رسالة في الكذب في الإصلاح

هویة الکتاب

فقه المكاسب المحرمة 5

رسالة في الكذب في الإصلاح

تقريراً لأبحاث السيد مرتضى الحسيني الشيرازي

المقرر: الشيخ زيد الكاظمي

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولی

1438 ه - 2017 م

منشورات: مؤسسة التقى الثقافية

النجف الأشرف

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولی

1438 ه - 2017 م

منشورات: مؤسسة التقى الثقافية

النجف الأشرف

7810001902 00964

m-alshirazi.com

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿1﴾

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿2﴾ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴿3﴾ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿4﴾ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿5﴾ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ﴿6﴾ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴿7﴾

ص: 4

اَللّهُمَّ کُنْ لِوَلِیِّکَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُکَ عَلَیْهِ وَعَلى آبائِهِ فی هذِهِ السّاعَةِ وَفی کُلِّ ساعَةٍ وَلِیّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَلیلاً وَعَیْناً حَتّى تُسْکِنَهُ أَرْضَکَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فیها طَویلاً.

ص: 5

ص: 6

كلمة مؤسسة التقى الثقافية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

بين يدي القارئ الكريم رسالة في الكذب في الإصلاح، التي كانت ضمن مباحث الكذب ومستثنياته، وقد ألقاها السيد مرتضى الحسيني الشيرازي ضمن أبحاثه في المكاسب المحرمة للسنة الدراسية (14341435) في الحوزة العلمية المباركة في النجف الأشرف، أفردت بالذكر لأهميتها وحيويتها، وكونها مبتلى بها في المجتمعات عموماً.

وتعرب مؤسسة التقى الثقافية عن شكرها الوافر لفضيلة الشيخ زيد الكاظمي والذي أخذ على عاتقه تقرير الدروس بجد ونشاط رغم المشاغل الكثيرة، ولجهود بقية الإخوة المساهمين، وبالأخص الفقيد السعيد السيد محمد جواد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، الذي أولى إهتماماً كبيراً لإدارة ملف الكتب العلمية لوالده حفظه الله، فلله دره وعليه أجره، وبقية الأخوة الكرام.

مؤسسة التقى الثقافية

18/ذو الحجة / 1437

عيد الغدير الاغر

على صاحبه الآف التحية والثناء

النجف الأشرف

ص: 7

ص: 8

* الكذب في الإصلاح

المقدمة

البحث في هذه الرسالة، يدور حول (الكذب في الإصلاح)، وإنه هل هو جائز مطلقاً؟ أو لدى الضرورة فقط؟ وهل هو من مستثنيات الكذب مطلقاً أو في الجملة؟

والمراد من (الإصلاح): إصلاح ذات البين، وليس مطلق إصلاح ما فسد من الأمور، وإن كانت بعض الأدلة تشمل ذلك أيضاً، إلا أن معقد المسألة هو الإصلاح بالمعنى الأخص.

وأما الكذب؛ فقد جرى تعريفه وحدّه في كتاب (المعاريض والتورية)، وكتاب (التورية موضوعاً وحكماً) وغيرهما فليلاحظ.

وسوف نبدأ ببيان معقد المسألة فنقول:

معقد المسألة

لعله يُتوهم بالنظر البدوي: إن الإصلاح أهم، فيدخل في باب التزاحم فيحكم بأن الكذب في الإصلاح جائز، أو يناط بأنواع الكذب ودرجات الإصلاح فيقدم الأهم منهما، لكن ذلك ليس معقد المسالة، وإن صح بوجهٍ كما سيأتي، فإن ما ذكر يندرج في كبرى أن كل عنوان محرم لو زاحمه عنوان واجب، وكذا كل محرم لو زاحمه عنوان محرم آخر، فإنه يجب أن يقدم ويرجح الأقل

ص: 9

مفسدةً أو ضرراً، فلو دار أمر شخص بين شرب الخمر وبين الكذب على من يريد إكراهه على شربها بأن لديه قرحة في معدته مثلاً، وجب أن يكذب؛ لأنه الأقل ضرراً والأخف حرمةً.ولكن الكلام ليس في صورة التزاحم، وإنما الكلام حول عنوان الكذب في الإصلاح في حد ذاته وكعنوان مستقل(1)، فهل دل الدليل على استثنائه من الكذب، وإن كان الإصلاح استحبابياً، كما لو لم يترتب على النزاع مفسدة أو ترتبت مفسدة قليلة جداً مما لا تشملها أدلة الحرمة فرضاً، وقد يمثل لذلك بشخصين تدابرا مع فرض عدم وجود أية مفسدة أو محذور خارجي(2)، فإنّ الإصلاح هنا يكون مستحباً، فهل يجوز الإصلاح بالكذب في مورد كهذا؟

ولا يتوهم هنا بأن الكذب في الإصلاح المستحب ليس بجائز؛ لأن الاقتضائي لا يعارضه اللا اقتضائي، فكيف يجوّز المستحب الحرام؟

إذ الجواب هو: إن الإصلاح المستحب وإن كان مستحباً إلا أن الدليل الخاص - كما قيل، وسيأتي - قد دل على جواز الكذب في الإصلاح، فخرج البحث عن كلي الاقتضائي واللا اقتضائي، وسيأتي تفصيل حول ذلك بإذن الله تعالى.

وهذه المسألة (الكذب في الإصلاح) تستبطن أو تستلزم البحث عن مسائل متعددة تندرج تحت هذا العنوان والعناوين المقاربة له، وسنجد أن كثيراً من هذه المسائل هي مورد ابتلاء شديد جداً، ومع ذلك قلّ طرحها وبحثها، وهي كالتالي:

ص: 10


1- إذ حدث خلط بين القسمين لدى بعضهم، فتدبر.
2- كما لو التزما بأن لا يغتابا ولا يتهما بعضهما ولا ...، وفرض عدم تأثير ذلك سلباً على الآخرين بما يبلغ درجة الحرمة.

المسألة الأولى: هل الإصلاح واجب أو مستحب؟

الأولى: هل الإصلاح(1) واجب أو مستحب؟ والكلام هنا عن الإصلاح بما هو هو مع قطع النظر عن اللوازم الفاسدة التي قد تترتب على عدم الإصلاح؛ فإن عدم الإصلاح بين المتنازعين إذا كان يؤدي إلى قتل إنسان حرام قطعاً، والإصلاح الذي يقع مقدمة موصلة لحقن الدماء، واجب قطعاً، إلا أن ذلك من باب المقدمية، والكلام ليس في هذه الجهة، بل في الإصلاح بما هو هو، كما في شخصين متنازعين دون أن تترتب على هذا النزاع أية محاذير خارجية أخرى، فهل يجب أن نصلح بينهم أو لا؟

قال السيد الوالد (قدس سره): (لم أجد من الفقهاء من طرح الإصلاح في دائرة الواجبات ولا من طرح عدمه في دائرة المحرمات)(2)، وقد استظهر (رحمه الله) أنه من المستحبات، فراجع ما ذكره في المكاسب المحرمة، وفي فقه الواجبات(3).

وعلى أي حال، فالمسألة تحتاج إلى عقد بحث خاص لها، ومن يرى الوجوب، له أن يستدل بمثل «فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ»(4)، ومن لا يراه، له أن يجيب: بأن الأمر إرشادي أو للاستحباب؛ بقرينة فهم المشهور، أو إنه محمول على صورة استلزام عدم الإصلاح المفسدة أو غير ذلك، وحيث إن البحث لم يعقد لهذه الجهة، نوكل تفصيل الكلام حوله إلى مضانه.

ص: 11


1- والمراد إصلاح ذات البين، على ان البحث جار في حكم مطلق الإصلاح وهو أعم.
2- الفقه المكاسب المحرمة: ج2 ص52.
3- الفقه الواجبات: ج 92 ص 182.
4- سورة الحجرات: 10.

المسألة الثانية: هل الكذب في الإصلاح جائز؟

الثانية: هل الكذب في الإصلاح جائز؟ ويتفرع ذلك إلى فرعين: الأول الكذب في الإصلاح الواجب، الثاني: الكذب في الإصلاح المستحب؛ إذ يجري فيه البحث عن جوازه، وعن تصوير الحكم بجواز الكذب الحرام لأجل أمر مستحب؟

المسألة الثالثة: هل يفرق في هذا الكذب بين كاذبٍ وآخر؟

الثالثة: هل يُفرّق بين: كون الكاذب في الإصلاح أحد المتنازعين، وبين كونه طرفاً ثالثاً يعمل على الإصلاح بينهما من خلال كذبة معينة، فيحل بها النزاع؟

المسألة الرابعة: الإصلاح بين متباغضين أو مبغض ومحب

الرابعة: إن الكذب تارة يكون للإصلاح بين المتباغضين، وتارة يكون للإصلاح بين طرفين أحدهما مبغض للآخر دون العكس، أي إن البغض من طرف واحد.

المسألة الخامسة: هل الكذب للتحبيب جائز او لا؟

الخامسة: هل الكذب للتحبيب جائز أو لا؟ فإن عنوان البحث هو (الكذب في الإصلاح)، ولكن الكلام في هذه المسألة المشابهة هو الكذب للتحبيب، فلو كانت الزوجة لا تحب زوجها فرضاً، فهل يجوز أن يتدخل أحد الأرحام مثلاً فيكذب عليها بكذبة كي تحب زوجها؟

ذهب السيد الروحاني دام ظله في فقه الصادق (علیه السلام) إلى الحرمة، قال: (إذ

ص: 12

ظاهر الإصلاح هو رفع التباغض فيعتبر سبقه، فالكذب لمجرد التحبيب لا دليل على جوازه)(1) بينما ارتأى السيد الوالد (قدس سره) في قبال ذلك الجواز. ثم على فرضه: فهل الجواز لإدراجه موضوعاً في الكذب للإصلاح أو لإلحاقه به حكماً؟ مما سيأتي إن شاء الله تعالى.

المسألة السادسة: هل الكذب لجلب النفع للإخوان جائز أو لا؟

السادسة: هل يجوز الكذب لجلب النفع للإخوان أو لا؟ وهذا خارج عن عنواني الإصلاح والتحبيب، كما لو كانت لشخص معاملة، فلو كذب صاحبه لأجله لربح ربحاً جيداً من خلالها - وفرض الكلام في صورة عدم اقترانه بمحرم آخر من اضرار أو غش أو نظائرها -، فهل يجوز الكذب لذلك أو لا؟ ولنمثل لذلك أيضاً: بأستاذ في الحوزة أو الجامعة لا رغبة لديه في التدريس، رغم أنه يمتلك الوقت والقدرة، فهل يجوز لمن يرى أن من المصلحة أن يدرس هذا الأستاذ أولئك الطلبة، أن يكذب بما يشوق الأستاذ للتدريس؟ وهل يجوز أن يكذب كذبة معينة، ليتعاون اثنان على بناء مسجد أو مدرسة أو حسينية مثلاً؟

المسألة السابعة: إنّ ملاك الاستثناء (الإصلاح) أو (المصلحة)؟

اشارة

السابعة: وهي مسألة خلافية بين الشيخ والمحقق الايرواني قدس سرهما، فإن الشيخ ومن تبعه ذهب إلى: إن الكذب من أجل الإصلاح جائز، إلا أن الميرزا في حاشيته على المكاسب يرى: أن عنوان الإصلاح لا موضوعية له، وإنما الموضوعية لعنوان المصلحة فلو وجدت المصلحة فالكذب جائز، وإلا فلا، مستدلاً بذلك على أن الروايات مصبها المصلحة لا الإصلاح(2).

ص: 13


1- فقه الصادق (علیه السلام): ج21 ص 329 - 330.
2- حاشية المكاسب: ج1 ص 238 .

قال الشيخ الأنصاري(قدس سره): (من مسوغات الكذب إرادة الإصلاح، وقد استفاضت الأخبار بجواز الكذب عند إرادة الإصلاح)(1).

وقال المحقق الإيرواني(قدس سره): (ظاهر أخباره(2) أن ذلك من جزئيات الكذب لمصلحة بلا دخل لعنوان الإصلاح)(3).

وظاهر كلامه: إن الإصلاح صغرى من صغريات المصلحة، إلا أن التحقيق هو إن النسبة هي من وجه؛ لكن وعلى كلا التقديرين فإن الإصلاح - حسب كلامه - بما هو هو أجنبي عن مصححيته الكذب.وسيأتي ان النسبة بين الإصلاح والمصلحة عموم من وجه؛ إذ قد يكون الإصلاح من دون وجود المصلحة، وقد تكون المصلحة في غير الإصلاح وقد يجتمعان، ومثال الإصلاح الذي لا مصلحة فيه: الإصلاح بين الموظفين المختلفين العاملين في بعض الوزارات أو الشركات؛ فإن عادة الموظفين هي الكلام فيما بينهم كثيراً مما يضيع حق المراجعين في كثير من الأحيان، فلو اختلف هذان الصديقان كان هذا الاختلاف لصالح المراجعين فتكون المصلحة بأن يبقيا متدابرين بل يكون ذلك لمصلحتهما أيضاً، للأمن بذلك من وقوعهما في الغيبة والتهمة، أو لأن ذلك ينفعهما في زيادة راتبهما، أو الحصول على مكافآت لجودة عملهما والتزامهما بإرضاء المراجعين أو بأداء العمل على أفضل وجه.

وسوف يقتصر البحث في هذه الرسالة على المسائل: الثانية والخامسة والسادسة والسابعة، وذلك لأن حكم المسألة الثالثة والرابعة مما يتضح بما يذكر في سائر المسائل، وأما المسألة الأولى فكما سبق.

ص: 14


1- كتاب المكاسب: ج2 ص31.
2- أي أخبار الإصلاح.
3- حاشية المكاسب: ج 1 ص238.

المسالة الأولى: الكذب في الإصلاح

الاستدلال على جواز الكذب في الإصلاح ب:

باب التزاحم ومناقشته

سبق أن معقد المسألة ينبغي أن يكون بهذا النحو: هل هناك دليل خاص على جواز الكذب في الإصلاح وإن كان مستحباً؟

ولكن لا يصح الاستدلال على جوازه استناداً إلى عنوان الأهم والمهم، وكونه من باب التزاحم فيقدم الأهم؛ لأنه أقوى ملاكاً، كما سيتضح(1).

بل ذهب السيد الوالد (رحمه الله) إلى أنه ليس جواز الكذب في الإصلاح من باب التزاحم، ولا ينبغي أن تطرح المسألة من هذا الباب؛ إذ لو أدخلنا الكذب في الإصلاح في دائرة مبحث الأهم والمهم لما جاز الكذب مطلقاً؛ لأن الإصلاح مستحب على المشهور والكذب حرام، واللا اقتضائي لا يزاحم الاقتضائي، فالمستحب لا يمكن أن يجعل الحرام جائزاً؛ ألا ترى حرمة قضاء حوائج الإخوان المستحبة، بفعل الحرام(2)؟

ردّ دعوى: تقدم بعض المستحبات على بعض الواجبات لأقوائية ملاكها

ولكن طرح السيد الوالد (رحمه الله) إشكالاً على هذه القاعدة، ثم أجاب عنه

ص: 15


1- وجه عدم صحة الاستدلال.
2- مثل أن يسرق مال الغير ليقرض شخصاً أو يساعده على بناء داره.

بقوله: (ثم إن ما نحن فيه من استثناء الكذب في الإصلاح ليس من باب الأهم والمهم؛ إذ ليس ذاك إلا في الواجبين أو المحرمين أو بالاختلاف(1) والاستحباب والكراهة لا يعارضان الاقتضائيين، بل من باب الاستثناء بالنص الخاص.

أما احتمال: إن الأهم مقدم ولو في المستحب أو المكروه، وتحقق موضوعه ممكن، كما في الابتداء بالسلام حيث له من الحسنات أكثر من ردّ السلام الواجب.

ففيه: إن الأكثر ثواباً لا يجعله في صف الأهم الفقهي، ولذا لو دار الأمر بين الحج المستحب أو زيارة الإمام الحسين (علیه السلام) تطوعاً، أو صلاة الجماعة المستحبة التي لا يحصي ثواب كل منها إلا الله سبحانه وتعالى، وبين إطعام عصفور في القفص إذا لم يُطعم مات جوعاً، قُدِّم الأخير فيما إذا كان بينهما تزاحم، ومن الواضح ان ثواب الأخير دون الأوائل بكثير، والسرّ ان الواجب والمحرم لهما ملاك خاص وليس بمناط أكثرية الثواب والعقاب)(2).

وتوضيح كلامه بعبارة أخرى مع تطبيقه على المقام:

إنه قد يقال: بأن بعض المستحبات - ومنها الإصلاح -، أقوى ملاكاً من ملاك الواجب أو الحرام(3)، كما أن بعض المكروهات أقوى من بعض الواجبات ملاكاً فتغلبها.وعليه: يمكن أن يكون الكذب جائزاً؛ لأقوائية مصلحة الإصلاح من مفسدة الكذب.

ص: 16


1- أي واجب وحرام.
2- الفقه المكاسب المحرمة: ج2 ص52.
3- وهو بحث لم يتطرق له ما يستدعي مزيد عناية من البحث والدراسة.

والدليل على ذلك: البرهان الإني؛ إذ يمكن الاستدلال على أقوائية الملاك وأضعفيته من الثواب ومقداره؛ فإن الثواب برهان إني يستكشف منه قوة ملاك الواجب أو المستحب، وكذلك العقاب فإننا لو وجدنا ثواب بعض المستحبات أعظم من الثواب المقرر للواجب، كان لا بد أن يكون ذلك لأن ملاك المستحب أقوى من الواجب، ويظهر ذلك جلياً في السلام ورده، فإن السلام مستحب والردّ واجب، ولكن المبتدئ به له تسع وستون حسنة، والردّ الواجب له حسنة واحدة(1)، فيكون المستحب ببرهان ثوابه أقوى ملاكاً؛ وذلك لأن الثواب معلول رجحان العمل في حد ذاته، والجزاء تابع لما للعمل من فائدة أو مصلحة.

ويوضحه أكثر زيارة الإمام الحسين (علیه السلام) لما لها من ثواب عظيم بل ومذهل وعجيب(2)، وهو أعظم من ثواب العديد من الواجبات، وكذلك الحال في الحج المستحب فإن فيه روايات بثواب عظيم جداً.

والإصلاح من هذا الباب، لتصريح بعض الروايات بانّ «إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام»(3) وحمل الصلاة والصيام على المستحب في رواية مطلقة خلاف الظاهر(4).وأجاب السيد الوالد (قدس سره)عن هذا الإشكال ب: ان معادلة الأهم والمهم الفقهي - أي في ملاكات أحكام الشارع - غير معادلة الثواب، ولا يصح أن يستدل بكثرة الثواب على أقوائية ملاك هذا من ذاك؛ لمجهولية ملاكات الشارع لدينا.

ص: 17


1- روي عن الإمام الحسين (علیه السلام): «لِلسَّلَامِ سَبْعُونَ حَسَنَةً تِسْعٌ وَ سِتُّونَ لِلْمُبْتَدِئِ وَ وَاحِدَةٌ لِلرَّادِّ». بحار الأنوار: ج 75 ص120.
2- راجع كامل الزيارات باب الرابع والأربعون وما بعده، وغيره من الكتب.
3- روي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله). وسائل الشيعة: ج 18 ص 441.
4- إذ الأصل في اللام أنها للجنس، وأما كونها للعهد فلابد فيه من قرينة حالية أو مقالية.

تأييدان لرد الدعوى

اشارة

ويمكن تأييد كلام السيد الوالد (قدس سره)بوجهين، ثم مناقشته بوجوه ثلاثة، أما التأييد:

أولاً: لعل أكثرية الثواب في المستحب للتعويض عن ضعف الانبعاث لعدم الإلزامية فيه

الوجه الأول: إنه قد يكون جعل الثواب الأكثر للمستحب، كي يكون معوِّضاً عن جهة عدم الإلزام فيه، فلا تكشف كثرة الثواب عن أقوائية الملاك؛ إذ لكثرة الثواب علة أخرى وهي: إن عدم الإلزام في المستحب مضعف للانبعاث عند عامة المكلفين، فكان جعل الثواب الأكثر لتقوية الباعثية.

ويتضح ذلك أكثر بملاحظة بعض الأمثلة العرفية التي جرت عليها وعلى نظائره سيرة العقلاء:

فإن الأجرة الواجبة التي يستحقها الموظف أو العامل، قد تكون مليون دينار شهرياً فرضاً، إلا أنه يحسن بالمدير ومن باب تطوير عمل الموظفين والحصول على الجودة العالية في مؤسسته ومشروعه، أن يعلن بأن أي موظف يلتزم بالاتيان قبل الوقت ويخرج بعده فله جائزة إضافية هي خمسة ملايين دينار هذا الشهر، أو يعلن بأن له هذه الجائزة لو سلّم ما بعهدته من العمل قبل الوقت المحدد، ومثل هذا في سيرة العقلاء كثير، وكذلك المولى الحقيقي، فإنه يمكن له - من باب تقوية الباعث إلى المستحب - أن يمنح عليه الثواب الأكثر من الثواب الممنوح على الواجب، لتنشيط العبد وبعثه نحو الالتزام بالمستحب بالإضافة إلى الواجب.ويمكن أن يكون إصلاح ذات البين من هذا الباب؛ فإن الناس لا ينبعثون

ص: 18

نحوه لمشاكله الكثيرة ورغم أهميته، ولذا فإن مقتضى الحكمة مضاعفة الثواب عليه وعلى نظائره حتى ينبعث الناس نحوه، وتتحقق مقاصد الشريعة دون توقف على الإلزام والضغط.

ثانياً: إنّ الثواب على الواجب من باب التفضل

ثانياً: إنّ الثواب على الواجب من باب التفضل(1)

الوجه الثاني: قد يقال: بأن المثوبة على الواجب إنما هو من باب التفضل لا باستحقاق، وذلك لوجهين:

الأول: مولوية المولى الحقيقي، فإنها في حد ذاتها كافية للإلزام بالواجب، ولا يجب على المالك الحقيقي للشيء بشراشر وجوده وبجوهره وأعراضه وأفعاله، أن يثيب العبد على إطاعته مع أنه بأكمله ملكه.

الثاني: إن كل ما نقوم به من أنواع الإطاعة للواجبات، لا يشكل عشر معشار شكر النعمة الواجب عقلاً، وعليه فالثواب كله تفضل لا باستحقاق، فله أن يثيب على ما لم يلزم به أكثر مما يثيب على ما ألزم به.

والحكمة هي: إن المستحب حيث لا إلزام فيه، فلا ينبعث العبد نحوه، فيجعل له المولى الثواب الأكثر كي ينبعث.

رد الدعوى: قد يكون المستحب اقوى ملاكاً من الواجب ولم يوجب لجهات ثلاث

اشارة

هذا كله من جهة، ومن جهة أخرى: يمكن القول بالعكس، وإنه من الممكن أن يكون المستحب أقوى ملاكاً من الواجب، ومع ذلك لم يحكم الشارع بوجوبه لإحدى الجهات التالية:

ص: 19


1- وهذا ما التزم به علماء الكلام.
الجهة الأولى: احتمال وجود جهة مزاحمة داخلية

أما الجهة الأولى لعدم إيجاب المستحب رغم دعوى كون ملاكه تام الاقتضاء لإيجابه فهي: وجود جهة مزاحمة داخلية فيه، أما الواجب المقابل فحيث لم يبتلِ في داخله بمزاحم فقد أوجب.

وعليه: يمكن أن يكون المستحب أقوى ملاكاً من الواجب، لكن لا يوجبه الشارع؛ نظراً لأن المقتضي وإن كان موجوداً إلا أن مانعه موجود أيضاً، وذلك مثل (اختلال المعاش) فإنه وكما هو معلوم قد أوجب الله تعالى الحج على المكلف مرة واحدة في العمر، ومن الممكن أن يكون ملاك وجوبه متحققاً في الحج كل سنة، ولكن لو كان أوجب الحج على المكلفين في كل عام، لأوجب اختلال المعاش، ومعه فإن ملاك الوجوب ابتلى بالمزاحم الداخلي فينتقل التشريع من الإيجاب إلى الاستحباب في غير الحجة الأولى.

إذاً فعدم الإيجاب قد لا يكون لضعف الملاك بدعوى أن ملاك المستحب مرجوح دوماً بالقياس إلى ملاك الواجب، بل قد يكون لوجود جهة مزاحمة داخلية مانعة.

الجهة الثانية: إنّه من باب التسهيل

أما الجهة الثانية لعدم إيجاب المستحب رغم أن ملاكه - حسب هذه الدعوى أو الاحتمال - قد يكون تام الاقتضاء وأقوى من ملاك بعض الواجبات، فهي: لمصلحة التسهيل. وقد يرشد له قول رسول الله (صلی الله علیه و آله): «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك»(1)، فلعل المستفاد منه: إن ملاك اقتضاء الوجوب في السواك

ص: 20


1- الكافي : ج3 ص 22.

تام إلا أن (المشقة) على الأمة مانعة، ومعه فإن النبي (صلی الله علیه و آله) وبملاك التسهيل خفف على الأمة فشرعه مستحباً، وقوله: «لأمرتهم» و«لولا أن أشق» يندرج في مرحلة ولايته التشريعية، ولعله كان لثبوت ولاية التربية له، أو غير ذلك مما فصلناه في كتاب (المعاريض والتورية)، فراجع.

الجهة الثالثة: إنّه لعدم قابلية المحل

وأما الجهة الثالثة لعدم إيجاب ما شرع مستحباً رغم تمامية ملاك الوجوب فيه - حسب المدعى - فهي: احتمال عدم قابلية المحل، ولعل منه: الحج فإن الشارع - ربما - لم يوجبه كل سنة على عامة المسلمين؛ لأنه يلزم من ذلكالزحام الشديد الذي لا يطاق في رقعة جغرافية صغيرة، فإن الحج مع كونه واجباً مرة واحدة في العمر على كل مكلف، فإنه يلزمه ما نجد من الضيق والعسر والحرج فكيف لو وجب في كل سنة على كل مكلف؟ وكذلك الحال في زيارة الإمام الحسين (علیه السلام) فإنها مع كونها مستحبة، فإننا نرى ما نرى من الموج الهادر والزحف المستمر لزيارة سيد الشهداء (علیه السلام) على مدار أيام السنة وهو مستحب، فكيف لو أوجبت الزيارة؟! فلعل ملاكه لا يقصر عن اقتضاء تشريع وجوبه إلا أن المانع أو المزاحم حال دون ذلك.

وعليه نقول: يمكن أن يلتزم بأن إصلاح ذات البين وإن كان مستحباً، إلا أنه أقوى ملاكاً وأفضل من عامة الصلاة والصيام الواجبين؛ لإمكان ذلك حسب إحدى الجهات الثلاث الآنفة، وأما الوقوع فيستدل عليه ب: إن ما ثوابه أكثر من بعض الواجبات هو أقوى ملاكاً، لكن الشارع لم يوجبه لمزاحم أو لمانع.

وعليه: فإن المستحب يمكن أن يزاحم الواجب، وإن يغلبه لأن ملاكه أقوى.

ص: 21

ولكن لا يخفى ما في ذلك كله: فإنه وإن أمكن ثبوتاً إلا أنه لا دليل عليه إثباتاً، وأكثرية الثواب كما يمكن أن تكون لإحدى هذه الجهات الثلاث يمكن أن تكون لإحدى تَينِكَ الجهتين، فهو أعم من إثبات أقوائية الملاك.

والحاصل: إنه وإن أمكن إدخال المستحب في باب التزاحم مع الواجب ثبوتاً، إلا أنه خلاف القاعدة إثباتاً، فتدبر.

ب. الاستدلال باصالة البراءة بعد تعارض «أصْلِحُوا» مع أدلة حرمة الكذب وتساقطهما

اشارة

استدل بعض الأعلام على جواز الكذب في الإصلاح ب: إن الدليل على جواز الإصلاح - بالمعنى الأعم(1) - قوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ»(2) هذا من جهة، وفي الجهة المقابلة فإنلدينا أدلة متعددة تدل على حرمة الكذب، والنسبة بين هذه الأدلة من الطرفين هي من وجه، فتتساقط في مورد الاجتماع وهو (الإصلاح بالكذب)، وحينئذٍ فيرجع إلى أصالة البراءة بعد التساقط وهو الحلية(3)، أو يرجع بعد التساقط إلى الرواية الصحيحة التي تقول: (المصلح ليس بكذاب)(4)؛ إذ لها جهة الحاكمية والناظرية؛ حيث تتصرف في موضوع الكذب فتضيّقه تنزيلاً، وهذا وجه آخر.

قال السيد الخوئي(قدس سره): (ويمكن الاستدلال على جواز الكذب للإصلاح

ص: 22


1- الشامل للوجوب والاستحباب.
2- سورة الحجرات: 10.
3- فإن الكذب قد ثبتت حرمته بالدليل ومع سقوطه بالتعارض يرجع إلى الأصل الأولي وهو الجواز.
4- الكافي: ج2 ص210.

بقوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ»، أي: أصلحوا بين المؤمنين إذا تخاصموا وتقاتلوا، واتقوا الله في ترك العدل والإصلاح لعلكم ترحمون، فإن إطلاق الآية يشمل الإصلاح بالكذب أيضاً، وحينئذ فتكون الآية معارضة لعموم ما دل على حرمة الكذب بالعموم من وجه، وبعد تساقطهما في مادة الاجتماع، أعني: الكذب للإصلاح، يرجع إلى البراءة أو إلى عموم: المصلح ليس بكذاب، فإنه ينفى الكذب عن المصالح على سبيل الحكومة)(1).

إشكالات على استدلال السيد الخوئي (قدس سره)
اشارة

وقد أشكل السيد القمي دام ظله على كلام السيد الخوئي بإشكالات ثلاثة نتبعها بإشكالات أخرى:

الإشكال الأول: إنّ لازم كلامه باطل لا يمكن الالتزام به

أما الإشكال الأول فهو: إن لازم ما ذكره السيد الخوئي مما لا يظن أنه يلتزم به، وهو جواز كل المحرمات إن وقعت في طريق الإصلاح.

قال السيد القمي دام ظله: (وهذا التقريب لا باس به من حيث الصناعة(2)، لكن لازمه جواز جميع المحرمات الإلهية إذا كانت مصداقاً للإصلاح، لنفس الدليل؛ إذ النسبة بينها وبين أصلحوا هي من وجه)(3).

توضيح كلامه: إن المعادلة التي أجراها السيد في الكذب والإصلاح، جارية ومنطبقة على جميع المحرمات الأخرى، فمثلاً نأخذ آية «فَأَصْلِحُوا بَيْنَ

ص: 23


1- مصباح الفقاهة: ج1 ص637.
2- وسنناقشه أيضاً فيما سيأتي بإذن الله تعالى.
3- مباني منهاج الصالحين: ج7 ص 299.

أَخَوَيْكُمْ» مع أدلة حرمة الزنا أو شرب الخمر أو القمار كقوله تعالى «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(1)، فإن النسبة بين الدليل الأول وأيٍ من هذه، عموم من وجه، فيتساقط الدليلان في مورد الاجتماع فيرجع إلى البراءة بالنسبة للقمار أو الزنا أو الخمر، مع أنه لا يمكن أن يلتزم بنفي الحرمة عن هذه المحرمات، ومثاله: ما إذا أراد الإصلاح بين بعض من يتعاطون الخمر إذا وقع نزاع بينهم، وتوقف ذلك على مجالستهم وشربه الخمرة معهم حتى يكسب ثقتهم مثلاً أو حتى يصادقهم كي يؤثر كلامه حتى يتحقق الإصلاح، فهل يمكن أن يلتزم السيد الخوئي بالبراءة في هذه الموارد؟

الإشكال الثاني: إن كل دليل روائي عارض القرآن الكريم بنحو التباين فهو ساقط
اشارة

وأما الإشكال الثاني - وهو إشكال صناعي - فهو: (مضافاً إلى أن الراوية المعارضة مع الآية والمباينة معها ولو بالتباين الجزئي تضرب على الجدار ولا تكون حجة)(2) انتهى.

وتوضيحه: إن ايقاع السيد الخوئي المعارضة بين الآية الكريمة «فَأصْلِحُوا» وبين الروايات التي تدل على حرمة الكذب غير صحيح؛ إذ من المسلم أصولياً: إنه لو تعارضت آية مع رواية بنحو التباين الكلي أو الجزئي، أي في مادة الاجتماع من وجه، فإن الرواية تطرح وترمى عرض الجدار، وذلك للنصوص المسلمة الدالة على أن ما خالف القرآن الكريم فهو زخرف وباطل،

ص: 24


1- سورة المائدة: 90.
2- مباني منهاج الصالحين ج 7 ص 300.

و(ما خالف) لا يراد منه التباين لما ذكره الشيخ الأنصاري(قدس سره): من انه ليس لدينا مورد تكون الرواية مباينة للكتاب بنحو كلي(1)(2)، بل المراد التباين بنحو من وجه أو الأعم منهما على المنصور.

ردّ الإشكال: ما يعارض الآية آية أخرى

ولكن قد يورد على هذا الإشكال الثاني:

إنه قد يقال: بأن أدلة حرمة الكذب مستقاة من الكتاب الكريم نفسه كآية: «وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ»(3).(4) فلا يرد الإشكال على السيد الخوئي؛ إذ التعارض سيكون بين آيتين من الكتاب نفسه، فتتساقطان في مادة الاجتماع نفسها(5)،وظاهر السيد الخوئي وآخرين: إن آية الزور أو آيات أخرى تدل على حرمة الكذب(6).نعم لو استند السيد الخوئي(قدس سره) في تحريم الكذب إلى الروايات فحسب ورد عليه الإشكال، على أن نتيجة كلام السيد القمي هي نفس نتيجة كلام السيد الخوئي وإن اختلف معه في الطريق؛ إذ مع القول ب: إن الروايات لا تعارض آية «فَأصْلِحُوا»، فإن الآية تتقدم فيجوز الكذب في الإصلاح، وهو مدعى السيد الخوئي نفسه.

ص: 25


1- راجع فرائد الأصول للشيخ الأعظم الأنصاري: ج 1 ص 111.
2- وقد ناقشه السيد الوالد (رحمه الله) في الوصائل الى الرسائل بحث التعادل والتراجيح
3- سورة الحج: 30.
4- أو الآيات التي ورد فيها لفظ الكذب إن لم نناقش فيها بأنها أخص من المدعى كما سبق.
5- قد تناول المؤلف في كتاب (الكذب ومستثنياته) بالبحث: الآيات التي يمكن أن تدل على حرمة الكذب مطلقاً، وخلص إلى ثبوت دلالة آية «وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» على ذلك، فليراجع.
6- فإن السيد الخوئي ذكر أنه تدلّ على حرمة الكذب الأدلة الأربعة ، وإن لم يذكر مفرداتها.
الإشكال الثالث: إن أدلة الإصلاح ظاهرة في الإصلاح بطريق شرعي

وأما الإشكال الثالث للسيد القمي - وإن لم يطرحه بصيغة إشكال - فهو: إن الدليلين، أي الآية المباركة: «فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ» ودليل (الكذب حرام) لو عرضا على العرف، فإنه يفهم أن أصلحوا بين أخويكم المراد به ماعدا المحرمات، وهذا القيد واضح في المتفاهم العرفي.

قال: (والذي يختلج بالبال أن العرف لا يرى بين هذا الدليل وأدلة الحرمة معارضة، بل يقدم تلك الأدلة [أي أدلة الحرمة] ويفهم من دليل محبوبية الإصلاح إنه محبوب بطريق شرعي)(1)، أي إن الإصلاح بطريق شرعي هو المتفاهم عرفاً من قوله تعالى: «فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ» وذلك بحسب الارتكاز المتشرعي.

وبعبارة أخرى: إنّ أدلة الإصلاح كالآية الشريفة منصرفة عن الإصلاح بالحرام، فلا تعارض أدلة حرمة الكذب.ويمكن تقريب كلامه دام ظله ببعض الأمثلة، ومنها: ما دل على استحباب قضاء حوائج الإخوان، فهل يفهم العرف استحبابه حتى ولو كان بالحرام، بأن يسرق من الناس ثم يعطيه لأخيه كي يقضي حاجته؟

الجواب: لا؛ فإن أدلة استحباب قضاء حوائج الإخوان منصرفة عن القضاء بالمحرمات، ألا ترى أن قوله (علیه السلام): «إن الله في عون المؤمن مادام المؤمن في عون أخيه المؤمن»(2) منصرف عن العون بالمحرمات؟ وكذلك قوله تعالى:

ص: 26


1- مباني منهاج الصالحين: ج 7 ص 300.
2- روي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله). بحار الأنوار ج71 ص312.

«وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيراً»(1) فإنه منصرف عن إطعام الطعام بالحرام.

ومحصل كلامه: حرمة الكذب في الإصلاح وعدم جوازه، لانصراف أدلة الإصلاح عن المحرمات.

ولكن قد يورد على ما أفاده: بأن ما ذكره وإن صح في الإصلاح المستحب، لكنه غير تام في الإصلاح الواجب؛ فإن الإصلاح على قسمين: واجب ومستحب، وفي الإصلاح المستحب يمكن أن يقال: بأن أدلته منصرفة عن الكذب، وإن محبوبية الإصلاح ثابتة إذا كان الطريق شرعياً، ولكن في الإصلاح الواجب(2) - كما لعله ظاهر السيد الخوئي في استدلاله بآية «أصْلِحُوا» - لا يجري ما ذكره.

ولكن يمكن الدفاع عنه ب: إن كلامه عن الإصلاح بما هو هو وهو مستحب؛ إذ لا دليل على وجوبه، والمشهور على استحبابه، وليس عن الإصلاح الذي وقع مقدمة لواجب فإنه عنوان عارض خارج عن مجرى البحث، ويؤكد ذلك تعبيره ب(ويفهم من دليل محبوبية الإصلاح)، فتأمل.وتحقيق البحث سيأتي ضمن الإشكال الرابع: من كون المقام هل هو من مصاديق التعارض كما هو ظاهر كلام السيد الخوئي(رحمة الله )؟ أو هو من مصاديق التزاحم؟

الإشكال الرابع: الخلط بين التعارض والتزاحم
اشارة

وهذا الإشكال إشكال هام؛ إذ يوضح ضمناً الخلط الذي قد يحدث بين

ص: 27


1- سورة الإنسان: 8.
2- أو بعض أفراده على الأقل وهو الإصلاح الذي لولاه لوقعت مفاسد كبيرة كسفك الدماء مثلاً.

التزاحم والتعارض عند التطبيق؛ ذلك أن السيد الخوئي(رحمة الله ) قد ذكر أن الدليلين السابقين، أي دليل الإصلاح ودليل حرمة الكذب يتساقطان، مما يعني أنه أدرجهما في باب التعارض(1) فلا بد لتحقيق الحال، من تعريف التزاحم والتعارض أولاً، ثم تحليل أن أدلة الكذب والإصلاح هل هي متزاحمة أو متعارضة ثانياً، ثم بيان وجه ورود الإشكال على السيد الخوئي (رحمه الله) سواء ذهب إلى أن النسبة هي التعارض - كما هو مبنى كلامه - أم التزاحم ثالثاً، فنقول وبالله الاستعانة:

تحقيق في التعارض والتزاحم

تحقيق في التعارض والتزاحم(2)

تعريف التعارض والتزاحم والفرق بينهما

الأمر الأول: إن التعارض حسب تعريف الاخوند (قدس سره) هو: (تنافي الدليلين أو الأدلة بحسب الأدلة ومقام الإثبات على وجه التناقض او التضاد حقيقة أو عرضاً)(3)، ولكن الشيخ الأنصاري (قدس سره) عرّف التعارض ب:(تنافيمدلولي الدليلين على وجه التناقض أو التضاد)(4)، والفرق دقيق بينهما لا علينا به الآن؛ إذ إن النتيجة في مقام بحثنا واحدة. وقد فصلناه في مباحث التعادل والترجيح، فراجع.

وبعبارة أخرى: إن التعارض هو تكاذب الدليلين في مقام الجعل

ص: 28


1- بل إنه صرح بالمعارضة بقوله: (وحينئذٍ فتكون الآية معارضة لعموم...).
2- وهذا بحث دقيق وهو تحليل الضابط العام للتعارض وفرقه عن التزاحم، وهذا ينفع في المئات بل الآلاف من المسائل التي هي موضوع لذلك.
3- كفاية الأصول: ص437.
4- فرائد الأصول: ج2 ص750.

والتشريع، كأن يقول أحد الدليلين: (إن البكر تملك أمرها)، ويقول الدليل الآخر: (إن البكر لا تملك أمرها وإنما هو بيد وليها)، ومادام التعارض بين هذين الدليلين مستقراً فلابد أن يكون أحدهما كاذباً(1)، وكذا الحال لو ورد (العشر رضعات محرمة) وورد في مقابله: (الخمس عشرة رضعة محرمة).

إذن: في التعارض يكون مدلول أحد الدليلين غير ثابت، أو فقل: يكون عدم صدور أحد الدليلين ثابتاً وقد لا يكون الآخر صادراً أيضاً(2)، والوظيفة اللازمة هي تمييز الحجة عن غير الحجة، وذلك إن وجدت المرجحات(3) الصدورية كالعرض على الكتاب فما وافقه فهو حجة وثابت الصدور، وإلا فليس بصادر ولا حجة، وإلا فيتساقطان ولا يكون أي منهما حجة - حسب القاعدة الأولية - (4).وأما في التزاحم: فلا تكاذب بين الدليلين المتزاحمين، بل كلاهما صحيح وصادر (5)، ولا تنافي بين الدليلين من حيث المدلول أصلاً، إلا أن المشكلة هي في عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في عالم الامتثال (6)، كما في إنقاذ الغريق والغصب، فإن الإنقاذ واجب وله ملاكه المستقل، والغصب محرم وله ملاكه أيضاً، فلو تزاحما بأن توقف إنقاذ الغريق على غصب حبل أو قارب من آخر،

ص: 29


1- أي غير صادر من المولى، أو غير مراد له بالإرادة الجدية، بل كان تقية أو شبهها.
2- وإذا لم يكن صادراً (أحدهما أو كلاهما) فلا ملاك له كما هو واضح.
3- المنصوصة على المشهور أو مطلق على ما ذهب إليه الشيخ.
4- والقاعدة الثانوية هي التخيير؛ للروايات الخاصة الناصة عليه.
5- أي حسب الضوابط والقواعد.
6- والكلام في التزاحم الامتثالي لا التزاحم الملاكي، والحاصل: إن المشكلة ليست في اقتضاء الدليل وملاكه بل في مانعية العجز من الامتثال.

فإنه يجب ويقدم على الغصب لأنه الأهم ملاكاً.

فعدم القدرة على امتثال كلا التكليفين مع وجود الملاك في كليهما، ووجود الدليل عليها معاً، هو سبب التدافع بينهما والتزاحم، فلا بد أن يقدم الأقوى ملاكاً.

اللا اقتضائي (لا يزاحم) الاقتضائي وليس (لا يعارضه)

ومن ذلك يتضح وجه الخطأ الذي قد يحدث لدى بعض، حيث يقال بأن: (اللا اقتضائي لا يعارض الاقتضائي) لكن هذا التعبير يجانب الصواب(1)؛ إذ إن المعارضة بين الاقتضائي - الواجب - مثلاً، و اللا اقتضائي - المستحب مثلاً - حاصلة قطعاً إذا تعلق الحكمان بالموضوع الواحد مع وحدة كافة شروط التناقض المعروفة، فحينئذٍ فالذي ينبغي أن يقال هو إن: (اللا اقتضائي لا يزاحم الاقتضائي) وهذا هو الصحيح.فلو كان مفاد أحد الدليلين: استحباب غسل الجمعة، وكان مفاد الآخر: وجوب غسلها، فإن هذين الدليلين متعارضان فيتساقطان، ولا يصح القول ب(إن المستحب لا يعارض الواجب بل يتقدم الواجب عليه لتقدم الاقتضائي على اللاقتضائي) فإن التعليل لا ربط له بالمعلل له.

والحاصل: إن كلاً من المستحب والواجب ينفي الآخر، فهما متكاذبان فيتساقطان، وفي مقابل ذلك فإن اللا اقتضائي لا يزاحم الاقتضائي؛ إذ ملاكه أضعف من ملاك الاقتضائي، ولا تكاذب فيها بين الدليلين ولا تدافع بين صدورهما، ومقامنا هنا صغرى ذلك كما سيأتي في الأمر الثاني.

ص: 30


1- أو محمول على المسامحة إلا أنه في ساحة الأصول والبحث والتدقيق لا مجال لها.
الإصلاح والكذب متزاحمان

الأمر الثاني: في تحقيق صغرى المقام فنقول: الظاهر إن الكذب في الإصلاح هو من موارد التزاحم؛ نظير حرمة الغصب ووجوب الإنقاذ؛ لكون الكذب حاملاً للمفسدة، والإصلاح حاملاً للمصلحة.

أو فقل: إن قبح الكذب من المستقلات العقلية، وكذلك الإصلاح فإن حسنه من المستقلات العقلية أيضاً؛ بحيث لو لم يكن دليل نقلي دال عليهما لكفى العقل في الحكم بحسن هذا وقبح ذاك، والأدلة الدالة على حرمة الكذب وجواز - بالمعنى الأعم - الإصلاح تابعة لمصالح ومفاسد في متعلقاتها.

وعليه: فهما متزاحمان في مورد الاجتماع؛ إذ كل منهما واجد لملاكه، فلو اجتمعا كما في صغرى المقام - الكذب في الإصلاح - تقدَّم الأقوى ملاكاً.

وبعبارة أخرى: إن الكذب والإصلاح من المستقلات العقلية، والمستقلات العقلية لا تعارض ولا تكاذب بينها بل بينها التزاحم فقط، والأدلة - حسب المتفاهم عرفاً - جرت على منوالها.

طرق الكشف عن كون العنوان ذا ملاك
اشارة

ثم إن هناك العديد من الطرق لاكتشاف ثبوت الملاك في كل من الإصلاح والكذب، ومعه فيدخلان في باب التزاحم لا التعارض، ومنها ما سبق، ومنها العود إلى الروايات(1) ، وحسب استقراء ناقص فإن الروايات تضمنت ثلاثة أنواع من الكواشف:

ص: 31


1- وسابقاً قد حكَّمنا العقل وأنه يكشف عن أن الكذب قبيح والمفسدة كامنة فيه استناداً إلى أنه من المستقلات العقلية والإصلاح كذلك ذو مصلحة لاستقلال العقل بذلك.
الكاشف الأول: الصفات

أما الطريق الأول للكشف عن الملاك فهو: ملاحظة الصفات الواردة للكذب أو للإصلاح، أو لغيرهما، في لسان الروايات فإن وصف الموضوع بصفة من الصفات الكاشفة عن كونه ذا مصلحة أو مفسدة، خير دليل على توفره على الملاك، ومن ثم دخولهما في باب التزاحم.

ومن هذه الروايات:

الرواية الأولى: ما ذكره الشيخ الكليني (قدس سره) عن العدة عن احمد بن محمد بن خالد البرقي عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «إن الله جعل للشر أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شر من الشراب»(1).

ورواة هذه الرواية كلهم عدول ثقاة إلا عثمان بن عيسى فإنه واقفي، إلا أنه نقل: أنه رجع عن الوقف(2)، وعلى أي فهو ثقة من أصحاب الإجماع، ولذلك فالرواية معتبرة وموثقة وإن لم تكن صحيحة اصطلاحاً؛ إذ لا يعلم تاريخ نقله للرواية أكان فترة وقفه أو قبلها أو بعدها .ووجه الاستدلال بها هنا أمران:

الأول: إن الشراب فيه المفسدة الشديدة، وهذا مما لا شك فيه، وما كان شراً منه - وبالأولوية - فلابد أن يكون ذا مفسدة أيضاً.

الثاني: بل إن وصف الشيء بأنه شر أو خير، دليل على وجود المصلحة أو المفسدة وتوافره على الملاك.

ص: 32


1- الكافي: ج2 ص339.
2- رجال الكشي: ج 1 ص 598، قال: ثم تاب عثمان.

أما المتعارضان فهما متكاذبان أحدهما لا ملاك فيه أصلاً ولا حكم، فتأمل(1).

الرواية الثانية: الكليني(قدس سره) في الكافي عن أمير المؤمنين (علیه السلام): «لا سوأة أسوء من الكذب»(2)، حيث وصف الإمام (علیه السلام) الكذب بالسوأة، والأسوئية مما يدل على وجود الملاك فيه.

الرواية الثالثة: ما ورد عن الصدوق (قدس سره) عن الإمام الصادق (علیه السلام) إنه قال: «شر الرواية الكذب»(3) والرواية صحيحة.ولا يخفى أن هذه الروايات كلها عن الكذب، وأما ما ورد عن الإصلاح فمتعدد ومنه: «إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام»(4).

الكاشف الثاني: المتعلقات

وأما الطريق الثاني فهو: ملاحظة حال المتعلِّقات بالموضوع، ومنها الحب والبغض، وهذا هو ما تضمنته معتبرة الشيخ الكليني (قدس سره)، ومحل الشاهد منها قول الإمام الصادق (علیه السلام): «إن الله أحب اثنين وأبغض اثنين: أحب الخطر(5) فيما بين الصفين وأحب الكذب في الإصلاح، وأبغض الخطر في الطرقات وأبغض

ص: 33


1- لما ذكرناه في موضع آخر من أن وجود الملاك أعم من كون المورد من باب التزاحم، فتأمل لما ذكرناه في موضع آخر من تعليق كونه من التزاحم أو التعارض على المبنى في اجتماع الأمر والنهي، فتأمل.
2- الكافي: ج8 ص19.
3- أمالي الصدوق: ص292.
4- الكافي: ج7 ص51.
5- أي ينبغي أن يظهر الفارس قوته وعضلاته من خلال مشيته متبختراً كيما يرهب الأعداء في أرض المعركة.

الكذب في غير الإصلاح )(1)، وتعلق (أحب) و(أبغض) بتلك الأربعة دال على وجود المصلحة أو المفسدة فيها، أما الحب فقد تعلق بالإصلاح فيدل على وجود المصلحة والملاك فيه، وأما البغض فقد تعلق بالكذب مما يكشف عن وجود المفسدة والملاك أيضاً.

وعليه: فإن وجود الملاك يُكتشف من تعلق الحب والبغض بموضوعهما.

الكاشف الثالث: الآثار

وأما الطريق الثالث فهو ما يكتشف فيه وجود الملاك عن طريق الآثار.

ومن ذلك ما رواه الصدوق (قدس سره) عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنه قال: «إن الرجل ليكذب الكذبة فيحرم بها صلاة الليل فإذا حرم صلاة الليل حرم بها الرزق»(2)، فعن طريق الآثار يكتشف بأن الكذب ذو مفسدة، وإن كان ذلكطريقياً وغيرياً، فإنه لا فرق بين أن يكون الوجوب أو الحرمة نفسية أو غيرية حتى يدخل العنوانان في باب التزاحم، ألا ترى إن وجوب المشي لإنقاذ السجين أو الغريق مثلاً، طريقي وهو يزاحم حرمة الغصب النفسية ويغلبها.

وما ورد عنه (علیه السلام): «ثمرة الكذب المهانة في الدنيا والعذاب في الآخرة)(3)، وما ورد عنه (علیه السلام) من: «إياك ومصادقة الكذاب فإنه كالسراب يقرب إليك البعيد ويبعد عليك القريب»(4).

وهذه الروايات تصرح ببعض آثار الكذب المختلفة مما يدل بالبرهان الإني

ص: 34


1- الكافي: ج2 ص342.
2- علل الشرائع: ج2 ص362.
3- غرر الحكم ودرر الكلم: ص328.
4- بحار الأنوار: ج71 ص199.

على وجود المفسدة فيه وكونه ذا ملاك.

والمتحصل: إن المعايير الثلاثة من الوصف والأثر والمتعلِّق، موجودة في الإصلاح والكذب أيضاً، فهي كاشفة عن وجود الملاك فيهما من المصلحة والمفسدة فيدخل الكلام فيهما في باب التزاحم لا التعارض فيقدَّم الأهم منهما.

ولننقل هنا ما ذكره السيد الخوئي(رحمة الله ) عن الغصب والإنقاذ لتجد جريانه في المقام دون أي اختلاف، قال في مصباح الأصول:

(وملخص الفرق بينه وبين التعارض: إنه ليس في باب التزاحم تنافٍ بين الدليلين من حيث المدلول أصلاً، إذ من الواضح عدم التنافي بين الدليل الدال على وجوب الإنقاذ، والدليل الدال على حرمة التصرف في الغصب، نعم القدرة مأخوذة في موضوع كلا الحكمين: إما من جهة حكم العقل بقبح تكليف العاجز وإما من جهة اقتضاء نفس التكليف ذلك، على خلاف بيننا وبين المحقق النائيني (قدس سره). وحيث إن المكلف لا يقدر على امتثال كلا التكليفين - على الفرض - يكون اختيار أحدهما - تعييناً أو تخييراً - موجباً لعجزه عن امتثال الآخر،فيكون الحكم الآخر منتفيا بانتفاء موضوعه)(1)، و(وهذا بخلاف باب التعارض، إذ التنافي بين الدليلين من حيث المدلول ثابت فيه، سواء أكان التنافي بينهما في تمام المدلول - كما في المتباينين - أم في بعض المدلول - كالعامين من وجه -، فإن التنافي بينهما في مادة الاجتماع فقط، فالأخذ بأحدهما - للترجيح أو التخيير - موجب لرفع اليد عن الآخر والحكم بعدم ثبوت مدلوله، فيكون الحكم الآخر منتفياً مع بقاء موضوعه لا بانتفائه، فإن الأخذ - بالدليل الدال على طهارة شئ - موجب لرفع اليد عن الدليل الدال على نجاسته، فيكون الحكم بالنجاسة منفياً عن

ص: 35


1- مصباح الأصول: ج3 ص354.

موضوعه لا منتفياً بانتفاء موضوعه، لبقاء الموضوع بحاله).

وأخيراً: يمكن الدفاع عن إدراج الكذب في الإصلاح في باب التعارض ب: إنه مبني على القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي، عكس ما لو قيل بامكان اجتماعها، فيكون من التزاحم كما بنى عليه في المصباح(1).

لكن ذلك كله لو تمّ لا يجدي للدفاع عن السيد الخوئي؛ لأنه مفصّل في المقام بين: ما يوجب تعدد العنوان تعدد المعنون كما في الماهيات المتاصلة المقولية فيمكن اجتماع الأمر والنهي فيها حسب رأيه، وما لا يوجب تعدده تعدده كما في الانتزاعيين المنتزعين عن شيء واحد باعتبارين كالإفطار في شهر رمضان بمال الغير المغصوب، فلا يمكن اجتماعهما حسب رأيه أيضاً فراجع تمام كلامه في المصباح(2).

ولكن قد يقال: بأن الكذب والإصلاح مما ينتزع من شيء واحد باعتبارين، فتأمل.

وتفصيل النقاش - مبنى وبناءً - موكول لمباحث اجتماع الأمر والنهي.ثم لا يخفى أن الإصلاح بما له من المصلحة حقيقة تشكيكية ذات درجات، وكذلك الكذب بما له من المفسدة.

وعليه: فلابد من الموازنة بينهما حتى يتم تقديم الأهم منهما كل في مورده، فتارة: يكون الإصلاح مهماً كما لو كان بين طائفتين عظيمتين، لكنه يتوقف على كذبة بسيطة، فهنا يتقدم حسن الإصلاح على قبح الكذب ويضمحل ملاك الكذب في قبال ملاك الإصلاح، وتارة أخرى: تكون الكذبة

ص: 36


1- مصباح الأصول: ج1 ق2 ص166.
2- مصباح الأصول: ج1 ق2 ص195.

كبيرة شديدة القبح والمفسدة كالكذب على الله ورسله وأوليائه، فلا يعقل تجويزه من أجل إصلاح نزاع بسيط بين متخاصمين؛ لبداهة تقديم ملاك الحرمة والقبح حينئذٍ.

الفرق بين القول بوجوب الإصلاح أو استحبابه، على التزاحم

ثم إنه لو بنينا على أن الكذب والإصلاح متزاحمان، فإما أن نذهب إلى تخصيص جواز الكذب بالإصلاح الواجب، أو أن نذهب إلى تعميم جوازه للإصلاح المستحب، فإن قلنا: بأن الكذب جائز في الإصلاح الواجب فقط، فلا يرد الإشكال بأن اللااقتضائي لا يزاحم الاقتضائي؛ إذ الإصلاح واجب حسب الفرض والكذب حرام، وكلاهما اقتضائيان فيقدم الأقوى ملاكاً(1).

وإن قلنا: بأن الإصلاح المستحب يجوز الكذب فيه، فقد يورد عليه بما سبق من أنه (كيف يقدم اللااقتضائي وهو الإصلاح على الأقتضائي وهو الكذب)؟ وقد يدفع بما ذكرناه من الوجوه الثلاثة على: إن المستحب قد يكون أقوى ملاكاً من الواجب، وإنه لم يوجَب لوجود مانع، فيمكن اذاً - على كونه من باب التزاحم - أن يغلب ملاكه ملاك الواجب، وقد سبق الكلام حوله والتأمل فيه، وعلى أي فلسنا بحاجة إلى طرق هذا الباب، مع وجود أدلةخاصة على جواز الكذب في الإصلاح - إن استظهرنا أن المراد الأعم من الواجب والمستحب - اللهم إلا لدفع شبهة الاستحالة، فتدبر جيداً.

