الأزمات و حلولها

هوية الكتاب

بطاقة تعريف: الحسيني الشيرازي، السيد محمد، 1307 - 1380.

عنوان واسم المؤلف: الأزمات و حلولها/ السيد محمد الحسيني الشيرازي.

تفاصيل المنشور: قم : انتشارات دارالعلم، 1442 ق.= 1400.

مواصفات المظهر: 64 ص.؛ 14/5(عليه السلام)21/5 س م.

ISBN : 978-964-204-594-5

حالة الاستماع : فاپا(الطبعة الثانية)

لسان : العربية.

ملحوظة : الطبعة السابقة: لاله كویر، 1382.

ملحوظة : الطبعة الثانية.

ملحوظة : ببليوغرافيا مع ترجمة.

مشكلة : اسلام -- الجوانب الاجتماعية

Islam -- Social aspects

القضايا الاجتماعية

Social problems

الانحراف الاجتماعي

Deviant behavior

ترتيب الكونجرس: BP230

تصنيف ديوي: 297/483

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 7521739

معلومات التسجيلة الببليوغرافية: فاپا

ص: 1

اشارة

الشجرة الطيبة

الأزمات وحلولها

----------------------

آية اللّه العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه اللّه)

الناشر: دارالعلم

المطبوع: 15000

المطبعة: احسان

الطبعة الثانية 1442ه ق

إخراج: نهضة اللّه عظيمي

---------------------------------

شابك 978-964-204-594-5

---------------------------------

النجف

الأشرف: مكتبة الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) للطلب 07826265250

كربلاء المقدسة: شارع الإمام علي(عليه السلام)، مكتبة الإمام الحسين(عليه السلام) التخصصية

مشهد المقدسة: مدرسة الإمام الرضا(عليه السلام)، جهارراه شهدا، شارع بهجت، فرع 5

طهران: شارع انقلاب، شارع 12 فروردين، مجتمع ناشران، الطابق الأرضي، الرقم 16 و 18، دار العلم

قم المقدسة: شارع معلم، دوار روح اللّه، أول فرع 19، دار العلم

قم المقدسة: شارع معلم، مجتمع ناشران، الطابق الأرضي، الرقم 7، دار العلم

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}

سورة الأعراف، الآية: 96

ص: 3

ص: 4

مقدّمة المؤلّف

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين.

هذا كرّاس في (الأزمات وحلولها)...

فإنّه لم يكن عندنا في العراق قبل الحرب العالمية الثانية لفظة (المشكلة) ولا كلمة (الأزمة)؛ وذلك لعدم وجود حقيقة لهما حينذاك إلّا بالمقدار الطبيعي، فكانت الأمور تسري على وفق النظام العادي حيث تبقى شيء من نظام الإسلام في تلك البلاد،وكان الحكّام - عادة - على فطرتهم، ومن الواضح أنّ الفطرة توحي إلى الصحة في القول والعمل والاعتقاد.

ولكن بعد تمام الحرب العالمية الثانية أغرقت قوانين المستعمرين العراق بجسمانيتها وروحانيتها، فبدأت تطرق أسماعنا هاتان اللفظتان بعد أن تكوّنت حقيقتهما في تلك البلاد، ثمّ أخذت تزداد شيئاً فشيئاً حتّى وصلت الحالة الراهنة إلى مثل صدّام.

والآن نشاهد لا في العراق فحسب، بل في كثير من بلاد الإسلام: أزمة السكن، وأزمة الزواج، وأزمة البرود الجنسي، وأزمة التعليم، وأزمة البطالة، وأزمة التأخر، وأزمة الخيانة الزوجية، وأزمة القروض الدولية، وأزمة سوء الأخلاق، وأزمة الأمراض، وأزمة المرأة، وأزمة التضخم، وأزمة الفقر، وأزمة الاستبداد إلى غير ذلك من الأزمات.

ص: 5

وفي الحقيقة إنّها ليست أزمات حقيقية،وإنّما أخذ الحاكم والشعب بقوانين الغرب والشرق تارة، وبالأهواء والشهوات تارة أخرى، فصارت أزمات وأزمات، فإذا رجع المسلمون إلىالإسلام كلّه، لرجعوا إلى ما كانوا فيه قبل نصف قرن من الثقة والأمن والرفاه والرخص والصحة وغيرها من مقوّمات الحياة السعيدة.

أمّا الرجوع الفردي وإن نفع في بعض الموارد - مثل سهولة الزواج، وسهولة مراسيم الولادة، وهكذا التيسير في أمور المعاش من اللباس والمأكل وما أشبه ذلك - إلّا أنّ مثل هذا الأمر:

أوّلاً: لا يؤثّر تأثيراً كاملاً في تلك الجهة.

وثانياً: لا يؤثّر في عموم الحياة.

مثلاً من الممكن أن يجعل المهر مهر السنَّة، لكن ليس من الممكن الفرار من قوانين الحكومات الكابتة التي وضعها بعض حكّام المسلمين لأجل تحصيل مصالحهم الشخصية ولأجل إظهار سيطرتهم وسيادتهم على المسلمين،وهكذا في سائر الموارد.

وهذا الكراس وضع لأجل الإلماع إلى أنّه كيف نشأت المشاكل والأزمات في البلاد الإسلامية؟

وما هي حلولها؟

نعم، إذا تصدت الحكومات والشعوب معاً لحل تلك المشاكل فلا شك أنّه يبقى شيء من بعض المشاكل وذلك من جهة النظام العالمي المسيطر الذي لا يرى تغيير موقفه... ولذلك لا تحل المشكلات كافّة، فإنّ النظام العالمي وإن كان في بعض جوانبه خير من أنظمة كثير من بلاد الإسلام

ص: 6

الموضوعة بسبب بعض الحكّام، لكنّه يعرقل كثيراً من الأمور... وبعض الشر أهون من بعض، فقد قال رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «لا يترك الميسور بالمعسور»(1).وقال(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه»(2).

وفي هذا الكتاب نذكر بعض الأزمات ونشير إلى أسبابها ممّا تبيّن حلولها أيضاً، فإذا فقد سبب الأزمة انحلّت، واللّه الموفق المستعان.

قم المقدّسة 1417ه ق

محمّد الشيرازي

ص: 7


1- راجع غوالي اللئالي 4: 58.
2- غوالي اللئالي 4: 58.

1- أزمة السكن

اشارة

لماذا صارت في السكن أزمة؟

الجواب: لأنّ قوانين اللّه تعالى - والتي يعضدها العقل أيضاً - عطّلت في هذا الجانب الحيوي، فقد قال رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «الأرض لله ولمن عَمَّرَها»(1).

واليوم كل بلاد الإسلام أسقطوا هذا القانون، مع أنّه قانون إجماعي بين المسلمين، يرويه الشيعة والسنَّة، وقد اتّخذ المسلمون هذا القانون طيلة القرون الماضية حتّى جاء المستعمرون واستوحى منهم حكّام المسلمين فصارت الأرض مملوكة للدولة!

وأتذكَّر حين كنّا في النجف الأشرف إذ أنشئت بعض المحلّات فيها والتي منها (الجُديدة) و(الجبل) وغيرهما، فقد أُخذ بهذا القانون فبنيت البيوت الكثيرة على الأراضي غير العامرة المتاخمة للنجف الأشرف.

وكذلك كنّا في كربلاء المقدّسة حين أنشئت محلّة (السعدية) الواقعة في غرب كربلاء المقدّسة في طريق الحر رضوان اللّه عليه.

فقد كان هذا القانون حاكماً بشكل عام إلاّ في بعض الأراضي حيث باعوا كل متر بأربعة أفلس فقط، وكانت القوّة الشرائية لأربعة أفلس أربعة أقراص من الخبز، أي ما يقارب الكيلو.

ص: 8


1- الكافي 5: 279.

قانون السبق

كما ترك المسلمون قانوناً ثانياً من قوانين الإسلام وممّا سنّهرسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) بإجماع المسلمين، وهو قانون: «من سبق إلى ما لا يسبق إليه مسلم فهو أحق به»(1).

حيث إنّ الإسلام كما أباح النور والماء والهواء والأرض لكل أحد سبق إليه، كذلك أباح السبق إلى كل شيء طبيعي لم يضع أحد يده عليه، مثل مياه الأنهار والبحار والنزيز، ومثل أشجار الغابة وقصب الأجمة بفواكهها وجذوعها وغير ذلك، ومثل الصيد في البحر والبر والهواء،وما أشبه من خيرات الأرض الكثيرة كالمعادن ونحوها.

لكن الحكّام في هذا القرن الأخير رفضوا قانون اللّه سبحانه وتعالى وجعلوا كل ذلك مملوكاً لهم - باستثناء بعضهم في بعض هذه الأمور - وبذلك تولّدت أزمة المسكن.

ثمّ إنّ المسكن محتاج إلى الأرض مرّة وإلى المواد الإنشائية الكائنة فيها مرّة أخرى، مثل أن يجعل الطين لبنة، أو أن يصنع من الأشجار الأبواب والشبابيك وما أشبه.

فإذا لم يتمكّن الإنسان من أيّ ذلك حسب قوانين الدولة فإنّه لم يمكنه بناء مسكن يناسبه.

وهكذا إذا تعرّض مسكنه إلى الهدم وكان قد بناه بدون رخصة رسمية.

والغريب في الأمر أن الدولة أحياناً تقوم بهدم بعض المساكن التي بنيت من دون رخصة منها،كما سمعنا بذلك في زماننا!

ص: 9


1- راجع مستدرك الوسائل 17: 111.

إشكال وجواب

ثم إنّه ربما يقال: إنّ الوقت الحاضر ليس كالزمان القديم في عدم احتياج البيوت إلى الضرورات العصرية من قبيل الماء والكهرباء والهاتف والتبليط والغاز وما أشبه ذلك، فهب أنّ الناس تمكّنوا من صنع البيوت فهل يتمكّنون من هذه الأمور؟!

الجواب: نعم، إنّ الناس يتمكّنون منها بطريقتين:

الطريقة الأولى: الاتفاق مع الحكومات وتقديم التكلفة المعقولة لها حتّى تصنع لهم هذه الأمور.

الطريقة الثانية: الاتفاق مع التجّار والشركات الخاصّة، فيلزم على الدولة أن تطلق لهم الحرّيّات حتّى يهيّئوا هذه الأمور بأثمان طبيعية. نعم، للحكومات حق الإشراف فقط حتّى لا يظلمون ولا يظلمون(1).

فما المانع أن يحفر في كل بيت أو بستان - إذا كان ممكناً - بئراً لسقي الحديقة وما أشبه من الاستعمالات الأخرى، هذا إذا كانت المياه نوعاً ما ملوّثة أو مالحة، أمّا إذا كانت عذبة كما في كثير من البلاد، فلربما لا يحتاجون حتّى إلى الأنابيب الخارجية إلاّ نادراً.

2- أزمة الزواج

اشارة

كان النكاح المبكّر متعارفاً في السابق فلم يكن هناك فساد ولا إفساد ولا كانت الأمراض الناشئة من العزوبة والعنوسة.

أمّا في الحال الحاضر فقد صار الزواج بشروط مرهقة، سواء من قبل

ص: 10


1- إشارة إلى قوله تعالى: {فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ}، سورة البقرة، الآية: 279.

الدولة أو من قبل الناس أنفسهم.

فشروط الدولة: السن الخاص وهو فوق السن الطبيعي الذي جعله اللّه سبحانه، فإنّ السن الطبيعي للبنت فوق العاشرة بقليل،أو أقل منها، والسن الطبيعي للرجل حتّى دون البلوغ.

ولقد قرأت في تقرير إنّ كثيراً من بنات بريطانيا وهنّ في الثانوية قد انغمسنَ في الممارسات الجنسية؛ وذلك لعدم السماح لهنّ بالزواج الشرعي، وهذا نموذج ممّا يجري في العالم.

كما أن مراسيم الزواج المقرّرة من قبل الحكومات كإعطاء الضريبة وما أشبه ذلك، أيضاً ممّا تحول دون الزواج المبكّر.هذا بالنسبة للحكومة، أمّا عند الناس فقد صارت شروط الزواج معقّدة من: مهر كثير، ودار مستقلّة، وشغل مهم لمستقبل معيشتهم وما أشبه، مع وجود الموانع الحكومية للاشغال الحرّة، بالإضافة إلى الموانع التي ذكرناها في المسكن، كل هذه كوّنت المشكلة في طريق الزواج.

هكذا كان الزواج

وقد ورد أنّ أحد الشباب من أصحاب رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) جاء إلى الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوماً قائلاً له: إنّي وأمي لا نملك حتّى غداء اليوم، وكان يتوقّع أن يعطيه الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم) شيئاً.

