بطاقة تعريف: الحسيني الشيرازي، السيد محمد، 1307 - 1380.
عنوان واسم المؤلف: الإستفادة من عاشوراء/ السیدمحمد الحسيني الشيرازي؛ [برای] موسسةالشجرة الطيبة.
تفاصيل المنشور: قم : انتشارات دارالعلم، 1442 ق.= 1399.
مواصفات المظهر: [47] ص.؛ 5/14(عليه السلام)21 س م.
IBN : 978-964-204-605-8
حالة الاستماع: فاپا(الطبعة الثانية)
لسان : العربية.
ملحوظة : الطبعة الثانية.
ملحوظة : الطبعة السابقة: موسسه الوعی الاسلامی للتحقیق والترجمه والطباعه، 1415ق.= 1994م.= 1373.
مشكلة : عاشوراء -- التأثير
Tenth of Muharram -- Influence
المعرف المضاف:موسسةالشجرة الطيبة(قم)
ترتيب الكونجرس: BP41/76
تصنيف ديوي: 297/9534
رقم الببليوغرافيا الوطنية: 7536268
معلومات التسجيلة الببليوغرافية: فاپا
ص: 1
الشجرة الطيبة
الاستفادة من عاشوراء
--------------------------------
آية اللّه العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه اللّه)
الناشر:دارالعلم
المطبوع:10000
المطبعة: احسان
الطبعة الثانية 1442ه ق
إخراج: نهضة اللّه عظيمي
--------------------------------
شابك 978-964-204-605-8
--------------------------------
النجف الأشرف: مكتبة الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) للطلب 07826265250
كربلاء المقدسة: شارع الإمام علي(عليه السلام)، مكتبة الإمام الحسين(عليه السلام) التخصصية
مشهد المقدسة: مدرسة الإمام الرضا(عليه السلام)، جهارراه شهدا، شارع بهجت، فرع 5
طهران: شارع انقلاب، شارع 12 فروردين، مجتمع ناشران، الطابق الأرضي، الرقم 16 و 18، دار العلم
قم
المقدسة: شارع معلم، دوار روح اللّه، أول فرع 19، دار العلم
قم المقدسة: شارع معلم، مجتمع ناشران، الطابق الأرضي، الرقم 7، دار العلم
ص: 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين
ص: 3
ص: 4
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين.
عاشوراء موسمُ العطاء الرباني، موسم الفضيلة والتقوى والأخلاق، موسم العلم والمعرفة، ورمز لانتصار مبادئ الحق على جيوش الضلال، وإذا كان عطاؤه قد بلَغَ غاندي محرِّر الهند الذي تعلّم من الحسين(عليه السلام) كيف يكون مظلوماً لينتصر، فإنّ المسلمين عامة وشيعة الإمام(عليه السلام) خاصة أولى بهذا العطاء.
إنّ المطر الذي ينزل من السماء ليحيي اللّه به الأرضَ بعدَ موتها، إن استفيد منه على الوجه الأكمل، أعطى مختلف الثمار والأزهار، وملأ الأرض بالرياض، والقلوب بالبهجة، فإذا هبطت نسبة الاستفادة من المطر هبطت نسبة الأرباح التي يُتوقّع حصولها أيضاً.
فإن لم يستفد منه فإنّه يتسرّب إلى باطن الأرض، وبذلك يخسر الإنسان النعمة التي أسدها اللّه إليه.
وربّما اجتمع في المنخفضات ليتحوّل إلى ماء راكد وآسن يحمل الأوبئة والجراثيم التي تكون مصدراً لكثير من الأمراض، وكذلك كثير من نعم اللّه.
ص: 5
والعنب - مثلاً - قد يكون طعاماً وغذاءً، وقد يستفاد منه في علاج بعض الأمراض وتقوية الناقهين، وقد يهمل ليلقى في القمامة، وقد تصنع منه الخمرة الضارّة.فالأوّل: من مصاديق {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا}(1).
والثاني: {يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا}(2).
والثالث: إسراف وتبذيرٌ وقد نُهي عنه، قال تعالى: {وَلا تُسْرِفُوا}(3)، و: {إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}(4).
والرابع: تبديل نعمة اللّه كفراً، فيكون مصداقاً لقول اللّه سبحانه: {أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً}(5)، هذا في الجانب المادي.
والأمر في الجانب المعنوي أيضاً كذلك، كما قال سبحانه بالنسبة إلى القرآن الحكيم: {وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً}(6)، و: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى}(7).
وعشرة عاشوراء كالمطر، فقد يحوّل العصاة والطغاة هذه المناسبة
ص: 6
الدينية إلى نقيض أهدافها المثالية، وذلك حينما تُستغل لقتل الناس الأبرياء وحرق المساجد والحسينيات والمؤسسات والاعتداء على المواكب العزائية وتكريس الفرقة والاختلاف، كما تفعله بعض الجماعات في بعض الدول الإسلامية(1) تنفيذاً لمخطط الاستعمار (فرِّق تَسُد).
وقد يستغلّها بعض العصاة - والعياذ باللّه - لاقتراف بعض المحرّمات، والإسراف في المأكل والمشرب، وتضييع الأوقات في اللّهو واللعب.
وقد يُستفاد منها لإحياء ذكرى سيد الشهداء(عليه السلام) وما يحتفُ بها من المزايا المتعارفة، ولا شك أنّه من أفضل القربات الموجبة لخير الدنيا والآخرة(2).