منشأ التزاحم أمران كلاهما متصوَّر في الكذب الإصلاحي
اشارة

ولابد هنا من الإشارة إلى تتمة هامة في دعوى تزاحم الإصلاح والكذب،

ص: 37


1- ولا مجال لدعوى أن الإصلاح الواجب أقوى مطلقاً من الكذب الحرام بمختلف أنواعه،كما لا يخفى.

وهي بيان منشأ التزاحم فإن للتزاحم مناشئ ثلاثة، نذكر اثنين منها وهما مما يتعلق بمقام البحث:

الأول: الاتحاد في الوجود مع الاختلاف في الماهية

المنشأ الأول: اتحاد متعلقي الحكمين المتضادين وجوداً مع اختلافهما في الماهية والذات، كما في الغصب وإنقاذ الغريق فإن الغصب حرام وإنقاذ الغريق واجب، فمتعلقا الحكمين مختلفان ماهية - إذ الغصب أمر والإنقاذ أمر آخر من حيث الماهية والمفهوم - لكنهما قد يتحدان وجوداً(1).

وما نحن فيه قد يقال: بانه من صغريات هذا الباب؛ لكون الإصلاح والكذب ماهيتين ومفهومين متغايرين وقد اتحدا وجوداً.

الثاني: أن يكون أحدهما طريقاً ومقدمةً للآخر

وأما المنشأ الثاني من مناشئ التزاحم فهو: أن يقع أحدهما أي الواجب أو المحرم مقدمة للآخر، مثل أن يقع ترك أحدهما مقدمة لفعل الآخر، أو يقع فعل أحدهما مقدمة لترك الآخر، كما في السير في الأرض المغصوبة للوصول إلى البحر لإنقاذ الغريق.

فهل الكذب الإصلاحي من القبيل الثاني؟ أو إنه من القبيل الأول؟الظاهر: إن كلا المنشأين ممكن وواقع؛ فإن الإصلاح يتحقق أحياناً بالكذب نفسه فيكون مصداقاً بالحمل الشائع للإصلاح أيضاً، وأحياناً أخرى يكون الكذب مقدمة له، وعلى كل حال فلا فرق في الحكم أياً كان منشأ التزاحم.

ص: 38


1- بالتمصدق في مصداق واحد كأن يتمَّ الإنقاذ بحبل غصبي.

كما أن تصور المنشأين يفيد في تحقيق حال المقام، وأنه من التزاحم أو التعارض، فتدبر جيداً.

ورود الإشكال على التزاحم وعلى التعارض

الأمر الثالث: هل القائل بالتساقط فالرجوع للبراءة بنى على إن الإصلاح والكذب لهما ملاكان؛ نظراً إلى أنّ الإصلاح ملاكه المصلحة الكامنة فيه، والكذب ملاكه المفسدة فيه، ثم إنهما في مادة الاجتماع يتدافعان حيث يعجز المكلف عن امتثالهما معاً فيكون المورد من التزاحم؟ أو لا، بل لا ملاك إلا لأحدهما أو لا لشيء منهما أو لا يعلم، لذا يتساقطان؛ إذ لا يمكن أن تتعلق الإرادة الجدية للمولى بكليهما معاً في مادة الاجتماع.

وعلى كلا التقديرين يرد الإشكال على كلامه:

فإن ذهب إلى أن المسألة داخلة في باب التزاحم، فلابد معه أن يراعي أقوى الملاكين فيقدم، وإذا تساويا تخيّر، ولا يصح القول ب: إنهما يتعارضان فيتساقطان فيرجع إلى البراءة؛ إذ المتزاحمان ليسا متكاذبين فلا يتساقطان، بل يقدَّم الأهم منهما حسب مرجحات باب التزاحم.

وإن ذهب إلى أن المسألة ليست من باب التزاحم، وإنما هي من باب التعارض - كما هو صريح عبارته - فيرد عليه:

أولاً: وضوح وجود الملاك فيهما، وإن العجز في مرحلة الامتثال، فهو من التزاحم كما سبق.وثانياً: إشكال السيد القمي دام ظله من استلزام ذلك تالياً فاسداً وهو: إن كل المحرمات من زنا وشرب الخمر وغيرها وغيره، لو تعارضت مع الإصلاح لجازت وحلت بعد التساقط والرجوع إلى البراءة، وهذا مما لا يظن أن يلتزم به،

ص: 39

بل إننا نقطع بعدم التزامه به؛ إذ لا يصح القول بجواز القتل أو الزنا أو القمار لتعارض أدلة حرمتها مع أدلة جواز أو وجوب الإصلاح فيتعارضان ويتساقطان ويرجع في القتل وشبهه إلى أصالة الجواز، كما لا يصح القول بتقديم حرمة القتل وشبهه على أدلة الإصلاح نظراً لأقوائية ملاكها منه، مادام المبنى على أنها من باب التعارض لا التزاحم.

إلا أن يجاب(1) ب: إن حرمة أمثال الزنا من القطعيات التي لا تحل لمجرد كونها مصداقاً للإصلاح وانطباق أدلته عليها في مادة الاجتماع؛ للضرورة والارتكاز القطعي وغير ذلك، وأما ما عداها فيمكن للسيد الخوئي أن يلتزم به، أو يقال: بأنها من المستقلات العقلية فلا تقع مورداً للمعارضة، فتأمل(2). وسيأتي وجه آخر لعدم لزوم هذا التالي، فانتظر.

الإشكال الخامس: إنّ لسان (لا تكذبوا) آبٍ عن التخصيص فيقدم على (فأصلحوا)
اشارة

وهذا الإشكال يعتبر قسيماً آخر لإشكال السيد القمّي دام ظله، وذلك بالتصرف في أدلة (لا تكذب).وتوضيح ذلك: إن الدليلين لو تعارضا فيمكن رفع التعارض تارة بالتصرف في هذا الدليل بدعوى انصرافه مثلاً، وأخرى بالنظر إلى الدليل الآخر وتحقيق حاله، وفي المقام لدينا طريقان ووجهان(3):

ص: 40


1- وكما سيأتي أيضاً.
2- إذ ليست كلها من المستقلات العقلية كما ليس عموم حرمتها من المستقلات كما أن بعض صور اجتماعها مع الإصلاح ببعض درجاته مما لا يعلم قطعية حكمه، فتأمل.
3- من جملة وجوه عديدة لرفع التعارض غير المستقر.

الأول: ما ذهب إليه السيد القمي(1) من أن: في مادة الاجتماع بين الإصلاح والكذب فإن (أصلحوا) منصرفة عن الكذب المحرم، وعليه فالكذب حرام دون معارض.

الثاني: وهو ما نضيفه وهو: إن بعض الأدلة الدالة على حرمة الكذب والتي مفادها (لا تكذبوا) هي بمكانٍ من القوة بحيث لا يمكن ل(أصلحوا) في مادة الاجتماع أن تعارضها ليتساقطا، بل تتقدم (لا تكذبوا) لكونها كالنص في مقابل الظاهر.

وذلك: لأن لسان الدليل أحياناً يكون كالنص آبياً عن التخصيص،كما هو الحال في المقام، فإنّ بعضاً من روايات الكذب آبٍ عن التخصيص كقول الإمام العسكري (علیه السلام): «جُعِلَتِ الْخَبَائِثُ كُلُّهَا فِي بَيْتٍ وَجُعِلَ مِفْتَاحُهَا الْكَذِب»(2) فإن لسان الرواية قوي آبٍ عن التخصيص؛ إذ كيف يكون ما هو كذلك جائزاً وإن وقع طريقاً للإصلاح؟

ولعل من وجوه ذلك: إن الكذب في الإصلاح لو اعتاده الشخص(3) لجعله يعتاده كذلك في الإفساد، نظير من يستحل أكل المُسْكِر لضرورة، فإنه قد يستعذبه ويرغب إليه حتى في غيرها، وربما يستطيع الشيطان أن يخدعه فيعتاد عليه.ولا يخفى أن هذا الوجه لو تم، فإنه ليس من الحكومة التي لا تلحظ فيها أيضاً النسبة بين الدليلين وإنها عموم مطلق أو من وجه، بل يتقدم الحاكم مطلقاً

ص: 41


1- كما سبق كلامه
2- بحار الأنوار: ج69 ص263.
3- بل لو فعله ولو مرة واحدة فإنه ربما استساغه فتجرأ على الكذب الباطل أيضاً (في الإفساد أو حتى عبثاً) وحيث إن المحتمل خطير كان منجزاً.

كحكومة (لا ضرر) على أدلة العناوين الرئيسية الأولية، فإنها وبالرغم من أن النسبة عموم من وجه إلا أن أدلة (لا ضرر) حاكمة لناظريتها على العناوين الأولية، فإنه من النص والظاهر لا الحاكم والمحكوم، فتدبر.

ولكن قد يقلب هذا الوجه على المستشكل ب:ان مثل هذا اللسان القوي «جُعِلَتِ الْخَبَائِثُ كُلُّهَا فِي بَيْتٍ وَ جُعِلَ مِفْتَاحُهَا الْكَذِب» منصرف عن مثل الكذب في الإصلاح عرفاً؛ لمناسبات الحكم والموضوع، وتلازمه مع الاعتياد وكونه مقدمة له أول الكلام، فتأمل.

دفع إشكال السيد القمي

ولو تم ما ذكرناه فإنه يمكن أن يشكّل رداً على إشكال السيد القمي الأول السابق - وكذلك على الشطر الثاني من إشكالنا الرابع - إذ إن للسيد الخوئي أن يجيب عما أورده وألزمه به السيد القمي (من أن القول بالتساقط والرجوع إلى البراءة، يلزم منه جواز ارتكاب كل المحرمات إذا وقع بها الإصلاح) ب: إن ألسِنَة تلك المحرمات آبية عن التخصيص لقوتها، كما هو الحال في قوله تعالى: «لَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ»(1)، وكذلك لسان «وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا»(2) و«إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ»(3)، وأما قبح الكذب ومفسدته ككلي طبيعي وبما هو هو، فإنه ليس بهذه القوة، لذا أمكن القول بمعارضة أدلة الإصلاح لأدلة حرمة الكذب، ولم يمكن القول بمعارضتها لأدلة حرمة القتل والزناوشبه ذلك، والنتيجة أنه قد يصح

ص: 42


1- سورة الأنعام: 151.
2- سورة الإسراء: 32.
3- سورة المائدة: 90.

القول بتساقط أدلة (الكذب والإصلاح) في مورد الاجتماع، ولا يصح القول بتساقط أدلة حرمة الزنا وأدلة الإصلاح والرجوع إلى البراءة بعدها، فتأمل.

ولا يخفى - وكما سبق - أن الكلام هو حول الكذب العادي لو تعارض مع الإصلاح الواجب، وليس حول مثل الافتراء على الله تعالى فإن لسانه آب عن التخصيص كذلك.

الإشكال السادس: إنّ (المصلح ليس بكذاب) حاكم فلا تعارض

ومما يرد على كلام السيد الخوئي من معارضة أدلة الكذب مع الإصلاح فتتساقط فيرجع إلى البراءة، أو يرجع بعد التساقط إلى الرواية الصحيحة التي تصرح بأنّ «المصلح ليس بكذاب»(1).

هو: إنه لا وجه للقول بتعارض أدلة الإصلاح مع أدلة الكذب مع وجود رواية «المصلح ليس بكذاب»؛ إذ إن هذه الرواية حاكمة على أدلة الكذب، منقحةٌ لموضوعها تنزيلاً، فهي نظير لا ربا بين الوالد وولده، فلا يكون الكذب في الإصلاح، من الكذب شرعاً، فكيف تعارضه أدلة حرمة الكذب حتى يتساقطا؟

وبعبارة أخرى: إنّ الدليل الحاكم، وهو الصحيحة، يقول بأن الكذب في الإصلاح ليس كذباً، فدليل (لا تكذبوا) محكوم في مورد الاجتماع؛ إذ قد نفي كون الكذب الإصلاحي كذباً ولا يعارض دليل (أصلحوا)؛ إذ المعارضة فرع الاجتماع و«المصلح ليس بكذاب» بنفي موضوعاً الاجتماعَ.

وبعبارة ثالثة: إن الرواية الصحيحة تشكّل منقحاً موضوعياً(2) رافعاً لمادة الاجتماع بتنزيل الشارع، فلا تعارض ولا تساقط، بما يكون مفاده أنه لا يوجد

ص: 43


1- الكافي: ج2 ص210.
2- لكن بلسان الحكومة كما سبق.

كذبٌ إصلاحيٌ حتى يقال بتعارض الدليلين في مادة الاجتماع وتساقطهما؛ إذ الرواية الصحيحة تقول ليس الكذب الإصلاحي كذباً.ومحصل الفرق بيننا وبينه (قدس سره): إنه اعتبر «المصلح ليس بكذاب» مرجعاً بعد تساقط (فأصلحوا) و(لا تكذبوا)، واعتبرناه أسبق بمرتبتين من ذلك بكونه منقحاً لموضوع الكذب، فلا تشمله أدلة الكذب، فهو جائز لا لسقوط دليل حرمته بالتعارض، بل لعدم شمول دليل الحرمة له أصلاً؛ لاخراجه موضوعاً عنه تنزيلاً، فتدبر.

ج. الاستدلال بقوله تعالى: «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ»

اشارة

أضاف السيد الوالد (قدس سره) في مكاسبه(1) آية ثانية للاستدلال على جواز الكذب في الإصلاح، وتطرق إليها على نحو الإشارة من غير أن يتوقف عندها، وهي قوله تعالى: «وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ»(2).

والآية تدل على وجوب الإصلاح؛ استناداً إلى ظهور الأمر في الوجوب، وكون الأصل فيه المولوية، وإذا تم ذلك جرى ما سبق بيانه من صورتي تعارضها أو تزاحمها.

ولكن الاستدلال بالآية المزبورة يتوقف على بيان مطلبين:

تحديد المراد من (وأصلح)

أما المطلب الأول فهو تحقيق المراد من قوله تعالى: «وأصْلِحْ»؛ فإنّ في

ص: 44


1- المكاسب المحرمة: ج2 ص52.
2- سورة الأعراف: 142.

المقام أربعة احتمالات ذكر ثلاثة منها الشيخ الطبرسي في مجمعه(1):

الاحتمال الأول: إن المراد من الإصلاح في الآية المباركة هو: إصلاح ذات البين عند حدوث النزاع أو الصراع، وهذا هو مورد البحث.الاحتمال الثاني: إن المراد هو: إصلاح ما فسد من أمور القوم، أو إصلاح من فسد من الأشخاص، فلو انحرف أحدهم فلابد من إصلاح حاله وإرشاده إلى سواء السبيل، بل قد يقال: بشمول الآية للدفع أيضاً فالرفع، فلو همّ أحدهم بأن ينتمي إلى مجاميع الضالين أو الظالمين أو السراق أو الإرهابيين فلابد من إصلاحه وهدايته أو ردعه ومنعه.

الاحتمال الثالث: إن المراد: الأعم من ذلك ليشمل الإصلاح أو التحسين والتجميل من غير وجود فساد، وذلك عرفي فمثلاً يقال للأم: (أصلحي حال ابنتك عند زواجها) أي رتبي ظاهرها، وهذا المعنى أعم من المعنى الثاني، والثاني أعم من الأول؛ فإن المعنى الأول من مصاديقه كما لا يخفى(2).

الاحتمال الرابع: إن المراد من الإصلاح هو: الحمل على الطاعة.

ولكن النتيجة من حيث المآل واحدة؛ فإنه إذا كان المراد في الآية هو إصلاح ذات البين، فإن ذلك هو مورد البحث والمطلوب وتكون الآية الشريفة دالة عليه بالدلالة المطابقية، وإن كان المراد هو المعنى الثاني وهو إصلاح ما فسد من الأمور أو الثالث وهو مطلق الإصلاح، فإن الآية تكون حينئذٍ كبرى صغراها المخاصمة؛ ذلك أن الفساد أنواع كثيرة كالسرقة وعدم الصلاة وغيرها والمخاصمة هي أحد مصاديقها، وكذلك الحال لو أريد حملهم على الطاعة فإن

ص: 45


1- مجمع البيان: ج4 ص349.
2- إذ النزاع مفسدة وفساد.

إصلاح ذات البين من الطاعة، ومن هنا فأياً كان المراد فإنه ينفع في المطلوب.

الجواب عن إشكالان يوردان على الاستدلال بالآية

وأما المطلب الثاني فهو: إنه قد يورد على الاستدلال بالآية إشكالان، ولا بد من الجواب عنها كي يصح التمسك بالآية كدليل على المبنى.

الإشكال الأول: القضية شخصية

بدعوى أن الإصلاح في الآية خطاب خاص من موسى (علیه السلام) لهارون (علیه السلام) والقضية شخصية وخارجية، وعليه فلا ربط لها بشريعتنا وأحكامنا؟

جواب الإشكال بأحد وجهين

أولاً: أن يقال بأن (الخطاب) وإن كان خاصاً إلا أن (الأمر) عام، وذلك لأنه الأصل في كل خطابات القرآن الكريم، فإن الأمر العام قد يوجه للشخص المعين لحاجة الأمر للمخاطب، لا لكونه المأمور به فقط، وإنما يكون توجيهه له إما لأجل التشريف أو لأنه سيد القوم أو لغير ذلك.

والحاصل: إن الأصل في خطابات القرآن الكريم هو أن الخطاب الخاص يراد منه العام إلا ما خرج بدليل(1).

ثانياً: أن يقال: بإلغاء الخصوصية؛ لوضوح أنه لا خصوصية لإصلاح هارون لقومه، بل الحكم عام ببركة إلغاء الخصوصية وهو غير تنقيح المناط، فتأمل.

الإشكال الثاني: الحكم خاص بشريعة سابقة

هو ان الخطاب في الآية المباركة يرتبط بشريعة موسى (على نبينا وآله وعليه

ص: 46


1- و قد بين المؤلف تفصيل ذلك في كتاب ( الأوامر المولوية والإرشادية ).

السلام)، فلا يسري إلى شريعتنا.

جوابان للاشكال الثاني:

الأول: ما ثبت من صحة استصحاب الشرائع السابقة عند الشك.الثاني: إن إطلاقات أوامر الأنبياء (على نبينا وآله وعليهم السلام) تعم البشرية جمعاء على امتدادها، نعم لو ثبت نسخ النبي اللاحق لها فهو، وإلا فالعموم والإطلاق محكم، نظير قوله تعالى: «فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ»(1)؛ فإن الخطاب عام ومطلق، شامل لنا أيضاً.

وهذا الجواب كما ترى - لو ثبت - مقدمٌ رتبةً على الاستصحاب؛ لأن الاستصحاب موضوعه الشك، ومع القول بشمول الإطلاقات لكافة الأزمنة لا شك ليحتاج إلى التمسك بالاستصحاب.

وأما الإشكال ب: إن الأمر ب(أصلح) إرشادي، فسيأتي الجواب عنه لاحقاً بإذن الله تعالى.

د. الاستدلال بقوله تعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ»

اشارة

د. الاستدلال بقوله تعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ»(2)

ويمكن أن نضيف إلى الاستدلال بالآية الأولى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ»(3) التي

ص: 47


1- سورة الأنعام: 152.
2- سورة الأنفال: 1.
3- سورة الحجرات: 9.

استدل بها عدد من الأعلام، وإلى الآية الأخرى وهي:«وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ»(1) التي استدل بها السيد الوالد (رحمه الله)، آية ثالثة لعلها أقوى من حيث الدلالة على المراد من تينك الآيتين وهي قوله تعالى في أول سورة الأنفال: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ».ولا يرد على الاستدلال بهذه الآية ما قد يورد على الاستدلال بالآية الأولى إذ قد يتوهم فيها: إن قرينة السياق لقوتها مخلّة بالإطلاق(2)؛ فإن قرينة السياق على المشهور غير مخلة بالإطلاق، لكنها قد تكون أحياناً من القوة بحيث تخل به عرفاً، وقد يدعى أن الآية من ذلك فلاحظ قوله تعالى: «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»(3).

وهذا الإشكال غير تام ظاهراً بل الأمر بالعكس؛ لظهور الآية العاشرة من سورة الحجرات في التعميم بعد التخصيص، وعلى أي فإنه لا يجري حتى هذا الوهم في الآية الثالثة، فتأمل.

كما قد يورد على الآية الأولى ب: إنها خاصة بالإصلاح بين المؤمنين فقط، أما الآية الثالثة فلا يرد عليها ذلك، فتكون شاملة لكل إصلاح بين المسلمين(4) فتشمل الإصلاح بين المخالفين أيضاً.

ص: 48


1- سورة الأعراف: 141.
2- وإن كان الإشكال مندفعاً لذا عبرنا ب( يتوهم ).
3- سورة الحجرات: 8 - 9.
4- على القيد في الآية الأولى يجري البحث عن حكم الإصلاح بين المخالفين أو الكافرين غير الحربين ؟ وهذا ما سيأتي .

كما أنها لا يرد عليها: ما أورد على الآية الثانية من الإشكالين حتى بدواً.

والظاهر إن المعنى المراد من (ذات) هو الحقيقة، فإنه لو قال أحدهم (أصلح ذاتك)، فإن معناه المستفاد منه عرفاً هو أصلح نفسك وحقيقتك، فإن ذات المرء حقيقته، فيكون المعنى: أصلحوا حقيقة بينكم، فتفيد أنه لا يكفي في الإصلاح أن يشمل ظاهر الحال فحسب، بل لابد أن يشمل باطن الإنسان أي الحقيقة التي بينكم.وبناء على ما بيناه يتضح وجه استعمال صيغة التأنيث في ذات؛ إذ (الحقيقة) معنى مؤنث،وذلك منوط بأمرين: إمكان شمول الإصلاح للحقيقة والذات أي الجوهر وظهور الكلام في ذلك، وكلاهما محل تأمل، ولعله لذلك عدل قوم - فيما نقله الشيخ الطوسي(قدس سره) عنهم في التبيان - إلى تقدير (حال) فيكون المعنى (أصلحوا ذات الحالة التي بينكم)(1) فتأمل.

عموم الآية للصور الأربع

وقد يستظهر أن قوله تعالى: (وأصلحوا) يشمل إصلاح الجميع للجميع أو لبعض آحادهم، وللمجموع أو بعض المجاميع، وإصلاح المجموع للمجموع أو لبعض المجاميع وللجميع أو لبعض أحادهم، وتوضيح ذلك يعتمد على تمهيد مقدمة وهي:

إن الهيئة الاجتماعية لها حظ من الوجود أيضاً، ويدل عليه البرهان الإني وغيره، وذلك ظاهر في مثل الغابة فإن كل شجرة لها تشخُّص ووجود وحالة وأثر، وأما اجتماع هذه الأشجار فإنه الذي يكوِّن ويوجد هيئة جديدة وعلةً صورية بالمعنى الأعم، كما أن الأشجار بهيئتها الاجتماعية لها آثار خارجية

ص: 49


1- التبيان: ج5 ص74.

أخرى؛ كتنقية هواء المنطقة وتماسك التربة وكونها سداً أمام زحف الصحراء،وإضفاء الجو الجميل وإيجاد البهجة في النفس، كما أن الأشجار بهيئتها الاجتماعية مأوى للكثير من الحيوانات، وأما الأشجار نفسها فإنها لو كانت على نحو إفرادي متباعدة ومتفرقة عن بعضها بعضاً، فإنها وإن كانت بعدد أشجار الغابة نفسها، لكنها لا تنتج الآثار المذكورة للهيئة المجموعية.

والحاصل: إن من المسلمات أن الهيئة الحاصلة من اجتماع أشياء بنسق خاص لها حظ من الوجود ونصيب في الأثر(1) وقد يقال: إن هذه الهيئة الاجتماعية هي نفس مجموع مقولتي الوضع والجدة أو وليدهما مجتمعين، فتأمل.إذا تمهد ذلك فنقول:

المحتملات في المراد من «أصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم»

المحتملات في المراد بالآية الشريفة «وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ» هي أربعة بدواً، وهي أكثر عند الدقة:

الأول: أن يراد بالخطاب: الجميع للجميع، أي: إن كل واحد مع قطع النظر عن تعاضده وتآزره واجتماع الآخرين معه وكونهم في تيار أو هيئة أو جماعة أو عشيرة، مسؤول عن إصلاح جميع المسلمين وآحادهم بنحو الوجوب الكفائي.

الثاني: أن يراد: المجموع للمجموع، أي: إن مجموع المؤمنين - و يلحق بهم: الهيئة أو العشيرة أو غيرها - هم الذين صبّ عليهم وجوب الإصلاح،

ص: 50


1- وهذه هي إحدى مراتب العلة الصورية بالمعنى الأعم ذلك إنها أي العلة الصورية قد تكون قائمة بالواحد الشخصي وهي المعنى الأخص، وقد تكون قائمة بالمجموع وهي المعنى الأعم، فتأمل.

ووظيفتهم هي إصلاح ما أفسده المجموع.

الثالث: أن يراد: الجميع للمجموع، فكل واحد مخاطب بالأمر، والوجوب متعلق به، وهو مسؤول عن مجموع المسلمين وعن مجاميعهم، ولعل إلى هذه الصورة يرمز قوله (صلی الله علیه و آله) : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»(1).

الرابع: أن يراد: المجموع للجميع، وذلك بأن يقال: بأن المجموع والهيئة هي المسؤولة عن إصلاح الجميع على نحو كل فرد فرد.

وقد يقال: إن الآية تشمل كل هذه المعاني الأربعة؛ لأنها جميعاً مصاديق ل (أصلحوا).

وبعبارة أخرى: إن الإصلاح بالحمل الشايع الصناعي يصدق على جميع هذه المعاني والاحتمالات من دون تعمّل أو عناية، والانصراف لو كان إلى بعضها، فبدوي(2).والنتيجة هي: جواز الكذب في الإصلاح في كل الصور الأربع مطلقاً - كما هو المستظهر -،أو في خصوص الإصلاح الواجب منها، وسيأتي بحثه بإذن الله تعالى.

التزاحم بناءً على إرشادية أمر (أصلحوا) واحتماله على مولويته

ثم إن مقتضى التحقيق: لو قلنا بأن أمر (أصلحوا) مولوي، فإنه يجري فيه البحث الماضي من وجود كلا احتمالي المعارضة أو المزاحمة مع مثل (لا تكذبوا) بناء على كونه مولوياً أيضاً.

ص: 51


1- بحار الأنوار: ج72 ص38.
2- وقد فصل المؤلف نظير هذا في آية: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» (سورة التوبة: 71) في كتاب (معالم المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي).

وأما لو قلنا: بأن أصلحوا ولا تكذب، إرشاديان، فإنهما في مادة الاجتماع سوف يتزاحمان، فيقدم الأهم منهما على الآخر بحسب الموارد والمصاديق، ولا مجال لتوهم التعارض على هذا لعودهما إلى حكمي العقل ولا يعقل فيهما التعارض.

ولا بأس بالإشارة هنا إلى الضابط في كون الأوامر مولوية أو إرشادية، فقد ذكرنا في محله(1) عشرة ملاكات محتملة أو مقولة للتفريق بين المولوي والإرشادي، والرأي المنصور هو: (إن المولوي هو كل ما صدر من المولى بما هو مولى معمِلاً مقام مولويته) وغيره إرشادي، ومعه فلا فرق على هذا بين أن يكون الأمر المولوي قد ورد في مورد المستقلات العقلية أو لا، وذلك على خلاف ما ذهب إليه ما لعله المشهور بين المتأخرين من التفريق بينهما ب: إن كل ما ورد في مورد المستقلات العقلية مثل: اعدلوا وأحسنوا وردوا الوديعة أوأصلحوا ذات البين، فهو إرشادي بمعنى أن المولى يرشد إلى حكم العقل ولا يمكنه أن يأمر بما هو مولى، بدعوى اللغوية أو لزوم تحصيل الحاصل أو غير ذلك، وأما لو لم يكن كذلك فهو مولوي.

ه. الاستدلال بالروايات على جواز الكذب في الإصلاح

اشارة

وأما الروايات فهناك روايات عديدة دالة على جواز الكذب في الإصلاح، منها روايات صحاح، ومنها حسان وموثقات، وسنقتصر على بعضها فقط فلعل فيها الكفاية، ونبدأ بروايتين صحيحتين:

الصحيحة الأولى: رواية الصدوق في ثواب الأعمال
اشارة

وهذه الرواية قد رواها الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال:

ص: 52


1- في كتاب الأوامر المولوية والإرشادية، فراجع

(عن محمد بن موسى بن المتوكل)، وقد ادعى السيد ابن طاووس(قدس سره) في فلاح السائل(1) الاتفاق على وثاقته، كما أن الشيخ الصدوق (قدس سره) قد أكثر الرواية عنه.

