عیون الرثا في فاطمة الزهرا سلام الله علیها

هوية الکتاب

عُیونُ الْرَثا في فاطمة الزهرا سلام الله علیها

لسماحة الخطيب الشيخ علي حيدر المؤيد

انتخاب و ضبط و شرح: الشيخ قيس بهجت العطار.

منشورات دليل ما

الطبعة الأولى : 1433 ه ق - 1390 ه.ش.

طبع في 1000 نسخة .

المطبعة : نگارش

شابك (ردمك ) : 0 - 689-397 - 964-978 ISBN

السعر مجلدأ: 12000 توماناً

هاتف وفکس: 7733413، 7744988(98251+)

العوان: ايران، قم، صندوق البريد: 1153 - 37135

انتشارات دليل ما

info@Dalilema.com

Www.Dalilema.com

(و يمكنكم شراء كتبنا عن طريق موقعنا في الإنترنت)

مراكز التوزيع:

- 1) قم، شارع صفائيه، مقابل زقاق رقم 38، منشورات دليل ما، الهاتف 7737011 - 7737001

2) طهران، شارع إنقلاب، شارع الفخر الرازي، رقم

61، الهاتف 66464141.

3) مشهد، شارع الشهدا، زقاق خوراکيان، بناية گنجينه الكتاب، منشورات دليل ما ، الهاتف 5- 2237113

4) النجف الأشرف، سوق الحويش، مقابل جامع الهندي، مكتبة الامام باقرالعلوم عليه السلام، الهاتف 7801293079 0

5) كربلاء المقدسة، شارع قبلة الإمام الحسين عليه السلام، مكتبة ابن فهد الحلی رحمه الله، الهاتف 07801588707 - 07801558942

6) بيروت، الرويس، بناية الرويس، تلفاکس 01/545182

- 03/473919 ص.ب: 13/9080

المستودع: بئر العبد - مقابل البنك اللبناني الفرنسي - هاتف 01/54165.

بطاقة تعريف: مؤيد، علی حيدر، 1334 -

عنوان العقد: الفاطميات. برگزيده، شرح

العنوان والمبدع: عيون الرثاء في فاطمه الزهراء

ص: 1

اشارة

عُيوُنُ الرِّثَاءِ في فاطِمَةَ الزَّهراءِ عَلَيها السَلَام

(مُنتَخَبُ كِتاب الفَاطِمِيَاتِ)

لِسَمَاحَةِ الخَطيب الشَّيخ عَلي حَيدَر المؤيَّد

انتِخابُ وَ ضَبط وَ شَرحُ: الشَّيخ قَيس بِهجَت العِّطار.

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

الاهداءُ

لِسَيِّدَتِي البَتُولِ الطُّهرِ أَسعى *** لِتَشفَعَ لِي بِخُطُواتٍ حِثاثِ

فَمَا فِي الكَونِ أَجمَعِهِ سَيَفني *** سِوَى حُبِّ الأَئِمَّهِ مِن ثُراثِ

وَحُبَّ المُصطَفى المَبعُوثِ طه *** مَعَ الزَّهرَاءِ سَيِّدَةِ الإِنَاثِ

لَقَد وَالَيتُهُم دُنياً وأُخرى *** فَقَلَّ بِذِكرِ غِيرِهِمُ آکتِراثِی

وَقَد أَهدَيتُ مُنتَخَبَاتِ فِکرِى *** لِفَاطِمَةَ العُيُونَ مّنَ المَراثِی

قيس بهجت العطّار

ص: 5

ص: 6

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

أمّا بعد، فإنّه لا يخفى ما للأدب من دور فعّال في الثقافة العربيّة والإسلاميّة، و على وجه الخصوص الثقافة الشيعيّة، حيث حثّ النبي صلی الله عليه و اله و سلم شعراء الحق على مقارعة شعراء الباطل، وحَثَّ أميرالمؤمنين عليه السلام الشعراء الموالين على التصدّي للشعراء المنحرفين جَمَليِّينَ وأُمويِّين و خوارج، وتابع أئمّة أهل البيت عليهم السلام سيرة النبيّ والوصيّ عليهما السلام ، فأكرموا شعراءَ الحقِّ و شجّعوهم غاية التشجيع ، و لعنوا شعراء الباطل و دعوا عليهم و نبذوهم و دعوا إلى نبذهم.

من هنا زخر التراث الشيعي ببحور الأشعار وأسفار الأدب الهادف الملتزم، فلا تجد شاعراً فحلاً، إلّا و هو يَمُتُّ بصلة إلى الجراحات العلويّة و هدير الدم الحسيني وأمل ظهور المنقذ الموعود، و من سكت منهم فإنّما سكت على مضض في ظروف التقيّة القاسية الصعبة، فكان المجاهرون، والمعتقدون، والمتّقون، والمتكلّفون و غيرهم، حتّى إنّك تجد الشاعر المسيحيّ واليهوديّ والصابئيّ لا يستطيع أن يمرّ بمشاعره دون أن يتألّم لمآسي أهل البيت علهم السلام .

و قد أُلِّفت المعاجم والأسفار والكتب الضخمة الكبيرة في شعر الشيعة

ص: 7

وشعرائهم، فكان شعراء الغريّ، وأدب والطف، وشعراء الحلّة، والبابليّات و شعراء بغداد، وغيرها من الموسوعات، وفي هذا المضمار لم تكن هناك مجموعة أو موسوعة تجمع ما قيل في فاطمة الزهراء عليها اسلام من أشعار تضمّ مآسيها و مراثيها و ولادتها و شهادتها، و زواجها السماوي و كفأها العليّ، وتفاصيل حياتها و ما جرى عليها.

إلى أن شمَر عن ساعد الجدّ الخطيب البارع الأديب الأريب سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ علي حيدر المؤيّد أيّده الله في الدارين، فجمع ما وقف عليه من أشعار في سيِّدة نساء العالمين، فجاءت في خمس مجلّدات ضخمة ذوات حلل زاهية ، عطرت الأرجاء بأنفاسها، و شنفت الأسماع بأقراطها، وحَلّت الأجياد بعقودها.

فرأيت أنّ هذه المجلّدات الخمس تحوي الكثير الكثير ممّا قيل في فاطمة الزهراء عليها السلام ، و على كلّ القوافي ، و في كلّ العصور، و على ألسنة مختلف الشعراء، و فيها القصائد الضخمة الجزلة الطنانة الرنّانة، والجيّدة المتوسّطة، و ما دون ذلك، و منها العيون العيون، خصوصاً في بيان مآسي الزهراء التي غَطَّت أو كادت تغطي على باقي جوانب حياتها الشريفة المباركة.

فلذلك قُمت بانتخاب عُيُون القصائد، وأصلحتُ ما قد تخلّلها من خلل في الضبط، وبيّنت بعض غوامضها، وضبطت تقطيع أبياتها، وسعيت جاهداً أن أنتخب لأكبر عدد من أسماء الشعراء، وأن أنتخب القصائد على جميع القوافي ، فمن فاتني أن أنتخب له من الشعراء المحدثين والقدماء فليعذر قصوري و ضيق المجال.

ص: 8

هذا، وأسأل الله العلي القدير أن يوفّق مؤلِّف الأصل لإتمام موسوعته الكبرى هذه، التي أخبرني أنّها ستكون في عشر مجلّدات بعد إلحاق المستدرکات ووضعها في أماكنها.

كما أسأل الله أن يوفّقني لتهذيب وتشذيب جميع قصائد الفاطميّات من الاستطرادات وتخليصها تماماً مما ليس من صُلب ما يتعلّق بفاطمة عليها السلام ، فكم من قصيدة تناولت مأساة أميرالمؤمنين والحسن والحسين عليهما السلام ثمّ ذكرت الزهراء عليها السلام، وكم من قصائد استطرد شعراؤها في مقدّماتها ثمّ عرّجوا على ذكر المصيبة بعد شوط طويل، فصار عزمي على أن أخلّص جميع القصائد من الزوائد في المتن، و من التطويلات في الشروح، وأن أجعل مجموعة شعريّة خالصة للفاطميّات.

ختاماً : أسأل الله أن يوفّقني لما يحبُّ ويرضى، وأن يعينني على تحقيق ما أصبو إليه، وها أناذا أقدّم هذا الجهد المتواضع إلى طلّاب الحقيقة والنّور، وكلّي أمل في أن يتقبّله الله بقبول حَسَن، وأن أنال شفاعة مولاتي فاطمة الزهراء عليها السلام غير ناسٍ أن أتقدّم بجزيل الشّكر للأستاذ جعفر البياتي لما بذله من جهودٍ مشكورة في هذا الكتاب ، فللّه درّه و عليه أجره.

قيس العطّار

1/ رجب المرجّب 1430ه. ق

ص: 9

ص: 10

قافية الألف

اشارة

ص: 11

(1)الزهراء

(بحر الخفيف)

الشيخ أحمد الوائلي (1)

ص: 12


1- هو الخطيب الكبير الدكتور الشيخ أحمد ابن الشيخ حسون بن سعيد بن حمود الليثي الوائلي. وأسرة الوائلي من الأُسر العربيّة العريقة في النجف الأشرف، وقد أنجبت العديد من الشخصيّات العلميّة والأدبيّة والثقافيّة، أمثال : الشاعر إبراهيم الوائلي والدكتور فيصل الوائلي، وغيرهما من أعلام الأُسرة. وُلد الوائليّ في مدينة النجف الأشرف يوم الجمعة 17/ ربيع الأول سنة 1342 ه. ولمّا درج ابتدأ تعليمه في مكاتب القرآن الكريم بتعلّم القراءة والكتابة، ثمّ التحق بالمدارس الرسمية وواصل دراسته في مدارس منتدى النشر في النجف الأشرف حتّى تخرّج من كلّيّتها عام (1962م) محرزاً درجة البكالوريوس في اللّغة العربيّة والعلوم الإسلامية، ثمّ أكمل مرحلة الماجستير في جامعة بغداد، ثمّ تقدّم لنيل درجة الدكتوراه في كلّيّة العلوم بجامعة القاهرة فنالها على أساس أُطروحته. و إلى جانب دراسته الأكاديميّة وبلوغه أعلى المستويات اتجه إلى الدراسة (الحوزويّة) فقرأ مقدّمات العلوم العربية والعلوم الدينيّة العقليّة والنقليّة، مُتتلمذاً على أساتذة الحوزة في النجف منهم: الشيخ علي ثامر والشيخ عبد المهدي مطر والشيخ علي سمّاكة والشيخ هادي القرشي والسيّد حسين مكّي العاملي والشيخ علي كاشف الغطاء والسيّد محمّد تقي الحكم والشيخ محمّد حسين المظفّر والشيخ محمّد رضا المظفّر والشيخ محمّد تقي الإيروانيّ ، وقد مضى في دراسة العلوم الحوزوية حتّى تأهّل فيها بالكامل. أمّا خطابته الحسينيّة فإنّه بدأ يتدرّج في مراتبها منذ أوائل حياته، وقد ارتقى المنبر الحسينيّ وهو لا يزال في العقد الأوّل من عمره، واستمرّ في الخطابة أكثر من نصف قرن، ويعتبر الشيخ أحمد الوائليّ خطيباً حسينيّاً بكلّ معنى الكلمة؛ لأنّه خدم المنبر الحسينيّ لأطول فترة بالقياس : إلى سائر الخطباء و بقدرات ومواهب خطابيّة هائلة ومن منطلق العلم والثقافة، الأمر الذي أظهر للمنبر الحسينيّ قيمةً أكبر وأوجد له معطيات متجدّدة. والمترجَم شاعر مُجيد، يمتاز شعره بفخامة الألفاظ وبريق الكلمات وإشراقة الديباجة، إذ يعتني كثيراً بصياغة قصائده ، فهو شاعر محترف مجرّب ومن الرعيل المتقدّم من شعراء العقيدة، شاعر ذو طريقتين فصيح ودارج، وقد أجاد وأبدع بكلتيهما. أتحف الأُستاذ الوائلي المكتبة الإسلاميّة بآثاره العلميّة القيّمة، فمؤلفاته المطبوعة: 1- هوية التشيّع، 2 - من فقه الجنس، 3- أحكام السجون، 4 - نحو تفسير علمي للقرآن، 5 - دیوان شعر: الأوّل والثاني، 6 - استغلال الأجير ... وكتب أُخرى في طريقها إلى الطبع . تُوفي بتاريخ 2003/7/14 م ودُفن في مدينة النجف الأشرف.

كيف يَدْنو إلى حَشَايَ(1) الدَّاءُ *** وَبِقَلبِي الصِدِّيقةُ الزَّهراءُ؟!

مَنْ أََبُوها وَبَعْلُها وَبَنُوها! *** صَفْوَةٌ ما لِمِثلِهِم قُرَناءُ(2)

اُفُقٌ يَنْتَمِي الي اُفُق اَللَّ *** هِ وَ نَاهِيكَ ذَلِكَ اَلانتِمَاءُ!

وَكِيانٌ بَنَاهُ أَحمَدُ خُلُقاً *** وَرَعَتْهُ خَدِيجَةُ الغَرَّاءُ

وَعَلِيٌ ضَجِيعُهُ يا لَرُوحٍ *** صَنَعتْهُ وَبَاركَتهُ السَّماءُ(3)

اَيُّ دَهْماءَ جَلَّلَت اُفُقَ الاِسْ *** لامِ حَتَّي تَنََكَّرَ الاخُلَصاءُ (4)

اَطْعَمُوكِ الْهَوَانَ مِنْ بَعْدِ عِزٍّ *** وَ عَنِ الْحُبِّ نابَتِ الْبَغْضاءُ

اَاُضِيعت اَلاَءُ احْمَدَ فِيهِمْ *** وَ ضَلالٌ اَن تُجْحَدَ الالاءُ!

اَوَلَم يَعْلَمُوا بَاَنََكِ حِبُّ الْ *** مُصْطَفَي حِينَ تُحفَظُ الاباءُ(5)

ص: 13


1- الحشا: ما أضطمت عليه الضلوع.
2- قُرناء: جمع قرين، وهو المقارن. أي ما لهم أمثال وأشباه يُقاس بهم.
3- السماء، كناية عن القدرة الإلهية أو المشيئة الإلهية الحكيمة.
4- الدَّهماء: السوداء، والمراد الداهية السوداء. والخُلَصاءُ : خاصَّهُ الأصحابِ .
5- الحب ، بكسر الحاء: الحبيب المحبوب .

أََفَأَجرُ الرَّسُولِ هذا وَ هذا *** لِمَزِيدٍ مِنَ العطاءِ الجَزاءُ(1)؟!

أيُّها المُوسِعُ البَتُولَةَ هَضْماً(2) *** وَيْكَ ما هكذا يَكُونُ الوَفاءُ!(3)

بُلْغَةٌ خَصَّها النَّبيُّ لِذِي القُر *** بَی كَما صَرَّحَت به الأَنبَاءُ(4)

لا تُساوِي جُزءاً لِما في سبيلِ ال *** لَّهِ أعطَتهُ أُمُّكِ السَّمحاءُ(5)

ثُمَّ فيها إلى مَودَّةِ ذِي القُر *** بى سَبيلٌ يَمشِي به الأَتقِياءُ

لَو بِها أكرَمُوكِ سُرَّ رَسُولُ ال*** لّهِ يا وَيحَ مَن إلَيهِ أَساوُوا

أيُذادُ السِّبطانِ عَن بُلغَةِ العَي *** شِ ويُعطَى تُراثَهُ البُعَدَاءُ(6)؟!

ص: 14


1- إشارة إلى قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) سورة الشوری: 23.
2- يقصد الشاعر الشيخين؛ إما كان منهما مع الصديقة الزهراء عليها السلام من إيذاء وإيلام وهتك لحرمة دارها و محترم بعلها.
3- ويكَ: كلمة تعجب مركبة من وَي وكاف الخطاب. وقيل : هي وَيلك، أو ويحك أو وَيبك مُخففة.
4- البُلغة: ما يُتَبلّغ به من العيش، أو ما يكفي لسد الحاجة. روى الحافظ الحسكانيّ الحنفيّ في شواهد التنزیل) بإسناده عن أبي سعيد الخُدري قال : لما نزلت على رسول الله صلی الله علیه و اله وسلم:( وآت ذا القربي حقه ) دعا فاطمة فأعطاها دكا والعوالي ، و قال الله صلی الله علیه و اله وسلم: هذا قسمٌ قسَمَه الله لكِ ولِعَقبك .
5- كانت السيدة أم المؤمنين خديجة عليها السلام عندما تزوجت برسول الله صلی الله عليه و اله وسلم قد جعلت كل ما لديها من مال - و هو كثير جدّاً - تحت تصرّف رسول الله يضعه حيث يشاء دون الرجوع إليها الاستئذانها، وقد صرفه النبي صلی الله علیه و اله وسلم في سبيل الدعوة إلى الله ونصرة الإسلام، فكان مال خديجة وسيف أبي طالب أهم مميئين لرسول الله صلی الله عليه و اله وسلم و أثناء الدعوة في مكّة، فلمّا تمّ فتح حصون خيبر استسلم بقية اليهود وجاؤوا يصالحون النبيَّ وآل إليه ملك فدك، فتحلها لابنته فاطمة عليها السلام مقابل مال أمها، على رأي . هذا إضافةٌ إلى دعوى الميراث والخمس.. (يراجع: الاحتجاج للطبرسي، وصحيح البخاري 5: 177، ومسند فاطمة للسيوطي 15/ ح 15، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 232).
6- أيذاد: أيدفع الحَسنان صلوات الله عليهما عن حقّهما، و يوهب للُّقطاء والطُّرداء، أمثال مروان بن : الحكم وآل الحكم. (يراجع: رشح الولاء في شرح الدعاء، لأبي السعادات - ويليه: رفع الغشاء عما يتعلّق برشح الولاء، تألیف و تحقیق : الشيخ قيس العطّار).

وتَبِيتُ الزَّهْراءُ غَرْثَى و يُغذَى *** مِن جَناها مَرْوانُ وَالبُغَضَاءُ(1)؟!

أَتَرُوحُ الزَّهراءُ تَطْلُبُ قُوتاً *** والَّذِين اسْتَرْفَدُوا بِها أَغنِياءُ(2)؟!

نَهنهِي يا ابنَةَ اَلنَّبِيِّ عَنِ الوج *** دِ فَلا بَرَّحَت بكِ الْبُرَحاءُ (3)

وأَرِيحِي عَيْناً وإِنْ أَذْبَلَتْها *** دَمْعَةٌ عِنْدَ جَفْنِها خَرْساءُ

وانطوِي(4) فَوْقَ أَضْلُعٍ كَسَّرُوها *** فَهيَ مِنْ بَعْدِ كَسْرِهِمْ أَنْضاءٌ(5)

ص: 15


1- غرثی: جائعة. وجناها: ثمارها وحاصلها.
2- استرفدوا: استعانوا. والرِّفد: المعونة والعطاء .
3- نَهنهي: كُفّي . والوَجد: الحزن. و يَرَّحَت به: آذّته أذى شديداً. والبُرحاء: الشدّة والأذى والشرّ.
4- عدم حذف الياء ضرورة شعرية.
5- أنضاء: جمع يَضوٍ، وهو المهزول. وإنّما سُمّي السهم نضواً أو نضيّاً لكثرة ما وقع عليه من البزي والنحت. والموصوف بالأنضاء هنا هو الأضلاع وقد نقل الشهرستاني في الملل والنحل 1: 75) عن النَظّام المعتزلي أُستاذ الجاحظ قوله: إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة، حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح: أحرِقوا دارها بمَن فيها، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين. وفي العقد الفريد لابن عبد ربه 2: 250)، و(تاريخ أبي الفداء 1: 156)، و(أعلام النساء لعمر رضا کحالة 3: 127): «وبعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب، وقال لهم : فإن أبَوا فقاتلهم. وأقبل عمر بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: يا ابن الخطاب ! أجِئتَ لِتُحرق دارنا ؟! قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأُمة. وفي ( الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 13)، و(تاريخ الطبريّ 3: 198): دعا (عمر) بالحطب وقال : والله لتُحرقَنّ عليكم أو لَتخرجُنّ إلى البيعة، أو : لَتخرجُنّ إلى البيعة أو لأحرقنها على مَن فيها. فيقال للرجل : إن فيها فاطمة ! فيقول: وإن!! وقال شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدته المعروفة بالعمرية: وقَولةِ لعلئ قالها عمرٌ *** أكرِم بسامعها أعظِم بمُلقيها حرَّقَتُ دارَك لا أُبقي عليك بها *** إن لم تُبايع ، وبنت المصطفى فيها ما كان غير أبي حفص يَفوه بها *** أمامَ فارسِ عدنانٍ وحاميها وأخرج أبوبكر الجوهري في كتابه (السقيفة ص 44، 50، 60) من حديث أبي لهيعة عن أبي الأسود: أن عمر وأصحابه اقتحموا الدار، وفاطمة تصيح وتناشدهم الله . و أخرج أيضا في نفس الكتاب ، عن الشعبي حديثة قال فيه: فانطلق عمر وخالد بن الوليد إلى بيت فاطمة، فدخل عمر، ووقف خالد بالباب . ويراجع: إثبات الوصية للمسعودي 116 - 119، والمصباح للكفعمي 553. وابن خرداذبه في (الغرر) ذكر أن زيد بن أسلم قال : كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة، فقال عمر لفاطمة: اخرُجي من البيت أو لأحرقته ومن فيه ؛ قال : وفي البيت علىّ و فاطمة و الحسن و الحسين و جماعة من أصحاب النبي . فقالت فاطمة: أفتحرق علي وعلى ولدي ؟! فقال : إيّ والله ، أو ليخرجُن وليبايِعُنّ! ولا شكّ أنّ ما ذكرناه هنا ليس إلّا الدخان المتعالي الذي يحكي الغليان وتصاعد ألسنة النيران، و في روايات أهل البيت ذِكرٌ لأسماء آخرين قد شاركوا في ارتكاب هذه الجريمة العظمی، من أمثال : قنفذ بن عُمَير التميميّ، والمُغيرة بن شُعبة وغيرهما. وسوف تأتي - إن شاء الله - بعض إشارات إلى ذلك، فيما يأتي من قصائد.

وَ تَنَاسَي ذاكَ اَلْجَنينَ الْمُدَمَّى *** وَإِن اسْتَوْحَشَتْ لَهُ الأَحْشاءُ(1)

وَجَبِينٌ مُحَمَّدٌ كَانَ يَرتا *** حُ إلَيْهِ، مُبارَكٌ وَضَاءُ

لَطَمَتهُ كَفٌّ عنِ اَلْمَجْدِ وَالنَّخ *** وَةِ فيما عَهِدْتُها شَلاءُ(2)

ص: 16


1- ذلك هو المحسن بن عليّ وابن فاطمة سلام الله عليهم، توافرت الروايات وتواترت في ذكره من كلا الفريقين، حتى ذكره: الذهبي في (میزان الاعتدال 1: 139/ الرقم 552)، وابن حجر في (لسان الميزان 1: 292/ الرقم 825)، والصفدي في (الوافي بالوفيات 5: 347). وغيرهم كثير كثير، ذكروا أنه كان سِقطاً بسبب رفس عمر فاطمة أو عصرها بين الباب والجدار.
2- اللطمة الكافرة اللثيمة صدرت من الثاني ، وهي ثابتة في كثير من المصادر، منها: أمالي الصدوق 116ح 2 - المجلس 28 - عنه: بحار الأنوار للشيخ المجلسي 28: 51/ح 20. والخطط المقريزية : للمقريزي 2: 346، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 60، 235:16 ، وكتاب سليم بن قيس في مواضع عديدة. و إرشاد القلوب للديلمي 2: 358، وغيرها. و شَلاء: مشلولة.

وَسِوارٌ عَلَى ذِرَاعَيْكِ مِنْ سَوْ *** طٍ تَمَطَّت بِضَرْبِهِ اللُّؤَماءُ (1)

في حشايا الظَّلامِ في مَخْدَعِ الزَّهْ *** رَاءِ آهٌ وَلَوعَةً وَبُكاءً

وَهِيَ فوقَ الفِراشِ نِضْوٌ مِنَ اَلْأَسْ***قَامِ كَالْغُصْنِ جَفَّ عنهُ اَلْماءُ

الرَّزَايا اَلسَّوْداءُ لَمْ تُبْقِ مِنْها *** غَيْرَ رُوحٍ أََلْوَى بِها الإعياءُ(2)

ومُسَجًى من جِسمِها وَسَمَتُهُ *** بِالنُّدُوبِ السِّياطُ كيفَ تَشاءُ (3)

وَكَسِيرٌ مِنَ الضُّلُوعِ تَحامَتْ *** أَنْ يَراهُ ابنُ عَمِّها فَيُساءُ(4)

فَاسْتَجَارَتْ بِالْمَوْتِ والْمَوْتُ لِلرُّو ***حِ الَّتي آدَّهَا الْعَذَابُ شِفاءٌ(5)

وَبِجَفْنِ الزَّهْرَاءِ طَيْفٌ تَبَدَّى *** فيهِ وَجْهُ الحَبِيبِ والسِّيماءُ(6)

ص: 17


1- الشاعر يشير إلى الذين ضربوها بالسوط على يدها حتى أصبحت كالا ملج، كما جاء في الروايات، والادُّملُج: سوار يحيط بالعضد. (يراجع : کتاب سُلَیم بن قیس 2: 864/ ح48 - عنه : بحار الأنوار 43: 197/ ح 29، والاحتجاج 1: 109، وإرشاد القلوب للديلمي 2: 358) وغيرها .
2- ألوى بها: ذهب بها وأهلكها.
3- المسجّى: الممدد. والسَّمة : العلامة . الندوب : جمع نَدَب ، أو نَدَبة - كلاهما بفتح الدال : وهو أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد. ((يراجع قصّة السياط : کتاب سلیم بن قیس 2: 585/ح 4، 2: 675/ ح14، و بحار الأنوار 30: 286 - 300).
4- تحامت: تحاشت، وحاذرت . (يراجع قصّة الضلوع المكسرة: فرائد السمطين للجويني الشافعي 2: 35، والاحتجاج 109:1) وغيرهما.
5- ادَّها: دهاها، وأثقلها وعظم عليها.
6- السّيماء: العلامة، واللّام هنا عهدية قامت مقام المضاف إليه ، فكأنّه قال : وسیماؤه . ومنه قوله تعالى : (وسِيماهُم في وُجوهِهِم مِن أَثَرِ السجودة) سورة الفتح : 29.

وذِراعا خَدِيجَةٍ وابْتِهَالُ ال *** أُمِّ تَشْتَاقُ فَرْخَها ودُعاءُ (1)

فَتَمَشَّت بِجِسْمِها خَلَجاتٌ *** وَمَشَى فِي جُفُونِها إِغْمَاءً(2)

وَبَدَتْ فِي شِفاهِها هَمْهَماتٌ *** لِعَلِيٌّ في بَعْضِها إِيصاءُ (3)

بَِيتِيمَيْنِ وَابنَتَيْنِ وَيا لَل *** أُمِّ نَبَضٌ بِقَلْبِها الأَبْنَاءُ (4)

وَوَصايا نَمَّت عنِ الْهَضْمِ والْعَتْ ***بِ رَوَتها مِن بَعْدِها أَسْماءُ (5)

ثُمَّ مَاتَتْ وَلْهَى فَما أَقْبَحَ الخَضْ ***رَاءَ ممّا جَنَوْهُ والغَبراءُ (6)

سُجِّيَتْ في فِراشِها وَعَلِيٌ *** وَبَنُوهُ عَلى الفِراشِ انحِناءُ(7)

ص: 18


1- الابتهال: التضرّع والاجتهاد في الدعاء، وإخلاصه لله «عزّوجلّ». والفرخ في أصل اللّغة، ولد الطائر، لكنّه قد استُعمل في كلّ صغير، بما في ذلك الإنسان ، ومنه خطاب سیّدالشهداء علیه السلام لقبر جدّه : أنا الحسين ابن فاطمة، فرخُك وابن فرختك، وسبطكَ الذي خلّفتني في أُمتك (بحار الأنوار 44: 327 - عن مقتل السيّد محمد بن أبي طالب الموسويّ)
2- الخَلَجات: الهُمُوم الشاغلة، من خَلَجَهُ الهَمُّ إذا شغله. أراد أنّ الهموم والأحزان سرت في جسمها المبارك حتّى أرهقته.
3- الهَمهَمة: الكلامُ الخفيّ، وترديد الصوت في الصدر.
4- يريد بهم : الحسن والحسين، وزينب وأمّ كلثوم سلام الله عليهم.
5- أسماء: هي أسماء بنت عُمَيس الخثعميّة، كانت تحت جعفر بن أبي طالب ، ثمّ من بعده تزوجها أبوبكر، ثمّ من بعده آلت إلى الإمام عليّ علیه السلام ، وقد كانت من المؤمنات والمواليات الأميرالمؤمنين علي علیه السلام، والحواریّات اللّاتي كانت علاقتهنّ بآل بيت النبوّة علاقة اعتقاد وإيمان راسخ.
6- الوَلَه: الحزن الشديد. ولا يخفى أنّ في البيت إقواءُ، لأنّ المفروض انعطاف الغبراء على الخضراء، ولكن يمكن دفع ذلك بالقول بالاستیناف، وأنّها مرفوعة على الابتداء، بتقدير : والغبراءُ كذلك ما أقبحها. والخضراء كناية عن السماء، كما أنّ الغبراء كناية عن الأرض، وأراد بتعبيره: ما أقبح الدنيا التي تُظلَم فيها فاطمة الزهراء عليها السلام وتُقتل !
7- أي : مُنحَنين ، وصفٌ بالمصدر.

وتَلاقَتْ دُمُوعُهُمْ فَوْقَ صَدْرٍ *** كَانَ لِلْمُصْطَفَى عَلَيْهِ آرتِماءُ

وَعَلِيٌّ بِمَدْمَعٍ يَقْتَضِيهِ الْ *** حُزْنُ سَكْباً وتَمْنَعُ الْكِبْرِياءُ (1)

فَاحْتَوَى فَاطِماً إِلَيْهِ ونَادى *** عَزَّ يَا بَضْعَةَ النَّبِيُّ العَزاءُ (2)

وَتَوَلَّى تَجهِيزَها مِثلَما أوْ *** صَتْهُ مِن حِينَ مُدَّتِ الظَّلماءُ (3)

وعَلَى الْقَبْرِ ذابَ حُزْناً ونَدَّت *** دَمْعَةٌ مِنْ عُيُونِهِ وكْفاءُ (4)

ثُمَّ نَادَى وَدِيعَةً يا رسولَ اللَّ *** هِ رُدَّتْ وعَيْنُها حَمراءُ(5)

ص: 19


1- لعلّ المانع من سكب المدامع مراعاة حال آل البيت علیهم السلام .
2- عَزَّ: فُقِدَ. والعَزاءُ : الصَّبرُ
3- تلك كانت وصيّتها الشريفة أن تُدفَن ليلاً حيث لا يعلم مَن لا تحبّ أن يُصلّوا عليها، يراجع: (صحيح البخاري 5: 177، وتهذيب الأسماء واللغات للحافظ النوويّ 2: 253، وعلل الشرائع للصدوق 185/ ح 1 ۔ عنه: بحار الأنوار 306:43 ح 34، والاختصاص للمفيد 183) وغيرها.
4- وَكَفَ الدمعُ : تقاطر شيئاً فشيئاً.
5- إشارة إلى خطاب الإمام أمير المؤمنين علیه السلام للنبيّ الأعظم صلی الله علیه و اله و سلم بعد دفنه للزهراء علیها السلام إذ فاضت عيناه وقال : السلام عليك يا رسولَ الله، عنّي وعن ابنتِك النازلةِ في جِوارك، والسريعةِ اللَّحاق بك. قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ... إلى أن قال : فَلَقَد آستُرجعت الوديعة، وأُخذت الرهينة.. إلى آخر كلامه علیه السلام. يراجع: نهج البلاغة : الخطبة 193.

(2)بَیتُکِ السّامِی

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي (1)

عَزَّ العَزاءُ عَلَيکِ يا زَهراءُ *** فَلَقَد دَهَتکِ مُصِيبَهٌ شَنعاءُ

قُومِی البَسِی ثَوبَ المُصِيبَهِ وَ اعوِلِی *** حُزناً فَدَهرُکِ لَوعَهٌ وَ بُکاءُ(2)

ص: 20


1- هو الشيخ حسن بن عبدالله بن حسين البحرانيّ القيسيّ، وُلد في البحرين سنة ( 1940 م) الموافق ( 1360 ه) في قرية الدية. نشأ وترعرع في ظلّ أُسرته وتحت رعاية والده، ونال منه التربية الصالحة، ومنذ صغره کان مولعاً بالعلم والأدب، فأخذ دراسته الابتدائية في البحرين، وفي سنة ( 1960 م) هاجر إلى مدينة العلم النجف الأشرف لينهل من معين الحوزة العلمية فيها، فتتلمذ على المدرّسين، مثل: الشيخ جعفر الايروانيّ والشيخ حبيب الغرويّ والشيخ عبّاس الدرازيّ وغيرهم. والمترجَم صاحب موهبة كبيرة في مجال المنبر الحسينيّ، فهو خطيب بارع ومنطيق فذّ برقی المنبر بكلّ جدارة وكفاءة، بأسلوبه القديم متأثّرا بأستاذه في الخطابة «ملّا أحمد بن رمل) رائد المنبر الحسينيّ. وشيخنا القيسيّ أحبُ الشعر وشُغف به، وابتدأ بقرض الشعر وعمره ثلاث عشرة سنة، وأوّل قصيدة نظمها هي في الإمام موسی بن جعفر علیه السلام ، وهو مكثر في النظم، ولعلّه لا تفوته مناسبة دينيّة إلّا وله فيها قطعة شعريّة. وللمترجَم مؤلفات كثيرة، منها: 1 - الدعوات المستجابة في التوبة والإنابة - خمسة مجلّدات ، 2 - الشذرات النورانية - جزءان، 3 - شرح القصيدتين في رثاء العبّاس والحسين عليه السلام، 4 - تفسير الأحلام في الرؤيا والمنام، 5 - كنوز المدح والرثاء، 6 - العترة الطاهرة، 7- خير المساعي - تخميس قصيدة دعبل الخزاعيّ ، ولا يزال مكبّاً على خدمة أهل البيت عليهم السلام.
2- وَصَلَ همزة «اعولي» وهي همزة قطع للضرورة، ولو قال: «المُصابِ و أغوِلي» لتخلُص.

نَصَبَتْ لَكِ اَلْأَعْدَاءُ حِقْداً كَامِنا *** اَللَّهُ مَا نَصَبَت لَكِ اَلاَعْداءُ

قَدْ أَسْقَطُوا مِنْكِ اَلْجَنِينَ وَهَشَّمُوا اَل *** اِضْلاَعَ فِي عُرْضِ اَلْجِدارِ وَجَاووا (1)

بِالنَّارِ لِلبابِ الشَّرِيفِ لِيُحْرِقوا *** بَيتاً بِهِ القرانُ وَالاُمَناءُ

تاللَّهِ لا أَنْسَاكِ حِينَ تَجْمَّعَت ***بِفِناءِ دارِكِ حَفْنَهٌ لُوَماءُ(2)

وَتَقَحَّموا فِي بَيتِكِ السّامِي اَلَّذِي *** هُوَ دُونَهُ فِي قَدَرِهِ الِجَوْزَاءُ (3)

لَطَمُوكِ لَطْمَةَ حَاقِدٍ مِنْ شَرَّهم *** للَّهِ يَا لَكِ لطمةٌ شَنْعاءُ (4)

الْلهُ يَا لَكِ لَطمَهُ بَكَتِ السَّما *** ءُ لَها دَماً وارْتَجَّتِ الارْجاءُ

يَاوَخزَهَ الْمِسْمارِ صَوَّبْتِ الْعُلي *** فَاصابَ قَلْبَ اَلدِّينِ مِنْكِ اَلدَّاءُ (5)

صَوَّبْتِ فاطِمَهَ اَلْبَتُولَ بِصَدْرِها *** مَا انتِ الّا طَعْنَهُ نَجْلاءُ (6)

وَقَعَتْ علي قَلْبِ الْهُدْيِ فَاِذا اَلْهَدَيُ *** باكٍ وَ تِلْكَ دُمُوعُهُ حَمْراءُ

صُوِّبتِ يَا بنتَ النّبيِّ بِضَريَهِ *** فَلَصَّدْرُ مِنْكِ تَسِيلُ مِنهُ دِماءُ

وَاحَسرتاهُ لِما اُصِبْتِ فَاِنَّهُ *** لَبِعَينِ رَبِّ البَيتِ يا زَهْراءُ

ص: 21


1- عُرض الجدار: ناحيته. هَشَّمُوا: بالغوا في الكسر. وفي البيت من عيوب القافية ما يُسمّى بالتضمين، وهو أن لا يستقلُ البيت بمعناه بل يعتمد على البيت اللاحق: «وجاؤوا بالنار»
2- ذكرهم اليعقوبي في (تاريخه 2: 115) أنهم: عمر، وخالد بن الوليد، وعبدالرحمان بن عوف، وثابت بن قيس، وزياد بن لبيد، ومحمد بن مسلمة، وزيد بن ثابت ، وسلمة بن سلامة، وسلمة ابن أسلم، وأسيد بن حُضَير . وذكر الشيخ المفيد في ( الجمل ص 117 - 118) قنفذة والمغيرة بن شعبة، وسالم مولى أبي حُذَيفة.
3- الجَوزاء: بُرجٌ من بروج السماء، يضرب المثل بعُلُؤه.
4- مقتضى قواعد اللغة نصب شنعاء»، ويجوز الرفع على النعت المقطوع.
5- قصة المسمار، ذكرها: مؤتمر علماء بغداد 63 - 64، والكوكب الدّريّ للمحدّث محمد مهدي الحائري 1: 149.
6- نجلاء : متّسعة الشقّ .

حَتَّى مِن الدُّنيا خَرَجتِ كَئِيبَةٌ *** تَبكي عليكِ الشِّرْعَةُ الْغَرَّاءُ

وتَتَبَّعُوا أبْناكِ أيَّ تَتَّبُّعٍ *** فإذا هُمُ حَرْبٌ لَهُم وبَلاءُ

حَتّى أَذادُوهم بِكُلِّ تَنُوفَةٍ *** تَنْتَابُهُم دُونَ اَلْمَلاَ لَأْوَاءُ (1)

مَا جُزتَ أَرْضاً أَو نَزَلَتُ بِقِيْعَهٍ *** اِلاّ لِمِحْنَتِهِمْ بِها أَصداءُ (2)

فَبِاَرضِ سامرّا وبَغْدَادٍ وَفي *** طُوسٍ لهمْ حُفَرٌ بِها أَشْلاءُ (3)

واعْطِفْ علي وادِي الغَرِئِّ فإِنّه *** فِيهِ الوصِيُّ الطّاهرُ الْوَضَّاءُ (4)

وَ بِأَرْضِ طَيبَةَ والْبَقِيعِ تَرَي لَهُمْ *** حُفَراً يَهِيجُ لِشَجوِها الإبكاءُ(5)

لِلَّهِ أَقْمارُ اَلسّماءِ تجرَّعَت *** سُمّاً فَهُمْ دونَ الْمَلا غُرَباءُ

سُمّاً تَذوبُ له الصُّخورُ وَوَقعُهُ *** نارٌ لَها وَسَطَ القُلوبِ ذَكاءُ(6)

ص: 22


1- التنوفة: الأرض القفر البعيدة الماء، والمفازة التي لا ماء بها من الفلوات ولا أنيس وإن كانت معشبة . والادّواء: المشقّة والشدّة وضيق المعيشة. ذاده: دفعه وطرده. ولم يرد أذاده بمعنی ذاده .
2- القيعة: القاع ، وهي الأرض الواسعة السهلة المطمئنّة .
3- في سامرّاء يرقد الإمامان الهادي والعسكريّ من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وفي بغداد الإمامان موسی بن جعفر الكاظم، ومحمّد بن علي الجواد علیهما السلام . وفي طوس مثوى الإمام عليّ بن موسی الرضا علیه السلام
4- هو أميرالمؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب ، وهو أول أئمة أهل البيت علهم السلام .
5- طيّبة (على وزن شيبة): هي المدينة المنورة، والبقیع مقبرة بالمدينة مشهورة، ويقال لها أيضا : بقيع الغرقد - بالغين المعجمة . والغرقد: شجر له شوك كان ينبت هناك، فذهب وبقي الاسم لازما للموضع ومن الأجساد الطاهرة التي احتضنتها أرض المدينة المنورة والبقيع، كلُّ من الأئمة المعصومین : الحسن بن على المجتبی، وعلي بن الحسين السجاد، ومحمّد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق عليه السلام .
6- الذكاء للنار: شدّة هجها .

وَبِكَربلا طُعمَ الأسِنَّةِ والقَنا *** أمسَى وَمَالَهُمُ هُناكَ غِطاءُ

جَرَعُوا الحُتُوفَ علی ظَمًى وبِجَنبِهِمْ ***شَاطِيَ الفُراتِ بِهِ يَلُوحُ الماءُ (1)

يَا آلَ أحمدَ رُزوُّكُم تَبكِي لهُ *** شُهُبُ السماءِ وتَنْحَبُ الْغَبْرَاءُ(2)

ثُمّ الصلاةُ عليكُمْ ما يَمَّمَت *** عِيسٌ وفيها تَرْتَمِي الصَّحْراءُ(3)

ص: 23


1- الحتوف على وزن صُفوف : جمع حنف وهو الموت.
2- الرزء: المصيبة. والغبراء: الأرض.
3- يممت: قصدت . عيس: الواحد أعیس والواحدة عيساء، الإبل البيض يخالط بياضها سواد خفيف ، وهي کرام الإبل. والضمير في «فيها، يعود إلى الصلاة، فإن عاد للعيس كان المعنى على القلب ، أي : وفي الصحراء ترتمي العيس.

(3) زواج علي علیه السلام

بحر (الخفيف)

الأستاذ بولس سلامة (1)

عَادَ اثرَ الوَقِيعه اَلْبِكْرِ لَيْثٌ *** رَمَقَتُهُ اَلْقُلُوبُ بِالاِيماءِ(2)

ص: 24


1- ولد الأستاذ بولس سلامة في قضاء جزين إحدى مدن لبنان الجنوبية سنة 1910 م. ودرس الحقوق في الجامعة اليسوعية، وعمل قاضية في سنة 1928 م. ونظمه معروف بسلاسة الألفاظ وعذوبتها ورقتها الوجدانية، وجمال التراكيب والعبارات والجمل، وهذا ما يتلمسه القارئ إذا تأمل أبياته. ويعد بولس سلامة من مشاهير الأدباء البارعين، ومن الرعيل المتقدم من شعراء العرب، فهو من عباقرة العصر الذين ذاعت شهرتهم في كل مكان . له آثار و مؤلفات عديدة نذكر منها: 1- أيام العرب - ملحمة. 2- عيد الغدير - ملحمة إسلامية - تناول فيها سيرة أهل البيت الا في ما يتصل بهم، وقد أنتج هذه الملحمة على فراش الألم كما ذكر، وذلك باقتراح من المرحوم العالم الجليل السيد عبدالحسین شرف الدين عليه الرحمة، والجدير بالذكر أن الأستاذ المترجم كان مسيحي العقيدة كجورج جرداق الذي كتب موسوعته البارعة في الإمام علي (صوت العدالة الإنسانية)، وسليمان كتاني الذي كتب عدة كتب في أهل البيت لا حاز بعضها الجائزة الأولى في مسابقات الكتابة، وكان من أهمها ( الإمام علي نبراس و متراس) و ( فاطمة وتر في غمد). وفي الأستاذ بولس سلامة في العام (1979 م) عن عمر يناهز التاسعة والستين .
2- الوقيعة البكر: بدر الكبرى.

سَارَ خَلْفَ اَلنّبِيِّ غَيْرَ حَفِيِّ *** بِالرَّيَاحِينِ فِي اَکُفِّ الاماءِ (1)

قَادِماتٍ مِنْ يَثْرِبٍ بِالْمَثاني *** بِالزَّغَارِيدِ طَلَّقَهُ بِالْغِنَاءِ (2)

ناقراتِ اَلدُّفُوفِ بِالرّاحِ حُمْراً *** فَالْعَذَاري فِي مَوْسِمِ الحِنَاءِ (3)

سارَ وَالوَجهُ حائِرٌ كَشَرِيدٍ *** ضَلَّ فِي اللّيل مَوْطِنَ الانواءِ(4)

عابِساً تارةً وَ طَوْراً تَنُمُّ ال *** عَيْنٌ عَنْ بَهْجَهٍ وَ طَيفٍ هَنَاءٍ

يَلْمِسُ اَلدِّرْعَ فَيْئَهُ وَ هِيَ كَنْزٌ *** لِفَقِيرٍ لم يَلْتَفِتْ لِلثَّرَاءِ (5)

اَتُرَاهُ يَفي(6) بِمَهْرِ عَروسٍ *** ام تُراهُ يُرَدُّ رَدَّ جَفَاءٍ ؟

و ابوها لَوْ رامَ عَدْلَ صَداقِ *** مَالُ قَارونَ ظَلَّ دُونَ الْوَفَاءِ (7)

دُونَ ما تَستحِقُّ اِيوانُ كِسْرَي *** واللّالِي وحِلِبَهُ الزِّبّاءِ (8)

وَلَوَ انَّ الدَّهْناءَ تِبرٌ لَكانَت *** بَعْضَ شَيءٍ بِجانِبِ الزَّهْراءِ(9)

ص: 25


1- غير حفيّ به: غير آبه أو ملتفت إليه، وأصل الحَفاء والحفاوة: الاهتمام المبالَغ فيه .
2- المثاني : واحدها مثنی، من أوتار العود. وفي الصحاح في تفسير المثناة : أنها التي تُسمَّى بالفارسيّة دوبَيتي ، وهو الغناء، انظر اللسان. وطَلقةٌ : مُطلَقَةٌ .
3- ناقرات: ضاربات . والراح: جمع راحة، وهي الكفّ. و حُمراً: كناية عن الاختضاب بالحِناء . هكذا تصوّر بعض أخبار العامّة مشهد الزفاف، وقد جرى الشاعر علي طبقها، وهي عند التحقيق غير صحيحة.
4- الأنواء: جمع نَوء ، وهو النجم.
5- الفيء: الغنيمة. وفيئهُ: منصوبة على البدل عن الدرع
6- أي الدرع هل تسدّ قيمته إذا باعه ما يتعيّن من المهر أم لا!
7- إذ الزهراء فاطمة صلوات الله عليها لا يفي بمهرها شيء، الدنيا وما فيها؛ إذ هي سيدة الوجود من النساء.
8- الزَّباء : هي زنوبيا ملكة تَدمُر، والعرب تسمّيها الزّباء.
9- الدَّهناء : الفلاة . والتَّبر: الذهب.

بَضْعَةٌ مِنْ أَبٍ عَظيمٍ يَراها *** نورَ عَيْنَيْهِ مُشْرِقاً فِي رِداءِ (1)

فَهيَ أَحلَى في جَفْنِهِ مِنْ لَذِيذِ ال *** حُلْمِ غِبَّ الهُجُودِ والاعياءِ (2)

وهِيَ قُطبُ الحَنانِ فِي صَدْرِ طَةٍ *** واخْتِصَارُ البناتِ وَالابْنَاءِ

غَيَّبَ الموتُ مِن خَدِيجَةَ وَجْهاً ***فاِذا فاطِمُ مَعِينُ اَلْعَزاءِ (3)

تَحسَبُ اَلْكونَ بَسمَهٌ مِنْ أَبيها *** فَهيَ اُمُّ تَذوبُ في الارْضاءِ (4)

هَالَها ما يَنالُهُ مِنْ عذابٍ *** وَ امتِدادِ اَلْكُفَّارِ فِي الاَسواءِ (5)

وَتَراهُمُ يَرمُونَهُ بِحِجارٍ *** او يُكِبُّونَهُ علي الدَّقعاءَ (6)

فَجِراحٌ كَأَنَّهُنَّ شِفاةٌ *** شَاكِيَاتٌ لِلَّهِ فَرطَ اَلْبَلاَءِ

فَاطِمُ تَمْسَحُ الْجِراحَ بِعَيْنٍ *** حِينَ تَنْهَلُ اُخْتُها بِالْبُكَاءِ (7)

جَاءَ بَيْتَ النّبيِّ والقَلْبُ خَفَقٌ *** فَهوَ فِي مِثْلِ رَجْفَهِ اَلْبُرَداءِ (8)

قال إنِّي ذَكَرْتُ فاطِمة وان *** بَثّ صَوْتٌ مُكَبَّلٌ بِالْحَيَاءِ(9)

ص: 26


1- البضعة : القطعة والفلذة.
2- غِبّ : بَعدَ. والهُجود: النوم.
3- المَعين : الماء الجاري. ويصح ضبطها بكسر الميم من الإعانة والمساعدة .
4- لعلَ الشاعر يريد أنّ يقول أن الکون كان فيضاً محمّديّاً أشرق عن بسمة المصطفی صلی الله علیه و اله و سلم ، هكذا ترى فاطمة سلام الله عليها، ففاضت على أبيها حناتاً حتّى قامت مقام الأمّ الحنون التي لا تطلب إلّا رضاه .
5- الأسّواءُ: جمع سُؤء
6- الدَّقعاءِ: الأرض، ومن هذا القبيل قولهم : فَقرٌ مُدقِعٌ، أي : مُلصقٌ بالتراب .
7- مراد الشاعر: حين تنهل عينها الأخرى بالبكاء.
8- البُرداء: الحمَّى الباردة، وتُسمّى النافضة.
9- المشهور في رواياتنا أن النبي صلى الله عليه و اله سلم هو الذي دعا عليّاً صلوات الله عليه إلى الزواج، بعد أن رد : رجال قريش : أبا بكر وعمر وعبدالرحمان بن عوف، وغيرهم، وجوابه لهم أنه كان ينتظر فيها القضاء الإلهيّ ، حتّى هبط الأمين جبرئيل ومعه سنبل وقرنفل من الجنّة أهداهما الله إليه، وأعلمه بما أمر الله به من تزويج علىَّ من فاطمة عليها السلام . كذا هبط مَلَك يُقال له «محمود» قائلاً: يا رسول الله ، إن الله بعثني أن أزوّج النور من النور، أعني فاطمة من علي بعدها قال المصطفی صلى الله عليه و اله و سلم للمعاتبين: والله ما أنا منعتكم وزوّجته، بل الله مَنَعكم وزوجه. وهبط جبرئيل يقول: يا محمد، إنّ الله جل جلاله يقول: لو لم أخلق عليّاً لما كان لفاطمة ابنتك كفو. يراجع: دلائل الإمامة للطبري 18، أمالي الصدوق 474/ ح 18 - المجلس 86، عیون أخبار الرضا علیه السلام للصدوق 1: 225/ ح 3، 4 - الباب 21).

فَاجابَ النبيُّ: أََبْشِرْ عَلِيّاً *** خَيْرَ صِهْرٍ مَشي عَلَى الغَبْرَاءِ (1)

بِيعَتِ الدِّرْعُ في الصَّداقِ وَزُفَّت *** لِعَلِيٍّ سَلِيلَهُ الأنبِياءِ

هُوَ خَيْرُ الأَزواجِ عِفَّهَ ذَيْلٍ *** وَهيَ خَيْرُ الزَّؤجاتِ مِن حَوَّاءِ (2)

في نَقاء السَّحابِ خُلقاً وطُهْراً *** في صَفاءِ الزَّنابِقِ العَذْراءِ (3)

ويَضُمُّ النّبيُّ تَحتَ جَناحَي***هِ المَدِيدَينِ مُنِيَةَ الأَحشَاءِ

فَعَلِيٌ وزَوْجُهُ مِنهُ بَعضٌ *** شِيمَهُ الكُلَّ شِيمَةُ الْأَجزاءِ

رَفْرَفَ السَّعْدُ فوقَ كُوخٍ حَقِيرٍ(4) ***لَمْ يُدَنِّسْ بِقَسْوَةِ اَلْأَغْنِيَاءِ

إِنْ تَكُنْ قِسمَهُ الغنيِّ مَتاعاً *** فَالْإِلَهُ اَلرَّحْمنُ لِلأتقياءِ

ذلك البَيْتُ بَعْدَ غُمْدانَ بَاقٍ *** ذِکرُهُ يَملاُ الزّمانَ النَّائِي(5)

ص: 27


1- الصَّهر القريب عن طريق الزواج. والغبراء: الأرض.
2- العفة: الكفّ عمّا لا ينبغي ولا يَجمُل، وعفة الذَّيل : كناية عن بلوغ الغاية في الطهارة والتحصّن.
3- الزنابق : جمع زَنبقَ، وهو نبات من فصيلة الزنبقيّات، زهرته من أجمل الأزهار، تفوح منها رائحة ذكيّة فواحة، لونه أبيض، يرمز إلى الطهارة . والعذراء: التي لم تُمسَّ بعد.
4- كذا عبرَ الشاعر، ولو قال «كوخ بسيط» لأحسن وأجاد.
5- غُمدان : هو القصر المعروف بهذا الاسم في اليمن، وقد بلغ من الزخرف والأناقة ما بلغته حضارة الأقدمين في فنّ البناء.

ويحولُ القَصرَ المُنيفُ رَماداً *** فَيَذُوبُ الْهَباءُ إِثْرَ الهَباءِ (1)

ويَصُونُ الْخُلودُ دارَ شَريفٍ *** زَيَّنَتها بَساطَهُ الفُقَراءِ

مَرَّ عامٌ فاستقْبَلَ اَلْكُوخُ طِفْلاً *** بَثَّ فِيهِ البَهاءُ كُلَّ الْبَهاءِ (2)

فَدعاهُ الأََبُ الغَضَنفَرُ حَرْباً *** يَحسَبُ اَلْحَرب أَنْبَلَ الأَسماءِ (3)

حَسَنٌ قال جَدَّهُ فَالْتِمَاعُ إِلَ *** حُسنِ فِيهِ تَدَفُّقُ اَللَّالاءِ(4)

حَالَ حَوْلٌ فَلاحَ فَجْرٌ جَدِيدٌ *** وصَبِيٌ مُغَلَّفٌ بِالسَّناءِ (5)

وَعَلِيٌ يَكَادُ يَدْعُوهُ حَرْباً *** أَلِفَ اللَّيثُ لَذَّهَ اَلْهَيْجاءِ

فَيُجِيبُ اللنَّبِيُّ هذا حُسَيْنٌ *** هُوَ سِبْطَي وَخامِسٌ فِي اَلْكِسَاءِ(6)

ص: 28


1- المنيف : الشاهق. والهباء: دُقاق التراب .
2- أغلب الروايات وأشهرها على أن ولادة الإمام الحسن علیه السلام كانت في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث للهجرة (تاج المواليد للطبرسي 24، المستجاد من كتاب الإرشاد للعلامة الحلي .(141 )
3- تسمية على عليه السلام ابنه «حرربا» من المفتريات ، نعم ربما يكون ما في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 25/ الباب 31- ح «و قد كن أحب أن أسميه حربا»، وذلك لأن النبي صلی الله عليه و اله وسلم هو سمى الحسن والحسين عن الله ، ولم يسبق على النبي ، ولا النبي الله.
4- الَّلاء: ضوء السِّراج ونحوه.
5- السناء : النور والضياء.
6- ولد الحسين عليه اسلام على المشهور في ثالث شعبان، بناء على اختيار المفيد والطوسي في (مسارُ الشيعة) و(مصباح المتهجّد)، وهو موافق أيضاً للتوقيع الشريف للإمام المهديّ عجل الله تعالی فرجه الشريف. وثمة رأي آخر يقول: إنه علیه السلام ولد في آخر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث من الهجرة ، وقد اختاره المفيد والشيخ الطوسي أيضاً في (المُقنعة) و (التهذيب)، والشهيد الأوّل في ( الدروس الشرعيّة)، والبهائي في (توضیح المقاصد). وهذا الاحتمال الثاني يوافق ما رواه الكلينيّ في (الكافي 1: 385 ح 2 باب مولد الحسين علیه السلام ) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان بين : الحسن والحسين طُهّر، وكان بينهما في الميلاد ستّة أشهر وعشراً . حيث أراد بالطُهر مقدار أقلَ زمان الطهر، وهو عشرة أيّام. ولكن هذا الرأي الثاني إنّما يتوجه عند القول بوقوع التصحيف في السنة، فكتبت سنة ثلاث بدل سنة اثنتين.

وَعَلَتْ جَبْهَةَ اَلنَّبِيِّ طُيُوفٌ *** وكَوِشَاحِ اَلْغَمَامَةِ اَلدَّكْنَاءِ (1)

لَمَحَ اَلْغَيْبَ يَا لَهَوْلَ اللَّيالي *** مُرْعِداتٍ بِالنَّكْبَهِ الدَّهياءِ (2)

وَكأنَّ الجُفُونَ تَنْطِقُ هَمْساً: *** يا إِلهَ السّماءِ صُنْ أَبْنَائِي

ص: 29


1- روى الطبريّ في (دلائل الإمامة 72) أن الله تعالى هنا النبي صلی الله عليه و اله و سلم بولادة الحسين وعزاه بقتله ، فعرفت فاطمة علي فكرهت ذلك، فنزلت حمله أمه وعزّاء بقتله فعرفت فاطمه علیها السلام فکرهت ذلک فنزلت «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا(الأحقاف:15). ونقل الشيخ محمّد مهدي الحائريّ في (شجرة طوبی 2: 259 - 260/ المجلس الرابع عشر) روايةٌ مفصّلةٌ بهذا المضمون. والطيوف : جمع طيف وهو ما يراه النائم، والمُرادُ قراءات المستقبل والغيوب القادمة. والغَمامة الدناء: السحابة السوداء المظلمة.
2- النكبة: المصيبة. والدَّهياء: الشديدة.

(4)فخر النساء

(بحر الكامل)

السيد سلمان هادي آل طعمة (1)

مَرْحَى بِاشراقِ اَلسَّنَا اَلْوَضَّاءِ *** غَمَرَ اَلْحَيَاةَ بِرُونَقٍ وَبَهاءِ (2)

وَاَطَلَّ كَالاَلَقِ المنيرِ مُرَتَّلاً *** اياتِهِ بالحَمْدِ والنَّعْماءِ(3)

ص: 30


1- هو السيّد سلمان ابن السيد هادي آل طُعمة، وُلِد في مدينة كربلاء المقدسة سنة ( 1354 ه / 1935 م). ترعرع المترجم ونشأ في كنف والده المغفور له السيد هادي آل طعمة، فأحسن تربيته حيث غرس في نفسه حب الفضيلة والصلاح، وأول دراسته كانت في مدارس کربلاء الابتدائية والمتوسّطة ثم الثانوية، وأكمل دراسته إلى أن تخرّج من كلّيّة التربية بجامعة بغداد سنة ( 1970 م) و عُین مدرّسا في كربلاء المقدسة. أحبَّ الشعر وشُغف به، فكان يطالع الدواوين الشعرية وكتب الأدب، ويُجالس الشعراء والأُدباء ويشترك في الندوات الأدبيّة والشعريّة التي تُقام في كربلاء، وأخذ يقرض الشعر على اختلاف فنونه وأوزانه و تناول أغراض الشعر المألوفة، فأجاد في كثير من النصوص التي كتبها بدافع من شعوره الديني ، وعُرف في نظمه بكتابة القصيدة العمودية. وللمترجَم عدد كبير من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة، أشهرها: تراث کربلاء، وشعراء کربلاء، وكربلاء في الذاكرة، وخطباء كربلاء، وتاریخ مرقد الحسين والعباس، ورجال الفكر في كربلاء، وعشائر کربلاء، والشعراء الشعبيين في كربلاء. وكثير من الكتب التي تشيد بتاريخ وتراث کربلاء في الماضي.
2- من أسماء الصدّيقة الكبرى فاطمة علیها السلام: الزهراء، لذلك وصفها بإشراق الشنا الوضَّاء. والرَّونَق : الحُسنُ والإشراق.
3- في رواية الإمام الصادق عليه السلام يذكر فيها ولادة جَدته فاطمة البتول صلوات الله عليها، يقول في ضمن ذلك : فَوضَعَت (أي خديجةُ) فاطمة الزهراء طاهرةٌ مطهَّرة ، فلمّا سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتّى دخل بيوتات مكّة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها مَوضِعٌ إلا أشرق فيه ذلك النور... ثم استنطَقَتها (أي المرأة التي كانت بين يديها) فنطقت فاطمة علیها السلام بالشهادتين وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ أبی رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم ، وأنَّ بَعلى سيَدُ الأوصياء، ووُلدي سادهُ الأسباط .. وبشّر أهلُ السماء بعضهم بعضا بولادة فاطمة، وحدث في السماء نورٌ زاهر لم تَرَه الملائكهُ قبل ذلك .. (أمالي الصدوق 475 - 476/ ح 1 - المجلس 87 - عنه: بحار الأنوار 43: 2۔ 3 ح 1).

ذِكْرَى تُطِلُّ عزيزةً وكاَنَها *** شَمْسُ الضُّحَى تَفْتَرُّ بِالاَضواءِ

فَی كُلِّ قلبٍ نَشْوَةٌ وَمَسَرَّةٌ *** وَبِكُلِّ بيتٍ فَرحَهٌ لِلِقاءِ

وَالشَّوقُ يُسْرِجُ كلَّ قَلْبٍ هائِم *** نوراً يَفِيضُ بِعِزَّةٍ قَعساءِ (1)

اَللَّيْلُ يُوغِلُ بالمَسيرِ كَأَنَّهُ *** شَلّالُ ضَوْءٍ فَاضَ بِالاِرْواءِ(2)

وَتَاَلَّقَت افاقُ مَكَّةَ فَجاَةٌ *** بمحاسِنِ الانوارِ وَالاِبهاءِ (3)

وَالطَّيْرُ مِن شَوْقٍ يُزَغْرِدُ حالِماً *** مِثْلَ انْهِمارِ اَلدِّيمَةِ اَلْوَطْفاءِ (4)

فَأَذا القُلوبُ الواجِماتُ تَرَنَّحَتْ *** سَكرى بِطِيبِ اَلْجَنّةِ الفَيْحاءِ (5)

بُشْرَی بِفاطمةٍ سَلِيلَةِ اَحْمدٍ *** فَخْرِ النِّسا وتَحِيَّةِ الْعَلْياءِ (6)

مَا اَرْوَعَ الذِّكْرى تَفِيضُ بَشَاشًَ *** وَهَوى يَفُوحُ كَنَسمَةٍ عَذْراءِ

ص: 31


1- قعساء : ثابتة ممتنعة.
2- يُوغِلُ : يُسرعُ. أَوغَلَ في السَّيرِ : أسرَعَ.
3- أبهَى إبهاءٌ: صارَ حَسَنَ الوجه.
4- الأديمة الوطفاء: المطر المنهمر
5- الواجمات: الساكتات المُطرِقات من عَجَب وذهول. ترنحت: تمايل . الفيحاء : الواسعة .
6- يعني أنها سلام الله عليها التحية الإلهية الرسول الله صلی الله عليه و اله و سلم بوله كما في زيارتها الشريفة: فاطمةَ بنتِ رسولك، وبِضعةِ لحمه ، وصَميمِ قلبِه ، وفِلذةِ كَبِده، والتحيَةِ مِنکَ له والتُحفة..

هَبَطَت على الدُّنيا مَكارمُ جَمَّةٌ *** بالفَضْلِ تَعْلُو هامَةَ الجَوْزاءِ (1)

يا بِنتَ خيرِالانبياءِ ومَوْئِلاً *** لِلْعِزِّ لِلتَّقْوَى ونَبْعَ عَطاءٍ (2)

كَمْ مِن يَدٍ لَكِ بِالنَّدى مَشْهُودَةٍ *** تَجْتَاحُ كُلَّ جَرائِرِ الدُّخَلاءِ

لَكِ مثْلُ ما لِمُحَمَّدٍ وَقَفَاتُهُ *** تَهْدِي الوَرَى لِلشَّرْعَةِ السَّمحاءِ (3)

سَلَبُوكِ ارِثَاً وَهوَ مِلكُ مُحمَّدٍ *** فَدَكٌ غَدَت نَهْباً الى اللُّؤَماءِ (4)

وَعَدا عليكِ الْمُشْرِكونَ وَانَهُم *** مِن ظُلْمِهِمْ جُبِلُواعَلَى الارْزَاءِ (5)

اَوَلَم تَكُوني قُدْوَةً لِنِسائِنا *** ومَلاذَ كُلِّ الاِنسِ مِن حَوّاءِ؟

يا دَوْحَةَ الشَّرَفِ العَظيمِ مُضيئَةٌ *** وَمَنارَةً لِلهِمَّةِ الشِّمّاءِ (6)

تاريخُكِ الوَضاءُ نُورٌ مُشِرقٌ *** مُتاَلِّقٌ في اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ

ما زالَ فِينا ساطِعاً مُتوَهِّجاً *** يَجْلُو ظَلامَ دُجُنَّةٍ سَوْداءِ (7)

ذِكْراكِ سِفرٌ لِلْمَاثِرِ والابا *** يَهدِي الْوَرَى لِمَحَجَّةِ بَيضاءِ (8)

مِيلاَدُكِ اَلْمِعْطارُ مَصْدَرُ رَحْمَةٍ *** سَيَظَلُّ رَمْزَ مَوَدَّةٍ وَاِخاءِ

ص: 32


1- الجَوزاء بُرجٌ من بروج السماء، يضرب به المثل في العلوّ والرفعة.
2- المَؤئل : المَلجأ والمَرجِع
3- كما هدي النبي صلی الله علیه و اله و سلم الناس للتوحيد والنبوة، هَدَت الزهراء عليها السلام الناس لهما ولإمامة الأئمة عليهم السلام.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى سلب القوم فدكاً من فاطمة عليها السلام
5- الأرزاء: جمع رزيّة وهي المصيبة . وكانوا أنزلوا المصائب على بيت الوحي والرسالة بعد رحيل المصطفى صلی الله عليه و اله و سلم ؛ لأنّ هذا البيت أعلن الحقّ ودمع الباطل، وفضح وجوه النفاق والغصب والجاهليّة.
6- الدّوحة: الشجرة العظيمة المتشعّبة، ذات الفروع الممتدّة. والشَّماء: الرفيعة الشامخة .
7- الدُّجّنَة: الدُّجنة، وهي الظُّلمة. وحقّ للشاعر أن يقول فيها: رُوحُ الحياة .. فلولا لُطفُ عنصرِها لم تأتلِف بينَنا الأرواحُ والصُّوَرُ
8- السِّفر: الكتاب الكبير .

(5)أي ذنب لفاطم

(بحر الخفيف)

الشيخ عبدالعظيم الربيعي (1)

ص: 33


1- هو الشيخ عبدالعظيم ابن الشيخ حسين ابن الشيخ علي سعد الدين التُّوبلي الربيعيّ. وُلد الأديب الشيخ عبدالعظيم في (النصّار) التابعة لمدينة عبّادان الإيرانية في الحادي عشر من شهر ذي القعدة لسنة (1323) هجريّة، فصادفت ولادته ذكرى مولد الإمام الرضا عليه السلام فتفاءل والده الشيخ حسين به خيراً وأرَخ ولادته ببيتين قائلاً: الفالُ كان لها يسرُّ المصطفى *** من حيث كانت بالسيادة تَنطقُ وإذا وُلدتَ بليلةِ وُلد الرضا *** أرَختُها: «عبد العظيم يُوفقُ» 1323 ه ترعرع المترجَم ونشأ في كنف والده، وبدأ تحصيله العلمي على يديه حتّى قطع شوطاً في المقدّمات، ثمّ بعد ذلك ارتحل إلى مدينة العلم والأدب ( النجف الأشرف) وبقي فيها أكثر من عشرين عاماً يرتشف من نمير المعرفة فأنهى الكتب الدراسية المنهجية المقرّرة في الحوزة على يد الأفاضل من علمائها، فكان منهم: الشيخ محمّد الصغير والمجتهد السيد جواد التبريزيّ، والمرجع الأعلى السيّد أبو الحسن الأصفهاني، والمجتهد السيد محمد رضا آل ياسين، والمجتهد الشيخ باقر الزنجاني ، والمجتهد الشيخ آغا ضياء العراقيّ . وهو من أشهر أُدباء عصره، ومن الشعراء الذين رمقهم أخدانهم، فقد أجاد النظم في مختلف أبواب الشعر، کالوصف والغزل والنسيب والمدح والرثاء، وشعره ليس بالمتكلّف المعقَد، فهو سريع البديهة ذو قريحة فياضة، وأيضاً يجيد النظم الشعبيّ ، أي (الحسچة). شملت قصائده مدایح و مراثي أهل البيت عليهم السلام فهو يعتبر بحقّ شاعرة من شعراء أهل البيت عليهم السلام في المدح والرثاء آثاره العلمية والأدبية : 1- كتاب السياسة الحسنية - في جزءين مطبوع. 2 - الطريقة الوسطى . 3- وفاة الإمام الرضا علیه السلام . 4. متن ألفيّة الربيعيّ - منظومة في علم النحو. 5 - منظومة في العقائد. 6 - منظومة في المنطق. : 7- رباعيّات الربيعي - وهي (444) رباعيّة في المواعظ والنصائح والحكم والأمثال . 8- ديوان الربيعيّ - في القريض. 9- ديوان الربيعي - في الشعر الشعبيّ. وله كتب مخطوطة في اللغة والتاريخ، وبعض الحواشي والتعليقات على الكتب العلمية. وفاته : لبّى نداء ربّه في الثامن من جُمادى الآخرة سنة ( 1399 هجرية) الموافق ( 1979 م) في مسقط رأسه في النّصار، ودُفِن فيها، وقد رثاه الشعراء بقصائدهم.

إن داراً بها حَدِيثُ الكِساءِ *** دَارُ مَجْدٍ سَمَتْ عَلَى الجَوزاءِ (1)

مَا جَرَى بَعْدَ أحْمَدٍ لِذَوِيها *** مِنْ جَليلِ الْمُصابِ والأََرْزاءِ

كَبَسُوا بابَها بِجَزْلٍ ونَارٍ *** وَعَلَتْ ثَُمَّ ضَجَّةُ الغَوْغاءِ (2)

أيُّ ذَنبٍ لِفاطِم يَومَ لاذَت *** خَلْفَ بَابٍ عَن عِفَّةٍ وَحَياءِ؟

فَلِماذا اتَّكا(3) عَلى الْبابِ عَمْداً *** عاصِراً جِسْمَها بِكُلِّ اعْتِداءِ؟

كَسَروا ضِلْعَها وَ قَدْ نَبَتَ اَلْمِسْ *** مَارُ في اَلْجَنبِ نَابِعاً بِالدِّماءِ

أَسْقَطَتْ مُحسِناً جَنينَ حَشاها *** إنَّ قَلْبَ الإنسانِ بِالأَحْشاءِ

ثُمَّ قادُوا بِالْحَبْلِ قَسْراً عَليّاً *** وَهوَ يَدْعُو بِسَيِّدِ اَلشُّهَداءِ(4)

ص: 34


1- الحديث من الأحاديث المتواترة، ومفاده باختصار: دخل رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم على فاطمة وتلفّع بكسائه اليماني، فجاء الحسن ثم الحسين عليه السلام فدخلا تحت الكساء ، ثمّ دخل أمير المؤمنين ثم فاطمة عليها السلام تحت الكساء ، فأخذ رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم طرفي الكساء، ودعا لهم وبيّن مقامهم عند الله، ثم قال صلی الله عليه و اله و سلم : إن الله عز وجل قد أوحى إليكم« إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)»سورة الأحزاب : 33.
2- الجَزل: الحطبُ اليابس، وقيل : ما عَظَم من الحطب ويَبس. وثُمَ: هُناكَ. والغوغاء: الكثير المختلَط من الناس، أو السَّفلة من الناس والمتسرَّعين إلى الشرّ، وقد تُستعمل الغوغاء بمعنی الجَلَبة واللَّغَط
3- اتّكا: مخفّفة «اتَّکَاَ».
4- في حديث الهجوم على الدار، قال ابن قتيبة في ( الإمامة والسياسة 1: 30 - 31): «فأخرجوا عليّاً : فمَضَوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بایع ! فقال: إن أنا لم أفعل، فََمة؟ قالوا: إذاً . والله الذي لا إله إلا هو - نضرب عنقك. قال: إذّا تقتلون عبدَ الله وأخا رسوله» وفي المصدر: «فَلَحق عليّ عليه السلام بقبر رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم ؟ يصيح ويبكي وينادي : يا (اِبْنَ أُمَّ إِنَّ اَلْقَوْمَ أَسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي) وروى العيّاشي في ( تفسيره 2: 67): فقال: «أخرجُوه من منزله مُلببِّاٌ. ومَرَوا به على قبر النبي فقال: یا ( آبن أم...» (سورة الأعراف: 150)، فقال له عمر: بایع ! قال عليّ : فإن أنا لم أفعل، فمه؟ قال له عمر: إذن أضربُ والله عُنقَك ! فقال له علي : إذن - والله - أكون عبد الله المقتول، وأخا رسول الله. يراجع أيضا: بحار الأنوار 28: 268 - 270. ولو قال: «وهو يدعو بخاتم الأنبياء» لكان أوفق .

يَا أَخِي جَعْفرٌ وحمزةُ عَمّي *** أَدرِكوني يا سَادَةَ الْبَطْحاءِ

ثَوَتِ الطُّهْرُ وَهيَ مُغْمًى عَلَيها *** بُرْهَةً لَمْ تُفِقْ مِن الإغماءِ (1)

أخْرَجوا بَعْلَها وَحِينَ أَفاقَت *** تَبِعَتهُم بِصَرخَةٍ وَبُكاءٍ (2)

ثُمَّ حَالَتْ بَيْنَ الْوصِئِّ وقَوْمٍ *** أَخذوهُ بِقَيْدِ شِبْه السَّباءِ (3)

كيفَ لاَ تَهْبِطُ اَلسَّمَاءُ لِأََرْضٍ *** أَيُّ عُذْرٍ تَراهُ لِلْخَضْراءِ (4)

مُذْ غَدَتْ تَلْتَوِي عَلَى بَضْعَةٍ الها *** دِي سِيَاطُ الذُّحُولِ والبَغْضاءِ(5)

ص: 35


1- توت: استقرت قليلا. والمعصوم لا يُغمى عليه، فالمراد شدّة الإعياء والتَّعَب.
2- إخراج أمير المؤمنين عليه اسلام للبيعة قسرا ممّا لا مرية فيه عند المؤرخين، وقد خرجت فاطمة عليها السلام تعدو خلفه لتحول بينه وبينهم. انظر تفصيل ذلك في شرح النهج للمعتزلی 2: 57 و 6: 47- 50، والعقد الفريد لابن عبد ربه 4: 335، والشافي للمرتضى 3: 240- نقلاً عن البلاذريّ، والاحتجاج للطبرسيّ 212، وتاريخ اليعقوبي 2: 137، 126، والكافي 8: 237 ح 320، ومناقب آل أبي طالب 3: 118،.. غيرها.
3- السباء : السَّبي والأسر.
4- الخضراء : كناية عن الأرض. والمعنى: أيُّ عذر للأرض في عدم انخسافها .
5- الذُّحول: جمع الذُّخل، وهو الحقد، والثأر. أشار الشاعر هنا إلى أحقاد القوم على الرسول والرسالة، وحدة ثاراتهم لمشركي قريش و قتلاها في بدر و حنين ! و قصّة السياط ذكرها الديلميّ في (إرشاد القلوب 2: 358) كما ذكرها غيره .

وَمَحَوا عَيْنَها بِلَطْمَةِ كَفَّ *** جَلَّلَتها بِحُلَّةٍ حَمْراءِ (1)

كُلُّ ما كانَ يومَ ذاكَ نَواةٌ *** لِمُصابِ اَلْحُسَينِ في كَرْبلاءِ (2)

فَبِضلْعِ الزَّهْراءِ كَم صدرِ قُدسٍ ***رَضَّتِ اَلْخَيْلُ فِي ثَرَى اَلرَّمْضاءِ (3)

خَرَجَتْ فاطمٌ لِقَبْرِ أَبِيها *** تَشتَكِي لاَ كَزَيْنَبَ اَلْحَوْرَاءِ (4)

هذِهِ بَيْنَ لُمَّةِ مِنْ نِساها*** تِلكَ مَا بَيْنَ جَحْفَلِ اَلْأَعْداءِ (5)

هذِهِ أَجْهَشَ الوَري لِبُكاها *** تِلْكَ قاسَت شَمَائَةُ الْخُصَماءِ (6)

إِنَّ رُزءَ الحسينِ رُزءٌ عَظيمٌ *** ما لَهُ مُشَبِةٌ مِنَ الأَرزاءِ

ص: 36


1- جلَّلتها: غطَّتها. والحُلَّة: الثوب، والمراد التشبيه . وقصّة اللّطمة ذكرها الشيخ الصدوق في أماليه 116ح 2 - المجلس 28، وغيره.
2- كانت من الظالم لطمة، وكانت بعدها بالسيوف لطمات، إحداهنَ أطبقت حاجِبَي أبي عبدالله الحسين على عينيه، من قبل مالك بن النسر. يراجع الكامل لابن الأثير 4: 31، ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2: 35.
3- ذلك الصدر المقدّس هو صدر الإمام الحسين عليه السلام ، رضَته خيول المرتدين والجاهليَين . يراجع: تاريخ الطبري 6: 161، الکامل لابن الأثير 4: 33، مروج الذهب 2: 91، البداية والنهاية الابن کثیر 8: 189، مقتل الحسين علیه السلام للخوارزمي 2: 39.. وغيرها.
4- فقد حُرمت زينب العقيلة سلام الله عليها حتّى من أبيها لتشتكي له ما نزل بها من فاجع المصاب وعظيم البلاء.. وكانت أمُّها بعد مصائبها تأوي إلى قبر أبيها المصطفى صلی الله عليه و اله و سلم ، وكانت تنادي : ماذا على مَن شَم تُربة أحمدِ *** ألا يَشمَّ مدى الزمان غواليا صبت على مصائب لو أنها *** صبت على الأيام صرن لياليا..بحار الأنوار( 43: 175 - 179/ ح 15)
5- الجحفل : الجيش الكثير، إذا كان فيه خيل. ولم تصبر العقيلة زينب عليها السلام على تأجيل زيارة أخيها الحسين عليه السلام ، فذهبت إليه وقد انفرجت جحافل الأعداء لها سماطين، ثمّ كان لها معه حديث يُفتتُ الصخر الأصمّ!
6- الأُولى الزهراء، والثانية زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين، عليهم السلام أجمعين.

(6)شع نور الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ ملّا علي آل رمضان (1)

شَعَّ نُورُ البَتُولِ سِتِّ النِّساءِ *** فَاغتَدَی الكَؤنُ مُشرِقاً بِالسَّناءِ(2)

ص: 37


1- هو الشيخ ملا علي بن محمّد بن عليّ بن حسن الدعبلي الخزاعيّ ، ينتهي نسبه إلی دبل بن عليّ الخزاعي رضوان الله عليه شاعر الإمام الرضا ص .ولد في مدينة المفوف عاصمة الأحساء سنة ) 1247 ه ( ، ونشأ في أسرة علمية كريمة ، فغذّتهبأخلاقه النبيلة وصنعت منه إنساناً فاضلاً كريماً .تتلمذ المترجم في الحكمة علی العالم الفاضل الشيخ محمّد آل بوخمسين المتوفّی سنة ) 1316ه)حتّی أصبح من رجالات العلم والفضل . يعد الملا علي شاعراً مُجيداً ، له نظم كثير جله في أهل البيت علیم السلام كما يحظی ببديهية شعرية فائقة حتّی أله يرتجل القصيدة التي تبلغ المائة ب وأكثر وينشدها وكأنه يقرأها في صحيفة وليس ينظمها نظماً ، كما يعد ثاني اثنين حملا لواء الشعر والخطابة الحسينيّة بتفوق ومهارة مع الأديب الكبير الشيخ عبدالله بن عليّ الوائلي الشهير بالصائغ ، فكلّ منهما شاعر مكثر . نظم المرجم الشعر بالنهجّين : الفصيح ، والدارج المعروف ) بالنبطي ( ، فكان يلامس شغاف القلب بأسلوب رصين . وأخيراً قام حفيد شاعرنا المترجم ، الحاج عبدالكريم بن الملا عبدالله آل رمضان بطبع ديوان جدّه الشيخ ملا علي آل رمضان سنة ( 1413 ه).لبّی نداء ربَه عن عمر ناهز الخامسة والسبعين سنة ( 1323 ه ) ، و بقيت أشعاره تشن الأسماع .
2- الست : السيّدة . والسَّناء : النور والضياء . قال رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم في ضمن حديث طويل : . . فخلق الله نورَ (فاطمة )كالقنديل وعلقه بالعرش ، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع ، فمن أجل هذا سُميت ب ( الزهراء ) . . ( بحار الأنوار 10 : 7 - عن إرشاد القلوب ، للديلميّ )

شَعَّ نُورُ الزَّهراءِ فَازْدَهَتِ آلُ ***دُنيا بِأَنوارِ غُرَّةِ الزَّهراءِ(1)

هِي شَمْسُ الفَضْلِ الّتي كانَ جِبرِي *** لُ لَهَا خَادِماً بِغَيِر آمتِراءِ(2)

هِي شَمْسُ جَلَّت عَنِ المِثلِ والنَّد *** دِ وَقَد ضَمَّها شَرِيفُ الکِساءِ(3)

أيُّ شَمسٍ تَاَلَّقَتْ فِي سَمَاءِ ال *** مَجْدِ فَانْجَابَ حنِْدِسُ الظَّلماءِ(4)

زَهرَةٌ قَد تَفَتَّحَتْ عَنْ كِمامٍ *** طَابَ مِنها الجَنَی لِطِيب النَّماءِ(5)

دَؤْحَةٌ قَد تَرَسَّخَت فِي صَمِيمِ ال *** مَجْدِ قَد حَلَّقَتْ عَلَی الجَوزاءِ(6)

وَلَدَتها خَدِيجَةُ الطُهرُ ذَاتُ الص ***صَؤْنِ ذَاتُ العَفافِ ذَاتُ الحَياءِ(7)

هِيَ بِنتُ النَّبيِّ أَكرَمِ خَلقِ ال *** لهِ مِن آدَمِ وَ مِن حَوَاءِ

هِيَ ذَاتُ الشَّأنِ الْجَلِيلَهُ عِندَ ال *** لهِ اُّمُ الاَئمَّهِ النُّجَباءِ

ص: 38


1- قال رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم : لَمَا خلَق اللهُ الجنّة خلَقَها مِن نور وجهه ، ثمّ أخذ ذلك النورَ فقذفه ، فأصابنی تلت النور ، وأصاب فاطمة ثلّتُ النور ، وأصاب علياً وأهلَ بيته ثلث النور . . فمن أصابه من ذلك النور آهتدی إلی ولاية آل محمّد ، ومَن لم يصبه من ذلك النور ضَلَ عن ولاية آل محمّد . ( بحار الأنوار 43 : 44 / ح 44 - عن مناقب آل أبي طالب ، لابن شهر آشوب ) .
2- بلا آمتراء : بلا أي شك في هذه الحقيقة . والامتراءُ : الجَدَل .
3- انَّدُ : المِثْل والنظير . وتقدّم ذكرُ انضمام الزهراء عليها السلام إلی أهل بيتها تحت الكساء .
4- انجاب : انكشف . والحِندِس : اللّيل الشديد الظُّلمة ، أو هو الظلمة نفسها .
5- الكِمام : جمع كِمّ ، وهو الغلاف الذي يحيط بالزهر أو التمر أو الطلع ، فيستره ثم ينشق عنه. والجنی : ما يقطف من كل ثمرة . والنماء : هنا النمو والعناية ، فكانت مباركة . في رواية الإمام الصادق علیه السلام : . . فكانت فاطمة تَنمی في اليوم كما ينمی الصبي في الشهر ، وتنمی في الشهر كما ينمی الصبي في السنة .( أمالي الصدوق 476/ ح 1 - المجلس 87)
6- صميم المجد : خالصه ومحضه . والجوزاء : برج في السَّماء يضرب به المثل في العُلُوَ والرِّفعة .
7- رُوي عن رسول الله صلی الله علیه و اله وسلم قوله : خير نساء العالمين : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد . ( أسد الغابة فو معرفة الصحابة ، لابن الأثير 5 :537 )- وكانت خديجة علیها السلام تُعرَف في الجاهليّة ب (الطاهر).

هِيَ مَنْ قالَ سَيِّدُ الرُّسلِ فِيها : *** فَاطِمٌ بَضعَتِي رِضَاها رِضَائِي(1)

سُمَّيَت فاطِماً لِتَفطِمَ فِي الحَش *** رِ مِنَ النّارِ کُلَّ أَهْلِ الوَلاءِ(2)

بَضْتَةُ المُصطَفی ومَنْ صُفَّيَتْ مِن *** كُلُّ عَيبٍ وقُربَت باصطِفاءِ(3)

عُصِمَتْ طُهَّرَت مِنَ الرِّجسِ وَالذَّنْ *** بِ وآيُ التَّطْهِيرِ فِي الشُهَداءِ(4)

نُورُها مِنةُ تَستَمِدُّ ذُكا وَال *** بدرُ بَل كُلُّ كَوكَبٍ فِي السَّماءِ(5)

مَنْ تَوَالَی بِها سَيُحْبَی حِبَاهُ *** يَومَ حَشرِ الوَرَی وأََيَّ حِباءِ(6)

ص: 39


1- مُقتَبس من قول الشيخ كاظم الأزري: أوَ ما قالَ سيّدُ الرُسُلِ فيها : ***فاطمٌ بضعتي رِضايَ رضاها
2- تقول فاطمة عليها السلام يوم القيامة : إلهي وسيّدي ، سمَيتَني (فاطمه) وفطمت بي مَن تولاني وتولّی ذريتي من النار ، ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد . فيقول الله عز وجل : صدقت يا فاطمة ،إنّي سَميتُك فاطمة ، وفطمتُ بك مَن أحبّك وتَولاكِ وأحبُ ذرَيَتَكِ وتولاهم ، م مِن النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد . (علل الشرائع ، للصدوق 179 / ح 6 - الباب 142 ، عنه :بحار الأنوار 43 : 14 - 15 / ح 11)
3- ناسخ التواريخ لمحمّد تقي سپهر ج 3) : » فاطمة سيّدة نساء العالمين ، من الأوّلين والآخرين ، وإنّها لتقوم في محرابها ، فيسلّم عليها سبعون ألفَ مَلَكِ من المقرّبين ، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم ، فيقولون : يا فاطمة ، إنّ اللهَ آصطفاك وطهرك واصطفاك علی نساء العالَمين .(وفي مضمونه حديث للامام الصادق عليه السلام في : علل الشرائع 182 / ح 1 - الباب 146 )
4- آية التطهير هي قوله تعالی في الية 33 من سورة الأحزاب : ( إنَمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُم الرجس أَهْلَ البْتِ وَيُطَهرَكُمْ تَطْهِيراً ، وهي من جملة الأدلّة الدالّة علی عصمتها . و (في) بمعنی (من) أي مِنَ الشُّهداء . والشهداء : جمع شهيد بمعنی الشَّاهد .
5- ذُكا: مخففة (ذُكاء) ، وهي اسم علم للشمس .
6- الحِباء : العطاءُ بلا مَنَّ ولا جزاء . و(حباه) مخففة (حِباءَهُ) . وقد تظافرت الروايات بشفاعةالزهراء عليها السلام يوم القيامة لشيعتها ومحبيها .ومن الجدير بالذكر ، أنّ أبا العلاء المعري ، المعدود في (طبقات الحنفيّة) لابن أبي الوفاء القریشی قد الف کتاله رساله الفقران و مجور کتابه لدب يزيد علی المائلين صفحه هو ان الجميع لا یردون الفروس الا بجواز من فاطمه عليها السلام و ابيها و بعلها و بنيها.

اَشْبَهَتْ فِي اَلْكَلامِ مَنْطِقَ طهَ *** وَ بِمَشْيٍ تَحْكِيهِ فِي السِّيماءِ(1)

فَعَلَيْهَا مِنَ الإلهِ صَلاةٌ *** وسَلامٌ فِي صُبحِها والمَساءِ(2)

ص: 40


1- في (العقد الفريد ، لابن عبد ربه ج 3 ): قالت عائشة :(ما رأيت أحداً مِن خَلق الله أشبه حديثا وكلاما برسول الله صلی الله عليه و اله و سلم من فاطمة). و عن جابر الأنصاري قال : ما رأيت فاطمة عليها السلام تمشي إلّا ذكرتُ رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم، تميل علی جانبها الأ يمن مرَة وعلی جانبها الأيسر مرّة . (بحار الأنوار 43 : 53 / ح 48 - عن : كشف الغمّةللِريلَي). و اخرج البخاري في ( صحيحه 4 : 64)بطريقه إلی عائشة ، قالت : إنا كنا أزواج النبيّ عنده جميعاً لم تغادر منّا واحدة ، فأقبلَتْ فاطمة تمشي ، لا والله ما تخفی مشيتها ن مشية رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم، فلمّا رآها رحّب وقال : مرحبا بابنتي ، ثم أجلسها .. . الخ .
2- قال رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم لابنته الصديقة الطاهرة سلام الله عليها : يا فاطمة ، مَن صلّی عليك عَفَر الله له ، وألحَقَه بي حيثُ كنتُ من الجنّة . (كشف الغمّة في معرفة الأئمة ، للاربلی 2 : 100 - عنه : بحار الأنوا 43: 55/ ح 48) وفي (جمال لأُسبوع ، ، لابن طاووس ص 297 )- عن الإمام الحسن العسكريّ علیه اسلام : » اللهمّ طَلّ علَی الصديقة فاطمة الزهراء الزكيّة ، حبيبة نبيّك ، وأم أحبائك وأصفيائك ، التي انتَجَبتَها وفضلتها ، واختَرنّها علی نساءِ العالمين . اللّهم كُن الطالب لَها مِمَن ظَلَمَها ، واستخف بحقها ، اللّهم وكن الثائِرَ لها دم أولادها . اللّهم وكما علها أم أمة م الهدی ، وحلية صاحب اللواء ، الكريمة عندَ المَلَأ الأعلی ، فَصَلَ عليها وعلی أمها خديجة ا خبری ، صلاة تكرم بها وَجْهَ محمد صلّی اللهُ عليهِ وآلِه ، وتقر بها أينَ ذُريِها ، وأبِغْهُم عنّي في هذه الساعة أفضلَ التحيّة والسلام.

(7) بضعه المصطفی

(بحر الخفيف)

الحاج علي حمدان الرياحي

أيُّ يومٍ يَجِلُّ فِيهِ العزاءُ *** و مُصابٍ يَطيبُ فيهِ البُكاءُ

مِثلُ يَومٍ مُرَزِّیّ مُستَحِمٍّ *** غَرَبَتْ في سَمائِهِ الزَّهراءُ(1)

لَا السَّماواتُ بَعْدَها مُشرِقاتٌ *** حِينَ تَخْبُو وَلا الضِّياءُ الضِّياءُ (2)

يَشحَذُ البَدرُ مِن مَطَالِعِها النُّو *** رَ وتَمتاحُ مِن سَناها ذُكاءُ(3)

اَتُرَی شَفَّها بِعادُ أَبِيها *** فَاسْتَحَمَّ الْجَوَی وَحَنَّ اللِّقاءُ(4)

بَضعَةُ المُصطَفَی وأمُّ أبِيها *** وَشَذاةُ والنَّفحُ والَّادلاءُ(5)

اُّمُّ أَسباطِهِ وَ خَيرِ البَرايا *** و التُّراثُ الاَجَلُّ والاّلاءُ

قَصَرَ الخَافِقانِ عَنها عَطَاءُ *** ووَنَی عَنْ لَحاقِها الأنبياءُ(6)

ص: 41


1- مُرزیُّ : مُصِيبٌ بالرزايا ، رَزأهُ : أصابه بالرزيئة وهي المصيبة . ومُستَحِمُ : مُسوَدُ ، من حَمَّ الشيءُ إذا صار أَسْوَةَ . وفيه تورية لطيفة فإنّ الزهراء من أسماء الشمس .
2- خبا : ذهب وهجه واختفی . والمراد وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام .
3- یَشحذُ: يستجدي . وتمتاح : تغترف ، وتطلب . وسناها : ضياؤها . وذُكاءُ : اسم علم للشمس .
4- شفَّها : أنحلها . واستَحَمَّ : اشتدَّ . والجَوی : شدّة الوجد والشوق . وحنّ : اشتاقَ . وفي الكلام استعارة واضحة .
5- الشّذا : قوة ذكاء الرائحة . النفح : نشر الرائحة الطَيبة . اللَّالا ، : ضوء السّراج ونحوه .
6- قَصَرَ عن الشيء : عجز عنه ولم يَبْلُغْهُ . وونئ : ضعف وأعيا

قَبَّلَ الْمُصْطَفي يَدَيْها وَ مَا كَا *** نَ لِغَيْرِ الزَّهْرَاءِ هذا الْعَطَاءُ (1)

مَبْعَثُ النُّورِ والاَئِمَّهِ مِنْها *** شُهُبٌ - ما مَضَي الزَّمَانِ - وِضاءٌ(2)

يا ابْنَةَ المُصطَفَی و خَيْرِ البَرَايا *** فَقْدُكِ الفَقْدُ والمُصابُ العَياءُ(3)

عَاجَلَتْلكِ المَنُونُ يابنَةَ طةَ *** فِي رَبِيع الشَّبابِ وَالبَلواءُ(4)

عَن أَحِبّاءَ أَكْرَمِينَ صِغارٍ *** شَفَّها اَلْفَقْدُ وَ اَسْتحالَ اَلدَّوَاءُ

حَسَنٌ والحُسَيْنُ في حَومَةِ اليُت *** مِ وَ صَبْرٌ يَفُتُّ فِيهِ اَلْعَزَاءُ(5)

وَبَناتٌ مُدَلَّهاتٌ حَيارَی *** حَانِياتٌ لاُمِّهنَّ ظِماءٌ(6)

هُنَّ يَنْدُبْنَ وَالسّماواتُ تَبكِي *** وَ بِطُوبَي تَرَدَّدُ اَلاَصْداءُ(7)

ص: 42


1- (في) أمالي الطوسي: 400 / ح 892 ) عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة قالت : كانت عني فاطمة عليها السلام - إذا دخلت عليه - أي علی رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم - رحَّب بها وقبّل يَدَیها وأجلسها في مجلسه ، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحَبَت به وقبَلَت يديه . وروی ذلك من علماء العامة ابنُ عبد البرُ في كتابه ( الاستيعاب 2 : 751 )
2- وضاء : جمع وَضِيء ، وهو الحسن الجميل . فهي سلام الله عليها اُمُ الشُّهب المضيئة الزاهرة .
3- العياء : أي الصعب الذي لا دواء له ، كأنّه أعيی الأطبّاء .
4- المشهور بين الإماميّة أنّها عليها السلام حين ودّعت هذه الدار الفانية كان لها من العمر ثمانی عشرة سنة أو تزيد قليلاً ، وعند جمهور العامّة علی أنّ عمرها كان ثماني وعشرين سنة . ومرة الأخلاف إلی سنة ميلادها ، فمَن قال : إن ولادتها كانت قبل المبعث النبوي بخمس سنين أو أكثر أو أقل : جعل عمرها قرابة الثلاثين . ومَن قال : إنّها ولدت بعد البعثة بذلك المقدار ؛ فقد جعله في حدود الثماني عشرة سنة . والصحيح ما عليه الإماميّة ، ويدلّ عليه ما رواه الفريقان من أنّ النبي في صلی الله علیه و اله و سلم المعراج ناوله جبرئيل تفاحة من تفاح الجنّة ، فصارت في صلبه المبارك نطفة منها خلقت فاطمةالزهراء سلام الله عليها .
5- حومة اليُتم : ما يحوم اليَُتم حوله ، محوره . والعزاء : المُصاب .
6- مُدَلُهات : مشدوهات من عُظْم الحادثات . حانيات : من الحُنُو ، وهو العطف والحنان .
7- طوبی : شجرة في الجنّة : حين تُوقيت الزهراء سلام الله عليها صاحت المدينة صيحةُ واحدة، واجتمعت نساء بني هاشم في دارها، فصرخوا صرخة واحدة كادت المدينة أن تتزعزع من صراخهن، وهنّ يقلن: يا سيدتاه ! يا بنت رسول الله ! وأقبل الناسُ مثلَ عُرف الفَرَس إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو جالس، والحسن والحسين عليهما السلام يبكيان، فبكى الناس لبكائهما. (بحار الأنوار 43: 190/ ح 20 - عن: روضة الواعظين، للفتّال النيسابوريّ)

وَلإِمامُ الأجَلُ يَززَخُ لِلخَط *** بِ وَيَجْتَرُّ مِن حَشاءُ البَلاءُ(1)

ينْذُبُ الدُّرَّةَ الوَحيدَةَ فِي الكَؤ *** نِ وَفي الموتِ لا يُفِيدُ المَضاءُ(2)

يَتَلَظَّی مَرارَةَ واكتِئاباً *** ويُنادی ولا يُفيدُ النِّداءُ

اَينَ مِنَّي رَيحانَتِي وَمَلاذي *** وَدَواءُ الخُطُوبِ إنّ حَلَّ داَءُ؟!

اَينَ منَّي أُمُّ الأئِمَّةِ والبَض *** عَةُ مِنْ خَيْرِ مُرسَلٍ والسَّناءُ ؟!

اَينَ بنتُ النّبیِّ فاطِمَةُ الزّه *** راءُ أَيْنَ التُقَی وأينَ الحَياءُ(3)

اَينَ رَيحانَةُ السّماواتِ وَالأَر *** ضِ وأينَ النّدَی وأينَ السَّخاهُ؟!(4)

ص: 43


1- يرزح : يلصق بالأرض من شدّة التعب والهزال ، بحيث لا يتمكّن من النهوض .
2- المضاء : مِن مضی في الأمر ، نَفَذ . أي لا يُجدي شيء مع الموت . وفي هذا المعنی يقول الشاعر: أحبَايَ لو غير الحمام أصابكم *** عتبت ، ولكن ما علَی الموت مَعتبُ.
3- قال النبي صلی الله عليه و اله و سلم : أيُّ شيء خيرٌ للمرأة ؟ قالت فاطمة عليها السلام : أن لا ترئ رجلاً ، ولا يراها رجل . فضمّها إليه وقال :(ذُرَيَة بَعضُها مِن بَعْضِ) مناقب آل أبي طالب ، لابن شهر آشوب 3 : 341 ، والآية في سورة آل عمران : 34) وعن الإمام علي علیه السلام : استأذن أعمی علی فاطمة علیها ااسلام فحجَبَنه ، فقال رسول الله صلی االله علیه و اله و سلم لها : لِمَحجبته وهو لا يرالكِ ؟ ! فقالت علیها السلام : إن لم يكن يراني فإني أراه ، وهو يشم الريح . فقال رسول الله صلی االله عليه و اله و سلم: أشهد أنّك بضعة من . ( بحار الأنوار 43 : 91 / ح 16 - عن : نوادر الراوندي)
4- هي صلوات الله عليها التي قدّمت رغيفها وطوت صائمة مع اميرالمؤمنين علیه السلام ثلاثة أيّام ، فنزلفيهم قوله تعالی : (وَيطعِمُون الطَعامَ علی حُبه مسكيناً ويتيما وَأسيرا )سورة الدهر : 8) وعمدت إلی جلد كبش كان ينام عليه الحسن والحسين ، فأعطته سائلا . ) يراجع : بحار الأنوار 43: 59 - 58/ ح 50 - عن: بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، للطبري الإمامي. وتذكرة خواص الأُمة، لسبط ابن الجوزي 313 - 315).

اَيْنَ مِنِّي زَيْنُ اَلْخلائِقِ وَ الْحُس*** نِ وَ اَيْنَ الْحِجَي وَ اَيْنَ اَلْعَلاَءُ ؟

اَيْنَ مِنِّي طِيبُ الْحَياهِ وَلُقِيا *** ها وَ اَيْنَ اَلسُّرُورُ وَ النَّعْماءُ؟

اَيْنَ مَنْ تَزْهَرُ الشُّمُوسُ بِمَرّا *** ها وَ تَمْتَاحُ خَطْوَها الجَوزاءُ؟

اَيْنَ سِرُّ اَلْجَمالِ فِي عالَمِ التَّكْ *** وِينِ اَيْنَ الاَعْجازُ اَيْنَ الصَّفاءُ ؟!

اَيْنَ مِنِّي قَرِينَهُ عَقُمَ اَلدَّهْ *** رُ بِبَعْضٍ مِنْ حُسْنِهَا وَ اَلنِّساءُ؟! (1)

اَيْنَ مِنِّي جَلالُها وَ عُلاها *** اَيْنَ مِنِّي صَباحُها وَ اَلْمَساءُ؟!

اَيْنَ - وَالاَيْنِ ما ارْدَّدُ - تَبْقِي *** وَ يَمُوتُ الْقِرْطَاسُ وَلانِشاءُ

دَوحَهُ المُرتَضَي وَ اُمُّ المَعالِي *** وَالضُّحي وَالْفَرِيدَهُ العَصماءُ! (2)

يا لَذِكْرَي تَجِيشُ فِي عَالَمِ اَلْحِس*** سِ وَ نَارٍ لَمْ يَقْتَرِبْها انْطِفاءُ!(3)

ايهِ يا نَفْسُ وَالْهَوَي اَزّلِيُّ *** فِي فُوادي نَباتُهُ والْنَّماءُ (4)

لَيْسَ مِن بعدِ احمَدٍ وَ بَنِيهِ *** فادِحٌ ما يَهُزُّ او دَهياءُ(5)

فَبِقَلْبِي مِنْ كَرَبِهِمْ كُلُّ كَرْبٍ *** وَ مِنَ الْحُبِّ دَوحَهٌ غَنَّاءُ(6)

ص: 44


1- قوله (والنساءُ) بالرفع معطوف علی (الدهر).
2- الدوحة : الشجرة العظيمة المتسعة . والفريدة العصماء : التي لا مثيل لها ولا نظير . والفريدة : أيضا الدرّة اليتيمة . والعصماء : البيضاء . وهي كناية عن طهارتها ونقائها .
3- تَجيش : تتفاعل وتتدفّق .
4- الأزليُ : القديم العريق . كذلك محبّة الزهراء عليها السلام في قلوب الموالين .
5- الفادح : الخَطب والأمر الصعب . والفادحة : المصيبة . والداهية الدهياء : المصيبة الشديدة . و (ما) زائدة .
6- والغناء : العامرة الكثيرة الشجر

وَ عَزائِي مِنْ كَربِهِمْ صِدقُ عِلْمِي *** أنَّهُم عِندَ رَبَّهِم أُمَراءُ(1)

غَيرَ اَنَّ الخُطُوبَ تُبكِي وتُدمي *** وَ تَهُزُّ القُلوبَ حَيثُ تَراؤوا(2)

وَهُمُ فَوقَ ما يُصَوِّرُ ذِهنٌ *** وَيَخُطُّ الكُتَّابُ وَالفُقَهاءُ

مُعْجِزَاتٌ مِنَ الالهِ ضَواحٍ *** وَهُمُ مِنْ جَلاَلِهِ اَجْزاءُ(3)

قَبلَ بَدْءِ التَّكوِينِ وَالكَونُ عُدمٌ ***لَهُمُ فَؤقَ عَرْشِهِ أسماءُ

وَبهمْ آدمٌ تَوَسَّلَ لِل ***ه وَنُوحٌ مِن بَعدُ والاَنبِياءُ(4)

ص: 45


1- عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم : أول شخصِ تدخل الجنّةَ فاطمة . (بحار الأنوار 43 : 44 / ح 44 - عن : مناقب آل أبي طالب ، ينقله ابن شهر آشوب عن أبي صالح في (الأربعين) عن أبي حامد الإسفرائيني بإسناده عن ابی هريرة)
2- قوله : تراؤوا ، الأصل فيها ترااءَوا ، بفتح الهمزة بعد الألف ، وإنّما ضمّها حذراً من الإقواء أو السناد في القافية . وقد يجوز (تراء وا ) بفتح الهمزة ، كما ورد مثله في قول الشاعر :يا أيها الناسُ افهموا وتفهموا *** لا تغفلوا ماتَ النبيٌ محمّد إن الذبنّ بَكَوهُ عند فراقِهِ *** جَزَعاً عليه قدِ آهتدی وقد اهندَوا فراجع كتاب (الكافي في علم القوافي) لأبي بكر ابن السّراج ص 99 ، تحقيق : الدكتور محمّد رضوان الداية
3- ضواح: واضحات بيّنات . مفردها ضاحية ، والمذكر ضاح . ولم يُرد أنّهم أجزاء حقيقيون وإنّما أراد أنهم مظاهر جلال الله .
4- في (البحار 26 : 325 / ح 8 - كتاب الإمامة )روی بسنده إلی ابن عبّاس : أن آدم لما أسجدَ اللهُ عزوجل له الملائكة تداخله العُجب ، فقال : يا رب ، خلقت خَلقا أحبّ إليك منّي ؟ ) إلی أن قال : ( ثم قال الله عزّ وجل : نعم ، ولولاهم ما خلقتك ، فقال : يا رب ، فارِنِيهم ، فأوحی الله إلی ملائكة الحُجب أن ارفعوا الحجب ، فلما رُفعت إذا آدم بخمسة أشباح فَذَامَ العرش ، فقال : يا رب ، مَن هؤلاء ؟ ! قال : يا آدم ، هذا محمّد نبيي ، وهذا علي أميرالمؤمنين ابن عمّ نبيي ووصيّه ، وهذه فاطمة ابنة نبيي ، وهذان الحسن والحسين ابنا عليّ ووَلَدا نبيّي . ثمّ قال : يا ا هم ولدك ، ففرح بهم . فلمّا اقترف الخطيئة قال : يا رب ، أسألك بمحمد وعلی وفاطمة والحسن والحسين لَما غفرت لي. فغفر الله له بهذا، فهذا الذي قال الله عز وجل : ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) (سورة البقرة: 37) ....... الخ. وروی مثله أيضا أبو جعفر الصدوق في (الخصال ص 270 ح 8 من باب الخمسة).

وَنَجَتْ فِيهِمُ سَفينةُ نُوحٍ *** وَبِأَسْمائِهمْ أُجِيبَ الدُّعاءُ(1)

و بِهِمْ اَنقَذَ الالهُ ابنَ مَتَّی *** واستَجارَ الخَليلُ والعَذراءُ(2)

أََعَلی هؤلاءَ نَبْكِي ونَبكي *** وَبِأسمائِهِمْ يُناحُ الرَّجاءُ؟

ص: 46


1- في (عبقات للسيّد حامد حسين الحسيني رحمه الله ، مجلّد حديث السفينة) أنّ نوحا علیه السلام (سمَّرالمسامير كلها في السفينة إلی أن بقيت حمة مسامير ، فضرب بيده إلی مسمار منها ، فأشرق في يده وأضاء كما يضيء الكوكب الدريّ في أفق السماء« وأن تلك المسامير الخمسة كانت بأسماء الخمسة الطاهرين . أصحاب الكساء : محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم وعلی آلهم . والرواية نفسها نقلها السيّد ابن طاووس بتفصيل في كتابه (الأمان من أخطار الأسفار والأزمان ص 118 - 120) عن أحد أعيان أهل الحديث من المذاهب السنيّة الأربعة ، وهو محمّد بن النجّار متقدّم أهل الحديث لدی أهل العامّة بالمدرسة المستنصرية ،مفسّراً قوله تعالی :( وَحَمَلْناهُ عَلی ذاتِ ألواح ودُسُر) (سورة القمر : 13)
2- (ابن متّی هو يونس النبيّ علی نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام ، وكان من دعائه ما يُقرأ في أسحار شهر رمضان : .. . يا لا إله إلّا أنت ، أسألك بلا إله إلّا أنت ، أن تُصلّي علی محمدِ و آلِ محمّد ، و أن تغفر لي ذنوبي ، وأن تحرّم جسدي علی النار « . (مهج الدعوات ، للسيّد ابن طاووس 311) وكانت نجاته بتوسله بمحمد وآله صلوات الله عليهم ، وشرف ولايتهم . ) يراجع : قصص الأنبياء والمرسلين ، للسيّد نعمة الله الجزائري 439 ، وغيره) وفي الأخبار ومعانيها روايات حول الكلمات التي ابتلی الله عزّ وجلّ بها آدمَ عليه السلام، وأتمَهَنَ لإبراهيم الخليل . (يراجع تفسير الآيتين 37 و 124 من سورة البقرة) وكذلك كان من مريم العذراء البتول الطاهرة توسّل بمحمد وآله صلوات الله عليهم ، فكان منها المبارك النقع عيسی سلام الله عليه . (يراجع : بحار الأنوار 4 1 : 217 / ح 8 و 114 / ح 11) وقد ورد في الأخبار بتظافر أنهم علیهم السلام كانوا وسيلة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، بل والملائكة المقرّبين أيضاً ، لنجاح مسائلهم ، وإجابة طلباتهم . وللتوسّع يراجع كتاب » أهل البيت في سفينة نوح « للكاتب محمد إبراهيم القزويني ، وكتاب العوالم ، ودلائل الإمامة وغيرها .

يا ابنَةَ المُصطَفی وَللذَّكرياتِ ال *** غُرٌ نَفحٌ يَطيبُ فِيهِ الغِناءُ

حَسبِیَ الحُبُّ والهَوَی هاشِميُّ ***فِي مَالي وأنتُمُ الشُّفعاءُ

وَشُهُودِي عَلَيَّ ديوانٌ شِعري*** وَسَيَزْدادُ ما استَمَرَّ البَقاءُ

هَذِهِ بِنْتُكَ اَلْجَلِيلُهُ فِي اَلشَّا *** مِ مَحَجٌ وَ رَوْضَهُ فَيْحَاءُ(1)

بَيْتُها الْبَيْتُ وَالمَناراتُ فيهِ *** وَ الضُّحِي وَالْجَلالِ وَ الْكِبْرِياءُ

زَيْنَبُ وَ الجَلالُ والاَلَقُ الضَّا *** حَی ولالاءٌ قَُّدسِهَا والْبَهَاءُ (2)

يَتَهادَي لِتُربِها شامِخُ الانْ *** فِ وَ تَحْنُو لِلثَّمِهِ اَلْخُيَلاَءُ

دَائِبُ اَلنَّفحِ بَيِّنَ اتٍ وَ غَادٍ *** وَ الْبَرايا عَبِيدُهَا والاماءُ (3)

مِن خُراسانَ مِن ذُرَيِ السِّنْدِ والهِنْ***دِ وَ اقْصَي ما تُعْمَرُ الارْجَاءُ (4)

فَاليْهَا هُنا يُرَاحُ و يُغْدَي *** و لَهَا هاهُنا يُزَفُّ الْعَزَاءُ(5)

ص: 47


1- هي العقيلة زينب الكبری عليها السلام . الروضة : الأرض المخضرَة بأنواع النبات ، والمراد هنا حَرَمها عليها السلام . الفيحاء : الواسعة (من فاح يفيح ) أو هي ذات النَشر والرائحة الطائرة (من فاح يفوح).
2- الألق الضاحي ، واللالاء والبهاء : بمعنی واحد تقريباً ، وهو النور واللَّمَعان .
3- دائب النفح : دانم الرائحة العطرة ، أو الريح الطيّبة .
4- أي : وأقصی الأرجاء المعمورة .
5- يُراح ويُغدی : الرواح : العشي ، والغُدُوّ : الصباح الباكر أو ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس . وزفاف العزاء بما نزل عليها وعلی أهل بيتها من عظيم النوائب ، وشديد المصائب.

(8) مولد الزهراء

(بحر الخفيف)

الحاج علي يوسف المتروك (1)

طَائِرُ اَلْبِشرِ فِي رُبّي اَلْبَطْحَاءِ *** يَتَغَنَّي بِمَوْلِدِ اَلزَّهْرَاءِ(2)

ص: 48


1- هو الأستاذ الفاضل الحاج علی ابن الحاج يوسف ابن الحاج على المتروك . ولد المترجم بالكويت سنة (1352 ه/ 1936 م) وبحكم بيئته وسلفه الصالح نشأ على حب الخير والفضيلة. وأسرة المتروك من الأسر العريقة المعروفة في الكويت. درس المترجم في المدرسة المباركية، إلى جانب تثقيف نفسه بكتب اللغة والأدب والتاريخ. تدرج في عدة وظائف، وآخر وظيفة كان يشغلها هي مدير عام أملاك الدولة بدرجة وكيل وزارة، وفي سنة ( 1972 م) ترك العمل الوظيفي لينصرف إلى العمل التجاري الحر. وهو يعدَ نموذجا للخلق الرفيع والنفس العالية، ومحبوبا عند مختلف الطبقات، أزيحي الطبع ذكيّاً رقيق الأُسلوب معروفاً في الأوساط وفيّاً مع أصدقائه ومعارفه، وقد تعرفت عليه في ديوان المرحوم الحاج محمد قبازرد تغمده الله بواسع رحمته، فوجدته مثالاً للفضيلة والخير. والمترجم أديب وشاعر مرموق يقرض الشعر، وله إلمامات أدبية وإطلالات في بعض الصحف اليوميّة. كما أن للأُستاذ المتروك دیواناٌ عامراٌ للضيافة يرده الخاصّ والعام في كل أُسبوع ليلتين هما (السبت والثلاثاء)، وأكثر روّاده من الطبقة المثقفة وأصحاب الوجاهة وأهل الخير.
2- البطحاء: مسيل الوادي فيه دقاق الحصى ، والمراد مكّة؛ لاشتهار بطحاء مكة، وشيخ البطحاء أو الأباطح هو أبو طالب عليه السلام.

وتَنادَتْ جِبالُ مَكَّةَ زَهواً *** حِينَ هَلَّتْ بِنُورِها الْوَضّاءِ (1)

هَلَّ بِالْيُمنِ مُترَعاً بِالأَماني *** وَتَعَالَي النِّداءُ تِلوَ النِّداءِ(2)

والصَّباحُ الْجَمِيلُ أَوْرَقَ مِنهُ *** كُلُّ أَزْهارِ دَؤْحِهِ الْمِعْطاءِ(3)

بَضْعَهُ اَلْمُصْطَفِي عَنِ اَلْوَصْفِ جَلَّتْ *** وَسَمَت فَوْقَ هَامَةِ الْجَوْزَاءِ (4)

فِيكِ يَحْلُو النَّشِيدُ حُلْوَ الْمَعانِي*** ويَعُمُّ الضِّياءُ عالِي السَّناءِ(5)

وَ تُعِيدُ الاَيّامُ أَصْداءَ وَحيٍ *** فيهِ بِالْفَضْلِ خُصَّ أَهْلُ الْكِسَاءِ

سَيِّدُ الْخَلْقِ والْهُدَاةُ الْمَيَامي *** نُ مِنَ الْغُرِّ الِهِ النُّجَباءِ(6)

مَنْ تَخَلَّي عَنْهُمْ تَخَلَّي عَنِ اَللَّ ***هِ كَمَنْ بَاتَ هَائِماً بِالْعَرَاءِ (7)

مَا تَلَؤْنا اَلْكتابَ إلّا وَكَانَتْ *** فِيهِ لِلاَلِ وَ مَضَةٌ لِلثَّناءِ(8)

ص: 49


1- زهواً: فخراً. لمّا وضعت خديجةُ فاطمة الزهراء عليها السلام حين ولدتها، وضعتها طاهرةٌ مطهرة، فما أن سقطت إلى الأرض حتّى أشرق منها النور، فدخل ذلك النور بيوتات مكّة، ولم يبقَ في شرق الأرض وغربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور.. (دلائل الإمامة للطبري الإمامي ص 8، أمالي الصدوق 476/ ح 1 - المجلس 87)
2- اليمن: البركة. مترعا: مملوءا. حين وُلدت الصدّيقة الزهراء صلوات الله عليها، تباشرت الحورُ العين، وبشر أهلُ السماء بعضُهم بعضاً بولادتها. (أمالي الصدوق 476/ ح 1 - المجلس 87)
3- الدّوح: جمع الدَّوحة، وهي الشجرة العظيمة، أي : الشجرة المعطاء.
4- الجوزاء : نجمة يضرب بها المثل في العلو والارتفاع.
5- السناء: النور والضياء.
6- الميامين : جمع ميمون، وهو المبارك. والغر: البيض الكرام، النجباء: جمع نجيب، وهو الفاضل النفيس في نوعه.
7- هائما: ذاهبا لا يدري أين يذهب. العراء: الصحراء.
8- ومضة: لمعة البرق.

تَتَجَلَّى الأَسرارُ فِي مَا رَوَيْتُم *** وسَلَكْتُمُ فِي الْبَدْءِ والانْتِهاءِ (1)

نَحْنُ مِن طِينةِ الْوَلاءِ خُلِقْنا ***وسَتُطْوِي أعْمارُنا بِالْوَلاءِ(2)

ص: 50


1- قطع همزة الوصل ضرورة .
2- إشارة إلى أخبار الطينة التي تقضي بأنّ طينة الشيعة والموالين هي من فاضل طينة الأئمة والمعصومين . يراجع: بحار الأنوار 22:15 ح 30 و 36 - تاريخ نبينا صلی الله عليه و اله و سلم باب باء خلقه و ما يتعلّق بذلك، وج 61 ص 45، وج17 ص127. عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام: إن الله خلق محمّداً من طينة من جوهرة تحت العرش، وإنه كان لطينته نضح، فجَبَل طينة أمير المؤمنين عليه السلام من نضح طينة رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم، وكان لطينة أمير المؤمنين عليه السلام نضح، فجبل طينتنا من نضح طينة أمير المؤمنين عليه السلام ، وكانت لطينتنا نضح، فجعل طينة شيعتنا من نضح طينتنا؛ فقلوبهم تحت إلينا، وقلوبنا تعطف عليهم تعطُّفُ الوالدِ على الولد.. (بصائر الدرجات ، للصقار القمي 1: 50/ ح 64 - الباب 9)

(9)خير النساء

(بحر الخفيف)

الشيخ محمد جواد المطر" (1)

أَسْعِفِيني بِفَيْضِكِ الْمِعْطاءِ *** إِنَّهُ سُلَّمِي إلی العَلْياءِ

قَدْ رَسَا مَرْكَبِي على شَطّکِ اَلْآ *** مِنْ سَاقَتهُ عَاصِفَاتُ ولائي (2)

فَامْنَحِيني إِذنَ اللُّجُوءِ وُجُودِي *** بِهِبَاتِ قُدسيّةِ الأرجاءِ

وهَبِيني عِنايَهُ يَرتَعُ الفِك*** رُ بِرَوْضَاتِهَا شَذَا الإيحاءِ

واعصِمِيني مِنَ العِثارِ فَقيهِ *** عَثَرَ اَلْجَمُّ من مَطَا الشُّعَراءِ(3)

ص: 51


1- هو الخطيب الشيخ محمد جواد المطر، النجل الثاني للخطيب الشيخ كاظم المطر بن الحاج محمد صالح المطر الأحسائي وُلد في البصرة في الثالث عشر من شهر رجب عام (1349 ه)، وفي البصرة قضى أيّام طفولته ودَور صباه حتّى منتصف عقده الثاني، انتقل مع أسرته إلى الأحساء، حيث الموطن الأصلي القبيلة (الفضول) التي ينتمي إليها، ومنذ ذلك الوقت ما زال مقيماً في مدينة الهفوف في الأحساء تعلّم الخطابة منذ كان يافعة في البصرة على يد الخطيب الملا جاسم الحاج عليّ الدوغجيّ ، ثمّ واصل الخطابة على يد والده الشيخ كاظم، وقرض الشعر مبكراً، وابتدأ نظم الشعر الشَّعبي وله من العمر ثلاث عشرة سنة، وأول قصيدة شعبية قالها كانت في مخاطبته الإمام المهديّ عجّل الله تعالی فرَجَه الشريف.
2- قال رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم : حُبُّ فاطمة ينفع في مئة من المواطن، أيسر تلك المواطن: الموت، ابوالقبر، والميزان، والمحشر، والصراط، والمحاسبة . ( مقتل الحسين علیه السلام للخوارزمي 1: 59)
3- العثار: الزَّلل . ومطا: مطايا، وإنّما حذفَ «يا» للضرورة الشعريّة، ومثله قول الشاعر: أصابهم الحما وهُمُ عواف *** وكُنَّ عليهمُ تَعسا لَهُنَّه أراد: الحِمامَ.

عَلَّ دِفقاً مِنَ الوَلا لَکِ مِنّي *** يَتَجَلَّى بِهِ عليكِ ثَنائي

لَكِ يُمْنٌ عَمَّ اَلْبَسيطَةَ بِالْإِشْ***راقِ نُوراً مُذْ شَعَّ بالْبَطْحاءِ

وَسَرَتْ فِي جِبالها الشَّمِّ أَنغا***مُ نَشيدٍ بِشَِيَقِ الأنباءِ

وَتَعَالَتْ مِنَ الْحَطِيمِ هُتافَا ***تُ عِناقٍ لِلكَعبةِ العَصماءِ (1)

صَافَحَ الركْنُ زَمزماً وَبَدا البِش***رُ ضَحُوكاً عَلَى مُحيَّا اَلْماءِ

حِينما الرُّوحُ سَاقَهُ أَمرُ بَاري***هِ لِيَجُلُو سِرَّ ابْتهاجِ السَّمَاءِ

بِتَهَانٍ رَفَّتْ على المصطفى اَلْمُخْ***تَارِ يُمْناً بِالْمَولدِ اَللاَّلاَئِي

فَاسْتَهلَّتْ أَفراحُهُ نَاطِقاتٍ*** وَطَؤتْ غَيْمَةً مِنَ الإِعياءِ

واسْتَثارَتْ كَوامِنَ البَهْجَةِ الكُبْ***رَى فَلاحَتْ بِالطَّلعَةِ الْغَرّاءِ

أَبْشِري يَا خَدِيجَةَ اَلْخَير قَد جِئْ***تِ بِها قُدْوَةً لخيرِ النِّسَاءِ (2)

فَهِيَ البضعةُ البَتُولُ وَمِنها ***حَامِلُو مِشعَلِ الهُدَى الوَضّاءِ(3)

ص: 52


1- الحطيم: جدار حَجَر الكعبة، وقيل : ما بين الركن وزمزم والمقام؛ سُمَّي بذلك لانحطام الناس عليه بسبب ازدحامهم، أو لانحطام الذنوب عنده .
2- في (صحيح البخاري 4: 204) أن رسول الله صلى الله عليه واله و سلم قال لابنته فاطمة عليها السلام : أما تَرضَين أن تكوني سيّدة نساء الجنة، أو نساء المؤمنين ؟! وفي (المستدرك على الصحيحين 3: 156) روى الحاكم النيسابوريّ الشافعيّ أن النبي صلى الله عليه و اله و سلم قال : يا فاطمة، ألا ترضَين أن تكوني : سيبدةَ نساء العالمين، وسيدة نساء هذه الأُمّة، وسيدة نساء المؤمنين ؟!
3- بذلك بشر المصطفی صلى الله عليه و اله و سلم حين أخبر خديجة رضوان الله عليها قائلاً .. وسيجعل من نسلها أئمةَ، ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه .. ( أمالي الصدوق 470 - 476/ ح 1 - المجلس (87 )

(10)بَعدَ النبيّ

(بحر الكامل)

الشيخ محمد سعيد المنصوري (1)

مَا انْفَكَّ صَوْتُ تَزْفُّرِي وَبُکائی *** يَعلُو لِجانِبِ حَسرَتی وَ عَنائِی(2)

ص: 53


1- هو الشيخ محمد سعيد ابن الشيخ موسى المنصوري. ولد في النجف الأشرف سنة (1354 ه) ونشأ في ظلّ والده، فوَرِث منه الكمال والجلال والسماحة والفصاحة وقام بتعليمه والاهتمام به، حيث بعثه للتعلم بالطريقة المألوفة آنذاك، فضمه إلى معلمي القرآن الكريم، فأخذ القراءة والكتابة على يد المرحوم الشيخ محمد کاظم الشيخ يحيى الأسدي، ثم درس اللغة العربية عند والده الشيخ موسى المنصوريّ والسيّد سعيد العدنانيّ، وأكمل السطوح بمدرسة المرحوم السيّد عدنان البحرينيّ الغريفيّ وخصوصاً على أيدي ولديه السيد حسن والسيد محمد علي . والمترجم، أخذ الخطابة عن والده الشيخ موسى والسيد سعيد العدناني، وكان مثابرة على الخدمة الحسينية. ويعد الشيخ المنصوري ذا خبرة واسعة في المنبر وفنونه، وقد استفاد منه الكثير من خطباء المنبر الحسيني فوجدوه نميرة عذبة يبذل كل ما لديه، وما لديه نافع بحق. أحب المترجم الشعر وشغف به وأنشده، وهو يقرض الشعر من صغره على اختلاف فنونه وأوزانه، وتناول أغراض الشعر المألوفة، وقد عرف في نظمه بكتابة الشعر الفصيح والدارج فأجاد وأبدع في كليهما. وللمترجم عدد كبير من المؤلفات: نثرية، وشعرية، طبَعَ منها: 1 - ديوان السعيد في رثاء السبط الشهيد. 2- ميراث المنبر. 3- مفاتيح الدموع. وسيواصل طباعة الباقي من كتبه ودواوينه، والله الموفّق والمسدّد.
2- التزفُّر والزفير: النفس الممتدّ إذا خرج حاراً مصحوباً بالصوت، ويخرج عادةّ من المكلوم المتوجّع.