لكن قول اللّه سبحانه: {يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا}(3) يقتضي الاستفادة من هذا الشهر الحرام أفضل استفادة وأكمل استثمار وفي شتّى الأبعاد.
ونظير هذا، قول اللّه سبحانه وتعالى في باب التمثيل: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ}(4)، فإنّ السقاية والعمارة من أفضل القربات عند اللّه
ص: 7
سبحانه، لكن تكريس الإيمان والجهاد في سبيله سبحانه والعمل وفق سننه، أفضل من السقاية والعمارة، بدرجات كبيرة.
وهذا الكرّاس يهدف إلى بيان الطريق الأمثل والأشمل للاستفادة من هذه المناسبة، ولاستثمارها على الوجه الأحسن، لخدمة الدين والإنسانية ولإنقاذ البشرية من التخلّف والضلالة.
(اقتلوا كربلاء) مقولة صرّح به لينين، الغاية منها القضاءعلى كربلاء المعنوية، بتأريخها الحافل بالبطولات، وبمقارعة الجبابرة والطغاة، وبمعنوياتها الأخلاقية والإنسانية.
فما دامت كربلاء حيّة في القلوب والضمائر، فستبقى مصدراً للإشعاع الديني، ومدرسة للعلماء والخطباء والكتّاب، ومركزاً للفضيلة والإيمان والأخلاق والتقوى و... كل ذلك مما يناقض أُسس الشيوعية(1).
لم يكن ذلك كلام لينين وحدهُ وإنّما صرّح بذلك قبله: يزيد والحجاج وهارون والمتوكل(2)،
ص: 8
ص: 9
والوهّابيون(1)،
ص: 11
وعشرات الطغاة الآخرين(1)، من أمثال البكر وصدام حيث هدما الحوزة العلمية في النجف وكربلاء، وقتل الثاني منهما في الانتفاضة أكثر من ثلاثمائة ألف إنسان، وهدّم المساجد والحسينيات والمدارس والمكتبات والمستوصفات ومقابر العلماء وألوف الدور والبساتين والأسواق والمراكز التجارية، وضرب بمدافعه قبّة الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس(عليهما السلام)(2).
وارتكب مجزرة بشعة في الحرمين المطهّرين يندى لها الجبين، فكانت الدماء تلطخُ كل مكان(3)، كما فعل جيش يزيد بالمدينة المنوّرة وحرم الرسول الأعظم(صلی اللّه عليه وآله وسلم)، وفعل الحجّاجبالمسجد الحرام بأمر الخليفة الأموي.
لكن سنّة اللّه في الحياة إعلاء راية الحق وإظهاره وإزهاق الباطل واندحاره، لذا ذهب الطغاة والجبابرة {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ}(4)، وبقيت كربلاء حيّة نقية، مصدراً للإشعاع الديني
ص: 12
والفكري، ومنبعاً للأخلاق والفضيلة والحركة.
وبقيت كربلاء نبراساً للمجاهدين والأحرار، وسراجاً للأمم والشعوب، ومدرسةً لتربية العلماء والمبلّغين وحملة الأقلام، منذ استشهاد الإمام(عليه السلام) وإلى يومنا هذا، وإلى يوم ظهور الإمام المهدي عجل اللّه تعالی فرجه الشريف.
وكما قالت عقيلة الهاشميين زينب(عليها السلام) للإمام زين العابدين(عليه السلام): «وينصبون - الناس - لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء(عليه السلام) لا يُدرس أثره، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيّام، وليجتهدنَّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلاّ علواً»(1).
وقالت(عليها السلام) ليزيد: «فَكِد كيدك، وَاسعَ سعيك، وناصب جهدك، فواللّه لا تمحو ذكرنا ولا تُميت وحينا»(2).
وسيذهب صدام قريباً بإذن اللّه، كما ذهب من قبله الطغاةوالجبابرة، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}(3).
إنّ الواجب علينا إن أردنا اللّه واليوم الآخر أن نصب اهتمامنا لإحياء
ص: 13
كربلاء وبقية العتبات المقدسة مادياً ومعنوياً، وأن نكثر الاستفادة من هذا السراج الوهاج، الذي ينير الدرب لكل من يطلب السعادة في الدنيا، والفوز بالجنّة في الآخرة، فالحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة(1).
وعاشوراء أهم موسم لتحقيق كل ذلك، واللّه المستعان.
محمد الشيرازي
ص: 14
يلزم الاستفادة من ذكرى عاشوراء لتركيز الإيمان والفضيلة والتقوى والمثل الأخلاقية الرفيعة في المسلمين، وتوسعة دائرتها.
إنّ تحلّي المسلمين بالصفات النفسية الرفيعة يمنحهم الحصانة من الأمراض النفسية التي انتشرت في العالم المادي، كما ويجب توسعة دائرة هذه المثل والقيم لاشتمالها على مراتب ودرجات.
ومن الضروري أن يجعل هذا الموسم منطلقاً للإرشاد والتبليغ ونشر أحكام اللّه وتعاليم الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم) الداعية إلى الحياة الطيبة، عبر تطبيق الشورى، وإطلاق الحريات الإسلامية، والأمة الواحدة، والأُخوة الإسلامية، والسلام، وعبر تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالرسول الأعظم(صلی اللّه عليه وآله وسلم) والإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن(عليهما السلام) جاهدا من أجل تطبيق هذه المفاهيم وتركيزها في المجتمع، وسار على خطاهم الإمام الحسين(عليه السلام) في ثورته المباركة.