(عن عبد الله بن جعفر الحميري) وهو شيخ القميين ووجههم وقد وثقه النجاشي (قدس سره)(2) والطوسي (قدس سره)(3).

(عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب) وهو أيضاً ثقة، قال عنه النجاشي: عظيم القدر كثير الرواية ثقة عين حسن التصانيف مسكون إلى روايته(4).(عن الحسن بن محبوب) وهو من أصحاب الإجماع ثقة دون شك.

(عن أبي حمزة الثمالي) وهو ثابت بن دينار وهو ثقة بلا كلام.

وعليه: فهذه الرواية من الصحاح، ولا كلام في اعتبارها.

عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (علیه السلام) يقول: لأن أصلح بين اثنين أحب إلي من أن أتصدق بدينارين(5)»(6)، وقد يستدل بقوله (أحب) على ثبوت الملاك في الإصلاح، فلا يصح القول بتعارضه مع الكذب أو غيره، بل لابد من القول بتزاحمه معه؛ إذ التعارض يعني التكاذب، وذو الملاك إذا قابله ذو ملاك آخر فإنه يزاحمه ولا يعارضه، وقد يتأمل في ذلك؛ إذ ليس كلما تقابل ذو ملاك مع آخر كان من التزاحم، إذ قد يسري الشك إلى صدور أحدهما، نعم

ص: 53


1- فلاح السائل: ص195.
2- رجال النجاشي: ص162.
3- رجال الطوسي: (ص419 وص432).
4- رجال النجاشي: ص334.
5- والدينار في ذلك الزمان كان ذا قيمة كبيرة ويعدل ثمن شاة تقريباً.
6- وسائل الشيعة: ج18 ص441.

لو علم بتشريعهما معاً ولم يمكن الجمع بينهما لعدم القدرة كان من التزاحم، فتأمل.

وبعبارة أخرى: إن قوله (أحب) يفيد عرفاً بل وبالبرهان الإني وجود مصلحة كامنة في المتعلق(1)، وحيث وقع في قباله الكذب وهو مبغوض ذو ملاك فليسا متكاذبين، بل هما متزاحمان في مورد الاجتماع، كما مضت الإشارة إليه وسنفصله أكثر بإذن الله تعالى.كما يدل على المحبوبية الذاتية وعلى وجود الملاك في الإصلاح(2)، قول الإمام الصادق (علیه السلام): «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام».

إشكال: الرواية في الإصلاح المستحب فلا تزاحم الكذب الحرام

ولكن قد يستشكل على الاستدلال بهذه الرواية ونظائرها بما مضى

ب: إنها واردة في المستحب وهو مما لا يزاحم الحرام أبداً - بحسب قاعدة الاقتضائي واللااقتضائي -؛ ذلك أن الرواية بظاهرها تدل على استحباب الإصلاح لوجود قرينة (أحب) فإنها تشهد بالاستحباب ولتفضيله (علیه السلام) الإصلاح على (التصدق)؛ والتصدق مستحب، فظاهرها أن هذا المستحب أحب من ذاك المستحب.

ص: 54


1- أو لا أقل من وقوعه مقدمة لذي ملاك.
2- علق الشيخ الطوسي في الأمالي ص522، في هامش النسخة المخطوطة: (أقول: إنّ المعنى في ذلك أن يكون المراد صلاة التطوّع و الصوم). أي التطوعية، أقول: وهذا هو ما ناقشناه واجبنا عنه بأن المستحب قد يكون ملاكه أقوى من الواجب، فراجع ما سبق، فيمكن أن يكون المراد أفضل من عامة الصلاة الواجبة، لو لا الاستبعاد، فتأمل.

والحاصل: إن جو الرواية والمستشم من بعض مفرداتها، أن موردها الإصلاح المستحب، ولعله المتفاهم عرفاً منها.

وإذا كان ظاهر الرواية الإصلاح المستحب، فإنه لا يزاحم الكذب الحرام إذ - وكما سبق - فإن اللااقتضائي لا يزاحم الاقتضائي لقوة ملاك الأخير، فلا تصلح الرواية للاستدلال بها على جواز (الكذب في الإصلاح)، وهو مورد الاجتماع.

مناقشة الإشكال كبروياً

ويمكن الجواب عن ذلك كبروياً ب: إمكان وقوع التزاحم بين المستحب والحرام؛ لما مرّ من أن ملاك المستحب قد يكون أقوى من ملاك الواجب، غاية الأمر أنه لم يوجَب لوجود المانع، وقد مضى تفصيل ذلك ومناقشته فراجع.

إن سلمنا(1) لكن يمكن الجواب صغروياً بوجهين:

مناقشة الإشكال صغروياً
الوجه الأول: الظاهر أن موضوع الرواية الطبيعيِّ بما هو لا بعض مراتبه

أما الوجه الأول في رد الإشكال فهو: إنّ الظاهر من الرواية المذكورة أنها تتحدث عن طبيعي الإصلاح وليس عن بعض مراتبه، أي: المستحب منه؛

ص: 55


1- أي سلمنا أن المستحب لا يزاحم الواجب بوجه، فإن كونه مستحب دليل إما على ضعف ملاكه عن أن يوجبه الشارع أو على أن ملاكه مبتلى بمانع عن حكم الشارع بوجوبه، وعلى كلا التقديرين فالواجب أقوى بالفعل، من حيث الملاك التام الاقتضاء غير المبتلى بالمانع، من المستحب.

فمصب الكلام هو الطبيعيُّ بما هو هو(1) والمراد فيها هو: إن هذه الطبيعة وهي (الإصلاح) أفضل من تلك الطبيعة وهي (التصدق)(2)..وعليه: فهي أعم من الإصلاح الواجب والمستحب، فما كان منه واجباً زاحم الكذب المحرم فيتقدم عليه، وما لم يكن واجباً فلا، لكن سبق أن مقتضى التزاحم تقديم الأهم منهما، وذلك منوط بمراتب كل منهما، وليس في الرواية ما يدل على كون مصلحة الإصلاح أهم من مفسدة الكذب مطلقاً.

الوجه الثاني: القرائن المذكورة ليست تامة

أما الوجه الثاني فهو: إن ما ذكر من القرينتين على الاستحباب ليس بتام؛ أما (الأحب) فلأنه يطلق على الواجب أيضاً فإن كلاً من الواجب والمستحب محبوب، ولا ظهور لأحب في كونه متعلقه مستحباً، بل الواجب أحب من المستحب.

وأما (التصدق) فلا ظهور لكونه المرجح عليه في كون الراجح عليه هو المستحب فقط؛ إذ التصدق شامل للواجب أيضاً كالزكاة والمنذور وشبههما، بل حتى لو فرض إن المراد من (التصدق) المستحب، فإن ترجيح أمر على أمر مستحب لا دلالة فيه بوجه على أن المرجَّح مستحب كالمرجّح عليه.

ألا ترى أنه يصح القول: صلاة الصبح خير من قراءة الأدعية - لو تزاحمت - أو: أداء الواجبات أحب إليَّ من العمل بالمستحبات؟

الصحيحة الثانية: صحيحة الكليني(قدس سره) : (صلاح ذات البين...)
اشارة

وأما الرواية الأخرى وهي صحيحة أيضاً، فقد رواها الشيخ الكليني (قدس سره)

ص: 56


1- أي مع قطع النظر عن المراتب و الخصوصيات.
2- كما هو الحال في تمرة خير من جرادة.

بسنده عن الإمام علي أمير المؤمنين (علیه السلام)قال: «إني سمعت رسول الله n يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، وإن المبيرة(1) الحالقة للدين، فساد ذات البين(2)(3).

والاستدلال بهذه الرواية يتوقف على: تحقيق معنى (صلاح) الوارد فيها وفرقه عن (الإصلاح) الوارد في بعض الروايات الأخرى، وذلك لأن بعض الروايات ورد بلسان (صلاح ذات البين) وبعضها الآخر لسانها (إصلاح ذات البين)(4)، فهل هما عنوانان أو عنوان واحد؟ وهل المراد منهما أمر واحد أو المراد أمران ومطلبان.

والجواب: إن هناك من الناحية المبدئية والثبوتية ثلاث حقائق وأمور لا حقيقتين:

الأول: الإصلاح: وهو أن يصلح الشخص بين اثنين، أو يصلح ما فسد من الأمور.

الثاني: الصلاح: بمعنى المصدر، كما هو الحال في الاغتسال أي نفس الحدث وعملية الصلاح.

الثالث: الصلاح: بمعنى اسم المصدر، بمعنى: الحالة الحاصلة والنتيجة المترتبة والهيئة المترشحة والناتجة من الصلاح.

ص: 57


1- المبيرة من البوار وهو الهلاك.
2- وهذه الرواية - كنظائرها - بحاجة إلى القيام ببحث اجتماعي أخلاقي مستوعب حولها، نظراً لأهميتها وحيويتها، ولعل كثيراً من المتدينين يبتلون بمثل هذه الدواهي الحالقة للدين و المهلكة العظيمة لا سمح الله.
3- الكافي: ج7 ص51.
4- كما في الكافي: ج7 هامش ص53.

ولابد من بيان الفرق بين المصدر واسم المصدر؛ ليتضح الفرق بين المعنيين الأخيرين للصلاح، كما لا بد أيضاً من تحقيق الفرق بين صلَح بالفتح وصلُح بالضم.

وذلك لأن الصلاح مصدر له وجهان:

الأول: أن يكون من باب(1) (صَلَح - يصلَح) بفتح عين الفعل في الماضي والمضارع معاً.

والثاني: أن يكون من باب (صلُح - يصلُح) أي بضم العين فيهما.

فهل باب الفتحتين مصدره يشير إلى المصدر، وباب الضمتين يشير إلى اسم المصدر؟ فهنا بحوث خمسة:

البحث الأول: تصوير معنى المصدر واسم المصدر في (الصلاح)

يمكن أن يقع (الصلاح) مصدراً، كما يمكن أن يقع اسم مصدر، وذلك تبعاً للمقصود منه والمعنى المراد؛ فإن الصلاح - وكذا الصلوح - إما أن يقصد به الهيئة الحاصلة والحالة الناتجة، فيكون اسم مصدر وذلك كما في قولك: فلان صالح، أي: له حالة الصلاح، وكما هو الحال في قولك: فلان عادل، أي: له ملكة العدالة - على المشهور -، فالصلاح هو حالة وصفة خاصة، وهيئة حاصلة للمتصف به، وأما أن يقصد به الحدث المتدرج فيكون مصدراً.ويتضح ذلك أكثر: من خلال ملاحظة نظيره وهو (الاغتسال)، فإن

ص: 58


1- قولنا: (من باب) إشارة للخلاف في أن المصدر هو أصل الكلام ومنه تشتق الأفعال كما هو المشهور وإليه ذهب البصريون وقول البصريين أظهر، أو إن الفعل هو أصل الكلام وإليه يعود المصدر كما ذهب إليه الكوفيون، وقيل: كلاهما أصل برأسه، وقيل: المصدر أصل الفعل، والفعل أصل سائر المشتقات.

الاغتسال مصدر يدل على الحدث المتدرج(1) ، وأما الغُسل - بضم العين - فهو اسم مصدر يدل على الحالة الحاصلة منه، لذلك تقول: أنا على غُسل وطهارة، ولا يصح أن تقول: أنا على غَسل - بالفتح -، وأما الصلاح مصدراً فإنه مترشح ومنفعل عن الإصلاح، فكما أن الإصلاح - وهو مصدر باب الإفعال - متدرج؛ لكونه عملية تدريجية؛ إذ إن مجموعة الكلمات والنصائح والمواقف هي التي يطلق عليها الإصلاح وهي التي تؤدي بالتدريج إلى حصول الأثر، فكذلك الحال فيما يترتب عليه وهو الصلاح، فإنه متدرج أيضاً؛ حيث إن التوتر بين الطرفين مثلاً يزول تدريجياً وشيئاً فشيئاً، فيكون الصلاح - مصدراً - إشارة إلى هذا الحدث المتدرج: فمن الفاعل الإصلاح، ومن المنفعلين الصلاح والانصلاح(2).

وعلى ضوء ذلك ينبغي أن يبحث عن أن المراد من قوله (علیه السلام): «صلاح ذات البين أفضل...» هل يراد به الحدث المتدرج من الصلاح - وهو المصدر - وأنه أفضل من عامة الصلاة والصيام؟ أو يراد به الحالة الحاصلة - وهي اسم المصدر - وأنها هي الفضلى، بمعنى: إن الحالة النهائية الحاصلة هي مرمى الرواية ومراد الإمام (علیه السلام)؟

وعلى ذلك يتفرع البحث عن: الكذب وإن الجائز منه هل هو ما تزاحم مع الحالة المتدرجة؟ أو ما تزاحم مع الأثر والحالة الحاصلة؟ أو فقل: هل ما وقع في طريق الأول؟ أو ما وقع في طريق الثاني خاصة؟ سيأتي بإذن الله تعالى.

البحث الثاني: الفرق بين المصدر واسم المصدر
اشارة

والفرق بين المصدر واسمه كما ذكروا: فرق معنوي وآخر لفظي(3):

ص: 59


1- وهذا تعبير مناسب ووافٍ بالبيان.
2- لم يرد باب الانفعال في اللغة لهذه الكلمة وإنما عبرنا بها لايضاح المقصود.
3- وسنذكر طرقاً ثلاثة جديدة مكمِّلة.
الفرق المعنوي بينهما:

إن المصدر ما دل على الحدث والفعل - المتدرج - بالمباشرة، كما في الاغتسال فإنه يدل على الحدث والفعل نفسه، أي إن الوجود اللفظي أضحى مرآة للوجود العيني، فيكون عالم الإثبات عاكساً مباشراً لعالم الثبوت، والاغتسال هو المعبر عنه بالغَسل بالفتح.

وأما اسم المصدر: فيدل على العالم العيني بطريقة غير مباشرة وبوساطة المصدر؛ إذ لابد من استحضار المصدر ليدل اسمه من خلاله على الحالة والهيئة الحاصلة.

وعليه: فاستحضار الاغتسال مقدمة وطريق من أجل تصور الغسل وصدقه، واسم المصدر هو الغُسل بالضم.

إذن: الحدث المتدرج مستبطَن عند إطلاق اسم المصدر واستعماله.

الفرق اللفظي بينهما

وأما الفرق اللفظي بين اسم المصدر والمصدر فهو: إن اسم المصدر هو ما نقصت حروفه عن حروف أصله وفعله لفظاً وتقديراً من غير تعويض(1)، فمثلاً عطاء هو اسم مصدر من إعطاء؛ لأن الهمزة قد حذفت مع أن تصريفهالطبيعي هو أعطى يعطي إعطاءً، فإعطاء مصدر كما في قوله تعالى : «فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى»(2)، وعطاء اسم مصدر كقوله تعالى: «هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(3) ، وفي قبال ذلك: قاتل يقاتل قتالاً، فإن قتال مصدر وفيه

ص: 60


1- فهذه شروط ثلاث.
2- سورة الليل: 4.
3- سورة ص: 38.

نقص، لكن الحرف الناقص مضمّن ومقدر فيه؛ إذ التقدير هو (قيتال) حذفت الياء للتخفيف(1)، ولذلك فإن قتالاً مصدر، وليس باسم مصدر، وأما عطاء فإنه اسم مصدر؛ إذ الحذف فيه لفظي وتقديري.

وأما القيد الثالث (من غير تعويض) كما في وعد يعد عدة فإن المصدر (عدة) وإن كان قد نقص منه الواو إلا أنه عوّض بالتاء فهو مصدر.

ولكن هذا الضابط ليس بتام عندنا؛ لورود بعض النقوض عليه، والمهم هو الضابط المعنوي؛ إذ هو المحكم.

طرق مبتكرة ثلاث للتمييز بين المصدر واسمه
اشارة

لم يذكر الصرفيون للتفريق بين الاسم ومصدره أكثر من الضابط المعنوي واللفظي، ولكن ذلك في مقامنا ونظائره - وهي كثيرة - لا يفي بالمطلوب، ولذا كان لابد من ابتكار طرق أخرى إكمالاً للضوابط في المقام.

ونذكر هنا ضوابط وطرقاً ثلاثاً، وهي إما أن تكون دليلاً فيما لو كانت على نحو الكبرى الكلية، وإما أن تكون مؤيدة، إن كانت على النحو الغالبي - مما يحتاج إلى مزيد تتبع وتثبُّت -:

الطريق الأول: الرجوع إلى المشابهات

فإن المشابهات للكلمة قد تكون ظاهرةً في كونها اسم مصدر أو مصدراً فيكشف بذلك النقاب عن مورد الشك، ففي لفظة (صلاح) يمكن أن نرجع إلى مشابهاتها، ومنها: لفظة (كمال)، فإنها عندما تطلق فالظاهر أن المراد منهااسم المصدر، فلو قيل: (كمال فلان مطلوب)، فليس المقصود هو الحدث الجزئي

ص: 61


1- عكس عطاء إذ ليس تقديره عيطاء مثلاً.

المتدرج، وإنما المقصود: هو النتيجة النهائية وكونه كاملاً؛ إذ الظاهر من الكمال هو الصفة والحالة، وليس الحدث لمتدرج، وكذلك الحال في (الجمال) فظاهره الصفة أيضاً(1)، و(الصلاح) قد يستظهر من خلال معلومية الحال في مشابهاتها، أنه كذلك، وإن الظاهر من صلاح النفس هو: الصفة لا الحدث المتدرج، وكذلك الظاهر من صلاح ذات البين، فتأمل(2).

الطريق الثاني: الرجوع إلى المضادات

فإن من الضد قد يعرف حال الضد، وضد الصلاح هو الفساد، فلو استظهرنا ظهور الفساد في الحدث، أو في النتيجة النهائية فقد نكتشف من حاله حال ضده.

ولنتوقف عند قوله تعالى: «وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ»(3)، فقد يقال: إن ظاهره هو أن النهي عن المصدر والحدث نفسه، لا الهيئة ونتيجة الحدث، وقد ذكر بعض المفسرين في تفسير الآية: (أي لا تطلب العمل في الأرض بالمعاصي)(4)، والظاهر أنه بنى على أنه المصدر.وقد يجاب: بأن ظهور الآية في المعنى المصدري حصل من خلال المتعلِّق (لا تبغ)؛ فإنه قد يقال: بأن ظاهره عرفاً ذلك، على أنه صالح لأن يراد به المعنى الاسم المصدري، لكن المطلوب في المقام هو تنقيح ظهور مفردة (الفساد) بما هي

ص: 62


1- والكمال صفة باطنية والجمال صفة ظاهرية به.
2- إذ قد يقال: الدال في خصوص الأمثلة تلك، هو مناسبات الحكم والموضوع، على أن إرادة المصدر منها له وجه وجيه.
3- سورة القصص : 77.
4- مجمع البيان: ج4 ص303.

هي، لا بلحاظ المتعلق؛ لأن مضادها وهو (الصلاح) لم يقع متعلَّقاً لشيء.

وقد يقال: بأن مثل (مكافحة الفساد) يصلح لأن يكون المراد به الحدث أو النتيجة والأثر معاً، بل الظاهر أن كلا المعنيين مراد؛ إذ هو أعم من مكافحته حين حدوثه ومن مكافحته بعد حدوثه، وفي الآية الشريفة: «وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ» قد يقال: بأن المراد أعم من المعنى المصدري والاسم المصدري؛ وذلك إما بدعوى وجود جامع بين المعنى المصدري والاسم المصدري، أو للذهاب إلى جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى كما حققناه في محله.

وعليه: فلو احتمل الوجهان في الضد (وهو الفساد) لكان الصلاح محتملاً لذلك أيضاً، فتأمل.

وقد يتامل في ما ذكر؛ إذ الكلام في ظهور اللفظ (كصلاح وفساد) بما هو هو، والأمثلة كالآية الشريفة محتفة بقرائن خارجية أو داخلية(1)، ومما يؤكد ذلك قولنا: (الرشوة مبغوضة) و(الرشوة معاقب عليها)، فإن الفرق كبير بين المثالين؛ فإن المراد من المثال الثاني هو المعنى المصدري والفعل والحدث الجزئي فإنه هو الذي يعاقب عليه، أما (الرشوة مبغوضة) فالمراد اسم المصدر(2) أو المراد الأعم.

الطريق الثالث: تحويل الكلمة إلى اسم فاعل أو جعلها متعلَّقة ل (ذو– ذات )

ونكتفي بالإشارة لهذا الطريق: فإنه لو ترددنا في كون الكلمة مصدراً أو اسم مصدر فإن من وجوه اكتشاف ذلك هو أن نقوم بتحويلها إلى اسم الفاعل،

ص: 63


1- كمناسبات الحكم والموضوع.
2- مع العلم أن الرشوة صالحة للأمرين فهي اسم مصدر إذ الفعل هو ارتشى يرتشي ارتشاء، والرشوة اسم مصدر وهي مصدر من رشى يرشو فتكون الرشوة مصدراً.

أو نجعلها متعلَّقة ل (ذو، ذا، ذات)، فإن صح أن يكون متعلَّق الأخير فهو اسم مصدر؛ وذلك لظهور تعلق لفظة ذات أو ذا بالصفة.

ففي الاغتسال والعطاء والتطهر نجد صحة تحويلها إلى اسم فاعل، تقول: مغتسل ومعطٍ ومتطهر فهي مصادر، ولا يقال: ذو اغتسال، وذو إعطاء، وذو تطهر، فليست أسماء مصادر.

وفي قبال ذلك نقول: ذو صلاح وذات صلاح، وذو كمال وذات كمال، وذو غُسل وذات غُسل بضم فاء الفعل، ولا يقال: ذو غَسل بفتحها فإنه مصدر وهذا يدل على اسم المصدرية.

وفيما نحن فيه - قوله (علیه السلام): «صلاح ذات البين» - فالظاهر أنه يصح أن تقع لفظة صلاح متعلقاً ل(ذو أو ذات) فنقول: مثلاً (هم ذوو صلاحٍ فيما بينهم) أو (هم ذوو صلاح(1) ذات بينهم)؟ فتأمل(2).

طريق آخر للتمييز بينهما: حركة عين الفعل في الماضي

ذلك بأن نلحظ الفعل الماضي و حركة عينه؛ فإن كانت مضمومة، فالظاهر أن الناتج هو اسم المصدر، وإن كانت مفتوحة أو مكسورة، فالناتج هو المصدر، أما اسم المصدر المضموم عين ماضيه فكما في كمُل و شرُف وحسُن فإن التصريف هو (كمُل يكمُل كمالاً) و(حسُن يحسُن حسناً) و(صلُح يصلُح صلوحاً) والمراد هو اسم المصدر والنتيجة النهائية, وأما المصدر المفتوح عين ماضيه فكما في (كذب يكذب كذباً)، و(ذهب يذهب ذهاباً) وما أشبه فإن المراد هو الحدث والفعل والمصدر نفسه.

ص: 64


1- أو بدون الظرف.
2- إذ يصح أيضاً القول هم مصلحون ذات بينهم.

إلا أن هذا الضابط المذكور في المقام ليس بنافع؛ لأننا لا نعلم أن (صلاح) الواردة في الرواية ما هو فعلها الماضي؟ وهل هي من باب صلَح بفتح العين حتى تكون مصدرا؟ أو من باب صلُح بضم العين حتى تكون اسم مصدر؟

البحث الثالث: مرجحات كون الصلاح اسم مصدر
اشارة

وهناك مرجحات ومؤيدات لكون (الصلاح) في قوله (صلی الله علیه و آله): «صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام»(1) اسم مصدر، وهي:

الأول: مناسبات الحكم والموضوع

إن هذا هو ما تقتضيه مناسبات الحكم والموضوع؛ فإن هذا هو المناسب لأفضلية الصلاح على عامة الصلاة والصيام، وأما كون المصدر والفعل المتدرج مع قطع النظر عن النتيجة الحاصلة هو الأفضل فمستبعد.

والحاصل: إن الحالة النهائية بآثارها الواسعة والثابتة هي ما يناسب الأفضلية.

ولكن قد يقال من جهة أخرى: إن الروايات المعتبرة المتضمنة لكلمة الإصلاح - بصيغة الإفعال -، قد تكون مؤيدة لارادة المصدر من الصلاح لا اسمه ههنا؛ فإن إصلاح ذات البين - ما كان من باب الأفعال - يراد منه المصدر والحدث، ومن الواضح أن الكلي الطبيعي يتحقق بوجود أحد أفراده، وكذلك الحال في الصلاح فإنه انفعال عنه، وعليه يكون الأمر على مقتضى القاعدة، فتأمل.

الثاني: الظاهر عرفاً من (صلاح) هو اسم المصدر

ما يمكن أن يقال: من أن الظاهر عند العرف والمتفاهم عرفاً من (صلاح الأمر) ونظائره هو اسم المصدر، فإننا عندما نقول صلاح النفس فالمراد هو الحالة

ص: 65


1- الكافي: ج7 ص51.

والهيئة الحاصلة في النفس، وكذلك لو قلنا: صلاح ذات البين؛ فإن الظاهر أن المراد هو الحالة الحاكمة والهيئة المحيطة بالطرفين(1).

الثالث: إنّ جو الرواية يفيد بأن المراد منه هو اسم المصدر

ويؤيد كون (الصلاح) في الرواية هو اسم المصدر، ما يظهر من خلال مراجعة الرواية والنظر في دلالتها وجوها وسياقها،فقد جاء في الكافي الشريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) في وصيته لولده الحسن (علیه السلام)(2) أنه قال: «ثم إني أوصيك يا حسن وجميع ولدى وأهل بيتي ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى الله ربكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم، فإني سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، وإن المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين ولا قوة إلا بالله»(3) لظهور «ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون» في الحالة الحاصلة.

ولعل مفاد: (لا تفرقوا) مطلوبية الحالة العامة الحاصلة، وإن تكون كذلك، وكذا الحال في الاعتصام بحبل الله، وليس المراد الإشارة الى مفردة واحدة وحدث جزئي، وإن كانت الإشارة إلى الأحداث الجزئية نفسها بنحو (الجميع) ممكناً، إلا أنه لعل الأظهر هو كونه بنحو (المجموع) والحاصل من الجميع، فتأمل.

وقوله (علیه السلام): «المبيرة الحالقة» حيث يستظهر بقرينة مناسبات الحكم

ص: 66


1- وهذا المعنى هو الذي ينبغي أن يكون أفضل من عامة الصلاة والصيام، كما سبق.
2- الكافي: ج7 ص51.
3- الكافي الشريف: ج 7 ص 51.

والموضوع أن المراد هو النتيجة والحالة النهائية فإن هذه هي التي تكون مبيرة وهالكة وحالقة لكل الدين، لا مجرد بعض خطوات الحدث المتدرج، بل حتى جميعها ما لم تلاحظ الحالة النهائية الحاصلة، فتأمل.والمتحصل: إن هذه القرائن والوجوه إن استظهر كونها دليلاً فهو، وإلا فهي مؤيدات، وقد تصل بالتعاضد إلى مستوى الدليل، وإلا انتقلنا إلى طرق أخرى.

وقد يقال: بأن المراد من «صلاح ذات البين» هو المعنى الأعم، ولو قلنا: بوجود الجامع الاعتباري بين المصدر واسمه كان كلاهما مراداً بإرادة جامعة، وليس ذلك من استعمال اللفظ في أكثر من معنى، وإنما هو استعمال للفظ في معنى واحد، ولو لم نقل بوجود الجامع الاعتباري فإن الظاهر إرادة كلا المعنيين؛ لأن المنصور هو صحة وجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى(1)، بل وعرفي في كثير من الصور، فإذا تم ما سبق فهو، وإلا كان المعنى مجملاً، فلابد أن نرجع بعد ذلك إلى الأصل، والذي سيأتي لاحقاً بإذن الله تعالى.

البحث الرابع: المرجع عند الشك
اشارة

ذكرنا ضوابط وطرقاً ستة للتفريق بين المصدر واسمه بين ما ذكره القوم وبين ما أضفناه على تأمل في بعضها، ولكن يبقى أنه لو لم تنفع هذه الضوابط لكشف أن هذا اللفظ مصدر أو اسم مصدر أو المراد به ماذا، وحصل الشك في المقام، إما في الضابط أو الكبرى نفسها أو في انطباقها على الصغرى، فلابد من الرجوع إلى الأصول الموضوعية أو الحكمية، فلو وجد الأصل الموضوعي فهو، وإلا رجعنا إلى الأصل الحكمي.

