التربية المثالية وظائف الوالدين والمعلمين

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: فرهادیان، رضا، - 1327

عنوان واسم المؤلف: التربية المثالية وظائف الوالدين والمعلمين/ رضا فرهادیان؛ ترجمه ابراهیم الخزرجي

تفاصيل المنشور: قم: مؤسسة المعارف الإسلامية، 1416ق. = 1996م. = 1374.

مواصفات المظهر: ص 109

فروست : ([ارشادات و نصایح]5)

(مؤسسة المعارف الإسلامية 72)

ارشادات و نصائح؛ 5

لسان : العربية

ملحوظة: ببليوغرافيا مع ترجمة

مشكلة : الإسلام والتعليم

الآباء والأمهات والأطفال (اسلام)

معلمون-- العلاقات مع الطلاب

المعرف المضاف: خزرجي، ابراهیم، مترجم

المعرف المضاف: مؤسسة المعارف الإسلامية

ترتيب الكونجرس: BP230/18/الف43 5.ج 1374

تصنيف ديوي: 297/4837

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 76-415

التربية المثالية وظائف الوالدين والمعلمين

محرر: محمد کاظم ظفري

ص: 1

اشارة

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة

المؤسسة المعارف الاسلامية

الطبعة الأولى

1996م - 1416 ھ

هويّة الكتاب

إسم الكتاب: ... التربية المثالية وظائف الوالدين والمعلمين

تأليف: ... رضا فرهادیان

المترجم: ... ابراهيم الخزرجي

النشر: ... مؤسسة المعارف الإسلامية

صف الحروف: ... مؤسسة المعارف الإسلامية

الطبعة: ... الأولى 1416 ھ.ق

المطبعة: ... پاسدار اسلام

العدد : ... 2000 نسخة

السعر: ...

ص: 2

رضا فرهاديان

التربية المثالية

وظائف الوالدين والمعلمين

-5-

ترجمة: ابراهيم الخزرجي

ص: 3

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 4

ويَدْرَؤُنَ بالْحَسَنَةِ السَّیِّئَة

22 / الرعد

ص: 5

ص: 6

دور العلاقات في أول موقف من التربية

ص: 7

ولقد كرّمْنا بَني آدَمَ(1)

القرآن الكريم

دور العلاقات في أول موقف من التربية

الدور العائلی

ان أحد الاُمور الضرورية التي ينبغي للأبوين والمعلمين الاهتمام بها في أمر التربية وتعليم الأخلاق للأطفال، هو ایجاد العلاقات الصحيحة مع أبنائهم فإن أول وأهم ما يمهٌد أرضية نمو وتكامل الأحداث من الناحية الخلقية هو علاقات الأبوين الصحيحة مع بعضهما، وعلاقتهما مع أبنائهما.

أن أهم ملاك يمكن على اساسه تقييم تربية الأطفال هو إقامة تلك العلاقات بين أفراد العائلة بعضهم مع بعض، وهذا هو الذي یُعبّر عنه اليوم ب«بجهاز العلاقات» الذي تكون سلامة المجتمع على ضوئه رهينة سلامة تلك العلاقات العائلية، فإنه لا يمكن أن يكون المجتمع سليماً من دون تلك العلاقات الصحيحة في داخل البيوتات نفسها.

ما هو الجهاز؟

الجهاز عبارة عن اشتراك جماعة من الناس فيما بينهم من أجل تحقيق اهداف و منافع مشتركة، به تكون لهم هويةٌ واحدة، بنحوٍ لو تعرض هذا الجهاز الأدنىٰ خطرٍ بتعرّض أحد أو سائر افراده لضرر، لسرى ذلك الضرر الى الجهاز

ص: 8


1- اسراء: 70.

بجميع أفراده. وعلى ذلك، فإن أساس التربية الصحيحة للأحداث في المجتمع لابد أن يكون له ارتباطاً وثیقاً بسلامة العائلة، وهذه السلامة تقتضي وجود علاقات سليمة بين أفراد تلك العائلة.

ما هي العلاقات؟

العلاقات عبارة عن نوعٍ من المبادلة للمعلومات والأحاسيس والمبادلة على وزن المفاعلة، وهي تقتضي وجود طرفين للتبادل، فالعلاقات إذاً هي أمر بين طرفين.

ما هي العلاقات السليمة؟

العلاقات السليمة هي بمعنی تبادل المعلومات والمشاعر بين طرفين، في ظلّ جوٍّ دافيء من التفاهم والانسجام، على أن تكون الأحاسيس المتبادلة قیّمة.

وبشكلٍ عام، فالعلاقات البشرية اما تكون قائمة على أساس «التكريم» أو «التحقير والإزدراء»(1).

ص: 9


1- وعلى هذا الأساس لا يمكن ان تكون لحكام البلدان الاسلامية مع حكام الدول الاستعمارية علاقاتٍ طيبةٍ لعدم اعتقاد أولئك بالقيم والمبادىء الانسانية، ولم يراعوا الاحترام المتقابل في علاقاتهم مع الآخرين، فإن أولئك ينظرون بعين الازدراء للشعوب الإسلامية، وقد ورد في خطاب الحق تعالى في قوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياء)، الممتحنة:1، وفي قوله تعالى ( فأعرض عمّن تولّى عن ذكرنا و لم يُرد إلّا الحيوة الدّنيا)، النجم: 29.

إننا نتعامل مع كل انسان ونشكل معه علاقاتٍ حميدة، فإن وجدنا فيه عزّة نفسٍ وكرامةٍ حاولنا تقوية ذلك فيه، وان وجدناه فاقداً لهما حاولنا عدم تحقیر و تنقیصه، فإن العلاقات الصحيحة في نظر الاسلام هي العلاقات القائمة على أساس الاحترام والكرامة وعزة النفس لنا ولمن نتعامل معه من الناس.

أهم أداة في العلاقات:

ان واحدة من أهم السبل التي عن طريقها یتمکّن الانسان أن يؤسس علاقاته على ضوئها هي المحاورة والكلام، فانهما اللذان يكشفان عن عواطف ومشاعر الانسان، وهما المسفران عن أهدافه وأغراضه و نيّاته، فإن الناس-في الحقيقة- مخبوؤن تحت ألسنتهم(1).

العلاقات عن طريق الحوار

جاء في آخر الاحصائيات أن ما يقرب من 85٪ من العلاقات في مجتمعنا يتعلق بعلاقات الناس مع بعضهم عن طريق الحوار والسمع، وما يقرب من 10٪ يتعلق بالكتابة والقراءة، وعلى هذا الأساس، فإن للألفاظ والكلمات والجمل دور حيوي في نقل المفاهيم والمشاعر بين الناس، فللمعاني العبء الأكبر في نقل المعارف والمعلومات في العلاقة بين شخصين، وللألفاظ من الجانب العاطفي تأثير كبير في قلوب الناس.

ص: 10


1- قال أمير المؤمنین علیه السلام: «الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِه» نهج البلاغة، الحكمة رقم: 148.

ولا يخفى ما للبيان - في المحاورة التي تتشكل على اساسها العلاقة- من أهمية عندما يصاغ في قوالب الألفاظ والكلمات، التي يتبادلها الجانبان في علاقاتهما، ومن أجل ذلك كان ثاني ما ذكره الله تعالى في كتابه - بعد خلق الانسان - من خصائص في قوله تعالى: (خلق الإنسان علمه البيان)(1).

فالكلام أفضل وسيلة لتلك العلاقات بين الناس، وحيث أن رقعة العلاقات واسعة وتحتاج الى طرفين، كان القسم الاعظم من تلك العلاقات بين الناس جارياً عن طريق التكلّم والاستماع والمحاورة المتعارفة بينهم، ولذا ينبغي أن يكون الانسان متحدّثاً ومستمعاً جيداً، من أجل أن تكون العلاقات طيبةً وصحيحة، اي انه لا بد أن يكون عالماً بدور المحاورة في تبادل العواطف والمشاعر من الناحية النفسية، فيستعمل فيها الألفاظ والمعاني المناسبة للقيام بذلك الدور بنحوٍ أفضل، ولا يخفى ما لبعض الكلمات والمعاني من دورٍ بنّاءٍ في ايجاد علاقاتٍ وديّة وصداقةٍ حميمية(2)، ولابد أيضاً من معرفة وقت استعمال تلك الألفاظ والمعانی، اذ أن التفوّه بكلمةٍ طيبة أحياناً في وقتٍ و ظرف غير مناسبين يعطي أثراً سلبياً(3)، ولذا لابد أن يأخذ الانسان وقت وألفاظ المحاورة بنظر الاعتبار ويكون دقيقاً في ذلك، لأن العلاقات القائمة في جوٍ يظلّه الود والاحترام المتبادل، والمعرفة في كيفية استعمال الألفاظ والمعاني المناسبة، تلعب دوراً كبيراً في توطيد تلك العلاقات و دوامها.

ص: 11


1- الرحمن: 3 و4 .
2- قد يكون لبعض الكلمات أثراً سلبياً يوجب كون العلاقات غير صحيحة.
3- قال أمير المؤمنين عليه السلام: «زلّة اللّسان أشدّ من جرح السّنان» الغرر والدرر، للآمدي، ج 4 ص 111.

والذي يؤسف له هو عدم اهتمامنا بما نستعمله من معانٍ والفاظ في محاوراتنا اليومية خصوصاً لو كان لنا دور التربية والتعليم، ومن أجل أن نتعرف على الدور الحساس والخطير لإستعمال الألفاظ و تقييمها، ومعرفة آثارها في الحياة، نستمع لقوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ* تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِين بإذن ربِّهَا وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ *وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرَارٍ)(1).

والی قوله تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)(2).

جو العلاقات

لابد من الالتفات الى ان للجو الذي تكون في ظله تلك العلاقات - اي أن

اللوضع الظاهري من قبيل: النظر، قسمات الوجه، والحركات الأثر البالغ في

ایجاد علاقات - صحيحة بين الناس، فإن لكل من التبسم، أو العبس(3)في الوجه والاقباط، والغرور أو التواضع(4)، الأثر الهام في توفير الجو الايجابي للعلاقات أو السلبي.

ص: 12


1- (1) ابراهیم: 24 - 26.
2- (..َ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ..) فاطر: 10، والمصداق الاكمل للكلمة الطيبة هو العقائد الصحيحة ومنها التوحيد، وكل كلمة طيبة تبعث على السرور والأمل، وتحيي التقوى و تكون سبباً في تكامل الشخصية هي مصداق لقوله تعالى: (كلمةً طيبةً) وكل كلمة تسقط الكرامة وتخدشها و تهدم شخصية الانسان فهي مصداق لقوله تعالى: ( كلمةٍ خبيثهٍ) ولذا قال النبي صلى الله عليه و آله: «خَيْرُكُمْ مَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ» بحار الانوار: ج 71، ص 383.
3- قال تعالى: (عَبَسَ وَ تَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) عبس: 1- 3.
4- قال تعالى: ( وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاس وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ فَرَحاً)لقمان: 18.

جو العلاقات المعنوية

ونقرأ في ذلك جملة من آيات الذكر الحكيم:

قال تعالى: (وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين)(1).

(وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً)(2).

(وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً)(3).

(وَ إِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُون)(4).

( وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها)(5) .

(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم)(6).

الاستماع الجيّد

وفيه آیتان کریمتان:

قوله تعالى:(فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَه)(7).

ص: 13


1- الشعراء: 215، وقال النبي صلى الله عليه وآله: «الْقَ أَخَاكَ بِوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ» الكافي: ج 2 ص 103 وعنه صلى الله علیه و آله: «قُولُوا لِلنَّاسِ أَحْسَنَ مَا تُحِبُّونَ أَنْ يُقَالَ لَكُم» وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «الْبَشَاشَةُ حِبَالَةُ الْمَوَدَّة» بحار الأنوار: ح 69 ص 409.
2- الفرقان: 63.
3- الفرقان: 73.
4- الشوری: 37.
5- النساء: 86.
6- فصلت: 34.
7- الزمر: 17-18.

وقوله تعالى: (.. وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُم)(1).

أفضل الحديث (اُسلوب الحديث)

ان لطريقة واسلوب الحديث من الناحية النفسية -في تسخير العواطف- آثاراً صحيحةً ومتوخّاة، واخرى معاكسة لها على العلاقات، فإن الكلام إذا كان بصوت عالٍ واسلوبٍ خشن، قد يهدد اطمئنان الانسان ويسلب راحته، فيترك آثاراً سلبيةً على الشخص المقابل حيث أن ذلك يُغضبه، وقد يسكّن الكلام الهاديء واللّين الغضب، ويُميت التوتر، ولذا أوصى بذلك القرآن الكريم من أجل ایجاد علاقات بنّاءة في جملةٍ من الآيات:

قال تعالى:(واقصد في مشيك واغضض من صوتك)(2).

( فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشیٰ)(3).

(وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُم)(4).

(يا صاحِبَیْ السِّجْنِ ءأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّار)(5).

(وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)(6).

( وَ قُلْ لِعِبٰادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَن)(7).

ص: 14


1- التوبة: 61.
2- لقمان: 19.
3- طه: 44.
4- محمد صلى الله علیه و آله: 30.
5- يوسف: 39.
6- البقرة: 83.
7- الاسراء: 53.

قول بالمعروف

وفيه آیات بیّنات: قال تعالى: (وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيداً)(1).

(وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً)(2).

(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَ مَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَ اللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)(3).

(وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً)(4).

في مناهي الحديث

قال تعالى:(لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ)(5).

(وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ)(6).

(وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ)(7).

علاقات الأبوين مع بعضهما

ان العلاقات العائلية في المجتمعات الصناعية في العصر الحاضر مصيرها الى الإنهيار، ولو كانت هناك علاقات فهي في اكثر الحالات علاقات ترتبط بالعمل فقط، وليست علاقات عاطفية وقلبية، وقد سرى ذلك تدريجياً الى سائر المجتمعات بسبب نفوذ الثقافة الغربية اليها، بنحوٍ آل أمر العلاقات

ص: 15


1- الأحزاب: 70.
2- النساء: 5.
3- البقرة: 263.
4- الاسراء: 23 .
5- الحجرات: 11.
6- الحجرات: 11.
7- الحجرات: 11.

العائلية في المدن الكبيرة من مجتمعنا الى نوعٍ من الانحلال، وصار الحوار فيها من جانبٍ واحد، حيث يلاقي الانسان في تفاهمه مع الآخرين صعوباتٍ شتیٰ، اذ أن الأب والأم وسائر افراد العائلة كل واحد منهم مشغول بعمله، فصارت فرص المجالس العائلية قليلةً جداً، هذا ومن جهة أخرى فإن التلفزيون في برامجه المتنوعة له الأثر الخطير في الحدّ من العلاقات بين افراد العائلة، إذ حتى لو تهيأت فرصة -ولو يسيرة في مناسباتٍ معينة- لأفراد العائلة فالعلاقات فيها تكون ناقصة، لعدم إدراك بعضهم أحاسيس ومشاعر البعض الآخر، ولذا تكون علاقاتهم من جانبٍ واحد، فتصاب علاقات الأم والأب بنوعٍ من التوتر العاطفي، فهم في الظاهر معاً، إلاّ أن أكثر تلك العلاقات تتجاوز كونها علاقات سطحية، قبل أن تكون علاقات عاطفية وودّیة، إذ أن كل واحد من الأبوين غارق الى اُم رأسه في مشاكله، ويحاول التخلص منها بأي نحوٍ كان. فالآباء في أعمالهم اليومية يواجهون مختلف الضغوط النفسية، وعندما يحصلون على فرصة لاستراحتهم ويعودوا إلى منازلهم، تراهم قلیلاً ما یتکلّمون أو يستمعون لحديث الآخرين، وإذا أرادوا شیئاً يستعينوا بجملٍ مقطّعةٍ وناقصة، أو كلمات مفردة، كقولهم مثلاً: طعام، أي اجلبوا لنا الطعام، أو شاي وفي هذه الأثناء، تریٰ الزوجة تنتظر زوجها يعود لتحدث معه، واذا بها تواجه المزاج الحاد لزوجها، فتضطر الى أن تخبيء حديثها في صدرها، وقد لا تتمكن من التعبير عن مشاعرها ورغباتها التي تريد تحقيقها وان كانت قليلة المؤونة.

ص: 16

ان الزوج وبعد كل هذه المشاكل وضغوط الحياة ليس له رغبة استماع حديث الطرف المقابل، هذا ومن جهةٍ أخرى فإن الزوجة تريد عن طريق الكلام التعبير عن مشاعرها، لعل زوجها بسماع ذلك يداوي جرحها، ويخفف عن آلامها وهمومها، ويدخل على قلبها السرور ويحيي فيه الأمل، لكن وللأسف فان زوجها ليس له ذلك الاستعداد لقبول مثل هذا الكلام، وعدم رغبة كل واحد منهما لاستماع حديث الآخر يكون سبباً في عدم الانسجام والتفاهم، مما يجر الامر الى الاختلاف في نهاية المطاف، وقد يؤدي ذلك إلى مجادلة لفظية حادة بينهما، ومثل هذه التشنّجات تؤدي الى بروز خلل كبير من الناحية النفسية یضرّ بشبكة العلاقة العائلية، وهذه المشكلة سیّالة، حيث تنتقل مضارها إلى الأبناء ایضاً، وتخلّف آثار سوءٍ على علاقاتهم وسلوكهم في المستقبل.

وحسب نتائج التحقيقات في هذا المجال، اتضح أن مثل هذه العوائل تكون ساخطةً على حياتها، ويكون سلوكها الخاطيء سبباً في بروز امراض جسميةٍ مختلفة، وعقد نفسيةٍ، واضطرابات اخرى تحدّ من الصحة النفسية، حيث يكون أبناء الكثير من هذه العوائل فاقدي الثقة بالنفس، إذ أنهم يحاولون -التعويض عن شعورهم بالعزلة، وعدم المسؤولية- اسناد فشلهم في أعمالهم الى الآخرين، وهؤلاء دائماً هم من المتخلّفين علمياً ومن الفاشلين، خلافاً لأبناء العوائل التي يحكمها التفاهم والانسجام بين الأبوين، حيث یتمکّن ابناؤها من اغتنام الفرص في تبادل المشاعر والعواطف والمعلومات فيما بينهم، مما يؤدي ذلك إلى تثبيت المودة والانسجام بين افراد العائلة، ویمهّد ارضية نجاح أبنائهم من الناحية الأخلاقية والدراسية.

ص: 17

(وَ لا يَحْزُنْكَ قَوْلَهُم)(1).

قرآن کریم

تأثير الألفاظ النفسي والعاطفي

اشارة

قد يكون لبعض الالفاظ أحیاناً في العلاقة بين شخصين دور بنّاء أو معاكس، كما لبعض الالفاظ التي تجرح القلب وتؤثر في النفس، وتؤدي الى الشقاق والفرقة ذلك، وهي أحیاناً تكون اشد من ضرب السيوف(2)، تتآكل بها نفس الانسان كما يتآكل بالإرضة الخشب، ويعرض على الانسان بسببها أمراض نفسية خطيرة(3).

أن الألفاظ والكلام الطیّب يزرع بذرة العلاقات الطيبة، وعلى العكس منها يزرع الكلام الخبيث بذرة العلاقات غير المحمودة. وقد يتداول الأبوين لا شعورياً كلمات بذيئة في محاوراتهم، يكون لها الأثر السيء، ويمكن أن تكون سبباً في العذاب النفسي للطرف المقابل، بحيث تؤدي الى تحقيره والإزدراء به(4).