وَكذاكَ آهاتي تَوَقَّدُ في اَلْحَشا *** جَمْراً لِرُزْءِ اَلْبَضْعَةِ الزَّهْراءِ (1)

أَسَفاً عليها قَدْ قَضَتْ أَيَّامَها*** بَعْدَ النّبيِّ بِغُضَّةٍ وشَجاءِ(2)

كَسَرُوا لَها ضِلْعاً بِهِ قَدْ كَسَّروا ***يَوْمَ اَلطُّفُوفِ أضالِعَ الْأَبْناءِ (3)

فَبَنَت عَلَي ما نالَها بِأََنِينِها *** تُحْيِي اللَّيالِي قَرينَةَ الوَرقاءِ (4)

ولِقَبْرِ والِدِها تَروحُ وتَشْتكي *** هَمَّ الْفُؤادِ وَما بِهِ مِنْ داءٍ (5)

وَتقولُ يَا خَيرَ الْعِبادِ سَجِيَّةٌ *** أَصْبَحْتُ لاَ أُقوي عَلَي الأَرَزاءِ

أَبَتَاهُ مِيراثِي زَوَوْهُ وَأَسْقَطُوا *** حَمْلي وَها أَنَا قَدْ سَمِعْتُ بَقائِي (6)

إِذ لاَ أرَي أَجَلاً تَطُولُ سِنِينُهُ *** إِلاَّ كَسُمِّ اَلْحَيَّةِ الرَّقْطاءِ(7)

ص: 54


1- تَوَقّدُ: أي تتوقّد، بحذف إحدى التائين.
2- الشَّجَا: الهمّ والحزن. ومدُّ المقصور من عادة العرب ، وذهب بعض إلى اطّراده .
3- عَزَا الشاعر کَسرَ أضلاع شهداء کربلاء بالخيول، إلى أنّه ناتج عن كسر ضلع البتول عليها السلام، وأقدم من طرق هذا المعنى فيما نعلم هو القاضي أبو بكر محمد بن عبدالرحمان، المعروف به «ابن قريعة البغدادي» المتوفی 397، حيث قال: وأريتكم أن الحسي *** ن أصيب في يوم السقيفة.
4- الورقاء: الحمامة التي يضرب لونها إلى الخضرة. ويجب اختلاس ياء «الليالي» وعدم تحريكها بالفتح ليستقيم الوزن.
5- سقطت عليها السلام على قبر ابیها صلی الله عليه و اله و سلم لوجهها مغشيّاً عليها، وكانت تناديه: وا أبتاه! وا محمداه! من الابنتك الوالهة الثكلى، بقيت بعدك وحيدة، وحيرانة فريدة، قد انخمد صوتي، وانقطع ظهري، وتنغص عيشي .. ثمّ زفرت زفرة، وأنّت أنه كادت روحها أن تخرج ، ثم قالت: قلّ صبري وبان عني عزائي *** بعد فَقدي لخاتَم الأنبياءِ (بحار الأنوار 43: 175 - 177)
6- زووه: منعوه.
7- الحيّة الرَّقطاء: نوع من الحيّات بها رُقطة، أي خالَطَ سوادَها نُقَط، وسمّها قاتل . ومنه قول أم سلمة في كتاب لها إلى عائشة قبل حرب الجمل : ولو أني حدثتك بحديث سمعته من رسول الله لنهشني نهش الحية الرقطاء المطرقة.

مَا بَيْنَ قَوْمٍ مَا رَعَوْا مَنْ فِيهِمُ *** أُؤْصَيتَهُمْ يا أَشْرَفَ الآباءِ

هذَا ابنُ عَمِّكَ والْحَوادِثُ جَمَّةٌ *** أََمْسَتْ عليهِ وَكانَ فِيهِ عَزائِي (1)

إِنْ رَدَّها فِي صَبْرِهِ فَبِقَلْبِهِ *** مَا لَيْسَ يُطفَا(2) حَرُّهُ بِالْمَاءِ

اَبَتاهُ لَوْ شاهَدْتَ مَا عانَيْتُهُ *** مِمَّنْ عَدَؤا وَ تَقَصَّدُوا إِيذَائِي

لَبَكتْ دَماً عَيناكَ لِي وَتَتَابَعَتْ *** حَسَراتُ قَلْبِكَ مِن عَظِيمِ بَلائِي

جِسْمِي ذَوِي رُكْنِي هَوَي ء قَلبِي حَوَي *** أَلَمَا يُهَدِّدُنِي بِقُرْبِ فَنائِي (3)

لَمْ بَبقَ مِنْ شَيْءٍ يُهَيِّجُ لَوْعَتي *** إِلاَّ وَقامَ بِفِعْلِهِ اَعدائِي

قَدْ حَاوَلُوا مَنْعِي اَلْبُكاءَ بِزَعْمِهِمْ *** يُؤْذِيهِمُ حَنِّي وَشَجؤ نِدائي(4)

ص: 55


1- جمه : منصوب على كونه خبر «أمسى»، أي : وأمست الحوادثُ جَمَّة عليه
2- یُطفا: مخففة «یُطفاُ».
3- ذوی : ذَبُل وضعُف. والركن: القوة. وقد خاطبت أباها المصطفى صلی الله علیه و اله و سلم في قبره بعد أن أغمي عليها وتُضح الماء على جبينها فأفاقت تقول: رُفعت قوتي ، وخانني جَلَدي ، وشمت بي عدوي، والكمدُ قاتلي .. (بحارالأنوار 43: 175/ ح15)
4- الحنين : الشديد من البكاء والشوق. والشاعر إنما أراد ذلك بقوله: يؤذيهم حنّي، على أنّ الحنّ، على وزن المنّ، لم يرد مصدرة بهذا المعنى، بل بمعنى الصدّ والصرف. تقول: حنَّ عنّي شرَّه حنّا: أي صرفه. ولكن قد يجوز تصحيح ذلك من باب أنّه أراد: «تؤذيهم حنّتي» على أنّها مصدر هيئة، ثمّ حذف التاء للضرورة، وهو كثيرٌ في الشعر. ولو قال : «نَوحي»، لأصابَ. لم تبرح الزهراء عليها السلام عن البكاء والشكوئ مما نالها من مصيبة فقد أبيها المصطفى صلی الله عليه و اله و سلم، ومن الظلم والإيذاء والعدوان، فتأذى شيوخ المدينة لذلك، فسألوا أمير المؤمنين عليه السلام أن يخيّرها في بكائها بين الليل والنهار. ( مناقب آل أبي طالب 87:2 ) وفي (تاريخ المدينة 2: 95) ذكر السمهودي أن الغزالي ذکر استحباب الصلاة في مسجد فاطمة عليها السلام بالبقيع، وقال غيره: إنه : المعروف به «بیت الحزن»؛ لأن فاطمة عليها السلام أقامت فيه أيام حزنها على أبيها صلی الله عليه و اله و سلم. وذكر ابنُ جُبَير في رحلته بيت الحُزن وكان عامراً في زمانه.

حَتّي بُكايَ عَلَيكَ رامُوا قَطعَهُ *** مِنِّي وهذا أَبْسَطُ الأشْياءِ

ولِبَيْتِ أحْزاني البَعِيدِ تَوَجَّهوا *** بِمَعاوِلٍ وَاسَتْهُ لِلغَبراءِ(1)

وتَعَمَّدُوا قَطْعَ الأَرَاكَةِ عَنوَةً ***ظُلْماً وَذا اَمرٌ يُثيرُ شَجائِی(2)

فَبَقيتُ لا بَيْتاً وَلا ظِلاً وَلا *** مِن طَاقةٍ عِنْدِي لِحَمْلِ رِدَائِي

فعَلَيكَ أَلْفُ تَحِيَّةٍ وتَحِيَّةٍ *** حَتّي يَحِينَ إلي الجَلِيلِ لِقائِی

ص: 56


1- واسته: ساوته. وكان الأولى أن يُعدِّيها بالباء، لكنّه ضمَّنه معنى «أنزَلَتهُ» فعدّاه باللام. قال ابن منظور: والوشي الاستواء
2- عَنوةً: قَهراً، وقسراً. وقد كانت الزهراء عليها السلام تبكي تحت أراكة كانت عند قبر النبي صلی الله عليه و اله و سلم، فلمّا قطع القومُ الأراكةَ بني أمير المؤمنين عليه السلام لها بيتاً تأوي إليه للنياحة يُدعى بيت الأحزان. انظر النصّ والاجتهاد: 302.

(11) خامسة الكساء

(بحر الوافر)

السيّد محمد صالح البحراني(1)

ص: 57


1- هو السيّد محمد صالح ابن السيّد عدنان ابن السيّد علوي ابن السيّد عليّ ابن السيد عبدالجبّار القادونيّ الموسوي البحرانيّ، يتصل نسبه بالإمام موسی بن جعفر علیه السلام . وُلد المترجَم في بلاد القديم من قرى البحرين سنة (1338 ه)، وأخذ دراسته الابتدائية في البحرين، ثم اتصل بالشيخ محمد على المدني الذي كان وصئ أبيه، فدرس عنده القواعد العربية. وفي عام (1309 ه) بعثته حكومة البحرين ليكمل دراسته الدينية في مدينة (لكنهو) بالهند، ومدينة لكنهو کانت مركزا للعلم والعلماء في فترة من الفترات، وكان يقطن فيها علماء كبار أمثال السيد میر حامد حسین الهندي صاحب كتاب ( عبقات الأنوار)، ولا تزال مكتبته الكبيرة هناك زاخرة بالمخطوطات النادرة، مضافة إلى مكتبات أخرى ومساجد و مدارس علمية مثل مدرسة الواعظين. تتلمذ المترجم عند العالم الجليل السيد علي تقي اللكهنوي، وقد درس هناك الفقه والمنطق والأصول والكلام وتعلم اللغة الهندية والإنجليزية. وبعد أن تمرس في الثقافة الدينية عاد إلى البحرين وهو متعطش إلى المزيد من العلم، فالتحق بالعالم الجليل الشيخ عبدالحسين الحلي - وهو إذ ذاك قاضي القضاة في البحرين - وتخرج على يده في علم الأصول. ولا أتم دراسته الدينية من نواحيها الشاملة على يد علماء عصره في الهند والبحرين رغب في أن يسلك مسلك الخطابة المنبرية ليكون من خطباء المنبر الحسيني، مديرا للمجالس والمنابر التي هي ما لا يحصى عددا في البحرين، فابتدأ بها سنة (1393 ه) حتى أصبح من خطباء البحرين المرموقين، وهو يمتاز بقوة الحافظة وحسن التعبير وفصاحة اللفظ وجمال الصوت، : وهو يجمع بين القديم والحديث. أما أدبه وشعره، فهو يجيد الشعر والنظم بقسميه الدارج والفصيح، ففي الدارج له دیوانه مصاريع العبرة في مجلدين، وفي الفصيح دیوانه (عرائس الجنان) في خمسة أجزاء. وشعره ذو طابع دينيَّ وعقيديّ . كما له عدة مؤلفات طَبَع بعضها، والبعض في طريقها إلى الطبع، منها: 1- مراجع بني الإسلام في تاريخ النبي والبيت الحرام. 2- مصابيح الإفهام عن الحج والبيت الحرام. 3- معارج الإنابة - في أعمال المدينة وأعمال مكة. 4 - فجائع الإسلام في واقعة الطف . 5 - مختارات الخطيب من الرثاء والنسيب. 6. مذكرات الخطيب. 7 - مطالع الأنوار. 8- مراقي الوصول لمعالي الرسول. 9- فرائد المرجان في خصائص شهر رمضان. 10 ۔ عقود الجمان في وقائع شهر رمضان. 11 - حصائل الفكر في أحوال الإمام المنتظر عليه السلام. 12 - معالم اليقين في مناقب أمير المؤمنين علیه السلام . 13 - مواقع الحيرة في مصارع الغيرة. 14 - رياض الإمامة. 15 - ديوان عرائس الجنان . 16 - ديوان مصاريع العبرة. وما يزال متواصلا في عطائه.

لأهْلِ الأرضِ فاقَتْ والسّماءِ ***فَخُصَّت بِاسمِ سيّدَةِ النّساءِ(1)

وَأَيدي النُسّكِ ثَوْبَ تُقّی كَسَتْها *** فَعادَتْ وَهْيَ خامِسَةس الكِساءِ(2)

لَها الخَلَاقُ يُثنِی كُلَّ حينٍ *** فَما بِثَناكَ تَصنَعُ أو ثَناِئي؟!(3)

بِِخِدمَتِها المَلائِكُ قَد تباهَتْ *** فَخِدماتُ الوَرَی تِلوُ الهَباءِ(4)

ص: 58


1- قيل: يا رسول الله ، أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقال صلی الله عليه و اله و سلم : ذاك لمريم بنت عمران، فأما ابنتي فاطمهُ فهي سيّدةُ نساء العالمين، من الأولين والآخرين، وإنها لَتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف مَلَك من الملائكة المقربين، وينادونها بما نادت به الملائكه مريم فيقولون: يا فاطمة، إن الله اصطفاك وطَهَّرک واصطفال على نساء العالمين. (أمالي الصدوق: 575/ ح 18 - المجلس 73)
2- النُسك: العبادة والطاعة، وكلّ ما يُتقَرَّب به إلى الله تعالی.
3- أثنى عليه : مَدَحَهُ . واللام في «لها» بمعنی «علی». أي : يثني الخلاق عليها .
4- تِلوُ الهباء: أي بَعدُ الهباء وأقلُ من الهباء. والهباء: الغُبار، أو دقيق التراب المنشور على وجه الأرض .

وَمَنْ في الذكر مدحها اسْتَقَلتْ ***فَخَيِر المح فيها كالهَبَاء(1)

لها لَم تُدْرِكِ القرباءُ معنی *** فانی علمُهُ للأقصِياء(2)

فَسَلْ سَلمان عَنها كَمْ رأی مِنْ *** مَناقِبَ لَهيَ آيُ الأنبياءِ(3)

وَعَنها أُمَّ أيمَنَ سَلْ فَكَمْ قَد *** رَأَتْ مِن آيةٍ وهُدی سَناءِ(4)

فَمِن مَهدِ يُهَرُّ بِغَيرِ كَفَّ*** وَكَفَّ مُدَّ عَنها بالدُّعاءِ(5)

وَكَفِّ تَطحَنُ البُرَّ اقتِداءُ *** بِمَنْ هِيَ خَيرُ أَهْلِ الاقتِداءِ (6)

ص: 59


1- استقلت: قامت وثبتت. وفي هذا البيت من عيوب القافية ما يُسمى بالإيطاء، وهو تكرار الكلمة في القافية بنفس المعنى.
2- قُرباءُ : جمع قريب. وأقصياء: جمع قصي، وهو البعيد.
3- يراجع مثلاً: كتاب الاحتجاج للطبرسي 1: 222، وتجد إشارة إلى ذلك في تاريخ اليعقوبي 2: 129، وفي تفسير العياشي 2: 67/ ح 76. حيث لَمَا خرجت خلف أميرالمؤمنين عليه السلا لَمَا أخذوه من الدار ملبّبا وأرادوا قتله، آخِذة بيد الحسن والحسين تريد قبرَ النبي صلی الله عليه و اله و سلم ، قال الإمام علي عليه السلام لسلمان: أدرك ابنةَ محمد؛ فإنّي أرى جنبتي المدينة تُكفَئَان.
4- تجد بعض ذلك في (سفينة البحار 4: 887 - تحت لفظة (يمن)، وفي كتاب ( مائة أوائل من النساء) لسليمان سليم عبد التواب بترجمة بركة بنت ثعلبة ص 169، وفي کتاب وفاة الصدّيقة الزهراء عليها السلام علي للسيّد المقرّم.
5- قالت أمُ أيمن في حديث لها: ورأيت الرحى تدور وتطحن البُرَّ وهي تدور من غير يد تديرها، والمهدُ إلى جانبها والحسين عليه السلام نائم فيه والمهد يهتز ولم أرَ مَن يهُزُّهُ، ورأيت كفّاً تُسبِّحُ الله قريباً من كفّ فاطمة الزهراء عليه السلام . (انظر مدينة المعاجز : 47/ ح 1076).
6- عن سلمان الفارسيّ رضوان الله عليه : كانت فاطمة عليها السلام جالسه قدامها رحّي تطحن بها الشعير... إلى أن قال : فقال علي علیه السلام: دخلتُ على فاطمة وهي مستلقية لقفاها والحسين نائم على صدرها، وقدامها رحّی تدور من غير يد. فتبسُم رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم وقال : يا عليّ، أما علمتَ أنّ لله ملائكة سيّارةُ في الأرض يخدمون محمداً وآلَ محمّد إلى أن تقوم الساعة . ( الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 2: 530 - 531/ ح 5.

وَسَل آيّ الكتابِ فَكَمْ وَفَتْهَا *** بِما هِيَ تَسْتَحِقُّ مِنَ الوَفاءِ (1)

وَهَل خُصَّتْ بِشُكْرِ السَّعْيِ الّا *** صِيامَ ثَلاثِهِ رُفِقَت بِمَاءٍ(2)

وَهَل في هَلْ أَتَي الْجَبّارُ أُثْنَي *** لِغَيْرِ مَنِ احْتَوَوا جُمَلَ الثَّناءِ (3)

وهَل عَرَفْت لِهذا اَلْفَضْلِ شَأْناً *** جُفاهٌ جاهَرُوهُمْ بِالْعِداءِ؟

لَقَدْ أَدَّوا لِأَحْمَدَ مَا افْتَضاهُمْ *** عَلَي اجرِ الرّسالَهِ مِنْ جَزاءِ(4)

فَنَادِي لاَ أُرِيدُ عَلَيْهِ أَجْراً *** سِوَي خَيْرٍ مَوَدَّهُ اَقْرِبائي(5)

بِاَن لم يَتْرُكوا لِذَويه حَقّاً ***فَما اِعْتَصَبُوهُ حَسواً فِي ارْتِغاءِ(6)

ص: 60


1- من ذلك : آية التطهير، وآية المباهلة، وآية المودة... وغيرها من الآيات النازلة في حقّها عليها السلام.
2- نُصبت «صيام» على نزع الخافض ، أي : إلا لصيام ثلاثة.
3- إشارة إلى نزول سورة هل أتي في علي وفاطمة وابنيهما، حيث مرض الحسنان، فنذر كل واحد منهم أن يصوم شكرا لله إن عُوفيا، فعوفيا، فصاموا ثلاثة أيام، فجاء في اليوم الأول عند الإفطار مسکین ، وفي اليوم الثاني يتيم، وفي اليوم الثالث أسير، فكانوا يؤثرونهم بالطعام، فنزلت سورة الدهر وفيها قوله تعالى : (وُيطونَ الطَّعامَ عَلى حُبَّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً . انظر (الكشّاف 4: 970) وغيره من التفاسير.
4- البيت مخرَّج مخرج التَّهکُّم.
5- كتب المحبُ الطبريّ في (ذخائر العقبى لذوي القربى ص 20): روي أنه صلی الله عليه و اله و سلم قال : إنّ الله جَعَلَ أجري عليكمُ المودة في أهل بيتي ، وإني سائلكم غداً عنهم. وفي تفسير قوله تعالى : وقل لا أسألكُمُ عليه أجراً إلّا المودةَ في القربي (سورة الشورى : 23) أنّه لما نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وأبناهما . ويراجع: الصواعق المحرقة لابن حجر ص 102 ، أسد الغابة لابن الأثير :: 397، تفسير الطبريّ 25: 16-17 ... و غيرها.
6- أخذه من قول الزهراء علیها السلام في خطبتها «تُسرُّنَ حسواً في ارتغاء»، ولذلك نصب «حسوأ» على الحكاية. وهو مَثَلُ من أمثال العرب يُضرب لمن يُظهِرُ أمرا ويريد غيرهُ. والحَسؤُ: الشرب شيئاً فشيئاً. والارتغاءُ: شربُ الرَّغوة وهي زبد اللبن.

فَمَن مِن بَعدِهِ بالحُکم اوصَی *** لَهُ و اقامَهُ عَلَمَ الوَلاءِ؟

نَفَوهُ عَنْ وِلايتِهِ وسامُو *** هُ أن يَرْضَی بِحُكمِ الاعتِداءِ

وَبَضعَتُهُ الّتي ما زالَ يُوصِي *** بِها بِالحِفظِ مِن دُونِ رِياءِ

سَقَوها مِن كُؤوسِ الظُّلمِ ما لا *** يَقومُ بِحَمْلِهِ أعلَی حِراءِ(1)

فَحَتَّی إرثَها مُنِعَتْ عِناداً *** وَمِنْ نَدبٍ عليهِ ومِنْ بُكاءِ(2)

وكانَت لافتِجاعٍ فيهِ ثَکلی *** فَعزَّوها بهِ خَيْرَ العَزاءِ(3)

أحاطوا بَيتَها جَزلاً وهَمُّوا *** بِنارِ الجَزل حَرقاً لِلفِناءِ(4)

وَلَمّا أَن أَتَتْ لِلبابِ فَتحاً *** لِتُبصِرَ ما يُريدُ أُولُو الشَّقاءِ

اذا هُم يَهجُمُونَ بغَيْرِ إذنٍ *** عَلَيْها وَهْيَ حَسرَی عَنْ رِداء(5)

فَرامَتْ عَنْهُمْ بِالبابِ سَتراً *** فَنالُوها بِهِ شَرَّ البَلاءِ

بِضَغطٍ نالَ مِنهُ الصَّدرُ رَضّاً *** واُسقِطَ حَملُها خَلْفَ البِناءِ(6)

ص: 61


1- جراء، بالكسر والمد: جبل بمكّة معروف، يذكر ويؤنَث، وينصرف ويمتنع.
2- اجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام يطلبون منه أن يسأل فاطمة إمّا أن تبكي على أبيها ليلا أو نهارا ! فلما أخبرها عليه وعليها السلام قالت : يا أبا الحسن، ما أقلَّ مکثي بينهم، و ما أقرب مغيبي من بين أظهُرِهم !.. (بحار الأنوار 43: 177/ ح 15) .
3- هذا البيت أيضا على التهکُّم.
4- الجزل: الحطب اليابس
5- الرَّداءُ : ما يُلبس فوق الثياب کالعباءة والجُبَّة .
6- أراد بالبناء الجدارَ . قالت الزهراء عليها السلام وهي تحكي ما حلّ بها: فجمعوا الحَطَبَ الجَزل على بابنا، وأتَوا بالنّار ليحرقوه ويُحرقونا .. ( إرشاد القلوب للديلمي 2: 358) والمتحصّل من المصادر أنّ الذين هجموا على الدار هم: 1- عمر بن الخطاب العَدَوي. 2 - المُغيرة بن شعبة. 3: قنفذ بن عُمَير التميمي. 4 - سلمة بن : أسلم. 5- زيد بن أسلم. 9 - أسيد بن حُضير الأوسي. 7- خالد بن الوليد. 8- سلمة بن سلامة بن وقش. وهذا وأسيد هما من بني عبدالأشهل. 9 - ثابت بن قيس بن شمَّاس من بني الحارث بن الخزرج. 10: محمّد بن مَسلَمة وهو الذي كسر سيف الزبير في واقعة الدار. 11۔ زیاد بن لبيد الأنصاريّ، وغيرهم.

وَ جُرَّ الْمُرْتَضِي بِالْحَبْلِ صَبْراً *** فَهَوِّنْ مَا احتَسَتهُ مِنَ الْبَلاءِ

وَلَمْ تَسْطِعْ جُلُوساً دُونَ اَنْ قَدْ *** سَعَتْ فِي رَدِّهِ بَيْنَ النِّساءِ (1)

تُنَادِي اَلْقَوْمَ: خَلُّوا الْمُرْتَضِيَ اوْ *** رَفَعْتُ يَدِي عَلَيْكُمْ بِالدُّعاءِ

فَمَا عَطَفُوا لَها اِلاّ بِسَوْطٍ *** تُقْنِّعُها بِهِ اَيْدِي اَلْجَفاءِ

فَمَا و هَنُوا بِهِ حَتِّي كَسَوْهَا*** كِسا سُقَمِ تَعَاضَلَ عَنْ شِفاءِ(2)

ص: 62


1- تسطع: تَستَطع بحذف التاء الثانية لغة أو تخفيفاً .
2- تعاضل عن الشفاء: امتنع عنه ومنه، فلا شفاء له ولا دواء. ومنه المرض العُضال. و کسا» مخففة «کساء». . روى الفيض الكاشاني في علم اليقين : 686: ثم إنّ عمر مع جماعة من الطُّلقاء والمنافقين، أتی بهم إلى منزل أمير المؤمنين عليه السلام فوافوا بابه مُغلقا فصاحوا به: أخرُجُ يا علي، فإنّ خليفة رسول الله يدعوك . فلم يفتح لهم الباب ، فأتوا بحطب فوضعوه على الباب وجاؤوا بالنار ليضر موه، فصاح عمر وقال : والله لئن لم تفتحوا لنضر منه بالنار! فلما عرفت فاطمة عليها السلام أنهم يحرقون منزلها، قامت وفتحت الباب، فدفعوها القوم قبل أن تتوارى عنهم، فاختبت وراء الباب والحائط ، واجتمعوا عليه حتى أخرجوه خبا من داره، ملببا بثوبه يجرونه إلى المسجد، فحالت فاطمةُ بينهم وبين بعلها وقالت : والله لا أدعُكم تجرون ابن عمّى ظلما، ويلگم! ما أسرعَ ما تم الله ورسوله فينا أهل البيت، وقد أوصاكم رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم باتّباعنا و مودتنا والتمسّك بنا فقال ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلَّا المَودةَ في القُربی) . قال : فتركه أكثر القوم لأجلها، فأمر عمر قند بن عمير أن يضربها بسوطه، فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها، وأثر في جسمها الشريف، وكان ذلك الضرب أقوى ضرر في إسقاط جنينها . وقد كان رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم سَمّاه «حسنا» .. وجعلوا يقودون : أميرالمؤمنين عليه السلام إلى المسجد حتّى أوقفوه بين يدي أبي بكر، فلحقته فاطمة عليها السلام إلى المسجد لتخلّصه، فلم تتمكّن من ذلك...

ومِنْهُ ألْقِيَت فِي الفَرشِ يَضواً *** تُكَابِدُ كُلَّ ذِي كَمَدٍ وَداءِ(1)

يُقاسِي فَقَلَبُهَا سُمِّينِ سُمّاً *** لِفَقْدِ أَبٍ وَسُمّاً مِنْ جَفاءِ

فَعَاشَتْ وَهيَ ثَكلَي فِي اهْتِضَامٍ *** ومَاتَتْ وَهيَ حَرَّي فِي اصْطِلاءٍ (2)

قَضَتْ فِي اَلنُّسكِ طُولَ الْعُمرِ حَتِّي *** قَضَتْ بِسُجُودِهَا نَحبَ الْبَقاءِ (3)

بِنَفْسِي مَنْ بِذِكْرِ اللهِ تَقْضِي *** جَمِيعَ حَياتِها الْفَخْرَ النَّهائي(4)

ص: 63


1- النَّضو: المهزول، وشمي السهم نضوا لكثرة ما وقع عليه من البزي والنحت. والمد، على وزن قمر: الهم والحزن المكتوم، بما يصاحب ذلك من تغير اللون وذهاب صفائه. وكابد: قاسي.
2- امرأة حَرَّي : عطشي، وأصله من الحرارة الجالبة للعطش. والاصطلاء: افتعالُ من صَلي النار ومقاساة حرّها.
3- النحب: الأجل، والمدّة والوقت. قضى نحبه : مات.
4- في رواية أسماء بنت عُمَيس أنها دخلت على الصدّيقة فاطمة عليها السلام عند احتضارها فسمعتها تقول: اللهمّ إنّي أسألك بمحملي المصطفى وشوقه إليَّ، وببَعلي علىَّ المرتضى وحزنه عَلَي ، وبالحسن المجتبى وبكائه علَي، وبالحسين الشهيد وكآبته علَيّ، وببناتي الفاطميّات وتحسُّرهنَ علَىّ، أن ترحم وتغفر للعصاة من أمّة محمّد، وتُدخِلَهُمُ الجنة، إنك أكرمُ المسؤولين، وأرحمُ الراحمين. (وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام للشيخ عليّ بن الشيخ حسين البلادي البحراني 77 - 78)

(12)إيذاؤها إيذائي

(بحر الکامل)

الحاج حمد علی الحاج حسین(1)

غُصَصُ المَصائبِ أَلْهَبَت أَحْشائي *** فَاشَرْتُ نَحْوَكَ سَيِّدَ الشُّهَداءِ

إِنْ كنتَ أَنت أَبَا الرَّزايا كُلَّها *** قَتْلاً ونَهْباً ثُمَّ سَبْيَ نِساءٍ

فَالْأُمُّ في تلك الفواجِعِ فَاطِمٌ *** عانَت صُنوفَ الظُّلمِ والإيذاءِ

إنِّي جَريحُ القَلبِ تُنزِفُ مُقِلَتي *** وَأَقولُ في ذِكرَي البَتولِ رِثاني

ص: 64


1- هو الأستاذ الحاج محمد علي ابن الحاج حسين، أبو الحسن الحلاق الحري. ولد في كربلاء المقدسة سنة 1939 م. بدأ الدراسة الابتدائية في المكاتب التي كانت متعارف في ذلك الوقت، فتعلم القراءة والكتابة من المرحوم الحاج السيد مرتضى المعروف ب(آقا معلم)، ثم تعلم أبواب الحساب والرياضيات عند المرحوم الشيخ حسن في إحدى ځجرات الصحن الشريف، وقد حفظ أجزاء من القرآن الكريم على يد المرحوم الحافظ الشيخ فاضل الحلي، وتعلم كتابة الأدب والشعر من الفضلاء والشعراء، وهم: المرحوم الحاج الشيخ مرتضى الكشوان الكربلائي ، والمرحوم السيد مرتضى الوهاب، والشهيد الحاج السيد حسن الشيرازي، والمرحوم الحاج الشيخ هادي الخطيب الخفاجي الكربلائي ، والمرحوم الشيخ عبدالرضا الصافي رحمهم الله جميعاً. وله هواية شديدة في مطالعة الكتب الدينية والأدبية. كما له العديد من القصائد في مختلف المناسبات الدينية مدحا ورثاء في حق أهل البيت عليه السلام، ولا يزال مستمرا في مجال الشعر والأدب .

أَوْلَمَ تكنْ بِنْتُ النبِيِّ الْمُصْطَفِي *** اُمَّا لَهُ في اصْدَقِ الانْبَاءِ (1)

وحَليلةَ الضِّرْغامِ حَيْدَرَةُ الذي *** أُفْني جُموعَ عساكرِ الأَعْدَاءِ

زهراءُ سَيِّدهٌ النساء رضيّةٌ *** حَوْراءُ طاهرةً مِن الأََرْداءِ(2)

وَهِيَ التَّقِيَّةِ وَ البتولُ زكِيَّةٌ *** صِدّيقةٌ مرضيّةُ الاراءِ

هِيَ نورُ مِشكاةِ الهُدي وسِراجُها *** هِيَ مَركزُ الاِشعاعِ اَلْأَضواءِ

مِن نورِها تَبدُو البدورُ مُنيرةً *** منها الشُّمُوسُ تَشِعُّ فِي الْأَرجاءِ

فجلالُهَا وبهاؤُهَا وَكمالُها *** عكَستْ جلالَ اللَّهِ ذي الالاء

إِنّ السخاوةَ قد غَدْت بمَذلَّةٍ *** تَحنُو أَمامَ نوالِها المِعطاءِ

***

في الذِّكْرِ آياتٌ تَنصُّ بشأنِها*** وبفضلِها بالمدحِ والاطْراءِ

عُنيت بآيةِ قلْ تَعالَوا نَبتهِلْ*** بنسائِنا وبِخِيرةِ الأبناءِ(3)

ص: 65


1- قال ابن شهر آشوب : وگناها: أُم الحسن وأم الحسين وأم المحسن، وأم الأئمّة، وأم أبيها (مناقب آل أبي طالب 3: 357) وقال الإربلّي : كان النبي صلی الله عليه و اله و سلم يُعظم شأنها ويرفع مكانها، وكان يُكنّيها با«أمّ أبيها». (کشف الغمة 1: 462).
2- الأرداء : الأفعال الشائنة، جَمَعَةُ على توهُّم أن المفرد «رَدءٌ»..
3- هي آية المباهلة قوله تعالى: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» (سورة آل عمران: 61) في (صحيح الترمذي 2: 166) عن سعد بن أبي وقاص: لما أنزل الله هذه الآية دعا رسول الله صلی الله عليه و اله وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهمّ هؤلاء أهلي . (رواه الحاكم في مستدرك الصحیحین 3: 150 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، والبيهقيّ في السنن الكبرى 7: 63).

وبآيةِ التَّطهيرِ بانَ كمالُها *** طَهُرتْ مِن الأَرجاسِ و الأَقذاءِ (1)

وب هل أتيَ نصٌّ جلِيٌّ واضحٌ *** حازتْ بكلِّ فضيلةٍ وثناءِ (2)

وَبآي قُلْ لا أََبتغِي لرسالتي *** شَيْئاً مِن الصَّفراءِ والبيضاءِ

إِلَّا المودّةَ في ذوي القُربي وهُم*** نَسلُ الوصيِّ وعِترةُ الزَّهراءِ (3)

هيَ أَصلُ أَغصانٍ تُضِيء فرُوعُها *** انوارَ اَعلامِ التُّقَي النُّجَباءِ

***

وصريحُ أَقوال الرّسولِ تَواترتْ *** هي بَضعتي إيذاؤُها إيذائي(4)

قُمْ مِن ضريحِكَ يا أبي وانظرْ إلَي الس *** سِبطَينِ قَدْ لاذا مِن الغَوغاءِ (5)

وكأَنّنا أُسَراءُ ديلَمَ بَينَهُم *** أَبتاهْ فانظُرْ ما جَنَوهُ ازائي(6)

ص: 66


1- الأقذاء : جمع قذي؛ وهو ما يسقط في العين والشراب. وأراد طهرها من كلّ رجس وشائبة وعيب.
2- ذلك قوله عزّ من قائل : ( ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً (سورة الإنسان: 8)، و قد روى قصة الإطعام وسببَ نزول هذه الآية في : أميرالمؤمنين والزهراء والحسنين صلوات الله عليهم: ابن الأثير في أسد الغابة 5: 530، والواحديّ في أسباب النزول 331، والسيوطيّ في الدرّ المنثور في ذيل الآية، والشبلنجيّ في نور الأبصار 102..) وغيرهم.
3- إشارة إلى أنها عليها السلام ممن نزلت فيهم آية (قل لا أسألكم عليه أجراً إلَّا المودَةَ في القُربي (سورة الشوری: 23).
4- في (المستدرك على الصحيحين 3: 159) كتب الحاكم النيسابوري : عنه ؟ : إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . وروی بمعناه: مسلم في صحيحه 7: 141- باب الفضائل، والبخاري في صحيحه 4: 210.
5- الغَوغاء: السفلة من الناس والمتسرّعين إلى الشَّرَّ. وقد تقدّم ذكر أسماء الذين هجموا على الدار وأنّهم من السفلة.
6- إزائي : أمامي و مقابلي . والظاهر أنّه يقصد ما جنوه في حقَّي ومقابل کرامتي .

عَمَدُوا لِكسرِ الضِّلْعِ بينَ جِدَارها (1)*** والبابِ حتّي رُضِّضَتْ أَعضائِي

أَبتاهُ قَدْ سقَطَ الجنينُ ولم أَجِد *** من يستجيبُ لنخوتي ورجائِي (2)

أبَتاهُ أَدرِكْني بمِقْتَلِ مُحْسِنٍ *** يَا وَبَلَهُمْ قد قَطَعُوا أحْشائي (3)

هذا ابنُ عمِّكَ كالأَسيرِ موثَّقاً *** والوغدُ يَدفعه بِلَا استحياءٍ (4)

أَبَتاهُ إنّي قد سئِمْتُ مَعِيشةً *** بالذُّلِّ بينَ معاشرِ الخُبَثاء

أَبَتاهُ فاجْلبني لِجَنبِكَ مُسْرِعاً*** إِذْ لا أُطِيقُ شَماتَةَ الأَعْداءِ

وَإِلَيْكَ رئِيَ قد شكوتُ ظُلامَتي *** عجِّلْ وفاتِي يا مُجِيبَ دُعائِي(5)

حتِّي استجابَ سَميعُها فَاستُشهِدَت*** مرضوضةَ الْجَنباتِ لِلعَلْياءِ

رَحَلَتْ وَفيها لوعةٌ مكنونةٌ *** لَتَذُوبُ من آهاتِها الصّمّاءِ(6)

فِي بيتِها هَبَطَ الأَمينُ لِينضَوي *** تحتَ َالكساءِ بمَجْمعِ العُظَماءِ(7)

ص: 67


1- الضمير يعود للدار وإن لم يجر لها ذكر، وذلك كقوله تعالى (حى تَواتَرت بالحجاب)، أي توارت الشمس بالحجاب.
2- في (الهداية الكبرى 407) قول الزهراء عليها السلام: يا أبتاه ، یا رسول الله! ابتك فاطمة تُضرَب ويُقتل جنينَّ في بطنها، وتُصفَق!.
3- وقالت: وا أبتاه ، وا رسول الله! ابنتُك فاطمهُ تُكذَّب، وتُضرَب، ويُقتَل جنينٌ في بطنها ! ( الهداية الكبرى للخصيبي 408)
4- روی ابن أبي الحديد أنّ عليّاً عليه السلام امتنع من البيعة حتّى أُخرج کُرهاً ! (شرح نهج البلاغة 2: 21)
5- وكان ممّا ذکر من أشعارها: يا إلهي عَجل وفاتي سريعاً*** قد نغصتُ الحياةَ يا مولائي بحار الأنوار 23: 177/ ح 15)
6- صح وصفه الآهات بالصماء لأنه قال إنها مكنونة، فهي آهات كامنة.
7- في حديث الكساء المروي عن جابر بن عبدالله الأنصاريّ رضوان الله عليه عن فاطمة الزهراء عليها السلام : . فقال جَبرائيلُ : يا ربّ ، أتأذن لي أن أهبط إلى الأرض لأكون معهم سادسا ؟ (المنتخب للطريحي : 253) وفي تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 458 وكان جبرئيل معهم فقال : يا رسول الله وأنا سادسكم؟ فقال رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم : نعم أنت سادسنا .

هيَ كوثرٌ تَهَبُ الحياهَ ليرتوي *** مِنها الوُجودُ بسَلسبيلِ الْمَاءِ (1)

ان الحياهَ رهينهٌ بوجُودِها *** اُمّ الاَئِمّه وهيَ خيرُ نساءٍ

***

ما بالُ بنتِ المُصطفي تَبكي اذاً *** في كُلِّ اُضْحيةٍ وَ كلّ عِشاءِ؟ (2)

جائتْ الي قبرِ الحبيب لتشتكِي *** ظُلْمَ الطُّغاهِ وَ قَسوهَ الخُلَفاءِ !

اَبْتاهُ من لِي بعدَ شخصِكَ مَلْجاً *** اشكُو اليه مظالِمَ الاعداءِ ؟!

ما ان تقمَّصَک المَنُونُ فانّهم *** قد اظهروا احاقدَهُم بِجَفائِی

خانُوا الامانه والعُهودَ لِيمنعوا *** ارثي وكانَ سُرُورُهُمْ ايذائي

ابتاه قد شَنُّوا عَلَيّ هجومَهُم *** وبفعلِهِم قد ارْعَبُوا ابنَائِي

وبنارِ حقدِهُمُ الدَّفينِ تعمّدوا *** في حرقِ داري واُسْتُبيحَ خِبائِي

ابتاهُ هذي زينبٌ مرعوبهٌ *** ذُهِلتْ لِتِلْكَ الهجمهِ النَّكرَاءِ

تشکو الي الباري مظالمَ حَبْتَرٍ *** وخليلِهِ(3) والطُّغمهِ اللُّوَماءِ

وَ الصّبرُ اظهرَ عَجْزَهُ عن صبرِها *** صَبَرَتْ علي البَاساءِ وَ الضَّرّاء

***

يَا عينُ ذُوبي وانثُري لمُصِيبهِ الز *** زَهراءِ فَهيَ رَزِيّتي ورِثائی

ص: 68


1- الكور: على وزن فَوعَل، هو الشيء الذي من شأنه الكثرة، والكوثر الخير الكثير . وقيل : نهر في الجنة ، وقيل : حوض النبي صلی الله عليه و اله و سلم، وقيل : أولاده ..
2- الأُضحيَّة: ارتفاع النهار. وتخفيف التشديد للضرورة الشعريّة .
3- یا حبّذا لو كان قال : «وعَتيقه»..

يا لَلهوانِ علی الزَّمانِ لِعُصبةٍ *** غدَرَتْ بِاّلِ محمّدِ الأُمَناءِ

ما ذنبُ أهلِ البيتِ عِترةِ أَحمدٍ *** سُحْقاً لِمَنْ قَذْ مَسَّهُمْ بِعَداءٍ

يَا ربُّ فالعَنْ غاصبِيهم حقَّهُم*** لَعْناً بِكُلِّ صَبيحهِ و مَساءٍ (1)

وابعَت الی رُوحِ النّبيِّ وآلهِ *** عنِّي السَّلامَ فَإنَّهم شُفعائِي

ص: 69


1- كان من دعاء رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم بعد ذكره ما سيجي على بضعته المباركة فاطمة عليها السلام : اللهمّ العنَّ مَن ظَلَمها، وعاقب من غَصَبَها، وأذلَّ من أذلّها، وخَلد في نارك من ضربَ جنبها حتّى ألقَت وَلَدَها . فتقول الملائكة عند ذلك آمين . ( الجويني في فرائد السمطين 2: 36، والصدوق في أماليه 100/ ح2 - المجلس 24، والديلميّ في إرشاد القلوب 295، والحلي في المحتضر 109).

(13) یا مولاتي يا فاطمة أغيثيني

(بحر الخفيف)

السيد مرتضى القزويني (1)

ص: 70


1- هو السيد مرتضى ابن السيّد محمّد صادق ابن السيد محمد رضا ابن السيد هاشم الموسوي القزويني، ينتهي نسبه إلى الإمام موسى الكاظم عليه السلام. ولد في كربلاء المقدسة في ربيع الأوّل سنة (1349 ه) / الموافق ( 1930 م). نشأ المترجَم نشأةُ دينية في ظلّ والده السيّد محمد صادق القَزويني ، ومنذ نعومة أظفاره عشق العلم والكمال، ودرس على أساتذة عصره في الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة، ثم حضر بحوث الخارج عند كل من : الفقيه الشيخ يوسف الخراساني، والمرجع السيد الميرزا مهدي الشيرازي، والمرجع الفقيه السيد محمد هادي الميلاني. وللمترجَم إجازات من عدد من كبار العلماء الأفاضل، منهم: العالم المجاهد السيد عبدالحسین شرف الدين، والمرجع الكبير السيد محمد هادي الميلاني ، والعالم الجليل الشيخ آقا بزرك الطهراني صاحب ( الذريعة) وإلى جانب دراسته العالية مارس الخطابة وارتقى المنبر في أوائل العقد الثاني من عمره، وتتلمذ على يد خاله الخطيب السيد محمد صالح القزويني، حتى برع و تخصص بفن الخطابة، وهو اليوم من خطباء المنبر الحسيني الذين يشار إليهم من قريب ومن بعيد. وهو أحد الأساتذة الذين تخرج على يده عدد كبير من العلماء والخطباء والأدباء، وتشهد الحوزات العلمية ببراعته في التدريس في الفقه والأصول والمعاني والبيان وعلم النحو والصرف، وغير ذلك. وأستاذنا المترجم برع في نظم الشعر في صباه وتطرق إلى فنونه وأغراضه، فنظم الشعر في مقتبل عمره، ومن أوائل نظمه قصيدته في رثاء المرجع الكبير السيد آقا حسين القمي سنة (1947 م)، وأكثر نظمه في أهل البيت عليهم السلام. : آثاره العلمية ومؤلفاته: 1 - إلى الشباب. 2 - الزواج والأُسرة. 3- خالد بن الوليد في الميزان . 4 - السير إلى الله. 5 - صفحات في تاريخ الحركة الإسلامية في العراق. 6 - ديوان شعره.

سَاورتنِي اَلْهُمُومُ وَ اللَّادواءُ *** وَ غَزَتْنِي الأَسقامُ والاَدواءُ (1)

فَلِمَن أَشتَكِي هُمومِي ومِمَّن *** أَطْلُبُ الْعَوْنَ حَيتُ ضاقَ الفَضاءُ؟

بِتُّ ليلي لاَ تَأْلَفُ النَّومَ عَيني *** فَلَيالي كُلُّها سَوداءُ

ضاقَ صَدري من قَسْوَةِ الهمّ حتّي *** كادَ يخبُو مِنَ الشِّفاءِ الرَّجاءُ (2)

لَمْ أَجِدْ بَلْسماً يُخفّفُ عنّي *** لَوعَتي أَو يكونُ فيهِ الدّواءُ (3)

غَيرَ قُطبِ الوجودِ زِينةِ عَرشِ ال ***لهِ والْمُنتهي إليها الثَّناءُ

هِيَ سِرٌّ تَحارُ فيها البرايَا*** هِيَ ضَوءٌ لاذتْ بهِ الأَضواءُ(4)

هِيَ فخرٌ لِلكائناتِ جَمِيعاً *** هِيَ يَا صَاحِ فاطمُ الزهراءُ

***

فابوها سَمَتْ بِهِ الأنبياءُ *** وبَنُوها الأَئمّةُ الأصفياءُ

بعلُها فاخَرتْ به الأَوصياءُ *** فَضلُها طأطأَتْ لهُ العُظَمَاءُ

هِيَ بدُرالدُّجي وَنَفْحةُ قُدسٍ *** قَد تجلّي في كُنهِها الكِبرياءُ(5)

ص: 71


1- اللَّأّواء: الشدّة . والأدواء : جمع الداء، وهو المرض.
2- يخبو: يخمد ويسكن ويُطفأ.
3- البَلسَمُ: مادة صمغية تُضمَّدُ بها الجراح.
4- عن عائشة: كنا خيط ونغزل وننظم الإبرة بالليل في ضوء وجه فاطمة ! (إحقاق الحق للشهيد نور الله التستري 16:19 ) وعن الإمام الرضا عليه السلام في حديث طويل قال : كانت فاطمة عليها السلام إذا طلع هلالُ شهر رمضان يغلبُ نورُها الهلالَ ويخفي ، فإذا غابت عنه ظهر! (بحار الأنوار 56:43 / ح 49 - عن فضائل شهر رمضان للشيخ الصدوق)
5- كنه الشيء: جوهره وحقيقته وأصله. وألف لام الكبرياء للعهد، أي كبرياء الله عزّ وجلَ .

هِيَ شمسُ الضُّحي ولَمحَهُ قَبسٍ *** قد تَجلّي بصَدْرِها اللَّالاءُ (1)

خَصَّها اللهُ ربُّنا بِمزايا *** لم يَنَلها الأَبرارُ والأَولياءُ

وَحَباها بِالمُجتبي وحُسَينٍ *** حيثُ لَم يُحبَ مِثلَها الأَنبياءُ

أَذهبَ اللهُ ربُّنا الرِّجْسَ عنهم *** أَهْلُ بيتٍ قَدِ احتواها الكساءُ

***

حَرَّ قلبی لها لِما قَد أَضاعَ ال *** قَومُ من حقِّها وما قد أَساؤوا

ليتَ شِعري نَسُوا وَصايا أَبِيها *** فَعصَوا أَمرَهُ وَ قَلّ الوفاءُ

مَنَعوا إرثَها الذی كانَ مِنْ رَبٍ ***بِهَا عطاءٌ فكانَ مِنْهُمْ جَفاءُ

أَغْضَبُوها وأَغصَبُوا اللَّهَ فيها *** نَقَضُوا عهدَهُم وبِالظُّلم باؤوا

غَصَبوا نِحْلةٌ حَباها أَبوها *** كذّبوا قولها و بالكِذبِ جاؤوا (2)

ظلمُوا بَعلَها الوصيَّ وَقادُو *** هُ بِتَلبيبِهِ وَحُمَّ البَلاءُ (3)

احرقوا بابَها المعظَّمَ شأْناً *** بكَتِ الأَرضُ عِندها والسَّماءُ

أحرقوهُ وَخَلفَهُ بِنتُ طَه *** وَهيَ حَسْرَي وقد عَلاها اللبُكاءُ

كَسَرُوا ضِلْعها بِعَصرِهِم البا***بَ فنادَت وَلا يُجابُ النِّداءُ (4)

أَسقطوا مُحسِناً فطاحَت وَصاحَتْ *** وعليها مِن ذي الجَلالِ بَهاءُ

ص: 72


1- القَبَسُ : شعلة النار تؤخذ وتقتبس من معظم النار. وإسكان الباء ضرورة. أو هو مصدرٌ من قولهم: قب النار، أو قدها، أي لمحة وقد
2- المتعلق محذوف، أي : حباها أبوها بها. ومقابلهُ تكذيبهم للزهراء بكذبهم في قولهم «نحن معاشر الأنبياء لا نورِث»، في غاية الجمال .
3- أخذه بتلبيبه: أخذه بطوقه . واللَّيب : ما في موضع اللبيب - وهو المنحر - من الثياب، ويعرف بالطَّوق.
4- أراد بعصرهم الباب، دفعهم الباب.

وإذا حَيدَرٌ يُلَبّي نِداها *** فأحاطوا به وَهُم دُخَلاءُ

عَجَباً للذّئابِ تَفتادُ لَيثاً *** أفلَيتٌ يقتادُهُ الجبناءُ؟!

فَدَعَتهم: خَلُّوا ابنَ عمي وإلّا *** نالكُم مِن عذابِ رَبّي بَلاءُ(1)

هُم يَدُعُّونَهُ بِعُنفٍ وَتَحمِی*** هِ بِعطفٍ واللهُ مِنهُم بَراءُ (2)

لَوّعوها بالسَّوطِ ضَرباً فَمَاتَت *** وعلى المَتنِ بُقعةٌ زَرقَاءُ (3)

أبِهذا أوصى أبوها وهذا ***لِلرَّسولِ الأمينِ كانَ جَزاءُ ؟!

أفَبِنتُ النّبيّ تُظلَمُ قَسراً؟! *** تِلكَ واللهِ طِخيَةٌ عَمياءُ (4)

أفبِنتُ النّبيّ تُدفَنُ سِرّاً؟! *** تِلكَ واللهِ مِحنَةٌ نَكراءُ

هِيَ أوصَت ألّا يُصلّواعليها *** لا يُشيِّع جُثمانَها الأعداءُ(5)

ص: 73


1- عن سلمان الفارسي : لمّا استُخرج أمير المؤمنين علیه السلام من منزله، خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر وقالت: وا ابن عمي فوالذي بعث محمدا بالحق، لين لم تخلوا عنه لأنشر شغري وضع قميص رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم و على رأسي ، ولأصرخ إلى الله ، فما ناقة صالح باكرمَ على الله من ولدي ! قال سلمان: فرأيت - والله - أساش حيطان المسجد تقلّعت من أسفلها، حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ، فدنوت منها وقلت: يا سيدتي ومولاتي ، إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة، فلا تكوني نقمة. فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها، فدخلت في خياشيمنا. ( مناقب آل أبي طالب 3: 118)
2- يدعونه: يدفعونه دفعاً قويّاً وعنيفاً وبجفوة. وبَراء: بريءٌ
3- في حديث الإمام الصادق عليه السلام : وضربُ عُمَر لها بالسوط على عَضُدها حتّى صار كالدُملج الأسود .. (الهداية الكبرى للخصيبي 393). فكان الأنسب أن يقول : سوداءُ.
4- الطخية بتثليث الطاء: الظُلمة الشديدة. ونظَر إلى قول أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة الشقشقية: (أو أصبر على طخية عمياء).
5- قالت سلام الله عليها لإمامها وزوجها في ساعاتها الأخيرة وهي تؤكد عليه : أوصيك أن لا يشهد أحدٌ جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقّي؛ فإنهم عدوّي وعدو رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم ولا : تترك أن يُصلَيَ َعلَیّ أحد منهم، ولا من أتباعهم، وأدفُنّي في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار .. (بحار الأنوار 43: 192/ ح 20 - عن: روضة الواعظين للفتّال النيسابوريّ)

سَل إذا زُرتَ طيبَةٌ عَن ثَراها *** أينَ قَبرُ البتولِ أينَ الثّواءُ ؟!

أينَ ضاعَت وكيفَ أوصَت بِأن لا *** يحضُرَ الظّالُمونَ والغُرَباءُ؟! (1)

هِيَ كانت غَضبي على ظالميها *** وَاستمرّت حتّى يَحينَ الجَزَاءُ(2)

وإذا زُرتَ بَيتَها فَتذكَّر: *** هَجمَهُ القومِ هَجمَةُ شَنعاءُ (3)

ذاكَ بيتٌ كانَ الرّسولُ يُوافي*** ه و وفيهِ مَودَةٌ وصَفَاءُ

ذاكَ بيتٌ لم يأتِ جبريلُ إلّا*** بانَ منهُ محبَّةٌ وَوَلاءُ

ذاكَ بَيتٌ قَد طَهَرَ الله مَن في*** هِ هُمُ الأتقياءُ والأصفِياءُ

فيه يأوي محمدٌ وعليٌّ *** وَلَداةُ وَفاطِمُ الزَّهراءُ

هَتكُوا قُدسَهُ وَقد بانَ مِنهُم *** لِذَويهِ ضَغينةٌ وَعَداءُ(4)

ص: 74


1- قال أبو بكر وعمر لأميرالمؤمنين عليه السلام : ما فعلتَ بابنة محمّد؟ أخذتَ في جهازها یا أبا الحسن ؟ قال : قد - والله - دفنتُها. قالا: فما حَمَلك على أن دفنتها ولم تُعلمنا بموتها ؟! قال عليه السلام: هي أمرتني .. ( الاختصاص للشيخ المفيد 183). وأراد بالغرباء الغرباء عن الدِّينِ .
2- حين عاد ابوبکر و عمر مولاتنا فاطمة عليها السلام في مرضها الذي استشهدت على أثره، قالت لهما: أنشدُ كما الله ، أتذكران أنّ رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم استخرجكما في جوف اللّيل لشيء كان حدث من أمر عليّ ؟ فقالا: اللهم نعم، فقالت: أنشدكما بالله ، هل سمعتما النبي صلی الله عليه و اله و سلم يقول: فاطمة بضعةٌ مني وأنا منها، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي ؟ قالا: اللهم نعم، قالت: الحمد لله ! ثم قالت : اللهم إني أشهدُك فاشهَدوا یا من حضرني أنهما قد آدياني في حياتي وعند موتي ، والله لا أكلِّمُكُما من رأسي كلمه حتى ألقى ربي فأشكو َکُما بما صنعتما بي وارتكبتُما منّي !.. (علل الشرائع 187ح 2 - الباب 149)
3- الجملةُ كلَها في محلّ نصب مفعول له «تذکَّر» .
4- ضغينة: حقد. والعَداءُ : العُدوان والظلم.: قال رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم: ألا إنّ فاطمة بابُها بابي ، وبيتها بيتي ، فمَن هتكه فقد َهَتَکَ حجابَ الله ! بعد نقله للرواية الشريفة هذه، بکی أبو الحسن الكاظم عليه السلام طويلا ثم قال : هيك والله حجابُ الله !! . قالها ثلاثاً . ( الطُّرَف للسيد ابن طاووس ص18)

بَذروا بَذرَةَ الشِّقاقِ وَسَنُّوا ***سُنّةَ الظُّلْمِ كَي يَسُودَ الشَّقاءُ

دنّسوا حُرمةَ الخِلافَةِ حَتَّى *** نالَها الأَدعِياءُ والطُّلَقاءُ (1)

سَلَبوا الحقَّ مِن أولِي الأَمرِ غَضَباً *** لِيَسُودَ الدَّهمَاءُ والغَوغَاءُ (2)

كَمْ أُثيرَتْ مِنْ أَجْلِ ذاكَ حُروبٌ *** طاحِناتٌ وكَمْ أُرِيقَتْ دِماءٌ (3)

سارَ آباؤُهُمْ علی مَنْهَجِ اَلظُّلْ***مِ وَسَارَتْ مِنْ بَعدِهَا الابناءُ (4)

بدّلوا النُّورَ بالظَّلام فسادَت *** ظُلْمَةٌ واكْفَهرَتِ الظَّلْماءُ(5)

وَفَشا في الأَنَامِ قَتْلٌ وسَلْبٌ *** واعتِقالٌ وفِتْنَةٌ واعتِداءُ

كُلُّ هاتيكَ في رِقابِ أُنَاسٍ *** أَسّسُوا ما عَلَيهِ قَامَ بِناءٌ

فَابتِداءُ الطُّغيانِ قَد كانَ مِنْهُمْ ***وإليهمْ يَعُودُ مِنهُ انتِهاءُ

ص: 75


1- الأدعياء: الذين لا يعرف لهم آباء. والطلقاء : هم الذين لم يسلموا إلا بعد فتح مكة خوفاً، وظنوا أن النبي صلی الله عليه و اله وسلم ، سينتقم منهم، لكنّه صلی الله عليه و اله وسلم قال لهم : اذهبوا فأنتم الطلقاء. والطلقاء: جمع طليق، وهو خلاف الأسير.
2- الأدَّهماء: سوادُ الناس وعامّتهم. والغوغاء: السفلة من الناس.
3- قال الإمام الباقر عليه السلام للکُمَيت بن زيد الأسديُ الشاعر . وقد سأله عن الرجلين - : والله با کميت، ما أهريق مخجمةُ من دم، ولا أُخذ مالٌ من غير حلَّه، ولا قُليب حجرٌ عن حجر، إلا ذاك في أعناقهما! (الكافي للكليني 8: 102)
4- في الزيارة الشريفة (زيارة عاشورا): ... ثم تقول مئة مرة: اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد، وآخر تابع له على ذلك .. (مصباح المتهجد للشيخ الطوسي 539)
5- اكفهرت : اشتد ظلامهاً.

(14) قُطوف طوبی

(بحر الكامل) السيد مسلم الجابري(1)

ص: 76


1- (*) هو الدكتور السيّد مسلم ابن السيد هاشم ابن السيد علي الجابريّ. وُلد في قرية تُّسمّى «الخيين» من توابع خرمشهر، وكانت ولادته في سنة ( 1364 ه / 1944 م) فنشأ وتربى في ظل أسرته، وتحت رعاية والديه العلويين الصالحين، ونال منهما التربية الصالحة. بدأ دراسته العلمية أولاً بالقرآن الكريم على يد والدته، فحفظ آيات من الذكر في سن مبكرة ، وحفظ أدعية من الصحيفة السجادية، ونصوصا من الأدب والتاريخ والشعر، وعندما انتهى من دراسة القرآن الكريم سارع والده إلى تعليمه اللغة العربية، وأصول العقيدة، والفقه، بالمستوى المناسب لسنّه. ثمّ انتقل إلى مدينة المحمرة ليأخذ دروسه العالية من الفقه والأُصول وعلوم اللّغة العربية من الأساتذة هناك، كالمجتهد الشيخ محمد طاهر الخاقاني ، والمجتهد الشيخ سلمان الخاقاني الذي كان له دور عظيم بعد والده في صقل مواهبه الأدبية، وانتقل أيضا إلى مدينة الأهواز حيث كان فيها مجموعة كبيرة من المجتهدين، وفي طليعتهم المجتهد الشيخ محمد طه الرمي الذي كان مميزا في ذوقه وإبداعه الأدبي والعلمي، وسلوكه الأخلاقي، وحضر بحث المرجع الديني الكبير السيد مير علي البهبهانيّ في الأهواز. هاجر السيّد المترجَم إلى مدينة العلم النجف الأشرف ، ودرس في كلية الفقه، وتخرج منها. وبعد تخرجه من كلّيّة الفقه غادر إلى بغداد ليكمل ثقافته الجامعية، ومنها انتقل إلى جامعات فرنسا للمزيد من الثقافة الحديثة، وسجل بحثا في جامعة السوربون) وقدم رسالة تحت عنوان مدرسة النجف الجديدة في أصول الفقه)، فمنحوه درجة شرف عليا، وبعدها عاد إلى إيران ليمارس التدريس في جامعة طهران والأهواز. وللمترجم دور في عالم الخطابة، حيث مارسها في سن مبكرة، بعد أخذ مقدماتها من والده الذي كان يتمتع بموهبة أدبية وشعرية وخطابية، واستقل في مجالسه، وهو في العشرين من د عمره، في البصرة وغيرها من المدن العراقية والإيرانية. وللمترجم مؤلفات نافعة تشمل المعالجات التاريخية والاجتماعية، منها: 1- الإمام علي : الرؤية والتجربة. 2- فعل الشعر: مقالان بدوران حول التجربة الشعرية . 3- مسرحيّة شعرية تحت عنوان : طائر النار. 4 - الإرادة والفعل ( دراسة في أُسس المجتمع الإسلاميّ). 5- ترجمة رسالة (أسرار الصلاة) للشهيد الثاني باللغة الفرنسية. وما يزال الدكتور السيد مسلم الجابري يمارس دوره الثقافي والديني في مختلف المجالات، زاد الله في توفيقه.

النُّورِ فاضَ بمكّةٍ فَأضاءَها*** فَلْتَنْسُجِ البَطْحاءُ منهُ رِداءَها

والكعبَةُ الغَرّاءُ يُغْسَلُ وَجْهُها *** بِالْعِطْرِ ما ساقَي الهَوى بَطْحاءَها (1)

قَمَرُ السماءِ أَطَلَّ مِن عَلْيائِهِ *** وَهَفا إليها لاثِماً عَليَاءَها(2)

وَتَهافَتَتْ زُهزُ النُّجُومِ بِرَمْلِها *** شَوْقٌ يُهَدهِدُ بِالْجَوى حَصْباءَ ها (3)

مَا كُوِّرَتْ إِلّا وأُوجِعَ قَلبُهُ *** فاختارَ قلبُ محمّدٍ زَهراءَها(4)

يا كَعبةَ اللَّهِ اهتِفي وتَعَطَّفي *** حتَّى يزُورَ العِطْرُ فيكِ فِناءَها (5)

وَ تَبَرَّجِي فَرَحاً بِزَهْرَةَ دَوْحَةٍ *** باهَتْ بها أرضُ الحِجازِ سَماءَها

أَقْسَمتُ لَوْ مُدَّتْ عليهِ غُضُونُهَا *** لَكَسَتْ بِوارِفِ ظِلِّها صَحراءَها (6)

وَلَسالَ وادِيها يُرَؤِّي عَذبُهُ *** دُنيا تُساقِي الظَّامِئينَ رَواءَها(7)

ص: 77


1- الأبطح: مسيلُ واسع فيه دُقاق الحصى. ومؤنث الأبطح البطحاء، وهي هنا بطحاء مكّة.
2- هفا: أسرع. لاثماً: مقبلاً. العلياء : كلّ مكان مشرف، أو السماء.
3- يهَدهِد: يحرك ، كما تُحرك الأُّمُ طفلها لينام. الجوى : الحُرقة وشدّة الوَجد. الحصباء: الحصى.
4- الزهراء: من أسماء الشمس، وقد وَرَّی بها عن فاطمة الزهراء عليها السلام .
5- الغناء : الساحة أمام الدار، أو بجانبها، الجمع أفنية.
6- الظُلُّ الوارف: الممتد الواسع .
7- الرَّواء : الماءُ الكثير المُروي .

وَاللَّيلُ هَلْ يَدري سَيَخْلَعُ لَوْنُهُ *** لِلنُّورِ لَوْ لاقَى هناكَ ذُكاءَها (1)

هَذِي الحِجارةُ فِي شوامِخِ مَكَّةَ *** خَشَعَتْ وَ شَاطَرَتِ السَّمَا نَعماءَها

وَلَو آنَها اسْطاعَتْ تَذُوبُ مَحَبَّةً *** لَسَعَتْ يُغِيِّرُ شَؤقُها أَسماءَها

نَامَتْ قُرَيْشٌ عَنْ تَمَلْمُلِ لَيلَةٍ *** نَصَبَت على الْحَرَمِ المنيعِ خِباءَها (2)

وتَغَافَلَتْ مُضَرُ عَن الأُفُقِ الذي ***غَطّى بِخُضرَةٍ موجِهِ حَمْرَاءَها (3)

لِتُزَفَّ قافِلَةً تَطامَنَ خَطؤُها *** فَسَرَت وَرْدَّدتِ الجبالُ حُدَاءَها (4)

اَلْأعْيُنُ الحَيري يُصارعُ بَأْسَها *** حُلُمٌ أَلَمٌ لِيَسْتَرِدَّ رَجاءَها

فِي وَاحَةٍ غَنَّاءَ تَمْنَحُ ظِلَّها *** لِلظَّامِئِينَ على الطّريقِ وماءَها

***

للَّه بَضْعَةَ أَحْمدٍ مِن نُورِهِ *** لَمَعَت فاهدي اُفْقُهُ لَالاءَ ها (5)

وَافَتكَ تَخْتَرِقُ القُرُونَ كَنَجْمَةٍ *** تَناي فَتُهْدِي لِلْعُيُونِ ضِياءَ ها

مَهْمَا تَرامَي اَلأُفقُ حَوْلَ وَمِيضها *** عَبَرَتهُ تَطْرُدُ بِالسَّنا ظَلْماءَ ها(6)

ص: 78


1- للنّور: أي بواسطة النور. وذُكاءُ : اسم علم للشمس.
2- تَمَلمَل : تقلّب على فراشه مرضاً أو غمّاً. خباءَ ها: خيمتها . والليلة هي ليلة الإسراء والمعراج:
3- مُضرُ الحمراء: قبيلة كبيره من قبائل العرب، منسوبة إلى مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وإنما سميت الحمراء لشدّها الرايات الحمر في الحرب.
4- تطامن : انحفض وسكن. الحُداء: سوقٌ الإبل والغناء لها.
5- اللَّالاء: ضؤءُ السِّراج.
6- وميضها: لَمَعانها. السِّنا: الضوء :في رواية ولادتها صلوات الله عليها، قال الإمام الصادق عليه السلام.... وبشّر أهل السماء بعضُهم بعضاً بولادة فاطمة عليها السلام ، وحَدَث في السماء نورٌ زاهرٌ لم تَره الملائكة قبل ذلك... (أمالي الصدوق 476/ ح 1 - الباب 87)

مَرَّتْ بِطوبي فاستَفَزَّ حَنِينَها *** ظِلُّ يُرافِقُ في النَّعيمِ بَهاءَها

وَتَوَسَّمَت في مَوكِبٍ مَرَّتْ بِهِ*** كَفّاً لِطه زُهْدَها وعَطَاءَها

بِالأَمْسِ أخلَدَ رَكبُهُ فِي ظِلِّهَا *** ومضى يَخُوضُ مِنَ الْجِنَانِ فَضَاءَها

نالَت يداهُ فأَثقَلَتهُ ثِمَارُها*** ومَشَتْ خُطاهُ فَزَيَّنَتْ خَضْراءَها (1)

و دَنتَ خديجهُ تَسْتَظِلُّ بِكَوثَرٍ ***مِن رَحمَةٍ تُزْجِي إليهِ صَفَاءَها (2)

فِي لَيلَةٍ غَرّاءَ لَوْ مَدَّتْ يدأُ *** نَحوَ اَلنُّجُومِ تَنَاوَلَتْ زَرْقاءَها (3)

يَسْرِي ابنُ عبدِاللَّهِ في مَلَكُوتِها ***فَتَرى بِمَجْرَي رُوحِهِ إِسْرَاءَها

مَا غَابَ هَمْسُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَمْعِهَا ***تُصْغِي فَيَملاُ صَؤْتُهُ إِصْغاءَها

وَالصُّبْحُ يُشْرِق في جَبِينِ مُتَوَّجٍ ***بِالنُّورِ يَنْضَحُ بِالْعَبيرِ مَسَاءَها

أَدَرّتْ خَدِيجهُ إذ تُوَدَّعُ لَيْلَه ***والوَجْدُ يَخْضِبُ بِالسِّنَا أحْناءَها (4)

أَنَّ اَلْجِنَانَ قَدِ انْحَنَيْنَ كَرامةً ***لِلسّرِّ فاستَؤدَعنَهُ أَحشاءَها

وبِأنَّ كَفَّ محمَّدٍ قَطَفْت لها ***في الخُلدِ مِن زَهَرَاتِه عَذْراءَها؟

وبِأنَّ ما ضَمَّتْ عَلَيْهِ ضُلُوعَها *** حَوراءَ غَادَرَتِ الجِنانَ وراءَها(5)

ص: 79


1- خضراءها: أرضها.
2- تُزجي: تسوق أو تدفع برفق .
3- الزَّرقاء: السماء.
4- الوجد: المحبّة والشوق. يخضب: يلوّن. بالسّنا: بالضوء. أحناءها: أضلاعها.
5- هبط جبرئیل عليه السلام يوماً فنادى : يا محمد، العلىُّ الأعلى يقرأ عليك السلام، وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحأ . فشقّ على النبي صلی الله عليه و اله و سلم ، وكان محبا لها وبها وامقاً. فأقام أربعين يوماً يصوم النهار ويقوم اللّيل ... وأمّا خديجة، فجعلت سلام الله عليها تحزن في كلّ يوم مراراً لفَقد رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم . فلمّا كان في كمال الأربعين يوماً، هبط جبرئيل علیه السلام فقال : يا محمّد، العليّ الأعلى يُقرئك السلام، وهو يأمرك أن تتأهب لتحيّته وتحفته .. ثمّ هبط ميکائيل ومعه طبق مُغطّى بمنديل سندس - أو استبرق - فوضعه بين يَدَي النبي صلی الله عليه و اله و سلم، وأقبل جبرئیل وقال : يا محمّد ، يأمرك ربُّك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام .. ثم قام صلی الله عليه و اله و سلم، بعد أن أكل من تلك المائدة السماوية ليصلي، فأقبل عليه جبرئيل يقول له: الصلاة محرّمةٌ عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها؛ فإن الله عز وجل آلى على نفسه أن يخلق من صُلبك في هذه اللّيلة ذُرّيةٌ طيّبة .. إلى أن تذكر الرواية أنّ خديجة عليها السلام قالت : فلا والذي سمك السماء، وأنبع الماء، ما تباعد عنّي النبي صلی الله علیه و اله و سلم، حتى حسستُ بثقل فاطمة في بطني . ( العُدد القوية: 45)

مَا زَاغَ طَرفُ مُحَمَّدٍ عَنْ سِدْرَةٍ *** في قابِ قَوْسَيْنِ اِسْتَشَفَّ سَناءَها (1)

سِرُّ النُّبُوِّهِ فاضَ فی أَغْصانِها *** عَبْقاً وَخالَطَ نَشْرُةُ أنْداءَها (2)

وَ تَنَزَّلَتْ لِلْأَرْضِ مِنْهُ كَتَائِبُ *** عَقَدَتْ مَلاَئِكَةُ السّماءِ لِواءَها

***

يَا سِرَّ فاطِمَ مَا مَرَرْتُ بِخاطِرٍ *** أَلاَ واهدَتْهُ السَّماءُ حَباءَها (3)

اَلْبَستَ شِيعَتَهَا رِداءَ كَرَامَةً ***وَ جَلَوْتَ سِفرَ مآثِرٍ اِبناءَها

تلكَ الَّتي أََعْطَتْ فَنَضَّرتِ اَلثَّرَى *** وَ سَمَت فجازَ سموُّها جَوزَاءَها (4)

لِلعِلمِ ما عَقَدَتْ عَليهِ ضُلوعَها *** والطُّهْرِ ما مَدَّتْ عليه كساءَها

ما موقفٌ وَقَفَتهُ بعدَ محمَّدٍ *** تُعْمِي بصائِبِ رأْيِها خُصَماءَها

إِلاَّ وكانُ الغُرُّ مِن أبنائِها *** وبَناتِها مِن بَعدِها خُلَفَاءَها

ص: 80


1- السِّدرة : سدرة المنتهى، شجرة نَبق عن يمين العرش.
2- العبق: انتشار رائحة الطيب، والعتق : المنتشر رائحة الطيب. والنشرة الريح الطيبة . والأنداء جمع الندى، وهو المطر، أو ما يسقط في الليل من غبار الماء، أو الثرى. ولكل معناه هنا.
3- حباءَها : هديتها وعطاءها بلا جزاء ولا مَنَّ.
4- نَضَّرَت الثَّرى : جعلته ناضراً مورقاً معشباً .

يَحيَا بها مَيْتُ البِلادِ فَإنْ طَغَى *** جَدْبٌ أَراقَتْ كالرَّبِيعِ دِماءَها (1)

وَهَبَتْ لأُمَّتِها قِطافَ حَيَاتِها ***وَمَضَتْ تُعانِقُ كَرْبَها وبَلاءَها

عُرْسُ الشّهادَةِ ما تَحَفَّزَ ثائِرٌ *** إِلاَّ أَعادَ عَلَيْهِ عاشُوراءَها

فَإِذا تَعَثَرَ مُؤَكِبٌ فِي زَحْفِهِ ***زَفَّتْ إِلى سُوحِ الجِهادِ فِدَاءَها

مَرَّ الخلودُ بها فَقارَبَ خَطُوَهُ ***وَمَشَى إليها يَصْطَفِي شُهَداءَها

***

يَا صَفْوَةَ اَللَّهِ التی مُدَّتْ لها*** كَفُّ الْعِنايَةِ فَاصْطَفَّتْ آباءَها

وَالرَّوْحُ فی أُفقِ السّماءِ مَنَزَّلٌ ***يَرْوِي لِبَضْعَةِ أَحْمَدٍ أَنْباءَها

تَرْضَى فَيَرْضَى اللَّهُ في مَلَكُوتِهِ ***ويَسُوءُ قَلبَ مُحَمَّدٍ ما ساءَها

وتقومُ ما قامَ النّبيُّ بِلَيْليهِ*** يُخْفِي النَّشِيجُ عَنِ الظَّلامِ نِدَاءَها (2)

تَرجُو وَوَعْدُ اللَّهِ يَمْلَأُ قَلْبَها *** ويَهُدُّ خَوْفُ وَعِيدِهِ أعْضَاءَها

مَا أَوْمَأَتْ نحوَ السّماء تَضرُّعاً*** إِلاَّ وَسابَقَ دَمْعُها إِيمَاءَها

فإِذا تَجَلَّى لِلسَّماءِ جَبِينُهَا **بَدْراً تَسَاقَطَتِ النُّجُومُ إِزَاءَها

وأَضاءَ مِحرابٌ تَكَنَّفَ دكنَهُ*** لَيلٌ أحبَّ اللَّهُ فيهِ لِقاءَها(3)

ص: 81


1- جَدب: مكان ماحل غیر خصب. يُشير الشاعر الأديب إلى تضحيات وشهادات أبناء الزهراء المعصومین صلوات الله عليهم ، كيف سقوا الحياة الإسلامية بدمائهم المقدّسة الشريفة . (يراجع: ما منّا إلّا مقتولٌ أو مسموم، جعفر البيّاتيّ)
2- كانت فاطمة عليها السلام تنهج في الصلاة من خيفة الله تعالی . (عُدّة الداعي ونجاح الساعي ص 139 - الباب الرابع . والنَّهج: تواتر النَّفس)
3- تكنَف: أحاط . والدِّكنُ : الاسوداد. شئل الإمام الصادق عليه السلام: لم سُميت الزهراء ؟ فقال : لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض . ( علل الشرائع 181/ح3 - الباب 143)

يا قصَّهٌ لِلمَجد رَدِّدَ بَعْدَها*** تاريخُ أُمَّةِ أَحمدٍ أصداءَها

خَلّدَتْ عَلَى مَرِّ العُصورِ فَمَا وهيَ ***صَرْحٌ مِنَ اَلتَّقْوَى أَطَالَ بقاءَها (1)

كَفٌّ لِأَحمَدَ شَيَّدَت أرْكانَهُ ***فَرَعَتْ لها عَيْنُ الإِلَهِ بِناءَها

وشَرِيعَةٌ لِلْحُبِّ كَوثَرُ نَبْعِها ***يَجْرِي فَيَمْنَعُ وِرْدَهُ غُرَباءَها

عَهْدٌ لِفَاطِمَ فی ضمائِرِ عُصبَةٍ ***نَسِيَتُ لهُ عِنْدَ الْوَفاءِ وَفاءَها

حَشَدَت على بابِ الْوَصِيِّ وعَبَأْت *** أَضْغانَها واسْتَنْفَرَتْ غَوْغاءَها (2)

ما كانَ أَقْساها تُرَوِّعُ بَضْعَةً ***من أحمدٍ فَرَضَ الإلهُ وَلاءَها

ولَقَدْ جَفّتْ حتّى تَلَبَّدَ أُفقُها ***بِالظُّلْمِ واشْتَكَتِ الْبَتُولُ جَفَاءَها (3)

أيكونَ حبُّ مُحمّدٍ في قَلْبِهِ ***مَنْ ماتَ حَيْراناً يُكِنُّ عَداءَها (4)

غَضِبَت وكانَ اللَّهُ شاهِدَ سِرِّهَا*** مُذْ أَعلَنَت لِلعالَمينَ عَناءَها (5)

وَدَعَت عليهِ بُعَيدَ كُلِّ فريضةٍ ***و لقد اجابَ اللهُ فيهِ دُعاءَها(6)

ص: 82


1- وهي : ضعُف. الصرح: كل بناءٍ عالٍ .
2- أضغانها: أحقادها. الغوغاء: السِّفلة من الناس والمتسرّعون إلى الشر.
3- عند الباب .. وقد هجموا عليه وأحرقوه ، وهتكوا حرمة الدار، نادت فاطمة صلوات الله عليها: يا أبي يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن قحافة ! ( الإمامة والسياسة 1: 30، تفسير العياشي 16:2 - 68).
4- العداءُ : العُدوان والظلم والجور.
5- يشير الشاعر إلى غضبها سلام الله عليها على أبي بكر وعمر ورفضها السماح لهما بمقابلتها وإرضائها، وتذكيرها لهما بعاقبة من تغضب عليه وحديث الرسول صلی الله عليه و اله و سلم في هذا المعنى.
6- في السقيفة وفدك : 104 قول الزهراء علیها السلام لأبي بكر: والله لا كلمتك أبدا... والله لأدعونَّ الله عليك. فاستجاب اللهُ دعاءها فاغتيل بالسمّ بعد مدة قليلة. ودعاؤها على الثاني بالبَقر معروف، وقد استجابه الله تعالى أيضا.

فَلَئِنْ بَكَي يوماً وَ طالَ شَقاوُهُ *** مِنْ هَجرِها فَلَقَدْ اِطالَ بُكَاءَها(1)

ص: 83


1- قالت الزهراء علیها السلام في حديث طويل مع الشيخين : اللّهمّ إني أشهدُكَ فاشهدوا يا مَن حضرني أنهما قد آدياني في حياتي وعند موتي، والله لا أكلَّمهما من رأسي كلمةُ حتّى ألقى ربّي فأشكو إليه ما صنعتما بي وارتكبتُما منّي. فدعا أبوبكر بالويل والثبور وقال : ليت أمّي لم تلدني ! فقال عمر: عَجَبا للناس كيف ولّوك أمورهم وأنت شيخ قد خَرُقت! تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها! وما لمن أغضب امرأة! و قاما وخرجا. (علل الشرائع 187/ ح 2 - الباب 149)

(15) مصائب الزهراء عليها السلام

(بحر الخفيف)

رَحَلَتْ لِلالهِ تَشْكُو أُناساً *** جَرّعُوا الطُّهرَ أَعظَمَ الأَرزاءِ(1)

اَولَمْ يَسْمَعُوا الرَّسُولَ وَكَمْ قا *** لَ بِاَنَّ الزّهراءَ خَيرُ النّساءِ؟

إنَّ مَنْ أَغضَبَ البتولَ فَقَد نا *** صَبَ رَبّ العِبادِ شَرَّ عَداءِ

كم حديثٍ له عن الطُّهرِ عَمّا *** قَد حَباها الإلهُ خَيرَ حَباءِ(2)

كم ثَناءٍ لِله فيها فما يُجِ *** دي ثَناءُ الأقلامِ والشُّعراءِ(3)

كم لها مِن مَناقبٍ قد تَسامت *** بِعُلاها علی بَني حَوّاءِ

قَد رعاها النّبيُّ يُرفِدُها عِل *** ماً وطُهراً مِن مَنْهَل الإيحاءِ

ص: 84


1- الأرزاء: المصائب.
2- الحَباء: العطاء. كتب السيوطي الشافعي في (مسند فاطمة عليها السلام ص 45، 46): عنه صلی الله عليه و اله و سلم: إن فاطمة وعلياً والحسن والحسين في حظيرة القُدس، في قُبة بيضاء سقفها عرش الرحمان . وعن النبي صلی الله عليه و اله و سلم: في الجنّة درجة تُدعى (الوسيلة)، فإذا سألتم الله فاسألوا لي الوسيلة. قالوا: يا رسول الله ، من يسكنُ معك فيها؟ قال: علي وفاطمة والحسن والحسين . ( مسند فاطمة عليها السلام للسيوطي 19).
3- الثناء: المديح وإطراء المحاسن. يجدي : ينفع . والمراد هنا أنه لا ينفع ثناء الآدميين في وصف عظيم مناقب الزهراء عليها السلام ، وقد أنزل الله تعالى فيها آیات جليلة مادحة على لسان وحيه الشريف، كان من ذلك : آية المباهة، وآية النور، وآية المودة أو القربى، وآية التطهير، وآية الإطعام، وآية الإيثار.. وغيرها.

وُلِدَتْ من سَنا السّماءِ وعاشّتْ *** بِهُداها وَ زُوّجَت فی السَّماءِ(1)

وتلاقَی النُورانِ في الخُلْدِ كي يَخ*** لُدَ نورٌ الشّريعهِ السَّمحاءِ

وتلاقَی النُورانِ في الخُلْدِ وامتَد *** دَ لِبُقيا الائمّهِ الاَمَناءِ

والنّهم غايهُ الخَليقهِ لَولا *** هُم لَدَبَّ الفناءُ فی الاشياءِ (2)

والنّبیُّ العظيمُ اَنقَذَ جِيلاً *** مِن دُجَی الجاهليَهِ الجَهلاء(3)

حَلَّقُوا بِالهدی إلی ذِرْوَةِ المج *** دِ وَ کانوا فی هُوَّهٍ عَمياهِ

هَل جَزاءُ الإحسانُ أن يمنعَوا الزَّه*** راءَ عن سَکبِ دَمعِها و البُکاءِ؟(4)

ص: 85


1- عن رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم فيما بينه لخلق الله تعالى إياه وأهل بيته صلوات الله عليه وعليهم، قال: .. ثم فتق نور ابنتی فخلق منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور ابنتي فاطمة من نور الله، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض.. (بحار الأنوار 10:15 . 11/ح11 - عن : کنز جامع الفوائد) وفي (معاني الأخبار ص 104) عن الإمام الكاظم عليه السلام أنه قال : فقال الملك : لستُ بجبرئیل، أنا محمود، بعثني الله عزّوجل أن أزوُج النور من النور، قال : مَن ممن ؟ قال : فاطمة من عليّ.
2- في الحديث النبوي الشريف: التفت آدمُ يمنةَ العرش، فإذا في النور خمسة أشباح سُجداً رُكّعاً قال آدم: يا ربّ، هل خلقتَ أحداً من طين قبلي ؟ قال : لا يا آدم. قال: فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي وصورتي ؟ قال : هؤلاء خمسة من ولدك، لولاهم ما خلقتك .. لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار، ولا العرش ولا الكرسي، ولا السماء ولا الأرض، ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجن . (فرائد السمطين للجويني الشافعي 1: 36)
3- في خطبتها الفدكية الشريفة، جاء قول فاطمة الزهراء علي تخاطب القوم: فأنقذكمُ الله تبارك وتعالی بمحمد صلی الله عليه و اله و سلم بعد اللُّنيّا والتي .. (يراجع: شرح النهج لابن أبي الحديد 16: 210، والشافي للشريف المرتضى 4: 19 - 72، وأمالي الشيخ المفيد 40/ ح8، وبلاغات النساء لابن طيفور 14.. وعشرات المصادر الأخرى.
4- في حديث للإمام الصادق علیه السلام قال : ... وأما فاطمة عليها السلام فبكت على رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم حتى تأدی بها أهل المدينة فقالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك ! فكانت تخرج إلى المقابر - مقابر الشهداء - فتبكي .. ( الخصال 272/ ح 15، ومناقب آل أبي طالب 3: 322)

كَيْفَ لا تَذْرِفُ الدُّموعَ وقدْ غا *** بَ أَبُوها وكَهْفُها فی البَلاءِ؟

كَانَ نِعمَ الملاذ يَمْسَحُ عَنها *** غُصَصَ الدَّهْرِ بِالْيَدِ الْبَيْضَاءِ

كَانَ ظِلاً تَأْوي إليهِ إِذا اشتَد *** دَت عليها لَواعِجُ الضَّرَّاءِ (1)

لَقِيَت بَعْدَهُ مَصائِبَ شَتَّى *** مِنْ قُلُوبٍ ملِيئَةٍ بِالْعَدَاءِ (2)

وَثَبَ القومُ يَطْلُبونَ أَذَى العِتْ *** رةِ ثَأْرَ الأَوْثَانِ والآبَاءِ (3)

غَصَبُوا حَقَّها وَحَقَّ عَلئٍّ *** وَتَناسَوا أَمجادَ آلِ العَباءِ (4)

جَحَدوا بَيعةَ الغَديرِ بِغَدرٍ *** بَعدَما قَدَّمُوا عُهُودَ الْوَلاءِ

أَسفروا عَنْ تَأَمُّرٍ كَتَمُوهُ *** عَنْ نَبيِّ اَلْهُدَى بِوَجْهِ الرِّيَاءِ (5)

أَشْعَلُوا نَارَهُمْ بِبابِ ابنةِ المُخ *** تارِ نَارَ الأطْمَاعِ والبَغْضاءِ

دَخَلُوا دارَها فَلاذَت وَراءَ إِل *** بابِ سِتراً من اَعيُنِ الاعداءِ

ص: 86


1- اللّواعج: هنا بمعنى الأحزان والشدائد والمصائب ، الواحدُ لايجٌ
2- بعد هجوم عمر على دار علي وفاطمة صلوات الله عليهما، قالت له: ويحك يا عمر! ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله! تريد أن تقطع تشله من الدنيا وفنيه و تطفئ نور الله ؟! والله ميم نوره. فانتهرها وقال : في يا فاطمة، فليس محمد حاضرة، ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله .. ( الهداية الكبرى للخصيبي 408)
3- ثأر: مفعول لأجله، أي لثأر، كقول الفرزدق في الإمام السجاد عليه السلام: يكاد يمسكهُ عرفانّ راحته *** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم أي لعرفان راحته.
4- في خطبتها عليها السلام مع نساء المهاجرين والأنصار قالت: ويحهم ! أني زحزحوها عن رواسي الرسالة و قواعي النبوة ومهبط الوحي الأمين، والطبين بأمر الدنيا والدين ، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما نقموا من أبي الحسن، نقموا - والله - منه نكير سيفه، وشدة وطئه، ونكال وقیعته، وتتميزه في ذات الله عزّ وجلّ ..
5- أسفروا: کشفوا .

عَصَرُوها لِيَكْسِرَ البابَ صَدْراً *** قَدْ حَوي سِرَّ خَاتَمِ الأنبياءِ (1)

أَسْقَطَت مُحَسِّناً إلى الأرضِ مَيتاً ***وَتَرَامَتْ خَضِيبةً بِالدِّماءِ (2)

عَجَباً كم أَبادَ لِلْكُفْرِ جَمْعاً ***بحُسامٍ يُرْدِي اَلْعِدى بِمَضاءِ

قَيَّدَتهُ وَصِيَّةٌ مِن رسولِ اَل***لَّهِ حِفْظاً لِلشِرْعَهِ الغَرّاءِ (3)

رَأََتِ الطُّهرُ كيف فَرَّقَ لَيْلُ ال ***جَهلِ جِيلاً عَنْ سَيِّدِ الأوصِياءِ

نَهَضت وَالجِراحُ تُنْزِفُ منها ***وَجَرَتْ خَلْفَهُمْ بِكُلِّ عَناءِ

صَرَخْت فيهمُ دَعُوهُ وإِلاَّ ***سَوفَ أَشكُو إِلَى الإلَهِ بَلائِي (4)

فَأَتاها اللَّعِينُ بِالسَّوْطِ كَيْ يُسْ***كِتَ مِنْها صَوْتاً شَجِيَّ النِّدَاءِ(5)

ص: 87


1- كتب البلاذري : إنّ عمر حصر فاطمة في الباب .. حتى أسقطت محسناً ! (عنه: إحقاق الحقّ للشهيد التستري 2: 373)
2- في (الوافي بالوّفيات 5: 347): إنّ عمر ضرب بطن فاطمة عليها السلام يوم البيعة، حتى ألقت «المحسن» من بطنها.
3- حين رفع عمر السَّوط وضرب به ذراع فاطمة عليها السلام، نادت : يا رسول الله ، لبئس ما خَلَفَكَ أبوبكر وعمر! فوثب علىّ علیه السلام فأخذ بتلابيب عمر فصرعه، ووجأ أنقه ورقبته، وهَم بقتله، فذكر قول رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم وما أوصاه به ، فقال له: والذي أكرم محمداً صلی الله عليه و اله و سلم و بالنبوة، يا ابن صَهاك ، لولا کتابٌ من الله سَبَق، وعهدٍ عَهدهُ إلى رسولُ الله صلی الله علیه و اله و سلم، لعلمتُ أنّك لا تدخل بيتي ! (بحار الأنوار 28: 299 ح 45 - عن : کتاب سُلیم بن قیس)
4- لما أخرج بعليَّ عليه السلام خرجت فاطمةُ واضعةُ قميصَ رسول الله على رأسها، آخذهٌ بيدَي ابنيها، وقالت: مالي ولك يا أبابكر ؟! تريد أن تؤم ابني وترملني من زوجي ؟! واللي لولا أن يكون سيئة النشر شعري، ولصرختُ إلى ربي .. ثم أخذت بيد علئ وانطلقت به. (الكافي للكليني 8: 237/ ح 320۔ عنه: بحار الأنوار 28: 252/ ح 35)
5- شجيُّ : حزين. وضربها عمر بالسوط على عضدها، حتى صار كالدُّملُج الأسود! ( الهداية الكبرى 408). ولا يخفى عليك أن الهجوم على الدار تكرر ثلاث مرات أو أكثر.

إنَّ آلامَها ستَشْهدُ يَومَ ال *** حَشْرِ ماذا لاقَتْ من الخُلَفاءِ

سَوْفَ يَستَفسِرُ الجَميعُ مَدی الده *** رِ لماذا قَد أُلْحِدَتْ في الخَفاءِ؟

آه لَولا جُرحُ البَتُولَةِ ما كا *** نَت جِراحُ الحُسَيْنِ في كَربَلاءِ

***

ص: 88

قافية الباء

اشارة

ص: 89

(1) اکبرتُ ذکراک

(بحر بسيط)

الشيخ ابراهيم النصيراوی

أَكبَرتُ ذِكرَاكِ لاَ يَرقى لَها أَدبِي ***فَيْضٌ مِنَ اَلْوَحْيِ أَمْ سِرٌّ مِنَ الْعَجُبِ

فِي كُلِّ عامٍ لَهُ لَحْنٌ عَلَى وَتَرٍ ***يَرِنُّ فی مَسْمَعِ الدُّنيا بِلا نَصَبِ (1)

أََكْبَرتُ فيكِ حياةً ما لها شَبَةٌ ***كَالأنبياءِ حَوَت مِنْ أََفْضَلِ الرُّتَبِ

يَا رَحْمَةُ لِوُجُودِ الْكَوْنِ أَجْمَعِهِ ***ومَا سِواكُمْ لِهذا اَلْفَيْضِ مِنْ سَبَبٍ (2)

يَا أُمَّ جِيلٍ تَخَطّي كُلَّ داجِيَةٍ ***حَتَّى تَفَرَّدَ مِشْكاةً مِنَ الشُّهُبِ (3)

بِنتُ النَّبِيِّ وَحَسبي أنَّها خُلِقَت ***وِتْراً لِطه وَلَم تُشفَع بِأَيِّ نَبِيٍ (4)

أكبَرتُ ذِكرَاكِ أَنَّ اَلْحَرْفَ يُعْجِزُهُ ***أن يَستَطيلَ لِأُفُقٍ مُشْرِقٍ رَجِبِ

ماذا سَأَكتُبُ وَالآياتُ ظاهرةٌ ***والحَقُّ حَقٌّ وإِنَّ قَددِيفَ بِالكَذِبِ ؟(5)

هَلْ تَحجَبُ الشَّمْسُ عَنْ أَنوارِ طَلعَتِها؟ ***كَلاَّ وأَنوارُها تَبْدُو مَعَ الْحُجُبِ

***

ص: 90


1- النَّصَب: التَّعَب .
2- خاطب اللهُ تعالی آدمَ عليه السلام فيها وفي أهل بيتها قائلاً له: لولاهم ما خلقتُك! (فرائد السمطين اللحمويني الشافعي 1: 36)
3- الداجية : الظلام. والمشكاة : الكؤة التي يوضع فيها المصباح، والمصباح نفسه.
4- وتراً: قردة، أراد أنّها ابنته الوحيدة . وشُفعَ فُلانٌ بفُلان : قٌرنَ به. والمعنى أنها فوق الأنبياء فلذلك لم تُشفَع و تقرن بهم .
5- ديف : خُلِط َ

يا لَيْلَة بِجُمَادئ كُنْتُ أَحْسَبُها ***كَلَيلَةِ القَدْرِ فی فَيْضٍ وفي أَرَبِ (1)

عَجِبْتُ كَيْفَ سُرُورُ اَلْأَرْضِ إِذْ وَضَعَتْ ***خَدِيجَةُ بِنْتَها فی مُربَعٍ جَدِبِ (2)

تَرَفّعتْ عَنْ نِساءِ الأَرضِ تَحْضُنُها ***فَخَصَّها بِنِساءٍ طِينَ في النَّسَبِ (3)

هِيَ اَلْبَتُولَهُ صاغَ اللهُ نُطْفَتَها ***وقالَ كُوني فكانَتْ خَيْرَ ذِي حَسَبِ (4)

أُمُّ الْأَئِمّةِ مَنْ يُحْصِي فَضائِلَها؟ *** أنّي وقَدْ مُلِئَتْ فِي وَصفِها كتُبي

وإِنَّ بعضَ معانيها يُرى عَجَباً *** وبَعْضَ أَوصافها في غايةِ العَجَبِ

تَجَرَّعْتَ من خُطوبِ الدَّهرِ افظَعَها ***كَأَنَّها خُلِقَتْ لِلْوَجْدِ وَالنُّوَبِ

ص: 91


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى يوم ميلاد الزهراء عليها السلام ، ففي كتاب (دلائل الإمامة للطبري الإمامي ص 13) قال: عن أبي بصير، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد عليه السلام قال : وُلدت فاطمة في جُمادی الأخرى يوم العشرين منه، سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلی الله عليه و اله و سلم فأقامت بمكة ثمان سنين وبالمدينة عشر سنين، وبعد وفاة أبيها خمسة وسبعين يوما، وقبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة . وسئل الإمام موسى الكاظم عليه السلام عن أوائل سورة الدخان : ( حم * والكتاب المُبين * إنا أنزلناهُ في ليلة مباركة .. فقال: أما (حم) فهو محمد صلی الله عليه و اله و سلم.. وأمّا ( الكتاب المبين) فهو أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وأما الليلة ففاطمة عليها السلام .. (الكافي 1: 479/ ح 4).
2- يشير الشاعر إلى السرور والبهجة التي عمّت الأرض بميلاد الزهراء عليها السلام، وكيف أنها أخصبت وهو سُرورها - مع أنّها جذب ، وذلك أن مكة كما قال إبراهيم عليه السلام : ( ربنا إني أسكنت من ذریتی بواد غَير ذي زَرعِ عندَ بَيتکَ المُحَرَّم؟ . إبراهيم: 37. والمزبع : هو الموضع الذي يقام فيه في فصل الربيع ، ولا يناسب الجدب ، فكان الأجدر أن يقول «في منزل جيرب»، أو «في موضع جدب» أو ما شاكل ذلك.
3- هُن: سارة، وآسية بنت مزاحم، و مریم بنت عمران، وكلثوم أخت موسی بن عمران . انظر (أمالي الصدوق 476/ ح 1 - الباب 87).
4- يشير إلى ما ورد في الحديث من أن الزهراء علیها السلام بتولة؛ لأنها تُبتلت - أي انقطعت وطهرت - من الحيض والنفاس .

(2) بضعة المصطفى

(بحر الطويل)

الأستاذ جعفر الجعفر

اتَسْأَلُني ما نُورُ تِلْكَ الْكَواكبِ *** هَلِ النُّورُ إِلَّا مِنْ نُجومٍ ثَواقِبِ

هَلِ النُّورُ إِلاَّ مِنْ سَماءِ مُحَمَّدٍ *** تَجَلّي بَالِ اَلْبَيْتِ أَهْلِ اَلْمَنَاقِبِ

اَلَم تَرَ ميلادَ اَلْبَتُولِ بِمَكَّةَ*** سَعي نورُهَا في كلِّ بَيْتٍ وجانِِبِ

فَأَشرَقتِ الأنوارُ مِنها عَلَي الدُّجي ***فَقَشَّعَ مِنها اَلنُّورُ أُفقَ اَلْغَيَاهِبِ (1)

وَأَشرَقَ لِلمَولُودِ وَجهُ نَبِيِّنا ***فَاشرَقَ بِالْوَجْهَيْنِ وَجْهُ الْمَغَارِبِ (2)

وايْنَعَتِ الأغْصانُ يَوْمَ مَجْيِثِها ***كَما افتَرّ لِلْمَوْلُودِ ثَغْرُ السّحائِبِ (3)

كَأَنِّي بِمَهْدٍ لِلبَتُولةِ فَاطمٍ *** تَطوفُ بِهِ اَلْأَمْلاَكُ قَوْقَ اَلمَنَاكِبِ

وراحَ لسان الدَّهْرِ يَنْطِقُ بِاسْمِها ***يَزُفُّ عَلَي اَلْأَرْجَاءَ بُشْرَي اَلْأَطَايِبِ

وراحت لَهَا اَلْأَفْلاَكُ تُسْدِي تَحِيَّةً ***يَرِنُّ صَداها في صَرير الْكَواكِبِ

أجَلْ إنّها الزهراءُ بِنتُ مُحَمَّدٍ ***وتُحفَتُهُ مِن خَيرِ هادٍ وَوَاهِبِ(4)

ص: 92


1- الغياهب: جمع غَيهب، وهو الظُّلمة الشديدة.
2- الوجهان : هما وجه رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم، ووجه ابنته فاطمة عليها السلام.
3- أينع الثمر: أدرك وطاب وحان قطافه. وافترار ثغر السحائب كناية عن إمطارها.
4- إشارة لما ورد في (البحار 36: 73/ ح 24).. في رواية ابن مسعود: فاحتمل النور الروح، فخلق منه الزهراء فاطمة، فأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق والمغارب؛ فلأجل ذلك سُميت الزهراء .

أَجَلْ إنَّها بِنتُ النَّبِيِّ و اُمُّهُ ***وَ سَلْوَتُهُ عِنْدَ اشتِدادِ النَّوائِبِ (1)

أَجَلْ يَا رَسولَ اَللَّهِ خُذْها هَدِيّةً ***مُطَهَّرَةً مِن كُلِّ رِجسٍ وَشائِبِ (2)

فَلَيسَ لها في العالَمِينَ كَمِثلِها ***ولَيسَ كنُورِ الشَّمسِ نُورُ الْغَيَاهِبِ (3)

سَلامٌ وحتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ نورُهَا ***سَلاَمٌ عَلَى مَن نُورُهَا غَيرُ غَائِبٍ (4)

***

إِليكِ تَحيّاتي أَصُوعُ حُروفَها ***مِنَ القَلبِ تُرجي مِثلَ زُخِّ السَّحائِبِ

مُعَطَّرَةً مِنّي إِلَيْكِ تَحِيّتي ***بِها نَفْحُ طِيبٍ طيِّبٌ مِن أَطَايِبِ

فَلَوْ قِيلَ فِي حبّي لها: أَنْتَ هائمٌ*** إِلَى مَ غَرامٌ لَسْتَ عَنْهُ بِتَائِبِ

لَقُلْتُ اغْرُبُوا عنّي فَإِنَّ وِدَادها ***مِنَ اَللَّهِ فَرْضٌ ذَاكَ أوجَبُ واجِبِ

يُهَزُّ لِذِكْراها فُؤادي وتَنْجَلِي ***هُمومٌ بِقَلبِي جُعجِعْت بِالنَّوائِبِ (5)

تُغَنّي وَبِالميلادِ حُبّي لِفاطمٍ ***وَعَجَّت بِيَ الأَشواقُ والشَّوْقُ جاذِبي

إلى مَن بِها نورُ الإلهِ وَسِرُّهُ*** وآيتُه الْكُبْرى بِرَغْمِ النّواصِبِ

وَلا غَرْوَ فالزَّهراءُ عَينُ مُحَمَّدٍ ***مُرَكَّبَةٌ ما بَينَ جَفنٍ وحاجِبِ

ص: 93


1- إشارة إلى أن رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم كان يكنّى فاطمة ب«أمّ أبيها». تهذيب التهذيب 12: 44، مناقب آل أبي طالب 3: 357، کشف الغمة 1: 462.
2- الشائبُ : العيب والأدَّنس، المؤنّث شائبة، وجمعها شوائب.
3- الغياهب: الظُلُمات. والظُّلمات ليس لها نور، فلا يستقيم المعنى إلّا بتكلف، ولو قال مثلاً حُجبُ الغياهب» أو ما شاكله لكان أنسب.
4- إشارة إلى ما ورد في (تفسیر فرات الكوفي 581/ ح 747) عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: ( إنّا أنزلناهُ في ليلةِ القَدر) : الليلة فاطمة، والقَدر الله ، فمَن عَرَفَ فاطمهَ حقَّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر .
5- جُعجِعَ: ، حُرکت ، جَعجع بالإبل: حرّكها للنهوض.

كَأَنَّ حَشا المُختارِ في جَنْبِ فاطمٍ*** كأَنْ حَشاها فِيهِ بَيْنَ الجَوَانِبِ (1)

كَفَاهَا اِفْتِخاراً أَنّ أحْمَدَ وَالِدٌ ***كَفاها افْتِخاراً حَيْدَرٌ خَيْرُ صاحِبٍ (2)

كَفاها اِفْتِخَاراً أَنْ تكونَ مَدارَهُم ***لِخَمْسَةٍ أَصحابِ الكسا فِي اَلْمَرَاتِبِ (3)

كَفَاهَا اِفْتِخَاراً أَن تُكَنَى لِأَحمدٍ ***بِأُمِّ أَبيها يا لَها مِنْ مَراتِبِ(4)

ص: 94


1- عن (أمالي الصدوق 394ح 18 - المجلس 73) عن النبي صلی الله عليه و اله و سلم ، أنه قال : يا علي، إن فاطمة بضعة مني، وهي نور عيني، وثمرة فؤادي، يسوؤني ما ساءها، ويسرني ما سرها. وعن کتاب المحتضر) بإضافة: «وهي قلبي الذي بين جنبي». وفي لسان العرب لابن منظور، قال رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم في حق فاطمة عليها السلام: منوطٌ لحمُها بدمي ولحمي.
2- قال رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم : يا فاطمة .. إن الله تعالی اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختارني منهم، فجعلني نبياً مرسلاً . ثم اطلع اطلاعة ثانية فاختار منهم بغل، فأوحى إلي أن أزوجه إياك وأتخذه وصيا. یا فاطمة، منا خير الأنبياء وهو أبوك ، ومنا خير الأوصياء وهو بعل ... وما سبطا هذه الأمة وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين وهما ابنا ، والذي نفسي بيده، منا مهدي هذه الأمة، وهو من وليرك . (ينابيع المودة لذوي القربى للشيخ سليمان القندوزي الحنفي 3: 269/ ح33 - الباب 73، وفرائد السمطين للجويني الشافعي 1: 92/ ح 61، ومناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في لابن المغازلي الشافعي 101/ح 144)
3- في البحار 105:43 : عن أبي عبدالله عليه السلام : وهي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرونُ الأُولى.
4- في بيان وجه تكنيتها سلام الله علیها به «أمّ أبيها، قال العلماء: لأنّ النبيّ صلی الله عليه و اله و سلم ، كان يعاملها معاملة الولد لاُمه وتعامله معاملة الأم لولدها. وقيل : لمحض إظهار المحبّة، فكأن رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم أراد أن يناديها ب: يا أمّاه . وقيل : لمّا كنّى اللهُ تعالی نساء النبيّ بأمهات المؤمنين ، صرنّ في معرض أن يخطر ببالهن أنهن أفضل النساء حتى من فاطمة الزهراء عليها السلام ، فكناها أبوها ب «أم أبيها، وهو سيّدُ الوجود، فهي سيدة الوجود، بعد أن عرفت بأنها سيدةُ نساء العالمين، من الأولين والآخرين، وكيف لا وهي بضعة سيد الكائنات. وقيل كذلك: أراد النبي صلی الله عليه و اله و سلم أن يؤكد أن فاطمة عليها السلام هي أصل شجرة الرسالة وعنصر النبوة، وقد روى الذهبي في (میزان الاعتدال 1: 234) عن رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم قوله: أنا شجرة، وفاطمة أصلها، وعلىُّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرُها. فيما : روى الطريحي في (مجمع البحرين - مادة شجر) قول الإمام الباقر عليه السلام : الشجرة الطيبة رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم، وفرعها على علیه السلام ، وعنصر الشجرة فاطمة عليها السلام ، وثمرتها أولادها، وأغصانها وأوراقها شيعتها.

كَفاها افْتِخَاراً فَهيَ كَوثَرُ أحمدٍ *** ويَنْبُوعٌ خَيْرٍ مِنْهُ خَيْرُ الْمَشَارِبِ (1)

كَفاها لها التَّسبيحُ لَمْ يُحْصَ عَدُّهُ ***فَمَا الْجِنُّ تُخْصِيهِ ولا عَدَّ كاتِبِ (2)

كَفانيّ فَخْراً أَنّني مِن عَبِيدِها ***كَفانيَ عِزّاً فَهيَ اَقصَي رَغَائبي (3)

صَلاةً عَلَيها يَومَ أَشرَقَ نُورُهَا ***سَلاَمٌ عَلَيها وَاصِبٌ غَيْرُ نَاضِبِ (4)

هِيَ البَضعةُ الزّهراءُ بَضْعَةُ أحمدٍ ***وفِلْذَةُ كَبدٍ مِن جَناحِ وجَانِبِ

سَفِينَتُها تُنجِي الغريقَ مِنَ الرَّدي*** وَ تُبحِرُ فِيهِ عَنْ نُيوبِ النَّوائِبِ (5)

فَمَن مِثْلُها جَاءَت تُحَدِّثُ أُمَّها ***وتُؤنِسُها بَيْنَ الحَشَا والْجَوَانِبِ (6)

ومَنْ مثلُها مِن جَنَّةِ الخُلدِ حُدِرَتْ *** وَمِن بَعدِ طهَ حُذِّرَتْ فِي التَّرَائِبِ (7)

ص: 95


1- أي أنّ الكوثر هو فاطمة، فهي بمنزلة الينبوع الذي تتفرع منه خير المشارب، وهم الأئمة علیهم السلام .
2- حین خلق الله تبارك وتعالی نور فاطمة عليها السلام، أوحى إلى الملائكة إني جاعل ثواب تسبیحکُم و تقدیسكم إلى يوم القيامة لمحبّي هذه المرأة وبعلها وبنيها. (بحار الأنوار 43: 17/ ح16 - عن إرشاد القلوب)
3- من عبيدها: من خدمتها ومطيعيها، فإن في الحديث الشريف: من أصغي إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله عز وجل فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس . (عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 304 ح 63 - الباب 28)
4- واصبٌ غير ناضب: دائم غير قليل ولا نافد.
5- قال رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم : إن أهل البيت عليهم السلام بمنزلة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تركها غرق.
6- عن النبي صلى الله عليه واله و سلم قال : أتاني جبرئيلُ بتفاحة من الجنة، فأكلتها وواقعتُ خديجةَ فحملتَ بفاطمة، فقالت: إنّي حملتُ حملاً خفيفاً، فإذا خرجتَ حدّثني الذي في بطني . (يراجع: ذخائر العقبی للمحبّ الطبريّ 44) أيضاً.
7- إشارة إلى تفاحة الجنّة التي أكلها رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم فصارت نطفة في صُلبه المبارك، ثمّ واقع خديجة، فصارت بشراً من بين صُلب النبي و ترائب خديجة، وهي أضلاع صدرها، قال تعالى في الآيتين 6-7 من سورة الطارق: (خُلِقَ مِن مَاءٍ دَافقِ * يَخرُجُ مِن بَين الصُلب والتَّرائب ).

فَجَاءَت كَما قالَ الإِلَهُ بِوَصْفِها *** كَمِشْكاةِ نورٍ نورُهَا غَيْرُ نَاضِبٍ (1)

وَمَنْ مِثْلُها واللَّهُ بَارَكَ عُرْسَها *** وَجِبْرِيلُ مِنْ طه لَهَا خَيْرُ خَاطِبِ (2)

ومِنْ مِثْلُها فِي الْخُلْدِ تَمَّ زواجُها*** بِنُورِ عليَّ فَوْقَ سَبْعِ حَواجِبِ (3)

ومَن مِثْلُها دُوي رَنِينُ خِطابِها*** لِتُخْرِسَ فيهِ كُلُّ باغٍ وناعِبِ (4)

هِيَ الفَلَكُ الدّوّارُ والْقُطْبُ حَيْدَرُ*** لإحدى وعَشْرٍ ثَاقِبٍ بَعْدَ ثَاقِبِ (5)

وإِنَّ لها في الأَدَّهرِ سورَةَ هَلْ أُتي ***ومِن سُورةِ التَّطْهيرِ في الشَّوَائِبِ (6)

وإِنَّ لها جبريلَ قرَّ بِوُدِّها *** فَكانَت لَهُ القُربي بِحُبِّ الأَقَارِبِ(7)

ص: 96


1- و ذلك لما ورد من أنّ فاطمة عليها السلام هي المشكاة في قوله تعالى في الآية 35 من سورة النور ( الله نُورُ السَّماواتِ والأرضِ مَثَلُ نُوره کَمشكاةِ فِيهَا مِصبَاحٍ) . انظر تفسير البرهان 5: 392.
2- وذلك إشارة لما ورد في (بحار الأنوار 43: 128/ ح 32 - عن كشف الغمة): قال جبرئيل: ثم أوصى الله إلى أن أعقد عقدة النكاح، فإني زوج أمتي فاطمة بنت حبيبي محمد، عبديَ عليَّ ابن أبي طالب. فعقدتُ عقدة النكاح، وأشهدتُ على ذلك الملائكة أجمعين .
3- الحواجبُ : السَّماوات، جمعُ الحاجبة، وهي السماء
4- إشارة إلى خُطبة الزهراء عليها السلام في مجلس عمر وأبي بكر بعد غصب الخلافة من أمير المؤمنين عليه السلام.
5- هم الأحد عشر إمامة من ولد علي وفاطمة علي. والثاقب هو النجم، فأقام الصفة مقام الموصوف. قال تعالى في آيات 1-3 من سورة الطارق: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ) وقد وردت الأحاديث في أن الأئمة عليهم السلام هم النجوم.
6- في ( المناقب، لابن شهر آشوب 106:3 ) أنه سُئل عالمٌ فقيل له : إن الله تعالى قد أنزل (هل أتی) في أهل البيت وليس شيء من نعيم الجنّة إلا وذُكر فيه، إلّا الحورَ العين، فقال : ذلك إجلالاٌ الفاطمة عليها السلام .
7- قَرُّ : ثَبَتَ ، ولم تَرد بمعنى «أقرَّ»، أي اعترَفَ .

وإِنَّ إِلَهِي غَيْرُ رَاضٍ لِسُخطِها *** وَإِنَّ إِلهي لَوْ رَضَتْ غَيْرُ غَاضِبِ

مُقَامٌ لها عندَ الجَليلِ مُكَرَّمٌ *** تصاغَرَ عَنْهُ أُفُقٌ أَمَى المراتِبِ

فَصَلُّوا على الزّهراءِ يَوْمَ مَجِيئِها *** سَلاَمٌ عليها وَاصِلٌ غَيْرُ آيِبِ

***

أَتيتُ لكم والذَّنْبُ أَثْقَلَ لِمَّتِي *** وَمِنّي أَرَى الْأَوْزارَ هَدَّتْ مَنَاكِبِي (1)

إِذَا لَمْ تكونوا سادَتي عِندَ مَطَلَبي *** هَوَيتُ ولم يَنْفَعْ سِوَاكُمْ مُطالِبِي (2)

يُقِرُّ لَكُم قلبي وَسَمعي وَناظِري *** وَعَقلي وَجَفني والجَوي مِن جوانِبِي

فَما لي سِوَاكُمْ آلَ أَحْمَدَ رَغْبَةً *** ومالِي سِوى حُبِّ لَكمْ مِن مَآرِبِ

وإِنْ مُتُّ في حُبِّ البَتُولِ وَآلِها *** فَلا أَخْتَشِي فِي اَلْقَبْرِ سُوءَ العَوَاقِبِ (3)

سَلامٌ وحَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ نورُهَا *** سَلامٌ إِلَى مَنْ نُورُهَا غَيْرُ غَائِبِ

نَعَمْ هكذا الزَّهراءُ فيها عَقِيدتي *** فَلا تَعْجَبَن مِمَّنْ أَتَوْا بالعَجائِبِ (4)

نَعَم فَاعْجَبَنَّ مِنْ حِلْمِ ربِّي وَ حُكْمِهِ *** أَيَصَفَعُ ذَاكَ النُّورَ أَرْجَسُ ضَارِبِ(5)

ص: 97


1- اللّمَة: شَعر الرأس المجاوزُ شحمة الأُذُن. وقد كنَى الشاعر بذلك عن تكاثر ذنوبه وتراكمها وارتفاعها ! والمناكب : جمع مَنكب ، وهو مجتمع رأس العَضُد والكيف.
2- هَوَى يَهوِي : سَقَطَ من عُلو إلى أسفَل.
3- عن (العوالم 11: 1181) قول الزهراء سلام الله عليها في المحشر: إلهي وسيّدي، ذرّيتي وشيعتي وشيعة ذرّيتي، ومحبّيّ ومُحبي ذريَتي ! فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله : أين ذريّة فاطمة وشيعتها ومحبوها ومُحبوها ذريّتها؟ فيُقبلون وقد أحاط بهم ملائكةُ الرحمة، فَتقدُمُهم فاطمة عليها السلام حتى تُدخلهمُ الجنّة.
4- أي لا تستغرب - مع مقاماتها الرفيعة وجلال شأنها عن الله ورسوله - إذا وردت عليك الآيات والروايات الشريفة في كراماتها ومعجزاتها ومعالی منازلها الشامخة.
5- إشارة إلى ما في إرشاد القلوب للديلمي 2: 358) في حديث طويل، حيث ورد قولها علیها السلام : ورَکَلَ : عمرُ البابَ برجله فردّه علَي وأنا حامل، فسقطتُ لوجهي والنارُ تسعر وتسفع وجهي ، فضربني بيده حتّى انتثر قُرطي مين أُذُني .

ويا عَجَباً مِنْ قَائمٍ طالَ مَكْثُهُ *** أَما حَثَّهُ ثَأْرٌ لِأُمِّ اَلْمَصَائِبِ (1)

اتَرْضى إِمامي شَؤَّهُوا نَهْجَ أَحْمدٍ *** بِمَا أَبَدَعَت فِي الدِّينِ أَيْدِي النَّواصِبِ

بِعَيْنِکَ ذِي اَلْأَحْدَاثِ تَنْفُثُ سُمَّها *** يَفُوقُ اَلْأَذَى مِنْهَا سُمُومَ اَلْعَقَارِبِ (2)

كَأنّ لَهُمْ ثَأْراً غَدا يَسْتَفِزُّهُمْ *** كَثَأرِ بَنِي مَرْوَانَ فِي آلِ طَالِبِ

وإِنَّكَ فينا حَاضِرٌ غَيْرُ غَافِلٍ *** وإِنَّکَ فينا شاهدٌ غَيرُ غَائِبٍ

مَتَى تَنْتَضِي السّيفَ اَلَّذي في يَمِينِكُمْ *** فَتَكْشِفُ ضُرّاً بِالسُّيوفِ القَواضِبِ(3)

***

ص: 98


1- في البيت استنهاض للحجه المهديّ عجّل الله تعالی فَرَجه الشريف.
2- ذي الأحداث : هذه الحوادث والوقائع . نَفَث الشيءَ من فيه: رمى به. يفوق : يزيد عليه .
3- انتضى السيف: سلَّهُ من غمده .

(3) صديقة خُلقت

(مجزوء الكامل) سفیان بن مُصعَب العبديّ الكوفيّ(1)

ال النَّبِيُّ مُحَمَّدٍ *** اَهْلُ الفضائلِ وَ الْمَناقِب

الْمُرْشِدُونَ مِنَ الْعَمي *** وَ اَلْمُنْقِذُونَ مِنَ اَللَّوَازِب (2)

الصَّادقونَ النَّاطِقُونَ *** اَلسَّابِقُونَ الي الرَّغائِب (3)

فَوِلاهُمُ فَرْضٌ مِنَ الر *** رَحْمانِ في القُرانِ واجِب (4)

وَهُمُ الصِّراطُ الْمُسْتَقِي *** مُ وفَوقَهُ نَاجٍ و ناکِب(5)

ص: 99


1- من شعراء أهل البيت المخلصين، ومن أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، وقد قال في حقّه علیه السلام : يا معشر الشيعة علّموا أولادكم شعر العبديّ فإنه على دين الله، وكان العبدي ينشد الأشعار في الحسين ويتلوها على أهل البيت وشيعتهم، وقد قال له الإمام الصادق عليه السلام مرّة: قُل شعراً تنوح به النساء. توفّي في حدود 160 أو 170ه.
2- اللّوازب: الشدائد الثابتة اللّاصقة، الواحدةُ لازية.
3- قوله: الصادقون، إشارة إلى ما رُوي في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (سورة التوبة : 119) من أنهم عليُّ وأهل بيته. والرغائب: جمع الرغيبة، وهي الأمر المرغوب فيه.
4- أشار إلى قوله تعالى : ( قل لا أسألُكُم عليه أجراً إلّا المَودَة في القُربي ومَن يَقترِف حَسَنَهُ نزه لهُ فيها حُسناً (الشوری: 23). ونزوله في علي وفاطمة وولدهما، مضافاً إلى باقي الآيات الدالَّة على أنّ ولايتهم فرض من الله.
5- ناكب: نَكبَ الرجلُ عن الطريق : أي مال عنه. وكون أهل البيت هم الصراط المستقيم ممّا تظافرت به روایات الفريقين، منها ما أخرجه الثعلبيّ في (الكشف والبيان) في قوله تعالی : (اهدنا الصراط المستقيم) : قال مسلم بن حيّان : سمعت أبا بُريدة يقول: صراطٌ محمّد و آله .