ص: 67


1- لا على أن يكون كل منهما تمام المراد.
هل الأصل الموضوعي تام في المقام؟

قد يقال: إن الأصل الموضوعي متحقق، وهو يفيد أن المراد في أي لفظ احتمل فيه كونه مصدراً او اسمه - في مرحلة الوضع أو في مرحلة المراد وإن علم كلا الوضعين -: هو المصدر وليس اسمه؛ ذلك أن المصدر هو المعنى الأول؛ حيث وضع اللفظ للدلالة على الحدث ، وأما اسم المصدر فهو ما وضع للدلالة على أمر زائد على الحدث وهو الحالة أو الهيئة الحاصلة من الحدث، فيدل عليها متفرعاً على الدلالة على الحدث، ومعه فإن اسم المصدر يحمل قيداً زائداً.وعليه: فإن وضع اللفظ للمصدر والحدث نفسه هو القدر المسلم، وأما الدلالة على الهيئة الحاصلة وعلى القيد الزائد فهو أمر زائد مشكوك فيه فهو خلاف الأصل، والأمر كذلك لو علم حال الوضع وتحققه لهما معاً، وشك في مراد المتكلم.

ولكن الظاهر عدم تمامية هذا الأصل لوجهين:

الأول: إن المصدر واسمه من قبيل المتباينين عرفاً إن لم يكن دقة، فلا قدر مسلّم في البين.

الثاني: إن هذا الأصل الموضوعي العقلي المدعى، لا يرتقي إلى مستوى صنع ظهورٍ لوضع اللفظ في المصدر، أو إرادته دون اسم المصدر.

وهذا البحث مندرج بشطره الأول في مبحث تعارض الأحوال في الألفاظ، فمن رأى الحجية هناك لتلك الأصول، فلعله يرى الحجية هنا كذلك، فراجع القوانين وغيره ففيه تفصيل الأخذ والرد مما ينفع، مع بعض التحوير والتطوير في المقام.

ص: 68

الأصل الحكمي

وعلى أي حال فلو لم يثبت وجود الأصل الموضوعي فلابد أن ننتقل إلى البحث عن الأصل الحكمي، والظاهر أنه ثابت؛ إذ اسم المصدر هو القدر المتيقن من الحكم، فإنه سواء أكان (صلاح) مصدراً أم اسم مصدر، فإن الكذب سيكون جائزاً إذا وقع في طريق اسم المصدر؛ إذ المصدر يقع في مرتبة متقدمة عليه وفي الطريق إليه، فلو كذب أحدهم لأجل إيجاد الهيئة و الحالة النهائية من الصلاح بين الطرفين، فإنه كذب جائز سواء أكان الصلاح الوارد في الرواية مصدراً أم أسم مصدر؛ لأن المصدر يقع في طريق اسم المصدر، لكنه لا يجوز لو كذب لأجلالمصدر والطريق بدون أن يؤدي إلى اسم المصدر وذي الطريق، وأما إذا قلنا: إن مراد الرواية هو المصدر - أي الطريق - فإن الكذب الواقع لأجل الحالة النهائية يكون جائزاً أيضاً لا محالة، فتدبر.

البحث الخامس: الثمرة

وثمرة البحث تظهر في صور:

منها: إنه لو كان المراد من صلاح ذات البين هو المصدر، كانت النتيجة: إن كل خطوة في طريق الصلاح يجوز الكذب فيها، وإن لم تؤد إلى الصلاح كنتيجة وحالة وهيئة.

وأما لو قلنا: إن صلاح ذات البين يراد به المعنى الاسم مصدري، فالنتيجة: إن الكذب الذي يؤدي إلى حال الصلاح والهيئة النهائية هو الجائز وإلا فلا.

أي: لو لم تتحقق النتيجة النهائية(1) فالكذب ليس بجائز، فلابد من إحراز

ص: 69


1- وطريق إحرازه الظواهر.

النتيجة حتى يكون ذلك مسوِّغاً لجواز الكذب(1).

وعليه: فلابد من البحث عن الشواهد والأدلة على كون مثل (الصلاح) مصدراً أو اسم المصدر، ولم نجد بمقدار بحثنا في كتب الصرف ما يروي الغليل في المائز، ولا وجدنا في اللغة في المفردات ما يتنقح به حال الكثير منها(2).ومنها: الثمرة التي ذكرناها في صورة الشك لدى الرجوع إلى الأصل الحكمي.

ومنها: إن ذلك قد يثمر في مسألة أخرى طرحها بعض الأعلام، وهي: إن ما يجوّز الكذب هو الإصلاح أو هو إرادة الإصلاح، أي هل يجوز الكذب لأجل الإصلاح أو لأجل إرادته؟!

هل إرادة الإصلاح مجوزة للكذب أو الإصلاح نفسه؟

فإن البحث عن كون المراد من الصلاح المصدر أو اسمه قد يوجِّه به صناعياً ما تبناه بعض الفقهاء - ولعله المشهور - من أن الكذب الجائز ما كان لأجل إرادة الإصلاح كما اختاره السيد الوالد (قدس سره) في فقه المكاسب.

توضيحه: إنا لو قلنا بأن الكذب للإصلاح هو الجائز، وكذا الصلاح ولكن كان المراد هو اسم المصدر ولم تحدث النتيجة والهيئة، فإن الكذب حينئذٍ يكون حراماً؛ لأن مسوغ جواز حلية الكذب هو الإصلاح نفسه أو الصلاح اسم المصدري، وهذا الأخير لم يتحقق فلا مجوِّز لمقدمته.

ص: 70


1- إلا أن يتمم ذلك بعدم القول بالفصل أو شبهه، فتأمل.
2- كما هو الحال في المئات من المسائل، فإننا قد لاحظنا الفراغ الكبير في كتب اللغة من هذه الجهة إذ الكثير من المفردات لم تحدد في كتب اللغة إنها مصدر او اسم مصدر فلابد من الاجتهاد فيها.

ومن هنا ذكر السيد الوالد (قدس سره)(1): بأن مقصود الفقهاء من الإصلاح هو إرادة الإصلاح، فسواء وقع أم لم يقع، فالكذب جائز ما دام أراد الإصلاح، وهذا هو أيضاً ما بنى عليه الشيخ (قدس سره) في ظاهر عبارته، فإنه أوّل الرواية حيث بنى على أن المراد هو إرادة الإصلاح قال: (الثاني من مسوغات الكذب إرادة الإصلاح وقد استفاضت الأخبار بجواز الكذب عند إرادة الإصلاح)(2) مع أن ظاهره الإصلاح والصلاح لا إرادتهما؛ إذ التقدير خلافالأصل، ولكن قد يقال: إن ما ذكروه له وجه وجيه، وهو إن الروايات لو ألقيت إلى العرف لاستظهر التقدير، فتأمل.

أو يقال: إن وجهه هو ما ذكرناه من أن الإصلاح والصلاح إن أريد به المصدر فلا حاجة إلى تقدير (إرادة) فإنه - على هذا - كلما كان الشخص مصلحاً فكذبه جائز سواء حدث الصلاح والإصلاح بالمعنى الاسم المصدري أم لم يحدث، وإن أريد به اسم المصدر فسيكون الكذب غير جائز إلا مع حصول الهيئة أو تقدير (إرادة )، وفيه تامل، إذ الترديد بين المصدر واسم المصدر هو في (الصلاح) لا (الإصلاح) فإنه مصدر، ويكون الوجه عليه: إما تقدير (إرادة)، أو دعوى: إن الإصلاح يصدق بالحمل الشائع على كل خطوة خطوة في الطريق، وإن لم يحدث الإصلاح النهائي.

الاستدلال بطوائف من الروايات على جواز الكذب في الإصلاح المستحب

اشارة

إضافة إلى ما مضى يمكن الاستدلال بطوائف أخرى من الروايات على

ص: 71


1- الفقه - المكاسب المحرمة: ج2 ص52.
2- كتاب المكاسب: ج2 ص31.

جواز الكذب في الإصلاح المستحب:

الطائفة الأولى: الروايات المنقحة للموضوع
اشارة

ما كانت بصدد التنقيح الموضوعي، أي: تلك التي وردت منقّحةً لموضوع الكذب، وهناك روايتان معتبرتان وصحيحتان(1)، ورد فيها التصريح بأن: «المصلح ليس بكذاب» كما سياتي بعد قليل.وعليه: فالكذب في الإصلاح ليس بكذب - من باب السالبة بانتفاء الموضوع، تنزيلاً على أحد الوجوه مما يندرج في عنوان الحكومة في دائرة الموضوع، تضييقاً(2) -.

بمعنى: إن هذه الروايات تفيد الخروج التخصصي(3) للكذب في الإصلاح عن كونه كذباً، ومعه فلا فرق في الكذب في الإصلاح بين كون الإصلاح واجباً أو مستحباً، والروايتان هما:

الأولى: ما رواه في الكافي الشريف: عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد البرقي عن ابن محبوب عن معاوية بن وهب أو عمار بن وهب عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «أَبْلِغْ عَنِّي كَذَا وَكَذَا فِي أَشْيَاءَ أَمَرَ بِهَا»، قلت: فأبلغهم عنك وأقول عنِّي ما قلتَ لِي وغير الذي قلت؟ قَالَ (علیه السلام): «نَعَمْ إِنَّ الْمُصْلِحَ لَيْسَ بِكَذَّابٍ إِنَّمَا هُوَ الصُّلْحُ لَيْسَ بِكَذِب»(4).

ص: 72


1- نعم الثانية على بعض المسالك حسنة كالصحيحة كما ذكر ذلك العلامة المجلسي (قدس سره) في مرآة العقول.
2- لتفصيل أنواع الحكومة وتعاريفها يراجع دروس المؤلف في الأصول مبحث التعادل والتراجيح للسنة الدراسية (14361437) على الموقع التالي: (m-alshirazi.com).
3- تنزيلاً.
4- الكافي: ج2 ص210.

الثانية: ما رواه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن معاوية عن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «المصلح ليس بكذاب(1)»(2).

الاحتمالات في قوله (علیه السلام): «المصلح ليس بكذاب»
اشارة

ثم إن الوجوه والمحتملات في قوله (علیه السلام): «المصلح ليس بكذاب» أربعة:

الوجه الأول: هو نفي الحقيقة ادعاءً وتنزيلاً

إن المراد من قوله (علیه السلام): «المصلح ليس بكذاب» هو نفي الحقيقة - حقيقة الكذب - ادعاءً وتنزيلاً، نظير قول أمير المؤمنين (علیه السلام) في نهجه: «يا أشباه الرجال ولا رجال»(3)؛ فإن نفي الرجولة عنهم هو من باب التنزيل؛ إذ إنهم انسلخوا من صفات الرجولة كالشجاعة والبطولة والغيرة والحمية، فنزّلهم (علیه السلام) منزلة اللارجال، وهو يقع في مقابل الحقيقة الادعائية(4)؛ إذ هي إثبات وحمل ادعائي، وهذا سلب ونفي ادعائي.

وبهذا الوجه يمكن تفسير (لا ربا بين الوالد والولد) على قرب، كما يمكن تفسير (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) به، على بُعد.

الوجه الثاني: إنّ النفي هنا بلحاظ الحكم لا الموضوع

إن النفي إنما هو بلحاظ الحكم لا الموضوع، فيكون معنى: «المصلح ليس

ص: 73


1- وفي نسخة مرآة للعقول (بكاذب).
2- الكافي: ج2 ص342.
3- نهج البلاغة: من خطبة له (علیه السلام) وقد قالها يستنهض بها الناس حين ورد خبر غزو الأنبار بجيش معاوية فلم ينهضوا: 27.
4- فليست بمجاز إذ لم يكن اللفظ مستعملاً في غير الموضوع له.

بكذاب»، إنّه ليس بكذاب كذباً محرماً، ولكن هذا الوجه هو خلاف الظاهر، وبعيد.

الوجه الثالث: إنّ الكذب الشرعي هو المنفي دون اللغوي

ما نقله العلامة المجلسي (قدس سره)(1) عن بعضٍ، ومفاده - بتصرف -: إن هنالك حقيقة شرعية اصطلاحية للكذب، وإنه لدى الشرع غير الكذب العرفي، وإن الشارع نقل الكذب إليها، وهي: (ما لا يطابق الواقع ويذم قائله) فإن هذاالمجموع المركب يسمى كذباً، ولو لم يذم القائل فليس بكذب، وأما الكذب العرفي فهو عدم مطابقة ظاهر القول للواقع(2) بدون ذلك القيد.

قال العلامة المجلسي (قدس سره): (وقيل: إنه لا يسمى كذباً اصطلاحاً، وإن كان كذباً لغة؛ لأن الكذب في الشرع ما لا يطابق الواقع ويذم قائله، وهذا - أي الكاذب في الإصلاح - لا يذم قائله شرعاً)(3) انتهى.

لكن الحقيقة الشرعية بعيدة، ومدخلية الذم في صدق عنوان الكذب أبعد.

الوجه الرابع: إنّ عدم الكذب إنما هو على أحد مباني الصدق والكذب

إن قوله (علیه السلام): «المصلح ليس بكذاب»، مبني على بعض المباني في الصدق والكذب وتعريفهما؛ إذ إن هناك - كما سبق - عدة مبانٍ:

منها: إن الكاذب هو من لم يطابق ظاهر قوله الواقع.

ومنها: ما لم يطابق الاعتقاد الواقع.

ص: 74


1- مرآة العقول:ج 9 ص 146.
2- على أحد المباني.
3- بحار الأنوار: ج73 ص46.

وأما المبنى الثالث - وهو ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري(قدس سره) - فإن الكذب فيه هو عدم مطابقة المراد (أي بالإرادة الجدية) للواقع (دون الإرادة الاستعمالية )، والمصلح ليس بكذاب مبني على هذا المبنى أو سابقه؛ ذلك أن الإرادة الجدية ليس مصبها ما ظهر من كلام المصلح في عملية إصلاحه بين الطرفين، وإنما ذلك كان مقتضى الإرادة الاستعمالية؛ إذ المصلح يعلم - حال الإصلاح - إن ما تكلم به ليس بصحيح فلا يقصده عن جد، كما أنه لا يعتقد بصحة ما يقوله: (أي في نقله الكاذب عن أحد الطرفين انه مثلاً مدح الطرف الآخر), فتأمل.والمستظهر: إن مراد الإمام (علیه السلام) هو نفي الحقيقة ادعاءً وتنزيلاً، فيكون الكلام في دائرة الموضوع لا المحمول والحكم، وعلى نحو الادعاء لا النقل والوضع.

الإشكال بأن (ليس بكذاب) يفيد نفي كثرة الكذب لا أصله

قد يعترض على الاستدلال بالرواية ب: إن الإمام (علیه السلام) في جوابه لم يقل: (إن المصلح ليس بكاذب)، بل قال: «المصلح ليس بكذاب» مستعملاً صيغة المبالغة (فعّال)، فالمصلح قد يكون كاذباً، وإن لم يكن كذاباً، فلا يتم التنقيح الموضوعي.

وجهان في جواب الإشكال
اشارة

ويمكن الجواب عن ذلك بوجهين:

الأول: تتمة الرواية صريحة في نفي أصل الكذب عن الصلح

أما الوجه الأول فهو: إن تتمة الرواية الأولى صريحة في نفي أصل صدق

ص: 75

الكذب عن الصلح؛ حيث قال (علیه السلام) : «إنما هو الصلح ليس بكذب»، وظاهره ذِكرُ العلة وهي: «إنما هو الصلح» فكونه صلحاً علة عدم كونه كذباً عنايةً وتعبداً، والعلة معممة ومخصصة، ويؤكده تصريحه (علیه السلام) بعدها ب(ليس بكذب).

الثاني: المراد من صيغة المبالغة الأصل المجرد

وأما الوجه الثاني لدفع الإشكال فيعتمد على بيان نكتة أدبية سيالة وهي:

إن صيغة فعّال وكذلك بقية صيغ المبالغة - كمفعال وفعول -، قد يراد بها: الأصل المجرد لا المبالغة، والمرجع في ذلك مناسبات الحكم والموضوع وشبهها، والحَكَم العرف؛ ألا ترى أنه يقول أحدهم للآخر: لِمَ تفتن؟ فيجيبهالآخر: لستُ فتّانا، وهو يقصد أنه لا يفتن أبداً ولو لمرة واحدة، لا أنه قد يفتن(1) لكنه ليس كثير الفتانية، ومن هذا الباب أيضاً: لست وضاعّا، ولست جعّالاً؛ إذ يراد به نفي أصل التهمة بالوضع أو بالجعل، لا إثبات أصلها ونفي كثرتها، هذا هو المستظهر عرفاً.

كما أن الأمر في القران الكريم كذلك أيضاً في نظائر المقام، كما في قوله تعالى: «وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ»(2).

ومن الاستطراد المفيد الإشارة إلى الوجوه المتصورة في التعبير ب(ليس بظلام) مع أن الله تعالى (ليس بظالم) وليس (ليس بظلام) فقط.

أربعة وجوه للسر في قوله تعالى: «وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ»

وفي الآية الشريفة أربعة وجوه لبيان وجه العدول عن (ليس بظالم) إلى

ص: 76


1- فيكون إقراراً بما اتهمه به الخصم.
2- سورة آل عمران: 182.

(ليس بظلام)، ذكر وجهين منها الشيخ الطوسي (قدس سره) في التبيان كجواب عن السر في استعمال صيغة المبالغة في المقام، دفعاً لإشكال إن نفي الظلَّامية يستلزم إثبات أصل الظالم والظالمية، ونضيف لهما وجهين آخرين.

الوجه الأول: هو إن هذه الآية قد جاءت في مقام الرد على المجبرة، فهم يقولون: إنا مجبرون على أفعالنا، وحيث إن القول بالجبر يلزمه إن الله تعالى ظلام للعبيد(1)، فيجيبهم (عز وجل) بأنه ليس ظلاماً، كناية عن أنه لو كان قاسراً لهم لكان ظلَّاماً وحيث إنه ليس بظلَّام فليس بقاسر. - وعليه: فليس بظالم أبداً -.الوجه الثاني: إن الظلم لو كان لا عن استحقاق - وهذا وجه(2) - أو لا عن حاجة - وهذا وجه آخر - فإن أدنى مرتبة منه - أي من الظلم - توجب أن يتصف صاحبها بكونه ظلاماً.

ونص عبارة الشيخ الطوسي (قدس سره) في الموضعين هما: (وإنما ذكره بلفظ المبالغة، وإن كان لا يفعل القليل من الظلم لأمرين: أحدهما - أنه خرج مخرج الجواب للمجبرة، ورداً عليهم، لأنهم ينسبون كل ظلم في العالَم إليه تعالى، فبيّن أنه لو كان كما قالوا لكان ظلاماً وليس بظالم، والثاني - أنه لو فعل أقل قليل الظلم لكان عظيماً منه، لأنه يفعله من غير حاجة إليه، فهو أعظم من كل ظلم فعله فاعله لحاجته إليه)(3).

وقال: (وإنما نفى المبالغة في الظلم عنه تعالى دون نفي الظلم رأساً، لأنه جاء على جواب من أضاف إليه فعل جميع الظلم، ولأن ما ينزل بالكفار لو لم

ص: 77


1- إذ كيف يجبرهم على المعاصي ثم يعاقبهم عليها.
2- لكن مجرد عدم الاستحقاق لا يقتضي كون الظلم عظيماً.
3- تفسير التبيان: ج 7 ص 295.

يكن باستحقاق لكان ظلماً عظيماً(1)، ولكان فاعله ظلاماً)(2).

الوجه الثالث: إن ذلك بلحاظ شدة فقر أحد الطرفين وشدة غنى الطرف الآخر بل غناه الذاتي؛ فإنه لو كان أحدهما ضعيفاً جداً وكان الظالم قوياً جداً، فإن أدنى مرتبة من الظلم تقع من الثاني على الأول يصح أن يوصف الفاعل عندئذٍ - لأجلها - بكونه ظلاماً، ويظهر ذلك بملاحظة الفرق بين أخ قوي يضرب أخاه الصغير الضعيفجداً، فإنه يقال له: إنك لظلوم أو ظلام حقاً، عكس ما لو ضرب أخاه المقارب له في القوة، فإنه يقال له: إنك ظالم.

والحاصل: إنه كلما كان الطرف ضعيفاً ومستكيناً أكثر كان الظلم أقبح وأشد، فيصح استعمال صيغة المبالغة، والله تعالى هو الغني المطلق ونحن الفقراء له، بل عين الفقر والحاجة، فلو حصل ظلم قليل منه وبأدنى مرتبة - تعالى عن ذلك وجلّ -، فهو ظلم عظيم، فيقال له ظلام، لذلك، فلذا جرى نفيه بهذه الصيغة.

الوجه الرابع: وهو مورد البحث وهو ما سبق من أنه كثيراً ما يراد من صيغة المبالغة أصلها لا المبالغة، لنكتة أخرى ظريفة تجري في روايتنا، فإنها وإن كان ظاهرها صيغة المبالغة (ليس بكذاب)، إلا أن المراد هو أنه ليس بكاذب، ولعل نكتة هذا العدول هي: إن وجه المبالغة ليس هو كثرة المنفي، بل تأكيد النفي وتقويته - وهذه نكتة دقيقة -، أي أن المراد هو تأكيد أصل النفي، وكونه قطعياً حتمياً، فإن المبالغة وإن كان ظاهرها كون مصبها الكذب أو الوضع أو الفتانية - أي المنفي -، إلا أن المراد واقعاً هو تأكيد النفي وهو (ليس)، أي: قطعاً

ص: 78


1- لأن أدنى عذاب الله للكفار هو أشد من كل شديد؛ إذ مجرد عدم الاستحقاق لا يستلزم كون الظلم ظلماً عظيماً.
2- تفسير التبيان: ج5 ص 139.

و البتة أنه ليس كذلك. ويقرب ذلك إلى الذهن ما ذكروه من بحث (القلب) فراجعه.

والمتحصل: إن (كذاباً) المنفي يراد بنفيه نفي أصل الكذب في الإصلاح قليلاً كان أم كثيراً، لكن من باب التنزيل والنفي الموضوعي الادعائي.

والنتيجة: إنه لا فرق في جواز الكذب بين أن يكون في إصلاح واجب أو مستحب؛ لوجود ثلاث طوائف من الروايات دالة على ذلك كما سبق وكما يأتي.

الطائفة الثانية: ما تفيد بإطلاقها جواز الكذب في الإصلاح المستحب

فمنها ما ذكره صاحب الكافي الشريف عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: «إن الله أحب اثنين وأبغض اثنين: أحب الخطر فيما بين الصفين، وأحب الكذب في الإصلاح»(1).وهذه الرواية مطلقة شاملة للإصلاح بنوعيه أو مرتبتيه(2)؛ فإن (الإصلاح) مطلق كما لا يخفى، ولا مجال لدعوى الانصراف كما مضت مناقشتها، كما أن العرف يفهم من الرواية الإطلاق وإن الإصلاح مطلقاً محبوب مطلوب، فيشمل الكذب في المستحب منه أيضاً.

والحاصل: الاستدلال في المقام بالإطلاق الأصولي وبالفهم العرفي.

إضافة إلى أن هناك عديداً من الروايات التي تفيد ذلك مما يحصل الاطمئنان بما ذكرناه - من ظهور هذه الرواية في الأعم -.

ويشهد له: إنه لا توجد حتى رواية واحدة تقيّد جواز الكذب بخصوص

ص: 79


1- الكافي: ج2 ص342.
2- الاستحباب والوجوب وقولنا (أو) إذ هناك رأيان في حقيقة المستحب والواجب.

الإصلاح الواجب فقط.

الطائفة الثالثة: ما ظاهرها جواز الكذب في الإصلاح المستحب

فمنها: ما رواه الشيخ الكليني (قدس سره) في الكافي الشريف عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: «الكلام ثلاثة صدق وكذب وإصلاح بين الناس» قيل له: جعلت فداك ما الإصلاح بين الناس؟ قال (علیه السلام): «تسمع من الرجل كلاماً يبلغه فتخبث نفسه فتلقاه فتقول له سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا وكذا خلاف ما سمعت منه»(1)، وحيث إن الواقع الخارجي هو إن الإصلاح الخبري إما صدق أو كذب، فيظهر من ذلك أن الإمام (علیه السلام) نزّله منزلة الصدق مطلقاً.والحاصل: إن هذا القسيم الثالث إنما هو بلحاظ التنزيل، وإلا فإن القسمة لا بلحاظه حاصرة.

ووجه الاستدلال: إن مجرد خبث النفس لكلام سمعه من آخر، ليس حراماً ما لم يظهر بالمحرم، ورفعه بعنوانه الأولي وبما هو ليس بواجب، بل هو مستحب، فظاهر الرواية هو جواز الكذب في الإصلاح المستحب، وذلك سواء قلنا بأن خبث النفس مع طيبها ضدان لهما ثالث أم لا(2)، فتأمل.

ولا يخفى أن هذه الرواية يمكن درجها أيضاً في الطائفة الأولى المنقحة للموضوع؛ لمكان قوله (علیه السلام): «الكلام ثلاثة...» إذ جعل الإصلاح قسيماً للصدق والكذب، وحيث كان كذلك لم تشمله أدلة حرمته لخروجه الموضوعي عن الكذب ولو تنزيلاً.

هذا بعض ما يمكن قوله في المسالة الأولى وهي الكذب للإصلاح، وفيه.

ص: 80


1- الكافي: ج2 ص341.
2- قال الله تعالى: «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ» (سورة البقرة: 267)، و«لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ» (سور الأنفال: 37)، و«وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ» (سورة الأعراف: 157).

المسالة الثانية: الكذب لأجل التحبيب

هل يجوز الكذب في تحبيب بعض الأشخاص إلى بعض؟ كأن تكون العلاقة بين شخصين - كالزوجين مثلاً أو الأخوين - باردة وضعيفة، من دون أن تكون بينهما بغضاء وشحناء أو تنافر، فهل يسوغ الكذب بغرض التحبيب أو لا؟

اختلف الفقهاء في ذلك فذهب بعضهم إلى المنع والحرمة ومنهم السيد الروحاني(1) دام ظله، قال - ما مضمونه -: إن الكذب في التحبيب حرام؛ لأن عنوان الإصلاح لا ينطبق عليه حيث إن (الإصلاح) مستبطن لفساد سابق، والتحبيب الصرف بين الطرفين لا يستبطن ذلك فلا يصدق عليه (الإصلاح). بينما ذهب البعض الآخر ومنهم السيد الوالد (رحمه الله)(2) إلى أن أدلة جواز الكذب في الإصلاح شاملة وعامة لمورد التحبيب؛ بدعوى أن الإصلاح أعم.

ص: 81


1- منهاج الفقاهة: ج2 ص132.
2- المكاسب المحرمة في الفقه: ج2 ص52.

المسالة الثالثة: الكذب من أجل جلب المنفعة

اشارة

هل يجوز الكذب لجلب المنفعة؟ كمن أراد أن يتوسط لتوظيف أخيه المؤمن، لكنه لم يتيسر إلا من خلال كذبةٍ ما، فهل يجوز الكذب حينئذٍ مطلقاً، أو يحرم ذلك مطلقاً، أو يجوز بشروط ثلاثة: ألا يستلزم إضراراً على الآخرين، ولا سلب حق شخص آخر سابق عليه رتبةً، وكون المؤمن مؤهلاً للوظيفة تامّ الاقتضاء غير إن المؤسسة مثلاً اشترطت للتوظيف لديها شروطاً لا مدخلية لها في الإصابة والحرفية والخدمة، فهل يجوز أن يكذب المؤمن جلباً للمنفعة لأخيه المؤمن مع هذه الشروط؟ وذلك كله مع فرض عدم الضرورة أو الاضطرار، وإلا فالكذب حينئذٍ جائز.

أمثلة أخرى: ان يكذب الشخص على ابنه مثلاً كي يصلي صلاة الجماعة حتى يحصل على فوائدها العظيمة، والفائدة هنا معنوية، أو أن يكذب الشخص كي يجلب الربح لصديقه في تجارته من غير إجحاف بالآخرين ولا إخلال بشروط العقد، والفائدة هنا مادية، وكما في البحث السابق فإن السيد الروحاني(1) يرى في هذا البحث أيضاً التضييق وعدم جواز الكذب، وفي قباله ارتأى السيد الوالد (رحمه الله)(2) الجواز ههنا أيضاً.

قال السيد الوالد (قدس سره):

(...كما يشمله(3) قوله n : «إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة

ص: 82


1- منهاج الفقاهة: ج2 ص144.
2- المكاسب المحرمة في الفقه: ج2 ص52.
3- أي الإصلاح في المستحب.

والصيام». مثلاً إذا مشى في إصلاح بين رجل وامرأة في الزواج أو نحو ذلك فإنه يصدق عليه انه أصلح بينهما، وخاصة إذا لم يرد أهل الولد أو هو أو أهل البنت أو هي الإقدام على الزواج)(1).ثم بعد ذلك استدلّ بسيرة المتشرعة والمركوز في أذهانهم(2)، ولعل مقصوده: إن السيرة جارية على الكذب في هذه الموارد، أو مقصوده: صدق الإصلاح في مثل هذه الموارد.

