجابة الدعاء(1)، والمأمول أن يوفقنا الرب الكريم لكتابة بحث فقهي - أصولي، مستوعب عن المسألتين نتتبع فيه كافة الأدلة بأسانيدها ومرجّحاتها، وبدلالاتها ووجوه الجمع العرفي بينها أو الجمع بينها بما عليه شاهد من الروايات وغير ذلك. واللّه الهادي.

وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.

ص: 112


1- وهناك مطالب وفوائد ونقاط هامة أخرى كثيرة تجدها في مباحث الدعاء من (مرآة العقول) للعلامة المجلسي (رحمه اللّه)، وفي كتاب (الفقه/ الآداب والسنن) للسيد الوالد (رحمه اللّه) وفي كتاب (شرح أصول الكافي) للسيد الأخ، وغيرها.

بسم اللّه الرحمن الرحيم

اللّهمَّ صَلِّ عَلَى حُجَّتِكَ وَوَلِيِّ أَمْرِكَ وَصَلِّ عَلَى جَدِّهِ مُحَمَّدٍ رَسُولِكَ السَّيِّدِ الْأَكْبَرِ وَصَلِّ عَلَى عَلِيٍّ أَبِيهِ السَّيِّدِ الْقَسْوَرِ وَحَامِلِ اللِّوَاءِ فِي الْمَحْشَرِ وَسَاقِي أَوْلِيَائِهِ مِنْ نَهَرِ الْكَوْثَرِ وَالْأَمِيرِ عَلَى سَائِرِ الْبَشَرِ الَّذِي مَنْ آمَنَ بِهِ فَقَدْ ظَفَرَ(1) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَقَدْ(2) خَطَرَ وَكَفَرَ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَعَلَى أَخِيهِ وَعَلَى نَجْلِهِمَا الْمَيَامِينِ الْغُرَرِ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَمَا أَضَاءَ قَمَرٌ وَعَلَى جَدَّتِهِ الصِّدِّيقَةِ الْكُبْرَى فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ بِنْتِ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى وَعَلَى مَنِ اصْطَفَيْتَ مِنْ آبَائِهِ الْبَرَرَةِ وَعَلَيْهِ أَفْضَلَ وَأَكْمَلَ وَأَتَمَّ وَأَدْوَمَ وَأَكْبَرَ وَأَوْفَرَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْفِيَائِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ.

وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلَاةً لَا غَايَةَ لِعَدَدِهَا وَلَا نِهَايَةَ لِمَدَدِهَا وَلَا نَفَادَ لِأَمَدِهَا اللّهمَّ وَأَقِمْ(3) بِهِ الْحَقَّ وَأَدْحِضْ بِهِ الْبَاطِلَ وَأَدِلْ بِهِ أَوْلِيَاءَكَ وَأَذْلِلْ بِهِ أَعْدَاءَكَ.

وَصِلِ اللّهمَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وُصْلَةً تُؤَدِّيَ إِلَى مُرَافَقَةِ سَلَفِهِ وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَأْخُذُ بِحُجْزَتِهِمْ وَيُمَكَّنُ(4) فِي ظِلِّهِمْ وَ أَعِنَّا عَلَى تَأْدِيَةِ حُقُوقِهِ إِلَيْهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي طَاعَتِهِ وَالِاجْتِنَابِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ.

ص: 113


1- (شَكَرَ).
2- (وَ مَنْ أَبَا فَقَدْ).
3- (أَعِزَّ).
4- (وَيَمْكُثُ).