صِدِّيقَةٌ خُلِقتُ لِصِد *** دِيقٍ شريفٍ فِي الْمَناسِب (1)

اخْتارَهُ واختارَها *** طُهْرَينِ مِنْ دَنَسِ اَلْمَعايِب (2)

اِسْماهُما قُرِنا على *** سطْرٍ بِظِلِّ العَرْشِ رَاتِب (3)

كان الإلَهُ وَلِيَّها *** وَأَمِينُهُ جِبْرِيلُ خاطِب(4)

ص: 100


1- قوله : صدَيقةُ : يعني به فاطمةَ بنت النبي صلی الله عليه و اله وسلم سمّاها بها أبوها، فيما أخرجه أبو سعيد في (شرف النبوة) عن رسول الله صلی الله عليه و اله وسلم أنه قال لعلي : أوتيتَ ثلاثاً لم يؤ تهن أحدً ولا أنا : أوتيتَ صهراً مثّلي ولم أوتَ أنا مثلي، وأوتيتَ زوجةُ صديقةُ مثل ابنتي ولم أوتَ مثلها زوجة، وأوتيتَ الحَسن والحسين من صُلبك ولم أوتَ من صلبي مثلهُما، ولكنكم منّي وأنا منكم. (الرياض النضرة 2: 202) الصدّيق : يعني به أمیرالمؤمنین صلوات الله عليه، وهو صدّيقُ هذه الأمُة وذلك لقبُه الخاصّ، قال محبُّ الدين الطبريّ في رياضه: إن رسول الله صلی الله علیه و اله وسلم سمّاه صدّيقاً، وقال في ص155: قال الخجندي : وكان يُلقب بیعسوب الأمّة، وبالصديق الأكبر. وهناك أخبارٌ كثيرة في هذا المضمار، منها قول أمير المؤمنين عليه السلام : أنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلّا كذّاب. (خصائص النسائي: 3).
2- طُهران: طاهران، وصفٌ بالمصدر مبالغة في الطهارة . والمعايبُ : جمعُ المعابة، وهي العيب.
3- راتب : ثابت، رَتَب الشيءُ : تب. وأشار إلى حديث كتابة أسماء : فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها في ظلُ العرش، وقد كتبت على باب الجنة، كما أخرجه الخطيب البغدادي في ( تأريخه 1: 259) عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلی الله عليه و اله وسلم: ليلة عرج بي إلى السماء، رأيت على باب الجنة مكتوباً : لا إله إلا الله ، محمدٌ رسول الله ، عليُّ حبيب الله ، والحسن والحسين صفوة الله ، فاطمةُ خيرة الله ، على مُبغضيهم لعنةُ الله . ورواه الخطيب الخوارزمي في (مناقبه 240)، كما رُوي في الاختصاص للشيخ المفيد ص 91) في حديث طويل عن الإمام الكاظم علیه السلام أنه قال: نحن مکتوبون على عرش ريُنا، مکتوبون: محمدُ خير النبيين، وعلى سيّد الوصيّين، وفاطمةُ سيّدة نساء العالمين.
4- إشارة إلى أن الله تعالى هو الذي زوج فاطمة عليّاً، وكان وليَّ أمرها، وخطب فيه الأمينُ جبرئیل علیه السلام كما ورد عن جابر بن سَمُرة قال: قال رسول الله صلی الله علیه و اله وسلم: أيّها الناس، هذا عليُّ بن أبي طالب، أنتم تزعمون أنني أنا زوجته ابنتي فاطمة، ولقد خَطَبها إلى أشرافُ قريش فلم أُجب : كلٌ ذلك أتوقعُ الخبر من السماء، حتّى جاءني جبرئيل ليلةَ أربع وعشرين من شهر رمضان فقال : یا محمّد، العلىُّ الأعلى يقرأ عليك السلام، وقد جمع الروحانيّين والكروبيّين في واد يُقال له: الأفيح، تحت شجرة طُوبی، وزوج فاطمةُ علياً، وأمرني، فكنت الخاطب، والله تعالى الوليّ . الحديث. ( كفاية الطالب للكنجيّ الشافعيّ ص 164) وأخرج النِّسائي والخطيب في تاريخه 4: 129) بالإسناد عن عبدالله بن مسعود قال : أصاب فاطمة بنت رسول الله صلی الله عليه و اله وسلم صبيحة العرس و عدةُ، فقال لها رسول الله صلی الله عليه و اله وسلم: يا فاطمة، إنّي زوجتُك سيّداً في الدنيا، وإنه في الآخرة لين الصالحين. يا فاطمة، إنّي لما أردتُ أن أملكك العلي، أمر الله جبريل فقام في السماء الرابعة فصف الملائكة صفوف، ثمّ خطب عليهم جبريل فروَّجَک من علي ، ثمّ أمر شجر الجنان فحملت الحُلي والحُلل، ثم أمرها فتنثرته على الملائكة ، فمن أخذ منهم يومئذ أكثر مما أخذ صاحبه أو أحسن افتخر به إلى يوم القيامة. وعن أمّ سلمة: فلقد كانت فاطمة تفخر على النساء؛ حيث أول من خطب عليها جبريل . ذكره الكنجي في ( الكفاية ص 165) ثم قال : حديثُ حسنٌ عال رُزقناه عالياً ، ومحبُ الدين في (ذخائر العقبى ص 32)

وَ الْمَهْرُ خُمْسُ الارض مُو *** هَبَه تَعَالَتْ فی الْمَوَاهِب(1)

وَ نِهابُها مِنْ حَملِ طُو***بَی طُيِّبَت تِلکَ المَناهِب (2)

ص: 101


1- الموهبه، بفتح الهاء : العطية والشيء الموهوب، وجمعُها مواهبُ. وأشار به إلى ما أخرجه الجويني في ( فرائد السمطین 1: 95/ ح 64) عن رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم أنّه قال لعليّ: يا عليّ، إنّ الأرض لله يُورثها من يشاء من عباده ، وإنّه أوحي إلى أن أُزوجك فاطمة على خُمس الأرض، فهي صداقها، فمن مشى على الأرض وهو لكم مبغض فالأرضُ حرامٌ عليه أن يمشي عليها!
2- النّهابُ : جمع النّهب، بمعنى الغنيمة والمَناهِبُ : جمع المنقبة، وهي ما يُنهبُ ويؤخذ. وأشار إلى حديث التثار المرويّ عن بلال بن حمامة ، قال : طلع علينا رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم ذات يوم متبسِّماً ضاحكاً ووجهه مسرورّ کدارة القمر، فقام إليه عبدالرحمان بن عوف فقال: يا رسول الله ، ما هذا النور ؟! قال : بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي بأنّ الله زوج عليّاٌ من فاطمة، وأمر رضوانَ خازن الجنان فهز شجرة طوبی فحملت رقاعاً - یعنی صكاكاً - بعدد مُحبّي أهل البيت، وأنشأ تحتها ملائكة من نور ودفع إلى كلّ ملك صكاكاً، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق، فلا يبقى محبُّ لأهل البيت إلّا دَفَعت له صكاٌ فيه فكاكه من النار، فصار أخي وابن عمّي وبنتي فُكاكَ رقاب رجال ونساء أُمّتي من النار. أخرجه الخطيب في (تاریخ بغداد 210:4 )، وابن الأثير في (أسد الغابة 1: 206)، وابن الصبّاغ المالكيّ في (الفصول المهمه ) وابن حجر في (الصواعق ص 103)، والصفوريّ في (نزهة المجالس 2: 225)، والحضرميّ في (رشفة الصادي ص 28) وأخرج أبو عبدالله الملا في سيرته عن أنس قال : بينما رسولُ الله صلی الله عليه و اله و سلم في المسجد إذ قال لعلي : هذا جبريل يخبرني أنّ الله زوج فاطمة، وأشهَدَ على تزويجها أربعين ألف ملك، وأوحي إلى شجرة طوبى : أن انثري عليهم الدر والياقوت. فتثرت عليهم الدر والياقوت، فابتدرت إليه الحور العين يتلقطن في أطباق الدر والياقوت ، فهم يتهادونه بينهم إلى يوم القيامة. ورواه محب الدين في (الذخائر ص 32) وفي ( الرياض 2: 184)، والصفوري في (نزهة المجالس 2: 223) .

(4)دار فاطمة

(بحر الطويل)

الشيخ سليمان البلاديّ البحرانيّ

هُوَ الأدَّهرُ بِالْأَعْمَارِ تَسري رَكائِبُة *** كما كانَ بِالآجالِ تَسعی نَوَائِبُه

تَوَلَّعِ بالساداتِ فِي كُلِّ کُربَهٍ *** فَمَا سَيَدٌ إِلَّا رَمَتهُ صَوائِبُه (1)

فَيالَكَ دَهْراً لَا يُنيمُ وَ لَمْ يَنَمْ *** تَنِمُّ على الأََعْمارِ دَأَبَا رَقائِبُه (2)

ص: 102


1- الصوائب: الوقائع التي تُصيب ولا تُخطئ ، جمع الصائبة، مؤنثة الصائب ، اسم فاعل من صابَ بمعنى أصاب ولم يخطئ .
2- لا يُنيم: لا يَدَع أحداً ينام. تنم: تسعى لتُوقع في المهالك. والرقائب : جمع الرقيبة، بمعنی المُراقِبَة.

فَلَمْ تَمْتَنِعُ مِنهُ حُصَوْنٌ مَنيعةً *** و لا مَلِكٌ قَدْ حَصَّنَتهُ مَقانِبُة (1)

وَحَسْبُكَ مَوْتٌ الْمُصْطَفَى خَيْرِ سَيِّد *** وَ مَنْ عَمَّتِ الأكوانَ طُرّاً مَواهِبُه

قَضَى فَقضى مِنْ بَعْدِهِ الْحَقِّ وَاختَفَت *** بِأَستارِ لَيْلِ الْجَوْرِ مِنْهُ کَواكِبُة(2)

و جَلَّلَ ثَؤبَ الدِّينِ ثَوْبُ کُسُوفِها *** کَما خَسَفَت بَدْرَ الْوُجودِ غياهِبُة(3)

وَاَذرَت عُيُونِ الكائناتِ دُمُوعَها *** كَما وَکَفَت مِنْهُ عَلَيْها سَحائِبُه(4)

لَقَد أَظْهَرَت فِيهِ السَّقيفةُ مُضمَراً *** لِإِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ كانَتْ مَناصِبُة(5)

كَما أَضْمَرْت نِيرانّها مُستَطِيرة *** فَذا حَرُّها لِلدِّينِ عَمَّت لَواِهبُة(6)

ص: 103


1- المقانب : جمع المِقنَب، وهو جماعة من الخيل تجتمع للغارة ، والمراد جيوشه.
2- لعلَه إشارة إلى ما رُوي في إطماس الحقّ وإظهار الفتن والأباطيل والتعديّ على أهل البيت عليهم السلام بعد موت الرسول الكريم صلی الله عليه و اله وسلم ، ومن جملة ما ورد نقلاً عن (کامل الزيارات ص 332) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لمّا أُسري بالنبي صلی الله عليه و اله وسلم قيل له: إن الله مختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك ، قال : أسلمُ لأمرك يا ربّ، ولا قوة لي على الصبر إلا بك، فما هن ؟ إلى أن قال تعالى : وأما الثالثة : فما يلقى أهلُ بيتك من بعدك من القتل : أما أخوك علىُّ فيلقي من أُمتك الشتم والتضعيف والتوبيخ والحرمان والجهد والظلم، وآخر ذلك القتل، فقال : يا ربّ، سلمتُ وقبلتُ، ومنك التوفيق والصبر. وأمّا ابنتك فتُظلم، وتُحرَم، ويُؤخَذَ حقُّها غصب الذي تجعله لها، وتُضرب وهي حامل، ويُدخل على حريمها ومنزلها بغير إذن، ثمّ يمسها هوان و ذُل، ثم لا تجد مانعاً، وتطرح ما في بطنها من الضرب، وتموت من ذلك الضرب، قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون! قبل یا رب وسلمت ، ومنك التوفيق . الحديث طويل أخذنا منه موضع الشاهد .
3- خَسَفَ البدرُ: ذهب ضوءُة، وخسف الله البدر : أذهَبَ ضوءهُ، لازمٌ متعدَّ، وهو هنا متعدَّ . والغياهب: جمع غَيهَب وهو الظُلمة الشديدة .
4- أذرت العينُ دمعها: صبتُةُ. ووكَفَت : سالَت و هَطَلت.
5- إشارة إلى ما تعاقدوا عليه في سقيفة بني ساعدة، وأنهم دبروا الأمر، وأرادوا المناصب التي فيها إطفاء نور الله عزّ وجلّ . والهاء في «مناصبه» تعود للمُضمَر.
6- اللّواهب: جمع اللاهبة، وهي النار المُستعِرَة.

بِهَا صَمَّمُوا أَنْ يُحْرِقُوا دارَ فاطمٍ *** وَ مِنْ نُورِهِ قَدْ نَوَّرَ الْكَوْنِ ثَاقِبُةً(1)

بِهَا الْبِضْعَةُ الزَّهْرَاءُ أَلْقَتْ جَنِينَها *** بِضَغطٍ رَقَّت أَوجَ السماءِ نَوادبُة(2)

فَيالَكِ نَاراً طَبَّقَ الْكَوْنَ شَرِّها *** فَدَبَّت لی آلِ النَبيّ عَقاربُة(3)

بِهَا الحَيدَرُ الكَرّارُ قِيدَ مُلَبَّباً *** وَ شُنَّت عليهِ في الحَياةِ حَرائبُة (4)

وَ عَمِّمَ مِنْهُ الرَّأْسِ سَيْفُ ابْنِ مُلْجَمٍ *** فَغُودِرَ فِي المِحرَابِ وَ الدَّمُ خاضبُة (5)

ص: 104


1- ثاقبُهُ : أي نُورةُ الثاقب المُضيء، أي ثاقبُ تور دارها. وفي البيت إشارة إلى إحراقهم بيت فاطمة بنت محمد صلی الله عليه و اله و سلم ، وهو ما اتّفقت عليه كتب التاريخ والحديث.
2- إشارةً إلى إسقاط جنين الزهراء عليها السلام الا بعد أن ضربوها، فقد رُوي في كتاب (سليم بن قيس ص 37) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه في حديث طويل قال : فانطلق قنفذ، فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وبادر على عليه السلام إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه، فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه ، وألقوا في عنقه حبلا أسود، وحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط على عضٍدها، فبقي أثرٍه في عضدها من ذلك مثل الدُملُج من ضرب قنفذ إياها، فأرسل أبوبكر إلى قنفذ: اضربها، فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعة من جنبها، وألقت جنينة من بطنها ، فلم تزل صاحب فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة عليها السلام.. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
3- دبيب العقارب كناية عن شدة الأذى ، لأن[ العقارب إذا دبت على أحد لسعته.
4- الحرائب : الفجائع، جمع الريبة وهي الفجيعة، كالشَّتيمة من الشتم. والحَيدَرة والحَيدَرهُ : الأسد، ويقال : حیدرة بلا لام، وبه سمي أمير المؤمنين عليه السلام حيدرة وحيدراً.
5- إشارة إلى شهادة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام بسيف عبد الرحمان بن ملجم المرادي لعنه الله . ففي (کنز العمال 6: 412) قال: عٍرضت على عليه السلام الخيل، فمر عليه ابن ملجم فسأله عن اسمه (نسبه) فانتمى إلى غير أبيه، فقال له : كذبت ! حتى انتسب إلى أبيه، فقال: صدقت، اما إن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم حدثني أن قاتلي شبه اليهود، وهو يهودي، فأمضه. وقال ابن حجر في صواعقه المحرقة ص 80): فلما كانت الليلةٍ التي قٍتل في صبيحتها، أكثر الخروج - يعني عليّاً- والنظرَ إلى السماء، وجعل يقول: والله ما كَذبتُ، ولا كُذبتُ، وإنّها الليلة التي وُعِدت، فلمّا خرج وقت السحر ضربه ابن ملجم الضربة الموعود بها ..

بِها الْحَسَنُ الزاكي تَقَطَّعَ قَلْبُهُ *** بِسُمَّ فَمِنْهُ الدِّينِ قُطِّعَ جانبُه(1)

كَما جَدُّهُ المختارُ قُطِّعَ قَلْبُهُ *** بِسُمَّ فَمِنْهُ الدِّينِ هُدَّت شَناخِبُة(2)

ومِنها طَمَت فِي كَربلا لُجَّهُ البَلا *** عَلى فُلَكِ نُوحٍ وَامتَطَى الكَربَ رَاكِبُهُ (3)

فَمَنْ صَعدَهِ الباغِينَ مِنْبَرَ أَحْمَدٍ *** عَلى صَعدَهٍ رَأْسُ ابْنِه الْبَغْيِ ناصِبُة (4)

وَأَصعَدَ شِمراً فَوْقَ صَدْرِ ابْنِ أَحْمَدِ *** وَ يا طالَما صَدْرُ النّبيِّ يُلَاعِبُه(5)

وَ سَيْفٌ لَهُ تِلْكَ السَّقِيفَةُ جَرَّدَت *** لَقَدْ جَرَّدَت رَأْسَ الْحُسينِ ضَرائبُة (6)

ص: 105


1- إشارة إلى يوم السقيفة التي بها انقلب الناس على أعقابهم وتجرأُوا على أهل البيت، ومهّدت لقتلهم عليها السلام، ويشير الشاعر إلى شهادة الإمام الحسن بن علي بن ابي طالب عليه السلام وأن قتله كان من نتائج السقيفة. وروی صاحب (مستدرك الصحيحين ج 3 ص 176) بسنده عن قتادة بن دعامة السدوسي قال: سم[ت ابن الأشعث بن قيس الحسين بن علي عليه السلام ، وكانت تحته، ورٍشيت على ذلك مالاَ.
2- إشارة إلى اتّفاق اليهود والشيخين وابنتيهما على سَمُ رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم ، فكان ذلك منهم .
3- إشارة إلى واقعة كربلاء وشهادة الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وأهل بيته .. وأن هذه الواقعة أيضا من نتائج السقيفة.
4- صَعدَة الأُولى: اسم مرَة من صَيِدَ يصعَدُ، بمعنی ارتقى. والثانية بمعنى القناة المستوية المستقيمة، وأراد هنا القناة التي رُفع عليها رأس الإمام الحسين عليه السلام .
5- الضمير في «أصعَدَ» يعود للبَغي، أي : أصعَدَ البغيُ شمراً فوق صدر الحسين عليه السلام . في ( الاستيعاب لابن عبد البر 1: 144) قال : سمعت أبا هريرة يقول: أبصرَت عيناي هاتان و سمعت أذُناي رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم ، وهو آخذ بكفَّي حسين وقدماه على قدمي رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم وهو يقول: ترقَّ ، ترقَّ عين بقّة. فرقيَ الغلام حتّى وضعت قدمَيه على صدر رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم ، ثم قال رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم: افتح فاك. ثمّ قبله ثمّ قال : اللهمّ أجبَّه ؛ فإني أُحبُه. .
6- جَرَّدَ السيفَ : سلَّهُ. جَرَّدَ العُودَ: قشرهُ، وهنا أراد قطع الرأس الشريف. وضرائب السيف: جمع ضريبة، وهي حدُّهُ .

وَجَزلٌ أدارُوةُ على دارِ حَيْدَرٍ *** بِهِ أَُحرِقَت فِي كَرْبَلَاءَ مُضَارِبُه(1)

وَ قَودُ الوصيِّ المُرتَضی بِنِجادِهِ *** يُقَادُ بِهِ سَجّادُهُ وَ نَجائِبُة(2)

وَ جَيْشٌ عَلَى الكَرّار حُمَّت سُيُولُةُ *** لِقَتَلَ ابْنِهِ فِي الطَّفِّ جُرَّتْ كَتاةبُة(3)

وَ إسقاطُ بِنْتِ الْمُصطَفى الطُّهْرِ مُحْسِناً *** بِهِ لحُسينِ أَسْقَطَ الطِّفْلَ ناشبُة(4)

ص: 106


1- إشارة إلى حرق القوم لبيت علي عليه السلام مما أدى إلى تجرؤ القوم في كربلاء لحرق خيام بنات رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، ففي ( الكامل لابن الأثير 4: 32): لما قتل أبو عبدالله الحسين عليه السلام مال الناس على قله ومتاعه، وانتهبوا ما في الخيام وأضرموا النار فيها، وتسابق القوم على سلب حرائر الرسول صلي الله عليه و اله و سلم فقررن بنات الزهراء عليها السلام حواسر مسلبات باكيات .. والخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- النجاد: حمائل السيف. ونجائب : جمع نجيبة، وهي الفاضلة الكريمة الحسيبة. والنجائب هنا حرائر آل الرسول صلي الله عليه و اله و سلم. وفي البيت إشارة إلى ما روي من أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قادوه بنجاده من بيته لكي يبايع، وقد مهد ذلك إلى تجرؤ القوم في كربلاء لسحب حفيده الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام مكبلا بالحديد، فقد روي في كتاب ( مقتل الحسين عليه السلام للمقرم ص316 ناقلا خطبة الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام ): وجيء بعلي بن الحسين على بعير ظالع والجامعه في عنقه، ويداه مغلولتان إلى عنقه ، وأوداجه تشخب دما .
3- حمت : اغليث وفورت. حم التنور: أحماه، والماء : سخنه
4- الناشب : الرامي بالنشاب، وهو هنا حرملة بن كاهل لعنه الله . وفي البيت إشارة إلى تجرؤ القوم الذين أسقطوا جنين الزهراء عليها السلام وقد مهد إلى تجرؤ من بعدهم لقتل رضيع الحسين عليه السلام في کربلاء، بل هما رضيعان ، فقد روي: في كتاب ( مقتل الحسين عليه السلام للمقرم ص 272): ودعا (أي الحسين عليه السلام ) بولده الرضيع يودعه، فأتته زينب بابنه عبدالله و أمه الرباب، فأجلسه في حجره يقبله ويقول: بعدا لهؤلاء القوم إذا كان جدك المصطفى خصمهم! ثم أتی به نحو القوم يطلب له الماء، فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه، فتلقى الحسين عليه السلام الدم بكفه، ورمی به نحو السماء. وفي ( تاريخ اليعقوبي / ط النجف /ج2 ص 218): إن الحسين عليه السلام لواقف إذ أتي بمولود له ولد الساعة (وهو ابن أم إسحاق بنت طلحة زوجة الحسين عليه السلام ) ، أذن في أذنه وجعل يحتکه، إذ أتاه : سهم وقع في حلق الصبي فذبحه، فنزع الحسين السهم من حلقه وجعل يلطخه بدمه ويقول : والله لأنت أكرم على الله من الناقة ، ولمحمد أكرم على الله من صالح. ثم أتي فوضعه مع ولده وبني أخيه.

وَ خُطْبَتُها فِي مَجْلسٍ عِنْدَ «حَبتَرٍ» *** بِهِ زَينَبٌ لاقَت يَزِيدَ تُخاطِبُة(1)

وَ مِنْ مَشْيِها تَرْجُو لِتَخْلِيصِ حَيْدَرِ *** مَشَتْ زَيْنَبٌ نَحْوَ الْعَليلِ تُجانبُة (2)

وَ لَمْ أَنْسَ مَهْمَا أَنْسَ فاطِمَ إِذْ دَعَتْ *** أَبَاهَا بِدَمعٍ أَقْرَحَ الطَّرَفِ ساکبُه(3)

ص: 107


1- إشارة إلى غصب الخلافة وحق الزهراء عليها السلام في فدك وفي إرثها، مما دعا الزهراء عليها السلام لأن تخطب أمام الأول - وهو حبتر - والثاني وجمع من الناس بمطالبة حقها ونشر ظلامتها. وقد تكرر هذا الموقف لزينب بنتها عليها السلام لأن تخطب أمام یزید بن معاوية بعد مقتل أخيها الحسين عليه السلام وسبيها إلى يزيد ووقوفها في مجلسه، وخطبتها كانت لنشر ظلامة الحسين.
2- جانبَهُ : سار إلى جنبه ولم يفارقه. ولقد مشت الزهراء عليها السلام خلف أميرالمؤمنين لتنقذه من أيدي القوم لما سحبوه للبيعة، وقد تقدم ذكر طرف من ذلك، وانظره ببعض التفصيل في (تفسیر العياشي 2 تفسير الآية 65 من سورة الأنفال). وأما دفاع زينب عليها السلام عن الإمام السجاد، ففي كتاب مقتل الحسين عليه السلام للمقرم ص 325) في حديث طويل : والتفت عبيد الله بن زیاد إلى علي بن الحسين عليه السلام وقال له: ما اسمك؟ قال: أنا علي بن الحسين، فقال له : أو لم يقتل الله عليا ؟! فقال السجاد عليه السلام : كان لي أخ أكبر مني يسمى عليا قتله الناس. فرد عليه ابن زیاد بأن الله قتله، قال السجاد : الله يتوفى الأنفس حین موتها، وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله. فكبر على ابن زیاد أن يرد عليه، فأمر أن ضرب عنقه! لكن عمته العقيلة اعتنقته وقالت : حبك يا ابن زیاد من دمائنا ما سفكت ! وهل أبقيت أحدا غير هذا ؟! فإن أردت قتله فاقتلني معه. وقد ذكر الواقعة : ابن جرير الطبري في (المنتخب من الذيل ص 89- ملحق بالتاريخ ج12)، وأبو الفرج الأصبهاني في ( مقاتل الطالبين ص 49 - ط إيران، والأميري في (حياة الحيوان - بمادة بغل ) ، و ( المنتخب للطريحي ص 238 - المطبعة الحيدرية)، و(نسب قريش لمصعب الزبيري ص 58). وانظر أيضا ( تاريخ الطبري 6: 263)
3- إذ صرخت تجهر بالبكاء: وا أبتاه ، وا رسول الله! ابتك فاطمة تكذب، وضرب ! ويقتل جنين في بطنها . ( الهداية الكبرى للخصيبي 408، بحار الأنوار 19:53)

لِقَدَّ كُنْتَ يا خَيْرَ الْخَلائقِ مَعْقِلاً *** تَحُلُّ عِقالَ النائباتِ جَوَانِبُه(1)

بِنُورِكَ كانت تَستَضِيءُ أَولُو الحِجي *** فَبَعْدَكَ نُورُ الْحَقِّ أَظلَمَ لَاحِبِهُ (2)

وَقَدْ أُثْكِلَث أَُمُّ المَعالي وَأَُيَّمَتْ *** وخابَتْ بَنُو الآمالِ مِمّا تُطالِبُة

تَهَضَّمَنا القومُ اللِّثامُ بّبُغضِهِمْ *** وَأَدرَكَ منّا الوِترَ مَنْ هُوَ طَالِبُه (3)

فَها نَحنُ لمّا غِبْتَ عَنّا بَذْلَةُ *** يُجاذّبُنا صَرْفُ الْبَلا وَنُجَاذِبُه

يَحِنُّ حَنينُ الْهِيمِ مَسجدُکَ الَّذِي *** بِنُورِمُحيَّاكَ اِسْتَنَارَتْ مُحَارِبُه (4)

ومَخطَبُكَ السّامي أَقامَ خُطُوبَهُ *** غَداهَ خَلا مِن أوْجِ مَرقاةُ خَاطِبُة(5)

وَنادِيكَ مُذْ غاضَ النّدي عَنْهُ صَؤَّحَت *** رُباهُ كَأَنَّ لَمْ يَغنَ بِالْأَمْسِ جَانِبُِه (6)

لِقَدَّ تَرَِبَتْ كَفُّ العُفاهِ وَلَمْ تَنَلْ *** بَلالَ نَدي إِلّا سَراباً يُناوبُة (7)

أََتَحيَا رُفاتٌ وَالحَياءُ تَقَشَّعَتْ *** بِعاصِفَةِ الأَرجاءِ عَنْهُ سَحَائِبُة؟(8)

ص: 108


1- تحُلُّ : تَفَّکٌ
2- اللاحب: الطريقُ الواضحُ.
3- الوتر: الثأر والانتقام.
4- الهيم: العطاشُ. وكان من كلامها تخاطب أباها المصطفی صلی الله عليه و اله و سلم في قبره: وا أبتاه ، وا محمداه ، وا أبا القاسماه، وا ربيع الأرامل واليتامی! ممن للقبلة والمصلى، ومن لابنيك الوالهة الثكلى ؟! بحار الأنوار 63: 175/ ح15)
5- المَخطبُ : مكان الخطابة، وهو المنبر. وخُطوبهُ : مصائبه. والخاطب : الخطيب.
6- غاض: غار ونضب . وصوح النبت : يبس . والمعنى مأخوذ من قوله تعالى في الآية 34 من سورة يونس : «فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ» .
7- العُفاة : جمع العافي، وهو طالب الفضل والرِّزق. والبلال، بتثليث حركة الباء : ما يُبَلُّ به، والنداوة.
8- الرُّفاتُ : الحُطام، وكُلٌ ما تکسَّرَ وبلي . والحَيا والحياةُ : المطر؛ لإحيائه الأرض والناس

فَوا ضَيْعَةَ الإسلام بَعْدَ كَفِيلِها *** وَخَيْبَةَ مَن أَخنَت عَلَيهِ مَارِبُه(1)

وَمِنْ أَيْنَ تَعْلُو لِلمَحامِدِ رايَةٌ *** وَ «أَحمَدُها » فِي التُّرْبِ رُضَّتْ تُرائِبُة(2)

وَأَنّي بَنو الحاجاتِ تَجرِي سَفِينُها *** وَزاخِرُ مَجراها بِفَقدِکَ نَاضِبُةً(3)

أَبِي فُتِحَت عَيْنُ الضَّلالِ لِظُلمِنا *** بإغْماضِ طَرفٍ مِنْكَ فينا تُراقِبُةً

فَذَا صِنوُکَ الْكَرَارُ أَصْبَحَ صاغِراً *** وَنَازَعَهُ حَقَّ الخِلافَةِ غَاصِبُةً

وَسِبْطَاكَ مَا رَاعَوْا حُقُوقَکَ فِيهِما *** كَانَّکَ فِي أََجْرِ الْمَودَّةِ كاذِبُةً(4)

فَهَا مَدمَعي يَنْهَلُّ كالشُّبِ وابِلُه *** وَعُمريَ مِنْهُ زَادُهُ وَمَشَارِبُةَ

وَهَوََّنَ خَطْبِي انَّ عُمْرِيَ مُنْقَضٍ *** وَأَنَّ بَعيدَ الْمُلْتَقَى مُقَارِبُةً(5)

ص: 109


1- الضمير في «كفيلها» يعود للزهراء عليه السلام ، والأفضل أن يكون كفيله» ليعود إلى الإسلام. وأخنت عليه: أهلكته. والمآرب هنا: المطامع.
2- الترائب : جمع التريبة، وهي عظم الصدر. والمراد هنا مطلق العظام.
3- الزاخر: الفائض الطامي الممتلئ . والناضب : الجافّ الغائر.
4- يصوّر لنا الشاعر عدم إجلال القوم للسبطين الحسن والحسين عليهما السلام بعد وفاة النبي صلی الله عليه و اله و سلم، وكأن رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم لم يبلغ آية المودة في قرباه . فقد روي في (كتاب سليم بن قيس الهلالي رضي الله عنه ص 43) في حديث طويل يشير إلى بعض ذلك حيث يقول: فقام عمر فقال لأبي بكر - وهو جالس فوق المنبر -: ما يجلسك فوق المنبر وهذا جال محارب لا يقوم فيبايعك ؟! ( ويقصد الإمام عليا عليه السلام)، أو تأمر به فتضرب عنقه !! والحسن الحسين علي قائمان، فلما سمعا مقالة عمر بكيا، فضمهما ليلا إلى صدره فقال: لا تبكيا، فوالله ما يقدران على قتل أبيكما. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. وكان من أبياتها التي ترثي أباها صلی الله عليه و اله و سلم وتشكو إليه ما جرى عليها: إنا رزئنا بما لم يرز ذو شجن *** من البرية لا عجم ولا عرب ضاقت علي بلاد بعد ما رحبت *** و سيم سبطاك شفة فيه لي تصب بحار الأنوار 43: 196/ ح 27 - عن: مناقب آل أبي طالب)
5- قالت لأمير المؤمنين عليه السلام في آخر أيامها وساعاتها: یا ابن عم، إنه قد نعيت إلى نفسي، وإني لا : أرى ما بي إلا أنني لاحق بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي .. (بحار الأنوار 43: 191/ 20 - عن: روضة الواعظين للفتال النيسابوري)

وَكَيْفَ بَقاءُ الجِسمِ مِن غَيْرِ رُوْحِهِ *** وَفِي الْقَلْبِ مَا يُذَكِّي لَظَى الْوَجْدِ لاهبُة (1)

فهذا هُوَ الرُّزْءُ العَظِيمُ الَّذي بِهِ *** عَظِيمُ الْبَلَا يُنسى وَ تُسلي مَصائِبُه

***

أَيا سَيِّدَ الرُّسْلِ الشّفيعَ لِمَنْ عَصى *** أَغِث أَبِقاً قَدْ أُؤْبَقَتُهُ مَعايِبُةَ(2)

إِذَا خَفِّ مِيزاني بما كَسَبَت يَدِي *** فَثَقْلهُ كَيْ لَا تُسْتَخَفَّ مَكاسِبُةَ(3)

فَحُبُّکَ يَا مَوْلَاِي أَحمَدُ صالحٍ *** سَما أَسمي بِهِ فَلَتَعْلُ مِنْهُ مَرَاتِبُةَ

عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ السّلامِ(4) سَلامُهُ *** تَروحُ وتَغدُو کُلَّ آنٍ رکَائِبُه(5)

ص: 110


1- يُذكي : يشعل، يُؤجّج.
2- أوبَقَتهُ: أهلَكَتهُ. وأراد بالمعايب المعاصي.
3- تُستَخَفَ: تُقد خفيفة .
4- السَّلام : من أسماء الله سبحانه ، قال تعالى في الآية 23 من سورة الحشر :«هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ».
5- رياض المدح والرثاء ص 125 للشيخ حسن علي البحراني - مؤسسة البلاغ - بيروت - الطبعة الأولى

(5)وديعة أحمد

(مجزوء الكامل)

الشيخ محمد علي اليعقوبي(1)

ص: 111


1- هو الشيخ محمد علي ابن الشيخ يعقوب ابن الحاج جعفر بن حسين اليعقوبي. ولد في النجف الأشرف في منتصف شهر رمضان سنة 1313 ه ونشأ برعاية والده الخطيب التقي والواعظ الشهير الشيخ يعقوب. هاجر والده إلى الحلة الفيحاء فنشأ شيخنا اليعقوبي في مستهل صباه ومطلع شبابه في مدينة الأدب والشعر. ابتدأ خطواته التعليمية الأولى في مكاتب القرآن الكريم، فتعلم القراءة والكتابة، وكان أستاذه الأول السيد سلمان آل و توت ثم محمد حسن مبارك. أخذ المترجم دروسه في النحو والصرف والمعاني والبيان والبديع على يد والده الشيخ يعقوب حتى برع في هذه العلوم، ونظرا لميله الشديد نحو المنبر والخطابة والإرشاد والوعظ أعطاه اهتماما كبيرة، وكان لمكانة والده في المنبر - حيث كان من الخطباء البارعين - الأثر الكبير في سلوکه مجال الخطابة. فكان اليعقوبي الولد يرقى المنبر الحسيني بكل جدارة وقوة وهو في سن مبكرة. وفي سنة 1329ه توفي والده فازدادت ملازمته للسيد محمد القزويني فغمره برعايته وأفاضل عليه من علمه الغزير وأدبه الجم وثقافته الواسعة حتى برع في الفقه والأصول وتفسير القرآن الكريم والأدب واللغة والنقد والتاريخ، فكان السيد القزويني مدرسته التي نشأ في حجرها وكان على يديه جل تحصيله العلمي والأدبي. وكان المترجم من المجاهدين ضد الاحتلال البريطاني، شهدت جهاده مدن البصرة والسماوة والرميثة والناصرية والحلة وغيرها، وبعد انتهاء المعارك عاد إلى النجف الأشرف فألقى فيها عصا الترحال، وبعد فترة وجيزة من تأسيس جمعية الرابطة الأديبة) انتخبه أعضاؤها بلاجماع عميدة لها تقديرا لمكانته الأدبية واعترافا بمنزلته العلمية، وبقي يتجدد انتخابه عميدة لها إلى أن البي نداء ربه الكريم : أما آثاره العلمية والأدبية فكثيرة نذكر منها: 1 - المقصورة العلية، وهي قصيدة تناهز 450 بيتا وهي في سيرة الإمام علي عليه السلام. 2- عنوان المصائب في مقتل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام . 3 - الذخائر، وهو ديوان خاص في أهل البيت عليهم السلام. 4 - البابليات في أربعة أجزاء عن شعراء وأدباء الحلة. كما جمع الكثير من أشعار الشعراء التي كانت مبعثرة هنا وهناك مثل شعر السيد جعفر القزويني والشيخ عبدالحسین شکر والشيخ عباس الملا علي والشيخ يعقوب والشيخ محمد حسن أبو المحاسن والشيخ صالح الكواز والحاج حسن القيم الحلي وحفظها من الضياع. توفي في فجر يوم الأحد 21 جمادی الثانية 1385ه لموافق1995/10/17م مودعا الحياة عن عمر يناهز ثلاثة وسبعين عاما ، فنعته الأدباء والشعراء وأحدث رحيله دويا في أوساط العلماء والخطباء وعمت الناس موجة حزن وأسي جليلين.

تَرَكَ الصَّبا لَكَ والصَّبابَة *** صَبَّ(1) كَفاهُ ما أَصَابَه

اَنسَتةُ أَيَّامُ المَشِی *** بِ هَوّی بِهِ أَفْنَى شَبَابَه

أَوْ بَعْدَ مَا ذَهَبَ الشَّبا *** بُ مُوَدِّعاً يَرْجُوا إيابَة؟

وَسَری بِهِ حادِي اللَّيا *** لِي لِلرَّدَی يَحدُو رِكابَه

هَيْهَاتَ دَأْبُكَ فِي الْهَوَى *** لَمْ يَحكِ بَعْدَ الْيَوْمِ دَابَة

لَيْسَ الخَلِيُّ(2) كَمَنْ غَدا *** رَهنَ الجَوى حِلفَ الْكَآبَة

مَا شابَ لَكِنَّ الْحَوَا *** دِثَ قَدْ رَمَتهُ بِما أَشابَة

أسوانَُ(3) ممَّا نَابَهُ *** والوَجدُ أَ نَشَبَ فِيهِ نَابَه

لَمْ يَدعُهُ لِنَبِی الهُدی *** دَاعِيَ الأَسَي إِلّا أَجَابَه

صَبَّ الإلَهُ عَلَى بَنِي *** صَخْرٍ وَ حِزْبِهِمُ عَذَابَهُ

ص: 112


1- الصب: العاشقُ ذو الولع والوته الشديد.
2- الخليّ: الخالي من الهم . والجَوي : شدّة الوجد من العشق .
3- أسوان : حزين .

الا جازَ بِالشَّامِ النَّسِي*** مُ ولا هَمَتْ فِيهِ سَحابَة

سَنُّوا بِهَا سَبَّ الْوَصِي *** ي لَدَى الفَرَائِضِ والخِطابَة

سَدُّوا عَلى الآلِ اَلْقَضَا *** ءَ وَضَِيَّقُوا فِيهِمْ رِحَابَة

حَتَّى قَضَوْا وَالمَاءُ حَو *** لَهُمُ وَمَا ذاقُوا شَرَابَة

بِالطَّفِّ بَيْنَ مُصَفَّدٍ *** ومُجَرَّدٍ سَلَبُوا ثِيَابَه

ضَرَبُوهُم بِمُهَنَّدٍ *** شَحَذَ اَلأَلي لَهُمُ ذُبَابَه(1)

وَلَقَدْ يَعِزُّ عَلَى رَسُو *** ل اَللَّهِ مَا جَنَتِ اَلصَّحَابَة(2)

قَدْ مَاتَ فَانْقَلَبُوا عَلَى اَلْ *** أَعْقَابِ لَمْ يَخْشَوْا عِقابَه

مَنَعُوا اَلْبُتُولَةَ أَنْ تَنُو *** حَ عَلَيْهِ أَوْ تَبْكِي مُصَابَة (3)

نَعْشُ اَلنَّبئِّ أَمَامَهُمْ *** وَوَرَاءَهُمْ نَبَذُوا كِتَابَة (4)

لَمْ يَحْفَظُوا لِلْمُرتَضَي *** رَحِمَ النُّبُؤَةِ والْقَرَابَه

لَوْ لَمْ يَكُنْ خَيْرَ الوَرى ***بَعْدَ اَلنَّبِيِّ لَمَا اِسْتِنَابَة

قَدْ أَطْفَأُوا نُورَ الهُدى *** مُذْ أَضْرَمُوا بِالنَّارِ بَابَه

ص: 113


1- شحذ: أحدٌ. ذباب السيف: طرفه الذي يُضربَ به. وصلة الموصول محذوفة، أي : الأولى تقدَّموا.
2- يَعزُ: يصعُبُ .
3- في الخصال ص 272 ح 15 عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث طويل قال : وأما فاطمة عليها السلام فبكت على رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم حتّى تأذي بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر - مقابر الشهداء - فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف. الحديث طويل أخذنا معه موضع الحاجة .
4- صورة شعرية غاية في الروعة، حيث قابل الأمام بالوراء ، فنعش النبي أمامهم لم يدفن بعد، وقد نبذوا الكتاب وراء ظهورهم.

أَسَدُ الإِلَهِ فَكَيْفَ قَدْ *** وَلَجَتْ ذِئَابُ القَوْمِ غَابَة(1)

وَعَدَوا على بِنْتِ اَلْهُدَي *** ضَرْباً بِحَضْرَتِهِ اَلْمُهَابَة (2)

في أيِّ حُكْمٍ قَدْ أَبَا *** حُوا إِرْثَ فاطِمَ واغتِصابَه

بَيْتُ النَّبُؤَةِ بَيْتُها *** شادَتْ يَدُ البَارِي قِبابَة (3)

أَذِنَ الإلَهُ بِرَفعِهِ *** وَالقَومُ قُذ هَتَكُوا حِجابَةً

بِأَبِي وَدِيعَةُ أحْمَدٍ *** جُرَعاً سَقاهَا اَلظُّلمُ صَابَة (4)

عَاشَت مُعَصَّبَةَ الجَبِي *** ن تَئِنُّ مِنْ تِلْكَ العِصابَةِ (5)

حَتَّى قَضَثَ وُعُيُونُها *** عَبْرَي وَمُهْجَتُها مُذَابَةٌ (6)

وَأَََمَضُّ خَطبٍ في حَشا ال *** إِسْلامِ قَدْ أُورَي اَلتِهابَة

بِاللَّيْلِ وَاراةَ الوَصِي ***يُ وَقَبرُها عَفَّى تُرَابَه(7)

ص: 114


1- ولجت: دخلت .
2- ورد في كتاب سليم بن قيس ص 38 في حديث طويل عن سلمان رضي الله عنه ، فرفع عمر السيف . وهو في غمده - فوجا به جنبها فصرخت يا أبتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها
3- ورد عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في تفسير قوله تعالى :في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أن تَقَعُ وَيُذكَرُ فيها اسمُهُ أن بيت على وفاطمة من أفضل هذه البيوت.
4- صابه : الصاب شجر مر إذا اعتصر خرج منه کهيئة اللبن.
5- العصابة: الجماعة من الرجال والخيل . وهنا أراد عصابة الشر التي تآمرت على أهل البيت عليهم السلام
6- المصدر السابق ص 38 عن سلمان الفارسي رضي الله عنه في حديث طويل قال: وألقت جنينة من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة عليها السلام.
7- في المناقب لابن شهر آشوب 3: 363 عن ابن عباس قال: أو ست فاطمة عليها السلام أن لا يعلم إذا ماتت أبوبكر ولا عمر ولا يٍصليا عليها . قال : فدفنها علي عليه السلام ليلاَ.

(6)غيره الله

(بحر خفيف) الشيخ علي بن حسن الجشي(1)

غَيرَةُ اَللَّهِ كَيْفَ تَسْطِيعُ صَبْراً *** وَ لِشَمْسِ الإسلامِ حَانَ غُروبُ

بَدَاَ الدِّينُ فِي الأَنامِ غَرِيباً *** وَأَراهُ قَدْ عادَ وَهُوَ غَرِيبٌ(2)

ص: 115


1- آية الله الشيخ علي بن الحسن بن محمد علي بن محمد بن يوسف الجشي القطيفي ، ولد في 17 شهر رمضان سنة 1299ه. ق في القطيف. درس في وطنه، ثم سافر إلى النجف الأشرف وبقي هناك لتحصيل العلوم الدينية، ثم عاد إلى وطنه، ثم عاد إلى العراق سنة 1319ه، وبقي فيها ثمانية أعوام، فلقي أساتذة النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء، ثم رجع إلى وطنه سنة 1327ه، لكنه سرعان ما استهواه تراب كربلاء فعاد إليها وأقام فيها سبعة أعوام. ثم عاد إلى وطنه سنة 1336ه، فبقي فيه عشرين عاما، أي إلى سنة 1354ه . ثم عاد إلى العراق، فحضر عند الآيات العظام : الميرزا النائيني، وآقا ضياء العراقي ، وأبو الحسن الإصفهاني، ومرتضى الآشتياني، والسيد محسن الحكيم، وغيرهم. وبقي 13 عاما في العراق هذه المرة، حصل فيها على مرتبة الاجتهاد والفقاهة. وله تلامذة كثيرون. وفي سنة 1397ه عاد إلى وطنه، وتولى فيه منصب القضاء، إلى أن توفي سنة 1379ه، ودفن في القطيف في مقبرة الحباكة. له مؤلفات عدة، منها: 1 - نظم كفاية الأصول. 2 - الشواهد المنبرية. 3 - الروضة العلية. 4- الأنوار في العقائد. 5 - منظومة في التوحيد. 6- أجوبة مسائل مختلفة. 7 - ديوان شعره.
2- إشارة إلى ما ژوي عن رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم : ( بدأ الإسلام غريباَ، ثم يعود كما بدأ، فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس ...) الحديث عن كنز العمال (1201) ج ا وح (1192 و 1193 و 1198 و 1199).

شَبَّ عَمْرُو الهُدي عَنِ الطَّوْقِ فيكُمْ *** وطَرِيقُ الهُدي بِكُمْ مَلْحُوبُ(1)

مَا لِتَيمٍ لاَ تمَّ بِشرٌ عَلَيها *** وَ عَدِيٍّ فلا عَدَتها الخُطُوبُ (2)

حَاوَلَتْ مَحْوَ دَعُوهِ الحقَّ حتّي *** تُظهِرَ الشِّرْكَ والضَّلالَ ضُرُوبُ

كَتَبَتْ صَكّها القَدِيمُ وَ قالَتْ *** هَجَرَ الْمُصطَفَي وَ ذَاكَ عَجِيبُ (3)

وَابْتَغْتَ فُرَصَهَ اخْتِلاسٍ فَلَمّا *** حانَ مِن سيّدِ الْهُدَا الْمُغَيبُ

نَشَرَت ما طَوَي النِّفاقَ قَدِيماً *** وَهُوَ في سِتْرِ كَيْدِها مَحْجُوبُ

وَادَّعَتْ مَنْصِبَ الخِلاَفةِ بَغْياً *** حَذَراً أَنْ يفوتَها اَلْمَطْلُوبُ(4)

ص: 116


1- ملحوب : سالك وواضح. «شب عمرو عن الطوق» مثل، وعمرو: هو عمرو بن عدي، والمثل لجذيمة الأبرش. يضرب في ارتفاع الكبير عن هيئة الصغير وما يشتهجن من تحليته بحليته.
2- تيم وعدي قبيلتان ، وقد ذكر القبيلة وأراد بعض أفرادها، حيث أراد أبابکر وعمر، وهذا شائع في کلام العرب.
3- إشارة إلى قول عمر بن الخطاب حين أمر رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم أن يأثوا له بدواة وقلم؛ ليكتب لهم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقال عمر كلمته المشهورة «إنه ليهجر!» راجع : تذكرة خواص الأمة السبط ابن الجوزي الحنفي ص 92 - ط الحيدرية، وص36 - ط إيران، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي - مطبعة النعمان ص 21، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ج - حرف الهاء بعده الجيم - ص229. ونقلت بعض المصادر بدلا من يهجر عبارة: (إن النبي علبه الوجع !). يراجع: صحيح البخاري - كتاب المرض، باب قول المريض: قوموا عني ، والمصدر نفسه ج 1۔ کتاب العلم، وكتاب النبي صلى الله عليه واله و سلم إلى كسرى وقيصر، باب مرض النبي ووفاته، وجہ - کتاب الجزية، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب.
4- حيث كانت هذه الجماعة تعلم بوجود نصوص في حق الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، معوها من رسول الله صلى الله عليه واله و سلم بين تلميح إلى الخلافة وتصريح، مثل: حديث المنزلة، وحديث الدار، وحديث الغدير .. وكثير من التلميحات المعبرة والتصريحات الواضحة، ومع كل ذلك ادعت منصب الخلافة لها بحجج داحضة، وبأحاديث واهية، وأبعدت صاحب المنصب الإلهي.

وَاتَتْ تَطْلُبُ الوَلا مِن عَلِيٍّ *** وَهُمُ يَعْلَمُونَ لا يَسْتَجِيبُ (1)

ولَعَمْرِي مَا بُغْيَةُ القَوْمِ إِلَّا *** لَا يُرِي للاِسلامِ ثَمَّ رَقِيبٌ

فَاَتَوْا دارَهُ بِجَيشِ ضَلالٍ *** زَعَمُوا أَنَّه بِهِ مَغلُوبٌ (2)

وَعُلاهُ مَا القَومُ كُفُّواً وَلَكِنْ *** ذَاكَ فِي سابِقِ القَضَا مَكْتُوبٌ (3)

وَارَادُوا أَنْ يُحرِقُوها فَصَاحَتْ *** فاطِمُ إِنَّ امْرَكُمْ لَمُرِيبٌ

او هَل مَنْصِبُ الوَلا لاِبْنِ تَيْمٍ *** وَعَلَيْهِ أُسامَةُ مَنْصُوبُ (4)

اَنَسِيتُم نَصبَ النَّبِيِّ عَليّاً *** يَوْمَ خُمِّ إِذ قامَ وهُوَ خَطِيبٌ (5)

لِم أَضَعْتُم وَصِيَّةَ اللَّهِ فينا *** ونَكَثْتُم والْعَهْدُ مِنكُم قَرِيبُ

ص: 117


1- أي الولاء لهم، أي أرادوه أن يبايعهم وهم يعلمون أنه لا يفعل ذلك.
2- قال الزهري (وهو من رواة أهل السنة): فوجهوا إلى منزل علئ فهجموا عليه وأحرقوا بابه ، واستخرجوه منه گزها.. وأخذوه بالبيعة فامتنع، قال : لا أفعل، قالوا: نقتلك! فقال : إن تقتلوني فإني عبد الله وأخو رسوله. وبسطوا يده فقبضها، وعسر عليهم فتحها، فمسحوا عليها وهي مضمومة ! ( إثبات الوصية للمسعودي 124)
3- الواو في قوله «و عُلاة» للقسم، أي قسماً بعُلى علي ليس القوم أكفاء لقود أمير المؤمنين عليه السلام ولكن سابق القضاء جرى وكتب بذلك.
4- فيه إشارة إلى أحد أدلة بطلان خلافة أبي بكر، وذلك أنه لو كان خليفة على المسلمين لما أمر النبي صلی الله عليه و اله و سلم ، عليه أسامة بن زيد، وبعثه في جيشه .
5- يشير إلى حديث الغدير الذي نضب الله فيه علياً إماماً للمسلمين، وهو خبر متواتر بین المسلمين سنّة وشيعة، وقد ذكر العلامة الأميني في كتابه (الغدير) عشرات المصادر لهذه الحادثة، وفي (شواهد التنزيل) للحسكاني الحنفي ج 1 ص 157ح 211، وص192/ ح 250: أن النبي صلی الله علیه و اله و سلم ، قد جمع الناس يوم غدير خم، وذلك بعد رجوعه من حجة الوداع، وكان يوما قائضا، حتى أن الرجل ليضع رداءه تحت قدميه من شدة الحر، وجمع الرجال الهوادج وصعد عليها وقال مخاطبا: معاشر المسلمين ، ألست أولی بكم من أنفسكم ؟! قالوا: اللّهم بلى، قال: من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذُل من خذله.

اَكْفَرْتُمْ بِاللَّهِ يَا قَوْمُ أَمْ ما *** قَالَهُ اَلْمُصْطَفي لَكُمْ مَكْذُوبُ (1)

فَارعَوُوا لا رُعِيْتُمُ وَدَعُونَا *** فَعَتَوا لَمْ يُفِدْ بِهِم تّأْنِيبُ (2)

لاَ تَسَلْنِي ما نالَ فاطِمُ لمّا *** دَخَلُوا الدَّارَ فَالْخُطُوبُ شَعُوبٌ (3)

وَاسْتَدارُوا حَولَ الْوصيِّ وَلَوْلا *** حِلْمُهُ ما أَفادَهَا التَّالِيبُ (4)

اَتَري يَرهَبُ الحِمامَ عَلِيٌّ *** بَلْ عَلِيٌّ فِي صَدْرِهِ مَرْهُوبٌ (5)

أَخْرَجُوه مُلَبَّباً لَيْتَ شِعْرِي *** كَيْفَ قِيدَ اَللَّيْثُ الهُمامُ اَلْمَهِيبُ

فَعَدَت خَلْفَهُ اَلْبَتُولَةِ تَدْعُو ***بِرَنِينٍ لَهُ اَلصُّخُورَ تَذُوبُ

أَتُريدُونَ تَقْتُلُونَ عليّاً *** لاَ وَرَبّي فَهُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْمُجِيبُ

فَدَعُوهُ أَوْ أَدْعُونَ عَلَيْكُمْ *** مَا ثَمُودُ أُحري مَا قَد أَصِييوا(6)

ص: 118


1- مکذوبک کَذبُ.
2- ارعوی: رجع الجهل . التانیب اللوم و التعنیف.
3- یشیر فی هذا البیت الی : هجوم القوم علی بيت فاطمه عليها السلام و کسر الضلع و اسقاط الجنين و وإحراق باب الدار، وما أصابها في ذلك اليوم. وقد أشارت المصادر العديدة إلى بعض تلك الأحداث كما يلي : إحراقهم دارها وهم فيها أنساب الأشراف للبلادري ج 1 ص 586)، وضربها من قبل عمر (کتاب سليم بن قيس ص 37)، وضربها بالسوط من قبل قنفذ (كتاب سليم بن قيس، والاحتجاج للطبرسي ج 1 ص 109]، وإسقاط جنينها «المحسن» (شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 2 ص 60)، وكسر ضلعها الاحتجاج ج 1 ص 210] وشعوب: علم للمنية، وهو اسم غير منصرف. أي أن الخطوب التي وقع مميتة. أو هي جمع شغب بمعنى الذع، أي الخطوب متفرقة متعددة.
4- بل لولا الوصية لما أفادهم التأليب والتجمع عليه.
5- أي أنّ لعلئُّ علیه السلام رهبة وخوفا في صدر الموت، فالموت يخافه ، وهو علیه السلام لا يخاف الموت .
6- وأخرجوا عليّا مليَّباٌ، فخرجت فاطمة عليها السلام فقالت : يا أبابکر وعمر، تُريدان أن ترملاني من : زوجي ؟! والله لئن لم تكفا عنه لأنشرن شعري ، ولأشقَن جيبي ، ولآتين قبر أبي ، ولأصبحن إلى ربي . فخرجت وأخذت بيد الحسن والحسين عليهما السلام متوجهة إلى القبر، فقال علي علیه السلام لسلمان: يا سلمان ، أدرك ابنهَ محمد صلی الله عليه و اله و سلم ، فإني أرى جنبتي المدينة تُكفان ... الخ. نقلا عن : الاختصاص للشيخ المفيد ص186، و تفسير العياشي ج 2 ص 67: «والذي بعث أبي محمدأ بالحق نبياً، لئن لم تُخلوا عن ابن عمّي لأضعن قميصَ رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم و على رأسي، ولأصرخنَّ إلى ربّي صرخة تَرون عواقبها فيكم جميعا قبل أن تقوموا من مقامكم ..... الخ (الاحتجاج للطبرسي 113:1 )

و زَرَوا إِرثَها اعْتِداءً فَجَاءَتْ *** وَهيَ عَبْرَي وَدَمعُهَا مَسْكُوبٌ (1)

أَيُّها النَّاسُ راقِبُوا اللهَ فينا *** وَارْقُبُوا فالإِلهُ فِيكُم رَقِيبُ(2)

أَتقولون غابَ أَحمدُ عَنّا *** وَجَفانا حَمِيمُنا و القَرِيبُ؟

وأبانَتْ ضَلالَةُ القومِ لَكِن *** لَم يَكُن فِيهِمُ رَشِيدٌ مُنِيبُ

ص: 119


1- زووا: منعوا، اجتازوا. يشير الشاعر في هذا البيت إلى قضية فدك إر الزهراء من أبيها رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم حيث ژوي عن السيوطي عن أبي الطفيل قال : جاءت فاطمة عليها السلام إلى أبي بكر تطلب ميرائها من النبي صلی الله عليه و اله و سلم فقال أبوبكر : سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم يقول: إن الله عز وجل إذا أطعم نبيا طعمة فهي للذي يقوم بعده . (دلائل الصدق 3: 54) وعن عائشة: إن فاطمة بنت النبي صلی الله عليه و اله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله میرائها من رسول الله صلى الله عليه واله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله قال: «لا نورث، ما تركناه صدقة ، إنما يأكل آل محمد صلی الله عليه و اله و سلم من هذا المال، وإني والله لا أغير من صدقة رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم ، ولاعمل فيها بما عمل به رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم . فأبی أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلی الله علیه و اله و سلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها على علیه السلام ليلاً ولم يؤذن بها أبابكر، وصلى عليها ... الحديث. يراجع: صحيح البخاري ج 5 ص 177.
2- ارقبوا: حادژوا. وفي ديوان الجشي : «وارجعوا» بدل «وارقبواء .

ثُمَّ ابَت کما اَتَت وَ هِيَ صِفْرُ ال *** كَفِّ وَلهي وَحَقُّها مَغْصُوبُ (1)

فَانْثَنَتْ بِالاسِيِّ لما قَدْ عَراها *** فی حَنِينٍ كَما تَحِنُّ النِّيبُ (2)

مَنَعُوها مِنَ الْبُكَاءِ لِتَقضِي *** كَمَداً والْفُوادُ مِنْهَا يَذُوبُ (3)

قُلْ لِبَيْتِ الأَحزانِ ما زالَ حُزْنِي *** لا ولا عَيْشِيَ الهَنِيُّ يَطِيبُ(4)

قُلْ لِتِلْكَ الضُّلُوعِ بَعْدَكِ قَلْبِي *** ما لَهُ جابرٌ فَدَتْكِ القُلُوبُ

لَسْتُ أنسي وُقوفَها وَهيَ تَشُكوا *** لأَبِيها ولا تَراهُ يُجِيبُ (5)

غَصَبُوا حَيْدَرَ الخِلاَفَهْ ظُلْماً *** وَ تُرَائِي لَدَيْهِمُ مَغْصُوبُ

ص: 120


1- الولهی: الحزينة حزناً شديداً.
2- النيب: مفردها النّاب، وهي الناقة المسنة.
3- وفي حديث طویل رواه الصدوق عن البكائين قال فيه: وأمّا فاطمة بنت محمد صلی الله علیه و اله و سلم فبكت على رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم حتّى تأتي بها أهلُ المدينة، وقالوا لها: قد آذينا بكثرة بكائك ! فكانت تخرج إلى المقابر، مقابر الشهداء، فتبكي حتى تقضي حاجتها، ثم تنصرف. وأما علي بن الحسين عليه السلام فبکی ...... الخ. (الخصال - باب الخمسة 273/ ح 15، والأمالي ص 121).
4- في البيت يشير إلى المكان الذي بناه الإمام علي عليه السلام لفاطمة خارج المدينة، والمسمّى ببیت الأحزان، وقد ذكر ابن جُبير الرحالة بيت الأحزان هذا في رحلته ، فقال : ويلي القبة العبّاسيّة بي فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم ويُعرف ببيت الأحزان، يقال: إنّه الذي آوت إليه والتزمت فيه الحزن على موت أبيها المصطفى صلی الله علیه و اله و سلم . يراجع: رحلة ابن جبیر ص 105 - ط دار التراث العربي 1998م. وقال الأستاذ أبو علم في رواية : إن عليّا عليه السلام بني لها بيتا في البقيع شقي ببيت الأحزان، وهو باقي إلى هذا الزمان، وهو الموضع المعروف بمسجد فاطمة في جهة قبة مشهد الحسن والعباس عليهما السلام ، وإليه أشار ابن جُبير . ( كتاب أهل البيت لتوفيق أبو علم ص 167)
5- وعن كتاب ( مؤتمر علماء بغداد ص 135): لما جاءت فاطمة خلف الباب لترد عمر وحزبه ، عصر عمر فاطمة بين الحائط والباب عصرة شديدة، حتى أسقطت جنينها، ونبت مسمار الباب في صدرها، وصاحت فاطمة : يا أبتاه ! یا رسول الله !

وَ جَنِيني قَدْ أَسْقَطُوهُ وَضِلْعِي *** كَسَرُوهُ وقَدْ عَلاني الشُّحُوبُ (1)

وَزَوَوا نِحْلَتي وَ رَدُّوا شُهُودِي *** وَ جَفَوْنِي فَما لِصَوْتِي مُجِيبُ (2)

مَنَعُوني مِنَ البُكاءِ وَقَالُوا *** لِيّ: اَذَيْتنا فَحَسْبِي الْحَسِيبُ (3)

وَرَمَوْنا بِكُلِّ خَطْبٍ عَظِيمٍ *** وأُمُورٍ مِنْهَا الْجَنِينُ يَشِيبُ

يَا لَهَا مِنْ مَصَائِبٍ تَتوالي *** وَ رَزابا لِلْجامِداتِ تُذِيبُ

وَبَهَا أَصْبَحَتْ حَلِيفَةَ سُقْمٍ *** دَأبُهَا الْبَثُّ والأُسِي وَالنَّجِيبُ (4)

نَسِيَتْ نَفْسَها وما هِيَ فيه *** مِن أَذَي القومِ إِذْ أَتَتْهَا شَعُوبُ

وقضَتْ تَنْدُبُ الْحُسَيْنَ بِشَجْوٍ *** ولاِرزاهُ دَمْعُها مَسْكُوب

عَجَباً تُدْفَنُ اَلْبَتُولَةُ سِرّاً *** وَجِهاراً تُراثُها مَغْصُوبُ(5)

ص: 121


1- الشُحوب: تغير اللون من جرّاء المرض. ويشير في البيت إلى ما قد روي عن الإمام عليه السلام في : «فلما أخرجوه حالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها، ودفعها فكسر ضلعها من جنبها، وألقت جنينة من بطنها». (کتاب الاحتجاج 1: 109، ومرآة العقول ج 5 ص 320).
2- النّحلة: هي العطية والهبة. وفي عوالم العلوم ج 2/11 أيضا ص633، ج 27 عن الكشكول: قال عمر لفاطمة حين طالبت بفدك: دَعينا من أباطيلك، وأحضرينا من يشهد لك بما تقولين! فبعثت إلى علي والحسن الحسين عليهما السلام وأمّ أيمن وأسماء بنت عميس، فأقبلوا إلى أبي بكر وشهدوا لها بجميع ما قالت وادعته. فقال: أما علي فزوجها، وأما الحسن والحسين فابناها، وأما أم أيمن فمولاتها، وأما أسماء فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم، وكل هؤلاء يجرون إلى أنفسهم !
3- أي فحسبي الله ، فإن الحسيب هو الله سبحانه و تعالی
4- البَث : أشد الحزن.
5- في الديوان: تراثها منهوبُ. ديوان الشيخ علي الجشي: 97 - 99، ریاض المدح والرثاء: 476.

(7) القبر الشريف

(بحر الكامل)

السيد عيسى الكاظمي

خَطَبٌ يُذِيبُ مِنَ الصُّخورِ صِلابَهَا *** وَيُزِيلُ مِن شُمِّ الجِبالِ هِضابَها (1)

فَلَوَ أَنَّ ما قاسَيْتُ مِنْهُ صادَفَت *** صُمَّ الصّفا مِعْشارَهُ لأَذَابَها

خَطَبٌ لَهُ أََمْسَيْتُ أَصفِقُ راحَتي *** وذَوو المعالِي مِنهُ تَقرعُ نابَها (2)

أَجدَاثَ تَيْمٍ لا سَقَتْ لَكِ حُفرَةً *** دِيمُ السّحابِ وَ يَا عَدِمْتَ رَبابَها (3)

كَلاَّ ولا ريحُ الصّبا لَكِ رَوَّحَت *** أرضاً وَلا رَوّي الْغَمَامُ تُرابَها

قَدْ ضَمَّ تُرْبُك مَن علی إِشراكِها *** يَوْمَ السّقيفةِ نَكَّصَتْ أَعقابَها(4)

ص: 122


1- الخطب : الأمر الشديد. وشُم الجبال : مُرتفعاتها.
2- صفق الراح على الراح كناية عن الحيرة والتعجب. وقرع الناب: كناية عن التألم والتحرق .
3- الأيم: جمع الأيمة، وهي المطر الدائم . والباب : السحاب الأبيض، واحدثه ربابة .
4- إشارة إلى نكوص القوم على أعقابهم بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم ، فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة الغصب الخلافة من أمير المؤمنين علیه السلام . رُوي في كتاب ( الاحتجاج 1: 94) في حديث طويل فيه : وباع جماعة الأنصار ومن حضر من غيرهم، وعلي بن أبي طالب مشغول بجهاز رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم ، فلما فرغ من ذلك ... قال عليه السلام : أنا أحقُّ بهذا الأمر منه ، وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذثم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من الرسول، وتأخذونه ما أهل البيت غصبا ! ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم فأعطوكم المقادة وسلموا لكم الإمارة ؟! و أنا أحتج عليکم بمثل ما احتجبتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله حياً و ميتا، وأنا وصيه ووزيره ومستودع سره وعلمه، وأنا الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم، أولٌ مَن : آمن به وصدقه، وأحسنكم بلاء في جهاد المشركين، وأعرفكم بالكتاب والسنة، وأفقهكم في الدين، وأعلمكم بعواقب الأمور.

اَللَّهُ ممّا قَذْ جَنَتْ إِذْ قَدَّمَتْ *** مَن شادَتِ الضُّلَّالُ فِيهِ قِبابَها (1)

قَدْ أَخَّرَت مَن كانَ غَامِضُ عِلْمِهِ *** لِمَدِينَةِ الْعِلْمِ الرَّفيعةِ بَابَها (2)

فَأَتَتْهُمُ اَلزَّهْرَاءُ تَطْلُبُ إِرْثَها *** وَلَهُمْ أَطالَتْ في الكلامِ خِطابَها

فَغَدَت تُنَمِّقُ تَيْمٌ مِنْ إِشْراكِها *** أَخْبَارَ زُورٍ ما عَدَت كَذّابَها (3)

عَطَفَتْ عَلَي اَلْقَبْرِ الشَّرِيفِ بِرَنَّةِ *** تَشْكو إليهِ مِنَ اللَّئامِ مُصابَها

واللَّهِ ما أَدْرِي لِأَيِّ مُصِيبَة *** تَشْكُو فَقَدْ هَدَّ القِوي ما نابَها(4)

اَلِعَصْرِها بِالْبَابِ حَتَّي أَسْقَطَتْ *** أَمْ حَرقِها يا لَلبَرِيَّة بابَها ؟(5)

أَمْ لَطمِها حَتِّي تَنَائَر قُرْطُها*** وبِهِ تَقَصَّدَ عَينَها فَأَصَابَهَا؟ (6)

أَمْ ضَربِهَا حَتّي تَكَسَّر ضِلْعُها *** ضَرْباً يَرُومُ بِهِ اَلزَّنِيمُ إِيابَها؟(7)

ص: 123


1- قباب : جمعُ قُبة.
2- يراجع: كتاب (فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم على) للمحدث أحمد بن محمد بن الصديق الحسني المغربي، تحقيق الدكتور محمد هادي الأميني.
3- نمقُ الكلام : حسنه وزینه، والمراد هنا اختلاق الأخبار. وعداء : جاوزه وتركه. أي أن خبر «لا نورث» لم يجاوز أبابكر، فإنه الوحيد الذي انفرد به . قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 21:20 وهذا علي وفاطمة والعباس ما زالوا على كلمة واحدة يكذبون الرواية «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» ويقولون إنها مختلفة.
4- القوى : مفعول به . و«ما نابها» فاعل.
5- يشير الشاعر في هذا البيت إلى واقعتين عظيمتين: الأولى عصر الزهراء عليه بين الحائط والباب ، والثانية هي حرق بابها بالنار.
6- إشارة إلى لطم القوم عينها، وصفعهم إياها حتى تناثر قُرطها.
7- الزّنيم: اللّثيم، الأدّعيّ. وإيابها: رجوعها من الدفاع عن أمير المؤمنين عليه السلام. وفي البيت إشارة إلى هجوم القوم على بيت الزهراء علیها السلام وكسرهم لضلعها .

ام غَصْبِهِمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ نِخْلَةَ *** أَمْ خَرْقِهِمْ بَعدَ الكِتابِ كِتابَها (1)

أم فَؤدِهِمْ لاِمامِهِم بِنِجادِهِ *** كَيما يُبايعَ جَهرَةً أذنَابَها ؟! (2)

والطُّهرُ تَهتِفُ خَلفَهُمْ في رَنَّةٍ *** مَلَأت مِنَ البِيدِ القِفَارِ رِحَابَها

مَا عُذْرُهُمْ لِنَبِيِّهِمْ فيها إذا *** ما قَد تَولّی في الْمَعَادِ حِسابَها ؟!

يَؤمٌ بِهِ (الزّهراءُ) تَحمِلُ (مُحسِناً) *** سِقطاً فَنُذْهِلُ لِلوَری ألبابَها ؟!(3)

ص: 124


1- الكتاب : الكتابة، أي أنهم كتبوا الكتاب لها بفدك ثم قوه، فقد كتبه أبو بكر وخرقه عمر. أو المقصود بالكتاب هو كتاب الله القرآن المجيد، أي أنهم خرقوا کتاب فاطمة بعد أن خرقوا کتاب الله ومزقوه إذ لم يعملوا به.
2- إشارة إلى هجوم القوم على بيت علي عليه السلام واقتيادهم له عليه السلام ليبايع . كما رُوي في ( کتاب سلیم بن قیس الهلالي ص 39) في حديث طويل : ثم انطلق بعلي عليه السلام يعتل عتلاً" (أي يجذب)، حتى انتهي به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حُذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأيد بن تحضير وبشیر بن سعد وسائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح .. الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة.
3- إشارة إلى شكوى الزهراء عليهل السلام لأبيها رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم يوم القيامة، ففي الحديث القدسي الشريف لما أسري بالنّبي صلی الله عليه و اله و سلم كان من قول الله تعالى يبين له ما سيجري من مصائب مهولة على أهل بيته: .. وأما ابنتُك، فإني أوقفُها عند عرشی ، فيقال لها: إن الله حكَمک في خلقه، فمن ظَلمک و ظَلَم وُلدک فاحكمي فيه بما أحبتي ، فإنّي أجيز حکومت فيهم. فتشهد العرصة، فإذا أوقف مَن ظلمها أمَرَت به إلى النار .. وأول من يُحكم فيه محسنٌ بن عليَّ في قاتله ، ثُم في قنفذا كامل الزيارات لابن قولویه 551) کتاب وفاة الصديقة الزهراء ص 59 - عبد الرزاق الموسوي - المطبعة الحيدرية - النجف سنة (1951م).

(8)الدرة البيضاء

(بحر الطويل)

الشيخ غلام حسين الغروي الأصبهاني

سَقَی اللةُ أَْنفاسِي مِنَ السَّلسَل العَذبِ *** لأَنظِمَ أبكاراً مِنَ اللُّولُوِ الرَّطبِ

بِمِدحَةِ بنتِ المُصطَفَی يَنجَلي كَزيي *** وانَّ مَعاليها لَأسنی مِنَ الشُّهبِ

وفي مَدحِها القُرآنُ بَل سَائِرُ الكُتُبِ

فَإن لَمْ تُصَدِّق ما أقُولُ وَلا تَدْرِي *** فَسَل آية ( الوُسطی) وَسَلْ( لَيلةَ القَدرِ)

وسَل آية (الكُبری) وسَل سُورة ( الدَّهرِ) *** وسَل آيةَ ( القُربی) وَسَل آية (الأَََجرِ)(1)

وكانَت لِطه المُصطَفی الرُّوحَ الجَنْبِ(2)

حَباها أبُوها بالكَرامَةِ والبِشْرِ *** رَبيبَةُ حِِجْر الوحيِ والنَّهي والأَمرِ

ص: 125


1- آية الوسطى هي قوله تعالى في الآية 238 من سورة البقرة: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) وآية الكبرى هي قوله تعالى في الآية 18 من سورة النجم: وَلَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الکُبری. وسورة القدر وسورة الدهر وآية مودة القربي ، كلها سور وآیات نازلة في حق أهل البيت علیهم السلام
2- ففي (البحار ج 43 ص 54/ ح48) عن مجاهد قال: «خرج النبي صلى الله عليه واله و سلم وهو آخذ بيد فاطمة عليها السلام فقال : من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله».

مُحَدَثَةٌ كانَتْ تُحَدِّثُ بالسّرِّ *** وتُخبِرُها جَهراً مَلائِكَةُ الغُرُ(1) وَمِن نُورِها ضَوءُ المَشْارِقِ والْغَربِ

هِي الدُرَةُ البَيضاءُ في صَدَفِ النُهی *** هي الُغُرةُ النَّوراءُ في ظُلم الدُّجی

ومِشكاةُ انوارِ الهِدايةِ لِلوری *** بِاَبنائها الغُرِّ الكِرامِ أُولي الحِجی(2)

تَشَرَّفَتِ الآباءُ في سالِفِ الحُقبِ

هِي الزّهْرَةُ الزَّهرا تَجَلَتْ تَكَرُّما *** هيَ اللّمْعَةُ النّوراءُ عَزَّتْ وَانّما

هِي الكَوكَبُ الدُّرِّيُّ في أفُقِ السَّما *** تُضِي ءُ لِسُكّانِ السَّماواتِ كُلّما

تَقُومُ بِمِحرابِ تُناجي إلَی الرَّبِّ(3)

ص: 126


1- أي ملائكه الوجوه الغُرِّ على حذف الموصوف. وفي (البحار ج 43 ص 78/ ح 65): عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسی بن زید بن علي قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إنما سُميت فاطمةُ محدِّثة؛ لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم ابنة عمران فتقول : يا فاطمة، إن الله اصطفاك وطهرك واصطفا على نساء العالمين. يا فاطمهُ اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين (إشارة إلى الآية 42 من سورة آل عمران)، فتحدثهم ويحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مریم بنت عمران؟ فقالوا: إن مریم کانت سيدة نساء عالمها، وإن الله جعل سيدة نساء عالمك وعالمها، وسيدة نساء الأولين والآخرين .
2- في كتاب المناقب لابن المغازلي الشافعي ص 317) عن موسى بن القاسم، عن علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن ( الكاظم عليه السلام عن قوله تعالى : (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح) قال: المشكاة فاطمة، والمصباح الحسن والحسين، (الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرّىٌ) ؟ قال : كانت فاطمة كوكباً دُرّياً من نساء العالمين،(َيُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) الشجرة المباركة إبراهيم، (لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ) لا يهودية ولا نصرانيّة، (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) قال : يكاد العلمُ أن ينطق منها، (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ علی نور) قال : فيها إمام بعد إمام، و (يَهْدِي اَللَّهُ بِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) (سورة النور: الآية 35) يَهدي الله عز وجل لولايتنا من يشاء
3- في (علل الشرائع 180/ ح 2 - الباب 143) عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: يابنَ : رسول الله ، لم سُمَّيت الزهراء زهراء ؟ فقال : لأنها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرّات بالنور: كان يزهر نور وجهها صلاة الغلاة والناس في فراشهم، فيدخل بياض ذلك النور إلى حُجُراتهم بالمدينة، فتبيضّ حيطانهم، فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلی الله عليه و اله و سلم ، فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها، فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة ... الخ» .

هِيَ الاِيَةُ الْكُبْري أَكَلَّت أُولي النُّهي *** عُقُولَهُمْ مَا يَبلُغونَ لِمُنْتَهِي

مَكَارِمُِها العَلْياءُ أَنِّي لَهُمْ بِها *** وَكَيوانُ عَلْياها لَاَعلَي مِنَ السُّها (1) فَفِي فاطِمٍ حَارَتْ عُقُولُ ذَوِي اللَُبِّ

هِيَ الشَّمسُ قَدْراً والأشِعَّةُ ساتِرٌ *** بِخِدْمَتِها حُورُ الجِنانِ تُفاخِرُ

لها جارِياتٌ مَرْيَمٌ ثُمَّ هَاجَرُ *** هِيَ الْقُطْبُ خِدراً وَالنِّساءُ دَوَائِرُ

فَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الدَّوائِرِ والقُطبِ

هِيَ بَضْعَةٌ الهادي الرَّسُولِ اَلْمُمَجَّدِ *** وَرَيْحَانَةُ المُختارِ طه مُحَمَّدِ

حَلِيلَهُ كَرَّارِ حَيْبَةِ أَحْمَدِ *** هِيَ العُرْوَةُ اَلؤُثقَي لِقَبْرِيَ فِي غَدِ

شَفِيعَةُ مَنْ وَالِي مِنَ الْعُجَمِ والْعُربِ (2)

فَتَبّاً لِمَنْ بِالدَّمْعِ أَسْجَمَ جَفْنَها *** وتَعْساً لِمَنْ بِالنَّارِ أَحْرَقَ وكْنَها (3)

وسُحْقاً لِمَنْ بِالْعَصْرِ أَسْقَطَ إِنَّهَا *** وَبُعْداً لِمَنْ بِالسَّوْطِ سَوَّدَ مَتْنَها

وفي وَجهِها الدَّمُ مِنَ اللَّطمِ والضَّربِ(4)

ص: 127


1- عقولَهم : بدل من «أُولي النهى»، أي أكلت عُقول أولي النهى. وكیوان : اسمُ لكوكب زُحل بالفارسية. والسُّها: كوكب صغير خفي الضوء في بنات نعش، ولبُعده يمتحن الناس قوة أبصارهم برؤيته.
2- ورد في كتاب (کنز الفوائد للكراجكي ج 1 ص 150): «يا فاطمة البشري، فلك عند الله مقامُ محمود، تشفعين فيه لمحبيک وشيعتک فتشفعين».
3- أسجَمَ: أسال و أسبَلَ . والوکن : عشَ الطائر.
4- قطع همزة «ابن» وهي همزة وصل ضرورة شعرية. وتشديد الميم من «الدَّم» ضرورة أيضاً.

فَلَهْفِي عَلَيْها حِينَ أَبْدَتْ عَوِيلَها *** بِعَولَتِها تُنْسِي اَلْحَمامَ هَدِيلَها

وَكادَتْ لِاَطوادِ الفلاَّ أَنْ تُزِيلَها *** فَما حالُ مَنْ تلقي مِقُوداً كَفِيلَها؟

وَيَا عَجَباً مِنْ قَسْوَرٍ قِيدَ لِلْكَلْبِ (1)

فَأَوْقَفَتِ الأفلاكُ مِن فَرطِ دَهشَةٍ *** وأَذْهِلَتِ الأََمْلاكُ مِن طُولِ زَفْرَةٍ

تُنادِيهِمُ: خَلُّوا ابْنَ عَمِّي ومُهْجَتي *** وَانْ لم تُخَلُّوا عَنةُ أَشْكُو بِعَوْلَتي

إِلَيَّ اللَّهِ يا أَهْلَ الضَّلالَةِ والرَّيبِ (2)

فَأَؤْمَتْ إِلَيَّ الْقَبْرِ الشَّريفِ ودَمْعُهَا *** يَسِيلُ سِجَالاً يَوْمَ قَدْ دِيسَ رُبعُها (3)

وَنَادَتْ وَنَارُ الغَيظِ فِي القلب لَمعُها: *** أَتدْري الرَّزايا قَدْ رَمي الدِّينَ فَظَعُها؟؟

فَلِلَّهِ مِنْ رُزءٍ عَظِيمٍ ومِنْ خَطبِ(4)

ص: 128


1- في كتاب (سليم بن قيس ص 38۔ 39): بعد أن كاثروا الإمام عليّاً وألقوا في عنقه حبلاً، وانطلقوا به يعتلَ عتلاً، حتّى انتهي به إلى أبي بكر، وعمرُ قائمٌ بالسيف على رأسه، وسائر الناس حول أبي بكر..
2- حين أخرج أميرالمؤمنين علي عليه السلام مٍلبياَ، خرجت فاطمة عليها السلام خلفه حتّى انتهت إلى قبر أبيها رسول الله صلى الله عليه واله و سلم فقالت: خُلوا ابن عمي ، فوالذي بعث محمداً بالحقّ، لئن لم تُخلوا عنه لأنّشرنَّ شعري وأضعنُ قميص رسول الله على رأسي، ولأصرخنَّ إلى الله .. ( مناقب آل أبي طالب (118:3 )
3- أومَت : مخفّفة «أومأت». سجالاً : كثيراً متابعاً. وأراد بالرُّبع الدار.
4- الفَظعَ، : الفَظيعَ، وسكّن الظاء للقافية .

(9)يا بابَ فاطم

(بحر الكامل)

الشيخ محمد حسن سميسم(1)

مَن مُبلِغٌ عَنِّي الزَّمانَ عِتابا *** ومُقَرِّعٌ مِنِّي له أَبْوابا؟

وَ مُذَكِّرٌ ما راحَ مِنْ عَهْدِ الصَّبا *** لَوْ عادَ رائقٌ صَفْوِهِ أَوْ آبا (2)

أَيَّامَ أَفْتَرِشُ النَّعِيمَ أَرَائِكاً *** وَأََعِبُّ بِالثَّغْرِ الأَنْيقِ رُضَابا(3)

ص: 129


1- هو الشيخ محمد حسن ابن الشيخ هادي بن أحمد ابن الحاج محمد سميسم اللامي الطائي . اشتهرت أسرة آل سميسم بهذا اللقب ؛ لأن جدها سميسم بن خمير كانت له الزعامة والإمارة في بني لام، وهو الذي نزح من الشام في حدود سنة 902 ه وأسس مشيخة بني لام في محافظة العمارة ( ميسان) في العراق، ثم انتشروا و تفرقوا في مختلف مدن العراق ، وقد نزح آل سميسم الذين منهم صاحب الترجمة إلى النجف الأشرف منذ قرابة قرن أو يزيد، وفيها ولد المترجم سنة ( 1279 ه) ونشأ بها، فترعرع في مدارسها العلمية ومنتدياتها الأدبية يرعاه أبوه، فتخرج على أساتذة قديرين في العلوم الحوزوية من: نحو وصرفي ومنطق ومعان وبيان وبديع وفلسفة وفقه وأصول، ومن أساتذته: السيد علي الشرع، والشيخ محمد طه نجف ، والشيخ على رفيش . كان المترجم، يعد من أصحاب الفضل والأدب الرفيع، ومن الشعراء اللامعين. له نوادر أدبية وشعرية جيدة، وأكثر شعره في أهل البيت عليهم السلام وله ديوان شعر طبع أخيرة باسم سحر البيان وسمر الجنان). وافاه الأجل في «20» جمادى الأولى سنة (1343 ه)، وكان لنعيه رئة أسف على عارفيه، وأبنه جماعة من الشعراء، منهم الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي بقصيدة رائعة.
2- عهد الصَّبا: عهد الحداثة والصَّغر. والمُعجب؛ تقول: راقني الشيءُ: أعجبني .
3- الأرائك : جمع أريكة: سرير مزيَّن يُصَطجَع عليه . عَب الماء: شَربَه من غير تنفّس. الثغر: هنا الفم. الأنيق : الحسن، المُعجب، من أنق الشيء إذا صار أنيقاً . والرُّضاب : الرِّيق المَرشُوف.

وَأُدَاعِبُ الظَّبَياتِ حتّي خِلتَني *** مِن فَرْطِ ما آتِي به تَلْعَابَا (1)

يا ويحَ دَهْرِي رَاحَ يُتْرِعُ لی اَلأََسي *** مِن بعدِ ما ذُقتُ اَلنَّعِيمُ شَرابا (2)

دَهْرٌ تَعامي عَن هُداهُ كأَنَّهُ *** أَصحابُ أَحْمَدَ أَشْرَكوا مُذْ غابا (3)

نَكَصُوا علي الأَعقابِ بَعد مماتِهِ *** سَيَرَونَ فی هذا اَلنُّكُوصِ عِقَابا (4)

سَلْ عَنْهمُ القرآنَ يَشْهَدْ فِيهِمُ *** إِنْ كنتَ لَمْ تَفْقَهْ لِذاك خِطابا(5)

ص: 130


1- الطَّبيات: جمع ظبية وهي أنثى الغزال، تشبه بها النساء، الثلعاب: الكثير اللعب أو المزاح أو المداعبة، ومنه قول أمير المؤمنين علیه السلام: زعم ابن النابغة أني تلعابة.
2- أتزع الكأس: مَلاهُ.
3- التعامي : التظاهر بالعمى، أو العمى نفسه. أخرج البخاري في جزئه السابع - باب الحوض - وقوله تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه واله و سلم قال : بينما أنا قائم فإذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم ! فقلت: أين ؟ قال : إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟! قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم، قلت: أين ؟ قال : إلى النار والله ! قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقهري. فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل العم (أي المتروك المهمل بلا رعاية، كناية عن القلة، والعم: الإبل). وعن أبي سعيد الخُدري : فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ! فأقول: سُحقا سحقاً لمن غير بعدي .(صحيح البخاري 209:7 و5: 66، و 8: 151)
4- إشارة إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: الآية 144 «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ »، في (صحيح البخاري ج 7 ص 208 وج4ا ص 94) قال رسول الله صلى الله عليه واله و سلم لأصحابه : سیُخذ بكم يوم القيامة إلى الشمال، فأقول: إلى أين ؟! فيقال: إلى النار والله ، فأقول: يا رب ، هؤلاء أصحابي ! فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لا يزالون مرتدین منذُ فارقتهم، فأقول: سُحقاً سُحقاً لمَن بدل بعدي . ولا أرى يخلص منهم إلا مثل همل النَعم». نكص على عقبيه: رجع عما كان عليه، والأعقاب جمع عقب: وهو مؤخَّر القدم.
5- الضمير في «عنهم» يعود للمنافقين الناكصين على الأعقاب، وقد ذمهم القرآن أشدّ الدمّ.

فَكَأَنَّهمْ لم يَشْهَدُوا خُمّاً ولا*** بَدْراً وَلاَ أَُحُداً وَلاَ الأحْزابا (1)

وبِخَيْبَرٍ مَنْ رَاحَ يَرْفُلُ بِاللَّوْا *** مَنْ قَدْ مَرْحَبَ مَن أَزالَ البابا (2)

ومَنِ اشترى للَّهِ نَفْسَ مُحَمَّدٍ *** فِي تفْسِيهِ لَمَا دُعِيَ فَأََجابا (3)

مَنْ فِي الصَّلَاةِ يَرى الصَّلاتِ فَريضةً *** مَنْ نالَ خَاتَمَهُ الثمينَ جَوابا(4)

مَن بابُ حِطَّةَ غَيرُ حَيْدَرَةٍ ومَن *** لِمَدينَِهِ المُختارِ كانَ البابا(5)

ص: 131


1- يشير في هذا البيت إلى : واقعة غدیر خم وتنصيب الرسول صلی الله عليه و اله و سلم عليّاً خليفةُ في حضور أكثر من مئة ألف من الصحابة، وإلى بطولاته علیه السلام في معركة: بدر وأُحُد والأحزاب وخيبر، وهي كالشمس في رابعة النهار. .
2- اللّوا: هو اللواء - بالمد - وهو الراية. وقد الشيء: إذا قَطَعَه مُستأصلا. ومرحبٌ : هو بطل اليهود الذي جدَّلهُ أميرُ المؤمنین عليه السلام.
3- أشار الشاعر بهذا إلى مبيت الإمام عليه السلام مكان الرسول صلى الله عليه واله و سلم . وفدانيه بنفسه - ليلة هجرة الرسول صلى الله عليه واله و سلم إلى المدينة، ونزول قوله تعالى : «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ» (سورة البقرة: الآية 207)، في ذلك. قال الهيثمي في (مجمع الزوائد ج 9 ص 123): «وشرى علىَّ نفسه، لبس ثوب رسول الله صلى الله عليه واله و سلم ثم نام مكانه، وكان المشركون يَرومون رسول الله صلى الله عليه واله و سلم ، فجاء أبو بكر وعليُّ نائم، قال أبو بكر: - يحسب أنّه نبي الله صلى الله عليه واله و سلم- فقال : یا نبي الله، فقال له عليّ : إن نبي الله صلى الله عليه واله و سلم قد انطلق نحو بئر ميمونة، فأذرکه، فانطلق أبوبكر فدخل معه الغار. قال : وجعل علىُّ يرمي بالحجارة كما كان يُرمي رسول الله صلى الله عليه واله و سلم وهو يتضوّر، قد لف رأسه في الثوب لا يخرجه، حتى أصبح، ثم كشف رأسه فقالوا: إنك للئيم! كان صاحبك نرميه ولا يتضور، وأنت تتضور، وقد استنكرنا ذلك ...
4- الصُلات: جمع صلَة وهي العطية والإحسان. ونال : أعطى، فهو هنا متعدُّ، نال فلاناً العطيُة ، أعطاه إيّاها. وهنا يشير الشاعر إلى أحد المواقف المشهورة في التاريخ، من تصدق الإمام علي عليه السلام بخاتمه وهو راكع في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله و سلم ونزول قوله تعالى : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» (سورة المائدة، الآية 55)، انظر ( التفسير الكبير 12: 276، والكشاف 1: 624، وتفسير الطبري 6: 186).
5- يشير الشاعر الأديب في هذا البيت إلى كون علئَّ وأهل البيت عليهم السلام هم باب چطة، وإلى كون : عليَّ علیه السلام هو باب مدينة علم النبي صلى الله عليه واله و سلم، فالأول ذَكَره السيوطي في تفسيره (الدر المنثور ج 1 ص 71 قال : أخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب قال : إنّما مَثلنا في هذه الأُمة كسفينة نوح، وكباب حطة في بني إسرائيل. والثاني : ذَكره الهيثمي في كتابه ( مجمع الزوائد ج 9 ص 117) قال : عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله و سلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأته من بابه . ورواه ابن حَجَر العسقلاني في كتابه (تهذيب التهذيب ج 6 ص 320 وج 7 ص 427) عن ابن عباس : أنا مدينة العلم وعليُّ بابها ... الحطة: الاسم من استحطَه و زرهُ، أي سأله أن يحُطَّ عنه وزَره، وباب حطَة: هو الباب الذي أمر بنو إسرائيل بدخوله ، وقيل : هو الباب الثامن من بیت المقدس، قال تعالى :«وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ» (سورة البقرة: الآية 58) أي أدخلوا الباب واسجدوا لله شکرة، واطلبوا من الله أن يحُطَّ عنكم ذنوبكم. وقال رسول الله صلى الله عليه واله و سلم: إنما مثل أهل بيتي فيكم مَثَل باب حِطة في بني إسرائيل، من دخله غُفر له. أخرجه الطبرانيّ في (الأوسط)، والنبهاني في الأربعين)، وقال الإمام الباقر عليه السلام : نحن بابُ حطَّتِكم. (التبيان للطوسي ج 1 ص 263) .

عَجَبا لِقَوْمٍ أَخَّرُوا مِقْدَامَهُم *** بَعْدَ النبيِّ وقدِّموا الأُذنابا (1)

قَدْ أضْمَروها لِلْوَصِيِّ ضَغَائِناً *** مُذْ دَحْرَجُوهَا لِلنبيِّ دِبَابا(2)

ص: 132


1- في خطبة الزهراء فاطمة صلوات الله عليها في نساء المهاجرين والأنصار حين جئن لعيادتها وهي على فراش المرض: .. وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون. ألا هلم فاسمع - وما عشتَ أراك الدهر العجب، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث ! إلى أي سناد استندوا، وبأي عروة تمسكوا؟! استبدلوا الأنابي - والله - بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغما لمعاطس قوم يحبون أنهم يحسنون صنعا، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا یشعرون،(أفْمَن يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدِئَ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون )؟! (دلائل الإمامة للطبري الإمامي 40 - 41، معاني الأخبار للشيخ الصدوق 354 - 355، کشف الغمة للإربلي 1: 492 - 494)
2- الضغائن : جمع ضَغينة، وهي الحقد. والادَّبابُ : جمعُ الدَّبَّة، وهي إناء من جلد يوضع فيه الزيت وغيره. أجهش رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم بالبكاء يوما بعد أن اعتنق عليّاً علیه السلام فسأله: يا رسول الله ، ما يُبكيك ؟! : قال : ضغائن لك في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعد موتي ! (نور الأبصار للشبلنجي الشافعي 92، المناقب للخوارزمي 26، الفضائل لأحمد بن حنبل ج 1 ح 220، کنز العمال 11: 617 - طبع حلب، مجمع الزوائد للهيثمي 118:9 ..)

ليُنفِّروا العَضْباءَ عَن دَربِ الهُدى *** حَتّى يَعُودَ الدِّينُ بَعْدُ يَبابا (1)

نَسَبُوا لهُ هَجْراً لِخَوْفِ كِتابِهِ *** فَكَأَنَّهُمْ لا يسمعونَ كِتابا(2)

ص: 133


1- نفرت الدّابة : شردت. ونفّرَها: شرَّدها. والعضباءُ : اسم ناقة رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم . واليباب: الخراب. إن جماعة من المنافقين اجتمعوا فقالوا: إن هذا الرجل - يعنون به النبي صلی الله علیه و اله و سلم - سلط ابن أبي طالب علينا، ولا نجد فرصة مثل هذه الحالة التي هو منقطع فيها عن علي، فلنتهز هذه الفرصة ونهلكه، ومضوا قدم إلى عقبة كؤود لا يمكن أن يجتاز عليها إلا فرد رجل أو فرد جمل، وكانت تحتها هو مقدار ألف رمح، فمن تعدي عن المجرئ وقع في تلك الهوة وهلك .. فلما وصلوا إلى تلك العقبة أخذوا دبة كانت للدهن من جلد الحمار ليطرحوها بين يدي ناقة رسول الله صلى الله عليه واله و سلم وينفروها لتُلقي محمداً صلى الله عليه واله و سلم في تلك الهوة والغور فيهلك ! فجاء جبرئيل، وأخبر النبيّ صلى الله عليه واله و سلم بمكيدة القوم وأسمائهم، وأخذ زمان ناقة رسول الله صلى الله عليه واله و سلم، وأدخله العقبة، وأظهر الله تعالی برقاً مستطيلاً دائماً، ونظر النبيّ صلى الله عليه واله و سلم إليهم، وعرفهم فافتضحوا (رشح الولاء في شرح الدعاء لأبي السعادات ، تحقيق الشيخ قيس العطّار ص 156- 158، وص190 - 192، وص704 - 712. ويراجع: الخصال للصدوق 499، بحار الأنوار 21: 223، تفسير الإمام العسكري علیه السلام 152 - 156، الاحتجاج 50 - 55، مجمع البيان للطبرسي 3: 51، المغازي للواقدي 3: 1042 - 1043، مسند أحمد 5: 390 و 453، صحیح مسلم 8: 122 - 123، دلائل النبوة للبيهقي 5: 60، والدّر المنثور 3: 258 - 259، والكشاف للزمخشري 2: 277 و 291 292، والسيرة الحلبية 3: 143، ومجمع الزوائد 1: 110 و6: 195، وإمتاع الأسماع للمقريزي 477، و تفسیر ابن کثير 2: 604 - 605، وشرح النهج لابن أبي الحديد 6: 291، وغيرها) وفي أولئك المنفرین ظالمو مولاتنا فاطمة علیها السلام وقاتلوها!
2- الهَجر: الهَذيان في النوم أو المرض. وأشار بهذا إلى الحادثة المعروفة عند مرض الرسول صلى الله عليه واله و سلم الذي مات فيه، وقول عمر بن الخطاب حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه واله و سلم أن يأتوا له بدواة وقلم اليكتب لهم كتاباً لن یضلّوا بعده أبداً، فقال عمر كلمته المشهورة : إنّ النبي ليهجر، أو هَجَر ينظر: صحيح البخاري ج 1 ص 279، وكتاب النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ج 4 ص 250.

مَا كَانَ يَنْطِقُ عَنْ هَوَاهُ وَانَّما *** وَحْيٌ لَهُ يُحْيِي النَّبِيَّ خطابا (1)

يَا بَابَ فَاطِمَ لا طُرِقْتَ بِخِيفَةٍ *** وَيْدُ الهُدى سَدَلت عَلَيْكَ حِجابا (2)

أَوْلَستَ أَنْتَ بِكُلِّ آنٍ مَهْبَطَ إل *** أَمَلاکِ فِيكَ تُقَبَّلُ الأَعتابا(3)

ص: 134


1- يشير في هذا البيت إلى قوله تعالى : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحِي » (3 - 4) من سورة النجم، وهو جواب لقولة عمر المشهورة ونسبة الهجر لرسول الله صلی الله علیه و اله و سلم . وهذه أبيات ثلاثة نظمها الخطيب الشيخ جعفر الهلالي لإكمال فكرة القصيدة يقول فيها: وأمض ما يُدمي الفؤادَ من الأسى *** ويذيبُ من صُمَّ الصخور صلابا لما على بيت النبوة أقبلوا *** ظلما كأن لهم بذاك طلابا عصروا ابنة الهادي ورضوا ضلعها *** لما عليها القوم ردّوا البابا
2- دعاءُ للباب بأن لا يمه الخوف والرعب الذي أحدثه القوم حول الباب وإحراقه بالنار، ودخول البيت بلا إذن في الوقت الذي كان الرسول صلی الله علیه و اله و سلم يدخل إلا بعد أن يستأذن ويسلّم على أهل البيت؛ لأنه كان بيتاً مستوراً بحجاب الإيمان والهدى، وله حرماته. روى الإمام موسی الكاظم عليه السلام عن أبيه الإمام جعفر الصادق عليه السلام أن النبي صلى الله عليه واله و سلم قال: ألا إنَّ فاطمة بابُها بابی، وبيتُها بيتي ، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله . قال الراوي عیسی بن المستفاد: فبكى أبو الحسن الكاظم طويلاًَ ، و قطع بقية كلامه وقال : هُتك والله حجابُ الله، هُتك والله حجابُ الله ، هُتك والله حجابُ الله! وحجاب الله حجابُ فاطمة . (الطُرف لابن طاووس: 146).
3- في كتاب (علل الشرائع 182/ ح 1 - الباب 146) «عن أبي عبدالله عليه السلام يقول: إما سُمَّيت فاطمة محدَّثة؛ لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة، إن الله اصطفاك وطهرك واصطفا على نساء العالمين. يا فاطمهُ اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين (إشارة إلى الآية 42 من سورة آل عمران)، فتحدّثهم ويحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مریم بنت عمران ؟ فقالوا: إن مریم کانت سيدة نساء عالمها، وإن الله عز وجل جعل سيدة نساء عالَمك وعالمها، وسيِّدة نساء الأولين والآخرين». مضافاً إلى أن جبرئيل عليه السلام كان ينزل فيه على النبي صلی الله عليه و اله و سلم .

أََوهٍْ عَلَيْكَ فَمَا اسْتَطَعْتَ تَصُدُّهُمْ *** لمّا أَتَوْكَ بَنُو اَلضَّلاَلِ غِضَابا ؟(1)

نَفْسِي فِدَاكَ أَما عَلِمْتَ بِفَاطِم*** وَقَفَت وَراكَ تُوَبِّخُ الأَصْحَابا

أَوْ ما دَرى اَلْمِسمارُ حِينَ أَصابَهَا*** مِنْ قَبْلِهَا قَلْبَ النّبِيِّ أَصابَا؟

عَتْبِي عَلَى الأَعْتَابِ أُسْقِطَ مُحسِنٌ *** فيها وَمَا انْهَالَتْ لِذَاكَ تُرابا !(2)

حَتَّى تَوارِيَةَ لِئلّا تَسْحَقَ أل *** أَقْدَامُ مِنْهُ أَضْلُعاً وإهابا (3)

هُوَ أَوَّلُ الشُّهَداءِ بَعدَ مُحَمَّدٍ *** وَيَرَى الْمُصابَ عَلَى المُصابِ صَوابا (4)

مَا أَسْطَاعَ يَدفَعُ عَن أَبِيهِ وأُمِّهِ *** فَمَضى لِأحمَدَ يَشْتَكي الأَصحابا

لِمَا عَدَوْا لِلْبَيْتِ عَدوةَ آمِنٍ*** مِنْ لَيْثِ غَابٍ حِينَ دَاسُوا الغابا

لَوْ يَنْظُرُونَ ذُبَابَ صارمِ حَيْدرٍ *** لَرَأَيْتَهُمْ يَتَطَايَرُونَ ذُبابا(5)

لَكِنَّهُمْ عَلِمُوا اَلْوَصِيَّةَ أَنَّها *** صَارَتْ لِصَارِمِه الصَّقيلِ قِرابا(6)

ص: 135


1- أوه: كلمة توجُّع وتفجُّع.
2- الأعتاب : جمع عتبة، وهي أسكفّة الباب، أو الدرجة الأُولى منه. يعاتبها الشاعر ويستغرب أمرها، كيف تشهد تلك الواقعة المفجعة ثم لا تنحط تراباً لهول المصيبة العظمى!
3- الإهاب: الجلد. يكفي في عظمة مقام المحسن صلوات الله عليه أنه كان أول شهید من آل محمد صلوات الله عليهم، وهو أول من لحق بجده صلی الله عليه و اله و سلم ، فهو أول شهيد بعدَه من آله.. وكان أصغر شهيد من آله، في حال لم يستطع الدفاع عن نفسه ولا عن أهل بيته، إذ كان جنيناً بريئاً طاهراً زكيّاً مودعاً في أحشاء سيّدة نساء العالمين ! (مُحسن بن فاطمة لمهدي الفاطمي ص105، الفقرتان 29 و 30.
4- أي رأى أنَّ الموت والمُصاب على مصيبة والديه هو الصواب، فلذلك راح شهيداً. ولغموض مراد الشاعر فّسَّره في البيت اللاحق.
5- ذُباب السيف: طرفه الذي يضرب به . والذُّباب : الحشرة المعروفة.
6- إشارة إلى وصية الرسول صلی الله عليه و اله و سلم لعلئَّ عليیه السلام كما في كتاب (سليم بن قيیس ص 154 - 155): قال : رسول الله صلی الله عليیه و اله و سلم لعليَّ عليه السلام : «إن الناس يدعون ما أمرهم الله به، وما أمرتهم فيك من ولايتك وما أظهرت من محبتك، متعمدين غير جاهلین، مخالفة ما أنزل اللُه فيك، فإن وجدت أعواناً عليهم فجاهذهم، وإن لم تجد أعواناً فاكف يدك واحقن دمك، واعلم أنك إن دعوتهم لن يستجيبوا لك، فلا تدعنّ أن تجعل الحُجة عليك، انتهى . ولذلك أيضاً أمرهم عمر بالهجوم على الدار وقال : إن الرَّجُلَ مُوصَي.

فَهُنَاكَ قَدْ جَعَلُوا النَّجاَ بِعُنقِ مَن *** مَدُّوْا لَهُ يَوْمَ الْغَدِيرِ رِقَابا (1)

سَحَبُوهُ والزَّهْرَاءُ تَعدُو خَلفَهُ *** والدُّمْعُ أُجْرَتْهُ عَلَيهِ سَحابا

فَدَعَتْهُمُ: خَلُّوا ابنَ عَمّي حَيْدَراً *** أَوْ أكشِفَنَّ إلى الدُّعَاءِ نِقابا (2)

حَارَبْتُمُ الْبَارِيَ وَآلَ نَبِيِّهِ *** و عَصَيْتُمُ الأََعْوادَ والْمِحْرابا (3)

ونَكَثْتُمُ كَثَمُودِ هَذَا صَالِحٌ *** لِمَ تُسْحَبُونَ الصَّالِحَ الأوّابا؟!(4)

ص: 136


1- النّجاد: حمائل السيف. ويوم الغدير هو أشهر في السماوات منه في الأرض، وهو عبد الله الأكبر، وبه تمّت الولاية والدين، وهو مروي عن أكثر من 120 صحابياً.
2- النَقاب : القناع تجعله المرأة على مارن أنفها، تستر به وجهها. وقد تقدم ذكر قولها: «والله لو لم تكف عنه - تعني عليّاً عليه السلام - لأنشُرنَّ شعري، ولأشقنَّ جيبي، ولآتينَّ قبر أبي ولأصبحنَّ إلى ربي». (البحار 8: 339)
3- لعل ما ورد في كتاب ( مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 442) يحاكي هذا المعنى، فعن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: نظر النبي صلی الله علیه و اله و سلم إلىَّ علي والحسن والحسين وفاطمة فقال : أنا حربٌ لمن حاربکم، وسلم لمَن سالمکم».
4- يشير الشاعر إلى نكث القوم البيعة بعد وفاة رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم ، حيث بايعه في غدير خحم أكثر من مئة ألف شخص، ولم يكتفوا بذلك بل حاربوهم وآذوهم. ويشبه الشاعر هنا الإمام عليّتً عليه السلام بصالح النبي الذي عقروا ناقته ونكثوا عهده، قال الله تعالى في كتابه الكريم:«فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ» ( سوره الاعراف الایه 77) وفي قوله تعالى :«إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ» (سورة التحريم: 6) روى السيوطي في تفسيره (الدّر : المنثور) عن أسماء بنت عميس أنها سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم يقول: وصالحٌ المؤمنين ، عليُّ بن أبي طالب. وعن ابن عباس في قوله ( وصالحُ المؤمنين ) قال : هو عليّ بن أبي طالب. وكذا روى ذلك المتقي الهندي في (کنز العمال 1: 237). وأخرج الطبري عن مجاهد أنّ صالح المؤمنين هو عليُّ بن أبي طالب، نقل ذلك العسقلاني في (فتح الباري في شرح صحيح البخاري 13: 27)

رَجَعُوا إِلَيْهَا بِالسِّياطِ لِيُخْمِدوا *** نُورَ النّبيِّ السّاطِعَ الثِّقّابا (1)

فَتَهَافَتُوا مِثْلَ الفَراشِ وَنُورُها *** قَد صارَ دُونَهُمُ لَها جِلبابا

ص: 137


1- الثاقب : المضيء الذي يثقُت بنوره ما يقع عليه، قال تعالى في الآية 3 من سورة الطارق : ( النَّجمُ الثَّاقبُ) . والثَّقاب مبالغة من ثَقَب النار: أذكاها وأوقدها .

ص: 138

قافية التاء

اشارة

ص: 139

(1) أفاطم لا أنساك

(بحر الطويل)

الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني(1)

ص: 140


1- هو الشيخ إبراهيم ابن الشيخ ناصر بن عبد النبي بن يوسف بن إبراهيم ابن الشيخ مبارك الهجيري الثوبلي البحراني | ولد في قرية (توبلي) من البحرين سنة (1326 ه). وتلقى دراسته العلمية في النحو والصرف والبلاغة والتجويد والكلام والفقه والمنطق على يد والده الشيخ ناصر، ثم على يد أخيه الشيخ محمد بن ناصر، وقرأ على الشيخ محسن العريبي الكوري علم الحساب ومعالم الأصول، وبعد ذلك هاجر إلى النجف الأشرف وبقي فيها يرتوي من معين الحوزة العلمية، وكان مثابرة ومواظبا جدا في الدروس حتى حضر البحث الخارج عند المرجع الأعلى آنذاك السيد أبو الحسن الأصفهاني وبحث المرجع السيد محسن الحكيم، وبحث الشيخ محمد رضا آل یاسین، وكذلك بحث الشيخ محمد حسین کاشف الغطاء، وقد أجازه جماعة من العلماء منهم السيد أبو الحسن الأصفهاني والسيد محمد علي التبريزي والشيخ عبدالمحسن الخاقاني والشيخ قاسم الخاقاني وغيرهم، حتى نال درجة كبيرة في الفضل والعلم. وكانت له شهرة واسعة في البحرين، وذلك لبعض آرائه الفقهية التي انفرد بها، فهو عالم فقیه و فاضل مثابر . وللمترجم آثار علمية تُعرب عن مقدرته وطول باعه في تلك العلوم، منها: 1- عمود الدين، وهي رسالة فقهية. 2- بلاغ العابدين، في (الفقه). 3- منار الهدى، في (الفقه). 4 - المختصر في هداية البشر، في ( الفقه). 5 - الدليل الواضح في (مناسك الحج). 6. حاشية على أربعين البهائي . 7- عليّ وأولاده سلام الله عليهم أجمعين. 8- عليّ وليُّ الله . 9 - نهضة الحسين علیه السلام. 10- کتاب الأضداد. 11 - السوانح النجفية ( ديوان شعر). 12 - ماضي البحرين وحاضرها. 13 - المجرّبات في الطب. 14 - الكلّيّات في الحكم والأمثال. 15 - العقائد الحقة (شعر). 16 - شرح قصيدته المسماة ب(نفاهة الخاطر). 17 - تعليقة على ديوان أبي البحر الخطى . 18 - النور المشرق في أحكام المنطق . وغيرها من الكتب. وفاته : انتقل إلى جوار ربه في (عالي) بالبحرين في شهر رجب سنة ( 1399 ه)، وشيع تشييعاً مهيباً يليق بمكانته وخدماته.

اَتَتنِي مِنَ الحِبِّ الخَدِينِ اَلُوْكَةٌ *** مُغَلغَلََهٌ فِي الْقَلْبِ تَنفِي وَ تُثْبِتُ(1)

تَقُولُ تَثْبَّت لَوْ أََردْتَ زِيَارَتِي *** ومَا عَهدُنا بِالوالِهِنَ تُثَبَّتُوا

وقَالَتْ: أََطِلْ غِبَّ الزِّيارَةِ واكْتَتِمْ *** فَلَوْ ذاعَ هذا تُسْتَتَبُّ وتُثبَتُ (2)

ولا تَاتِنَا الاّ بِلَيلٍ دُجُنَّةٍ *** واجْعَل خُطاكَ الهونَ والجَؤُّ مُكمَتُ (3)

فَإِنَّ عَلي أَبْوابِنا وَهيَ غَابَّةٌ *** اُسُوداً هَمُوسَاتٍ فَتُصغِی تُنْصِتُ(4)

الی ان يقول فيها:

وَرائَكِ يَا دُنْيا فَاَنْتِ دَنِيَّهٌ *** وَكَمْ بَاطِلٍ يُطْري بِخَيْرٍ وَيُنْعَتُ(5)

ص: 141


1- الحب الخدين : الحبيب الصديق. الألوكة: الرسالة مُغلغلْه :المحمولة من بلد إلى بلد.
2- غب الزيارة : تباعُد الزيارة وانقطاعها بين حين وآخر. وتُستتب : تستضعف و تستذل تَثْبُتُ: تشدُّ و توسر أو تُقتل ؛ من قولهم : طعنه فأثبته، أي أنفذ فيه الرمح، ومنه قوله تعالى : وليُُثَبّتُوكَ ) أي ليجرحوك جراحة لا تقوم معها.
3- الدجنة: الظَّلام. والهونَّ: الاتناد. ومُكمتُ : مُسودُّ؛ من الكُمتة وهي الحمرة في سواد. وقطع همزة «أجعل» ضرورة.
4- الهموسات: جمع الهمُوسة، وهي جماعة الأسود المهمهمة، فإن الهمس هو الصوت الخفي . أو هو جمع الهمموس وهو الأسد الخفيف الوطء، والكسّار لفريسته.
5- وراء ک : أي ارجعي وراءَك، وهو مأخوذ من قول أمير المؤمنين : يا دنيا إليك عنّي ... هيهات غُرِّیغيري، لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها. نهج البلاغة 4: 77/17 . ويُطری : يُمدَح.

عَرَفْتُكِ يا هَوْجاءُ زَوجَهَ اَحْمَقٍ *** وَ ما غَرَّنِي مِنْكِ الزُّهَا وَ الْتَّزَمُّتُ (1)

فإِنْ كانَ مَن غَرَّيتِ بُلْهاً فإنّني *** أُذَمِّمُ مِنْكِ التُّرَّهاتِ وأمْقُتُ (2)

تَعَاظَمَ أهْلُ الغَيِّ حَتّي تَحَكَّمُوا *** بَالِ رَسُولِ اللهِ ظُلْماً وَعَنَّتُوا (3)

ازَالُوهُمُ عَن حَقِّهِمْ وتَوَاثَبُوا *** عَلَيْهِمْ وَغَتُّوهُم حُقُوقاً وَعَمَّتُوا (4)

وَرَضُّوا مِنَ الزَّهْراءِ جَنباً وأَسْقَطُوا *** جَنِيناً وَحَطُّوا مِن عُلاها وَبَكَّتُوا (5)

وَصَبُّوا عَلَي المَتنَيْنِ مِنها سِياطَهُمْ *** وَخَانُوا عُهودَ اللَّهِ فيها وَخَوَّتُوا (6)

وكَانَتْ مِنَ الهادي الْوَدِيعَةَ فِيهِمُ *** فَيا بِئْسَ ما خانُوهُ فِيها وبَيَّتُوا (7)

زَوَوْا حَقَّها بِالْغَصْبِ ارِثاً وَ نِحلَهٌ *** سَحِيتاً ادالَ اَللَّهُ مِنْهُمْ و اُسحِتُوا(8)

ص: 142


1- الزُهاءُ: الإشراق والإضاءة، والكذب، والتيه والتكبر والفخر، وكلٌّ محتمل هنا. اِلْتَزَمْتُ :الوقار والرَّزانة والسكون.
2- التُّربَهات: الأباطيل والدواهي ، الواحدة تُرَّههٌ.
3- عَنتهُ: شَدَّد عليه وألزمه ما يشقّ عليه تحمُّلُهُ.
4- غَتَّهُ: خَنَقَهُ وغَمَّهُ، وأخفاه . عمتَهُ: قَهرَهُ.
5- بَكَّته: ضربه، ولقيه بما يكره وعنَّفَهُ وقرعَةُ.
6- خَوّتوا: صؤَّتوا. التفتَ عمر إلى من حوله وقال : اضربوا فاطمة ! فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم وبضعيه، حتى أدموا جسمها ! (مؤتمر علماء بغداد، لمقاتل بن عطية ص63) وأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر، فضرب به عضد الزهراء عليها السلام حتى صار كالدملج ! إرشاد القلوب، للديلمي 2: 358)
7- بني الأمر: عملهُ أو دبَّرَهُ ليلاً. وانظر تبييت القوم ضد أهل البيت في قوله تعالى في الآية 81 من سورة النساء : « فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ» وفي الآية 108 «وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ»
8- زَووا: قبضوا واحتازوا. و سَحِیتاً متلفاً مُهلكاً. اُسحِتُوا: أُهلكُوا واستُوصلُوا. وأدال الله منهم : نزع منهم الدولة وجعل الكرَّة عليهم. وهو دعاء عليهم بالهلاك. وفي البيت إشارة إلى ما رُوي في الاحتجاج ج 1 ص 119) عن أبي عبدالله علیه السلام قال : لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار، بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة عليها السلام بن رسول الله، فاعترضت عليها الصلاة والسلام عليه.

وَقَادُوا عليّاً آخِذِينَ خِنَاقَهُ *** يَكادُ بِإضغاطِ التَّنَفُّسِ يُخفَتُ (1)

وَلَمّا أهاضَتْهُم بِدَفعٍ وَضْجَّةٍ *** أَهاضَ بها سَوْطٌ يُضِجُّ ويُصْمِتُ (2)

إلى أن قَضَتْ مَقْرُوحَةَ الْجَفْنِ والْحَشا *** بِقَلْبٍ يَصُكُّ الهَمُّ فِيهِ وَيَنَكُتُ (3)

وَهُمْ قَتَلُوها لاَ رَعَى اللَّهُ أُمَّهُمْ *** وَلاَ طابَ مِنهُم فِي الْوَشائِجِ مَلَّفَتُ(4)

وقَدْ باتَ إِبناها بِأَطْولِ لَيْلَةٍ *** يَبِيتُ بِهَا مُضْنَى الْفُؤَادِ مُفَتَّتُ

وَهَاجَ بِقَلبِ المُرتَضَى الحُزنِ وَالأسى *** كَاَنَ حَشاهُ بِالرَّزِيَّةِ تُسلَتُ(5)

أَفَاطِمُ لاَ أَنْساكِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ *** وَهَل كَانَ مِثْلِي فَقِيدَيْنِ يَقلَتُ(6)

ص: 143


1- يروي ذلك ابن أبي الحديد متحيرة، فيقول: وقول من قال: إنهم أخذوا عليّاً علیه السلام يُقاد بعمامته والناسُ حوله! فأمرُ بعيد، والشيعة تنفرد به، على أنّ جماعةُ من أهل الحديث قد رووا نحوه، وسنذكر ذلك. (شرح النهج 2: 21)
2- لم أجد أهاضه بمعنى هاضَهُ، بمعنی کَسَرَه، هاض العظم: کَسَرَه، والباء في «أهاض بها» زائدة .
3- يصُكُّ : يَضربُ ضرباً شديداً، أو يلطمُ. والنُکتُ: الضَّربُ أيضاً.
4- الوشيجة: القرابة المتصلة المشتبكة. والجمع وشائج. والملفت: اسم مكان أو مصدر ميمي من لفت الشيء، بمعنى لواه وصرفه من هنا إلى هناك .
5- تُسلتُ: تُقطَعُ . كان من كلام أمير المؤمنين عليه السلام و مخاطباً به النبيّ صلى الله عليه و اله و سلم بعد أن أودع الزهراء عليها السلام في قبرها : أمّا حُزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهَّد، وهم لا يبرح من قلبي ، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مُقيم، كمدٌ مقيح، وهمٌّ مهیَّج، سرعان ما فُرق بيننا وإلى الله أشكو .. (بحار الأنوار 43: 193ح 21 - عن: الكافي 1: 382، ح 3 - باب مولد الزهراء فاطمة عليها السلام) .
6- قَلِتَ يَقلتُ: هَلَك . وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام في هذا المعنى : وإن افتقادي فاطماَ بعد أحمد *** دليلً على أن لا يدومِ خليلُ

فَمَا أَنَا إِلاَّ كَالشَّكِيرِ بِعُشِّهِ *** وَرَائِشُهُ الحانِي عَلَيْهِ مُكَفَّتُ(1)

أَأْنَسَاكِ لا أَنْساكِ والْحُزْنُ قاتِلِي ***ويَوْمُكِ يَوْمٌ أَكْدَرُ الْوَجْهِ أمْقَتُ (2)

إذا سَرَّ هذا البَدْرُ أُظْلَمَ لَيْلُهُ ***وإِنَّ صَوَّحَ الْمَرْعي مِنَ الناسِ اسْنَتُوا (3)

فَما أَقبَحَ الخَضْرَاءَ إِن غابَ بَدْرُها ***ومَا أَكْدَرَ الغَبْرَاءَ إِنْ جَفَّ مُنبِتُ

فِداكِ الْوَرَيُّ طُرّاً وقَلَّ لَكِ الفِدَا ***ولكِنَّمَا الآجالُ وَقتٌ مُوَقَّتُ

أُصِيبَتْ بِكِ الدُّنيا وَ أَظْلَمَ نُورُهَا*** وَأخرِسَ منها ناطِقٌ أُؤ مُصَوَّتُ

وَعَجَّتْ عَلَيْكِ الكَائِناتُ بِنَوحِها *** وتِلْكَ الجبالُ الشُّمُّ تُذْرَي وَ تُنْحَتُ(4)

ص: 144


1- الشَّكير: أول ما ينبت من ريش الطائر قبل أن يقوي ويستحصف، ويُستعار فيسمّى به صغار الأشياء، كصغار الإبل وفراخ النخل وفراخ الطير. وكَفَتَ الطائرُ : أسَرعَ في الطَّيَران.
2- أمقتُ: مَمقوتٌ، صيغة تفضيل مستعملة لغير التفضيل . ويومُك: أي يوم رحيلك ووفاتک .
3- صؤح: يبس أو جفَّ.. أستوا: أصابهم الجدب والقحط. وسَرَّ القمر: دَخَل في السَّرار وهو آخر الليلة من الشهر ، کاستسرَّ .
4- تُذری: تُفَرَّقُ تُوطارُ في الهواء. ونَحتَ الجبلَ : حفَرَهُ، أو هي من نَحتِ العود وبَريِهِ

(2)يا قبر فاطمة

(بحر الكامل) ديك الجن الحِمصيّ (1)

يَا قَبْرَ فَاطِمَهَ اَلَّذِي ما مِثْلُهُ *** قَبْرٌ بِطِيبَهَ طابَ فِيهِ مَبِيتاَ(2)

ص: 145


1- ديك الجن الحمصي، ترجمه السيد جواد شبر في (أدب الطف ج 1 ص 290) قال فيه: هو: أبو محمد عبدالسلام بن رغبان بن عبدالسلام بن حبيب بن عبدالله بن رغبان بن زید بن تميم الكلبي الحمصي، ولد سنة ( 191 ه) بسلمية، وتوفي سنة 230 ه أو 239 ه، فعمره أربع وسبعون سنة، أو خمس وسبعون. ذكره ابن شهرآشوب من شعراء أهل البيت عليهم السلام . ويعتبر ديك الجن في طليعة شعراء القرن الثالث الهجري، ومن أبرزهم في الرثاء، مدح آل البيت، وشعره القوي ينهض دليلا قويا على أنه شاعر مطبوع، ترتاح له النفس وتتذوقه الأسماع والقلوب، وولاؤه لأهل البيت ظاهر على شعره. قال ابن خَلكان : هو من أهل سلمية، ولم يفارق الشام مع أن خلفاء بني العبّاس في عصره ببغداد ، فلا رحل إلى العراق ولا إلى غيره منتجعاً بشعره، وله مَرات في الإمام الحسين عليه السلام .قال ابن شهرآشوب: افتتن الناس بشعره في العراق وهو في الشام، حتى أعطى أبا تمام قطعة من شعره، وقال له: يا فتى اكتسب بهذا واستعين به على قولك، فنفعه في العلم والمعاش. قال عبدالله بن محمد بن عبدالملك الزبيدي : كنت جالسا عند ديك الجن ، فدخل عليه حدث فأنشده شعرة عمله، فأخرج ديك الجن من تحت مصلاه درجة كبيرة فيه كثير من شعره، فسلمه إليه وقال له: يا فتی، تکست بهذا واستعن به على قولك. فلما خرج سألتُه عنه، فقال : هذا فتی من أهل جاسم، يُذكر أنه من طيء، يُكنى أبا تمام و اسمه حبيب بن أوس، وفيه أدب وذكاء وله قريحة وطبع.
2- طَيبة : المدينة المنورة التي تنورت بقدوم رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم إليها.

إِذْ فِيكَ حَلَّتْ بَضْعَهُ الهادي الَّتي *** تُجْلي مَحاسِنُ وَجْهِها حُلِّيتا (1)

إِنْ تَنْأَ عَنْهُ فَما نَأَيْتَ تَباعُداً*** أَوْ لَمْ تَبِن بَدْراً فَما أَُخْفِيْتا (2)

فَسَقى ثَراكَ الغَيثُ مَا بَقِيَت بِهِ *** لُمَعُ القُبُورِ بِطَيبَةٍ وبقِيتَا (3)

فَلَقَدْ بَرَيّاها ظَلَلْتَ مُطَيَّباً *** تَسْتَافُ مِسْكاً في الأُنُوفِ فَتِيتا (4)

ولَقَدْ تَأَمَّلَتِ الْقُبُورَ وأَهْلَها *** فَتَشَتَّتَت فِكَري بها تَشْتِيتا (5)

كَمْ مَقرَبٍ مُقْصًى وَكَمْ مُتَبَاعِدٍ *** مُدَنّي فَسَاوَرَتِ الحَشا عِفْريتا(6)

ص: 146


1- البضعة، بتثليث الباء، والفتح أفصح : القطعة من اللحم. و«حُلِّيتَ» دعاءُ لقبرها عليها السلام بأن يتحلى بمحاسن وجهها عليها السلام.
2- النَّأي : البُعد.
3- الغيث: المَطر.
4- الرَّيَّا: الريح الطيَّبة. تستافُ : تَشَمُّ. وفُتات الشيء: ما تكسُر منه، والمسك الفتيت: المفتوت المدقوق.
5- مصدر تَشَتُّتَ تَشَتُّتٌ وشتَّتهُ مصدرها تَشَتُّتٌ لكن المصادر في المفعول المطلق يقوم بعضها مقام بعض إذا كانت من نفس المادة .
6- العفريت : النافذ في الأمر مع خبث ودهاء. والضمير في «ساورت» يعود للقبور.