فقال له رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): تزوَّج.

فظن الشاب أنّ الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يسمع كلامه، فقال: يا رسول اللّه، إنّي لا أملك حتّى غداء هذا الظهر فكيف أتزوّج؟

فقال له الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثانياً: تزوّج.

ص: 11

فكرّر الشاب كلامه.

فقال له الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثالثاً: تزوّج.

فتعجّب الشاب من عدم إعطائه شيئاً، مع أنّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) الكريم الذي يعطي حتّى ثوبه وغذاءه، وحتّى لأعدائه.

عند ذلك رجع الشاب إلى أمّه وأخبرها بمقالة الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم).

فقالت: إنّه لابد وأن يكون الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم) رأى حكمة في ذلك.

فاستأذنت الأم من ولدها كي تخطب له بنت الجار.

فقبل الولد بذلك وخطبتها الأم.

فانتقلت الفتاة إلى بيت زوجها ببساطة كاملة ومن دون أيّ تكليف وتعقيد، فكان الزواج في نفس اليوم.

ثمّ فكّر الشاب مع نفسه أنّه لا يمكنه ترك زوجته هكذا بدون تهيئة أسباب المعيشة.ولذا ذهب إلى خارج المدينة واحتطب، وباع الحطب بدرهمين، واشترى بدرهم طعاماً وادّخر الدرهم الثاني لأنّ يشتري به فأساً، فلما جمع أربعة دراهم اشترى فأساً حتّى يسهل له قطع الحطب بدون أن يجرح يديه بالأشواك.

وبعد أيّام اشترى جملاً لتسهيل أمر نقل الحطب إلى السوق، فكان يذهب كل صباح إلى الصحراء ويحتطب بالفأس حطباً كثيراً وينقله إلى السوق ويبيعه.

وفي يوم الأربعين من زواجه رآه الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المدينة وهو يقود الجمل، فسأله عن الجمل؟

ص: 12

فأخبره الشاب بقصّته.

فقال له رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): ألم أقل لك تزوّج!!

ومع مرور الزمن أصبح الشاب من أثرياء المدينة.

وهؤلاء أسوة

نقل والدي(رحمه اللّه)(1): قصّة زواج أخته مريم وقال:إنّ آية اللّه العظمى السيّد عبد الهادي الشيرازي(رحمه اللّه)(2) - الذي أصبح المرجع الأعلى للمسلمين بعد السيّد البروجردي(رحمه اللّه) - عندما أراد أن يتزوّج بعمتنا لم نكن نملك شيئاً،وكان كل الجهاز ثوباً واحداً لا غير، وانتقلت الفتاة بكل بساطة من غرفتهم إلى غرفة الزوج وهما في بيت واحد.

نعم، هكذا كان الزواج سهلاً، وقد رأيت قبل نصف قرن بساطة الزواج وشاهدت عدم تعقيده، ولذا لم يكن هناك فسادولا عنوسة ولا أمراض من هذا القبيل الذي نراه في عصرنا الحاضر.

قصّة جويبر

وفي بحار الأنوار(3) عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت عند أبي جعفر(عليه السلام) إذ استأذن عليه رجل، فأذن له،فدخل عليه فسلّم، فرحب به أبو جعفر(عليه السلام) وأدناه وساءله.

ص: 13


1- آية اللّه العظمى السيّد ميرزا مهدي الشيرازي(رحمه اللّه) (1304-1380ه).
2- آية اللّه العظمى السيّد ميرزا عبد الهادي الشيرازي(رحمه اللّه) (1305-1382ه) تولّى المرجعية العامة عام 1380ه وقد ساهم في عدة قضايا مرّت بالعراق منذ الاحتلال البريطاني حتّى الاستقلال، كما أصدر فتواه الشهيرة ضد التيّار الأحمر فكان لها أكبر الأثر.
3- بحار الأنوار 22: 117؛ عن الكافي 5: 339.

فقال الرجل: جعلت فداك إنّي خطبت إلى مولاك فلان بن أبي رافع ابنته فلانة فردّني ورغب عنّي وازدرأني لدمامتي وحاجتي وغربتي، وقد دخلني من ذلك غضاضة هجمة عض لها قلبي تمنّيت عندها الموت.

فقال أبو جعفر(عليه السلام): اذهب فأنت رسولي إليه، وقل له: يقول لك محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام): زوّج منحج ابن رياح مولاي ابنتك فلانة ولا تردّه.

قال أبو حمزة: فوثب الرجل فرحاً مسرعاً برسالة أبي جعفر(عليه السلام).

فلمّا أن توارى الرجل قال أبو جعفر(عليه السلام): إنّ رجلاً كان من أهل اليمامة يقال له: جويبر أتى رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) منتجعاً للإسلام فأسلم وحسن إسلامه، وكان رجلاً قصيراً دميماً محتاجاً عارياً، وكان من قباح السودان، فضمّه رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) لحال غربته وعراه، وكان يجري عليه طعامه صاعاً من تمر بالصاع الأوّل، وكساه شملتين، وأمره أن يلزم المسجد ويرقد فيه بالليل، فمكث بذلك ما شاء اللّه حتّى كثر الغرباء ممّن يدخل في الإسلام من أهل الحاجة بالمدينة وضاق بهم المسجد، فأوحى اللّه عز وجل إلى نبيّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): أن طهّر مسجدك، وأخرج من المسجد منيرقد فيه بالليل، ومرّ بسد أبواب كل من كان له في مسجدك باب إلاّ باب علي(عليه السلام) ومسكن فاطمة(عليها السلام)، ولا يمرّن فيه جنب، ولا يرقد فيه غريب.

قال: فأمر رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) بسد أبوابهم إلاّ باب علي(عليه السلام)، وأقرّ مسكن فاطمة صلى اللّه عليها على حاله.

قال: ثمّ إنّ رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمر أن يتّخذ للمسلمين سقيفة، فعملت لهم وهي الصفّة، ثمّ أمر الغرباء والمساكين أن يظلّوا فيها نهارهم وليلهم،

ص: 14

فنزلوها واجتمعوا فيها، فكان رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) يتعاهدهم بالبُر والتمر والشعير والزبيب إذا كان عنده، وكان المسلمون يتعاهدونهم ويرقّونهم لرقّة رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) ويصرفون صدقاتهم إليهم.

فإنّ رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) نظر إلى جويبر ذات يوم برحمة منه له ورقّة عليه، فقال: يا جويبر، لو تزوجّت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك.

فقال له جويبر: يا رسول اللّه، بأبي أنت وأمّي من يرغب فيّ؟! فو اللّه ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال، فأيّة امرأة ترغب في؟!

فقال له رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): يا جويبر، إنّ اللّه قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً، وأعز بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلّهم أبيضهم وأسودهم وقرشيّهم وعربيّهم وعجميّهم من آدم، وإنّ آدم(عليه السلام) خلقه اللّه من طين، وإنّ أحب الناس إلى اللّه عز وجل يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم، وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلاً إلاّ لمن كان أتقى لله منك وأطوع.

ثمّ قال له: انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد، فإنّه من أشرف بني بياضة حسباً فيهم، فقل له: إنّي رسول رسول اللّه إليك وهو يقول لك: زوّج جويبر ابنتك الدلفاء.

قال: فانطلق جويبر برسالة رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى زياد بن لبيد وهو في منزله وجماعة من قومه عنده، فاستأذن، فأُعلم، فأذن له وسلّم عليه،

ص: 15

ثمّ قال: يا زياد بن لبيد، إنّي رسول رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) إليك في حاجة فأبوح بها أم أُسرّها إليك؟

فقال له زياد: بل بح بها فإنّ ذلك شرف لي وفخر.

فقال له جويبر: إنّ رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول لك: زوّج جويبراً ابنتك الدلفاء.

فقال له زياد: أرسول اللّه أرسلك إليّ بهذا يا جويبر؟!

فقال له: نعم، ما كنت لأكذب على رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم).

فقال له زياد: إنّا لا نزوّج فتياتنا إلاّ أكفاءنا من الأنصار، فانصرف يا جويبر حتّى ألقى رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخبره بعُذري.

فانصرف جويبر وهو يقول: واللّه ما بهذا أنزل القرآن ولا بهذا ظهرت نبوّة محمّد(صلی اللّه عليه وآله وسلم).

فسمعت مقالته الدلفاء بنت زياد وهي في خدرها، فأرسلت إلى أبيها: ادخل إلي، فدخل إليها، فقالت له: ما هذا الكلام الذي سمعته منك تحاور به جويبراً؟

فقال لها: ذكر لي أنّ رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) أرسله، وقال: يقول لك رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): زوّج جويبراً ابنتك الدلفاء.

فقالت له: واللّه ما كان جويبر ليكذب على رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) بحضرته فابعث الآن رسولاً يرد عليك جويبراً.

فبعث زياد رسولاً فلحق جويبراً، فقال له زياد: يا جويبر مرحباً بك، اطمئن حتّى أعود إليك.

ثمّ انطلق زياد إلى رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال له بأبي أنت وأمّي إنّ جويبراً

ص: 16

أتاني برسالتك، وقال: إنّ رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: زوّج جويبراً ابنتك الدلفاء، فلم ألن له في القول، ورأيت لقاءك، ونحن لا نزوّج إلاّ أكفاءنا من الأنصار.

فقال له رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): يا زياد، جويبر مؤمن، والمؤمن كفؤ للمؤمنة، والمسلم كفو المسلمة، فزوّجه يا زياد ولا ترغب عنه.

قال: فرجع زياد إلى منزله ودخل على ابنته، فقال لها ما سمعه من رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم).

فقالت له: إنّك إن عصيت رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) كفرت، فزوّج جويبراً.

فخرج زياد فأخذ بيد جويبر، ثمّ أخرجه إلى قومه، فزوّجه على سنّة اللّه وسنّة رسوله وضمن صداقها.

قال: فجهّزها زياد وهيّأها ثمّ أرسلوا إلى جويبر فقالوا له: ألك منزل فنسوقها إليك؟

فقال: واللّه ما لي من منزل.

قال: فهيّأوها وهيّأوا لها منزلاً وهيّأوا فيه فراشاً ومتاعاً وكسوا جويبراً ثوبين، وأدخلت الدلفاء في بيتها وأدخل جويبر عليها معتّماً، فلمّا رآها نظر إلى بيت ومتاع وريح طيّبة قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً وساجداً حتّى طلع الفجر، فلمّا سمع النداء خرج وخرجت زوجته إلى الصلاة فتوضّأت وصلّت الصبح.

فسُئلت: هل مسّكِ؟

فقالت: ما زال تالياً للقرآن وراكعاً وساجداً حتّى سمع النداء فخرج.

فلمّا كانت الليلة الثانية فعل مثل ذلك.

ص: 17

وأخفوا ذلك من زياد.

فلما كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك.

فأخبر بذلك أبوها، فانطلق إلى رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال له: بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمرتني بتزويج جويبر، ولا واللّه ما كان من مناكحنا، ولكن طاعتك أوجبت عليّ تزويجه.

فقال له النبي(صلی اللّه عليه وآله وسلم): فما الذي أنكرتم منه؟

قال: إنّا هيّأنا له بيتاً ومتاعاً، وأدخلت ابنتي البيت وأدخل معها معتّماً، فما كلّمها ولا نظر إليها ولا دنا منها، بل قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً وساجداً حتّى سمع النداء فخرج، ثمّ فعل مثل ذلك في الليلة الثانية، ومثل ذلك في الليلة الثالثة ولم يدن منها ولم يكلّمها إلى أن جئتك، وما نراه يريد النساء، فانظر في أمرنا؟

فانصرف زياد وبعث رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى جويبر فقال له: أما تقرب النساء؟

فقال له جويبر: أو ما أنا بفحل؟ بلى يا رسول اللّه إنّي لَشَبِقٌ نَهِمٌ إلى النساء.