فقال الإمام الحسين(عليه السلام): «إنّي لم أخرج أَشِراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدّي(صلی اللّه عليه وآله وسلم)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي(صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأبي علي بن
ص: 15
أبي طالب(عليه السلام)»(1).
وقال(عليه السلام): «نحن وبنو أميّة اختصمنا في اللّه عزّوجلّ، قلنا: صدق اللّه، وقالوا: كذب اللّه، فنحن وأياهم الخصمان يوم القيامة»(2).
وقال(عليه السلام) أيضاً: «اللّهم إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنرى المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويُعمل بفرائضك وسننك وأحكامك...»(3).
فمثلاً إذا فرضنا أن مليون مجلس حسيني - على الأقل - يُعقد في شهر محرّم وصفر في كل البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، وتكفّلت الهيئة الإدارية لكل مجلس بطبع كتاب تثقيفي أخلاقي أو عقائدي أو ما أشبه، وتوزيعه مجاناً.
وإذا فرضنا أن كل مؤسّسة اهتمّت بأن تجعل لها امتداداً في المناطق الأخرى، بأن تؤسّس حسينية أو مسجداً أو تعقد مجلساً حسينياً أو تقوم بإنشاء مركز في المناطق الأخرى قريبة كانت أم بعيدة.
فمعنى ذلك إسهام الهيئة الإدارية في توعية الناس وإرشادهم وهدايتهم، وتخفيف آلامهم ومعاناتهم من المشاكل العالقة بهم.
قال الإمام علي(عليه السلام): «الناس صنفان: إمّا أخ لك في الدين أو نظير
ص: 16
لك في الخلق»(1).
إنّ الشهرين العظيمين محرّم وصفر، من أفضل الأوقات للدعوة للإسلام ومذهب التشيّع ونشر مبادئ الحق وقيمه، وتوسيع دائرتهما، إذا كان للمسلمين القائمين بالعزاء هذا الهدف.
ففي الحديث الشريف: «ما أخذ اللّه على الجهّال أن يتعلّموا إلاّ وقد أخذ على العلماء أن يعلّموا»(2).
وقال الرسول الأكرم(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «إذا ظهرت البدع في أمّتي فليظهر العالم علمه وإلاّ فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين»(3).
وقال الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): «وما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم وسغب مظلوم»(4).
ص: 17
إنّ الأهواء النفسانية من جهة، والسياسة الاستعمارية غربيةً وشرقيةً من جهة أخرى، جعلت كثيراً من المسلمين يعرضون عن قوانين اللّه، ويتكالبون على الدنيا وملذّاتها، لذلك بقيت الملايين من الحاجات معطّلة، فقلّت نسبة الزواج، وتفشّت العزوبة بما تحمله من سلبيات، وأصبح كثير من الناس دون مسكن ومأوى، وفُقد الدواء أو قلّ، أو ارتفعت قيمته، ولم يتوفر العدد الكافي من المدارس والمعاهد العلمية، وتقلّصت موارد الاكتساب وتعقّدت شرائطه وكثرت قيوده، ممّا زاد في نسبة العاطلين عن العمل.
وبقيت كثير من الخدمات العامة متوقفة، أمثال: تعبيد الطرق، وتوفير شبكات الري والكهرباء والماء، وكذلك مخازن المياه على الخصوص في القرى والأرياف، وتشجير البلاد، وغير ذلك كالمعامل والمصانع وشبهها.
فإذا استثمرت المجالس الحسينية - باعتبارها تثير الكوامن العاطفية في النفس، وبما تحمل من التوجيه العقلي المؤثر في تغيير السلوك الإنساني - في قضاء حوائج الناس، وفي التراحم والتوادد، وإنجاز الخدمات الفردية والعامة، لقضيت ملايين الحاجات كل عام، وهذا يتوقف على مشاركة
ص: 18
ثلاث جهات:
1- الخطيب: بتوجيه الناس وإرشادهم إلى أهمية التكافل الاجتماعي، وإلى أعمال الخير، وذكر القصص المشوّقة، وسرد الآيات والروايات التي تحث على ذلك.
فقد ورد: «من قضى لأخيه المؤمن حاجةً، قضى له يومالقيامة سبعين حاجة، أيسرها دخول الجنّة»(1)، وقال الإمام الحسين(عليه السلام): «واعلموا أنّ حوائج الناس إليكم من نعم اللّه عليكم، فلا تملّوا النعم فتحور نقماً»(2).
2- هيئة أمينة ومخلصة تتشكّل في كل مسجد وحسينية ومدرسة و... وتنبثق من كل مجلس حسيني، لجمع التبرعات وقضاء حوائج الناس وفق سُلّم الأولويات.
3- مساهمة الناس الخيريين والتجّار الأثرياء في التبرع والتمويل، فقد قال الإمام الحسين(عليه السلام) في الحث على التبرع والإنفاق في سبيل اللّه: «مالك إن لم يكن لك كنت له منفقاً فلا تبقه بعدك فيكون ذخيرة لغيرك، وتكون أنت المطالب به المأخوذ بحسابه، واعلم أنك لا تبقى له ولا يبقى عليك، فكله قبل أن يأكلك»(3).