ص: 18


1- يونس: 45.
2- «ربّ کلامٍ أنفذ من السهام» غرر الحكم، 5322.
3- ان أعراض الكثير من الأمراض العائلية ليست جسمية، لكونها أمراض نفسية، لها أعراض المرض النفسي، فلو زال سبب المرض الذي هو نفسي - زال المرض تدريجيا.
4- أ: الألفاظ التي لها أثر سيّء، وهي كثيرة منها: احمق، لا شعور لك، لا تفهم، لا أبالي، كسول، كذاب، جبان، مغرور، لا قیمة لك، قذر، مهذار، وحشي، ساقط، اسكت، ذو الدماغ الفارغ، مجنون، غیر کفوء، الخ. ب: الكلام الذي له الأثر السيء: - لماذا أنت دائماً هكذا ... - انت تغفل دائماً. - أنت دائماً تحرقين الطعام؟ ... - کفی، کفی . - أنت دائماً عملك ضعيف. ... - انصرف، انصرف. - ما الذي فعلت من فعلٍ قبيح؟ ... - انت لا حق لك. - انت كلما ترى تريد. ... - لماذا فعلت ذلك. - انت تحب نفسك فقط - أناني -. ... - ان دماغك فيه خلل. - لماذا لا تبدل طبعك ... - انت مجنون. - اسمع يا محتال . ... - انت تقصر دائماً. - انت تبحث دائماً عن اعذار. ... - لم اسمع منك کلاماً صادقاً. - أنت تنسى دائماً. ... - لا تستطيع أن تفعل شیئاً. - أنت تنهض ببطىء دائماً . ... - انت دائماً تكون سبباً في غضبنا. - انك كسول. ... - العار لك . - انت لا تفهم اصلاً. ... - انت أعمى دائماً . - أنت لا تستحق أي شيء. ... - انت أصم دائماً. - الآخرون أفضل منك. ... - لا أدب لك. - أنت وقح جداً. ... - لا قیمة لكل كلامك. - انك لا ادب لك لأنك تقطع علىّ كلامي. ... - انّك تعس. - انك صلف جدّاً. ... - إنك قذر دائماً . - غيرك من النساء افضل منك تبعّلاً وفهماً. ولهذا الكلام الذي هو مصداق «الكلمة الخبيثة» آثار سيئة يخلّفها على العلاقات العائلية، مما يؤدي الى تكدیر صفو العلاقات ويكون سبباً في الآلام النفسية، مما يؤول بسببها الأمر الى ضعف العلاقة، بحيث لو استمر الأمر على ذلك الحال تنقطع العلاقات بين الطرفين ایضاً.

أن مشكلتنا الأساسية هي اننا لا ابداع لنا في تطوير وتحسين علاقاتنا مع الآخرين، فإن اكثر أبناء العوائل في مجتمعنا وان كانوا من المؤمنين والأوفياء بعضهم لبعض، إلاّ أنهم وللأسف قليلوا البضاعة في مجال ایجاد علاقات صحيحة بينهم، خصوصاً بعد ان يكون لهم أبناء.

ص: 19

إن نار الخلاف بين الزوجين يمكن أن تأخذ بأذيال العلاقات بين افراد العائلة، ولها ایضاً آثار سوءٍ تخلّف بصماتها على علاقات الأبناء مع سائر افراد العائلة والمجتمع.

إننا نتعامل مع الآخرين ونشکّل معهم علاقات قائمةٍ على أساس تبادل الألفاظ والجمل، وننظر الى ذلك نظراً سطحياً، بحيث نتداول تلك الألفاظ بكل بساطة، فتتجاوز أفواهنا بشكلٍ طبيعي، غافلين عن الأثر الذي تخلّفه - وان لم يكن بحسب الظاهر محسوساً- على نفوس الآخرين، أن هذا الكلام(1) المتداول هو الذي يجعل من العلاقات بين الزوجين علاقات حبٍ وودٍّ، أو یکدّر صفو العلاقات بينهما، فذلك -بعبارةٍ أخرى- أما يجعل من العلاقات أوثق وأقوى، أو يؤدي الى التنفّر والافتراق. وعلى كل تقدير، اننا انما نكون سعداء إذا تمکّنا من إقامة علاقاتٍ صحيحةٍ ومنطقية بحيث نجلب بذلك رضیٰ الله تعالی عنا، ونكون به مسرورين.

إن الله تعالى جعل اللسان وسيلة لبيان الطیّب من الكلام(2)

ص: 20


1- (1) وقد ورد في الغرر قوله عليه السلام: «إِنَّكُمْ مُؤَاخَذُونَ بِأَقْوَالِكُمْ فَلَا تَقُولُوا إِلَّا خَيْراً»، ج 3 ص 65، وعن أمير المؤمنین علیه السلام ایضاً: «عَوِّدْ لِسَانَكَ حُسْنَ الْكَلَامِ تَأْمَنِ الْمَلَامَ» غرر الحكم: 6233.
2- (2) عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصف المتقين، قال: «منطقهم الصواب ...» نهج البلاغ: وصف المتقین. ألف: الألفاظ التي لها أثراً بنّاءً: أحسنت، ما شاء الله، اشكرك، آمل منك ذلك، جید، عزيزي، عمري، صديقي، أيها العاقل، أيها المحترم، عيني، تفضل، أيها المتّقي، أيها الحليم، أيها الرحيم، من فضلك، الخ. ب: الكلام الطیّب: - وفّقك الله. ... - كيف اشكر أتعابك . - لو تمکنت سأفعل ذلك. ... - اني أحب طعامك. = =- لك الاختيار في ذلك. ... - اني أتحسس أتعابك. - انت تفضل. ... - انك كنت دائماً من السابقين الى الخير. - تقبل الله منكم. ... - اني اعبتر وجودك سبباً في تكاملي . - ساعدك الله. ... - اني افرح لما أراك تصلي اول الوقت. = =- اني ادرك ما تقول. ... - اسررتنی کثیراً. -ان طبخك للطعام لذيذ. ... - اسمح لي أن أساعدك. - الله يرضیٰ عنّا. ... - ما حاجتك . - تربت يداك. ... - من فضلك حاول التفكير في ذلك . ۔ ان جهودك لا تنسي. ... - انا أرعى الاطفال وانت صلّ اولاً. - تتمكن ان شاء الله. ... - أنا اليوم أفعل ذلك وأنت طالعي. - أنا لا أعارض لو كنت راضياً. ... - اسمح لي أن أحل معك المشاكل. - نحاول أن نكون أبوين جدين. ... - احب الاطلاع على رأيك. انك اليوم اجهدت نفسك كثيراً. ... - اشعر انكِ ترغبين في آن نصلي معاً أول الوقت . - اشعر انك اليوم غضبان علیّ ولا ادري لماذا ولكن اقدر ظروفك. - انك تتحملين اعباء المنزل.

به الانسان من التعبير عن أحاسيسه، والحدّ من مشاكله، وتوثيق العلاقات الحسنة بسببه، وأخیراً فهو سبب في تكامل الانسان وسعادته، ولذا لا ينبغي للانسان أن لا يعير للألفاظ أهمية، لأنها من أفعاله التي يحاسب عليها ويؤاخذ بها.

قال تعالى: (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(1).

اننا لا يمكننا تقييم أنفسنا، أو أن نعتبرها ناجحة في إقامة العلاقات، إلاّ اذا ابتلينا بالغضب، فمثلاً ما هو رد فعلكم وما تقولون لمن يكون عليكم غضباناً؟ وكيف يكون سلوككم في الموارد التي توجه فيها اليكم الانتقادات؟ وما تقولون عندما لا تستمع أزواجكم لكلامكم وما کنتم فاعلين؟ وما تقولون

ص: 21


1- ق: 18.

أو يكون رد فعلكم عندما تواجهون ضغوطاً اقتصادية في الحياة وعندما يتداخلكم الهم والغم؟ وما تفعلون لو رجعتم من محل عملكم- بعد ان سلب. منكم الجهد والعناء الراحة، وقد واجهتم انواع الضغوط النفسية- الى البيت فتواجهون شتیٰ المشاكل التي لم تحسبوا لها حساباً، ان كل ذلك يسمعه الله تعالى، وقد وصف الحال فيه بقوله:{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَ تَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير}(1).

اننا اذا تمکنا من القضاء على الغضب في مثل هذه الظروف وضبط النفس بالسكوت على الأقل(2)، أو بالكلام غير الجارح لمشاعر الطرف المقابل، والذي لا يخلو من العطف والرأفة، نتمكن حينئيذٍ من القول بأننا قد نجحنا في علاقاتنا، واستطعنا الى حدٍّ ما الحفاظ على الاحترام المتبادل، الذي هو عبارة عن تلك العلاقات الصحيحة.

وفي الحقيقة، فإن مثل هذه العلاقات الحسنة والبنّاءة هو الذي يكون سبباً في رضا الله تعالى، وفي سعادة الحياة، وتكامل النفس، وعلو درجة التقویٰ لدينا، ولدیٰ أزواجنا كذلك. ولا يخفى قلة وجود الأشخاص الذين يتعاملون في مثل تلك الظروف بسعة صدرٍ وانشراحٍ ورأفة.

إن أكثر المتزوجين يغفلون في مثل تلك الظروف عن إقامة علاقاتٍ صحيحة مع بعضهم، وغفلتهم هذه تكون سبباً في وجود الشقة بينهما تدريجياً مما تضر بشبكة العلاقات، وتكون في النتيجة سبباً في الاختلاف بین سائر افراد العائلة، وفي أذاهم النفسي والعصبي.

ص: 22


1- المجادلة: 1.
2- عن أمير المؤمنين علیّه السلام أنه قال: «أَحْسَنُ الصَّمْتِ مَا كَانَ عَنِ الزَّلَل» غرر الحكم: 3109.

فإنه قد يتفق اختلاف الزوجين مع بعضهما على أمرٍ حقير جداً، فيتبادلا الكلام الذي لا طائل تحته، مما يجرح القلوب سماعه(1)، ويكون سبباً في الخدشة لشخصية الطرفين، وفي إيجاد نوعٍ من العذاب العاطفي والاختلاف، إذ أن الضرب على وتر الاختلاف بينهما يؤدي الى تشنّج الأطفال في علاقاتهم مع بعضهم الآخر، ومع سائر افراد العائلة وتنعكس آثار ذلك الاضطراب على سلوك الأطفال بشكل سلوكٍ غير متّزن، في المدرسة والبيت، إذ أن منشأ أغلب التشنّجات - كالانزواء، كثرة الحياء، الكآبة، عدم العلاقة بالدراسة، وعدم الدقة - هو عدم التوازن الحاصل في شبكة العلاقات العائلية.

علاقات الأبوين الصحيحة والبنّاءة مع بعضهما

كيف يمكن ايجاد جهازٍ للعلاقات العائلية قائمٍ على أساس تبادل المشاعر والأحاسيس؟ وما الذي ينبغي فعله من أجل اقامة علاقاتٍ صحيحة؟

إنّ العلاقات الصحيحة والجيدة هي - وكما أسلفنا ذكره - التي تتقوّم بطرفين يتبادلان بينهما الآراء والمشاعر، ويحترم كل منهما الآخر ویقدّره، ويهتم كل منهما بما يبديه الآخر من رأي، ويتعاملان بانسجامٍ تامٍ من أجل حل مشاكلهما، ويتقاسمان آلامهما وأفراحهما و آمالهما، ولذلك الاثر البالغ في الحدّ من الآلام في الظروف الصعبة عند هجوم المشاكل، وينتهي بهما الى سبل حلٍ صحيحة لتلك المشاكل.

ص: 23


1- عن أمير المؤمنين علیّه السلام أنه قال: «زَلَّةُ اللِّسَانِ أَنْكَى مِنْ إِصَابَةِ السِّنَان» غرر الحكم: 5451

ومن خصائص العائلة المؤمنة والمتّزنة هو حسن الاستماع(1) لأفرادها بعضهم لبعض، والترفّع بالغض عن الأخطاء فيما بينهم(2)، وتحسّس بعضهم آلام البعض الآخر في الصراع مع المشاكل، وهذه العائلة - التي يظل العلاقات الزوجية بين الرجل والمرأة الجوَّ الهاديء، والمليء بالحب والغبطة، المقرون بالود والاحترام المتقابل - هي المصداق لقوله تعالى: { وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}(3)، فإن من أجلى وأهم وأفضل مصاديق العلاقة الصحيحة بين الزوج والزوجة هو علاقات الأبناء الودیّة مع بعضهم، برعايتهم للاحترام المتبادل بينهم، الذي يضمن سلامة النفس ويكون بمثابة الدواء لجرح عواطف ومشاعر كل واحدٍ من أفراد العائلة.

ومما يؤدي الى الودّ واستقامة البناء العائلي المقدس، ودوام و استحکام شبكة العلاقات العائلية وضمانها هو تبادل المشاعر والعواطف، واثبات العلاقة الصادقة والحب في جوٍ من المعنوية، بحيث يعتبر كل واحدٍ منهم الآخر سبباً الكماله ورقیّه و آية من الآيات الإلهية.

والتعرف على الأصول الصحيحة لإقامة العلاقات، والتبادل ألفكري والعاطفي، یمکّن كل واحدٍ من أفراد العائلة في أن يستعمل الالفاظ المحبوبة التي تصان بها شخصية كلٍ منهم، والتي تزيد من الاحترام المتقابل لهم، وهذه الالفاظ تكون سبباً في زيادة العلاقة القلبية يوماً بعد آخر، فتؤتي ثمارها كل

ص: 24


1- عن أمير المؤمنین علیه السلام: انه قال: «عَوِّدْ أُذُنَكَ حُسْنَ الِاسْتِمَاع» غرر الحكم: 6234.
2- وعنه عليه السلام أيضاً أنه قال: «أَشْرَفُ خِصَالِ الْكَرَمِ غَفْلَتُكَ عَمَّا تَعْلَم» بحار الانوار: ج 71 ص 417.
3- الروم: 21.

حين، وتزيد من رقعة السلوك المؤدّب لأبنائهم أیضاً، ومن نماذج ما ينبغي أن يقول الزوج لزوجته من الألفاظ، ما ورد في قوله صلّی الله علیه و آله: «إذا قال أحدكم لامرأته إني أحبك لم يخرج ذلك من قلبها أبدأ»(1). إن الإعراب عن الحب الباطني والقلبي، واحترام الزوجة، عن طريق المحاورة الهادئة، يكون سبباً في شدة علاقة الزوجة بالحياة المشتركة في ظل القيم الأخلاقية والمعنوية الرفيعة، وذلك لما لها من الميثاق الغليظ علىّ زوجها، قال تعالى:

{وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً}(2) وقال تعالى:{الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ- بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِم}(3)، وقد كان النبي الكريم صلوات الله عليه و آله خير الناس لأهله في إقامة العلاقات على اساس الاحترام وتبادل المشاعر والروابط القوية، وأوصانا بذلك حيث قال«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَ أَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»(4)، وعلى الأزواج أن يكنّ كما وصف الله في كتابه العزيز في قوله: {فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ}(5).

خصائص العلاقات الصحيحة بين الزوج والزوجة

1- هما - الزوجان - اللذان یعیّنان وقتاً (من الليل أو النهار) يقيمان فيه علاقاتٍ مع افراد عائلتهما.

ص: 25


1- وقال صلّی الله عليه و آله « إِنَّ أَكْمَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً وَ خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِه» نهج الفصاحة: الكلمة رقم، 454.
2- النساء: 21.
3- النساء: 34.
4- نهج الفصاحة: الكلمة رقم، 1520.
5- النساء: 34.

2- هما اللذان تكون لهما مع بعضهما علاقات قائمة على أساس الاحترام المتبادل، واللذان يكون لكل منهما مسؤوليةً غير مسؤولية الآخر، فإن تبلور العائلة رهين جهودهما معاً.

3- هما اللذان يدخلان الحوار مع بعضهما بحسن نيةٍ، واسلوب يُلمس منه العطف والمودة.

4- هما اللذان يحاولان حلّ مشاكلهما، وان يكون ما يوجهه أحدهما للآخر من انتقادٍ بعيداً عن أبنائهما.

5 - هما اللذان يرعیان - في توجيه الانتقاد - الاحترام المطلوب بحسب قابلية الطرف الآخر وتحمله، بنحوٍ لا يكون في ذلك ضربة نفسية له.

6- هما اللذان یرکّزان النظر عند الانتقاد على نقاط القوة، واللذان يعطيان لبعضهما فرصة اصلاح سلوكه.

7- هما اللذان يرعيان - في ابرازهما للأحاسيس أو النصائح والانتقادات - حال وشخصية الفرد الآخر بنحوٍ لا يخدش ذلك بعزة النفس لديه.

8- هما اللذان يحاولان غض النظر عن اخطاء بعضهما الآخر، لإمكان علم كل منهما بذلك(1).

9- في حالة كون أحدهما مذنباً، يحاول الآخر معاقبته بالسكوت، لقول أمير المؤمنین علیه السلام: «أعقل الناس من لا يتجاوز الصمت في عقوبة الجهال»(2).

ص: 26


1- (1) قال أمير المؤمنين عليه السلام: «مِنْ أَشْرَفِ أَفْعَالِ الْكَرِيمِ غَفْلَتُهُ عَمَّا يَعْلَم»، نهج البلاغة، وقال عليه السلام في الغرر: 10503 «لا عقل کالتجاهل، لا حلم كالتغافل».
2- غرر الدرر للآمدي: ج 2، ص 465.

10 - أن يأخذ كل منهما قوله تعالى: {هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُن}(1). بنظر الاعتبار عند الانتقاد، وذلك بمحاولة تغطية العيوب وسترها، ویرجّحان السكوت البنّاء على التکلّم بشيء(2).

11 - هما اللذان يقضيان اوقات الفرح والسرور مع بعضهما في البيت، يتحدثا بما يكون سبباً في تکامل شخصيّتهما وشخصية أبنائهما، فإن افضل لحظات الفرح والحالات المعنوية لأي عائلةٍ في إقامة علاقاتٍ صحيحة هو عند اوقات الصلاة، عندما يتوجه اهل البيت جميعاً الى ساحة القدس الالهي، ويقفوا لأداء الصلاة بقلب خاشع، ويقولون: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاء}(3).

وما دام للرجال في هذا المجال مسؤولية إدارة شؤون العائلة، لابد من تحليهم بالحلم والصبر والعفو والصفح، قال تعالى: {وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَ اللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيم فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم وَ اسْمَعُوا وَ أَطِيعُوا وَ أَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُم وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون}(4).

وعلى أي حال، فلابد أن يلعب ربّ العائلة دوراً في بعث روح الفرح والسرور في نفوس أفراد عائلته، ولو اتفق له العثور على نقاط ضعف في زوجته أو تعلقت في ذهنه شبهة عنها، فعليه العمل بقوله تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ

ص: 27


1- (1) البقرة: 187.
2- قال علي عليه السلام: «الْكَلَامُ كَالدَّوَاءِ قَلِيلُهُ يَنْفَعُ وَ كَثِيرُهُ قَاتِلٌ» وقال عليه السلام ایضاً: «رُبَّ سُكُوتٍ أَبْلَغُ مِنْ كَلَام» غرر الحكم: الكلمة رقم 2182.
3- ابراهيم: 40.
4- التغابن: 16-14.

فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً- وَ يَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}(1) ، ولا يخفى ما ينبغي على الزوجة الذي تأكدت الوصية به من ضرورة تحملها للمسؤولية، وتحلّيها بالحلم، وكونها تابعة لزوجها في جميع شؤونها(2).

خصائص العلاقات الخاطئة بين الزوج وزوجته

1- الإصرار والعناد في اثبات الموقف بالكلام.

2- تبرأة النفس عن العيوب، والالقاء بتبعات الخطأ على الغير.

3- الاصرار في تبرأة النفس عن الذنوب.

4 - إكثار العتاب، والطعن باللسان.

5 - الشعور بالأفضلية والترفّع عن الآخرين.

6- الاستهزاء والسخرية.

7- عدم ادراك مشاعر الآخرين والتعاطف معهم.

8- التکلم باسلوب خشن(3).

9 - التدرّع بسلاح الدفاع عن النفس دائماً.

10- رد الانتقاد بانتقادٍ مثله.

11- عدم الاهتمام بشخصية الآخرين.

12 - التحقير للآخرين(4).