(3)بنت خير الناس

(مجزوء الكامل)

الأُستاذ سالم محمّد علي (1)

الدَّمْعِ قَرَّحَ مُقلَتِي *** واللَّيْلُ اثْقَلَ وَحْشَتي

أُواهُ لاَ عَقْدُ النُّجُو*** مِ تَشِعُّ تَكْشِفُ عَتمَتِي

لا شَيْءَ غَيْرُ الْبُومِ وَال *** غِربانِ تَأكُلُ ضِحْكَتِي

لا شَيْءَ مَزَّقَنِي اَلْخَرِي *** فُ غَدَاةَ مَاتَتْ وَرَدْتِي

لاَ شَيْءَ مَاتَ اَلْعُشْبُ مَا *** تَ اَلْحَقْلُ جَفَّتْ تُرْعَتِي (2)

لاَ شَيْءَ مَاتَتْ نَغمَهُ إِل *** قِيثَارِ ضَاعَتْ غَنوَتي(3)

ص: 147


1- هو سالم محمد علي، ولد في كربلاء المقدسة في العراق سنة 1363 ه/ 1944 م، ونشأ وترعرع بها. وأتم دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، ثم انتقل إلى العاصمة بغداد، حيث واصل تحصيله العلمي في كلية اللغات بجامعة بغداد، وتخرج فيها. والمترجم أحب الشعر حبا جما، وشغف به شفا ملك عليه فؤاده وكيانه، وأخذ يطالع الدواوین الشعرية وكتب الأدب، واندفع يقرض الشعر على اختلاف فنونه وأوزانه وأنواعه، وتناول أغراض الشعر المألوفة، فأجاد في كثير من النصوص التي كتبها بدافع من شعوره الديني. وقد عرف شاعرنا بكتابة القصيدة العمودية، وتطالعنا في قصائده صوژ ولوحات خيالية رائعة تدل على قدراته الشعرية والأدبية الإبداعية.
2- التُّرعَهُ: مسيلُ الماء إلى الروضة.
3- لم ترد الغّنوة بمعنى الأُغنية، وإنّما هي عامّيّة.

لاَ شَيْءَ غَيْرُ اَلدَّمْعِ غَيْ*** رُ الرَّؤيحِ تُطْفِئُ شَمْعَتِي

لاَ وَردَ لاَ شَدْوُ اَلطُّيُو*** رِ فَمَنْ سَيُونِسُ وَحْدَتِي؟

قَدْ تِهتُ طَوَّقني الظَّلا*** مُ أَصِيحُ مَاتَتْ صَيْحَتِي

وأََضَعتُ قافِلَتِي ودَر*** بي أَيْنَ مِنِّي صُحْبَتِي؟

يَا بِنْتَ خَيْرِ اَلنَّاسِ يَا *** نِبراسَ دَرْب عَقِيدَتِي (1)

أَنَا مِنْ لُهاثِ اَلْحُزْنِ مِن *** خُلجَانِ أَدْمُعِ اُمَّتي(2)

أَنَا مِنْ خُيوطِ اَللَّيْلِ مِنْ*** قَلْبِي وَ حُرقَهِ آهَتِي

لَملَمْتُ قَافِيَتِيَ الْحَزِي*** نةَ كَيْ أَضُوغَ قَصِيدَتي

أُرْثِيكِ والألَمُ الدَّفِي*** نُ يَحُزُّ بُرعُمَ مُهْجَتِي

ذِكْراكِ واهاً كَم تُعَذ*** ذِبُنِي وَتُوجِعُ حُرقَتِي

أوَّاهُ تُؤْلِمُنِي تَهُدّ*** ِدُ الْقَلْبَ وتُوحِشُ عَتَمَتي (3)

دُنيا مِنَ الآلامِ ذِكْ*** رِكِ وَ تِلْكَ فَجِيعَتِي (4)

يا وَقفَةً لَکِ قَوَّضْتَ*** أَركانَ كُلِّ اَلطَّغْمَةِ(5)

ص: 148


1- النَّبراس : المصباح.
2- اللّهاث: حرُّ العطش في الجوف، وهنا يعبر الشاعر عن حرارة الحزن وشدته . والخُلجان : جمع خَليج، وهو امتداد من الماء متوغل في اليابس، يُكنّي الشاعر بذلك عن كثرة الدموع وغزارتها الشدّة الحزن المعتمل في القلب.
3- العَتَمَة: ظلام اللّيل، وتسكين التاء للشَعر.
4- يخاطب الشاعر مولاتنا الصدّيقة الزهراء سلام الله عليها، يصوّر عالَمَ المصائب والأحزان الذي خيّم على بيتها القُدسيّ الشريف، متأثراً بما يتصوره من البلاء العظيم الذي حلّ بال الرسول صلي الله عليه و اله و سلم.
5- الطُّغمة الجَماعة التي يكون أمرها واحداً، وأكثر ما تستعمل في جماعة الشََرَ.

يَا وَقْفَهُ لَكِ تَصْرُخِي *** نَ بِهِمْ كَصَرْخَةِ لَبُوَهِ(1)

أنا بِنتُ أحمَدَ يا رَعا*** عُ وَلا أَبِيعُ عَقِيدَتي (2)

فَالدّينُ لاَ اَلدُّنْيَا طَرِي***قُ اَلنُّورِ تِلْكَ شَرِيعَتِي

قَدْ تَاهَ زَورَقُكُم غَرِقْ***تُمْ في بحار الظُّلْمَةِ

فَغدَاً جُموعَ الكُفْرِ أَحْ*** مِلُ لِلْإِلهِ فَجِيعَتِي(3)

ص: 149


1- اللَّبُوةُ : أنثى الأسَد. ويشير الشاعر في هذا البيت والذي قبََله إلى مواقف الزهراء سلام الله عليها من ظالميها وسالبي حقّها وحقّ زوجها الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
2- الرَّعاع : سَفَلة الناس.
3- أي: يا جُموع الكفر. ويشير الشاعر في هذا البيت إلى وقوف الزهراء يومَ القيامة بين يدَي الله، وشكواها إليه ممَن ظَلَمها وغَصَب حقَّها. ينظر: مقتل الحسين للخوارزمي 1: 52، والبحار ج 3 ص 219 - 13/227 حديثاً في الباب 8 بعنوان تظلّمها عليها السلام في القيامة.

(4) بنت المصطفی

(بحر الطويل)

عبدالله بن عمّار البرقيّ (1)

اذا جاءَ عاشُورا تَضَاعَفُ حَسْرَتى*** لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ وَ انْهَلَّ عَبرتى

هُوَ الْيَوْمَ فِيهِ اغْبَرَّتِ الاَرْضُ كُلُّها*** وُجُوماً عَلَيْهِمْ و السَّماءِ اقْشَعَرَّتِ (2)

مَصائِبُ سَاءَتْ كُلَّ مَنْ كَانَ مُسْلِماً*** ولَكِنْ عُيُونَ الْفَاجِرِينَ اَقَرَّتِ!

اذا ذَكَرَت نَفْسِى مُصِيبَهُ كَربَلا *** واِْشلاءَ ساداتٍ بِها قَدْ تَفَرَّتِ (3)

اَضاقَت فُوَادِى وَ اسْتَباحَتْ تَجَلُّدِي*** وَ زَادَتْ عَلي كَرْبِي وَ عَيشِى َامَرَّتِ (4)

اُرِيقَت دِماءُ الفاطِمِيِّينَ بِالْفَلا*** فَلَوْ عَقَلَتْ شَمْسُ اَلنَّهارِ لَخَرَّتِ(5)

ص: 150


1- هو أبو محمد عبدالله - أو علي بن محمد بن عمّار البرقي ، أحد شعراء أهل البيت عليهم السلام ، وشي به إلى المتوكل وقرئت له نونيته فأمر بقطع لسانه وإحراق ديوانه، ففعلِ به ذلك، ومات بعد أيام، وذلك سنة 245ه. وفي قصيدته النونية يخاطب بني العبّاس: فقلدٍوها لأهل البيت إنّهُم *** عنوُ النبيّ وأنتم غيرُ صنوانِ
2- الواجم: الذي اشتدّ حزنه حتّى أمسك عن الكلام.
3- تَفرِّت: تقطّعت .
4- استباحَت: استأصَلَت. أمَرتهُ : جعلته مُرّاً.
5- الفَلا: الفَلاة والمفازة، وهي الأرض الواسعة المُقفرة. خَرّ الشيء: سقط .

اِلاّ بابى تِلْكَ الدِّماءِ التى جَرَتْ*** بِاَيدِي كِلابٍ فِي الْجَحِيمِ اِسْتَقَرَّتْ (1)

تَوَابيتُ مِنْ نارٍ عَلَيْهِمْ قَد اطبِقَتْ*** لَهُمْ زَفرَهٌ فِي جَوْفِها بَعْدَ زَفرَهٍ (2)

فَشَتَّانَ مَنْ فِي النّارِ في جَوْفِ طابِقٍ*** وَ مَنْ هُوَ فِي اَلْفِرْدَوْسِ فَوْقَ اَلاِسْرَّهِ

بِنَفسِى خُدُودٌ فى التُّرَابِ تَعَفَّرَتْ ***بِنَفْسِى جُسُومٌ بِالْعَراءِ تَعَرَّتِ (3)

بِنَفْسَى رووسٍ مُشْرِقَاتٌ عَلَى القَنَا ***الى الشام تُهْدَى بارِقاتِ اَلاَسْرَّهِ (4)

بِنَفْسِى شِفاهٌ ذَابِلاَتٌ مِنَ اَلظَّمَا*** وَلَم تُروَ مِن مَاءِ اَلْفُراتِ بِقَطْرَهِ

بِنَفْسِي عُيُونٌ غَائِرَاتٌ شَواخِصٌ ***الى الماءِ مِنْها نَظرهٌ بَعْدَ نَظرَهِ

ص: 151


1- وذلك أنّ زعماء قتلة الحسين عليه السلام هم من الخوارج، الذين هم بنصّ الحديث النبويّ: كلاب أهل النار. وقد أخبر النبي صلي الله عليه و اله و سلم عن شمر بأنه كلب أبقع.
2- قال الإمام عليّ عليه السلام لستُ بقائل غير شيء واحد، أذكرُكُمُ اللهَ أيّها الأربعة . قال لسلمان وأبي ذرّ والزبير والمقداد - سمعتُ رسول الله عليه السلام يقول: إنّ تابوتاً فيه اثنا عشر رجلاً، ستة من الأوّلين وستة من الآخرين، في جُبُّ في قعر جهنم، في تابوت مُقفَّل، على ذلك الجب صخرة ، فإذا أراد الله أن يُسعر جهنّم کشف تلك الصخرة عن ذلك الجبّ فاستعرت جهنّم من وهج ذلك الجبّ وين حرَّه... (إلى أن قال) وفي الآخرين: الدّجال وهؤلاء الخمسة أصحاب الصحيفة والكتاب وجبتهم وطاغوتهم، الذين تعاهدوا عليه وتعاقدوا على عداوتك يا أخي وتظاهروا عليك بعدي ، هذا وهذا ... حتّى سمّاهم وعَدّهم لنا. قال سلمان: فقلنا: صدقت، نشهد أنّا سَمعنا ذلك من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم. يراجع : کتاب سليم بن قيس ص 48 - 49.
3- معنى هذا البيت والأبيات الأربعة التي بعده مأخوذة من زيارة الناحية المقدّسة : السلام على الجيوب المضرجات ، السلام على الشفاء الذابلات ، السلام على العيون الغائرات ... السلام على الرؤوس المشالات، السلام على النسوة البارزات ... السلام على الخد التريب، السلام علی البدن العاري السليب.
4- القنا: الرماح . الأسرة: الأسارير، وهي ملامح الوجه .

بِنَفْسِي مِنْ آلِ النَّبِيِّ خَرَائِدً ***حَوَاسِرُ لَمْ يُرَاَف عَلَيْها بِسُترَهِ (1)

تَفِيضُ دُمُوعاً بِالدِّماءِ مَشُوبَهً ***كَقَطرِ الغَوادِى مِنْ مَدامِعَ ثَرِّهِ (2)

عَلى خَيْرِ قَتْلى مِنْ كُهولٍ وَ فِتِيَهٍ ***مَصالِيتَ اَنجادٍ اذا اَلْخَيْلُ كَرَّتِ(3)

رَبيعِ اليَتامى وَ الارامِل فَابْكِها*** مَدَارِسَ لِلْقُرْآنِ فى كُلِّ سُحرَهِ (4)

وَ اَعلامَ دِينِ اَلْمُصْطَفى وَ وُلاَتِهِ ***وَ اَصْحابِ قُرْبانٍ وَ حَجٍّ وَعُمُرَهٍ

يُنادُونَ يا جَدّاهُ اَيّهُ مِحنَهٍ *** تَراها عَلَيْنا مِنْ اُميَّهَ مَرَّتِ

ضَغَائِنُ بَدْرٍ بَعْدَ سِتّينَ اُظْهِرَتْ *** وَ كَانَتِ اُجِنّتْ فِي الحَشَا وَ اُسِرَّتِ (5)

شَهِدَتُ بِأَنْ لم تَرْضَ نَفْسٌ بِهذِهِ*** وَ فِيها مِنَ الاِسلامِ مِثْقالُ ذَرَّهِ

كانَى بِبِنْتِ اَلْمُصْطَفى قَدْ تَعَلَّقَتْ ***يَداها بِساقِ اَلْعَرْشِ وَ اَلدَّمعَ اَذرَتِ (6)

وَ فِي حِجْرِها ثوبُ الحُسَيْنِ مُضَرَّجاً*** وَ عَنْها جَمِيعُ الْعالَمِينَ بِحَسْرَهِ

تَقُولُ ايا عَدْلُ اقْضِ بَيْنِي وَ بَيْنَ مَن*** تَعَدّى علَى ابنى بَعدَ قَهْرٍ وَ قَسوَهِ(7)

ص: 152


1- الخرائد: النساء المصونات الحيات الخافضات الصّوت. السُّترة: الحجاب الساتر للشيء كلّه.
2- الغوادي : مفردها الغادية، وهي السَّحابة التي تنشأ غُدوَة . ثرة: غزيرة.
3- المصاليت: هم الشجعان الماضون في حوائجهم. والأنجاد: الشجعان الماضون فيما يُعجز غيرهم، أو سريعو الإجابة إلى ما دُعوا إليه.
4- السخرة : السحر.
5- أجن الشيء: أكته وكتمه.
6- في (ينابيع المودة 2: 136، 478) عن علي عليه السلام : إذا كان يومٍ القيامة نادى مٍناد من بٍطنان العرش: يا أهل القيامة، أغمضوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله و سلم ، مع قميص مخضوب بدم الحسين عليه السلام ، فتحتوي على ساق العرش فتقول: أنت الجبار العدل، اقض بيني وبين من قتل ولدي . فيقضي الله لابنتي ورب الكعبة.
7- في نور العين للاسفراييني : 83 وهي (أي فاطمة عليها السلام) آخذة بقميص الحسين وهو ملطخ بالدم، : وقد تعلقت بقوائم العرش وهي تقول: يا رب احكم بيني وبين قاتل ولدي الحسين، فيؤخذ بها ويقال لها: ويل لمن شفعاؤه خصماؤه. لابد أن ترد القيامة فاطم *** وقميصها بدم الحسين ملطخ ويل لمن شفعاؤه خُصماؤه *** والصور في بعث الخلائق يُنفخ

اَجَالُوا عَلَيْهِ بِالصَّوارِمِ وَ الْقَنَا*** وَ كَمْ جالَ فيهِ مِنْ سِنانٍ وَ شَفرَهِ (1)

عَلى غَيْرِ جُرْمٍ غَيْرَ انكارِ بَيْعَهٍ *** لِمُنْسَلِخٍ مِنْ دِينٍ اَحمَدَ عُرَّهِ (2)

فَيُقْضَى عَلى قَوْمٍ عَلَيْهِ تَالَّبُوا *** بِسُوءِ عَذابِ النَّارِ مِنْ غَيْرِ فَتْرَهِ (3)

وَ يُسْقَوْنَ مِنْ مَاءٍ الصَّدِيدٍ اَذا دَنَا ***شَوَى الْوَجْهَ وَ اَلاَمْعَاءُ مِنْهُ تَهرََتِ (4)

مَوَدَّهُ ذِي القُربى رَعَوْهَا كماتَرى *** وَقَولُ رسولِ اَللَّهِ اُوصِى بِعِتْرَتى(5)

ص: 153


1- أجالَ بالشيء: أداره. والظاهر أنّ الصواب «أحالوا عليه»، بمعنى أقبلوا عليه.
2- العُرة: العيب، والجرم. وهو وصف بالمصدر، أي مجرم عائبُ. خاطب الإمام الحسين عليه السلام والي المدينة قائلا له: إنّا أهل بيت النبوة، ومَعدن الرسالة، ومُختلف الملائكة ومَهبط الرحمة، بنا فَتَح الله ربنا يخيم. ويزيدُ رجلُ شاربُ الخمر، وقاتلُ النفس المحترمة، مُعلنّ بالفسق، ومثلي لا يُبايع مثله، ولكن نُصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أينا أحقُّ بالخلافة والبيعة . (تاریخ الطبري 7: 216، الكامل لابن الأثير 3: 262) وفي جوابه عليه السلام لمروان بن الحكم: إنّا لله وإنا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام إذا بُليت الأُمة براع مثل یزید! ولقد سمعتُ جدي رسول الل صلي الله عليه و اله و سلم يقول: الخلافة محرَّمة على آل أبي سفيان، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقُوا بطنه. وقد رآه أهلُ المدينة فلم يبقروا، فابتلاهُمُ الله بيزيدالفاسق . ( مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي الحنفي 1: 185)
3- نظر إلى قوله تعالى : (إِنَّ المُجْرِمِينَ في عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ مُبلسُونَ) الزخرف: 76 - 75.
4- الصديد هو القَُيح المُختلط بالدم. تهرَّت: تمزّقت. ونظر إلى قوله تعالى : «إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا » الكهف: 29.
5- في (ذخائر العقبى للمحبّ الطبري ص 250) عن ابن عباس قال: لما نزل قوله تعالى : وقل لا : أسألكم عليه أجر ..) قالوا: يا رسول الله ، من قرابتُك الذين وجب علينا مودَتُهم ؟ قال: عليُّ وفاطمةُ وابناهما)

فَكَم فَجْرَهٍ قَد اَتبَعُوها بِفَجْرَهِ *** وكَم غَدْرَهٍ قَد الْحَقُوها بِغَدْرَهٍ

هُمُ اَوْلُ العادِينَ ظُلْماً عَلَى الْوَرى *** وَ مَنْ سادَ فيهمْ بِالاذى وَالْمَضَرِّهِ

مَضَوْا وَ انْفَضَتْ اَيَّامُهُمْ وَ عُهُودُهُمْ *** سِوى لَعْنَهٍ باؤوا بِها مُسْتَمِرَّهٍ(1)

ص: 154


1- أي انقضى كلُّ شيء : الأيام والأعوام، والرئاسات والزعامات، وبقيت عليهم الآثام واللعنات، فيها دائمة مستمرة حنطيهم! .

(5) اختلف الرواة

(بحر الوافر) الشيخ كاظم آل نوح (1)

أَبَا الزَّهراءِ قَدْ عُقِدَت عَلَيْنا *** لإخْراجِ الوصيِّ مُؤَامِراتُ(2)

وأُخْرِجَ مُرغَماً لِعمِيدِ تَيْمٌ*** أترضى أَهْلُهُ وَهُمُ الأُبَاهُ(3)

فَأََيْنَ مَضَوْا وقَدْ أَخَذُوْا ابْنَ عَمّي*** أََاَيْقاظٌ هُمُ أَم هُم سُباتُ(4)

ص: 155


1- هو الشيخ كاظم ابن الشيخ سلمان بن داود بن سلمان بن نوح، من آل غريب، الأهوازي الكعبي الحلى الكاظمي. ولد سنة 1302ه، وتلقى الكتابة والقراءة عند الكتاتيب. تخرج في الخطابة على يد أبيه. ودرس النحو على السيد محمد بن السيد محسن العاملي والشيخ محمد رضا أسد الله ، ودرس الفقه عليهما وعلى السيد أحمد الكيشوان، وكتاب تجريد الاعتقاد على الشيخ مهدي المراياتي . برع في الخطابة حتى عرف ب«خطيب الكاظمية». توفي فجأة سنة 1379ه إثر ضيق في التنفس. له عدة مؤلفات ، هي: 1- ديوان شعره: طبع في بغداد في ثلاث أجزاء. وله جزء رابع يختص بأهل البيت عليهم السلام وقد طبع ببغداد أيضا. 2- محمد والقرآن. 3- الحضارة والعرب. 4 - المدنية والإسلام. 5 - ملاحظات على تاريخ الأمة العربية لدرويش المقدادي . 6 - الكشم الفصل ابن حزم. 7- رد الشمس لعلي بن أبي طالب من طرق أهل السنة . 8- أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. 9 - المواعظ الدينية الصحية.
2- ) الخطاب موجه إلى رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، وقد أحب الشاعر أن يكون هذا الخطاب عن لسان فاطمة الزهراء عليها السلام ، كما يتبين من البيت الثالث.
3- عميد تيم، يراد به أبوبكر. ولو قال «لذليل تيم» لكان أوفق بالواقع وأبلغ في الشعر
4- السِّبلات: النوم. أي أم هم نائمون.

فَلَيْتَ أَبا عِمارَةَ كانَ حَيّاً *** وجَعْفَرَ أَيْنَ مَنْ قُتِلُوا وَمَاتُوا (1)

خَرَجتُ وَرَاءَهمْ ودُموعُ عَيْني *** تَهِلُّ كَما تَهِلُّ اَلْغَادِيَاتُ(2)

وَصِحْتُ بِهِمْ أَلا خَلُّوا اِبْنَ عَمِّي *** فَهَلْ لَكُمُ عَلَى زَوجِي تِراتُ(3)

فَخَلَّوْا عَنْه ثُمَّ قَصَدتُ دَارِي*** وَوِلْدُكَ والْبَنَاتُ مُرَوَّعاتُ

وبَعْدَكَ قَدْ أهائُونا وإنَّا*** بَقِينا لا تَطِيبُ لنَا الحَياهُ (4)

وَحِينَ قَضَتْ وَجَهّزَهَا عَلِيُّ *** وعَفِّيَ قَبْرَها وَهُمُ سُبَاتُ (5)

ولمّا أَصْبَحُوا سَمِعُوا بِدَفْنِ ال *** بَتُولِ وَضَمَّ هَيْكَلَهَا الرُّفَاتُ(6)

ص: 156


1- أبو عمارة: هو حمزة بن عبدالمطلب عليه السلام .
2- الغاديات: جمع غادية ، وهي السحابة . وهل المطر والدمع : اشتد انصبابه .
3- ترات: جمع ترة، وهي هنا الثأر. روى الكليني في (الكافي 8: 237 ح 320): لما أخرج بعلئ بعلي عليه السلام خرجت فاطمة واضعة قميص رسول الله على رأسها، آخذ بيدي أبنيها، فقالت: مالي ولك يا أبابکر ! تريد أن تؤتم ابني وترملني من زوجي ؟! والله ... ثم أخذت بيده (أي بيد أميرالمؤمنين) فانطلقت به.
4- في بحار الأنوار ج 3، ص179/ ضمن ح 15، في حديث فاطمة عليها السلام تناجي أباها المصطفى وهو في قبره: «... انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب، وتغلقت دوني الأبواب، فأنا للدنيا بعدك قالية ، وعليك ما ترددت أنفاسي باكية، لا ينفد شوقي إليك، ولا حزني عليك ... ثم نادت: يا أبتاه ، انقطعت بك الدنيا بأنوارها، وثروت زهرتها، وكانت ببهجتك زاهرة، فقد اسود نهاژها، فصار يحكي حنادسها رطبها ويابسها.. يا أبتاه ، أمسينا بعدك من المستضعفين، يا أبتاه أصبح الناش عتا مغرضين، ولقد كنا معظمين في الناس غير مستضعفين.
5- في كتاب (أمالي الشيخ المفيد ص 281 - ح 7/ المجلس 33): فلما حضرتها الوفاة، وصت أمير المؤمنين عليه السلام أن يتولى أمرها، ويدفنها ليلا ويعفي قبرها . فتولى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ودفنها وعفى موضع قبرها، فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن، فأرسل دموعه على ان خديه .» . ( أمالي الطوسي ص107)
6- الرُّفات : هو هنا القبر أو التراب .

ومَا عَرَفُوا مكانَ الْقَبْرِ حَتَّى *** لِهذَا اليَوْمِ واختَلَفَ الرُّواهُ (1)

فَهَل دُفِنَت بِحُجْرَتِها بِلَيْلٍ *** وَهَل ضَمَّتْ بِجُثِتِها الفَلاةُ (2)

وَهَل دُفِنَتْ بِقُرْبٍ مِن أَبِيها*** بِقَبْرٍ وَالقُبُورُ مُجَدَّداتُ(3)

ص: 157


1- في (دلائل الإمامة للطبري الإمامي ص 46): «.. وصلى عليها ولم يعلم بها، ولا حضر وفاتها ولا صلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم، ودفنها في الروضة وعفى موضع قبرها. وأصبح البقيع ليله مدفنها فيه أربعون قبراً جديداً، ولما علم المسلمون بوفاتها جاؤوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبراً، فأشكل عليهم قبژ من سائر القبور، ق ج الناس ولام بعضهم بعضا وقالوا: لم يخلف فيكم نبيكم إلا بنتاً واحدة تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها ولا دفنها ولا الصلاة عليها بل ولم تعرفوا قبرها! فقال ولاة الأمر منهم: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور، حتى نجدها فنصلي عليها وتعين قبرها. فبلغ ذلك أمير المؤمنين، فخرج مغضباً قد احمرت عيناه ودرت أوداجه وعليه القباء الأصفر الذي كان يلبسه في الكريهة، وهو يتوكأ على سيفه ذي الفقار، حتى أتى البقيع، فسار إلى الناس من أنذرهم وقال : هذا على قد أقبل كما ترونه، وهو يقسم بالله لين ممول من هذه القبور حجر ليضعن السيف في رقاب الأمرين . فتلقاه الرجل (أي عمر) ومن معه من أصحابه وقال له: ما لك يا أبا الحسن ! والله لننبش قبرها ونصلي عليها. فأخذ علي بجوامع ثوبه، ثم ضرب به الأرض وقال : يابن السوداء! أما حقي فقد تركته مخافة ارتداد الناس عن دينهم، وأما قبر فاطمة، فوالذي نفس على بيده، لين رمت أنت أو أصحابك شيئا الأشقي الأرض من دمائكم، فإن شئت فافعل یا ثاني. وجاء الأول (أي أبوبكر) وقال له: يا أبا الحسن، بحق رسول الله وبحق فاطمة إلا خليت عنه، فإنا لسنا فاعلين شيئاً تكرهه. فخلى عنه، وتفرق الناس ولم يعودوا إلى ذلك»..
2- الفلاة : الصحراء. والباء زائدة في قوله «بجثتها».
3- في (إعلام الوری بأعلام الهدى للطبرسي ص152): «وأما موضع قبرها، فاختلف فيه: فقال بعض أصحابنا : إنها فنت بالبقيع، وقال بعضهم : إنها دفنت في بيتها، فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد، وقال بعضهم : إنها دفنت فيما بين القبر والمنبر، وإلى هذا أشار النبي صلی الله علیه و اله و سلم بقوله: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة. والقول الأول بعيد، والقولان الآخران أشبه وأقرب إلى الصواب، فمن استعمل الاحتياط في زيارتها زارها في المواضع الثلاثة .

وَهَلٌ ضَمّ الْبَقِيعُ لَها وَهذا *** يُعَرّفُنا بِمَا فَعَلَ الْجُفَاهُ (1)

وهَذَا يَلْفِتُ الأنْظَارَ فِيما *** أصَابَ مِن ابْنَةِ الْهَادِي الجُنَاهُ(2)

ص: 158


1- الجُفاة : جمع جافٍ ، وهو القاسي القلب .
2- الجُناة : جمع جانٍ ، وهو القائم بالاعتداء .

(6)مِن وحي يومِكِ

(بحر الكامل) الأستاذ منذر الساعديّ

مِنْ وَحْيِ يَوْمِكِ أَنتقي كلماتِي*** يا فاطمُ الزهراءُ يا مَوْلاتِي

هَانَتْ جِرَاحِي فِيكَ حَتَّى زَغْرَدْتُ*** وتَفَنَّتْت مِن صَيْحةِ آهاتي

ضَاءَ الْوجودَ سراجُ مَولدُكِ الذي*** كالشَّمْسِ عادَ يُضِيءُ فِي اَلْجَنَباتِ (1)

وَيُضَوِّعُ الزَّهرُ النديُّ بمَرجِهِ *** والطيرُ يطلقُ أجملَ النَّبَرَاتِ §َيُضَوَّعُ ينشر. المَرج: الأرض الواسعة ذات نبات. (2)انتضی: سَلَ واستعار الدواء للسيف ، لأنّ الحرف والكلام يفعل ما يفعل السيف. (3)الخافق : هنا القلب. والنَّفحة: الطَّيب الذي ترتاح له النفس .(4)أتلوك : أتلو عليك، فَحَذَفَ ووَصَلَ. الرحيق : الطَّيبُ الخالص. (5)حَسَوتُ شَهداً : تناولتُ عسلاً. والدُّفُقات: جمع الأدُّفقة، وهي الأدُّفعة، .


1- لم يرد الفعل «ضاء» متعدِّيا ، وإنّما ورد الفعل «أضاء» لازماً و متعدّياً. ولعلّ عبارة المصباح المنير هي التي أوقعته في ذلك فهي مُوهمهُ.
2- يَا بَضعةَ الهادي وسَلوةَ روحِهِ *** فجّرتُ شِعْرِي وانْتضيتُ دَواتي
3- فِي يومکِ المهيوبِ خُطَّت أسطرٌ*** في خافقِي فتدفَّقتْ نَفَحاتِي
4- أَتلوكِ هذا الشعرَ فَهُوَ خُلاصَةٌ*** لِمَحبَّتي وَهُوَ الرحِيقُ لذاتي
5- أنا في محبَّتِكِ ارتديتُ كرامةً *** وحسوتُ شَهداً طيِّبَ الدُّفُقاتِ

ولّبِستُ صبرَکِ فَهو أحسنُ مِدرَعٍ *** فی لُجّةِ الأحداثِ والأزماتِ(1)

يا خيرَ أُمٍّ للنبيِّ وقالَها : *** أُمِّی البتولُ بأحلَكِ الساعاتِ(2)

قالَ الرسولُ بفاطمٍ : هيَ بَضعَتي *** وسُرُورُ قلبي وابتهاجُ حياتي

يؤذي فؤادي من نَوی إيذاءها*** فغداً سيُحرَمُ من شفيعٍ آتي

ويسرني مَن ذا لفاطمةٍ أتی*** يُبدي الولاءَ باروعِ الوَقَفاتِ (3)

هذي ولادتُكِ الجميلةُ أشرقَتْ *** كالنورِ يمحُو دامسَ الظلُماتِ

هذي الوِلادَةُ قَد أسرَّتْ خاطراً*** أمسی حزيناً باهِتَ القَسَماتِ (4)

لكنّما تبدُو المُصيبهُ کلُّها *** فيما ونَنحُو(5) ، نحنُ للعَبَراتِ

نلهُو قليلاً والسرورُ يُحيطُنا*** وإذا بنا فِي أتعسِ اللَّحَظاتِ

لَمّا تذكَّرنَا الولادةَ بالضَّنی*** والضِّلعُ يشكُو قَسوَة الضرباتِ

والبابُ والمسمارُ حينَ تحدّنا *** قد أجّجا الاّلامَ كالجَمَراتِ

حتی نَسينا أنّنا بولادةٍ *** عَلَويّةٍ شعَّت علَی الفَلَواتِ

لكنَّ الامَ البتولِ عديدةً*** تَطغئ علی الأفراحِ والبَسَماتِ

ص: 160


1- المِذرَع: الدُّراعة، وهي الثوب من الصوف، وهو هنا كناية عن الأدُّرع، يريد أنه اتخذ من صبرها علیها السلام درعاًيواجه به الوقائع الشديدة والنكبات.
2- قال ابن شهر آشوب: وكُناها: أُمّ الحسن، و أُمّ الحسين، و أُمّ المحسن، و أُمّ الأئمة، و أُمّ أبيها . (مناقب آل أبي طالب 3: 357، وانظر كشف الغمة 1: 462).
3- قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: رضى فاطمة ين رضاي، وسَخَطُ فاطمة من سخطي ، فَمَن أحب فاطمةَ ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني . ( الإمامة والسياسة للدينوري ابن قتيبة ص13 - طبعة الحلبي بمصر)
4- أَسَرَّت: أفرَحَت.
5- نَحا الشيءَ: قَصَدَهُ .

فتشفَّعِي لِمَنِ ارتجاكِ بهَمهِ *** فذنوبُهُ غطَّتْ على الحَسَناتِ

انتِ لنا يومَ الجزاءِ شَفِيعهُ*** فلقَدْ بُلِينا اليومَ بالزلّاتِ(1)

***

ص: 161


1- قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : يا فاطمة أبشري ؛ فلك عند الله مقامً محمود، تِشفعين فيه لمَحبيكَ وشيعتِکِ فتُشفَّعين . ( کنز الفوائد للكراجكي 1: 150 . ط قم)

ص: 162

قافية الثاء

اشارة

ص: 163

(1) فَابكِ البتول

(بحر الكامل) الشيخ صالح الطُّرفيّ (1)

ص: 164


1- هو الشيخ صالح ابن الشيخ عبد العالي بن محمد الطُّرفيّ ، من أسرة مشايخ بني طرف الكرام . وٍلد عام 1353 ه/ 1934 م في البستان ، مدينة من توابع الأهواز. نشأ نشأةٍ دينية في ظل والده المرحوم الشيخ عبد العالي الطُّرفيّ ، فدرس في مدارس البستان حتى أكمل الصف[ الرابع الابتدائي ، فهاجر مع والده إلى النجف الأشرف بصحبة أخويه الشيخ مهدي والشيخ حسين؛ من أجل طلب العلم، فأخذ دروسه العلمية في الحوزة، مثل: النحو والصرف والفقه والأصول. وبعد أربع سنين رجع إلى إيران وأقام في قم المقدسة لتكميل مراحل الدراسة، حتى أنهى السطوح وحضر دروس الخارج عند أساتذة الحوزة، منهم: آية الله السيد علي الفاني ، وآية الله الشيخ هاشم الآملي، وواصل درس الخارج في الأهواز عند آية الله الشيخ محمد الكرمي، وأخيرا استقر في الأهواز، فواصل مسؤولياته الدينية والاجتماعية. وللشيخ الطُّرفيّ منجزات موف[قة، حيث جدد بناء مسجد في الأهواز، وأسس مسجد آخر يقيم فيه صلاة الجماعة. وأيضا شكل لجانا في كثير من المساجد، لتدريس القرآن الكريم وتفسيره وإلقاء الخطب النافعة في الوعظ والإرشاد وتعليم الناس ما يهمهم من المسائل الشرعية، وقد عُرف شيخنا الطُّرفيّ بقضاء الحوائج للمحتاجين بالأخصّ مع أرحامه وأقربائه ، كما أعد جماعة من الشعراء في اللغة الدارجة، فأصبحوا وقد لمع نجمهم في هذه المنطقة التي لم يرج الشعر فيها كرواجه في أيامهم هذه، وقد أخرج كلُّ واحد منهم دیوانا من نظمه، متوجاً بتقريظ ومقدمة للشيخ الطُّرفيّ وما يزال المترجم يواصل خدماته وعمله العلمي ونشاطاته الدينية والاجتماعية. كما أن للمترجم بعض المؤلّفات الثقافية، منها: تاريخ بني طُرف، و ديوان شعر، والمجالس الحسينية على ضوء الأحاديث النبوية .

إِن كُنْتَ تَطْلُبُ مَأْتَماً ومَرَاثِي *** فَابْكِ الْبَتُولَ سَلِيبَةَ المِيراثِ (1)

وتَتَابَعَث بَعْدَ اغتِصابِ حُقُوقِها ال *** أَحْدَاثُ فَهيَ صَرِيعَهُ الأََحْدَاثِ(2)

هَاكَ النَّتِيجَةَ مِن مَقالةِ بَاحِثٍ*** وَدَعِ الشُّكُوكَ وكُلْفَةَ الأبحاثِ

لِلطُّهْرِ ضِلعٌ هَشَمَتها ضَغْطَةً *** بِالْبابِ إِذْ لا مِنْ حِمّى وَغِياثٍ

و بِهِ وبِالْمِسْمارِ وَالسِّقْطِ اعْتَقِد *** أبْعِد بِثَانٍ قَدْ أَتي بِثَلاثِ(3)

ص: 165


1- عن (نوائب الدهور ج3ص157) ما قاله الإمام على عليه السلام : أيها القدرة الفجرة! فاستعدُّوا المسألة جواباً، ولظُلمكم لنا أهلَ البيتِ أحتساباً ، أو تُضرب الزهراءُ نهراً، ويؤخذ منا حقُّنا قهراً و جبراً ؟! فلا نصير ولا مُجير، ولا مُسعد ولا مُنجد؟
2- في (عوالم العلوم ج 11/ 2 ص 574) بنقله عن (إرشاد القلوب) قالت الزهراء عليها السلام : أخذ عمر السوطَ من يد قُنفذ مولى أبي بكر، فضرب به عضدي ، فالتوى السوط على عضدي، حتّى صار کالدُّملج! وكل الباب برجله فرده علي وأنا حامل، فسقط لوجهي، والنار تسعر وتسفع وجهي؛ فضربني بيده حتى انتثر قُرطي من أذني . (إلى أن قالت: فعمل أمير المؤمنين عليه السلام بوصيتها ولم يُعلم أحداً بها (أي حين تُوفيت شهيدة). كتب الطبري الإماميّ في (دلائل الإمامة 104/ح 33): بإسناده إلى محمد بن عمار بن یاسر قال : سمعت أبي يقول:. وحملت بمحسن، فلمّا قبض رسول الله صلى الله عليه واله و سلم وجرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها، وإخراج ابن عمها أمير المؤمنين عليه السلام ، وما لحقها من الرجل أسقطت به ولدا تماما، وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها.
3- وذلك إشارة إلى ما ورد في (مؤتمر علماء بغداد ص 135):.. ولما جاءت فاطمة خلف الباب الترد عمر وضربه، عصر عمر فاطمة بين الحائط والباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها، ونبت مسمار الباب في صدرها، وصاحت فاطمة : يا أبتاه ، یا رسول الله !.. وذكر الفيلسوف المحقّق المرجع الشيخ محمّد حسين الأصفهاني رضی الله عنه به في كتاب الشعر الذي سماه (الأنوار القدسية) في باب ذکر فاطمة عليها السلام ، حيث ورد هذا البيت من شعره: ولستُ أدري خبر المسمار *** سَل صَدرَها خُزانة الأسرار وفي البيت ذمُّ للثاني ودعاء عليه بالإبعاد والطّرد عن رحمة الله تعالى ، وهو الذي قد أتى بثلاثِ : عظيمات يهتزّ لها العرش.. صرّح بها أبو بكر وهو على فراش الموت مريضاً، حيث قال : أما إنّي لا أسي من الدنيا إلا على ثلاث فعلتُها ووددتُ أني تركتُها، وثلاث تركتُها وود أنّي فعلتها، وثلاث وددتُ أني كنتُ سأل عنهنّ رسول الله صلى الله عليه واله و سلم. أما التي وددتُ أني تركها.. فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وإن كان أغلق على الحرب، ووددت أني لم أكن أحرق الفجاءة وأني قتله سريحة أو أطلقته نجيحة، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذف الأمر في عتق أحد الرجلين : عمر أو أبي عبيدة، فكان أميرا وكنت وزيرة.. وأما التي وددت أني كنت سأل عنهن رسول الله صلى الله عليه واله و سلم، فوددتُ أنّي كنتُ سألتُه فيمن هذا الأمر فلم تُنازعه أهله .. ( الخصال للصدوق 171 - 173/ ح 228 - باب الثلاثة، والسقيفة وفدك للجوهريّ البغداديّ 40 - 41) وأمّا عمر -وهو الثاني - فقد قال حين حضره الموت : أتوب إلى الله من ثلاث: اغتصابي هذا الأمر أنا وأبوبكر من دون الناس، واستخلافي عليهم، وتفضيلي المسلمين بعضهم على بعض. قال جابر بن عبدالله الأنصاري : شهدت عمر عند موته يقول: أتوب إلى الله من ثلاث : من تردي رقيق اليمن، ومن رجوعي عن جيش أُسامة بعد أن أمرّه رسول الله صلى الله عليه واله و سلم علينا، ومن تعاقُدنا على أهل هذا البيت إن قبضَ اللهُ رسوله لا تُولي منهم أحداً ! ( الخصال 170 - 171/ ح 225 - باب الثلاثة) قال تعالى : «وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا »(النساء : 18)

وَابکِ البَتُولَ ونُح عَلَيها دائِماً*** واحتُ التُّرابَ عَلَى الدُّنی يا حاثِي(1)

واعمُر مَدَى الأيّامِ مأتَمَها و صِح:*** هَيّا بِنا لِرِثائِها يا راثِي

ص: 166


1- حثا الترابَ عليه : هاله عليه ورماه .

(2) ناديتُ باسمِكَ

(بحر الكامل) الأُستاذ علي محمد الحائريّ (1)

ص: 167


1- هو الأستاذ عليّ ابن الشيخ محمد ابن الشيخ محمد عليّ بن زين العابدين الحائريّ . وُلد في مدينة كربلاء المقدسة سنة ( 1352 ه/ 1933 م) في ظل أسرةِ زاهرة بالعلم والفضيلة والخطابة المتجذرة في أصولها، شهد لهم الولاء، فكان والده الموجّه الأوّل له. أنهى دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية في كربلاء المقدسة، ثم تخرج من الدورة التربوية سنة ( 1900 م)، وعن معلمة في المدارس الابتدائية، وقد رغب في إكمال تحصيله العالي، فانخرط في سلك الدراسة الجامعية، فدخل كلية الآداب - فرع اللغة العربية بجامعة المستنصرية ببغداد، وتخرج سنة (1973 م)، ومارس التعليم فترة طويلة، ثم أحيل على التقاعد. و والمترجم ولع بقرض الشعر منذ أوائل الخمسينات، حيث بدأ محاولاته الشعرية عمودية ملتزمة أوزان الخليل، ومن هواياته المفضلة مطالعة الآداب العالمية عامة والتربوية خاصة، فهو لا يفتر عن قراءة النقد الأدبي وترجمة الأشعار عن اللغات الشرقية والإنجليزية بتصرف. عرف المترجم بالعمق الفكري والنظر الصائب إلى الحياة، ولم تشغله متاعب التدريس عن قرض الشعر والمطالعة، فقد أظهر نشاطا ملموسا في ذلك، حيث شارك في المناسبات الدينية التي تعقد في كربلاء المقدسة مشاركة جادة، فضلا عن مساهمته في نشر العديد من القصائد في الصحف والمجلات. وشاعرنا يجنح إلى الالتزام بالأدب الواقعي المعبر عن الحالة الاجتماعية وعوامل التراث والتاريخ؛ لما لذلك من أثر في رفد العطاء الإنساني والأدبي.. آثاره الأدبية : 1- أغنيات في سهر شهرزاد - شعر - صدر سنة (1986). 2- قناديل في أروقة الليل - شعر - مخطوط. 3 - الركب الضائع - شعر مخطوط. 4 - ترجمة كاملة لرباعيات الخيام عن الفارسية - مخطوط.

نادَيتُ باسمِكَ في الخطُوب غِياثا *** والدَّهْرُ أَزهَصَ مِن دَمَايَ وَعاثا(1)

ولأنْتَ ذُخرُ المُعتَفِينَ إذا هُمُ *** حَثُّوا الْمَطِي إلَی المَنُونِ حِثاثا(2)

خُدَعٌ هِي الدُّنيا ومَنْ يَعْلَق بها *** لِيثَتْ بَواْثِقُها عَلَيه لِياثا(3)

وَتَوَهُّم هذا السَّرابُ فَمَنْ ثَنا*** شُكُمَ الرِّعابِ وجانَبَ الإرفاثا(4)

ومَشَی الهُوَينا والطّريقُ عُورَةُ *** وَوَعی وشطَّ عَنِ الذُنُوب غِثاثا(5)

وَامتارَ مِن طِيبِ الجِنانِ غِذاءَهُ *** واستافَ مِن نفح البَتولِ نُفاثا(6)

ثَقُلَتْ(7) بِمِيزانِ الحِجَی حَسَناتُهُ*** وَزََوَتْ لَبُوسَ الغَیِّ عَنْهُ رِثاثا(8)

ص: 168


1- الخُطوب: جمع خطب، وهو الأمر الشديد. أرهص: عَصر عصراً شديداً. ذما: الأذَّماء بقية الروح . عاث : أفَسَدَ.
2- المعتفون: الطالبون للحاجات. والجثاث : مصدر حاثُهُ بمعنی حاضَّهُ، أي : حثُّوا المطئَّ حثاً. أو أن «ثاث» جمع حثيث، وهو السريع، أي : حثُّوا المطيّ مُسرعين.
3- يعلق بها: يتعلَّق بها. وليثث بوائقها عليه: لُقت شرورها عليه ، أو غطته واكتنفته سرورُها.
4- الشُّکُمُ: جمع الشّكيمة، وهي حديدة اللِّجام المعترضة في فم الفرس، وأراد هنا اللجام نفسه لذلك جعل الثني له. والغاب: جمع الَّرغيب وهو الأمر المرغوب فيه المطلوب. والإرفاتُ: الإفحاشُ.
5- الهُوينا: تصغير الهُونی ، مؤنث الأهون أي التُّؤدة والرِّفق . غثاثاً : هزالاً ضعافاً ، الواحد غَيث .
6- امتار: جَمَعَ الطعامَ والمؤونة. واستافَ : اشتمُ. والثُّفاثُ : النفثُ، وهو كالنفخ. في ( مقتل الحسين للخوارزمی ج 1 ص 63): عن عائشة قالت: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : إنه لما كان ليلةٍ أٍسري بي إلى السماء، أٍدخلتُ الجنة، فوقفت على شجرة من شجر الجنة، لم أر في الجنة شجرة هي أحسن حسناً ولا أبيض منها ورقة ولا أطيب ثمرة، فتناولت ثمرة من ثمراتها فأكلتها فعادت تطفة في شلبي ، فلما هبط إلى الأرض واقع خديجة فحملت بفاطمة.
7- جوابٌ لقوله «فمَن ثنا».
8- زوت: قبضت واجتازت و مَنَعَت. ورثاثٌ : باليَةٌ ، جمع رَثَ، وهو الثوب البالي .

يَا بِنْتَ مَنْ نَهَجَ الطريقَ سَنِيَّهِ*** وَدَعا إلى غَرسِ الخَلَاقِ حِراثا (1)

مَا كَانَ حُبُّكِ غَيْرَ حَبلِ عَقيدةٍ *** شَدَّ الْقُلُوبَ وقَدْ لَغِبْنَ لُهاثا (2)

ولَقَدْ صَبَرتِ عَلَى الفَوَادِحِ بَرَهُ ***بِالْعَهْدِ إِذْ ورِّثْتِ منه وراثا(3)

مَا كَانَ صَدْرُكِ أَن يَضِيقَ وَقَدْ رَوَى ال*** إِيمَانُ حَقلَ يَقِينِكِ المَيّاثا (4)

دَوحُ النُّبؤَّةِ أَنْتِ مِنْ أَعْياصِها*** فَإِذَا وَهَنْتِ فَمَا بَقِينَ لَباثا(5)

وكذلكَ العَنْقَاءُ كُلُّ رُوَيشَةٍ*** قُتِلْتَ بها ما إِنْ تُحَلُّ نِكاثا (6)

هَذَا الغِراسُ الفذُّ وَالنَّبْتُ الذي*** ما إِنْ يُصَوَّحُ فی الزّمانِ غِثاثا (7)

وَهُنا على جَدَثِ اَلْحُسَيْنِ شَهَادَةً *** مِمّا سَنَنْتِ شَأَى بها الأَجْداثا (8)

أَيْنَ القُبورُ العافِناتُ تُرابُها *** ذَرَّ الخَنَى حبَّاتِهنّ وَلاثا(9)

ص: 169


1- سَنيهُ: جليةُ واضحةُ ناصعة. الخَلاق: النصيب الوافر من الخير . والجراث: المزارَعَة.
2- لغبن : تعبن وعبین . واللُّهاث : هو إخراج اللّسان من التنفّس الشديد عطشاً أو تعباً .
3- يشير الشاعر إلى صبرها عليها السلام وتحملها للاّلام والمصائب، وفيهُ لعهد أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان مأموراَ بالصبر، ففي كتاب (سلیم بن قیس ص 154) : قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يخاطبه عليها السلام: فإن وجدت أعواناَ عليهم فجاهذهم، وإن لم تجد أعواناَ فاكف يدِك، واحقّن دمك، واعلم أنك إن دعوتهم لن يستجيبوا لك، فلا تدع أن تجعل الحُجة عليهم؛ فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم ونابذتهم وجاهدتهم من غير أن يكون معك فئةٌ تَقوئ بهم أن يقتلوك!
4- الميّاث: لم أقف لها على معنی مناسب هنا، اللهمّ إلّا أن تكون مبدلة من «مباسا». فإنّ الثاء والسين متقاربان مخرجاً، فيبدل أحدهما من الآخر.
5- أعياصها: أُصولها. ولبثَ بالمكان لبثاً ولَباثاً : مکث وأقام فيه، فاللّباث هو المكث والإقامة. أي إذا ضعف یا مولاتي لم تلبث تلك الدوحة النبوية إلا قليلاً.
6- العنقاء : طائر ضخم خياليُ. رُويشة: مصغّرة ريشة. و«إن» زائدة . ونَكثَ الحبل: نقضَهُ.
7- صَؤَّح النبت: يبس.
8- شَاَهُ : سَبَقَهُ . أي علا بها الأجداث و القبور رُتبه و منزلة.
9- الخنَى : الفُحش. و ذَرَّالشيء: نثََرَهُ ورشَّهُ.ولاثَ العمامة : لَفَّهَا وعَصَبَها .

(3) أرزاء آل محمّد

(بحر الطويل) الشيخ محمد حسین کاشف الغطاء(1)

ص: 170


1- الشيخ محمد حسین کاشف الغطاء هو ابن الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر الكناجي النجفي صاحب (کشف الغطاء).وُلد في النجف الأشرف سنة ( 1296 ه/ 1879 م) و عُرفت هذه الأسرة بأل ( کاشف الغطاء) نسبة إلى جدهم الشيخ الكبير الشيخ جعفر صاحب کتاب (کشف الغطاء)، حيث أخذت الأسرة شهرتها من اسم هذا الكتاب الذائع الصيت في الأوساط العلمية. ويُعدَ المترجم من أبرز مشاهیر علماء الدين . نشأ في بيت طافح بالعلم والعلماء، فأخذ معارفه وعلومه من والده العالم الجليل الباحث الشيخ على صاحب ( الحصون)، فورث منه السماحة والفصاحة، وقرأ المقدمات والنحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان، وأكمل دراسة الفقه والأصول، فأتم مرحلة (السطوح) وهي مقدمة للدراسات العليا في الحوزة، حتى تأهل إلى أن يلتحق ببحوث الخارج في الفقه والأصول، فحضر دروس : الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب (الكفاية)، والسيد محمد کاظم الطباطبائي اليزدي، والشيخ آغا رضا الهمداني صاحب المصابیح)، والسيد محمد الأصفهاني، والشيخ میرزا محمد تقي الشيرازي قائد ثورة العشرين، وفي سائر العلوم على: الميرزا محمد باقر الأضطهباناتي، والشيخ أحمد الشيرازي، والشيخ محمد رضا نجف آبادي، وغيرهم من مشاهير العلماء، حتى استوعب ما فيه الكفاية. وأخذ عنه العلم المئات من الشخصيات العلمية، فكانت له حلقة درس عامرة، واستمر طيلة أربعين سنة دؤوباً في نشر العلم . وللمترجم باع طويل في الأدب، وقلمه مطبوع، مسترسل في النثر وسهل في الشعر، وله الكثير من المؤلفات يزيد عددها على الثمانين، منها: 1 - أصل الشيعة وأصولها. 2 - الأرض والتربة الحسينية. 3- الآيات البينات . 4 - العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية. 5- تحرير المجلة . : 6 - المَثل العليا في الإسلام لا في بحمدون. 7 - الميثاق العربي الوطني. 8 - الفردوس الأعلى. 9- جنة المأوی. 10 - ديوان شعر، وغير ذلك. وفاته : أشار عليه البعض بالسفر إلى ( کرند في إيران للاستجمام والراحة، فوافاه الأجل المحتوم فجر يوم الإثنين في 18 من شهر ذي القعدة سنة (1373 ه)، وثقل جثمانه إلى النجف الأشرف وشیع تشییعة يليق بمكانته وخدماته، فخسر به العالم الإسلامي أحد رجاله، والعلم أحد أبطاله، وكان يومه مشهوداً، ودفن بمقبرة خاصة أعدها لنفسه في وادي السلام، وقد أقيمت على روحه الفواتح في مختلف المدن إلى يوم الأربعين، ورثاه الشعراء .

لَكَ اَللَّهُ مِنْ قَلْبٍ بِأَيْدِي الْحَوَادثِ *** لَعِبْنَ بِهِ الأَشجانُ لُعْبَةَ عابِثِ

تَمُرُّ بهِ الأَفراحُ مَرَّةَ مُسرعٍ *** وتُوقِفُهُ الأَتراحُ وِقفَةَ ماكِثِ

تَذَكَّرْتُ مِن أرزاءِ آلِ مُحَمَّدٍ *** مَصائِبَ جَلَّت مِنْ قَدِيمٍ وَحادِثِ

عَشِيَّةَ خَانَ الْمُصطفى كُلُّ غادِرٍ*** وَبَزَّ حُقُوقَ المُرتَضي كُلُّ نَاكِثِ(1)

وهَاجَتْ عَلَى الزَّهراءِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ*** دَفائِنُ أَضْغانٍ رَمَؤها بِنابِثٍ (2)

فَآلَمَها في سَوْطِهِ كُلُّ ظالِمٍ *** ودَفَّعَها عَن حَقِّها كُلُّ رافِثِ(3)

وَرَدُّوا اَلْهُدَى والدِّينَ فِي اَلْأَرْضِ دَوْلَةً *** تُدَاوَلُ فِيمَا بَيْنَهُمْ كالمَوارِثِ

ص: 171


1- بزه حقَّه: سلبه إياه قهراً . ونكث العهد: نقضه.
2- أجهش رسولُ الله >صلي الله عليه و اله و سلم يوماً بالبكاء، فسأله أمير المؤمنين عليه السلام : يا رسول الله ما يٍبكيك ؟ قال : ضغائنُ لك في صدور أقوام لا يُبدونها لك إلا من بعد موتي .. (نور الأبصار للشبلنجي الشافعي 92، المناقب للخوارزمي الحنفي 26 - الفصل السادس، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ج 1/ ح220، کنز العمال للمتّقي الهندي 617:11 . والنابث: الحاف، نبثَ البئرََ: حَفَرَهُ.
3- رَفَثَ الرجلُ : أفحَشَ، فهو رافث فحّاش. وفي البيت إشارة لما ورد في ( عوالم العلوم ج 2/11 ص 574) عن فاطمة الزهراء ؟ قالت: فأخذ عمرُ السوطَ من يد قنفذ مولى أبي بكر، فضرب به عَضُدي فالتوى السوطُ على عضدي حتّى صار كالادُّملج.

فَأُدْلي إِلى اَلثّاني بِهَا شَرَّ أَوَّلٍ *** وَدَسّي بِها الثّاني إلى شَرِّ ثالِثِ(1)

وَمَا ذَاكَ إِلاَّ أَنَّهُم مَا تَمَسَّكُوا ***مِنَ اَلدِّينِ حَتّى بِالْجِبالِ الرَّثانِثِ (2)

إِلَى أَنْ دَبَتْ تَسْرِي بِسُمِّ نِفاقِهِمْ ***إِلَى كَرْبَلاَ رُقْشُ الأفاعِي النَّوافِثِ (3)

فَأَخنَت عَلَى آلِ النَّبِيِّ بِوَقْعَةٍ ***بِها عاثَ فِي شَمْلِ الْهُدْيِ كُلُّ عانِثِ(4)

غَداهَ استغاثَ الدِّينُ بِابْنِ نَبِيِّهِ *** فَهَبَّ له مِن نُصرَةِ خَيْرُ غَانِثِ(5)

بِحِلْمٍ إِذَا اشْتَدَّ الْبَلا غَيْرِ طائِشٍ *** وعَزْمٍ إِذَا الدَّاعِي دَعا غَيْرِ رَانِثِ(6)

وَنَجْدَةٍ عَزْمٍ مِنْ لُوَيٍّ وُجُوهُهُمْ *** تُعَدُّ لِكَشفِ النّائِباتِ الكَوارِثِ

ص: 172


1- دَسَّی : دسَّ، وهو إدخال الشيء من تحت، قال تعالى : ( وقَد خَابَ من دَسَّاها) . وفي البيت إشارة لما ورد في كتاب (سُليم بن قیس ص 109) عن الإمام علي عليه السلام قال : زعموا أن رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم لم يستخلف أحداً، وأنّهم أقروا بالشورى، ثم أقرّوا أنهم لم يشاوروا، وأن بيعته كانت فلتة ! وايُّ ذنب أعظم من الفلتة ! ثم استخلف أبوبكر عمر ولم يقتني برسول الله صلي الله عليه و اله وسلم ، فقيل له في ذلك فقال: أدعُ أمةَ محمد کالنَّعل الخلق ؟! أدعُهم بلا استخلاف ؟! طعناً منه على رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم ورغبة عن رأيه . (حتى قال :) وجاء بشيء ثالث ، جعلها شوری بین ستة نفر، وأخرج منها جميعَ العرب، ثمّ حظي بذلك عند العامة. ثمّ بايع ابنُ عوف عثمان، وقد سمعوا من رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم في عثمان ما سمعوا من لعنه إيّاه في غير موطن. وراجع الخطبة الشقشقيّة.
2- الرثائث : الرثة البالية.
3- دبت : مخففة دَبت . والرُّقش: جمع الأرقش، وهو الأفعى المنقّطة ببياض وسواد. والنوافث : جمع النافثة، وهي التي ترمي السُم من أفواهها وأنيابها.
4- أخنى عليه: أهلكه، جار عليه وغدر به.
5- يريد به الإمام الحسين عليه السلام، وهو القائل في خطبة له : أمّا بعد، فقد نزل بنا من الأمر ما قد تَرون، وإنّ الدنيا قد تغيرت وتنکّرت، وأدبر معروفُّها ولم يبق منها إلا صُبابة كبابة الإناء، وخسیسُ عیش کالمرعي الوبيل . ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهي عنها إيرغب المؤمنُ في لقاء الله ، فإنّي لا أرى الموتَ إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً ! ( تاريخ الطبري 7: 300، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2: 5، تحف العقول 174، اللهوف 69)
6- رايتُ: مٍبطئُّ .

رُمی لَهَواتِ اَلْخَطْبِ فِيهِمْ فَجَرَّدُوا *** مِنَ العَزْمِ أَمْثالَ الرِّقاقِ الْفَوارِثِ(1)

إلى أن يقول فيها:

يميناً بَني الهادي بِفُرقانِ مَجْدِكُمْ *** وما أَنَا بِالْفُرْقَانِ يَوْماً بِحانِثِ (2)

لَقَدْ غَرَسَتْ أَرْزَاؤُكُمْ فِي حُشاشَتي*** مِنَ اَلْوَجْدِ أَفْنَانَ الشُّجُونِ الأَثانِثِ (3)

فَبِتْنَ عَلَى جَمْرٍ قَدِيمٍ مِنَ اَلْجَوَي*** يَشُبُّ عَلى مَرِّ اللّيالي الْحَوادِثِ

مَصَائِبُ أَشجَتْنِي وَصَيَّرنَ مِقولى*** يَنُوبُ لَكُمْ مِن كُلِّ رَقْشَاءَ نَافِثِ (4)

نَوَافِذُ فِي أَغْدَائِكُمْ وَلِنَؤحِكُمْ *** إِلَى البَعْثِ عادَتْ مِن أَشَدِّ البَوَاعِثِ

مَرَاثي تُذِيبُ الصَّخْرَ إن عِشتُ نُحتَُكُم *** بِهِنَّ وإنَّ أهلِك يَرِثهُنَّ وارِثي

***

ص: 173


1- الرّقاق : السيوف الحادّة القاطعة. والفوارث : جمع الفارثة. اسم فاعل للمؤنث من فَرَث كَبِدَهُ، إذا فتُّتها وشقُّها. ولعلَها مصحفة عن «الغوارث» ويكون تخيل إنّها جمع غارثة بمعنی جائعة. وهي من حيث مقابلتها للّهوات أنسب.
2- الحانث : من الجنث، وهو الحلف الكاذب .
3- الوجد: الغضب والألم. أفنان : أنواع. الشجون: الآلام. الأثائث: الكثار العظام، جمع الأثيثة، وهي الكثيرة العظيمة.
4- مصائبکم جعلتني أغار غيرة تدفعني أن أكون مدافعة عنكم، ومواجهاً لكلُ منافق لثيمِ خبيثِ من أعدائكم.

ص: 174

قافية الجيم

اشارة

ص: 175

(1) ظُلِمَ النبيّ

(بحر الطويل) الشيخ قيس العطََار

هو الشيخ قيس بن بهجت بن رضا العطار(1)

ص: 176


1- وُلد في مدينة الكاظمية المقدسة سنة ( 1381 ه/ 1963 م) نشأ وترعرع في ظل أسرته نشأه صالحة كريمة. درس الدروس الابتدائية في مدارس بغداد حتى أنهى الصف الخامس العلمي عام (1980 م) ثم في مع عائلته إلى إيران فكان متشوقا لتحصيل العلوم الدينية، فانخرط في الحوزات العلمية في طهران و قم و مشهد، حتى أكمل مرحلة المقدمات والسطوح على نخبة من الأساتذة المعروفين من العلماء، منهم: الشيخ محمد حسن الأصطهباناتي، والشيخ محمد تقي شريعتمدار، والشيخ عباس زين العابدين، وغيرهم من العلماء ثم حضر الدرس الخارج في الفقه والأصول عند الفقيه المربي الشيخ على الفلسفي رضي الله عنه له في مدينة مشهد المقدسة. واختار طريق الخطابة الحسينية فراح يرتقى المنبر في مشهد المقدسة بعض السنوات. وبدأ بقرض الشعر في عام (1980 م) حيث ساهمت أجواء الهجرة والغربة في الكشف عن موهبته الإبداعية في الشعر. والمترجم يتناول في شعره أغراض الشعر المألوفة، فكان ذا خيال خصب، وشعره حافل بالصور مما نظمه في مدح أهل البيت ورثائهم عليهم السلام ، وقد نشرت له الصحف الكثير من شعره . ألف كتب دينية وأدبية عديدة أهمها: 1- قيثارة الدم، وهي مجموعة قصائد نظمها في الدفاع عن حق أهل البيت وبيان مظلوميتهم عليهم السلام . 2- شرح و تحقیق دیوان مالك الأشتر. 3- مالك الأشتر خُطبه وآراؤه . 4 - تحقیق وشرح منظومة (بیان العروض). 5 - ديوان بعنوان ( من وحي الغُربة) مخطوط : 6- رشح الولاء. 7- أدب المقابر. 8- کتاب و عتاب . 9- شعراء أمير المؤمنين عليه السلام. 10 - وله تحقيقات وفيرة، فضلاَ عن مقالات وقصائد كثيرة، ومؤلفات قيد الطبع والتأليف والتحقيق.

هُمُومٌ مَدَي الايّامِ لا تَتَفَرَّجُ *** وَ حُزْنٌ لآلامِ القُلُوبِ مُهَيَّجُ(1)

لِنَکثِ أُنَاسٍ لَمْ يُطِيعُوا نَبِيَّهم *** وَشَطَّ بِهِمْ دَربٌ من الْغَدرِ أَعْوَجُ (2)

هُمُ أَسَّسُوا ظُلْمَ النّبيِّ وَآلِهِ*** وسُنَّ بهم للظُّلْمِ والجَورِ مَنْهَجُ

أَرَادُوا عليّاً أَنْ يُبايِعَ تَيْمَها*** وقَادُوهُ قَسْرَأ بِالحِبالِ أَزْعَجُوا (3)

وَقَدْ غَصَبُوا الزَّهْراءَ نِحلةَ ربِّها *** وحُكِّمَ في بَيتِ النُّبُوِّهِ أَهْوَجُ (4)

وَدَارُوا علی آلِ الرِّسالةِ جَهْرَةً*** وصاحَ شَقِيُّ القَومِ لِلبَيْعَةِ اخْرُجُوا

وإلاَّ حَرَقتُ الدّارَ قَالُوا فَفاطِمُ؟؟ *** فَقَالَ وَإِنْ كَانَتْ فَاِنِّي موَجِّجُ (5)

أراعُوا كَيَؤمِ الشِّعْبِ آلَ مُحَمَّدٍ*** وَلِلحَطَبِ الجَزلِ المُجَمَّعِ أجَّجُوا(6)

ص: 177


1- تفج الهم: تكشف. ومهیج : اسم فاعل من هيج الشيء، أي حركه وأثاره .
2- في (صحيح البخاري 66:5 ) عن العلاء بن المسيب، عن أبيه قال: لقيتُ البراء بن عازب فقلت اله: طُوبي لك! صحب النبي صلي الله عليه و اله وسلم، وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي ، إنك لا تدري ما أحدنا بعده!
3- قسراً : القسر الإجبار بالقوة . والازعاج : نقيض الإقرار، تقول: أزعجته من بلاده، فمضى. كتب المسعودي في (إثبات الوصية ص 126): فأقام أميرالمؤمنين عليه السلام ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم، فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه وأحرقوا بابه واستخرجوه منه! وقريبا من ذلك ما كتبه في : مروج الذهب 2: 301.
4- الأهوج: الأحمق المتسرع. وهو هنا عمر.
5- في (الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 30): فدعا عمر بالحطب وقال : والذي نفس عمر بیده، التخرج أو لأحرقتها على من فيها ! فقيل : يا أبا حفص، إن فيها فاطمة ، فقال : وإن . (رواه أيضا: عمر رضا کحالة في : أعلام النساء 4: .114).
6- أراعوا: أرعبوا. أشعلوا اجّشجوا الشعب: هو يوم حاصرت قريش النبي وآله وبني هاشم في شعب أبي طالب.

بَلَى أَضْرَمُوا النِّيرانَ فِي بَابِ فاطِمٍ*** فَصَارَتْ عَلَيها نارُهُم تَتَوَهَّجُ

وَدَافَعَها الرِّجْسُ الشَّقِيُّ بِكَفِّهِ ***ورامَ انْفِتَاحَ البابِ والبابُ مُرْتَجُ(1)

ومِنْ خَلْفِهِ تَدعُو البَتُولُ مُحَمَّداً ***وعَبرَتُها بَيْنَ الْجُفُونِ تَلَجْلَجُ(2)

أَبِي يَا رَسُولَ اَللَّهِ هذا عَتِيقُهُمْ ***وذا آبَنُ صُهاكِ للشَّرِيعَةِ أَنهَجُوا(3)

لَقَدْ ضَرَبُوا بِالسَّؤْطِ زَنْدِي كأنّما*** بِهِ مِنْ بَقايا ضَرْبةِ السَّؤطِ دُمْلُجُ(4)

وَقَد كَسَرُوا ضِلْعِي وأَسْقَطَ عَصرُهُمْ ***جَنِينِي ونَفْسِي بَيْنَ صَدْرِي تُحْشْرِجُ

وقَدْ نَبَتَ المِسْمارُ فِي الضِّلْعِ يَا أُبَيُّ ***فَهذي دِمَائِي والْمَدامِعُ تُمزَجُ

وَما كانَ يَؤمُ الطَّفِّ إِلاَّ بِمَا جَنَتْ ***سَقيِفَتُهُمْ إِذْ أَلْقَحَتْ رَيْثَ تُنْتِجُ(5)

فَذَا كَسْرُ ضِلْعِي مِثْلُ رَضِّ ضُلوعِهِ ***وَذَا بَابُ دَارِي كَالْخِيامِ تَأجَّجُ

وهَذَا جَنينِي مُسْقَطاً مِثْلُ طِفْلِهِ ***ذَبيحاً لِشُربِ المَاءِ يَبْكِي ويَلْهَجُ (6)

وهذي جُمُوعُ المُرْهِجينَ بِيَثْرِبٍ ***كَخَيْلِ بَنِي سُفْيانَ فِي الطَّفِّ تُرْهِجُ(7)

ص: 178


1- مُرتَج: مُغلَقٌ إغلاقاً وثيقاً .
2- تلجلج: أصلها تتَلَجلَج، فحذفت إحدى التاثين تخفیفاً، ومعناه تتردَّد .
3- أنهَجَ الثَّوبَ: أبلاه وأخَلَقَهُ.
4- الدُّملُج: حَليّ يُلبس في المعصم. وقد تقدّم أن القوم ضربوا الزهراء عليها السلام حتى صار السواد في عضدها كالدملج.
5- ألقحت الناقة: حملت. والریثُ: مقدار المهلة من الزمن. تنتج : د. وصدق الأديب إذ قال: ما کربلا لولا السقيفة!
6- لهج بالشيء: أغري به فثابر عليه. أي يلهج بذكر الماء.
7- أزهَجَ : أثار الغُبار. أي أن الهاجمين على بيت فاطمة عليها السلام بالمدينة كالهاجمين على الحسين عليه السلام بكربلاء. والهجوم يصاحبهُ الغبار . يعقد الشاعر في أبياته الأخيرة صوراً تحكي عن العلل والنتائج، وعن ما تجرأ عليه الأواخر بما : أسسه الأوائل، من : أساس الظلم والجور على أهل البيت عليهم السلام ، ومن دفع عن مقامهم وإزالة الهم عن مراتبهمُ التي رتبهم الله فيها، ومن قتل لهم وتمكين من قتالهم!

فَلِلَّهِ رُزةٌ لَم تَرَ العَينُ مِثلَهُ ***وَما فَزِعَت أوسٌ عَلَيهِ وخَزرَجُ (1)

أَتُمَنَعُ بِنْتُ الْمُصطَفَى النَّؤحَ عِنْدَهُ ***وَتَبكِي بِبَيتِ الحُزنِ سِرّاً وَتَنْشِجُ ؟!(2)

فَإِنْ ضَمَّها صُبحٌ فَبِالحُزنِ مُظْلِمٌ ***وإِن جَنَّها لَيْلٌ فَبِالدَّمعِ مُسْرَجُ(3)

ومِن عَجَبِ الأَيَّامِ وَالدَّهرُ كُلُّهُ ***عَجَائِبُ فِي أَحْداثِهِ يَتَمَوَّجُ

بِأَنْ تَبِعُوا اَلْحَمْراءَ لَمَّا أَتَتْهُمُ*** عَلى جَمَلٍ بَينَ الرِّجالِ تَبرَّجُ

وَلَم يَتبَعوا الزَّهْراءَ لَمّا أَتَنهُمُ ***تُداعِي بِحَقِّ اللَّهِ والْحَقُّ أبْلَجُ(4)

ص: 179


1- ولذلك خاطبتهم الزهراء عليها السلام في خطبتها: إنها بني قبيلة أهضم تراث أبي وأنتم بمرأى ومسمع . بلاغات النساء: 18). وبنو قيلة هم الأوس والخزرج من الأنصار، أنهم قيلة بنت کاهل بن عذرة بن سعد بن قضاعة.
2- نشج الباكي : غصَ بالبكاء في حلقه من غير انتحاب . كتب ابن أبي الحديد: والشيعة تروي أن قوما من الصحابة أنكروا بكاءها الطويل ونهوها عنه، وأمروها بالتنحي عن مجاورة المسجد إلى طرف من أطراف المدينة. (شرح نهج البلاغة 13: 43). وقد رآه ابن جبیر سنة 580ه وذكره في رحلته: 155. وكان شامخاً قبل مدة قليلة، ثم هدمه الوهابيون وآل سعود.
3- أسرج السراج: أوقَدَه
4- سبق إلى هذا المعنى أحد الشعراء حيث قال: جاءت تطالب فاطم بتراثها *** فتقاعدوا عنها بگل طريق وتسارعوا نحو القتال جميعهم *** لما دعتهم إبنة الزنديق فقعودهم عن هذه ونهوضهم *** مع هذه يغني عن التحقيق ( الصراط المستقیم 3: 162) وفي ( الإمامة والسياسة ص12. طبعة القاهرة ): خرج علي كرم الله وجهه بعد بيعة أبي بكر يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على دابه ليلاً في مجالس الأنصار، تسألهم النُّصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أنّ زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدَلنا به .. ( وهكذا تنا کروا بيعة الغدير تماماً!)

فَلَوْ حَضَرُوا فِي كَرْبَلاءَ لَأَلْجَموا *** خُيُولَ ضَلالِ لِلقِتَالِ وَأَسْرَجُوا(1)

فيا قَائِماً بِالثَّأرِ مِن آلِ أحْمَدٍ*** مَتى تَشتَفِي مِنّا الصُّدورُ وتُثلَجُ

بِصَلْبِكَ فَوْقَ الجِذْعِ جِبْتَ ضَلالَةٍ *** وطَاغُوتَها كُلَّ طَرِيّاً سَيُخْرَجُ (2)

لِيَحْترِقا فِيما لهُ أَمسِ جَمَّعا *** وذَاكَ قِصاصُ اللَّهِ أَعْلى وأَفْلَجُ (3)

عَلَيْكِ سلامُ اللَّهِ سَيِّدَةَ اَلنِّسا*** فَلِي بِكُمُ حَبلٌ مِنَ الشِّعْرِ أَوْشَجُ(4)

إِذَا اِحْتَاجَكُمْ عَبْدٌ لِدُنْياهُ طَالِبٌ*** فَإِنِّي إِلَيْكُمْ فِي اَلْقِيَامَةِ أَحْوَجُ

ص: 180


1- ألجم الدابّة : ألبسها اللَّجام. وأسرج الفرس: شدّ عليه السَّرج.
2- الجبت : كلّ معبود سوى الله . والطاغوت : كلُّ رأس ضلال. وانظر صلبهما على الجذع في مختصر بصائر الدرجات : 187، والهداية الكبری: 402).
3- أفلج : أقوى غلبهَ وحُجَة. وفي دلائل الإمامة: 455/ ح 435 عن الإمام الباقر عليه السلام حول ظهور الإمام الحجة عليه السلام: ثمّ يخرج الأزرق وزريق غضّين طريَّين ... ثم يحرقهما بالحطب الذي جمعاه ليحرقا به علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام، قال الإمام : وذلك الحطب عندنا نتوارثه .
4- وشجت الأغصان: اشتبكت .

(2) الهادي النبيّ

(بحر الكامل) الشيخ محمد عليّ اليعقوبيّ

مَالِي سِوَى الهادي النَّبيِّ وآله ***حِصنٌ إِلَيْهِ لَدَى الشَّدائِدِ أَلْتَجِي(1)

أنَا مُرْتَجٍ لَهُمْ وإِنْ نَزَلَ الرِّجا *** بِسِواهُمْ يَنْزِل بِبابٍ مُرْتَج(2)

مَا بَينَ مَسمومٍ وبَيْنَ مُشَرَّدٍ *** وَمُجَدَّلٍ بِدَمِ الوَريدِ مُضَرَّجِ(3)

***

بَيْتٌ بِهِ الأمْلاكُ تَهْبِطُ خُشَّعاً *** وإلَى السّما مِن غَيْرِهِ لم يُعرَجِ(4)

ص: 181


1- قال الإمام علي بن الحسين عليه السلام: إنّا يوم القيامة آخذون بحُجزة نبيُّنا، و نبيُّنا، آخذٌ بحجزة ربه، وإن الحُجرة النور، وشيعتُنا آخذون بحجزتنا، فمن فارقُنا هلك، ومن تَبعنا نجا... ( تفسیر فرات الكوفي ص 285/ ح 385).
2- مُرتَجِ: الأولى اسم فاعل من ارتَجي يرتجي، من الرجاء. والثانية من أُربجَ بمعنى أغلقَ فهو مُرتَج أي مغلق . وفي الزيارة الجامعة الكبيرة الواردة عن الإمام الهادي عليه السلام: اللّهم إنّي لو وجدتُ شُفعاء أقربَ إليك من محمّد وأهل بيته الأخيار، الأئمة الأبرار، لجعلتُهم شفعائي، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك ، أسألك أن تُدخلني في جملة العارفين بهم وبحقّهم، وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم .. (عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق 2: 277) .
3- جاء عن رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم: ما منّا إلّا مقتولٌ أو مسموم. ( كفاية الأثر للخزاز القمي 162. ويراجع کتاب : ما منّا إلّا مقتول أو مسموم)
4- قال الإمام الحسين عليه السلام وهو في طريقه إلى كربلاء لرجل من أهل الكوفة: أمّا والله لو لَقيتُك : بالمدينة، لأريتُك أثر جبرئيل في دارنا، ونزوله بالوحي على جَدي . يا أخا أهل الكوفة من عندنا مستقى العلم.. (سير أعلام النبلاء للذهبي 3: 205) .

دَرَجَتْ لِهَتَك حِجَابِهِ عُصُبُ الشَّقا*** وَالمُصطَفئ بِرِدائِهِ لَم يُدْرَجِ(1)

غَضِبَ النَّبيُّ لِزَيْنَبٍ مُذْ رَاعها ***هَبّارٌ حَتّى أَسْقَطَتْ فِي اَلْهَوْدَجِ (2)

مَا كَانَ يَصْنَعُ لَوْ يُشَاهِدُ فَاطِماً*** تَرْتَاعُ مِنْ ضَرْبِ العُتُلِّ اَلْأَهْوَجِ(3)

حَتَّى قَضَتْ وبَيْنَ السّياطِ بِجَنْبِهَا ***أَثَرٌ وفي أَعْضَادِها كالدُّملُجِ

أَبْكِي لِضَيْعَتِها وَضَيعَةِ قَبْرِهَا*** أَمْ دَفْنِها فِي حَالِكِ اَللَّيْلِ الدَّجِي(4)

ص: 182


1- دَرَجَتْ : مشت. وأدرَجَ الميتَ في الكفن : أدخله ولفه فيه.
2- ذكر ابن أبي الحديد أنَّ رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أباح دم هبار بن الأسود يوم فتح مكة ؛ لأنه روع زينب بنت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بالرمح وهي في الهودج ، وكانت حاملاً فرأت دماً وطرحت ذا بطنها. قال ابن أبي الحديد: قرأتُ هذا الخبر على النقيب أبي جعفر فقال : إذا كان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أباح دم هبّار لأنّه روع زينب فألقت ذا بطنها، فظاهرٌ الحال أنه لو كان حيّاً لأباح دَمَ من روع فاطمةَ حتى ألقت ذا بطنها. (شرح نهج البلاغة 14: 193).
3- العتلُّ : هو الجاني الغليظ، أو الشديد من كل شيء، والأهوج: يعني الأحمق.
4- يشير الشاعر إلى معنيين: الأول - إلى ضيعة الزهراء عليها السلام بعد أبيها رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم من: غضب حقُها في إرثها تارةُ، وهجوم القوم على بيتها تارة أخرى، وإلى ضياع قبرها بعد دفنها سرا، وهذه إحدى وصاياها. فقد رُوي في كتاب ( مصباح الأنوار ص 59) عن أبي جعفر عليه السلام قال : دفن أمير المؤمنين عليه السلام فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله و سلم بالبيع ورش ماء حول تلك القبور؛ لئلا يعرف القبر، وبلغ أبابکر وعمر أن علياً عليه السلام دفنها ليلاً، فقالا له: لم لم تُعلمنا ؟ قال : كان الليل وكرهت أن أشخصكم. فقال له عمر: ما هذا ؟! ولكن شحناء في صدرك ! فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أما إذ أبيتما، فإنها استحلفتني بحق الله ومحرمة رسوله، وبحقها على أن لا تشهدا جنازتها. وروي أيضاً في ( دلائل الإمامة للطبري الإمامي ص 46) أنّ الإمام عليّاً عليه السلام سوى في البقيع سبعة قبور، أو أربعين قبراً .. الحديث . : أمّا بالنسبة للمعنى الثاني الذي أشار إليه الشاعر، فقد ژوي في كتاب ( العوالم ج 2/11 ص 1083) عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة عليها السلام أن لا يعلم إذا ماتت أبوبكر ولا عمر، ولا يُصلَّيا عليها . قال : فدفنها علىُّ ان ليلاً، ولم يُعلمها بذلك. و رُوي أيضاً في المصدر نفسه عن عائشة : عاشت فاطمة بعد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ستة أشهر، فلمّا تُوقيت دفنها علىُّ ليلاً، وصلّى عليها. رواه أيضاً الذهبي في (تاريخ الإسلام ج 2 ص 93)، ورواه أبو نُعَيم في (حلية الأولياء ج 2 ص 62)، وابن عبدالله النصري في (تاريخ أبي رعة ج 1 ص 290)، ورواه الطبريّ في (تاريخه ج 2 ص 448)، وذكر ذيله ابن سعد في ( الطبقات الكبرى ج 8 ص 29) من طرق مختلفة .

ص: 183

ص: 184

قافية الحاء

اشارة

ص: 185

(1) فبعَين الله

(بحر الزّمل) الشيخ عبدالكريم المُمتنّ(1)

أَيُّها الغَافِلُ لا نِلْتَ نَجاحا *** خَالِفِ اَلنَّفْسَ وَدَع عَنْكَ المِلاحا(2)

ص: 186


1- هو الشيخ عبدالكريم ابن الشيخ حسين ابن الشيخ محمد ابن الشيخ أحمد المتن الأحسائي الجبيلي ، وُلد في قرية (الجبيل) بالأحساء سنة ( 1304 ه)، وبها نشأ وترعرع تحت رعاية والده الشيخ حسين، فكان أوائل تحصيله العلمي على يد والده، وبعد وفاته التحق بالحوزة العلمية في مدينة الهفوف، وحضر مدة عند الشيخ موسى أبو خمسين ، ثم انتقل إلى النجف الأشرف للتزود من العلم، فحضر هناك لدى جملة من العلماء الأعلام، منهم السيد ناصر الأحسائي ، وعند المرجع الديني السيد محسن الحكيم. وبعد أن أخذ قسط وافرة من العلم وأصبح في عداد العلماء، عاد إلى مسقط رأسه و مسكن أسرته الأحساء) وهو يحمل الوكالة الشرعية عن أستاذه السيد الحكيم. وقد اعترف معاصروه بأنه: غزير العلم، جلیل القدر، فقیه، عارف، متفوق في كثير من العلوم سیما في علم النحو والمنطق وفي الفلسفة والكلام، وكانت له يد طولى في علم الفلك أيضاً. وبالإضافة إلى فضيلته العلمية كان شاعراً مبدعاً، وقد ذكره الخطيب الشيخ جعفر الهلالي قائلاً عنه: «الشيخ عبدالكريم الممت كان من الشعراء المتأخرين الذين عاشوا في هذا القرن، ولا نجازف إذا قلنا : إنه يأتي في الطبقة الأولى من شعراء قطره الأحساء، بل إنه بشاعريته يحاكي أدباء وشعراء النجف والحلة».. وكان أستاذاً ومعلّماً بارعاً، تخرج عليه عدد من رجال الدين الأفاضل وفاته : وافاه الأجل المحتوم في قرية الجُبيل بالأحساء ليلة الجمعة 12 رجب سنة ( 1375 ه)، ودُفن جثمانه في مقبرة الجبيل.
2- الملاح : جمع مليح ومليحة ، و هو البهيج الحَسَن المنظر .

وأَفِقْ مِن سَكْرةِ الغَيِّ ولا *** تَحْسَبَنَّ الجَدَّ مِن قَوْلي مزاحا

كَمْ تُمارِي فِي الهَوى لاَ تَرْعَوي*** وَغُرابُ الْبَيْنِ يَدْعُوكَ الرَّواحا (1)

كَيْفَ لا تُقْلِعُ عَنْ مَعْصِيَةٍ*** ونَذِيرُ الشَّيْبِ فِي الْمَفرِقِ لاحا

أَذِنَت فِيكَ اللَّيالي بِالْفَنا ***وَ دَنَا المَؤْتُ مَساءُ أَوْ صَباحا

أَنْتَ مِنْ فَوْقِ مَطَا الأيَّامِ وَال*** فَلَكُ الأَطْلَسُ يَحْدُوكَ لِحاحا(2)

فَاتَّخِذْ زَاداً مِنَ التَّقوى وَ كُنْ ***خَافِضاً لِلَّهِ مِنْ ذُلِّ جَناحا(3)

مُعْرِضاً عَنْ زَهْرَةِ الدُّنيا فَهلْ*** لِفَتًى يَغْتَرُّ فِي الدُّنيا فَلاحا؟

إنَّها دارُ غُرورٍ طَبعُها ال*** غَدْرُ والْمَكْرُ فَبُعْداً وانتِزاحا

أولَمْ تَسْمَعْ بِمَا قَدْ صَنَعَتْ*** بِبَني أَحْمَدَ لَمْ تَخْشَ افْتِضاحا؟

شَتَّتَتَهُمْ فِرَقاً واجْتَرَحَت ***سَيِّئَاتٍ تَمَلاُ القَلْبَ جِراحا(4)

صَوَّبَتْ فِيهِمْ سِهاماً لَمْ تُصِبْ ***غَيْرَ قَلْبِ الدِّينِ واسْتَلَّتْ صِفاحا(5)

أَظْهَرَتْ أَنْبَاؤُها ما أَضْمَرَتْ ***وَ اِسْتَباحُوا كُلَّ مَا لَيْسَ مُبَاحا(6)

ص: 187


1- تُماري: تجادل و تنازع. لا ترعوي : لا تكف. البيّن : البعد والفراق والموت.
2- المطا: الظَّهرُ. والأطلس : الذي في لونه غبرة إلى السواد، أو هو الأسود الحبشي ، ولذلك يقال للفلك السماوي الأطلس.
3- أخذه من قوله تعالى : (واخفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمه) الإسراء: 24.
4- اجترح الشيء: اكتسبه، وأكثر ما يُستعمل في الجرائم، قال تعالى : «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ » (الجاثية: 21).
5- الصَّفاح: السيوف العريضة. أي استلّت السيوف الحاقدة على آل النبيّ صلي الله عليه و اله و سلم.
6- بکی رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يوماَ ، فسأله الإمام علي عليه السلام : يا رسول الله ، ما يُبكيك ؟ قال : ضغائنُ لك في صدور أقوام لا يُبدونها لك إلا من بعد موتي .. (نور الأبصار للشبلنجي الشافعي 92، المناقب للخوارزمي ص26 من الفصل السادس، الفضائل لأحمد بن حنبل / الحدیث 220 من الجزء الأول، کنز العمال للمتقي الهندي 11: 617 - طبعة حلب) .

عَقَدُوا الشُّورى وَحَلُوا بَيْعَةً *** أَنْكَحُوهَا حَبْتراً ساءَ نِكاحا(1)

وَيْلَهُمْ ما نَقِمُوا مِن حَيْدَرٍ ***زَوَّجُوهاً مِنْ أخي تَيْمٍ سِفاحا؟(2)

واسْتباحُوا إِرْثَ بِنتِ المُصطَفى ***أَيُّ شَرعٍ لَهُمُ ذاكَ أَباحا(3)

لَيْتَ ذَا أَغْناهُمْ عَنْ عَصْرِهَا*** عُصْرَةٌ مِنْهَا اِبْنُهَا المُحسِنُ طاحا(4)

ثُمَّ لَمْ يَقْتَنِعُوا بَلْ أَمَرُوا*** قُنْفُذاً بِالسَّوْطِ يَكْسُوها وِشاحا(5)

لَيْتَ شِعري أيَّ ذَنْبٍ أَذْنَبَت ***فاستَحَقَّت مِن عَدِيٍّ أنْ تُجاحا(6)

لَطَمَ الوَجةَ فَأدمَى عَيْنَها ***والنثَنَي يَصفِقُ كَفَّيْهِ ابتِجاحا(7)

حَرَّ قَلْبي لِطُغاةٍ هَجَمُوا*** بَيْتَ قُدسٍ شَرَفاً فاقَ الضُّراحا(8)

ص: 188


1- حبتر في أكثر الروايات هو أبو بكر، وقد يعبر به عن عمر. والبيعة التي حلُّوها هي بيعتهم الأمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير . وكان المفروض أن يقول: «عقدوا الأمر» أو «عقدوا الحُكم»، إذ لم تكن في السقيفة شوری، بل كانت مؤامرة مدبرة.
2- أخو تيم : أبو بكر بن أبي قُحافة.
3- إشارة إلى منع الزهراء عليها السلام عن نخلتها وإرثها.
4- إشارة إلى عصر الزهراء بين الحائط والباب ، وإسقاطها جنينها «المحسن».
5- عرف الإمام علي عليه السلام بجريمة هذا الجافي ( قنفذ) حين قال لسُليم: هل تدري لم كفَّ (أي عمر) عن قنفذ ولم يُغرمه شيئاً؟ قلت: لا، قال : لأنّه هو الذي ضرب فاطمةَ بالسَّوط حين جاءت لتحول بيني وبينهم، فماتت وإن أثر السوط لفي عضدها مثل الأملج. ( کتاب سليم بن قيس ص 134).
6- عَدي : قبيلة عمر بن الخطاب، وذََكََرَ القبيلَةَ وأراد الفَردَ منها، وهو عمر. أن تُجاح: أن تُنزّل بها : الجائحة، وهي المصيبة.
7- ابتجاحاً: تبجُّحاً وافتخاراً. وتلك شجاعة يعرضها على النساء ضرباً وتهديدا وتقريعاً، وما شُوهد بطلاً في حرب خاضها رجال المسلمين.
8- هَجَمَ البيت : هدمهُ. أو هو على نزع الخافض، من قولهم : هَجَم على الدار، إذا داهمها بغير إذنِ . والضُراح : بيت في السماء مقابل الكعبة في الأرض، وهو البيت المعمور .

ثُمَّ قَادُوا أَسَدَ اَللَّهِ فَيا*** أَعْيُنَ اَلْعَليا اسْكُبِي الدَّمعَ انسِفاحا(1)

أَشخَصُوا فَوّارةَ العِلْمِ عَلى*** حالَةٍ طَبَّقَتِ الدُّنيا صِیاحا

أَوْ قَفُوةُ عِنْدَ تَيمٍ مَؤقِفاً ***مَاجَ قَبْرُ اَلْمُصْطَفى فِيهِ نِياحا

فَبِعَيْنِ اللَّهِ تَيْمٌ تَرَكُوا ***حَرَمَ اللَّهِ صَريعاً مُسْتَباحا(2)

وبَرَغْمِ الْمَجْدِ أَنْ يَحْتَوِشوا*** طَؤدَ عِزِّ مَا لَوي ذُلاً جَنَاحا(3)

بِأَبِي فَرْداً عَلَيْهِ اعصَوصَبَت*** عُصَبٌ رامَتْ لِيُمْناهُ افْتِتاحا(4)

يَرْفَعُ الطَّرفَ وَيَشكُو تارةً*** وبأُخْرى يَلْمَحُ الْقَبْرَ ارْنياحا

وهَلُمَّ الْخَطْبَ فِي فَاطِمَهِ *** مُذْ عَدَت خَلْفَهُمُ تُبِدِي النِّياحا(5)

وَهيَ تَدْعُو أيُّها النّاسُ دَعُوا *** خَيْرَ كُلِّ الْخَلْقِ جُوداً وَ سَماحا

ص: 189


1- قال أبو عبدالله الصادق عليه السلام : لما بايع الناسُ أبابكر أتي بأمير المؤمنين عليه السلام مُلبِّباً ليبايع ، قال سلمان : أتصنع ذا بهذا ؟! .. ( الاختصاص للشيخ المفيد 11)
2- عبَّر عن أمير المؤمنين عليه السلام با حرم الله» لأنّه الكعبة الناطقة. لكن قوله «صريعاً، لا يناسب الواقع التاريخي ، فلو قال «أسيراً» لأجاد.
3- احتوش القومُ الرجُل : أحدقوا وأحاطوا به وجعلوه في وسطهم.
4- اعصو صبت : اجتمعت وتألبت. رامت: قصدت . في (إثبات الوصية ص 126) كتب المسعودي الهذلي : فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه، وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرهاً .. وأخذوه بالبيعة فامتنع، قال : لا أفعل، فقالوا: نقتلك! فقال : إن تقتلوني فإني عبدُ الله وأخو رسوله. وبسطوا يده فقبضها، وعسُر عليهم فتحُها، فمسحوا عليها وهي مضمومة!
5- إشارة إلى خروج فاطمة عليها السلام من بيتها إلى أبي بكر بعد ما أخذوا الإمام مكبّلاً لكي يبايع، فقد رُوي في كتاب ( تفسير العياشي - في تفسير الآية 150 من سورة الأعراف): فخرجت فاطمة عليها السلام فقالت : يا أبابکر، أتُريد أن تُرمّلني من زوجي ؟! والله لئن لم تكفَّ عنه لأنشرنَّ شعري، ولأشقّنَّ جيبي ، ولآتينّ قبر أبي ، ولأصيحنّ إلى ربّي .

(2)مكامن الحزن

(بحر الكامل) منذر الساعدي

بمناسبة الذكرى الأليمة لشهادة بضعة الرسول فاطمة الزهراء عليها السلام:

يُفشِي التأَلّمَ هاطلٌ نَضَّاحٌ *** وتبوحُ سرَّ العاشقين جِراحُ(1)

فِي قبضةِ الهمّ القلوبُ أسيرةٌ ***فمتى سيُطلَقُ للقلوبِ سَراحُ

اليومَ هاجَت للنفوسِ مَكامنٌ*** للحُزْنِ يَرْفِدُها شجَى ونُواحُ(2)

وبَكَتْ مَلائكةُ السماءِ بأسرِها*** فِي أدمعٍ كالغَيْثِ حينَ تُساحُ(3)

هَذَا مُصابٌ جَلَّ في ميعَادِهِ ***ذكراهُ فينا غُصّةٌ وقِراحُ(4)

لمّا بِهِ الزهراءُ عجّ أَنينُها*** وبلا انقطاعٍ للوجودِ يُباحُ

تشكُو مُصِيبَتَها وتشكُو همَّها*** يا ويحَهُ ماذا جنى السِفّاحُ(5)

ص: 190


1- من شدة الحزن تنهمل الدموع، فتكشف بواطن الحزين وكوامنه .
2- النُّواح: البكاء بصياح وعويل.
3- ساح الماء: جرى على الأرض .
4- أراد بالقراح جمع القَرح، وهو الجّرح.
5- سبعة أيّام بعد رحيل أبيها المصطفی صلى الله عليه واله و سلم بقيت الزهراء عليها السلام لا يهدأ لها أنين، ولا يسكن منها الحنين ، فلما كان اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن، ولم تطق صبراً إذ خرجت وصرخت .. ثم أقبلت على قبر أبيها تعثر في أذيالها، وهي لا تبصر شيئاً؛ من عبرتها، و من تواتر دمعتها، حتى : غشي عليها، فلما أفاقت من غشيتها قالت : رُفعت قوتي، وخانني جلدي، وشمت بي عدوي .. رُمیتُ يا أبتاه بالخطب الجليل، ولم تكن الرزية بالقليل . وطرق يا أبتاه بالمصاب العظيم، وبالفادح المهول! يا أبتاه ، ما أعظم ظلمة مجالك !.. والكل شاملنا، والبكاء قاتلنا، والأسى الازمنا. ثم زفرت زفرة ، وأنت أنة، كادت روحها أن تخرج! ( بحار الأنوار 43: 175-176/ ح 15) .

بَعْدَ النبی توشّحث فِي غُربةٍ*** لم تاتِها مِن بعدها الأفراحُ

بُعْداً لقومٍ لم يراعُوا حُرمةً *** ولحرمةِ الدِّينِ الحَنيفِ أباحوا

يَبْقَى صَدَى الضِّلْعِ الْكَسِيرِ مَدَوِيّاً*** لِلآنَ تَسْمَعُهُ رَبّي وبِطَاحُ(1)

والبابُ يُنْطِقُه الزمانُ مُحْدَثاً*** عمَّا جَرى لتسجلِّلَ الالواحُ

يا فاطمُ الزهراءُ جئتُکِ مُنْشِداً ***شِعري كأَنِّي بُلْبلٌ صَدّاحُ

يَا فاطمُ الزهراءُ أبديتُ الجَوي ***لا يستكينُ بجانبَيهِ جِماحٌ(2)

هذا مصابٌ لاحَ فِي آلامه ***سيفٌ لأفئدةِ الورى جرّاحُ

فخذي الوَلاءَ من القُلُوبِ جريحةٌ ***إِنَّ الولاءَ إليكُمُ لَنجاحٌ

يَا بَضعةَ المختارِ جئتُ مُوالِياً*** لینالَنِي فيما رَجوتُ فلاحُ

يَا فاطمُ الزهراءُ أدمى خافِقِي*** وقعُ المصابِ فكيفَ لي أرتاحُ(3)

هذا هوايَ بخافِقِي مُتجمِّعاً*** ان الخّوافقّ لِلهوى أقداحٌ(4)

تطفوا علی قلبی الذنوبُ عصيّةً ***كالأرض تطفُو فوقَها الاملاحُ

ص: 191


1- الرُّبی : جمع رابية، وهي ما ارتفع من الأرض. والبطاح : فجمعُ بطحاء، وهي المكان المتّسع يمر به السيل فيترك فيه الرمل والحصى الصغار.
2- الجوى: الحزن. والجماح : الاضطراب والانفعال، وأصله من جماح الفرس، وهو أن يتغلب على راكبه ويذهب به لا ينثني.
3- الخافق : القلب ، الذي يخفق متأثراً بالمصائب والآلام.
4- كأن القلوب أصبحت أوعية للعواطف الطيبة . ونصب «متجمعاً» على الحال من «هذا» لأنّ فيها معنى الفعل، وذلك كقوله تعالى : (وَهَذا بَغلي شَيخاً)

هي حسرة هوجاءُ قضَّت مَضجَعي*** عن مُحتواها يعجَزُ الإفصاحُ(1)

في يومكِ الدامي بكَتکِ قصائدي*** إنَّ القصيدةَ للوِلاء لَقاحُ(2)

سُدَّت علَىّ منافذٌ أحيا بِها*** لكنّ حُبكُمُ لَهُنَّ رياحُ

وغدوتُ كالطيرِ الكسيرِ مُهَروِلاً ***لا يرتقي لو قُصّ مِنه جَناحُ

فتشفّعي إنّي أسيرُ خطيئتي*** يا مَن لديكِ إلى الذُّنوب سَماحُ(3)

ستُزالُ بين يَديكِ كلُّ خطيئةٍ*** كاللَّيلِ حينَ يُزيلُهُ الإصباحُ

***

ص: 192


1- يشكو الشاعر ذنوبه التي طفحت حتى منعت خيره، كما تمنع أملاحُ الأرض من خير العرس . وتلك حسرة طائشة ثائرة، منعته من الرقاد والاستقرار، ومع ذلك فهو يراها دون البيان والإيضاح. وقض المضجع : شن. وأقض الله مضجعه: أخشنه. ولم يرد «قض» بهذا المعنى متعدياً بنفسه.
2- يخاطب الشاعر هنا مولاتنا الزهراء فاطمة صلوات الله عليها، مُعبّراً عن شدة ولائه لها، جاعلاً قصائده دموع الحزن، وهي كاللَّقاح للأزهار تعطي ثمار الولاء والمودة من خلال أزهار المحبة العاطرة . واللقاح : ما تُلقَح به النخلة.
3- (في يوم القيامة) يُوحي الله عز وجلَ إليها: يا فاطمة، سَليني أغطك، وتمنَّي على أُرضكِ . فتقول : إلهي أنت المُني وفوق المُنى، أسألك أن لا تُعذَّب مُحبَّ ومحب عترتي بالنار. (تأويل الآيات الظاهرة، للأسترآبادي النجفي 2: 484) .

قافية الخاء

اشارة

ص: 193

(1)تُربة الزهراء عليها السلام

(بحر الوافر)

الأُستاذ علي محمد الحائريّ

يُؤَنِّبُنِي الزَّمَانُ ولا أَصِيخُ *** و كُلٌ فِي الْحَيَاةِ لَهُ رَضِيخُ(1)

ألا يَا كاهِلي أُثقِلْتَ ذَنْباً ***وَهَذي تُوبَةُ فَمَتَى تُنِيخُ؟!(2)

وتُزَهَدُنِي الحَياةُ وطالِبُوها ***وإنّي في حَبائِلِها فَخِيخُ(3)

فَأُب يَا قَلْبُ فَالأَحْلامُ وهُمٌ ***وَيا نَفسُ اُتْرُكي أَرَباً يَبُوخُ(4)

شَرابُكِ مِنْ رِضَى اَلرَّحمانِ صَردٌ ***وَوَجْهُكِ مِنْ بُلَهنِيَّةٍ لِطِيخُ(5)

وَمَهما لَذَّ كَأْسُكِ فَالْمَنايا*** رَواصِدُ رَكبُها أَبَداً مُنِيخُ

وأُمِّي ساحَةَ الزَّهراءِ تُكفَي*** غَوائِلَ كُلِّ مَن فيها يَدوخُ(6)

ص: 194


1- لا ُصِيخُ : لا أُضغي ولا أستمع إليه. الرَّضيخ : مخفّف الرضيخة - بحذف الهاء - بمعنى العَطيَّة . أي أن لكلّ نصيباً و خُلقاً خاصاً به.
2- الكاهل : أعلى الظَّهر ممّا يلي العنق. تنخ: تَبَّرُك وتقيم.
3- فخيخ: واقع في الفخ.
4- أُب: عُذ. الأرب: الأُمنية. يبوخ: يَخيب ؛ أخذاً من قولهم: باخت النار، إذا خمدت .
5- صرد : بحتُ خالص لا شائبة فيه . بُلهنية: رخاء العيش.
6- أُمي : فعل أمر للمؤنّث المخاطب، من أم يَومُّ بمعنی قَصَد. والشاعر هنا يخاطب نفسه أن تقصد ساحة الزهراء عليها السلام .

ولُزَّي تُربهَ الزَّهراءِ خَدّاً *** يَعِض مِنهُ التَّصَعُّرُ والشُّموخُ(1)

وُجُودِی مِن قَلِيبِ الْحُزْنِ دَمْعاً *** يُرَقْرِقُهُ اللْهَيْفُ بِهَا الصَّرِيخُ(2)

وَمِن شَرخٍ تَصَدَّعَ فِي حَشاها *** بِكُلِّ حُشَاشَةٍ مِنْها شُرُوخُ(3)

ومِن عِرقٍ تَنَغَّرَ مِن بَنِيها *** بِأَوْدَاجِ الْمُحِبِّ غَدَثُ شُدُوخُ(4)

أَفَاطِمُ إِنَّ هَذَا الْجُرْحَ دامٍ *** ألاَ شَلَّتْ يَدُ الْقَدَرِ الطُّخُوخُ(5)

وَأُجَّ أُوارُ نارِ اَلثَّأْرِ حتَّى *** تُسْكِّنَ لَوْعَةُ وتْدِي المُسُوخُ(6)

يُلامُ الْجُرْحُ وَالأوْتارُ يَقظى *** وبُركانٌ المَواجِدِ لا يَبُوخُ(7)

ص: 195


1- لزي: ألصقي . يغيض : ينقُص. التصعُّر: إمالة الخدّ غروراً وعُجباً وكبراً .
2- القليبُ : البئر. ورَفرَق الماءَ : صبهُ رقيقاً . واللهيف : الملهوف. والصَّريخ: المستغيث.
3- الشروخ: الشقوق. كأنّ الشاعر يدعو إلى الحزن من خلال كل صدع في كبد الزهراء عليها السلام تفرّع عنه شقوق من شدّة الآلام والنوائب والفجائع. وقد تقدّمت تفاصيل بعض الأحداث من كتاب (البحار ج 53، ص18) في باب ما يكون عند ظهور المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشریف.
4- تنفَّر: غلا. شدوخ: جمع شَدخ، وهو الشَّجُّ.
5- شَلَّت يده: صارت شلّاء. والطَّخُوخ: الشَّرسة القاسية . وقوله: «ألا شَلَّت ..» دعاءُ
6- أُجَّ : أُوقدَ. الأُّوار: الاتقاد. وتَدي : تعطي الدّية و أراد هنا القتل والثأر. والمشوخ: جمع مَسخ وهو الممسوخ. وهنا دعا الشاعر بأن تشل يد القدر ثم دعا بأن تشب نار الثأر بظهور الإمام الحجة، فيأخذ الثأر والية من المسوخ الذين قتلوا الزهراء عليها السلام .
7- يُلامُ : مخفّفة يُلامُ أي يُضمَّد ویُشد. والأوتار : جمع الوثر وهو الثار والانتقام. يبوخُ: يخمد ويهدأ.

(2)وصايا أحمد

(بحر الكامل) السيد محمّد رضا القَزوينيّ (1)

خَرَجَت تَجُرُّ ذُیولَها في مِحنَةٍ *** يؤماً لَها سَمعُ الزَّمانِ یُصیخُ(2)

ص: 196


1- هو السيّد محمّد رضا ابن السيد محمد صادق ابن السيد محمد رضا الموسوي القَزويني . وُلد في مدينة مشهد الرضا عليه السلام بإيران سنة 1940 م خلال زيارة والده إبان الحرب العالمية الثانية برفقة عائلته. والسيد من أسرة عريقة في كربلاء، عُرفت بالعلم والأدب، وقد ترعرع ونشأ في کنف أبيه الذي غرس في نفسه حبَّ الفضيلة . أنهى دراساته الأكاديمية بین کربلاء وبغداد، ثمّ تحوّل بعد الوظيفة الرسمية إلى العمل التجاريّ، لكنّه خلال ذلك كان يشارك في الحركة الأدبية في العراق والكويت وبعض الدول العربية. كان عضواً في منتدى النشر في النجف الأشرف، إذ هو شاعر رقيق وأديب ذواق، فشارك في ندوات أدبية واحتفالات دينية كثيرة متصديا لدور ريادي إزاء تحديات التيارات المنحرفة. السيد القزويني رجل هادئ الطبع لطيف المعاشرة، صاحب لطيفة ورقة، وله طريقة متميزة وأسلوب عذب في الحياة والأدب. بدأ نظمه الشعر وهو فتى في العاشرة من عمره، وقد كرس معظمه في أهل البيت عليهم السلام مدحاً ورثاءُ ودفاعاً عن حرماتهم، وله في الهجاء نمط منفرد يجمع بين قوة الشعر واللطيفة النادرة ، ثم له أشواق طيبة نحو كربلاء المقدسة بعد رحيله عنها، ينظمها في قصائد طويلة، منها تائيته التي يقول فيها: أشتاق هل تُدركون الشوق لا قسماً *** وهل يُؤصَوَّرُ شوقُ بالعبارات ! وللسيّد محمّد رضا القزويني ديوان شعر ضخم في طريقه إلى أن يطبع فصولاً متتابعاً.
2- يُصيخ: يُصغي ويستمع .

خَطَبَت فَظَنَّ النَّاسُ أنَّ مُحَمَّداً *** قَد عادَ يَخطُبُ وَالجُموعُ رُضُوخُ(1)

وَعَظَتْهُمُ بَعدَ الثَّناءِ لِرَبِّها*** عِظَةٌ وَفيها عِزُّهُ وشُمُوخُ

وَتَنَهَّدَتْ فَبَكى لَها مِنْ شَجْوِها ***رَغمَ الجَفاءِ شَبابُهُمْ وشُيُوخُ

رَدَّتْ عَلى ابنِ أبي قُحَافَةَ عُذْرُهُ*** أَنَّ اَلنُّبُوَّةَ إِرْثُها مَسْلُوخُ(2)

أَوْ أَنَّ حُكْمَ شَهَادَةِ الكَرَّارِ وال*** أَخْيارِ فِيهَا بَاطِلٌ مَفْسوخُ(3)

حَتَّى إِذَا أَدلَتْ بِأَبْلَغِ حُجَّةٍ*** مِنها لَآياتِ الْكِتَابِ رُسُوخُ

عَطَفَتْ علی الأَنْصَارِ تَرْجُو نُصْرَةً ***وَمُهاجِرِينَ وَلَيسَ ثُمَّ صَرِيخُ(4)

ص: 197


1- إشارة إلى خطبة الزهراء فاطمة عليها السلام، والتي ألقتها أمام أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار، وإجهاشهم بالبكاء دون أن يحركوا ساكناً. انظر الاحتجاج 1: 131.
2- إشارة إلى احتجاجها ودحض أقاويل أبي بكر في أمر إرثها؛ حيث قالت صلوات الله عليها: أيّها المسلمون، أأُغلب على إرثیه ! يا ابن أبي قُحافة ! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ؟! لقد جئت شيئاً فَريّاً ؟! أعلى عملي تركتُم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول: (وُوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ) (سورة النمل: 16)، وقال فيما اقتصّ من خبر يحيي بن زکريا ها عاليها السلام إذ قال: رب (هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (سورة مريم: 5 - 6)، وقال: ( وَأُولُوا الأرحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ) (سورة الأنفال : 75)
3- حينما طالب أبوبكر فاطمة الزهراء عليها السلام أن تأتيه بشهود، شهد لها أمير المؤمنين والحَسنان عليهما السلام، وأسماء بنت عميس ، وأمّ سلمة وأم أيمن، فردّ أبو بكر وعمر شهادة أمير المؤمنين والحسنین بأنّهم يجرّون لأنفسهم نفعاً، وردّا شهادة أسماء بأنها كانت زوجة جعفر بن أبي طالب، وشهادة أُمّ سلمة بأنّها تحب فاطمة، وأمّ أيمن بأنها امرأة أعجمية لا تفصح !!
4- الصَّريخ: المُغيث. وكان أمير المؤمنين عليه السلام قدحملها إلى مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فاعتذروا لها أنّ بيعتهم مضت لأبي بكر، فلا يستطيعون التراجع عنها، متغافلين عن تراجعهم عن بيعتهم - بأمر من الله ورسوله - للإمام عليَّ عليه السلام في غدير خُم، على إمرة المؤمنين، وخلافة رسول ربّ العالمين ! (يراجع: الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ص 12 - طبعة القاهرة) ز

فَغَدَتْ تَنُوحُ عَلَى فِراقِ زَعِيمِهَا *** والْقَوْمُ عِنْدَ النَّائِباتِ مُسُوخُ(1)

ومَضَت تُذْكَّرُهُمْ وَصايا أحْمَدٍ ***فَكَانّ مَا أَوْصَى بِهِ مَنْسُوخُ(2)

فَعَجِبْتُ كَيْفَ الأَرْضُ لَمْ تُخْسَفْ بِهِمْ*** كَيْفَ الْجِبَالُ رَسَتٌ ولَيْسَ تَسِيخُ؟(3)

كَيفَ الثُّريّا لَمْ تَثُرْ مِن غَضبَةٍ*** وَيْظَلُّ يَرْقُبُ في الفَضا المِرِّيخُ؟

كَيفَ القُصورُ تَضُمُّ آلُ أُمَيَّةَ*** وَيَضُمُّ آلَ اَللَّهِ ذاكَ الكُوخُ؟(4)

المالُ لِلآل الكِرامِ مُحُرَّمٌ ***وَلآخَرينَ مُحَلَّلٌ مَبْذُوخُ(5)

فَقَضَتْ وفيَّ الأضلاعِ كَسرٌ مِثْلُهُ*** بِقُلُوبِ شِيعَتِهَا تَئِنُّ شُرُوخُ(6)

ومَضَتْ إلى الرَّحمانِ تَشْكُو عُصْبَةً*** لَمْ يُجدِهَا عِظَةً ولا تَؤبِيخُ

بَدَؤُوكِ يابنَةَ أحمَدٍ في ظُلمِهِم ***آلَ الرَّسُولِ فَأَظلَمَ التاريخُ!

ص: 198


1- وتلك شكواها وهي باكية: اللهم إليك نشكو فقد نبيك ورسولك وصفيك، وارتداد أمته علينا، ومنعهم إيانا حقُّنا الذي جعله لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل. (الهداية الكبرى للخصيبي 408، بحار الأنوار 18:53) .
2- قالت للأولين : أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم، قالت: نشدتُكما الله، ألم تسمعا رسول الله يقول: رضي فاطمة من رضاي، وسَخطُ فاطمة من سخطي ، فمن أحبُ فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني» ؟! قالا: نعم، سمعناه من رسول الله، قالت: فإني أُشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني، وما أرضيتُماني، ولئن لقيتُ النبيَّ لأشكوكما إليه . ( الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص 14 - طبعة مصر.
3- تسيخ: تنخسف.
4- أخذ المعنى من قول دعبل الخزاعي : وآل زياد في القصور مصونة *** وآل رسول الله في الفَواتِ
5- أراد بالمبذوخ المبذول الكثير، لكن هذا استعمال عامیّ لم يرد في اللغة قطَّ.
6- شروخ: شقوق.

قافیه الدال

اشارة

ص: 199

(1)يابنت احمد

(بحر الطويل) الأُستاذ أنور الجنديّ(1)

أَفاطمةُ الزَّهراءُ يَابِنةَ أحمدِ *** ويَا عَبْقَ الرَّيحانِ فِي كلِّ مَعْبدِ(2)

اما كنتَ أشواقاً أما کنتِ جنَّه؟*** أَمَا کنتِ عِطراً فِي شفاءِ محمدِ(3) ؟

أَمَّا کنتِ نوراً في الزمانِ وروضةٌ*** يَفِي ءُ إليها كُلُّ عانٍ ومُجْهَدِ ؟

وَراعَكِ أنْ تُمسي لظلمٍ ضحيّةٍ ***وَراعَكِ أن يجتاحَ حَقَّكِ مُعْتَدِي(4)

وما لِنتِ خَوْفاً لِلجُناة ورهبةُ ***وكنتِ كحدّ السيفِ لَم يتردَّدِ

ص: 200


1- قام الأستاذ على العبّاس بإلقائها في الحفل الذي أقامه أهالي مدينة مصياف ، بمناسبة مولد سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام بتاريخ ( 1999/10/2 م).
2- عَبْقَ : انتشار رائحة العطر والطّيب.
3- عن سعد بن مالك قال : قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : أتاني جبرئيل بتفجلة من الجنة فأكلها ليلة أسري بي ، فعلقت خدیجه بفاطمة، فكنتُ إذا اشتقتُ إلى رائحة الجنة شممتُ رقبةَ فاطمة . ( المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 3: 156 . ط حیدرآباد الدكن، کنز العمّال للهنديّ 13: 94 - ط حیدرآباد الدكن، مفتاح النجا في مناقب آل العبا للبدخشي ص 98 من المخطوط، أرجح المطالب الأمرتسريّ ص 239 - ط لاهور) .
4- في خطبتها الفدكية الشريفة قالت صلوات الله عليها بعد أن رَمَت بطَرفها نحو الأنصار: يا معشرَ الفتية وأعضاء الملة وأنصار الإسلام! ما هذه الغميزةُ في حقي (أي المطعن)، والسِّنة (أي الغفلة) عن ظَُلامتی ؟! أما كان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أبي يقول: «المرءُ يُحفظُ في وُلده»؟!.

وليسَ عجيباً أَن يهابَك ظالمٌ *** تقحَّمُ شرّاً ناسياً غَضْبَةَ الْغَدِ(1)

ولم يكُ يَدري أَنَّهُ انصاعَ لِلهوى*** ولم يكُ يَدري أنهُ غيرُ مُهتدي

ويابنةَ مَن هزَّ الزّمانَ بلاغَةً *** وَحطّم أصناماً وأَوْفَى بِمَوعِد(2)

تمرَّسَ بالصبر الجميل على الأَذى ***ولم يَكُ هيّاباً ولا طائشَ اليدِ(3)

وكم قبْلَ الزهراءِ في اللّيلِ باكياً *** فهل كان يخشي من لَجَاجَةٍ أُرِيدِ؟(4)

وكان يمنّيها بكلّ هناءةٍ *** وكان يمنّيها بكلّ مُهَنَّد(5)

وغابَ عن الدنيا مَشُوقاً لخالقٍ *** أحَبَ رسولَ اللَّه والحبُّ سَرمَدي(6)

وماتت كما ماتَ الربيعُ مُجرِّحاً *** وَغابت غيابَ الناسكِ المتهجِّدِ

ص: 201


1- غضبة الغد: غضبة يوم القيامة.
2- أوفي بالموعد: وفی به.
3- هذا كان من خصال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وهو الذي ما أُوذي نبی بمثل ما أوذي به صلي الله عليه و اله و سلم ، فكان صابراً حليماً حتّى مُدح في أظهر ما بدا لقومه على لسان الوحي حيث قال تعالى له: ( وَإنَّكَ لَعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (سورة القلم: 4).
4- الأزبد: الأسودُ. كتى الشاعر به عن الثاني الجلف الجافي الذي تعدّی بغلظته على حُرمة ولية الله الصدّيقة الطاهرة، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يُخبر من عالم الغيب ما سيجري وسيكون.
5- أي يخبرها ويمنيها بأنّ الأئمة من ذريتها، فهم سيوف الله. ففي ما رواه أبو سعيد الخدري، من أن النبي صلي الله عليه و اله و سلم مرض مرضة شفي منها، فدخلت عليه فاطمة عليها السلام فلمّا رأت ما به بكت. وقالت : أخشى الضيعة من بعدك، فقال لها رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : يا فاطمة أما علمت أن الله اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك، ثم اطلع ثانية فاختار منا بعلك ... فضحكت واستبشرت، فأراد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أن يزيدها مزيد الخير كله فقال : ... نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصيّنا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عمّ أبيك، و منّا سبطا هذه الأمة وهما أبناك، و منّا مهدي هذه الأمة الذي يصلي خلفه عيسى، ثمّ ضرب على منكب الحسين عليه السلام فقال : من هذا مهدي هذه الأمة . (کشف الغمة 1: 152، عن کتاب کفاية الطالب).
6- مَشُوق: مُشتاق .

أتُمنّعُ عن إرث النبيّ محمّدٍ ***فيا ويلَ من أُفتي ولم يتزوّدِ(1)

فَيا بَضعةَ المُختارِ يا جنَّةَ الهُدئ*** وَيَا غُربةَ الدنيا وَيَا حُلْمَ أَصِيدِ(2)

حنانَيكَ لاَ تَبكِي مِنَ الظُّلمِ حَسرَةٌ ***فدُنياكِ أوهامٌ أبِيحت لأعْبُدِ

وفِي جنه الفردوس عَدلٌ وحاكمٌ*** وحاشاهُ أَنْ يُغرَي بِدمعَةٍ معتدِي(3)

***

سلاماً علی الزهرا فِي کلّ ساعةٍ ***سلاماً علی الدِّينِ الحنِيفِ الْمُخلَّدِ

سلاماً علی اللَّيْثِ المکفِّن فِي الثری ***سلاماً علی سَيفٍ هنالک مُغْمَد(4)

تَفانَوا نِضالاً فِي الحَيَاةِ وحِكمةً ***وَ هيهاتَ اَن تُمحِي بهَذرٍ مُعَربِدِ

عَلَيْكِ سَلامُ اللَّه ما لاَحَ كوكبٌ ***وَمَا غرّدَ الشُّحرُورُ فِي ظِلِّ امْلَدِ(5)

وماكنتِ إِلاَّ كالنجوم قداسةً ***وَما كنتِ الاّ اهْهَ المتعبِّدِ

وَ اَنْتِ صَلاةُ المؤمِنينَ مَحبَّةٌ ***تنزَّهتِ عن سَهم اللَّثيمِ المُسدَّدِ

ص: 202


1- أفتى بعدم توريثها، ولم يتزود لأُخراه ما ينجو به من العذاب.
2- الأصيد: الأسد، وهو الإمام علي عليه السلام.
3- أي أنّ الله لا يُخدع بالدموع - دموع التماسيح - التي ذرفها أبوبكر. ففي تاريخ الطبري 2: 448 بعد احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام على أبي بكر، قال: حتى بكى أبوبكر، فلمّا صمت علىِّ عليه السلام تشهد أبوبكر ... ثمّ قال : أما بعد فوالله لقرابة رسول الله أحبّ إليّ من أن أصل قرابتي ... ولكنّي سمعت رسول الله و يقول: لا نورّث ما ترکنا صدقة فهو صدقة إنّما يأكل آل محمد من هذا المال !!! وفي الصراط المستقیم 2: 293 قالت فاطمة عليها السلام : أُشهد الله وملائكته أنما قد أسخطتماني ، فبكى أبوبكر، وهي تقول : والله لأدعونّ عليك في كل صلاة.
4- الظاهر أنه يريد بالليث المكفّن في الثرى الإمام الحسين عليه السلام ، وبالسيف المغمد الإمام الحسن عليه السلام .
5- الشُحرور: طائرٌ غرّيد. الأملَد: الناعمُ اللَّيِّن من الغصون.

لئن غال إرثَ الأنبياءِ صنيعةُ *** لِطاغٍ، فحقُّ الله غيرُ مُبدَّدِ(1)

وأنتِ، وإن طالَ الزمانُ، قصيدةٌ *** يُردِّدُها باكٍ تَغني بأحمدِ

ص: 203


1- صنيعَتُه: خِرِّيجه وربيبُهُ .

(2)هل أتى في فضلها

(بحر الطويل)

الأستاذ جعفر عبّاس الحائري(1)

لَكَ الشُّكرُ ربَّي والثَّنا والمَحامِدُ *** لَكَ الحَمدُ إذ تُبدی وحِبنَ تُعاودُ(2)

لَقَد كُنتَ أَبدَعتَ الخليقةَ صُنعَها *** وأنتَ عَلَى الإبداعِ فَذُّ وَواحِدُ(3)

ص: 204


1- هو الأستاذ جعفر ابن الشيخ عباس ابن الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد حسن الحائري . ولد شاعرنا هذا في مدينة كربلاء المقدسة سنة (1349 ه/ 1930 م)، من أسرة علمية عريقة في کربلاء المقدسة. ترعرع ونشأ في كنف والده المغفور له الشيخ عباس الحائري، وكان علماً معروفاً في أوساط كربلاء المقدّسة، وإنّ أغلب العقود الشرعية من عقود النكاح والوصايا والميراث كانت تتمَ لديه، وكان نابغاً في علم المواريث لا في كربلاء فحسب بل في المنطقة. تعلم القراءة والكتابة والحساب في مكتب في صحن أبي الفضل العباس عليه السلام بكربلاء، ثمّ توجه إلى العلوم الحوزوية فدرس ( الصرف والنحو والمنطق والفقه و مقدمات الأصول)، واتجه أيضا إلى الدراسات الحديثة فأكمل الابتدائية والثانوية ودرس القانون في كلية الحقوق في بغداد، وتخرج بدرجة ليسانس في عام (1950 م - 1951 م)، وانتمى إلى نقابة المحامين في بغداد، ولكنه لم يمارس مهنة المحاماة بل اتجه إلى التجارة ومسك السجلات التجارية. وبعد الثلاثين سنة قدّر لشاعرنا الكريم أن يهاجر من وطنه ومسقط رأسه، إلى إيران في عام (1983 م)، تاركاً وراءه كل أتعابه وخدماته، إلّا أنه ظلُ حنينه إلى وطنه هاجسه و همه و شاغله، حتّى أنك تجده في كلّ قصائده بعد الهجرة يشير إلى حبه لوطنه وشوقه إلى أهله هناك ، ولعل لسان حاله يقول: بلادي - وإن جارت عَلَي - عزيزةُ *** وأهلي - وإن شَحُّوا على - کرامُ
2- أي : تُبدی الخلقَ وتُعيده .
3- فذَّ: فردٌ بلا نظير .