وقال: (ويؤيده ما في الوسائل عن الإمام الرضا (علیه السلام) قال: إن الرجل ليصدق على أخيه فيناله عنت من صدقه فيكون عند الله كاذباً، وإن الرجل ليكذب على أخيه يريد به نفعه فيكون عند الله صادقاً»(3).

ثم قال في عنوان (تحبيب غير المتحابين):

(ومنه يعرف أن منه - أي من الكذب في الإصلاح - تحبيب غير المتحابين وجمع غير المجتمعين وذلك مثلاً لأجل عمل خيري كبناء مسجد أو ما أشبه)(4) انتهى، كما هو الحال في شخصين لو اجتمعا لأمكن انجاز مشروع خيري كبناء مسجد أو غيره(5) وإلا لم يتمّ فيكذب ليجمع شملهما ليتعاونا على بنائه، فلو شمله عنوان (الإصلاح) أو عنوان (يريد به نفعه) جاز.

ص: 83


1- الفقه - المكاسب المحرمة: ج2 ص53 - 54.
2- الفقه - المكاسب المحرمة: ج2 ص53 - 54.
3- وسيأتي البحث في خصوص هذه الرواية، فانتظر.
4- الفقه - المكاسب المحرمة: ج2 ص53 - 54.
5- والفرض أنه لا ضرورة لبناء المسجد، إذ الكلام في صِرف تزاحم - أو تعارض، على المبنيين - عنوان الكذب مع عنوان جلب المنفعة.

عناوين الأدلة في مسألتي جلب المنفعة وإيجاد المحبة

اشارة

أقول: الأدلة التي يمكن أن يستدل بها على جواز الكذب لجب المنفعة أو للتحبيب هي ما تضمنت إحدى العناوين التالية:

الأول: ما تضمن عنوان (إصلاح ذات البين) كما في قوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم»(1)، ولكن هذا العنوان لا ينطبق ولا يصدق على جلب المنفعة؛ لوضوح أن (أصلحوا ذات بينكم) لا ينطبق على جلب المنفعة، بل لا ينطبق عرفاً على التحبيب أيضاً؛ إذ لا يقال: إنه أصلح ذات بينهما وإن صدق أنه أصلح شأنهما، فتأمل.

الثاني: ما تضمن عنوان (أصلح) المطلقة في قوله تعالى على لسان موسى لأخيه: «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ»(2)، وقد سبق أن في كلمة (أصلح) احتمالات أربعة:

أ. المراد هو: (أن أصلح ذات البين)، وهذا لا ينطبق على جلب المنفعة، ويتأمل في شموله للتحبيب.

ب. المراد: (أن أصلح ما فسد من أمورهم)، ومن الواضح أن مجرد عدم الفائدة ليس بفساد(3) كما أن صِرف عدم التحابّ ليس بفساد فالظاهر أن هذا المعنى أيضاً لا ينطبق على المسألتين.

ج. المراد: أصلح الأعم مما كان عن فساد والمقارب لجعله حسناً أو جيداً أو شبه ذلك، ولا يخفى انطباقه - لو كان هو المراد - على التحبيب وجلب المنفعة.

ص: 84


1- سورة الحجرات: 10.
2- سورة الأعراف : 142.
3- نعم قد يقال بأن عدم الربح الكبير أي التسبيب له، فساد، فتأمل.

د. المراد: (أن أصلح بفعل الطاعات)، وهذا المعنى أعم شامل للواجبات والمستحبات؛ فإن قضاء حوائج الإخوان - كصلاة الليل - من المستحبات والطاعات العظيمة أيضاً.ولعل هذا المعنى الرابع ينطبق على جلب المنفعة للمؤمن وعلى تحبيبه إليه؛ لأنه طاعة، فيكون الكذب من أجل التحبيب أو لجلب المنفعة للأخ - كقيامه لصلاة الليل أو غيرها - جائزاً.

الثالث: ما أفاد تنقيح الموضوع كقوله (علیه السلام): (المصلح ليس بكذاب) فإن المصلح في الرواية مطلق غير مقيد بذات البين، ومعه يمكن دعوى: أنه شامل لمن أصلح حال الغير بجلب النفع له أو تحبيبه إلى غيره أو تحبيب غيره إليه. وسيأتي بيانه.

وهناك روايات أخرى يمكن أن يستدل بها، وهي ما ذكرناه تحت عنوان طوائف من الروايات دالة على جواز الكذب في الإصلاح المستحب، وأيضاً رواية «إن الله أحب اثنين وأبغض اثنين...»، وكذلك رواية «الكلام ثلاثة: صدق وكذب وإصلاح بين الناس»(1)، لكنها ملحقة بالطوائف الثلاث الأولى؛ لأنها موزعة بين مطلق ك «وأحب الكذب في الإصلاح» ومقيد ك «وإصلاح بين الناس» ومنقّح للموضوع ك «الكلام ثلاثة صدق وكذب وإصلاح بين الناس».

الرابع: الأدلة التي دلت على مطلوبية نفع الإخوان، وتحبيب بعضهم لبعض والتي حثت على ذلك وحرضت عليه.

الخامس: ما دل على الخروج الموضوعي للكذب في نفع الإخوان عن كونه كذباً.

ص: 85


1- وهذه الرواية لعله يمكن أن يستدل بها لو فرض أن المراد من (بين الناس) هو ممارسة الإصلاح في الناس وللأفراد, لا أن بين هي قيد في الرواية للطرفين. المقرر.
الدليل الأول: دعوى شمول الإصلاح للتحبيب وإيصال النفع
اشارة

وعمدة الاستدلال في هذا الوجه يدور حول تحديد مفهوم الإصلاح الوارد في طوائف الروايات الثلاثة الآنفة، ودعوى سعته مفهوماً وشموله للأمرين، فاللازم الرجوع إلى كتب اللغة وإلى موارد الاستعمال في الآيات والروايات، ثم إن لم يحرز الموضوع له بحدوده بذلك، فالمرجع الارتكاز الكاشف عن نظر العرف، وإلا فسائر الأدلة، وإلا فالمرجع الأصل كما سيأتي.

إذ لا حقيقة شرعية لكلمة الإصلاح، فلو كان هناك إخوان علاقتهما باردة وفاترة ولكن من دون نزاع بينهما وتباغض بل مجرد أنهما لم يكونا متحابين أو كانا متحابين ولكن بدرجة ضعيفة دون المتوخّاة من مثلهما فيأتي ثالث فيكذب كيما يحبب أحدهما للآخر, فهل يصدق على هذا الشخص أنه قد قام بالإصلاح فيما بين الأخوين كي يستثنى من عمومات حرمة الكذب؟ أو إنه أصلح؟ أو هو مصلح؟ وكذلك الحال في جلب المنفعة فهل ينطبق مفهوم الإصلاح والمصلح على من يجلب للغير المنفعة؟ على ذلك.

البحث اللغوي العرفي في مادة كلمة الصلح

لعل الرجوع إلى كتب اللغة مما يعين على فهم المراد من مادة (صلُح)، ومن ثمَّ صيغة (أصلح)، بحدودها ولعله يمكن من خلال تتبع موارد الاستعمال أن نصل إلى صحة تطبيق بعض علامات الحقيقة والمجاز وعدمها، إذ لا يصح الاستدلال بالاستعمال نفسه؛ فإنه أعم من الحقيقة والمجاز، لكنه قد يكون من العلل المعدة لتشخيص - أو للاطمئنان - ب: تحقق صحة الحمل أو صحة السلب وأخواتهما، فلنذكر بعض موارد الاستعمال في الآيات والروايات والعرف،

ص: 86

والتي وردت فيها مادة صلح بهيئاتها المختلفة:

من موارد الاستعمال في الآيات والروايات

فمنها: قوله تعالى: «وَنَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ»(1) قال في مجمع البحرين(2): (هو جمع صالح وهو الذي يؤدي فرائض الله وحقوق الناس)(3) فهل ينتزع عنوان الصالح ممن يؤدي الفرائض؟ أو ينتزع حتى ممن يؤدي المستحبات أيضاً(4) ولذا يوصف بأنه أشد صلاحاً؟ لكن الكلام هو في وجه الوصف والتسمية، فهل هو لأن من يؤدي الفرائض خالٍ من وجوه الفساد كما قد يدل عليه مقابلة الفساد للصلاح؟ أو الوجه أعم؟ ثم هل ينتزع من الذي يحبب الناس بعضهم إلى بعض أو الذي ينفع الناس عنوان الصالح؟

ومنها: قوله تعالى: «لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ»(5) وفسرها الطريحي ب:(التأليف بينهم بالمودة)(6).

وقد يقال: إن التأليف بالمودة أعم من سبْق البغض بينهما، وإن الانصراف إلى سبْقه لو كان فبدوي.

ص: 87


1- سورة آل عمران: 38.
2- وهنا نذكر إن كتاب مجمع البحرين من الكتب المهمة جداً، فإنه ليس كتاب لغة فقط بل هو كتاب تفسير وكتاب فقه الحديث حيث إن المصنف قد صب اللغة على الآيات والروايات وعليه فهو من أهم المراجع في هذا الحقل.
3- مجمع البحرين: ج2 ص386.
4- ومنه جلب المنفعة للإخوان.
5- سورة النساء: 114.
6- مجمع البحرين: ج2 ص624.

ومنها: قوله تعالى: «وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ»(1) والمحتملات في هذه الآية الكريمة ثلاثة:

الأول: (جعلناها صالحة لأن تلد بعد أن كانت عاقراً)، ولكن هذا المعنى مستبطن لمعنى الفساد؛ إذ كونها عاقراً نوع فساد، فهو أخص.الثاني: (جعلناها حسنة الخلق بعد أن كانت سيئة)، وهذا أيضاً معنى خاص؛ لأن سوء الخلق مفسدة.

الثالث: (وقيل رددنا عليها شبابها) بعد أن كانت عجوزاً لكن هذا المعنى أخص أيضاً؛ إذ إن الشيخوخة وأرذل العمر هي فساد للإنسان. هذا عن بعض الآيات الكريمة.

وأما الروايات والأدعية؛ فقد ذكر الطريحي مجموعة منها، ولعل بعضها يدل على المعنى الأعم كما أورد نصاً بهذا المضمون: (أَصْلِحْ لي دُنْيَايَ وَ آخِرَتِي)(2) قال في مجمع البحرين: أي (اجعل الدنيا كفاية وحلالاً وكن لي معينا على الطاعة وإصلاح المعاد باللطف والتوفيق لذلك)(3) ونضيف: أصلح دنياي وآخرتي بكثرة الأولاد مثلاً أو كثرة الأموال وما أشبه وهذا معنى أعم، فهل يصح الحمل دون عناية، أو أن الفساد مستبطن في ذلك كله، ولو بشكل خفي؟

وفي الرواية: «من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس»(4)، فهل يدل ذلك عرفاً على إصلاح ما بينه وبين الله بالواجبات فقط؟ أو إن المعنى

ص: 88


1- سورة الأنبياء: 90.
2- الوارد في الأدعية: (واصلح لي دنياي .. واصلح لي آخرتي). راجع مصباح المتهجد: ج 1 ص 104.
3- مجمع البحرين: ج2 ص386.
4- روي عن أمير المؤمنين (علیه السلام) في نهج البلاغة: باب الحكم الحكمة: 86.

أعم شامل للمستحبات أيضاً والتي منها جلب للمنفعة للإخوان؟ لكن الظاهر أن (أصلح ما بينه وبين الناس) لا يصدق عرفاً على من جلب المنفعة للإخوان إلا بتكلف.

كما ورد عنهم (علیه السلام): «الصُّلْحَ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحاً حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَاما»(1)، فهل يشترط فيه سبق التباغض أو لا؟ قد يقال: إنه لا يشترط ذلك فلو صالحه من غير نزاع ولا تباغض، على أن يبرئ ذمته من دين عليهبعوض أو بلا عوض، فهو صلح بالحمل الشائع الصناعي رغم أنه لا بغض بينهما ولا نزاع، وقد يقال: إن هذا المعنى معهود في المصطلح الفقهائي أو الشرعي وليس عرفياً وسيأتي بحثه.

وقال في مجمع البحرين: (وأصلحت بين القوم: وفّقت)(2).

أقول: فسّر مفردة أصلح بوفّق، فهل التوفيق أعم من كونه مسبوقاً بالتباغض أو هو مختص به؟ فلو لم يكن شخصان متحابين ولا بمتباغضين فحبّب أحدهما للآخر، فهل يقال له: لقد وفق بينهما؟ قد يقال ذلك، إلا أن ذلك سينفع في الجملة؛ إذ ينطبق معنى التوفيق على التحبيب دون جلب المنفعة؛ فإن كسب الفائدة لا يصدق عليه التوفيق.

وقد يستدل على التعميم ب:بعض تصريفات الكلمة المختلفة فمثلاً يقال: (فلان أصلح من فلان للإدارة أو للإمامة أو شبه ذلك) فإن الظاهر أن المراد إن منفعة الأول وفائدته أكثر من الثاني، وهذا المعنى لا ينطوي - بذاته - على الفساد ولا يستبطنه.

ص: 89


1- الكافي: ج7 ص413.
2- مجمع البحرين: ج2 ص626.

وعليه: فإن المادة بالهيئة الأولى (صالح) قد استبطنت الفساد، إلا أن المادة نفسها بهيئة أخرى وهي افعل التفضيل (أصلح) لم تستبطنه مما قد يدل على أن المادة موضوعه للأعم، وإن الدلالة على الفساد وعدمها ناشئة من مناسبات الحكم والموضوع، أو من غير ذلك كخصوص كون المادة في هذه الهيئة.

قال الطريحي: (وفي الأمر مصلحة أي خير)(1).أقول: وهذا معنى أعم كما هو واضح؛ إذ الخير خيران: خير يقع في قبال الفساد والباطل والشر، وخير لا يقع في قبال هذه الأمور بل المراد به النفع والزيادة والبركة.

ونضيف: لو أن شخصاً زيّن بيته أو محل عمله وأضاف له إضافات زادته جمالاً وبهاء(2) فإنه يقال له: أصلح بيته أو دكانه فيصح الحمل دون عناية كما لا يصح السلب، فقد أطلق الإصلاح على صورة النفع وإيصال مزيد الفائدة أو التحبيب أيضاً.

إشكالات على ما تفيده موارد الاستعمال

ولكن الاستناد إلى موارد الاستعمال، يرد عليه:

أولاً: خفاء بعضها في الدلالة على المدعى كما ظهر مما مضى، بل قد يكون أظهر في عكسه.

وثانياً: إنها من الاستعمال وهو أعم من الحقيقة.

وثالثاً: إن كلمات اللغويين وتفسيراتهم للمفردات في كتبهم ليست حداً أو رسماً، بل هي من باب شرح الاسم؛ وذلك لتقريب المعنى، وعليه فلا يحتج

ص: 90


1- مجمع البحرين: ج2 ص626.
2- من دون أن يكون في عدمها المفسدة.

بكلام اللغوي من هذه الجهة أيضاً(1) على تشخيص حدود المفهوم سعةً وضيقاً.

أجوبة عن الإشكالات

وقد يجاب عن الإشكال الأول ب: إن بعضها كان ظاهر الدلالة، وفيه - لو ثبت أن الحمل بلا عناية أو لو لم يصح السلب - الكفاية.كما قد يجاب عن الإشكال الثاني - وكما سبق - ب: إن تتبعنا لكلام اللغويين إنما هو لمعرفة موارد الاستعمال؛ إذ قد تكون من العلل المعدة لتشخيص مدى إمكان تطبيق علامات الحقيقة والمجاز.

والحاصل: إن الدليل هو التبادر والاطراد وصحة الحمل وصحة السلب، وقد يكون التعرف على موارد الاستعمال والتدبر فيها معيناً على وضوح الرؤية.

وكذلك يجاب عن الإشكال الثالث ب: إن كلماتهم وإن لم تكن حداً أو رسماً، لكنها تفيد أنس الذهن بالمعنى القريب من المعنى الحقيقي أو الملابس له بوجه، إن لم يكن هو هو، فيكون ذلك من مؤيدات صحة الحمل أو صحة السلب، ومما قد يفهم منه الاطراد، وقد يعين على الاطمئنان بالتبادر وعدمه، فتأمل.

الجواب عن التبادر وصحة السلب بوجوه ثلاثة
اشارة

ولكن قد يجاب عن ذلك كله: بأنه وإن فرض صحة الحمل في بعض الأمثلة السابقة بلا عناية أو عدم صحة السلب أو التبادر أو شبه ذلك، فإنه لا يصلح دليلاً على وضع الصلح - مادةً - للأعم، وذلك لأن صحة الحمل وغيرها قد تكون لإحدى وجوه ثلاثة أخرى غير الوضع. والوجوه هي:

ص: 91


1- كما في قول اللغوي: سعدانة نبت، فهذا بيان وشرح بالجنس، فلا هو حد و لا رسم.
الأول: إطلاق الصلح على الأعم لعله للنقل

ويظهر ذلك بوضوح في بعض الشواهد السابقة المستدل بها على الأعم وهو قوله (علیه السلام): «الصُّلْحَ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحاً حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَاما»(1)، فقد سبق الاستدلال بأن الصلح يتحقق وإن لم يكن في البين تباغض مسبق، كما لو كان لشخص على آخر مال فيصالحه على أن يُسقِط بعضَ ما بذمته بعوض أو بدونه من دون وجود أي تباغض بينهما.ولكن يرد عليه(2) أنه قد يقال: إن عدم صحة السلب المستدل به على كونه معنى حقيقياً وإن صح فرضاً إلا أنه لا يدل على الوضع له؛ ذلك أن للصلح اطلاقين(3) : أحدهما هو ما جرى عليه مصطلح الفقهاء فغاية الأمر أنه منقول في عرفهم إلى الأعم، فلا يدل على أنه كذلك في اللغة والعرف ولدى الشارع.

وبعبارة أخرى: إن التبادر هنا أو عدم صحة السلب - لو تمّا - فلا دلالة لهما على أن المعنى الأعم هو معنى حقيقي عرفاً أو لغة أو شرعاً؛ وذلك لأننا من المتشرعة الذين قد أنست أذهانهم بالمصطلح الفقهائي للصلح فلعل تبادر المعنى الأعم في أذهاننا هو لذلك، وكذلك عدم صحة السلب فيما نرى، ويدل عليه إن الأمر ليس كذلك في الذهن العرفي؛ إذ لا يطلقون (الصلح) على إسقاط ما بالذمة من مال ونظائره من دون سبق نزاع أو تباغض.

والحاصل: إن الصلح ذو حقيقة فقهائية ومتشرعية وذلك سبب تبادر المعنى الأعم فهو منقول فقهائي في أحسن الفروض، فلا يصح السلب عنه بسبب هذا

ص: 92


1- الكافي: ج7 ص413.
2- وهو جارٍ في مثيلات هذه الرواية من بعض الشواهد السابقة.
3- بل يكفي الاحتمال لإبطال الاستدلال.

الأنس، وأما بلحاظ الوضع الأولي فإنه لا يعلم ذلك كما لا دليل على ثبوت الحقيقة الشرعية زمن النص، فكيف تحمل الآيات أو الروايات عليها؟ لكن هذا الإشكال خاص بنظائر الرواية مما احتمل فيها النقل.

الثاني: ولعله للحقيقة الادعائية

كما يحتمل أن يكون إطلاق الصلح على الأعم مما لو كان نزاع بسبب الحقيقة الادعائية؛ إذ يدعى أن عدم الفائدة هي ضرر تنزيلاً، فيتفرع عليه صحة إطلاق (إصلاح حاله) إذا نفعه وأفاده - وإن كان لا عن ضرر بالمعنى الدقي - من حيث إنه لو لم ينفعه فقد أضره، فيكون عدم صحة السلب عن المعنى الأعم - أو تبادره إنما هو بالنظر إلى الحقيقة الادعائية لا لكونه الموضوع له بنفسه، وقد خفي الأمر على الشخص واختلط الوجهان في ذهنه، مما لعله لو الفت لالتفت.

ويوضحه: إنه لو قال الخطيب مثلاً: إن أسد الله الغالب هو علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، فقال: أحدهم إن علياً (علیه السلام) ليس بأسد، صحَّ أن يجاب: بل هو أسد الأسود وكلاهما صحيح وعرفي؛ لأن من ينفي كونه أسداً يقصد عدم كونه كذلك حقيقة وتكويناً، ومن يقول: إنه أسد حقاً فإن قصده الحقيقة الادعائية فالمصب مختلف.

والخلاصة: إنه في المقام قد يكون هناك إطلاقان(1) ، ويكون الإطلاق الثاني لكونه منقولاً، وقد يكون لكونه من باب الحقيقة الادعائية، فلا بد من إحراز وجه الإطلاق والحمل.

الثالث: أو لمناسبات الحكم والموضوع

إن مناسبات الحكم والموضوع قد يكون لها المدخلية في الاستئناس

ص: 93


1- أي لكلمة (الصلح).

والانصراف للمعنى الأعم فلعله كان من باب الانصراف لا التبادر، وفي مثال: (الصلح جائز بين المسلمين)، قد يقال: إن ملاحظة خصوصية الموضوع، وإنه من شانه أن يقع فيه النزاع قد يؤثر على المعنى المراد وسبقه إلى الذهن.

وبتعبير آخر: إن الصلح قد يراد به ما يعم الوقاية من الفساد الفعلي أو المتوقّع، فإن في كل تلك الموارد(1) فساداً متوقعاً، فلا محرز لإطلاق الصلح على غير ما فيه الفساد.

النتيجة

ولا يخفى أن الوجوه الثلاثة عامة سيالة تجري لدى كل دعوى للتبادر أو صحة الحمل أو السلب فلابد من التثبت كلما أراد الفقيه إجراء إحدى علائم الحقيقة المعروفة ليحرز كون سبق هذا المعنى إلى ذهنه ناشئاً من حاق اللفظ، لا منه بمناسبات الحكم والموضوع، ولا لأنس ذهنه بالحقيقة الادعائية للفظ، ولا لكونه منقولاً في عرفه الخاص إلى معنى أعم أو أخص أو مغاير.

وعلى أي تقدير: فإنه إن حصل للفقيه الاطمئنان بأحد الطرفين(2) من الشواهد والأدلة الآنفة أو ردودها فهو، وإلا تبقى الشبهة المفهومية قائمة، فيلزم أن ننتقل من الأصول اللفظية إلى العملية.

ولكن قبل ذلك تبقى مجموعة موانع أخرى أمام دعوى أعمية الصلح والإصلاح من التحبيب وإيصال النفع كما ذهب إليه السيد الوالد (رحمه الله)، ولا بد من رفعها والجواب عنها، وإلا لما أمكن الالتزام بالأعمية.

ص: 94


1- عدم التحابّ، عدم الفائدة، عدم إسقاط ما بذمته .. وهكذا.
2- إن الصلاح والإصلاح موضوع للأعم مما تضمن الإفساد وإنه أعم من مثل التحبيب وأعم من مثل إيصال النفع.
موانع أمام دعوى عموم حكم جواز الكذب في الإصلاح للمسألتين
الأول: الانصراف

المانع الأول: ما قد يدّعى ب: إن الإصلاح وإن كان ينطبق مفهوماً - وموضوعاً - على التحبيب، إلا أن أدلة الكذب في الإصلاح منصرفة عن جواز الكذب في التحبيب، ووجه هذه الدعوى:

إما كثرة الاستعمال الموجبة للأنس الذهني(1) هو على معنى الإصلاح المتضمن للمفسدة القبلية، ويؤيد إننا عندما طرحنا عنوان الكذب في الإصلاح في بداية البحث وقبل دخولنا في المسألتين لم يخطر ببال المعظم ظاهراًإن الكذب في التحبيب أو لجلب المنفعة ينطبق عليه مفهوم الكذب في الإصلاح(2)، وإنه مدار البحث أيضاً في عنوان جواز الكذب في الإصلاح عرفاً؛ إذ الذي ينسبق إلى الذهن العرفي من جواز الكذب في الإصلاح هو في موارد التباغض والتنافر والتشاجر ووجود المفسدة، وأما كون المورد شاملاً للمسألتين فهذا مما يحتاج إلى مؤونة وتعمل وتأمل.

ولكن يرد على ذلك: إن كثرة الاستعمال وإن أوجبت الأنس الذهني، إلا أن ذلك على أقسام وقد فصلناها في مبحث التورية(3)، فراجع.

ص: 95


1- والاستدلال هو - في جوهره - بالأنس لا بكثرة الاستعمال ولذا لم تكن كثرة الوجود من أسباب الانصراف، فانتبه.
2- وللمحقق أن يتثبت من ذلك بأن يطرح عنوان الكذب في الإصلاح على مختلف الناس، فإنه يجد الأنس الذهني لهم بما كان عن مفسدة و لا يخطر ببالهم عنوان الكذب في جلب الفائدة أو للتحبيب.
3- يراجع كتاب: (رسالة في التورية موضوعاً وحكماً).

وأما دعوى: إن عدم فتوى الفقهاء بجواز الكذب للتحبيب أو لإيصال النفع بل فتوى العديد منهم بالحرمة، يصلح منشأ لدعوى انصراف الأدلة عن الموردين، ولا يخفى ما فيه.

وإما دعوى الانصراف لمشككية الماهية، وإما دعوى الانصراف لمشككية الدلالة.

ولا يخفى أنه لا وجه للدعوى الأولى كبرى، وكون الدعوى الثانية وجيهة صغرى وكبرى.

وقد فصلنا الكلام عن وجهي الانصراف الأخيرين وغيرهما في مباحث كتاب البيع، فلاحظ ما هنالك، إذ يتضح به جوانب المطلب أكثر كما أشرنا إلى ذلك في مبحث التورية أيضاً.

الثاني: إنّ أدلة الكذب تأبى عن التخصيص بالتحبيب والإفادة

المانع الثاني: دعوى: إن أدلة الكذب من القوة بحيث تأبى أن تخصص بمثل صورة الكذب في التحبيب وجلب المنفعة، بل قد يدعى: إن ارتكاز المتشرعة على ذلك، بل وكذلك العقلاء؛ فإن الكذب لمجرد جلب الفائدة من غير ضرورة قبيح يلام فاعله عليه بشدة، وقد سبق في مبحث التورية بحث نظير ذلك.

الثالث: قرينة المقابلة بين الصلاح والفساد في بعض الروايات

المانع الثالث: إن وجود بعض القرائن في بعض الروايات قد يمنع من التمسك بعموم مفهوم الإصلاح لغير ما كان عن فساد، فمنها: صحيحة الشيخ الكليني (قدس سره) عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: «إنني سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام وان المبيرة الحالقة للدين فساد

ص: 96

ذات البين»(1).

ووجه الاستدلال بهذه الرواية هو: وجود قرينة المقابلة بين الصلاح والفساد، إذ تفيد هذه القرينة أن الصلاح لا يكون إلا في مورد مستبطن للمفسدة لوقوعها في مقابِلِهِ، وعليه فالمفسدة القبالية مشترطة، وفي مسألتي التحبيب وجلب المنفعة لا توجد مفسدة فيهما(2) بما هما هما، فلا ينطبق عليهما عنوان الإصلاح.

المناقشات:

ولكن هذا الاستدلال مردود لوجوه:

الأول: إن قرينة المقابلة قرينة سياقية، وقرينة السياق لا تقيد المطلق كما لا تخصص العام، على المشهور(3).الثاني(4): إن المقابلة بين أمرين وضدين ليس من شرطها انعدام الضدّ الثالث، بل إن المقابلة بين الأمرين تصح في كلتا الصورتين اللاحقتين:

أولاً: ألا يكون لهما ضد ثالث.

ثانياً: أن يوجد ضد ثالث أو أكثر.

ويوضحه: إن الليل والنهار ضدان متقابلان، قال تعالى: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا»(5)، إلا أن هناك ضداً ثالثاً هو فترة مابين الطلوعين

ص: 97


1- الكافي: ج7 ص51.
2- أي في تركهما.
3- إلا لو أفادت الظهور عرفاً حسب مناسبات الحكم والموضوع، وذلك بحاجة إلى إحراز إضافة إلى أن مناسبات الحكم والموضوع أمر آخر.
4- وهذا الجواب مفيد ودقيق وسيال.
5- سورة النبأ: 11.

- على رأي - ومع ذلك صح ذلك التقابل، وكذلك الحال في العدالة والفسق؛ فإنّ بينهما حالة ثالثة كما في الطفل المميز مما له الشأنية، وكذلك المجنون فإنه لا يوصف بأنه عادل أو فاسق، بل وكذلك البياض والسواد مما لا اقتضاء فيه لوصفه بأحدهما.

والحاصل: إن إثبات حكمين مختلفين لضدين متقابلين لا ينفي وجود ضد ثالث قد يكون له حكم آخر أو يكون محكوماً بحكم أحدهما.