ص: 28


1- (1) النساء: 19.
2- راجع لمزيد من البيان کتاب: ما ينبغي على الوالدين معرفته، للمؤلف، القسم الأخير، «حقوق الزوج على الزوجة».
3- قال أمير المؤمنین علیه السلام: «مَنْ سَاءَ لَفْظُهُ سَاءَ حَظُّه» غرر الحكم للآمدي، ج 5، 9173.
4- عن النبي صلّی الله عليه وآله: «أَذَلُّ النَّاسِ مَنْ أَهَانَ النَّاس» بحار الانوار: ج 75 ص 142، وعن أميرالمؤمنين عليه السلام: «سُنَّةُ اللِّئَامِ قُبْحُ الْكَلَامِ» غرر الحكم: 5551.

13 - ابراز نقاط الضعف لدیٰ الآخرين والكشف عنها .

14 - وضع الآخرين في قفص الإتهام، بدلاً عن السلوك المؤدب معهم.

15 - عدم الاهتمام بحديث الآخرين.

16 - اظهار الانزجار بألفاظٍ بذيئةٍ وبشكلٍ مباشر.

17 - الخصام، والجدال(1) .

18 - سوء الظن بالآخرين.

19 - محاولة اذلال الآخرين وتوجيه ضربةً لعزة النفس فيهم.

20- ردّ المعروف بالمنكر.

21 - الاعتراض المستمر على احقر الامور، الانتقادات، ابراز العضلات بالتهديد، الوصايا الدائمة، التدخل في غير محله، البحث عن اسباب الامور الحقيرة، كل ذلك من العوامل المضرة بالعلاقات السليمة والماحقة لها تماماً.

ص: 29


1- عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «لَا مَحَبَّةَ مَعَ كَثْرَةِ مِرَاءٍ» غرر الحكم: 10532، وعن أبي عبدالله الصادق عليه السلام: «إِيَّاكَ وَ كَثْرَةَ الْخُصُومَاتِ فَإِنَّهَا تُبْعِدُكَ مِنَ اللَّه» بحار الانوار: ج78 ص 288.

ص: 30

قال رسول الله صلّی الله عليه و آله

إِذَا سَمَّيْتُمُ الْوَلَدَ مُحَمَّداً فَأَكْرِمُوهُ وَ أَوْسِعُوا لَهُ فِي الْمَجَالِسِ

وَ لَا تُقَبِّحُوا لَهُ وَجْها.

جامع الأخبار: 124

مناهج العلاقة مع الأطفال والشباب

اشارة

ص: 31

ص: 32

قال موسى عليه السلام:

أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ عِنْدَكَ؟

قَالَ: حُبُّ الْأَطْفَالِ فَإِنِّي فَطَرْتُهُمْ عَلَى تَوْحِيدِي (1)

العلاقة مع الأطفال والشباب

كيف یمکن إقامة علاقاتٍ صحيحةٍ مع الأطفال؟ وهل یمکن الإبداع في اقامة تلك العلاقات؟ ان أعقد العلاقات وأهمها، هي اقامة العلاقات مع الأطفال، وهي تحتاج الى نوعٍ من الإبداع، والمهارة، الصبر والحلم الكثير.

ان اول ما يحتاج الطفل الية نفسياً، هو الرأفة به وحبّه، فإنكم قد تحبّون أطفالكم، ولكن المهم هو كيفية ابراز ذلك الحب اليهم، فإن كل طفلٍ ومن أجل أن يشعر بالاطمئنان، يحتاج الى هذا الحب، لأنه بالحب يأنس الحياة، وتكون علاقته بکم شديدة، وللعلاقة بينكم وبينه ارتباط وثيق بكيفية ابرازكم لذلك الحب(2).

ان شعور الطفل بالاطمئنان بهييء أرضية ارتباطكم به في مجالٍ أوسع،

ويتعلم بسبب ذلك كيف يكون له سلوكاً صحيحاً.

ص: 33


1- بحار الأنوار: ج 104 ص97.
2- ان ضرورة ابراز الحب مما يسلّمه الجميع، ولكن المهم هو كيفية تطبيق ذلك على مصادیقه الجزئية فإن الافراط في الحب كالتفريط في عدمه في الضرر، وهذان معٍ التضاد بينهما هما من الناحية التربوية في النتيجة سواء، ثم ان قلة الحب في الانسان تكون سبباً في سلب الرغبة منه عند القيام بأي عمل، وقد تمنع من القيام به، هذا ومن جهة اخرى، فإن الإفراط في الحب يجعل منه الانسان کسولاً، ومثل هذا الانسان لا یتمکّن من القيام بكسب التجارب بنفسه، ولا من اتخاذ التصميم، ولا یتمکّن من ارادة شيء، أو یریٰ لنفسه شخصية ووجوداً.

إن السبيل المناسب الذي یمکن به إقامة علاقات مع الأطفال هو الحد من الاعتراضات عليهم، وتوجيه الانتقادات اليهم، والحد من الآمال ومن الكلام البذيء فيما يتعلق بأفعالهم، فإنه لا یمکّن تأديب الاطفال بالاعتراض الدائم عليهم وعلى سلوكهم، فعلى الابوين والمعلمين التحلّي بالصبر والحلم، وان يضعوا برنامجاً لهم، ويخصّصوا وقتاً لذلك، ولابد من الالتفات و قبل تطبيق منهج التربية الجديد الى الآثار السيئة للمنهج التربوي السابق، لتأثير المنهج السابق على سلوكهم مدةً طويلةً، ولذا يحتاج الطفل الى وقتٍ اکثر ليتطبّع على المنهج التربوي الجديد، ولتزول آثار المنهج القديم.

ومن اجل اقامة علاقات صحيحهً مع الاطفال وتطبيق المناهج المؤثرة في التعامل معهم، نحتاج الى الوقت والفرص المبرمجة لذلك، وما دام لنا مسؤولية الأبوين أو المعلمين نحتاج الى صرف وقتٍ اکثر في التربية والتعليم(1)، لنتمكن من اقامة ارتباطٍ أوثق معهم، وقد وقع هذا المنهج التربوي - أعني تعیین وقتٍ لإقامة علاقاته صحيحةٍ في بيئتي المدرسة والبيت - في حياتنا المعاصرة في خطر، لأن الوقت المبرمج يمنع من التفريط بالوقت أو قضاءه في المجادلة ولغو الحديث.

إذاً فنحن نحتاج في المرحلة الاولى الى التعرّف أكثر على الأطفال، من

أجل اقامة العلاقات معهم بنحوٍ أفضل.

ص: 34


1- ان الأطفال بحاجة الى تعيين وقتٍ و برنامجٍ صحیحین لقضاء اوقات فراغهم، ولذا من اللازم على كل عائلة توفير فرصة ولو في الاسبوع مرة النزهة الاطفال حسب أعمارهم ورغباتهم.

قال رسول الله صلّی الله عليه و آله و سلّم:

«إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ نُكَلِّمُ النَّاسَ

عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِم»(1).

الخطوة الاُولى: معرفة مستوى ادراك الأطفال وفهمهم

الخطوة الاُولى: معرفة مستوى ادراك الأطفال وفهمهم(2)

عند الاختلاط مع الأطفال، لا يكون هناك اهتماماً- في الغالب - بمستوى التكامل الذهني ومستوى الفهم لديهم، وذلك لأننا نتصوّر أن للطفل فهماً وإحساساً مشابهاً لفهمنا وإحساسنا مع أنه ليس كذلك، فإن الاهتمام الدقيق بمراحل التكامل، ومستوى القدرة العقلية، وميزان المعرفة، وقابلية واختزان المعاني والألفاظ لدیٰ الأطفال، كل ذلك هو من المسؤولية الاولى التي تلقیٰ على عاتق الآباء والمعلمين عند علاقاتهم بالأطفال.

وليس لأغلبنا ذلك الاهتمام بمعرفة القدرات العقلية والقابلية الذهنية للأطفال، فهل يختص ادراك الطفل بالأمور الحسّیة والملموسة، أو له قدرة على ادراك حتى المفاهيم الكلية الانتزاعية و المجردة عن الحس أیضاً؟ فإن أكثرنا يجهل أن للاطفال نوعٍ من التغاير معنا في التفكير، ولذا لابد لنا في الرتبة الأولى من إحراز مستوى التكامل الذهني والعقلي للطفل.

ص: 35


1- سفينة البحار؟
2- قال أمير المؤمنين عليه السلام: «مَا مِنْ حَرَكَةٍ إِلَّا وَ أَنْتَ مُحْتَاجٌ فِيهَا إِلَى مَعْرِفَة» تحف العقول، ص 171.

الخطوة الثانية: معرفة مستوى الإدراك الخُلقى للاطفال

لابد من معرفة مستوى ادراك الطفل الذي نريد اقامة علاقةٍ معه من الناحية العاطفية والخلقية، فهل مستواه في حدّ فهم وتقييم الاُمور والقيم الاخلاقية على اساس الظواهر الحسیة، أو يتجاوزها إلى مستوى معرفة المقاصد والاغراض المستبطنة في كل فعل؟ وهل هو في مستوىٰ الادراك المستقل الذي به يفهم قیمة كل عمل من دون الاستمداد بالأبوين والمعلمين، وبعيداً عن جوّ تأييد الآخرين لذلك أو عدم تأييدهم؟ هذا ولا ينبغي الغفلة عن أن الادراك والتكامل الخُلقي للطفل ليس بمعزلٍ عن مراحل التكامل العقلي والذهني، ولابد من معرفة مستوى التكامل الأخلاقي والعاطفي للطفل الذي نريد اقامة علاقةٍ معه، لنتکلم بما يتناسب ومستواه، لا أن نتکلم معه بكلامٍ لا يفهم معناه باستعمال الفاظ القيم والمبادىء الأخلاقية، ونأمل منه تطبيق ذلك في اليوم التالي بحذافيره لتصورنا أنه قد فهمه.

الخطوة الثالثة: معرفة واقع الطفل واستعداده النفسي

عندما نريد إقامة علاقات مع الطفل ينبغي اولاً أن تعرف مدى وضعه النفسي؟ هل هو في وضعٍ يملأه الغضب، الهم والحزن، أو في حال فرحٍ وسرور؟ ومعرفة الوضع الفعلي الذي يعيشه الطفل يساعد كثيراً على اقامة تلك العلاقات معه، فلو غفلنا عن ذلك أو لم نتأمل فيه سنواجه في الوهلة الأولى من تلك العلاقات صعوبةً ومشاكل عديدة، فإن الطفل لو كان في أقصى درجات العرامة والشراسة، ولم يسمع لنا ولغيرنا کلاماً، لا نتمكن من اقامة

ص: 36

علاقات معه بتلك البساطة، فإنه عندما يواجه الطفل مشاكل في المدرسة أو مع زملائه، ويعود الى البيت في حالةٍ من التوتر الشديد والغضب، تكون معاملة الاب او الام له في تلك الحالة امراً غير يسير، لأن معالجة مثل هذه الحالة تحتاج الى شيء من الحنكة، فإنه ان لم يُلتفت الى مثل تلك الحالات، ولا يحاول ادراك الظروف النفسية التي يمرّ بها الطفل، سوف لا ينفع فيه أحسن القول وأفضل البيان، وسيواجه ذلك منه بالرفض والعناد.

إن الطفل في تلك الحالة -الغضب والتوتّر- لو سمع من الغير كلاماً قبيحاً

جرّاء علاقاته، سينقلب بسبب ذلك النظام الفكري والنفسي للطفل رأساً على عقب، وسيكون ذلك سبباً في ردود الفعل القوية والغير متّزنة للطفل، مما يزلزل علاقاته مع الغير.

اننا لابد من أن ندرك الوضع الذي یمرّ به الطفل تماماً، وذلك بأن نضع أنفسنا مكانه، ونتنزّل(1) لمستواه الفكري، لنتمكن من ادراك أحاسيسه ومشاعره، وفي مثل هذه الظروف لم يعد أمر الطفل ونهيه، تقييم أفعاله، الحكم عليه، انتقاده، نصيحته ووعظه، صالحاً وفي حقه، وليس هذا الوقت وقت طلب، أو وقت ترجي صدور ما ينبغي صدوره منه، خصوصاً لو استولى عليه الغضب فلا تكون له عين ترى ولا اُذن تسمع، وفي هذه الحالة سيواجه كلام كل من الأبوين رد فعل قوي من الطفل، لذا يكون السكوت في بعض الأحيان أفصح بياناً من الكلام، ومن هنا كانت الخطوة الثالثة هي ضرورة ادراك الوضع النفسي الفعلي للطفل.

ص: 37


1- عن النبي صلّی الله عليه و آله انه قال: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ صَبِيٌّ فَلْيَتَصَابَ لَهُ» الوسائل: ج 5 ص 126، وعنه أیضاً: « مَنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ صَبَا».

ص: 38

قال علي عليه السلام:

«عَوِّدْ أُذُنَكَ حُسْنَ الِاسْتِمَاع»(1)

الخطوة الرابعة: الاستماع التام لحديث الطفل وآرائه

ينبغي للأبوين أن يتعاملا مع الطفل بحزم ووجهٍ طلق، بأن يستمعا الحديثه وما يبديه من آراء، ولما يعرب به عن مشاعره، فإن ذلك يُفرغ ما لديه من أحاسيس، ويطمئنه نفسياً، ويحدّ من الضغوط النفسية التي يواجهها.

إن ما لابد منه هو كوننا دائماً اُذن صاغية لأطفالنا، وأن نذعنهم للقبول باهتمامنا لاستماع ما يقولون .

انه ينبغي لنا فسح المجال أمام الطفل من اجل التعبير عن مشاعره، وان

نعلّمه عدم الخوف اذا اراد الرفض او الامتناع.

فاذا أردنا أن نُحسن الاستماع ينبغي لنا السكوت - لضرورته أحیاناً - ومن ثم نردّ على الطفل(2) بما يناسب المقام.

ص: 39


1- غرر الحكم: 6234.
2- قال أمير المؤمنين عليه السلام : «مَنْ أَحْسَنَ الِاسْتِمَاعَ تَعَجَّلَ الِانْتِفَاع» غرر الحكم: 9243.

ص: 40

قال رسول الله صلّی الله عليه و آله:

« رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ يُعِينُهُ عَلَى بِرِّهِ قَالَ يَقْبَلُ مَيْسُورَهُ وَ يَتَجَاوَزُ عَنْ مَعْسُورِه»(1).

الخطوة الخامسة: تقبّل الطفل كما هو عليه، لا كما ينبغي أن يكون

لابد من التعاطف مع ما يبديه الطفل من مشاعر، وعدم رد رغباته رداً صریحاً و قاطعاً، فإن الاستماع لحديث الطفل والرضا عنه یُمهدان أرضية الارتباط العاطفي معه، فلا ينبغي تعليق الرضا عن الطفل علی کون سلوكه صحيحاً دائماً.

إن التعاطف مع مشاعر الطفل -سواء كانت سلبية أو ایجابية- ليس معناه تأييد تلك المشاعر، بل ذلك يُعدّ أرضية الاطمئنان النفسي لديه، ويوجّه مشاعره الخاطئة توجيهاً صحيحاً.

انه ليس من الصحيح الوقوف أمام رغبات ومشاعر الطفل اذا كان في حالة توترٍ وغضب، بل لابد من اختيار السكوت، لان الحديث معه قد يزيد في توتره اکثر، هذا ومن جهة اخرى فإنه لابد من اعطاء الطفل فرصة تطبيق تجاربه والتعرّف على عواقبها المنعكسة على سلوكه، ليتعلّم كيف يوفّق بينها في الحياة، ويذوق طعم الانتكاسة في بعضها، وليكون أساسه قوياً عند

ص: 41


1- الكافي: ج 6 ص 50.

مواجهة مصاعب الحياة، فلابد من اعطاء الفرصة الكافية للطفل في هذا المجال.

غير ان بعض الآباء وللأسف يحاولون - وبمجرد حصول أقل اذي لطفلهم، أو عندما يمنعه من تحقيق رغبته مانع، أو عندما يفقد شیئاً - وفي أسرع وقت رفع ذلك من دون أن يدعوا الطفل يذوق ولو للحظةٍ واحدةٍ طعم المحنة، ومثل هؤلاء الأطفال يكونون قليلي التحمل سريعي الألم نفسياً، وفي غاية الحساسية لأدنیٰ الأمور، إذ هم بذلك سيواجهون الاندحار والهزيمة في أول مواجهة، فهم لا طاقة لهم على تحمّل مشاق الأمور والصعوبات، حيث يستولي عليهم دائماً الشعور بالعجز واليأس.

والذي يقتضيه الحال أحیاناً هو السكوت عن الطفل - في حالات غضبه - لیریٰ نفسه تماماً، كما یریٰ الشخص نفسه في المرآة، وعندما يهدأ وتطفأ نار الغضب في نفسه سیقیّم سلوكه حينئذٍ.

إنّه لابدّ من الاهتمام بما يبديه الاطفال من مشاعر، وعدم تجاهل شخصياتهم وذلك بعدم إخضاع سلوكهم للانتقاد الكثير، والى الصياح والتهريج، فإن الاطفال ليسوا غرضاً لتشفّي نفوسنا، فإنه لو أردنا في مثل ذلك الحال نصيحتهم ووعظهم أو انتقاد أفعالهم ووضع معايبهم نصب أعينهم، سوف يهربوا منّا ویتّخذوا لأنفسهم موقفاً دفاعياً، وذلك لأنّهم في وضعٍ لا يساعدهم أبداً على استماع شيءٍ مما نقول.

ان الاطفال تؤثر فيهم مختلف المشاكل والحوادث التي تواجههم لقلّة بضاعتهم من التجربة، ولذا تراهم يحاولون إبعاد هذه الحالة السيئة - عدم

ص: 42

t

الارتياح - عن أنفسهم بالتعبير عن مشاعرهم، ولذا لابد من التعاطف مع ما يبدوه من أحاسيس، لأن ذلك أفضل سبيل لتوثيق العلاقات مع الأطفال، ولأنه يحدّ وبسرعة من الضغوط النفسية لديهم ، وكل ذلك بفضل التعبير عن مشاعرهم الذي يضطرّهم بالعودة الى وضعهم الطبيعي مرّة أخرى.

ص: 43

ص: 44

قال رسول الله صلّی الله عليه و آله:

«الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِن»(1)

الخطوة السادسة: التعاطف مع المشاعر

ينبغي التعبير عن التعاطف القلبي بالألفاظ الطیّبة التي تبعث في النفس نوعاً من الاطمئنان، لتطلّب هذه المرحلة الكل ام الدقيق والموزون، ولابد ان يكون التعاطف بتبادل المشاعر مقروناً بالبيان الواقعي لأحاسيس الطفل، والمجرّد عن التقييم أو الحكم عليه.

إنّ كلامنا لابد أن يكون بمثابة المرآة التي تعكس الواقع من سلوك الطفل ومشاعره من دون أن تتصرف في ذلك بنحوٍ يشعر الطفل ويحسّ ذلك في أقوالنا كما هو عليه.

إن تبادل الأحاسيس والمشاعر مع الطفل يعطيه نوعاً من الاطمئنان النفسي والهدوء النسبي، ویضطرّه الى التفكير، فیریٰ الأمور جيدا ويتأمل فيها ويكتشف من خلال ذلك نقاط الضعف والقوة في نفسه، ویریٰ ذلك حقيقةً حيث يكون كالواقف أمام المرآة، فيسعیٰ في رفع معایبه، إذ أن تفكير الطفل انما يكون صحيحاً اذا كانت أحاسيسه ومشاعره صحيحةً، ولا يعيش القلق النفسي.

ثم ان الاب والام أو المعلّم وبعد لحظات من السكوت سوف يعثرون على ما يساعدهم في ايجاد علاقاتٍ صحيحةٍ وبنّاءةٍ مع الطفل من أجل ارشاده

ص: 45


1- میزان الحکمة: باب الايمان .

وهدايته، من خلال تبادل الكلام الطیّب معه ليجذبوه نحوهم.

إنه لابد من إعداد الجو المناسب الذي یتمکّن الأطفال من خلاله بیان أحاسيسهم ومشاعرهم، جواً خالياً من الرعب، مفعماً بالحب والرأفة، لأن الدخول إلى أذهان الاطفال الذي يولّد لهم القناعة بنا یمهّد ارضية الدخول الى قلوبهم، إذ أن أكثر ما یولّد للاطفال الثقة بأنفسهم، هو ناتج عن شعورهم الخاص في ما يعتقدوه من رأي ونظر الكبار فيهم.