وما كُنتَ تَنسَى الخَلقَ -حاشاك- بُرهَه *** و انتَ لهُ راعٍ وطرفُکَ راصدُ(1)

عَلَينا نَدَى ألطافِ جُودکَ نازلٌ *** وَسُوءُ فِعالِ الخَلقِ نَحوَكَ صاعِدُ(2)

جُحُودٌ ونُكرانٌ لِفَضلکَ واضحٌ *** ولُطفُكَ رَغمَ النُّكر في الخَلق سائِدُ(3)

وقَد أثّقَلَت منَّا الهُمومُ کَواهلاً *** ومنّي عَلَى قولي دَليلٌ وشاهِدُ(4)

فَقَد كُنتُ قَد أُبعِدتُ عَسفاً بِلَيلَة *** مِنَ الوَطَن الغالي ولا من يُعاضدُ

خَرَجنا وسِرنا في الفَيافي بِلَوعَة *** وكادَت أسي تَبكي عَلَينا الفَدافِدُ(5)

وعِشتُ بعيداً عَن بِلادي ومَربَعي *** وأهلي وَأَصحابي وطَالَ التُباعُدُ

تَوغَّلَ لي جَذرٌ بِتُربَة كَربَلا و *** غَرسِي نَما فيها وفيها التَّوالدُ

ولي عَبرَ أجيالِ بها مِن مَعالمٍ *** ولي في ثَراها لِلجُدُودِ مَراقِدُ

جِوارُ أبي الأحرارِ عشتُ وجَنَّتي *** هُناكَ جَرى مِن تَحتِها ليّ رافِدُ(6)

ص: 205


1- الطَّرف: العين، ویرید به هنا عين الرعاية والعناية والرحمة.
2- هذا البيت مستفاد من قول الإمام السجاد علي بن الحسين عليه السلام في دعاء السحر المعروف ب(دعاء أبي حمزة الثُّمالي): تتحبَّبُ إلينا بالنَّعَم، و تُعارضُک بالذنوب، خيرُك إلينا نازل، وشرُّنا إليك صاعد.
3- في الدعاء الوارد بعد صلاة جعفر الطيّار عليه السلام : وأي زمن لم تكن ممدوحاً بفضلك، موصوفاً بمجلك ، عواداً على المذنبين بحلمك. تَخلف سكانٌ أرضك عن طاعتك، فكنتَ عليهم عَطوفاً بجودك ، جواداً بفضلك ، عوّاداً بكرمك .. وفي ما يُدعى به كلَّ يوم من شهر رجب: ورزقُك مبسوط لمَن عصاك، ولمك مُعترضٌ لمن ناواك. عادتُك الإحسانُ إلى المُسيئين، وسبيلُك الإبقاءُ على المعتدين.
4- الكاهل: أعلى الظَّهر مما يلي العنق .
5- الفيافي : الصحارى التي لا ماء فيها ولا كلأ. الفدافد: جمع فدفد، وهي الأرض المستوية ، والفلاة.
6- أبو الأحرار: هو سيد الشهداء أبو عبد الله الحسين سيّد شباب أهل الجنة صلوات الله عليه .

وَمَالِي سِوى التَّرْجيعِ حَؤْلَ وقُوَّةٍ *** ومَالِي سِوَى الصَّبْرِ الجَمِيلِ مُسَانِدُ(1)

***

تَنَاسَ هُمُومَ الْهَجْرِ وَانسَ مَصائِباً *** مِنَ الْهَجْرِ قَد صَبَّتْ عَلَيْك الرَّوَاعِدُ

دَعِ الحُزْنَ فَالدُّنيا بِبِشَرٍ وبَهْجَةٍ *** ولِلخَيْرِ تَرْسُو فِي رُبانا القَوَاعِدُ

فَهَذِي ثُغُورُ الفَجْرِ تَبدُو بِرَوعَةٍ *** وعَنْ مُبْسِمٍ تَفْتَرُ والْكَوْنُ شاهِدُ(2)

فَيُوضٌ مِنَ الرَّحمانِ تَجْرِي رَوافِداً *** لَنَا مَنْهَلٌ مِن عَذْبِها ومَوَارِدُ

وقَدَ صَدَحَ الطَّيرُ الْهزَارُ مَسَرَّةً *** وَجَاءَتْ بِأَنْبَاءِ السُّرورِ اَلْهَدَاهِدُ(3)

بِأَنَّ رَسولَ اَللَّهِ طابَتْ حَيَائُهُ *** بِفَاطِمَةَ الزَّهْراءِ والعَيشُ راغِدُ(4)

فَيَا نَفْسُ هُبِّی وابْشِرِي وَتَهَلَّلِي *** فَإنَّ صَباحَ الخيرِ بِالسَّعْدِ عَائِدُ(5)

فَقَدْ وُلِدَتْ بِنْتُ لِطه أمامَها*** تَصاغَرَ أَفْذَاذُ رِجالُ أَجاوِدُ(6)

ص: 206


1- الترجيع : قول المصاب : إنّا لله وإنا إليه راجعون.. مستفاد من الآية الكريمة : (وَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيهِ راجعون) (سورة البقرة: 156).
2- افتَرَّ الثغر: ضحكاً ضحكة حسناً.
3- الهَزار: طائر حسن الصوت ( فارسي مُعرَّب)، وهو العندليب . والهداهد : جمع الهُدهد، وهو الطائر المعروف.
4- راغد: رغيد واسع طيب. يكفي فيها قوله صلي الله عليه و اله و سلم : فاطمهٍ روحي التي بين جَنبي . ( الروضة الندية للشيخ مصطفى الدمشقي (ج 14 - ط الخيرية بمصر). وقوله صلي الله عليه و اله و سلم لها: فداير أبوك ، كما کنتر فكوني . ( مقتل الحسين عليه السلام للخوارزميّ الحنفي66 . ط الغريّ).
5- وصل همزة «وابشري» وهي همزة قطع للضرورة .
6- أجاود: أكارم، وهو جمع جواد على غير قياس. وفي (بحار الأنوار ج 43 ص 92/ ح3 - ط بيروت - باب تزويجها عليه السلام ): عن علي عليه السلام قال : قال لي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : يا علي ، لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة و قالوا: خَطَبناها إليك فمنعتنا وزوجت علياً ! فقلت لهم: والله ما أنا منعتَّكم : وزوجتُه، بل الله منكم وزوجه. فهبط علَىّ جبرئيل فقال: يا محمّد، إن الله جلّ جلاله يقول : لو لم أخل عليّاً لما كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض، آدمُ فمن دونه.

حَبا المُصطَفَى رَبُّ البَرِيَّةِ كُؤْثراً *** تَسِيلُ بِفَيْضِ الخَيْرِ مِنها الرَّوَافِدُ(1)

وأَعْطَاهُ إِكراماً عَظِيمَ عَطِيَّةً *** ببِنتٍ لَهُ مِنْها بَنُوهُ اَلأَماجِدُ(2)

فَمِن بِنتِهِ الزَّهْراءِ نَسلٌ مُطَهَّرٌ *** نُجُومٌ وأقْمارُ الهُدى وفَراقِدُ

لَهُ الحَسَنانِ السَّيِّدانِ وتِسْعَةُ *** أئِمَّهُ حَقِّ مِن حُسَيْنٍ مَراشِدُ(3)

أَتَت هَلْ أَتَى فِي فَضْلِهَا وَصِفاتها *** وفيها صِفاتُ الْخَيْرِ غُرُّ فَرائِدُ(4)

وَفي آيَةِ التَّطهيرِ رِفقَةُ شَأْنِها *** تَجَلَّتْ وفي الْقُرْبِي لَهَا الْؤَدُ وارِهُ(5)

ص: 207


1- في ( أسباب النزول للواحدي النيسابوري - طبعة قم ص 307) قال: أخبرنا يونس بن بکير، عن محمّد بن إسحاق قال : كان العاص بن وائل السهمي إذا ذکر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال : دَعُوه فإنما هو رجل أبتر لا عَقبَ له الو هلك انقطع ذكرهُ واسترختم منه. فأنزل الله تعالى في ذلك . ( إنّا أعطيناکَ الكوثر - وكان قد تُوفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وكان من خديجة. يراجع أيضاً: تفسير البرهان ج 4 ص 015/ح3، وأسباب النزول للسيوطي في ظلّ الآية المباركة .
2- الأحاديث كثيرة في أن الأئمة عليهم السلام هم النجوم، وأنهم أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء .
3- المراشد: مقاصد الطَّرُق، وليس له واحدُ. أي أنّهم الأدلاء على الله عزّ وجلّ.
4- ذكر الواحدي في (أسباب النزول ص 299) قال: قال عطاء عن ابن عباس : وذلك أن علي بن أبي طالب عليه السلام آجر نفسه نوبه يسقي نخلا بشيء من شعير ليلة، حتّى أصبح وقبض الشعير وطحن له، فجعلوا منه شيئا ليأكلوا، فلما تم إنضاجه أتی مسکین فأخرجوا له الطعام، ثم عمل الثلث الثاني ، فلما تم إنضاجه أتي يتيم فسأل فأطعموه، ثم عمل الثلث الباقي ، فلما تم إنضاجه أتی أسير من المشركين فأطعموه، وطووا يومهم ذلك. فأنزلت فيهم هذه الآية.
5- في ( أسباب النزول للواحدي ص 239) قوله تعالى من سورة الأحزاب الآية 33 ( إنَّما يُريدُ اللَّهُ يُذْهِب عَنكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) قال : نزلت في خمسة: في النبي صلي الله عليه و اله و سلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام : في (الدر المنثور للسيوطي في تفسير قوله تعالى من سورة الشورى : الآية : 23 ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةُ فِي اَلْقُرْبِيِّ) ؛ عن ابن عباس: قالوا: يا رسول الله ، من قرابتُك هؤلاء الذين وَجَبت مودَتَّهم؟ قال: عليَّ وفاطمةُ وولداهما.

يُعظِّمُها الرَّحْمانُ والمُصطَفَى لَهُ *** مَوَاقِفُ في تَعظيمِها ومَشاهِدُ(1)

وَإِنَّ لها شَأْنا عَظيماً وَمُؤقَّعاً *** لَدَى اَللَّهِ لَا تَدْرِي مَداهُ المَراصِدُ(2)

مَقامٌ لَها فَوْقَ الثُّرَيَّا ومَنْزِلٌ *** رَفِيعٌ فَلاَ يَدْنُو إِلَيْهِ عُطارِدٌ

فِداكِ أَبُوکِ قالَ طهَ لِبِنْتِهِ *** وَمَا نَاكِرُ لِلْقَولِ هذا وجاحِدُ(3)

يُسَرُّ إذا سُرَّت ويَغتَمُّ قَلْبُهُ *** إذَا ما أَتَتْها المُؤلِمَاتُ النَّوَاكِدُ(4)

مَوَدَّتُهَا فَرْضٌ عَلى كُلِّ مسلمٍ *** وَمَن يُبغِضُ الزَّهراءَ في النَّارِ خالِدُ(5)

فَيا رَوعَةَ الذِّكري وبَهْجَةَ مُؤلِدٍ *** لبِنْتٍ لَها خَيْرُ الْبَرِيَّةِ وَالِدُ

لَهَا أَلْسُنُ الدُّنْيَا ثَنَاءً ومَذْحَةٌ *** وفِيها حَلَّتْ عَبرَ الزَّمانِ القَصائِدُ

ص: 208


1- في حديث طويل عن الله عز وجل : يا فاطمة، وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني ، لقد آلي على نفسي من قبل أن أخلق السماوات والأرض بألفي عام، أن لا أعذب محبي ومحبي عترت بالنار. يراجع: البحار ج 27 ص 139/ ح 144. وفي كشف الغمة ج 1 ص 453 في حديث : وكانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه ، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فقبلته وأخذت بيده فأجلسته في مكانها.
2- المراصد: أماكن الرصد والمراقبة، وهنا يراد بها مراصد العقول وآفاقها.
3- عن ابن عمر: أن النبي صلی الله عليه و اله و سلم قبل رأس فاطمة وقال: «فدال أبوك ، كما كنتِ فكوني». يراجع: مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمی ج1 ص 66.
4- النواكد: الشدائد. وفي البيت إشارة إلى الحديث الصحيح «فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني ومن سرها سرني».
5- في (ينابيع المودة للقندوزي الحنفي - الباب الخامس والستون ص 370) عن المقداد بن الأسود: قال رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم : معرفة آني محمد براءةٍ من النار، وحبُّ آل محمد جواز على الصراط، والولاية لأن محمد أمان من العذاب ) . ويراجع: الدر المنثور للسيوطي في تفسير الآية من سورة الشورى ، وتفسير البرهان ج 4 في تفسير الآية من سورة الشوری/ ح 2.

(3) يوم البتول

(بحر الوافر)

الشيخ جعفر الهلاليّ(1)

أتى يَومُ البَتُولَة وهُوَ عِيدُ *** فَطابَ بِذِكرِ مَؤلِدِهَا القَصيدُ

ص: 209


1- هو الخطيب الشيخ جعفر ابن الشيخ عبد الحميد بن إبراهيم الهلالي. ولد في مدينة البصرة سنة (1346 ه/ 1927 م) في مجتمع زاهر بالعلم والأدب والفضيلة، ومن أسرة عجنت طينتها بعذب الولاء، فنشأ في كنف أبيه، فأحسن تربية نجله حيث غرس في نفسه حب الفضيلة والصلاح. والمترجم قضى صباه و قسطا من أيام شبابه في مدينة البصرة يتلقى دراسته الأولية، ثم هاجر مع والديه إلى النجف الأشرف عاصمة العلم والفضيلة، فترعرع في مدارسها العلمية ومجالسها الأدبية، فانكب على طلب العلم والمعارف الدينية، فأخذ دراسته العلمية في الفقه والأصول والمنطق والعلوم العربية على مجموعة من أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف، ثم انتسب لكلية الفقه في أوائل تأسسيسها وتخرج منها سنة ( 1964 م) حاملا البكالوريوس في العلوم العربية والإسلامية. والمترجم : إلى جانب دراسته العالية مارس الخطابة بكل ثقله وطاقته، فأخذ الخطابة على والده المرحوم الخطيب الشيخ عبدالحميد الهلالي. والمترجم من أعلام الأدب ومن مفاخر الشعراء، وهو مكثر في النظم فلا تفوت مناسبة إلا نجد شاعرنا الهلالي له سبق الرماية، وأغلب نظمه في أهل البيت عليهم السلام . وله آثار علمية، منها: 1 . معجم شعراء الحسين عليه السلام (5) مجلدات. 2 - المراكز الأدبية لشعراء الشيعة. 3- الأوليات. 4 - الأذواء والذوات. 5 - وقفة مع المؤرخين، أو محاكمات تاريخية . 6- المجالس المنبرية. 7 - الملحمة العلوية في مدح اميرالمؤمنين عليه السلام في ألفي ومائة وأربعة وسبعين بيتا. 8- ديوان الهلالي - مجموعة كبيرة من القصائد أغلبها في أهل البيت عليهم السلام ، وغير ذلك من الآثار العلمية.

بَدَتْ كَالشَّمسِ تَغْمُرُ كُلَّ أُفقِ *** مِنَ الدُّنْيَا وقد سَعِدَ اَلْوُجُودُ

هِيَ اَلزَّهْرَاءُ فاقَت كُل أُنثى *** لَهَا فَضْلٌ فَهَلْ تُوُفيَ اَلْحُدُودُ؟(1)

أَبُوهَا سَيِّدُ اَلْكَوْنِيْنِ طه *** وَ حَيْدَرَةَ لَهَا بَعْلٌ مَجِيدُ(2)

وشِبْلاهَا هُما الحَسَنُ المُصَفَّى *** وَذاكَ حُسينُها السِّبْطُ الشَّهِيدُ

وَلاَّهَا الدّينُ والإيمانُ حَقَّاً *** وَتِلْكَ هِيَ السَّعادَةُ وَالسُّعودُ(3)

***

أَبَنْتُ الْمُصْطَفَى وافاكِ شِعري*** بِمِدْحَتِهِ وَإِنَّ غَضِبَ الحَسُودُ

شَرِبْتُ وِلاكِ مِن لَبَنٍ زَكِيٌ*** تُغَذِّيني بهِ أُمُّ وَلُودُ(4)

وذاكَ مِنَ الإلهِ عَظيمُ فَضلٍ *** وَمَنِّ عِندَهُ شُكرِي يَزيدُ

فَبِاسْمِكِ قَدْ أَذَعْتُ بِكُلِّ نَادٍ *** تَزَاحَمُ عِنْدَ سَاحَتِهِ الْحُشودُ(5)

وكُمْ لِي في عُلاكِ سَما قَصِيدٌ*** لَهُ انحَطَّ الفَرَزدَقُ والوَليدُ(6)

ص: 210


1- أوفي على المكان : أشرف عليه . وأوفي حقَّهُ: أعطاه إياه تامّا. أي هل تحيط الحدود بها وبفضائلها ؟!
2- المَجيد: الوافرُ المَجد.
3- ونعم ما قال الفرزدق في مدح أهل البيت صلوات الله عليهم: من معشَرٍ حبهم دينٌ، وبغضُهُم *** کُفرٌ، وقُربُهُمُ مَنجی ومُعتَصَمُ يُستَدفَعُ السُّوءُ والبلوى بحُبهمُ *** ويُستزادُ به الإحسانُ والعَمُ
4- أخذه من قول الشاعر: لاعَذَّبَ الله أمّي إنّها شَربت حبَّ الوصيّ و غذثنيه باللَّبن وكان لي والدُ يهوى أبا حسن فصرتُ من ذي وذا أهون أبا حَسَن
5- تزاحمُ: تتزاحم، بحذف إحدى التائین تخفيفاً.
6- الفرزدق : همام بن غالب بن صعصعة التميمي، من أشهر شراء العصر الأموي، وهو صاحب : الميميّة العصماء في مدح الإمام زين العابدين عليه السلام . والوليد: هو أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي، البُحتري الشاعر العباسي المعروف، كان هو والمتنبي وأبو تمام أشعر شعراء العصر العباسي.

سَأبْقِى مَا حَييثُ وَلِيَ وِصالٌ *** بِحُبِّكَ لا أَزِلُّ ولا أَحِيدُ

***

أَسَيدَةَ النِّساءِ إلَيکِ قَصْدِي *** إِذَا اخْتَلَفَتْ مِنَ الناس اَلقُصُودُ

فَأَنْتِ الْبَضْعَةُ الكُبرى تَسامَتْ *** بِعَلْيَاهَا ومِثْلُكِ مَن يَسُودُ(1)

حَباكَ اللَّهُ مِنهُ بِكُلِّ فَضلٍ *** وَفَضلُكَ كُلُّهُ كَرَمٌ وَجُودُ

بِفَضْلِكِ لاحَ فِي مِصْرٍ كِيَّانٌ *** لَهُ حُكْمٌ وسُلْطَانٌ مَشِيدٌ

بِهِ الفَاطِمِيِّينَ اِعْتزَازٌ *** بِنِسْبَتِهِمْ إِلَيْكِ عَلا وُجُودُ

وَذَاكَ اَلْأَزْهَرُ السَّامي بِناءً *** عَلَى مَرِّ اَلزَّمَانِ لَهُ صُعُودُ(2)

فَكَمْ فِيهِ اِسْتَفَادَ النّاسُ عِلْماً *** بِهِ رُفَّتْ عَلى الدُّنْيا بُنُودُ(3)

***

افَاطِمُهُ البَتُولُ وَما عَساني *** أَقُولُ وَمَجْدُكِ السَّامي عَتِيدُ(4)

رِضاكِ رِضى الإلهِ بِلا جِدالٍ *** وَسَخَطُكَ سُخَطُهُ وَهُوَ الشَّهيدُ(5)

ص: 211


1- أخرج الحاكم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم لفاطمة: يا فاطمة، ألا ترضينّ أن تكوني سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء هذه الأمّة ؟! (المستدرك على الصحيحين 3: 156 وفيه: هذا إسناد صحيح، - عنه: نزل الأبرار للبدخشي الحارثي - من علماء السنة - ص86) .
2- من آثار الحكّام الفاطميّين الخالدة : الجامع الأزهر؛ وإنما سُمَّي بذلك تيمُّنا باسم فاطمة الزهراء عليها السلام والتي ينتسب إليها الفاطميّون، وقد بُني للصلاة جماعة وجمعة ومحلاً للتدريس.
3- رفَّ الطائر: بسط جناحيه، ومنه أخذ قولهم: رفَّ العَلَم، إذا اهتز وتحرّك كالطائر الذي يبسط جناحيه ويحركهما. البنود: الأعلام الكبيرة.
4- العتيد: الضخم الجسيم، والمُهَياُ الحاضر المُعَدَ.
5- السُّخط والسُّخط والسُّخط : ضد الرِّضا. والشهيد: الشاهد .

ومِنْ عَجَبٍ وأَنْتِ الطُّهْرُ ذَاتَا*** تَنَزَّل فِيكِ قُرْآنٌ مَجِيدُ(1)

يَرُومُ الْبَعْضُ فَضْلَ سِواکِ جَهْلاً ***بِمُضْحَكَةً عَلى اَلراوِي تَعُودُ

وَلَمْ يَرَ مِن حَدِيثٍ يَصْطَفِيهِ ***فَكَانَ لَهُ لَدَى الفضل الثَّريدُ!!(2)

اتَجحَدُ نُورَ قُرْصِ الشَّمسِ عَيْنٌ *** وأُعْينُ هذِهِ الدُّنيا شُهُودُ؟؟(3)

فَاينَ الحُكمُ عِنْدَ الْعَقْلِ وَلِي؟! *** أَحَقّا قَدْ عَرى العَقلَ اَلْجُمُودُ؟

سُمُّوا يَابنةَ الهادِي سُموّاً *** لَهُ اَلأَملاكُ ضَارِعَهُ سُجُودُ

***

وَ عُذراً يَابنَةَ المُختارِ عُذْراً *** إِذا لَمْ يُسْعِفِ اَلْقَوْلَ اَلْقَصِيدُ

أَبْعَدُ مَديحِ رَبِّ الكَوْنِ هَلْ لِي *** إِلَى عَلياكِ يَاخُذُ بِي صُعُودُ؟(4)

لَكِ الْقِدَحُ الْمُعَلّى يَومَ حَشرٍ*** وَفِي الْفِرْدَوْسِ طابَ لَهُ الْخُلُودُ(5)

رَجَوْتُكِ مِنْ ذُنُوبِي والخَطايا *** إِذَا مَا النارُ شَبَّ لَهَا وَقُودُ(6)

ص: 212


1- الآيات النازلة في فاطمة عليها السلام بخصوصها أو في ضمن أهل البيت عليهم السلام كثيرة مذكورة في مظانها من كتب التفسير والتأويل وأسباب النزول.
2- إشارة إلى الحديث الذي وضَعُوُه في فضل عائشة، عن النبي ،صلي الله عليه و اله و سلم أنه قال : فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ! صحيح البخاري 4: 131.
3- أخذ المعنى من قول المتنبي: وإذا خفيتُ على الغبيّ فعاذرُ *** أن لا تراني مُقلةُ عمياء
4- أخذه من قول عبد المهدي مطر في أميرالمؤمنين عليه السلام: غاية المدح في علاك ابتداء *** ليت شعري ما تصنع الشعراء
5- القىح المُعلی : الفائز من قداح الميسر. وهو مثلُ لكل ما حاز على النصيب الأوفر.
6- إشارة إلى ما ژوي في (کنز العمال ج 6 ص 219) ولفظه: إنما شميت فاطمة؛ لأنّ الله فطمها ومُحبيها عن النار.

فَانَتِ بِكِ اَلْمَلاَذُ إِذَا تَرَامَتْ *** هناكَ صَحائِفُ لِي وهْيٌ سُودُ(1)

فَمَا لِي غَيْرُ جَاهِكِ مِن مُغِيثٍ *** ومِثْلِكِ بِالشَّفاعَةِ مَن يَجُودُ

فَمَا خابَ الذی مَسَكْتَ يَدَاهُ *** بِحَبْلٍ ولاكَ إنْ وَهَنَتْ زُنُودُ(2)

وعَطْفاً يابْنَةُ الهادي فَدَهْرِي *** يُؤَرِّقُني بهِ هَمٌ شَدِيدُ

وهاكِ لَدَي الخِتامِ عَظِيمَ وُدَّ *** سَلاماً كُلُّ آوِنَةٍ يَزِيدُ

ص: 213


1- ترامت: تراجمت ورمی بعضهاً بعضا وتطايرت. عن سلمان رضوان الله عليه قال : قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : يا سلمان، حبُّ فاطمة ينفع في مئة من المواطن، أيسرُ تلك المواطن: الموت، والقبر، والميزان، والمحشر، والصراط، والمحاسبة ! (مجمع الزوائد 9: 202) .
2- إشارة إلى ما رُوي في كتاب (صحيح الترمذي ج 2 ص 301) بسنده عن علي بن أبي طالب عليه السلام أن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أخذ بيد الحسن والحسين عليهما السلام فقال: «من أحبّني وأحبَ هذين وأمُّهما، كان معي في درجتي يوم القيامة» .

(4)رُکنُ الشَّريعة

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحرانيّ القيسيّ

حَسْبِي علی ما حَلَّ بِي إِنشادي *** وتَلَبُّسي بِالنُّؤحِ وَالتَّعدادِ(1)

حُزْنِي يَزِيدُ وَ حَسرَتي لا تَنْقَضِي*** والوَجْدُ يُشْعَلُ بِالضِّرَامِ فُؤَادِي(2)

لي حُرُقَةٌ لا تَنْطَفِي طُولُ المَدَى ***وأنُوحُ كَالقُمرِيِّ فِي الأَعْوادِ(3)

يَا صاح دَعّنِي فَالْوَلُوعُ أَمْضَّنِي*** وَدَعِ العِتابَ فَلَسْتَ مِنْ أَنْدَادِي(4)

دَعْنِي أُكابِدُ مِحنَتِي وصَبابَتِي ***فَلِمَا بُليتُ مُلازِمُ التِّسْهادِ(5)

لَم أَبِكِ فَقَدْ أَحِبَّةٍ كَلّا ولا *** رَسمٍ عَفاةُ تَرَادُفُ الآبَادِ(6)

ص: 214


1- التَّعداد: رثاءُ الميت وعدّ مناقبه ومآثره.
2- الضَرام : الاضطرام والاتقاد، ودقيق الحطب.
3- القُمري: ضربٌ من الحمام حَسَن الصوت. الأعواد: الأغصان .
4- الؤُلوع : شدّة الولع الحبّ والتعلق. أمضُني : آلمني وجرحني وأحرقني. لستَ من أندادي : لستَ ممّن يساويني في الوجد والحزن.
5- الصَّبابة : الشوق، والولع الشديد. التَّسهاد: الأرق والسَّهر.
6- الرَّسم: الأثر الباقي من الديار المهجورة بعد أن عفت ، قال الشاعر: رَسم دار وقفتُ في طللية ***كدتُ أقضي الحياةَ من حَللية ! عَفاه: أزاله ومحاه . ترادف الآباد: توالي الدهور. فالآباد: جمع الأبد.

كَلّا ولا أَبكِي حُطاماً زائِلاً*** عَنِّي وَلا لِطّوارِفٍ وتِلادٍ(1)

لَكِنْ شَجانِي مَا أَصَابَ مُحَمَّداً ***فِي آلِهِ مِنْ مِحْنَةٍ وَنِكادِ(2)

وبَكَيتُ لِلزَّهْرا ومَا بُلِيتُ بِه*** فَتَجَلْبَبَتْ مِنْ حُزْنِها بِسَوادٍ(3)

لَمْ أُنسَهَا لَمّا أَتَتْ مُلتاعَةُ*** قَبرَ النَّبِيِّ وَدَمعُها كَغَوادِي (4)

تَدْعُو أَلا يَا وَالِدِي يا مَنْ بِهِ ***رُكْنُ الشَّرِيعَةِ ثَابِتُ الْأَوْتَادِ

أبَتَاهْ قُمْ وانْظُرْ لِحالِي كَيْ تَرَى ***أَثَرَ اَلتَّأَلُّمِ فَوْقَ وَجهِيَ بادِي

مَا شِمتُ مِنْبَرَكَ اَلْعَظِيمَ وزُرتُهُ ***إِلاَّ بَكيتُ لِوَحْشَهِ الأَعوادِ(5)

يا وَحْشَةَ المِحْرابِ زادَتْنِي أُسِي*** وَكأنّهُ بَاكٍ عَلَيكَ يُنادِي:

أَوْحَشَتَنِي يا خَيْرَ مَبْعُوثٍ وَيا*** خَيْرَ الأَنامِ وقُدْوَةَ الأَمْجادِ(6)

ص: 215


1- الطوارف : جمع طارف وهو المال المستحدث. ويقابله التَّلاد وهو المال القديم .
2- النكادُ: العُسر، ناکده يكاداً ومناكدة : عاسره مُعاشرةً.
3- وهي التي خاطبت أباها المصطفى صلي الله عليه و اله و سلم بعد رحيله: قُل للمُغَيِّب تحت أطباق الثرئ ***إن كنت تسمعُ صرختي وندائيا صُبت على مصائبُ لو أنّها ***صُبت على الأيّام صزن لياليا فلا جعلّنَ الحزنّ بعدك مؤنسي*** ولأجعلنّ الدمع فيك وشاحيا (أعيان الشيعة 1: 323 - ط بیروت)
4- مُلتاعة : مصابة بلوعة وحزن عميق . الغوادي : أوائل الأمطار.
5- شام البرق پشیمه : نظر إليه.
6- لم تُطق الزهراء عليها السلام أن تدنو من قبر أبيها رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، فبقيت في دارها تبكيه ليلها ونهارها، لا يهدأ لها أنين، ولا يسكن منها الحنين، فلما كان اليوم الثامن لم تطق صبرة، فخرجت إليه صارخة تندبه : وا أبتاه ، واصفياه، وا محمداه، وا أبا القاسماه، وا ربيع الأرامل واليتامى !! ثم أقبلت تعثر في أذيالها وهي لا تبصر شيئا من تواتر دمعتها وغضة عبرتها، حتى غشي عليها، فلما أفاقت نادته: يا أبتاه! انقطعت بك الدنيا بأنوارها، وزوت زهرتها وكانت ببهجتك زاهرة : بكتك يا أبتاه الأملاك ، ووقفت الأفلاك، فينبؤك بعدك مستوچش، ويحرابك خالي من مناجاتك، وقبرك فرح بمواراتك.. يا أبتاه ! ما أعظم ظلمة مجالسك ، فوا أسفاه عليك، إلى أن أقدم عاجلا عليك .. ( بحار الأنوار 63: 175 - 177/ ح 15).

تَاللَّهِ يَا أَبَتَاهْ لَوْ عَايَنْتَنِي *** مَكْسُورَةَ الأضلاعِ بِالأحْقادِ

صَدْرِي يَسِيلُ دَماً وَوَجدِي مَالُهُ ***حَدُّ مَدَى الأيّامِ والآبَادِ

قَدْ وَرَّمُوا مَتنِي بِضَرْبِ سِياطِهِم*** وَأَنَا أَحِنُّ مِنَ الأَسَى وأُنَادِي

مَلْطُومَةَ عَينِي وَبَعلِي بَينَهُم ***أَضْحَى يُقَادُ مُلَبَّباً بِنِجَادٍ(1)

وَأَشَدِّ ما أَجْرَى دُموعِى وُكَفاً*** كَالْغَيْثِ مُنْهَمِراً بُكا أولادي(2)

يَا بِنْتَ طه ما أَمَضَّ مُصابَكُم ***مُجْرِي الدُّموعِ ومُحْرِقُ الأَكْبادِ

صَلِّي الإلهُ عَلَيكُمُ مَا زَمجَرَت ***سُحُبُ السَّما بِالبَرْقِ وَالإرعادِ(3)

ص: 216


1- مُلببا : مأخوذاً بتلبيبه مجروراً . الجاد: حمائل السيف. وقد مرت تفاصيل الهجوم على الدار، وكسر الضلع، وضربها بالسوط، ولطم عينها، وجز أمير المؤمنين عليه السلام إلى البيعة قسرة .
2- وُ کَّفاً : سائلة كالمطر.
3- زَمجَرت: أكثرت الصياح والصَّخَب .

(5)حتّى متى الصبر

(بحر البسيط) الشيخ عبدالحسين شُكُر(1)

حَتَى مَ سَيَدنا تَبقَى العِبادُ سُدَى*** فَصارِمُ الصِّيدِ مِن فَرطِ الصُّدُود صَدا(2)

ص: 217


1- هو الشيخ عبدالحسين ابن الشيخ أحمد ابن الحاج حسين بن شُكُرز وآل شكر أسرة كبيرة ممتدة الأطراف، وأصلهم من عرب الحجاز، وقد نزحوا إلى العراق منذ زمن بعيد، وفي منتصف القرن الحادي عشر نزح الحاج محمود والد شكر إلى النجف الأشرف فاخذه موطنا له ولأولاده . والمترجم من مشاهير الأدباء والشعراء، وهو صاحب فضيلة عالية، وذو بديهة بادية، وهو مكثر في الشعر، وأكثر شعره في أهل البيت عليهم السلام ، وقد أجزل في نظمه حتى صار شعره مشهورة بين خطباء المنبر الحسيني الشريف، يقرؤونه في المحافل والأندية ومراسم العزاء منذ عشرات السنين، وللمترجم شهرة كبيرة نشأت من قوة شعره وتخصصه في مدح ورثاء أهل البيت عليهم السلام، ولهذه الخدمة آثار وضعية يعرفها ذوو الألباب، وقد بلغ عدد قصائده فيهم لا حوالي الخمسين قصيدة. وكان رحمه الله كثير السفر فسافر عدة مرات إلى إيران لزيارة الإمام الرضا عليه السلام وسكن برهة من الزمن في كربلاء المقدسة، واتصل ببعض ساداتها وعلمائها وفضلائها وأدبائها، ثم عاد إلى إيران، فأقام في طهران إلى أن وافته المنية فيها عام (1285 ه)، وقد تلف دیوان شعره الذي كان يصحبه في أسفاره. وقد تصدى الخطيب الشهير الشيخ محمد علي اليعقوبي لجمع ما نظمه الشاعر في أهل البيت عليهم السلام في ديوان.
2- سُدی : مُهملة. الصارم: السيف. فوط الصدود: شدة الإعراض والميل. صدا: مخففة صدأ ، مصدرُ صدیَّ يَصدَا، إذا علاه الوسخ والجَرَب . والشاعر في هذا البيت والأبيات التالية يخاطب المولى صاحب الأمر الحجة المهدي أرواحنا و أرواح العالمين له الفداء .

قُم كَي تَري عَرَصاتِ الدِّينِ قَدْ طُمِسَتْ *** بالجَوْرِ والجَبتُ والطاغوتُ قَد عُبِدا(1)

زَلْزِل بِعَزْمِكَ أَرْجاءَ البَسِيطِ أَبِنْ ***عَزْماً اذا ما وَعاةُ يَذْبُلُ سَجَدا (2)

أَلَستَ مَن فيهِ أَبْدَى اللَّهُ قُدْرَتَهُ*** لِلْخَلْقِ واخْتَارَهُ دُونَ الأنامِ يَدا ؟

حَاشاكَ حاشاكَ أَنْ تُغْضِيَ وَقَدْ تَرَكَت*** بِالطَّفِّ أَرْجَاسُ حَرْبِ شَملَكُم بَدَدا(3)

يَا غَيْرَهَ اَللَّهِ حتّى مَ التَجَرُّع مِنْ ***جُنْدِ الضَّلال اَلرَّدَى فَالصَّبْرُ قَذْ نَفِدا؟(4)

إلى مَنِ المُشْتَكى إِلّا إِليكِ فَقُمْ ***أَمَا تَرَى اَلظُّلمَ أَوْهَى بَعْدَكَ اَلْجَلَدا ؟(5)

هَلْ مِنْ غِيَاثٍ لَنا إِلّا بِكَفِّكَ أَم ***هَلْ غَيْرُ وَكْفِكَ للْعافينَ غَيْثُ نَدَى ؟(6)

حَتَّى مَتَى اَلصَّبْرُ يَابْنَ المُرْتَضى وَلَنا ***فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ اَلْأَعْدَاءِ كَاسُ رَدَي؟(7)

ص: 218


1- قال تعالى في الآية 51 من سورة النساء: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا» وهما الشيخان، والذين آمنوا أميرالمؤمنين عليه السلام . (انظر بصائر الدرجات : 54/ح3).
2- أرجاء البسيط: أطراف الأرض. وعاه : جمعه و حواه أو وضعه في وعائه. أين هنا: أظهر . ويَذبُل : جبل شاهق معروف في الحجاز.
3- أغضی طه: قارب بين أجفان عينه، أو حول طرفه إلى مكان آخر. وفي العبارة كناية: حاشاك سيدي عن ترك الأمر أو عدم الاعتناء به، وأنت الشهم الغيور، وقد جرى على الك ما جرى مما أنت أعلم به منا. أرجاس حزب: آل أمية، وقد نسبهم الشاعر إلى حرب ( أبي أبي سفيان). وتبديد الشمل: تفريقه، وتمزيقه بالقتل والأشر والحبس والتشريد.
4- الردئ : الموت، أو القتل هنا.
5- أوهي الجلد: أضعف القوة والشدة، أو الصبرَ والصلابةَ.
6- وکفُك: الماء الجاري عنك. للعافين: للهالكين المحرومين. غيث الندى: المطر المغيث، أو الخير والجود والفضل .
7- كأس الردي: شراب المنية والموت .

أَلَمْ يَكُنْ آن أَنْ تُروئ صَوارِمُكُمْ ***مِمَّنْ عَلى أُمِّكَ الزَّهْرَاءِ مَدٌ يَدا؟(1)

نَسِيتَ حاشاكَ أن تُنْسَي وقَدْ صَنَعُوا*** أَهْلُ السَّقيفةِ ما لَمْ نَنْسَهُ أَبَدا ؟(2)

أَيُّ الرَّزايا لَها تَنْسَى وَقَدْ تَزكَتْ*** لِهَيبَ نِيرَانِها في القَلْبِ مُتَّقِدا ؟

إِسْقاطُ مَؤْءُودَةٍ عَنْ ذَنْبِها سُئِلَتْ ***أَمْ ضَرْبُ مَنْ أحرَقَت مِنْ أَحْمَدٍ كَبِدا؟(3)

أَم كَسرُهُمْ ضِلْعَها أَمْ جَمعُهُمْ حَطَباً*** لِحَرقِ دَارِ إِمَامِ قَوْمَ الأَوَدا؟(4)

أَمْ يَؤمَ قَادُوا فَتًى أَلْقَى الوُجُودُ لَهُ ***مِنْهُ القِيادَ مُطِيعاً إِذ بِهِ وُجِدا

وهُوَ الَّذِي تَعْرِفُ الأَسادُ سَطْوَتَهُ*** لَوْ صاحَ بِالرَّعدِ يَؤمَ الرَّوْعِ لارْتَعَدا

لَكِنَّهُ جَلَّ مَعْنَاهُ وَ عَزَّ عُلاً *** أَنْ لا يَفِيَ بِاصْطِبارٍ بَعْدَ ما وَعَدَا(5)

واثَرَهُمْ بَضْعَهُ الْمُخْتارِ نادِيَهُ: *** خَلُّوا اِبْنَ عَمِّي فَمَا مِنْهُمْ أجابَ نِدا(6)

ص: 219


1- يصح ضبطها ترَوي من روي يروی، ضد عطش. كما يصح ضبطها تروي» من أزوی يروي ، إذا أزل العطش. كما يصح ضبطها کالمثبت على البناء للمجهول.
2- قوله «وقد صنعوا أهل السقيفة» على لغة «أكلوني البراغيث».
3- أراد بالموءُودة هنا المحسن السقط. وانظر تأويل قوله تعالى (وإِذا المُؤَوّدُهُ سُئِلَت) بالمحسن، في ( الهداية الكبرى: 417).
4- قَؤَّمَ الأوَد: أقام الاعوجاج.
5- كان في وصية النبي صلي الله عليه و اله و سلم لأمير المؤمنين عليه السلام : يا علی اصبر على ظلم الظالمين، فإن الكفر مقبل والردة والنفاق . بيعة الأوّل ثمّ الثاني - وهو أشرّ منه وأظلم - ثمّ الثالث. (کتاب الوصية : 106/ ح17). وفيه أيضاً قول النبيّ صلي الله عليه و اله و سلم لعلي عليه السلام : يا على ما أنت صانع لو تأمّر القوم عليك من بعدي وتقدّموك وبعثوا إليك طاغيتهم يدعوك إلى البيعة، ثمّ لُببت بثوبك وتقاد كما يقاد الشارد من الإبل مرموماً مخذولاً محزوناً مهموماً، أبعد ذلك تصبر وتنقاد لهم أم لا؟ ... فقال علي عليه السلام : يا رسول الله أنقاد للقوم وأصبر كما أمرتني - على ما أصابني من غير بيعة لهم عَلَىَّ . (کتاب الوصية : 97 – 98/ ح 14).
6- بدا: مخففة «يداء»، أي ما منهم أحد أجاب نداءها .

فَمَدَّتِ الطَّرفَ نَحْوَ المُصْطَفى وَدَعَتْ:*** يَا مَلْجَئِي إِذْ علی ضَغْفي الزَّمانُ عَدا

قُم كَيْ تَرَيَ كَيْفَ مالَ القَوْمُ عَنْ خَلَفٍ*** لَهُ اَلْخِلاَفَهُ كَانَتْ بُرْدَهٌ وَ رِدا(1)

قَدِ اِرْتَضَى القَوْمُ حَذفَ المُرْتَضَى وَحَذُوا ***حَذْوَ اليَهُودِ غَدَاةَ العِجْلُ إِذْ عُبدا (2)

فَلَيتَ تَحْضُرُ يَا غَوْثَ الوَرَي فِئَةٌ*** خَانُوا الْعُهُودَ وَحَلُّوا بَعْدَكَ العُقَدا (3)

تَأَلَّبُوا لاِغْتِصَابِي نِحلَتي وَ زَوَوا ***إِرْثِي وسِبْطاكَ لِي وَالْمُرْتَضي شُهَدا(4)

***

يَا بَضْعَةَ المُصْطَفَى الْهادي اَلنَّبِئُ وَمَنْ*** علی البَرايا وِلاها اللَّه قَدْ عَقَدا(5)

أَلْيَةً فِيكِ بَرَّتْ يَا حَبِيبَةُ مَنْ*** أَنْشاهُ رَبُّ البَرايا لِلسَّما عَمَدا(6)

سَوطُ بِهِ هَتَكُوا اَلعَلْيا بِهِ قَرَعُوا*** بِالشّامِ ثَغْرَ حُسَيْنٍ سَيِّدِ الشُّهَدا(7)

ص: 220


1- الخلفُ: من يخلف من قبلهُ. وهوهنا أمير المؤمنين عليه السلام حيث خلف النبي صلي الله عليه و اله و سلم. وردا: أي و رداء.
2- كانت صنيعتهم كصنيعة قوم موسی عليه السلام، لما ذهب موسى علي إلى ميقات ربه لما وعده الله تعالى أن يُنزل عليه التوراة والألواح إلى ثلاثين يوما ، فلما تأخر عنهم عصوا وأرادوا قتل هارون، فجاءهم إبليس في صورة رجل فأقنعهم أن موسى قد هرب ولن يرجع أبداً، ثم أمرهم أن يجمعوا له چليهم حتى يتخذ لهم إلهاً يعبدونه، وكان العجل الذي عبدوه. (يراجع: قصص الأنبياء، للسيد نعمة الله الجزائري 267 - 278، الفصل السادس)
3- حَلُّوا العُقد: نقضوا العهود التي عقدوها مع رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، ومنها ما كان يوم غدير «خُم».
4- تألبُوا: تجمَّعُوا. رَوى الشيء: حار. وشُهدا: مخفّفة شَُهداء، حيث جاء أمير المؤمنين والحنسنان عليهما السلام وشهدوا لفاطمة عليها السلام ، لكن الشيخين ردَّا شهادتهم !! وهناك شهود آخرون ردُّوا أيضاً بحجج وذرائع واهية، وقد تقدّم ذلك.
5- عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال : هي الصدّيقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأُولى : بحار الأنوار 43: 105/ ح 19 - عن: أمالي الشيخ الطوسي) .
6- الأليَّة : الحَلفُ والقسمُ
7- أراد بالعلياء فاطمة عليها السلام. يقول الشاعر: إن السوط الذي قرعوا به فاطمة الزهراء عليها السلام هو نفسه القضيب الذي قُرع به ثغر الحسين عليه السلام .

وَكَّاسُ حَتفٍ أَذَاقُوهُ الجَنِينُ بِهِ*** قَد جَرَّعُوا طِفْلَهُ فِي كَرْبَلاءَ رَدّي(1)

وإِنَّ نَاراً أَدارُوها عَلَيْكِ ضُحي*** لَها اِبْنُ سَعْدٍ غَدَاةَ اَلطَّفِّ قَدْ وَقَدا(2)

تَاللَّهِ لَوْلاَهُمُ مَا غَادَرُوهُ لَقِى*** بَنُو زِيادٍ وَلا رَضُوا لَهُ جَسَدا(3)

وَلا انْثَنِي مُفْرَداً عِزَّ الفِدَاءُ لَهُ*** غَيْرَ الؤُجُودِ تَمَنّى أَنْ يَكُونَ فِدا(4)

ولا أقامَ عَلَى الرَّمْضاءِ مُنفَرِداً ***مَا غَسَّلُوةُ ولا مَدُّوا عَليهِ رِدا(5)

لَكِنَّمَا السُّمْرُ وارَتُهُ ومِن دَمِهِ ***عَلَيْهِ قَدْ نَسَجَتْ بِيْضُ الظُّبَيِ بُرْدا(6)

***

قُلْ لِلاُلِي قَدْ نَما غَرسُ الضَّلالِ بِهِمْ *** وَ مُذْ تَوَلّى زَرْعَهُمْ حَصَدا

ص: 221


1- يقارن الشاعر في هذا البيت أيضاً بين ما فعله عمر وجماعته من إسقاط لجنين الزهراء عليها السلام وبين ما فعله بعد سنوات جيش يزيد وابن زیاد بحفيدها الرضيع (على الأصغر)، حين ذبحوه من الوريد إلى الوريد.
2- يعقد مقارنة هنا أيضاً بين النار التي أضرموها في دار فاطمة الزهراء عليها السلام ، وبين النار التي أحرقت خيام الحسين عليه السلام في كربلاء .
3- لولا ما أسسه عمر وأبو بكر من غَضب حق آل الرسول صلی الله عليه و اله و سلم لما تجرأ ابن زیاد على فعلته في کربلاء، حين نادی ابن سعد بعد شهادة الحسين عليه السلام ألا من ينتدب إلى الحسين فيُوطى الخيل صدره وظهره! فقام إليه عشره ، فداسوا بخيولهم جسَدَ ريحانة الرسول صلی الله عليه و اله و سلم، فأمر لهم بجائزة يسيرة. (يراجع : تاريخ الطبري ج 6 ص 161، والكامل لابن الأثير ج 4 ص 33، ومروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 91).
4- قريب منه قول السيّد حيدر الحلّي: و سلبته أطراف الأسنة مُهجةَ *** تُفدى بجملة عالَم التكوين
5- أخذه من قول الشاعر: ما غسلوه ولا لَفُوهُ في کفن *** يومَ الطُفُوف ولا مدُّوا عليه ردا
6- السُّمر: الرماح. بيضُ الظُّبي : السيوف البارقة اللامعة. بُرد: جمع بُردة، وهي كساءُ يُلتحف به. في نسق هذه الصورة قول الشريف الرضي : غسلته الماء وانتضلت في*** ه و المنايا وكفنته الرمول

يَا عُصبَةَ الغَيِّ مَهْلاً خَابَ سَعْيُكُمْ*** أَيْنَ اَلْمَفَرُّ إِذا بَدرُ الرَّشادِ بَدا؟

أَيْنَ المَفَرُّ وسَيْفُ اللَّهِ إِثْرُكُمُ ***أحاطَ عِلْماً وَأحصَي جَمعَكُم عَدَدا(1)

لَيْثُ إِذا ما رَنا شَزْراً بِلَحْظَتِهِ ***فَتَّ الجَلِيدُ وأَؤهي رُعْبُهُ الْجَلَدا(2)

ذُو عَزْمَةٍ لَوْ وَعاها الصَّلدُ ذابَ لَها ***وَالبَحْرُ لو شامَها مِن خِيفَةٍ جَمُدا(3)

يَوْمٌ بهِ الرُّوحُ يَدْعُو قَامَ قَائِمُنا ***يُخفِي وَيُبدي سِناهُ الغَيّ وَالرَّشَدا(4)

يا مَن حَبَاهُم إِلَه العَرْشِ مَنْزِلَهُ*** مَقامَ قُدسٍ ولَمْ يُشْرِكْ بِهِ أحَدا

إِلَيْكُمْ غَادَةَ عَذْراءُ تَرَفُلُ في ***ثُؤبٍ مِنَ الشَّجوِ مَدَّتْ لِلسُّؤالِ يَدا(5)

ذَخِيرَتَي أَنَّنِي عَبْدالْحُسَيْنُ كَفت*** لِمُؤْقِفٍ لَيْسَ يُغْنِي والِدٌ وَلَدا(6)

عَلَيْكُمْ مِنْ صَلاَةِ اَللَّهِ أَشْرَفُها ***مَا دُمْتُمْ لِلْوَري غَوْثاً وَغَيثَ نَدي

ص: 222


1- إشارة إلى ظهور المنقذ المصلح الحجة المنتظر المهدي سلام الله عليه، وما يكون بعد ذلك من وقائع الرجعة. وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى في الآية 28 من سورة الجن :«لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا»
2- رنا: أدام النظر بسكون الطرف - شزراً : النظر إلى الشيء بجانب العين مع إعراض وغضب ۔ لحظته: باطن عينه - فتَّ: کسر. وأوهی رعبه الجَلد: أضعَفَ خوفُهُ واسمُهُ قوتهم وشدَّتهم، وهو من قول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : نُصرتُ بالرُّغب مسيرة شهر.
3- وعاها: فهمها وعرفها. وشامها : نظر إليها.
4- الروح: هو الروح الأمين جبرئيل عليه السلام ، وفي البيت لف و نشر مرتب، أي: يخفي سناه الغئَّ، ويبدي الرشد.
5- يقدّم الشاعر قصيدته هذه إلى آل الله عليهم السلام مُشبِّهاً إياها بالغادة، وهي المرأة الليسة الطبيعة وقد قدمت تجر ذيول ثوبها متبختر في سيرها، وإن كان قد تملكها الحزن، لكنها مدت يدها تطلب خيرکم وجائزتكم.
6- إنّ ما ادخره ليوم الحشر ومواقفه العصيبة ، أنه خادمٌ وعبدٌ الحسين عليه السلام . قال تعالى في الآية 33 من سورة لقمان : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا».

(6)فضائل فاطم

(بحر الكامل) الشيخ عبدالعظيم الرُّبيعيّ

بُشرَى عَلِيٍّ والنَّبيُّ مُحَمَّدِ *** بِوِلادَةِ الزَّهْراءِ بَضْعَةِ أَحْمَدِ

نَظَمَ الوُجُودَ إِلَهُهُ مِنْ حِكمَةٍ *** يَا حُسَنُ نَظْمٍ جاءَ غَيْرَ مُعَقَّدِا

وأَتَتْ لَهُ بَيْتَ القَصِيدِ كَانَهُ *** لِسِوي بَدِيعِ بَيَانِها لَمْ يَقْصِدِ

فَطَمَتْ مِنَ النّيرانِ فَاطِمَهُ العُلى *** أشيَاعَها بَلْ كُلّ هَؤلٍ فِي غّدِ(1)

زَهَرَ الؤُجُودُ بِهَا عَقِيبَ ظَلامِه *** والصُّبْحُ لِلَيْلِ الْبَهِيمِ بِمَرْصَد(2)

يَا فَاطِمُ الزَّهرا هَلُمَّ بِوَمضَةِ *** عَلِي إلَى سُبُل بِمَدحِكِ أهتَدِي(3)

طَعِمَ النَّبِيِّ فَوَاكِةُ الفِرْدَوْسِ إِذْ *** عَرَجَ الإلهُ بِهِ لِأَشْرَفِ مَصْعَدِ

إيهِ خِتَامَ الأنبياءِ وفَاتِحَ ال *** إِرْشادِ فِي الدُّنيا وَأعظَمَ مُرشِدِ

يَتَوَقَّفُ الرُّوحُ الأمينُ وَسِرْتَ لا *** تُلْوِي عَلى خُؤْفٍ وَلَم تَتَرَدَّدِ(4)

ص: 223


1- يشير الشاعر إلى ما ورد من أن فاطمة عليها السلام تفطم شيعتها يوم القيامة من النار. انظر كتاب بحار الأنوار ج 43 ص 12/ ح 4، وص13/ ح8، وص16/ ح 14.. قال النبي صلي الله عليه و اله و سلم : انما سُّمَّيت ابنتي فاطمة؛ لأن الله فطمها وفطم مُحبّيها عن النار. (عن : عيون أخبار الرضا عليه السلام ، وفردوس الأخبار الشيرويه الديلميّ، ومعاني الأخبار، وعلل الشرائع للشيخ الصدوق).
2- الليل البهيم: المُظلم. المرصد: المَرقَبُ.
3- الوَمضة : اللمعة من النور. وعلَّ : لغة في «لعلَّ» أو مخففة منها.
4- إشارة إلى وصول النبي صلي الله عليه و اله و سلم إلى مقام قاب قوسين أو أدنى، وعدم تقدم جبرئيل عليه السلام إلى ذلك المقام، وقوله للنبي صلي الله عليه و اله و سلم حين سأله عن مفارقته إياه: لو دنو أنملة لاحترقتُ. (انظر مناقب ابن شهر آشوب 1: 155).

هَذَا طريقٌ عَبَّدَتهُ إِرَادَةٌ *** قُدسِيَّة لِسِواكَ غَيْرُ مَعَبَّدٍ

أَو بَابُ وَصْلٍ مُوصَدٌ لَكِنَّهُ *** في وَجهِ أَصْدَقِ عاشِقٍ لَم يُوصَدِ

ورَجَعْتُ كالرَّوَادِ تَرجِعُ لِلحِمَي*** لِتَدُلَّ أهْلِيهِ لاعذَبِ مَؤرِدِ(1)

وَغَشا خَدِيجَةَ فَاغْتَدَتْ بَيْنَ النِّسَا ***أَرأَيتَ فِي الظَّلْمَاءِ نُورَ الفَرْقَدِ؟(2)

بُشراكِ أُمَّ المُؤمِنینَ بِنِعْمَةٍ*** غَمَرَتْکِ فَاقْتَرِبِي لِرَبِّكِ واسْجُدي(3)

هَجَرَت سَناكِ المُشرِكاتُ ومَن تَرئَ *** لِلشَّمْسِ يَنْظُرُهَا بِطَرفٍ أَرْمَدِ؟

رمَقَتْ عُیُونُ الْإِزْدِرِاءِ خَديجةَ *** كَلّا فَقَدْ كَانَتْ عُيُونَ الحُسَّدِ(4)

مَهْلاَ خَدِيجَةُ لاَ تَلِي هَذِي النِّسا *** فِي الوَضْعِ مِنْكِ ولِلسَّما عَنها ابْعَدِي

المُشْرِكُونَ كَمَا يَقُولُ كِتابُنا *** نَجَسٌ وهَذَا الْحَمْلُ أَطْهَرُ مَسْجِدِ(5)

ص: 224


1- الرُّواد: جمع الرائد، وهو الرسول الذي يرسله القوم ليرى لهم مكان الماء والعشب.
2- الفرقد: نجم قريب من القطب الشمالي يُهتدى به. وجملة «أرأيت في الظلماء نور الفرقده جملة استفهامية تقوم مقام الحال ، أي فاعتدت مُنَوَّرة، وذلك على حد قول العجاج:حتى إذا جن الظَّلامُ واختلَط *** جاءوا بيذي هل رأيت الذئب قط
3- رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: إنّ خديجة لما تزوج بها رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم هجرتها نساء مكة ... فاستوحشت خديجة لذلك، وكان جزعها و غمها را عليه صلي الله عليه و اله وسلم، فلما حملت بفاطمة صارت تحدثها من بطنها وتصبرها، وكانت تكتم ذلك من رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم ، فدخل رسول الله يوماَ فسمع خديجهُ تحدث فاطمة، فقال: يا خديجة، من تحدثين ؟ قالت : الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني ، قال : يا خديجة، هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى، وأنها النسلة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالی سيجعل نسلي منها، وسيجعل من تشلها أثم ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه .. ( أمالي الصدوق 970/ ح 1 - المجلس 87).
4- رمقت : لحظت لحظة خفيفة ، أطالت النظر: الازدراء: العتاب والعيب.
5- إشارة إلى قوله تعالى في الآية 28 من سورة التوبة:«إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا»

أَفَلَمَ تَكُوني تَسْمَعِينَ حَدِيثَها *** لا تَجزَعى يا أُمَّ بَلْ فَتَجَلَّدِي؟(1)

وَيُبَشِّرُ المُخْتارُ عَن رَبِّ السَّما ***أَنَّ الجنينَ مُبارَكٌ في المَؤلِدِ

سَتَكُونُ أُنثَى وَهيَ طُهْرٌ بِرَهُ *** تَلِدُ الأَئِمَّةَ هادِياً عَن مُهْتَدِي(2)

وإِذَا الأئِمَّةُ أَظْهَرُوا دِينَ الهُدي*** فَلْتُدْعَ أُمَّ أَبِي عُلاها الْأَمْجَد(3)

لاَ تَبْقَ أُمَّ المُؤْمنِينَ بحَيْرَةٍ *** مِنْ أَمْرِهَا فَاللَّهُ أَعْظَمُ مُسعِدِ

حَوَّاءَ تُزَجي الفُضِيَّاتِ مِنَ النِّسا *** بَلْ خَيْرَ مَنْ وُلِدَتْ ومَن لَمْ تُولَدِ(4)

أُمَّ الْمَسِيحِ وسَارَةً ثمّ الَّتِي *** كَفرَتْ إِلهَةَ زَوْجِهَا المُتمرِّدِ(5)

ص: 225


1- تجلّدي : تصبري . وفي كتاب ( الروض الفائق ص 316) قال : فلما سأله الكفار أن يريهم انشقاق القمر وقد بان لخديجة حملها بفاطمة وظهر، قالت خديجة : واخيبة من كذب محمدأ وهو خير رسول ونبي ! فنادت فاطمة من بطنها: يا أماه لا تحزني ولا ترهبي ؛ فإن الله مع أبي، فلما تم أمد حملها وانقضى وضعت فاطم؛ فأشرق بنور وجهها الفضاء. (يراجع کتاب: فاطمة بهجة قلب المصطفى ص 129) .
2- في هذا البيت إشارة إلى ما ورد عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم من أن الزهراء عليها السلام ستلد أئمة هداة مهديين . ففي كتاب (إحقاق الحق للتستري ج 10 ص 12) قال : ذكر الشيخ عز الدين عبدالسلام الشافعي في رسالته «مدح الخلفاء الراشدين» أنه لما حملت خديجة بفاطمة كانت تكلمها في بطنها، وكانت تكتمها عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم ، فدخل عليها يوما ووجدها تتكلم وليس معها غيرها. فسألها عمن كانت تخاطبه، فقالت: مع ما في بطني ، فإنه يتكلم معي، فقال النبي صلي الله عليه و اله و سلم: أبشري يا خديجة ، هذه بنت جعلها الله أم أحد عشر من خلفائي يخرجون بعدي وبعد أبيهم.
3- لعل هذا من أوجه التوجيهات في معاني گنيتها الشريفة (أم أبيها)، فضلاَ عن كناها المقدسة الأخرى : أمّ الأئمة، وأمّ المؤمنين، وأمّ الأخبار، وأمّ الأزهار، وأمّ الخيرة . ( مناقب آل أبي طالب 3: 357، کشف الغمة 1: 462، اللمعة البيضاء 50) .
4- تزجي: تسوق، أي تُرسل وتُقدم .
5- أمّ المسيح: مريم عليها السلام. وسارة : زوجة إبراهيم عليه السلام ، والتي كفرت إلهة زوجها: آسية بنت مزاحم.

كَانَتْ قَوَابِلُها نَظَائِرَ مَجْدِها*** وَيدُ السَّما أقوئ مُعِينٍ لِلْيَدِ(1)

وُلِدَتْ فَعَمَّ الكَوْنَ بَهْجَةً فَرْحَةٍ ***وَجِلالُ اُبَّهَهٍ وَرَوعَهُ مَشْهَدِ(2)

فَكَانَ فَاتِحَةَ الكِتابِ تَنَزَّلَت*** عَن عَرْشِ قُدسٍ فَوقَ قَلبِ مُحَمَّدِ

وَإِذا الوُجودُ وَدُورُ مَكَّةَ كُلُّهَا*** نُورٌ يُسَبِّحُ لِلقَديرِ الأَوحَدِ

وَمَشَت علی الْمَلَكوتِ أَقْدَسُ سُبْحَةٍ ***مِنْ نُورِهَا كُلُّ اَلْكَوَاكِبِ تَجْتَدِي

أوَما هِيَ المِصباحُ تَكْذِب إِنْ تَقُل:*** مِنْ دَوْحَةِ زَيْتُونَةٍ لَمْ يُوقَدِ(3)

ص: 226


1- في الأبيات الأربعة أعلاه إشارة إلى أن حواء وآسية بنت مزاحم، وسارة - أو كلثم أخت موسی ۔ و مریم بنت عمران ك قابلات لخديجة يوم ولدت فاطمة عليها السلام . (انظر ذخائر العقبی : 44 - 45، وأمالي الصدوق: 691/ ح 947).
2- الأيهة: العظمة. وفي البيت إشارة إلى البهجة التي عمت الكوئ بولادة الزهراء عليها السلام . ففي (مشارق الأنوار في أسرار فاطمة الزهراء ص 85): أن خديجة لما حضرتها الولادة، بعث الله عز وجل إليها عشرين من الحور العين بطشوت وأباريق وماء من حوض الكوثر، وجاءتها: مریم بنت عمران، وسارة، وآسية بنت مزاحم، وبعثه الله يُعينَّها على أمرها، فلما وضعتها أشرقت الدنيا وامتلأت منها الأقطار بالطيب والأنوار، وفاح عطر العظمة، وامتلأت بيوتات مكة بالنور، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق نورة، وظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا. وقالت النسوة: ځذيها یا خدیجه طاهره معصومه بنت نبي زوجة وصي، نور وضي، عنصر زكي، أم أبرار، حبيبة جبار، صفوة أطهار، مباركة بورك فيها وفي ولدها، ولما تناولتها خديجة قالت (أي فاطمة عليها السلام أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن أبي سيد الأنبياء، وأن بغلی سید الأوصياء، وأن ولدي سادة الأسباط ، ثم سلمت على النسوة وسمت كل واحدة باسمها، وبشر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة الزهراء، وكانت تحدث خدیجة في الأحشاء، وتؤنسها بالتسبيح والتقديس، وكان نوژها وخلقها وخلالها وجمالها لا يعدو رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم.
3- روى أبوبكر الحضرمي في كتابه: «رشفة الصادي ص 28» بسنده عن أبي الحسن قال : كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ اَلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَة ؟ قال: المشکاة فاطمة، والمصباح الحسن والحسين، : و«الزُجَاجَةٍ كأنها كوكبُ دُري» قال : كانت فاطمة كوكباً دُريّا بين نساء العالمين، (وَيُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) إبراهيم لا ، (ولا شرقية ولا غربية ) لا يهودية ولا نصرانية، (يكاد زيها بضيء) قال : كاد العلم ينطق منها، (ولو لم تمسسه نار نور على نور) قال : من ذُريتها إمام بعد إمام، (يهدي الله ينوره من يشاءه) يعني يَهدي الله لولايتنا من يشاء. ويراجع : کتاب فاطمة الزهراء في القرآن للسيد صادق الشيرازي ص 168) .

وَنَمَت بَشائِرُ فِي السَّماواتِ العُلي *** كَالرِّيحِ تَمُت عَنْ شَذَي الْوَرْدِ النَّدِي(1)

وهُنالِكُمْ هَبَطَت علی سِتِّ النِّسا *** عَشْرٌ مِنَ الحُورِ الحِسانِ الخُردِ(2)

وغَسَلْنَ فَاطِمَةَ النَّقِيَّةَ حِسبَةً *** بِالْكَوْثَرِ العَذْبِ الهَنِيءِ المُؤرِدِ(3)

وَكَسَونَهَا حُلَلَ الجِنانِ بِدَايَةً *** وَكَذا بِيَوْمِ الحَشْرِ فيها تَرْتَدي

وإِذَا تَضْؤّعَ فِي الوُجُودِ أريجُها *** فَبعَرْفِ طِيبِ الخُلدِ لَم تَتَرَيَّدْ(4)

واسْتُنطِقَتْ بِنْتُ النَّبِئَّ فَلِّم تَكُن *** إِلاَّ بِتَوْحِيدِ الْمُهَيْمِنِ تَبْتَدي

وشَهِدتُ أنَّ رَسُولَهُ الْهادِي ابی *** وخَطِيبَهُ بِالْحَمْدِ يَؤمَ المَؤْعِدِ

وشَهِدْتُ أنَّ وَصِيَّهُ بِعَلِی وأَو *** لادي عَلى رَغْمِ الحَسُودِ المُلحِدِ

أَنَا أُم سِبْطَيْهِ وَكُوثَرُ نَسْلِهِ *** مِنْ خَيْرِ نَاصِرٍ دِينه والمُتاَئِدِ

فَتَضاحَكَتْ حُورُ الجِنانِ بِوَجْهِها *** عَنْ دُرِّ ثَغْرٍ كالأَقاحِ مُنَضَّدِ(5)

يَا مَنْ يُجَادِلُ أَنَّ فاطِمَ قد سَمَتْ *** قَدراً عَلى أُمِّ المَسيحِ اَلسَّيِّد

ص: 227


1- نما الحديثُ : انتشر وشاع و عُزي إلى صاحبه . ثم الشيء : سطعت رائحته. ونمَّ عن الشيء: أخبر وأفصح عنه.
2- الخُرَّد: الأبكار اللاتي لم يُمسسن.
3- حسّبة: أجراً وثواباً . أي أنها طاهرة مطهرة لكنّهم غلوها بماء الكوثر لإجراء الستة وتحصيل الأجر والثواب.
4- تضع أريجُها: فاحت وانتشرت رائحتها الزكية . والعَرف: الرائحة الطيّبة .
5- الأُقاحي : جمع أقحوان، نباتٌ زهرته مفلّجة صغيرة، يشبهون بها الأسنان. مُضَّد:متراصف.

عِمْرانُ بَضعَتَهُ وإِنْ جَلَّتْ عُلاً *** أتى تُساوِي بَضْعَةً مِنْ أَحْمَدِ

فَضَلَتْ نِساءَ العالَمِينَ جَميعَهُم *** فَضْلاً مِنَ الرَّحْمانِ غَيْرَ مُحَدَّدٍ

وَلِمَريَم فَضلٌ عَلى نِسْوَانِ عا *** لَمِها وَ حَسْبُكَ بِالحَدِيثِ المُسْنَدِ(1)

وَلَقَد أَتَتْ بِنتُ الرَّسُولِ بمَؤحَدٍ *** كُلٌ يُسامِي فَضْلَ عِيسَى المُفْرَدِ

واللَّهُ يُؤذِيه أَذِيَّهُ فَاطِمٍ *** هذا حَدِيثُ نَصِّهُ لَم يُجْحَدِ(2)

وإِذَا مَلائِكَةُ السَّما بِهِما دَعَتْ *** فَالْفَرْقُ بادٍ لِلْبَصِيرِ النَّيقَدِ(3)

هَاتِيكَ نادَؤها أمَريَمُ فَارْكَعِي *** لِلَّهِ رَبِّكِ واقنُتی ثُمَّ اسجُدِي(4)

ص: 228


1- يشير الشاعر في هذه الأبيات الثلاثة إلى أن الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين : ففي كتاب (ذخائر العقبی لمحبّ الدين الطبري ص 44) قال: «عن ابن عباس ، عن النبي صلی الله عليه و اله و سلم قال : أربعُ نسوة سیداتُ سادات عالمه : مریمُ بنت عمران، و آسية بنت مُزاحم، وخديجة بنت خُويلد، وفاطمة بنت محمد، وأفضلهنّ عالماً فاطمة».. وفي كتاب (أُسد الغابة لابن الأثير ج 5 ص 522) قال: «عن مسروق، عن عائشة قالت: أقبَلَت فاطمهُ تمشي كأنّ مشيتَها مشيه رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم فقال : مرحباَ بابنتي ، ثمّ أجلها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثا فبكت، ثم أسر إليها حديثا فضحكت ، فقلت : ما رأيتُ كاليوم فرحة أقرب من حزن ! فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سرَّ رسول الله صلی الله عليه و اله و سلم . فلما قُبض سألتها فأخبرتني أنه أشر إلىَّ فقال : إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كلَّ سنة مرة، وأنه عارضني العام مرتين، وما أراه إلا وقد حضر أجلي، وأنك أولُ أهلي لحوقاً بي ، ونعم السَّلفُ أنا لك . فبكيتُ، فقال : ألا ترضينَ أن تكوني سيّدة نساء العالمين!
2- وفي هذا البيت إشارة إلى الحديث الوارد عن النبي صلی الله عليه و اله و سلم: فاطمةُ بضعةُ منّي، من آذاها فقد آذاني . ففي كتاب ( مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 328): «إنما ابنتي بضعة مني، يُريبني ما أرابها ، ويُؤذيني ما آذاها». ورواه البخاري في صحيحه - في كتاب النکاح، في باب ذبّ الرجل عن ابنته)، وأبو نُيم في ( حلية الأولياء ج 2 ص 40).
3- النُقد: الذي ينظر إلى الأشياء ليعرف جيُدها من رديئها. والضمير في «بهما» یعود للشيخين .
4- إشارة إلى قوله تعالى : «يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ» (سورة آل عمران : (43 ).

أَمَّا اَلْبَتُولُ فَنُودِيَت فِي مُصْحَفٍ *** لا شَيْءَ فيه حُكْمُهُ لَمْ يُوجَدِ(1)

وأَتَتْ إلَيْها بالجِفانِ دُخانُها*** يَعْلُو الثَّريدَ ومسُّه لَم يَبرُد(2)

هَزَّت لَها مَهْدَ الحُسَينِ وَسَبَّحَت*** عَنها بِكَفِّ مُسَبَّحٍ وَمُمَجِّدٍ(3)

وتَلَقَّتِ الْوَحْيَ المُبِينَ دُروسَهُ*** في خَيْرِ مُدْرسَةٍ وأكْرَمِ مَعْهَدِ(4)

ص: 229


1- إشارة إلى مصحف فاطمة عليها السلام ، الذي قال فيه الإمام الصادق عليه السلام: فيه علم ما يكون. (بصائر الدرجات: 177/ ح8).
2- الجفان : مفردة الجفنة، وهي القصعة الكبيرة. وفي هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى ما رُوي أن عليّاً عليه السلام أصبح يوماً فقال لفاطمة: عند شيء تُغذينيه؟ قالت: لا. فخرج واستقرض دیناراً ليبتاع ما يُصلحهم، فإذا المقداد في جهد وعياله جياع ! فأعطاه الدينار، ودخل المسجد وصلی الظهر والعصر مع رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، ثمّ أخذ النبيُ بيد علئ وانطلقا إلى فاطمة وهي في مصلاها، وخلقها جفنة تفور. فلما سمعت كلام رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم خرجت فسلمت عليه، وكانت أعز الناس عليه، فرد السلام ومسح بيده على رأسها، ثم قال : عشينا غفر الله لك وقد فعل. فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال : ياف اطمه أنّى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه قط، ولم أشمُّ مثل رائحته قط، ولم آكل أطيب منه! ووضع كفُه بين كتفي وقال : هذا بدل عن دینارك، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب . (بحار الأنوار ج 43 ص 29/ ح 35) ورواه محبّ الدين الطبري في كتاب (ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربی) بصورة أوسع مما في البحار وأطول ص 45 - 47.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ژوي من أن الملائكة كانت تهز مهد الحسين عليه السلام . ففي كتاب بحار الأنوار ج 43 ص 45/ ضمن ح 44 عن: مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب) قال : رُوي أنها عليها السلام (يعني فاطمة ] ربّما اشتغلت بصلاتها وعبادتها، فربما بکی ولدها في المهد يتحرك، وكان ملك يُحكه.
4- في هذا البيت إشارة إلى ما ورد من أن الملائكة كانت تنزل على فاطمة عليها السلام . قال سليمان: قال محمد بن أبي بكر: لما قرأ: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيّ (سورة الحج: الآية 52) ولا محدث، قلت: وهل يحدث الملائكة إلا الأنبياء ؟ قال : إن مريم لم تكن نبية وكانت محدثة، : وأمّ موسی بن عمران كانت محدثة ولم تكن نبية، وسارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق ويعقوب ولم تكن نبية، وفاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم كانت محدَّثة ولم تكن نبية. (يراجع: بحار الأنوار ج 43، ص 79/ ح66 - عن : علل الشرائع) .

وَنَمتَ كَما يَنمُو بِشَهرٍ غَيرُها*** فِي جُمعَةٍ و خُذِ القِيَاسَ عَلَى الغَدِ(1)

فَتَنَاوَبَ الأَصحابُ خِطْبَتَها فَلَمْ ***يَكُ حَظُّهُمْ فِي نَيلِها بالمُسعَدِ

غَضِبَ اَلنَّبِيُّ فَقامَ فِيهِم مُنْذِراً ***أعْظِم بهِ مِن مُنْذِرٍ ومُهَدَّدٍ(2)

فَهُنَاك خَفُّوا لِلْوَصِيِّ وأَيْقَظُوا ***عَزْماً لَهُ في نَفْسِهِ لَمْ يَرْقُدِ

رَامُوا بِهِ شَرّاً وَرامَ بِعَبْدِهِ*** خَيْراً إِلةٌ غَيْرُهُ لَم يُحمَدِ

وَاللَّهِ لِلأسبابِ خَيرُ مُسَبَّبٍ ***واللَّهُ للأحبابِ خَيرٌ مُسَدَّد

ص: 230


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد في كتاب ( دلائل الإمامة للطبري ص 11، وكتاب البحار ج 43 ص 10/ ح16) من أن فاطمة عليها السلام كانت تنمو في اليوم الجمعة، وفي الجمعة كالشهر، وفي الشهر السنة .
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كيفية زواج الزهراء عليها السلام ، ففي كتاب ( دلائل الإمامة للطبري ص 12) قال : في حديث طويل عن أنس بن مالك قال : ورد عبدالرحمان بن عوف الهري و عثمان بن عفان إلى النبي صلي الله عليه و اله و سلم ، فقال له عبدالرحمان : يا رسول الله ، تُزوجني فاطمة ابنتك ؟ وقد بذلت لها من الصداق مائة ناقة سوداء زرق الأعين محمولة كلّها قباطي مصر وعشرة آلاف دينار. ولم يكن من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أيسر من عبدالرحمان و عثمان، وقال عثمان : وأنا أبذل ذلك وأنا أقدم من عبدالرحمان إسلاماً . فغضب النبي صلي الله عليه و اله و سلم من مقالتهما، فتناول كلها من الحصى فحصب به عبدالرحمان وقال له: إنك تهول على بمالك!.. الخ». . وفي ( البحار ج 43 ص 92) قال : عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام ، قال : قال لي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : يا علي، لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة، وقالوا: خطبناها إليك فمنعتنا وزوجت عليا ! فقلت لهم: والله ما أنا منعتكم وزوجته، بل الله معكم وزوجه. فهبط على جبرئيل فقال : يا محمد، إن الله جل جلاله يقول: لو لم أخل عليا لما كان لفاطمة ابنك كُفو على وجه الأرض، آدم فَمَن دُونه. وذكر في كتاب (ذخائر العقبى ص 29) أيضاً.

وإِذا المُهَيمِنُ نَفسُه قَد زَوَّجَ الز *** زهْراً مِنَ اَلْكَرّارِ خَيرِ مُوَحَّدٍ

النُّورُ زَوَّجَهُ الإِلَهُ بِنُورِهِ *** وأَضافَ مَحْضَ نُضارِهِ لِلعَسجَدِ(1)

أَمّا اَلصَّداقُ فَإِنّه الْفَضْلُ الَّذي*** لا يَنْتَهِي مِن وَاسِعٍ مُتَفَرِّدٍ

مِن بَعضِهِ نَهرُ الفُراتِ وشِبْلُها *** يَقضِي بِضِفّتهِ عَلَى قَلْبٍ صَدِي

أمّا النِّثارُ فَكانَ خَيرَ هَدِيَّةٍ *** مِن كلِّ حَوراءٍ لِكُلِّ مُخَلَّدِ(2)

ص: 231


1- النَّضار: الجوهر الخالص من النَّبر. والعسجد: الذهب، والجوهر کالدُّرُ والياقوت. وفي البيتين إشارة إلى تزويج الزهراء لعلي من قبل الله تبارك وتعالى . (ينظر: بحار الأنوار ج 43، ص 92/ ح 3) وفي ( ملحقات إحقاق الحق ج18 ص 174) قال: في حديث طويل عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم : فوالذي بعثني بالكرامة، واستخصني بالرسالة، ما أنا زوجته ولكن الله تبارك وتعالى زوجه من فوق عرشه، وما رضي حتى رضي علئّ ، وما رضيتُ علئ حتى رضيتُ، وما رضيتِ حتى رضيت فاطمة، وما رضيت فاطمه حتى رضي الله ربُّ العالمين . (ويراجع: ذخائر العقبى ص 31 وص86، والهيثمي في مجمع الزوائد ج 9 ص 204) .
2- يشير الشاعر في هذين البيتين أيضا إلى أن مهر فاطمة عليها السلام هو نصف الدنيا، وأن نهر الفرات و بعضه .. ففي كتاب (دلائل الإمامة للطبري ص 18) عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: ضجّت الملائكة إلى الله فقالوا: إلهنا وسيدنا، أغلمنا مهر فاطمة، لنعلم ونتبين أنها أكرم الخلق عليك . فأوحى الله إليهم: يا ملائكتي وكان سماواتي : أشهدكم أن مهر فاطمة بنت محمد نصف الدنيا ! وفي حديث عن جابر الجعفي قال : قال سيّدي الباقرعليه السلام : وقد شكا المؤمنون إلى جَدي رسول الله فقالوا: يا رسول الله ، عرَّفنا من الأئمة بعدك ؟ فما مضى نبي إلا وله أوصياء وأئمةُ بعده، وقد علمنا أن علياً وصيُّك ، فمن الأئمةُ بعده فأوحى الله تعالى إليه: إني قد زوجتُ عليّا بفاطمة في سمائي وتحت ظل عرشي، وجعلت جبرئیل خطيبها و میکائیل وليها وإسرافيل القابل عن علي، وأمر شجرة طوبى فترت عليهم اللؤلؤ الرطب والدر والياقوت والزَّبرجد الأحمر والأخضر والأصفر، والمناشير المخطوطة بالنور، فيها أمان للملائكة مدخور إلى يوم القيامة، وجعلت نخلتها من على خُمس الدنيا ولي ثُلثی الجنة وأربعة أنهار في الأرض: الفرات، ودجلة، والنيل، ونهر بلخ، فزوَّجها يا محمد بخمسمائة درهم، تكون شنة لأُمتك.

دُرّاً ولكِنْ عادَ يَكْسو بَعْضَهُ *** ثَوْبَ الْعَقِيقِ دَمُ ابْنِها الْمُسْتَشْهَدِ(1)

سَبْعُونَ ألْفاً مِن مَلاَئِكَةِ السَّما *** لِزَفَافِها بِالرُّوح جاءَتْ تَقتَدِي(2)

ص: 232


1- حدّث الشيخ البهائي أن أباه الشيخ حسين بن عبدالصمد الحارثي دخل مسجد الكوفة فوجد تم عقيق مكتوب عليه: أنا دُرَّ من السماء نثرونی *** يوم تزويج والد السبطين كنت أصفى من اللجين بياضاً *** صبغتني دماء نحر الحسين! کشکول الشيخ يوسف البحراني ص 17 ۔ طبع الهند - عن : کشکول الشيخ البهائي)
2- يشير الشاعر في الأبيات الثلاثة إلى زفاف الزهراء عليه من قبل سبعين ألفا من الملائكة ونثرهم الله والياقوت والجوهر. ففي كتاب (ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي ، لمحب الدين الطبري ص 32) قال: عن ابن عباس قال : كانت الليلة التي تمت فيها فاطمة إلى عليّ عليه السلام ، كان النبي صلى الله عليه واله وسلم أمامها وجبريل عن يمينها وميكائيل عن يسارها، وسبعون ألف ملك من خلفها، يسبحون الله ويقدسونه حتى طلع الفجر. أخرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي. وفي كتاب ( دلائل الإمامة للطبري ص 20) قال : عن علي بن عبدالله عن أبي عبدالله جعفر بن محمد صلى الله عليه واله وسلم قال: «لمّا زُفت فاطمة إلى علي عليه السلام نزل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، ونزل معهم سبعون ألف ملك، قال : فقدمت بغل رسول الله دلول وعليها شملة، فأمسك جبرئيل باللجام، وأمسك إسرافيل بالركاب، وأمسك ميکائيل بالثغرة، ورسول الله يسوي عليها ثيابها، فكبر جبرئیل وكبر إسرافيل وكبر میکائیل وكبرت الملائكة، وجرت شنة التكبير في الزفاف. وفي (البحار ج 43 ص 104/ ح 15) قال: عن موسی بن جعفر عن أبيه عن جده عليهم السلام ، عن جابر ابن عبدالله قال: لما زُوج رسولُ الله صلى الله عليه واله وسلم و فاطمة من عليّ، أتاه أناس من قريش فقالوا: إنك زوجت عليّاً بمهر خسیس! فقال: ما أنا زوج عليّاً ولكن الله عز وجل زوجه ليلة أسري بي عند سدرة المنتهى، أوحى الله إلى الذرة أن انثري ما عليك ، فترت الدر والياقوت والجوهر والمرجان، فابتدر الحُورُ العين فالتقَطن فهن يَتهادينه ويتفاخرن ويقلن: هذا بين نثار فاطمة بنت محمد صلى الله عليه واله وسلم. وذكره الخطيب البغدادي في (تاریخ بغداد ج 5 ص 7)، كما ذكره ابن الأثير في کتاب ( أسد الغابة ج 2 ص 358) .

ويَقُودُ يَومَ الحَشرِ ناقَتَها وفي *** يَدِهِ الزِّمامُ مُرَصَّعاً بِزَبَرْجَدِ(1)

وهُناكَ تَشْفَعُ لِلْمُحِبِّ وتَنْتَقِي *** كَالطَّيرِ يَلْتَقِطُ النَّقِيُّ مِنَ الرَّدي(2)

أترِيدُ أَنْ تُحصِي فَضَائِلَ فَاطِمٍ؟ *** نَفِدَ الحِسابُ وفَضلُها لَمْ يَنْفَدِ(3)

بَعُدَت عَنِ اَلْمُخْتَارِ مُذْ زُفَّتْ علی أَلْ *** كَرّارِ لَكِنْ قَلبُها لَمْ يَبْعُدِ

فَالشّوقُ يَأْكُلُ قَلْبَ كُلٍ مِنْهُما*** مَا شَوْق وِردِالعَذبِ لِلظّامِي الصَّدِي

وَدنَتْ لِوالِدِها وأَصْبَحَ بَابُها *** مِن دُونِ صَحبِ المُصطَفى لَم يُسدَدِ(4)

يَرنُو مُحَيّاها فَيَذْهَبُ غَمُّهُ *** ولها بِنَفْسِ عُلاه دَوماً يَفْتَدِي(5)

وَغَدا يُقَبِّلُها وَيَلْثِمُ صَدرَها *** ما بَيْن لَبَّتها بِكُلِّ تَوَدُّدٍ(6)

ص: 233


1- مرصَّعا: ّمنظبماً والأبجد: حجر كريم يشبه الزْبَرْجَدٍ
2- في هذين اليبتين إشارة إلى مجيء فاطمة عليها السلام يوم القيامة على ناقتها، وشفاعتها لمُحبيهاوشيعتها، والتقاطهم كالتقاط الطير للحَب . (انظر بحار الأنوار 43: 219/ ح 1، ص 65/ ح 57).
3- نفد: فَيي وذهب وانتهى.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما فعله رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم من سدّ أبواب الصحابة إلا بابّ عليَّ وفاطمة عليها السلام . ( انظر مسند أحمد 1: 175 و 330، و تاریخ بغداد 7: 205).
5- يرنو مُحياها: يطيل النظر إلى وجهها وملامحها النورانية المباركة المشرقة بنور الله عزّوجلّ . في واقعة من الوقائع، أُعجب رسول الله صلى الله عليه واله و سلم بموقف ابنته الصدّيقة الزهراء سلام الله عليها، فقال : فَعَلت فداها أبوها - ثلاث مرات . (أمالي الصدوق: 305 ح 348).
6- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى شدة محبة رسول الله صلى الله عليه واله سلم لفاطمة عليها السلام ، ففي كتاب (أسد الغابة لابن الأثير ج 5 ص 522) روي عن ابن عباس أن النبي صلي الله عليه و اله و سلم ، كان إذا قدم من سفر قبل ابنته فاطمه عليها السلام. وفي كتاب (ذخائر العقبی ص 39) قال : عن عائشة أن النبي صلي الله عليه و اله و سلم قبل يوما نحر فاطمة عليها السلام ، قالت: فقلت له: يا رسول الله، فعلت شيئا لم تفعله ! فقال: يا عائشة ، إني إذا اشتقت إلى الجنة قبلت نحر فاطمة . ذكره الهيثمي أيضا في (مجمعه ج 8 ص 42).

وهُناكَ يَذْكُرُ ضَرْبَةَ المِسمارِ او *** أثَّرَ اَلسِّياطِ بِكَتفِها كَالمِعْضَدِ(1)

مِن ثَمَّ بَشَّرَها بِسُرْعَةِ مُؤْتِها *** فَالْفَرْعُ إِن يَفْقِدْ لأَصلٍ يُفْقَدِ(2)

عَاشَتْ خِلالَ اَلْأَرْبَعِينَ عَقِيبَهُ *** في حُزنِ ثاكِلَهٍ وَقَلبٍ مُكمَدِ(3)

مَظْلُومَةً مَهْضُومَةً مَكْسُورَةً *** أَضْلاعُها وَدُمُوعُها لَمْ تَجمُدِ(4)

تَدْعُو بِوَالِدِها اَلرَّؤُوفِ بِزَفْرةٍ *** مِن حَرِّها قَدْ ذابَ قَلبُ الجَلمَدِ(5)

إِنِّي وَدِيعَتُكَ اَلَّتِي خَلَّفْتَنِي*** فِي أُمَّةِ مالی بها مِنْ مُنجِدِ

كَمْ قَدْ خَطَبْتُهُمُ مُذَكَّرَةٌ لَهُم *** ووَعَظتُهُم فِي مَحْشَدٍ عَن مَحشَدِ(6)

إنِّي أمانَهُ رَبُّكُمْ لَكِنَّكُمْ *** خُتتُم أمانَةَ رَبِّكُمْ بِتَعَمُّدِ(7)

ص: 234


1- في هذا البيت إشارة إلى ما كان من دخول المسمار في صدرها، وضربها بالسياط . (يراجع: مؤتمر علماء بغداد ص135، وكتاب الاحتجاج ج 1 ص 109).
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى قول الرسول صلي الله عليه و اله و سلم لفاطمة عليها السلام أنها أول أهله لحوقا به.
3- وفي هذا البيت إشارة إلى مقدار مكوث الزهراء عليها السلام بعد أبيها، وحزنها على فراقه، ففي (البحار ج43 ص 180/ ضمن ح16) قال: قبض النبي صلي الله عليه و اله و سلم ، ولها يومئذ ثماني عشرة سنة وسبعة أشهر، وعاشت بعده اثنين وسبعين يوما، ويقال : خمسة وسبعون يوما، وقيل: أربعة أشهر. وقال القرباني : قد قيل: أربعون يوما، وهو أصح، وتوقيت عليها السلام ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة من الهجرة ومشهدها بالبقيع، وقالوا: إنها دفنت في بيتها. وقالوا : قبرها بين قبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و منبره.
4- جمد الدَّمعُ : انقطع .
5- الجَلمد: الصخر.
6- «عن» هنا بمعنی «بَعدَ»، أي محشد بعد محشر ، كقوله تعالى :( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ )، أي طبقاً بعد طبق.
7- في هذه الأبيات الأربعة إشارة إلى ما لحق بالزهراء عليها السلام من آلامِ وأشجان .

وَصَلاَتُهُ الوُسْطى علَئَ فَحافِظوا *** يَا تَیمُ غُضِّي مِنْ ضَلالِكِ يَا عَدِي(1)

يا وَالِدِي ضاقَ الفَسِيحُ وِعَادَ فِي *** عَيني نَهارِي جُنْحَ لَيْلٍ أسْوَدِ

يَا وَالِدِي قَد أَحْرَقُوا داري فَذِي *** فِي القَلْبِ جَذْوَةُ نَارِهِمْ لَمْ تُخْمُدِ

يَا وَالِدِي هذا وَصِيُّكَ أخْرَجُوا *** مُذْ لَبَبُوهُ فِي نِجادِ مُهَنَّدِ(2)

يَا وَالِدِي هذا الحُسَيْنُ وَصِنوُهُ *** باتا بِلَيلٍ في الهُمُومِ مُسَهَّدِ(3)

وقَضَتْ ولَم يَبْرَحْ مُصابُ المُصطَفَى *** غَضّاً فَلَم يَبرَح وَلَم يَتَجَدَّدِ(4)

لَكِن تَأَكَّدَ فالسَّلامُ عَلَيهِمُ *** مَهما تَأَكَّدَ رُزؤُهُم يَتَأَكَّدِ

ص: 235


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كون الزهراء وعلي والحسن والحسين وجدهما هم الصلاة الوسطى سلام الله عليهم . (انظر تفسير العياشي 1: 128).
2- لببوه: جزوه . نجاد المهنّد: حمائل السيف. ومفعول «أخرجوا» محذوف ، أي : أخرجوه.
3- مسهَّد: سَهدَ أي أرق وقل نومه. والعرب هنا تنسب السهاد إلى الليل مبالغة، وهو من مجازاتهم، يقولون : ليلٌ ساهر، وليل نائم، أي ذو سهر وذو نوم.
4- لم يبرح: لم يزل ، وهي تفيد الدوام والاستمرار. والثانية بمعنى أنه لم يفارقنا. ولم يتجدَّد : أي لم يتجدّد ويتكرر مثله في الدهر.

(7)النور المُشعّ

(بحر الوافر) الأُستاذ عليّ نوح المُهنّا(1)

أَتُوقُ إِلَى لِقائِكَ يَا جُمَادَى *** إِذَا مَا عُدْتَ هَذا الشَّوْقُ عَادا(2)

أُسِيلُ لَكَ الْمَشاعِرَ فَيْضَ دَمَّ *** وانْحَرُ في مَحَبَّتِكَ الفُؤادا(3)

وَنَارُ الحُبِّ أشعِلُها بِصَدْرِي *** وأُذْرِي كُلَّ ماضِيهِ رَمادا

وَأَطوي ثَؤبَ آلامي وَحُزني *** وَأنثُرُ رُؤضَ أحشائي وِدادا

ص: 236


1- هو الأستاذ علي بن نوح بن علي المُهنّا الكويتي وُلد في الكويت سنة ( 1382 ه/ 1962 م)، درس في مدارسها في جميع مراحلها الدراسية، وكان المترجم شغوفة بالشعر والنظم الديني، وذلك من خلال تراث أهل البيت عليهم السلام الزاخر بالبلاغة والروعة الأدبية، فضلا عن سمو المعنى وعمق المضمون. والاحتفالات الدينية التي تُقام في الحسينيّات العامرة في الكويت، من مواليد ووفيات تخص أهل البيت الأطهار عليهم السلام ، لها ذلك الأثر الكبير في تحريك المشاعر المفعمة بالولاء والمحبة. وكانت أول قصيدة نظمها بمناسبة عيد الغدير الأغر، ألقاها في الاحتفال الذي أقيم بتلك المناسبة الزاهرة في حسينية آل بوحمد سنة 1409 ه في الكويت، وهذه البداية تنم عن بداية خير، حيث إن القصائد في أغلب المناسبات كان ينظمها بكل شوق ولهفة.
2- أتوق : أشتاق. وجُمادی: بريد به الثانية، ففي العشرين من هذا الشهر ذكرى مولد الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء. وجمادی مؤنثة، وإنما ذَکَر باعتبار الشَّهر.
3- تشديد الميم من «دمّ» ضرورة شعرية .

فَلاَ سَكَنَت بِرُوحِي مِنْكَ إِلاَّ *** نَوازعُ مَنْ هَوَى قَضَّ الرُّقَادا(1)

لِذِكْرِى قَد حَمَلتَ وأيَّ ذِكْرى *** بَلَغْتَ بِشأْنِها السَّبْعَ الشِّدادا(2)

فَلَا يَؤمُّ كَيْؤيكَ حِينَ أَضْحَتْ *** بِهِ الْأَمْلاكُ تَحْتَضِنُ اَلْمِهادا(3)

أَيَا مَهداً بِهِ الأَسرَارُ ضُمَّت ***حَمَلتَ مَكارِماً جُمِعَتْ فُرادي

لِمَنْ جَلَّت فَكَانَت حَيْثُ كانَتْ*** أرادَ لَها المُهَيْمِنُ مَا أرادا

أَرادَ ليُذْهِبَ الأرْجاسَ عنها ***ويُلْبِسَها الطَّهارَةَ والرَّشادا(4)

هِيَ النُّورُ المُشِعُّ علَى البَرايا *** فَإِنْ يَخْبُو بطَلْعَتها اسْتَزادا(5)

هِيَ الزَّهْرَاءُ رَبُّ اَلْكَوْنِ أَضْفَى *** عَلَيْها مِن جَلالَتِهِ وَزادا(6)

أَبُوها سَيِّدُ الأكوانِ طه *** ذُري العَلياءِ أسْرَجَهُ جَوادا

وأوْرَثَها الْمَنَاقِبَ والسَّجايا *** وأَكْرَمَها الفَضَائِلَ حيثُ جادا

وتَمَّ بِها الكَمالُ بِكُلِّ فِعلٍ*** وَيَمَلاُّ قَولُها الدُّنيا سَدادا

ص: 237


1- النوازع: الأشواق . قض: هدّ وأسقط . الرُّقاد: النوم. وكان المفروض أن يقول: «مَنَعَ الرُّقادا».
2- السَّبّع الشّداد : السماوات السَّبع .
3- المهاد: الفراش، والأرض المنخفضة. والظاهر أنه أراد جمع المهد، لكن لم يرد هذا الجمع في اللغة.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى نزول قوله تعالى : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا »سورة الأحزاب : الآية 33) في الخمسة أصحاب الكساء.
5- يخبو : يخمد، يسكن، ينطفئ. وعدم الجزم با «إن»، وإجراء المعتل المجزوم مجرى الصحيح، كلاهما ضرورة.
6- يشير الشاعر في هذين اليتين إلى ما مر من أن الزهراء عليه السلام تزهو ويشعَ نورها أثناء صلاتها، فتم المدينةَ بذلك النور. جاء ذلك في كتاب البحار ج 43، ص16/ ح 14 - عن مناقب آل أبي طالب.

واُمُّ الفَضل رَبُّ العَرشِ أهدي *** لَها بالخُلدِ قَصراً إذ أشادا(1)

وحيدرُ مُردِيُ الأبطالِ بَعلٌ*** فَتَى الإسلام أولُهُم جِهادا(2)

فَقُل مَن ذا يُجارِيها انتِساباً *** وقُل مَن ذا يُضاهيهَا اعتِدادا ؟!

ص: 238


1- وصف الزهراء عليها السلام ب «أم الفضل» لأنها مجمع الفضائل. وأشاد بذكره: رفعه بالثناء عليه. ويشير الشاعر في هذا البيت إلى أن الله تعالی بنى لفاطمة عليها السلام قصراً في الجنة. عن عبدالله بن سليمان قال: قرأت في الإنجيل في وصف النبي صلي الله عليه و اله و سلم: نكاح النساء ذو النسل القليل، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة ، لا صخب فيه ولا نصب ، يكفلها في آخر الزمان كما كفل زکریا أمُّك، لها فرخان مُستشهدان . (بحار الأنوار ج 43 ص 22/ ح 14 - عن: أمالي الصدوق). وعن عبدالله بن مسعود قال : إني سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يقول في تبوك ونحن نسير معه: إن الله عز وجل أمرني أن أزوج فاطمة من علي ، ففعلت. وقال لي جبرئيل : إن الله عز وجل قد بني جنة من قصب اللؤلؤ ، بين كل قصبة إلى الأخرى لؤلؤة من ياقوتة مشدودة بالذهب، وجعل سقوفها بجدة أخضر، فيها طاقات من لؤلؤ، مكللة بالياقوت، وجعل عليها غرفة لبنة من ذهب ولبنة مین فضة ، ولينة من دولة من ياقوت ولينه من زبرجد، وقباب من ر، وقد شيعت بسلاسل من ذهب، وفت بأنواع التحف، وبنى في كل قصر قبة، وجعل في كل قير أريكة من درة بيضاء فرشها السندس والإستبرق و فرش أرضها بالزعفران والمسك والعنبر، والقبة لها مائة باب ، في كل باب جاريتاني وشجرتان، وفي كل قبة فرش وكتاب، مکتوب حول القباب آية الكرسي ، فقلت: يا جبرئیل ، لمن هذه الجنة؟ فقال : بناها لعلي بن أبي طالب وفاطمة ابنتك ؛ تحفة لهما منه أتحقهما، وأقر بها عينك يا محمد. من كتاب ( دلائل الإمامة للطبري ص 50). وفي (البحار ج 43، ص16/ ح 14) الحسن بن زيد قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : لم سُميت فاطمة الزهراء» ؟ قال : لأن لها في الجنة قبة من ياقوت حمراء، ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة، مُعلقة بقُدرة الجبار، لا علاقة لها من فوقها فتمسكها، ولا دعامة لها من تحتها فتلزمها، لها مائة ألفي باب ، على كل باب ألف من الملائكة، يراها أهل الجنة كما يرى أحدكم الكوكب الدري الزاهرا عليها السلام .في أفق السماء ، فيقولون: هذه الزهراء، لفاطمة عليها السلام.
2- في البيت، ضرورتان، أولاهما: منع صرف حيدر وهو مصروف. وثانيتهما: إظهار الضمة على ياء الاسم المنقوص، على حدّ قول الشاعر: قسما كاد يذهب بالدُّنيا ولذتها *** مواليُ كکباش العُوس سُحّاح

سَمَاءً لَيْسَ تَبْلُغُهَا اعْتِلاءُ *** وقَدْرٌ لَيْسَ نُذْرِكُهُ اجْتِهادا(1)

***

وَلا زالتْ لِدِينِ اللَّهِ رُكْناً ***كَما كانَت لِأَسقُفِهِ عِمادا

لَهَا اَلْقُرْآنُ يَشْهَدُ فِي مَقامٍ*** بِآياتٍ مُقَدَّسَةٍ أشادا

وتُوفِيَ نَذرَها لِلَّهِ صَوْماً*** وطَارِقُ بابِها يَلْقَى المُرادا

فَمَا مَنَعَتْ يَتِيماً أو أَسِيراً ***ولَمْ تَحْجُبْ عَنِ الْمِسْكِينِ زادا(2)

وطَهَّرَها الإلهُ عَنِ الخَطايا*** وَ كُلِّ الرِّجْسِ عِصمَتَها تَفادي(3)

مُجَلَّلَةٍ مُقَدَّسة طَهُورٌ*** عَلَتْ فِي شَأْنِهَا الرُّتَبَ البِعادا

مُعَلَّمةٌ مُحْدَثةٌ مَلاكَ *** وَكُم بِمَقامِها جِبْريلُ نادِئ

مُشَفَّعةٌ وشَافِعَةٌ وَدُرِّ *** بِهَا الْجَنّاتِ قَدْ لَبِسَتْ قِلادا(4)

رِضاها مِنْ رِضَى المَعْبُودِ أَضْحَى *** فَإِنْ سَخِطَت فَمَنْ يُنْجِي العِبادا؟!(5)

ص: 239


1- قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : إنما سُمَّيت «فاطمة» ؛ لأن الخلق طموا عن معرفتها. (تفسير فرات الكوفي 581/ ح 747 - في ظل سورة القدر -، عنه بحار الأنوار 43: 65/ ح 58) .
2- في هذه الأبيات الثلاثة أشار الشاعر إلى ما ورد من أن نزول سورة «هل أتی» بحقّها وحقّ علي والحسن والحسين صلوات الله عليهم. وفيها قوله تعالى : (ويُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وأَسِيراً إِنَّمَا نُطْمِعُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزاءً ولا شُكُوراً).
3- تفادى الشيء: تحاشاه وانزوى عنه. أي أن كل أنواع الرجس انزوت عن عصمتها. ويشير الشاعر في هذا البيت إلى نزول آية التطهير من (سورة الأحزاب : 33) في فاطمة وأهل بيتها عليهم السلام .
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كونها عليه السلام شافع مُشفَّعة، وإلى كونها زاهرةَ كالدُر، كما ورد في الأحاديث.
5- في هذا البيت إشارة إلى ما ورد عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم من أن الله تعالى يغضب لغضبها ويرضى الرضاها سلام الله عليها.

لَنَا فِي مَولِدِ الزَّهْرَاءِ عِيدٌ *** صَفا كالنُّورِ وانْتَزِعَ السَّوادا

وَأَشْرَقَتِ السَّماءُ لَها بُدُوراً *** وقَدْ سُدَّتْ مَغارِبُها انسِدادا

وَسُرِّتْ كُلُّ نَفْسٍ حَيْثُ طَابَتْ *** عَقَايِدُها وَما زَلت عِنادا

فَاثارَ التُّقى والزُّهْدِ رَسمٌ *** بِسِيرَةٍ مَجْدِها أَضْحَتْ عِدادا

تُحَيِّي رَؤْعَةَ الإِجْلالِ مِنْها *** ونَفْحاً مِن مَرابِعِها تَهادَي(1)

وبَحْرٌ يَغمُرُ الدُّنيا فَخاراً *** وَلِلأجيالِ قَد أضحى مِدادا

تُشَدُّ لَها الرِّحالُ بِكُلِّ عَصْرٍ *** وتَقَصِدُها ذَهاباً وارْتِیادا

اَبِنتَ المُصْطَفى هذا وَلائِي *** أُوَفِّيهِ التِزاماً واعتِقادا

ولا شَكَّ يُساوِرُنِي وحَبْلِي *** بِعِتْرَةِ أحمَدٍ عُقِدَ انْعِقادا

ومَن يُمْسِكْ بِحَبْلِ اللَّهِ يَحْظى *** بِكُلِّ الأجرِ يَجنِيهِ حَصادا(2)

وحُسنُ خِتامِها ذِكرٌ لِطه *** بِحَفْلٍ ضَمَّ فَرَّحَتَهُ جُمادئ

ص: 240


1- تهادى في مشيه. تمايل . والمراد هنا انتشار التقح .
2- عدم جزم توانب مَن ضرورة شعريّة .

(8)الموسمُ عيد

(بحر الزمل) السيّد محمّد جمال الهاشميّ(1)

مَوْلِدُ اَلزَّهْرَاءِ لِلْإِيمانِ عِيدُ *** كُلِّ شِيعِيٍ بِذِكْراهُ سَعِيدُ

ذِكرَياتُ اَلْفَجْرِ فِي مَطْلَعِهِ*** تَتَجَلَّى ولنا فِيهِ عُهُودُ

ص: 241


1- هو السيّد محمد ابن السيد جمال ابن السيد حسن الموسوي الگلبايگاني، الشهير بالهاشمي . ولد في النجف الأشرف ليلة العشرين من المحرم سنة 1332 ه، ونشأ نشأة دينية في كنف والده المرجع الديني السيد جمال الگلبايگاني. ومنذ صغره كان متعشقا للعلم والأدب، فاعتني به والده ووجهه، وأدخله المدرسة العلوية، وحضر في المسجد الهندي وعمره اثنتا عشرة سنة، فدرس علوم اللغة العربية والفقه والأصول، وأنهى جميع مراحل السطوح على أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف، حتى تأهل إلى دروس البحث الخارج، فحضر درس الأستاذ الشيخ ضياء الدين العراقي ، والسيد أبو الحسن الأصفهاني، وقد حصل منهما على إجازة الاجتهاد كان السيد محمد جمال الهاشمي يقيم صلاة الجماعة في الحرم العلوي الشريف خلفا لأبيه بعد مرضه الذي لازمه حتى أقعده، وتولى حل المسائل والشؤون الشرعية التي كانت ترد على والده من مقلديه، فقام بأدائها خير قيام. وللمترجم مؤلفات كثيرة، منها: 1۔ کتاب الزهراء عليها السلام. 2- تاريخ الأدب العربي . 3 - الأدب الجديد. 4 - الأدب القديم - فيه تراجم لسبعمائة شاعر. 5 - ديوان الهاشمي - جزءان . 6. الأوتار. 7 - الأنغام. 8 - الأراجيز. 9 - ملحمة الجيل - قصيدة من 700 بيت. 10 - الهاشميات - في رثاء أهل البيت عليهم السلام. والثناء عليهم، طبع فيما بعد بعنوان ( مع النبي وآله). 11 - هكذا عرفت نفسي. 12 - الأخلاق في ضوء القرآن .. وغيرها من الكتب العلمية والأدبية، وأكثرها لم يُطبع بعد. وافته المنية سنة 1397، فدفن في مدينة النجف الأشرف، صلوات الله على مُشرَّفها .

يَوْمَ كانَ الدِّينُ فِي مِنْهَاجِهِ *** نَغْمَةُ كُلِّ مَعانِيها جَدِيدُ

يَتَوَخَّى السَّيْرَ بِالتَّارِيخِ فِي *** أبحُرٍ مَرفَاها الأَدْنَى بَعِيدُ

وَالفَضَا مُعْصَوصِبٌ والأَرْضُ قد *** زَلْزَلَتها عاصِفاتٌ ورُعُودُ(1)

التَّقَالِيدُ وما أفْتَكَها *** وَقَفَت مِن دُونِهِ فَهيَ سُدُودُ!

والْمَرَامِي وهِيَ فِي أطْمَاعِها *** كالْعَفّارِيتِ تَرَامَت وَهي سُودُ(2)

ورَسُولُ اللَّهِ فِي دَعْوَتِهِ *** يُفْزِعُ الأَحْلامَ والنّاسُ هُجُودُ

يَقظَةُ اَلْفِطْرَةِ وَحْيٌ رَائِعٌ *** صاغَهُ اَللَّهُ لَنا فَهوَ نَشِيدُ

***

مَوْلِدُ الزَّهراءِ فِي مَوْكِبِهِ *** يَتَهادى وَبِهِ الْماضِي يَعُودُ(3)

يَهْزِمُ الْأَوْهَامَ فِي أَلْطَافِهِ *** فَالْفَيافِي مِن مَعانِيهِ وُرُودُ(4)

وَرِمالُ الْبِيدِ سالَتْ عَسْجَداً *** والْحَصى فِيهِ لّالٍ وعُقُودُ(5)

واسْتَطَالَتْ قِمَمُ الْمَجْدِ بِها *** فَهيَ فِي الشّرْقِ رَوابٍ ونُجُودُ(6)

وُلِدَ الإِنسانُ فِي أَكْنافِها *** فَهيَ أُمِّ لِلْكَراماتِ وَلُودُ(7)

لَمْ يَكُن مِن قَبلِها في ظِلِّها *** لِلهُدى عَينٌ وَلِلحَقِّ وُجُودُ

ص: 242


1- مُغصوب: مشتد.
2- العِفريت : الخبيث المنكر، والنافد في الأمر بدهاء.
3- يتهادئ : يتمايل ، وهو كناية عن تنقله عبر الزمن من جيل إلى جيل. وربما المعنى يتهاداه الناس : بمعنى أن يهديه بعضهم إلى بعض.
4- الفيافي : جمعُ الفَيفاة، وهي المفازة، أو الصحراء التي لا ماء فيها.
5- عسجداً : ذهباً . لآل : جمع لُؤلُؤ. عُقود: قلائد .
6- رواب ونجود: الرابية ما علا وارتفع من الأرض، التلّة. والتَّجد : ما ارتفع من الأرض .
7- الأكناف : جمعُ الكَنَف، وهو من الإنسان حضنه، ويكون بمعنى الظَل والناحية.

عَجباً لِلصَّخْرِ كَيْفَ انبَثَقَتْ *** جانِبَاهُ فَهُمَا فَضْلُ وَجُودُ

قُدْسَ الإِسلامُ فِي دُستُورهِ *** يُورِقُ الصَّخْرُ ويَنْشَقُّ الْحَدِيدُ

***

مَوْلِدُ الزَّهْراءِ هذا فَابْسِمِي *** أَيُّهَا الشِّيعَةُ فَالْمَوْسِمُ عِيدُ

وَدَّعِي عَنْكِ الأسَى واحْتَفِلِي *** فِيهِ فَالعِيدُ بِهِ الْحُزْنُ يَبِيدُا(1)

واترُكي الأمْرَ إلى رَبِّ السَّما *** فَهوَ بِالوَضْعِ خَبِيرٌ وَشَهِيدُ

سَوْفَ يَنْجابُ الدُّجى مُنْهَزِماً *** مِنْ سَنَا اَلفجرِ فَلِلْفَجْرِ جُنُودُ

فَإِذَا وَجَّهَهَا اَللَّهُ إِلى *** أُفُقٍ بادَ بِهِ اللَّيْلُ الْمُبِيدُ

***

يا حَكِيمَ(2) الدَّهْرِ يا مَن بِاسْمِهِ *** تُصقَلُ البِيضُ وَتَهتَزُّ البُنُودُ(3)

قائدُ الإِيمانِ لِلنَّصرِ على *** خُطَطٍ كانَ بِهَا اَلنَّهْجُ اَلْحَمِيدُ

آيَةُ اللَّهِ الَّتِي مِن بَأْسِها *** يَلْتَوِي الْكُفْرُ ويَرْتَدُّ الْجُحُودُ

مَرْجِعُ الأُمَّةِ إِنْ جارَ بها *** زَمَنٌ باغٍ وتاريخٌ عَنِيدُ

وإِمَامٌ تَهْتَدِي الدُّنيا بِهِ *** إنَّ نَباً وَضِعُ وَإِنْ ضَاعَت حُدُودُ(4)

أُمِّكَ اَلزَّهْراءُ هذا عِيدُها *** فيهِ يَلْتَذُّ لِأَمْثَالِي اَلْقَصِيدُ

لَكَ قَدِمْتُ التَّهانِي مُخْلِصاً*** بِثَنائِي فَهوَ لِلرُّوحِ يَعُودُ

وَلْتَدُمْ لِلدِّينِ فَجراً نُورُهُ *** خَالِدٌ فِينا وَلِلْحَقِّ الخُلُودُ

ص: 243


1- يبيد: يزول ويفني.
2- يشير إلى المرجع الديني الكبير السيد محسن الحكيم.
3- تصقل البيض: تُصقل: تُجلئ وتُملِّس ويُكشف صداها. البيض: السيوف. البُنود: الأعلام والبيارق الكبيرة .
4- نبا: تُجافی .

(9)بيت الهدی

(بحر الكامل)

الشيخ قاسم مُحيي الدين(1)

أوضِح بِنَهجِ الرُّشْد لِلْمُسْتَرْشِدِ *** إِذْ لا سَبِيلَ إِلَى جُحُودِ اَلْمُلْحِدِ

مَا عُذرُ مَنْ جَحَدَ الهُدى بِضَلالِهِ *** لَوْ جَاءَ مَدْحُوضَ اَلدَّلاَلَةِ فِي غَدِ؟!(2)

ص: 244


1- هو الشيخ قاسم بن حسن بن موسى بن شريف بن محمد بن يوسف بن محمد بن جعفر بن علي بن حسين بن محيي الدين . ولد في النجف الأشرف 25 شهر رمضان 1314ه . مات والده وعمره سنة واحدة، فكفله جده الشيخ جواد محيي الدين، وبعده خاله الشيخ أمان. قرأ المقدمات على أساتذة مرموقين ، وأخذ العروض عن السيد رضا الهندي ، والفقه والأصول على مشاهير العلماء كالشيخ محمد حسين الأصفهاني، والآغا ضياء العراقي، والسيد أبوالحسن الإصفهاني، والسيد فتاح الشهيدي، وغيرهم. أصبح من كبار علماء عصره، ومن أعلام العروضيين في النجف الأشرف. وسافر إلى سوريا ولبنان، وكانت له مساجلات شعرية، ومطارحات علمية مع المسيحيين ، كانت له الغلبة فيها. ترك الشعر مدة طويلة حين اتجه إلى الشهرة العلمية والمكانة الدينية، فلم يقل شعرة إلا في أهل البيت عليهم السلام . له مؤلفات كثيرة، منها: 1 - العلويات العشر. 2 - سيرة الأمناء أو معركة الجمعة، وهو نوادر أدبية . 3 - المصابيح النحوية في شرح الألفية. 4- هداية المبتدي في النحو . 5 - حاشية على حاشية الملا عبدالله في المنطق . 6- أماني الخليل في العروض. 7- غياض الوادي ورياض النادي في سيرة الشيخ وادي الشفلح 8- دلائل التبيان في غريب القرآن . 9- شقائق الربيع في علم البديع . 10 - سيرة القاسم سليل الإمام الكاظم عليه السلام . 11 - شقائق النادي . 12 - الشعر المقبول في مدائح و مراثي آل الرسول . توفي في النجف الأشرف سنة 1379 ه. ق.
2- مدحوضُ الدلالة : باطل الحُجة .

حَضَرُوا بِمَشهَدِ دَوحِةِ وَ رسُولُهُم *** يُنبِیهِمُ عَن نَصِّ ذاكَ الْمَشْهَدِ

جَحَدُوا عَلِيّاً حَقَّهُ أَفَهَل لَهُمْ *** بَعْدَ الجُحُودِ تَمَسُّكٌ بِمُحَمَّدِ(1)

جَحَدُوا الغَدِيرَ بِغَدْرِهِمْ حَسَداً لِمَنْ *** مُلِئَتْ قَذَیُ مِنْهُ عُيونُ الْحُسَّدِ

عَقَدُوا لَهُ الشُّورى وَتِلْكَ سَقِيفَةٌ *** بِسِوَى الظِّلالِ عَرِيشُها لَم يُعقَدِ (2)

عَجَباً لَهُمْ جَحَدُوا وَلاءَ امَامِهِم *** وَالشَّمْسُ مُشْرِقَةُ السَّنا لَم تُجْحَدِ

جَحَدُوا النَّبِيَّ بِجَحْدِهِم لِوَصِيّهِ *** وأبَوا مُصَافَحَةِ الهِدايَةِ بِاليَدِ(3)

وَتَألَّبُوا زُمَراً لِغَصبِ وَلِيُّهِم *** مِن غائِرٍ تَبعَ الشِّقاقَ وَمُنَجِدِ(4)

وأَتَى اللَّعِينُ مُهَدِّداً بَيْتَ الْهُدى *** إِذْ ضَلَّ عَنْ نَهْجِ الرَّشادِ ومَا هُدِى

وَعَنَّا وَمَا رَاعی وَدِيعَةَ أحْمَدٍ *** مُذ راعَها في حِقْدِهِ الْمُتَوَقِّدِ

ص: 245


1- كتب العالم الحنفي القندوزي، أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال : يا علي، من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن بك فقد سبني ؛ لأنك مني نفسي، روحك من روحي، وطيتك من طينتي، وإن الله تبارك وتعالى خلقني وخلقك من نوره، واصطفاني وأصطفاك، فاختارني للنبوة واختارك للإمامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي ! (ينابيع المودة لذوي القُربی 1: 167/ ح 5 - الباب 7) .
2- العريش : السُقّف، وما يُستظَلَ به.
3- صافحوا الإمام بأيديهم ولم يصافحوا إمامته وهدايته، إذ كان منهم ذلك تملقاً ونفاقاً، وهم ينتظرون ساعة يهجمون فيها غاصبين للخلافة النبوية - الإلهية، فأين منهم قولهم : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ! أصبح مولاي و مولى كل مؤمن ومؤمنة.. ؟! «يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ» (سورة البقرة : 9- 10) وكان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قد أوصاهم في خطبته الغديرية المباركة بوصايا جمة ومؤكدة ، فقال فيها: معاشر الناس، فضوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله . معاشر الناس، إنه إمام من الله، ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته، ولن يغفر الله له .. (الاحتجاج 50 - 67).
4- تألبوا: تجمّعوا وتَحشّدوا. الغائر: قاصدُ الغَور. والمنجد: قاصدُ نجد.

وَاَلَمٌ فِي بَيْتِ الرِّسالَةِ مُوقِداً *** نِيرانَ أَضْغانٍ لَهُ لَمْ تَخْمُدِ(1)

سَلْ فَاطِماً عَنْ نَكْثِ عَهْدِ مُحَمَّدِ *** فِيهَا بِظُلْمِ مِثْلُه لَمْ يُعْهَدِ

سَلَّ فَاطِماً عَنْ دمْعِها الْمُنْهَلِّ مَنْ *** أَجْراهُ مِنْ ذَوْبِ الفُوادِ المُكَمَدِ؟(2)

سَل فَاطِماً عَن نَوحِها ونَحِيبِها *** عَنْ حُزْنِها عَن سُقْمِها المُتَجَدِّدِ

سل فَاطِمَاً عَنْ ظِلْعِها مَنْ غالَهُ *** كَسراً بِرَدِّ البابِ بَعدَ تَهَدُّدِ(3)

سَلْها عَنِ الْمِسْمارِ حَيْثُ أَمَضَّها *** وَعَنِ الجَنِينِ وقَرطهِا المُتَبَدِّدِ

سَلْ فَاطِماً عَنْ ضَرْبِها بِسِياطِهمْ *** حَتَّى غَدتْ مِثْلَ الدَّمالِجِ بالْيَدِ(4)

سَلْ فَاطِماً عَنْ قَبْرِها عَنْ دَفْنِها *** سِرّاً بِظُلْمَةٍ جُنحِ لَيْلٍ أَرْبَدِ(5)

سَلْهَا عَنِ السَّوْطِ الّذِي قَدْ راعَها *** عَنْ غَصْبِها ميراثَها مِنْ أَحْمَدِ

سَلْهَا عَنِ الهادي الوَصِيِّ مُلَبَّباً *** بِنِجادِهِ مُسْتَنْجِداً لَمْ يُنجَدِ(6)

ص: 246


1- في (كتاب سليم بن قيس 2: 864/ ضمن ح48): ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ، فأحرق الباب ثم دفعه، فاستقبلته فاطمة عليها السلام فصاحت: يا أبتاه ! يا رسول الله !..
2- الفؤاد المكمد: المتألم المغموم.
3- غاله : أخذه من حيث لا يدري ، أهلکه.
4- الدمالج: الحُلي التي تلبس بالمعضَم. الواحدُ دُملُج.
5- الليل الأريد: ليلُ فيه الغبرة. في ( روضة الواعظين للفتال النيسابوري ص152): فلما أن هدأت العيون ومضى شطر من الليل، أخرجها علي والحسن والحسين عليهما السلام ، وعمارُ والمقداد وعقيل والزبير وأبوذرُ و سلمان وبُريدة ونفر من بني هاشم وخواصه، صَلُّوا عليها ودفنوها في جوف الليل صلوات الله عليها.
6- إخراج أمير المؤمنين عليه السلام ملبّياً بنجاد سيفه وعمامته .. ذکره عددٌ من المؤرخين، منهم: ابن زنجويه في الأموال 1: 348/ ح548)، وابن قتيبة في (الإمامة والسياسة ص 30)، وابن عياش السلمي في (تفسيره 2: 67)، والطبري في (تاريخه 2: 619)، والمسعودي في (إثبات الوصية 124) وفي ( مروج الذهب 2: 301).. وغيرهم.

حَيْثُ الشَّقِيُّ بِمَقِدِ مَن ظُلمِهِ *** قادَ الْوَصِيُّ المُرْتَضَى لِلْمَسْجِدِ

والطُّهْرُ تَدْعُو وَهيَ تَعدُو خَلْفَهُ *** بِنِداً يُذِيبُ حَشَى الصَّفا وَالجَلمَدِ(1)

خَلُّوا ابْنَ عَمِّي أوْ عَلَيكُم بِالدُّعا*** أَعدُوا وأبْسُطُ لِلآلهِ بِهِ يَدي(2)

ص: 247


1- بِنِداً : مخففة «بنداءِ». والصَّفا والجلمد: الصَّخر.
2- أَعدو : أنتَصرُ. ولعلّها مصحفة عن «أَدعُو».

(10) سيدة العالمين

(بحر المتقارب) الأستاذ مصطفى المهاجر

أَريجُ النُّبُوّهِ فِيكِ ابْتَدا *** وَفَيضُ الهِدايَةِ مِنكِ اهْتَدي(1)

وأَنْغامُ عِزِّکِ في الخَافِقَيْن *** لَها اَلدَّهْرُ مَنْ وَلَهٍ أَنْشَدَا(2)

وَ نُورُكِ يَا بَضْعَةَ اَلْمُصْطَفى *** أضاءَ أَضاءَ فَغَطَّى المَدى(3)

***

حَنانَيكِ... أَمَّ النَّبِيُّ الكَرِيم *** وَأُمَّ الأَئِمَّةِ نُورَ الهُديِ(4)

شَرِبنا وَلاءَكِ مُنذُ الرَّضَاع *** فَاوْرَقَ حُبّاً غزِيرَ النَّدي

وحَلَّقَ في حُزنِكِ المُستَدِيم *** حَنِينٌ بِأشواقِهِ يُقتَدى

ص: 248


1- الأريج: فوحان الطَّيب. في الحديث القدسي الشريف: يا أحمد، لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علىُّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما. (کشف اللآلي لصالح بن عبد الوهاب بن العرندس، اللجنة العاصمة للسيد میرجهاني ص 168، ملتقى البحرين للمرندي ص 14) .
2- الخافقان : المشرق والمغرب ؛ لأن اللّيل والنهار يخفقان فيهما. الوله : شدة الحيرة .
3- إشارة إلى ما رُوي في (البحار ج 4 ص 44/ ضمن ح 81) في حديث طويل عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم : فأضاف النور إلى تلك الروح، واقامها مقام العرش ، فزهرت المشارقّ والمغارب، فهي فاطمة الزهراء عليها السلام ، ولذلك سُميت ( الزهراء)؛ لأن نورها زهرت به السماوات. (عن: الفضائل لابن شاذان، والروضة في الفضائل).
4- هي أمّ أبيها مجازاً، وأمّ الأئمة حقيقة .