وَامْنُنْ عَلَيْنَا بِرِضَاهُ وَ هَبْ لَنَا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَدُعَاءَهُ وَخَيْرَهُ مَا نَنَالُ بِهِ سَعَةًمِنْ رَحْمَتِكَ وَ فَوْزاً عِنْدَكَ وَ اجْعَلْ صَلَاتَنَا بِهِ مَقْبُولَةً وَ ذُنُوبَنَا بِهِ مَغْفُورَةً وَ دُعَائَنَا بِهِ مُسْتَجَاباً وَاجْعَلْ أَرْزَاقَنَا بِهِ مَبْسُوطَةً وَهُمُومَنَا بِهِ مَكْفِيَّةً وَحَوَائِجَنَا بِهِ مَقْضِيَّةً وَأَقْبِلْ إِلَيْنَا بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَاقْبَلْ تَقَرُّبَنَا إِلَيْكَ وَانْظُرْ إِلَيْنَا نَظِرَةً رَحِيمَةً نَسْتَكْمِلُ بِهَا الْكَرَامَةَ عِنْدَكَ ثُمَّ لَا تَصْرِفْهَا عَنَّا بِجُودِكَ وَاسْقِنَا مِنْ حَوْضِ جَدِّهِ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِكَأْسِهِ وَبِيَدِهِ رَيّاً رَوِيّاً هَنِيئاً سَائِغاً لَا ظَمَأَ بَعْدَهُ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين.

ص: 114

فهرس المصادر

* القرآن الكريم

* نهج البلاغة

* الكافي الشريف

1. التبيان في تفسير القرآن / للشيخ الطوسي، دار إحياء التراث العربي بيروت، الطبعة الأولى.

2. تفسير الصافي / للفيض الكاشاني، مكمتبة الصدر طهران، الطبعة الثانية: 1415 ه.

3. تفسير القمي / لعلي بن محمد القمي، دار الكتاب قم، الطبعة الثالثة:1405 ه.

4. مجمع البيان في تفسير القرآن / للشيخ الطبرسي، مؤسسة الأعلمي بيروت.

5. الإحتجاج / لأحمد بن علي الطبرسي، نشر المرتضى مشهد المقدسة، الطبعة الأولى: 1403 ه.

6. ارشاد القلوب / لحسن بن محمد الديلمي، دار الشريف الرضي قم، الطبعة الأولى: 1412 ه.

ص: 115

7. أعلام الدين / للحسن بن أبي الحسن الديلمي، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) قم، الطبعة الأولى: 140 ه.

8. إقبال الأعمال/ للسيد علي بن طاووس الحلي، دار الكتب الإسلامية طهران، الطبعة الثانية: 1409 ه.

9. الأمالي / للشيخ الصدوق، المكتبة الإسلامية قم.

10. الأمالي/ للشيخ الطوسي، انتشارات دار الثقافة قم،1. الطبعة الأولى:1414 ه.

11. بحار الأنوار / للعلامة المجلسي، مؤسسة الوفاء بيروت.

12. البلد الأمين والدرع الحصين/ لابراهيم بن علي الكفعمي، مؤسسة الأعلمي بيروت، الطبعة الأولى:1418 ه.

13. تحف العقول / للحسن بن شعبة الحراني، مؤسسة النشر الإسلامي قم

14. تهذيب الأحكام / للشيخ الطوسي، دار الكتب الإسلامية طهران، الطبعة الرابعة:1407 ه.

15. التوحيد / للشيخ الصدوق، مؤسسة النشر الإسلامي قم.

16. عدة الداعي / للشيخ أحمد بن فهد الحلي، دار الكتب الإسلامي قم، الطبعة الأولى: 1407ه.

17. علل الشرائع / للشيخ الصدوق، مكتبة الداوري قم، الطبعة الأولى: 1428 ه.

18. عوالي اللئالي/ لابن ابي جمهور الاحسائي، دار سيد الشهداء

ص: 116

قم،الطبعة الأولى:1405 ه.

19. فلاح السائل / للسيد علي بن طاووس الحلي، مكتب الإعلام الإسلامي قم.

20. قصص الأنبياء (عليهم السلام) / للقطب الراوندي، مؤسسة البحوث الإسلامية مشهد، الطبعة الأولى: 1409 ه.

21. كامل الزيارات / لابن قولويه، دار المرتضوية النجف، الطبعة الأولى: 1398 ه.

22. مستدرك الوسائل / للمحدث النوري، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) قم، الطبة الأولى: 1408 ه.