فقال له رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): قد خبّرت بخلاف ما وصفت به نفسك، قد ذكروا لي أنّهم هيّأوا لك بيتاً وفراشاً ومتاعاً وأدخلت عليك فتاة حسناء عطرة، وأتيت معتّماً فلم تنظر إليها ولم تكلّمها ولم تدن منها، فما دهاك إذن؟

فقال له جويبر: يا رسول اللّه دخلت بيتاً واسعاً، ورأيت فراشاً ومتاعاً وفتاة حسناء عطرة، وذكرت حالي التي كنت عليها، وغربتي وحاجتي

ص: 18

وضيعتي وكينونتي مع الغرباء والمساكين، فأحببت إذ أولاني اللّه ذلك أن أشكره على ما أعطاني، وأتقرّب إليه بحقيقة الشكر، فنهضت إلى جانب البيت فلم أزل في صلاتي تالياً للقرآن راكعاً وساجداً أشكر اللّه حتّى سمعت النداء فخرجت، فلمّا أصبحت رأيت أن أصوم ذلك اليوم ففعلت ذلك ثلاثة أيّام ولياليها، ورأيت ذلك في جنب ما أعطانياللّه يسيراً ولكنّي سأرضيها وأرضيهم الليلة إن شاء اللّه.

فأرسل رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى زياد فأتاه وأعلمه ما قال جويبر فطابت أنفسهم.

قال: وفى لهم جويبر بما قال.

ثمّ إنّ رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) خرج في غزوة له ومعه جويبر فاستشهد رحمه اللّه، فما كان في الأنصار أيّم أنفق منها بعد جويبر.

روايات في الزواج

وقد ورد عن رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «من تزوّج فقد أعطي نصف العبادة»(1).

وعنه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «المتزوج النائم أفضل من القائم العزب»(2).

وعنه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «زوّجوا أياماكم، فإنّ اللّه يحسن لهم في أخلاقهم ويوسّع لهم في أرزاقهم ويزيدهم في مروّاتهم»(3).

وعنه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «ما بني بناء في الإسلام أحب إلى اللّه عز وجل من

ص: 19


1- روضة الواعظين 2: 375؛ بحار الأنوار 100: 220.
2- راجع جامع الأخبار: 101؛ بحار الأنوار 100: 221.
3- نوادر الرواندي: 36؛ بحار الأنوار 100: 222.

التزويج»(1).

وعنه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنّه قال لرجل اسمه عكّاف: «ألك زوجة؟ قال: لا يا رسول اللّه، قال: ألك جارية؟ قال: لا يا رسول اللّه، قال: أفأنت موسر؟ قال: نعم، قال: تزوّج وإلاّ فأنت من المذنبين»(2).وعنه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «شرار موتاكم العزّاب»(3).

وعنه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «رُذال موتاكم العزّاب»(4).

وعنه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «أكثر أهل النار العزّاب»(5).

وعنه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «أفضل نساء أُمتي أحسنهنّ وجهاً وأقلهنّ مهراً»(6).

وعن علي(عليه السلام) قال: قال رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «أفضل نساء أمتي أصبحهنّ وجهاً وأقلهنّ مهراً»(7).

ص: 20


1- وسائل الشيعة 14: 3؛ وراجع بحار الأنوار: 100، باب كراهة العزوبة والحث على التزويج.
2- جامع الأخبار: 101؛ بحار الأنوار 100: 221.
3- المقنعة: 497؛ غوالى اللئالي 2: 125؛ روضة الواعظين 2: 374؛ بحار الأنوار 100: 220.
4- الكافي 5: 329؛ تهذيب الأحكام 7: 239؛ روضة الواعظين 2: 374؛ بحار الأنوار 100: 220؛ وفي من لا يحضره الفقيه 3: 384: «إنّ أراذل موتاكم العزّاب».
5- وسائل الشيعة 14: 8؛ عن من لا يحضره الفقيه 3: 384. وكذا راجع بقيّة أحاديث باب كراهة العزوبة وترك التزويج.
6- بحار الأنوار 100: 237.
7- الكافي 5: 324؛ مستدرك الوسائل 14: 216، وكذا راجع بقية أحاديث باب استحباب تخفيف مؤونة التزويج، وتقليل المهر وكراهة تكثيره.

وعن علي(عليه السلام) قال:«تزوّجوا فإنّ رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) كثيراً ما كان يقول: من كان يحب أن يتّبع سنتي فليتزوّج فإنّ من سنتي التزويج»(1).

وعن أبي عبد اللّه(عليه السلام) قال الرواي: تذاكروا الشؤم عنده، فقال: «الشؤم في ثلاثة: المرأة والدابة والدار، فأمّا شؤم المرأة فكثرة مهرها وعقوق زوجها...» الخبر(2).

وعن الرضا(عليه السلام) إن امرأة سألت أبا جعفر(عليه السلام)فقالت:«أصلحك اللّه إنّي امرأة متبتَّلة، فقال لها: وما التبتّل عندك؟ قالت: لا أريد التزويج أبداً. قال: ولم ؟ قالت: ألتمس الفضل، فقال: انصرفي، فلو كان فضلاً لكانت فاطمة(عليها السلام) أحق به منك، إنّه ليس أحد يسبقها إلى الفضل»(3).

3- أزمة البرود الجنسي

من القضايا التي أخذت تنتشر وتشيع يوماً بعد يوم هي البرود الجنسي، وقد شاع كثيراً في شباب اليوم،حتّى أنّك تجد أعداداً كبيرة من الشباب وصلوا إلى سن الثلاثين وهم يعانون من البرود الجنسي!!

بينما في الزمان السابق لم يكن لهذا الأمر عين ولا أثر حتّى عند كبار السن، فكان يبلغ الرجل الستين والسبعين والثمانين وأحياناً إلى المائة وفوقها وله القدرة على النشاط الجنسي.

وهناك في كثير من المجلّات والكتب الطبية المختصّة، بحوث حول البرود الجنسي تحت عناوين مختلفة، ومحاورات مع عديد من الرجال والنساء في

ص: 21


1- الخصال 2: 614؛ وبحار الأنوار 100: 218.
2- معاني الأخبار: 152؛ مكارم الأخلاق: 234.
3- بحار الأنوار 100: 219؛ وراجع الكافي 5: 509؛ غوالي اللئالي 3: 311.

هذا الموضوع، وأصبحت هذه المشكلة مشكلة العصر.

ومن الواضح أنّ المشكلة بسبب الرجال والنساء أنفسهم، فأمراض كثيرة سكرية وغيرها،وأسباب مختلفة من المآكل والمشارب الكيماوية، وتلوّث البيئة، وحتّى الحفّاظات التي تستعمل للصغار بنين وبنات، وصرف الطاقة الشهوانية في غير مواردها المحلّلة فبعضها في النظر إلى النساء السافرات في الشوارع والتلفزيونات وغيرها،وبعضها لملامسة أيديهن وما أشبه، بالإضافة إلى تشتّت الفكر،وكثرة الغناء والموسيقى،واستعمال المخدّرات، وغيرها وغيرها، مضافاً إلى العوامل الفردية والاجتماعية التي تولَّد البرود الجنسي.

إذن المشكلة نابعة من أنفسنا لا أنّها مشكلة حقيقية، فإنّالكون لم تتغيّر سماؤه، ولا أرضه، ولا مياهه، ولا أشجاره، ولا حيواناته، ولا غير ذلك.

وإنّما تغيرنا نحن بعض التغيّرات الفردية كما ذكرنا، وبعض التغيّرات الاجتماعية وحتّى الطبيعية مثل انخراق طبقة الأوزون بسبب المعامل والمصانع وما أشبه، وقد نوّهنا إليه في بعض الكتب.

والتعاليم الإسلامية هي التي تأخذ بحلّ هذه المشاكل من جذورها:

قال اللّه تعالى: {وَالَّذينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ}(1).

وقال عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبيرٌ بِما يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدينَ زينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ

ص: 22


1- سورة المعارج، الآية: 29.

بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدينَ زينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} الآية(1).

4- الأزمة في العوائل

المشاكل الزوجية كثيراً ما تكون بسبب التوتّر الدائم في البيت، حتّى ينتهي شيئاً فشيئاً إلى الطلاق، أو المفارقة بدون طلاق.

وهذه الأزمة العائلية ناشئة من الإنسان نفسه أيضاً، وذلك قد يكون من جهة ضعف الالتزام بالدين عند أحدهما حيث يخون بالآخر أو ما أشبه الخيانة، وقد يكون لضعف الأخلاق حيث أنّه يلزم على كل واحد منهما أن يتخلَّق بالأخلاق الإنسانية اللائقة بالزوجين، ولكنّه لا يلتزم.

وقيل أنّه روي: أنّه سأل رجل رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن حقالزوجة على الزوج، فقال: «يستر عورتها بالكسوة ويشبع بطنها بالأكل ويغفر لها إذا جهلت، فسأل الرجل الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم): وكم مرّة يغفر؟ قال(صلی اللّه عليه وآله وسلم): في كل يوم سبعين مرّة»(2).

وقد رأيت هذه الرواية بالنسبة إلى العبيد وتوصية الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم) بهم، لكنَّ شخصاً ثقةً نقل لي الرواية بالنسبة إلى الزوجة أيضاً.

وهكذا ورد الحث على سعة صدر المرأة مع زوجها في روايات متعددّة، حتّى قال(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «جهاد المرأة حسن التبعل»(3).

ص: 23


1- سورة النور، الآية: 30-31.
2- لم نعثر بالنص، ولكن راجع من لا يحضره الفقيه 3: 440؛ ومكارم الأخلاق: 216، وفيه عن أبي عبداللّه(عليه السلام) عن حق المرأة على زوجها: قال: «يشبع بطنها ويكسو جثتها وإن جهلت غفرلها».
3- الكافي 5: 9؛ تحف العقول: 60.

وكذلك يلزم أن لا يتوقّع كل واحد من الزوجين عن الآخر ما لا يطيقه أو يصعب عليه من الأمور المادية والتهيّؤ وما أشبه ذلك، وإلاّ فكثيراً ما ينتهي الأمر بهما إلى ما لا يحمد عقباه من المفارقة أو التوتّر أو الطلاق.

وقد سمعت عن بلدين إسلاميين: إنّه أصبح معدَّل الطلاق بالنسبة للزواج واحداً من ثلاثة(1)، بينما نقل لي أحد علماء كربلاءالمقدّسة إنّه لم يطلَّق في خلال سنة إلاّ طلاقاً واحداً، مع العلم أنّه كان متصدّياً للنكاح والطلاق وكان هو ثاني اثنين يتصدّيان لهذا الأمر في كل مدينة كربلاء المقدّسة.

ص: 24


1- السعودية والطلاق: تشير الإحصائيّات إلى ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع السعودي حوالي 30 في المائة ما يشكل ظاهرة اجتماعية خطيرة، وفي آخر إحصائية رسمية لوزارة العدل السعودية بلغت الزيجات في مدينة الرياض خلال 1996م حوالي 8 آلاف و600 حالة يقابلها حوالي 3 آلاف حالة طلاق خلال الفترة نفسها، ما يعني إنّ نسبة الطلاق في ذلك العام بلغت حوالي 30 في المائة تقريباً - زواج كل ساعة وطلاق كل ثلاث ساعات -، وتعتبر مشكلة الطلاق ظاهرة في المجتمع الخليجي، ففي الكويت تصل نسبة الطلاق 29 في المائة، وفي البحرين 34 في المائة، وفي قطر 38 في المائة، وتتعدّد أسباب الطلاق في المجتمع الخليجي، منها ما يعود إلى الزواج المبكر أو عدم التوافق بين الزوجين أو لأسباب مادية، وأفرزت هذه الظاهرة عزوف النساء عن الزواج قبل إكمال تعليمهن العالي والتحاقهن بأعمال تضمن لهن الاستقلال المادي ممّا يدخل بعضهن مثل الطبيبات في سن العنوسة. النبأ: العددان 21و22-1419ه ق، ص 48. مصر والطلاق: أطلق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري صفارة الإنذار حول معدلات الطلاق في مصر؛ إذ أكّد المركز أنّ هناك 30 حالة طلاق بين كل مائة حالة زواج سنوياً، وترتفع في القاهرة إلى 33% ففي السنة الماضية حصلت 681 ألف حالة زواج في حين كان عدد حالات الطلاق قد بلغت 227 ألف حالة. الرأي الآخر: العدد 27 ص5 بتاريخ 1جمادى الآخرة 1419ه 22/9/98.

وهناك أسباب كثيرة لهذا التوتر والطلاق: فكل واحد من الشاب والشابة يتزوّج من خلال علاقاته العاطفية في المدرسة أو ما أشبه ذلك، بدون مشاورة شخص من الكبار كالأبوين والأعمام ونحوهم، ومن الواضح أنّ الأمر بينهما عاطفي أكثر ممّا هو عقلاني، ولذلك لا ضمان لدوام هكذا زواج.

بينما في الزمان السابق كان الكبار من أهل الزوجين كالوالدين ومن أشبه ممّن جرّبوا الحياة وتحلّوا بتجارب هامّة، هم الذين يختارون للولد زوجة أو للبنت زوجاً، مع رضا الزوجين وقناعتهما الشخصية.