ص: 46

قال رسول الله صلّی الله عليه و آله:

« أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُم»(1).

وقال صلّی الله عليه و آله:

«لَا يُرْهِقُهُ وَ لَا يَخْرَقُ بِه»(2).

المنهج التحرري هو السبب في توجيه مشاعر الطفل نحو الأفضل

لابد من إيکال مسؤولية سلوك الطفل اليه، وذلك بإعطائه فرصة اتخاذ القرار بنفسه، ليعرف أي السبل أفضل، بأن ندعه يواجه الواقع عملياً ويلمس نتائج سلوكه، ويحلّ مشاكله بنفسه، ولكي يربط بين عواقب أفعاله وسوء سلوکه ربطاً طبيعياً، ليحصل على نتيجةٍ منطقيةٍ وصحيحة.

إن الارشادات المتوالية، التشجيع أو التأديب الآنيين والمفرطين، تسلب من الطفل فرصة التفكير والقدرة على اتخاذ القرار المناسب، وتجعله يعمل عملاً ارتجالياً غير مدروس، مما يؤدي به ذلك الى عدم اعتبار نفسه مسؤولاً عن سلوكه وما يصدر منه من أفعال، وعلى العكس من ذلك فإن عدم التدخل بشؤون الطفل يعطيه الفرصة الكافية، ويجعله يدرك سلوكه إدراكاً صحیحاً، فيشعر بالمسؤولية لما يكون له من سلوك.

ص: 47


1- الكافي جلد 6 ص 50.
2- نهج الفصاحة، الكلمة: 451.

إن السيطرة الدائمة والسلطة المفروضة من قبل الأبوين والمعلّمين، والافراط في المحافظة والحب الشديد للطفل كل ذلك من مخلّفات الإعراض عن أصل التحرر وعن الاحترام المتبادل لشخصية الطفل أو الشاب.

اننا لو أردنا القيام بعمل یتمکن الأطفال القيام به بأنفسهم، فإن ذلك في حدّ سلب الثقة منهم، وعدم احساسهم بالمسؤولية مما يحقّرهم ذلك ويقلل من شأنهم، وكل ذلك يحكي عن نسبة العجز اليهم، ومثل هذه المعاملة تزلزل نفوسهم، وتفتح باب التشكيك لهم في طاقاتهم.

انه لابد من القاطعية والحزم فيما يتعلق بالقانون والنظام، ولا ينبغي في هذا المجال حرمان الطفل أو الشاب من حقوقهما المسلّمة.

أن استخدام مناهج التحرر والانفتاح يعطي للأطفال والشباب حق الانتخاب والاختیار ویزرع في نفوسهم بذرة الإبداع في تفجير طاقاتهم الدفينة، أنه لا ينبغي التعامل مع الأطفال على اساس الغضب وتوتر الاعصاب، بل لابد من منحهم فرصةً ليتعرّفوا فيها على تأثير سلوكهم، والتعرّف على قیمة ومنزلة أعمالهم، وينبغي أن لا نتسرّع في الحكم على سلوك الأطفال أو تقيمه.

إنه لابد من إشعار الأطفال في جميع الأحوال والأفعال ضرورة وجودهم وأهميته، ولا بد أن يعلموا أن اعمالهم في نظرنا صحيحة ليشعروا أن لهم كفاءة و قیمة ذلك.

انه لو اردنا أن يكون للأطفال والشباب الشعور بالعزّة لابد من احتضانهم على ما فيهم من نقاط ضعفٍ و نقص، لأن في الضرب على وتر الضعف والنقص أثراً غير مطلوب، حيث يؤدي الى عدم اهتمامهم بالامور ويسلب منهم الشعور بعزّة النفس، فلو أن أحداً يكرر عليكم ذكر عيوبكم وأخطائكم كل يوم هل

ص: 48

تشعرون بعد ذلك بشيء من الكفاءة والقیمة؟ فإنه بذلك سوف يتصدع حس العزّة بالنفَس لديكم، وتُسلب عنکم رغبة القيام بأيّ فعلٍ.

إن ارضية التطور والابداع موجودة لدی جميع الأطفال، والسبب في عدم تطوّر بعضهم يعود الى النصائح المكررة، والتوبيخ الدائم، والی قیاسهم بالاطفال المتفوّقين، سواء كانوا في المدرسة او في البيت، لأن مثل هؤلاء الاطفال يشعرون في قرارة نفوسهم بحقارتهم، ويتولد لديهم تدريجياً الشعور بعدم تمکّنهم من اصلاح أخطائهم وانهم لا قدرة لهم على الابداع والتقدم ، وعلى العكس من ذلك لو أن أحداً - وبدلاً عن تأنيبكم وذکر أخطائكم مراراً - أخذ يشيد بكم ویمجّد سلوككم وافعالكم الحميدة، فإنه سيكون لكم الشعور بإحترام الآخرين لكم، وتقديرهم لمنزلتكم، وأنكم قد أحرزتم رضاهم، ونفس هذا الشعور سوف يكون عاملاً مشجّعاً على التطور، ويحثّكم نحو بذل الجهد اكثر من أجل القيام بالمزيد من هذه الأعمال الطیّبة، وقد نجح الكثير من الاطفال في هذا المجال، وهذا الأمر طبيعي جداً، ولكن وفي موارد یسيرة صار النجاح في العمل - ومن باب ردّ الفعل الشخصي - وللأسف مورداً للاستهزاء والتحقير.

ومما يؤسف له أن الكثير من سلوك المعلّمين والآباء یطغیٰ عليه طابع التأديب الشخصي، ويتخذ قالب البحث عن المعایب والأخطاء، فإن سوء الظن بالاطفال یعرّضهم للخطر عند ارتكابهم للأخطاء، مع أن ارتكاب الخطأ یمکن عدّه عاملاً مساعداً في اكتساب التجربة والعلم، وبهذا الاعتبار سوف لا ترتدي أخطاءهم ثوب الخذلان واليأس.

انه لابد من تشجيع الطفل في مثل هذه الحالات، وعدم إيذائه نفسياً

ص: 49

عندما يكون له آمالاً رفيعةٍ يريد تحقيقها، سواء كانت تتعلق بالمدرسة أو بالجانب الاخلاقي، فإنه لابد من احتضان الاطفال والشباب في حدّ ما لديهم من طاقات و استعداد، كما ورد في الحديث «يَقْبَلُ مَيْسُورَه».

فلا ينبغي عن طريق الذكر الدائم لأخطائهم توبیخهم لیتمکّنوا من تغيير ما بأنفسهم، ولابد من إحياء عزّة النفس لديهم، وإشعارهم بأن لهم قدراً وشأناً، وذلك عن طريق تشجيعهم عند تقديمهم العون للآخرين، واحياء الأمل في نفوسهم، وإشعارهم بان في وجودهم الخير الكثير.

أنه لو أردنا أن يكون أبناؤنا متكاملین و مبرّئین عن أي عيبٍ و نقص، فعلينا أن نعلم أن خوفهم المستمر عن وقوعهم في الخطأ، يوجب الحدّ من نشاطهم حتى بالمقدار الذي یتمکنون عليه، ولذا لابد من أن يكون لنا ثقةً بهم، ليعتقدوا أنّا واثقون بهم، حينئذٍ سوف يخرجوا عن الشعور بالذلّة ويكون لهم سلوكاً ینمّّ عن تحررهم النفسي.

ص: 50

قال رسول الله صلّی الله عليه و آله و سلّم:

«لَا تُحَقِّرَنَّ أَحَداً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ صَغِيرَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ كَبِير»(1).

توجيه مشاعر الطفل وميوله توجيهاً صحيحاً

انه لابد لكم من انتهاج سبيلٍ يساعدكم على اقامة العلاقات مع الطفل، بحيث يفهم به مقاصدكم وما تريدوه بسهولة، وعلیکم اختیار وقتٍ مناسبٍ للحديث الطیّب معه، وحاولوا أن لا تصرّوا على الحديث معه في حالات التوتر والغضب، ثم أن الحديث لابد ان يكون مجرداً عن اللّوم وإلصاق البذيء من الألفاظ، ومن الضغط والاستهزاء(2).

حاولوا أن تبدوا للطفل أن لكم به حسن ظنٍ وثقةٍ، ولابد لكم من تشجيعه واعلموا أن الخطأ والتقصير لا یمکن اجتنابهما عند قيام الطفل بأيّ عمل.

إن في عدم الاعتناء بأخطاء الطفل، والبشاشة في وجهه ومساعدته، كل ذلك یشجعّه ويشوّقه للعمل أكثر، ولابد من إلفات نظره الى أن الخطأ في طريق النجاح ليس بخطأ.

ولابد من توجيه مشاعر الطفل توجيهاً غير مباشر، ومن اجل ان تستوثق العلاقة معه ينبغي أن تُبدوا له عند قيامه بالعمل الاحترام وتقيموا له وزناً، وحاولوا في ذلك الاعتماد على المشاعر الطیّبة.

ص: 51


1- تنبیه الخواطر: ج 1، ص 31.
2- قال أمير المؤمنین علیه السلام: «نِصْفُ الْعَاقِلِ احْتِمَالٌ وَ نِصْفُهُ تَغَافُلٌ»، غرر الحکم: 9968.

انه لابد من مساعدة الأطفال في توجيه مشاعرهم نحو الأفضل، ليعثروا على عزة النفس فيهم، ويشعروا بأن لهم قيمهً ومنزلة، أنه لابد لنا من تغییر سلوكنا معهم، وذلك بأن نؤكد على نقاط القوة لديهم دائماً، بدلاً عن الضرب على وتر أخطائهم، فإن ذلك يكون سبباً في ثقتهم بأنفسهم مما يقوي الشعور لديهم بان لهم قيمهً ومقاماً، فيميلوا في النتيجة إلى اختيار مسالك تضطرّهم الى القيام بأعمالٍ حسنة، وهذا الثقة بالنفس و تقوية الجوانب الايجابية - من أكثر العوامل تأثیراً في توجيه مشاعر الطفل التوجيه الصحيح .

ص: 52

قال علي عليه السلام:

«فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ مِنْكَ لِحُسْنِ فِعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ وَ تُحَرِّضُ النَّاكِلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»(1).

الخطوة السابعة: تكريم الطفل واحياء الشعور بعزّة النفس لديه

ان اهم الاصول التربوية التي ينبغي على الأبوين والمعلّمين الاهتمام بها هو حبهم للأطفال واحترامهم والحفاظ على كرامتهم، ومعاملتهم معاملة الكبار في التقدير والتكريم، وذلك لأن التربية التي تبتني على اساس القوة محكومة بالهزيمة، فإن العلاقة القائمة على وجود القوة في طرفٍ واحدٍ تؤدي الى سلب الرغبة من الطفل في القيام بأي عمل، بدلاً من مساعدتها على ادراك الطفل وفهمه للامور، وجعله مراعیاً للضوابط والمقررات، وذلك لأن الطفل انما يتاثر بالكلام والسلوك إذا كان له دور في القيام بمثل ذلك السلوك بنحوٍ من الأنحاء.

إن الطفل اذا لم يشعر بأن له كرامة لا يهتم بنفسه، ولا يكون في علاقاته مدرِكاً لأهمية رعاية الضوابط بالالتزام بها، أنه لابد من أن يشعر أنكم تجعلوه كفؤاً لكم من دون فرق، ليكون له شعوراً مقابلاً يأخذ من خلاله بإرشاداتكم ويفكر في أقوالكم ويعتقد بها، فإن السبب في اقتداء وتأسّي الاطفال بأقرانهم يعود الى الشعور بالتكافؤ النبي صلّی الله عليه و آله أنه قال: «مَنْ كَانَ لَهُ صَبِيٌّ فَلْيَتَصَابَ لَهُ».(2) الذي يعتقد به الأبوين والمعلم، مما يؤدي الى

ص: 53


1- نهج البلاغة.
2- ان اهم الوسائل التي تؤثر في العلاقة مع الطفل هي ادراكنا لمشاعره عن طريق التصابي له، فعن.

وجود نوعٍ من التساوي والتكافؤ في العلاقات وتبادل المعلومات، ولذا فإنه لا ينبغي صدور کلامٍ يشينه ويهدد کرامته.

ان وجود المشاكل والاضطراب في علاقات الاشخاص مع بعضهم في السلوك يكون معلولاً في الغالب إلى فقدان الاحترام فيما بينهم وانعدام الكرامة.

وفي هذه المرحلة لابد من بيان المشاعر والمعلومات - التي فيها جوانب أرشادية تقوّی شخصية الطفل - بجدٍ ومن دون توبيخ(1) أو انتقاد، باسلوبٍ هاديٍ وعاطفي، وفي جوٍ يملؤه الحب والاحترام، فإن هذه الكلمات والألفاظ لو حملت في طياتها أدنیٰ خدشةٍ لشخصية الطفل ومزاجه، سيتخذ فوراً موضعاً دفاعياً لنفسه ليُفرغ من خلاله جام غضبه، وسوف لا يكون مستعداً لقبول النصائح والكلام ولو كان حقاً.

ولهذا الموقف أثر مشهود حتى على سلوكنا نحن الكبار، فإنه لو انتقد أحد سلوكنا أو أقوالنا، أو طعن فينا وانتقص من شأننا، ترى أحدنا يتخذ لنفسه موضعاً يدافع فيه عن نفسه، ويُعرض عن سماع تمام الحديث، وكأنّ تقييم سلوكنا هو عين تقييم شخصيّتنا، وعندما نشعر بنوعٍ من التحقير والاستخفاف نتخذ موضعاً نُبرز من خلاله ردّ فعلنا بحيث لا نسمح لأنفسنا استماع كلام الحق ابداً، لان مشاعرنا وشخصیّتنا قد تعرّضتا للخدشة والتحقير.

إن التقييم لابد أن يكون مجرداً عن الاشارة الى الأخطاء، ومفعماً

ص: 54


1- عن الباقر عليه السلام قال: « من وصایا الخضر لموسی علیه السلام: يَا ابْنَ عِمْرَانَ لَا تُعَيِّرَنَّ أَحَداً بِخَطِيئَةٍ» بحار الانوار: ج 73 ص 383.

بالاشارة الى نقاط القوة في الأطفال، فإنه لابد من التأكيد على أن لهم عندنا کرامةً، وأن حبّهم في قلوبنا، ومن ثم نلفت نظرهم وبصراحة الى أن سلوكهم لم يكن صحيحاً، ونعطيهم بعد ذلك فرصة التفكير فيما قلنا لهم.

وحيث أن شخصية الطفل لم تتوجّه اليها في هذه الحالة ضربةً، يرجع الطفل الى ضميره فيتألم مما صدر منه ويشعر بعدم الارتياح.

إننا وبالتأكيد على الجوانب الايجابية، وإعطاء القیمة لشخصية الطفل، نكون قد قوّینا فيه حس الثقة بالنفس، وفي الوقت نفسه رفضنا ما قام به من عملٍ قبيح، وهذا الأسلوب يجعل الطفل يشعر بكرامته - وفي الوقت نفسه - يتألم ممّا صدر منه ويكون عليه من النادمين.

إن الطفل يحبّ نفسه وليس مستعداً لتحمّل الشعور بالألم النفسي ولو للحظةٍ واحدة، ويحاول الهروب من مثل هذه الحالات ونسيانها، وعلى أيّ حالٍ فإنه وبسبب ما يتوفر له من فرصٍ وجوٍ مليءٍ بالحب والاحترام المتبادل، يحاول الهروب وبشكلٍ طبيعي من القبائح ومن عذاب الضمير، ويلجأ الى فعل الخير، والى الشعور بالفرح والسرور، وهذا الإحساس فطريٌ في الانسان، وذلك لأنه يعلم أن هذا الشعور لا يحصل إلاّ في ظل الإلتزام بالضوابط والفضائل الخلقية، لا في التخلّف عنها.

إن اظهار الوالدين والمعلّمين حبّهم واحترامهم للطفل یضطره إلى الالتزام الخلقي، ولا يكون بعد ذلك مستعدّاً لارتكاب القبيح خوفاً من الخروج عن هذا الشعور، والنزول عن المقام والكرامة اللذين حصل عليهما بسبب الالتزام بالأخلاق، ولذا حتى لو ارتكب عملاً قبيحاً فلا يكون ذلك عن عمدٍ.

ثم إننا وبعد النجاح في ما أسسناه من علاقةٍ مع الطفل وتعاطفنا مع

ص: 55

مشاعره، ينبغي لنا إبراز مشاعرنا الصادقة(1)تجاه أفعاله وسلوكه، ونحن في حاجةٍ ماسةٍ إلى معرفة الأطفال أكثر، فإنه لابد من أن ندرك ظروفهم ونتعرّف على مزاجهم، وأنهم من أي نحوٍ من الألفاظ والامور ينزعجون ويتألمون، إنهم يتألمون من كل ما يقدح في شخصیتهم ويوجب تحقيرها، إذاً لابد من الحفاظ على عزتهم وكرامتهم، وذلك بعدم استعمال كل ما يجري على اللسان من ألفاظٍ تقدح بعزّةِ نفوسهم.

إنه لابد من ابراز مشاعرنا للأطفال، وذلك بأن نعكس لهم قبح أعمالهم ليلمسوا ذلك بأنفسهم كما نلمسه نحن، فإن المهم هو إشعار الطفل بذلك.

أن الطفل لابد من أن يدرك حالة التوتر والغضب التي تنتابنا جرّاء ما يقوم به، ومن أجل أن يدرك ذلك ادراكاً صحيحاً لابد من بیان مشاعرنا الصادقة وبصراحة تجاه ما قام به من عملٍ قبيح، وذلك بأن تقول له مثلاً: إني متألّم، إني غضبان، لم أكن آمل ذلك منك، إني لا أستطيع أن أرى ذلك، الخ.

إن آثار الكلام الطیّب تظهر على سلوك الطفل بعد مدّة إذا لم يجرح مشاعره، وتظهر على وجهه علامات عدم الارتياح اذا شاهدنا في حالةٍ غير طبيعية، وسوف تكون هذه اللحظات بالنسبة اليه لحظات مؤلمة، إذ يحاول الطفل الخروج عن مثل هذه الحالة وبسرعة لأنه لا يحب ان يعاني ذلك الألم، وفي هذه الحالة ينبغي لنا الاسراع في إغاثته وإفهامه بأننا نحبّه، أي أننا وبإبراز الحب اليه، وترميم شخصیته، وبالاعتماد على نقاط القوة لديه نتمکن من إفهامه، بأننا لا نستطيع أن نشاهد مثل تلك الأعمال في المستقبل من قبله.

ان للحزم أثراً بالغاً في ازالة مثل تلك الأعمال والحدّ منها، فإننا في

ص: 56


1- قال علي عليه السلام: «مِنْ عَلَامَاتِ الْإِقْبَالِ سَدَادُ الْأَقْوَالِ وَ الرِّفْقُ فِي الْأَفْعَالِ» غرر الحكم: 9431.

الوقت الذي نحترم فيه شخصية الطفل نحاول تقييم سلوكه، ونهييء له الظرف المناسب لیتمکّن فيه من التفكير في ذلك، وحيث أن مثل هذه الامور تحدث في جوٍّ یظلّه الحب والاحترام، يشعر الطفل أنه بعد ما حصل على تلك المنزلة في نفوسنا لا ينبغي له ممارسة ذلك السلوك، ولا ينبغي صدور ذلك الفعل منه، ولذا يحاول جاداً في عدم تكرار ذلك، فيلتزم بأُصول الأخلاق مهما أمكن، لأنه ومن اجل ان يحافظ على كرامته وعزّة نفسه يحبّ ويريد أن يكون عزيزاً لدیٰ الآخرين، ويشعر بأنه عزيز لدينا أیضاً، فإن الكلام الطیّب نظير(1) قولنا له: بأنّا نحبه، يعطيه هدوءاً خاصاً ينعكس على سلوكه، بحيث يحاول جاداً في رفع مشاكله معتمداً في ذلك على نفسه واثقاً بها، ولا يكرر هذه التجربة المرّة تارةً أخرى ليواجه ما واجهه في مثل تلك الحالات، وهذا الأمر يتم لو كان - وکما تقدم - في ظل جوٍ تتبادل فيه العواطف والاحترام المتقابل وحسن ظن کلٍ منهما بالآخر، معتمداً في ذلك على طاقات الطفل وتقوّیة الثقة بالنفس لديه و تکریمه ، فلو أمكن وجود مثل هذا الجو للأطفال الذي يُحسب فيه لهم حساباً خاصة، حينئذٍ سیکون رأيهم وتقييمهم صحيحاً لأنفسهم وللآخرين، وذلك لأن التغيير لسلوك الإنسان لا يتيسّر إلاّ في ظلِّ العلاقات الصحيحة والاحترام المتبادل .