وفي روايتنا فإن المقابلة وإن كان ثابتة بين الإصلاح والفساد، لكن ذلك لا ينفي وجود شق ثالث وهو جلب المنفعة أو التحبيب بما هما هما من دون فرض وجود المصلحة الملزمة أو المفسدة الهادمة، وحيث لا يصدق عنوان (الصلاح والإصلاح) ولا (الفساد والإفساد).الثالث: سلمنا عدم وجود الضد الثالث للصلاح والفساد نفسهما بدعوى: إن الرواية لم توقع المقابلة بين طبيعي وعنواني الصلاح والإفساد وكليهما ليقال: بأنه لا ثالث لهما، بل إنما جعلت القسيم للصلاح صنفاً خاصاً من الفساد وهو المبير والحالق للدين (دون مطلق الفساد).

وعليه: يكون الفساد ذا صنفين - أو أصناف - الأول: ما ذكرته الرواية وهو محكوم بالحرمة، والأخر: ما ليس كذلك والرواية ساكتة عنه إن لم يستظهر كونه داخلاً في الشق الأول؛ بدعوى: وضوح عدم دخول الكذب لإيصال النفع للمؤمن أو لتحبيب أحدهما للآخر في (المبيرة الحالقة للدين)، فتأمل.

التفصيل بين نوعي التحبيب والفائدة

ويمكن الذهاب إلى تفصيل آخر ينتج استثناء الصورتين من أدلة حرمة الكذب في الجملة لا بالجملة، لمن لم يتم لديه عموم مفهوم الإصلاح لغير ما كان

ص: 98

عن مفسدة أيضاً.

والتفصيل هو: إن التحبيب على نوعين: نوع يعدّ عدمه فساداً عرفاً، ونوع لا يعد عدمه فساداً، ومن النوع الأول: تحبيب غير المتحابين اللذين من شأنهما أن يكونا متحابين؛ فإنه إصلاح كما أن عدم تحابهما فساد، وذلك مثل الزوج والزوجة فإن عدم الحب المتقابل والمتبادل بينهما يعد عرفاً نوعاً من الفساد، والتقريب بينهما والتحبيب يعد نوعاً من الإصلاح عرفاً، والأمر كذلك أيضاً بين الأخوين والأقرباء، على درجات في ذلك(1)، عكس ما لو لم يكن من شأنهما ذلك كتحبيب أجنبي بأجنبي آخر، وإن فرض كونه حسناً، إلا أن عدمه لا يعد فساداً.والأمر في الفائدة أيضاً كذلك؛ فإنها عرفاً على نوعين(2)، حيث تارة يعدّ العرف عدم الفائدة مفسدة، وتارة أخرى لا يرونه مفسدة، ولعل من المفسدة تضييع الوقت في جلسات البطالين التي لا تتضمن حراماً، و إلا فهي مفسدة دون شك، فإنه وإن لم يفسده بمحرم إلا أن العرف ينعته بأنه قد أفسد مستقبله وأضاع عمره، وكذلك الحال في المسؤول الذي حرم بسوء تدبيره الناس من فوائد أو منافع أو أرباح، فإنه يقال له: إنك أفسدت بلدك أو دائرتك أو غيرها, فتأمل.

المرجع عند فقد الأدلة
أولاً: الأصل اللفظي والعلمي عند الشك

هذا كله في مقتضى الأدلة، ولكن لو وصلنا إلى مرحلة الشك في أن مفهوم

ص: 99


1- ومن ذلك أيضاً تحبيب الشركاء في الحكومة، فإن عدم التحابّ بينهم مفسدة للبلد أي مفسدة!
2- ولعل بهذا التفصيل يقع الصلح بين رأين متقابلين وقع النزاع بينهما على مر التاريخ في كون عدم الفائدة هل هي مفسدة أو لا؟

الإصلاح الثابت جواز الكذب فيه بالآيات والروايات، هل هو شامل للتحبيب وجلب المنفعة أو لا؟ أي: لو كانت الشبهة في المقام مفهومية بأن دار أمر المفهوم بين الأضيق والأوسع، وإن الإصلاح هل هو خاص بما كان مسبوقاً بمفسدة - وهو القدر المتيقن - أو إنه يشمل الأعم من ذلك، أي ما كان لأجل التحبيب أو جلب المنفعة؟ فلو فرض إننا رغم رجوعنا إلى كتب اللغة والعرف ولسان الأدلة لم نستطع أن نحدد مدى المفهوم وحدوده، فلا بد من البحث حينئذٍ عن مرجع ثانوي منقح للمفهوم أو محدد للوظيفة والحكم.

أما الأصل اللفظي(1): فالظاهر إنه لا وجود لأصل منقِّح للمفاهيم إذا دار أمرها بين السعة والضيق، وهذه قاعدة عامة.

إن قلت: إن الأضيق هو القدر المتيقن، والأكثر هو المشكوك فيه، فيكون الأضيق هو المرجع كأصل لفظي منقح للموضوع له.قلنا: إن القدر المتيقن لا يصنع ظهوراً لفظياً، ولا يحرز الوضع ولا المراد الاستعمالي؛ فإن القدر المتيقن ليس من أمارات الوضع، كما ليس هو من أمارات الدلالة والإرادة الاستعمالية وحدودها.

إذاً فليس هناك في المقام أصل لفظي يمكن الرجوع إليه عند الشك، وعليه فلابد من الانتقال إلى الأصل العملي والحكمي.

وهذا المبحث كنظائره ينبغي أن يطرق في مبحث تعارض الأحوال - أحوال الألفاظ -، وقد ألغى المتأخرون من الأصوليين البحث عنها إلا إشارة، إلا أن المتقدمين كصاحب القوانين قد أفاضوا في البحث حوله، ولعل السر في إهماله: عدم ثبوت أصل يُعوّل عليه في هذا المبحث.

ص: 100


1- المقصود: الأصل المنقح لحال وضع اللفظ وإنه وضع لماذا؟
ثانياً: الأصل الحكمي والعملي

وأما الأصل العملي: فإن القدر المتيقن من جواز الكذب في الإصلاح، عند الشك، هو الكذب في الإصلاح عن مفسدة؛ فإن هذا القدر هو المتيقن من شمول دليل (أصلحوا) له، وأما الإصلاح لا عن مفسدة فحيث لا يعلم أن عنوان الإصلاح ينطبق عليه أو لا، فإنه يبقى على قاعدة أصالة حرمة الكذب؛ لما ثبت من أن الكذب حرام مطلقاً ويستثنى من ذلك ما خرج بدليل، وقد خرج القدر المتيقن وهو الإصلاح عن مفسدة بالدليل، أما التحبيب أو جلب الفائدة، فلا يعلم كونه مستثنى - إن كان داخلاً في مفهوم الإصلاح - أو لا - إن كان خارجاً عنه - فهو مشكوك فيه فيبقى تحت عموم أدلة التحريم.

الدليل الثاني: البراءة بعد تعارض أدلة الكذب مع أدلة النفع والتحبيب وتساقطها
اشارة

وقد يقال: بجواز الكذب في التحبيب وإيصال النفع للغير؛ استناداً إلى أصالة البراءة عن حرمة الكذب في الصورتين، وذلك بأن نرجع إلى أدلة التحبيب نفسها وأدلة إيصال النفع والفائدة(1) فنلاحظ النسبة بين هذه الأدلة، وأدلة حرمة الكذب، ومحصل ذلك هو ما ذكرناه بعينه سابقاً من النتيجة عند تعارض عنوان الكذب مع عنوان الإصلاح.

وموجزه: إن النسبة بين أدلة التحبيب - وكذا أدلة نفع الغير -، وأدلة حرمة الكذب، عموم من وجه؛ فلو فرض ورود (أنفع المؤمنين(2) أو حبب المؤمنين بعضهم لبعض) فإن نسبتها مع مثل (الكذب حرام) العموم من وجه؛ فإنهما

ص: 101


1- والروايات في هذا المجال كثيرة وإن لم يذكرها الفقهاء.
2- ستأتي الإشارة إلى بعض الروايات حول إيصال النفع لهم.

يجتمعان في الكذب للتحبيب أو الإفادة، فيجري في المقام نظير ما أجراه السيد الخوئي (قدس سره)(1) في المسألة السابقة أي في التعارض بين الكذب والإصلاح.

بيانه: إن النسبة في مادة الاجتماع حيث إنها التعارض فيتساقطان ويرجع إلى الأصل وهو حلية الكذب(2) لأصالة الإباحة، فهو أصل فوقاني يرجع إليه عند تعارض الأدلة أو الأصول التحتانية، ومعه فيكون الكذب للتحبيب أو جلب المنفعة جائزاً.

وحيث إن البحث هنا هو البحث نفسه هناك، فإن كل الإشكالات التي ذكرت سابقاً تجري هنا أيضاً، منها: إن أدلة التحبيب كأدلة الإصلاح منصرفة عن الحرام؛ فإن دليل (حبب المؤمنين بعضهم لبعض) ليس بناظر عرفاً إلى التحبيب بحرام كالنظر إلى الأجنبية أو شرب الخمر تحبيباً.وعليه: فإن الكذب في التحبيب حرام.

ومنها: إن أدلة الكذب هي من القوة بحيث تكون آبية عن أن تسقط بالمعارضة بمثل أدلة التحبيب.

وبتعبير آخر: أدلة حرمة الكذب أظهر من الأخرى(3)

فتقدم عليها عرفاً.

وقد مضى البحث حول هذين الوجهين وغيرهما فيما مضى.

الرأي المنصور

وأما الرأي المنصور في المقام فهو: ما ذكرناه سابقاً بعينه من أن هذا المبحث خارج عن دائرة التعارض، وداخل في باب التزاحم، كما أوضحناه مفصلاً: إن

ص: 102


1- مصباح الفقاهة: ج1 ص622.
2- بعد إذ سقط دليل حرمته بالمعارضة.
3- وهي أدلة التحبيب والإفادة.

دليل (أصلحوا )، ودليل (لا تكذبوا) متزاحمان؛ لكونهما ذوي ملاك فتطبق عليهما قواعد التزاحم، والمقام أيضاً كذلك؛ إذ التحبيب ذو ملاك فإن فائدته ذاتية ونفسية، كما أن الكذب له أيضاً ملاك وحرمته ذاتية ونفسية أيضاً، فلا بد من أن نلاحظ أي الملاكين أقوى فيقدم الأقوى، وحيث إن العناوين الثلاثة من الحقائق التشكيكية، فاللازم ملاحظة مراتب كل منها، ولكن حيث إن الأصل في المستحب كونه أضعف ملاكاً من الحرام أو الواجب، فإن التحبيب المستحب والإفادة المستحبة لا تزاحم الكذب المحرم، إلا لو دل دليل في عالم الإثبات على أقوائية ملاك خصوص هذا المستحب، كما سبق إمكانه وتصويره، لكن لا دليل تام في عالم الإثبات على ذلك، وذلك هو مقتضى القاعدة على رأي المشهور أيضاً - أي بناؤهم على أن المستحب لا يزاحم الحرام - فإنه لا تزاحم بين التحبيب المستحب و الكذب المحرم؛ ذلك أن ملاك الحرمة هو المفسدة الملزمة، وملاك المستحب هو المصلحة غير الملزمة، وغير الملزم لا يزاحم الملزم، إذ إن المشهور هو أن المستحب ملاكه أضعف من ملاك الواجب مطلقا(1) فيكون الكذب في التحبيب ولأجله حراماً على المشهور، والفارق بيننا وبينهم هو في دعوانا إمكان أن يكون المستحب أقوى ملاكاً من الواجب، وإن يقدم عليه تبعاً لذلك، لكنه مفتقر إلى دليل في عالم الإثبات، فتأمل.

التفريق بين الفائدة الشخصية والنوعية

ولكن يمكن التفريق بين المنافع الشخصية والنوعية، فإن الفائدة - وكذا التحبيب - تارة: تكون شخصية فتكون مندرجة في دائرة المستحب دائماً، وأخرى: تكون نوعية كما هو الحال في التحبيب بين رئيسي عشيرتين أو مرجعين

ص: 103


1- وكذا الحال في المكروه والحرام.

أو قائدين، فإنه قد يقال: بأن بعض مصاديق هذا التحبيب النوعي واجب، وكذا الأمر في النفع النوعي، فهذا نحو تفصيل صغروي بعد تسليم الكبرى، والنتيجة هي: التزاحم بين الواجب النوعي لإيصال النفع للغير أو للتحبيب، وبين حرمة الكذب.

وتحقيق هذا المبحث موكول إلى مباحث الفقه الاجتماعي أو فقه المجتمع، والذي هو بمكان من الأهمية ما يوجب على الفضلاء والباحثين بحثها بشكل مستوعب مستفيض، والله الموفق المستعان.

الدليل الثالث: الروايات المنقحة للموضوع: الكذب في النفع صدق
اشارة

وقد يستدل على جواز الكذب لإيصال النفع للمؤمن، بالروايات التي أفادت تنقيح الموضوع تنزيلاً، ومنها: الرواية التي ذكرها الشيخ الصدوق (قدس سره) في كتاب مصادقة الإخوان بسنده عن الإمام الرضا (علیه السلام) على ما ذكره صاحب جامع أحاديث الشيعة(1) من أنه ينقل الرواية بسنده وذلك هو ما ذكره صاحب فقه الصادق(2) (علیه السلام) أيضاً، لكن الرجوع إلى هذا الكتاب بنفسه يكشف عن إن الرواية في كتاب (الإخوان) مرسلة ولا سند فيها، فراجع.وأما الرواية فهي: قال (علیه السلام): «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ عَلَى أَخِيهِ فَيَنَالُهُ عَنَتٌ مِنْ صِدْقِهِ فَيَكُونُ كَذَّاباً عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ عَلَى أَخِيهِ يُرِيدُ بِهِ نَفْعَهُ فَيَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ صَادِقاً»(3).

ص: 104


1- جامع أحاديث الشيعة: ج13 ص573.
2- فقه الصادق (علیه السلام): ج14 ص444.
3- مصادقة الإخوان: ص76.
إشكالات على الاستدلال بالرواية
اشارة

استشكل السيد الروحاني دام ظله في فقه الصادق (علیه السلام) بثلاثة إشكالات على هذه الرواية، فقال: (وفيه أنه مضافاً إلى ما في سنده من الخلل وإعراض الأصحاب عنه، فإنه إنما يدل على جواز الكذب لجلب النفع بالإطلاق لشموله للكذب في الإصلاح فالنسبة بينه وبين مفهوم الحصر في جملة من النصوص الحاصرة لجواز الكذب في الثلاثة عموم من وجه، والترجيح لتلك النصوص، فالأظهر عدم جوازه في هذا المورد)(1). أي الكذب للنفع غير الإصلاحي(2) وتوضيح كلامه مع بعض المناقشات:

أ. الخلل السندي

أما الإشكال الأول فهو الخلل في السند، والظاهر أنه دام ظله يشير إلى أن الرواية مرسلة.

أقول: ولكن هذا الإشكال لا يرد على من يرى حجية مراسيل الثقاة ومنهم الشيخ الطوسي (قدس سره) في العدة(3)، والشهيد الثاني والشيخ البهائي قدس سرهما وكما فيما نقله الشيخ البهائي عن جماعة من الأصوليين، بل إن الشيخالطوسي في العدة ادعى الشهرة على ذلك، ومعه فيكون هذا الإشكال مبنائياً، فمن لم يقل بحجية مراسيل الثقاة كمشهور المتأخرين فالإشكال وارد والرواية ليست حجة، فكيف تقاوم أدلة حرمة الكذب المعتبرة والثابتة؟

ص: 105


1- فقه الصادق (علیه السلام): ج14 شرح ص444.
2- ومادة الاجتماع بين الطائفتين هو الكذب الإصلاحي، وأما مادة الافتراق فهي النفع غير الإصلاحي والكذب غير النفعي، فتأمل.
3- قد فصل المؤلف ذلك في كتاب (حجية مراسيل الثقات المعتمدة)، فليراجع.

نعم قد يعضد سند الرواية بأن مضمونها يؤيده الاعتبار، فتكون لها الوثاقة الخبرية، وإن لم تحرز الوثاقة المخبرية، فتأمل.

ب. إعراض الأصحاب والشهرة الفتوائية على غير ذلك

وأما الإشكال الثاني فهو: إن الأصحاب اعرضوا عن مفاد هذه الرواية؛ إذ إنهم لم يفتوا ولم يجوزوا الكذب لإيصال النفع إلى الآخر إلا النادر كالسيد الوالد (رحمه الله).

أقول: والمسألة أيضاً مبنائية؛ فإن من يرى أن الشهرة الفتوائية على خلاف الرواية وإن كانت معتبرة، كاسرةٌ ومسقطةٌ لها عن الحجية، فكيف إذا كانت مرسلة؟ فالأمر كذلك, بخلاف من لا يرى ذلك.

والمستظهر: هو إن إعراض المشهور شهرة عظيمة عن رواية مع كونها في متناول أيديهم مسقط لها عن الحجية، إلا لو أحرز وجه إعراضهم وعدم تماميته، لكن الكلام في الصغرى؛ إذ لا إحراز لفتوى المشهور على خلاف الرواية فإن المعظم لم يطرحوا المسألة رأساً.

وهذا الإشكال تام ظاهراً.

ج. الروايات الحاصرة مقدَّمة للحصر وقوته

وأما الإشكال الثالث فهو: إن النسبة بين الرواية المذكورة في كتاب الإخوان، وبين مفهوم الحصر في الروايات الحاصرة لجواز الكذب في ثلاثة أمور، عموم من وجه، وتوضيح كلامه: إن الروايات الحاصرة تقول: لا يجوزالكذب في غير الإصلاح(1) نفعاً كان أو لا، ورواية الصدوق تقول: يجوز الكذب في

ص: 106


1- أي وغير الكيد في الحرب وغير وعد الرجل أهله.

النفع إصلاحاً كان أو لا.

وبعبارة أخرى: الروايات الحاصرة تقول: بمفهوم حصرها إنه لا يجوز الكذب لأجل غير الإصلاح وإن كان ذا منفعة، ورواية الصدوق (قدس سره) تقول بإطلاقها: يجوز الكذب حينئذٍ، فهذه مادة الاجتماع (الكذب النافع غير المصلح)(1) كما أن هناك مادتي افتراق، فتكون النسبة من وجه فيتعارضان في مورد الاجتماع ولكن الترجيح للروايات الحاصرة فتقدم.

ولكن السيد الروحاني لم يذكر وجوه ترجيح الروايات الحاصرة، على رواية الصدوق، فلنستدل له بثلاثة وجوه:

وجوه الترجيح
الأول: قوة مفهوم الحصر

أما الوجه الأول للتقديم فهو: قوة مفهوم الحصر في روايات تحريم الكذب؛ فإنه أقوى وأظهر من رواية الصدوق (قدس سره).

ومن هذه الروايات الحاصرة خبر عيسى بن حسان عن الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) يقول: «كُلُّ كَذِبٍ مَسْئُولٌ عَنْهُ صَاحِبُهُ يَوْماً إِلَّا كَذِباً فِي ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ كَائِدٌ فِي حَرْبِهِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ، أَوْ رَجُلٌ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَلْقَى هَذَا بِغَيْرِ مَا يَلْقَى بِهِ هَذَا يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِصْلَاحَ مَا بَيْنَهُمَا أَوْ رَجُلٌ وَعَدَ أَهْلَهُ شَيْئاً وَ هُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يُتِمَّ لَهُم»(2)، فهذه الرواية قد حصرت جواز الكذب في هؤلاء الثلاثة، ومعه: فإن الرجل إذ لم يصدق عليه عنوان المصلح وإن أراد النفع، فإنهمسؤول ولا

ص: 107


1- اعتبرناها مادة الاجتماع بلحاظ مجموع المستثنى والمستثنى منه في الروايات الحاصرة، لا بلحاظ المستثنى وإلا لكانت مادة الاجتماع الكذب الإصلاحي النافع، ولا تعارض ههنا.
2- الكافي: ج2 ص342. وعيسى بن حسان مجهول.

ترفع حرمة الكذب عنه(1)، وأما رواية الصدوق فتقول بجواز الكذب في النفع مطلقاً، ومفهوم الحصر أقوى.

ونظير هذه الرواية في إفادة الحصر ونفي الغير:

الرواية الثانية التي تعضد الرواية الحاصرة، فعن الإمام الصادق (علیه السلام) أنه قال: «الْكَلَامُ ثَلَاثَةٌ صِدْقٌ وكَذِبٌ وإِصْلَاحٌ بَيْنَ النَّاسِ»(2)، فقد أخرج الإمام (علیه السلام) الكذب في الإصلاح موضوعاً - تنزيلاً - من دائرة الصدق والكذب، فيبقى الكذب في النفع غير الإصلاحي داخلاً في دائرة الكذب كما هو واضح.

الثاني: كثرة الروايات وقوتها مضموناً

الوجه الثاني للتقديم: إن الروايات الحاصرة هي أكثر وأقوى مضموناً من مثل رواية الصدوق.

الثالث: موافقة روايات الحصر للكتاب

الوجه الثالث: إن روايات الحصر موافقة للكتاب، وأما رواية الشيخ الصدوق فهي مخالفة؛ إذ الكتاب الكريم يحرم الكذب مطلقاً(3).

الجواب عن وجوه الترجيح
أولاً: إن الحصر الإضافي كثير في الروايات

أما الإجابة عن الإشكال الأول فهي: إن مفهوم الحصر وإن توهم أنه

ص: 108


1- إذ النفع أعم من الإصلاح، ذلك إن إصلاح ذات البين نفع للطرفين وهذه صورة وهناك صورة أخرى، مثل أن يكذب الأول كيما يربح الثاني في تجارته من غير وجود نزاع أو تدابر.
2- الكافي: ج2 ص341.
3- فصلنا القول في مباحث الكذب بأن الآيات الواردة بلفظ الكذب لا تثبت الحرمة لمطلق الكذب، نعم سبق أيضاً أن آية اجتنبوا قول الزور تامة الدلالة وقد استندنا إليها .

قوي، لكن الحصر موهون بكثرة التخصيصات والاستثناءات، لكثرة الحصر في الروايات، وكثرة انثلامه أيضاً, بل قد يقال: إن سيرة العقلاء أيضاً كثيراً ما - إن لم يكن غالباً - على الحصر الإضافي لا الحقيقي، فرواية الصدوق أظهر، بل حتى مع قطع النظر عن موهونية الحصر، فإن الظاهر عند ضم الطائفتين من الروايات هو: إن رواية الصدوق تضيف استثناءً رابعاً.

وإن شئت فقل: عند عرض (روايات الحصر المحرمة لما عدا الثلاثة) و(الرواية المجوزة للكذب) على العرف، فإن دلالة الحاصرة على حرمة الكذب في النفع غير الإصلاحي خفية نوعاً ما و ليست بذلك الوضوح، عكس رواية الصدوق (قدس سره) فإنها واضحة جداً وبينة، بل هي نص عرفاً.

ثانياً: إنّ رواية الصدوق (قدس سره) تفيد التنزيل فلها الحكومة

بل نقول: إن رواية الصدوق المجوزة للكذب من أجل النفع ظاهرة في التنقيح الموضوعي، فهي حاكمة على تلك وإن كانت عموماً النسبة من وجه(1) - تنزلاً - فهي داخلة في باب الحقيقة الادعائية، فلا تعارض بل تتقدم بالذات عليها.

ثم إن سند رواية الصدوق لو كان تاماً لما ورد أي واحد من الإشكالات الثلاثة السابقة(2)، فتدبر.

تحقيق النسبة بين الروايتين
اشارة

ذكر السيد الروحاني - كما مضى - أن النسبة بين الروايات الحاصرة وبين

ص: 109


1- وسيأتي إن النسبة هي العموم والخصوص المطلق وليست من وجه، على بعض الوجوه.
2- إذ مع كونها منقحة للموضوع لا يبقى مجال للاستدلال بموافقة روايات الحصر للكتاب أو بكثرة روايات حرمة الكذب؛ وذلك لأنها لا تعارضها لتقدمها رتبة عليها.

رواية الصدوق المجوزة عموم من وجه، ولكن هناك تفصيل دقيق كما أنه سيال ينفع في سائر الروايات المتعارضة وهو:

أ. صورة بساطة موضوع الروايات المتعارضة

إن الروايتين المتعارضتين تارة: يكون موضوع كل منهما أمراً بسيطاً لا تركيب فيه، ولا مشكلة ههنا في اكتشاف النسبة بين الدليلين، نظير (أكرم العلماء) و(لا تكرم الفساق)، فإن النسبة بينهما عموم من وجه، ومادة الاجتماع هي العالم الفاسق.

وتارة أخرى: يكون الموضوع مركباً كما في الروايات الحاصرة؛ إذ الموضوع يتركب من المستثنى والمستثنى منه.

فقد جاء في صدر الرواية: «كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوم القيامة»(1) والأمر لو كان فقط كما في صدر الرواية فالموضوع بسيط والنسبة واضحة ومتجلية وهي العموم المطلق؛ إذ الحاصرة لسانها - أي لسان صدرها فقط - إن كل كذب حرام وغير جائز، وأما رواية الصدوق فنتقول: الكذب في النفع جائز حسب نص الرواية وهو «وإن الرجل ليكذب على أخيه يريد به نفعاً فيكون عند الله صادقاً» فتكون أخص مطلقاً منها.

إذاً فالأمر مع بساطة الموضوع واكتشاف النسبة سهل ومتيسر.

ب. صورة تركيب موضوع الروايات المتعارضة

ولكن لو كان الموضوع مركباً، كما هو الحال في كل موضوع واستثنائه، حيث قد يقال: إنه لابد من ملاحظة الموضوع في المستثنى منه، وكذلك الموضوع

ص: 110


1- الكافي: ج2 ص342.

في المستثنى، وملاحظة مجموعها، ثم ملاحظة نسبة كل واحد من هذه الثلاثة إلى مثل رواية الصدوق، وسنرى تغير النسبة حينئذٍ، وتوضيحه:

أولاً: إن النسبة بين صدر الروايات الحاصرة وهو المستثنى منه، ورواية الصدوق، هي العموم والخصوص المطلق، فتتقدم رواية الصدوق عليها بلا كلام؛ إذ صدر الحاصرة هو «كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً» ورواية الصدوق هي «ان الرجل ليكذب على أخيه يريد به نفعاً فيكون عند الله صادقاً» فهي أخص من الحاصرة مطلقاً فالتقدم بالتخصيص، هذا لو لم نقل إن التقدم بالحكومة لأن لسان رواية الصدوق هو التنزيل «فيكون عند الله صادقاً» أي نزل منزلة الصادق وقوله: «ليكذب» أي حسب ما يراه العرف كذباً، أو كما هو كذلك واقعاً، لكن الله ينزله منزلة الصدق فهو ك(لا شك لكثير الشك).

ثانياً: والنسبة بين ذيل الرواية الحاصرة وهو المستثنى، وبين رواية الصدوق هي من وجه، لكن لكونها مثبتين فلا تعارض بينهما إذ الرواية الحاصرة تقول «الكذب في الإصلاح جائز»(1) ورواية الصدوق تقول: «الكذب في النفع جائز» والنفع قد يكون في الإصلاح وقد يكون في غيره كما أن الإصلاح قد يكون نفعاً أو غيره - كما سيأتي -، على أن النسبة لو كانت هي العموم والخصوص المطلق فإنه لا تنافي بينهما كما هو واضح.

ثالثاً: النسبة بين مجموع مفاد الرواية الحاصرة مستثنى ومستثنى منه، أي الحاصل منها وبين رواية الصدوق هي من وجه، فقد يقال: بالتعارض حينئذٍ لولا حديث الحكومة والتنزيل، توضيحه:إن مفاد الحاصرة بلحاظ مجموع المستثنى والمستثنى منه هو (كل كذب لا

ص: 111


1- والكلام هو الكلام في (رجل كائد في حربه) مع رواية الشيخ الصدوق (قدس سره).

يوجب(1) إصلاح ذات البين(2) فهو حرام لا لمفهوم اللقب بل لظهور تمام الجملة عرفاً في ذلك المستفاد من مفهوم الحصر، ومفاد رواية الصدوق هو (كل كذب للنفع جائز) والنسبة من وجه:

أما مادة الاجتماع(3): فهي الكذب النافع غير الموجب لإصلاح ذات البين بأن كان نفعه في جهة أخرى، فهو جائز حسب رواية الصدوق، ومحرم حسب الرواية الحاصرة؛ إذ مفاد مجموعها: لا يجوز الكذب في غير الإصلاح.