ومن الواضح أنّ العاطفة سريعة الفوران وسريعة الزوال بينما العقل بالعكس، وفي المثل: (سريع النمو سريع الزوال) وهكذا عكسه فبطيء النمو بطيء الزوال، وقد كانوا يمثّلون لذلك بالشجر فإنّ الأشجار بطيئة النمو بطيئة الزوال، بينما النباتات سريعة النمو سريعة الزوال.

على أيّ فالأزمة هنا أيضاً من أنفسنا فرديّاً أو اجتماعياً،وإلاّ فمدرسة الإسلام قد بيّنت للجميع ما هو لازم في الحياة الزوجية، وجعلت الوقاية والعلاج في ذلك.

عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام) قال: «دخل علينا رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفاطمة جالسة عند القدر وأنا أنقّي العدس، قال: يا أبا الحسن، قلت: لبيك يا رسول اللّه، قال: اسمع منّي ما أقول إلاّ أنّه من أمر ربّي: ما من رجل يعين امرأته في بيتها إلاّ كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها وأعطاه اللّه تعالى من الثواب مثل ما أعطاه اللّه الصابرين وداود النبي ويعقوب وعيسى(عليهم السلام).

ص: 25

يا علي، من كان في خدمة العيال في البيت ولم يأنف، كتب اللّه تعالى بكل عرق في جسده مدينة في الجنّة.

يا علي، ساعة في خدمة العيال خير من عبادة ألف سنة، وألف حج، وألف عمرة، وخير من عتق ألف رقبة، وألف غزوة، وألف عيادة مريض، وألف جمعة، وألف جنازة، وألف جائع يشبعهم، وألف عار يكسوهم، وألف فرس يوجّهها في سبيل اللّه، وخير له من ألف دينار يتصدَّق بها على المساكين، وخير له من أن يقرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ومن ألف أسير أسر فأعتقها، وخير له من ألف بدنة يعطي للمساكين، ولا يخرج من الدنيا حتّى يرى مكانه من الجنّة.

يا علي، من لم يأنف من خدمة العيال دخل الجنة بغير حساب.

يا علي، خدمة العيال كفّارة للكبائر، ويطفي غضب الربّ، ومهور حور العين، ويزيد في الحسنات والدرجات.

يا علي، لا يخدم العيال إلاّ صدّيق أو شهيد أو رجل يريد اللّه به خير الدنيا والآخرة»(1).وقال رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «لو أمرت أحداً يسجد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»(2).

وعنه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «ويل لامرأة أغضبت زوجها، وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها»(3).

ص: 26


1- راجع جامع الأخبار: 102؛ بحار الأنوار 101: 132.
2- راجع الكافي 5: 508؛ والاختصاص: 269.
3- عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2: 11؛ بحار الأنوار 8: 310.

وعن الإمام الصادق(عليه السلام): «لا غنىً بالزوجة في ما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال: وهي صيانة نفسها عن كل دنس حتّى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلّة تكون منها، وإظهار العشق له بالخلابة، والهيئة الحسنة لها في عينه»(1).

وعنه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «حق المرأة على زوجها أن يسد جوعتها، وأن يستر عورتها، ولا يقبّح لها وجهاً، فإذا فعل ذلك فقد واللّه أدىّ حقّها»(2).

وعن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام): «ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال: يشبعها، ويكسوها، وإن جهلت غفر لها»(3).

وقال(عليه السلام) «لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء في ما بينه وبين زوجته وهي: الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها»(4).وقال(عليه السلام):«أيّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيّام، أغلق اللّه عنها سبعة أبواب النار، وفتح لها ثمانية أبواب الجنّة تدخل من أيّها شاءت»(5).

وقال(عليه السلام): «ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلاّ كان خيراً لها

ص: 27


1- تحف العقول: 323؛ بحار الأنوار 75: 237.
2- عدّة الداعي: 91؛ بحار الأنوار 100: 254.
3- الكافي 5: 510.
4- تحف العقول: 323؛ بحار الأنوار 75: 237.
5- وسائل الشيعة 20: 172.

من عبادة سنة»(1).

وقال(عليه السلام): «من حسن برّه بأهله زاد اللّه في عمره»(2).

وعن أبي عبد اللّه عن أبيه(عليهما السلام) قال: «تقاضا علي وفاطمة(عليهما السلام) إلى رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الخدمة، فقضى(صلی اللّه عليه وآله وسلم) على فاطمة بخدمة ما دون الباب، وقضى على علي(عليه السلام) بما خلفه، قال: فقالت فاطمة(عليها السلام): فلا يعلم ما داخلني من السرور إلاّ اللّه بإكفائي رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) تحمّل رقاب الرجال»(3).

5- أزمة البطالة

من أكبر الأزمات أزمة البطالة، وإنّما نشأت من الحكومة والشعوب معاً:

فتلك الطائفتان توجّه الشباب إلى الوظائف لا إلى الأعمال الحقيقية، فالموظّف مستهلك،والعامل منتج، وصار التوجّه من الإنتاج إلى الاستهلاك،وبذلك كثر الموظفون كثرة هائلة هي أضعاف المحتاج إليه في واقع الأمر.

فمثلاً: قبل مائة سنة في مصر كان لكل مليون،ٍ ألف موظّف، بمعنى واحد بالنسبة إلى الألف، وفي زماننا أصبح الموظفون واحداً بالنسبة الى كل عشرين شخصاً، بل وأحياناًتكون النسبة أضيق، وهكذا بالنسبة إلى جملة من البلاد الإسلامية.

هذا، ومن ناحية ثانية: عدم حرّية الزراعة والعمارة والتجارة وما أشبه

ص: 28


1- وسائل الشيعة 20: 172.
2- الكافي 8: 219؛ الخصال 1: 88؛ أعلام الدين: 151؛ بحار الأنوار 66: 385.
3- قرب الإسناد: 52؛ بحار الأنوار 43: 81.

ذلك، حيث إنّ الدولة حصرت كل واحد من هذه الأمور فيها أو أجازته بشرائط مرهقة، مثل أن يكون العمر بالمعنى الأعم كذا، وأن لا يكون أجنبياً باصطلاحهم أي يحمل جنسية غير جنسية القطر الذي يعيش فيه، مثلاً الإيراني والأفغاني والباكستاني والهندي والخليجي والسوري واللبناني وغيرهم لا حق لهم بالعمل في العراق مثلاً، وهكذا بالنسبة إلى سائر الأقطار.

بالإضافة إلى جعل ما يقيّد شخص الإنسان كالحدود الفاصلة بين البلدان، فلا يتمكّن الإنسان أن يسافر إلى أيّ مكان شاء أو يقيم في أيّ مكان شاء أو يتعامل ببيع أو شراء أو شركة أو ما أشبه ذلك في أيّ مكان شاء، فإذا ضاقت سبل العيش بالعراقي وأراد أن يسافر للحجاز أو بالعكس، أو أن يسافر من مصر إلى الباكستان لا يحق له ذلك؛ حيث القومية والقطرية واللغوية وغيرها من الحدود والسدود العنصرية التي تشكل وتخلق له هذه الأزمة.

بينما لم يكن كل هذه الأمور إلى قبل نصف قرن، وإنّي أذكر حينذاك أنّ المسلمين من مختلف الأقطار الإسلامية كانوا يأتون إلى العراق ويشترون الدار والدكّان والبستان والحمّام وما أشبه، أو يعمّرونها بأنفسهم، وكانوا يتزوَّجون ويزوَّجون، ويشاركون ويبيعون ويشترون وما إلى ذلك.

فقد تركنا نحن المسلمون صريح آيات القرآن الكريم والروايات الشريفة التي تدل على الحرّيات الإسلامية فصارت أزمة البطالة، قال تعالى: {يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتيكانَتْ عَلَيْهِمْ}(1).

ص: 29


1- سورة الأعراف، الآية: 157.

وعن أبي عبد اللّه(عليه السلام) قال: «خمس من لم تكن فيه لم يكن فيه كثير مستمتع: الدين والعقل والأدب والحرّية وحسن الخلق»(1).

وفي رواية أخرى قال(عليه السلام):«خمس خصال من لم تكن فيه خصلة منها فليس فيه كثير مستمتع: أوّلها الوفاء، والثانية التدبير، والثالثة الحياء، والرابعة حسن الخلق، والخامسة وهي تجمع هذه الخصال الحرّية»(2).

وقال أمير المؤمنين(عليه السلام) في وصية للحسن(عليه السلام):«ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك اللّه حرّاً»(3).

وقال الإمام الحسين(عليه السلام): «إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم»(4).

وقال الإمام الصادق(عليه السلام): كان علي بن أبي طالب(عليه السلام) يقول: «الناس كلّهم أحرار»(5).

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): «من ترك الشهوات كان حرّاً»(6).

وقال(عليه السلام): «أيّها الناس إنّ آدم لم يلد عبداً ولا أمة، وإنّ الناس كلّهم أحرار»(7).

ص: 30


1- الخصال 1: 298، وباختلاف يسير مشكاة الأنوار: 248؛ وبحار الأنوار 1: 83.
2- الخصال 1: 284؛ بحار الأنوار 75: 194.
3- نهج البلاغة، الكتاب: 31؛ بحار الأنوار 100: 39.
4- اللّهوف على قتلى الطفوف: 120؛ بحار الأنوار 45: 51.
5- الكافي 6: 195.
6- كنز الفوائد، 1: 349؛ تحف العقول: 88.
7- الكافي 8: 69.

وقال(عليه السلام): «الحر حر ولو مسّه الضر»(1).

وقال(عليه السلام): «جمال الحر تجنّب العار»(2).

إلى غيرها مما ورد في الحرّية وما أشبه ممّا لا تدع مجالاً للبطالة.

6- أزمة التأخّر العام

من الأزمات المستحدثة التأخّر العام الذي شمل المسلمين ثقافياً وصناعياً و...، وذلك بسبب القوانين الوضعية فإنّها أسقطت الحرّيات والمؤسّسات والانتخابات، ومنعت الثقافة بمختلف الأساليب والسبل، وتحت ألف اسم واسم.

ولذا ليس لنا اليوم أمثال أولئك العلماء والأدباء والفقهاء الكبار الذين مضوا في طول التاريخ الإسلامي كالطوسي والرضى والمرتضى والمحقّق والعلّامة والبيروني وابن سينا ونصير الدين الطوسي وصاحب الجواهر وصاحب الحدائق وصاحب المكاسب رضوان اللّه عليهم أجمعين.

ولا أمثال خيّام وسعدي وحافظ وأبي نؤاس والحميري والمتنبّي.

ولا أمثال المخترعين الكبار كجابر بن حيان ولا مثل المخترعين في العصر الحديث، كمن اخترع الطائرة والسيارة والأقمار الصناعية والكهرباء والتلفون والتلغراف والتلفزيون وألف اختراع واختراع.

ولذا قال أحد أدباء مصر: نحن ضيوف الحضارة وكما أنّ الضيف لا يرتبط بالبيت في قليل أو كثير لا نرتبط نحن بالحضارة الحديثة في قليل أو كثير.

فقد كان المسلمون طيلة القرون الماضية في أيّ بُعد من أبعاد الحياة إنّما

ص: 31


1- عيون الحكم والمواعظ: 222.
2- عيون الحكم والمواعظ: 48.

ينشأون في عالم حر لا في عالم مكبوت، وقدكانوا بفضل أخذهم بهدي الإسلام في القرون السالفة أحراراً بكل ما للكلمة من معنى، فنموا ذلك النموّ الهائل وتطوّروا حتّى صح أن يقال لهم: (آباء العلم)(1).

بينما نرى الآن حتّى في بعض بلادنا التي تدّعي الديمقراطية، لا توجد هناك حرّية كاملة، فإنّ كانت فهي حرّية نسبية ومثل هذه الحرّية لا تكفي بإنماء أمثال أولئك العلماء والأدباء ومن إليهم من الشخصيات المرموقة في أيّ بُعد من أبعاد الحياة.

فصدق علينا مثل قول النبي(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «يا بني عبد المطلب، لا يأتيني الناس بأعمالهم وأنتم بأنسابكم»(2).

وقد قال أمير المؤمنين علي(عليه السلام) في وصيته: «اللّه اللّه في القرآن فلا يسبقنّكم بالعمل به غيركم»(3).

والمراد: أن الغير يأخذ بقسم من القرآن المسبَّب للتقدّم والتعالي، وأنتم تتركون ذلك فتتأخّرون.