فَحُزْنُكِ يُسكِنُ أَضْلاَعَنا *** لَهيباً... تَوَقَّدَ لَنْ يَخْمُدا

وَصَؤْتُكِ رَغمَ رَنِينِ الأَسى *** لَهُ فِي نُفوسِ الهُداهِ صَدي

فَصَارَتْ شُعاعاً بما تَحتَوِي *** قُلُوبٌ لَدى وَجدِها سُجَّدا

***

وصارَتْ بِذِكْراكِ أَيَّامُنا *** مُعَطَّرَةً... عِزَّة سُؤدَدا

وَصِرْنَا إِذا ضامَنا حاقِدٌ *** وطَوَّقنَا بِالْهُمُومِ العِدي

طَلَبْنَاكِ نَستَكْشِفُ العادیات*** ذَكَرْناكِ نَسْتَنْجِحُ المَقْصَدا(1)

فَذَابَتْ عَلَى عَتَبَاتِ الهَوى *** مَغَالِيقُ أَحْكامُها كالرَّدي(2)

وَعَادَتْ لِاَنْفُسِنا بَسمَةٌ *** تَكادُ مِنَ الْحُزْنِ أن تُوأدا(3)

***

حَنَانَيْكِ سَيِّدَةَ العالَمِين *** حَنَانَيْكِ يَا نَسمَةُ تُفْتَدِئ(4)

تَرِقُّ الحَياةُ عَلَى شَاطِئَيكِ *** وتَزْهَرُ أَفْياؤُها بالنَّدي(5)

وتَشْمَخُ ذِكراكِ نَحْوَ السَّماء *** تُعانِقُ في مَجْدِها أحْمَدا

ص: 249


1- عن مولانا المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشريف): إن زکريّا سأل ربه أن يُعلمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام ، فعلمه إياها، فكان زكريّا إذا ذكر محمداً وعليّاً وفاطمة والحسن سری عنه همُّه وانجلی کربُه، وإذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة. (بحارالأنوار 52:86/ح1) .
2- المغاليق : جمع المغلاق، وهو ما يُغلق به الباب. وأراد هنا الأمور المغلقة المستعصية .
3- وأدا: تُدفن في التراب وهي حية.
4- في كتاب (خصائص النسائي ص 34) قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : إن مملكاً من السماء لم يكن زارني ، فاستأذن الله في زيارتي ، فأخبرني وبشّرني أن فاطمةَ بنتي سيدةُ نساء أُمتي .
5- أفياء : جمع قيء ، وهو الظلّ . وكان الأنسب أن يقول: «أفنانها» أو «أغصانها».

وتَمَلَا دُنْيا الوَفاءِ العَظِيم *** بِفَيْضٍ مِنَ الطُّهرِ لَنْ يَنْفَدا (1)

وتُوقَدُ في الداجياتِ الشُّموسُ *** لِتَكشِفَ مِنْ ظُلْمَةِ مَا بَدا

فَتَزْدانُ بِالنُّورِ أَيَّامُنا *** وتَفْتَحُ دَرَباً لنا مُوصَدا (2)

وتُشْعَلُ أحْلامُنا بالرَّجاء *** لِنُوصِلَ بِالْأَمْسِ زَهْواً غَدا

أُسَيِّدَةَ الحُزنِ وَالأُمنِيَاتُ *** شُمُوعاً عَلَى الدَّرْبِ لَن تُوقَدا

بِغَيْرِ ابْتِهالِكِ إنَّ الطريقَ *** إِلَى اللَّهِ مَفْرُوشَةٌ عَسْجدا(3)

وغَيْرَ نِدائِكِ: إنّ الحَياةَ *** بلا طَاعَةِ اللَّهِ لَنْ تُحمَدا

وغيرِ دُعائِكِ أبْنَاءَنا *** لِحَمْلِ العَقيدَةِ كَي تُرْشَدا

وَغَيْرِ وُقُوفِكِ بَيْنَ الصُّفُوف *** لِتَصحِيحِ ما اعوَجَّ أو قُدِّدا(4)

***

حَنَانَيْكِ سَيِّدةَ العالَمِينَ *** وعَفوَكِ مِن بَضعَةٍ تُفتَدِئُ

شَرِبنا وَلاءَكِ مُنْذُ الرَّضاعِ *** فَاوْرَقَ حُبّاً غَزيرَ النَّدي(5)

ونَرْجُو الشَّفاعَةَ فِي حُبِّكُم *** فَمِن رَحْمَةِ اللَّهِ لَن نُطْرَدا(6)

***

ص: 250


1- لن يَنفدا: لن ينقضي .
2- تَزدان : تتحسَّن وتزهو.
3- عسجداً : ذهباً .
4- قُدد: شُقَّق.
5- غزير الندی : وفير الخير والبركة.
6- قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : يا فاطمةُ أبشري ؛ فلك عند الله مقامٌ محمود، تشفعين فيه لمُحبيك وشيعت فتُشَفَّعين . (کنز الفوائد للكراجكي 1: 150 - ط قمّ).

قافيه الذال

اشارة

ص: 251

(1) حَكَم الإله

(بحر الكامل) السيد محمّد رضا القَزوينيّ

حارَ الفُؤادُ إِذِ اعتَرَتْهُ نَوَائِبُ *** لِلدَّهْرِ يَسأَلُ أَيْنَ أَيْنَ المَنْفَذُ؟!

فَهَوَى عَلَى الْقُرآنِ فِي صَفَحاتِهِ *** بَحْثاً ومِنْ آياتِهِ يَتَلَذَّذُ

وَإِذا بِهِ في هَل أتي مُتَلَمِّساً *** دَرَباً يَلُوحُ بِهِ الْبَشِيرُ المُنْقِذُ(1)

حَلَّتْ بِهِ الزَّهْراءُ نُوراً ساطِعاً *** لا زالَ فِي قَلْبِ الْعَوالِمِ يَنْفُذُ(2)

وبِآيَةِ التَّطْهِير خَصَّصَ بَيْتِهَا *** عَنْ كُلِّ شَائِنَةٍ بِهِ يُتَعَوَّذُ(3)

فَإِذَا مَوَدَّتُها انتَفَت مِنْ مُسْلِمٍ *** فَإلَى جَهَنَّمَ وَالسَّعِيرِ سَيُنبَذُ

حَكَمَ الإلَهِ بِحُبِّ بِنْتِ نَبِيِّهِ *** وَبِحَقِّ أَعْداءِ الْبَتُولِ يُنَفَّذُ(4)

ص: 252


1- في ( المناقب 106:3 ) سُئل عالم: أن الله تعالى قد أنزل «هل أتی» في أهل البيت عليهم السلام ، وليس شيء من نعيم الجنة إلا وذكر فيه إلا الحُور العين ، قال : ذلك إجلالاً لفاطمة عليها السلام .
2- وذلك إشارة لما ورد في (بحار الأنوار 36: 73) آخر الصفحة : فضجت الملائكة ونادت : إلهنا وسيّدنا، بحق الأشباح التي خلقها، إلا ما فرجت عنا هذه الظلمة! فعند ذلك تكلم الله بكلمة أخرى فخلق منها ژوحة، فاحتمل النورُ الروح، فخلق منه الزهراء فاطمة فأقامها أمام العرش، فأزهرت المشارق والمغارب ؛ فلأجل ذلك سُميت «الزهراء» .
3- الثانية : التي تجلب الشين والعيب.
4- أي يُنفُذُ العقاب.

أفَيَدَّعِي الإسلامَ غاصِبُ حَقَّها ؟! *** كَلّا، فَذَلِكَ في الأنامِ مُشَعوِذُ(1)

ص: 253


1- المُشَعوذُ : من استعمل الشعوذة، وهي خفة اليد وأعمال كالسَّحّر تُري الشيء للعين بغير ما هو عليه. وفي ( تفسير علي بن إبراهيم القمي 2: 196)، وذلك في شرح الآية : إنَّ الَّذِينَ يُؤَدُّونَ اللَّهَ وَرَسولَهُ لَعَنَهُمُ اَللَّهُ ؟ قال : نزلت في من غضب أمير المؤمنين حقه، وأخذ حق فاطمة وآذاها. وقد قال النبي صلي الله عليه و اله و سلم : «من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي ، ومن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله» . ( يراجع: البحار ج 43، ص 23/25 ) .

(2)يقف الأمين مسلمة.

(بحر الكامل) السيّد مسلم الجابريّ

يا دارَ فاطِمَ مَا تَرَاءى طَيْفُهَا *** إِلّا وأَصْبَحَ مِنْهُ فِي عَيْنِي قَذي(1)

حَتّامَ هذا القَلْبُ يُتْرِعُهُ الأسَي *** لَمْ يُلْفِ مِنْ شَرَكِ المَصائِبِ مُنفِذا(2)

عَهدٌ لِعِتْرَةِ أَحْمَدٍ فِي صَحْبِهِ *** غَضٌ يَفُوحُ بهِ مِن الوَحْيِ الشَّذا(3)

أَمْسَي يُؤَكِّدُهُ الرَّسُولُ لِقَوْمِهِ *** فَكأنَّهُ أَوْحى بِهِ أن يُنبَذا(4)

لا حَبَّذا الْغَدْرُ الشَّنِيعُ ويَؤمُهُ *** مِن بَعدِ مُؤتِ اَلْمُصْطَفى لا حَبَّذا

يَوْمٌ أَنَاخَ بِهِ الظَّلَامُ فَلَمْ يَجِدْ *** نُورُ الهِدايةِ فِي الضَّمائِرِ مَنْفَذا

لَهفي لِبِنْتِ مُحَمَّدٍ مِنْ بَعْدِهِ *** ذاقَتْ مِنَ الأَصْحابِ أَلْوانَ اَلْأَذَي(5)

خَرَجَتْ تَذُودُ النارُ عَنْ بَابٍ بِهِ *** يَقِفُ الأَمِينُ مُسَلِّماً ومُعَوَّذا(6)

ص: 254


1- طيفُها: خيالها أو ذكراها. القذي : ما يتكون في العين من رَمَصٍ وغَمَص وغيرهما. أو القشّة تدخل في العين فتُؤذيها.
2- أثرعَهُ : مَلَاهُ . لم يُلف : لم يَجد.
3- غض: ناضر جديد، حديث العهد. الشَّذا: طيبُ المسك.
4- رحم الله السيّد صالحَ الحلّي حيث يقول: أوصى الإلهُ بوَصل عترة أحمدٍ فكأنَّما أوصى بها أن تُقطعا!
5- حتى قالت وهي باكية: اللّهم إليك أشكو فَقد نَبيِّك ورسولك وصفيَّك، وارتداد أميَّه علينا، ومنعهم إيانا حقَّنا الذي جعلته لنا في كتابك المُنزل، على نبيِّك المُرسل . (الهداية الكبرى للخصيبي 408 - عنه: بحار الأنوار 18:53).
6- عَوذَهُ: عَلقَ عليه العوذَة، أو قال : أعيذك بالله من الشيطان الرجيم .

ولَقَدْ أصابَ مِنَ الهِدايَةِ قَلْبَها *** ما آلَمَ المِسْمَارُ مِنْهُ وأَوقَذَا(1)

والسَّوْطُ يَلْعَنُ حامِلِيهِ بِما جَنى *** عُمَرٌ علی الزَّهْرا وَ حَرَّضَ قُنْفُذا(2)

يَا سَوْطَ قُنْفُذَ قَدْ شَهَرتَ عَلَى الهُدئِ *** سَيْفاً تَعَوَّدَ أن يُسَلَّ ويُشْحَذا(3)

نُهِبَت بِهِ مُهَجٌ لإلِ مُحَمَّدٍ *** رَاحَ الْعَدُوُّ بِسَفْكِها مُتَلَذِّذا

يَوْمَ اسْتَفَاقَتْ فِي الصُّدورِ ضَغائِنُ *** وَغَدا الظِّلالُ على الهُدئِ مُسْتَحْوِذا(4)

كَانَتْ بِهِ أبناءُ فاطِمَ بَعْدَها *** فِي كُلِّ نازلَةٍ مِثالاً يُحْتَذي(5)

ما هُمَّهُمْ خَصْمٌ تَغَوَّلَ حَقَّهُمْ *** كَلّا وَلَمْ يُسكِتهُمُ هاذٍ هَذي(6)

ولَئِن تَلَمَّظَ في زَكِيِّ دِمائِهِمْ *** خَصْمٌ غَدا في ظُلْمِهِمْ مُتَنَفِّذا(7)

فَاللَّهُ يَوْمَ الحَشْرِ يَأخُذُ ثارَهُم *** وَالصُّورُ يَدعُو ظَالِماً كَي يُؤخَذا(8)

ص: 255


1- أوقذه : ترکه عليلا، ضربه حتى أشرف على الموت.
2- في كتاب (سليم بن قيس 2: 588) قال : وقد كان قنفذ لعنه الله ضَرَبَ فاطمة بالسَّوْط حين حالت بينه وبين زوجها، وأرسل إليه عمر: إن حالت بينك وبينه فاطمهُ فاضربها، فألجأها قنفذُ إلى عضادة بيتها، فدفعها فکسَرَ ضلعَها من جَنبها .. وفيه أيضاً أن أمير المؤمنين عليه السلام سأل سُليماً: هل تدري لم كفّ (أي عمر) عن قنفذ ولم يغرمه شيئا؟ قال: قلتُ: لا، قال : لأنه (أي قنفذ) هو الذي ضرب فاطمةَ بالسوط حين جاءت يتحول بيني وبينهم، فماتت صلوات الله عليها وإن أثر السَّوط لفي عَضُدها مثلُ الدُّملج!
3- يُسحذ: يُحدَ.
4- الضغائن : الأحقاد .
5- النازلة : المصيبة. ومعنى البيت أن ما أصاب أولاد فاطمة من الأذي بعدها، فإنما هو بناء على ما أسه يوم السقيفة.
6- تَغَولَ فلاناً : أهلكه. والهاذي : المتكلّم بالهذيان، وهو غير المعقول من القول.
7- تَلمّّظُ: تذوّق متلذّذّا وهو يُدير لسانه يلعق دماءَهُم!
8- الصُّور: القَرن يُنفخ فيه، ومنه قوله تعالى «يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا»(سورة طه: 102).

ص: 256

قافية الراء

اشارة

ص: 257

(1) بَعدَ بيت الأحزان!

(بحر الخفيف) السيد باقر الهنديّ(1)

کُلُّ غَدرٍ وَقَولِ اِفکٍ وَ زُورِ *** هُوَ فَرعُ عَنّ جَحدِ نَصّ الغَدِيرِ(2)

ص: 258


1- هو السيّد باقر ابن السيد محمد ابن السيد هاشم الهندي، ينتهي نسبه إلى الإمام الهادي عليه السلام . وُلد في النجف الأشرف في غُرة شعبان سنة 1284 ه، وقيل : 1285 ه. نشأ بها على أبيه فبقي معه حتّى عام 1298 ه، حيث سافر والده إلى سامراء للحضور في حلقة درس المرجع الكبير السيد المجدد الشيرازي، فكان مصاحبا له مواظبا على درسه، حتى رجع والده إلى النجف عام 1311ه فرجع معه. وعند تواجده في سامراء كان يختلف على بعض الأساتذة اللامعين في العلم والفضل، فأخذ عنهم الأصول والفقه. تتلمذ على الشيخ محمد طه نجف، وعلى الميرزا الشيرازي الكبير، وعلى الميرزا إبراهيم الشيرازي المحلاتي، وجملة من علماء عصره. وذكره ابنه المرحوم السيد حسين الهندي فقال: نشأ منشأ طيبا في زمن صالح، وتعلم القرآن والكتابة في مده يسيرة، وكان مولعة بالأمور الإصلاحية وله في ذلك مواقف مشهودة، وله مؤلفات لم تزل مخطوطة نحتفظ بها، منها رسالة في (حوادث المشروطة) فيها ما يهم رجال الإصلاح والدعاة المصلحين، كما كتب في الأخلاق، وكان شديد الولاء لأهل البيت عليهم السلام و عظيم التعلق بمودتهم. جمع شعره أخيرة و طبع مستقلاَ تٍوفي في النجف الأشرف بمرض ذات الجنب ، قبلِ طلوع الشمس من يوم الثلاثاء غرة محرم 1329 ه، عن عمر ناهز الخامسة والأربعين عاما ، فدفن مع أبيه في دارهم الواقعة في محلة الحُويش .
2- الجحد: الإنكار. وقد ناشد أمير المؤمنين عليه السلام عدداً من الصحابة حول واقعة غدير خُم وتنصيبه : فيها خليفة لرسول الله صلي الله عليه و اله و سلم فأنكروا مُعتذرين له بالنسيان، ومغالطين أنفسهم بأنهم بايعوا فلاناً فلم يكن يحق لهم نقض بيعته وإن كانت باطلة، هذا مع نقضهم بيعته الإلهية الحقة! .

فَتَبصَّر تُبصِر هُدَاكَ إِلَى الْحَق *** قِ فَلَيسَ الأعْمي بِهِ كَالْبَصِيرِ(1)

لَيْسَ تَعْمَى الْعُيُونُ لَكِنَّما تَعْ*** مَى اَلْقُلُوبُ اَلَّتِي انطَوَتْ فِي الصُّدُورِ(2)

يَوْمَ أَوْحَى الَجَلِيلُ يَأْمُرُ طهَ *** وهُوَ سَارٍ أَنْ مُر بِتَرْكِ المَسِيرِ

حُطِّ رَحْلَ السُّرئ عَلى غَيْرِ مَاءٍ *** وَكَلاً فِي الْفَلا وَحَرٌ الهَجِيرِ(3)

ثم بَلَغهُمُ وإِلاَّ فَمَا بَل *** لَغْتَ وَحياً عَنِ اللَّطِيفِ الخَبِيرِ(4)

أَقِمِ الْمُرْتَضى إِمَاماً عَلَى الْخَلْ***قِ وَنُوراً يَجلُو دُجَي الدَّيْجُورِ(5)

فَرَقِي آخِذَاً بِكَفِّ عَلِئٍّ *** مِنْبَراً كانَ مِنْ حُدُوجِ وَكُورِ(6)

ص: 259


1- اقتباس من قوله تعالى : «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِير» ( سورة الرعد: 16)، أو قوله تعالی : (و ما يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِير) (سورة فاطر: 19، وسورة غافر : 58).
2- اقتباس من قوله جل وعلا: « فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» سورة الحج : 46).
3- رحل السُّرئ : رحال سفر اللّيل ومسيره. وكلاً: مخففة كلاً ، وهو العشب. في القلا: جمع القلاة، وهي الصحراء الجرداء. حرّ الهجير : حر الظَهيرة اللاهب .
4- إشارة إلى نزول قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه ... » (سورة المائدة : 67)، في أمر النبي صلي الله عليه و اله و سلم بتبليغ ولاية أمير المؤمنين عليه السلام في الغدير .
5- الديجُور: الظُّلمة، يوصف بها اللّيل . لمّا وقف النبي صلي الله عليه و اله و سلم بالموقف أتاه جبرئيل عليه السلام عن الله عزوجل فقال له: يا محمد، إن الله عز وجل يُقرئُك السلام ويقول لك: إنه قد دنا أجلك و مدتك ، وأنا مستقلي مك على ما لابد منه ولا عنه محيص، فاعذ عهدك، وقدم وصيتك ... إلى أن قال : فأقم یا محمد عليا علما، وذ عليهم البيعة، وجدد عهدي ومیثاقي لهم الذي واثقهم عليه .. ( الباقلاني في التمهيد، والإيجي في المواقف، والبيضاوي في طوالع الأنوار، والتفتازاني في شرح المقاصد، ويراجع: الغدير للأميني ج 1 ص 8..، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي - الجزء الأول).
6- الحُدُوج: الأحمال . الکُور: رحلُ البعير، أو الرحل بأداته وهو مما يُذلِل به البعير ويُوطأ .

وَدعا وَالمَلا حُضُورٌ جَمِيعاً *** غَيَّبَ اللَّهُ رُشْدهُمْ مِنْ حُضُورِ!

إِنَّ هَذَا أَمِيرُكُمْ وَ وَلِيَ اِل *** أَمْرَ بَعْدِي وَوَارِثِي وَزِيرِي

هُوَ مَؤْلّى لِكُلِّ مَنْ كُنْتُ مَوْلا*** هُ مِنَ اَللَّهِ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ(1)

فَأَجَابُوا بِأَلْسُنٍ تُظْهِرُ الطَّا *** عَةَ والغَدرُ مُضْمَرٌ في الصُّدُورِ

ص: 260


1- تضمين العبارات شريفة من خطبة النبي صلي الله عليه و اله و سلم ، حيث جاء فيها قوله: إن جبرئيل عليه السلام هبط إلى مرارة ثلاثا، يأمرني عن السلام ربي وهو السلام، أن أقوم في هذا المشهد فأغلم كل أبيض وأسود، أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي ، والإمام من بعدي ، الذي محله مي محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وهو ولكم من بعد الله ورسوله ... معاشر الناس! إنه إمام من الله، ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته، ولن يغفر الله له ... معاشر الناس ! هذا علي أخي ووصيي ، وواعي علمي، وخليفتي على أمتي ... ألا وإني قد بايع الله، وعلى قد بايعني ، وأنا آخ بالبيعة له عن الله عز وجل ، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه.. وكانت منه صلي الله عليه و اله و سلم هذه العبارات التي تواترت وتوافرت وتظافرت في كتب المسلمين: ألا ومن کنت مولاه، فهذا علي مولاه. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله! وفي بعض الروايات: والعن من أنكره، واغضب على من جحد حقها وبعد خطبته المباركة ناداه القوم: غنا وأطعنا أمر رسوله، بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا. وتداوا على رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وعلى عليَّ عليه السلام، فصافقوا بأيديهم، فكان أول من صافق أبو بكر وعمر وعثمان .. وكان من عمر قولته الشهيرة: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ! أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وما هي إلا أيام سبعون، حتى كانت وفاة المصطفی صلي الله عليه و اله و سلم ورحيله، حتى عُقدت السقيفة، ثم لما بُويع أبو بكر قال له عمر: ألا ترسل إلى هذا الرجل المتخلف فيجيء فيبايع ؟! قال: يا قنفذ، إذهب إلى علي وقل له : يقول لك خليفة رسول الله تعال بايغ ! فرفع على صوته وقال : سبحان الله ! ما أسرع ما كذبتم على رسول الله صلى الله عليه و اله وسلم ! (أي بايعتم فنقضتم) ثمّ كان منهم الهجومُ على الدار وإحراق بابه، وعصر الزهراء وإسقاط جنينها، وقد صرخت سلام الله عليها قائلة: يا أبابکر! ما أسرَعَ ما أغرتُم على أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم والله لا أكلُّم عمرَ حتى ألقى الله ! ( السقيفة وفدك للجوهري 71 - 72، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6 : 49 - 57) .

بَايَعُوهُ وبَعْدَهَا طَلَبُوا الْبَيْ*** عَهَ مِنْهُ لِلَّهِ رَيْبُ الدُّهُورِ!

أسرَعُوا حِينَ غَابَ أَحْمَدُ لِلْغَدِ *** رِ وَخَافُوا عَوَاقِبَ التَّأخِيرِ

نَبَذُوا الْعَهْدَ وَالْكِتَابَ ومَا جَا *** ءَ بِهِ والْوَصِیَّ خَلْفَ الظُّهُورِ

خَالَفُوا كُلَّ ما بِهِ جَاءَ طةَ *** وَهُوَ إِذ ذَاكَ لَيْسَ بِالْمَقْبُورِ

عَدَلُوا عَنْ أَبِي اَلْهُدَاه اَلْمَيَامِي*** نِ إِلَى بَيعَةِ الأثِيمِ الكَفُورِ !

قَدَّمُوا اَلرِّجْسَ بِالوِلايَةِ لِلْأَمْ***رِ عَلى أَهْلِ آيَةِ التَّطْهِيرِ

لَسْتَ تَدرِي لِمْ أَحْرَقُوا البَابَ بِالنَّا*** رِ؟ أَرَادُوا إِطْفَاءَ ذَاكَ النُّورِ

لَسْتَ تَدْرِي مَا صَدْرُ فَاطِمَ مَا الْمِسْ***مَارُ مَا حَالُ ضِلْعِهَا الْمَكْسُورِ!(1)

مَا سُقُوطُ الْجَنِينِ مَا حُمزَهُ اَلْعَيْ*** ن وَ مَا بَالُ قُرْطِهَا المَنْثُورِ!؟(2)

دَخَلُوا الدَّارَ وَهيَ حَسْرَي بِمَرْأًىً *** مِن عَلِيِّ ذَاكَ الأَبِيِّ الْغَيُورِ(3)

واسْتَدَارُوا بَغْياً عَلى أَسَدِ اللَّ*** هِ وَ فَأضحَى يُقادُ قَودَ الْبَعيرِ(4)

والبَتُولُ الزَّهْرَاءُ فِي إِثْرِهِم تَعْ*** ثَرُ فِي ذَيْلِ بُرْدِهَا الْمَجْرُورِ

ص: 261


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دخول المسمار في صدر فاطمة، وكسر ضلعها سلام الله عليها، وقد مر الموردان في قصائد سابقة.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى سقوط الجنين، ولطمها على خدّها وتناثر قرطها، وقد مرّكلُّ و ذلك فيما تقدّم.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دخول القوم على الزهراء عليها السلام وهي دون خمار. انظر : (کتاب سليم بن قيس ص 39) قال: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة عليها السلام لا بغير إذن ؟! قال : إي والله وما عليها خمار، فنادت: يا أبتاه! يا رسول الله ! لبس ما خلقك أبو بكر وعمر.
4- هذا نصّ رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : لإظهار مدى مظلومية أمير المؤمنين عليه السلام ففي حديث للإمام الكاظم عليه السلام ، قول النبي صلي الله عليه و اله و سلم لأمير المؤمنين عليها السلام : يا على ما أنت صانع لو تأمر القوم عليك من بعدي، وتقدّموك، وبعثوا إليك طاغيتهم يدعوك إلى البيعة، ثم لُبَّبتَ بثوبك، وقاد كما يقاد الشارد من الإبل ، مَرمُوماً مخذولاً محزوناً مهموماً ؟ ( كتاب الوصية : 97 – 98/ ح 14).

بِأَنِينٍ أُورَي الْقُلُوبَ ضِرَاماً *** وحَنِينِ أذابَ صُمَّ الصُّخورِ(1)

وَدَعَتُهُم خَلُّوا ابْنَ عَمِّي عَلِيّاً *** أَوْ لأشكُو إِلَى السَّمِيعِ الْبَصِيرِ(2)

مَا رَعَؤهَا بَلْ رَوَّعُؤهَا ومَرُّوا *** بِعَلِيٍ مُلَبِّياً كَالْأَسِيرِ(3)

بَعضُ هذَا يُرِيكَ مِمَّنْ تَوَلّيَ *** بَارِزَ اَلْكُفْرِ لَيْسَ بِالْمَسْتُورِ

كَيْفَ حَقُّ البَتُولِ ضَاعَ عِنَاداً*** مِثْلَ مَا ضَاعَ قَبْرُهَا فِي الْقُبُورِ(4)

قَابَلُوا حَقَّهَا الْمُبِينَ بِتَزْوِي*** رٍ وَهَل عِنْدَهُمْ سِوَى التَّزْوِيرِ

ورَوَوْا عَنْ مُحَمَّدٍ خَبَراً لَمْ *** يَكُ فيهِ مُحَمَّدٌ بِخَبيرِ(5)

وعَلِئُّ يَرِئ ويَسْمَعُ والسَّيْ*** فُ رَهِيفٌ والبَاعُ غَيْرُ قَصِيرِ(6)

قَيَّدَتْهُ وَصِيَّةٌ مِن أخِيهِ *** حَمَّلْتَهُ ما لَيْسَ بِالمَقدُورِ(7)

ص: 262


1- أوری: أو قد. ضراماً : القادة . صُم الصخور: صلابها .
2- عن أبي هاشم قال : لمّا أخرج بعلئِّ عليه السلام خرجت واضعهُ قميص رسول الله صلي الله عليه و اله و سل على رأسها، آخذهُ بيدي ابنيها، فقالت: مالي ولك يا أبابكر ؟! تريد أن تُؤتم ابني وتُرمَلَني من زوجي ؟! والله لولا أن يكون سيئة لنشرتُ شعري، ولَصرختُ إلى ربي . فقال رجلٌ من القوم: ما تريد إلى هذا؟ ثم أخذت بيده فانطلقت به . (الكافي 8: 237 ح 320) .
3- مُلَبياَ: مأخوذاَ بتلبيبه مجرورا .
4- وكانت سلام الله عليها قد أوصحت قُبيل شهادتها قائلة: لا تُصَل على أُمةٌ نقضت عهدَ الله وعهدَ أبي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في أميرالمؤمنين عليه السلام ، وظلموني حقي وأخذوا إرثي .. (بحار الأنوار 30: 348 - 350/ ح 164).
5- يشير الشاعر إلى اختلاقهم لحديث «نحن معاشر الأنبياء لا نُورث».
6- رهيف : صقیل مُحدَّد، مهيّأً للضرب. والباع: ما انبسط بين الذراعين، والباع الطويل كناية عن البلوغ في أمر ما.
7- إشارة إلى أن صبر أمير المؤمنين عليه السلام على كلّ ما جرى كان بوصية من أخيه رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم.

أَفْصَبْراً يَا صَاحِبَ الأَمْرِ والْخَطْ***بُ جَليلُ يُذِيبُ قَلْبَ الصَّبُورِ؟(1)

كَمْ مُصابٍ يَطُولُ فِيهِ بَيَانِي *** قُذْ عَرَى الطُّهْرَ فِي الزَّمانِ اَلْقَصِيرِ(2)

كَيْفَ مِنْ بَعْدِ حُمْرَةِ اَلْعَيْنِ مِنْها *** يَابْنَ طه تَهَنَا بِطَرَفٍ قَرِيرِ(3)

فَابْكِ وازْفِرْ لَها فَإنَّ عِدَاها *** مَنَعُوهَا مِنَ الْبُكَا والزَّفِيرِ(4)

وكأنِّي بِهِ يَقُولُ ويَبْكِي *** بِسُلُؤَّ نُزْرٍ ودَمْعٍ غَزِيرِ:

لاَ تَرَانِي اِتَّخَذْتُ لاَ وَعُلاَها *** بَعْدَ بَيْتِ الأَحْزَانِ بَيْتَ سُرُورِ(5)

فَمَتَى يَابنَ فَاطِمِ تَنْشُرُ الطَّا*** غُوتَ والْجِبْتَ قَبْلَ يَومِ النُّشُورِ؟

فَتَدَارَكْ مِنّا بَقَايا نُفُوسٍ *** قَدْ أُذِيبَتْ بِنَارِ غَيْظِ الصُّدُورِ

ص: 263


1- جليل : عظيم شديد.
2- في (مقاتل الطالبيين ص 49) كتب أبو الفرج الأصفهاني : وكانت وفاة فاطمة عليها السلام بعد وفاة النبي صلي الله عليه و اله و سلم بمدة يُختلف في مبلغها، فالمُكثر يقول ستة أشهر، والمُقل يقول أربعين يوماً، إلا أن الثابت في ذلك ما روي عن أبي جعفر ( الباقر) محمد بن على أنها تُوفيت بعده بثلاثة أشهر . (ويراجع: بحار الأنوار 215:43 / بيان بعد ح 47).
3- تهنا: مخففة «تهنأَ». ويشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ژوي من أنهم لطموا الزهراء عليها السلام علی خذها، وإلى احمرار عينها جرّاء ذلك.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما رُوي من أنهم منعوها عليها السلام من البكاء، ففي (البحار ج 43 ص 177/ ضمن ح 15) وهو حديث طويل، قال: اجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام ؟ فقالوا له: يا أبا الحسن، إن فاطمة تبكي اللّيل والنهار، فلا أحد منّا يتها بالنوم في الليل على فُرشنا، ولا بالنهار لنا قرارٌ على أشغالنا وطلب معايشنا، وإنا نُخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً، ينظر: کتاب مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب ج 3 ص 322/ حديث حول منع الزهراء عليها السلام عن البكاء.
5- يشير الشاعر في هذا البيت إلى بيت الأحزان الذي كانت الزهراء عليها السلام تبكي فيه بعد أن تضايق من بكائها الشيخان وأتباعهم.

(2) حبيبةُ خَيرِ الرُّسل

(بحر الطويل)

الشيخ حبيب شعبان(1)

هِيَ اَلْغَيْدُ تَسْقِي مِنْ لَوَاحِظهَا خَمْرا *** لِذّلِكَ لاَ تَنْفَكُّ عُشَاقُهَا سَكري(2)

ضَعَائِفُ لاَ تَقْوى قُلُوبُ ذَوِي النُّهْيِ *** عَلَى هَجْرِهَا حَتَّى تَمُوتَ بِهِ صَبْرا

ومَا أَنَا مِمَّن يَسْتَلِينُ فُؤَادَهُ *** ويَنْفُثْنَ بِالألْحاظِ في عَقْلِهِ سِحْرا

ولا بِالَّذِي يُشْجِيهِ دَارِسُ مَربَعً *** فَيَسْقِيهِ مِن أجْفَانِهِ أدْمُعاً حُمْرا

ص: 264


1- هو الشيخ حبيب ابن الحاج مهدي ابن الحاج محمد الشهير بشعبان، وآل شعبان من الأسر العريقة في النجف الأشرف. ولد المترجم في النجف بحدود 1290 ه، ونشأ بها على أبيه، فعني بتربيته، وقرأ القرآن وتعلم الكتابة ، ثم وجهه حسب رغبته إلى طلب العلم، فقرأ: النحو، والصرف، والمعاني ، والبيان ، والمنطق، والفقه، والأصول. ذكره جمع من الأعلام، منهم: صاحب الحصون، وصاحب الأعيان، وصاحب أدب الطف، فأجمعوا على أنه فاضل ذكي، وشاعر لامع وأديب، حسن المعاشرة، ظریف المحاورة. وهو ذو همة علية وطموح جاد في اكتساب العلم والمعرفة، فهاجر إلى كربلاء المقدسة عام 1325 ه للتزود من العلم هناك، فتتلمذ على الفقيه الأصولي الكبير السيد محمد باقر الطباطبائی، وكان ملازما له مدة طويلة، ثم سافر إلى الهند فركب البحر قاصداً لها، فانقطعت أخباره إلى عام 1336، حتى وردت كتب من رامپور تُنبئ بوفاته هناك. وللمترجم شعر كثير ولكنه لم يجمع في ديوان، وأكثر شعره في المعصومين عليهم السلام .
2- الغيد: الفتيات طويلات العنق لبنات الأعطاف، واحدتها : غيداء. اللواحظ : العيون .

اَاَبْكِي لِرَسْمٍ دَارِسٍ حَكَمَ الْبِلى *** عَلَيهِ وَدَارِ بَعْدَ سُكّانِهَا قَفْرا؟(1)

وأُصْفِي وِدادِي لِلدِّيارِ وأهْلِها *** فَيَسْلُو فُؤَادِي وُدَّ فَاطِمَةَ الزَّهْرَا؟

وقَدْ فَرَضَ الرَّحْمانُ فِي الذَّكرِ وُدَّهَا *** ولِلمُصطَفى كَانَت مَوَدَّتُها أجْرَا(2)

وزَوْجَها فَوْقَ السَّما مِن أَمِينِهِ *** عَلِيَّ فَزَادَتْ فَوْقَ مَفخَرِهَا فَخرا(3)

وَكَانَ شُهودُ الْعَقْدِ سُكَّانَ عَرْشِهِ *** وكَانَت جِنّانِ اَلْخُلْدِ مِنْهُ لَها مَهْرَا

فَلَم تَرْضَ إِلاَّ أَنْ يُشْفَّعَها بِمَنْ *** تُحِبُّ فَأَعْطَاهَا اَلشَّفاعة فِي الأُخْرى(4)

حَبِيبَه خَيْرُ الرُّسلِ مَا بَيْنَ أَهلِهِ *** يُقَبلُها شَوْقاً وَيُوسِعُها بِشرا

وَمَهما لِرِيحِ الجَنةِ اشْتَاقَ شَمَّهَا *** فَيَنْشَقُ مِنْهَا ذلِكَ العِطْرَ والنَّشْرَا(5)

إِذا هِيَ فِي المِحْرابِ قَامَتْ فَنُورُها *** بِزَهْرَتِهِ يَحْكِي لأَهْلِ السَّمَا اَلزَّهْرا(6)

ص: 265


1- يعني قفراء: أرض خالية من الماء والكلأ والناس .
2- إشارة إلى نزول قوله تعالى : «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» (الشوری: 23) في علي وفاطمة والحسنين عليهما السلام .
3- إشارة إلى تزويج فاطمة من علي عليه السلام في السماء .
4- في ( أخبار الدول وآثار الأول ص 88 - ط بغداد) کتب مؤلفه أحمد بن يوسف الدمشقي : ورد في الخبر أنها لما سمعت أن أباها زوجها قالت له : أسألك أن تجعل مهري الشفاعة في عُصاة أمّتك . فنزل جبرئيل عليه السلام ومعه بطاقة من حرير مكتوبُ فيها: جعل الله مهر فاطمة الزهراء شفاعة المذنبين من أمة أبيها.
5- يَنشَق: يَشَمُّ. وفي البيت إشارة إلى ما رُوي في كتاب (مستدرك الصحيحين للحاكم ج 3 ص156): روی بسنده عن سعد ابن مالك قال : قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام بسَفَرجَلة من الجنة، فأكلتها ليلة أسري بي ، فعلقت خديجة بفاطمة، فكنتُ إذا اشتقتُ إلى رائحة الجنة شممتُ رقبة فاطمة.
6- الزهراءُ : الشَّمس. أي أن إزهار نورها في المحراب يحكي نور الشمس لأهل السماء.

وانَسِيَةً حَوْراءُ فَالْحُورُ كُلُّها *** وَصَائِفُها يَعدُدْنَ خِدْمَتَها فَخْرا(1)

وإِنَّ نِسَاءَ العَالَمِينَ إمَاؤُها *** بِهَا شُرِّفَت مِنْهُنَّ مَنْ شُرَّفَت قَدْرا(2)

فَلَمْ يَكُ لَوْلاّها نَصِيبٌ مِنَ الْعُلى *** لاَنثِي وَلا كَانَتْ خَدِيجَةُ الْكُبْرَى

لَقَدْ خَصَّهَا الباري بِغُرِّ مَناقِبٍ *** تَجَلَّتْ وَجَلَّتْ أن نُطِيقَ لَهَا حَصْرا

وكَيْفَ تُحِيطُ اللُّسْنُ وَصْفاً بِكُنْهِ مَن *** أَحَاطَتْ بِمَا يَأْتِي وَمَا قَدْ مَضى خُبرا؟(3)

ومَا خَفِيَت فَضْلاً عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ *** فَيَالَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ قَدْ خَفِيتَ قَبْرا؟

ومَا شَيَّعَ الأصحابُ سَامِيَ نَعْشِها *** ومَا ضَرَّهُمْ أَنْ يَغنَمُوا الفَضلَ والأَجْرَا ؟(4)

بَلِيَّ جَحَدَ القومُ النَّبِئُ وأَضْمَرُوا *** لَهُ حِينَ يَقْضِي فِي بَقِيَّتِهِ الْمَكْرَا

لَقَدْ دَحْرَجُوا مُذْ كانَ حَيَّاً دِبّابَهُمْ *** وقَدْ نَسَبُوا عِنْدَ الْوَفَاةِ لَهُ الْهُجْرا(5)

ص: 266


1- إشارة إلى ما ورد في كتاب (تاریخ بغداد للخطيب البغدادي ج12 ص 331) قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: ابنتي فاطمة حوراء آدمية، لم تحض ولم تَطمُث.
2- روي في كتاب ( ينابيع المودة ج 1 ص 309) عن عبدالله بن عباس عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: لما خلق الله آدم وحواء عليه السلام أخذا يفتخران في الجنة ، فقالا: ما خلق الله خلقاً أحسن منّا، فبينما هما كذلك إذ رأيا صورة جارية لها نور شعشعاني يكاد يُطفئ الأبصار، على رأسها تاجٌ وفي أذنيها قرطان، قالا: ما هذه الجارية ؟! قال الله : هذه صورة فاطمة بنت محمد سيّد الأولين والآخرين، قالا: وما هذا التاج على رأسها ؟ قال : هذا بعلُها علي بن أبي طالب، قالا: وما هذان القُرطان ؟ قال : الحسن والحسين ابناهما، أوجدتُ ذلك قبل أن أخلقكما بألفي عام.
3- اللُّسن: الألسنة. خُبراً: تجربة واختباراً . الکّنه: الحقيقة.
4- إشارة إلى ما رُوي في كتاب (دلائل الإمامة للطبري ص 46): فغسلها أمير المؤمنين عليه السلام ولم يحضرها غيرُه والحسن والحسين، وزينب وأمّ كلثوم، وفضّة جاريتها، وأسماء بنت عمیس .. أخرجها إلى البقيع ليلاً. (الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة).
5- في ظلّ العبارة ( ودباب دحرجُوها) من دعاء صنمي قريش، قال أبو السعادات: إشارة إلى أن جماعة من المنافقين اجتمعوا وقالوا : إن هذا الرجل - أي النبي صلي الله عليه و اله و سلم- سلّط ابن أبي طالب علينا، : وسهَل طرق الآفة منه إلينا، ولا نجد مثل هذه الحالة التي هو منقطع فيها عن علي بن أبي طالب ، فلننتهز هذه الفرصة في هذه الغزوة وتهلکه، ثم نرجع إلى المدينة ونرى رأينا في هذا الأمر من بعده. وكتبوا بذلك كتاباً ! ومَضَوا قدما إلى عَقَبة كانت أمامهم، عَقَبه كؤود لا يمكن أن يجتاز عليها إلّا فردُ رجلٍ أو فَردُ جُمَل، وكانت تحتها هُوةً مقدار ألف رمح، بعيدٌ وغورُها، فمن تعدى عن المجرئ وقع في تلك الهوة وهلك .. فلمّا وصلوا إلى تلك العقبة الكؤود أخذوا دبّه كانت للدُّهن من جلد الحمار ليطرحوها بين يَدَي ناقة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ويُنفّروها؛ لتُلقي محمداً صلي الله عليه و اله و سلم في تلك الهّوة والغور من الأرض فيهلك صلي الله عليه و اله و سلم، فجاء جبرئيل بهذه الآية «يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْر» (سورة التوبة: 74) وأخبر النبي صلي الله عليه و اله و سلم بمكيدة القوم وأسمائهم، وأخذ زمام ناقة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وأدخله العقبة. وكانت الجماعة مترصَدين بلوغَ النبي إلى هنالك، ومعهم الدبة ليُلقوها بين يدي ناقة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وينفّروها إلى الهوة .. فأظهر اللهُ تعالی برقاً مستطيلاً دائماً، ونظر النبي صلي الله عليه و اله و سلم ، وعرفهم فافتُضحُوا! فسأل النبيُّ صلي الله عليه و اله و سلم أبابکر عن إتيانهم وقيامهم هنالك، فقال : قادنی عمر إلى هاهنا! فسأل صلي الله عليه و اله و سلم عمر عن ذلك، فقال : بل قادني أبوبكر إلى هاهنا وأمرني بذلك، فسأل النبي صلي الله عليه و اله و سلم واحداً واحداً، فكُلُّ يُحيل على صاحبه وصاحبُه عليه ؛ كرامة الرسول الله صلى الله عليه و اله و سلم وفضيحةً وشنيعةً عليهم! (رشح الولاء في شرح الدعاء، لأبي السعادات أسعد بن عبدالقاهر الأصفهاني 156 - 158 - 712). وأمّا نسبة «الهُجر» إلى رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم. حاشاه – عند احتضاره وطلبه و صلي الله عليه و اله و سلم قلماً و دواة ، فمنعهم عمر وقال : إن الرجل ليهجُر! ذكر ذلك بعضُ أصحاب الصحاح منهم: البخاري في صحيحه 1: 39 - وط دار الشعب 1: 33، و 4: 85، و : 11، ومسلم في صحيحه 5: 76، وابن الأثير في جامع الأصول 69:11 - 71/ ح 8533.. وغيرهم. (يراجع: بحار الأنوار 30: 529 – 582 الطعن الأول) .

فَلَمَّا قضى ارْتَدُّوا وَصَدُّوا عَنِ اَلْهُدْئ *** وَهَدُّوا عَلَى عِلْمِ شَرِيعَتِهُ اَلْغَرَّا

وَحَادُوا عَنِ النَّهْجِ القَوِيمِ ضَلالَةٌ *** وَقَادُوا عَلِيّاً فِي حَمَائِلِهِ قَهْرا

وَحِيداً مِنَ الْأَنْصَارِ لَا حَمْزَةُ لَهُ *** و لاجَعْفَرُ الطَّيَّارُ فادَّرَعَ الصَّبْرَا(1)

وطَأْطَأَ لا جُبْناً وَلَوْ شَاءَ لانتَضَى ال *** حُسَامَ الَّذِي مِن قَبلُ فيهِ مَحَا الكُفرا

ص: 267


1- ادّرع: اتَخذ درعاً.

ولكِن حِلْمَ اللَّهِ جَارٍ وإنَّهُ *** لَأَصْبَرُ مِن فِي اللَّهِ يَسْتَعْذِبُ الصَّبْرا(1)

فَكَابَدَ مَا لَوْ بِالجِبَالِ لَهَدَّها *** وشَاهَدَ بَيْنَ القَوْمِ فَاطِمَهٌ حَسري(2)

ص: 268


1- الصَّبرُ . ويقال : الصَّبرُ -: عصارة شجر مرّ.
2- أي لم يُمهلوها لتتجلبب بجلبابها المجلَّل المعهود، ومع حجابها الشريف ذاك لاذت وراء الباب تتخفّى عن الأعين الوقحة، فلمّا أرادوا النظر إليها غَشيث عيونَهم أنوارُها فعَمُوا عن رؤيتها ! (يراجع: بحار الأنوار 8: 229 - 233 - ط الكمپانيّ).

(3)يا كوكبَ الإيمان

(بحر الكامل)

السيّد حسين السيّد حسن هاشم

زَهرَاءُ يَا بِنْتَ النَّبِيِّ المُصْطَفى *** يَا فَرْعَ دَوْحَةِ أَحْمَدَ الْمُخْتَارِ(1)

يَا كَوْكَبَ الْإِيمانِ فِي أُفُقِ الهُدْئ *** يَسمُو عَلَى الأَيَّامِ بِالأَنْوارِ

يا قِمَّةَ التَّقْوَى ومِصْبَاحَ الدُّجْئِ *** وَمَنارَةٌ لِلتَّائِهِ الْمُحْتَارِ

يَا بِنْتَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ خَدِيجَةَ ***يا قُدْوَةَ الأَخْيارِ وَالأَبْرارِ

يَا مَنْ وَرِثْتِ العِلْمَ عَنْ أَهْلِ الْنُّهى *** وَالوحْيُ مَدرَسَةٌ بَنَاهَا البارِي(2)

يَا مِنْحَةَ اَللَّهِ الكَرِيمِ بِأَرْضِنا *** طَهُرَتْ فَأَعطَتْ عِترَةَ الأَطْهارِ

خُلِقَت لِتُصْبِحَ مِنْ عَلِىٍّ زَوْجَةٌ *** أَكْرِم بِزَوْجَةٍ حَيْدَرَ الكَرَّارِ

وَلَدَت لَنَا حَسَناً حَفِيدُ مُحَمَّدٍ *** وَابنَ الوَصِيِّ القَائِدِ المِغْوارِ(3)

حامي عن الدِّينِ الحَنِيفِ بِحِلْمِهِ *** بِوَثِيقَةٍ أَمْضى مِنَ البَتّارِ(4)

ص: 269


1- الدَّوجة: الشجرة العظيمة. وقد جاء في (شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 ص313) عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم قوله: أنا شجرة، وعلىُّ القلب، وفاطمةُ اللُّقاح، والحسن والحسنين الثمر، وشيعتنا الورق.
2- مُفردُ النُّهى النَّهية وهي العقل، سُمِّي بذلك لأنه ينهى عن القبيح وعن كلِّ ما ينافي العقلَ والصواب .
3- المغوار: الشجاع المقدام .
4- أمضى : أقطع . البتّار: السيف القاطع . فوثيقة صُلح الإمام الحسن عليه السلام كانت حُجّة تاريخية قائمة : قطعت حُجج المنافقين والمتذرعين ، وفضحت نواياهم، وكشفت جاهليّاتهم، ومكائد مكرهم! وأولهم معاوية بن أبي سفيان وحاشيته الموبوءة خبثاً وحقداً على الإسلام و علی رسول الله وآله.

كَشَفْتَ نَوَايَا المَاكِرينَ وَبَيَّنْتَ *** لِلْمُسْلِمِينَ مَسَاوِيَ الْمَكَّارِ(1)

وتَرَضَّعَ السِّبطُ الشَّهِيدُ إِبَاءَهُ *** مِنْها بِفَرْعٍ لِلإِبا دَرّارِ(2)

فَحَمَى الشَّرِيعةِ بِالدِّماءِ مُجاهِداً *** زُمَراً مِنَ التُّجَّارِ والفُجَّارِ(3)

وَغَدا عَلى شَفَةِ الزَّمانِ مَدائِحاً *** صَفَعَتْ عُتُوُّ المُجرِمِ الجَبّارِ

نَفْسِي الفِداءُ لِمَنْ بِتَارِيخِ العُلى *** أَمْسى مَحَجَّةً أَشْرَفِ الثُّوَارِ(4)

***

زَهْرَاءُ يَا رَمْزَ الصَّلاحِ لَنَا بها *** مَثَلُ تَسَامي فَوْقَ كُلِّ مَنارِ

فِي يَوْمِ مَوْلِدِهَا الكَريمِ تَضَافَرَت *** نِعَمُ الوَفا وَالحُبُّ وَالإيثارِ(5)

وَالْحِلْمِ وَالتَّقْوَى ونِبراسِ الهُدئِ *** وقَلائِدِ التَّكْرِيمِ والإِكْبارِ(6)

نَرْجُو شَفاعَتَها غَداً يَوْمَ اللِّقا *** عِنْدَ الكَرِيمِ اَلْمُنْعِمِ الغَفَّارِ(7)

ص: 270


1- المکار هنا هو معاوية.
2- لو قال: «بصدر» بدل «بفرع» لكان أجود.
3- التُّجّار الفُجّار، أولئك الذين عاثوا في الأرض فساداً وظلماً، اغتصبوا الخلافة الإلهية من أهلها، وسلبوا أموال المسلمين وممتلكاتهم، وتاجروا بالدّين يتظاهرون به كالثعالب وهم ينزون على منبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم باسم الإسلام الذي شوهوه وحاربوه وقتلوا أهله.
4- مَحَجَّه: مؤنثة المحجّ، وهو مكان الحج. أي أمسى كعبة أشرف الثوار.
5- تضافرت: توافدت .
6- النبراس : المصباح.
7- قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : يا فاطمة أبشري ؛ فلك عند الله مقامٌ محمود، تشفعين فيه لمحبّيك وشيعتك فتُشفَعين . (کنز الفوائد للكراجكى 1: 150 - ط قمّ)

(4)صاحب الطلعة الغَرّا

(بحر الطويل)

السيِّد خضر القَزوينيّ(1)

الی مَ التَّواني صَاحِبَ الطَّلعةِ الغَرّا *** أما آنّ مِن أَعداكَ أن تَطلُبَ الوِترا(2)

ص: 271


1- السيّد خضر بن علي بن محمد بن جواد بن رضا، أبو الأسرة القزوينية، ويصل نسبه إلى زيد الشهيد ابن الإمام زین العابدین علی بن الحسين بن علي صلوات الله عليهم. وهو من أسرة، تعرف بآل القزويني ، قطنت النجف الأشرف منذ زمن بعيد. ولد المترجم في النجف الأشرف عام 1323 ه، ونشأ بها وترعرع، حتى إذا بلغ سن رشده ركب طريق الأدب والكمال، وما انفك عن مجالسة الشعراء وممارسة الخطباء، فقرض الشعر وهو ابن عشرين عاما، وقد جمع إلى موهبة النظم وإنشاد الشعر في الخطابة والتبليغ بأسلوب جديد بليغ، فكان خطيب مفوها حباه الله محسن الصوت وجمال الوجه فأصبح يشار إليه بالبنان. وما انفك مثابرة على طلب الفضل والفضيلة، وتحصيل العلوم والأخلاق، حتى انفرد من بين ذوي الف بمواهبه العالية، وأصبح نابغة من نوابغ الشعراء والخطباء، وحلق من بينهم إلى أوج الكرامة والخلود. أكثر من النظم وأجاد في أكثره، وطرق أبواب الشعر فكان موفقا في أغلبها، وكان غزید المحافل، وفي عصره يعد من المجددین، فكان أدبه أكثر من خطابته. وكان المترجم مثالا للخلق الرفيع والنفس العالية، مرموقاً في وسطه محبوباً عند مختلف الطبقات، أريحئ الطبع، ذكيا رقيق الأسلوب، وكان وفيا مع أصدقائه. تُوفّي عليه السلام وهو في أوائل العقد الرابع من عمره، بعد أن قاسي المرض زمنا ، وذلك يومَ الثالث من رجب عام 1357 ه، وشيع تشييعا معظماً، ودفن في الإيوان الذهبي في الحرم الحيدري المقدّس.
2- التواني : التأنّي والانتظار . الوثر: الانتقام. والخطاب موجَّه إلى صاحب الأمر عليه السلام.

فَدَيْنَاكَ لِم أَغْضَيْتَ عَمَّا جَرَى عَلَى *** بَنِي المُصْطَفى مِنْهَا وقَدْ صَدَعَ الصَّخرا؟(1)

أَتُغَضِي وتَنْسى أُمُّكَ الطُّهْرَ فَاطِماً *** غَدَاةَ عَلَيْهَا القَوْمُ قَدْ هَجَمُوا جَهْرا؟

أَتُغضِي وَشَبُّوا النَّارَ فِي بابِ دَارِها *** وقَدْ أوْسَعُوا في عَصْرِهِمْ ضِلْعَها كَسرا؟

أَتُغضِي وَمَنْهَا أَسْقَطُوا الطُّهْرَ مُحسِناً *** وَقَادُوا عَلِىَّ المُرْتَضئِ بَعْلَها قَسرا؟(2)

أَتُغضِي وَسَوطُ الْعَبْدِ وَشَّحَ مَتْنَها *** ومِنْ لَطْمَةِ الطَّاغِي غَدَتْ عَيْنُهَا حَمْرَا؟(3)

أَتُغضِي وقَدْ ماتَتْ ومِلْءُ فُؤَادِها *** شَجِي وعَلِىٌّ بَعْدُ شَيَّعَها سِرّاً؟

ثم ذكر مصاب شهادة الإمام أميرالمؤمنين ، ثم الحسن والحسين عليه السلام ،ثمّ قال في ختام القصيدة :

فَحَتَّى مَتَى تُغْضِي وَلَمْ تُلْفَ ثَائِراً *** بِؤَترِ بَنِي الهادِي اَلَّذِينَ قَضَوْا صَبْرا؟

فَهُبِّ لَها وَاسقِي حُسامَكَ مِن دِما *** عِداكَ وغَادِرْ نَظمَ هَامَاتها نَثْرا(4)

ص: 272


1- أغضى يُغضي : طبق جفنيه حتى لا يبصر شيئاً، أو سکت و صبر . صَدَع : شقّ.
2- في بحثه القيم والمفصَّل ( المحسن السِّبط مولودٌ أم سقط) قدّم السيد محمد مهدي الخرسان أدلة وافية على مظلومية هذا الجنين المقدّس من خلال شواهد تاريخية قاطعة افترشت أكثر من 600 صفحة . كذا كان كتاب الشيخ مهدي الفاطمي (محسن ابن فاطمة) يحمل النصوص الغزيرة والشواهد الوفيرة حول شهادة هذا الكنز النبوي العلوي - الفاطمي، في قرابة 500 صفحة، ومعظم أدلة المؤلفين من كتب العامة.
3- وشح: ألبسه الوشاح ، كناية عن أنه اسود متنُها عليها السلام من آثار سياطه فصار كأنه وشاحٌ على متنها. يشير الشاعر في هذا البيت إلى ضرب القوم للزهراء عليها السلام بالسَّوط، ولطمهم إيّاها على خدها القُدسي.
4- إثبات حرف العلة في المجزوم، ضرورة .

(5)البضعة الغرّا

(بحر الطويل)

الحاجّ سُعود الشَّعلاويّ(1)

خَدِيجَهُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ سَمَتْ فَخرا *** بِتَزْوِيجِها للْمُصْطَفى مُنِحَت قَدْرا(2)

لَهُ اِخْتَارَها رَبُّ السَّماءِ حَلِيلَةً *** فَفَضَّلَها دُنْيا وشَرَّفَها أُخْرى

وقَدَّرُ نَسْلَ المُصطَفى مِن طَريقِها *** وَصَيَّرَها أمَّا إلَى البَضعَةِ الغَرّا(3)

ص: 273


1- هو الخطيب الحاج سعود بن عبدالعزيز بن أحمد الشَّعلاويّ .ولد في منطقة (أم الحمام من توابع المنطقة الشرقية في السعودية في حوالي عام 1335 ه، ونشأ تحت ظل والده نشأة حسنة، حيث قام بتعليمه والاهتمام به، فضمه إلى معلمي القرآن الكريم منذ نعومة أظفاره. ثم على يد مجموعة من الأفاضل، حتى أخذ نهج الخطابة الحسينية فبرع في مجالها، وكان مما أعانه امتلا که حافظه قوية، فقطع شوطا بعيدة في الميدان الخطابي، لاسيما خلال مرافقته لجمع من العلماء والخطباء، وهو يسلك طريقة جديدة يخدم بها المنبر الحسيني، ويتمنى أن يختم حياته بذلك قائلا: أرجو أن أموت وأنا في خدمة أهل البيت عليهم السلام.
2- سمت: علت وارتفعت.
3- الغرا: الغراء مؤنث الأغر، وهو الكريم الأفعال، والسيّد الشريف. والغرَّة جمعها غُرر، والغرَّة من كل شيء، أؤلُه ومعظمه وطلعته. وكلُّ ما بدا لك من ضوء أو صبح فقد بدت غرته. في (الاستيعاب): لم يختلفوا في أن ولد النبي صلي الله عليه و اله و سلم كلهم من خديجة، حاشا إبراهيم ... وفاطمة الزهراء تزوجها عليُّ بن أبي طالب، وانحصرت ذرية رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في وُلدها. وفي (بحار الأنوار 63: 101ح 11. عن تفسير القمي): قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : يا فاطمة، ما بعث الله نبيّاً إلا جعل له ذُّرية من صُلبه، وجعَلَ ذُّريتي من صلب علي ، ولولا على ما كانت لي ذُّريّه .

ومُذْ حَمَلَتْها زالَ عَنْهَا هُمُومُهَا *** تُحَدِّثُها سِرّاً وَتُورِتُهَا سَرّا(1)

وَذِي آيةٌ كُبْرَى لِفَاطِمَ مَا جَرَتْ *** قَدِيماً لأُنْثى لا وَلا بَعْدَها تُجْرئ

رَآهَا الْهُدْئِ تُبْدِي كَلاماً وَلَم يَجِد *** سِوَاها فَنادي وَالسُّرُورُ مَلاَ الصَّدْرا(2)

تُنَاجِينَ مَنْ؟ قَالَتْ جَنِينِي مُحدِّثي *** فَرَاحَ نَبِيُّ اَللَّهِ يُهْدِي لَهَا البُشْرى

يَقُولُ لَهَا: البُشْرَى بِبِنْتِ كَرِيمَةً *** بِها تُزْهَرُ الدُّنْيَا وتَزْدَهِرُ الأُخْرى(3)

ونَسْلِيَ مِنْها يا خَدِيجَةُ فَاعْلَمِي *** هُمْ حُجَجُ الْبَارِي وَ آيَتُهُ الْكُبْرى

وهُم مَدَدٌ لِلدِّينِ مِن بَعدِ غَيْبَتِي *** يُقِيمُونَ لي شَرْعِي ويُبْقُونَ لِيَ الذِّكْرَى (4)

فَمَا بَرِحَت مَسْرُورَةً تَحْمِلُ الهَنا *** وتَرقَبُ يَوْماً فِيهِ تَبْدُو لَهَا السِّرَّا(5)

ولَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِخْراجَ قُدْسِها *** لِبادِيَةِ الدُّنْيا لِتَمْلأَها خَيْراً

تَنزِّلَ خَيْراتِ النِّساءِ لِأُمِّها *** لِيَقْبَلنَها فِي وَضْعِهَا الدُّرَّةَ النُّورا(6)

ص: 274


1- مخففة السَّرا : كل ما ترك من الأمور، وهي نقيض الشراء .
2- تُبدي : تُظهر. وملا: مخففة «ملاَ»
3- تُزهر: تضيء. تزدهر : تفرح .
4- في رواية الإمام الصادق عليه السلام : إن خديجة لمّا تزوج بها رسول الله هجرتها نسوة مكة .فاستوحشت خديجة لذلك، وكان جزعها وغمُّها حذراً عليه (أي على النبي صلي الله عليه و اله و سلم )، فلمّا حملت بفاطمة كانت فاطمة عليها السلام تُحدثها من بطنها وتُصبرها، وكانت تكتم ذلك من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، فدخل رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يوماً فسمع خديجة تحدث فاطمة، فقال لها: يا خديجة، من تحدثين ؟! قالت : الجنينُ الذي في بطني يُحدثني ويؤنسني ، قال : يا خديجة، هذا جبرائيل يُخبرني (وفي نسخة: يُبشَرني) أنها أنثى، وأنها النسلهُ الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالی سیجعل لي منها، وسيجعل من نسلها أئمة ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه .. ( أمالي الصدوق 475 - 476/ ح 1 - المجلس 87)
5- فما بَرحت: فما زالت. ترقُب : تنتظر، ترتقب. الترا: السَّراء، وهو الفرج وما يُسر به المرء.
6- تنزَّل الشيء: أنزله. قَبَلَتِ القابلة الولد: تلقته عند الولادة. و د تقدّم أن أربعة من نساء الجنة قبَّلنَ خديجة بفاطمة عليها السلام.

لَها حَضَرَت عِنْدَ اَلْوِلادَةِ سَارَةُ *** وآسِيَةُ مَع كَلْثَمٍ مَعَهَا العَذْرا(1)

لَيُؤْنِسنَّهَا حَتَّى تَكُونَ بِقُرْبِها *** قَريزَةَ عَيْنٍ لا ترى عِنْدَها عُسْرا(2)

أَحَطنَ بِهَا يُؤنِسنَها فَتَمَخَّضَت *** بِيُسْرٍ مِنَ اَلْبَارِي فَاَولَدَتْ الزَّهرا(3)

أَضَاءَتْ رِحابَ الدَّارِ مِنْ نُورِ وَجْهِهَا *** كَمَا عَمَّ ذَاكَ النُّورُ دُنيّا الوَري طُرّا(4)

فَصَلُّوا عَلَيْها وَالنَّبئ وبَعْلِها *** وَأَبْنَائِهَا مَنْ خَيْرُهُمْ أَبَدأ يَترئ(5)

ص: 275


1- سارة زوج إبراهيم عليه السلام . وآسية بنت مزاحم زوج فرعون. وكلثم أخت موسی عليه السلام والعذراء هي مريم عليها السلام.
2- الضمير في «بقربها» و «عندها» يعود إلى جماعة النساء.
3- تمخضت : جاءها مخاض الولادة، وخلصت إليه. وألَدَت : ولدت.
4- في (عوالم العلوم، ج 1 ص 56 ح 1): فوضعت خديجهُ فاطمة عليها السلام طاهرة مطهرة؛ فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النورُ حتى دخل بُيوتات مكة، ولم يبقَ في شرق الأرض ولا غربها موضعُ إلا أشرق فيه ذلك النور.
5- يترئ : يَتتابع . عن کعب بن عجرة: قلنا: يا رسول الله ، قَد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك ؟ فقال : قولوا: للّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد. وفي رواية الحاكم: قيل : يا رسول الله ، كيف الصلاةُ عليكم أهل البيت ؟ قال : قولوا: اللّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد.. ويُروى : لا تُصلّوا على الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء ؟! قال : تقولون: اللهم صل على محمد، وتسكتون، بل قولوا: اللهم صل على محملي وعلى آل محمد... فقيل له: من أهلك يا رسول الله ؟ قال : علي وفاطمة والحسن والحسين . (کشف الغمة لعبدالوهاب الشعراني 1: 110 . ط مصر).

(6)البِدارَ البِدار

(بحر السريع)

السيّد صالح الحلّلیّ(1)

ص: 276


1- هو السيد صالح ابن السيد حسين ابن السيد محمد الحسيّني الحلّيّ ، وُلد في الحلة سنة 1289 ه ونشأ بها، فقرأ مقدمات العلوم، وهاجر منها إلى النجف الأشرف سنة 1308 ه وهو في التاسعة عشرة من عمره، وأخذ يواصل دروسه على رجال الفكر والعلم، فدرس العربية والمعاني والبيان، ودرس كتابي المعالم والقوانين في الأصول، وكتابي الرسائل والمكاسب، وتناول الفقه من فقهاء بارزين، منهم: الملا محمد کاظم الخراساني صاحب ( الكفاية)، والشيخ محمد طه نجف، والشيخ آغا رضا الهمداني ، والشيخ جواد محيي الدين وغيرهم، حتى بلغ درجة عالية من العلم. ونُقل لي عن المرجع الورع السيد الميرزا مهدي الشيرازي رحمه الله ، قال : إنّ السيّد صالح الحلّيّ فقيه و مجتهد، فكان يصعد المنبر في أيام قصاص التمر، يتكلّم شهراً كاملا على المنبر المباحث الفقهية في الزكاة، ويناقشها ويبدي رأيه فيها على طريقة المراجع والمجتهدين. صعد المنبر سنة 1318ه، وكان يجاري خطيب وقته الشيخ كاظم سبتي ، واستفاد من توجيهات السید باقر الهندي. وقف في قضية المشروطة والمستبدة إلى جانب أستاذه الآخوند الخراساني، وقارع الاستعمار الإنجليزي في العراق، فنفوه إلى الهند، لكن عند مرورهم به بالفيلية من خوزستان أنقذه الشيخ خزعل، فبقي عنده ثمانية أشهر، ثم رجع إلى العراق فسكن الكوفة. وفي سنة 1344 ه. عندما صرح السيد محسن الأمين العاملي بتحريم (التطبير) قام المترجم بالدفاع عن التطبير وشن حملة كبيرة على السيد الأمين، وفي سنة 1347 ه. عندما صدر کتاب ( التنزيه عن أعمال الشبيه) للسيد محسن الأمين العاملي كان مترجمنا في طليعة المعارضين له، : حيث شئ حملته الشديدة على السيد ومناصريه ومؤيديه أيضاً. وفي عام 1352 ه نفته الحكومة العراقية إلى البصرة حينما هتف بمقاطعة الانتخابات للمجلس النيابي ، ومكث منفية ستة أشهر ثم عاد إلى النجف الأشرف. له ديوان شعر مخطوط باسم (الباقيات الصالحات)، وفي أواخر حياته لازم الفراش زمناً طويلاً المرض عُضال، ثم ارتحل إلى جوار ربه في ليلة السبت المصادف 29 من شهر شوال لعام 1359 ه في الكوفة، فحُمل على الرؤوس تعظيم له حتى دون بوادي السلام في ( مقام المهدي) حسب وصيّته .

يَا مُدْرِكَ الثَّارِ البِدارَ البِدارَ *** شُنَّ عَلى حَرْبٍ عِداك المَغار(1)

وَائتِ بِها شَعْواءَ مَرْهُوبَةٌ *** تَعْقِدُ لَيْلاً فَوْقَها مِنْ غُبار(2)

يَا قَمَرَ التَّمَّ أَمَا آن أَنْ *** تَبْدُوَ فَقَدْ طالَ عَلَيْنَا السِّرار(3)

يَا غَيْرَهَ اَللَّهِ أما آن أَنْ *** تُغِيرَ أَعدَاءَكَ فَالصَّبْرُ غَار(4)

يَا صاحِبَ اَلْعَصْرِ أَتَرضئ رَحي *** عَصَّارَةِ الخَمْرِ عَلَيْنَا تُدَار؟(5)

فَاشْحَذْ شَبا غَضبِكَ واسْتَأْصِلِ ال *** كُفرَ بِهِ قَتْلاً صغاراً كِبار(6)

عَجِّل فَدَتْكَ النَّفْسُ وَاشفِ بِهِ *** مِنْ غَيْظِ أَعْداكَ قُلُوباً حِرار(7)

ص: 277


1- البدار : العَجَل والمبادرة بإسراع. المغار: الغارة . والخطاب موجَّه إلى صاحب الأمر عليه السلام.
2- شعواء: أي غارة شعواء، ممتدة متفرقة يكون غبار تلك الغارة على عداك ليلاً حالكاً.
3- السّرار: آخر ليلة من الشهر يستسرُّ فيها القمر.
4- أغار عليهم: هجم وأوقع بهم. في «أعداءَك» منصوب بنزع الخافض، أي: «أما آن أن تغير على أعدائك»، فحذف «على» ونصب «أعداءك».
5- عَصَّارهُ الخمر: هم أعداء آل محمّد لي فإنهم كانوا من الخمارين الشاربين للحرام.
6- إشحذ: أحدّ. شبا: قَدر ما يقطع به من السيف. العضب: السيف القاطع . استأصل : إقلَع من الأصل أو اجعتُ من الجذور كلَّ كافر، صغيرة كان أم كبيراً .
7- جرار: جمع حرَّان ، وهو الشديد العطش .

فَهاكَ قَلِّبهَا قُلُوبَ الْوَرى *** أَذَابَهَا الْوَجْدُ مِنَ الإنْتِظار(1)

قَدْ ذَهَبَ الْعَدْلُ ورُكْنُ الْهُدى*** قَدْ هُدَّوَاَلْجَورُ عَلَى الدِّينِ جار!

أَغِث رَعاكَ اَللَّهُ مِنْ ناصِرٍ ***رَعِيَّةٍ ضَاقَتْ عَلَيْهَا القِفار

مَتَى تَسُلُ البِيضَ مِنْ غِمْدِها *** وتَشْرَعُ السُّمْرَ تَحْمِي الذِّمار؟(2)

فِي فِتْيَةٍ لَهَا التُّقى شِيمَةٌ *** وَيا لثَاراتِ الحُسَيْنِ الشِّعار

كَأنَّما المَؤتُ لَهُمْ غَادَةٌ *** والعُمرُ مَهْرٌ والرُّؤُوسُ النِّثَار(3)

مَا خِلتُ قَبْلَ اليَوْمِ مِنْ هَاشِمٍ *** دِمَاؤُها تَذْهَبُ مِنْها جُبّار! (4)

تَنْسَى عَلَى الدَّارِ هُجُومَ العِدى *** مُذْ أَضرَمُوا البابَ بِجَزَلٍ وَ نَار؟؟(5)

وَرُضَّ مِنْ فَاطِمَةِ ضِلْعُها *** وحَيْدَرٌ يُقَادُ قَهراً جِهَار(6)

كَيْفَ حُسامُ اللَّهِ قَدْ فَلَلْتَ *** مِنْهُ الْأعادِي حَدَّ ذَاكَ الْغِرار؟؟(7)

والطُّهْرُ تَدْعُو خَلْفَ أعْدَائِها: *** يا قَوْمُ خَلُّوا عَن عَلِيِّ الفَخار(8)

ص: 278


1- إبدال همزة الوصل إلى همزة قطع ضرورة شعرية.
2- البيض: السيوف. السُّمر: الرماح وشَزع الرماح : سدَّدها وتنوبها. الذمار : كلُّ ما يُلزمك حمايتُه وحفظه والدفاع عنه.
3- كأن الشهادة لهم فتاةُ لينة ناعمة تقدموا لها، فكان منهمُ العمر لها مهراً، ورؤوس الأعداء نثارُ العُرس الذي يُنثَر على المحبّين.
4- جُبار: هَدر.
5- الجزل: الحطب اليابس. وفي البيت إشارة إلى هجوم القوم وحرق الدار على الزهراء عليها السلام.
6- يشير في هذا البيت إلى كسر ضلع فاطمة الزهراء عليها السلام.، وسحب علي عليه السلام.لا إلى البيعة قسراً جبراً .
7- الغرار: حَد السيف. وهنا أراد السيف نفسه.
8- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دفاع الزهراء عليها السلام.عن الإمام علي عليه السلام.. وعدوها خلفهم لإنقاذه منهم .

قَدْ أَسْقَطُوا جَنِينَها واعْتَرئ *** مِنْ لَطْمَهِ الْخَدِّ الْعُيُونَ احمِرار(1)

فَمَا سُقُوطُ الْحَمْلِ مَا صَدْرُهَا *** مَا لَطَمُها مَا عَصرُها بِالجِدار؟!

مَا وكزُها بِالسَّيْفِ في ضِلْعِها *** وَمَا انْتَثارُ قُرْطِها والسِّوار؟!

مَا ضَربُها بِالسَّوْطِ مَا مَنَعُها *** عَنِ الْبُكا وَمالَها مِنْ قَرار؟(2)

مَا الغَضبُ لِلعَقارِ مِنْهُمْ وَقَدْ *** أنحَلَها رَبُّ الوَرى لِلْعَقَارِ؟(3)

مَا دَفنُها بِاللَّيْلِ سِرّاً وما *** نَبَشُ اَلثَّرَى مِنْهُمْ عِناداً جِهَار؟(4)

تَعسّا لَهُم فِي اِبْنَتِهِ مَا رَعَوْا *** نَبِيَّهُمْ وَقَدْ رَعَاهُمْ مِرَار(5)

ص: 279


1- وهي القائلة صلوات الله عليها، ولعن الله ظالميها: وتنفع وجهي بيده (أي من وراء الخمار) حتى انتثر قرطي، وجاءني المخاض فأسقط محسناً قتيلاً بغيرجٍرم ! (إرشاد القلوب للديلمي 2: (358 ).
2- أخذ معاني وأسلوب هذه الأبيات الثلاثة من قول أستاذه السيد باقر الهندي : لست تدري لم أحرقوا الباب بالنا *** ر أرادوا إطفاء ذاك النور لست تدري ما صدرٍ فاطم ما المس *** مار ما حال ضلعها المكسور ما سقوط الجنين ما حمرة العي *** ن وما بالٍ قٍرطها المنثور
3- العقار : كل مُلك ثابت له أصل كالدّار والنخل، والمراد هنا فدك.
4- في هذا البيت إشارة إلى دفن الزهراء عليها السلام ليلاً، وإلى من أرادوا نبش قبرها.
5- للقصيدة تتمة في مصائب السيدة زينب عليها السلام وسبايا كربلاء وجر الإمام زين العابدين علم الشام، ثم استنهاض بني هاشم لأخذ الثار.

(7)أهل بيت الوحي

(بحر الرمل)

السيّد صدر الدين الصدر(1)

ص: 280


1- هو السيد صدر الدين ابن السيد إسماعيل ابن السيد صدر الدين محمد ابن السيد صالح ابن السيد محمد ابن السيد شرف الدين إبراهيم ولد في مدينة الكاظمية المقدسة في مطلع الفجر يوم سابع عشر ذي القعدة سنة 1299 ه، وأخذ العلوم العربية وما إليها، ثم المنطق وسطوح الفقه والأصول والحكمة والكلام على عدة من الأساتذة المهرة في سامراء هاجر المترجم إلى النجف الأشرف، فوقف على الأئمة من شيوخها، كالشيخ كاظم الخراساني، والشيخ رضا الهمداني ، والشيخ محمد طه نجف، وأخذ عن العالمين : السيد محمد بحر العلوم الحسني صاحب ( البلغة)، والشيخ ضياء الدين العراقي، ثم رجع إلى أبيه السيد إسماعيل الصدر وهو في كربلاء المقدسة فعكف على دروسه فقها وأصو، ووقف نفسه على خدمته لیلا ونهارة . ثم هاجر إلى مدينة مشهد المقدسة، وعاش فترة من الزمن هناك فكان أحد زعماء الشريعة بتلك الديار. ثم هاجر إلى مدينة قم المشرفة بناء على إلحاح من أستاذه الشيخ عبدالكريم الحائري، فكان المرشح الأول للزعامة الكبرى في إيران بعد الشيخ عبد الكريم . وبعد أن توفي الشيخ عبدالكريم الحائري أعلى الله مقامه اجتمع الناس حوله وآلت إليه المرجعية، فقام بها أحسن قيام، وكان يحضر درسه ما يقارب (400) طالب. له كثير من المؤلفات منها: مختصر تاريخ الإسلام، رسالة في الحقوق، المهدي، حاشية على كفاية الأصول، رسالة في أصول الدين، رسالة في إثبات عدم تحريف الكتاب ، لواء الحمد، حقوق المرأة في الإسلام، منظومة في الحج، منظومة في العلوم. وترك ثروة علمية ضخمة في : الفقه والأصول والتاريخ والأدب والكلام والعقائد والحديث والأخلاق . انتقل إلى رحمة الله تعالى بعد مرض قلب لازمه سنين طويلة، وذلك في يوم السبت 19 ربيع الثاني سنة /1373 ه، في قم المشرفة، وصلّى عليه المرجع الكبير السيد البروجردي، ودفن في بقعة العلماء في رواق حرم السيدة فاطمة المعصومة ابنة الإمام الكاظم عليه السلام بجوار قبر الشيخ عبدالكريم الحائري، وأقيمت له الفواتح في مختلف البلاد.

يَا خَلِيلَيَّ احْبِسَا الجُرْدَ الْمِهارا *** وَابْكِيا داراً عَلَيْهَا الدَّهْرُجَارا(1)

وَ رُبُوعاً أَقْفَرَتْ مِنْ أَهْلِها *** وَغَدَتْ بَعْدَهُمُ قَفْراً بَوّارا(2)

حَكَمَ اَلدَّهْرُ عَلَى تِلْكَ اَلرُّبي *** فَانْمَحَتْ وَالدَّهْرُ لاَ يَرْعى ذِمارا(3)

كَيْفَ يُرْجَي السِّلْمُ مِنْ دَهْرٍ عَلى *** أَهْلِ بَيتِ الؤَحي قَدْ شَنَّ المَغارا(4)

لَمْ يَخَلِّفْ أَحْمَدُ إِلاَّ ابنَةً *** ولَكَم أَوْصى بِهَا القَوْمُ مِرارا

كَابَدَت بَعْدَ أَبِيهَا المُصطَفي*** غُصَصاً لَوْ مَسَّتِ اَلطَّوْدَ لَمارا(5)

هَلْ تَراهُمْ أَدْرَكُوا مِنْ أَحْمَدٍ *** بَعْدَهُ فِي آلِهِ الأَطْهَارِ ثَارَا(6)

غَصَبُوها حَقَّها جَهْراً وَمِن *** عَجَبٍ أَنْ تُغْصَبَ الزَّهْرا جِهارا!

مِنْ لَحاها إِذْ بَكَتْ وَالِدَها *** قَائِلاً فَلبَتْكِ لَيْلاً أَوْ نَهارا؟(7)

ص: 281


1- الجُرد: جمع الجرداء أو الأجرد، أي ما لا شَعر عليه. المهار: جمع المُهر، وهو ولد الفرس.
2- ربوعا: دياراً، منازل، أحياء. أقفرت: خَلَت من الناس والكلأ والماء. والبوار: الأرض التي لم تزرع.
3- الذَّمار : كُلٌ ما يلزمك حمايتُه وحفظُه والدفاعُ عنه، وإن ضيعته لزمك اللوم.
4- المغارُ: الغارة .
5- الطّود: الجبل الشامخ . مار: اضطرب.
6- ذلك ما صرّح به المهاجم لدارها، حيث كتب إلى معاوية قصة هجومه، وكان فيها هذه العبارة : فذكرتُ أحقاد علئَّ وولوعه في دماء صناديد العرب ( أي من الجاهلية )، وكيد محمد وسخره فركلتُ الباب ! ( بحار الأنوار 8: 229 - 233 - ط الكمپاني).
7- يشير الشاعر في هذا البيت إلى طلب القوم من الإمام علي عليه السلام أن تبكي الزهراء إما ليلاً أو نهاراً .

وَيْلَهُمْ مَا ضَرَّهُمْ لَوْ نَحَبَت*** بَضْعَهُ اَلْمُخْتَارِ أَيَّاماً قِصَارا!(1)

مَنْ سَعى فِي ظُلمِهَا مَنْ رَاعَها ***مِنْ عَلى فَاطِمَةَ الزَّهْراءِ جارا؟!

مَنْ غَدا ظُلْماً عَلَى الدَّارِ الَّتي*** تَخِذَتْهَا الإنسُ والجِنُّ مَزارا

طَالَمَا الأَمْلاكُ فِيها أَصْبَحَتْ ***تَلَثِمُ الأَعْتابَ فِيها وَالْجِدارا

وَمِنَ النَّارِ بِها ويَنْجُو الْوَرئ *** مَنْ عَلى أَعْتَابِها أَضرَمَ نَارا؟!

والنَّبِيُّ المُصْطَفى كَمْ جَاءَها ***يَطْلُبُ الْإِذْنَ مِنَ الزَّهْرا مِرارا(2)

وعَلَيْهَا هَجَمَ الْقَوْمُ ولَمْ *** تَكُ لاثَتْ لا وعُليَاهَا الْخِمارا(3)

لَسْتُ أنساها ويَا لَهْفِي لَها *** إِذْ وَراءَ الْبابِ لاذَت كَيْ تُوَاري (4)

فَتْكَ الرِّجْسُ عَلَى البابِ ولا*** تَسْأَلَن عَمَّا جَرئ ثَمَّ وَصارا

لا تَسَلْنِي كَيْفَ رَضُوا ضِلْعَها *** واسأَلَنَّ البابَ عَنها والجِدارا

ص: 282


1- كتب ابن أبي الحديد: والشيعة تروي أن قوماً من الصحابة أنكروا بکاءها الطويل ونهوها عنه، وأمروها بالتنحي عن مجاورة المسجد إلى طرف من أطراف المدينة . (شرح نهج البلاغة 13: 43) هذا عوض أن يُواسوها و يرسلوا نساءهم لتسليتها! فبئس القوم كانوا، حيث عقوا رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في ابنته الوحيدة .
2- يشير الشاعر إلى ما ورد من أن النبي صلي الله عليه و اله و سلم كان لا يدخل بيت الزهراء عليها السلام إلا بعد الاستئذان. ففي کتاب تاريخ مدينة دمشق ج 1 ص 268، عن عمران بن حصين أن النبي صلي الله عليه و اله و سلم ، قال له : ألا تنطلق بنا تعود فاطمة فإنها تشتكي، قلت: بلى. قال : فانطلقنا، حتّى إذا انتهينا إلى بابها سلم فاستأذن، فقال : أدخلُ أنا ومن معي؟ قالت : نعم ومن معك يا أبتاه ..... الخ. وذكره أبو نُعيم في كتابه (حلية الأولياء ج 2 ص 62).
3- لاثت: لفَّت. الخمار : ما تُغطّي به المرأة رأسها، أو التستر عموماً. «وعُلياها» : الواو للقسم، والعُليا : هي السماء، والضمير «ها» يعود إلى الدنيا وإن لم يجر لها ذکر .
4- كي تَواری : کي تَتوارى ، أي تَتخفّى .

واسْأَلَنَّ أعْتَابَها عَن مُحْسِنٍ ***كَيْفَ فِيهَا دَمُهُ رَاحَ جُبارا؟(1)

واسْأَلْنَ لُؤْلُؤَ قُرْطَيها لِمَ أَنْ*** تَثِرَت والْعَيْنَ لِمْ تَشْكُو احمِرارا؟(2)

وهَلِ الْمِسْمَارُ مَؤْتُورٌ لَها *** فَغَدا فِي صَدْرِها يُدْرِكُ ثارا؟(3)

ص: 283


1- جُباراً : هَدراً .
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى لطم فاطمة عليها السلام على خدها وتناثر قُرطيها . ولو قال: «انتثرا» لكان اوضح .
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دخول المسمار في صدرها عليها السلام . ينظر: کتاب مؤتمر علماء بغداد ص 135، كما في عوالم العلوم ج 2 ص 586، وكتاب مأساة الزهراء ج 1 ص 353.

(8)حديث الباب

(بحر الطويل)

الشيخ عبدالحسين آل صادق العاملیّ (1)

أنَائِحَةٍ مِثْلِي عَلَى الْعَرْصَةِ الْقَفْرا *** تَعَالَيْ أقَاسِمكِ المَناحَةَ وَالذِّكري(2)

ص: 284


1- يتصل نسبه بال يحيي من (جبل عامل). ولد في النجف الأشرف حدود سنة 1282 ه ، عاد به والده بعد أشهر إلى لبنان ( جبل عامل)، لكنه بعد وفاة والده رجع إلى النجف لتحصيل العلوم في الحوزة العلمية بعد أن أخذ المقدمات في جبل عامل على أساتذة كبار، فتتلمذ على يد علماء أفاضل : كالشيخ كاظم الخراساني الآخوند صاحب (الكفاية)، والمجدد الشيرازي في سامراء، فهداله بالاجتهاد. والمترجم علم معروف بتضلعه في علوم عديدة وإن تخصص في الفقه، فقد كان يتوقد ذكاء ويتفجر فضلا، مع حسن أخلاق وطلاقة وجه. وكان من مشاهير أدباء عصره، عالما كبيرة وشاعرة مبدعة وأديبا عريقا، وجه مواهبه إلى مدح أهل البيت عليهم السلام ورثائهم. وعندما استقر في النبطية أسس حسينية أصبحت إحدى معاقل أهل البيت عليهم السلام ، تُقام فيها المأتم والشعائر، وتُقرأ فيها المواعظ والإرشادات، حتّى نجی هذا الشيخ طائفة كبيرة من المسلمين من وقهم إلى ساحة الحرب الطاحنة هناك. أما تصانيف الشيخ عبدالحسين العاملي فتزيد على العشرين كتاباً، منها: المواهب السنية في فقه الإمامية - مجلدان، وله منظومة فقهية استدلالية تبلغ 4000 بيت، ومنظومة كلامية تبلغ ألفي بيت، وله محاضرات مطبوعة ومخطوطة كثيرة. وتُوفي في النبطية في 12/ذي الحجة / عام 1361 ه، ودُفن إلى جانب الحسينية التي أسسها، فرثاء الشعراء بقصائد أعربت عن مقامه الرفيع ، و أبنه الصحافة والأدباء بشتى أساليب الحزن.
2- القصة : البقعة من الأرض ليس فيها بناء؛ أو ساحة الدار؛ وسُمَّيت بذلك لاعتراص الصبيان فيها، والاعتراض هو اللّعب والمرح. القَفراء : المتصحّرة، الأرض لا ماء فيها ولا كلأ .

حَدِيثُ الجَوْئ يَا وَرِقُ يَروِيهِ كُلُّنَا *** عَنِ العَبْرَةِ الوَطْفاءِ وَالكَبِدِ الحَرّى(1)

كِلانا كَئِيبٌ يُتْبعُ اَلنُّؤحَ أَنَّهُ *** إِذَا ما وَعاهَا الصَّخْرُ صَدَعَتِ الصَّخْرا(2)

خُذِي لَكِ شَطْراً مِنْ رَسِيسِ مُبَرَّحٍ *** وَلِي مِنْهُ يَا ذاتَ الجَناحِ ذَري شَطرا(3)

خَلا أَنَّهَا تَبْكِي وما فاضَ دَمْعُها *** وأَجْرَيْتُها مِن مُقْلَتِي أَدْمُعاً حَمْرا(4)

فَلا جَمْرُ أحْشَائِي يُخَفِّفُ عَبْرَتِي *** ولا عَبْرَتِي في صَوْبِها تُخْمِدُ الجَمرا(5)

وَ قَائِلَةٍ وَهيَ اَلْخَلِيِّهِ مِن جَوّى *** مُعَرَّسُهُ أَضْحَى الْحَيَازِمَ والصَّدْرا(6)

رُوَيْدَكَ نَهْنِهْ مِن غَرَّامِكَ واتَّخِذْ *** شِعارَيْكَ في الخَطبِ التَّجَلُّدَ والصَّبرا(7)

فَقُلتُ وَراكِ فَاتَنِي الصَّبْرُ كُلُّهُ *** لِرُزْءٍ أُصِيبَتْ فِيهِ فَاطِمَهُ الزَّهْرا(8)

غَداةً تَبْدَّتْ مُسْتَباحاً خِباؤُها *** وَمُهتَوكَّةً حُجُبَ الخَفارَةِ وَالسَّتْرا(9)

ص: 285


1- الجوي: الشوق. يا ورق : أي يا وَرقاء، وهي الحمامة ، أو يا وُرق، جمع الورقاء. العبرة: الدمعة. الوطفاء: المنهمرة. الكبد الحري: الملتهبة .. شوقاً، أو حزناً.
2- صدَّعت: شطرت وشقَّت.
3- الأرسيس: رسيس الحمي: أول مسها، ورسيس الحب : أولّه، مُبرّح: المؤلم الشديد، وهنا أقام الصفة مقام الموصوف، أي رسيس شوق مبرَّح .
4- أخذه من قول الشاعر: على أنها ناحت ولم تذر دمعة *** وتُختُ وتذراف الدموع سفوحُ
5- الصوب: الانصباب.
6- وربَّ قائلة لي، وهي خالية من الشوق لا تعرف معناه .. ذلك الشوق الذي لقني فأخذ بمجامع صدري . المُعرس : مكان النزول. الحيازم: جمع الحيزوم، وهو وسط الصدر.
7- تمهَل وامتنع عن غرامك وتعلّقك وشوقك ذاك، وتمسّك بأمرين: التجلد والصبر.
8- وراک : مخففة «وراءك»، أي ارجعي وراءک.
9- خباؤها: خيمتها. الخفارة : الاستحياء أشدَّ الحياء.

عَلَى حِينِ لاَ عَيْنُ اَلنَّبِيِّ أَمَامَها *** لِتَبصِرَ مَا عَانَتْهُ بَضعْتُهُ قَسْرا(1)

عَلَى حِينَ لا سَيْفُ الرَّسُولِ بِمُنْتَضَى ال *** غِرَارِ ولَمْ تَنْظُرْ لِرَايَتِهِ نَشْرا(2)

عَلَى حِينَ لا مُسْتَأصَلٌ مَن يَضِيمُها *** ولا كاشِفٌ عَنهَا الحَوَادِثَ وَالضُّرَّا(3)

بِنِحْلَتِهَا جَاءَتْ تُطالِبُ مَعْشَراً *** بِدَا كُفْرُهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَضْمَرُوا الْكُفْرا

عَمُوا عَنْ هُداها ثُمَّ صَمُّوا جَمِيعَهُمْ *** كَأَنَّ بِسَمْعِ الْقَوْمِ مِنْ قَولِها وقْرا(4)

لَقَدْ أَرْعَشَت بِالْوَعْظِ صِلَّ ضُغُونِهِمْ *** فَثارُوا لَهَا وَالصَّلُّ إن يَرتَعِش يَضْرَي(5)

فَلَوْ أَنَّهُمْ أَوْصَى النَّبِيُّ بِظُلْمِهِمْ *** لَهَا مَا اسْتطَاعُوا غَيْرَ مَا ارْتَكَبُوا أَمْرا

وأَنِّي وَهُم طَؤراً عَلَيْها تُرَاثَها *** أَبَوا وَأَبَوا مِنهَا البُكا تَارَةً أُخْرى

وَهم وشَمُوهَا تَارَةً بِسِيَاطِهِمْ *** وَآوِنَةً قَدْ أَوْسَعُوا ضِلْعَهَا كَسْرا(6)

ص: 286


1- عند احتضاره صلي الله عليه و اله و سلم بکی، فلما سألته ابنته فاطمة عليها السلام عن سبب ذلك كان له كلام وجهه إلى علي عليه السلام: يا أبا الحسن، هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمد عندك، فاحفظ الله واحفظني فيها، وإنك لفاعلٌ . يا علي، هذه والله سيدةُ نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين، هذه والله مریم الكبرى، أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سأل الله لها ولكم فأعطاني ما سألته. يا علي، انفذ لما أمر ثك به فاطمة، فقد أمرها بأشياء أمر بها جبرئيلُ عليه السلام. واعلم يا عليّ أنّي راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربي وملائكته. يا علي ، ويلٌ لمن ظلمها، ووويلٌ لمن ابترها حقُها، وويلُ لمن هتك حرمتها، وويلُ لمن أحرق بابها، وويلُ لمن آذى خليلها، وويل لمن شاقها وبارزها. اللهم إني منهم بريء وهم منّي بُراء. ثم سماهم رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وضم فاطمة إليه وعليّا والحسن والحسين عليهما السلام. (بحار الأنوار 22: 484 - 485/ ح 31 - عن: خصائص الأئمة عليهم السلام ، برواية عيسى الضرير).
2- منتضی : مسلول. وغرارُ السيف: حدُّه .
3- يضيمها: يقهرها ويظلمها.
4- الوقر: الصمم، وهنا يُراد به عدم سماع الحقّ.
5- أرعشت: أرجفت . الصُّل : الحية. الضغون: الأحقاد . يضرى : يشتدّ ضراوة
6- وشم اليد: غرزها بالإبرة ثم ذَرَّ عليها النيلج فصار فيها رسوم وخطوط. وهنا أراد أثر السياط .

وَخَلِّي حَدِيثَ الباب نَاحِيَةً فَما*** تَمَثَّلْتُهُ إِلّا جَرَتْ مُقلَتي نَهرا

بِنَفْسِي الَّتِي لَيْلاً تَوَارَتْ بِلَحْدِها ***وكانَ بِعَيْنِ اللَّهِ أنْ دُفِنَت سِرّا

بِنَفْسِي الَّتِي أَوْصَتْ بِإِخْفَاءِ قَبْرِها ***ولَوْلاهُمْ كَانَتْ بِإِظْهَارِهِ أَحرى

بِنَفْسِي الَّتِي مَاتَتْ ومِلْءُ بُرُودِها*** مِنَ الوجْدِ مَا لَمْ تَحوِهِ سَعَةُ الْغَبْرا(1)

رَمَوْهَا بِسَهْمٍ عَنْ قِسِیِّ حُقُودِهِمْ *** فَأَصْبَحَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دَمُها هَدرا(2)

عَلَيْهَا سَلامُ اَللَّهِ لا زالَ واصِلاً *** لَهَا فَصَلاَةُ اَللَّهِ مَا بَرِحَتْ تَتْري(3)

ص: 287


1- الغِبرا (الغبراء): الأرض. الوجد: الحزن والألم مما كان من القوم وجفائهم.
2- القسي: جمع قوس.
3- عن الإمام الباقر عليه السلام، عن جابر الأنصاري، أن النبي صلي الله عليه و اله و سلم قال: ألا وأزيدكم من فضلها؟ إن الله قد وكل بها رعيلاَ من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها، وعن يمينها وعن شمالها، وهم معها في حياتها وعند قبرها وعند موتها، يٍكثرون الصلاة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها . (عنه: بحار الأنوار 43: 58/ ح 50).

(9)العصمةُ الكبرى

(بحر الطويل)

الشيخ عليّ بن حسن الجشّي

بِمَولِدِ بِنْتِ المُصْطَفي لَكُمُ البُشري *** فَذِي نِعَمُ البارِي عَلَيْكُمْ بِهَا تَتْري(1)

فَحُقٌ لَكُمْ أَنْ تَعْقِدُوا نَادِيَ الهَنا *** بِذِكْرِ أَيادِيها وأَوْصافِهَا الْغَرا(2)

ولَنْ يَسْتَطِعَ الْخَلْقُ إِحْصاءَ فَضْلِها *** كَما لَمْ يُحِيطُوا بِالَّذِي قَدْ حَوَتْ خُبرا(3)

وَهَيهاتَ أَنْ يُحْصُوْا أَيادِي كَرِيمَةٍ *** لِخَلْقِ جَمِيعِ الكائِناتِ غَدَت سِرّا(4)

فَمَا فِي نِساءِ العالَمِينَ مُمَاثِلٌ *** إلَيها وَلَا شِبةٌ وَلَا مَريَمُ العَذرا

ص: 288


1- تترئ : تتابع.
2- الأيادي : النٍعم. والغِراء: البيضاء.
3- خبرا: تجربة واختباراَ . قال الإمام أبو عبدالله الصادق عليه السلام: إنما سُميت «فاطمة» ؛ لأنّ الخلق فُطموا عن معرفتها. (بحار الأنوار 43: 15/ ح58 - عن: تفسير فرات الكوفي في ظل سورة القدر).
4- سأل آدم عليه السلام ربّه جلّ وعلا: يا رب، هل خلقت أحداَ من طين قبلي ؟ قال : لا يا آدم. قال : فمن هؤلاء الخمسةُ الأشباحُ الذين أراهم في هيئتي وصورتي ؟! قال : هؤلاء خمسةُ من وُلدك، لولاهم ما خلقتُك، هؤلاء خمسة شقق لهم خمسة أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلق : الجنة ولا النار، ولا العرش ولا الكرسي، ولا السماء ولا الأرض، ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجن .. فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العالي وهذا علي ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين ، الي بعزتي أنه لا يأتيني أحدٌ بمثقال ذَرة من خردلِ من بُغض أحدهم إلا أدخلتُه ناري .. ولا أبالي ! ( فرائد السمطين للجويني الشافعي 1: 36) .

وَهَل فِی نِساءِ العالَمِينَ نَظِيرُها ؟! *** فَمَن ذَا تُرَی مِنهُنَّ إنْسِيَّةَ حَورا؟(1)

وخيرُ نِساءِ العالَمِينَ تَنَزَّلَتْ *** إلَی الأَرضِ فِي بِشرٍ لِكَی تَقبَلَ الزَّهرا(2)

و مَريَمُ عِيسی أَعقَبَتْ وَهيَ أَعقَبَت *** هُداة يَری عِيسَی اتباعَهُمُ فَخرا(3)

وَإِن تَكُ نَادَتهَا المَلائِكُ باصطِفا *** إلَيْها وَتَطْهِيرِ لَها اَوجَبَ الفَخرا

فَفَاطِمُ نادَتهَا بِذاكَ، وَأَينَ ما *** بِهِ نُودِيَت مِمّا بِهِ نُودِيَت قَدرا!(4)

فَسَلْ آيَةَ التَّطهِيرِ عَنْ فَضْلِ فَاطِم *** فَقَد أُعْطِيَتْ مِنْ رَبَّها العِصمَةَ الكُبرّی(5)

هِي العِصْمَة الكُبرَی الَّتي اللهُ مَا حَبَا *** بِهَا غَيْرَ طه وَالوَصِيِّينَ والزَّهرَا(6)

ص: 289


1- (إشارة إلی ما رُوي في كتاب ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 12 ص 331 ( روی بسنده عنابن عبّاس قال : قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : ابنتي فاطمة حوراء آدمية ، لم تحض ولم تطمث ، وإنّماسماها » فاطمة « ! لأن الله فطمها ومحبيها عن النار . ذكره أيضا : ابن حجر فی ) صواعقه ص 96 (وقال : أخرجه النسائی).
2- قَبلتِ القابلةُ الولد تَقْبَلُه : تلقته عند الولادة . وقد حضرت أربع نسوة عند خديجة عليها السلام يقبلنها في ولادتها بابنتها الطاهرة فاطمة عليها السلام.
3- أعقبت : فعل ماض . ومريم : فاعلُ . وعيسی : مفعول به . وهي : أي الزهراء عليها السلام.
4- عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام : بيتُ علیّ وفاطمة مِن حُجرة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، وسقف بيتهمعرش ربّ العالمين ، وفي قعر بيوتهم فرجة مكشوطة إلی العرش معراج الوحي ، والملائكة تنزل عليهم بالوحي صباحا ومساء ، وفي كلّ ساعة وطرفة عين ، والملائكةُ لا ينقطع فوجهم ، فوج ينزل وفوج يصعد .. ) تأويل الآيات 2 : 818 - ط قم
5- إشارة إلی قوله تعالی : ( إنّما يُرِيدُ الله ليُذهِبَ عَنكُمْ الرجس أهلَ البيتِ وبطهَرَكمْ تطهيراً ) سورة الأحزاب : الآية 33) ، ودلالةً هذه الآية علی عصمتها في غاية الوضوح.
6- أدلّة العصمة الفاطمية كثيرة ، أكدها العلماء في مواضع خامة ، منها : آية التطهير وهي عليها السلام مشمولة بها بإجماع المفسّرين ، وحديث الثقلين وهي عليها السلام من أخصّ عترة المصطفی صلي الله عليه و اله و سلم ،وقول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : يا فاطمة ، إن الله يغضب لغضبك ، ويرضی لرضاك ، مضافاً إلی عشراتالروايات والأدلّة الدالّة علی ذلك المذكورة في أماكنها.

فَلَوْلا عَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ لِلْبَتُولِ مِن *** شَبِيهٍ وَكُفوٍ مِنْ بَني آدَمٍ طُرّا

فَكُلِّ بَرَاهُ اَللَّهُ مِنْ نُورِ أَحْمَدٍ *** فَكُلٌ بِكُلِّ حَيْثُ شَابَهَهُ أَحرى(1)

لَعَمْرُكَ مَا الدُّنْيا سِوى عُمرِ سَاعَةٍ *** حَوَت مَكْرُماتٍ لا تُحِيطُ بِهَا خُبرا

وَمَا هِيَ إِلّا ساعَةُ شَمْلُ حَيْدَرٍ *** بِفَاطِمَ مَجْمُوعٌ فَقَدْ طَوَتِ الدَّهرا(2)

هِيَ النُّورُ مِن نُورٍ وَبِالنُّورِ زُوَّجَت *** تَبَارَكَ رَبِّ فِيهِما جَمَعَ الخيرا

فَنُورُ عَلِيٌ قَدْ غَشيَ نُورَ فَاطِمٍ *** فَأَولَدَها نَجْماً وأَعْقَبّها بَدْرا(3)

أضَاءَت بِهَا الْأَكْوَان والأَرْضُ والسَّما *** قَدِيماً وَفِي الدُّنْيا وفي النَّشْأَةِ الأُخرى(4)

ومَا زالَ فِي الأَدْوارِ يُشرِقُ نُورُها *** ومِن أَجْلِ ذاكَ النُّورِ سُمِّيَتِ الزُّهرا(5)

كَمَا اللَّهُ سَمّاها بِفَاطِمَ إِذْ قَضى *** بِفَطْمِ مُحِبِّيها مِنَ النَّارِ فِي الأُخرى(6)

بِأُمِّ أبِيهَا كُنِّيَت إِذْ بِفَاطِم *** بَقِيَ ذِكْرُهُ فِي النَّاسِ وَالمِلَّةِ الغَرّا

عَلَيْكُمْ صَلاةُ اللَّهِ تَتْرئ مُسَلِّماٍّ *** كَمَا لَمْ تَزَلْ فِي الخَلْقِ أَيْدِيكُمُ تَتْرئِ

ص: 290


1- بَراه : خَلَقه.
2- هبط ذلك المُلك ليقول لرسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : أنا محمود، بعثني الله عزّ وجلّ أن ازوج النور من النور. قال صلي الله عليه و اله و سلم : مَن مِن مَن؟ قال : فاطمةُ بين علي . ( معاني الأخبار، للشيخ الصدوق 106ح 1).
3- ذلكما الحسنان صلوات الله عليهما.
4- عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم : لَما خَلَق الله الجنّة خَلَقها مِن نور وجهه ، ثمّ أخذ ذلك النورَ فقذفه . . فأصابنيتُلُتُ النور ، وأصابَ فاطمة ثلثُ النور ، وأصابَ علياً وأهلَ بيته ثلث النور . فمن أصابه مِن ذلك النور اهتدی إلئ ولاية آل محمّد ، ومَن لم يُصِبْ من ذلك النور ضل عن ولاية آل محمّد ! ) بحار الأنوار 43 : 44 / ح 44 - عن : مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب).
5- إشارة إلی ما رُوي في كتاب ) بحار الأنوار ج 0 4 ص 44 ( في حديث طويل عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم فتكلّم الله جلّ جلاله كلمة فخلق منها روحاً ، ثمّ تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً ،فأضاف النور إلی تلك الروح وأقامها مقام العرش ، فزهرت المشارقُ والمغارب ، فهي فاطمة الزهراء ، ولذلك سُمّيت » الزهراء « ؛ لأنّ نورها زَهَرت به السماوات.
6- تقدّم ذكر الحديث.

(10) واها لبنت المُصطفى

(بحر الكامل)

السيّد علي الترك(1)

نَهضاً فَقَد نَسِيَت لُؤَيُّ شِعارَها *** فَأَزِل بِسَيفِكَ عَن لُؤَيُّ عارَها(2)

يقول فيها:

مَوْلايَ مَا سَنَّ الضَّلالَ سِوَي اَلاُلِي *** هَجَمُوا عَلَي الطُّهْرِ البَتُولَهِ دَارَها(3)

ص: 291


1- السيد علي بن أبي القاسم بن فَرج الله الموسوي، الشهير ب(الترك). ولد في النجف الأشرف في العراق عام 1285 ه، ونشأ فيها بعناية والده العالم الكبير . وبعد أن درس المقدمات المتعارف عليها في الحوزات الدينية، اختار لنفسه أن يدرس فئ الخطابة، فأخذ الخطابة من الخطيب البارع أستاذ المنبر الشيخ محمد على الجابري، فعيني بتربيته، إضافة لتعليمه فئ الخطابة لما وجده فيه من لياقة ونباهة وحدة ذكاء وحسن صوت، فأصبح من الخطباء المشهورين والأدباء البارعين. وامتاز على غيره من خطباء العرب بكونه يجيد الفارسية والتركية، بالإضافة إلى العربية. سافر المترجم إلى إيران فأقام في طهران في عهد الشاه مظفر الدين القاجاري، فحظي عنده وقدمه على مجموعة من الخطباء، ومكث هناك أكثر من عامين كان فيهما موضع احترام كافة الطبقات، ثم رجع إلى النجف. وفي عام 1326 ه سافر حاجة إلى بيت الله الحرام، وبعد أداء المناسك و توجهه إلى منى في الرابع من عيد الأضحى توفي على أثر انتشار داء الهيضة الذي تفشى في ذلك العام، وبوفاته خسر المنبر أحد الخطباء الكبار الذي لا يعوضه إلا خطيب بمستواه ومكانته الخطابية .
2- تهضاً: أي انهض نَهضاً . والخطاب موجّه إلى الإمام الحجّة عجل الله فرجه.
3- الخطاب للإمام الحجة عليه السلام. وهَجَم البيت: هَدَمَه.

مَنَعُوا البَتُولَ عَنِ النِّياحَةِ إذ غَدَتْ *** تَبكِي أبَاها لَيلَها ونَهارَها(1)

قالُوا لَها قَرِّي فَقَد آذَيتِنا *** أنّى وقَد سَلَبَ المُصابُ قَرارَها(2)

قَطَعُوا أرَاكَتَها ومِنْ أَبنائِها *** قَطَعَتْ أُمّیُّ يَمِينَها ويَسارَها(3)

جَمَعُوا عَلى بَيتِ النَّبيِّ مُحَمّدٍ *** حَطَباً وأوقَدَتِ الضُغائِنُ نارَها

رَضُّوا سَلِيلَةَ أحمَدٍ بِالبابِ حَت*** تَى أَنبَتُوا في صَدرِهَا مِسمارَها(4)

ص: 292


1- عن أبي عبدالله عليه السلام قال: البكّاؤون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوف، وفاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله و سلم ، وعلي بن الحسين عليه السلام . فأما آدم، فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية. وأما يعقوب، فبکی علی پوش حتى ذهب بصره، وحتى قيل له: «قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ »( سورة يوسف: الآية 85). أما يوف، فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن، فقالوا: إما أن تبكي بالليل وتسكت بالنهار، وإما أن تبكي بالنهار و تسک بالليل، فصالحهم على واحد منهما. أما فاطمة عليه السلام، فبكت على رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك ، فكانت تخرج إلى المقابر، مقابر الشهداء، فتبكي حتى تقضي حاجتها ، ثم تنصرف. وأما علي بن الحسين، فبکی على الحسين عليه السلام عشرين سنة أو أربعين سنة، ما وضع بين يديه طعامُ إلا بکی، حتى قال له موٹی له: جعلت فداك يابن رسول الله، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين ! قال : إنَّما أشْكُو بَثِّي وَحُزنِي إلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعلَمُون) إني ما أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة ! ( الخصال 1: 272 - 273/ ح 15).
2- أي : أنَّی تقرُّ وقد سلب المصاب قرارها؟
3- هذه من سجايا القوم.. أن يقطعوا، فاقتطعوا من الإسلام الخلافة فغصبوها، واقتطعوا من الأرض يخلة الزهراء عليها السلام «فدكا» فسرقوها، وقطعوا من آل الله الأيدي بعد ذلك تنكيلاً وتروية الأحقادهم على الإسلام وإشفاء لغليل ثأرهم وانتقاماً لأسلافهم الجاهليين الذين حصدهم رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بسيف الإمام علی بن أبي طالب عليه السلام .
4- في (الأنوار القدسية ص 27) جاء نظم المجتهد المرجع المعروف الشيخ محمد حسین الأصفهاني بهذا الأبيات : ولست أدري خبز المسمار *** سل صدرها خزانة الأسرار والبابُ والجدار والدماءُ *** شهود صدق ما بها خَفاءُ لقد جنى الجاني على جنينها *** فاندکت الجبال من حنينها أهكذا يُصنَعُ بابنة النبي *** حرصاً على المُلك فيا للعجب ؟!

عَصَرُوا ابنَةَ الهادِي الأَمِينِ وأسقَطُوا *** مِنهَا الجَنينَ وأخرَجُوا كَرّارَها

قادُوهُ وَ الزَّهراءُ تَعدُوا خَلفَهُم *** عَبرى فَلَيتَكَ تَنْظُرُ استِعبارَها

وَالعَبدُ سَوَّدَ مَتنَها فَاستَنصَرَتْ *** أَسَفاً فَلَيتَكَ تَسمَعُ استِنصارَها(1)

عَاشَت سَلیلَهُ اَحمَدٍ مِن بَدِهِ *** عَبری تُکابِدُ ذُلَّها وَصَغارَها

وَقَضَتْ وآثارُ السّياطِ بِجَنبِها *** يا لَيتَ عَينَكَ عَايَنَتْ آثارَها!

واهاً لِبِنتِ المُصطَفى ! لِمَ جُهَّزَت *** لَيلاً، وَلِم عَفَّى الوَصِئُ مَزارَها ؟!

ما شَيَّعُوا بِنتَ الرَّسُول، وأَسَّسُوا *** ظُلمَ البَتُولِ، وهَتَّكُوا أستارَها!(2)

ص: 293


1- العبد: قنفذ، ويمكن أن يراد به عمر، لوضاعة حسبه ونسبه . وقد اشترك كلاهما في ضرب الزهراء عليها السلام .
2- أخذنا هذه القصيدة من الخطيب البارع السيد طاهر السيد حسن مُلجم، وهي كما تراها أمامك . ولكن يذكر الخاقاني في (شعراء الغري): وفي الشعر في أدب الطف قصيدة أُخرى بنفس القافية في الحسين عليه السلام ، إلّا أنّها تشترك في مطلع القصيدة بأحدَ عشر بيتاً فقط. (ریاحین الشريعة ج 1 ص 298) .

(11) إنسية حوراء

(بحر الكامل)

السيد محسن الأمين العاملي(1)

لِي مُقلَةُ بِدُمُوعِها عَبرى *** وحُشاشَةُ مِن وَجدِها حَرّی(2)

ص: 294


1- هو السيد محسن ابن السيد عبد الكريم ابن السيد علي ابن السيد محمد الأمين الحسيني العاملي ، ولد في قرية شقراء التابعة لمزجغيون من جبل عامل في سنة 1282 ه، وبعد أن بلغ السابعة من عمره تعلم القرآن والكتابة، واتجه إلى دراسة مقدمات العلوم كالنحو والصرف والمنطق والمعاني وبعض كتب الفقه وكتاب معالم الدين في الأصول في مدارس جبل عامل. ثم هاجر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسة العلوم، فقدم العراق سنة 1308 ه يطوف في العتبات المقدسة بين سامراء والكاظمية وكربلاء، حتى قدم النجف وبقي فيها إلى سنة 1319 ه، وهناك اختلف على مشاهير المدرسین کالشيخ آغا رضا الهمداني والشيخ محمد طه نجف والشيخ الملا كاظم الخراساني والشيخ الملا فتح الله الشهير بشيخ الشريعة، وعلى هؤلاء تخرج في الفقه والأصول وأجازه معظمهم وهاجر من النجف الأشرف إلى الشام في أواخر جمادى الآخرة من سنة 1319 ه بطلب من أهلها، فأقام بها وترك آثارة عظيمة لا تزال باقية، منها المدرسة المحسنية التي ربت جيلا من أبناء المسلمين . وحياة السيد الأمين صفحة مشرقة من الأعمال الصالحة. والمترجم أنتج كتبا قيمة كثيرة، أشهرها: الموسوعة الكبيرة (أعيان الشيعة)، فخدم المكتبة الثقافية بإتحافه لها بين حين وآخر بشتى الآثار، وسائر النواحي الاجتماعية والدينية في بلاده . وفي في بيروت وشيع إلى دمشق بموكب رهيب فخم، و مشئ خلف جثمانه رجال الحكومتين اللبانية والسورية، وذلك في 4 رجب من سنة 1371 ه، ودفن بجوار السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام، وكان لنعيه رته أي في العالم الإسلامي.
2- المُقلة: العين كلها. عَبري : باكية. الوجد: الشوقَ. الحُشاشة : بقية الروح في المريض. حَری : ملهوفة.

وَكانّ فِي الاَحْشاءِ نارِ غَضًى *** اَمْسَى الهِيامُ يَزِيدُها سَعْرا(1)

مَا اِنْ صَبا قَلْبِي لِغانِيَةٍ *** تَهْوَى البِعادَ وتَالَفُ الهَجْرا(2)

لَكِنَّنِي اَبْكِي مُصِيبَةً مَنْ *** بِمُصابِها قَدْ اَفْنَتِ الصَّبْرا

اَبْكِي لِمَنْ كَادَتْ مُصِيبَتُها *** تُوهِي الجِبالَ وتَصْدَعُ الصَّخْرا(3)

لِمُصابِ سَيِّدَةِ النِّساءِ نِسا *** ءِ الْعَالَمِينَ البَضْعَةِ الزَّهْرا

بِنْتُ النَّبِيِّ اَجَل وبَضَعَتُهُ ال *** الفُضْلى شَبِيهَةُ مَرْيَمَ العَذْرَا(4)

والدُّرَّةِ البَيْضاءُ مِنْ صَدْفِ ال *** عَلْياءِ فَاقَتْ بِالسَّنَا البَدرا

امْسَتْ بِماءِ الوَحْيِ طِينَتُها *** مَعْجُونَةٌ وكَفى بِهِ فَخْرا

اَلمُصْطَفى جِبْرِيلُ اَطْعَمَهُ *** تُفَّاحَةً فِي لَيْلَةِ الاسْرا

فَتَكَوَّنَت مِنْها لِذاكَ غَدَت *** بَيْنَ الوَرى انسِيَّةٌ حَورا

قَد اغْضَبَ المُخْتَارَ مُغْضِبُها *** ويَسُرُّ اَحْمَدَ مَنْ لَها سَرّا

لَم يُرعَ فِيها اَحمَدٌ عَجَباً *** حَتَّى قَضَتْ مَكْرُوبَةً حَسْرى

وَلاَيِّ حَالٍ فِي الدُّجى دُفِنَتْ *** وَلاَيِّ حَالٍ اُلْحِدَت سِرّا

ص: 295


1- الغضا: شجر من الأثل، خشبه من أصلب الخشب، وجمرة يبقى زمناً طويلاً لا ينطفئ . الهيام : بكسر الهاء الحب ، سعراً: اشتعالاً.
2- «إن» زائدة. الغانية: المرأة الغنية بحسنها وجمالها عن الزينة. الهجر: الفراق .
3- توهي : تضعف وتوهن . تصدع: تشق.
4- بل هي أفضل من مريمَ العذراء! ذلك أن مريمَ سلام الله عليها سيدةُ نساء عالمها، والزهراء فاطمة صلوات الله عليها سيّدة نساء العالمين، من الأولين والآخرين. يراجع: ذخائر العقبى 43، سير أعلام النبلاء 2: 126، الجوهرة 17، الاستیعاب بهامش الإصابة 4: 376، تاريخ دمشق 1: 247۔ 248، مقتل الحسين للخوارزمي 1: 79، نظم درر السمطين للزرندي 178، 179، علل الشرائع 1: 182، معاني الأخبار 107) .

دُفِنَتْ وَلَمْ يَحْضُرْ جِنازَتَها *** اَحَدٌ ولا عرَفُوا لَها قَبرا!(1)

مَا كانَ فِي تَشْيِيعِ فَاطِمَةٍ *** اَجْرٌ فَيَغْنَمَ مُسْلِمٌ اَجرا؟

اَفَهَل سِواهَا كانَ بِنْتَ نَبِی *** يٍ فِي الوَرى تَحْتَ السَّما الخَضرَا؟(2)

ام مِثْلُها بَيْنَ النِّسا اَحَدٌ *** فِي كُلِّ مَنْ يَمشِي عَلَى الغَبْرا؟(3)

لَم يَحلُ مِن بَعْدِ النَّبِيِّ لَهَا *** عَيْشٌ واَصبَحَ عَيشُها مُرّا

مَاتَتْ بِغُصَّتِها وَما ضَحِكَتْ *** مِن بَعْدِهِ حَتَّى مَضَتْ عَبْرى

مِنِ ارثِها مُنِعَتْ ومِنْ فَدَكٍ *** ظُلْماً فَيا لَلْمِحْنَةِ الكُبْرى(4)

ص: 296


1- کتب توفيق أبو علم في مؤلفه ( أهل البيت ص 185 - ط القاهرة): .. فقد دفنت ليلا، ولم يحضر مع الإمام سوى الصفوة المختارة من أصحابه ، ولما علم المسلمون وفاتها جاؤوا إلى البقيع فوجدوا أربعين قبرة، فأشكل عليهم موضع قبرها من سائر القبور، فضج الناس ولام بعضهم بعضا وقالوا: لم يخلف نبيكم إلا بنتة واحدة، تموت وتدقن ولم تحضروا وفائها و الصلاة عليها ولا تعرفون قبرها ؟! في (كتاب سليم بن قيس الهلالي ص 213) قال ابن عباس : فقبضت فاطمه من يومها، فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، ودهشت الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، فأقبل أبو بكر وعمر يعزيان عليّاً ويقولان له: يا أبا الحسن، لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله . فلمّا كان في الليل دعا علي عليه السلام العبّاس والمقداد وسلمان وأبا ذر وعماراً ، فقدم العباس فصلّى عليها، ودفنوها، فلمّا أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة عليها السلام، فقال المقداد: قد دفنا فاطمةَ البارحة. فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال : ألم أقل إنهم سيفعلون ؟! قال العبّاس: إنها أوصَت أن لا تُصليا عليها .. (الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة).
2- الخضراء : السماء.
3- الغبراء: الأرض.
4- إشارة إلى ما ژوي في ( السيرة الحلبية للحلبي ج 3 ص 392): أن أبا بكر كتب لها بفدك، ودخل عليه عمر فقال : ما هذا ؟! فقال : كتابٌ كتبته لفاطمة بمیرائها من أبيها، فقال : من ماذا تنفق على المسلمين و قد حاربتك العرب كما ترى ؟! ثم أخذ الكتاب الشقه.

وَشَهَادَةُ الحَسَنَيْنِ اِذ شَهِدا *** وَاَبِيهِما مَرْدُودَةً جَهْرا!(1)

كَانُوا بِاَحكامِ النَّبِيِّ هُمُ *** مِنْ آلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ اَدرى؟

جَهِلَ الوَصِيُّ تُرَى بِمَا عَلِمُوا؟ *** حاشا لَهُ بِالحَهْلِ هُم اَحْرى

وَالْمُصْطَفى بِالعِلمِ خَصَّصَهُ *** فِي النّاسِ لا زَيْداً وَلا عَمرا

والذَّكرُ بِالْمِيرَاثِ جَاءَ وفي *** تَفْصِيلِهِ اَيَاتُهُ تَتْرى

فِي ارِثِ يَحْيى مِن ابيهِ وَفي *** ارْثِ ابْنِ دَاوُدٍ لَنا ذِكْرى

خَبَرٌ بِهِ راوِيةِ مُنْفَرِدٌ *** تَرَكُوا بِهِ الاياتِ وَالذِّكْرا(2)

ص: 297


1- تقدّم أن الشيخين ردّا شهادة أميرالمؤمنين والحسين عليهما السلام بذريعة أنهم يجرون لأنفسهم.
2- الخبر الذي انفرد بروايته أبوبكر هو خبر «نحن معاشر الأنبياء لا نورث». وفي خطبتها الفدكية الشريفة، قالت الزهراء عليها السلام توبخ أبابكر على غصبه فدكاً منها: يا ابن أبي قُحافة! أفي كتاب الله أن تَرثَ أباك ولا أرث أبي ؟!.. أفعلى عَمدٍ تركتُم كتابَ الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟! إذ يقول: ( وَوَرِثَ سليمانَ داودَ» (سورة النمل: 16)، وقال فيما اقتصّ من خبر یحیی بن زکريا عليه السلام إذ قال : ( هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) (سورة مريم: 5 - 6)، وقال : «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ » (سورة الأنفال : 75) ... أفتصُكُم الله بأية أخرج منها أبي ؟! أم هل تقولون أهل ملتين لا يتوارثان ولستُ أنا وأبي من أهل ملة واحدة ؟! أم أنتم أعلمُ بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي ؟! (ذكر أسانيد الخطبة الفدكية: ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 16: 210 - عنه: بحار الأنوار 216:29 )، والسيّد المرتضى في (الشافي 4: 69 - 72، عنه: بحار الأنوار 29: 217)، والشيخ الصدوق في علل الشرائع 248/ ح 2 - 4، عنه: بحار الأنوار 29: 218)، والشيخ المفيد في (أماليه 40/ ح 8 - عنه : بحار الأنوار 29: 219، وص107ح 2)، وأبو السعادات في السند الفائق على الأربعين ... عنه الطرائف للسيد ابن طاووس 263 ح 368 وأعلام النساء لعمر كحالة 3: 1208 . ط دمشق)، والإريلّي في (کشف الغمة 2: 106). أما مَن أوردوا مقاطع من الخطبة الفدكية فهم عديد من العلماء والأدباء، منهم: - المسعوديّ في ( مروج الذهب 2: 311). - ابن الأثير في ( النهاية في غريب الحديث 4: 273). - ابن منظور في (لسان العرب 12: 331). - توفيق أبو علم في (أهل البيت 157).. وغيرهم كثير.