ص: 57


1- قال النبي صلّی الله عليه و آله وسلّم: «خَيْرُكُمْ مَنْ أَطَابَ الْكَلَام»بحار الانوار: ج 7 ص 383.

ص: 58

قال علي عليه السلام:

«مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ لَمْ يُهِنْهَا بِالْمَعْصِيَةِ»(1).

وقال عليه السلام:

«مَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فَلَا تَأْمَنْ شَرَّهُ»(2).

السبب الأساس في قلق الاطفال النفسي هوما یوجّه لشخصياتهم وعزة النفس لديهم من ضربات

إن كرامة الانسان و حفظ شخصیته من الأمور المسلّمة والذاتية التي يعيش الإنسان بآمال اكتسابها والحصول عليها من خلال قيامه بمحاولاتٍ شتیٰ و نشاطات مختلفة، وكل ذلك هو من أجل الحصول على ما يرضيه عن طريق صيانة نفسه والحفاظ على شخصیته واتزانه، فکلّنا يسعیٰ جاهداً في حياته وبشكلٍ دائم للحصول على شأنٍ وقیّمة فيحاول الحفاظ عليها إلى حدٍّ ما، وكل ما يتعلق بشؤون الانسان من قبيل المحاولات اليومية من تحقيقٍ و اعتقاد و مشاعر وسلوك مما يرتضيه الانسان هو من اجل أن يرفعه ذلك درجهً ومنزلة. فإن سعیٰ الانسان للحصول على ثروةٍ اكثر أو مقامٍ أرفع فليس ذلك إلاّ من أجل إرضاء هذا الأمر القطري والذاتي لديه، فهو حتى عندما يجاهد ويضحي بنفسه تقرّباً الى الله تعالى يشعر بأنه قد روّى حسن العزة بالنفس لديه،

ص: 59


1- غرر الحكم: 8730.
2- بحار الانوار: ج 75 ص 375 وقال عليه السلام « مَنْ كَرُمَتْ نَفْسُهُ قَلَّ شِقَاقُهُ وَ خِلَافُهُ» غرر الحكم: 90510.

وقد أكّد القرآن الكريم على ذلك معتبراً المال في جميع جهود الانسان ومساعيه هو كرامة الانسان و حفظ شخصیته وعزة نفسه، قال تعالى: (وَ مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِين)(1)، وعن أمير المؤمنین عليه السلام انه قال: « مَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فَلَا تَرْجُ خَيْرَهُ»، وعلى ذلك فالانسان المحترم والذي كرمت عليه نفسه لا يصدر منه سلوکاً منحرفة أبداً، والانسان الذي هانت عليه نفسه ويشعر أنه ذلیل و حقير لا یأبیٰ عن ارتكاب أي عملٍ قبیح.

وبهذه النظرة يكون منشأ جميع سلوك الأطفال هو عدم المعاملة الانسانية الصحيحة معهم، فإن ردّ الفعل طبیعی و فطري لدیٰ الانسان عندما يشعر بانتهاك كرامته وخدش عزّة نفسه أوكل ما يوجب تحقیره، إلاّ من دسَّ کرامته الانسانية في التراب(2)، وابتعد بسبب إفراطه في الذنوب والمعاصي عن الرحمة الإلهية، وصار في الحضيض. وفي أسفل السافلين(3).

ص: 60


1- العنكبوت: 6 ، قال تعالى: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِه ََََََِِِِِِِّّ) الفتح: 10. وقال تعالى: ( وَ مَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ.) فاطر: 18. وقال تعالى: (مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَ اللَّهُ الْغَنِيُّ وَ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ ) محمد: 38. وقال تعالى: ( يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيم) النمل: 40. وقال تعالى: (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) الاسراء: 15. وقال تعالى: (ِ: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) فصلت: 46، والجاثية: 15.
2- قال تعالى: (وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) الشمس: 10، ولا يخفى أن مثل هؤلاء اعتبروا عزّة أنفسهم وكرامتهم في التمتع بالشهوات، وهوى النفس، في حال أن عزّة النفس هو صيانتها عن المفاسد، فهولاء أخطأوا في تشخيص المصداق.
3- قال أمير المؤمنین علیه السلام: «مَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فَلَا تَأْمَنْ شَرَّهُ.» بحار الانوار: ج 75 ص 375 وعن النبي صلّی الله عليه و آله وسلّم: «لَا يَكْذِبُ الْكَاذِبُ إِلَّا مِنْ مَهَانَةِ نَفْسِه علیه» کنز العمال: ج 2، 8231، وعن الصادق عليه السلام أنه قال:«مَا مِنْ رَجُلٍ تَكَبَّرَ أَوْ تَجَبَّرَ إِلَّا لِذِلَّةٍ وَجَدَهَا فِي نَفْسِه بحار الانوار: ج 73 ص 225 ، وعنه عليه السلام «نِفَاقُ الْمَرْءِ مِنْ ذُلٍّ يَجِدُهُ فِي نَفْسِه» میزان الحكمة: ج 10 ص 151.

قال الحسين بن علي عليه السلام:

«و هَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّة»

وقال الإمام الخميني (قدس سرّه):

إن أقویٰ وأعنف ما وجهته القویٰ الكبرى لنا من ضربات

هو قتل الشخصية فينا حيث حاولوا سلبها منّا، فابتدؤا

بنا من المراحل الأولى بإعداد ارضية العبودية

للأطفال والارتباط بالغير، ليتدرّجوا بهم

إلى مراحل أعلى ...»

النظرة السياسية، وإذلال الانسان

اشارة

ان المستعمرين وعلى طول التأريخ اذا أرادوا الاستيلاء على البلدان الاسلامية و تسخیر مصادرها الاقتصادية وكنوزها الوطنية، فهم يحاولون في الوهلة الأولى تضعيف الشخصيات المثقّفة وتحقيرها، فكأنهم قضوا على کرامتهم، فاختاروا لتحقيق أهدافهم أناساً داسوا كرامتهم وجميع القيم تحت أرجلهم. لكن الانسان المستقيم يستطيع الوقوف بوجه كل من يريد إذلاله والحطّ من شخصیّته والمسّ بكرامته.

ان اعداء الانسانية في بلدان العالم الثالث أول ما يقومون به هو تضعیف البنية الثقافية للمجتمع، ممّا يؤدّي ذلك إلى تضعيف شخصية افراد ذلك المجتمع، لیتمکّنوا من السيطرة على مقدّرات تلك البلاد، واخيراً يصنعوا من افراد ذلك المجتمع وسائل لتنفيذ أغراضهم وخططهم السياسية المشؤومة.

ص: 61

ان الذين ينشأوا منذ الطفولة أذلاّء وفي جو يملئه الطعن واللعن والتهريج والتوبيخ، والذين تكون لهم علاقات خاطئة مع أفراد عوائلهم، سيركعون في المستقبل للظالمين والأجانب من المعتدين، وأما الذين نشأوا وهم اعزّاء النفوس، فقد وقفوا بوجه كل من اراد سلب هويتهم الدينية أو الثقافية.

أن المعاملة الخشنة واللّامسؤولة لبعض العوائل مع الأطفال، ومعاملة بعض المعلمين السيئة في الاماكن التعليمية، من قبيل وصف الطفل بما لا يليق، طرده من مجلس الدرس، توجيه الكلمات الجارحة له وتوبيخه، الأزراء به والاستهزاء منه، اعطاؤه درجهً أقل، محاولة الضغط عليه نفسياً، وأخیراً الحط من قيمته وشأنه، فان كل ذلك يجعل الطفل يعيش ضغوطاً نفسية ممّا قد تؤدي به الى السقوط في الحضيض.

فهل فكّرتم ما هو تصوّر الطفل عنكم في مثل هذه الحالات، وما هو رأيه فيكم؟ انه يراكم اُناساً ظالمين وفي الرأي مستبدّين، وعليه متسلطين، لا تقولون إلاّ الباطل، تؤذوه دائماً وتحقّروه و تستهينوا به، مع أنكم لو رأيتم شخصاً من هذا النمط يظلم شخصاً آخر، يعتدي عليه ويريد ايذاؤه، لا شك في أنكم تحاولون تسليمه للجهة المسؤولة.

فإن اراد الكبار استعمال مثل هذا الاسلوب مع الصغار یمکن أن يصدر منهم في المستقبل نوعٍ خاص من السلوك، وهو أن يستسلم الطفل منهم لذلك الإذلال ولا يقول شیئاً، فيكون حاله حال النار تحت الرماد، فإن حصل في الوقت المناسب - بعد ما يكبر - على ما يساعده على التمرّد والعصيان عصیٰ و تمرّد، بأن ينعكس ذلك على سلوكه فيكون محبّاً لأذىٰ الآخرين، غَضِباً، لا استقرار له في التفكير، قليل الرغبة والدقة فيما يتعلق بدراسته، وسيكون معقّداً

ص: 62

في البيت والمدرسة، وهذا السلوك سوف ينعكس عندما يتزوج في تصرّفه مع أطفاله ومع مَن حوله من الناس، وهذا القلق لو كان حاداً وفي أعلى درجاته سوف يؤدي بالانسان الى التمرّد على المجتمع، ذلك أن أكثر المجرمين كانوا في مراحل الطفولة فاقدي الشخصية، وكانوا يعيشون مثل هذه الضغوط النفسية.

ان التعامل مع الاطفال في المجتمع وفي المؤسسات التعليمية لو كان قائماً على أساس منهج التحرر الفكري المقرون بتكريمهم، و احیاء العزّة في نفوسهم، والتعاطف مع مشاعرهم، لكان للمجتمع وضعاً آخر، فإن المجتمع الذي يتربّىٰ فيه اُناس من ذوي الشخصيات الكريمة سوف لا يكون فيه محلاً للمتمردّين والعصاة المجرمين.

فالسلوك مع الطفل القائم على الاساس المذكور يؤدي الى كون الطفل يشعر بأن له قدراً وشأناً(1)، وهذا الاحساس يساعده كثيراً في تکامل شخصیته دائماً، ويجعله يسعيٰ في الحفاظ عليها بأن لا يعمل عملاً يفقدها بسببه.

فنحن وبعد التعرّف على اصول هذا الأمر ومناهجه والعمل بها نتمکن ببذل الجهد في ذلك من تغيير سلوكنا، وبطرح كل اسلوبٍ خاطیءٍ نخطوا خطوةً نحو الأمام في انتهاج منهجٍ جديدٍ بنفسٍ يملؤها الأمل وذلك بإقامة علاقاتٍ صحيحةٍ في المنزل والمدرسة.

أن الأطفال كسائر البشر، لهم ما للكبار من كرامةٍ وعزة نفس، بل قد يشعرون بذلك قبل الكبار، فلابد من معاملتهم معاملهً نحب ان يعاملنا الغير بها،

ص: 63


1- قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إن النفس لجوهرة ثمينة من صانها رفعها ومن ابتذلها وضعها » غرر الحكم: 3527.

ليشعروا دائماً بالكرامة وعزة النفس، فإن البعض يقول: إن عداد الطفل في سلك الكبار أمر صعب، ونحن نسأل من هؤلاء، انّه كيف وُجد فيكم هذا الشعور؟ وما هو موقفكم لو كنتم مكانهم؟ أن التربية البنّاءة في نظر القرآن هي التي تعطف نظر الانسان واهتمامه نحو تحصيله للقيم وعزة النفس، وان المؤمن هو الذي يسعیٰ جاهداً في الحفاظ على تلك العزّة، لتحرره من جميع قيود العبودية لغير الله واستقامته، لينفع نفسه وينفع مجتمعه.

الإزراء بالأطفال وتحقيرهم

ان التعامل مع الاطفال والشباب حساس جداً ودقيق، فإن بعض سلوك الأب او الام او المعلم يهدد شخصية الطفل والشاب ويوجب تحقيرها من دون أن يريدوا ذلك أو يعلموا به.

اننا نعدّ يومياً بأقوالنا وسلوكنا - من حيث لا نشعر - وسائل بناء شخصية الطفل ليكون انساناً ذو شخصيةٍ قویةٍ وكريمة، أو يكون ذو شخصيةٍ هزيلةٍ ومنحلّة.

نماذج من معاملة الإذلال والتحقير

1 - الإجابة عن السؤال الموجّه للطفل، وقطع الكلام عليه.

2 - إرادءه الملابس والجورب والحذاء، وتلقيمه الطعام.

3- عدم حجز مكانٍ مستقلٍ له في السفر.

4 - تقييم شخصیته على ضوء تقييم شخصية غيره من الاطفال وقياسه بهم.

ص: 64

5- توبيخه المستمر في جزئيات الأمور والطعن بشخصیته.

6- القيام بالأعمال التي يعرف كيف يقوم بها.

7- معاملته معاملهً خشنة بصياحٍ وتهريج.

8- عدم الاهتمام او الاستماع التام لكلامه.

9- الاستهزاء به وتصغيره.

10- سدّ باب المعرفة بوجهه اذا أراد السؤال عن شيء، بقولنا له: اسكت إنه ليس من شأنك.

11 - التأكيد على خطأه بين زملائه.

12 - اتباع اسلوب التفرقة بين الأطفال.

13 - تكليفه بما لا يطيق بأن نأمل منه النجاح في الامتحان بدرجةٍ عاليةٍ جداً.

14 - عدم الاهتمام بإقتراحاته.

15 - عدم بیان السبب له في بعض الأعمال بمستوى فهمه وادراکه.

16- عدم الاهتمام بالوعد الذي يُعطيٰ له والوفاء به.

17 - الاجابة الناقصة لسلامه.

18 - تخويفه والتوعّد له، وإفهامه ضرورة التسليم لكل ما نقول له.

19 - عدم التسليم عليه.

20- عدم إعداد وسائل رفاهه ولعبه.

21- اتخاذ القرار بدلاً عنه، وعدم اعطائه فرصة قيامه بأعماله الشخصية.

22 - القيام باداء واجباته المدرسية بدلاً عنه.

ص: 65

23 - مناداته بالفاظٍ وألقابٍ بذيئة.

26- عدم تلبية رغباته وطموحاته.

25 - استعمال وسائله الشخصية والعابه من دون إذنه.

29- عدم الاهتمام به في الحفلات والمجالس الضيافية.

27 - انتقاده المستمر وافشاء معايبه.

28- تحمّل المسؤولية التي ترتبط بالاطفال والشباب بدلاً عنهم.

29 اکراه الطفل والتشدد معه من اجل ان يقوم بعملٍ ما.

30 - الأقباط بوجهه واتخاذ السلوك الصامت تجاهه الذي يكشف عن عدم احترامه.

31 - الترحم والاشفاق عليه من غير حاجة لذلك.

32 - القول له بأنك لا تستطيع اتخاذ القرار بنفسك.

33 - الافراط في المراقبة للطفل.

36 - الافراط في النصيحة له.

30 - المجادلة المستمرة مع الطفل فيما يتعلق بما يحبه الطفل من الطعام، وانه لابد أن يأكل كل شيء.

36 - إناطة قيام الطفل بواجباته بشرط الترغيب والتشجيع الآني.

37 - القول للطفل انك ضعيف في هذا الدرس ولا اعتقد بنجاحك، أو لا أعتقد أنك تستطيع القيام بهذا العمل.

38 - إكراهه على قبول بعض الأمور من دون أخذ رأيه في ذلك.

ص: 66

مراحل تبلور الأخلاق لدیٰ الاطفال والشباب

اشارة

ص: 67

ص: 68

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

« انَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ رَهبَهً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ،

وَ انَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ رَغبهً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْتُجار،

وَ انَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ شُکراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْأَحْرَار»(1)

أسس التعلّم والعمل بالاُصول الأخلاقية

یمکن تبلور التعلم والعمل بالقيم الخلقية في مراحل ثلاث:

المرحلة الاُولى: إن طاعة الاطفال وعملهم باُصول الأخلاق - من الفضائل او الرذائل - واقتداءهم بسلوك آبائهم ومعلّميهم تكون تابعاً لعواقب و آثار تلك الاصول الآنيّة على جسمهم، فمنشأ اطاعتهم لذلك في الواقع نابع من احساسهم باللّذة الحاصلة من ذلك أو الألم اللذين يكونا محسوسين لديهم، فإن الطفل لا يعرف ولا يهتم بما لتلك القيم والمبادىء من قيمة اعتبارية، بل ينظر اليها من منظار: صحيح وخطأ، حسن وقبيح، فيقيّم كل منها على اساس ما يلمسه من آثار كل واحدة من هذه القيم.

ومن علائم هذه المرحلة البارزة، اطاعة الطفل لذوي القدرة والسلطة واحترامه لهم - وهم الأبوين والمعلمين - والسرّ في اطاعته لهم یكمن في الخوف من عقوبتهم، وفي الاقتراب من الشعور باللذة والسرور.

المرحلة الثانية: ان اطاعة الطفل للاُصول الأخلاقية انما يكون قائماً على اساس میل ورغبة الأب، الأم، المعلّم، الجماعة والمجتمع، فإن تأييد الآخرين

ص: 69


1- نهج البلاغة.

أو انكارهم عليه يشدّ من عزمه أو یثبّطه، إلاّ أنه يحاول الاطاعة العمياء من أجل اجتناب التوبيخ والانتقاد الذي یوجّه له من زملائه مثلاً، فإن العمل

الصحيح في نظره هو العمل الموافق للميل العام، وانّ المهم لديه هو ما يفرضه ذلك الجمع لا الآثار الفعلية للعمل الذي يقوم به، فيكون السبب في تلك الطاعة هو موافقة الغير والحفاظ على المنزلة في المجتمع، فالهدف من القيام بفعلٍ ما يتبلور على اساس نوعٍ من الميل الجماعي ليكون بذلك مقبولاً، فيكون الحاكم على الموقف حينئذٍ هو الشعور بالعزة الجماعية والاجتماعية بدلاً من الشعور بالعزة الفردية، فالاهتمام بالميل العام للجماعة وتحسّس مظلومیّتها هو العامل المشجّع على القيام بالعمل والطاعة.

فالطاعة في الحقيقة أو العصيان والتمرّد على الأصول الخلقية مآله إلى الشعور باللذة الجماعية، او الى الشعور بتحسس الألم نتيجة المظلومية للجماعة، وهذا غاية ما یتوخّی من الطاعة، مع الفارق بين هذ المرحلة والمرحلة السابقة، فإن الشعور الفردي هو الحاكم في تلك المرحلة، والشعور الجماعي هو الحاكم على احساس الطفل في هذه المرحلة.

المرحلة الثالثة: أن طاعة الاطفال والتزامهم بالأخلاق تكون نابعةً من ثقتهم الباطنية بأنفسهم، ليكون ما يقومون به صادراً عن رغبتهم لا بسبب الإكراه - من الخارج - سواء كان من المعلم والابوين ولأجل متابعة الجماعة، أو نابعاً من اهتمامه بما يوليه المجتمع لفعله من ردٍ أو قبول، بل تكون نفس القيم الخلقية والالتزام بها في السلوك مطلوبةً للإنسان، لثقته بأصالتها، فاختارها عن علمٍ تامٍ بها، فالسبب في قيامه بذلك العمل او السلوك انما هو نتيجة شوقه النابع من اختياره عن علم.

ص: 70

وهذا النحو من التعلم والطاعة من أقوم ما يبلور الادراك في ضرورة الالتزام بالأخلاق، فيكون ذلك سلوكاً خالداً لكونه نابعاً من صميم الانسان، خلافاً لما في المرحلتين السابقتين - الاستبداد الفردي والجماعي - حيث كان السبب في الالتزام عاملاً خارجياً.