ص: 19
وإني قد شاهدتُ أحد العلماء وقد تمكّن من بناء أكثر من ثلاثمائة وخمسين مؤسسة في مدة نصف قرن، باستثمار مجالس الإمام الحسين(عليه السلام) وتحريض الناس على ذلك.
ورأيتُ عالماً آخراً تمكن من بناء أربعين مؤسّسة في مدّة عشرة أعوام.
ص: 20
فإذا أمكن عبر المجالس المنتشرة في شتى بقاع الأرض تأسيس مائة ألف مؤسسة خلال كل عام من: مدرسة، ومسجد، وحسينية، ومكتبة، ومستشفى، ومستوصف، ودور الأيتام، وإذاعات، وتلفزيونات، ومراكز للدراسات، وإصدار المجلات والجرائد(1)، كان الأمر بعد خمس عشرة سنة يعادل ما للمسيحية في أفريقيا وحدها من المؤسسات حيث أنهم أسَّسوا - كما في بعض التقارير - مليوناً ونصف مليون مؤسسة(2).
ص: 21
وليس ذلك بالأمر المتعسّر، إذا امتلك الإنسان إرادة قوية وعزماً راسخاً وهمةً عالية، ولربّما كان بمقدور الفرد الواحد أن يصنع الكثير، ف{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}(1)، و«المؤمن وحده جماعة»(2).
وقد ورد في الشعر المنسوب للإمام أمير المؤمنين(عليه السلام):
أتزعم أنّك جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر(3)
والتاريخ يشهد بأن أفراداً قلائل استطاعوا أن يغيّروا مسار الأمم
ص: 22
وحياة الشعوب.
وأما في الجانب الكيفي:
فكثيراً ما تبنى مؤسّسة خيرية - سواء كانت مدرسةً أو مسجداً أو حسينيةً أو مكتبةً أو دارَ نشر - وتبقى ناقصة منحيث الأفراد الأكفاء والمدراء(1)، والاستشارة في الأمور الإدارية(2)، أو العمل، أو لا يفي مال أهل الخير والمتبرّعين لإتمام البناء أو ترميم القديم المشرف على الخراب.
وتكميل النواقص يتم عبر الاستفادة من الاندفاع العقلائي أو العاطفي إلى حب الخير، فمن جاشت عواطفه يكون قلبه مبعث الخيرات.
وهكذا الأمر بالنسبة للمؤسسات الانتفاعية والتجارية وما أشبه، مما يخدم الإنسان والإسلام.
ولعله إذا توجّه المجتمع إلى هذا الجانب في هذا الموسم، فإنه سيأتي بثمار جمّة كماً وكيفاً، إن شاء اللّه تعالى.
ص: 23
يمكن أن يستفاد من واقعة الطف في حل المشاكل السياسية التي تعاني منها الأمة، والتي منها:
أوّلاً: مشكلة الاستبداد والدكتاتورية السائدة في العالم الثالث، وفضح الطواغيت التي اتَّخذوا عباد اللّه خولاً، وماله دولاً، ودينه دغلاً.
فإنّ المصالح الشخصية لجملة من الحكّام وبعض الأثرياء المترفين وعلماء السوء تقتضي وجود التمييز والفرقة والعبودية بين الناس؛ فإنّ الإمام الحسين(عليه السلام) جاهد للقضاء على هذه الأمور، أليس هو القائل:
«إنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدّي(صلی اللّه عليه وآله وسلم) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر...»(1)، و«على الإسلام السلام إذ قد بُليت الأمة براع مثل يزيد، ولقد سمعتُ جدّي رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان»(2).
وقال(عليه السلام) أيضاً: «إنّا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة... ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا
ص: 24
يبايع مثله»(1).
وقال(عليه السلام): «ألا وإنّ الدّعي ابن الدّعي قد ركّز بين اثنتين،بين السلّة والذّلة، وهيهات منّا الذّلة، يأبى اللّه لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة ونفوس أبيّة من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام»(2).
وفي هذا يكمن سرّ محاربة الطغاة للإمام الحسين(عليه السلام) فكراً ونهجاً وبلداً وحرماً وزيارةً وشعائر ومصاباً وبكاءً وذكراً.
ثانياً: العنصرية التي تعاني منها أغلب بلاد العالم - حتى التي تطلق على نفسها المتحضّرة - فالتمييز العنصري والفروق اللغوية والجغرافية والقومية والعرقية هي الحاكمة في عالم اليوم(3).
ثالثاً: إخماد نار الحروب في البلاد الإسلامية التي أضرمتها الدوائر الاستعمارية في بلادنا ومنذ خمسين عاماً، فإنّ 80% من صراعات العالم مسرحها الدول الإسلامية.
رابعاً: إيجاد المؤسسات الإنسانية لإنقاذ بني الإنسان من الجوع والفقر والمرض وأمثال ذلك.
ويتم حل المشاكل - إلى حدّ ما - عبر قيام الخطباء بأداء دورهم الديني، وقيام الهيئات الإدارية للمساجد والحسينيات بتوزيع الكتب
ص: 25
التثقيفية والتوعوية، وقيام وسائل الإعلام بأدوارها الحقيقية، تطبيقاً لقول اللّه سبحانه: {يَرْفَعْ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}(1).
وتطبيقاً للآية المباركة: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ...}(2).
ومن الضروري توسيع دائرة الاستفادة من محرّم ومعنوياته الهائلة لخدمة الإنسانية ولتحقيق السلام في العالم.