23. مصباح المجتهد / للشيخ الطوسي، مؤسسة فقه الشيعة بيروت، الطبعة الأولى: 1411 ه.

24. مكارم الأخلاق / للحسن بن فضل الطبرسي ، دار الشريف الرضي، الطبعة الرابعة: 1412 ه.

25. من لايحضره الفقيه، للشيخ الصدوق، مؤسسة النشر الإسلامي قم، الطبعة الثانية: 14113 ه.

26. وسائل الشيعة / لمحمد بن الحسن الحر العاملي، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) قم، الطبعة الأولى: 1409ه.

27. موسوعة الفقه - كتاب الآداب والسنن / للسيد محمد الحسيني الشيرازي، دار العلوم بيروت.

ص: 117

الفهرس

المقدمة... 7

أولاً- الدعاء مقتضٍ للاستجابة... 12

ثانياً - الدعاء مستجاب بشرط توفر الشروط وعدم المزاحِم... 13

إننا ندعوا ونعصي!... 15

خمسة وعشرون شرطاً لاستجابة الدعاء... 17

معرفة اللّه تعالى... 17

الإخلاص له جل اسمه... 18

الإقبال بالقلب حين الدعاء، واليقين بالإجابة... 19

الاستكانة لله تعالى والتضرع له... 20

تمجيد اللّه تعالى والثناء عليه والصلاة على النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم) والتباكي... 23

الدعاء والقلب غير قاسٍ... 27

تجنّب الذنوب بعد الدعاء... 28

تطييب المطعم وما يكسبه... 31

تعميم الدعاء للمؤمنين كافة... 31

كثرة الدعاء في الرخاء... 32

الصدقة قبل الدعاء... 33

طلب الحاجة عند زوال الشمس... 34

ص: 118

الدعاء في المسجد مع الطيب... 34

اقتران الدعاء بالعمل بالأسباب... 35

الإحسان للآخرين، مع الدعاء... 36

الإلحاح في الدعاء... 36

اليأس عما في أيدي الناس، ودعاء الغريق... 37

العمل بالقرآن الكريم... 38

التوسل بالنبي (صلی اللّه علیه وآله وسلم) وإمام الزمان (عليه السلام) ودعاؤهم للداعي... 38

تنبيهات هامة... 40

آداب استجابة الدعاء هي شروط أيضاً... 40

الشرط إما شرط لأصل استجابة الدعاء أو شرط لأقربية الاستجابة... 41

المعاني الثلاثة لأقربية الاستجابة... 41

اجتماع الشروط نادر، فتندر الاستجابة!... 43

الجواب: الاستجابة مع اجتماع الشروط حقٌ، ومع عدمها فضلٌ... 43

التحرك باتجاهين... 45

الأمل برحمة اللّه الواسعة... 46

الشروط الكثيرة توجب استثناء الأكثر من (أَسْتَجِبْ لَكُمْ)... 49

أجوبة أربعة... 49

فضل اللّه يوجب الإجابة كثيراً رغم فقد بعض الشروط... 49

الاستجابة أكثرية أو دائمية بنحو آخر أو في زمن آخر... 50

الروايات منقّحة لموضوع الآية... 50

ص: 119

لا إطلاق لقبح استثناء الأكثر... 51

الحكمة في فصل المخصصات والشروط عن الوعد بالإجابة... 52

بعض الروايات ضعاف فكيف تخصص الكتاب؟... 55

أربعة أجوبة... 56

بعض الروايات لسانها آب عن التخصيص... 58

والجواب من وجوه... 59

لماذا ندعوا ونحن نعلم بعدم استجابة بعض الأدعية؟... 62

رواية رائعة: ثمانية أسباب لعدم استجابة الأدعية... 64

ثالثاً - عموم الإجابة ولو في زمن آخر وبنحو آخر... 66

رابعاً - إن عموم الاستجابة وفوريتها زمن صدور الروايات... 71

فرض ظهور الروايات في الإجابة الفورية زمن صدورها... 72

بعض المقربات لذلك... 73

ضرورة التدخل الإعجازي كضرورة التضحية الحسينية الفريدة... 78

«لَا تَدَعْ زِيَارَةَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) لِخَوْفٍ»... 82