وأما مادة افتراق رواية الشيخ الصدوق (قدس سره) عن الحاصرة(4): الكذب النافع الموجب لإصلاح ذات البين فإنه جائز حسب الروايتين جميعاً أي حسب منطوق رواية الصدوق وحسب المستثنى في الرواية الحاصرة، وإلا فحسب مجموع المستثنى والمستثنى منه أي حسب مآلهما على ما لخصناه، فإن هذا المورد غير مشمول للحاصرة، لذا عبرنا عنه بمادة الافتراق إذ مفاد المجموع (لا يجوز الكذب في غير الإصلاح) وهذا إصلاح فهو موضوع آخر مضاد.

وأما مادة افتراق الحاصرة عن رواية الشيخ الصدوق: الكذب الموجب لإصلاح ذات البين لكن غير النافع للطرفين - أو الضار بهما، وعدم النفع كاف لأنه الخارج عن رواية الصدوق - فإنه حسب الحاصرة جائز وحسب رواية الصدوق المقيدة لجواز الكذب بكونه نافعاً، غير جائز.

لا يقال: كل كذب أصلح ذات البين فهذا نفع؟إذ يقال: كلا؛ إذ قد يكون النفع في إفساد ذات البين ويكون إصلاح ما

ص: 112


1- وهو أعم من الكذب المفسد، أو يقال مفادها: كل كذب مفسد فهو حرام والأول أظهر.
2- وأيضاً: لم يكن في الحرب ولا في عدة الرجل أهله.
3- بناء على أن مفاد الحاصرة مآلاً هو: (لا يجوز الكذب في غير الإصلاح).
4- أي بلحاظ مجموع المستثنى منه والمستثنى كما هو محل الفرض.

بينهما هو الضار لهما دنياً أو أخروياً.

ومن أمثلته: ما لو أدى الإصلاح بينهما إلى تعاونهما على الإثم أو إلى فعل القبيح، بأن كان هذان الجاران أو الزميلان في المدرسة مثلاً في مظنة فعل قبيح كالسرقة وما شابهها لو كانت علاقتهما طيبة، عكس ما لو أوقعنا بينهما ولو بالكذب، فلو صادقه جاره أو قريبه لأفسده أو أدخله في إحدى الشبكات الفاسدة أو إحدى العصابات المجرمة فالمنفعة هي في الإفساد بينهما، والمضرة هي في الإصلاح بينهما، فتأمل.

الدليل الرابع: إطلاقات روايات إيصال النفع

وقد يستدل على جواز الكذب لإيصال النفع للمؤمنين بإطلاقات روايات نفع الإخوان أو نفع عيال الله وشبه ذلك.

فمنها: ما رواه الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) - وهي معتبرة بحسب المشهور - قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ مَنْ نَفَعَ عِيَالَ اللَّهِ وَ أَدْخَلَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ سُرُوراً»(1).

وما رواه الكليني في الكافي بسنده عن الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله): مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْفَعُ النَّاسِ لِلنَّاسِ»(2).ومرفوعة الاسكافي إلى صفوان، كما في كتاب التمحيص عن الإمام الصادق (علیه السلام)، ذُكِرَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ضُعَفَاءُ أَصْحَابِنَا وَ مَحَاوِيجُهُمْ،

ص: 113


1- الكافي ج2 ص164.
2- الكافي: ج2 ص164.

فَقَالَ (علیه السلام): «إِنِّي لَأُحِبُّ نَفْعَهُمْ وَ أُحِبُّ مَنْ نَفَعَهُمْ»(1)، والاستدلال بالإطلاق أيضاً.

وما رواه الحميري في قرب الإسناد: بإسناده عن الإمام الصادق (علیه السلام) عن أبيه (علیه السلام) قال: قال رسول الله n: «الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ فَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ»(2).

وما رواه في تحف العقول عن الإمام العسكري (علیه السلام): «خصلتان ليس فوقهما شي ء الإيمان بالله و نفع الإخوان»(3)، فإذا لم يكن فوق هاتين الخصلتين شيء، فإن مقتضى القاعدة أن الكذب يُحلَّل بهما، كأن يكذب شخص ليخرج آخر من ضلال إلى هدى فيعرف الحق من خلال استدلال جدلي أو خطابي أو بمغالطة، وهكذا في الكذب لنفع الإخوان(4).

وما روي عنه (علیه السلام): «خير الناس من نفع الناس»(5).

والاستدلال إنما هو بإطلاق الروايات، نظير ما سبق من الاستدلال بالآيتين في الإصلاح وبروايات الإصلاح بإطلاقها، فإن ما استدل به على جواز الكذب في الإصلاح - وهو الإطلاق -، يستدل به هنا كذلك على جواز الكذب في النفع.وتجري الإشكالات السابقة من انصراف هذه الروايات عن القيام بذلك (بإيصال النفع) عبر الحرام كالكذب والتهمة ونظائرهما، ومن قوة لسان روايات

ص: 114


1- كتاب التمحيص: ص 47.
2- قرب الإسناد: ص56.
3- تحف العقول: ص489.
4- والنقاش في هذا ونظائره هو النقاش فيما مضى من بحث (الإصلاح) فلاحظ.
5- غرر الحكم: ص450.

تحريم الكذب، إلى غير ذلك كما يجري البحث السابق وهو:

إنه في مادة الاجتماع يتعارضان، فإما أن يتساقطا على ما بنى عليه السيد الخوئي فيرجع إلى أصالة الإباحة، وإما أن يقال: بما ذهبنا إليه من أن المورد إنما هو من باب التزاحم وأنه لا يزاحم المستحب الحرام.

وعليه: فكل ما ذكر من بحوث هناك تجري هنا، ومعه فلا يتوهم كون الاستدلال بأدلة إيصال النفع للناس وبشمولها للكذب لإيصال النفع، غريباً وإن كان غير صحيح كما سبق؛ إذ الاستدلال هو الاستدلال والجواب الجواب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

ص: 115

بسم الله الرحمن الرحيم

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى حُجَّتِكَ وَوَلِيِّ أَمْرِكَ وَصَلِّ عَلَى جَدِّهِ مُحَمَّدٍ رَسُولِكَ السَّيِّدِ الْأَكْبَرِ وَصَلِّ عَلَى عَلِيٍّ أَبِيهِ السَّيِّدِ الْقَسْوَرِ وَحَامِلِ اللِّوَاءِ فِي الْمَحْشَرِ وَسَاقِي أَوْلِيَائِهِ مِنْ نَهَرِ الْكَوْثَرِ وَالْأَمِيرِ عَلَى سَائِرِ الْبَشَرِ الَّذِي مَنْ آمَنَ بِهِ فَقَدْ ظَفَرَ(1) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَقَدْ(2) خَطَرَ وَكَفَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَخِيهِ وَعَلَى نَجْلِهِمَا الْمَيَامِينِ الْغُرَرِ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَمَا أَضَاءَ قَمَرٌ وَعَلَى جَدَّتِهِ الصِّدِّيقَةِ الْكُبْرَى فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ بِنْتِ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى وَعَلَى مَنِ اصْطَفَيْتَ مِنْ آبَائِهِ الْبَرَرَةِ وَعَلَيْهِ أَفْضَلَ وَأَكْمَلَ وَأَتَمَّ وَأَدْوَمَ وَأَكْبَرَ وَأَوْفَرَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْفِيَائِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ.

وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلَاةً لَا غَايَةَ لِعَدَدِهَا وَلَا نِهَايَةَ لِمَدَدِهَا وَلَا نَفَادَ لِأَمَدِهَا اللَّهُمَّ وَأَقِمْ(3) بِهِ الْحَقَّ وَأَدْحِضْ بِهِ الْبَاطِلَ وَأَدِلْ بِهِ أَوْلِيَاءَكَ وَأَذْلِلْ بِهِ أَعْدَاءَكَ.

ص: 116


1- (شَكَرَ).
2- (وَ مَنْ أَبَا فَقَدْ).
3- (أَعِزَّ).

وَصِلِ اللَّهُمَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وُصْلَةً تُؤَدِّيَ إِلَى مُرَافَقَةِ سَلَفِهِ وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَأْخُذُ بِحُجْزَتِهِمْ وَيُمَكَّنُ(1) فِي ظِلِّهِمْ وَ أَعِنَّا عَلَى تَأْدِيَةِ حُقُوقِهِ إِلَيْهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي طَاعَتِهِ وَالِاجْتِنَابِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ.

وَامْنُنْ عَلَيْنَا بِرِضَاهُ وَ هَبْ لَنَا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَدُعَاءَهُ وَخَيْرَهُ مَا نَنَالُ بِهِ سَعَةً مِنْ رَحْمَتِكَ وَ فَوْزاً عِنْدَكَ وَ اجْعَلْ صَلَاتَنَا بِهِ مَقْبُولَةً وَ ذُنُوبَنَا بِهِ مَغْفُورَةً وَ دُعَائَنَا بِهِ مُسْتَجَاباً وَاجْعَلْ أَرْزَاقَنَا بِهِ مَبْسُوطَةً وَهُمُومَنَا بِهِ مَكْفِيَّةً وَحَوَائِجَنَا بِهِ مَقْضِيَّةً وَأَقْبِلْ إِلَيْنَا بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَاقْبَلْ تَقَرُّبَنَا إِلَيْكَ وَانْظُرْ إِلَيْنَا نَظِرَةً رَحِيمَةً نَسْتَكْمِلُ بِهَا الْكَرَامَةَ عِنْدَكَ ثُمَّ لَا تَصْرِفْهَا عَنَّا بِجُودِكَ وَاسْقِنَا مِنْ حَوْضِ جَدِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِكَأْسِهِ وَبِيَدِهِ رَيّاً رَوِيّاً هَنِيئاً سَائِغاً لَا ظَمَأَ بَعْدَهُ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين.

ص: 117


1- (وَيَمْكُثُ).

ص: 118

فهرس المصادر

* القرآن الكريم

* نهج البلاغة، المختار من كلام الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام)، لجامعه الشريف الرضي محمد بن الحسين بن موسى (رحمه الله).

* الكافي الشريف/ للشيخ محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني(رحمة الله )، الناشر دار الكتب الإسلامية الطبعة الرابعة: 1407.

1. الأمالي/ للشيخ محمد بن علي بن بابويه الصدوق(رحمة الله )، الناشر: كتابجي، الطبعة السادسة: 1416.

2. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار أئمة الأطهار %/ للشيخ محمد باقر المجلسي (رحمه الله)، الناشر: مؤسسة الأعلمي، الطبعة الأولى: 2008م.

3. التبيان في تفسير القرآن/ للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (رحمه الله).

4. تحف العقول عن ال الرسول %/ للشيخ أبي محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني(رحمة الله ).

5. التمحيص/ للشيخ محمد بن همام بن سهيل الإسكافي(رحمة الله )، الناشر: مدرسة الإمام المهدي f، الطبعة الأولى: 1404.

6. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال/ للشيخ محمد بن علي بن بابويه الصدوق(رحمة الله )، الناشر: دار الشريف الرضي، الطبعة الثانية: 1406.

ص: 119

7. جامع أحاديث الشيعة / للسيد محمد حسين البروجردي(رحمة الله )، الناشر: فرهنك سبز، الطبعة الأولى: 1428.8. جامع الأخبار/ للشيخ محمد بن محمد الشعيري(رحمة الله )، الناشر: مطبعة الحيدرية، الطبعة الأولى.

9. علل الشرائع/ للشيخ محمد بن علي بن بابويه الصدوق(رحمة الله )، الناشر: داوري، الطبعة الأولى: 1966 م.

10. غرر الحكم ودرر الكلم/ للشيخ عبد الواحد بن محمد التميمي (رحمه الله)، الناشر: دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية: 1410.

11. فلاح السائل ونجاح المسائل/ للسيد علي بن موسى بن طاووس (رحمه الله)، الناشر: بوستان كتاب، الطبعة الأولى:1406.

12. قرب الإسناد/ للشيخ عبد الله بن جعفر الحميري (رحمه الله)، الناشر: مؤسسة آل البيت %، الطبعة الأولى: 1413.

13. كامل الزيارات/ للشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه القمي (رحمه الله)، الناشر:مكتبة الصدوق، الطبعة الأولى: 1417.

14.مجمع البيان في تفسير القرآن/ للشيخ أبي علي الفضل بن الحسين الطبرسي الطوسي (رحمه الله).

15. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول %/ للشيخ محمد باقر بن محمد التقي المجلسي(رحمة الله )، الناشر: دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثانية: 1404.

16. مصادقة الإخوان/ للشيخ محمد بن علي بن بابويه الصدوق(رحمة الله )، الطبعة الأولى: 1402.

17. رجال الطوسي/ للشيخ محمد بن حسن الطوسي(رحمة الله )، الناشر:

ص: 120

مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثالثة: 1415.

18. رجال النجاشي/ للشيخ أبي العباس أحمد بن علي النجاشي(رحمة الله )، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي.

19. حاشية المكاسب/ للشيخ ميرزا علي الإيرواني(رحمة الله )، الناشر : دار ذوي القربى، الطبعة الأولى: 1421.

20. حجية مراسيل الثقات المعتمدة/ للسيد مرتضى الحسيني الشيرازي، الطبعة الأولى: 1435.21. فقه الصادق (علیه السلام)/ للسيد محمد صادق الحسيني الروحاني دام ظله.

22. الفقه المكاسب المحرمة / للسيد محمد الحسيني الشيرازي(رحمة الله )

23. كتاب المكاسب/ للشيخ الأعظم الأنصاري(رحمة الله ).

24. مباني منهاج الصالحين/ للسيد تقي القمي الطباطبائي دام ظله، الناشر: منشورات قلم الشرق.

25. مجمع البحرين/ للشيخ فخر الدين بن محمد الطريحي(رحمة الله )، الطبعة الثالثة: 1427.

26. مصباح الأصول/ للسيد أبي القاسم الخوئي(رحمة الله )، المقرر: محمد سرور الواعظ الحسيني(رحمة الله ).

27. مصباح الفقاهة في المعاملات/ للسيد أبي القاسم الخوئي(رحمة الله )

28. الوصائل إلى الرسائل/ للسيد محمد الحسيني الشيرازي(رحمة الله )، الناشر: مؤسسة عاشوراء، الطبعة الثانية: 1421.

29. الأوامر المولوية والإرشادية/ للسيد مرتضى الحسيني الشيرازي، الناشر: مؤسسة التقى الثقافية، الطبعة الأولى: 1431.

ص: 121

ص: 122

الفهرس

كلمة مؤسسة التقى الثقافية 7

الكذب في الإصلاح 9

مقدمة 9

معقد المسألة 9

المسألة الأولى: هل الإصلاح واجب أو مستحب؟ 11

المسألة الثانية: هل الكذب في الإصلاح جائز؟ 12

المسألة الثالثة: هل يفرق في هذا الكذب بين كاذبٍ وآخر؟ 12

المسألة الرابعة: الإصلاح بين متباغضين أو مبغض ومحب 12

المسألة الخامسة: هل الكذب للتحبيب جائز او لا؟ 12

المسألة السادسة: هل الكذب لجلب النفع للإخوان جائز أو لا؟ 13

المسألة السابعة: إنّ ملاك الاستثناء (الإصلاح) أو (المصلحة)؟ 13

المسالة الأولى: الكذب في الإصلاح 15

الاستدلال على جواز الكذب في الإصلاح ب: 15

باب التزاحم ومناقشته 15

ردّ دعوى: تقدم بعض المستحبات على بعض الواجبات لأقوائية ملاكها 15

تأييدان لرد الدعوى 18

أولاً: لعل أكثرية الثواب في المستحب للتعويض عن ضعف الانبعاث لعدم الإلزامية فيه 18

ثانياً: إنّ الثواب على الواجب من باب التفضل 19

ص: 123

رد الدعوى: قد يكون المستحب اقوى ملاكاً من الواجب ولم يوجب لجهات ثلاث 19

الجهة الأولى: احتمال وجود جهة مزاحمة داخلية 20

الجهة الثانية: إنّه من باب التسهيل 20

الجهة الثالثة: إنّه لعدم قابلية المحل 21

ب.

الاستدلال باصالة البراءة بعد تعارض «أصْلِحُوا» مع أدلة حرمة الكذب وتساقطهما 22

إشكالات على استدلال السيد الخوئي(قدس سره) 23

الإشكال الأول: إنّ لازم كلامه باطل لا يمكن الالتزام به 23

الإشكال الثاني: إن كل دليل روائي عارض القرآن الكريم بنحو التباين فهو ساقط 24

ردّ الإشكال: ما يعارض الآية آية أخرى 25

الاشكال الثالث: إن أدلة الإصلاح ظاهرة في الإصلاح بطريق شرعي 26

الإشكال الرابع: الخلط بين التعارض والتزاحم 27

تحقيق في التعارض والتزاحم 28

تعريف التعارض والتزاحم والفرق بينهما 28

اللا اقتضائي (لا يزاحم) الاقتضائي وليس (لا يعارضه) 30

الإصلاح والكذب متزاحمان 31

طرق الكشف عن كون العنوان ذا ملاك 31

الكاشف الأول: الصفات 32

الكاشف الثاني: المتعلقات 33

الكاشف الثالث: الآثار 34

الفرق بين القول بوجوب الإصلاح أو استحبابه، على التزاحم 37

منشأ التزاحم أمران كلاهما متصوَّر في الكذب الإصلاحي 37

ص: 124

الأول: الاتحاد في الوجود مع الاختلاف في الماهية 38

الثاني: أن يكون أحدهما طريقاً ومقدمةً للآخر 38

ورود الإشكال على التزاحم وعلى التعارض 39

الإشكال الخامس: إنّ لسان (لا تكذبوا) آبٍ عن التخصيص فيقدم على (فأصلحوا) 40

دفع إشكال السيد القمي 42

الإشكال السادس: إنّ (المصلح ليس بكذاب) حاكم فلا تعارض 43

ج. الاستدلال بقوله تعالى: «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ» 44

تحديد المراد من (وأصلح) 44

الجواب عن إشكالان يوردان على الاستدلال بالآية 46

الإشكال الأول: القضية شخصية 46

جواب الإشكال بأحد وجهين 46

الإشكال الثاني: الحكم خاص بشريعة سابقة 46

جوابان للاشكال الثاني: 47

د. الاستدلال بقوله تعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ» 47

عموم الآية للصور الأربع 49

المحتملات في المراد من «أصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم» 50

التزاحم بناءً على إرشادية أمر (أصلحوا) واحتماله على مولويته 51

ه. الاستدلال بالروايات على جواز الكذب في الإصلاح 52

الصحيحة الأولى: رواية الصدوق في ثواب الأعمال 52

إشكال: الرواية في الإصلاح المستحب فلا تزاحم الكذب الحرام 54

مناقشة الإشكال كبروياً 55

ص: 125

مناقشة الإشكال صغروياً 55

الوجه الأول: الظاهر أن موضوع الرواية الطبيعيِّ بما هو لا بعض مراتبه 55

الوجه الثاني: القرائن المذكورة ليست تامة 56

الصحيحة الثانية: صحيحة الكليني(قدس سره) : (صلاح ذات البين...) 56

البحث الأول: تصوير معنى المصدر واسم المصدر في (الصلاح) 58

البحث الثاني: الفرق بين المصدر واسم المصدر 59

الفرق المعنوي بينهما: 60

الفرق اللفظي بينهما 60

طرق مبتكرة ثلاث للتمييز بين المصدر واسمه 61

الطريق الأول: الرجوع إلى المشابهات 61

الطريق الثاني: الرجوع إلى المضادات 62

الطريق الثالث: تحويل الكلمة إلى اسم فاعل أو جعلها متعلَّقة ل (ذو ذات ) 63

طريق آخر للتمييز بينهما: حركة عين الفعل في الماضي 64

البحث الثالث: مرجحات كون الصلاح اسم مصدر 65

الأول: مناسبات الحكم والموضوع 65

الثاني: الظاهر عرفاً من (صلاح) هو اسم المصدر 65

الثالث: إنّ جو الرواية يفيد بأن المراد منه هو اسم المصدر 66

البحث الرابع: المرجع عند الشك 67

هل الأصل الموضوعي تام في المقام؟ 68

الأصل الحكمي 69

البحث الخامس: الثمرة 69

ص: 126

هل إرادة الإصلاح مجوزة للكذب أو الإصلاح نفسه؟ 70

الاستدلال بطوائف من الروايات على جواز الكذب في الإصلاح المستحب 71

الطائفة الأولى: الروايات المنقحة للموضوع 72

الاحتمالات في قوله (علیه السلام): «المصلح ليس بكذاب» 73

الوجه الأول: هو نفي الحقيقة ادعاءً وتنزيلاً 73

الوجه الثاني: إنّ النفي هنا بلحاظ الحكم لا الموضوع 73

الوجه الثالث: إنّ الكذب الشرعي هو المنفي دون اللغوي 74

الوجه الرابع: إنّ عدم الكذب إنما هو على أحد مباني الصدق والكذب 74

الإشكال بأن (ليس بكذاب) يفيد نفي كثرة الكذب لا أصله 75

وجهان في جواب الإشكال 75

الأول: تتمة الرواية صريحة في نفي أصل الكذب عن الصلح 75

الثاني: المراد من صيغة المبالغة الأصل المجرد 76

أربعة وجوه للسر في قوله تعالى: «وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ» 76

الطائفة الثانية: ما تفيد بإطلاقها جواز الكذب في الإصلاح المستحب 79

الطائفة الثالثة: ما ظاهرها جواز الكذب في الإصلاح المستحب 80

المسالة الثانية: الكذب لأجل التحبيب 81

المسالة الثالثة: الكذب من أجل جلب المنفعة 82

عناوين الأدلة في مسألتي جلب المنفعة وإيجاد المحبة 84

الدليل الأول: دعوى شمول الإصلاح للتحبيب وإيصال النفع 86

البحث اللغوي العرفي في مادة كلمة الصلح 86

من موارد الاستعمال في الآيات والروايات 87

ص: 127

إشكالات على ما تفيده موارد الاستعمال 90

أجوبة عن الإشكالات 91

الجواب عن التبادر وصحة السلب بوجوه ثلاثة 91

الأول: إطلاق الصلح على الأعم لعله للنقل 92

الثاني: ولعله للحقيقة الادعائية 93

الثالث: أو لمناسبات الحكم والموضوع 93

النتيجة 94

موانع أمام دعوى عموم حكم جواز الكذب في الإصلاح للمسألتين 95

الأول: الانصراف 95

الثاني: إنّ أدلة الكذب تأبى عن التخصيص بالتحبيب والإفادة 96

الثالث: قرينة المقابلة بين الصلاح والفساد في بعض الروايات 96

المناقشات: 97

التفصيل بين نوعي التحبيب والفائدة 98

المرجع عند فقد الأدلة 99

أولاً: الأصل اللفظي والعلمي عند الشك 99

ثانياً: الأصل الحكمي والعملي 101

الدليل الثاني: البراءة بعد تعارض أدلة الكذب مع أدلة النفع والتحبيب وتساقطها 101

الرأي المنصور 102

التفريق بين الفائدة الشخصية والنوعية 103

الدليل الثالث: الروايات المنقحة للموضوع: الكذب في النفع صدق 104

إشكالات على الاستدلال بالرواية 105

ص: 128

أ. الخلل السندي 105

ب. إعراض الأصحاب والشهرة الفتوائية على غير ذلك 106

ج. الروايات الحاصرة مقدَّمة للحصر وقوته 106

وجوه الترجيح 107

الأول: قوة مفهوم الحصر 107

الثاني: كثرة الروايات وقوتها مضموناً 108

الثالث: موافقة روايات الحصر للكتاب 108

الجواب عن وجوه الترجيح 108

أولاً: إن الحصر الإضافي كثير في الروايات 108

ثانياً: إنّ رواية الصدوق (قدس سره) تفيد التنزيل فلها الحكومة 109

تحقيق النسبة بين الروايتين 109

أ. صورة بساطة موضوع الروايات المتعارضة 110

ب. صورة تركيب موضوع الروايات المتعارضة 110

الدليل الرابع: إطلاقات روايات إيصال النفع 113

فهرس المصادر 119

الفهرس 123

كتب أخرى للمؤلف 131

ص: 129

ص: 130

كتب أخرى للمؤلف

1. أضواء على حياة الإمام علي (علیه السلام)، مطبوع.

2. التصريح باسم الإمام علي (علیه السلام) في القرآن الكريم، مطبوع.

3. لماذا لم يصرح باسم الإمام علي (علیه السلام) في القرآن الكريم؟، مطبوع.

4. استراتيجيات إنتاج الثروة ومكافحة الفقر في منهج الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام)، مطبوع.

5. شعاع من نور فاطمة الزهراء (عليها السلام)، دراسة عن القيمة الذاتية لمحبة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، مطبوع.

6. تجليات النصرة الإلهية للزهراء المرضية عليها السلام، مطبوع.

7. لمحات من حياة الإمام الحسن (علیه السلام)، مطبوع.

8. شرعية وقدسية ومحورية النهضة الحسينية (علیه السلام)، مطبوع.

9. الإمام الحسين (علیه السلام) وفروع الدين، دراسة عن العلاقة الوثيقة بين سيد الشهداء(علیه السلام) وبين كل فرع فرع من فروع الدين، مطبوع.

10. المرابطة في زمن الغيبة الكبرى، مطبوع.

11. السيد نرجس (عليها السلام) مدرسة الأجيال، مطبوع.

12. بحوث في العقيدة والسلوك، مجموعة محاضرات على ضوء الآيات

ص: 131

القرآنية الكريمة، ألقيت في الحوزة الزينبية وفي النجف الأشرف، مطبوع.

13. إضاءات في التولي والتبري، مطبوع.

14. دروس في أصول الكافي - الجزء الأول كتاب العقل والجهل، مخطوط.

15. كونوا مع الصادقين، بحوث تفسيرية في الآية الشريفة «كونوا مع الصادقين»، مطبوع.

16. لمن الولاية العظمى؟ مطبوع.

17. توبوا إلى الله، مطبوع.

18. شرح دعاء الافتتاح، مخطوط.

19. بصائر الوحي في الإمامة، مطبوع.

20. سوء الظن في المجتمعات القرآنية، مطبوع.

21. مقتطفات قرآنية، مطبوع.

22. فقه التعاون على البر والتقوى، مطبوع.

23. شورى الفقهاء دراسة فقهية أصولية، مطبوع.

24. فقه الخمس، تقرير دروس الخارج في الحوزة العلمية الزينبية، مخطوط.

25. رسالة في قاعدة الإلزام، تقريرات دروس الخارج في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مخطوط.

26. فقه المكاسب المحرمة - حفظ كتب الضلال ومسببات الفساد، مطبوع.

27. فقه المكاسب المحرمة - مباحث الرشوة، مطبوع.

28. فقه المكاسب المحرمة - حرمة الكذب ومستثنياته، مطبوع.

29. فقه المكاسب المحرمة - رسالة في التورية موضوعاً وحكماً، مطبوع.

ص: 132

30. فقه المكاسب المحرمة - حرمة اللهو واللعب واللغو، قيد الطبع.

31. فقه المكاسب المحرمة - مباحث النميمة، مخطوط.

32. فقه المكاسب المحرمة - مبحث النجش، مخطوط.

33. فقه المكاسب المحرمة - مبحث التعامل بالدراهم المغشوشة والبضائع المقلدة، مخطوط.

34. رسالة في الحق والحكم، مخطوط.

35. الأصول مباحث القطع، مجلدان، مخطوط.

36. تقليد الأعلم وحجية فتوى المفضول، مطبوع.

37. فقه الاجتهاد والتقليد والاحتياط، تقريرات دروس الخارج في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مخطوط.

38. الاجتهاد في أصول الدين، مخطوط.

39. التبعيض في التقليد، مخطوط.

40. التقليد في مبادئ الاستنباط، مخطوط.

41. الأوامر المولوية والإرشادية، مطبوع.

42. الحجة معانيها ومصاديقها، مطبوع.

43. المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول، مطبوع.

44. رسالة في أجزاء العلوم ومكوناتها، مطبوع.

45. الضوابط الكلية لضمان الإصابة في الأحكام العقلية، مخطوط.

46. حجية مراسيل الثقات المعتمدة (الصدوق والطوسي قدس سرهما نموذجاً)، مطبوع.

47. رسالة في فقه مقاصد الشريعة، مخطوط.

ص: 133

48. فقه الرؤى، دراسة في عدم حجية الأحلام على ضوء الكتاب والسنة والعقل والعلم، مطبوع.

49. رسالة في الحكومة والورود، مخطوط.

50. نسبية النصوص والمعرفة... الممكن والممتنع، مطبوع.

51. نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة واللغة، مطبوع.

52. مدخل إلى علم العقائد، نقد النظرية الحسية، مطبوع.

53. رسالة في نقد الكشف والشهود، مخطوط.

54. ملامح العلاقة بين الدولة والشعب، مطبوع.

55. معالم المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي، مطبوع.

56. الخط الفاصل بين الأديان والحضارات، مطبوع.

57. الحوار الفكري، مطبوع.

ص: 134

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.