ان للتعلّم والطاعة جذوراً في صميم قلب ونفس الإنسان، ومثل هذا الالتزام بالضوابط يكون الانسان منفّذاً له عن طيب نفسٍ ورضاً تام، سواء كان هناك مَن يراقبه أولا، بل حتیٰ لو تغیّرت الظروف والعوامل الخارجية لا يرفع الانسان يده عن القبول والعمل بما يعتقده من القيم والمبادىء .

ص: 71

ص: 72

قال علي عليه السلام:

« مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَضَرَّةَ الشَّرِّ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ،

مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَنْفَعَةَ الْخَيْرِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ»(1)

كيف یمکن إعداد عوامل الطاعة والالتزام

اشارة

ان الانسان عندما يكون ملتزماً بالاخلاق و مطيعاً فمعنى ذلك أنه يعتقد بها من صميم قلبه، ولذا يحاول تطبيقها في حياته، ليتعرف من خلال ذلك على الأسباب والدواعي المستبطنة في تلك المقررات ويدركها(2).

إن المتوخّی في المرحلة الاولى هو الآثار والعواقب الآنيّة المترتبة على الفعل، وهي السبب في الخوف من العقوبة عند المخالفة، وفي الشعور باللذة والسرور عند الطاعة.

ص: 73


1- غرر الحكم: 9008 و 9009.
2- لا ينبغي الغفلة عن أن للوساوس الشيطانية في هذا المجال باباً مفتوحاً، بحيث لا يمنع الانسان التعرف على اسباب و ادلة الاُمور عن القيام بالأعمال، كالطبيب الذي يعلم مفاسد ومضار الخمر ومع ذلك يشربه، ولذا لا ينبغي تجاهل دور العوامل الاجتماعية والنفسية الايجابية أو السلبية في ذلك، وعلى أي حالٍ فلو أن شخصاً يعلم فوائد الالتزام بالضوابط ومع ذلك يخالفها فانه يستحق حینئذٍ التاديب، فانه یمکن أن يقوم بالتأديب في هذه المرحلة المجتمع او المتصدين لذلك، خلافاً للمرحلتين السابقتين فإن الداعي في الطاعة والالتزام هو الخوف من العقوبة أو الاكراه الفردي او الجماعي، بحيث لا يعلم الشخص السبب في اطاعته لتلك الضوابط، فان التاديب والعقوبة في تلك المرحلتين لا يكون صحيحاً ومنطقياً. هذا ومن جهة اخرى فإن المرحلة الثالثة قد يؤدي الالتزام فيها في الغالب إلى كونها ملكهً في شخصية الإنسان، فتكون حينئذٍ في افضل أساليب التعليم والالتزام، وان كان الاسلوب الاول والثاني في المرحلتين المتقدمين لا يخلو من منفعة.

واما السبب في الالتزام في المرحلة الثانية فهو الخوف من فقدان المنزلة الاجتماعية، والشعور بالاعتزاز بين الزملاء والقرناء.

واما السبب في الطاعة والالتزام في المرحلة الثالثة فهو غيره في المرحلة الاولى والثانية، لكون الانسان يختار ما يناسب شأنه من السلوك بعد ان يعتقد صحته ويدرك ضرورته، فيقوم بممارسته من دون أيّ نوعٍ من الترهيب أو الترغيب، حينها يشعر الإنسان ضرورة معاملته للآخرین معاملهً يحب أن يعامله الآخرون مثلها.

ان عقل الانسان لابد أن يدرك أهمية وقيمة التزامه بالمقررات، ولابد له من أن یوفّق بين هذا الادراك وبين العمل بتلك المقررات، ومثل هذه النظرة التربوية تجعل أمر تعلّم فضائل الاخلاق لا ينحصر بإلقاء الابوين والمعلمين للألفاظ البسيطة من دون تجاوبٍ معها، بل تجعل من التربية والتعليم - اللذين يراعى فيهما الجو المناسب، ويؤخذ فيهما تكامل ومعرفة الطفل ومراحل تحوّله النفسي والعقلی بنظر الاعتبار، وذلك في جوٍّ يملأه الاحترام المتبادل للطفل، ويُعتمد فيه على شعوره بالكرامة- عاملین مساعدين على عمق الادراك لدیٰ الطفل و استقامته، مما يؤدي ذلك به في مقام العمل الى تكامله وتربيته اخلاقياً، وتبلور شخصیته.

لابد أن تتناسب المفاهيم الخلقية والقيم الانسانية مع مراحل تکامل الطفل العقلية ومستویٰ إدراکه، وذلك باستخدام الأساليب العملية في مختلف مجالات الحياة - في البيت والمدرسة- ، ولا ينبغي لنا أن نتأمل من الطفل سلوكاً مشابهاً لسلوكنا ما لم نطمئن بمستویٰ إدراكه الذي يتناسب مع قدرته العقلية.

ص: 74

ولذا لا ينبغي لوم الطفل أو توبیخه - بما يصدر منه من سلوكٍ مخالفٍ للاخلاق، أو لكونه کاذباً - قبل احراز تکامله العقلي والعاطفي في ادراکه للمفاهيم الخلقية، وتمييزه للامور الحسیة والمفاهيم الانتزاعية، فإن أغلب سلوك الأطفال في هذه السنين لا يكون عن سوء نيّتهم أو خبث بواطنهم، وانما يريدون بذلك إلفات الأنظار اليهم.

آن طاعة الاطفال للمقرّرات و التزامهم بالقيم الأخلاقية يستتبع لمسهم عملياً لنتائج ذلك الالتزام، ولذا لابد من تعليم الاطفال وتربيتهم على المفاهيم الاخلاقية - كالصدق، وعدم الكذب والمكر والحيلة، الالتزام والنظام - عن طريق القصص والحكايات اللطيفة والتربوية، وتعريفهم دور تلك المفاهيم و آثارها العملية على سلوكهم، فإنه ليس في بيان ذلك لوحده أثر، بل لابد من اختلاط الطفل مع أقرانه ليتعرف - في جوٍ مناسب يحكمه الاحترام - على حل مشاكله بصورةٍ عمليةٍ، ليدرك ضرورة الالتزام بالضوابط ويعتقد بها، ويستقیم على العمل بها.

ترسيخ المفاهيم الأخلاقية

ان تعلم وادراك الأمور شيء، والاعتقاد بها والعمل على طبقها شيء آخر، ولذا فإن تعلّم الأطفال لاصول الأخلاق لو كان المنهج المتبع فيه صحيحاً كان ذلك بمنزلة اداء نصف المهمّة، ونصفها الآخر يكمن في الاعتقاد والعمل بها.

فإنه لا ينبغي أن يتصور متصورٌ أن مجرّد الالفاظ التي يستعملها المعلم في الدرس تجعل من الطفل ملتزماً بما علمه ليحاول تطبيقه.

ص: 75

ان المهم في هذا المجال هو تخليص الطفل من التجبّر والتفرعن المفروضين عليه من قبل شخصٍ أو جماعة، ومحاولة جرّه للحضور في ما يطرح على بساط البحث في المجتمع، وإعداده من اللّحاظین العقلي والعملي للدخول في المعترك لحلّ المشاكل، في جوٍّ يملؤه الحب والاحترام، وتتلافح فيه الأفكار.

فلندع الاطفال يشعرون بقيمة المبادىء بأنفسهم، ونفسح لهم مجال العمل والتفكير في الأمور، ونعطيهم فرصة حضور المناقشات والمحاورات البنّاءة، لیتمکّنوا من الادراك والاعتقاد - جرّاء ارشاد المعلم - ومن ثم الالتزام عملياً بإجراء تلك الضوابط، بحيث يترسخ في نفوسهم ذلك.

ومن هنا فإن من المحتّم على الأبوين والمعلّمين فسح المجال لاغتنام مثل هذه الفرص البنّاءة، ليتعرّف الاطفال على التطوّر الجماعي، ويدركوا الميل العام لتلك الجماعة، ویتمکنوا من الالتزام عملاً - بعد معرفتهم أهمية ما اعتقدوه - فيما تسنح لهم الفرصة بذلك، لأن الأطفال يتاثرون وبشدة بسلوك المعلمين وأقوالهم، وهكذا يتأثرون بسلوك اقرانهم.

أن المعلمين یتمکنون من إعداد الظروف المناسبة للدخول في النقاش الجماعي، واداء مسؤوليتهم في الارشاد والتعليم، بحيث یتمکن الاطفال بأنفسهم - وبعد انتهاز الفرص في الظروف المناسبة - من التعرّف على ادلّة واسباب کل فعل، وانه لابد من القيام به بهذا النحو دون ذاك، وبذلك سيشاركون في تكاملهم الخلقي ورقیّهم.

ان من دواعي الشعور بالمسؤولية، الاحترام والالتزام بالضوابط والاصول الأخلاقية، ولا يتيسّر ذلك الشعور إلاّ في ظل ادراك ضرورة الالتزام

ص: 76

بتلك الأصول، ليعرف الانسان قيمة تلك المبادىء ويتداخله السرور عند الالتزام بها، وهذا انما يقوم له ساق اذا كان في جوٍّ مفعمٍ بتبادل الاحترام والمعلومات والمشاعر، بعیداً عن الإكراه والاجبار، بنحوٍ يشعر الأطفال أن لهم قدرة الادراك كما للكبار ذلك، وانهم یتمکنون من تطبيقه عند الضرورة.

ان في اقتداء الاطفال ببعضهم الآخر، وتوجيه ذلك من قبل المعلم الأثر البالغ في تكامل الأطفال، ومن عوامل توجيه الطفل نحو العمل بالمبادىء الأخلاقية وتبلور شخصیته ترغيب الابوين واعطاء الأهمية لحضور الطفل في المنقاشات الاجتماعية والعائلية، واعطاء المسؤولية له في الظروف الطبيعية للحياة.

أن الأبوين والمعلمين یمکنهم اصلاح سلوك الأطفال من الناحية الأخلاقية باستعمال المناهج التعليمية المناسبة، وبالاشارة الى النكات الأخلاقية، وبذلك يرفعوهم من مستواهم الى مراحل ارفع، فإن المعلم في سلوكه اُسوة يقتدي به الاطفال في تجاربهم العملية، حيث أن للتجارب النافعة التي يمارسها مَن حولهم - سواء في المدرسة أو البيت، وفي الظروف الطبيعية - الأثر البالغ في تبلور شخصياتهم وفي ايجاد دواعي الالتزام بالقيم والمبادىء الأفضل في نفوسهم.

ان التنافس الصحيح بين الأطفال يزيد من روح التعاون بينهم، ويؤدي الى اكتسابهم تجارب مفيدةٍ أكثر ايجابيةً.

ان ما يجهّز الاطفال بسلاح الفكر ويجعلهم يشاركون على شكل جماعات في الامور الثقافية هو ما يطرحه الابوين أو المعلمين للأطفال من مفاهيم وقيم خلقيةٍ أثناء قيامهم بالعمل، والافضل طرح اهم ما يحتاجه

ص: 77

الاطفال من أمورٍ على بساط البحث والنقاش، فإن أهم ما ينبغي الاهتمام به هو مستویٰ ادراك الطفل والمراحل التي مرّ بها في تكامله، وهكذا الوقت الذي يتعلم فيه من اجل ترسيخه تدریجیاً في نفسه.

يحاول الآباء والمعلمون في الغالب اغتنام الفرص في بيان بعض الامور الضرورية والمسائل الاخلاقية عن طريق الحوار المباشر بصورة نصائح ومواعظ مكررة، لغرض تعليمهم أو لأجل فرضها عليهم، غافلين عن ان للاطفال اختيار السلوك الصحيح بأنفسهم، بعد أن يعرفوا السر في ذلك، ليُقبلوا على العمل به برغبةٍ أكثر، لا أن نملى عليهم ذلك ونكرههم على القبول به.

ان الكلام في غير مواقعه لا أثر له(1)، ولا یعلّم الطفل منطق الاستدلال لو كان كذلك، لأن فيه جهة من جهات الإكراه والضغط من الخارج، لذا يرجع سلوك الأطفال وبعد مدّة الى حالته الاُولى، وهكذا لا أثر للعقوبة أو الترغیب في مثل هذه الظروف التي يحكمها الاكراه لان الشخص لا یمکنه السيطرة على القوة العقلية والنفسية، وليس له دور في كشف ومعرفة القضايا أو الاستدلال عليها، ولذا ما دام منطق القوة - المفروض من قبل شخصٍ أو جماعةٍ أو من المجتمع - يحكم سلوك الطفل تراه یضطرّ للقيام بالعمل على رؤوس الأشهاد، وبمجرد تغيّر الوضع بأن ينتفى الاكراه المفروض من الشخص أو الجماعة، تراه لا يلتزم برعاية الضوابط أبداً.

مواجهة الطفل لنتائج سلوكه الصحيح

ان احد عوامل تعلّم الطفل وطاعته عن معرفةٍ ووعي هو مواجهته لما

ص: 78


1- كالحديث معه تحت الشمس أو في البرد أو عندما يكون جائعاً.

يترتب على سلوكه من آثار طبيعيةٍ صحيحة، فالطفل الذي لا يستيقض من نومه مبكراً لا محالة يتأخر في الذهاب الى المدرسة، والطفل الذي لا يقوم بأداء واجباته المدرسية سیضطر الى الجواب عن سلوكه هذا.

ان الارشاد المكرر، القيام بأعمال الطفل بدلاً عنه، الترغيب والترهيب المنقطع والآني، كل ذلك ليس له اثراً مطلوباً.

انه ومن أجل تطبيق المنهج الصحيح لابد من الصبر والتحمّل وانشراح الصدر والحلم والحزم والحب والرأفة.

حاولوا أن تفسحوا المجال للطفل بأن يكون ملتزماً بالضوابط في أعماله، وذلك بأن لا نملي عليه طرق حلٍ مجملةٍ، فاذا واجهنا من الطفل سلوکاً قبيحاً ورد فعل خاطىء. بأن كان غير ملتزمٍ بالضوابط - علينا أن لا نفقد صوابنا بسرعة، بل لابد من التحرّز عن ابداًء رد فعلٍ سريع ومعاملته بهدوءٍ واحترام، فإن من العوامل الهامة التي تساعد على معرفة السلوك الصحيح هو اجتناب العقوبة التي تنبیء عن النظر الصحيح، فإنه لا ينبغي أن يشعر الطفل بالتحقير جرّاء ما يقوم به من عملٍ قبیح.

إن الاطفال عندما يريدوا أن يتعلّموا شیئاً فإن من الطبيعي وقوع الخطأ في ما يقومون به، فإنه كما ينبغي عدّ ذلك منهم أمراً طبيعياً عند تعلّمهم لمختلف المسائل لابدّ من عدّ ذلك أمراً طبيعياً أیضاً عند تعلّمهم للامور الخلقية والتربوية، لأن كل خطأ بالنسبة للأطفال هو في حكم اکتساب تجربةٍ جديدة ، وليس بمعنیٰ التمرّد على اوامر الوالدين والمعلمين، وما يحصل عليه الاطفال من نتائج لتجاربهم تارةً يكون افرازاً طبيعياً لاحتكاكهم بالواقع، واخرى يكون نتيجة الدروس التي يتعلّمونها من الواقع الاجتماعي، وذلك أنه بمجرد ما

ص: 79

يحصل الطفل أو الشاب على فرصةٍ للتفكير في سلوكه يحاول أن يربط بين ذلك السلوك وبين ما يترتب عليه من آثار، ولذا يتعيّن على الآباء والمعلمين في البيت والمدرسة تمهيد الظروف التي یتمکن الأطفال فيها من التفكير الصحيح في سلوكهم، من اجل ان يتعلّموا ويلتزموا بأُصول الأخلاق، والذي ينبغي وقبل العمل بهذا المنهج هو توطيد علاقتكم مع الاطفال باحترامهم والعطف عليهم، فإن طريقة الكلام وايقاعه بأيّ لحنٍ كان، ینمّ عن كون المعلّم رحیماً وعطوفاً أولا، والذي ينبغي هو كون الكلام حازماً ومشوباً بالعطف، ليفكّر الطفل وبسبب ما يتداخله من الابتهاج - بعواقب سلوكه واعماله ولا ينبغي ان يشعر الطفل في هذه الحالة بأي نوعٍ من ضيق الصدر أو عدم الارتياح بحيث يؤثر ذلك تأثيراً سلبياً على كيفية النتيجة التي يصل اليها.

أن السلوك الخشن مع الاطفال يخلّف آثاراً نفسية على الطفل ويخدش عواطفه، ويؤدي به إلى التمرّد والعصيان واتخاذ الموقف المضاد للمقابلة بالمثل، مما يمنع ذلك من لجوء الطفل الى التفكير بسلوكه تفكيراً صحيحاً.

ان الذي يدعو لشعور الطفل بالابتهاج والحرية وجود الجو العاطفي الذي يملأه الاحترام، والذي يجعل من الطفل واثقاً بنفسه و مطمئن البال، وبذلك یتمکن وبشكلٍ طبيعي من التفكير في صحيح سلوكه وسقيمه، ليتوصّل الى نتائج مطلوبة.

ان ما يؤدي الى صدور ردود فعلٍ غير مدروسةٍ وسلوکٍ ارتجالي من الطفل هو ما يكون بسبب ضعف الشخصية والألم النفسي الذي قد يوجهه بعض الآباء والمعلمين بمعاملتهم القاسية للطفل، بحيث يؤدي به ذلك الى اتخاذ موقفٍ دفاعي بدلاً من التفكير المنطقي سلوكه، إذ أنه لو حصل على فرصةٍ

ص: 80

كافيةٍ للتفكير سوف يفرح بسلوكه الحسن ويستاء للقبيح من سلوكه، ولذا يحاول أن يربط بين سلوكه وبين ما يترتب عليه من آثار ليحصل بذلك على نتيجةٍ منطقيةٍ صحيحة، ويؤدي ذلك إلى ترغيبه في العمل او الى توقّفه وامتناعه عنه.

ان ما يساعد على ايجاد جوٍّ مناسب لتفكير الطفل في سلوكه هو سعة صدورنا وسكوتنا عنه، فانه لابد من التخلية بينه وبين ما يصل اليه من نتيجة، الان اتخاذ القرار - سواء كان باللسان أو بالاشارة أو بتغيير ملامح الوجه - فيما يتعلق بسلوك الطفل يسلب منه فرصة التفكير، وحينها لا يصل إلى نتيجةٍ معقولة، ويؤدي مثل هذا السلوك مع الطفل الى كون سلوكه ارتجالياً وعلى شکل رد فعل، وليس للتفكير واتخاذ القرار فيه مجال، وهذا النحو من التعلّم لا يكون عن وعي واختيارٍ لكون العامل الخارجي هو المؤثر الأساسي فيه، وهذا بخلاف ما يكون فيه العامل الباطني - أعني الارادة - دخيلاً في التوصل الى النتيجة النهائية لتقييم السلوك، والتي تؤدي الى اختيار السلوك الأفضل.

أن الهدوء وعدم الانفعال السريع في مقابل سلوك الطفل يساعده کثيراً على شعوره بالاطمئنان ليجد فرصةٍ يربط فيها بين سلوكه الحسن أو القبيح مع ما يتوصل اليه من نتائج صحيحة تتعلق بذلك السلوك الذي تعلّمه بسبب الاحتكاك بواقع الحياة الاجتماعية، وبذلك يتخذ القرار بشأن المزيد من التجارب الايجابية والمثمرة في سبيل تغيير السلوك نحو الأفضل.

انه لابد من التحلّی بالصبر، وفسح المجال للأطفال ليتعرّفوا على ما يترتب على سلوكهم، والخوف على الطفل في مثل هذه الامور ليس في محلّه.

ص: 81

إن الإفراط في إرشاد الطفل ونصحه الدائم يسلب من السلوك اثره، ويؤخّر من توصل الطفل إلى النتائج المطلوبة بعد التفكير في سلوكه، فإن الوقت المناسب للحديث مع الطفل هو الوقت الذي يكون فيه متشوقاً لسماع الحديث فيه، ولابد من الاختصار في المقال وعدم الدخول في القيل والقال، وعدم الاعتناء بقبيح الكلام(1).