وفي الحديث المروي عن رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «الإسلام يعلو ولا يعلى

ص: 32


1- راجع كتاب موجز تاريخ الإسلام، للإمام المؤلّف(رحمه اللّه).
2- راجع عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2: 235، وفيه: «قال رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) لبني عبد المطلب: إيتوني بأعمالكم لا بأحسابكم وأنسابكم...»؛ وفي بحار الأنوار 8: 359: قال النبي(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «يا بني عبد المطلب، إنّي رسول اللّه إليكم وإنّي شفيق عليكم لا تقولوا إن محمّداً منّا فواللّه ما أوليائي منكم ولا من غيركم إلاّ المتّقون ألا فلا أعرفكم تأتوني يوم القيامة تحملون الدنيا على رقابكم ويأتي الناس يحملون الآخرة» الحديث.
3- الكافي 7: 51، وفيه: «اللّه اللّه في القرآن فلا يسبقكم إلى العمل به أحد غيركم».

عليه»(1).

فإنّه كما يعلو ولا يعلى عليه في الاحتجاج والموضوعات الواقعية من العقائد والأخلاق والشرائع وغير ذلك، كذلك يعلو في الأمور المادية بمختلف أبعادها.

وقد قرأت في مجلّة رسمية لإحدى البلاد الإسلامية أنّ كل فرد من أهل تلك البلاد يطالع في كل يوم ثلاث ثوان، يعني أنّ كل عشرين شخصاً يطالع دقيقة واحدة، بينما قرأت في مكان آخر أنّ اليابانيين يطالعون في اليوم بين أربع ساعات وخمس ساعات، أي كل خمسة آلاف من أهل ذلك البلد يعادل فرداً واحداً من اليابانيين.

كما سمعت من بعض الإذاعات: إنّ يهودياً دخل عاصمة قبل عشرين سنة وكان أمله أن يطبع وينشر ملياراً من الكتب خلال خمسين سنة وذلك تأييداً لليهودية العالمية، وأنّه من حسن الحظ - حسب تعبيره - تمكّن من ذلك خلال عشرين سنة!

أما نحن ؟!!

كما أنّه في أيام ماو(2)

طبع من الكتاب الأحمر بأربعمائة لغة، وأكثر من ثمانمائة مليون!، بينما القرآن الحكيم على عظمته، مثلاً لم يطبع إلى الآن حسب إطلاعي حتّى بأربعمائة لغة، بينما لم يمر على الشيوعية الصينية

ص: 33


1- من لا يحضره الفقيه 4: 344.
2- ماوتسه تونغ (1893-1976م) من رجال الدولة في الصين ومن مؤسّسي الحزب الشيوعي فيها، قاد الثورة على النظام الحاكم منذ 1927م ولجأ إلى كيانغ سي، أعلن جمهورية الصين الشعبية 1949. رئيس الدولة 1954- 1959 ثمّ رئيس الحزب الشيوعي، له مؤلّفات منها الكتاب الأحمر الصغير.

نصف قرن، وقد مرّ على الإسلام أكثر من أربعة عشر قرناً.

إلى غير ذلك من الأرقام المشهورة بالنسبة إلى مختلف الأديان والمبادئ.

7- أزمة الخيانة الزوجية

من الأزمات المستحدثة الخيانة الزوجية، ومن أهم أسبابها:

عدم الالتزام بالموازين الدينية والأخلاقية؛ فإنّ المرأة التيلا تلتزم بالدين لا يوجد عندها أيّ مانع من أن تخون زوجها؟

وصحيح أنّ قسماً كبيراً من النساء يتمتّعن بالوجدان والشرف، غير أنّ الوجدان والشرف إنّما يتكوَّنان من الدين، وبدونه فلا موازين إطلاقاً إلاّ ما ندر.

وهكذا فإنّ من أسباب الخيانة الزوجية: السفور؛ فإنّ الرجل الذي يشاهد امرأة أُخرى غير زوجته، والمرأة التي تشاهد رجلاً آخر غير زوجها يكونان أقرب إلى الخيانة، خصوصاً إذا احتف ذلك بالمغريات والملاهي والمراقص والسينماءات والفيديوات وغير ذلك من الأمور الموجبة لإثارة الشهوة الشيطانية.

كما أنّ كثيراً من النساء في الغرب يباشرن الجنس مع حيوان كالكلب أو القرد، أو مع دمية، وهكذا بالعكس.

إضافةً الى مباشرة الرجال مع الرجال ممّا يسبب أيضاً الخيانة الزوجية بالنسبة إلى نسائهم.

وقد كثرت في المجلّات والجرائد أخبار الشذوذ الجنسي والخيانات الزوجية.

8- أزمة الديون

ومن أكبر أزمات اليوم: أزمة الديون، وإنّما نشأت لأسباب كثيرة

ص: 34

منها: كثرة الموظّفين في الدول حسب ما أشرنا إليه سابقاً، فإنّه من الواضح أنّ كثرة الموظفين ناشئة من:

أوّلاً: عدم الاطلاع على زوايا الحياة ومزاياها.

وثانياً: الاستبداد حيث يحتاج الحاكم ومن إليه إلى المهلّلين والمصفّقين.

وفي أيّام الأزمة في مصر طلب عبد الناصر(1) من الخبراءالأجانب أن يبيَّنوا له سبب الأزمة المالية في دولته، وبعد فحصهم الطويل مدّة ستّة أشهر ومن خلال دراسة مختلف الوزارات والجيش والمصارف وما أشبه أعطوا تقريراً في سطر واحد أو أقل وهو: أنّ الموظفين الذين يحتاج إليهم مصر هم مائتا ألف، بينما أنّ عبد الناصر لفّ حول نفسه مليون ومائة ألف موظف!

وهكذا رأينا في بعض البلاد الأخرى.

وبتصوّري أنّ مائتي ألف أيضاً كان زائداً، فإنّ هذا العدد حسب الموازين الغربية في الموظفين، بينما الموازين الإسلامية في الموظّفين أقل من هذا بكثير(2)، وقد ذكر جرجي زيدان أنّ في زمانه كانت نفوس مصر عشرة ملايين إنسان وعدد موظفيها عشرة آلاف، أي لكل ألف واحد، وعلى هذا كان اللازم أن يكون في زمان عبد الناصر عدد الموظفين خمسين ألفاً حيث إنّ نفوس مصر كانت أقل من خمسين مليون.

هذا، بالإضافة إلى أنّ الموظفين في الحكومة الديكتاتورية يتصرّفون في

ص: 35


1- جمال عبد الناصر: (1336-1389ه/ 1918-1970م) زعيم سياسي مصري ولد بالإسكندرية من أسرة تنتمي إلى بلدة بني مر بأسيوط، التحق بالكلية الحربية عام 1937م 1356ه ورقي ضابطاً سنة 1938م 1357ه، كان رئيس الوزراء عام 1954م 1373ه فرئيس الجمهورية (1956-1970م / 1375-1389ه).
2- راجع إذا قام الإسلام في العراق، للإمام المؤلّف(رحمه اللّه).

المال تصرّفاً إفراطياً، كما يرى ذلك وبوضوح في عراق صدّام، وفي إيران الشاه وغيرهما.

وهذا جارٍ أيضاً حتّى في الدول الديمقراطية التي تسير على الموازين الغربية فكيف بالدولة الديكتاتورية.

وقد قرأت في تقرير أنّ بوكاسا حاكم إفريقيا الوسطى المعزول، صرف لتتويجه ثلث ميزانية الدولة!

كما أنّ من أهم أسباب هذه الكثرة من القروض: الحروب المدمّرة، فعلى الدول الاجتناب عنها مهما أمكن.

9- أزمة الأخلاق

من أهم الأزمات: أزمة الأخلاق، فإنّ الأخلاق العامّةصارت سيّئة، ولذا كثر النزاع في مختلف طبقات المجتمع من الأسرة الصغيرة الى التكتّلات الكبيرة، وحتّى كثر اصطدام السيارات إلى ما أشبه ذلك.

والسبب هو توتّر الأعصاب بسبب إرادة كل إنسان أن يحوز على أكبر قدر من المال والجمال ومباهج الحياة ولو عن الطرق غير الشرعية، وأن يسبق الآخرين كذلك،في كل شيء وما أشبه ذلك.

وحيث لا تصل يد الإنسان إلى ذلك تتوتّر أعصابه وتسوء أخلاقه ويسبّب عدم الرضا بالقسمة والاتصاف بعدم القناعة، وقد ورد: (عزَّ من قنع وذلَّ من طمع).

وكذلك من أسباب عدم تمكّن الإنسان من توفير حاجياته كثرة القيود وما أشبه، وهذا أيضاً يوجب توتّره وقلقه.

مضافاً إلى جملة من المشاكل السابقة التي تساهم في انحراف الأخلاق

ص: 36

عن موازينها(1).

إضافة إلى أنّ بعض الحكومات الاستبدادية لها الدور الكبير في تعليم الناس الأخلاق السيئة،فإنّ (الناس على دين ملوكهم)(2).

10- أزمة الأمراض

أزمة الأمراض، فإنّها قد كثرت في هذا النصف الثاني من القرن العشرين في بلاد الإسلام وغيرها بما لا مثيل له في السابق إطلاقاً، ومن أسبابها:

أوّلاً: تفشّي المحرَّمات.

فإنّ المحرّمات توجب الأمراض. مثل: معاقرة الخمر، والمقامرة، وأكل الميتة حيث يجمد الدم في الحيوان الميتة بمايسبّب الأمراض طبياً، وكثرة أكل لحم الخنزير فإنّه موجب لتولّد الديدان، واستعمال الكلاب بشكل غير مشروع حيث إنها توجب انتقال جراثيمها إلى الإنسان.

وهكذا الانحرافات الجنسية بين الجنسين أو الجنس الواحد ممّا يسبب الإيدز والأمراض الأخرى، وعدم الختان أيضاً من أسباب الأمراض فإنّه يوجب السرطان في الشحم الموجود بين رأس الحشفة ورأس الغلفة وذلك يوجب تعدّي السرطان إلى رحم المرأة أيضاً كما ثبت طبيّاً.

وثانياً: القلق، فإنّه من أسباب كثرتها، حيث إنّ القلق النفسي يؤثّر في

ص: 37


1- راجع للتفصيل كتاب: الفضيلة الإسلامية، والأخلاق الإسلامية، والفضائل والأضداد، وتلخيص المنية، و... للإمام المؤلّف(رحمه اللّه).
2- راجع كشف الغمة 2: 21، وفيه: «كما ورد في الحديث والمثل: (الناس على دين ملوكهم)».

الجسم، كما أنّ انحراف الجسم يؤثّر في الروح أيضاً على ما سبق الإلماع إليه.

وثالثاً: عدم الالتزام بالآداب والسنن مثل كثرة التدخين - حتّى بين الأطفال - الموجب لسرطان الشفة واللسان والحنجرة والرئة، بالإضافة إلى الأمراض الأخرى.

وكذلك عدم الالتزام بالحناء والكحل، وتأخير الزواج وما أشبه ذلك.

فقد قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «العلوم أربعة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنحو للسان، والنجوم لمعرفة الأزمان»(1).

وقال الأصبغ بن نباته: سمعت أمير المؤمنين(عليه السلام) يقول لابنه الحسن(عليه السلام): «يا بُني، ألا أعلَّمك أربع كلمات تستغني بها عن الطب؟ فقال: بلى، قال: لا تجلس على الطعام إلاّ وأنت جائع، ولا تقم عن الطعام إلاّ وأنت تشتهيه، وجوِّد المضغ، وإذا نمت فأعرض نفسك على الخلاء، فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطب»(2).

وقال(عليه السلام): «إنّ في القرآن لآية تجمع الطب كله: {كُلُواوَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا}(3)»(4).

وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): «أربع كلمات في الطب لو قالها بقراط أو جالينوس لقدَّم أمامها مائة ورقة ثمّ زيَّنها بهذه الكلمات وهي قوله: توقّوا البرد في أوّله وتلقّوه في آخره؛ فإنّه يفعل في الأبدان كفعله في الأشجار،

ص: 38


1- كنز الفوائد 2: 109؛ وأعلام الدين: 83.
2- بحار الأنوار 59: 267.
3- سورة الأعراف، الآية: 31.
4- دعوات الرواندي: 74؛ وبحار الأنوار 59: 267.

أوّله يحرق وآخره يورق»(1).

وعن الإمام الصادق(عليه السلام): «كان يسمّى الطبيب: المعالج، فقال موسى بن عمران: يا رب، ممّن الداء؟ قال: منّي، قال فممّن الدواء؟ قال: منّي، قال: فما يصنع الناس بالمعالج؟ قال: يطيب بذلك أنفسهم، فسمّي الطبيب لذلك»(2).