والثواب على قدر الخوف... 83

مؤيدية ورود معظم الروايات عن الصادِقَين علیهم السلام... 84

وذِكر الإمام (عليه السلام) شروطاً للاستجابة أو لشفاء التربة... 85

شروط الاستشفاء بالتربة... 88

رواية رائعة جداً عن الشفاء الغيبي في التربة الحسينية... 89

شاهدان آخران... 92

من حدود قاعدة اللطف... 94

ص: 120

استجابة الدعاء الشاملة في البرزخ والمحشر... 94

كيفية تأثير الأدعية في تغيير المقدرات التكوينية... 96

وماذا عن الأوبئة والحروب والفقر والبطالة؟... 101

1 - على الناس تقع مسؤولية قراراتهم وتقصيرهم في المقدمات... 102

2 - وأما مع القصور والعجز الحقيقي فالحل ... 105

أ - تهذيب الناس أنفسهم وتزكيتها بشكل متكامل... 105

ب - انقطاع الجميع إلى اللّه في مظاهر عامة للدعاء... 106

وفي قصة قوم يونس (عليه السلام) شاهد ودليل... 107

فهرس المصادر... 115

الفهرس... 118

ص: 121

كتب أخرى للمؤلف

- الاجتهاد في أصول الدين، مخطوط.

- الأرض للناس لا للحكومات، تحت الطبع.

- استراتيجيات إنتاج الثروة ومكافحة الفقر في منهج الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، مطبوع.

- الأصول مباحث القطع، مخطط.

- إضاءات في التولي والتبري، مطبوع.

- أضواء على حياة الإمام علي (عليه السلام)، مطبوع.

- الإمام الحسين (عليه السلام) وفروع الدين، دراسة عن العلاقة الوثيقة بين سيد الشهداء(عليه السلام) وبين كل فرع فرع من فروع الدين، مطبوع.

- اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ - مطبوع.

- الأوامر المولوية والإرشادية، مطبوع.

- بحوث في الاحتياط، مطبوع.

- بحوث في العقيدة والسلوك، مطبوع.

- بصائر الوحي في الإمامة، مطبوع.

- تأثير الزمان والمكان في الاجتهاد والاستنباط.

- التبعيض في التقليد، مطبوع.

- تجليات النصرة الإلهية للزهراء المرضية (عليها السلام)، مطبوع.

ص: 122

- التصريح باسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم، مطبوع.

- تقليد الأعلم وحجية فتوى المفضول، مطبوع.

- التقليد في مبادئ الاستنباط، مخطوط.

- توبوا إلى اللّه، مطبوع.- الحجة؛ معانيها ومصاديقها، مطبوع.

- حجية مراسيل الثقات المعتمدة (الصدوق والطوسي قدس سرهما نموذجاً)، مطبوع.

- الحوار الفكري، مطبوع.

- الخط الفاصل بين الأديان والحضارات، مطبوع.

- دروس في أصول الكافي - الجزء الأول كتاب العقل والجهل، مخطوط.

- دروس وعبر من الكلمات القصار من نهج البلاغة، مخطوط.

- رسالة في أجزاء العلوم ومكوناتها، مطبوع.

- رسالة في أسلمة العلوم الإنسانية، مطبوع.

- رسالة في الحق والحكم، التعريف والضوابط والآثار، مخطوط.

- رسالة في السيرة العقلائية، مخطوط.

- رسالة في شمول لا ضرر للعدميات والوضعيات - مخطوط.

- رسالة في فقه مقاصد الشريعة، مخطوط.

- رسالة في قاعدة الإلزام، تقريرات دروس الخارج في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مخطوط.

ص: 123

- رسالة في نقد الكشف والشهود، مخطوط.

- رسالتان في الخمس، مطبوع.

- السرقفلية (حق الخلو) موضوعاً وحكماً ، مطبوع.

- السلطات العشر والبرلمانات المتوازية ، مطبوع.