ومن الضروري أيضاً أن لا نترك هذه المناسبة تسير سيراً بطيئاً وبدون استفادة كاملة، كما هو المعتاد عند بعض المتصدين للمجالس خطيباً كان أو هيئة إدارية.
ص: 26
يمكن أن يستفاد من عاشوراء في التأكيد على ضرورة العودة إلى الإسلام وإلى أحكامه وشعائره.
لقد قال لينين: «اقتلوا كربلاء» كما سبق، وقال غلادستون الرئيس البريطاني قبل قرن: «إن أردتم ترسيخ أقدامكم في بلاد الإسلام فعليكم برفع القرآن من بين المسلمين ومنع الحج عنهم»، وقد فعل الغربيون كلا الأمرين.
فالحج تحول إلى حملات محدودة بحدود عديدة، ومضيقّة بأيام معدودة، ومراقبة من قبل الجواسيس، فلا تعارف ولا تبادل هموم ولا مؤتمرات ولا حل لمشاكل المسلمين و... .
فأضحى الحج خاوياً - إلى درجة كبيرة - عن كونه {قِيَاماً لِلنَّاسِ...}(1)، و{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}(2).
بالإضافة إلى هدم القباب المطهّرة لآل الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأصحابه، كما جُعِل الحج مركزاً للتنازع والتخاصم والتشاجر بين المسلمين وفي كل
ص: 27
موسم(1)، وأبعدوا المسلمين عن أحكام القرآن الداعية إلى الحياة السعيدة.
فقضوا على الأخوة الإسلامية، فصار أهل كل قطر فيالقطر الآخر أجنبياً.
وفرّقوا الأمة الإسلامية الواحدة، فأصبح المسلمون أمماً عدة، محددين بحدود جغرافية ما أنزل اللّه بها من سلطان.
وخنقوا الحريات الإسلامية، فلا حرية لإبداء الرأي، ولا حرية للكلمة، ولا حرية للفكر.
ووضعوا القوانين الجائرة، لتكون قيوداً لتكبيل الناس وتحديد حركتهم في الإعمار والتجارة والزراعة والصناعة والسفر والإقامة وسائر شؤون الحياة ولوازمها.
وألغوا الاستشارة في الحكم، فصار الحكّام يستبدون، فلا انتخابات حرّة، ولا مؤسسات دستورية.
ومنعوا التنظيم، فأصبح محظوراً في بلاد الإسلام، فلا تعددية حزبية، وإنّما الحق للحزب الواحد والحاكم الواحد(2).
ص: 28
وحللوا حرام اللّه كالخمر والخنزير والبغاء والغناء والربا وسائر المحرمات الأخرى.
ونسوا قول اللّه تعالى في محكم كتابه: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(1)، و{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}(2)، و{وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}(3)، و{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}(4)، و{مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ}(5)، وفي الحديث: «نظمأمركم»(6)، وفي الآية المباركة: {إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}(7)، و: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}(8)، و: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}(9).
فاللازم أن نتّخذ من عاشوراء سبيلاً للتركيز على إعادة أحكام الإسلام وآيات القرآن وتوجيهات العترة المطهّرة(عليهم السلام).
ص: 29
يمكن الاستفادة من ذكرى كربلاء في تحسين الشؤون الاقتصادية للمسلمين، فإنّ: «من لا معاش له لا معاد له».
والاقتصاد الناجح إنما يكون بالاكتساب والاستثمار والزراعة والتجارة والصناعة وحيازة المباحات.
فمن الضروري أن يحرَّض الناسُ على الاكتساب(1)، ويشجعوا على النشاط والهمّة والتوسيع في الأعمال، وهذا ممّا يوجب تقليل نسبة البطالة بين صفوف المسلمين وغيرهم.
إنّ عدم القيام بالخطوات السابقة يزيد في البطالة والفقر، وهما مبعث كل شرّ وانحراف، «كاد الفقر أن يكون كفراً»(2).
وكان الرسول الأعظم(صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا علم أنّ إنساناً لا يعمل يقول: «سقط من عيني»(3).
أما التمسك بالثقافة الاقتصادية الغربية من جعل الأموال في البنوك والعيش على فوائدها الربوية - كما يصنعه البعض في بلاد الإسلام -
ص: 30
فذلك ممّا يزيد في البطالة، ويسبّب نقل الناس من قطاع الإنتاج إلى قطاع الاستهلاك، فيلقى بكلّ هؤلاء على العاملين، في حين أنّهم يعيشون على البطالة والترهّل، ويكدح آخرون في سبيل تحصيل لقمة العيش لأنفسهم وللعاطلين.
والربا دائماً شرارة الحروب، كما يقول الاقتصاديون(1).
وللمجالس الحسينية مهام عديدة فهي تقوم:
أولاً: بتقويم الانحراف وهداية الناس إلى الحياة السليمة.
ثانياً: إرجاع قاعدة السبق والحيازة إلى التنفيذ، فقد ورد: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له»(2).
وقد قال رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «عادي الأرض لله ولرسوله، ثم إنّها لكم مني أيها المسلمون»(3).
و«من حاز ملك».
و«من أحيا أرضاً مواتاً فهي له»(4).