انه من الضروري أحیاناً ترك الاطفال لوحدهم لكي يفكروا في عواقب افعالهم، ثم إن الجوّ الذي يملأه الحب والاحترام يكون سبباً في اتخاذ الاطفال القرار فيما يتعلق بمشاكلهم بحيث یتمکّنوا من حلّها بأنفسهم.

حاولوا - قدر الامكان - اعطاء الاطفال الحرية وحق الانتخاب، واقبلوا ما یتّخذوه من قرارات، وعاملوهم بالعفو والصفح(2)، وحاولوا التغافل عمّا يعملون، فإنه المنهج الصحيح الذي يعطي الاطفال فرصة اكتساب التجربة(3) . انه لابد من العمل بسيرة العدل والإنصاف، والحزم والرأفة، لتتهيأ للاطفال بذلك ارضية التفكير وتجديد النظر في سلوكهم، ويشعروا بالمسؤولية تجاه ما يقومون به، فإنهم عندما يشعرون بعدم الاكراه والاجبار سوف يكفّون عن عمل القبيح.

إن مواجهة الطفل لآثار سلوكه انما يكون صحیحاً وناجحاً إذا لم نستعمل

ص: 82


1- قال تعالى: (وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) الفرقان: 72.
2- قال تعالى: «فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ » وقال تعالى (فاعفوا واصفحوا) الحجر: 85، البقرة: 109.
3- قال أمير المؤمنين عليه السلام: «المؤمن نصفه تغافل» غرر الحكم، وقال عليه السلام: «مِن أَشْرَفُ أَخْلَاقِ الْكَرِيمِ تَغَافُلِهِ عَمَّا يَعْلَمُ.» نهج البلاغة .

معه اسلوب القوة فإنه لابد ان تكون الأعمال والعلاقات معهم قائمةٍ على اساس حسن الظن، وليكن لكم معهم سلوكاً صحيحاً وطريقةً حميدة(1).

توجيه الأسئلة للطفل

ومن المناهج الاخرى التي تستخدم لتقویة الادراك وتكامل قوة الاستدلال لدیٰ الطفل هو طرح الأسئلة عليهم بالنحو الذي كان ابراهيم عليه السلام يسال به قومه ، حيث كان يُثبت لهم فساد عقائدهم وبطلانها عن طريق الاستدلال المنطقي بالامور المحسوسة، وكان يضطرّهم الى التفكير {فرجعوا الى أنفسهم} (2).

ان طرح الأسئلة على الطفل اثناء التزامه بالضوابط - بشكلٍ طبيعيٍ في المجالس الجماعية التي قد يتداخل الرعب فيها نفس الطفل - يكون عاملاً مساعداً على الجاء الطفل او الشاب الى التفكير، لان الاستدلال على امرٍ هو في الواقع سبب لاثبات الشخصية، بحيث لو تمکّن المعلم من إدارة المجلس بصورةٍ صحيحةٍ لشعر كل واحدٍ من التلاميذ بأن له شخصية، تلك الشخصية التي لا تثبت إلاّ بالعمل بتلك المبادىء والقيم.

ان اعطاء الطفل فرصة الحديث والمناقشة، ومعرفة رأيه بطرح الأسئلة - من قبيل: «ما هو رأيك؟ وما هو تصوّرك، وأنه لو كنت في مثل هذه الظروف ما كنت صانعاً؟ أو لو عاملوك مثل هذه المعاملة ما كان شعورك؟ - يقوی اساس

ص: 83


1- ان الترغيب والترهيب المنقطع والآني يسد الطريق بوجه اتخاذ الطفل القرار المناسب لسلوك الطفل، ويمنعه من التفكير فيه وفي ما يترتب عليه.
2- الأنبياء: 64.

الادراك لاُصول المبادىء الأخلاقية لدیٰ الأطفال، ومن أجل أن تتحول تلك المبادىء الى سلوکٍ في حياة للأطفال، فانه لا ظرف أكثر تأثیراً من الجو الذي يملأه الحب والانسجام بين المعلمين أو الأبوين مع سائر افراد العائلة، فان ذلك يكون سبباً في الشعور لدیٰ الجميع بعزةِ النفس والكرامة، لان الشعور بالكرامة وعزة النفس من حاجيات الفطرة الانسانية السليمة، وجميع المحاولات والمساعي للانسان في الحياة انما هي من أجل رفع مثل تلك الحاجيات، ولا تتبلور هذه الكرامة والعزة إلاّ في ظل الالتزام بالمبادىء والقيم الأخلاقية.

إن الجو الذي يكون فيه التشجيع والترغيب للاطفال حاکماً، والذي يملأه الحب والانسجام يزيد من حب الأطفال بعضهم لبعض وتتوثق الصداقة بينهم، بحيث يتحول ذلك إلى شعور جماعي بضرورة العمل بالقيم الأخلاقية، والی ادراكٍ جماعي للأسباب التي دعتهم الى العمل بذلك.

أن الإبداع في طرح الأسئلة على الطفل یضطرّه الى التفكير وتحليل الأمور والقضايا ويشوّقه لمعرفة ذلك، ولهذا المنهج دور في توجيه عقل الطفل، وفي تقویة البنية الفكرية لديه، وبذلك يتعرّف الطفل على امور قد لمسها بالتجربة، ويتعرّف من خلالها على ادراك مشاعر الآخرين جيداً، ويتوصّل من خلالها على طرق حلٍ لمشاكله ويقف على ضرورة الالتزام بالقيم والمباديء، وحيث ان هذا الأمر كان المنهج المتبع فيه منهجاً صحيحاً، وخالياً عن الشعور بالاكراه والضغط، والعمل به وقع عن اختیارٍ و ارادةِ تامين، سيكون السلوك النابع عن الالتزام به سلوکاً مستقیماً وصحيحاً، لا يتغيّر بمضي الزمان، ولا يتغيّر بتغيّر الظروف والأحوال، والذي ينبغي على الأبوين في البيت والمعلمين في المدرسة أن یتّخذوا منهجاً مجرّداً عن أي نوعٍ من الاكراه عندما يريدون تعليم

ص: 84

الاطفال وتربيتهم على الأخلاق والالتزام، ليلعب الاطفال دورهم الخطير في الالتزام بالمباديء، إذ ليس المعلّمون والآباء الاّ مرشدون لهم في مختلف الظروف، وظيفتهم في ذلك اعداد الارضية المناسبة للاطفال.

لقد كان بناء الماضين قائماً على إكراه التلميذ على كل شيء حتیٰ في الترغيب والتشجيع، معللين ذلك بأن الطفل يحب اللعب واللهو، ويتهرّب من الالتزام بالضوابط و من اداء واجباته، فكان منهج تحريك حس اشتیاق الطفل للتعلم يواجه مشكلةً، هذا مضافاً الى ان الطفل أو الشاب . - كل منهما في مرحلته الخاصة به - يحبّان التطلّع والمعرفة والعمل اكثر من أي مرحلةٍ اخرى ويشتقان اليه، وبناءاً على ذلك، فانه لا ينبغي اكراه الطفل على التعلّم أو الالتزام(1) بأیّ شيء من القيم قبل أن تكون ارضيّته من الناحية النفسية والعاطفية ممهدةً، أو كان للطفل رغبة في ذلك، ولا تتحقق تلك الرغبة وذلك الميل للطاعة والالتزام بأیٍّ من الضوابط والقيم إلاّ في ظلّ شعور الطفل بالكرامة وعزّة النفس ، من قبيل الضوابط التي تضعها المدرسة للتلاميذ.

أن المدرسة تدعو الطفل والشاب بشكل طبيعي ليوفّقا بين سلوكهما وبين آمال الحياة ومتطلّباتها، ليستقيم سلوكهما بذلك.

ان علاقات التلاميذ انما تستحکم إذا طبّقوا المبادىء الأخلاقية والضوابط المدرسية بشكلٍ جماعي بفكرٍ واحد، في محيط يملأه الود والاحترام، ليتعرّفوا أكثر على الأصول والضوابط ويعيشوها في حياتهم اليومية.

ص: 85


1- قال أمير المؤمنين عليه السلام: «فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا أُكْرِهَ عَمِي»، نهج البلاغة، الكلمة: 193.

ان حس التعاون بين التلاميذ وبذل الجهد الجماعي لا یتیسّر إلاّ في ظل العلاقات الصحيحة وارشاد المعلمين، وبذلك تبرز طاقاتهم وقدرة الابداع لكل واحدٍ من التلاميذ في حل المشاكل وفي علاقاتهم مع أنفسهم ومع غيرهم من الناس. وفي مثل هذه الظروف لا يكون جهد كل واحدٍ من التلاميذ التفوّق على غيره ليبرز ويشار اليه بالبنان، أويعدّ غيره من التلاميذ فاشلاً وغير ناجحٍ في الحياة، ذلك أن الحجر الأساس في الحياة الاجتماعية عندهم هو ادراك المشاعر وحس التعاون والاحترام المتبادل، فيسعیٰ كل واحدٍ منهم وحسب طاقاته واستعداده ان يكون مع الجماعة في طريق الحفاظ على كرامته، ويحاول ان يكون في خدمة الجماعة ووحدتها في ظل جو العلاقات الصحيحة بينه وبين الآخرين، ومثل هؤلاء التلاميذ يتكاملون بحفاظهم على كرامتهم، ليكونوا في المستقبل اُناساً أحراراً وأعزاء، بحيث یتمکنون من قيادة المجتمع نحو نيل الأهداف والقيم الاسلامية السامية، ويكون لهم دور فعّال وبنّاء - ان شاء الله تعالىٰ - في تمهيد الأرضية للمصلح الأكبر ولي الله الأعظم الحجة القائم - عجّل الله تعالی فرجه - ويكونوا من جنوده.

ص: 86

دور وآثار التقييم المدرسي على شخصية الأطفال

اشارة

ص: 87

ص: 88

«کتب الحسن والحسين عليها السلام لوحاً وعرضاه على امهما لتحكم أيها أحسن خطاً وأشدّ قوةً، فنظرت فيه امهما فما ارادت کسر خاطرهما فقالت: یا قرّتي عيني إني اقطع قلادتي على رأسكما فأيكما يلتقط من لؤلؤها أكثر كان خطّه أحسن وقوّته أكثر ...».

بحار الأنوار: ج45، ص 191

ص: 89

ص: 90

الهدف من التقييم وآثاره على شخصية الأطفال

اشارة

عندما يدخل الاطفال المدرسة الابتدائية يكون الأبوين في الغالب قلقين لوضع اطفالهم الدراسي، ويكون اكبر همّهم وأملهم هو نجاح اطفالهم وتفوّقهم بدرجاتٍ عالية، هذا ومن جهةٍ أخرى، ترى المعلّمين ومسؤولي المدارس يصرفون جهودهم من اجل نجاح التلاميذ المتفوّقين خاصة في امتحانات الفصول الثلاثة والامتحان النهائي، لتصوّرهم أن ملاك النجاح هو حصول التلميذ على أعلى درجةٍ في الامتحان، والمدارس تعتبر الهدف من الامتحان هو تعيين التلاميذ الجيدين، لتصوّرهم ان التلميذ المتفوّق هو الذي يحصل على أعلى درجةٍ في الامتحان، ولذا تتخذ علاقات كلٍ من المعلمين وأولياء امور التلاميذ نحواً خاصاً بعد انتهاء الامتحانات، وبعبارةٍ أخرى: يكون للعلاقات مع التلاميذ بعد تعيين نتيجة الامتحان و تقييم التلميذ شكلاً جديداً.

ان للتكامل العلمي والتعليمي و تقييم التطوّر الدراسي للتلاميذ في بادىء الأمر أهميةً بالغةً، وهذا الأمر يكون وبشكلٍ طبیعی سبباً في تقييم الشخص وكونه تلميذاً ناجحاً، لكونه قد حصل على درجاتٍ عاليةٍ في دروسه، وأما التلميذ الفاشل فهو الذي لا یتمکّن من کسب ذلك.

ولكن لا تخفىٰ العلاقة بين الدرجات الدراسية وبين التقدم الدراسي للتلميذ، فالمهم هو أن مثل هذا السلوك ومنهج التفكير للآباء والمعلّمين یوجّه الشخصيات الاطفال ضربةً قاصمة، ويقف سداً بوجه تقدم ونجاح التلميذ وتكامله في مختلف المجالات.

وقد يكون لمدراء المدارس والمعلّمين بعد الامتحانات أهدافاً غير

ص: 91

صحيحةٍ، لسعي أكثرهم تربية نخبهً من التلاميذ یتمکنون من التنافس مع تلاميذ مراكز التعليم الأخرى.

أن الآباء يعتبرون الامتحان سداً لابد من تجاوزه بأی نحوٍ كان بنجاحٍ تام، وهم على تصور ان اطفالهم لو لم یتمکنوا من الاتيان بدرجة الامتحان التي يرغبوا فيها فسوف تذهب آمالهم ادراج الرياح، ولذا تتبلور شخصية الطفل لديهم في محور الدرجة العالية جداً، فإن لم يأت الطفل بها بنجاحٍ فهو في نظر أبويه طفل متخلّف علمياً، وينظران اليه دائماً نظرة تحقير وازدراء، وقد سری هذا الأمر الى المعلمين أیضاً بحيث صاروا لا يهتمّون بالاطفال الضعفاء في الدرس.

ولذا تری ارتباط شخصية الطفل بنجاحه وكسبه للدرجة العالية ارتباطاً عجيباً منذ ان ينفصل عن حجر اُمه ويدخل المدرسة، فالدرجة في الواقع هي المفصحة والمبيّنة لشخصية الطفل وقدره، ويترتب عليها سلوك المعلمين من رضاهم عن الطفل وعدم رضاهم.

والاهم من ذلك ان معاملة الأبوين في البيت مع الطفل تكون خاضعة الوضعه الدراسي، بحيث يكون الميزان في علاقتهما به عاطفياً ونظرتهما اليه فيما يتعلق بشخصیته هو کسبه للدرجة العالية، بنحوٍ لو لم یتمکن طفلهما من الحصول على تلك الدرجة لكان سلوكهما معه سلوکاً مشیناً له، بحيث يشعر الطفل بعدم كفاءته، ومثل هذه المعاملة تكون سبباً في تهاونه في جميع الدروس، لشعوره بأن جميع محاولاته للنجاح لا أثر لها، ولتصوّره أنه انسان مهزوم وفاشل، تلك الهزيمة التي توجه ضربةً قاصمةً لشخصیته وتمنعه من النجاح في دروسه، ولو كان يذهب الى المدرسة ويدرس فليس ذلك الّا من

ص: 92

أجل ما توجّه اليه من ضغوط عائلية أو معيشية، ونتيجة مثل هذه الدراسة معلومة مسبقاً.

ولذا فلقد وجدنا الكثير من التلاميذ الذين فقدوا الهدف من دراستهم، ومن ثم فقدوا الكفاءة والقدرة على النجاح، فاستمروا في الدراسة على عدم رغبتهم في ذلك الى آخر السنة الدراسية، ووجدنا ایضاً الكثير من الآباء الذين لهم دور غیر ارادي في تضعیف رغبة أبنائهم - في بذل جهدٍ أكبر - بسبب معاملتهم التي لا يعلمون أن لها اثراً مباشراً في سلب الرغبة والثقة - من ابنائهم - بأنفسهم، وأخیراً يكون ذلك سبباً في انهيار الوضع المدرسي لهم، وذلك السريان التقييم الدراسي الى تقييم شخصیتهم.

أن أحد دواعي التقييم المدرسي والامتحانات هو زرع الرغبة في نفوس التلاميذ من الناحية الدراسية لبذل جهدٍ أكبر، ولكن ذلك وللأسف أعطى نتیجهً معاكسهً تماماً للغرض المطلوب، أدّت الى سلب الرغبة من الطفل في المجال الدراسي، ذلك لأن نظرة الآخرين له من زاوية الدرجات الامتحانية سلبت منه الرغبة وجعلته متهاوناً في الدراسة، بحيث صار يشعر بعدم كفاءته وقدرته على القيام بشيء، وبذلك شد عن الهدف الرحال وابتعد تماماً.

يحاول الآباء والمعلّمون في البيت والمدرسة أن يصنعوا من مثل هؤلاء التلاميذ – باستعمال مختلف المناهج من قبيل الاكراه والترغیب والتوبيخ المستمر والكلام الجارح - أناساً يحبّون الدراسة والمدرسة، غافلين عن أنّهم بذلك يسلبون الرغبة من الاطفال من حيث لا يشعرون، فالتلميذ الذي لا یتمکن من کسب درجة نجاحٍ عاليةٍ قد سلبوا منه بذلك القدرة على النجاح، وسلبوا من الثقة بنفسه وقضوا على كرامته، لأنه مهما حاول تحقيق رغباتنا

ص: 93

و آمالنا ما تمکّن، ولذا تراه يشعر في نفسه الحقارة ويستهين بكفاءته، و يتهاون في اداء واجباته المدرسية، ويكون مرهقاً نفسيّاً، فهو كلما اراد القيام باداء واجبه يواجه الشعور باليأس وفقدان الكفاءة لعلمه بأن جميع ما يقوم به من محاولات يواجه الفشل، ولا يلبي رغبات أبويه أو يحقق آمالهما.

أن الاهتمام بقدرة الطفل ومدیٰ تحمّله ومستواه له الأثر البالغ في تقييم وضعه الدراسي، قال الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها}(1).

ان مراكز التعليم التي يكون فيها الغرض تربية جماعة من التلاميذ الأذكياء والمتفوّقین بحيث تنصرف انظار التلاميذ والمعلّمين والآباء نحو هذه الثلة من التلاميذ، وتكون كل التشجيعات من خطّ شخصٍ او شخصين فقط، ويُغفل عن تلاميذ الصف الآخرين تماماً، وعن عواقب مثل هذا التقييم الوخيمة، لأن الاحترام الخاص في المآل سيكون من نصيب شخصٍ أو شخصين من كل صف ومرحلة دراسية، ويُهمل سائر التلاميذ من هذه الجهة، هذا ومن جهةٍ أخرى يشعر سائر من بذل جهده - قدر وسعه - من التلاميذ أن ما بذل من جهدٍ لا فائدة فيه لأنه لا یتمکن من التنافس مع أولئك المتفوّقین، مما يكون ذلك سبباً في تهاونه في الدراسة تدريجياً، في حال أننا لو أخذنا جميع ماله دخل في تقييمنا بنظر الاعتبار لعلمنا أن ما بذله كل واحدٍ من التلاميذ كان يتناسب مع طاقاته واستعداده، وان ما بذله من جهدٍ قابلٌ للتقدير.

ان السبب في اهتمام الوالدين والمعلّمين بالتلميذ يعود - في الوقت

الحاضر - الى النظر من زاوية الدرجات الامتحانية، التي هي كل شيء في نظرهم، فهي كرامة الطفل والمفصح عن قيمته وقدره، وذلك أنه بمجرد التقييم

ص: 94


1- البقرة: 286.

المستویٰ التلميذ العلمي تكون شخصیته تحت السؤال، فلابد من الانصاف في الحكم عليه، بأن نضع جهود التلاميذ ومستویٰ تحملهم وقدرتهم في كفّتي میزان، فإنه قد يكسب من بذل جهداً أكبر درجةً تقل عن درجة شخصٍ آخر لم يبذل مثل ذلك الجهد، ولكن ذاك حصل على هذه الدرجة بما يتناسب مع ما بذل من جهد، وهذا حصل على درجة أعلى بما يناسب جهده، فإننا لو حكمنا بينهما بنحوٍ واحدٍ لم يكن ذلك صحيحاً، ولو اغمضنا النظر عن ما بينهما من الفرق استتبع ذلك عواقباً وخيمةً أقلها تهاون التلميذ وعدم اهتمامه بالدراسة، ومنشأ كل ذلك الجهل بأهداف التربية والتعليم، والذي يؤسف له اننا عند تقييمنا الأهداف التربية والتعليم لا نأخذ الخصائص الفردية للاطفال بنظر الاعتبار، ونصرف اهتمامنا الى ما يحصل التلميذ عليه من درجة، وعلى ضوئها نحكم على الطفل، في حال أن أحد خصائص هذه المرحلة - من الناحية النفسية - المؤثرة في تكامل الطفل وتربيته هو شعور الاطفال بالثقة بأنفسهم وكرامتهم، والمدرسة هي المنطلق في تقوية اساس هذه الخصال، اذاً لابد من تربية الشعور بالكرامة وعزة النفس فيهم، ولابد ان يجد الاطفال ذلك في أنفسهم، لأن الشعور بالكرامة والشخصية خير سندٍ للطفل من الناحية النفسية لحياته في المستقبل.