وقال الإمام الرضا(عليه السلام): «إنّ اللّه عز وجل لم يبتل البدن بداء حتّى جعل له دواءً يعالج به، ولكل صنف من الداء صنف من الدواء وتدبير ونعت»(3).

وعنه(عليه السلام):«الحمية رأس الدواء والمعدة بيت الداء، وعوِّد بدناً ما تعوَّد»(4).

وعنه(عليه السلام): «ما خلق اللّه تعالى داءً إلاّ وخلق له دواءً إلاّ السام»(5).

11- أزمة المرأة

ومن الأزمات ما ترتبط بالمرأة، وذلك حيث إنّها وقعت في المشاكل التي لا حد لها ولا حصر، وربما أكثر من مشاكلالرجل بكثير، فمن جهة:

ظاهرة تأخير الزواج في الجنسين، وأغلب المشكلة فيها يقع على النساء.

وكثرة الطلاق والافتراق.

ص: 39


1- دعوات الرواندي: 75.
2- علل الشرائع 2: 525؛ بحار الأنوار 59: 62.
3- الرسالة الذهبية المعروف بطب الإمام الرضا(عليه السلام): 10.
4- الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا(عليه السلام): 340.
5- طب النبي(صلی اللّه عليه وآله وسلم): 19.

وعدم التعدّد في الزواج حيث تبقى كثير من النساء عوانس.

واتخاذ المجتمع المرأة وسيلة لترويج بضائعهم.

وجعل النساء وسيلة إطفاء الشهوات المحرّمة.

هذا بالإضافة إلى طرد الرجل المرأة عن مشاركتها إيّاه في الحياة، في ما كانت المرأة سابقاً في كثير من الموارد شريكة للرجل في الشؤون التجارية والزراعية والصناعية وتربية الدواجن إلى غير ذلك.

قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(1)، إلاّ ما استثناه القرآن بقوله: {وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}(2)، مما ذكرنا بعض تفصيله في كتاب النكاح والطلاق من الفقه(3)، وفي كتاب العائلة وغيرها(4) ولا داعي إلى تكرارها.

12- أزمة التضخم

أزمة التضخم، وذلك بسبب صرف المال للكماليات في شرائح من المجتمع، والمال شيء محدود فإذا صرف الإنسان أكثر من قدره يكون ذلك سبباً للتضخم، فإنّ المسألة من فروع العرض والطلب(5).

وكذلك جاءت هذه الأزمة لكثرة الموظفين الذين هم من المستهلكين عوض أن يكونوا من المنتجين، كما سبق.

ص: 40


1- سورة البقرة، الآية: 228.
2- سورة البقرة، الآية: 228.
3- موسوعة الفقه: ج62-68 كتاب النكاح، وموسوعة الفقه ج69-70 كتاب الطلاق.
4- وراجع أيضاً: الحجاب الدرع الواقي، في ظل الإسلام، الفقه: الحقوق و... .
5- راجع كتاب الفقه: الاقتصاد، الاقتصاد الإسلامي بين المشاكل والحلول، والكسب النزيه، والاقتصاد للجميع، والاقتصاد الإسلامي المقارن، ولمحة عن البنك الإسلامي، و... للإمام المؤلّف(رحمه اللّه).

وكذلك لارتفاع أثمان السلاح.

وهكذا من جهة البطالة في كثير من الأفراد.

وغير ذلك ممّا يوجب التضخم، كما هو المشاهد في الحال الحاضر في كل العالم بأقسامه الثلاثة: الرأسمالية، والشيوعية سابقاً، وبلاد الإسلام الآخذة من الغرب شيئاً ومن الشرق شيئاً ومن الأهواء شيئاً ثالثاً.

13- أزمة الفقر

أزمة الفقر، وذلك يرجع لأسباب عديدة منها:

عدم عطف الأغنياء على الفقراء حتّى يسد الأغنياء حوائج الفقراء.

ولأن الحكومات المنحرفة تمنع من العمل بسبب القوانين الجائرة، كما أنّ الحكومة تمنع من السفر من بلد إلى بلد حيث الحدود الجغرافية والقوانين الكابتة، وهكذا تمنع من صيد السمك والحيوانات البرية والبحرية، الوحشية وغيرها، وتصد عن الاستفادة من المباحات كالغابات والأجمات والمعادن وما أشبه ذلك من الأعمال الحرّة.

إلى غيرها من الأسباب التي خلقت ظاهرة الفقر في المجتمع.

فعن النبي(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «الفقر سواد الوجه في الدارين»(1).

وقال(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «الفقر أشد من القتل»(2).

وعن الامام الصادق(عليه السلام): «كاد الفقر أن يكون كفراً»(3).

هذا وقد جاءت كلمة (الفقر) في بعض الروايات وأريد منها المعنى

ص: 41


1- غوالي اللئالي 1: 40؛ بحار الأنوار 69: 30.
2- جامع الأخبار: 109؛ بحار الأنوار 69: 47.
3- الكافي 2: 307.

المجازي، فإنه نوع من الفقر أيضاً:

قال رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «يا علي، إنّه لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل»(1).

وقال(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «أفقر الناس الطَمِع»(2).

وقال أمير المؤمنين علي(عليه السلام): «ألا وإنّه لا فقر بعد الجنّة ولاغنى بعد النار»(3).

وقال(عليه السلام): «أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق»(4).

وسئل الإمام الحسن بن علي(عليه السلام) ما الفقر؟ قال: «شره النفس إلى كل شيء»(5).

14- أزمة الاستبداد

ومن الأزمات الرئيسة التي يترتّب عليها الكثير من الأزمات الأخرى، أزمة الاستبداد.

واليوم نجد في كثير من حكومات العالم أو أكثرها الاستبداد الشديد أو الخفيف، المكشوف أو المغطى، وذلك:

لعدم صحة المناهج الموضوعة للحكم.

ولعدم وجود الأحزاب الحرّة والمؤسّسات الدستورية.

ص: 42


1- المحاسن 1: 17؛ تحف العقول: 6.
2- الأمالي للصدوق: 21؛ بحار الأنوار 70: 168.
3- تحف العقول: 216؛ بحار الأنوار 75: 55.
4- نهج البلاغة، الحكمة: 38؛ بحار الأنوار 1: 95.
5- تحف العقول: 225؛ بحار الأنوار 75: 102.

ولانعدام الانتخابات الحرّة في الأجواء الصالحة.

ولتخريب أمثال هذه الأنظمة الإمّعات، ولتبعيد الكفاءات،ممّا يسبب ترجيح الروابط على الضوابط ولغير ذلك(1).

15- أزمة القضاء

أزمة القضاء؛ وذلك لتغيير الموازين الشرعية حيث لا يعتبر في هذا اليوم في القاضي والشاهد: العدالة والنزاهة... .

ولكثرة التواء قوانين القضاء، وجعل المحاماة مهنة لأجل اصطياد المال سواء كان الموكَّل محقّاً أو مبطلاً، مع أنّها للدفاع عن الحق.

وقد قرأت في مجلّة(2) نكتة بالنسبة إلى القضاة والمحامين - وهو لا يصدق على الجميع -:

قال: ماذا تقول عندما يغرق خمسة آلاف محام في قاع المحيط؟

الجواب: براءة جديدة.

وقال: كيف تعرف أنّ المحامي يكذب؟

الجواب: عندما يحرك شفتيه.

قال: ولماذا لا يهاجم سمك القرش المحامي؟

الجواب: لأنّهم زملاء في نفس المهنة.

قال: وماذا تتصوّر عندما يدفن المحامي في الرمل حتّى رقبته؟

ص: 43


1- للتفصيل راجع كتاب ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين، وكيف نجمع شمل المسلمين، والفقه الدولة الإسلامية، والفقه: السياسة، والسبيل إلى إنهاض المسلمين، والصياغة الجديدة، و...، للإمام المؤلّف(رحمه اللّه).
2- العربي: العدد 459.

الجواب: لأنّه لا يوجد رمل كاف.

قال: وكيف تساعد المحامي من الهبوط من فوق الشجرة؟

الجواب: نقطع الحبل.

وقال: وكيف تنقذ المحامي من الغرق؟

الجواب: ترفع قدمك من فوق رأسه.

وكل ذلك صادق بالنسبة إلى أولئك المحامين الذين يستغلّوننفوذهم ومعرفتهم بخفايا القانون لتحويلها إلى مهنة يبتزون بها رعاياهم من الموكّلين.

ومهنة المحامي أصبحت طرفاً حيويّاً في كل مسائل الحياة المعاصرة - على وجه التقريب - خاصّة في بعض دول الغرب، بحيث لا تستطيع أن تتحرّك خطوة واحدة دون استشارة محام ودون أن تأتيك منه فاتورة باهضة، ولا يقتصر الأمر على مخالفتك القانون، بل إنّ التعاقدات وإنشاء شركات جديدة والحصول على الهجرة وتسجيل المسكن وما أشبه، كل هذا صار بحاجة إلى محام واحد أو أكثر.

بل إنّ هناك العديد من الزيجات لم تعقد في الكنيسة وفي السجل المدني ولكن في مكتب المحامي، ولا يوجد طلاق في بعض دول الغرب إلاّ إذا كان المحامي طرفاً فيه، ومن المحتم أن يخرج الزوجان من هذه التجربة خاسرين ويفوز المحامي بكل شيء.

ولذا فمن الطبيعي أن تكون النكات بمثل هذه القسوة!، انتهى.

وقد ذكرنا في بعض كتبنا(1) أنّ من السمات البارزة للإسلام سهولة

ص: 44


1- راجع موسوعة الفقه ج84-85: كتاب القضاء، وج86 كتاب الشهادات.

القضاء ويسره بما لا يدع المجال لمثل هذه الأمور.

بالإضافة إلى الحرّيات الكثيرة الموجودة في الإسلام، وعدالة القضاء ونزاهته إلى أبعد الحدود،وشروط الشهود وما أشبه.

وههنا أمور

اشارة

وعلى أيّ: فعدم الإيمان باللّه واليوم الآخر في عمق الأنفس... .

وعدم الالتزام بموازين الأخلاق... .وعدم تحرّي المنهج الصحيح في الحياة ممّا ذكر في الكتاب والسنة... .

أوجب كل هذه المشاكل والأزمات... .

ولا يمكن التخلّص منها إلاّ بأمور:

الأمر الأوّل: القرآن ودفع الأزمات

اشارة

قال أمير المؤمنين علي(عليه السلام): إنّ المسلمين يعرضون عن القرآن فيعرض اللّه عنهم، ثمّ يرجعون إلى القرآن فيرجع اللّه إليهم.

والسؤال هو: كيف ترك المسلمون التمسّك بالقرآن حتّى سبب إعراض اللّه عنهم فضاقت حياتهم هذا الضيق الذي نشاهده، وتأخّروا هذا التأخّر الهائل الذي لم يحدث مثله في يوم من الأيّام الماضية في عمر الإسلام الطويل؟

فإنّ في كثير من آيات القرآن الحكيم ما يوجب عدم هذه الأزمات إذا تمسّك المسلمون بالعمل بها، فالقرآن جاء بالدفع قبل الرفع(1) وللمثال على ذلك نذكر بإيجاز:

ص: 45


1- الرفع والدفع اصطلاحان علميان والمقصود بالدفع الوقاية وبالرفع العلاج، فيكون العمل بالآيات المذكورة الوقاية قبل حدوث الأزمات، فهي تدفعها قبل أن تحدّث، أما الرفع فبمعنى علاجها بعد وقوعها.

1- أزمة السكن

قال اللّه سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً}(1).

وقال عز وجل: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً * أَحْياءً وَأَمْواتاً}(2).

وبترك ذلك وجدت أزمة المسكن.

2- أزمة الزواج

قال سبحانه: {وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}(3).

وبترك هذه الآية المباركة وما أشبهها وجدت أزمة الزواج.

3- أزمة البرود الجنسى

وبترك موازين الحياة في الزواج المبكّر، وترك غض البصر وما أشبه ذلك ممّا ذكرناه في أسباب البرود الجنسي، وقد أشار إلى جملة منها القرآن الحكيم، قال تعالى: {وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ}(4).

وقال سبحانه: {قُلْ لِلْمُؤْمِنينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ... وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ...}(5).

وقال عز وجل: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً}(6).

ص: 46


1- سورة البقرة، الآية: 29.
2- سورة المرسلات، الآية: 25 و 26.
3- سورة النور، الآية: 32.
4- سورة الأحزاب، الآية: 53.
5- سورة النور، الآية: 30-31.
6- سورة النور، الآية: 33.