ص: 31
ثالثاً: إرجاع قاعدة السلطنة على النفس والمال إلى حيز التطبيق؛ فإن الناس مسلّطون على أموالهم وأنفسهم(1) إلى غير ذلك من النصوص والقواعد(2)، التي كانت دارجة في بلاد الإسلام إلى قبل نصف قرن تقريباً، ثم جاء الحكّام المستبدّون وبإيعاز من أسيادهم، بقوانين وضعية، كابحة للطاقات، وكابتة للحريات، ومصادة للفطرة، ومخالفةللشريعة، فأوقعوا المسلمين في أزمة لم يسبق لها مثيل في التأريخ الإسلامي.
فلنجعل من محرّم مناسبة لإرجاع المسلمين إلى حالتهم الإسلامية السابقة وإلى عزّهم وسيادتهم.
ص: 32
من مجالات الاستفادة في موسم عاشوراء توسيع دائرة التبليغ لتشمل غير المسلمين.
فالإسلام بمعناه القرآني الذي طبقه الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسار على نهجه الإمام علي(عليه السلام) يهدف لإنقاذ الإنسان من براثن العبودية والظلم والجهل والاستغلال والفقر والمرض والجشع والفوضى: {إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}(1)، وأكثر البشرية وبسبب ابتعادهم عن أحكام السماء وتعاليم الأنبياء(عليهم السلام) ابتلوا بهذه المشاكل(2).
و{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً...}(3).
فإنّه وبعد قرابة خمسة عشر قرناً من بعثة الرسول الأكرم(صلی اللّه عليه وآله وسلم) لا
ص: 33
زالت الوثنية منتشرة في الكرة الأرضية، كما في الهند والصين واليابان وكوريا بقسميها وبعض بلاد أفريقيا.
ولا زالت الوثنية المغلّفة تسود في أرض اللّه، كالذين يقولون إن المسيح ابن اللّه، أو عزير ابن اللّه، أو الذين يعتقدون بإلهين اثنين. مع أن المنطق العقلائي مع وحدة الإله وصفاته الثبوتية والسلبية المعروفة في علم الكلام(1).
إن الطبيعة البشرية والفطرة السليمة مجبولتان على قبول الحق وإتباع مناهجه، {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}(2)، والمعاند قليل وشاذ عادةً، لذا فالواجب علينا أن ننشر القيم السماوية بسبب المجالس الحسينية بكل ما نملك من وسائل وطرق.
والتاريخ يحدثنا أنه بسبب التبليغ والإرشاد ساد الإسلام في الهند قرابة ألف عام، ولكن نتيجة لجهل الحكام وكبار القوم وانشغالهم بالمنازعات الداخلية والحروب الأهلية والأمور الشخصية، ونتيجة
ص: 34
لتكاسل أو جهل من كانت تقع عليهم مهمّة التبليغ ضعف انتشار الدين الإسلامي في الهند، فلم تتعد نسبة المسلمين فيها في الوقت الحاضر باستثناء الباكستان (20%) من الشعب.
وبسبب التبليغ انتشر الإسلام في الجملة في أوروباوأمريكا وأستراليا وبقية دول العالم، والتاريخ الإسلامي حافل بالقصص والشواهد التي تبيّن دور التجّار والعلماء في نشر الإسلام وهداية البشر.
ومن الممكن أن يتكرّر ذلك الدور في موسم عاشوراء - مؤقتاً أو بشكل مستمر - فإذا ساهم التجّار والأثرياء بنشر تعاليم الإسلام بأنفسهم أو بإرسال المبلّغين أو بطبع الكتب الإسلامية الحيوية وتوزيعها أو بتأسيس إذاعات وتلفزيونات أو بإصدار الصحف والمجلات وتكثير الأشرطة التسجيلية إلى غير ذلك كان له أكبر الأثر.
وبذلك نكون قد أسهمنا في إبلاغ رسالة الإمام الحسين(عليه السلام) الداعية إلى إحياء معالم الحق وطلب الإصلاح ممّا يسبب إنقاذ البشرية من الظلمات والمتاهات الفكرية والعملية.
ص: 35
من المناسبات المهمّة التي يتوجّه فيها الناس إلى اللّه ولنجاة عباد اللّه الفقراء والمساكين شهر محرّم وصفر.
فاللازم استثمار هذا الموسم لجمع التبرّعات للمنكوبين والفقراء والمعوزين من المسلمين وغير المسلمين، فإن: «لكلّ كبد حرى أجر»(1)، و«ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»(2).
كما وأعطى الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم) الماء لكفّار بدر، وأعطى الإمام علي(عليه السلام) الماء لأصحاب معاوية في صفين، وأعطى الإمام الحسين(عليه السلام) الماء للّذين جاءوا لقتاله في كربلاء، قال سبحانه: {لا يَنْهَاكُمْ اللّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ}(3).
واللازم استثمار هذا الموسم لجمع الحقوق الشرعية من أخماس وزكوات لصرفها في مواردها من تقوية الحوزات العلمية والمؤسسات الإسلامية، والفقراء وما أشبه.
ص: 36
ومن الضروري على الخطباء والمبلّغين تحريض الناس بالوصيّة بالثُلث للأمور الخيرية والمؤسسات الإسلامية، ثقافيةً كانت أو صحيةً أو مهنيةً أو غيرها.
ومن الأمور المهمة التي يجب ملاحظتها في صرف التبرّعات قانون: الأهمّ والمهمّ والحسن والأحسن، فمثلاً جمع التبرّعات للفقراء والمحتاجين، قد يعطى بصورة نقدية آنيّة، وقد يعطى نماؤه بعد أن يوضع رأس المال في المضاربة أو يشترى برأس المال الأملاك للانتفاع من إيجارها أو يستأجر للفقراء منازل ليسكنوا فيها أو يشترى لهم دور توقف لسكناهم ما داموا فقراء.