- سوء الظن في المجتمعات القرآنية، مطبوع.

- السيد نرجس (عليها السلام) مدرسة الأجيال، مطبوع.

- شرح دعاء الافتتاح، مخطوط.

- شرعية وقدسية ومحورية النهضة الحسينية (عليه السلام)،مطبوع.

- شعاع من نور فاطمة الزهراء (عليها السلام)، دراسة عن القيمة الذاتية لمحبة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، مطبوع.

- شورى الفقهاء والقيادات الإسلامية بحث أصولي فقهي على ضوء الكتاب والسنة والعقل، مطبوع.

- فقه التعاون على البر والتقوى، مطبوع.

- فقه الرؤى، دراسة في عدم حجية الأحلام على ضوء الكتاب والسنة والعقل والعلم، مطبوع.

- فقه المكاسب - مباحث البيع، مخطوط.

- فقه المكاسب المحرمة - أحكام اللّهو واللغو واللعب وحدودها، مطبوع.

- فقه المكاسب المحرمة - التورية موضوعاً وحكماً، مطبوع.

- فقه المكاسب المحرمة - حرمة الكذب ومستثنياته، مطبوع.

ص: 124

- فقه المكاسب المحرمة - حفظ كتب الضلال ومسببات الفساد، مطبوع.

- فقه المكاسب المحرمة - رسالة في الكذب في الإصلاح، مطبوع.

- فقه المكاسب المحرمة - رسالتان في النجش والدراهم المغشوشة، مطبوع.

- فقه المكاسب المحرمة - مباحث الرشوة، مطبوع.

- فقه المكاسب المحرمة - مباحث النميمة، تحت الطبع.

- قاعدة اللطف، تحت الطبع.

- قل كل يعمل على شاكلته - تحت الطبع.

- قولوا للناس حسنا ولا تسبوا - مطبوع.

- القيمة المعرفية للشك - مطبوع.- كونوا مع الصادقين، مطبوع.

- لا تأكلو أموالكم بينكم بالباطل - مخطوط.

- لماذا لم يصرح باسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم؟ مطبوع.

- لمحات من حياة الإمام الحسن (عليه السلام)، مطبوع.

- لمن الولاية العظمى؟ مطبوع.

- مباحث الأصول، التعادل والتراجيح، مخطوط.

- مباحث الأصول، التعارض - مخطوط.

-مباحث الأصول، الحكومة والورود، مخطوط.

ص: 125

- المبادئ التصديقية للاجتهاد والتقليد (بحوث تمهيدية)، مطبوع.

- المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول، مطبوع.

- المبادئ والضوابط الكلية لضمان الإصابة في الأحكام العقلية، مخطوط.

- مدخل إلى علم العقائد، نقد النظرية الحسية، مطبوع.

- المرابطة في زمن الغيبة الكبرى، مطبوع.

- معالم المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي، مطبوع.

- مقاصد الشريعة ومقاصد المقاصد اللين والرحمة نموذجاً، مطبوع.

- مقتطفات قرآنية، مطبوع.

- مقدمات الاجتهاد والاستنباط وشروطه، مخطوط.

- ملامح العلاقة بين الدولة والشعب، مطبوع.

- ملامح النظرية الإسلامية في الغنى والثروة والفقر والفاقة، بحث عن هندسة اتجاهات الفقر والغنى في المجتمع، مطبوع.- مناشئ الضلال ومباعث الانحراف، مطبوع.

- نسبية النصوص والمعرفة... الممكن والممتنع، مطبوع.

- نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة واللغة، مطبوع.

- وجيزة في التقليد - مطبوع.

- الوسطية والاعتدال في الفكر الإسلامي، مطبوع.

ص: 126

الملاحظات

...

ص: 127

لماذا لا تستجاب أدعية بعض الناس؟

وماذا نصنع

كي تستجاب أدعيتنا؟

السيد مرتضی الحسيني الشيرازي

منشورات: مؤسسة التقی الثقافية

النجف الأشرف

7810001902 00964 malshirazi.com

ص: 128

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.