وجدت أزمة البرود الجنسي.

4- الأزمة العائلية

وبترك قوله سبحانه: {هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ}(1).

وقوله تعالى: {وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ}(2).

وقوله سبحانه: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْأَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُريدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما}(3).

حصلت أزمة الطلاق والمشاكل العائلية.

5- أزمة البطالة

وبترك قوله سبحانه: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}(4).

وسائر الآيات المرتبطة بالتجارة والبيع وغيرها، حصلت أزمة البطالة.

6- أزمة التأخّر

وبترك قوله سبحانه: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ}(5).

وما أشبه من الآيات المباركات حصلت أزمة التأخّر للمسلمين.

ص: 47


1- سورة البقرة، الآية: 187.
2- سورة النساء، الآية: 21.
3- سورة النساء، الآية: 35.
4- سورة التوبة، الآية: 105.
5- سورة آل عمران، الآية: 139.

7- أزمة الخيانة الزوجية

وبترك موازين الإسلام في قضايا الجنس مثل قوله سبحانه: {الزَّانِيَةُ وَالزَّاني فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ}(1).

وقوله تعالى: {وَالَّذينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ}(2).

وقوله سبحانه: {قُلْ لِلْمُؤْمِنينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبيرٌ بِما يَصْنَعُونَ * وَقُلْلِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}(3).

إلى غيرها من الآيات، حصلت أزمة الخيانات الزوجية.

8 - أزمة القروض

وبترك قوله سبحانه: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً}(4).

وقوله تعالى: {الَّذينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ}(5).

وقوله سبحانه: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ}(6).

وما أشبه ذلك حصلت أزمة القروض التي ينوء المجتمع تحتها ولا يجد

ص: 48


1- سورة النور، الآية: 2.
2- سورة المؤمنون، الآية: 5 و 6؛ سورة المعارج، الآية: 29 و 30.
3- سورة النور، الآية: 30 و 31.
4- سورة آل عمران، الآية: 130.
5- سورة البقرة، الآية: 275.
6- سورة البقرة، الآية: 276.

علاجاً لأدائها.

9- أزمة الأخلاق

وبترك الاقتداء بقوله سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ}(1) حدثت أزمة سوء الأخلاق.

حيث ترك المسلمون العمل بقول القرآن الحكيم: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(2) بعد أن كان الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم) على خلق عظيم، وبعد أن قال اللّه سبحانه وتعالى في حقه: {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَليظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(3).

10- أزمة الأمراض

وبتركهم قوله سبحانه: {كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا}(4)، فإنّه لا يجوز الأكل والشرب إلى حد الإسراف،وكلا الأمرين واضح.

وبتركهم قوله تعالى: {وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفينِ}(5) حيث إنّ الشفاء يعتمد على أمرين: الدواء والدعاء، وقد ترك المسلمون - إلاّ النادر من النادر - الدعاء في شفاء أنفسهم وشفاء أمراضهم ومرضاهم.

وكذلك تركوا قوله سبحانه: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً}(6) ممّا يدل على أنّ كل شيء

ص: 49


1- سورة القلم، الآية: 4.
2- سورة الأحزاب، الآية: 21.
3- سورة آل عمران، الآية: 159.
4- سورة الأعراف، الآية: 31.
5- سورة الشعراء، الآية: 80.
6- سورة الكهف، الآية: 89 و 92.

له سبب، فالمرض له سبب، واللازم أن يعالج السبب حتّى يزول المسبَّب.

ولذا نشأت أزمة الأمراض.

11- أزمة المرأة

وهذه الأزمة نشأت من عدم عمل المسلمين بقوله سبحانه: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(1).

وقوله تعالى: {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ}(2).

وقوله سبحانه: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَوَرَسُولَهُ...}(3).

وقوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى في بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطيفاً خَبيراً}(4).

وقوله سبحانه: {إِنَّ الْمُسْلِمينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرينَ اللَّهَ كَثيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظيماً}(5).

ص: 50


1- سورة البقرة، الآية: 228.
2- سورة النساء، الآية: 3.
3- سورة الأحزاب، الآية: 32 و 33.
4- سورة الأحزاب، الآية: 34.
5- سورة الأحزاب، الآية: 35.

12- أزمة التضخم

وهذه الأزمة نشأت من ترك المسلمين قوله سبحانه: {لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ}(1)، وغيرها من الآيات(2) الدالة على العدل والقسط وما أشبه ذلك.

13- أزمة الفقر

ونشأت هذه الأزمة من ترك قوله سبحانه وتعالى: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ}(3).

وقوله سبحانه: {خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً}(4) وما أشبه ذلك.

14- أزمة الاستبداد

وهذه الأزمة نشأت من ترك قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ}(5).

وقوله سبحانه: {وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}(6).

وقوله تعالى: {وَتَشاوُرٍوتشاور}(7).

15- أزمة القضاء

ونشأت هذه الأزمة من ترك قوله سبحانه: {يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَليفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبيلِ اللَّهِ إِنَّ

ص: 51


1- سورة البقرة، الآية: 279.
2- كما قال تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى} سورة المائدة، الآية: 8.
3- سورة الحشر، الآية: 7
4- سورة البقرة، الآية: 29.
5- سورة الشورى، الآية: 38.
6- سورة آل عمران، الآية: 159.
7- سورة البقرة، الآية: 233.

الَّذينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَديدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ}(1).

وقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفيهاً أَوْ ضَعيفاً أَوْ لا يَسْتَطيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغيراً أَوْ كَبيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُديرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّشَيْءٍ عَليمٌ * وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَليمٌ}(2).

إلى غيرها من الآيات المرتبطة بباب القضاء.

الأمر الثاني: حلّ الأزمات

اشارة

حل هذه الأزمات وإرجاعها إلى الأمور الطبيعية الفطرية التي كانت للمسلمين قبل غزو الثقافة الغربية لبلادهم، بحاجة إلى أوسع الثقافات

ص: 52


1- سورة ص، الآية: 26.
2- سورة البقرة، الآية: 282 و 283.

الحقيقية، والدعوة إلى إنشاء وجمع جمعيّات(1)

مخلصة تختص بالأمر بدون كبرياء أو غرور أو أنانية أو ما أشبه ذلك.

وإلاّ فالمشاكل أعقد من إمكان حلّها، وحلّها لا يكون إلاّ بهذين الأمرين حتّى يكون الحال كما قال الشاعر:

ويسعدني في غمزة بعد غمزة *** صبوح لها منها عليها شواهد

من أفضل الأعمال

ولا يخفى إنّ من أفضل الأعمال الخيرية هو إرجاع الإسلام إلى المسلمين وإرجاع المسلمين إلى الإسلام، بل إدخال الناس في الإسلام حتّى ينعموا بخيراته الدنيوية قبل الأخروية، فلا ترى أفضل من ذلك لأنّه سبب حل المليارات من المشاكل التي تغوص فيها البشرية على هذا الكوكب الأرضي، سواءً كانوا مسلمين أو غيرهم.

وفي ذلك قضاء لمليارات من الحاجات، فهل هناك أفضل من ذلك؟

وهذا لا يوجب خير الدنيا فقط بل خير الآخرة أيضاً للعاملينوالقائمين عليها، فقد ورد في جملة من الأحاديث: إنّ أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وإنّ أوّل من يدخل الجنّة أهل المعروف، ويعرفون في الآخرة برائحة طيّبة.

فعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، يقال لهم إنّ ذنوبكم قد غفرت لكم فهبوا حسناتكم لمن شئتم»(2).

أقول: وذلك لأنّ حسنات هؤلاء بكثرة، فالزائد من احتياجهم إلى

ص: 53


1- راجع كتاب إنشاء الجمعيات، للإمام المؤلّف(رحمه اللّه).
2- الاختصاص: 241.

دخول الجنّة يهبونها لمن لا يتمكّن من دخول الجنّة لنقص حسناته، وبذلك يستحق أولئك الدخول في الجنّة، كإعطاء الإنسان فائض ماله للفقير فيتمكّن بذلك من شراء مسكن أو مركب أو ما أشبه ذلك.

وفي رواية أخرى عنه(عليه السلام) قال:«أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة؛ لأنّ اللّه عز وجل يقول لهم: قد غفرت لكم ذنوبكم تفضّلاً عليكم؛ لأنّكم كنتم أهل المعروف في الدنيا فبقيت حسناتكم، فهبوا لمن تشاؤون، فيكونون بها أهل المعروف في الآخرة»(1).

وقال(عليه السلام): «أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة؛ لأنّهم في الآخرة ترجح لهم الحسنات فيجودون بها على أهل المعاصي»(2).

وفي حديث عن رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنّه قال: «أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، قيل: يا رسول اللّه وكيف ذلك؟ قال: يغفر لهم بالتطوّل منه عليهم، ويدفعون حسناتهم إلى الناس فيدخلون بها الجنّة فيكونون أهل المعروف في الدنياوالآخرة»(3).

وعن الإمام الصادق(عليه السلام): «أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، يقال لهم: إنّ ذنوبكم قد غفرت لكم فهبوا حسناتكم لمن شئتم، والمعروف واجب على كل أحد بقلبه ولسانه ويده، فمن لم يقدر على اصطناع المعروف بيده فبقلبه ولسانه، ومن لم يقدر عليه بلسانه فينوه بقبله»(4).

ص: 54


1- بحار الأنوار 71: 412؛ ومستدرك الوسائل 12: 353.
2- الأمالي للطوسي: 304؛ مستدرك الوسائل 12: 353.
3- ثواب الأعمال: 182؛ بحار الأنوار 71: 412.
4- الاختصاص: 240؛ مستدرك الوسائل 12: 341.

وعن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه قال: «اصطناع المعروف يدفع مصارع السوء، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأوّل من يدخل الجنّة أهل المعروف»(1).

وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «قال أصحاب رسول اللّه: يا رسول اللّه فداك آباؤنا وأمّهاتنا، إنّ أصحاب المعروف في الدنيا عرفوا بمعروفهم فبم يعرفون في الآخرة؟ فقال: إن اللّه تبارك وتعالى إذا أدخل أهل الجنّة الجنّة، أمر ريحاً عبقة طيّبة فلزقت بأهل المعروف، فلا يمر أحد منهم بملأ من أهل الجنّة إلاّ وجدوا ريحه فقالوا: هذا من أهل المعروف»(2).

وعن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) عن أم سلمة قالت: قال رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفيّاً تُطفئ غضب الرب، وصلة الرحم زيادة في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة، وأوّل من يدخل الجنّة أهل المعروف»(3).أقول: قوله(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «أهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة» لعلّه لأنّ الناس يتأذّون بفاعل المنكر هناك كما يتلّذذون بفاعل المعروف، فقد ورد في أحاديث متعدّدة ما يدل على ذلك، مثل ما ورد من أنّ أهل النار يتأذّون بريح العالم غير العامل(4).

ص: 55


1- دعائم الإسلام 2: 321؛ مستدرك الوسائل 12: 354.
2- الكافي 4: 29؛ بحار الأنوار 8: 156.
3- الأمالي للطوسي: 603؛ بحار الأنوار 93: 181.
4- راجع الكافي 1: 44؛ مستدرك الوسائل 12: 204.

إلى غير ذلك ممّا لسنا بصدده الآن.

الأمر الثالث: اللين والرفق

والأمر الثالث الذي ندعو إليه ونأمل أن يكون في مستقبل بلاد الإسلام - بل نأمل مثله أيضاً في بلاد غير المسلمين - إن بقوا على عدم إسلامهم - كما قال سبحانه: {أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطينَ}(1)، وقال أمير المؤمنين علي(عليه السلام): «وإمّا نظير لك في الخلق»(2)، ولقد قلنا في بعض كتبنا أنّ الكافر أخ أيضاً، - كما ورد في القرآن الحكيم بالنسبة إلى الأنبياء وأممهم(3) -:

أن نتحلّى باللين والرفق في كافّة مجالات الحياة، فنعرف كيف نمسك أعصابنا ولا نفقدها، وأنّ تكون لنا السيطرة الكاملة عليها وعلى أنفسنا وأخلاقنا، وكيف نحفظ ألسنتنا فلا يفلت منّا ما لا يرضاه اللّه من الكلام ونندم حيث لا ينفع الندم.