نتائج التقييم للسلوك

لابد ان يكون التعامل مع الطفل في البيت والمدرسة بعد التقييم بنحوٍ يشعر فيه الطفل بكفاءته، بأن يحيي في نفسه الشعور بالكرامة والشخصية وعزة النفس، فالطفل مثلاً عندما يقوم بأداء واجباته المدرسية على افضل وجهٍ لابد أن يعامله أبواه والمعلمين معاملهً يشعر من خلالها بكفاءته ومنزلته لديهم،

ص: 95

وأن ما قام به مهم في نظرهم، فيشعر بالنجاح فيما قام به، وهذا الشعور باعث على ابتهاجه و سروره، ويكون سبباً في الاستمرار في أداء واجباته وباعثاً على رغبته في الدراسة.

ولكن من المؤسف أن معاملة الكثير من الآباء والمدارس والطبقات المثقّفة للطفل والشاب بنحوٍ يشعران فيه بالعجز وحقارة النفس وعدم الكفاءة، فان تعاملهم على ضوء ما يأخذ الطفل من درجات في الامتحان يقوي في الطفل الشعور بالعجز والضيعة، فإن التلميذ لو أخذ درجة سبعين من مائة مثلاً تری عائلته تتعامل معه بشكلٍ وكأنه قد ارتكب ذنباً، ومن ثم يأخذون بقياسه مع غيره من الأطفال، ویکیلون له التوبيخ والتعبير کيلاً، لماذا لم تقدر على کسب درجة مائة مثل فلان فيكون حبهم له واهتمامهم به مشروطاً بكسبه

درجة المائة في الامتحان.

فالتلميذ الذي يأخذ درجهً اقل من مائة لا یریٰفي نفسه خيراً، وينعدم لديه شعور الثقة بالنفس تماماً، لأنه لا یتمکن من تحقيق آمال أبويه.

فعندما يقيس أبواه به غيره من التلاميذ فيقولون له مثلاً: كن مثل فلان، حينئذٍ بكلامهم هذا يضعفون فيه قواه وطاقته، ولو أفرطوا في القول له: انك ضعیف، حينئذ لا یریٰ في نفسه قدرةً، ويثبت له عجزه، إذ أن الأبوين بتصورهم يريدون إنقاذ طفلهم، غافلين عن أن مثل هذه التصرفات تعطيهم نتیجهً معاكسة، فإن قياس بعض الاطفال الى غيرهم امر مشكل الإمكان أن يكون ذلك سبباً في الحقد والعداء بين المقيس والمقيس اليه، لأن التلميذ يشعر بفشله وحقارته، وهذا يكون داعیاً لعدم اهتمامه بوصايا ورغبات والديه أو معلميه، ويسلب منه الرغبة في الدراسة وفي اداء واجباته، ويحاول عن طريق عدم قيامه بواجباته

ص: 96

أن يجلب الأنظار اليه، ويتلافيٰ ذلك من أبويه، وليس ذلك بين التلاميذ بعزيز، لوجود نماذج كثيرة من هذا النوعٍ.

ان معنیٰ شعور التلميذ بالحقارة هو: أني ضعيف، ويؤدي ذلك بالتدريج الى ان يكون جباناً وكسولاً في دروسه، فيحاول الهروب من الاجابة حتیٰ عمّا يعرفه، واذا تکلّم يتکلّم بصوتٍ ضعيف، لشعوره بعدم كفاءته، فلا ينبغي قياسه بغيره أو التأكيد على نقاط الضعف لديه، بل لابد من ذكر نقاط القوة الإيجابية فيه، وتنبيهه على طاقاته الدفينة في وجوده، ليتكامل ويرغب في التقدم العلمي أكثر، أنه لابد من تشويقه والوقوف الى جانبه لیریٰ ان له وجوداً ويحاول رفع مشاكله بنفسه، اما لو قلنا له: انك ضعيف، فلا یری لنفسه القدرة بل يكون عاجزاً عن أداء واجباته اليومية.

الهدف من التقييم في بعض المدارس

مما يؤسف له أن بعض المدارس تعتبر الهدف من التقييم والامتحانات هو غربلة التلاميذ وجعلهم على طبقات، وهدفهم من ذلك انتخاب التلاميذ المتفوقین وتشجيعهم لكونهم نماذج للتلاميذ الناجحين، هذا في الوقت الذي يكون فيه لسان حالهم وبشكلٍ لا إرادي تعريف سائر تلاميذ الصف بأنهم غير أكفّاء ولا يستحقوا شیئاً من التشجيع، مما يؤدي هذا السلوك الى سلب الثقة بالنفس من أكثر التلاميذ، والى الشعور بعدم كفاءتهم، ويكون لهم تصوراً غير صحيح عن أنفسهم، مما يؤدي ذلك إلى عدم اهتمامهم بما لديهم من واجبات وعدم نشاطهم، ولذا نرى بعض التلاميذ وبعد انتهاء امتحانات الفصل الأول واعلان نتائجه تضعف رغباتهم في الدروس، هذا في حال أن الهدف من التقييم

ص: 97

هو زرع الرغبة في نفوس التلاميذ، ولكن هنا كانت النتيجة معاكسة.

ولذا لابد أن یُعلم أن - دور التربية والتعليم والهدف منهما - الذي لابد أن يشمل حال جميع التلاميذ صار وللأسف شاملاً لحال ثلّۃٍ من التلاميذ خاصة، وبذلك ضاع حق الأغلبية الساحقة من التلاميذ.

لقد توصل علماء النفس في العصر الحاضر - عصر العلم والتقدم الصناعي - الى ان الاشخاص انما یتمکّنون من أن يكونوا مفيدين في المجتمع ويكون لهم دور فعّال، اذا كانوا متفاوتين في الابداع والكفاءة والمعرفة والطاقات، ورقي المجتمع وتعالیه مرتبط إلى حدٍّ ما بصرف الهمم والطاقات والمعارف المختلفة في المجالات المختلفة التي يحتاجها المجتمع.

ان نظام التربية والتعليم الاسلامي هو النظام الذي يعطي الشعور بالمسؤولية للجميع، والهدف منه تربية وتعليم جميع افراد المجتمع، لا جماعةً خاصةً أو فرداً معیّناً، والمجتمع الصالح هو المجتمع الذي يشعر بالمسؤولية عن آحاد افراده الذين هم تحت رعايته التعليمية

ان من واجب وزارة التربية والتعليم تمهيد ارضية تكامل طاقات وإبداعات التلاميذ بكل ما لديهم من قوةٍ وإستعداد، لیتمکّنوا من اداء مسؤوليتهم كجنود أوفياء من اجل تحقيق أهداف الثورة الاسلامية، ومعلومٌ أن مثل هذا النظام التعليمي يعطي للامتحانات و تقييم التلاميذ رسالةً حقيقية اخرى.

الهدف من التربية والتعليم

أن الهدف من التربية والتعليم هو ایجاد تغییرٍ مناسبٍ في القوة العاقلة للتلاميذ الغرض منه تغییر سلوكهم، بمعنیٰ أن التلميذ وبعد الانتهاء من المرحلة

ص: 98

التعليمية والدراسية لابد أن ينعكس ما تعلّمه على سلوكه انعكاساً ايجابياً واضحاً، بأن يكون هناك فرقاً بين سلوك التلميذ الذي انتهى من دراسة كتابٍ خاص او مواد مدرسية خاصة وبين سلوك التلميذ الذي لم يشرع في ذلك، حينئذٍ نكون قد حققنا الهدف من التقييم.

تعريف التقييم

وهو عبارة عن المتابعة المستمرة والمنظّمة لسلوك التلاميذ، وتهذيب التغييرات المنعكسة على سلوكهم، وترغيبهم في نيل الأهداف التربوية والتعليمية، وارشادهم لنيل العلم والمعرفة بالدراسة.

وكما يظهر من التعريف المذكور أن التقييم من اللوازم الهامة التي لا تنفك عن التربية والتعليم، خصوصاً لما يطرحه المعلم من مواد دراسية في الصف، وبناءً على ذلك فليس التقييم مجرد وسيلةٍ تستخدم عند الانتهاء من المراحل الدراسية، أو من أجل عزل التلاميذ المتفوقین، بل لابد أن يكون التقييم مرافقاً وبشكلٍ مستمرٍ للتربية والتعليم في مختلف الظروف والمجالات، باغتنام اشتياق التلميذ وجهوده في جهة كسب العلم والمعرفة اكثر.

وليس الهدف من التقييم قياس التلاميذ بعضهم ببعض، أوعزل المتفوقین منهم، أو تعیيرهم، لأن القياس بين التلاميذ انما يكون صحیحاً اذا كانت ظروف جميع التلاميذ من الناحية الفيزيولوجية والنفسية واحدة، وایضاً ظروفهم واحدة من الناحية العائلية، ومن الجهة الغذائية والصحیّة كذلك، وهكذا هم سواء من ناحية الفطنة والذكاء والطاقات، مضافاً إلى استعمال مناهج صحيحة في التقييم لهم، فإنه في مثل هذه الظروف يكون التقييم للوضع الدراسي مثمراً

ص: 99

فإنه لا يساعد التلميذ فقط في تحقيق الأهداف الدراسية، بل يكون عوناً للمعلم ایضاً في تحقيق ذلك، وفي تحسين المنهج الدراسي وتغيير مجراه، ويرفع النواقص بالمتابعة المستمرة بالتقييم ، وايضاً بالمنهج الصحيح للتقييم یمکن ایجاد الرغبة في التلميذ لیتمکن بنفسه من تعيين نقاط القوة والضعف فيه، فيحاول رفع السلبية منها بجدٍ وحزمٍ مشهودین.

وفيما يلي نتعرض لآثار ونتائج التقييم للوضع الدراسي على سلوك كلٍ من التلميذ، الأبوين، والمعلم:

آثار التقييم على سلوك التلميذ

1- معرفته لنقاط القوة والضعف في نفسه، و ایجاد الرغبة فيه من اجل كسب المعرفة وبذل الجهد اكثر.

2- معرفته للأهداف الدراسة، بنحوٍ یتمکن من معرفة ذلك من خلال يُطرح عليه من اسئلة في الامتحان.

3- زرع الرغبة لديه في المطالعة، وجعلها عادةً صحيحةً فيه.

- تعلّمه لأهم المطالب الدراسية.

آثار التقييم على سلوك الأبوين

1- معرفتهم القدرة وطاقات طفلهم، وجعل آمالهم بمستویٰ قابلية الطفل وبالحد المعقول.

2- تقوية نقاط القوة الايجابية فيه، وزرع الرغبة في نفسه.

3- تمهيد ارضية تكامل التلميذ وتقدّمه علميّاً.

ص: 100

آثار التقييم على سلوك المعلم

1- يعطي التقييم معياراً بيد المعلم ليمارس التدريس على ضوئه في المراحل الدراسية اللاحقة بنحوٍ أفضل، حيث أن المعلّم ما لم يطمئن بأن التلميذ قد هضم المطالب جيداً لا یتمکن من تدريس المطالب الدراسية اللّاحقة.

2- يعتبر التقييم عاملاً مساعداً لتعلّم التلميذ، فإن كانت نتيجة التقييم تشير الى أن القسم الأعظم من الاسئلة الامتحانية كانت صعبة، أو ان اکثر التلاميذ لم یتمکنوا من الاجابة الصحيحة عنها، حينئذٍ يكون لتكرار واعادة تدريس المواد السابقة ضرورةً ملحّة.

3- يعتبر ایضاً عاملاً في إصلاح المناهج المتّبعة في التدريس، فإنه بالتقييم يثبت صلاحية ونجاح المناهج المتبعة في التعليم او عدم نجاحها، وذلك يعطي المعلم فرصة تجديد النظر في المنهج المتبع لإصلاحه وتهذيبه.

4 - يعتبر التقييم عاملاً وسبباً في تعريف اهداف التدريس فان المعلم یتمکن بالتقييم الصحيح ان يزرع في نفوس آحاد التلاميذ بذرة القدرة على رفع تخلفاتهم ونواقصهم بأنفسهم، وان يُوجد فيهم المنهج الصحيح للمطالعة وكسب المعارف، وبذلك يكون للتلميذ رغبة اكثر في طلب العلم أنه ومن أجل أن يكون التقييم للامتحان صحيحاً ودقيقاً، لابد من أخذ جميع ما هو دخيل ومؤثر في التقييم، لكونه أشبه ما يكون بالحكم على شخصية التلميذ، فلابد أن يكون الحكم دقيقاً وعادلاً، ولابد أن تكون نتيجة ذلك الحكم في صالح تحقيق الأهداف التربوية، وتكون عاملاً مؤثراً في تكامل التلميذ، وان تُقرّبنا أكثر نحو تحقيق أهداف التربية والتعليم . ولابد أن لا تتنافىٰ

ص: 101

نتيجة التقييم مع كرامة التلميذ وعزة نفسه، ولا توجب في الوقت نفسه تهاونه وعدم رغبته، أو تسبب له الغرور المفرط.

ان نتيجة التقييم لابد أن تمهّد الظروف التي تساعد التلميذ على بذل

الجهد أكثر نحو التقدم الدراسي والترغيب فيه، فإنه كلما كانت معلوماتنا عن التلميذ أكثر كانت نتيجة التقييم والحكم أكثر صحةً واعتماداً.

أن التقييم نوعٍ من الحكم تُعرف به خصائص شخصية التلميذ الايجابية والسلبية، ومن اجل ان يكون الحكم في التقييم دقيقاً وصحيحاً لابد من توفر جملة من الامور: منهج التدريس، موضوع الدرس، حجم ومقدار الدرس، الاسئلة المطروحة والمكررة في الدرس، مستوی الدقة في طرح الأسئلة، المعلومات المسبقة للتلميذ، مدی مراعاة الضوابط العلمية في طرح الأسئلة، إعطاء التلميذ فرصة للتعلم، ظروفه النفسية، عمر التلميذ وطاقاته وفطنته، الظروف العائلية، كيفية علاقات الوالدين مع بعضهم.

بناءً على جميع ما تقدم، لا یمکن أن تكون درجة الامتحان الشاخص الوحيد للتقييم والحكم الصحيح فيما يتعلق بتقدم التلميذ الدراسي، وسلوكه و بذل جهده، ولذا فإنه لابد من تقدير جهود التلميذ ذاته، ولكن لا من أجل کسب درجة المائة.

ومن هنا فانه لابد من طريق حلٍ لتخرّصات بعض الآباء عند مشاهدتهم للدرجة الامتحانية، وللتصور السائد في مجتمعنا عن درجة المائة؟ ولابد من طريقٍ يضمن تحقيق أهداف التقييم، التي منها زرع الرغبة في نفوس التلاميذ .

فالذي نأمله من المدارس الاهتمام بتحقيق أهداف التقييم بدقة، مع اخذ جميع ما ذكرنا بنظر الاعتبار، و تقييم مستویٰ التلميذ بما يلي: ممتاز، جيد جداً،

ص: 102

جيد، يحتاج إلى جهدٍ أكبر، لكي تُحفظ كرامة وشخصية التلميذ في البيئتين البيت والمدرسة، ويحاول أیضاً بعد التعرّف على نقاط القوة فيه تقوية نقاط الضعف التي تحتاج الى بذل جهد اكبر، وبذلك یمکن الحدّ من التصوّر الخاطىء في خصوص بعض التلاميذ.

وبهذا المنهج يكون الاهتمام بنقاط القوة الايجابية و تقدیر فعل التلميذ الجيد، داعياً ومشوّقاً لرفع نقائص وقبائح فعله.

هذا ولابد من الالتفات إلى أن كل تقييم لا يخلو من خطأ، غاية الأمر لابد من اختيار منهج يكون احتمال الخطأ فيه اقل، فإنه باستعمال المنهج المذكور اخيراً للتقييم الذي أثبتت التجربة صحته، یمکن الوقوف أمام شعور التلميذ بالتحقير والألم والتهاون في الدراسة بعد أن يأخذ نتيجة الامتحان.

ولذا لابد من تجديد النظر في المناهج المتبعة للتقيم، وفي نتائجها، وفي كيفية الحكم، لتكون أهداف التربية والتعليم والتقييم كلها في جهة تكامل الطاقات، کرامة واستقلال التلاميذ، وإيجاد شعور الثقة بالنفس لديهم.

ولابدّ من هداية وارشاد جيل المستقبل لهذه البلاد نحو الارتقاء العلمي والاخلاقي، والوقوف أما الشذوذ في سلوكهم وتها و نهم في الدراسة.

ص: 103

ص: 104

الصورة

ص: 105

ص: 106

فهرس الموضوعات

الموضوع ... صفحه

دور العلاقات في أول موقف من التربية ... 8

الدور العائلي ... 8

ما هو الجهاز؟ ... 8

ما هي العلاقات؟ ... 9

ما هي العلاقات السليمة ... 9

اهم اداة في العلاقات ... 10

العلاقات عن طريق الحوار ... 10

جو العلاقات ... 12

جو العلاقات المعنوية ... 13

الاستماع الجيد ... 13

افضل الحديث (اسلوب الحديث) ... 14

قول بالمعروف ... 15

علاقات الأبوين مع بعضهما ... 15

تأثير الألفاظ النفسي والعاطفي ... 18

علاقات الأبوين الصحيحة والبنّاءة مع بعضهما ... 23

خصائص العلاقات الصحيحة بين الزوج والزوجة ... 25

خصائص العلاقات الخاطئة بين الزوج وزوجته ... 28

مناهج العلاقة مع الاطفال والشباب ... 31

العلاقة مع الاطفال والشباب ... 33

ص: 107

الخطوة الاولى: معرفة متسوى ادراك الاطفال وفهمهم ... 35

الخطوة الثانية: معرفة مستویٰ الادراك الخلقي للأطفال ... 36

الخطوة الثالثة: معرفة واقع الطفل واستعداده النفسي ... 36

الخطوة الرابعة: الاستماع التام لحديث الطفل و آرائه ... 39

الخطوة الخامسة: تقبل الطفل كما هو عليه لا كما ينبغي أن يكون ... 41

الخطوة السادسة: التعاطف مع المشاعر ... 45

المنهج التحرري هو السبب في توجيه مشاعر الطفل نحو الأفضل ... 47

توجيه مشاعر الطفل وميوله توجياً صحيحاً ... 51

الخطوة السابعة: تكريم الطفل واحياء الشعور بعزة النفس لديه ... 53

السبب الأساسي في قلق الأطفال النفسي ... 59

النظرة السياسية، واذلال الانسان ... 61

الأزراء بالأطفال وتحقيرهم ... 64

نماذج من معاملة الاذلال والتحقير ... 64

مراحل تبلور الاخلاق لدیٰ الأطفال والشباب ... 67

اسس التعلّم والعمل بالاصول الأخلاقية ... 69

كيف یمکن إعداد عوامل الطاعة والالتزام ... 73

ترسيخ المفاهيم الأخلاقية ... 75

مواجهة الطفل لنتائج سلوكه الصحيح ... 78

توجيه الأسئلة للطفل ... 83

دور و آثار التقييم المدرسي على شخصية الاطفال ... 87

الهدف من التقييم واثاره على شخصية الاطفال ... 91

ص: 108

نتائج التقييم للسلوك ... 95

الهدف من التقييم ... 97

الهدف من التربية والتعليم ... 98

تعريف التقييم ... 99

اثار التقييم على سلوك التلميذ ... 100

اثار التقييم على سلوك الأبوين ... 100

اثار التقييم على سلوك المعلم ... 101

ص: 109

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.