ولا شك أن الثاني بأقسامه - إن أمكن مع رعاية الشروط الشرعية ومنها إذن المتبرع - أفضل من الأول، وفي المثل: (أعط لإنسان ثمن سمكة تشبعه يوماً، وأعطه شبكة صيد تشبعه عمراً).
ص: 37
يمكن الاستفادة من موسم عاشوراء في إزالة المنكرات أو التقليل - على الأقل - من شيوعها وانتشارها، حسب المقدور.
ويتم ذلك بطريقين:
الأول: الطلب من الحكومات، بل والضغط عليها(1) لإلغاء القوانين المنكرة المبيحة للمحرّمات(2)، فإن ذلك شايع في بلاد الإسلام.
الثاني: الاهتمام الجماعي أو الفردي لإزالة المنكرات بقدر المستطاع.
فمثلاً: تجمع الأموال لتزويج اللاتي اضطررن للبغاء من الفقر أو الحاجة، وشبه ذلك(3).
وقد ورد أن علياً(عليه السلام) زوّج مومسة.
ومثلاً: تجمع الأموال لتبديل حانات الخمور إلى محلات لبيع البضائع المحللة، ولو بدفعها لأصحابها تشويقاً لهم على تغيير المهنة.
وربما يتوهّم البعض أن الأعمال الجزئية لا تعطي النتائج المطلوبة.
ص: 38
ولرفع هذا التوهّم نقول:أولاً: (ما لا يدرك كله لا يترك كلّه)، وهذه قاعدة عقلية قبل أن تكون شرعية، وكذلك (الميسور لا يسقط بالمعسور)(1).
ثانياً: قال رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «لئن يهدي اللّه بكَ رجلاً واحداً خيرٌ لك ممّا طلعتْ عليه الشمس»(2)، وهذا الحديث الشريف يشير إلى عظم الفائدة وقيمة العمل الإرشادي وقداسته.
ثالثاً: إن هذه الجزئيات لها امتدادات، وإلغاؤها إلغاء لامتداداتها أيضاً، وهو امتداد هام للمعروف وهو واجب.
فمثلاً: غلق حانة الخمر ومنع المرأة الباغية عن البغاء له امتدادات في الأسرة وفي المجتمع أفقياً وعمودياً في عمق الزمن.
رابعاً: بملاحظة كثرة الجزئيات المنحرفة وتحطيمها - كمجموع - للمجتمع نكتشف أن استثمار الموسم للحيلولة دونها شيء عظيم وذو فائدة كبيرة مرجوّة، فإن إلغاء ألوف المقامر والمخامر والمباغي والحانات والملاهي والمراقص ومراكز الاختلاط وأندية الشذوذ الجنسي و... عمل يؤدي إلى طهارة المجتمع وسلامته إلى درجة كبيرة، ثم إنه عمل يحبه اللّه
ص: 39
ورسولُه وصالح المؤمنين فضلاً عن أنه عمل بالوظيفة الشرعية في النهي عن المنكر.
ومن الضروري أن تتظافر الجهود لإعادة الشباب إلىأحضان الفضيلة والتقوى، وردعهم عن المخدرات، بل وحتى عن التدخين(1) ونحوهما من العادات الضارة صحياً، والموجبة لتلف المال والعمر، أو الداخلة في عنوان اللعب واللّهو واللّغو، سواء بدرجة الحرمة أم الكراهة.
ص: 40
على المؤسسات الدينية والمجالس الحسينية والمواكب العزائية الاهتمام بالشباب والنساء والعجزة والأطفال.
أما الشباب فهم عماد المستقبل، والغفلة عنهم توجب انحرافهم عن المنهج السليم والأفكار الصحيحة، وانحرافهم مع التيارات السقيمة، ووقوعهم في شبكات الإلحاد والفساد والإفساد، فتتحول الطاقات الشبابية الخيرة إلى معاول للهدم.
والاهتمام بالشباب معناه الاهتمام بتربيتهم وتعليمهم وتوفير العمل الشريف لهم وتزويج عزابهم و... .
أما النساء فلكونهنّ عاطفيات، فإنهنّ معرّضات للاستغلال من قبل المفسدين في الأمور المحرّمة والمنافية للعفّة الاجتماعية(1)، فتكون أنوثتهنّ سلعة لاستدرار المال للمنحرفين.
ومن الضروري تزويج النساء لئلّا يتركن عوانس، فإن العنوسة توجب الأمراض النفسية والجسدية فضلاً عن الاجتماعية.
ومن الضروري توجيههنّ - وتوجيه آبائهنّ وأزواجهنّ أيضاً - لكي يكون التعامل بين الزوجين إنسانياً وفقاً للضوابط الإسلامية التي تكفل
ص: 41
حقوقهنّ المشروعة وتوفّر للطرفين الحياة السعيدة(1)، وفي الحديث: «عَلِمَ اللّه ضعفهنّفرحمهنّ»(2).
أمّا العجزة فإنهم أولى بالرحم، قال الإمام علي(عليه السلام) في نصراني يتكفّف: «استعملتموه حتّى إذا كبر وعجز تركتموه»(3)، وترك العجزة وشأنهم سِمَةُ المجتمع المتخلّف.
ثم أليس الشاب مرشحاً لأن يكون من العجزة في المستقبل، فإذا لم يحترم العجزة، فمعناه: إنه لم يحترم نفسه.