ونعلم أنّ التفكير الصامت المنطقي أعلى صوتاً وأبلغ أثراً من الصراخ والسباب والاتهامات والهمز واللمز والطعن واللعن، فقدقال القرآن الحكيم: {وَلا تَسُبُّوا الَّذينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ}(4):

ص: 56


1- سورة الممتحنة، الآية: 8.
2- تحف العقول: 127.
3- قال تعالى: {وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً} سورة الأعراف، الآية: 65؛ وقال عز وجل: {وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً} سورة الأعراف، الآية: 73؛ وقوله سبحانه: {وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً} سورة الأعراف، الآية: 85.
4- سورة الأنعام، الآية: 108.

فإنّ الإسلام يأمر بالرفق واللين حتّى مع المشركين الذين أشركوا باللّه سبحانه وتعالى، مع أنّ المشرك لا يلتزم لا بالعقائد ولا بالأحكام ولا بالشرائع ولا بغير ذلك.

وقد قال أمير المؤمنين علي(عليه السلام) في كتاب له إلى بعض عمّاله: «أمّا بعد، فإنّ دهاقين أهل بلدك شكوا منك قسوةً وغلظةً واحتقاراً وجفوةً، فنظرتُ فلم أرهم أهلاً لأن يدنوا لشركهم ولا أن يُقصوا ويجفوا لعهدهم، فالبس لهم جلباباً من اللين تشوبه بطرف من الشدّة، وداول لهم بين القسوة والرأفة، وامزج لهم بين التقريب والإدناء والإبعاد والإقصاء إن شاء اللّه»(1).

ويتبيّن من هذا الكلام أنّ المشركين كانوا يعيشون في بلاد الإسلام وإن لم يقبلوا الإسلام والخروج من بلاده إلى بلاد أخرى، وقد ذكرنا في كتاب الفقه أنّ ما اشتهر بين الفقهاء من أنّ المشرك يخيَّر بين القتل أو الإسلام غير وارد في سيرة الرسول والإمام علي (صلوات اللّه عليهما)، بل الكل من أهل الكتاب وغيرهم يخيَّرون بين الأمور الثلاثة والتي أحدها إعطاء الجزية.

وهكذا دلّت سيرة الخلفاء وغيرهم - وان كان جماعة منهم على الباطل - على التعامل مع المشركين والكفّار بهذه المعاملة الطيّبة، فلا فرق من هذه الجهة بين الكتابي وغيره.

وكما نريد لبلاد المسلمين أن تكون جنّة في الدنيا قبل الجنّة في الآخرة، يلزم أن يكون الساكن فيها - سواء كان مواطناً أو غير مواطن - آمناً على حياته وحرّيته وماله وعرضه.

من دون معتقلات ولا سجون سياسية ولا تعذيب ولاإرهاب، وإنّما

ص: 57


1- نهج البلاغة، كتاب: 19؛ بحار الأنوار 33: 489.

تكون السجون سجوناً قليلة جدّاً وجدّاً، حيث لم يكن في زمان الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم) سجن إطلاقاً وقد حكم(صلی اللّه عليه وآله وسلم) على تسع دول في زمانه، أخذاً من أراضي الكويت وانتهاء إلى قلعة أكيدر في الأردن.

ولم تكن هناك أحكام عرفية ومحاكم استثنائية وإشارات من القوّة التنفيذية على القوّة القضائية بالزيادة والنقيصة حسب المشتهيات.

ولا تأشيرة خروج تمنع من السفر، ولا تأشيرة تمنع من الدخول في بلاد الإسلام، ولا محكمة حرّاس تضع الأفراد تحت الحراسة، ولا رقابة على هاتفه وبريده، ولا دخوله وخروجه، ولا أحد يتتّبع خطواته لحظة لحظة.

وكانت النساء فيها في غاية العزّة والاحترام، فلا تأخير لهن كما هو المشاهد الآن في بعض بلاد المسلمين، ولا تقديم لهنّ حتّى يكنّ بضاعات ومحل إفراغ الشهوات في بيوت وسخة.

وقد قال أمير المؤمنين(عليه السلام): قبل لقائه العدو بصفّين:

«لا تقاتلوهم حتّى يبدأوكم، فإنّكم بحمد اللّه على حجّة وترككم إيّاهم حتّى يبدأوكم حجّة أخرى لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة بإذن اللّه فلا تقتلوا مدبراً ولا تصيبوا معوراً ولا تجهزوا على جريح ولا تهيجوا النساء بأذىً وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم فإنّهن ضعيفات القوى والأنفس والعقول، إن كنّا لنؤمر بالكف عنهن وإنّهن لمشركات وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر والهراوة فيعيّر بها وعقبه من بعده»(1).

أقول: أمّا قوله (عليه الصلاة والسلام): «فأنهن ضعيفات القوى

ص: 58


1- نهج البلاغة، كتاب: 14؛ بحار الأنوار 33: 458.

والأنفس والعقول» فقد ذكرنا تفصيل ذلك في بعض كتبنا(1) المرتبطة بالمرأة، وفي كتاب النكاح والطلاق بصورةخاصّة، فإنّ المرأة خلقت لطيفة، واللطافة تستلزم الضعف في البدن والنفس والعقل، حيث إنّ الضعيف يستلزم شدّة العاطفة حتّى تكون محل أنس الرجل ومركز الولادة وحضناً لتربية الأجيال، فإنّ الجنّة تحت أقدام الأمّهات(2)، فليس هذا نقصاً في المرأة بل كمال.

هذا بالإضافة إلى أنّ الإمام(عليه السلام) أراد أن يبيّن لزوم التعامل مع النساء بلطف أكثر وعفو أعظم فاقتضى بيان ما يثبت ذلك، ومن الواضح صعوبة الجمع بين العقل في آخر درجته وبين العاطفة في آخر درجاتها.

وعلى كل حال، فما يشاهد في بعض بلاد الإسلام وغير الإسلام، حتّى البلاد التي تسمّى بالمتحضَّرة، بالنسبة إلى إهانة المرأة بمختلف أنواعها، شيء يأباه الإسلام إباء شديداً كما في كتابه وسنّته وسيرة رسوله(صلی اللّه عليه وآله وسلم) وخلفائه الأطهار(عليهم السلام).

وفي الختام

وهكذا نريد لبلاد الإسلام أن تكون بعضها محبّة لبعض، تناقش بعضها بعضاً بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تتشاجر وتتحارب ولو بالإذاعات والتلفزيونات والصحف وما أشبه ذلك.

فالقوي منها يساعد الضعيف، والغني يساعد الفقير، والكبير يرحم الصغير، والصغير يحترم الكبير، والمتعلّم يهتم ويجد في طلب العلم ويضع

ص: 59


1- راجع كتاب: الحجاب الدرع الواقي. وفقه الأسرة أيضاً.
2- قال الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «الجنّة تحت أقدام الأمّهات»؛ مستدرك الوسائل 15: 180.

علمه في خدمة من دونه في المستوى العلمي، والمعلّم يكون عالماً عاملاً حليماً.

وتكون فيها الحرّيات بكل معنى الكلمة... .

وفيها الدين بكل معنى الكلمة... .

وفيها التسامح بكل معنى الكلمة... .

فلا حواجز جغرافية، ولا أسلاك شائكة، ولا جوازات، ولا تعصّبات، وإنّما قلوب ملؤها الحب، وعقول ملؤها العلم، وأيد ملؤها الجود، واجتماع ملؤه الخير.

وجيوشها إنّما تكون جيوشاً لأجل رد المهاجمين ودفع المعتدين، كما قال سبحانه: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ}(1)، لا للتناحر في ما بينهم.

ونريد أن تكون بلاد الإسلام كلّها وحدة واحدة بلا حدود جغرافية ولا بعضها عن بعض أجنبية، وإنّما أُخوة إسلامية، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}(2).

ونريد حرّيات في كل شأن من شؤون الزراعة والتجارة والصناعة والسفر والإقامة والثقافة وغير ذلك، باستثناء المحرّمات كالقتل والزنا والاختطاف والسرقة وما أشبه.

كما نريد لبلاد الإسلام أن يزرع فيها الحب بدل الحقد، والعطف بدل الكراهية، والاجتماع بدل الفرقة - كما قال رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم): «يد اللّه مع

ص: 60


1- سورة البقرة، الآية: 194.
2- سورة الحجرات، الآية: 10.

الجماعة»(1) - والتواضع بدل الأنانية، والصداقة بدل العداوة، والألفة بدل التدابر.

ويبنى فيها رجال كناطحات السحاب كبار في أنفسها وعقولها، عمالقة في قواها وأفكارها، قويّة في أبدانها، صحيحة في أجسادها.

كما نريد عدم التحطيم لكل متفوق كما هو الحال في بلادالإسلام على الأعم، بل الاهتمام بجميع الكفاءات ونمّوها.

ولا نريد ثورات ولا انفجارات ولا انقلابات عسكرية ولا ما أشبه.

ولا جوعاً، ولا عرياً، ولا حقّاً منهوباً، ولا شخصاً محروقاً، ولا خرائب، ولا أراضي قاحلة، ولا يباباً(2)، ولا وساخات، ولا قباحات... .

ولا تضخماً، ولا تكفيراً، ولا تفسيقاً، ولا استبداداً، ولا انتهاك حقوق الآخرين، ولا روابط بدل الضوابط.

وعلى أيّ، نرجو ونسأل الباري عز وجل أن يوفّقنا لنتمكّن من إعادة مجتمع الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم) والإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) فيكون ملؤه الحب والعفو والصفح والتسامح والخير وغير ذلك، مع ملاحظة شرائط الزمان والمكان، حتّى تكون بلاد الإسلام باقة من الحرّية والرخاء والانطلاق، بدل الاستبداد والجوع والتخلّف التي تعيشها الآن بكل معنى الكلمة.

هذا ما نريده وندعو إليه، وذلك بحاجة إلى ثقافة كبيرة ورجال مخلصين.

ص: 61


1- راجع نهج البلاغة، كتاب: 127، وفيه: «الزموا السواد الأعظم فإنّ يد اللّه مع الجماعة»؛ والفصول المختارة: 237، وفيه: «إنّ النبي(صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: يد اللّه على الجماعة».
2- أي: خراباً.

وقد جيء إلى رسول اللّه(صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأسرى بعضهم كانوا في الحبل لئلّا يفرّوا، فتبسّم الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم)، فقال أحدهم: كيف تأتي بنا هكذا ثمّ تتبسّم؟

فقال الرسول(صلی اللّه عليه وآله وسلم): ما تبسمت احتقاراً لكم وإنّما تبسّمت لأنّي أريد أن أسحبكم بالحبال إلى الجنّة وأنتم تريدون أن تفرّوا إلى النار.

نعم، هكذا يريد الإسلام، وجملة من الحكّام والأحزاب يريدون غير ذلك، ولكن الحق يعلو ولا يعلى عليه، واللّه المستعان.

وهذا آخر ما أردناه في هذا الكتاب، نسأل سبحانه وتعالى أن يجمع شمل الجميع لما فيه خيرهم ورضاه، إنّه سميع مجيب.

سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى اللّه على محمّد وآله الطاهرين.

قم المقدّسة / 1417ه ق

محمّد الشيرازي

ص: 62

الفهرس

مقدّمة المؤلّف... 5

1- أزمة السكن... 8

قانون السبق... 9

إشكال وجواب... 10

2- أزمة الزواج... 10

هكذا كان الزواج... 11

وهؤلاء أسوة... 13

قصّة جويبر... 13

روايات في الزواج... 19

3- أزمة البرود الجنسي... 21

4- الأزمة في العوائل... 23

5- أزمة البطالة... 28

6- أزمة التأخّر العام... 31

7- أزمة الخيانة الزوجية... 34

8- أزمة الديون... 34

9- أزمة الأخلاق... 36

10- أزمة الأمراض... 37

11- أزمة المرأة... 39

12- أزمة التضخم... 40

13- أزمة الفقر... 41

ص: 63

14- أزمة الاستبداد... 42

15- أزمة القضاء... 43

وههنا أمور... 45

الأمر الأوّل: القرآن ودفع الأزمات... 45

1- أزمة السكن... 46

2- أزمة الزواج... 46

3- أزمة البرود الجنسى... 46

4- الأزمة العائلية... 47

5- أزمة البطالة... 47

6- أزمة التأخّر... 47

7- أزمة الخيانة الزوجية... 48

8- أزمة القروض... 48

9- أزمة الأخلاق... 49

10- أزمة الأمراض... 49

11- أزمة المرأة... 50

12- أزمة التضخم... 51

13- أزمة الفقر... 51

14- أزمة الاستبداد... 51

15- أزمة القضاء... 51

الأمر الثاني: حلّ الأزمات... 52

من أفضل الأعمال... 53

الأمر الثالث: اللين والرفق... 56

وفي الختام... 59

الفهرس... 63

ص: 64

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.