حُكمٌ بِها قَد خُصَّ مُحكَمُهُ *** فَبِعِلْمِهِ لِم لَمْ تُحَطْ خُبْرا؟

ولِغَيْرِها المُخْتارُ اَفْهَمَهُ؟ *** عَجَباً واَسْدَلَ دُونَها سِتْرا؟

اَمَرَ النَّبِيُّ بِذَاكَ بَضْعَتَهُ *** فَعَصَتْ لَهُ مَعَ عِلْمِهَا امْرا؟(1)

حَاشا لِسَيِّدَةِ النِّساءِ وَمَنْ *** مِن رَبِّها قَدْ نَالَتِ الطُّهْرَا؟

***

يَا بِنْتَ مَنْ رَبُّ السَّما شَرفاً *** لِلْمَسْجِدِ الاَقْصى بِهِ اَسْرى

وحَلِيْلَةُ الْكَرَّارِ مِن قَتَلَ ال *** اَبطَالَ فِي اُحُدٍ ومَا فَرَّا(2)

مِن تَرهَبُ الاَرْضُونّ سَطْوَتَهُ *** فَتَهُمُّ بِالزِّلْزالِ ان كَرّا

مَن كانَ في بَدْرٍ وفي اُحُدٍ *** وَسِواهُما بِفِعالِهِ بَدرا

كُونِي الشَّفِيعَةِ لِلَّذِي عَظُمَتْ *** مِنْهُ الذُّنُوبُ فَانْقَضَتْ ظَهْرا(3)

ولَطالما اَنشا بِمَدْحِكُمْ *** مِدحاً سَمَتْ وَقَصائِداً غُرّا(4)

ص: 298


1- وجه الاحتجاج في هذه الأبيات الثلاثة هو: أن حديث لا نورث لو كان حقا لكان النبي علمه الزهراء عليها السلام لأنه حديث يخصّص آیات المواريث المحكمة، والزهراء هي المغنية به، فكيف لم يعلمها به رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم لو كان ذلك الحديث حقّا؟ ولماذا أفهمه لغيرها - أي لأبي بكر - ولم يعلم ابنته به؟ أم أنه أعلمها بالحديث قصث والعياذ بالله ؟ حاشاها من ذلك وهي المطهرة من رب العالمين . وفي شرح النهج الحديدي 20: 20 - 21 وهذا على وفاطمة والعباس ما زالوا على كلمة واحدة يكذبون الرواية «نحن معاشر الأنبياء لا نورث»، ويقولون : إنها مختلقة، قالوا: وكيف كان النبي صلي الله عليه و اله و سلم يُعرفُ هذا الحكم غيرنا ويكتمه عنا ونحن الورثة ؟ ونحن أولى الناس بأن يؤدى هذا الحكم إليه.
2- وإنّما فرّ المنافقون الذين عادوه وغصبوه وهتكوا حرمة بيته القدسي فيما بعد.
3- (أخذ المعنى من قوله تعالى في الآيتين 2 - 3 من سورة الشرح (ووَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذي أنْقَضَ.ضَهرَکَ )
4- أنشا: مخفّفة «أنشأ. مِدَح: جمع مِدحة. غُرّ : جمع أغَر، ويصح ضبطها أيضاً «غَرَّا» مخففة «غَرَّا»

تَسرِي مَسِيرَ الشَّمسِ ما تَرَكَت*** فِي سَيْرِها بَرّاً وَلا بَحْرا

ورِثَاؤُهُ وَبُكَاؤُهُ لَكُمْ *** انسى خُناسَ ونَدَبَهَا صَخْرا(1)

في ذِكْرِ مَدْحِكُمْ وَفَضْلِكُمُ الس *** سَامِي اَطالَ النَّظْمَ وَالنَّثْرا

يَا آلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ بِكُمْ *** اَنْجُو غَداً فِي النَّشاةِ الاُخْرى

اِنِّي اَتَّخَذْتُ وَلاكُمُ وَزَراً *** فِي مَحْشَرِي اَمْحُو بِهِ الْوِزْرا(2)

حَسْبِي بِكُمْ ذُخْراً اِذَا اتَّخَذَ ال *** اقْوَامُ غَيْرَكُمُ لَهُمْ ذُخْرا

لَمْ يَساَلِ المُخْتَارُ اُمَّتَهُ *** الّا مَوَدَّتَكُمْ لَهُ اَجْرا(3)

ص: 299


1- خُناس : اسم آخر للخنساء الشاعرة الرثاءة المعروفة. وصخر: هو أخو الخنساء الذي ما فتئت ترثيه وتبكيه.
2- الوزَر: الملجأ والمُعتصم. الوزر: الذَّب.
3- إشارة إلى قوله تعالى : «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» (سورة الشورى : 23).

(12) بنت الخُلود

(بحر البسيط)

السيّد محمّد جمال الهاشميّ

شَعَّت.. فَلاَ الشَّمسُ تَحكِيها وَلا القَمَرُ *** «زَهراءُ»مِن نُورِهَا الأكوانُ تَزدَهِرُ(1)

بِنتُ الخُلُودِ بِهَا الأَجيالُ خَاشِعةٌ*** أمُّ  الزَّمانِ إلَيهَا تَنتَمي العُصُرُ

رُوحُ الحَياةِ، فَلَولا لُطفُ عُنصُرِها *** لَم تأتَلِفْ بَينَنَا الأَرواحُ والصُّوَرُ

سَمَت عَنِ الأُفقِ لا رُوحٌ ولا مَلَكٌ *** وفَاقَتِ الأَرضَ لاجِنٌّ وَلا بَشَرُ

مَجبُولَةٌ مِن جَلالِ اللهِ طِينَتُها*** يَرِفُّ لُطفاً عَلَيهَا الصَّونُ والخَفَرُ(2)

ما عابَ مَفْخَرَهَا التَّأنِيثُ إنّ بِها***عَلَى الرِّجالِ نِساءُ الأَرضِ تَفتَخِرُ(3)

خِصالُها الغُرُّ جَلَّت أَن تَلُوكَ بِها *** مِنّا  المَقاوِلُ أو تَدنُو لَهَا الفِكَرُ(4)

مَعنى النُبُوَّةِ سِرُّ الوَحيِ، قد نَزلَتْ***فِي بَيتِ عِصمَتِهَا الآياتُ والسُّوَرُ(5)

ص: 300


1- تحكيها: تَصفُها، تشابِهُها. ازدهر: أضاءَ وتلألأ .
2- الخَفَر: الحياء بشدّة.
3- أخذ المعنى من قول المتنبي في رثاء أخت سيف الدولة: ولو كان النساء كمن فقدنا *** لفُضلت النساء على الرجال وما التأنيث لاسم الشمس عيب *** ولا التذكير ف خر للهلال
4- تلوکُ : الباء زائدة ، أي تلوکُها، بمعنی تديرها في فمها، وتذكرها. المقاول : جمع الفول، وهو اللسان.
5- في طريقه إلى كربلاء .. كان للإمام الحسين عليه السلام لقاء مع رجل من أهل الكوفة، فقال له: أما والله لو : لقيتك بالمدينة، لأريتُك أثر جبرئيل في دارنا، ونزوله بالوحي على جَدّي . يا أخا أهل الكوفة، من عنبرنا مستقى العلم .. ( سَير أعلام النبلاء، للذهبي 3: 205).

حَوَتْ خِلاَلَ رَسُولِ اللهِ أجمَعَها *** لَولا الرِّسالةُ سَاوى أَصلَهُ الثَّمَرُ(1)

تَدرَّجَت في مَرَاقِي الحَقِّ عارِجَةً *** لِمَشرِقِ النُّورِحَيثُ السِّرُّ مُسْتَتِرُ

ثُمّ انْثَنَت تَملأُ الدُّنيا مَعَارِفُها *** تَطوِي القُرونَ عَياءً وهيَ تَنتَشِرُ(2)

قُل لِلَّذِي راحَ يُخفِي فَضلَها حَسَداً *** وَجهُ الحَقيقَةِ عَنّا كَيفَ يَنْسَتِرُ ؟!

أتَقرِنُ النُّورَ بالظَّلمَاءِ مِن سَفَهٍ ؟! *** ما أنتَ فِي القَولِ إلاّ كاذِبٌ أَشِرُ(3)

بنتُ  النَّبيّ الَّذِي لَولا هِدايَتُهُ*** ما كانَ لِلحَقِّ لا عَينٌ ولا أثَرُ(4)

هیَ الَّتِي وَرِثَت حقّاً مَفَاخِرَهُ *** والعِطرُ فِيهِ الَّذِي في الوَردِ مُدَّخَرُ

في عِيدِ مِيلادِهَا الأَملاكُ حَافِلَةٌ *** والحُورُ في الجَنّة العُليَا لَها سَمَرُ(5)

تَزوّجَت في السَّما بِالمُرتَضى شَرَفاً *** والشَّمسُ  يَقرِنُها في الرُّتبَةِ القَمَرُ

عَلَى النُّبُوّة أضْفَت في مَراتِبِها *** فَضْلَ الوِلايَةِ لاَ تُبقِي وَلاتَذَرُ(6)

أُمُّ  الأئِمَّةِ مَن طَوعاً لِرَغبَتِهِم *** يَعلُو القَضاءُ بِنا أو يَنزِلُ القَدَرُ

ص: 301


1- الخلال: الخصال. أي أنّها ساوت والدها في الخصال إلا النبوة.
2- العَياء: التَّعب . أي أن معارفها أعجزت القرون وأتعبتها في حال كونها تنتشر.
3- أشر: بَطر.
4- في إحدى خُطبه المباركة.. وصفه أميرالمؤمنين عليه السلام قائلاً: أرسلَه بالدين المشهور، والعلم المأثور، والكتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللامع، والأمر الصادع؛ إزاحة للشُبهات، واحتجاجاً بالبيّنات، وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً بالممثلات ..( الخطبة 2. من: نهج البلاغة).
5- السُّمر: التحدث مع الجليس ليلاً. وفي البيت إشارة إلى السرور الذي عمّ الملائكة عند ميلاد الزهراء سلام الله عليها.
6- لأنها بنت النبي وزوج الوصي وأمّ الأوصياء .

قِفْ يَا يَراعيَ عَن مَدحِ البَتُولِ فَفِي *** مَدِيحِها تَهتِفُ الأَلوَاحُ والزُّبُرُ(1)

وارجِعْ  لِتَستَخبِرَ التّارِيخَ عَن نَبَأٍ *** قَد فاجأَتْنا بِهِ الأنباءُ والسِّيَرُ

هل أسقَطَ القَومُ ضَرباً حَملَها فَهَوَتْ*** تَئِنُّ  مِمّا بِها والضّلعُ مُنكَسِرُ؟!(2)

وَهَل كَما قِيلَ قَادُوا بَعلَها فَعَدَتْ ***وَراهُ نَادِبَةً والدَّمعُ مُنهَمِرُ؟!(3) 

إنْ كانَ حَقّاً فَإنّ القَومَ قَد مَرَقُوا ***عَنِ  الهُدى، وَبِدِين الله قَدكَفَرُوا!

ص: 302


1- اليراع: القلم. والألواحُ : هي ألواح موسى عليه السلام. والزُّبُر: أراد به زبور داود عليه السلام، فَجَمَعَ للتعظيم .
2- ذكر ذلك . فيما أحصي من الكتب المشهورة - 75 مصدراً، منها: إثبات الوصية للمسعودي 143، الملل والنّحل للشهرستاني 1: 57، الوافي بالوَفيات للصفدي 6: 17، شرح نهج البلاغة للمعتزلي 2: 60، 14: 193، تراجم أعلام النساء لكحالة 2: 316 - 317، فرائد السمطين اللجوينيّ الشافعيّ 2: 34 - 35، طريق الإرشاد للخواجوئى 444، 446، 465، البدء والتاريخ للمقدسيّ 5: 20، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 1: 268، میزان الاعتدال للذهبيّ 1: 139، سير أعلام النبلاء للذهبي 15: 578... هذا، فضلاً عن مصادر الشيعة وهي عشرات في هذا الموضوع؟.
3- وراه : مخفّفة «وراءه». وفي هذا البيت إشارة إلى دفاع الزهراء سلام الله عليها عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

(13) أهلُ الكساء عليهم السلام.

(بحر البسيط)

السيّد مُحيي الدِّين الغُريفيّ(1)

رَوتْ لنا الطُّهْرُ بنتُ المُصطفى خبَرا *** بنقلِ خَيرِ ثِقاتٍ كانَ مُعْتَبَرا

تلكَ البتولُ الَّتي قَدراً سَمتْ وَرَقَتْ *** عِزّاً بِخدمَتِها جِبريلُ قد فَخَرا

قالتْ: اتاني أبي يوماً وقالَ: أَيا *** بِنْتاةُ للضُّعْفِ فِي جِسْمي أرئ أَثَرا

ص: 303


1- هوالسيّد مُحيي الدِّين بن محمد جواد بن مُحسن بن محمّد بن علي بن إسماعيل الموسوي الغُريفيّ. عالمٌ جليل، وشاعر. وُلد في النجف الأشرف في 11 شعبان سنة 1350 ه، ونشأ فيها على والده العالم الجليل. قرأ المقدمات الدينية والأدبية على أساتذة أفاضل، ثم حضر الأبحاث العالية على السيد أبي القاسم الخوئي والسيد محسن الحكيم، وغيرهما. اشتغل بالتدريس، وتخرج عليه جمعُ من الفضلاء. وكان زاهداً ورعاً وشاعراً رقيقاً، له يد في نظم التاريخ، أخذت أشعاره هذه من كتابه ( آية التطهير). مؤلفاته: طُبع له: آية التطهير في الخمسة أهل الكساء، قواعد الحديث، الوقت والقبلة في الفقه والهيئة. تُوفي في بغداد في 13 من شهر رمضان سنة 1412 ه، وتُقل جثمانه إلى النجف الأشرف فدُفن فيه، وأخ وفائه أستاذنا السيّد عبدالستّار الحسني بقوله: أيُّ خطب دهی سُراة لُؤيَّ *** والبهاليلَ من بني ياسينِ حيث أودي الردى بذي الفضل منهم *** وحليف الثُّقى وكهف اليقين ومِنَ العِلمِ غاض بحرٌ خِضَمٌّ*** کم حبانا بلؤلؤ مکنون! فانب العلم يا مؤرخ «واکتب: *** أثكل الدِّين فقد مُحيي الدِّين»

فقلتُ: يا أبتي باللهِ عُذْتُكَ مِن *** ضُعْفٍ دهاكَ، فمنهُ القولُ قد صَدَرا:

غَطّي بُنيةُ جسمي بالكِساءِ، ومذْ *** غَطيتُهُ صِرتُ مِنه أُكْثِرُ النَّظَرا

إذا مُحَيَاه تَحكي البدرَ طلعَتَهُ *** في ليلةٍ بتَمامِ النُّورِ قد ظَهَرا

فما آنقَضَت ساعةٌ حتّى أتى حَسَنٌ *** وبالسَّلامِ ابتداني منهُ مُبتَشِرا(1)

ومُذ رَدَدتُ سلامي قلتُ: يا ثَمَرَ الْ*** فُؤادِ أهلاً ومَن لي أصبَحَ البَصَرا

فقال: إنّی أشَمُّ اليومَ رائحةً ***كأنّها رِيحُ مَن أُسْرِي به سَحَرا(2)

فقلتُ: جدُّكَ ذا تحتَ الكسا، فأتى *** مُسلِّماً واقفاً للإذنِ مُنتَظِرا

فجاءَ إذْنُ دخولٍ للزَّكيِّ مِنَ الْ ***جَدّ النبيِّ وبالإكرامِ قد ظَفَرا

وما انقَضَت ساعةٌ حتّى أتى وَلَدِي السْ ***سِبْطُ الشَّهيدُ وبالتسليمِ قد بَدَرا(3)

وقال: رائحةً في الدارِ طيّبةً *** أشُمُّ، تُعطي لریحِ المُصطفى صُوَرا

فقلتُ: جَدُّك ذا والمُجتَبى حَسَنُ *** تحتَ الكِساءِ، فراحَ السِّبطُ مُنحَدِرا

نحوَ الكساءِ ومُذ بالمُصطفى بَصُرا*** أهداهُ منهُ سلاماً للهُمومِ بَرى

وقال: هَل يأذَنُ الجَدُّ الرَّسولُ بأن*** مُضاجعاً لَهُما تحتَ الكِساء أُرى؟

فجاءَهُ الإذنُ مِن خيرِ الورى، وأتى*** مِن بعدِهِ مَن به الإسلامُ قد نُصِرا

ذاك الوَصيُّ وحَيّاني تحيّتَهُ *** وقال: ريحُ أخي في دارِنا انتَشَرا!(4)

ص: 304


1- ابتداني : مخففة «ابتدأني».
2- السَّحر: آخر الليل قبيل الصبح. وفيه إشارة إلى قوله تعالی : (سُبْحَانَ اَلَّذِي أَسْرَى بِعَبْدٍ لَيْلاً مِنَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ إِلَى اَلْمَسْجِدِ اَلْأَقْصَى اَلَّذِي بَارَكَنَا حَوْلَه)
3- بَدَرَ: سَبَقَ ، سارَعَ . (4) بَرى الشخصَ : أهزلَهُ . وهنا أراد إزالة الهموم
4- الريحُ مؤتة ، و قد تذكر على معنى الهواء.

فقلتُ: مَعْ وَلَدَيك المُصطفى آلْتَحَفا *** بذَا الكِساءِ اليَمانيِّ الذي ازدَهَرا(1)

فجاء حيدرةٌ يَهدي السَّلامَ إلى*** أخيه ذي الآيةِ العُظمَى الَّذي كَبُرا

مُستأذِناً مِنهُ في أن يَدْخُلَنّ إلَى الْ ***كِسا الّذي لَهُمُ قد كانَ مُدَّخَرا

أجابَه: آدخُل أخي، قالت: فجئتُ أنا *** مِن بَعدِ ما دَخَلوا والبيتُ قد زَهَرا

وقلتُ مِن بعدِ ما سَلَّمتُ: يا أبتي*** هل أدخُلَنْ مَعَكُم تحتَ الكساءِ تَرَى ؟

وبعدَ أن دخَلَت والخمسةُ اكتَمَلُوا*** تحتَ الكِسا وبِهِم ذاك الكِسا ابتَشَرا

نادَى الإلهُ بسُكّان السَّما وبالْ *** مَلائِكِ السَّامِعينَ الأمرَ إن أمَرا:

وعزّتي وجَلالي ما خَلقتُ سَماً*** ولا ثَرى، لا ولا شَمساً ولا قَمَرا

ولا سَرَى الفُلْكُ في بحرٍ ولا فَلَكٌ *** في الجَوِّ دارَ، ولا بَحرٌ تَرَونَ جَرى

إلاّ لِحُبِّ كرامٍ خمسةِ جُمِعُوا *** تحتَ الكِسَا الكونُ فيهم قد غَدا نَضِرا

فقال جبريلُ: يا ربَّ العبادِ ومَن*** تحتَ الكِسا ؟ فأصغى كلُّ مَن حَضَرا

فقال: مَن بيتُهم فيه النُّبُوّةِ مَن *** هُم للرسالةِ أضحَوا مَعدِناً ذُخِرا

هُم فاطمُ الطُّهْرُ وآبناها ووالدُها *** وبَعلُها حَيدرٌ مَن شَرّفُوا مُضَرا

ص: 305


1- في حديث الكساء الشريف: فقال الله عز وجل : يا ملائکتي، ويا كان سماواتي ، إني ما خلقت سماء مبنية، ولا أرضا مذحية، ولا قمرة منيرة، ولا شمسا مضيئة، ولا فلك يدور، ولا بحرة يجري، ولا لكأ يشري، إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء. فقال الأمين جبرائيل : يا رب، ومن تحت الكساء ؟ فقال عز وجل : هم أهل بيت النبوة، ومع الرسالة، هم فاطمة وأبوها، وتغلها وبوها.. (الجزء الحادي عشر من كتاب: عوالم العلوم للشيخ عبدالله البحراني، يرويه عن السيد هاشم البحراني ، عن السيد ماجد البحراني، عن الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني ، عن المقدس الأردبيلي، عن المحقق الكركي، عن علي بن هلال الجزائري، عن ابن فهد الحلي، عن الشيخ علي بن الخازن الحائري، عن الشيخ ضياء الدين علي ابن الشهيد : الأول، عن أبيه، عن فخر المحققين الحلي ، عن أبيه العلامة الحلي، عن خاله محقق «شرائع الإسلام»، عن ابن نما الحلي ، عن محمد بن إدريس الحلي ، عن ابن حمزة الطوسي ، عن ابن شهر آشوب، عن الشيخ الطبرسي صاحب «الاحتجاج»، عن ابن الشيخ الطوسي ، عن أبيه الشيخ الطوسي، عن الشيخ المفيد، عن ابن قولویه، عن الشيخ الكليني ، عن علي بن إبراهيم المفسر ، عن أبيه، عن ابن أبي نصر البزنطي ، عن قاسم بن يحيى الجلاء الكوفي ، عن أبي بصير، عن أبان ابن تغلب ، عن جابر الجعفي ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، عن فاطمة الزهراء عليها السلام ).

فقال جبريلُ لِلباري: أتأذنُ لي *** أن أهبِطَنّ لاِغدُو سادسَ الأُمَرا؟(1)

أجابهُ: اهبِطْ، فجاءَ الرُّوحُ مُمتَثلاً *** يَهدِي السَّلامَ إلى خَيرِ الوَرى بَشَرا

وقال: يُقْرِئُك اللهُ السَّلامَ وبالْ *** إكرامِ خَصَّك يا مَن بلَّغَ النُّذُرا

وبالجَلالةِ آلى ما خَلَقتُ سَماً *** أو بدرَ أو شمسَ بل ما قد دَحَوتُ ثَرى(2)

ولا جَرَى البَحرُ في الدُّنيا وسارَ بِهِ *** فُلْكٌ ولا فَلَكٌ في الخافقَينِ سَرى

إلاّ لأجلِكُمُ، والإذنُ مِنهُ بَدا *** لي بالدخولِ، فهل لي ذاكَ أنتَ تَرى ؟

أجابَهُ: آدخُلْ مَعِي فيهِ، ومُذ دَخَل الْ*** كِسَا الأمينُ وفی قُرباهُمُ افتَخَرا

أضحى يُبلّغ أنّ اللهَ طَهّرَكُم*** وأذهَبَ الرِّجسَ عنكُم مَن بَرَا البَشَرا(3)

فقالَ حيدرُ: ما فَضلُ الجُلوسِ لنا *** تحتَ الكسا يا رَسولَ اللهِ ؟ مُختَبِرا

أجابَهُ: والَّذي بالحَقِّ أرسَلَني*** ثمّ آصطفاني نَجِيّاً، ما رَوَى الخَبَرا(4)

بمَحْفِلِ الأرضِ جَمعٌ فيه شِيعَتُنا *** ومَن لنا مخلِصاً أضحى ومُنتَصِرا

ص: 306


1- عدم ظهور الفتحة على واو «أغدو » ضرورة شعرية.
2- عدم صرف البدر والشمس ضرورة غير محبذة، ولو قال: «ولا نجوماً ولا شمساً ولا قمراً» التخلُص.
3- بَرَا: مخَفَفَة «بَرَاَ» بمعنی خَلَقَ . وفي البيت إشارة إلى نزول قوله تعالى : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»
4- نجيّاً: مُناجياً. والنجي: الذي تُسارُّهُ .

إلّا وأنزَلَ رَبُّ الخَلْق رحمَتَهُ*** عليهِمُ، فعَلَيهِم خَيرُه انتَثَرا

وفيهمُ كرماً حَفّتْ مَلائكةٌ *** واستَغفَرَت لهُمُ، فالذَّنْبُ قد غُفِرا

فقال حيدرةٌ: فُزْنا وشيعتُنا *** وربِّ ذا البيتِ مَن سَبعَ السَّما فَطَرا(1)

وأقسَمَ المُصطَفى مِن بعدِ ذا عَلَناً *** بأنّ حديثُ الكِسا في الأرضِ ما ذُكِرا

في مَحْفِلٍ فيه أشياعٌ لنا وبِهِم *** ذو إلهَمِّ الّا وعنه الهَمُّ قد دُثِرا

أو كانَ ذو الغَمِّ أو داعٍ لِحاجتِهِ *** إلاّ وفُرِّج عَنهُ الغَمُّ وآنْدَحَرا

فأقسَمَ المُرتَضَى: فُزْنا وشِيعتُنا *** كما سَعِدْنا، وهُم نالُوا بِنا الظَّفَرا

دُنياً، ويومَ يقومُ الناسُ أجمَعُهُمْ *** لِربِّهم كلُّهُم قد أشخَصُوا البَصَرَا(2)

ص: 307


1- فطر السماء: تخلقها، شها.
2- أي يوم القيامة. قال تعالى : (إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصاره ( إبراهيم: 42).

ص: 308

قافية الزاي

اشارة

ص: 309

(1)بحُبّي للبتول

(بحر الوافر)

الشيخ صالح الطُزفيّ

بِحُبِّي لِلبَتُولِ أَرَي اعْتِزازِي *** ولِلْجَنّاتِ يَوْمَ غَدٍ جَوازِي(1)

ولِلزَّهْراءِ لَهْفِي إِذْ غَزَتْها *** نَوائِبُها فَكانَتْ شَرَّ غازِي(2)

بِخَالِقِهَا أحْتَمَتْ وبه تَعَزَّتْ *** فَأغْناهَا الْعَزاءُ عَنِ التَّعازِي(3)

فَيا لِلّهِ والأَقْوَامُ جَارُوا *** فَهُمْ عَن حَقِّ فَاطِمَ فِي انْحِيازِ(4)

ومَا كَسَبُوا بِما صَنَعُوا فَتِيلاً *** بَلي كَنَزُوا بِهِ شَرَّ اِكْتِنازِ(5)

ص: 310


1- قال ابن الأثير: سُميت فاطمه «البتول»؛ لانقطاعها عن نساء زمانها: فضلاً، وديناً، و حسباً. وقيل : لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى . (النهاية في غريب الحديث - مادة بتل) وفي رواية الإمام الباقر عليه السلام ... فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت ، فيقول الله : يا بنت حبيبي ما التفائك وقد أمرت بك إلى جنتي ؟! فتقول: يا رب، أحببت أن يعرف قذري في مثل هذا اليوم. فيقول الله : يا بنت حبيبي ، ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لي أو لأحد من ذريتك، خذي بيده فأدخليه الجنة .. (بحار الأنوار 8: 01 - 52)
2- النوائب: المصائب، وكانت على الزهراء عليها السلام شرَّ غاز.
3- العزاء: الصبر. والتعازي : المراثي. وكان مما نسب إليها عليها السلام في رثاء أبيها صلي الله عليه و اله و سلم قولها: تذكرت لما فرق الموتُ بيننا *** فعزيت نفسي بالنبيّ محمد فقلت لها: إن الممات سبيلُنا *** ومن لم يَمت في يومه مات في عَبد بحار الأنوار 22: 523/ ح 29)
4- انحياز: انحراف.
5- يكفيهم خيبة أن فاطمة الزهراء عليها السلام دعت عليهم، وشكتهم إلى الله تعالى وهي حبيته وحبيبة : حبيبه المصطفی صلي الله عليه و اله و سلم، حيث قالت : اللّهمّ إليك نشكو فَقدَ نبيك ورسولك وصفيّك، وارتداد أُمته علينا، ومنعهم إيانا حقّنا الذي جعلته لنا في كتابك المُنزل، على نبيّك المرسَل .. ( الهداية الكبرى للخصيبي 408 - عنه: بحار الأنوار 18:53 - 19).

فَلا هُمْ فِي اليَقِينِ ذَوُو يَقِينٍ *** وَلا هُمْ فِي الشُّكُوكِ ذَوُو اِحْتِرازِ(1)

وَحَالُ المَرْءِ يُعْلَمُ فِي امْتِحانٍ *** فَيَرْسُبُ أَوْ يَجُوزُ عَلَى امْتِيازِ(2)

ص: 311


1- الاحتراز: التحفّظ والاحتياط، والورع عن الظلم .. فإذا كان للقوم شكُّ في أمر الخلافة أو فدك، فعليهم يومها أن يراجعوا ويتحقّقوا - مع وضوح الأمر ووفرة الشهود الثقات -، لكنهم غالطوا وتعجّلوا في الغصب وهتك الحرمات والحُكم بالظلم والجور.
2- الرسوب في الاصطلاح المدرسي هو أن لا يحصل الطالب على درجة النجاح في الامتحان. والامتياز: أعلى درجات النجاح.

(2)شفيعةُ الحشر

(بحر المجتث)

السيد محمّد رضا القَزوينيّ

أَفَقْتُ مِن بَعْدِ نَؤمٍ*** قَدْ طالَ عَهْداً وَمُغزي

وَجَدتُ فِي القَلبِ وَجْداً *** بَيْنَ الظُّلُوعِ تَنَزّي(1)

أَضْنانِي البَحْثُ سَيْراً *** فَما تَلَكَّأتُ قَفْزا(2)

ورُحتُ أَطْلُبُ أَمْراً *** يَلُوحُ فِي الأُفُقِ رَمْزا(3)

كَيفَ النَّجاةُ بِحَشْرٍ *** لِمَنْ تَمادئ وَأَخزى ؟(4)

ومَا توَرَّعَ ذَنْباً *** فِي الناسِ غَمْزاً وَلَمزا(5)

حَتَى وَجَدتُ طَرِيقاً *** أن كَيفَ أَنجُو وأُجزي(6)

ص: 312


1- الوجد: الشوق . تَنَزی : وثب .
2- أضناني: أمرضني وأجهدني بحيث تمكّن مني الضَّعف والهُزال. تلكاتُ : أبطأت وتوقُفتُ .
3- يلوح: يبدو ويظهر.
4- تمادى في غيه وسرح، وأكثر من معاصيه حتى أخزى نفسه أمام الله تعالى و أمام الملأ!
5- غمزاً: غمز بالرجل وعليه بمعنى طعن عليه و سعی به شرّاً. لمزه: عابه، أو أشار إليه بعينه ونحوها مع کلام خفي . وفي البيت اقتباس من التعبير القرآني الشريف: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (سورة الهمزة :1)
6- لعل في البيت إشارة إلى قوله تعالى : ( وأن لَيسَ لِلإنسانِ إِلاَّ ما سَعى وَأنَّ سَعيَهُ سَوفَ يَرِئ ثُمَّ يُجزاهُ الجَزاءُ الأَوفي) (سورة النجم: 39 - 41).

وَجَدْتُ أَقوَالَ طه *** وَما إِلَى اللَّهِ يُعزي(1)

يُوصِي بِفَاطِمَ حُبّاً *** يَقُولُ: حَسْبُكَ كَنْزا!

شَفِيعَهُ الْحَشْرِ تبْدُو*** إِنْ ساقَنِي الذَّنْبُ وَخْزا(2)

وَعِنْدَها سَأُنادِي *** كَيْفَ المُحِبُّ سَيُجْزئ

هَيْهاتَ أنْتِ ولائِي *** أَفِي جَهَنَّمَ أُرزّا؟(3)

إِنّ الشيَاطِينَ راحَتْ *** تَؤُزُّ أَعْداكِ أَزَا(4)

إِلَى الْجَحِيم ومِنْهُمْ *** فَلَسْتُ أَسْمَعُ رِكْزا(5)

هَيْهاتَ أُحْشَرُ فِيهِمْ *** وإِنْ تَقَطَّعَتَ جَزَا(6)

إِنَّ الجِنانَ تُنادِي *** يَكْفِي مُحِبَّكِ عِزّا(7)

ص: 313


1- يعزي : ينسب ويعود قطعا وتحقيقاَ .
2- وخزاً: وخزه أي طعنهُ طعنةً غير نافذة بإبرة أو رمح أو نحوهما.
3- أززا: أي أُرزأ ، أي أُصاب بمصيبة السقوط في جهنّم!
4- اقتباس من قوله تبارك وتعالى: «أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا» (سورة مریم: 83): أي خلّينا بين الكافرين والشياطين ، يحتونهم على المعاصي بالتسويلات!
5- مُقتبس من قوله عزّ من قائل : «وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا» (سورة مريم: 98)، هل تسمع لهم ولو صوت خفيا، فكما أهلكنا أولئك تهلك هؤلاء!
6- أي أن عذاب النار الذي أقطع به يهون، ولكني لا أريد أن أحشَرَ في زمرة أعدائك .
7- فاعل «يکفی» محذوف، والتقدير يكفي دخولُ الجنة مُحبَّك عزاً. وتلك رواية الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه الإمام الباقر عليه السلام يقول لجابر الجُعفي : والله يا جابر، إنها لتلتقطُ شيعتها ومُحبّيها كما يلتقط الطيرُّ ّالحبَّ الجيّد من الحبّ الرديّ . (بحار الأنوار 8: 52). ومن قبل رواية النبي صلي الله عليه و اله و سلم .. فينادي منادي ربنا: يا أيّها المحبّون لفاطمة، تعلقوا بأهداب مرط فاطمة سيّدة نساء العالمين (أي أهداب کسائها) فلا يبقى محبُّ لفاطمة إلا تعلّق بهدية من أهداب مرطها .. (بحار الأنوار 8: 68)

ص: 314

قافية السين

اشارة

ص: 315

(1)يا بِنتَ الكرام

(بحر الكامل)

الأُستاذ إبراهيم محمّد جواد(1)

كَمْ ذا أُرِيتُ بِعَتمَةِ الأغْلاسِ *** حُلْماً جَميلاً هَزَّ بِي إحْساسِي(2)

حَشْرٌ وَنَشْرٌ وازدِحامٌ مُرعِبٌ *** وَتَرادُفُ الألْوانِ والأجْناسِ!(3)

وتَزاوُجٌ وَتَمازُجٌ وَتَماؤُجٌ *** وَتَدافُعٌ كَتَدافُعِ الأفراسِ(4)

ص: 316


1- هو الأستاذ إبراهيم بن محمد بن جواد . وُلد في سوريا – إدلب - الفوعة سنة 1356 ه/ الموافق لعام 1937 م، فنشأ وترعرع في أحضان أسرته، حتى صب نموده و سمت منزلته. دخل المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، ثم واصل تحصيله العلمي إلى أن تخرج من جامعة دمشق وهو يحمل شهادة كلية الشريعة في سنة 1968 م. والمترجم أديب لامع في سماء العلم والأدب والتأليف، وهو يقرض الشعر ويتناول في نظمه أغراض الشعر المألوفة، فهو متنوع الأغراض، حافل بالصور والأخيلة والأفكار، وأكثر نظمه في مدح ورثاء أهل البيت عليهم السلام ، وقد نشر الكثير من شعره في الصحف. ألف كتباً كثيرة، منها: 1 - فاطمة الزهراء صوتُ الحقّ وصرخة الصَّدق - مطبوع. 2 - زينب الكبرى صوت الثورة وصدى الرسالة . 3 - الأسس العامة للاقتصاد الإسلامي. 4 - ديوان شعر بعنوان : غرس الشهادة. 5- استمرار النشيد - شعر. 6- قيثارة الولاء - شعر. 7 - الوعد الإلهي . وغير ذلك من الكتب القيمة.
2- الأغلاس: ظُلمات أواخر اللَّيل . الواحد غَلَشُ .
3- الترادف : التتابع. الأجناس : الأنواع.
4- الأفراس : جمع فَرس.

وَمَعَ الخَلايِقِ قَدْ حُشِرْتُ كَما أَنا *** دُوني وخَلفِي جِنّةٌ وأَناسِي(1)

قَدْ كَدَّنِي عَرَقٌ تَصَبِّبَ سَيْلُهُ *** وأصَابَنِي بِالْهَمِّ والإِبْلاسِ(2)

جَسَدِي تَجَهَّمَ لِي وأَبْدى نُفرَةً *** مِنِّي وَرُوحي مِنْ جَفاةٍ تُقاسِي(3)

وَالنَّفْسُ قَدْ نَدِمَت عَلى مَا قَدَّمَت *** وَتَقَدَّمَت لِلرُّوحِ بِالإيئاسِ(4)

***

بَينا أَنا مُتَجَهِّمٌ مُتَحَيِّرٌ *** قَلِقٌ وقَدْ كَتَمَ الأسَى أَنْفاسِي

وإِذَا بِحانِيَةٍ عَلَىَّ تَقُودُنِي *** بَيْنَ الْوُرودِ وخُضْرَهِ الْمِيماسِ(5)

وَتَقولَ لي إِخْتَر لِنَفسِكَ دَوْحَةً *** فِي رَوْضَةٍ مَؤْفُورَةِ الإِيناسِ(6)

هذِي جِنانُ الخُلدِ فَادْخُلْ هانِئاً *** وَلَكَ التَّنَقُّلُ دُونَما حُرّاسِ

وَلَكَ القُصُورُ العالِياتُ وغُرفَةٌ *** والْحُورُ تَخْطُرُ بُكْرَةً وأماسِي

فَشَكَرْتُ حَانِيَةً عَلَىَّ لِفَضْلِها *** وعَجِبْتُ كَيْفَ شَرِبْتُ مِنْ ذِي الْكاسِ

ص: 317


1- الجنّ والجنّة : خلاف الإنسان . وأنسی : جمع إنسان .
2- كدني : اشتد عَلَی . الإبلاس : الانكسار والحزن والتحيّر . وفي البيت إشارة إلی ما روي من أنَ الناس يُلجمها الغَرَق يومَ القيامة .
3- تجهم : استقبل وجهِ كريه . وذلك أنّ أعضاء البدن تشهد علی الإنسان .
4- الإيئاس : قطع الأمل باليأس .
5- الحانية : العاطفة . وهی عليها السلام ص ، فقد جاء فی ) المناقب الجزء الثالث ص 357 مؤسّسة انتشارات العلامة - قمّ. المطبعة العلميّة بقم ( : فاطمة . البتول ، الحصان ، الحرّة ، السيدة ،العذراء ، الزهراء ، الحوراء ، المباركة ، الطاهرة ، الزكيّة ، الراضية ، المرضيّة ، المحدثة ، مريم الكبری ، الصديقة الكبری . ويقال لها في السماء : النوريّة ، السماويّة ، الحانية « . والميماس : نهر حماة ، وهو نهر العاصي ، وأراد هنا مطلق أنهار الجنّة . ولو قال : » وخضرة من اسِ « لكان أجود .
6- الدوحة : الشجرة العظيمة . الإيناس : الاستثناس . وقطع همزة » اختر ، ضرورة

وسَأَلتُ: يَا بِنتَ الكِرامِ، أَفاطِمُ؟! *** قَالَت: أيا لَفُؤادِکَ الحَسّاسِ(1)

* * *

زَهْراءُ سَيِّدَةَ النِّسَاءِ تَحِيَّةٌ *** مِنْ مُذْنِبٍ قَدْ غاصَ فِي الأَدناسِ(2)

لا يَكْتَفِي بِالذَّنْبِ يَفْعَلُ خِلْسَةً *** حَتَّى يُذِيعَ بِرَنّةِ الأَجْرَاسِ(3)

فِيمَ الشَّفَاعَةُ لِي وَإِنِّي غارِقٌ *** فِي الإثْمِ مِن قَدَميَّ لِقِمَّةِ راسي؟(4)

مالَتْ عَلَى الدّاءِ الوَبِيلِ تَجُسُّةٌ *** تَسْتَأْصِلُ الأَوْرامَ مِثْلَ نِطاسِي(5)

وتُهَدهِدُ القَلْبَ الحَزِينَ بِنَظْرَةٍ *** نَبَويَّةٍ تَدْعُوهُ لِلإِسْلاسِ(6)

قَالَتْ: ذُنُوبُكَ كُلُّها مَغْفُورَةٌ *** مُحِيَت بِما قَدَّمَتْ مِنْ أَغْراسِ(7)

لاَ تَعْجَبَنَّ إذا أَتَتْكَ شَفَاعَتي *** فَلَكَمْ رَجَمتَ وَساوِسَ الوَسْواسِ(8)

ص: 318


1- أي أصاب ظنك، فأنا فاطمة، وقد عرفت ذلك بفؤادك الذي يحس بأهل البيت.
2- الأدناس : جمع دَنس ، وهو الأذَّنب.
3- يريد أن يقول هذا الشاعر: إني لستُ مذنباً وحَسب، بل متجاهرٌ بذنبي ، حتى كأنّي أشير إليه بين الناس، بضرب الأجراس!.
4- يستكثر الشاعر على نفسه ويستعظم أن يُوهَب الشفاعة ، وهو الآثم، بل الغارق في الآثام من قمة رأسه إلى أخمص قدمه.
5- تجسُّهُ: تتفحّصه لتتعرفه. تستأصل : تقلعها من أُصولها. النَّطاسي : الطبيب الحاذق .
6- أسلَس قياده: صيره سلساً سهلاً، والسَّلَس: السهولة والانقياد . وقد يريد أنها عليها السلامتدعوه للهدوء والاطمئنان .
7- الأغراس : جمعُ الغِرس، وهو ما يغرس في الأرض. وأراد هنا العقيدة الصحيحة ومحبّة محمد وآل محمّد عليهم السلام .
8- أي لأنّ ما تستحق به شفاعتي هو رجمك ورفضك لوساوس الشياطين أعداء آل محمد عليهم السلام وبراءك منهم.

وَلَكَمْ هَتَفْتَ بحبِّ آلِ مُحَمَّدِ *** حَتَی تَصَدّعَ خافِقُ الخَنّاسِ(1)

وبَلابِلُ الأَفنانِ يَحلُو شَدؤُها *** فوقَ الغُصونِ وَفَرْعِها المَيّاسِ(2)

فَبِكُلِّ قافِيةٍ زَهَتْ فَوْقَ الثَّری *** غَرسٌ ، فَلا تُقصِر(3) عَنِ الأَغراسِ

وبِكُل اُغنِيَةٍ شَدَتْ بَيْنَ الوَری *** لَكَ مَنزِلُ يَعْلُو علَی اَوراس(4)

***

هیَ ذِی المکارِمُ قَد عَلِمتُ اُصُولَها *** الْمُصْطَفی أَركانُها وَمَراسِي(5)

ومِنَ النَّبيِّ تَفَرعَتْ أَغصانُها *** واخضَوضَرَت في الاّل خَيْرِ الناسِ

زَهْراءُ قِمَّتُها وتاجُ كَمالِها *** والمُقتَدی للناسِ كالنِّبراسِ(6)

ص: 319


1- الخافق : القلبُ . والخناس : الشيطان . وفيه إشارة إلی قوله تعالی : ( مِنْ شر الْوَسْوَاسِ الْخَناسِ (الّذِي يُوَسْوِسُ فِي صدُورِ الناسِ * مِنَ الجنّة والناسِ ).
2- الأفنان : الأغصان . المَيَاس : المُتمايل المتبختر .
3- أَقْصَر : كف.أي فلا تكفَّ عن نظم الأشعار التي هي أغراسك للقيامة .
4- أؤ راس : اسم جبل عال . ولو قال وبكلّ قافية بدل « وبكل أغنية « لكان أنسب بما ورد عن الأئمّة عليهم السلام من أنّ من أنشد فيهم شعراً فله بكلّ بيت بيت في الجنّة . ففي عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 15 ، عن الإمام الصادق عليه السلام: من قال فينا بيت شعر بنی الله تعالی له بيتاً في الجنّة .
5- أراد : ومراسيها ، والمراسي : جمع المَرْسَی ، وهو مَحَل الرسوَ والنزول . والبيت ضعيف التركيب .
6- النبراس : السراج ، المصباح . وفي شرح الأخبار 2 : 477 / ح 838 قول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : يا علی ،إنّما مَثلّنا مثل الشجرة ، أنا أصلها ، وأنت فرعها، و فاطمة أغصانها ، والحسن والحسين ثمارها . وفي هذا المعنی قال أبوبكر الحلبی : يا دوحةٍ في الخلد نابتةً *** ما في الجنان لها شبهُ من الشَّجَرِ المصطفی أصلها و فاطمة *** ثم للقاح عليّ سيّد البَشَر والهاشميّان سبطاها لها ثَمَرٌ *** والشيعة الورقُ الملتفُ بالثمرِ

هِيَ للنَّبيِّ الأُمُّ وَالبِنتُ الَّتِي *** تَأسُو الجِراحَ بِخِبرَةِ وَمِراسِ(1)

لولا عَلِيُّ لَمْ يَكُنْ كُفُواً لها *** أحَدٌ يُؤانِسُ دَزبَها ويُواسِي

هِيَ لِلْوَصِيِّ الزَّوجُ تَفرِشُ دَربَهُ *** بِالرَّوحِ والرِّيحانِ والإيناسِ(2)

هِيَ لِلعَطاءِ مَواقِفٌ مَشهُودَة *** وَعَزائِمٌ مِثلُ الجبالِ رَواسِي(3)

ص: 320


1- أسى الجرح: داواه وعالجه. وفي كتاب (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ج 12 ص 440): «فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم تُكنى أمُّ أبيها، وتعرف بالزهراء».
2- الروح: بژ نسيم الريح. والريحان : معروف. وقيل في الروح والريحان معان أخرى، والمعنى مأخوذ من قول الله سبحانه في الآية 89 من سورة الواقعة : «فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ» في (کشف الغمة لأبي فتح الإربلي ج 1 ص 363، دار الكتاب الإسلامي - بيروت) : «قال علي علي عليه السلام : فوالله ما أغضبها، ولا أكرهتُها على أمر حتَّى قبضها الله عزّ وجلّ ، ولا أغضبتني، ولا عَصَت لي أمراً، ولقد كنتُ أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان».
3- في ( بشارة المصطفى: 217 - 219/ ح 44): «عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : صلى بنا رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم صلاة العصر، فلما انفتل جلس في قبلته والناسُ حوله، فبينما هم كذلك إذ أقبل إليه شيخ من مهاجرة العرب عليه سمل قد تهلل وأخلق، وهو لا يكاد يتمالك برة وضُعفاً، فأقبل عليه رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يستحثه الخبر، فقال الشيخ: يا نبي الله ، أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجَسَد فاکشني، وفقير فأرشيني .. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : ما أجد لك شيئاً، ولكنّ الدالّ على الخير كفاعله، انطلق إلى منزل مَن يُحب الله ورسوله، ويحبُّه اللهُ ورسوله، يُؤثر الله على نفسه، انطلق إلى حُجرة فاطمة. وكان بيتها ملاصق بيت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه ، وقال : يا بلال، قُم فقف به على منزل فاطمة . فانطلق الأعرابي مع بلال، فلما وقف على باب فاطمة نادى بأعلى صوته : السلامُ عليكم يا أهل بيت النبوة، ومختلف الملائكة، ومهبط جبرائيل الروح الأمين، بالتنزيل من عند ربَ العالمين. فقالت فاطمة : وعليك السلام، فمن أنت يا هذا؟ قال : شيخٌ من العرب، أقبلتُ على أبيك سيد البشر مهاجراً من شُقّة، وأنا يا بنت محمد عاري الجسد، جائع الكَبد، فواسيني يرحَمك الله . وكان الفاطمة وعليّ في تلك الحال ورسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً ، وقد علم رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ذلك من شأنهما. فعمدت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقَرظ، كان ينام عليه : الحسنُ والحسين . فقالت : خذ هذا أيها الطارق ، فعسى الله أن يرتاح لك ما هو خير منه .. قال الأعرابي : يا بنتَ محمّد، شكوتُ إليك الجوع فناولتيني جلد كبش، ما أنا صانع به مع ما أجد من السُغَب ! قال : فعمدت - لمّا سمعت هذا من قوله - إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمها حمزة بن عبدالمطّلب ، فقطعته من عنقها ونبذته إلى الأعرابي ، فقالت : خذه وبغه، فعسى الله أن يعوضك به ما هو خير منه. فأخذ الأعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم والنبيّ جالس في أصحابه ، فقال : يا رسول الله ، أعطتني فاطمهُ بنت محمد هذا العقد فقالت : بغه فعسی الله أن يصنع لك. قال : فبكى النبي صلي الله عليه و اله و سلم وقال : وكيف لا يصنع الله لك وقد أعطته فاطمة بنت محمد سيّدهُ بنات آدم ؟!

هِيَ للطَّهارَة أسُّها وأساسُها *** هيَ للفَضِيلَهِ عِصمَهُ المِقياسِ

هِيَ لِلعُلوِّ شَعائِرُ و مَنَاسِکٌ *** وَمَعارجٌ عَزَّت عَلَى الإركاسِ(1)

ص: 321


1- الإركاس: الإعادة، والهبوط .

(2)خامسةُ الأشباح

(بحر الطويل)

السيّد صالح الحلّيّ

خَلِيلَيَّ عُوجا بِي عَلَى الْحَيِّ وَاحْبِسا *** قَلُؤ صَيْكُما فِي رامَّةٍ لاَ تُغَلِّسا(1)

اَقِيما عَلى وَادِيهِمُ عُمرَ ساعَةٍ *** فَقَلْبِي مَعَ اَلْحَيِّ المُعَرَّسِ عَرَّسا(2)

أُسائِلُ عَنْهُمْ كُلَّمَا مَرَّ رَاكِبٌ *** أُعلِّلُ نَفْسِي فِي لَعَلَّ وفي عَسِي(3)

إِذَا مَا سَرَؤُا فَالنَّجمُ يَسْتُرُ نُورَهُ *** وهُمْ أَنْجُمُ السَّارِي إِذَا اللَّيْلُ عَسْعَسا(4)

لَقَدْ صِرْتُ سَلْسَ الإِنْقِيادِ لِعِيسِهِمْ *** ولَكِنْ عِيسَ الظَّغْنِ قَدْ صِرْنَ شُمَّسا(5)

سَقَوْنِي كُوُوسَ الْحَتْفِ حَتَّى تَسَاقَطَ اَلَّ *** لَذي قَدْ سَقَوْنِي مِنْ جُفُونِيَ أَكْؤُسا(6)

ص: 322


1- الغلوص من الإبل : الطويلة القوائم أو الشابة منها. رامة: موضع في طريق البصرة إلى مكة. التغليس: سيرُ اللّيل، وأراد هنا مطلق المسير.
2- عرّس بالوادي : حلّ به آخرَ اللّيل.
3- لعلّ، وعسى : من أفعال الترجّي والتمني. ويكون الفعل: أعلّل نفسي : يعني أسليها وأصبرُها.
4- سروا: مَشَوا ليلاً. والساري : الماشي ليلاً. وعَسعَس : أقبلَ ظلامُه. والعبارة مُقتبسة من قوله تبارك وتعالى : «وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ» (سورة التكوير: 17).
5- العيس: الإبل البيض يخالط بياضها سوادٌ خفيف، أو هي رام الإبل . الشَمَّس من الدوابَ : ما لا تمكنّ أحداً من ركوبها أو إسراجها، ولا تكاد تستقرّ. والظّعن : الرحيل والسفر والهجرة.
6- الحَنف: الموت والهلاك. ويريد أن يقول: لقد سَقوني بفراقهم كؤوسَ المنية، فدرت تلك الكؤوس أكوساً من الدموع ذرفتها عيوني بكاءُ عليهم.

وقَاسَمَنِي الدَّهرُ الجِوارَ فَجَارَهُم *** فُؤادِي وَجارِي الدَّمْعِ بِالحُمرَةِ اكتَسي(1)

تَكادُ الثَّرَى تَخضَرُّ مِن صَبَّ دَمْعِهِ *** وتُحْرَقُ مِن أَنفاسِهِ إن تَنَفَّسا(2)

فَلا دَمعُةُ يُطفِي حَرارةَ وَجدِهِ *** وَلا الوَجْدُ لِلدَّمْعِ الْمُرَقْرَقِ أَيْبَسا

خَلِيلَيَّ ما وَجدِي لِفَقدِ أحِبَّتي *** ولكنّما وَجدِي لِسَيِّدَهِ النِّسا

هِيَ البَضْعَةُ الزَّهْرا سَلِيلَةُ أحْمَدٍ *** وخَامِسَةُ الأَشْباحِ صَاحِبَهُ الكِسا

فَلَيْتَ رَسُولَ اَللَّهِ يَنْظُرُ صِهْرَهُ *** عَلَى اَلرَّغْمِ مَرْؤُوساً وتَيماً مُرَاسا(3)

لَقَدْ كانَ دَهْرِي قَبْلَ يَوْمِكَ بَاسِماً *** فَدَهْرِيَ مِنْ بَعْدِ اِفْتِقادِكَ عَبَّسا(4)

لَقَدْ أَضْرَموا الْبَيْتَ اَلَّذِي فِيهِ لَمْ تَزَلْ *** مَلائِكَةُ الرَّحْمانِ تَرْعاهُ حُرَّساً

قَدِ اسْوَدَّ مِنْها المَتْنُ واحْمَرَّ خَدُّها*** وَأَسْعَدُ مَا لاقَتْهُ فِي النّاسِ أَتعَسا(5)

ص: 323


1- جاورهم قلبي ، وحين رحلوا اکتسی دمعي الجاري بحمرة الدم.
2- هذا المعنى ورد أيضاً في دالية الحاج هاشم الكعبي حيث قال في وصف حال زينب الكبرى صلوات الله عليها وحزنها بعد واقعة عاشوراء العظمى، هي والثواكل: عَبْرَائِهَا تُحْيِي اَلثَّرَى لَوْ لَمْ تَكُنْ *** زَفَرَاتُهَا تَدَعُ اَلرِّيَاضَ هُمُوداً
3- يُراد ب(تيم) أبوبكر.
4- كان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في حياته يحنو على فاطمة عليها السلام ، فهي أحبُّ الناس إليه . (سنن الترمذي ح 3874)، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها، فقبّلها وأجلسها في مجلسه . (سنن الترمذي ح 3872) إلى آخر الروايات التي تُشعرنا بأن الدهر كان يبتسم لها، وبعد وفاة أبيها صلي الله عليه و اله و سلم أخذت المصائب تتوالى عليها، حيث اغتصبوا إرثها في فَدَك - (شرح نهج البلاغة 16: 284)، وهجموا على دارها وأحرقوا بابه (تاریخ الطبري ج 3/ 198)، وضربوها، وكسروا ضلعها - ( الاحتجاج ج1: ص 109)، وأسقطوا جنينها ( الوافي بالوفيات للصفدي ج5: 367)، وقد تقدّمت تفاصيل كثيرة عن ذلك، في قصائد متعددة.
5- أي لم ينصُرها أحدٌ، فأسعدُ شيء لاقته منهم تَعسٌ مؤلمُ.

عَجِبْتُ لِمَنْ لَمْ يَنْسَ صَؤْلَةَ حَيْدَرٍ *** فَكَيْفَ لَحاهُ اَللَّهُ مِنْ بَعْدُ قَدْ نَسي؟(1)

وَصالَ على ذَاكَ الْهِزَبْرِ وقادَهُ *** بِحَبْلِ بِرَغمِ الدِّينِ يَنْقَادُ مُبْلِسا!(2)

عَلى مِنْبَرِ اَلْهادِي عَلا اِبْنُ فُلانَةَ *** ووَارِثُ عِلْمِ اللَّهِ فِي الدَّارِ أُجْلِسا!!(3)

لَقَدْ أَسَّسَ الظُّلْمَ ابنُ تَيْمِ بْنِ مُرَّةٍ *** وَعَلَّى ابْنُ هِنْدٍ فَوْقَ مَا كانَ أَسَّسا(4)

ص: 324


1- لحاه: عابه، أو لعنه. ونسی: لغة في نسي . والمقصود به عمر، والشاعر يتعجُب كيف ينسى هذا صولات أميرالمؤمنين عليه السلام وجولاته المشهودة في ساحات الوغى.
2- العُبلس: الحزين المنکسر المتحيّر.
3- إذا نسبت العرب شخصاً إلى أمه، فإن كانت في غاية الشرف والعفة كانت النسبة مدحاً، كما تقول: «الحسين بن فاطمة»، وإن كانت في غاية الرذالة والسقوط كانت النسبة تعني أنّه غير معروف الأب لقيط ، كما يقال : «معاوية بن هند»، و«زياد بن أبيه» و«عبيد الله بن مرجانة»، و«عمر بن حنتمة». والمراد هنا أبو بكر، فإن أمه فيها مغمز ليس هنا محل ذكره.
4- ابن تيم: أبوبكر. ابن هند: معاوية ابن هند من ذوات الأعلام ! ولى عَلَّی الأساس : بني عليه .

(3)آل فاطمة

(بحر المتقارب)

الشيخ محمّد عليّ الأردوباديّ(1)

ص: 325


1- هو الشيخ محمد علي ابن الميرزا أبو القاسم بن محمد تقي بن محمد قاسم الأردوباديّ التبريزيّ النجفي. عالم متضلّع، فقيه بارع، وأديب كبير، ونسبته إلى أردوباد ، مدينة تقع على الحدود بين آذربايجان و القفقاس قرب نهر أرس. وكانت ولادته في تبريز في 21 رجب سنة 1312 ه. أتی به والده إلى النجف الأشرف بعد عودته إليها في حدود سنة 1315 ه فنشأ عليه، ووجهه خیر توجيه. قرأ مقدمات العلوم على لفيف من رجال الفضل والعلم، وحضر في الفقه والأصول على والده ، وشيخ الشريعة الأصفهاني وقد أخذ عنه الحديث والرجال أيضا، والسيد الميرزا علي ابن المجدد الشيرازي، وفي الفلسفة على الشيخ محمد حسين الأصفهاني، وفي الكلام والتفسير على الشيخ محمد جواد البلاغي. شهد له بالاجتهاد كلِّ من: أستاذه الشيرازي، والميرزا حسين النائيني، والشيخ عبدالكريم الحائري، والشيخ محمد رضا (أبي المجد) الأصفهاني ، والسيد حسن الصدر، وغيرهم. حفلت حياة المترجم بأعمال الخير، فاستنفدت جهده الباقيات الصالحات، حتّى وهت قواه وأصيب بالشلل، فانزوى في داره في السنوات الأخيرة، وكان لا يخرج إلا نادرة وبصعوبة، إلا أنه لم يفتر عن العمل، فقد بدأ في تلك العزلة بتأليف تفسير القرآن الكريم، وكان يمليه على بطه، وأنهى جزأه الأول. ترك المترجم له آثاراً قيمة متنوعة في النظم والنثر، منها: 1- کتاب ضخم في ستّ مجلدات على نهج الکشکول. 2- حياة إبراهيم بن مالك الأشتر. 3- حياة سَبع الدَّجيل ، ترجمة السيّد محمّد ابن الإمام الهادي عليه السلام. 4 - سبيك النضار في شرح حال شيخ الثار المختار . 5 - الكلمات التامات، في : المظاهر العزائية والشعائر الحسينيّة. 6- الأنوار الساطعة. 7- حلق اللّحية. 8- منظومة في واقعة الطف . 9- على وليدُ الكعبة. 10- حياة الإمام المجدد الشيرازيّ. 11 - سبائك التبر فيما قيل في الإمام الشيرازيّ من الشعر . 12 - ديوان شعر، معظمه في مدح آل البيت، وهو أكثر من ستّة آلاف بيت. 13 - التقريرات، في الفقه والأصول. البي نداء ربه في النجف الأشرف ليلة الأحد 1 صفر سنة 1380 ه، وشُيع تشييعاً يليق بمكانته وخدماته، ودُفن في الحجرة الرابعة على يسار الداخل إلى الصحن العَلَوي الشريف من باب السوق الكبير، وهي التي دُفن فيها كثير من الأعلام.

لِيَهنِ الهُدی فَيْضُهُ الأَقْدَسُ *** غَداةَ زها الثَّقَلُ للأَنفَسُ

شَأَتْ أَرْضُ مَكةَ فِيهِ السَّما *** فَذَلَّ لَهَا الفَلَكُ الأَطْلَسُ(1)

وغَالی بِهَا القُدسُ مِنْ فَاطِم *** فَزايَلَها الثَّمَنُ الاوكَسُ(2)

وَغُصنُ النُّبُوَةِ أَعياصُةُ *** بِرَوضِ الجِنانِ لَهَا مَغرِسُ(3)

وَنَسجُ الخِلاَفَةِ أَبرادُها *** فَمَا الْحُورُ جَلَلَها السُنْدُسُ (4)

مَشَت في الصَّعِيدِ وعَلياوُها *** لَهَا فَوقَ هَامِ السَّما مَعْطِسُ(5)

وَعَن غَيرِ سُؤْدَدِها المُسْتَفِيضِ *** غَدَتْ سُوَرُ الذّكرِ لاَ تَنبِسُ(6)

وَقد وَقَفَتْ فِيهِ فِي مُسْتَوی *** بِوَصْمِ الرِّجاسَةِ لا يُدنَسُ

فَعَنْ دَنَسِ الشِّرکِ مَفطُومَةُ *** وَعَن كُل شائِنَهٍ تُحرَسُ(7)

ص: 326


1- شأت : سبقت. الأطلس : المُغبر إلى السواد.
2- الأوكس: الأنقص.
3- أعياصُه : جمع العيص ، وهو الشجر الكثير الملتف ، أو منبت خيار الشجر أو الأصل.
4- السُندس: ضربُ من رقيق الدِّيباج.
5- المَعطس : الأنف. والمراد به هنا رفعة المَقام والمنزلة .
6- لا تنبسُ : لا تتكلم.
7- الشائنة : العائبة ، وهي كل ما يشين الإنسان ، عكس ما يزينه . وفي البيت إشارة إلى آية التطهير .

لَئِن تَسعَ فِي نَيلِهِ العاثِراتُ *** يُؤَخِّرُها عِزُّها الأَقعَسُ(1)

فَاَينَ مِنَ النُّور نُورِ الهُدی *** بِظَلماءِ لَيل الْعَمی حِندِسُ؟(2)

وَفِي مُنتَهی القَوسِ عِنْدَ الصُّععُو *** دِ لَيْس لِمَن يَبتَغِي مَلمَسُ

بإمكانِها الأَشرفُ المُستَنِي *** رُ نيطَت بِافاقِهَا الأنفُسُ

وانّ عَلی ؤُدِّها الأنبِياءَ *** عَلَّوا بَنِيَّةَ(3) ، ما أسَّسُوا

ودَارَت عَلَيهِ قُرونٌ مَضَت *** تَتفَّی البَليغَ به المُبلِسُ(4)

وَفِي المَلَكُوتِ لَهَا مَوقِفُ *** وَذِكرٌ إلَی الحَشْرِ لا يُدرَسُ(5)

ولَمْ يُلفَ كُفوٌ لَها فِي الوُجُو *** دِ لَؤلاّ ابنُ فَاطِمَةَ الأقدَسُ(6)

وَ ذُرِّيَّةُ بَعدَها قَد زَكَوا *** فَمِن أَقعَسٍ بَعدَهُ اَشوَسُ(7)

اَئِمَّهُ حَقُّ هُمُ المُصْطَفَونَ *** لِأَمرِ الخِلافَةِ مَا استَياَسُوا(8)

ص: 327


1- الأقس: المنيع .
2- الحندس: اللّيل شديد الظلمة، أو الظلمة.
3- علَّى البناء: رَفَعهُ. البنيَّة : المبنية .
4- تقفُی : تبع. المبلس: المتحيّر. وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، في ضمن حديث شريف له: .. وهي الصِّدِّيقةُ الكبرى، وعلى معرفتها دار القُرونُ الأولى . (أمالي الطوسي 94/ ح6 . المجلس 36)
5- لا يدرسُ : لا يُمحى. ولا يدرُسُ: لا ينمحي ، فيصح الضبط بكليهما.
6- ابنُ فاطمة: هو أمير المؤمنين ابن فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب رضوان الله تعالى عليهما، وقد نسبه إلى أمه لشرفها وعلو شأنها، وقد قال أسيد بن أبي إياس يحرض المشركين على أمير المؤمنين عليه السلام. هذا ابن فاطمة الذي أفناكُمُ *** ذبحاً ويُمسي سالماً لم يُذبَح
7- الأقس: العزيز الممتنع الأبي، والأشوس: الشجاع المقّدام .
8- استيأس: يَئِسَ .

وَتَيمُ ابنُ مُرَّةَ أعلامُها *** وَنَوكی عَدِیَّ بهَا نُكَّسُ(1)

وَمَا لاِبنِ عَفّانَ فِی مُنْتَدَی ال*** قَداسَةِ إمّا احتَبی مَجلِسُ(2)

سِوی آلِ فَاطِمَةَ الأكرَمِينَ *** تُطَاطَاُ مِنّا لَهَا الاَروؤُسُ

اَقُولُ وأُنسُ اللِّسَانِ الثَّناءُ *** وقَلبِي بِذِكراهُمُ يَأنَسُ

ذَخَرْتُ لمثوَی اللُّحودِ الوَلاءَ *** تُدارُ لها بَينَنا الأَكؤُسُ

وإنّ كانّ قَصراً عليها الفَخارُ *** فَإنّ عَلَيهَا الثَّنا يُحبَسُ(3)

ص: 328


1- النََّوكی : الحَمْقَی . أي وأعلام نَوكی عَدِيَ مُنكسة ، والمراد بحمقی عديّ عمر بن الخطاب.
2- الاحتباء : أن يجلس علی إليتيه رافعاً ركبتيه محتوياً عليهما بيديه أو يجمع بينهما وظهره بعمامة ونحوها .
3- قَصراً عليها : مقصوراً عليها.

قافية الشين

اشارة

ص: 329

(1) ميلادُک النور

(بحر البسيط)

الأستاذ حميد أحمد المُسّري(1)

مِيلادُكِ النُّورُ فِي الآفاقِ يَفْتَرَشُ *** وَفَضلُكِ الفَضلُ في الأزمَانِ مُنْتَعِشُ(2)

وَذِكْرُكِ الذِّكْرُ فيهِ الْفَضْلُ قَاطِبَهُ *** لا يَنزَوِي وَهْوَ فِي التَّارِيخِ مُنْتقِشُ(3)

أَنْتِ الَّتِي كنْتِ نُوراً شَامِخاً أَزَلاً *** عَبرَ الدُّهُورِ بِمَرٍّ لَيْسَ يَنكَمِشُ(4)

أَعْطاكِ رَبُّكِ شَأْناً لَيْسَ يُدْرِكُهُ *** كلُّ البَرايا لَهُ الأَلْبَابُ تَنْدَهِشُ(5)

ص: 330


1- هو الأستاذ حميد بن أحمد بن عليّ بن أحمد المسري . ولد في الكويت 3 شعبان سنة 1368 ه/ 1948 م، وترعرع في أحضان أسرته، فنشأ نشأة كريمة، ثمّ دفعه أبوه إلى أحد الكتاتيب عند السيد ماجد البحراني ، ثم انتقل إلى المدرسة الجعفرية في الكويت ومديرها السيد محمد حسن الموسوي الذي نشأ في كنفه جيل من الوجهاء، حيث غرس في نفوسهم حبّ الفضيلة والصلاح. كان الأستاذ أحمد منذ صغر سنه هاوياً للشعر والأدب، فأخذ يقرض الشعر وهو في العقد الثاني من عمره، ثمّ تدرج حتى أصبح شاعراً في كل مناسبة، وكان من توفيقه أن أكثر نظمه في مدح ورثاء أهل البيت عليهم السلام . نشرله ديوان باسم (رشح الخواطر في مدح محمد وآله الزواهر).وما زال هذا الأديب يمارس دوره الثقافيّ والديني في أبعادٍ عديدة .
2- يفترش: ينبسط.
3- لا ينزوي : لا يُهمل. انتعش : نشط، رفع رأسه.
4- انكمش : انقبض
5- البرايا: الخَلق، الناس. يروي الشيخ الجويني الحمويني الشافعيّ في ( فرائد السمطين 2: 98) عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قولَه: لو كان الحُسّن شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم، إنَّ فاطمة ابنتي خيرٌ أهل الأرض: عنصراً، وشرفاً،كرماً.

حُزْت الْفَضَائِلَ الْخَيْراتِ أَجْمَعَها *** إِذْ مِنكُمُ الْخَيْرُ والإِحْسَانُ يُنْتَبََشُ(1)

ضَاءَت بِطَلعَتِكِ الدُّنْيا مُكَلَّلَةً *** مِنْ فَيْضِ جُودِكِ فَضْلاً لَيسَ يَنخَدِشُ

إنَّ الأُلِيَ لَمْ يُراعُوا حَقَّها حَسَداً *** لا بدُّ أَعْيُنُهمْ في ضَؤئِهَا عُمشُ(2)

هُمْ رَؤَّعُوا بَضْعَةَ الهادي بِبَغْيِهِمْ *** إِذْ إِنَّهُمْ سَفَهاً بِالْجَزْلِ قَدْ حَفَشُوا(3)

تَبّاً لَهُمْ لَمْ يُراعُوا حُرْمَةً أَبَداً *** بَلْ إِنَّهُمْ بِحِمَى الزَّهراءِ قَدْ بَطَشُوا

يَا بِنْتَ أَفْضَلِ مَنْ يَمْشِي عَلى دَعَةٍ *** لَكِن لِهَيبَيِهِ الأَوْصَالُ تَرْتَعِشُ(4)

وَلاؤُكِ الحَقُّ إنَّ الحَقَّ مُرْتَهَنٌ *** مِنْ دُونِ وُدِّكِ لاَ يُعْطى ويُجْتَرَشُ(5)

سَمَوتِ شَأْناً تَعَالَى أَنْ يُحِيطَ بِهِ *** نَوْعٌ منَ الْفِكْرِ حَيْثُ اَلْفِكْرُ يَحتَوِشُ(6)

تَقْبَّلِي لِي نِظاماً قَدْ حَوى دُرَراً *** فِي الْقَلْبِ مَكْنُونُهُ فِي الطَّرْسِ يُنْتَقَشُ

عَلَيْكِ صَلّى الهُ الْخَلْقِ مَا طَلَعَتْ *** شَمْسٌ بَدَا ضَؤْؤُهَا فِي الْجَوِّ مُفْتَرِشُ(7)

ص: 331


1- يُنتبش : يُستخرَج من مخبئه .
2- عَمشَت عينه عمشاً: ضعف بصرها ورمصت، فصاحبها أعمَشُ ، والجمع عُمشّ.
3- الجَزل: العظيم الغليظ من الحطب، الحطب اليابس. حَقَشوا: جمعوا من كلّ جهة إلى مكان واحد.
4- الأعة : السكينة.
5- يُجترش: يكتب ؛ والمعنى : أن الحقّ عندكم، فمن يواليكم يكون عنده الحق؛ لأنّ الحق متوقّف على محبتكم، ومن لا يتولى بكم لا يحصل على الحقّ ولا يكتسبه.
6- يحتوش: يحيط. والمعنى : أنّ لك شأناً عظيماً ومنزلة رفيعة لا تُحاط ، ولا يُدركها أيُّ نوع من الفكر، إذا ما كان هذا الفكر محيطاً بالأشياء. قال الإمام الصادق علية السلام : وإنما شميت «فاطمة» ؛ لأنّ الخلق فُطموا عن معرفتها . (بحار الأنوار 43: 65/ ح 58 - عن : تفسير فرات الكوفي 581/ ح 747).
7- نظاماً : أي نَظَماً من الشِّعر في أبيات كأنها الدرّ في تلالؤ معانيها. الطَّرس : الورق، أو ما يُكتب عليه.

(2)حال فاطم

(بحر الكامل)

الشيخ فاضل الصفّار(1)

ص: 332


1- الشيخ فاضل ابن الحاج محمد الحاج صالح الصقار. ولد بمدينة كربلاء المقدسة سنة 1381ه الموافق لعام 1962م. نشأ وترفرع في ظل أسرته نشأة صالحة كريمة. درس الدروس الابتدائية في مدارس کربلاء المقدسة حتى أنهى الإعدادية؛ والمترجم منذ نعومة أظفاره تعشق العلم والكمال والأدب. هاجر من العراق إلى إيران بسبب الظروف القاسية، ولتشوقه إلى ديمومة تحصيل العلم انجذب إلى الحوزة العلمية في قم المقدسة، فكان مجدة في طلب العلوم الدينية، فأكمل مرحلة السطوح العالية من الدراسات الحوزوية، وواصل دراسة الخارج في الفقه والأصول عند كبار العلماء والمجتهدين، فقد حضر درس المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي ، والعالم الكبير أستاذ الفقه والأصول الشيخ وحيد الخراساني، وآية الله السيد صادق الشيرازي ، والأستاذ الكبير حسين الشاهرودي، وغيرهم من أكابر المدرسين في الحوزة. اهتم بتدريس جملة من الأفاضل في قم، وقد برع على يديه العديد منهم في الأصول والفقه والكلام وبعض العلوم الأخرى. وللمترجم آثار علمية قيمة كثيرة في الحقول الفكرية والثقافية الإسلامية، وقد نشرت له عدة مقالات ودراسات في بعض المجلات الإسلامية، ولا يزال يواصل الكتابة وله المؤلفات المخطوطة التي قد تجد طريقها إلى الطبع، وقد طبع له كتاب الحرية السياسية المعالم والضمانات، وكتاب ضد الاستبداد والحكومة الديمقراطية، وكتاب قاعدة لا ضرر أدلتها ومواردها (بحث علمي استدلالي)، وكتاب المظاهر الإلهية في الولاية التكونية (بحث علمي في مقامات الأئمة الطاهرين في علم الإسلام)، وكتاب إدارة المؤسسات من التاهيل إلى القيادة، وهناك كتب أخرى لا زالت تحت الطبع. كما له ديوان شعر مخطوط، ولا يزال يمارس دوره العلمي والثقافي في مختلف الأبعاد .

اَلقَلبُ مَا ذَاقَ السُّرورَ وَلاَ انْتشى *** وَالحُزنُ ظِلٌّ فِي حَيَاتي عَرْشا(1)

لِلبَضْعةِ الزَّهراءِ طَالَتْ حَسْرَتي *** لِجَنينِها وأنينِها سَقَمِي فشا(2)

وَالعَينُ مِن بَدَالِ الدُّموعِ جَرَتْ دَماً *** ولِضِلْعِهَا المَكْسُورِ حُزْنِي عَشَّشَا(3)

لَيْلِي طَوِيلٌ بِالتَّسهُّدِ يَنْقَضِي *** وَالصُّبحُ لَؤعَاتٌ تُلِحُّ عَلَى الحَشَا(4)

في كُلِّ آنٍ تَسْتَفِيقُ بِخَاطِري *** صُوَرُ الأَسى ولأيّ سِرِّ قد نَشَا(5)

بَابٌ ومِسْمَارٌ وصَدْرٌ طاهرٌ *** وأَنِينُ ثَكْلي لَيْلَهَا قَدْ أغْطَشا(6)

وذُبُولُ جِسْمٍ بِالسِّقامِ قَدِ اغْتَدئ *** لِسُقُوطِ مُحْسِنِها نَحِيلاً أرعَشَا(7)

وَكُسُورُ أَضْلاعٍ وصَدْرٍ نَازِفِ *** والْعَيْنُ وَالوَجهُ الَّذي قَدْ خُمَّشا

فِي هَضْمِ حَقِّ اسْتِلاَبِ نُحَيلَةٍ *** وخَفَاءِ قَبْرٍ فِي التُّرابِ تَشَوُّشا(8)

دَفَنُوا بِهِ نُورَ اَلْإِلَهِ وَسِرَّهُ *** في جَنبِهِ الآهاتُ لَيْلاً أَوْحَشا

فَتَهيجُ بِي ذِكْرَى الْمُصَابِ كَأَنَّها اَلن *** نِيرَانٌ تَكْوِي فِي الْفُؤادِ كَمَا تَشَا

إن أبكِ لَيْلاً أَسْتَفِق بِصَباحِهِ *** والقلبُ جَمرٌ لِلبُكَاءِ تَعْطَّشَا

ص: 333


1- عَرش: خَيَّمَ.
2- السَّقَم والسُّقم: الضعف وطول المرض. وفشا: انتشر، أي انتشر في كل أعضائي .
3- عَشَّشَ الطائر: اتخذ عُشّاً . والمراد أن حزنه صار مقيماً.
4- التَّسهُُّدُ : الأرق وعدم النوم، أو قلة النوم.
5- نشََا: مخفّفة «نشأه
6- أغطش الليلُ : أظلَمَ. وأغطشََهُ الله : أظلمَهُ، ومنه قوله تعالى : «وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا» النازعات: 29.
7- أزعَشُ: مهتزُّ راجفُ.
8- نُحَيلة: تصغير نحلَة، وهي هنا فدك. تَشَوَّشَ : اختلط وضاع .

وَإِذا كَظَمْتُ النَّوْحَ صُبحاً خَانَنِي *** جَلَدِي فَعُدْتُ أَنوحُ صُبحاً أَغْبشَا(1)

ويَعُودُ يَسْأَلُنِي الْفُؤَادُ بِحُرْقَةٍ *** وَتُجِيبُهُ عَيْنِي بِدَمْعٍ قَدْ وَشَيَ(2)

عَنْ حَالِ فَاطِمَ حِينَ أحرَقَ دَارَهَا *** بانَار جَانٍ بِالجِنَايَةِ قَدْ مَشي؟

ولِأيّ ذَنْبٍ قَدْ أَتَتْهُ وعِلَّةٍ *** قَدْ غَصَّصُوهَا المَوْتَ مُرّاً أبطشا؟ (3)

وَلَأيَ ذَنَبٍ أُرغِمَت مَهضُومةً *** والمَتنُ مِن ضَرْبِ السِّياطِ تَنْقّشا(4)

وَلَأيُّ ذَنبٍ بِالْجِدَارِ وَبَابِهِ *** عُصِرَتْ وأَسْقَطَتِ الْجَنِينَ وقَدْ غَثَا(5)

ولَأيَّ سِرِّ قُيَّدُ المَظْلُومُ فِي *** قَيدِ التَّصَبُّرِ وهُوَ ليْثٌ يُخْتشي؟(6)

فأَجَابَهُ قَلْبِي المُقَطّرُ بِالدِّمَا *** إِذْ كَانَ فِي شَرحِ الْحَقِيقةِ مُدهَشا:

لاَ أَسْتَطِيعُ بَيَانَ خَطْبٍ فاظعٍ *** مَا إِنْ تَذْكُرَهُ الْفُؤَادُ تَنْهَّشا(7)

فَدَعِ الجَوَابَ وَسِرَّه بِتَصَبُّرٍ *** وَأَجِب هُتَافَ الْخَطْبِ مِن جَمْرِ الحَشَا

مَا كَانَت الأَيَّامُ عَنْ ذَاكَ الأَسى *** تَغفُو وسَمْعُ الدَّهْرِ لَمْ يكُ أطرَشَا

إِذْ كُلُّ حَقّ يَسْتَغِيثُ بأهْلِهِ *** كَيْ يطلُبُوهُ بِصُبِحِ يَوْمٍ أَوْ عِشَا

ص: 334


1- كظمت : حبست. جلدي : صبري . صبحا أغبشا: خالط بياض الصبح مع ظلمة الليل في آخره .
2- وشی به : تَمَّ عليه، أي أن الدمع يخبر عن حال فاطمة. وفي البيت من عيوب القوافي ما يسمى با «التضمين»، وهو أن يعتمد معنى البيت على البيت اللاحق.
3- وعلّة: اي ولأيّ علة. أبطَشَ : فتك به، وأخذه بصولة وشدَّة. أو هو صيغة تفضيل استعملت لغير التفضيل، أي مُرّا باطشاً.
4- النَّقش والتنقيش: تلوين الشيء بلونين أو بألوان. والمراد اسوداد متنها عليها السلام من ضرب السياط .
5- غثا الرجل : جاشت نفسه واضطربت .
6- المظلوم هو أمير المؤمنين عليه السلام حيث سُحب مرموماً مخذولاً البيعة الأوّل لعنه الله .
7- النَّهش: الأخذ بأطراف الأسنان. وأراد هنا: تَقَطَّع .

قافية الصاد

اشارة

ص: 335

(1) الخُطبة الغرّاء

(بحر الكامل)

السيّد سلمان هادي آل طُغمة

انّا فِي هَوَی الزَّهراءِ دَوماً أُخلِصُ *** وَعَلی مَناقِبَها الكَرِيمَة أَحرِصُ

يَا مَولِداً يَهَبُ الْحَياةَ نَضارَةً *** كَالصُّبحِ لا يُرجی إلَيه تَمحُّصُ(1)

وامتَدَّ فَضلٌ مِن فَضائِلِ اَحْمَدِ *** يَزهو بِهِ النُباُ العَظِيمُ وَيَشخَصُ

والطَّيرُ تَصْدَحُ فوقَ اَغصانِ التُّقَی *** ِبِاليُمنِ وَالنُعمی غَدَتْ و تَتَرَقَّصُ(2)

يا أيُّها النَّبعُ المُضَمَّخُ بِالوَلا *** يَرِوي العِطاشَ وماؤُهُ لا يَنقُصُ(3)

أنا ؤالِةُ أنّی انْطَوَيتُ عَلَی التُقی *** أسعی اِلَيهِ ولِلفَواطِمِ اُخلِصُ(4)

وَالْخُطبَةُ الغَرّاءُ ذَاتُ طَلاوَة *** طَهُرَتْ، وَحَارَ بِوَصْفِها المُتَخصِّصُ(5)

جَحَدُوا الهُدی غَيظاً عَلی فَخْرِ النِّسا *** واحَيْرَتِي إِنّ جِثْتُ يَوْماً أَفحَصُ(6)

كَمْ ذا تَحَمَّلتِ الرَّزايا والأسی *** وَغَدَا العَدُوُّ بِبابِها يَتَرَبَّصُ(7)

هَيهَاتَ انّ يَنجُو عَدُوُّ جَائِرٌ *** فَالحَقُّ يَعلُو و الفَرِيسَةُ تُقنَصُ(8)

ص: 336


1- تَمحُّص الظَّلام: انکشافُه
2- تصدح : ترفع صوتها بالتغريد. اليُّمن : البركة .
3- المضمَّخ : المتلطِّخ.
4- واله: حزين حزناً شديداً، أو متحيِّر من شدّة الوجد والشوق
5- الطلاوة : الحُسن والرَّونَق والبهجة ، فيقال : هذا كلام ما عليه طلاوة، إذا كان غئاً لا ملاحة له .
6- أفحص : أبحث
7- يتربَّص: يلبث بالمكان ، وينتظر الفرصة ليُوقع الشرَّبه .
8- تُقنَصٌ: تُصادُ. أي أن الظالمين بمنزلة الفريسة التي لابد أن تصادَ يوماً ما .

قافية الضاد

اشارة

ص: 337

(1) بنت سيّد الرسل

(بحر الخفيف)

الشيخ حسين الطُّرفيّ(1)

إِنَّ مِنْ حُبُّها مِنَ اَللَّهِ فَرضٌ *** لَيْسَ يُزْرِي بِها مَنَ القَوْمِ رَفضُ(2)

بَضْعَهُ المُصطَفى وَأُمُّ أَبِيها *** وَعَلَى حُبِّها النَّبِيُّ يَحُضُّ(3)

حُبُّهَا حُبُّهُ وَنَاهِيكَ فِيمَنْ *** قَالَ عَنْها بِأَنَّها مِنْه بَعْضُ(4)

ص: 338


1- هو الشيخ حسين ابن الشيخ عبد العالي بن محمد الطُّرفيّ ، ولد في (بستان) من توابع مدينة الأهواز جنوب إيران في 3/ شعبان / 1356 ه - الموافق 1937 م، فنشأ في جو العلم والفضيلة برعاية والده وتعليمه. هاجر مع والده إلى مدينة النجف الأشرف عام 1366 ه وهو ابن عشر سنین ، فدرس المقدمات ، وبعد أربع سنوات سافر إلى إيران فأقام في مدينة قم المقدسة لإكمال مراحله الدراسية، فأكمل السطوح العالية وحضر بحث الخارج على أساتذة أفاضل حتى برع فاضلا. ثم راح يرتقي منبر الوعظ والإرشاد وخدمة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسین علیه الصلاة والسلام ؛ لرغبة أكيدة من والده المرحوم عبد العالي، فصار من الخطباء الناجحين . إضافة إلى هذا، كان له نظم جيد ورائع بدأت بواكيره منذ أوائل الشباب ، كما كان له دور جيد في بناء المؤسسات الدينية، ومشاركة فعالة في إعمار المساجد والحسينيّات، استقل أخيرة ولمدة 18 سنة في حسينية بمدينة بستان، وخلال الحرب الظالمة على إيران انتقل الشيخ الطُّرفيّ إلى الأهواز ليواصل دوره التبليغي هناك. وللشيخ الطُّرفيّ إنجازات ثقافية مخطوطة في: التاريخ، والتفسير، والسيرة والأخلاق ، كما له ديوان شعر.
2- يُزري به: يحطَ من قَدره .
3- يحضّ: يحثّ.
4- في كتاب ( المناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص 332، المطبعة العلمية - قمّ): «سعد : ابن أبي وقاص قال: سمعت النبي صلي الله عليه و اله و سلم يقول: «فاطمة بضعةَ مني، من سَرَّها فقد سرني ، ومن اساءها فقد ساءني ، فاطمة أعزُّ البرية علَى».

لا يُساوئ بِها عُلاً مَنْ أَظَل *** لَتْهُ سَماءً ومَنْ أقَلَّتهُ أَرْضُ(1)

مَا عَدا بَعْلَها فَذلِكَ نَفْسُ اَل *** مُصْطَفى حَيْثُ إِنَّهُ مِنْهُ مَحْضُ(2)

كَمْ أَراهُمْ مِنْ فَضْلِ فاطِمَ مَا لَوْ *** أَبْصَرُوا رُشْدَهُمْ لَمَا عَنْهُ غَضُّوا(3)

رَفَعَ اللَّهُ بَيْتَها فَتَحدِّي الر*** رَفعُ مِنْهُمْ لِذَلِكَ الْبَيْتِ خَفضُ(4)

ما نَايَ عَهْدُهُ وَلّا الذِّكْرُ قَدْ أخْ*** لَقَ مِنْهُ وخَطبُهُ بَعْدُ غَضُّ(5)

ص: 339


1- أقلته: حَمَلته. أي أن فاطمة عليها السلام لا يُساوی بها من فَوق الأرض و من تحت السماء.
2- في ظل آية المباهلة «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ) (سورة آل عمران: 61) أجمع المفسرون شنة وشيعة على تفسير «أنفُسنا» بالإمام بن أبي طالب عليه السلام. يراجع: صحیح مسلم - کتاب فضائل الصحابة ( فضائل علي بن أبي طالب)، وصحيح الترمذي 2: 166، والكشاف للزمخشري في ظلّ الآية المباركة، والتفسير الكبير للفخر الرازي، وتفسير الطبري (جامع البيان 3: 212 و 113)، والدر المنثور للسيوطي، وأسباب النزول للواحدي ص 75، إضافةُ إلى عشرات كتب الحديث، منها: الصواعق المحرقة لابن حجر ص 93 جاء فيه: أخرج الدارقطني أنّ عليّاً احتجَ يومَ الشورى على أهلها فقال لهم: أنشدكم بالله ، هل فيكم أحد أقربُ إلى رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في الرَّجم مني ومن جعله صلي الله عليه و اله و سلم نفسه، وأبناءه أبناءه، ونساءه نساءه .. غيري ؟ قالوا: اللّهم لا.
3- الضمير في «أراهم» يعود إلى النبي صلي الله عليه و اله و سلم . وغضَّ عنه طرفُهُ : خَفَضَهُ وكَفَّهُ.
4- أخرج ابن مردَوَيه وبُريدة: أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قرأ قوله تعالى «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ »(سورة النور: 36)، فقام إليه رجلٌ فقال : أيُّ بيوت هذه يا رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال : بيوتُ الأنبياء. فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله ، هذا البيت منها؟ . وأشار إلى بيت علئُِ وفاطمة . فقال صلي الله عليه و اله و سلم : نعم، من أفاضلها . (الدرّ المنثور للسيوطيّ في ظلّ الآية)
5- أخلَقَ : صار بالياً. غضُّ : طري. ما بَعُد عهدُ رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بعد، ولا كتاب الله مضى عليه زمان قطّ، حتّى كان ما كان!

أَضْرَمُوا عِنْدَ بَابِهَا النَّارَ تُذكِّي *** مِنْ لَظّى شَبَّها عَداءً وَبُغْضُ(1)

مَنْ رِضَى اَللَّهِ مِنْ رِضاها أَيَرَضَى *** عَنْ أُناسٍ ضُلُوعَ فَاطِمَ رَضُّوا؟(2)

أَغْضَبُوهُ إِذْ أَغْضَبُوها فَأَوْحَى اَل*** لَّهُ فِي الظَّالِمِينَ يَوْمَ يَعَضُّ(3)

وتَمَادَوْا فِي غَيِّهِمْ فَتَنَادَوْا *** وتَنَاجَوْا فكانَ لِلبَحْثِ خَؤْضُ

واسْتَراحُوا لِجَحْدِ فَاطِمَ حَقّاً *** كانَ مِنْ رَبِّها لَهَا فَهوَ فَرْضٌ

صَدَعَتْهُمْ بِحُجَّةِ وَ بَرَاهِي*** ن بِها لِلَّذِي بِهِ احتُجَّ دَحْضُ(4)

بَصَّرَتهُمْ لَوْ أَبْصَرُوا النُّورَ لَكِنْ ***كانَ فِيهِمْ عَمَى الْبَصائِرِ مَرضٌ(5)

ثُمَّ جَاؤُوا يَسْتَعْطِفُونَ فُؤاداً *** فِيهِ مِنْ نابِ ما تُقَاسِيهِ عَضُّ(6)

فَاَبَت مَا أبی لَها اللَّهُ مِنْ أَنْ *** يَجِدُوا لِلرِّضى طَرِيقاً فَيُفضُوا(7)

ص: 340


1- تُذكي : تُوقد. اللَّظى : لهيب النار. شبَّها: أشعلها .
2- أيرضي : أي أيرضي الله . ولو قال : عن أناس ضلوعَها الطَّهرَ رَضُّوا، لكان أبعد عن التكلف وأسلس.
3- وفي ذيل البيت إشارة لقوله تعالى : «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا «يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا «لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا» (سورة الفرقان : 27 - 29)، وقد فسّرت الرواياتُ هذه الآيات الكريمة بحسرة الأول على ما ورطه به الثاني ، فحرفه عن الولاية، وأرداه في الهاوية! انظر ( تأويل الآيات الظاهرة 1: 9/375، الكافي 8: 27/ ح 4 خطبة الوسيلة).
4- دحَضَ : أبطَلَ . واحتُجَّ : أي كل ما احتجوا به، ويمكن ضبطها «احتُجَّ »، والضمير يعود إلى عتيق.
5- مرضَ مرضا ومضا: تغيرت صحَّتُهُ واضطربت.
6- إشارة إلى مجيء الشيخين إلى الزهراء عليها السلام ومحاولتهما استعطافها واسترضاءها، فرفَضَت دَعَت عليهما، إذ لم يزل من ناب ظلمهم في بدنها الشريف و قلبها الطاهر عضُّ .
7- يُفضوا: يبلغوا وينتهوا إليه . أي فيفضوا إلى الرضى والسعادة .

وانثَنُوا خَائِبِينَ لَمْ يَسْتَطِيعُوا *** غَسْلَ عارٍ لَمْ يُجدِهِمْ فِيه رَحضُ(1)

رَفَضَتُهُمْ فانْهارَ ما أحْكَمُوهُ *** وَلِما أَبْرَمُوهُ بِالرَّفْضِ نَقضُ

وَغدا قَلْبُها يُقاسِي شُجُوناً *** ضاقَ عَنْها لِلْكَوْنِ طُولٌ وَعَرْضُ(2)

يَا لَهَا اللَّهُ مِنْ نَوَائِبَ بَاتَتْ *** وَبِها مَضْجَعُ البَتُولِ يُقَضُّ(3)

يَا لِقلْبٍ تَحَكَّمَ الغَمُّ فِيهِ *** عادَ مِنْهُ لِلْحُزْنِ بَسطُ وقَبَضُ

وَلِصَدْرٍ قَدْ ضاقَ بالهمِّ ذَرعاً *** وَلِضِلعٍ فِيهِ جِراحٌ تُمِضُّ(4)

ولِجِسْمٍ تَنَاهَبَتْهُ الرَّزايا *** حَيْثُ لَمْ يَبْقَ فِي الشَّرايينِ نَبْضٌ

فَمَضَتْ بِنْتُ سَيِّدِ الرُّسولِ غَضَبي *** مِنْ أُناسٍ قَدْ أَغضَبُوها لِيَرضُوا(5)

وَخَبا نُورُها وَمِلْءُ حَشاها *** لِلِقَاءِ الرَّسُولِ شَوْقٌ ورَمَضُ(6)

وخَلاَ بَيتُها فَأظْلَمَ لَوْلا *** أنَّ مِن ذِكرَياتِها فِيهِ وَمضُ(7)

ص: 341


1- انثنَوا: انعطفوا، أو ارتدّ بعضُهم على بعض. الرَّحض: الغَسل.
2- وهي القائلة سلام الله عليها: صُبت عَلَى مصائبُ لو أنَّها *** صُبَّت على الأيّام صرنَّ لياليا! والقائلة: رُفعت قوّتي، وخانني جُلدي ، وشَمُت بي عدوي ، والكمّد قاتلي .. (بحار الأنوار 43: 175/ ح15)
3- يُقضّ: يصير فيه القَضَض، وهو صغار الحصى. ويُراد به هنا أنه كدّر عليها راحتها وأزال عنها اطمئنانّ نومها.
4- تمضُّ : تُولم وتُوجع
5- يصح ضبطها أيضاً: «لیژضوا» والمفعول مقدّر، أي ليُرضُوا شيطانهم.
6- الرَّمض: الاحتراق. وفي البيت إشارة إلى أنّها أول الناس لحوقاً برسول الله صلي الله عليه و اله و سلم.
7- الوَمض : اللَّمَعان .

فَلَكَ اَللَّهُ يا علِيُّ فَهذَا *** ثانِيَ اثْنَيْنِ مِنْ خُطُوبٍ تَقُضُ(1)

فَمُصابُ النَّبِيِّ أَعْظَمُ خَطْبٍ *** وَمُصابُ الزَّهْراءِ مِنهُ أَمَضُّ(2)

وعَزَاءٌ لإِبنيكَ مِنِّي وَإن قَل*** لَ عَزاءٌ أن يَهجُرَ العَينَ غَمضُ

ص: 342


1- في البيت إشارة لما ورد في ( مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص 361): عن جابر : قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم لعليّ قبل وفاته: السلام عليك يا أبا الريحانتين، أوصيك بريحانتي من الدنيا، فعن قليل ينهدُ رُكناك عليك. قال: فلمّا قُبض رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال عليّ : هذا أحدُ الركنَين ! فلمّا ماتت فاطمة قال علي : هذا الركن الثاني!
2- قال المسعودي في ( مروج الذهب 2: 297): ولمّا قُبضَت عليها السلام جزع عليُّ عليه السلام جزعاً شديداً ، واشتدّ بكاؤه، وظَهرَ أنيثه وحنينه، وقال في ذلك: لكلّ اجتماع من خليلين فُرقة *** وكلُّ الذي دُون المَمات قليلُ وإن افتقادي فاطماً بعد أحمد *** دليلٌ على أن لا يَدومَ خليلُ وبعد دفنها سلام الله عليها خاطب رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : قل يا رسول الله عن صفيتك صبري ، وضَعف عن سيدة النساء تجلّدي .. أما حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمُسَهَّد، لا يبرح الحزن من قلبي أو يختار الله لي دارك التي فيها أنت مقيم . كمدٌ مُقيِّح، وهمُّ مُهيِّج، سرعان ما فُرق بيننا، وإلى الله أشكو .. (أمالي المفيد: 282 ح 7).

(2)خلف باب!

(بحر الخفيف)

السيد محمد رضا القزوينيّ

أَيُّ قَلْبٍ مَا كَانَ يَحْمِلُ لِلزَّهْ*** راءِ حُبّاً فَذاكَ قَلبُ مَرِيضُ(1)

إِنْ يَكُنْ مُسْلِماً فَيَعْلَمُ أَنَّ اَلْ***حُبَّ فِيها مُسَلِّمٌ مَفْرُوضُ(2)

أو تَراهُ مُعانِداً فَلَدَى الإِس*** لامِ والعَقلِ دِينُهُ مَرْفُوضُ

حَفِظَتْ نَسلَ أَحْمدٍ فِي بَنِيها *** فَنَما ذلِكَ الْكِيانُ العَرِيضُ(3)

أَيُّ نَهرٍ مِنَ النَّبُوّه يَنْسا*** بُ فُرُوعاً أئِمَّةً وَيَفِيضُ

سَادَةً يَحمِلُونَ مِشعَلَ طَه *** وَعَليَّ ما عاقَهُم تَحرِيضُ(4)

ص: 343


1- في البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب (حلية الأولياء لأبي نُعيم الأصفهاني ج 4 ص 185 - ط بيروت): عن علي بن أبي طالب عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : إن ابنتي فاطمة يشترك في حبّها الفاجرُ والبر، وإني كَُتب إلى (أو عُهد إلى أنه لا يُحبّك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق . وروى المتّقي الهنديّ في (کنز العمال 13: 939/ ح 37913) وشهاب الدين أحمد في (توضيح الدلائل 700) أن النبيّ صلي الله عليه و اله و سلم، أخذ بيد الحسن والحسين عليهما السلام فقال : من أحبني ، وأحبَّ هذين وأباهما وأمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة. وفي ( مسند الطيالسي ص 88 ج 2ح933) قيل : يا رسول الله ، أيُ أهلك أحبُّ إليك؟ قال : فاطمة. وفي رواية (وسيلة المال ص 101 - الباب الثالث) كتب الحضرمي : فقالوا: يا رسول الله، من أحبُّ إليك؟ قال : فاطمة.
2- وذلك بنصّ آية القربي ، والآيات الكثيرة والأحاديث المتواترة .
3- فهي الكوثر التي امتدُ منها نسل النبي محمد صلي الله عليه و اله و سلم.
4- التحريض : الحتُّ على العداوة . أي ما عاقهم تحريض الأعداء وظلمهم عن حمل ذلك المشعل الوضّاء.

فَأَنَارُوا الدُّنيا فَإِنْ قِيلَ: أَهْلُ ال *** بَيْتِ قَالَتْ هذِي الأَيادِي البِيضُ

إِنْ يَكُ الدّينُ ظَلَّ لِليَومِ حَيّاً *** فَبِهِم حَيثُ شَأنُهُمْ والنُّهوضُ(1)

مِشْعَلٌ لِلانامِ فِي كُلِّ عَصْرٍ *** شَعَّ فِيها مِنَ الحُسَيْنِ وَمِيضُ(2)

وَتَراهُمْ تَجرَّعُوا مِثْلَ سُمِّ ال*** حَسَنِ المُجْتَبَى لِتَحْيا الفُروضُ

وَتَوَالَتْ مِن بَعْدِهِمْ تَضْحِياتُ *** كُلَّما الدِّينُ نالَهُ التَّعْرِيضُ(3)

أَيْنَ كَانُوا مِنْ أُمِّهِمْ يَوْمَ كَانَتْ *** خَلْفَ بَابِ وَضِلعُها مَرْضُوض؟؟(4)

لَمْ أَشأْ أَنْ أثِيرَ فِيهِمْ مُصَاباً *** إِنَّما سَاقَنِي إِلَيْهِ القَرِيضُ(5)

ص: 344


1- أي شأنّهم والنهوضُ توأمُ، سيّان .
2- الوميض : اللَّمعان . في (ينابيع المودة 3: 269 ح 23) روى الشيخ القندوزي (حنفيّ المذهب): أن النبيّ صلي الله عليه و اله و سلم ، قال : يا فاطمة ، منّا خير الأنبياء وهو أبولي ، وما خير الأوصياء وهو بَعلکَ، ومنا خير الشهداء (أي في زمانه) وهو عم أبيك، ومنّا من له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث شاء وهو جعفر ابن عم أبي ، وما سبطا هذه الأُمّة وسيّدا شباب أهل الجنة الحسنُ والحسين وهما أبناك ، والذي نفسي بيده ما مهديٌ هذه الأمة وهو من وُلدک . ( وكذا ذكره : ابن المغازل الشافعي في ( مناقب الإمام علي عليه السلامص 101/ ح 144)، والجويني الشافعي في ( فرائد السطمين 1: 92/ ح11). كما ذكر قريب منه: الخوارزمي في ( المناقب ص 192/ ح 122)، والجويني في ( فرائد السطمين 2: 85/ح403)
3- عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : أوحى الله عز وجل إلى أن قد ولد لك حوراء إنسية، فزوج النور من النور: فاطمة من علي، فإني قد زوجها في السماء، وجعل م الأرض مهرها، وستخرج فيما بينهما ذرية طيبة، وهما سراجا الجنة: الحسن والحسين، ويخرج من صلب الحسين أئمة يُقتلون، ويُخذلون، فالويلُ لقايلهم وخاذلهم ! ( تأويل الآيات، للأسترآبادي النجفي 1: 239 ۔ (237).
4- مرضوض : مكسور، والمراد منه الضلع الذي أُصيب من أثر الضرب والعصر.
5- القريض: الشعر.

(3)خلف الباب

(بحر البسيط)

السيّد محمّد مهديّ القزوينيّ الحائريّ(1)

هِيَ الصَّفا فَاسِحٌ فِيها الطُّولَ والعَرضا *** وأَدَّ واجِبَها المَسنُونَ وَالفَرضا(2)

ص: 345


1- هو السيّد محمّد مهديّ ابن السيد محمد طاهر ابن السيد مهدي ابن السيد محمد باقر ابن السيد عبدالكريم القزويني الموسوي الحائري . ولد عام 1287 ه في كربلاء المقدسة مهير الحضارة والعلوم والآداب، وترعرع في أحضان أسرة علمية عرفت ب(آل القزويني)، ومما يجدر التنويه به في هذا المقام أن هذه السلالة الكريمة أنجبت العديد من العلماء والشعراء والخطباء الذين كانت لهم مكانتهم الرفيعة في تاريخ العراق. نبغ هذا العالم الكبير والأديب الشاعر السيد محمد مهدي القزويني، وصار من الأفذاذ الذين لمع نجمهم في سماء الأدب، وطبقت شهرتهم الأندية والمجالس الأدبية المنتشرة هنا وهناك. نظم الشعر في جميع الفنون الشعرية، غير أن شعر الرثاء كثير عنده، فقد رثى آل البيت عليهم السلام بقصائد نبعت من أعماق قلبه، وتفجرت على لسانه شعر حزيناً مفعماً بالأسى. تمكّن الشاعر أن يجمع شعره في ديوان ما زال في حوزة أحفاده، وقد أسماه (القصائد البهية في النصائح المهدية)، وهو الآن محفوظ عند الخطيب الحسيني السيد مرتضى القزويني ، تناول فيه الشاعر مختلف الأغراض كالرثاء والوصف والمدح والتشكي من الزمان، والغزل؛ وشعره على العموم يتمتع بفخامة التعبير، وروعة التصوير. وافته المنية ولبى نداء ربه صباح يوم الخامس من محرم الحرام من عام 1351 ه، ودُفن مع أفراد أسرة السادة آل القزويني في مقبرتهم الخاصة في الروضة العباسية المقدسة بكربلاء.
2- شكا الشيء: قشره. أراد قشر الأرض بالمسير فيها. الواجب المسنون: الذي شنه النبي الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم . والصَّفا: قد يراد أحدُ طَرفَي السعي في الحج، سَفحٌ من جبل الصفا، والطرف الآخر سَفحٌ جبل الزوة.

وَطُف بِها سَبْعَةً عَنْ قَلْبِ وَالهةٍ *** واحْذَرْ عَلَيْهِ وأَلْزِمْهُ يَداً قَبْضا(1)

وسَلْ دَوَارِسَ أَطْلالٍ بَقِينَ بِها*** مَا بالُها رَفَضَتْها أَهلُها رَفْضا؟

ومالَها قَدْ غَدَتْ قَفراءَ مُوحِشةً *** مَأْوَى الْوُحوشِ وقَدْ كَانَتْ بِهِمْ رَوْضا؟(2)

مَنْ مُبلِغَنَّ سَلاَماً مِنْ حَليفِ جَوي *** يَفْرِي حَشاهُ كماضِي الهِنْدِ أَوْ أَمْضى؟(3)

إِلى الأُلِي أَثْبَتُوا لِى بَعْدَ رِحْلَتِهِمْ *** دَاءَ الضَّنَى ونَفْؤا عَن جَفْنِيِ الْغَمضا(4)

عِندِي مِنَ الْوَجْدِ مَا لَوْ قَسَّمُوهُ علَى *** شُمِّ الرَّواسِي لأَفْنَى بَغْضُها بَعضا(5)

وإِنْ وَجدِي عَلَى الزَّهْراءِ أسقَمَني*** فَصِرْتُ مِنْ سَقَمِي لَمْ أَسْتَطِعْ نَهَضا(6)

وَقَدْ أَذابَ فُؤَادِي رُزْءُ فَاطِمَةِ *** حُزَناً وَنَغِّصَ لِي مِنْ عَيْشِيّ الخَفْضا(7)

وَيْلٌ لِقَوْمٍ جَزَؤا طه نَبِيَّهُمْ *** فِي آلِهِ عِوَضاً عَنْ حُبِّهِمْ بُغضا(8)

ص: 346


1- والهة: حزينة حزناً شديداً، أو المتحيرة من شدّة الوجد والشوق واللّهفة .
2- قفراء : خالية من الناس والماء والكلأ. روضاً: بستاناً زاهياً.
3- الجوى : الشوق . يَفري : يقطع ويشقّ . ماضي الهند: السيف. أمضى: أقطع.
4- الضنى : المرض والضعف، وهزال الجسم.
5- شُم الرواسي : الجبال الراسخة العالية.
6- النَهض: النُهّوض.
7- الرَّزء: المُصاب . العُيش الخَفض : الهنيء.
8- بکی رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يوماً فأطال النشوج وعلا نحيبه، وهو بين فاطمة وعليُّ والحسنين عليهم السلام، فسألته ابنته : ما يُبكيك يا رسول الله - لا أبكى الله عينيَك - فقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك ؟! فقال : سُررتُ بكم سروراً؛ ما سُررتُ مثله قط، وإني لأنظرُ إليكم، وأحمد الله على نعمته علّي فيكم، إذ هبط على جبرئيلُ فقال : إن الله تبارك و تعالی اطّلع على ما في نفسك، وعَرف سرورك بأخيك وابنيك وسبطيات، فأكمل لك النعمة، وهناك العطية، بأن جعلهم وذُرَيّاتهم ومُحبيهم : وشيعتهم معك في الجنة، لا يُفرق بينك وبينهم، يبون كما تُحبئ ، ويُعطون كما تُعطى ، حتّى ترضى وفوق الرضا، على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا، ومکاره تُصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملتك، ويزعمون أنهم من أمتك ، براء من الله ومنك ، خبطاً خبطاً، وقتلاً قتلاً، شتّى مصارعُهم، نائية قبورهم .. (بحار الأنوار 28: 58/ ح 23 - عن : كامل الزيارات لابن قولویه : 444 - 445).

قَدْ أوْجَبَ اللَّهُ فِي القُرآنِ وُدَّهُمُ *** عَلَى البَرِيَّةِ لا الْعُدْوَانَ والْبُغْضا(1)

فَأَضْمَرُوا لِلّذي شَاءَ الإِلَهُ لهُمْ *** نَقِيضَهُ وَلِعَههِ الْمُصْطَفي نَقْضا(2)

حَتَّى إِذَا الْمُصْطَفَى قَدْ غَابَ فَابْتَدَرُوا *** إلَى الضُّغونِ وعَهدٍ بَينَهُم مُمضي(3)

وأَظْهَرُوا بَعْدَهُ أحْقَادَ قَلْبِهِم *** وسَارَعوا لِعُرَى إِسْلامِهِمْ قَرْضا(4)

مَضَى وَخَلَّفَ فِيهِمْ مِثْلَ فَاطِمَةَ الز *** زَهْراءِ بِنْتاً فَهَضُّوا عَظمَها هَضّا(5)

وَحَمَّلوها رَزايا بَعْدَ وَالِدِها *** لَوْ حَمَّلوها جَبَلًاً لاندَكَّ وانْقَضَا(6)

خَطْبٌ جَلِيلٌ ومَا مِن حِيلَةٍ أَبَداً *** لِلغَيظِ إلاَّ على أكْبَادِنا العَضّا(7)

ص: 347


1- البُقْض : نفار النفس عن الشيء . ويمح ضبطها أيضاً» البَغْضا « مخففة » البغضاء
2- حين دُعِيَ أميرالمؤمنين علی عليه السلام لبيعة أبي بكر ، قال لرسوله : لسريعُ ما كذبتم علی رسول الله الإمامة والسياسة ، لابن قتيبة 1 : 30 - منشورات الشريف الرضيّ.
3- أراد بالعهد المُمضی ، الكتاب الذي كتبوه وتعاقدوا فيه علی أن لا يولوا أهل البيت شيئاً بعد وفاةرسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، وهو الصحيفة الملعونة التي كتبوها بينهم . لما كان الهجوم علی دار عليّصلوات الله عليه وقفت فاطمة الزهراء صلوات الله عليها علی بابها فقالت : لا عهدَ لي بقرم حضروا أنوا محضراً منكم ، تركتم رسولَ الله صلي الله عليه و اله و سلم جنازة بين ايدينا و قطعتم امرکم بينكم الإمامة والسياسة 1 : 30.
4- فَرَضَ الشيءَ : قَطَعه .
5- هض الشیء : كَسَرَه ودَقَه .
6- في مثل هذا المعنی قول السيّد جعفر الحلی ف ميميّته العصماء في العباس عليه السلام: بي لوعة لو أنها بيلملمِ *** نسفَتْ جوانبه وساخ يلملَمُ
7- العض علی الأكباد : كناية عن العَبْر.

اَؤ يَظْهَرَ المُرتَجی فِي كُل نائِبَةٍ *** فَيَرْحَضَ الْغَيْظَ عَنْ صَدْرِ الهُدی رَحضا(1)

يَا صاحِبَ الأَمْرِ مَا للصَّبر مُحتَمَلٌ *** نَهضاً فَدَتكَ البَرايا مُسرِعاً نَهضا(2)

غَضَضتَ طَرفَكَ يَابنَ الطّاهرِينَ فَقَد *** أَبَتْ رَزاياكُمُ الإغْضَاءَ وَالغَمضا

مَولايَ عَجِّل فَما أَبْقی تَحَمُّلُنا *** إلّا تَلَهُّفَ أَكبادٍ لَنا مَرْضی

تُقْضِي وأُمُّكَ ماتَتْ وَهْيَ واجِدَة ا! *** عَنْ مِثل هذا وأَيمُ اللهِ - لا يُغضی(3)

اَمثلُ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ فاطِمَةِ *** مِنْ بَعْدِ والِدِها عَن شَأنِها يُغضی؟

وَهْيَ الّتي يَغضَبُ البارِي إذَا غَضِبَتْ *** عَلَی البَرايا ، وَيَرْضَی اللهُ إذ تَرضی(4)

صَبُّوا عليها رَزاياً لا عِدادَ لها *** كأنَّهُم قَد رَأَو إيذاءَها فَرضَا

مَصائِبٌ لَمْ أُطِق تِبيانَ عِدَّتها *** كَلّا ، وَلَمْ أَستَطِع تَفصِيلَها بَعضا

حَيْثُ النَّبِيُ طَرِيحُ فِی الِفِراشِ وقَد *** سَعَوا لاطفاءِ أَنوارِ الهُدی دَحضا(5)

إلی السَّقِيفَةِ حَيْثُ القَوْمُ اجمَعُهُم *** تَراكَضُوا وَبَغَوا فِي غَيِّهم رَكضا

وأَشْرَعُوا لِلْعَمی فِيها اَسِنَّتَهُم *** بِحَدَّها وَخَضُوا قَلْبَ الهُدی وَخضا(6)

رَدُّوا الوَصِيَّ الذي كانَتْ وِلايَتُهُ *** عَلَی النَّبيِّن طُرّاً طاعَةُ فَرضا(7)

ص: 348


1- أو يظهَرَ : أي إلی أن يظهر . ورحضَ الثوب : غَسَلَهُ .
2- أي انهض نهضاً انهض نهضاً مسرعاً فدتك البرايا .
3- أغفی علی الأمر : سكت وصَبَرَ .
4- في البيت إشارة إلی ما جاه في الحديث من أنّ الله تعالی يرضی لرضاها ويغضب لغضبها.
5- دحضاً : باطلاً .
6- وَخَضوا : طعنوا .
7- عن أبي الحسن عليه السلام قال : ولاية عليّ مكتوبة في صحف جميع الأنبياء ، ولم يبعث الله رسولاً إلّا نبوة محمدِ صلي الله عليه و اله و سلم ووصيّة علیَّ عليه السلام. ( مناقب آل أبي طالب ، لابن شهر آشوب 2 : 253).

فَهَلْ نَسُوا أَمْ تَنَاسَؤُا يَؤمَ خُمِّهِمُ *** إِذْ أَعلَنَ المُصْطَفى بالخَطِّ فِي الرَّمضا؟!(1)

وَقَالَ مَن كنتُ مَوْلاهُ فَإِنَّ لَهُ إِلَ *** مَوْلى عَلِيُّ وذا مِن رَبَّکُم مُمْضَي(2)

أَغضَوا عَنِ المُرْتَضَى إِذْ أَخَّرُوه وَلَع *** نَاتُ الإِلهِ على مَنْ رَدَّ أَوْ أَغْضيَ(3)

ثُمَّ اعْتَدَوْا بعدَ ذا بَغْياً عَلَى اِبْنَتِهِ الز *** زَهْراءِ إِذْ غَصَبُوا مِيرائَها الفَرْضا(4)

لَمْ يَحْفَظُوا حَقَّهَا بَلْ قَدرَها خَفَضُوا *** وَلَمْ تَجِدْ أَحَداً يَحْنُو لَها خَفْضا(5)

إِذْ راجَعَتْ مَعْشَرَ الأنْصَارِ طَالِبَةً *** أَنْ يَنْهَضُوا لانْتِصارِ المُرْتَضي نَهضا

تَخَاذَلُوا وتَمادَوْا في ضَلالِهِم *** بَغياً وزادُوا لآلِ المُصْطَفى بُغْضا

تَعَلَّلُوا لِرِضى الشَّيْطانِ وَيْلَهُمُ *** إِذْ كانَ قَد جَسَّ قِدماً مِنْهُمُ اَلنَّبْضا(6)

ص: 349


1- الحطَ : حط الأثقال وإنزالها . في الرمضاء : في الصحراء . والمراد هنا عند غدير خم.
2- إشارة إلی قول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في يوم الغدير : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهمّ وال منوالاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله . وسؤال الشيخين : أمنك أم من الله ؟ وقول النبی صلي الله عليه و اله و سلم : من الله ورسوله .
3- أعضَی عن الشيء : أطبق جفنه حتّی لا يراه ، وفي ضمن الخطبة الغديربّة ، قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم :معاشر الناس ، فضَّلوا عليّاً ؛ فإنّه أفضل الناس بعدي مِن ذكر وأنثی ، بنا أنزل الله الرزق ، وبقي الخَلق ، ملعون ملعونُ ، مغضوبُ مغضوب مَن ردَّ علي قولي هذا ولم يُوافقُه . ألا إن جبرئيل خبرني عن اللّه تعالی بذلك ، ويقول : » مَن عادی ن عليا ولم يتوله فعليه لعنتي وغضبي «( الاحتجاج 1 : 75 )
4- في هذا البيت إشارة إلی اغتصاب ه فَدَك « من الزهراء عليها السلام ، وهي فرضُ لها بنصَ آيات المواريث ،ناهيك عن كونها نحلة خالصة لها من رسول اله صلي الله عليه و اله و سلم.
5- خفضاً : حُنوَاً وعطفاً . حنا عليه حُنوَاً مال إليه وتحنن وتعطّف .
6- يشير الشاعر في هذه الأبيات الثلاثة إلی ما جاء في خطبة الزهراء عليها السلام من طلبها منهم النُّصرة في أخذ حقها ؛ ففي كتاب ) الاحتجاج ، ج 1 ص 139 ( جاء في خطبتها عليها السلام: يا معشر النقيبة ، وأعضادالملّة ، وحضنة الإسلام ! ما هذه الغمْزةُ في حقّي ، والسْنَةُ عن ظُلامتي ؟ ! أما كان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : أبي يقول : المرء يُحفظ في ولده ؟ سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة، ولكم طاقة بما أحاول، وقوةَ على ما أطلب وأزاول، أتقولون: مات محمد صلي الله عليه و اله و سلم ، فخطبّ جليل ... إلى أن تقول: إيها بني قيلة، أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع، ومنتدی ومجمع ؟! تلبسم الدعوة ، وتشملكم الخبرة، وأنتم ؤو العدد والعُدة، والأداة والقوة، وعندكمُ السلاحُ والجنة، تُوافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت.

وَإِنْ أَعْظَمَ مَا قَد جَلَّ فَادِحُهُ *** فِي الدِّينِ خَطبُ بهِ ظَهرُ الهُدى انتُقِضا(1)

اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ شَعْواءَ نَائِرَهِ *** أَدَّكَتْ لَظاها الطِّباقَ السَّبْعَ وَالْأَرْضا(2)

لَمَّا أدارُوا على بابِ الهُدئ حَطَباً *** وَقَدْ أرادُوا لأصْحابِ الكِسا قَرْضا(3)

فَجَاءَتِ اِبْنَهُ طه وَهْيَ تَزْعُمُ أَنَّ ***تُرعي ولَمْ تُرعَ فِيهِمْ حَقَّها الفَرْضَا(4)

فَأَضْرَمُوا النَّارَ في بابِ الهُدَى وبها *** شَفَوْا قُلُوبَهُمُ الْمَقْرُوحَةَ المَرْضي(5)

فَلَمْ تَجِدْ غَيْرَ خَلفِ البابِ مُلْتَجَاً *** بِنْتُ النَّبيّ فَرُضَّتْ خَلفَهُ رَضّا(6)

بَكَتْ وَصاحَتْ وَنَاحَتْ وَهِيَ شاكِيةٌ *** مِنَ اَلْأُلِيِ رَفَضُوا دِينَ الهُديِ رَفْضا

تَدْعُو أباها رَسُولَ اللَّهِ صارِخَةً *** بِعَبْرَةٍ قَدْ حَكَتْ صَوْبَ الحَيا فَيْضا(7)

ص: 350


1- انتقض : كُسِرَ ، من نَقَضَ العظم ، إذا كَسَرَهُ .
2- شعواء : واسعة منتشرة ، خطيرة . ونائرة الحرب : شرّها وهيجها . أذكت : أشعَلّت وأحرقت. لظاها : لهيبها أو نارها .
3- فَرَضَهُ : أماته وأهلكه .
4- تزعم : تظنُّ . وحقها القرض : المفروض ، وصف بالمصدر .
5- مقروحة من سيف أميرالمؤمنين ، مرضی لأنها تكره الإسلام ،( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً ) البقرة : 10 .
6- رُضَّ العظم : دُقَّ وهُشِّمَ .
7- صوبَ الحيا : نزول المطر وانهماره

تَقُولُ: إن الأُلی كانَتْ صُدورُهُمُ *** مَشْحُونَةَ مِنكَ بالعُدوَانِ والبَغْضا(1)

دَعاهُمُ لِلْعَمی داعِي الضَّلالِ وقَد *** مالُوا إلَيه وَمَلُوا المِلِّةَ البَيضا(2)

بعَينيَ اسوَدَّتِ الدُّنيا وَزَهْرَتُها *** وَاحمَرَّ دَمِعي ، وَفَوْدِي شابَ وابيَضَّا(3)

مَصائِبُ لَمْ أُطِق إحصاءَ عِدَّتِها *** كَلّا وَلَمْ أَسْتَطِعْ تَفْصِيلَها بَعضا

تاللَه ما كَربَلا لَؤلا سَقِيفَتَهُم *** فَإنّها ازتَضَعَتْ مِنْ ثَديِها مَحضا(4)

وَحَقَّ فَاطِمَةِ ، مِنْ سَقطِ مُحسِنها *** حُسَيْنُها خَرَّ مَطروحاً عَلَی الرَّمضا(5)

بِيَومِ رُضَّت ضُلُوعُ الطُّهرِ فَاطِمَةِ *** جسمُ الْحُسَيْنِ عَلی بَؤْغَائِها رُضّا(6)

يَا بُقعَةً ضُمِّنَتْ بِنْتَ النَّبيَّ لَقَد *** شَرَّفتِ فَوْقَ الطِّباقِ السَّبعِ وَالأَرّضا

ص: 351


1- البغضاء : الکُرهُ والحقدُ. في زيارتها سلام الله عليها لأبيها المصطفی صلي الله عليه و اله و سلم خاطبته تقول : ياأبتاه ، أمسينا بعدك من المستضعفين ! ) بحار الأنوار 43 : 176 / ح 15).
2- تلك ملّة الإسلام ، وقد قال تعالی : «وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ»سورة الحجّ : 78، وقال عزقائل : «قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ »سورة آل عمران : 95، وقال جَل وعلا : «وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ»سورة البقرة : 130.
3- القود : جانب الرأس ممّا يلي الأذنين إلی الأمام ، أو الشَّعر الذي عليه .
4- وقد قيل مِن قبل : ما كربلا لولا السقيفة ، وقال ابن قريعة البغدادي : إن الجوابَ لحاضرّ *** لكننی أفيه فه لولا اعتداء رعية *** ألقی سياستها الخليفه لنشرت من أسرار اَ *** ل محمد مُجملاً طريقه وأريتكم أنّ الحسي *** ن أمِيب في يوم السقيفه !
5- الواو للقسم في قوله : » وحقّ فاطمة « الرمضا : الصحراء . وهي ه ر مضاء كربلاء .
6- البَوغاء : التراب . أو التراب مطلقاً . وقال الشريف الرضي : غسَلوه بدم الطعن وما *** كقَنوه غير بوغاءِ الثری

مَا خابَ مَنْ جاءَكُمْ فِي كُلِّ دَاهِيَةٍ *** لا رَيبَ أَنَّ بِكُمُ حَاجَاتُهُ تُفْضِي(1)

إِنِّي قَصَدْتُك مِنْ بُعْدٍ عَلَى أَرَبٍ *** عَرَضْتُها لِلَّذِي يُحْيِي اَلثَّرَى عَرْضا(2)

ص: 352


1- ما فوق الطِّباق هي الجنان ومن فيها، وقد أجاب بذلك النابغة الجعدي حين سأله رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم عن قوله: بلغنا السما مجداً وجوداً وسؤددا *** وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا فسأله النبي صلي الله عليه و اله و سلم : إلى أين يا أبا ليلی؟ فقال : إلى الجنة يا رسول الله ، فقال صلي الله عليه و اله و سلم : لا فُضَّ فوك ، فما سقط له سِن .
2- الأرب: الحاجة الشديدة المملكة. واللام في قوله «للذي» بمعنی «على»، أي عرضتها على الله .