قال سبحانه: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}(4).
أمّا الأطفال فإن الشعوب التي تبحث عن سعادتها، لا بدّ لها أن تهتمّ بجيلها المستقبلي بأن يكون صحيح الجسم، خالياً من العقد النفسية.
فالأطفال عون للآباء والأمّهات، فما يأخذونه من قبل آبائهم ومجتمعهم يُسترجع عبرهم بعد سنوات، و(من لا يحسن لا يحسن إليه)(5)، و(ما أعطيته بيدك اليُمنى تأخذه بيدك اليُسرى).
ص: 42
من الضروري على الخطباء والهيئات الإدارية وأصحاب المجالس أن يهتموا بشأن مجالسهم، حتى تكون مجالس الإمام الحسين(عليه السلام) منبعاً للفكر والوعي، ولا بد أن تتضمن تحليلاً علمياً سليماً للأحداث والوقائع، وربط الماضي بالحاضر والمستقبل؛ إذ بدون ذلك لا يمكن للمجتمع أن يقاوم الأخطار المحدقة به ولا الأعمال المشينة التي تعرض عليه.
ويلزم أن يكون المستوى الفكري للمنابر عميقاً ليتحصّن الشباب من الانحراف عند هبوب رياح الانحراف؛ فإن المستوى السطحي كثيراً ما يكون سبباً لانحراف الشباب ولإدخالهم السجون والمعتقلات أو القبور أو التشريد عن أوطانهم، فيكون حالهم كما يقول الشاعر:
كريشةٍ في مَهبِ الريح طائشةً *** لا تستقرّ على حال من القَلَق
فعلى أصحاب المجالس والهيئات الإدارية التوجّه للنقاط التالية:
أولاً: تحريض الخطباء على إلقاء أفضل التحليلات النفسية والاجتماعية والتاريخية والعقدية و... وهذا من أفضل الطرق لشدّ الناس إلى الإيمان، ولغرس معالم الدين والفضيلة في حياتهم.
ص: 43
ثانياً: دعوة أفضل الخطباء القادرين على أداء هذه المهمّة، فإنّ تقويم وإصلاح المجتمع أو الفرد الواحد لا يثمن بشيء،وقد قال الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «لئن يهدي اللّه بك رجلاً واحداً خيرٌ لك ممّا طلعتْ عليه الشمس»(1).
ثالثاً: المساهمة في تدوين ونشر المحاضرات التي تلقى في مراكزهم وتوزيعها بين الناس.
ثم إن المنبر الناجح هو الذي يتوفر فيه الأمور التالية:
أولاً: تحريك وتهييج الأحاسيس العاطفية وتفجيرها وتوجيهها نحو الخير والصلاح والإصلاح، حتى تكون واعيةً وموجهةً، لا أن يمر المنبر عليها بدون إعطاءها حقّها من التوجيه الرباني والاندفاع الواعي.
ثانياً: تكثير رصيد المعلومات في مختلف الأبعاد والحقول، فإنّ الإنسان كلّما ازداد علماً ازداد قدرةً على توجيه الناس وهدايتهم كما يزداد قرباً إلى الواقع، وبذلك يكون أقرب إلى الاستقامة وأبعد من الانزلاق والتفريط والإفراط، ولذلك كانت الدعوة في الآيات والروايات إلى التفكّر والتدّبر والسير في الأرض والاعتبار بقصص الماضين وشبه ذلك.
ص: 44
ثالثاً: تقوية ملكة المستمع في ربط الأحداث، وفهم الروايات والآيات، واستنباط الصغريات من الكبريات، وردّ الفروع إلى الأصول، بحيث تتوفر للمستمعين حصانة في مقابل الشبهات الفكرية والعقائدية والتاريخية التي يثيرها المنحرفون، وبحيث يكونون قادرين على توجيه الآخرين وهداية الضالين أيضاً.
رابعاً: أن يفهم الملاكات الموجبة للتعدي من مصداق إلىمصداق، وأن يعرف الميزان في كل مورد بحيث لا يتعدى في غير مورد التعدي ولا يقف جامداً في مورد التعدّي.
ثم من الجدير أن تشكل - ولو في كل قطر - مؤسسة تقوم بمتابعة كل النقاط التي ذكرناها في هذا الكراس، واللّه المسؤول أن يتفضّل على الجميع باتباع مراضيه، وهو الموفّق المستعان.
سُبحانَ ربِّكَ رَبِّ العِزَّة عَمّا يَصِفونَ، وسَلامٌ على المُرسَلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وَالصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
قم المقدسة
6/ شوال/1414ه ق
محمّد الشيرازي
ص: 45
ص: 46
مقدمة المؤلف... 5
الفصل الأوّل: تكريس المثُل والقِيَم... 15
الفصل الثاني: التكافل الاجتماعي... 18
الفصل الثالث: الاهتمام بالمؤسسات وترميمها... 21
الفصل الرابع: إرجاع الحقوق الإنسانية... 24
الفصل الخامس: العودة إلى الإسلام... 27
الفصل السادس: الحث على الكسب والاكتساب... 30
الفصل السابع: هداية غير المسلمين... 33
الفصل الثامن: جمع التبرعات... 36
الفصل التاسع: إزالة المنكرات... 38
الفصل العاشر: الاهتمام بالإنسان... 41
الخاتمة... 43
فهرس المحتويات... 47
ص: 47