قافية الطاء

اشارة

ص: 353

(1)بنت الهدی

(بحر الرمل)

الأستاذ حميد أحمد المُسري

بِضْعَةَ الهَادِي إِلَيْكِ سَاَخُط *** مَا جَرى عَلَيْكِ مِنْ أَهْلِ الشَّطَط(1)

بِمُصابٍ زَلْزَلَ الْكَوْنَ شَجّي *** سارَ فِي الدَّهرِ زَماناً ومَعَط(2)

أهِ مِن قَوْمٍ تَوَلَّوْا فِعلَهُ *** بَعْدَ مَا قَدْ أحكَمُوا شَرَّ اَلْخُطَط(3)

لَمْ يَكُنْ مَا قَدْ أَتَوْا مِنْ حادثٍ *** هَيِّناً بَلْ كَانَ أَمْراً ذَا سَخَط(4)

ذَهَبُوا لَكِنَّهُم لَمْ يَعْلَمُوا *** مَا يُلاقُوا وَإِلَى اللَّهِ المَحَطّ(5)

ص: 354


1- الشَّطط : مجاوزة الحد في الظُّلم والتباعد عن الحقّ . المعنی : يا بنت الهادي الرسول ، إنني سوف أخط هذه القصيدة مبيناً ما جری عليك من وقائع من قِبَل أهل الظلم الذين بعدوا عن الحق ، وتجاوزوا الحدّ في التعدّي والاستبداد .
2- الشجی : الحزن . مَعط : امتد .
3- إشارة إلی تعاقُدهم ضد آل النبي وكتبهم كتاب الغدر أن لا يولوا أحداً من أهل بيته من بعده.
4- بل كان انقلاباً علی الأعقاب ، وصه سيّدة نساء العالمين عليها السلام فيهم قائلة في خُطبتها الفَدَ كية الشريفة : ثمّ أخذتم تُورونَ وَفْذَتَها ، وتهيجون جمرتها ، وتستجيبون لهُتاف الشيطان الغوي ،وإطفاء أنوا الدَّينِ الجلي ، وإهماد سُنن النبي الصفي « تُسرونَ حسّواً في ارتغاء ، وتمشُون لأهله وَلَدِه في الخَمَرِ والضَّرَاء ، ونصبرُ منكم علی مِثلِ حرّالمُدی ، ووخز السَّنان في الحشا.
5- قالت الزهراء عليها السلام فی خطبتها الفدكيّة الشريفة: فَدُونَكُمُوهَا فَاحْتَقِبُوهَا يرَةَ اَلظَّهْرِ نَقِبَةَ الْخُفِّ بَاقِيَةَ العارِ مَوسومَةً بِغَضَبِ اللَّهِ وشِنَارِ الأبَدِ مَوْصُولَةً بِنَارِ اَللَّهِ الموقدة اَلَّتِي تَطْلُعُ عَليَّ الأَفْئِدة فَيُعِينُ اللَّهُ مَا تَفْعَلُونَ وَسَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) و فی خطبتها الثانية مع نساء المهاجرين والأنصار ، قالت لهنّ : أما لَعَمْرُ إلهك لقد لقحت ، فنظرة : ريت ما تنتج، ثم احتلبوا طلاع الغعب دم عبيطا، وعافا ممقرا ! هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما سن الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم نفسة، وطأمنوا للفتنة جأشا، وأبشروا بسيف صارم، و هزج شامل، واستبداد من الظالمين

نَقَضُوا عَهْداً لَطَّهَ المُصْطَفى *** وعَلَيْهِ ارْتَكَبُوا أَمراً غَلَطْ

حَيْثُ جَاؤُوا إِلَى الْبَيْتِ الَّذِي *** كَانَ طه دَائِماً فِيهِ اِنْبَسَط

جَمَعُوا الجَزلَ وَفي طَيَّاتِهِم *** حَسَدٌ لامَسَ شَرّاً فَاخْتَلَط(1)

وَرَأَى أدلَمُ وَقْتاً سَانِحاً *** لِلَّذِي ما كَنَّ فِي القَلْبِ وَلَطّ(2)

أَمَرَ الثَّانِي بِأَنْ تُشْعَلَ فِي *** بابِها النارُ وَمِن ثَمِّ افتَرَط(3)

قِيلَ فِي الدّارِ هُنا فَاطِمَةُ *** وَهُنَا جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ هَبَطَ

قالَ في عُنفٍ تَغشّاه: وإنَّ *** كَان مَن كَان بِزَجرٍ وَ سَخَط(4)

ص: 355


1- الجَزْل : الحطب اليابس . طيّاتهم : مفردها طيّة ، وهي النيّة أو ما كان مُضمَرا في القلب.
2- الاذلَم : لغة ، هو الأسود الطويل ، قال الجزريّ ابن الأثير في ( النهاية في الأثر 2 : 131 ): ومنه الحديث : فجاء رجل أدلم ، فاستأذن علی النبي صلي الله عليه و اله و سلم قيل : هو عمر بن الخطّاب . ومثله في) لسان العرب لابن منظور 12 : 205 ( قال الشيخ المجلسی رحمه الله : ويُكنی به غالباً في الأخبار عن(فلان ) تقيةُ ، وقد يُطَق علی سابقه ( الأوَل ) أيضا ؛ إمّا لسواد ظاهرهما ، أو باطنهما بالكفر والنفاق ،أو لانتشار الظلم والفتن بهما في الآفاق . ( بحار الأنوار 67 : 61 ) كنّ : غطی وسَتَر . لَطّ : كتم وستر .
3- افترط : تقدّم وسبق .كتب الشهرستاني - وهو ليس شيعياً - في مؤلّفه الشهير ) الملل والنحل 1 : 67 ( : قال إبراهيم بن سيّار بن هانئ النظام : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتی ألقَتِ الجنين مِن بطنها ، وكان عمر يصيح : أحرقوا دارها بمَن فيها ! وما كان في الدار غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.
4- السَّخَط : الغضب : دعا عمر بالحطب وقال : والذي نَفس عمر بيده، لتخرج أو لأُحرقتها على من فيها؟ فقيل له: يا أبا حفص ! إن فيها فاطمة !! قال : وإن !!! (أعلام النساء لعمر رضا کحالة 4: 116، الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 30)

اَشعِلُوا النّارَ ولا تُبقُوا بِها *** أَحَداً يَحيا بِهذِي الدَّار قَطّ

انَّ هذا لَبَيانٌ صَادِقٌ *** لَيسَ فِي قَوليَ هذا مِن شَطَط

وَإذا شِثْتَ ثُبُوتَ القَوْلِ سَل *** شَاعِرَ النَّبل تَجِد ما كانَ خَطّ(1)

واتَتْ فَاطِمةُ خَلْفَ الذَّرا *** وَلَها عَمْداً ورا البَابَ ضَغَط(2)

جَرَّ مِن إِحداثِ هذا عَصْرَة *** مُحسِنٌ مِن إثرِها وَيْلِي سقَط

انْبَتَ المِسمَارَ فِي الصَّدرِ وَقَد *** جَارَ بِالفِعلِ عَلَيها وَقَسَط(3)

كَسَرَ الضَّلعَ وَأَدمئ صَدرَها *** فَأَصَابَ الجسْمَ مِنْ ذَاكَ وَبَط(4)

خَرَمَ الأُذن لَها مِنْ صَفعَةِ *** اَلَمَتْها ، وَارتَمی مِنهَا القُرُط(5)

ص: 356


1- وقال حافظ إبراهيم : وقولهُ لعليَّ قالها عُمرٌ *** أكرم بسامعها أعظِم بمُلقيا حرقتُ دارَكَ لا أبقي عليك بها *** إن لم تَبايع ، وبنتُ المصطفی فيها ما كان غير أبي حفص يفوه بها *** أمامَ فارس عدنانٍ وحاميها ( ديوان حافظ إبراهيم 1 : 75 - ط دار الكتب المصريّه بالقاهرة)
2- الدَّرا : كلّ ما استتِر به ، مثل الباب والحائط والملجأ وغيره . ورا : مخففة وراء. قال البلاذري : إنّ عمر عَصَرَ فاطمة في الباب ، حتّی أسقطت » محسناً«(إحقاق الحقّ 2 : 373)
3- قسط : حاد ومال عن الحق . قال تعالی في الأية 15 من سورة الجنّ (وأما الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهنمَ حَطَباً.)
4- بَطَّ : شَقَ . والمفعول مُقدَّر ، أي وشقَّ بطنها . وفي دعاء الصنمين : وبطن فتقوء ، وجني أسقطوه،وضلع دقُّوه.
5- روت هي صلوات الله عليها ذلك حيث قالت : فضربني بيده حتّی انتثر قرطي من أذني ( بحار: الأنوار 348:30 ح 164 - عن إرشاد القلوب). وتحريك الراء من «قُرط» ضرورة. وفي هذا البيت عيب السَّناد، وهو اختلاف الحركات قبل الرُّويَ «وبَط» «القُرط» «فُط»، فأكثر أبيات القصيدة مفتوحة الحروف قبل الرويَّ، فما جاء مضموماً أو مكسوراً فهو عيبُ السِّناد.

وأَحاطُوا بعَليَّ ذِي التُّقئ *** حَلَقاتٍ وَهُوَ فِيهِمْ بالوَسَط

اَخَذُوا الكَرَّارَ لِلبَيعَةٍ فِي *** لُمَّةٍ بَعْدَ اضطِهادِ وفُرُط(1)

عَجَباَ كَيْفَ عَلَيْهِ اجتَرؤُوا *** وَهُوَ فِی الهَيْجاءِ كَشَّافُ الضَّغَط؟(2)

إنهُّ الفَذُّ الّذِي مِن فِعلِهِ *** تاهَ فِي أَوصافِهِ أهلُ النَّمَط(3)

خَسِئُوا لَولا مَقالٌ سَابقٌ *** مِن فَمِ المُختارِ بالْقَولِ نَبَط(4)

لَمْ يَكُن مَا كانّ هذَا أبَداً *** لا ولا ما جَرُوَ الفظُّ الثَّبِط(5)

إنَّما اعتَدَّ بقَوْلِ المُصْطَفی *** حَيتُ حقّاَ بِوَصاياهُ ارتَبَط(6)

ص: 357


1- الفُرط : الظلم والاعتداء ، ومجاوزة الحدّ حيث تكاثروا عليه ، فوضعوا حبلاً في عنقه وأخرجوه إلی المسجد قهراً ملبباً (شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد 2 : 5)
2- الهيجاء : الحرب . الضّغط : الضّيق والشدّة ، وفتحُ الغين ضرورة
3- الفذّ : المتفرّد في ذكاء أو علم أو مكانة أو نحوها . النمط : الطريقة والمذهب .
4- نبط : خرج ، ظهر.لمّا ضرب عمرُ فاطمة صلوات الله عليها ، وثب عليَّ عليه السلام فأخذ بتلابيب عمر ، ثمّ هزه فصرعه ووجأ أنفَه ورقبته ، وهمّ بقتله ، فذكر قولَ رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وما أوصاه به من الصبر والطاعة ، فقال لص : والذي كرّم محمّداً صلي الله عليه و اله و سلم بالنبوة ، يا ابن صهاك لولا كتابُ من الله سبق ، لَعلِمتَ أنّك لا تدخل بيتي !(كتاب سُلَيم بن قيس الهلالی ص 249 - عنه : بحار الأنوار 43 : 198 / ح 29 ) وفي ) الاحتجاج للطبرسي 1 : 119 - عنه : بحار الأنوار 29 : 127 / ح 27 ( ثمّ التفت إلی عمر فأخذبتلابيبه وقال : يا ابنَ صِهاك ! واله لولا عهدً من رسول الله ، وكتابٌ مِن الله سبق ، لَعلمتَ أينا أضعفُ ناصراً وأقل عدداً!
5- الفظُّ : الغليظ السَّيء الخُلق . الثَّبط : الأحمق .
6- اعتدّ : اهتمّ.

أخَذُوهُ صابِراً مُحتَسِباً *** أَمرُهُ للّهِ مِن دُونِ قَنَط(1)

ومَشت مِن خَلْفِهِمْ بِنْتُ الهُدی *** وَهيَ مِن ضَعْفِ تَوَلَّاها تَئِطّ(2)

وئُنَادِي القَوْمَ فِي شَجوٍ : ألا *** أُترُكُوا مَنْ لَمْ يُجاف اللهَ قَطّ

وَأَتی الرِّجسُ إلَيها » قُنفُذٌ *** وَعلَی المَتْن بِسَوطِ قَد خَبَط(3)

لعنةُ اللهِ عليهِ قَد جَرَتْ *** وسَرَتْ لِلحَشرِ مَدَا تَمْتَغِط(4)

وَمَضَتْ فِی دَائِها مَهضُومة *** حَقُّها مِن بَعْدِ هذا مُنْغَمِط(5)

وَقَضَی التَّقديرُ ما صارَ لَها *** وَجَری ما كانَ في اللَّوح وخُطّ

فَعَلَيهَا اللهُ صَلِّی دائِماً *** ما رَقی طَيرٌ إلَی الجَوِّ وحَطّ(6)

ص: 358


1- القنَطُ : الياسُ . قَنِطَ قَنَطا : يَئِسَ.
2- تئطّ : تئن .
3- خبط : ضرب بشدّة .خرجت فاطمة عليها السلام خلف علیٍّ عليه السلام وقالت: يا أبابكر ! أتريد أن ترمّلنی مِن زوجی ؟! وفي رواية أُخری : وحالت بينهم وبينه عند باب البيت ، فضربها قنفذ الملعون بالسَّوط ، فماتت ح ماتت وإن في عضدها مِثلُ الدُّملج ) كتاب سُلَيم بن قيس الهلاليّ 349 - عنه : بحار الأنوار: وفي رواية ثالثة : فحالت بينهم وبين بعلها .. . فتركه أكثرُ القوم لأجلها ، فأمر عمر قُنفذَ بن عمران بضربها بسوطه ، فضربها قنفذُ بالسوط علی ظهرها وجتيها ، إلی أن أنهكها واتر في جسمها الشريف(علم اليقين للفيض الكاشاني 686 - 688 ، الفصل 20).
4- تَمتغط : تَمتدّ وتطول .
5- منغمط : مُنكر ومجحُود . المعنی : إنّها ما زالت بدائها حزينة مِن جراء ما جری لها منهم ، حتّی وافاها الأجل ، ولبّت نداء ربها وهي مظلومةُ في حياتها ، مهضومةُ حقَّها الذي أنكروه وجحدوه وأخذوه ظلماً وعدواناً.
6- انتهت يوم السبت 18 / 11 / 1997 م

(2) بيت فاطم

(بحر الخفيف)

السيد محمّد رضا القَزوينيّ

لَيسَ فِي قَولَتي يُظَنُّ اعتِبَاطُ *** لا وَحَسْبُ المَذاهِبِ الإفراطُ(1)

طابَ لی أن أَجُولَ فِی البَخثِ كَيْما *** تَتَجَلَی عَلَی الْحُرُوفِ النِّقاطُ(2)

فَغَداً مَوْقِفٌ مَعَ اللهِ صَعْبٌ *** وَحِسابٌ وجَنَّة وَصِراطُ

أتُرانِي أَقولُ مَا قالَ كَعْبُ *** وأُخَلِّي مَا قالَهُ الأسباطُ؟(3)

ص: 359


1- الاعتباط : ما كان لغير علّة راجحة .
2- في المثل : يضع النقاط علی الحروف ؛ أي يوضح الأمر ويعطي كل شيء حقّهُ .
3- يقصد ب( كَعْب ) كعبَ الأحبار ، ذلك اليهوديّ الذي أعلن إسلامه ، فكان ما كان منه . . من آرا، وأكاذيب ! قال ابن أبي الحديد : كان أميرالمؤمنين عليه السلام يقول فيه : إنه الكذّاب ! ) شرح نهج البلاغة4 : 77 ) وفي ( بحار الأنوار 46 : 353 / ح 6 ) : قال عاصم بن عمر : إن كعب الأحبار كان يقول : إنّ الكعبة تسجد لبيت المقدس كل غداة ، والقول ما قال كعب . فقال له الإمام الباقر عليه السلام: كذبتَ وكذب كعبُ الأحبار معك ! (عن : الكافي 4 : 239 - 240 / ح 1) وقد ضرب يوماً أبوذر الغفاري رأس كعب الأحبار بعصاه لمّا سمع تصديقه لعثمان في جمعه الأموال ، وقال له : يا ابنَ اليهودية الكافرة ! ما أنتَ والنظر في أحكام المسلمين ؟ ! ( بحار الأنوار 22 : 426 - 425 / ح 36 - عن : تفسير القمي 1 : 80 ) وفي رواية أُخری قال له : يا ابن اليهوديين ! ما كلامُك مع المسلمين ؟! فواله ما خَرّجت اليهوديّة مِن قلبك ! ( بحار الأنوار 22 : 397 / ح 3 - عن : أمالي الشيخ المفيد).

وَکِتابُ اللهِ المَجِيدُ صَريحُ *** لَيسَ فِيه تُبايُنٌ أؤ شِطاطُ(1)

إن آلَ الرَّسُولِ عُروَتُنا الؤُث***قی وَفِيهِمْ قَد لاحَ ذاكَ الرِّباطُ(2)

أمَرَ اللهُ بالمَودَةِ فِيهِمْ *** مَالَنا والّذينَ لَمْ يَحتَاطُوا(3)

اَساَلُ الْقَلْبَ : كَيفَ تَهوی عليّاً *** فَأَری نَشوةً يُجِيبُ النَّياطُ(4)

إنَّ فِي كُلَّ وَوَجِيبٍ *** مِن هَواهُ مَسَرَّةُ وَاغْتِباطُ(5)

وبِحُبِّ البَتُولِ شُدَّت ضُلوعٌ *** كَي إلَی الله يَسْتَقِيمَ ارتِباطُ(6)

وَحَوتْ جَنبَتَايَ حُبّاً مِنَ السِّب *** طَيْنِ فَارتَاحَتا وَطابَ اختِلاطُ

قَد تَغَذَّيتُ حُبَّهُم كُلَّ حُلوِ *** فَبِذاكَ الولاء مُدَّ السِّماطُ(7)

فَلِساني بحُبِّهِم وفُؤادِي *** مِن عُلاهُم ا يَعْتَرِيهِ انحِطاطُ

ص: 360


1- الشّطاط : البُعْدُ ، أو الإفراط ، أو التباعد عن الحقّ .
2- قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : لكلّ شی ِ أساس ، وأساس الإسلام حُبُّنا أهلَ البيت .(الكافي 2 : 46 / ح 2)
3- كتب السيوطي في ( الدرّ المنثور ) في ظل قوله تعالی :( قُلْ لا أسألكم عَلَيهِ أَجْراً إلّا المودة في القربی) (سورة الشوری : 23 ) : أخرج أبو نُعيم ، والديلميّ. عن مجاهد ، عن ابن عبّاس قال قال رسول اله صلي الله عليه و اله و سلم : (لا أسألكم عَلَيهِ أجرا إلّا المودة في القُرب) تحفظوني في أهل بيتي ،ونَوَدُوهم بی.
4- النَّياط : الفؤاد ، أو ما يُعلّق به الشيء ، منه عِرْقّ غليظ عُلّق به القلب . وهو مفرد لا جمع.
5- وَجيبُ القلب : خَفقائُه واضطرابه ورَجفه .
6- في الزيارة الشريفة الواردة عن الإمام الهادي عليه السلام، والمعروفة ب» الزيارة الجامعة الكبيرة « : مَن والاكم فقد والی الله ، ومَن عاداكم فقد عادی الله ، ومَن أحبّكم فقد أحَبّ الله ، ومَن أبغضكم فقد أبغض الله ، ومَن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله . أنتم السبيل الأغظم ، والصراط الأقوم . . ) عيون أخبار الرضا عليه السلام، للشيخ الصدوق 2 : 274 / ح 1 )
7- السَّماط : ما يُبسط ليوضع عليه الطعام ، وأريد به هنا سماط غذا ، الروح ، وهو محبّة أهل البيت عليهم السلام.

وَدَلِيلِي عَلَى وِلائِيَ أَنّي *** بِصُنُوفِ الأَهْوالِ قَلْبِي مُحاطُ(1)

أَنَا فِي الْأَرْبَعِينَ قُد شابَ رَأْسِي *** لَمْ يَدُمْ مِنْ سَوادِهِ قِيراطُ (2)

كَيْفَ أَرْنُو إِلَى الحَياةِ بِشَوْقٍ *** وَهِيٍ دَوماً إِلَى اللِّئامِ تُناطُ؟(3)

خَذَلَت سَيّدَ الوَصِيِّينَ حَقّاً *** شَهِدَتهُ الوَرى فَلُمَّ البِساطُ(4)

بَايَعُوه بِالأَمْسِ فِيهِمْ أَميراً *** بَدَّلَتْهُ سقيفةٌ وخُباطُ(5)

وكأنّ الإسلامَ كَانَ لِثاماً *** وبِمَوْتِ الرَّسولِ عَنْهُ أماطُوا(6)

أَحْرَقُوا بَيْتَ فَاطِمٍ وَهِيَ حُبلِي *** شَهِدَ الجُرْمَ بَابُها وَالْبَلاطُ(7)

عَصَرُوها بِالبابِ عَمداً وَمِنهُ *** كانَ كَسْرُ الضُّلُوعِ والإسقاطُ

ألْبَيْتِ الزَّهْراءِ تُنْقَلُ نارٌ *** وعَلى ظَهْرِها تَلُوحُ السِّياطُ؟

أمْ عَلى خَدِّها تَطَاوَلَ كَفُّ؟ *** فَاسْأَلُوهَا تُجِبْكُمُ الأَقْراطُ(8)

ص: 361


1- قال رجل للامام الباقرعليه السلام : والله إني لأحبُّكم أهل البيت ، قال : فاتَّخذ للبلاء، جلباباً ، فوالله إنه أسرعُ إلينا وإلی شيعتنا مِن السيل في الوادي ، وبنا يبدأ البلاءُ ثمّ بكم ، وبنا يبدأ الرخاء ثمّ بكم ! ( بشارة المصطفی لشيعة المرتضی ، للطبري أبي جعفر محمّد بن أبي القاسم (ق 6 ) ص 107)
2- القيراط : معيارُ في الوزن قليل ؛ وهو نصف الدَّانق .
3- تُناط : تُعهد وتُعطی .
4- لمّ البساطُ : كناية عن عذرهم وإخفائهم للحق كما يُلف البساط علی ما فيه .
5- الخُباط : داء كالجنون . أي أنّهم أصابهم داء كالجنون في السقيفة فنقضوا بيعتهم لعلي عليه السلام .
6- أماطوا : أزاحوا ، أي كشفوا ذلك اللّثام فانكشفت الوجوه الجاهليّة !
7- البلاطُ : صفائح الحجارة التي يُفرش بها . وهنا أراد الأرض نفسها .
8- أشار الشاعر فِي هذا البيت والبيتين اللذين قبله إلی إحراق بيت فاطمة عليها السلام ، وعصرها بالباب وهي حبلی ، وكسر ضلعها ، وإسقاط المحسن ، وضربها بالسياط ولطمها علی الخدّ حتّی انتثرت أقراطها .

كَيفَ باللهِ يَرتَجُون أباها *** وَشَفاعاتُهُ إلَيها تُناطُ(1)

ص: 362


1- في هذا البيت إشارة إلى شفاعة الزهراء يوم القيامة، ففي كتاب (کنز الفوائد للكراجكئ ج 2 ص 150) قال : عن يونس بن يعقوب، عن الإمام الصادق عليه السلام ضمن حديث طويل قال: قال جَدي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : يا فاطمة، البشري، فلك عند الله مقامٌ محمود، تشفعين فيه لمُحبيك وشيعتك فتُشفعين.

قافية الظاء

اشارة

ص: 363

(1) قصة فاطم

(بحر کامل) السيد محمد رضا القزويني

اَوْصَی النَّبيُ بفَاطِمٍ أصحابَهُ *** إن كانَ عَهدُ مِن مُحَمّدَ يُحفَظُ(1)

هذِي بَقيَّةُ مُهجَتي فِيكُم فَمَن *** يَتلُو التَّلاوة في وَلاها يُوعَظُ

إيّاكُمُ مِنْ ظُلمِها بَعْدِي ولا *** حتَّی حديئُكُمْ إِلَيْهَا يَغلُظُ(2)

إنَّ الجِنانَ بِحُبِّها لَكُمُ وَإنّ *** غَضِبَت فَنيرانٌ لَهُنَّ تَغَيُّظُ(3)

هِي بَضعَتي فِيكُمْ وَقَد أَيقظتُكُمْ *** إنَّ اللّبيبَ مِنَ النَّصيحةِ يُوقَظُ(4)

وتَحيَّرَ التّاريخُ بَعْدَ وَفاتِهِ *** ما قَد يَری مِن ظُلمِها أؤ يَلحَظُ!!

ص: 364


1- سبق من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قوله : المرءُ يحفظ في وُلده . بذلك ذكرتهم الزهراء عليها السلامفي خطبتها الفَدَكية الشريفة . ومنع » محمّد « من الصرف ضرورة شعريّةز
2- فكما لا يجوز رفع الصوت عند النبي صلي الله عليه و اله و سلم، فكذلك عند ابنته وأميرالمؤمنين وسائر المعصومين عليهم السلام.
3- إشارة إلی ما رُوي في كتاب( مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري ج 3 ص 53 1 ) روی بسنده عن الإمام عليّ عليه السلام قال : قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم لفاطمة : إنّ الله يغضبُ لغضبك ، ويرضی لرضاك « ؛ قال : هذا حديث صحيح الإسناد . أقول : ورواه ابن الأثير أيضاً في ( أسد الغابة ج 5 ص 522 ) ، وابن حجر في ( إصابته ج 8 ص 159 ) و( تهذيب التهذيب ج 12 ص 441 ) ، وذكره المتّقي الهندي في ) كنز العمال ج 7 ص 111 ( وقال : أخرجه ابن النجّار .
4- اللبيب : العاقل ؛ وفي البيت إشارة إلی ما رُوي في كتاب ( مُسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 328 ) عن النبی صلي الله عليه و اله و سلم قال : » فإنّما هي فاطمة بضعةَ منّی ، يُريبنی ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها.

وَبِما تُجابِهُ مِنْ وُلاةِ زَمانِها *** وَبِما تَقُولُ لَهَا الطُّغَاةُ وَتَلفِظُ(1)

فَالإرثُ مِنها يُستَبَاحُ بمَكرِهِمْ *** وَكِتَابُ ذاكَ المُلْكِ رَاحَ يُفضَّضُ(2)

والنّارُ تُضرَمُ عِندَ مَدخلِ داِها *** والضَّلعُ يُكسَرُ وَالجَنينُ تَلَمُّظُ(3)

فَاَحالَها التّاريخُ يَساَلُ أُمِّةً :*** أيُّ الضَّمائِرِ هَاهُنا يَستَیقِظُ؟(4)

فَإذا الأَعادِي يُنْكِرُونَ مُصابَها *** وَالبَعْضُ مِن فَرط العَمی يَتَحَفَّظُ؟(5)

وتَظلَلُّ قِصَّةُ فَاطِمٍ جَمَراتُها *** بِقُلُوبِ شِيعَتِها جَوّی تَتَلَظَّظُ(6)

رَقَّت قُلُوبٌ تَستَدِرُّ مَدامِعاً *** وَقُلُوبُ قَوْمٍ آخَرِينَ تَغَلُّظُ(7)

وَغَداً بِيَوْمِ الْحَشْرِ تَبْرُزُ فاطِمٌ *** بِجَلالِها بَيْنَ المَلائِكِ تُحفَظُ

ص: 365


1- كتب البخاريّ في صحيحه 7 : 209 - باب الحوض ( عن أبي هريرة أنَ النبي صلي الله عليه و اله و سلم قال : بينما أنا قائم ، فإذا زمرة ، حتی إذا عرفتهم خرج رجل من بينی وبينهم فقال : هلُم ، فقلت أين ؟ قال : إلیالنار والله ، قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك علی أدبارهمُ القهقری فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النَّعم .وعن أبي سعيد الخُدريّ : فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ! فأقول : سُحقاً سُحقاً لِمَن غيّر بعدي ا ا أيضاً : صحيح البخاريّ 5 : 66 ، و 8 : 151
2- الضاد حرف مستقل والظاء حرف آخر ، وعلی ذلك ففي هذا البيت من عيوب القوافي ما يسمّی بالإ كفاء ، وهو اختلاف الروي إذا كانت الحروف متقاربة المخرج . وفي هذا البيت إشارة إلی شقّ عمر لكتاب الزهراء عليها السلام، ودعائها عليه بقولها : بَقَرْتَ كتابی بَقَر الله بطنك . فاستجاب الله دعاءها.
3- التَّلمُّظ : إدارة اللسان في الفم . وأراد هنا سقوط الجنين وما يكون عند الموت من الحشرجة.
4- وكان في وصيتها صلوات الله عليها : لا تُصَل علَی أُمّة نقضَت عهد الله وعهدَ أبي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في أميرالمؤمنين عليّ ، وظلموني حقّي .. . فهذه أمةُ تُصلّي عليّ وقد تبرا اللهُ ورسوله منهم ، وتبرأتُ منهم ؟! ) بحار الأنوار 30 : 348 - 350 / ح 164.
5- المُكنی عنه رجلٌ معروف ، وهو مُتَسيُد متصيدٌ في الماء العكر ، وله أتباع من الغوغاء .
6- تَتلَظَّظ : تتلهب .
7- التَّغلُّظ : مصدر من تّغلُّظّ ، والمجيء بالمصدر للمبالغة

وهُناكَ تَلتَقِطُ الَّذينَ تَوَدُّهُم *** وَتَعافُ لِلنِّيرانِ مَنْ لا يُوعَظُ(1)

ص: 366


1- عاف يعافُ عيافةَ، أي ترك. في رواية الإمام الباقر عليه السلام الجابر الجعفي ... فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت ، فيقول الله : يا بنتَ حبيبي، ما التفائلي وقد أمر بك إلى جنتي ؟! فتقول: يا رب، أحببتُ أن يعرف قَدري في مثل هذا اليوم، فيقول الله : يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حبُ لک أو لأحد من ذُريتک ، خذي بيده فأدخليه الجنة. قال عليه السلام: والله يا جابر ، إنها ذلك اليوم لتلتقطُ شيعتها ومُحبيها كما يلتقط الطيرُ الحبَّ الجيدَ من الحب الردي ... قال عليه السلام: والله لا يبقى في الناس إلا: شاك، أو کافر، أو منافق . فإذا صاروا بين الطبقات نادوا - كما قال الله تعالى - : فمالنا من شافعين * ولا صديق حِميم ؟ ! فيقولون: و لو أن لَنا كرة فنكونَ من المؤمنين (سورة الشعراء: 100 - 102). قال عليه السلام: هيهات هيهات! مُنعوا ما طلبوا و «وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ » (سورة الأنعام : 28) - ( بحار الأنوار 8: 01 - 52)

قافية العين

اشارة

ص: 367

(1) وجد البتول

(بحر البسيط)

الشيخ حسن البحرانيّ القيسيّ

مالِي أَرئ حَسْرَتِي لا تَنْقَضِي جَزَعا *** ومَدْمَعِي مِثْلَ غَيْثٍ جاءَ مُنْهَمِعا(1)

وَنَارٌ وَجدِي وَأَحزانِي لَها سُعُرٌ *** يَكادُ يُحْرِقُ قَلْبِي كُلَّما اندَفَعا(2)

أَحِنُّ مِن أَلَمٍ تُكوئ بِهِ كَبِدِي *** وَكُنْتُ مِنْ قَبْلِ ذَا لا أَعْرِفُ الوَجَعا(3)

أَهَل شَجانِي حُطامٌ كُنْتُ أَجْمَعُهُ *** وَكانَ يُفْرِحُني يَوْماً إِذا جُمِعا؟

وقَدْ تَولَّى وَعَنِّي فاتَ بَارِقُهُ *** وأُفلِسَت مِنهُ كَفِّي ثُمّ ما رَجَعا(4)

أم هَل شَجِيتُ لِلذّاتِ وقَدْ فُقِدَتْ *** مِنِّي فَأَصْبَحْتُ مِنْ تَذْكارِها وَلِعا؟

أَمْ هَلْ شَجِيتُ لِأحْبابٍ وقَدْ رَحَلُوا *** عَنِّي فَعُدْتُ حَزِيناً أصحَبُ الجَزَعا؟

كَلاَّ وَحَقِّ الَّذي تهْفُو القُلُوبُ لَهُ *** رَبٌّ تَعاليْ عَنِ المَخلُوقِ وارْتَفَعا

مَا شَفَّني المالُ وَالدُّنيا وَلَذَّتُها *** ولا أُحِبَّهُ قَلْبٍ رَكبُهُم طَلَعا(5)

فَفَارَقُوني وقَد شَطِّ البِعادُ بِهِمْ *** ظَعَنٌ لَهُمْ حُزُنَ البَيْداءِ قَدْ قَطَعا(6)

ص: 368


1- الجَزَع : عدم الصبر ، وإظهار الحزن أو الكدر . مُنْهمعا : مُسالاً .
2- الوجد : الحزن ، أو اشو ق الشديد .
3- شجاني : هيّج حزني .
4- بارقه : لامعه ومتلألئه .
5- ما شَقَني : ما أرقَني أو أهزلني أو أضعفني . طَلَع : سار وغابَ وابتعد .
6- الظَّعن : الراحلة ، أو ركب الرحيل والهجرة والفراق. والحُزن: جمع الحزن، وهو ما غلظ من الأرض .

لكنَّما شَفَّني وَجْدُ البَتُولَةِ مِن *** بَعدِ الرَّسُولِ عَلَيها الهَمُّ قد وَقَعا(1)

تَصِيحُ والهَمُّ أَشجاها واَرَقَّها ال*** بُكاءُ ، فالنَّومُ عَنْ أَجفانِها ارتَدَعا(2)

فَجِسمُها مِن لَهِيب الحُزنِ مُشتَعِلٌ*** وَقَلبُها من تَصارِيفٍ بِه انصَدَعا(3)

تَبكي ، وهَل مثلُها يَبْكِي الحَمامُ عَلی *** غُصْنٍ من الدَّوحِ طُولَ الليْلِ ما هَجَعا؟

بِأَدمُعِ حَكَتِ العِقيانَ مُنتَشِراً *** عَلَی الرُّبی و بِعَقدِ الخَودِ قَد رُصِعا(4)

هذی يَتامايَ لَو تَرنُو لَهُمْ وَعَلی *** وُجُوهِهِم أَلَمُ النَّيرانِ قَد سَفَعا(5)

لَرَقَّ قَلبُکَ ممّا نالَهُم وَجَرَتْ *** مِنْکَ المَدامِعُ حُزناً كالعَقِيق مَعا(6)

ص: 369


1- شَفّني : أنحلَني وأوهَننی .
2- ارتدع : كفُ وامتنع . وهي القائلة عليها السلام في زيارتها لقبر أبيها المصطفی صلي الله عليه و اله و سلم : يا أبتاه ! زال غَمضي مند حَقّ الفراق .. . أي دمعة لِفراقِك لا تنهمل ، وأيُّ حُزْن بعدك عليك لا يتصل ، وأيُّ جفن بعدك بالنوم يكتَجل ؟! بحار الأنوار 43 : 176 / ح 5 1
3- تصاريف الزمان : خُطُوبهُ . وهی القائلة عند قبر أبيها رسول اله صلي الله عليه و اله و سلم : رُفِعت قوتی ، وخاننيجلدي ، وشمت بي عدوي ، والكمدُ قاتلي . يا أبتاه! بَقِيتُ والهة وحيدة ، وحيرانة فريدة ؛ فقد انخمد صوتي ، وانقلع ظهري ، وتنقص ي ، وتكدّر دهري .. . ) بحار الأنوار 43 : 175 - 176 /ح 15.
4- حكت : شابهت . العقيان : الذهب الخالص . الخَؤد : المرأة الشابة . رُصَّعَ : نُظم وقدر ، وتخفيف التشديد ضرورة .
5- سَفَعَتْ النار وجهَه : لَفَحَثْه حتّی غيّرت لون بَشَرته .
6- رُوي أنها - صلّی الله عليها - ما زالت بعد أبيها مُعصّبةَ الرأس ، ناحلةَ الجسم ، مُنْهَدَةَ الركن ، باكية العين ، محترقة القلب ، يغشی عليها ساعة بعد ساعة ، وتقول لولَدَيها الحسن والحسين لفه : أين أبوكما الذي كان يُكرِمكما ويحملكما مرّة بعد مرّة ؟ ! أين أبوكما الذي كان أشدَّ الناسِ شفقة عليكما ولا َذَعُكما تمشيان علی الأرض ؟! ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ، ولا يحملكُما علی عاتقه كما لم يزل يفعل بكما . ) روضة الواعظين للفتال النيسابوريّ 1 : 150 ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 3 : 362.

يا والِدِي شَفَّنِي مِنكَ الفِراقُ اَسئ *** وَانهَدَّ رُکنيَ لَمّا وَحيُكَ انقَطَعا(1)

حتّی كأني غَرِيبُ الحَيَّ ليسَ لَهُ *** سِلوانُ قَلْبٍ وَفي أَحزانِهِ ادَّرَعا(2)

يا بِنْتَ خَيْرِ نَبِيَّ ما لَهُ مَثَلٌ *** وَفِي القِيامَةِ شَفاَّعٌ إذا شَفَعا(3)

مُصابُکِ الصَعْبُ أَبِكَی الأرضَ قاطِبَةُ *** حُزناً ، وَطَرفُ السَّما مِنْ هَؤْلِهِ دَمَعا

كَما وأشجئ مُحِبِّيكِ فَاَورَثَهُم *** وَجدَ الحَزِينِ ومِنهُم نَومَهُم مَنَعا

مُسَهَّدِين طِوالَ اللَّيلِ ما لَهُمُ *** عُمْضُ فَكُلُّ بأَفْعَی الهَمَّ قَد لُسِعا(4)

اَهُمْ لِأيَّ الرَّزايا يَندُبُون وَمِنْ *** أيِّ المَصائِبِ يَجْرِي دَععُهُمْ جَزَعا؟

اَلِلضُّلوع الَّتي كانَتْ مُكَسَّرَةً *** بَينَ الجِدارِ ، ومِنها المُرتَضَی افتُجِعا ؟!(5)

أَم لِلجَنينِ الَّذي قَد خَرَّ مُطَّرَحاً *** عَلَی التُّرابِ، وَمِنْهُ النُّورُ قَد سَطَعا؟(6)

ص: 370


1- وقد نادته وخاطبته صلي الله عليه و اله و سلم وهو ِ قبره : رُفعت قوتی ، وخانني جَلَدي . . فقد فنیّ بعدك مُحکمُ التنزيل ، ومَهبطُ جبرئيل ، ومحلُّ ميكائيل .. ) بحار الأنوار 43 : 175 / ج 15 ( وكان ممّا رثَت به أباها صلي الله عليه و اله و سلم قولُها :وكان جبريلُ روح القُذْسِ زائرنا *** فغاب عنا فكلُّ الخير مُحتَجبُ بحار الأنوار 43 : 196 / ح 27 - عن : مناقب آل أبي طالب .
2- وقد خاطبت أباها صلي الله عليه و اله و سلم تشكو له وحشتها من الناس : فما أجدُ - يا أبتاه - بعدك أنيسا لوحشتي ،ولا راداً لدمعتي ، ولا مُعيناً لضعفي .. ) بحار الأنوار 43 : 175 / 15.
3- وهو القائل صلي الله عليه و اله و سلم : إنّ الله أعطاني مسألةً ، فأخرتُ مسألتي لشفاعة المؤمنين مِن أمّتي يومَ القيامة ، ففعَلَ ذلك . ) بحار الأنوار 8 : 37
4- المُسهّد : الأِق الذي لا ينام . الغُمْضُ : النّوم . وفي العجز اقتباس من قول السيّد حيدر الحلي : وسيئة باتت باف *** عی الهم مُهجتُها لسيعة َ
5- يُروی أنّ المرتضی عليه السلام لدی تغسيل الصديقة الطاهرة عليها السلام عثرت يده مِن وراء الكفن ن بضع مكسور ، فانتحی جانبا وأجهش بالبكاء !
6- إشارة إلی ما رُوي في كتاب ) دلائل الإمامة ص 45 ( : وكان سبب وفاتها أنّ قنفذا مولی الرجل لَكزَها بنعل اللسيف بامره فأسقطت مُحسناً .

اَمْ يَندُبُونَ لِعَيْنِ مِنْكِ قَد لُطِمَتْ *** فَأَصْبَحَتْ ثَمَّ حَمْرا دَمعُها قِطَعا ؟(1)

اَم يَندُبُونَ لِسَوْطِ الحِقدِ وَهْوَ عَلی *** مَتنَيكِ - يا بِنتَ طهَ المُصطْفی - وَقَعا؟(2)

فَيالَها من رزايا لَو دَری جَبَلٌ *** بها لَهَدَّ ذُراهُ مائِلاً فَزَعا

صَلَّی الالهُ عَلَيكُمْ مَا هَمَت سُحُبٌ *** بِالغَيْثِ يَوماً ، وَما بَدْرُ الدُّجی طَلَعا(3)

ص: 371


1- قال الشيخ محمّد حسين الأصفهانيّ في ) الأنوار القدسيّة ص 42 ، 44 ( : وجاوزَ الحدَّ بِلَطم الخَدِّ *** شُلَتْ يدُ الطغيان والتعدّي فاحمَرّتِ العينُ وعينُ المعرفة *** تذرفُ بالدمع علی تلك الصفه ولا تُزيل حُمْرة العين سوئ *** بيض السيوفِ بومَ يُنشَر اللِّوا
2- إشارة إلی ما رُوي في كتاب ) البحار ج 43 ص 198 ( : فضربها قنفد الملعون « بالسوط ، فماتت حين ماتت وإن في عَضُدها كمثل الدُّملج من ضربته لعنه الله ه ، فألجأها إلی عُضادة باب بيتها، ودفعها فكسر ضلعاً مِن جَنبها.
3- هَمَتْ : أمطرت وسالت .

(2)على بابها الأملاك

(بحر الخفيف)

الشيخ سلمان البحرانيّ(1)

قِفْ عَلى قَبْرِ فَاطِمٍ بِالْبَقِيعِ *** بَعْدَ مَزقِ الحَشى وسَكْبِ الدُّمُوعِ(2)

وَالثِمِ التُّرْبَ مِن حَوالَيهِ وَانشَق *** مِن شَذاهُ نَسِيمَ زَهْرِ الرَّبِيع

وأبْلِغَنها السَّلامَ عَنّي فَإنِّي *** لَمَرُوعٌ فِيها بِخَطْبٍ مُرِيعِ(3)

ص: 372


1- هو الشيخ سلمان بن الحاج أحم. بن عبّاس التاجر . . آل نشرة الماحوزيّ ، وال التاجر أسرة معروفة في المنامة عاصمة البحرين ، لها مكانتها ، ومن أعلامها في القرن الثالث عشر الشيخ إبراهيم آل نشرة ، والماحوز إحدی القری البحرانيّة الشهيرة . نشأ المترجم وترعع في ظل أسرته ، ونال التربية الصالحة ، تعشّق العلم ودرس علی أساتذة عصره أصحاب الفضيلة . ثمّ كانت له نشاطات ثقافيّة واجتماعية ، وقف خلالها بالمرصاد للتبشير المسيحي في البحرين ، فزود - هو وجماعة من رجال الدين والمثقَفين - شباب البحرين بالمعارف الإسلاميّة مواجهة الحملات التبشيريّة حنی شلوها . وللمترجم مؤَفات عديدة. منا: 1 - شرح ) المزمور الخامس والأربعين ( من كتاب ) المزامير ( ، هدَفَ مِن خلاله إلی مواجهة المد التبشيريّ وإطلاع الشباب علی تحريف الكتب المقدّسة . 2 - رسالة في ) أسرار اللّغة العربية ( . 3 - نظم كتاب ) جوامع الكلم ( لغستاف لوبون . وافاه الأجل يوم 20 / رجب / 1342 ه رحمه الله .
2- وفي نصّ آخر : قف عَلی قَبْرِ فام بِالْبَقِيعِ *** واسق تلك الربوع حُمُرَ الدموع
3- مروع : .فزع الخطب المُريع : الحادث الرهيب . ووصل همزة » أ بلغنا « م أنها همزة ة ق ضرورة شعريّة .

وتَذَكَّر أَذِيَّةَ القَوْمِ فِيها *** وَابكِ حُزناً وعُج بِقَبْرِ الشَّفِيعِ(1)

قِفْ بِهِ مَوْقِفَ الْحَزِينِ ولَكِنْ *** لابِساً بُرْدَتَي تُقًى وخُشُوعِ

واشكُ مَا نَالَ بِنْتَهُ مِنْ كُرُوبٍ *** مُفْجِعاتٍ تُشِيبُ رَأْسَ الرَّضِيعِ

قُلْ لَهُ أَيُّها النَّبِيُّ شَكاةٌ *** لَكَ عِنْدِي مَشْفُوعَةٌ بِدُموعِي

فَأَعِرْنِي مِنْكَ الْمَسَامِعَ فِيها *** فَصَداها يُصِمُّ أُذُنَ السَّمِيعِ(2)

إِنّ تلْكَ الَّتِي عَلى بابِها الأَم*** ْلاكُ تُبْدِي الخُشُوعَ بَعْدَ اَلْخُضُوعِ(3)

قَدْ أَحاطُوا بِالنَّارِ مَنْزِلَها السَّا *** مي بتَطهيرِهِ بِشَأْنٍ رَفِيعٍ(4)

أَسْقَطُوها بِالْبَابِ مُحسِنَ عَصْراً *** بَعْدَ تَأْلِيمِها بِكَسْرِ الضُّلُوعِ(5)

دَخَلُوا بَيْتَهَا عَلَيْها وَقَادُوا*** بَعْلَها الْمُرْتَضى بِحَالٍ فَظِيعٍ

عَجَباً كَيفَ في نِجادٍ له قِي*** دَ وَقَد كانَ قائِداً لِلجُمُوعِ؟(6)

فَعَدَت خَلْفَهُ تَجُرُّ مِنَ اَلصَّو*** نِ ذُيُولاً جُيُوبُها مِنْ دُمُوعِ!(7)

ص: 373


1- قبر الشفيع : هو قبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم.
2- الصدئ : ما پرده الجبل أو غيره إلى المُصؤت مثل صوته .
3- عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: بيتُ علىُّ وفاطمة من حجرة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، وسقفٌ بيتهم عرشُ ربّ العالمين، وفي قعر بُيوتهم فرجة مكشوفة إلى العرش معراج الوحي، والملائكة تنزل عليهم بالوحي صباحاً ومساء، وفي كلّ ساعة وطرفة عين، والملائكة لا ينقطع فَوجهم فوجٌ ينزل.. وفوج يصعد.. (تأويل الآيات ، للسيد شرف الدين النجفي الأسترآبادی 2: 818)
4- الباء في قوله «بتطهيره» متعلقة بالسامي»، فإن بيت فاطمة عليها السلام طهره الله فعلا شأنه، و هو من أفاضل بيوت الأنبياء كما ورد في تفسير الآية 36 من سورة النور «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ».
5- عدم صرف الاسم المبارك «محسن» مع أنه مصروف ضرورة .
6- النَّجاد: حمائل السيف.
7- جيوبها: أطواقها.

وَدَّعْت فِيهِمْ اَرْجِعُوا اِبْنَ عَمِّي *** أَوْ لَأَشْكُوا الی المُجِيبِ السَّمِيعِ(1)

فَتَلاَفوْا مِنَ الْبَتُولَةِ مَا لَوْ *** أَغْفَلُوهُ لَزُلْزِلُوا عَنْ سَرِيعٍ

غَصَبُوها حُقُوقَها مِنْكَ ظُلْماً *** وَبِعَيْنِ الإلهِ غَصبُ الجَمِيعِ(2)

طَلَعَتْ تَصْحَبُ الشُّهودَ مِنَ الْبَي*** تِ كَشَمْسِ اَلنَّهَارِ عِنْدَ الطُّلُوعِ

وَبَدَتْ تُفْرِغُ البَرَاهِينُ فِي*** هَا بِأَسْماعِهِمْ بِأَيِّ سُطوعٍ(3)

فَأُجِيبَتْ لَكِنْ بِرَدِّ شُهُودٍ *** بَعْدَ تَكْذِيبِ صَوْتِها المَسْمُوعِ

مَنَعُوها مِنَ البُكَاءِ عَلَى رُزْ*** ئكَ يَا خَيْرَ فَاجِعٍ مَفْجُوعِ

قُلْ لِدَارِ الأَحْزانِ مَا زِلْتِ لاَ زا *** لَت ضُلُوعِي تَحْوِي قُبُورَ الْبَقِيعِ(4)

مَا هُوَ اَلسِّرُّ حِينَ تُدْفَنُ سِرّاً *** وَجَهاراً أَتَوْا إلى التَّشْيِيعِ؟(5)

يَالَها مِنْ مَصَائِبٍ قَدْ دَهَتْها *** رَمَتِ الشُّمَّ مِنْ شَجًى بِصُدُوعِ(6)

ص: 374


1- قطع همزة «ابن» وهي وصلّ ضرورة. وفي هذا البيت والأبيات التي تليه إشارة إلى خروج الزهراء ع خلف الإمام علي عليه السلام حين أرادوا إجباره على البيعة أو قتله!
2- يشير في هذه الأبيات الأربعة إلى غصب فدك»، ومجيئها بالشهود والبراهين على إثبات حقّها، وردهم الشهود وتكذيبهم إياها سلام الله عليها». والضمير في «منك» يعود للرسول صلي الله عليه و اله و سلم ، حيث إنه هو الذي أعطاها فدك .
3- جاءت احتجاجات الزهراء عليها السلام على أبي بكر وجلاوزته في دعوى الإرث ودعوى النخلة وحق ذي القربي ، بشواهد قرآنية، وبراهين إلهية نبوية، لكنهم عموا وصمُّوا.
4- الظاهر أن الرواية الأصح «لا لي ما زالت» ، أي دعاءُ لها بالبقاء ما دامت أحزانها في ضلوعه.
5- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دفن الزهراء عليها السلام ليلاً، ومجيء القوم صباحاً ليشاركوا في التشييع بزعمهم.
6- الشُّمَّ: الجبالُ العالية، جمعُ الأشم. الصَّدوع: الشَّقوق. وصرف مصائب وهي ممنوعة من الصرف ضرورة.

وَلَعَمرِي لَحُزنٌ زَينَبَ أَشجى *** عِندَ مَسمُومِها وَنَدبِ الصَّرِيعِ(1)

ص: 375


1- مسمومها: ذلكم هو الإمام الحسن المجتبى عليه السلام سبط رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وريحانته، وقد دش إليه معاوية سُمّاً ذعافاً عن طريق امرأته جعدة بنت الأشعث فسمته غدراً بعد أن مناها معاوية بأموال كبيرة وتزويجها من ابنه يزيد، ثم نقض عهده إليها. وأما الصريع الذي قطع قلبها المفجوع به ، فهو الإمام أبو عبدالله الحسين عليه السلام سيد شباب أهل الجنة وريحانة المصطفى صلي الله عليه و اله و سلم قال ، وقد شاهدت ما جرى عليه وعلى أهل بيته وأصحابه في ساحة طف كربلاء، يوم عاشوراء، فعاشت بعد ذلك اليوم تندبه .. إلى أن انقضى منها العمر فقضت شهيدة أحزان ولوعات!

(3) مصائب الزهراء

(بحر الكامل)

السيّد صالح الحلّيّ

لِمصائِبِ الزَّهرا هَجَرتُ المَضجَعا *** وَأَذَلتُ قَلبِي مِن جُفونِيَ أدمُعا(1)

أَفكانَ مِن حُكمِ النَّبيَّ وشَرعِهِ *** أن تُضرَبَ الزَّهراءُ ضَرباً مُوجِعا؟

أوصَى الإلهُ بوَصلِ عِترةِ أحمَدٍ *** فَكأنَّما أوصى بِها أن تُقطَعا!(2)

اللهُ ما فَعَلُوا بِآلِ نَبِيهِم*** فِعلاً لهُ عَرشُ الإلهِ تَضعضَعَا

قادُوا عَليَّاً بَعدَهُ بِنِجادِهِ *** ومِنَ البَتُولِ الطُّهرِ رَضُّوا الأَضلُعا

أَبْدَوْا عَدَاوَتَهُمْ لَهَا وَ عَدَوْا عَلَى *** مِيراثِها فَابْتُزَّ مِنها أَجْمَعا(3)

وَ اِذَا تَعَلَّقَتِ اَلاشَاءَهُ لَمْ يَكُنْ *** عَجَباً اذا قَادَ الذَّئابُ سَمَيدَها(4)

وضَعَت وَراءَ البابِ حَملاً لم يَكُن *** قد آن لَولا عَصرُها أن يُوضَعا(5)

ص: 376


1- أذلتُ: سفحتُ .
2- عن محمّد بن الفضل قال : سمعتُ العبدَ الصالح أي الإمام الكاظم عليه السلام يقول : الذينَ يَصِلُونَ ما أمَرَ اللهُ بِه أن يُوصَل (سورة الرعد : 21 ) قال : هي رَحِمُ آلِ محمّد معلقة بالعرش تقول : اللّهمّ صل مَنْ وصن ، واقطع مَن قطعنی . وهي تجري في كلّ رَحِم . ) تفسير العياشي 2 : 08 2 / ح 29 ).
3- ابتزَّ : سُلِبَ قهراً وبين » عداوتهم « و» عدوا « جناسٌ ناقص.
4- الذئاب : كناية عن عمر وزمرته . والسَّميدع الأسد ، كناية عن أميرالمؤمنين عليه السلام.
5- ورَكَلَ عمر البابَ برجله حتّی أصاب بطنها وهي حاملة ب» مُحسن « لسنّة أشهر ، وإسقاطها إياه (الهداية الكبری للخصيبيّ 2 39)

ومَضُوا لِكَافِلِها يُهَرْوِلُ طَيِّعاً *** لَوْلَا الوَصِيَّةُ لَمْ يُهَرْوِلْ طَيِّعا

خَرَجتَ تَعْثُرُ خَلْفَهُمْ تَدْعُوهُمْ *** خَلُّوا ابَنَ عَمِّي أَوْ لَأَكْشِفَ لِلدُّعا(1)

رَجَعُوا إِلَيْهَا بِالسِّياطِ فَسَوَّدُوا *** بِالضَّرْبِ مِنْهَا مَتْنَها كَيْ تَرجِعا(2)

كَم أضمَرَت مِن عِلَّةٍ وَتَجَرَّعَت *** يا لَلْهُدى مِنْ غُصَّةٍ لَن تُجرَعا

خَطَبَتْ فَمَا اتَّعَظُوا بِخُطبَتِها ولَوْ *** خَطَبَت بِجُلمُودِ الصُّخُورِ تَصَدَّعا(3)

عَجَباً لَهُمْ عَزَلُوا خَلِيفَةَ أَحْمَدٍ *** وَ ضَئيلُ تَيمٍ صارَ فِيهِمْ مَرْجِعا(4)

حَكَمُوا عَلَيْهِ أَنْ يُكَلِّمَها بِأَنْ *** تَخْتارَ وَقْتاً لِلبُكا أو تُمْنَعا(5)

اَللَّهَ أُمّةُ أحْمَدٍ قَد ضَيَّعَت *** مَا خَلَّفَ الهادِي النَّبِيُّ وأودَعا(6)

ص: 377


1- المفعول محذوف لمعروفيته ، أي لأكشف للدُّعاء رأسي
2- لمّا جروا أميرالمؤمنين عليه السلام إلی المسجد ، حالت فاطمة بينهم وبينه ، وقالت : والله لا أدعكم تجرون ابنَ عمّي ظُلْما! ويلكم ما أسرعَ ما خنتم اللهَ ورسوله فينا أهلّ البيت ! . . فأمر عمر قنفذا ابنَ عمّه أن يضربها بسوطه ، فضربها قنفذ بالسوط علی ظهرها وجنبيها إلی أن أنهكها ! ( علم اليقين للفيض الكاشانی 2 : 687 )
3- الجُلمُود : الصَّخر الصُلب . تصدّع : انشقّ .
4- ضئيل تيم « أو » ضئيل بني يم « المراد به أبوبكر بن أبي قُحافة ، كما عبّر عنه عمر في قصة مفصلة قال فيها : والهفاه علئ ضئيل بني تيم بن مُرّة ! ) الشافي للسيّد الشريف المرتضی 4 : 136 ، ئتلخيص الشافي للشيخ الطوسي 3 : 164 ، الإيضاح لابن شاذان 148 . . وغيرها ( ، وفي المسترشد : 251 » ضِلَّيل بني تيم « . وروی القصة أيضا : ابن أبی الحديد 2 : 32 حيث سأل المُغيرة وأبو موسی الأشعريّ عمر عن أبي بكر ، فقال : والهفاه علی فيل بني تيم بن مرة ! لقد تقدمني ظالماً ، وخرج الی منها ائماً.
5- في البيت إشارة إلی ما مرّ توضيحه من طلب القوم من عليّ عليه السلام أن يكلمها في أن تبكي إماليلا أونهاراً!! فلذلك بنی لها أميرالمؤمنين عليه السلام بيت الأحزان لتبكي ليلها ونهارها.
6- لأن الزهراء عليها السلام هي الوديعة ، وهي البنت الوحيدة التي تركها رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، وفي كتاب الوصية لابن المستفاد عن الإمام الكاظم عليه السلام قول النبي صلي الله عليه و اله و سلم لعلى عليه السلام: هذه وديعة الله ووديعة رسوله عندك فاحفظني فيها وإنك لفاعل . ولا يخفى ما فيه من التعريض بالذين لم يحفظوا الوديعة.

قَالَ احفَظُونِي فِي الكِتَابِ وَعِتْرَتِي *** فَهُما يَضِيعُ الحقَّ مَهْمَا ضُيَّعا(1)

أمَّا الكِتَابُ فَمَزَّقَتهُ أُمَيَّةُ *** والْعِتْرةُ الهادُونَ أضحَوْا صُرَّعا(2)

وعَدَوا عَلى الكَرّارِ في مِحْرابِهِ *** وعَلَى الزَّكِيِّ سَقَوْهُ سُمّاً مُنْقَعا

وعَلَى الْحُسَيْنِ فَغَادَرُوهُ بِكَربَلِلا*** شِلواً بِمُرْهَفَةِ السُّيُوفِ مُقَطَّعا

لَكِنَّ أَدْهاها مَصَائِبُ كَرْبَلا *** أَنَسَتْ مَصَائِبُها المَصَائِبُ أَجْمَعا(3)

عَرِّج عَلَى البَطْحاءِ وانْدُبْ هَاشِماً: *** قُومُوا فَلِلْمَظْلُومِ كُنتُمْ مَفْزَعا

ص: 378


1- حديث الثقلين متواترٌ ، وفيه قول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : » إني تارلّ فيكم ما إن أخذتم به لن تضلُّوابعدي : كتابَ اللّه ممدودٌ من السماءِ إلی الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّی يَدا علّي الحوض ، فانظروا كيف تُخلفوني فيهما !
2- التمزيق المعنوي بتحريفه وتشويه مقاصده ومعانيه ، والتمزيق المادي جری علی يد الوليد بن عبدالملك ، حيث علقه وأخذ يرميه بسهام كافرة ويقول له : تُهدهُ كُلُّ جبّار عندٍ ؟ *** فها أنا ذاك جبّارُ عنيدُ إذا ما جئتَ ربّك يومَ حشر *** فقل : يا ربّ مزقني الوليدُ وذلك حين استفتح ب بالقرآن فكانت الآية : (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد)
3- مثل هذا المعنی قول عبدالحسين الأعسم : انست رزيستكم رزايانا التي *** سَلَفَتْ وهَونّتِ الرزايا الآنيه

(4)للحشر تبقى

(بحر الوافر)

الشيخ عبدالمنعم الفرطوسي(1)

ص: 379


1- هو الشيخ عبدالمنعم ابن الشيخ حسين ابن الشيخ حسن ابن الشيخ عيسى ابن الشيخ حسن، الشهير بالفرطوسي. ولد في النجف الأشرف سنة 1335 ه، ونشأ وترعرع في كنف والده ونال منه التربية الصالحة، ومنذ نعومة أظفاره تعشق العلم ودرس على أساتذة عصره من أرباب الفضيلة، فأخذ الفقه والأصول على السيد محمد باقر الشخص الأحسائي، واشترك في بحث الخارج عند السيد الخوئي ، واختلف إلى درس الشيخ محمد علي الخراساني في الأصول. ويعد الشيخ الفرطوسي من أصحاب الفضيلة العالية، ومن مشاهير الأدباء والشعراء في جامعة النجف العلمية ، وله آثار علمية تعرب عن مقدرته و طول باعه في تلك العلوم، نذكر منها: 1- شرح الاستصحاب من رسائل الشيخ الأنصاري، يقع في ألف صفحة. 2 - شرح الجزء الأول من كفاية الأصول، يقع في ثمانمائة صفحة. 3- شرح مقدمة المكاسب إلى بحث المعاطاة. - شرح شواهد مختصر المطول. 5 - منظومة في علم المنطق في حاشية ملا عبدالله . 6 - ديوان شعر يقع في أربعة أجزاء: جزءان منه في آل البيت عليهم السلام، وجزءان في الاجتماعيات . 7 - الوجدانيات من شعره ، مجموعة ذات ألوان وصفية. 8- كما نظم رواية الفضيلة لمصطفي المنفلوطي والجدير بالذكر أن المترجم كان من المكثرين في النظم، ونظم أكثر شعره في أهل البيت عليهم السلام ، وقد نظم ملحمة كبيرة تضمنت تاريخ الإسلام وسيرة المعصومين الأربعة عشر طلا سماها ملحمة أهل البيت عليهم السلام تقع في ثمان مجلدات، وقد بلغت أبياتها إلى أكثر من خمسين ألف بيت بقافية واحدة ( الهمزة). وفاته : اختاره الله ودعاه إليه فلبى النداء في (دُبي) سنة 1404 ه، وحمل جثمانه إلى مسقط رأسه النجف الأشرف، ودفن بجوار سيد الأوصياء أمير المؤمنين عليه السلام.

شُجُونٌ تَسْتَهِلُّ لَهَا الدُّمُوعُ *** وتُحْرَقُ مِنْ لَواعِجِها الضُّلُوعُ(1)

وَقَفتُ عَلَى الْبَقِيعِ فَسالَ طَرفِي *** وقَلْبي فَالدُّمُوعُ هِيَ النَّجِيعُ(2)

كَأَنَّ مُصِيبةَ الزَّهْراءِ بَيْتٌ *** بِقَلْبي لِلأَسى وهُوَ الْبَقِيعُ

أَمِثلُ الْبَضْعَةِ الزَّهْراءِ تُجْفى *** وَيُعفی قَبرُها وَهُوَ الرَّفيعُ؟(3)

وَيُغصَبُ حَقُّها جَهْراً وَتُؤذى *** بِحَيثُ وَصِيَّةُ الْهادِي تَضِيعُ؟(4)

تُصَدُّ عَنِ البُكاءِ عَلى أَبِيها *** فَتُحبَسُ في مَحاجِرِها الدُّمُوعُ؟(5)

وتَقْتَطِعُ الْأَراكةَ حِينَ تَأْوِي *** لِظِلِّ غُصُونِها كَفَّ قَطِيعُ؟

ويُحْرِقُ بَيْتُها بِالنّارِ حِقداً *** وَيُهتَكُ سِترُها وَهُوَ المَنيعُ؟(6)

ص: 380


1- اللّواعج : مفردها لاعج ، وهو الهوی المُحرق
2- النجيع : دم الجوف.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلی إخفاء قبر الزهراء عليها السلام، ووصيّتها بأن لا يحضر جنازتها الشيخان ففعل علي عليه السلام ذلك .
4- فی هذا البيت إشارة إلی غصب فَدَك من الزهراء عليها السلام و إيذائها ، فی حين أنّ الرسول صلي الله عليه و اله و سلم قال فيها: : فاطمةُ بضعة منّي ، مَن آذاها فقد آذاني «أمَا وصيّة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في عدم إيذائها : ففي كتاب (مسند أحمد بن ل ج 4 ص 328 ) بسنده عن المسور بن مخرمة قال : قال النبی صلي الله عليه و اله و سلم(إنّما هي فاطمة بضعة منّي ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها)
5- المحاجر : محاجر العين ، وهو من العين بما دار بها . وفي البيت إشارة إلی منع الزهراء عليها السلام عن البكاء علی أبيها رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم .
6- المقصود بهتك السّتر هتك حرمة بيتها واقتحامه بدون إذن ، وقد كان لا يدخله جبرئيل عليه السلام إلّا بإذن.

ويُكسَرُ ضِلْعُها بِالبابِ عَصراً *** فَيَسقَطُ حَملُها وَهُوَ الشَّفيعُ؟(1)

ويُدْمِي صَدرَها المِسْمارُ كَسْراً *** فَيَنْبُغُ بَيْنَ جَنبَيْها النَّجِيعُ؟ (2)

وَ يُنْثَرُ قُرْطُها لَطْماً وَ يُلْوِي *** عَلَيْها السَّوْطُ وَ اَلسَّيْفُ الصَّنيعُ؟(3)

وحُمْرَةٌ عَينِها لِلحَشرِ تَبْقى *** بِها مِن كَفِّ لاطِمِها تَشِيعُ(4)

تَنُوحُ فَتُسْمِعُ الشَّكْوَى وَتَدْعو *** وَمَا فِي الْمُسْلِمِينَ لَهَا سَمِيعُ(5)

مَصائِبُ بِالْفَظاعةِ قَدْ تَناهَتْ *** وُكُلُ مُصِيبَةٍ خَطْبٌ فَظِيعُ(6)

قَضَتْ أَلَماً مِنَ الزَّهْراءِ فيها *** حُشاشَةُ قَلْبِها وهُوَ الْمَرُوعُ

ص: 381


1- فإن السقط يشفع لوالديه ، فما بالك بالمحسن بن علي وفاطمة عليها السلام .
2- ( في ) الكوكب الدُري 1 : 149 - ط المكتبة الحيدرية ( كتب الشيخ محمّد مهديّ الحائري : ثمّ جعل الثاني يعالج الباب ليحرقه ، فلمّا رأت فاطمة عليها السلام إصرار القوم علی ذلك لاذت خلف الباب ، فعصرها الثاني ما بين الحائط والباب حتّی كادت روحها أن تخرج من شدّة العصر ، ونبع الدم من صدرها ! . . قالت أسماء : فما دخلنا البيت إلّا وقد أسقطت جنيناً سماه رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم (محسناً) . فی (مؤتمر علماء بغداد ص 64 ): ونبت مسمار في الباب في صدرها ، وصاحت : يا أبتاه ! يال الله ! انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبی قُحافة ! وفي ) الأنوار القدسيّة ص 27 ( نقرأ للشيخ الأصفهاني َ ولست أدري خبر المسمار *** سل صدرها خزانة الأسرار والباب والجدار والدماء *** شهود صدق ما به خفاء لقد جنی الجاني علی جنينها*** فاندكت الجبال من حنينها أهكذا يُصنع بابنة النبي *** حرصاً علی المُلْك . . فيا لَلعَجَب !
3- السيف الصنيع : السيف الصَّقيل . والمراد هنا نغل السيف ، ففي كتاب سليم : 208 فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبيها .
4- تشيع : تنتثر.
5- في هذا البيت إشارة إلی شكوی الزهراء عليها السلام وبكائها حين هجوم القوم وعدم إجابة أحد لشكواها .
6- أي كلّ مصيبة من مصائب الزهراء عليها السلام خطب فظيع

(5) أعظم رُزءٍ

(بحر الطويل)

الشيخ قيس العطار

مَصائِبُكُمْ شَتَّی وشَتَّی قُبُورُكُم *** وَرُزؤُكُم مِنهُ الفُؤادُ تَصَدَّعا(1)

وأَعظَمُ رُزْءِ حَلّ بالطُّهرِ فاطِمٍ*** لَهُ الكَؤْنُ مِنْ عُظمِ المُصابِ تَزَعْزَعا(2)

وأعظَمُ مِنهُ رُزءُ سِبْطِ مُحَمَّدٍ ***غَداةَ بِيَومِ الطِّفَّ نادی فَاَسمَعا(3)

لَئِن هَشّمُوا ضِلعاً مِنَ الطُّهرِ واحِداً *** فهذا حُسَيْنٌ هَشَّمُوا مِنهُ أَضلُعا(4)

ص: 382


1- الرُزء : المصيبة العظيمة . تصدّع : انشقّ .
2- تزعزع : تحرك وتقلقل .
3- قال الإمام الحسين عليه السلام: إنّا أهلّ بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومُختلف الملائكة ، ومهبط الرحمة ، بنا فتح اللهُ وبنا يختم ، ويزيدُ رجلٌ شارب الخمر ، وقاتل النَفْس المحترمة ، مُعلنٌ بالفسق ، ومثّلي لا يبايع مثلَه ! ( تاريخ الطبريّ 7 : 216 ، الكامل لابن الأثير 3 : 262 )
4- إشارة إلی ما روي في ( كتاب سُلَيم بن قيس ص 40 ) : فألجأها قنفذ إلی عضادة بيتها ودفعها ونادی ابن سعد : ألا مَن ينتدب إلی الحسين فيُوطئ الخيل صدرَه وظهره ، فقام عشرة فداسوا بخيولهم جد ريحانة الرسول صلي الله عليه و اله و سلم ، وأقبلوا إلی ابن زياد يقدمهم أسيد بن مالكِ يرتجز : نحن رضعنا الصذز بعد الطهر *** بكل بَعبوب شديد الأسر فأمر لهم بجائزة يسيرة ! ) اللهوف علی قتلی الطفوف للسيّد ابن طاووس 75 ، مثير الأحزان لابن نما 41 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوازرمی 2 : 39

وَاِنّ أثَرَ المِسمارُ فی جَنْبِ جِسمِها *** فَجِسْمُ حُسَيْنِ بالسُّيُوفِ تُوزَّعا(1)

وإِن أَسْقَطُوا مِنها الجَنِينَ بِعَصْرَةِ *** فَقَطْعُ وَرِيدِ الطِّفلِ قَد كانَ أَفظَعا(2)

وإِن أَحرَقُوا بَيْتَ البَتُولِ بِنارِهِمْ *** فَقَد أَحرَقُوا أَبياتَ زَينب أَجمعا(3)

وان لَم تَرَ الزّهراءُ مَضْرَعَ وُلدِها *** فَقَد رَأَتِ الحَوراءُ سَبعينَ مَضْرَعا

وَن مَنَعُوها تَستَظِلُّ ، فَشِبلُها ***تَجَرَّعَ مِن حَرَّ الظُما ما تَجَرَّعا(4)

ص: 383


1- ذلك ما رواه مقاتل بن عطية في مؤتمر علماء بغداد ص 96) بهذه العبارة : عصر عمر فاطمة بين الحائط والباب عصرة شديدة قاسية، حتى أسقطت جنينها، ونبت مسمار الباب في صدرها ! وأما سيدالشهداء صلوات الله عليه ، فلما أعياه نزف الدم، جلس على الأرض ينوء برقبته ، فانتهى إليه في هذا الحال : مالك بن النشر فشتمه ثم ضربه بالسيف على رأسه .. وبقي الحسين مطروح مليا، وكل قبيلة تتكل على غيرها، فصاح الشمر: ما وقوفكم ؟! احملوا عليه ! فضربه زرعة بن شريك على كتفه الأيسر، وضربه آخر على عاتقه ..! (يراجع: كتب المقاتل، ومنها: مقتل الحسين عليه السلام للسيد المقرم)
2- تقدم بيان سقوط الجنين وراء الباب وأما الحسين عليه السلام فإنه أجلس طفله الرضيع في حجره يقبله، أتي به القوم يطلب له الماء، فرماه حرملة ابن کاهل الأسدي بسهم فذبحه! فتلقى الحسين الدم بكفه ورمی به نحو السماء. قال الإمام الباقر عليه السلام : فلم تسقط منه قطرة! ( مناقب آل أبي طالب الابن شهر آشوب 2: 22، مثير الأحزان 36، اللهوف 16، البداية والنهاية 8: 186، أخبار الدول للقرماني 108، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمی 2: 32).
3- تقدم حرق باب دار البتول عليها السلام ، وبعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام نادي ناعق القوم بالهجوم للشلب، وصاح: أحرقوا بيوت الظالمين! وفي اللهوف: 78 ثم أخرجوا النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار، فخرجن حواسر مستبات حافيات باکیات. وقال ابن نما في مثير الأحزان : 59 وخرجت بنات سيد الأنبياء وقرة عين الزهراء حاسرات مبديات للنياحة والعويل يندبن على الشباب والكهول، وأضرمت النار في الفسطاط فخرجن هاربات.
4- من الزهراء عليها السلام قطعوا أراكتها وكانت تستظل بها عند البكاء على أبيها المصطفى عليها السلام ، فتركوها بلا ظل ، وأما الحسين ابنها صلوات الله عليه ، فقد تركوه على رمال كربلاء في هجير تلك الظهيرة : ينقلب على جراحه وهو يعاني حر الشمس والظمأ والتهاب الجراح في بدنه المقدس، وهو يجود بنفسه مضمخة بدمه، وفي تلك الحال يسمع قائلاً من الظلمة: لا تذوق الماء حتى تبرد الحامية فتشرب من حميمها؟ فيجيبه: إنما أرد على جدي رسول الله وأسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأشكو إليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي ! ( مثير الأحزان لابن نما 39)

وانّ ذَرَفَتْ دَمعاً فَتِلْکَ بَناتُها *** خَلَطْنَ دَماً عِندَ البُكاءِ وأَدمُعا

وَإِنّ مَنَعُوها النَوْحَ ، إنَ بَناتَها*** بُحِحنَ فَما طِقنَ النّباحَةَ والنّعا(1)

إنّ لَبِسَتْ - لَمَا تَبَدَتْ - خِمارَها *** فَما تَرَكُوا لِلْفاطِمِيَّاتِ بُرقُعا(2)

وَانّ صارَ مِنْ ضَرْبِ السِّياط بِزنْدِها ***كَمَا الدُّملُجِ المُسوَدِّ أدمی فَاَوجَعا

فإنّ سِياطَ الشّمْرِ أَدمَتْ جَوارِحاً *** مِنَ الضُّربِ حَتَّی لَمْ يُغادِرنَ مَوضِعا(3)

وَإنّ كَفَلَ السّبْطَينِ فِي اليَتم حَيْدَرٌ *** فَهذِي يَتامَی السِّبطِ في البَرِّ ضُيَّعا

وإنّ سَحَبُوا الكرّارّ مِن بابِ دارِهِ *** فَقَد سَحَبوا السجّادَ للشّام مُزْمَعا(4)

ص: 384


1- تقدم بيان منعهم الزهراء عليها السلام من النوح، لكن العلويات في كربلاء ضُربن وسُیين فبكين حتى بُحت أصواتهن فلم يستطعن النوح والتغي.
2- الخمار: ما تغطي به المرأة رأسها، أو الستر عموماً. البرقع : ما تستر به المرأة وجهها. الما أخرج أمير المؤمنين عليه السلام من داره ملبباً ، لبست فاطمة عليها السلام خمارها وتبعته حتى أرجعته، فيما شلبن بنات الرسالة البراقع في واقعة السلب الفجيعة ، وإن ستره الله تعالی بشر كثيرة.
3- أما فاطمة عليها السلام فقد ضربها قنفذ «الملعون» بالشوط، فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الأدُّملج من ضربته «لعنه الله». وأما العلويات فكانوا يضربوهُن طول طريق السبي إلى الكوفة ثم إلى الشام.
4- في الرواية: فتكاثروا على أمير المؤمنين عليه السلام وألقوا في عنقه حبلاً؟! (کتاب شلیم بن قیس الهلالي 269 - عنه: بحار الأنوار 43: 198/ ح 29) و بعد واقعة طق عاشوراء، سیر بركب البا إلى الكوفة فيه نساء الحسين عليه السلام وعیالات الأصحاب، وجمع من الأرامل واليتامی ، سیروهم على أقتاب الجمال بغير وطاء، ومعهم السجاد علا وقد أنهكته العلة، وجيء به في الكوفة على بعير ضالع والجامعه في عنقه ويداه : مشدودتان إلى عنقه، وأوداجه تشخب دما ، فقال في جمع أهل الكوفة: يا أمة السُّوء لا سُقياً لربعكم *** يا أمه لم تُراع جدنا فينا لو أننا ورسول الله يجمعنا *** يوم القيامة ما كنتم تقولونا؟! تسيرونا على الأقتاب عارية *** كأننا لم نشيد فيکم دينا!

وَن قَيَّدُوا كفّی عليِّ بحَبلِهِمْ *** وقد كانَ ليثاً في الحُروب سَمَيدَعا(1)

فَكفّا أبي الفَضْلِ العَمِيدِ تقَطَعَت *** وزِنداهُ والعينانِ أطفِئَتا مَعا(2)

وَانّ شَيَّعُوا باللَّيل جُثمانَ فاطِمٍ *** فقد مَنَعُوا جُثمانَهُ أَن يُشَيَّعا

وَانّ دُفِنَت سِرّاً فإنّ حُسَيْنَها *** رَمَوهُ ثَلاثاً فِی الفَلاةِ مُضَيَّعا(3)

وَإن لَمْ يَكُونوا يَشْتِمُونَ أمامَها النّ *** نَبِي فَقَد سَبُّوا الوصیَّ لِتَسمَعا

وَانَّ وَدَّعَتْ عندَ المَماتِ حَلِيلَها *** فَقَد اَعجَلُوا الحَوراءَ عَنْ أنْ تُودَّعا

أخاها حُسيناً يومَ راحَت تَشَمُّهُ *** وَمِنْ حَوْلَهُ جَيشُ الضَّلالِ تَجَمَّعا

تُقَبِّلُ منهُ النَّحرَ طَوراً ، وتارَةً *** عَلی صَدْرِهِ تَذْرِي الدُّمُوعَ تَوجُّعا

ص: 385


1- سميدعاً: أسداً.
2- عميدُ القوم : سيّدهم وسَنَدَهُمْ . ملأ أبوالفضل العبّاس عليه السلام قربته من الماء ، وتوجّه نحو المخيم فقطِعَ عليه الطريق ، فجعل يضربهم حتّی أكثّر القتل فيهم وكشّفَهم . . فكَمَن له زيد بن الرقاد الجهني من وراء نخلة ، وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي ، فضرباه علی يمينه وثمالة فقطعاهما ! وأتته الهام كالمطر فأصابت القربة فريق ماؤها ، وسهم منها أصاب عينه ، وضربه رجل بالعمود علی رأسه ففلق هامته ، وسال الدم علی عينه الأخری فجمد عليها ! ) يراجع : كتب المقاتل)
3- وذلك أنّ فاطمة عليها السلام شيعت ودفنت ليلا ، لكنّ الحسين عليه السلام ظَلَّ ثلاثة أيّام مطروحاً علی رمضاء كربلاء دون دفن ، حتّی جاء ه ولده السجاد عليه السلام بعد ثلاث ، أي في اليوم الثالث عشر من المحرّم ، أقبل لدفن أبيه الشهيد عليه السلام.

أَخي هؤلاءِ القَوْمُ يَبْغُونَ قَتلَ مِنْ *** بِحِضْنِ اَلنَّبِيِّ المُصْطَفى قَدْ تَرَعرَا

أَخي يابْنَ أُمِّي يا حُسَيْنُ لَقَدْ دَنا *** فِرَاقُكَ عَنِّي ما أَشَدَّ وأفْجَعا

أراكَ وَحِيداً قَد بَقِيتَ فَلَيتَنی *** عُدِمْتُ حياتِی لا عَدِمتُكَ مَفزَعا

لَقَد ماتَ أَصحابُ الكِساءِ جَمِيعُهُم *** بِمَؤْتِكَ ، والنَّاعِي نَعَی الدَّينَ إذ نَعا(1)

فقالَ : تَعَزَّي يا أخَيَّةُ واصبِرِي *** فَلَسْنَا لاَمرِ اللهّ نَسْطِيعُ مَدْفَعا

ألا كُلُّ مَنْ فَوْقَ البَسِيطةِ مَيِّتُ *** وانَّ لَنا لِله أوباً ومَرجِعا(2)

ص: 386


1- حدّث عبدالله بن الفضل الهاشمي قال : قلت لأبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام: يا ابن رسول الله ، كيف صار يومُ عاشوراء يومَ مصيبة وغمُّ وجزع وبكاء دون اليوم الذي قَبض فيه رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم واليوم الذي ماتت فيه فاطمة عليها السلام واليوم الذي قُتل فيه أميرالمؤمنين عليه السلام واليوم الذي قُتل فيه الحسن عليه السلام؟ فقال : إن يوم الحسين عليه السلام أعظمُ مُصيبة من جميع سائر الأيام ؛ وذلكأن أصحاب الكساء الذين كانوا أكرمَ الخَلْق علی الله تعالی ، كانوا خمسة . . فلمّا مضی عنهم النبي صلي الله عليه و اله و سلم بقي أميرالمؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فكان فيهم للناس عزاء وسلوة ،فلمّا مفت فاطمة عليها السلام كان في أميرالمؤمنين والحسن والحسين للناس عزاء وسلوة ، فلمّا مضی منهم أميرالمؤمنين عليه السلام كان للناس في الحسن والحين عزاء وسلوة ، فلما مضی الحسن عليه السلام كان للناس في الحسين عليه السلام عزاء وسلوة ، فلما قُتل الحسين عليه السلام لم يكن بقي من أهل الكساء أحدّ للناس فيه بعده عزاء وسلوة ، فكان ذهابه كذهاب جميعهم ، كما كان بقازه كبقاء، جميعهم ؛ فلذلك صار يومه أعظمَ مصيبة ! ) علل الشرائع للشيخ الصدوق 225 - 226 / ح 1 - الباب 162 ( ورحم الله السيد صالح القزويني حيث قال في وصف الحسين عليه السلام: مَن كان في حِجر الإمامة بالهدی ***يربو ومِن شَهد النبوّة يرضعُ فحياة أصحاب الكساء حيائه *** وبيوم مصرعه جميعاً صُرعوا ) الدر النضيد في مرائي السبط الشهيد ، للسيّد محسن الأمين ص 0 22 .
2- قالت الحورا ، زينب عليها السلام لَما سمعت أخاها الحسين عليه السلام يقرأ : يا دهر أف لك مِن خليل واتكلاه ! ليت الموتُ أعدَمَني الحياة ! اليومَ ماتت أمي فاطمة وأبي عليّ وأخي الحسن ، يا خليفة الماضي وثمال الباقي . فعزاها الحسين وصبرها ، وفيما قال : يا أختاه ، تعري بعزا ه الله ، واعلم : أن أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، وكل شيء هالك إلا وجهه، ولی ولكل مسلم برسول الله أسوة حسنة. (اللهوف للسيد ابن طاووس ص 141، تاريخ الطبري 4: 260، الكامل الابن الأثير : 26، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 1: 238، مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني 45)

أفاطمهُ الزَّهراءُ عُذراً فَإنَّما *** أَبُتُّ إليكُم زَفرَةٌ وتَلَوُّعا

أَغثت عَليّاً حينَ لَمْ يَبْقَ ناصِرٌ *** فَمَنْ ذا أغاثَ السِّبطَ فی الطَّفِّ إذ دَعا(1)

نَعَمْ جَاءَتِ الحَؤراءُ لكنَّها رَأَتْ *** أخاها علی وَجْهِ الصَّعِيدِ مُبَضَّعا(2)

فلَو نَظَرَتْ عيناكِ زَيِنَبَ إذ هَوَتْ*** تَنُوحُ عليهِ حَسْرَةَ وَتَفَجُّعا

تُغَسِّلُ نَحرَ السِّبطِ مِن فَيْضِ دَمْعِها *** وتَجْمَعُ جِسماً بالسُّيُوفِ مُقَطَّعا

تَقُولُ: أخِي لَو خَيَّرُونِي مَنْزِلاً *** حَقَرْتُ لِمَؤتي قُربَ قَبركَ مَضجَعا

لقد أَظْلَمَتْ من بَعْدِكَ الأرضُ و السَّما *** فَقَد غَيِّبُوا من شَمْسِ وَجْهِكَ مَطلَعا(3)

ص: 387


1- لمّا أخرج بعلیَّ عليه السلام، خرجت فاطمةُ واضعة قميص رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم علی رأسها ، آخذة بيد ابنيها ، فقالت : مالي ولك يا أبابكر ؟ ! تريد أن تؤتّم ابني وترمّلني مِن زوجي ؟! والله لولا أن يكون سيئة لنشرت شعري ولَصرختُ إلی ربي ! فقال رجل . القوم : ما تريد إلی هذا ؟ ثمّ أخذت بيده فانطلقت به . ) الكافي 8 : 237 / ح 320 ( . وأما الحسين عليه السلام فقد نادی ولا من مجيب : أما من مغيثيغيثنا لوجه الله ، أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ ! ( اللهوف : 61 ).
2- مُبضُّعاَ : مُقَطَّعاً .
3- في تذكرة خواص الأمة ص 283 - ط الغريّ ( كتب سبط ابن الجوزيّ - وهو حنفي المذهب بعد أن كان حنبليا - : قال ابن سيرين : لمَا قل الحسين أَظلَمَتِ الدنيا ثلاثة أيام ، ثم ظهرت هذه الحمرة في السماء .وذر هذا الخبر : ابن حجر في ) الصواعق المحرقة 192 - ط مصر ، عبداللطيف ( ، والزرندي الحنفي في ) نظم درر السمطين 220 - ط القضاء ( ، والبدخشي في ) مفتاح النجا بمناقب آل العبا - مخطوط ( ، والشبلنجی الشافعيّ في ) نور الأبصار 123 - ط مصر ( . وفي ) تاريخ دمشق 4 : 335 - ط روضة الشام ( كتب ابن عساكر : قالت أم حيان : أظلمَتْ علينا الدنيا يومئذ ثلاثة أيام . ونقل و ذلك: السيوطي في ( الخصائص الكبرى 2: 129 ط حیدر آباد الدكن)، والخوارزمي الحنفي في ( مقتل الحسين عليه السلام 2: 89 - ط الغري).

وقَد رَفَعُوا الرَّأْسَ الكَرِيمَ علی القَنا ***كَاَنَّ عَلَيْهَا العَرْشَ أو كانَ اَرْفَعا(1)

وأَمَّا الَّذي لم تَنْظُرِ الْعَيْنُ مِثْلَهُ *** مُصاباً أَذَلَّ الكائِناتِ وأَفْزَعَا

غداةَ هَوي فوقَ الصعيدِ مُعَفَّراً *** وشَمرٌ عَلِيَّ الصَّدرَ الشَّريفَ تَرَبَّعا(2)

تُدَافِعُهُ عَن قَتْلِهِ بِنْتُ فَاطِمٍ *** فَأَبعَدها والسيفُ بِانْحَر أَؤلَعا(3)

فَلِلَّهِ رُزءٌ ما رُزِئنَا بِمِثلِهِ *** وَلا مِثْلُهُ خَطبٌ أصَمَّ واَسْمَعا(4)

سَلامٌ عَلَی الثَّاوِي لَدَي أَرْضٍ كَرْبَلا *** وقَد صُرِعُوا حَولَيْهِ شَيباً ورُضَّعا(5)

سَلامٌ عَلَی الخدَّ التريبِ بکربلا ***ككَيْوانَ يَهْوِي مُترِباً ومُشَعْشِعا(6)

ص: 388


1- قصة الرأس الشريف قصة غريبة، وعجيبة، ورهيبة! وقد تكلم بأفصح ما يكون، وتلا آية الكهف فاخترقت المسامع شاهدة وحجة على من سمع وثقل له.. ذكر ذلك : ابن عساكر في (تاریخ دمشق) - عنه: (الخصائص الكبرى للسيوطي 2: 127 . ط حیدرآباد الدكن بالهند)، والمناوي في (الكواكب الدرية 1: 57 - ط الأزهرية بمصر)، والبدخشي في مفتاح النجا ص 165 - مخطوط)، وابن الصبان في (إسعاف الراغبين - بهامش : نور الأبصار 218 - ط مصر)، والشبلنجي الشافعي في ( نور الأبصار ص 125 . ط مصر)، وغيرهم.
2- صاح عمر بن سعد بالناس: انزلوا إليه وأريحوه، فبدر إليه شمر فرفسه برجليه، وجلس على صدره، وقبض على لحيته المقدسة، وضربه بالسيف اثنتي عشرة ضربة، و !! .. (مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2: 39، مقتل العوالم ص 100)
3- في زيارة الناحية المقدسة : والشمر جالسٌ على صَدرك، ومولعُ سيفه على نحرك.
4- أي أن من سمعه يصبح أضم لهول المصاب ووقع الخبر، وهذا مأخوذ من قول أبي تمام : أصمٌ بك الناعي وإن كان أسمعا *** وأصبح مغنى الجُود بعدکَ بلقَعا
5- الثاوي : المقيم. وأراد هنا المقتول الباقي في مكانه.
6- وذلك أن كيوانٌ - وهو كل - ثلثاه تراب ومع ذلك فهو نيِّرُ مشعشع، وكذلك وجه الإمام الحسين عليه السلام، فإنه وإن سقط على الأرض لكن وجهه لم يزل مشعّاً نيراً .

سَلامٌ عَلَی الشَّيْبِ الْخَضِيبِ مِنَ الدَّما *** يَفُوحُ عَبِيرُ الْمِسْكِ منه تَضَوُّعا

سَلاَمٌ عَلَی الجِسْمِ السَّليبِ بِلا رِدا *** كَسَتْهُ الدِّمَاءُ الْحُمْرُ ثَوْباً ومِلْفَعا(1)

سَلامٌ عَلَی الرَّأْسِ المُشالِ علی القَنا *** بِآيةِ اهْلِ الْكَهْفِ يَتلُو مُرَجَّعا(2)

سَلامٌ عَلَی الصَّدْرِ الرَّضِيضِ بِخَيلِهِم *** وقد كَانَ للسِّرِّ الإلهيِّ مَؤضِعا

سَلامٌ عَلَی تلْكَ العِيالِ وَقَدْ مَشئ *** بِها الشِّمرُ للشَّامِ المَشُومِ وَجَعْجَعا(3)

ص: 389


1- الملقع: ما يُتلَفَّع به من مط أو كساء أو نحوها.
2- قال زيد بن أرقم: كنت في غرفة لي فمروا على بالرأس وهو يقرأ :«أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا» (سورة الكهف: 9) فوقف شعري وقلت : والله - يا ابن رسول الله - رأك أعجب وأعجب ! (الإرشاد للشيخ المفيد 265، الخصائص الكبرى 2: 125) ورحم الله السيد رضا الهندي حيث يقول يخاطب المولی سیدالشهداء عليه السلام : الهفي لرأسك فوق مسلوب القنا *** يكسوه من أنواره جلبابا يتلو الكتاب على الشنان، وإنما *** رفعوا به فوق الشناني کتابا (الدر النضيد للسيّد محسن الأمين ص 36). وقال المنهال بن عمرو : رأيت رأس الحسين بدمشق على رمح، وأمامه رجل يقرأ سورة الكهف، حتى إذا بلغ قوله تعالى : «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا» نطق الرأس بلسان فصيح: أعجبُ من أصحاب الكهف قتلي وحملي ! ( الخصائص الکبری للسيوطي الحنفي 2: 127)
3- في الأبيات التي تبدأ ب «سلام» يلجأ شاعرنا إلى انتزاع المعاني الفريدة والصور المفجعة من الزيارة الرهيبة المعروفة ب( زيارة الناحية المقدسة)، تلك زيارة المولى الإمام المهدي (أرواحنا فداه) یوم عاشوراء لجده سید الشهداء، حيث يقول في بعض عباراته: السلام على الشيب الخضیب ، السلام على الخد التريب ، السلام على البدن السليب ، السلام على الثغر المقروع بالقضيب ، السلام على الرأس المرفوع.. وقبل ذلك : السلام على الجسوم الشاحبات ، السلام على الدماء السلائلات، السلام على الأعضاء المقطعات ، السلام على الرؤوس المشالات، السلام على النسوة البارزات : إلى أن يقول : وترفع عليه السلام القنا رأشك، وبين أهلك كالعبيد، وضفدوا في الحديد، فوق أقتاب المطيات، يلفح وجوههم حر الهاجرات ، يساقون في البراري والقوات !.

سَلامٌ علَى مَنْ رَحَلُهُ صَارَ عُرْضَةً *** وَنَهَباً لأبناءِ اللِّثامِ ومَطمَعا(1)

سَلامٌ عَلَى المَهْدِيِّ من آلِ أَحْمَدً *** مَتَى يَنْشُرُ الراياتِ لِلثَّأْرِ مُسْرِعا

أغِثْنا رعاكَ اَللَّهُ مِنْكَ بِطَلْعةٍ *** فَلَوْلا اِنْتِظَارُ الثَّأْرِ مُتْنا تَوَجُّعا

أَغِثْنا فَإنَّ الْحُزْنَ مَزَّقَ قَلبَنَا *** وَلَمْ يَبْقَ فی قَوْسِ التَّصَبُّرِ مَنْزَعا

فَإِنَّ شفَانا أن نَراك مُقَطَّعاً *** مِن الجِبتِ وَالطَّاغُوتِ كَفّاً وَأَذرُعا(2)

ص: 390


1- لمّا قُتل أبو عبدالله الحسين عليه السلام مال القوم على ثقله ومتاعه، وانتهبوا ما في الخيام وأضرموا النار فيها، وتسابق القوم على سلب حرائر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، ففررن بنات الزهراء مسبات، باکیات ، يسوقهن رجل بكعب الرمح وهن يلذن بعضه ببعض! (الكامل لابن الأثير : 32، تاریخ الطبري 6: 290، مثير الأحزان لابن نما 40، سیر أعلام النبلاء للذهبي 3: 206... وغيرها) وسلامُ على الإمام السجّاد عليّ بن الحسين عليه السلام حيث يقول في خطبته في خطبته في أهل الكوفة: أيها الناس ! من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا اب من انتهكت حرمته، وشلبت نعمته، وانتهب ماله، وشبي عبالُه ! (اللهوف للسيد ابن طاووس ص 199) وفي اللهوف: 78 قال الراوي : فلما نظر النسوة إلى القتلى صخئ وضربن وجوههن. فوالله لا أنسی زينب بنت علي عليه السلام تندب الحسين عليه السلام وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء، هذا حسين مرملُ بالدماء، مقطع الأعضاء... بأبي من أضحى عسكره في يوم الاثنين نهبا، بأبي من فسطاطه مقطع العري.
2- الجبّت والطاغوت يضمان إلى بعضهما غالبا، رمزاً ل( الأول والثاني). قال المجلسي : عبر الأئمة عليهم السلام عن أعدائهم في كثير من الروايات والزيارات ب: الجبت، والطاغوت، واللات، والعزى ! ( بحار الأنوار 83:24 ) وسُئل أبو الحسن عليه السلام : هل يحتاج في امتحان الناصب إلى أكثر من تقديمه الجبتَ والطاغوت واعتقاده بإمامتهما؟ فكان الجواب : من كان على هذا فهو ناصب! (مستطرفات السرائر ص98/ : ح13 - عنه: بحار الأنوار 72: 135/ ح 18) وإخراجهما وصلبهما على جذع نخلة عند خروج الإمام الحجة عليه السلام ممّا توافرت عليه و تظافرت روايات أهل البيت عليهم السلام . (انظر عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 61/ ح 27، وكمال الدين : 252/ الباب 23 - الحدیث 2، و مختصر بصائر الدرجات: 111 و 186، والاختصاص: 277)، وغيرها.

وأَنْ لَيْسَ تُبْقِي مِن أُميَّةَ غادِراً *** وَأنْ تَسقِيَ الأَرضَ الدِّماءَ لِتَشْبَعا

ص: 391

(6)رسول الله ينظر فاطماً

(بحر الطويل)

الشيخ محمد علي اليعقوبي

رأى بَرقَ حُزوى فَاسْتَهَلَّتْ دُمُوعُهُ *** وَهاجَ بِمَنْ يَهْواهُ فیها وُلُوعُهُ(1)

خَلِيلَيِّ ما لِي كُلَّما صُنْتُ فِي الحَشا *** هَوايَ بَدا دَمْعُ اَلشُّوُونِ يُذِيعُهُ(2)

أَحِنُّ لِعَهْدٍ قَدْ خَلا بَعدَ ما حَلا *** وهَيْهاتَ يُرْجى عَودُهُ وَرُجُوعُهُ

لِيَ اللّهُ كَمْ نَهْنَهْتُ قَلْبِيَ عَنْ هَوًى *** تَحْمَّلَ مِنْهُ فَوْقَ ما يَستَطِيعُهُ (3)

وكَفْكَفْتُ مِنْ طَرَفَيِ الدُّمُوعَ فَلَمْ تَكُنْ *** لِغَيْرِ بَنِي الزَّهْراءِ تَهمي دُمُوعُهُ(4)

وخَطبٌ جَرَى بِالطَّفِّ لَم يُنسَ وَقْعَهُ *** ولَمْ تَلتَئِم طُولَ الزَّمانِ صُدوعُهُ(5)

عَشِيَّةً أمسى مَنزِلُ البَغْيِ اهْلاً *** ومَنْزِلُ وَحْيِ اللَّهِ أَقوَت رُبُوعُهُ(6)

ص: 392


1- حُزوئ : موضع بنَجد من ديار تمیم. (معجم البلدان، للحموي 2: 255) هاج: ثار وتحرّك وانبعث. وُلُوعه : شدة حبه وتعلِّقه.
2- الشؤون: مفرده الشَأن، وهو العرّق الذي تجري منه الدموع.
3- نهنهتُ : كففتُ وزجرتُ بالفعل أو القول.
4- کفکَفت: مسحتُ مرّة بعد مرة . تَهمي: تسيل بحيث لا يثنيها شيء .
5- لم تلتئم صدوعه: لم تلتحم ولم تبرأ شُقوقه .
6- أفَوَت ربوعُه: خَلَت دُوره و منازله أو أحياؤه من أهاليها. وما أشبه هذا البيت بقول دعبل الخُزاعي في تائيته التي أنشدها بين يدي مولانا الإمام الرضا عليه السلام : دبارُ رسول الله أصبَحنَ بلقعاً *** ودارُ زیاد أصبَحت عَمراتِ

لَقَدْ كَانَ مِنْ يَوْمِ السَّقِيفةِ أَصْلُهُ *** وَكُلُّ الرَّزايا الحادِثاتِ فُرُوعُهُ(1)

فَمَا عُذرُهُم عندَ النَّبِيِّ ولَمْ يَزَلْ *** يَرَى كُلَّ آنَ مِنهُمُ مايَرُوعُهُ؟(2)

أفي غَصبِهِم حَقَّ الوصيِّ وَظُلمِهِم *** لِبَضعَتِهِ الزَّهْرَاءِ يُجْزَى صَنِيعُهُ

لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَنْظُرُ فَاطِماً *** تَنُوحُ ولَمْ تَهْجَعْ لَعِزَّ هُجُوعُهُ(3)

فَلَوْلاَ جَنِينٌ أَسْقَطُوهُ لَمَّا هَوَى *** صَرِيعاً على صدْرِ الحُسَينِ رَضِيعُهُ

ومَنْ رَضَّهِمْ ضِلعَ البَتُولةِ قَد غَدَتْ *** تُرَضُّ بِجَرِيِ الصَّافِناتِ ضُلُوعُهُ(4)

***

ص: 393


1- ولله دَر أبي بكر بن أبي قُرَيعة حيث يقول : َ وأريتكم أن الحسي *** ن أُصِيبَ في يوم السقيفه ولأي حالِ ألحدَتْ *** باليل فاطمة الَشريفه !
2- روی الحاكم النيسابوريّ أن النبي صلي الله عليه و اله و سلم أكب علی الأرض بدموع غزيرة مثل المطر ، قال الإمام علي عليه السلام : فهبنا رسولَ الله صلي الله عليه و اله و سلم أن نسأله ، فوثب الحسين فأكب علی رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم فقال : يا أبه، رأيتك تصنع ما لم تصنع مثلَه قط ، قال : يابني ، سررت بكم اليومَ سرورا لم أمَر بكم مثله ، وان حبيبي جبرئيل أتاني وأخبرني أنّكم قتلی ، ومصارعكم شتّی ! وأحزنني ذلك . . ( إعلام الوری بأعلام الهدی للطبرسي 1 : 94 - 95 )
3- عن عبدالله بن العبّاس قال : لمَا أمسی رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يومَ بدر والناس محبوسون ، بات ساهراً أولَ اللّيل ، فقال له أصحابه : مالك لا تنام ؟! فقال : سمعتُ أنين عمي العبّاس في وَثاقه ) وكان أسيرا في بدر عند رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ( فأطلقوه فسكت ) من أنينه ( ، فنام رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم .نقول : فكيف لو سمع النبي صلي الله عليه و اله و سلم أنين بضعته وبهجة فؤاده ، بل وسمع بكاءها ونحيبها ، وهاتآلامها من القوم الظالمين ؟!
4- الصافنات : الأفراس القائمة علی ثلاث قوائم وطرف حافر الرابعة . رحم الله الشيخ صالح الكوّاز حيث قال في نونيّته الفاخرة : لولا سقوط جنين فاطمة لَما *** أَوْدَی لها في كربلاء جنين وبكسر ذاك الضلع رُضت أضلع *** في طيها سِر الإله مَصُون وبزجر ها بسياط قُنفذَ وُشحت *** بالطف مِن زجر لهنّ مُتونُ

ص: 394

قافية الغين

اشارة

ص: 395

(1) حجة بالغة

(بحر الرمل)

الأستاذ عادل الكاظميّ(1)

اَودَعَ المُختَارُ فِيهِمْ زَهرة *** وَصفُها أَعجزَ كُلَّ البُلَغا(2)

هِي لِلسِّبْطَینِ أُمُّ وَكَفَی *** إن يَكُنْ كُفواً لَها رَبُّ الوَغی(3)

ص: 396


1- هو الدكتور عادل بن جليل بن كرم البديري الكاظمي. ولد في الكاظمية المقدسة في العراق عام 1379 ه/ 1960 م، ونشأ في أحضان الفضيلة في جو مزدهر بالعلم والأدب، وهو أسرة عجنت طینتها بالولاء، فنشأ مكبا على شعر الطف إلى جانب دراسته الأكاديمية التي أنهاها في جامعة بغداد كلية العلوم - قسم الفيزياء، مع ملازمته لكبار العلماء هاجر إلى سورية و في إحدى الإعداديات، وحضر دروس بعض العلماء. وسافر إلى السويد فكان إماما للجمعة والجماعات في استوكهولم حتى سنة 1988، وهو مع ذلك مواصل النظم الشعر وإلقاء المحاضرات والإجابة على الأسئلة والشبهات. له أبحاث علمية قيمة، منها: رسالة في أدلة وزن الظلمة، وله ديوان شعر بعنوان : بيت القصيد ، وقصيدة ألفية بعنوان ألف بيت في وليد البيت.
2- لا يعرفها الخَّق، فكيف يصفونها؟! وقد قال الإمام أبو عبدالله الصادق عليه السلام في بيان إحدی علل اسمها الشريف «فاطمة»: إنما شميت «فاطمة» ؛ لأنّ الخلق فُطموا عن معرفتها. (بحار الأنوار 43: 65/ ح 58 - عن : تفسير فرات الكوفي 581/ ح 747 - في ظل قوله تعالى : ( إنّا أنزَلناهُ في ليلةِ القَدرِ)
3- ربُّ الوغى : سيّد الحروب، ويقصد به الإمام أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام. هبط جبرئيل عليه السلام مرة فقال: يا محمّد، انّ الله جل جلاله يقول: لو لم أخلق عليّاً لما كان لفاطمة ابنتك كفؤٌ على وجه الأرض ، آدم فمن دونه . (عیون أخبار الرضا عليه السلام1: 225ح3) .

جَابَهَتْ خَصماً أَلدّاً مارِداً *** جاحِداً غَمراً مَرِيداً وَزَغا(1)

إذ أَتَتْ تَطلُبُ إرثاً خَصَّها *** وَالَيها الْحَقُّ جَذلاناً صَغا(2)

أَفْرَغَتْ في قَوْلِها قُرآنَها *** عَلَّها تَبْلُغُ فيهِ المُبتَغی(3)

حُجَّة بالِغة مُحكَمَةَ *** قَصَّرَت عَنْ مِثلِها أُمُّ اللُّغی(4)

فَبَغی تَيمْ عَلی فَاطِمَةٍ *** وَعَلَی الكرّارِ مِنْ قَبلُ بَغَی(5)

فََتاها بِحَدِيثٍ مُفتری *** وَلَعا فِي القَولِ جَهْلاً وَرَغا(6)

ص: 397


1- الألد : الخصم الشديد الخصومة . مارداً : عاتياً . جاحداً : منكرا للّه ، غَمْراً : جاهلاً . مريدا : خبيثاً شرَيراً . الوَنع : الرجل الجبان القَثْل . بل الوزغ هو الحيوان المعروف ، وهوُ سامُّ أبرص . وقد شَبَهَ الشاعر عدو الزهراء عليها السلام بالوز احتقاراً له .
2- جَذْلانَ : فَرِحاً . والمقصود أنّ الحق استمع وصفا للزهراء وأقوالها واحتجاجها ، غير أنّ التيمي اختلق مزعمة نحن معاشر الأنبياء لا نورث .
3- في كتاب (العوالم ج 11 / 2 ص 1479): عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما قُبض رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وجلس أبوبكر مجلسه ، بعث إلی وكيل فاطمة صلوات الله عليها فاخرجه من فدك ، فأتته فاطمة عليها السلام فقالت : يا أبابكر ا ادّعيت أنّك خليفة أبي وجلست مجله ، وإنّك بعثت إلی وكيلي فأخرجته من فدك ، وقد تعلم أن رسول الله صلصص تصدق بها عليّ ، وأن لي بذلك شهوداً ، فقال لها : إن النبي صلي الله عليه و اله و سلم لا يورث . فرجعت إلی علي عليه السلام فأخبرته ، فقال : ارجعي إليه قولي له : زعمتَ أن النبي صلي الله عليه و اله و سلم لا يورث ، ووَرِث سليمان داودَ ، وَرِثَ يحيی زكريا ، وكيف لا أرث أنا أبي ؟ فقال عمر : أنت مُعلَّمة ، قالت : وإن كنتُ مُعلَّمة ، فإنما علّمني ابنُ عمّي ويَعُلی.
4- الُّغی : جمع اللّغة . أي أن منيع اللغات وأفضل اللغات تعجز عن بلاغة الزهراء وحججها.
5- قال المجلسي : تَيْم قبيلة أبي بكر ) بحار الأنوار 67 : 161 ( . والعرب قد تذكر القبيلة وتريد شخصاً معيناً.
6- رغا البعير بمعنی : صوت وضجَ .كان من جواب أبي بكر علی خطبة الزهراء عليه السلام حول فدك أن قال لها : ووالله ما عَدَوتُ رأي رسول الله صص يقول نن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضّة.

اَتُري أَحْمَدُ تَيْماً خَصَّهُ *** بِحَدِيثٍ دُونَها إِذْ أبلَغا؟(1)

خَسِئَتْ مِنَهُم حُلُومٌ انْكَرَتْ *** اَيَهً التَّبْلِيغِ لَمّا بَلَّغا(2)

وَأَتُوا وِزْراً بِقَوْلٍ مُنْكَرٍ *** كَخِضَمِّ اليَمِّ بِالافْكِ طَغي(3)

حَرَموها فَدَكاً تِلْكَ اَلَّتِي *** نالَها مَرْوانُ مَا هذا البِغا؟(4)

ص: 398


1- في شرح النهج الحديدي 20: 21 قال : وهذا على وفاطمة والعباس ما زالوا على كلمة واحدة يكذبون الرواية «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» ويقولون أنها مختلقة. قالوا: وكيف كان النبي يعرف هذا الحكم غيرنا ويكتمه عنا ونحن الورثة ؟! ونحن أولى الناس بأن يؤدي هذا الحكم إليه.
2- تلك الآية المباركة قوله عز من قائل: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»(سورة المائدة: 17) وقد لقي عمر عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير فقال له: هنيئاً يا ابن أبي طالب ، أصبح وأمسيتَ مول كلٌ مؤمن ومؤمنة ! (مسند أحمد بن حنبل 4: 281 ، تفسير الفخر الرازي في ظل الآية الشريفة، تاریخ بغداد 8: 290 . وفيه قال : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي و مولی کل مسلم!، فيض القدير للمناوي 1: 217.. وغيرها كثير).
3- اليمَ: البحر. الإفك: الكذب. ولعل قوله: «وزراً» مصحف عن «زوراً».
4- هكذا! تُسلب فدك من بضعة المصطفى صلي الله عليه و اله و سلم وتُعطى إلى الورغ ابن الوزغ مروان بن الحكم. حيث أقطع عثمان فدكاً لمروان (شرح النهج الحديدي 1: 17). وكتب الحاكم النيسابوري الشافعي في (المستدرك على الصحيحين 4: 479 - کتاب الفتن والمحن) هذا الحديث وصححه : كان لا يُولد لأحد بالمدينة مولودٌ إلا أتي به إلى النبي صلي الله عليه و اله و سلم فأدخل عليه مروان بن الحكم، فقال صلي الله عليه و اله و سلم : هو الوزَغَ ابن الوَرَغَ، الملعونُ ابن الملعون!

قافية الفاء

اشارة

ص: 399

(1)سهام الدهر

(بحر الطويل)

الشيخ حبيب شعبان

سَقاكَ الحَيَا الهَطالُ يا مَعْهَدَ الإِلْفِ *** ويا جَنَةَ الفِرْدَوْسِ دانِيَةَ القَطفِ(1)

فَكَمْ مَرَّ لِي عَيْشٌ حَلا فِيكَ طَعْمُهُ *** ليالي أُصفِي الوُدَّ فيها لِمَنْ يُصْفِي

بَسَطنَا أَحادِيثَ الهَوی وَانطَوَتْ لَنا *** قُلُوبٌ علی صافي المَوَدَّةِ والعَطفِ

فَشَتَّتَنا صَرفُ الزَّمانِ وإنهُ *** لَمُنتَقِدُ شَملَ الأَحِبَةِ بالصَّرفِ(2)

كأن لَمْ تَدُر ما بينَنا أكؤُسُ الهَوی *** ونَحنُ نَشاوی لا نَمَلُّ م مِنَ الرَّشفِ(3)

وَلَمْ نَقضِ أيَّامَ الصَّبا وبها الصَّبا *** تَمُرُّ عَلَينا وَهْيِ طَيبةُ العَرفِ(4)

أيا مَنْزِلَ الأَحبابِ ما لَکَ مُوحِشاً *** بزَهرَتِكَ الأرياحُ أَودَتْ بما تُسْفِي (5)

ص: 400


1- الحَيا الهطّال : المطر الغزير . الإلْف : الصديق المؤانس . القَطْف : مصدر بمعنی المفعول ، أي الثمر المقطوف .
2- صرف الزمان : نوائبه وحدثانه . منتقد : مُفرق . وفي البيت إيهام بين انتقاد الصرف بمعنی انتقاد الأموال ، وبين تفريق صرف الزمان للشّمّل .
3- نَشاوی : سكاری . الرشف : شربُ كلُ ما في الإناء أو مصَّه بالشفتيَن.
4- أيام الصَّبا : أيام الشباب . والصبا : ريح مَهبُّها مِن مشرق الشمس إذا استوی الليل والنهار . أما العَرْف : . الطيبة العطرة ، وفي كتاب الله جلّ وعلا : «وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ »سورة محمد صلي الله عليه و اله و سلم 6 أي طيّبها لهم .
5- أو و دت : أهلكت . تُسفی : تهبَ ، تجرف

تَعَفَّيتَ يَا رَبعَ الأَحِبَّهِ بَعْدَهُمْ *** فَذَكَّرْتَنِي قَبْرَ البَتُولَهِ اذ عُفِّي (1)

رَمَتها سِهامُ الدَّهر وَهيَ صَوَائِبُ ***بِشَجْوِ الي اَنْ جُرِّعَتْ غُصَصَ الحَتْفِ (2)

شَجاها فِرَاقُ المُصْطَفي واحْتِقارُها*** لَدى كلِّ رِجسٍ مِن صَحابَته جِلْفٍ (3)

لَقَدْ بَالَغَوْا فِي هَضْمِها وَتَحَالَفُو*** عَلَيها وَخَانُوا اللَّهَ فِي ذلِكَ الحِلْفِ (4)

وما وَرَّثُوها من اَبيها واَثبَتُوا ***حَدِيثاً نَفاهُ اَللَّهُ فِي مُحْكَمِ اَلصُّحُفِ (5)

وَشَحَّت عَلَي النَّزْرِ القَلِيلِ نُفُوسُهُمْ*** فَمَا كَانَ فِيهِمْ مِن كَرِيمٍ ولاعْفَ (6)

فَحُجَّتُهُمْ - لَو اَنصَفُوها - وَصَدُّهُمْ *** عَنِ الحَقِّ غِلُّ في قُلُوبِهِمُ الْغُلفِ

وقَد اَمرَضَتْ كَفُّ الرَّزِيِّهِ جِسْمَها *** فَتَجهَشُ شَجواً بِالبُكاءِ ولايَشْفِي

ص: 401


1- تعفی: امحي واندرس . عفي محي و درس. والمراد إخفاء قبرها
2- صوائب : جمع صائبة، وهي جماعة السهام التي تصيب الهدف.
3- الجلف: الغليظ الجافي. وقد سمعت سلام الله عليها بعد الهجوم على دارها من قبل أجلاف الصحابة وهي تقول وتنادي بأعلى صوتها: يا أبت یا رسول الله ! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة! (الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري 1: 30، تفسير العياشي 2: 67).
4- عندما هجموا على دار الزهراء ع وقد حملوا الحطب وجاؤوا بالنار ليضرموا الباب، وأخذوا أمير المؤمنين عل ملببا بثوبه يجرونه إلى المسجد. حالت بينهم وبين بعلها وقالت: لا أدعکم تجرون ابن عمي ظلما، ويلكم! ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا أهل البيت! وقد أوصاكم رسول الله ان باتباعنا و مودتنا والتمسك بنا.. (علم اليقين للفيض الكاشاني 686/ الفصل 20)
5- وذلك أن حديث «لا نورث» مضافة إلى أنه مختلق سندا، فهو مخالف متنا لآيات المواريث في القرآن الشريف. وبين «أثبتوا» و «نفاه» طباق، ولولاه لكان الأجدر أن يقول: «ولفقوا حديثا».
6- العف: العفيف. قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 16: 286 ولقد كان التكرم ورعاية حق رسول الله بين وحفظ عهده يقتضي أن تعوض ابنته بشيء يرضيها إن لم يستنزل المسلمون عن فدك وتسلم إليها تطييبا لقلبها .

فَابَت وزَنْدُ الغَيْظِ يَقْدَحُ فِي الحَشا *** تَعْثَّرُ بِالأَذْيَال مَثْنِيَّةَ العِطْفِ (1)

وجَاءَتْ إلى الكَرَّارِ تَشْكُو اهتِضامَها *** وَمَدَّتْ إليْه الطَّرْفَ خاشِعة الطَّرْفِ

أَبَا حَسَنٍ يا راسِخَ الحِلْمِ وَالحِجى *** إِذَا فَرَّتِ الأَبْطالُ رُعباً من الزَّحْفِ (2)

وَ يا واحِداً أفْنَى الجُمُوعَ وَلَم يَزَلْ ***ِبصَيْحَتِهِ فِي الرَّوْعِ يَأْتِي علی الأَلْفِ

أَراكَ تَرانِي وابْنُ تَيْمٍ وصَحْبُهُ *** يَسُومُونّنِي مَا لاَ أُطِيقُ مِنَ الخَسْفِ (3)

وَ يَلْطِمُ وَجْهِي نُصْبَ عَيْنَيْكَ نَاصِبٌ اَل *** عَداوَةِ لی بالضَّرْبِ مِنِّي يَسْتَشْفِي

فَتُغْضِي ولا تَنْضِي حُسامَكَ آخِذاً ***بِحَقِّي وَمِنهُ اليَومَ قَد صَفِرَت كَفّي !!

لِمَن أَشتَكي إِلاَّ إِلَيْكَ ومَنْ بِهِ ***أَلُوذُ وهَلْ لِي بَعْدَ بَيْتِكَ مِن كَهْفِ (4)؟!

وَقَدْ أَضْرَمُوا النِّيرانَ فيهِ وَأَسْقَطُوا ***جَنِينِي فَوَا وَيْلاهُ منهُمْ وَ يا لَهْفِي !

وما بَرِحَت مَهْضُومَةً ذاتَ عِلَّةٍ ***تُؤَرِّقُها البَلوي وظالِمُها مُغفيٌ (5)

إلى أَنْ قَضَتْ مَكْسُورَةَ اَلضِّلْعِ مُسقَطاً ***جَنينٌ لها بِالضَّرْبِ مُسْوَدَّةً الكِتفِ (6)

ص: 402


1- العطف من كل شيء: جانبه . والمراد هنا أنها رجعت وهي محنية الظهر .
2- الحجي: العقل .
3- سامه الخسف: أذله . وابن تیم: هو أبو بكر بن أبي قحافة.
4- قالت (ع) بعد خطبتها الفدكية الشريفة حيث اشتكت إلى أمير المؤمنين : يابن أبي طالب اشتملت شملة الجنين ، وقعدت حجرة الضنين، نقضت قادمة الأجدل، وخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحيله أبي وبلغة ابني ، لقد أجهر في خصامي ، وألفيته ألد في كلامي!...( الاحتجاج 1: 145).
5- أغفى: نام، فهو مغف، أي نائم.
6- في كامل الزيارات: 548/ ح 840 - الباب 108 في حديث الإسراء والمعراج : وأما ابنتك فاطمة فتظلم، وتحرم، ويؤخذ حقها غصبا الذي تجعله لها، وتضرب وهي حامل، ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن ، ثم يمسها هوان وذل ، ثم لم تجد مانعا، وتطرح ما في بطنها من الضرب، و تموت من ذلك الضرب!

(2)آهِ لِبِنْتِ مُحَمَّدٍ

(مجزوء الکامل)

الشيخ قاسم الملّا الحلّی(1)

مَا مُقلَتي هَتَنَتْ ذَرُوفَه *** فِي حُبِّ غَانِيَهٍ ظَرِيفَه (2)

هَيْفاءَ مِنْ خَمرِ اللَّمِي*** ثَمِلَتْ مَعاطِفُها النَّزِيفَهْ (3)

كلاَّ و لا فَتكَتْ بِنا ***أسْيافٌ لَحظَتِها الرَّهِيفَةُ (4)

كَلاَّ وَلا طَيْرُ الفُؤَا ***دِ أَدامَ من شَغَفِ رَفِيفَه

لَكِنْ أَذابَ حُشاشَتِي *** رُزْءُ اَلْمُطَهَّرَةِ اَلْعَفِيفَة

ص: 403


1- في كشف الغمة 1:505 لعلي بن عيسى الإربلي، قال: أنشدني بعض الأصحاب للقاضي أبي بكر بن أبي قريعة أبياتا وهذه الأبيات صدرها الخطيب المصقع والشاعر المفلق الشيخ قاسم الملا الحلى. وأصل الأبيات للقاضي محمد بن عبدالرحمان أبي بكر بن أبي قريعة البغدادي ، وكان ملازما للوزير أبي محمد المهلبي، وكان فاضلا، يداعبونه برسائل و مسائل هزلية فيجيب عنها بأسرع جواب وبأجوبة مسكتة بليغة. توفي سنة 367ه .
2- هتنت : قطرت وسالت. ذروفة: مسيلة دائمة البكاء. الغانية: المرأة التي استغنت بجمالها وحسنها عن الزينة.
3- الهيفاء: الضامرة البطن الرقيقة الخصر. اللمي، بثليث اللام: سمرة أو سواد في باطن الشفة يستحسن. ثملت: سكرت. المعاطف : جمع المعطف ، وهو رداء واسع يلبس فوق الثياب . نزيفة : سکری.
4- لحظتها : نظرتها. رهيفة : رقيقة لطيفة

بِنْتِ النَّبِيِّ مُحَمَّدَ ال *** مُختَار بِالرُّتَبِ الْمُنِيفَة (1)

أَلْغَوا بِها نَصَّ الكِتا *** بِ ومُزَّقَت منْها الصَّحِيفَة (2)

وبِنِحْلَةِ الهادِي اسْتَبَد *** دُوا إِذْ زَؤوا إِرْثَ الشَّرِيفَة

عَجَباً لِمُنْتَصِرٍ لَهُمْ !! *** وَالغَيُّ لَمْ يَنْصُرْ حَلِيفَة (3)

رَأسُ الضَّلالَةِ شَيخٌ تَي-- *** مٍ والأَلِيفُ حَكَى أَلِيفَه

اَنشَدتُ قَولَةَ خائِفٍ *** مِن دَهرِهِ يَخشَي صُرُوفَة (4)

ابن قريعة البغدادي :

يا مَنْ يُسائِلُ دَائِباً ***) عَنْ كُلِّ مُعْضِلَةٍ سَخِيفَة

لا تَكشِفَنَّ مُغَطِّئاً *** فَلَرُبَّما كَشَّفتَ جِيفَة

وَ لَرُبَّ مَسْتُورٍ بَدا *** كَالطَّبْلِ مِنْ تَحْتِ القَطِيفَة (5)

إِنَّ الجَوابَ لَحَاضِرٌ *** لَكِنَّنِي أُخْفِيهِ خِيفَة

لَوْلاَ اعْتِداءُ رَعِيَّةٍ *** أَلْقَى سِيَاسَتَها الخَليفَة

وسُيُوفُ أَعداءٍ بِها *** هاماتُنا أَبدأَ نَقِيفَة (6)

ص: 404


1- الرتب المنيفة : المراتب العالية الراقية المشرفة التي لا تنال ولا تطال.
2- أي ألغوا نص كتاب الله في آية (وآت ذا القربي حقه )، و آيات المواريث، وآية الخمس، ألغوا كل ذلك حين مزق عمر صحيفة فاطمة الزهراء (س) التي كتبها لها رسول الله بفدك ، أو التي كتبها أبوبكر لها فمزقها عمر .
3- أي أن المنتصر لهم إنما هو من أهل الغي، والغي ليس له عاقبة .
4- صروف الدهر: مصائبه وحوادثه.
5- أي رب مستور بدا وظهر رغم محاولة ستره، كما أن الطبل يبدو من تحت القطيفة، وهي الدثار الذي يلقيه الرجل على نفسه .
6- نقيفه : مكسورة مشقوقة.

لَكَشَفْتُ مِنْ اَسرارِ آ *** لِ مُحَمَّدٍ جُمَلاً طَرِيفَه (1)

تُغْنِيكُمُ عَمَّا رَوا *** هُ مَالِكٌ وَ اَبُو حَنِيفَه

وَالشَّافِعِيُّ وَ اَحْمدُ *** فَقُلُوبُهُمْ لَيْسَتْ نَظِيفَهُ (2)

وَ نَشَرتُ طَيُّ صَحِيفَهٍ *** فِيها اَحادِيثُ اَلصَّحِيفَهْ (3)

وَ اَرَيْتُكُمْ اَنَّ الْحُسَي- *** نَ اُصِيبَ فِي يَوْمِ السَّقِيفَهْ

ولاَيِّ حالِ اُلْحِدَت *** بِاللَّيْلِ فَاطِمَهُ الشَّرِيفَهْ(4)

ولِمَا خَتَتْ شَيْخَيْكُم ***عَن وَطءِحُجرَتِها المُنِيفَهْ (5)

اَهٍ لِبِنتِ مُحَمَّدٍ *** مَاتَتْ بِغُصَّتِها اَسِيفَه (6)

ص: 405


1- طریفه : مختاره . او جديده مستحسنه .
2- بل مملوء ت بلغل والغش والنصب .
3- نشر الصحيفه : کنایه عن افشاء السروفضح المخفی . واحاديث الصحيفه يعنی بها احاديث صحيفة الغدر التي كتبوها وتعاقدوا فيها على أنهم إن مات محمد لم يولوا أحدا من أهل بيته شيئا، وقد ائتمنوا عليها أبا عبيدة الجراح.
4- أخذ هذا المعنى الشيخ الأزري فقال: ولأي الأمور تدفن سرا بضعة المصطفى ويعفى ثراها.
5- ختاه عن الأمر: كفه عنه ومنعه منه. والمنيفة : العالية السامية، والمراد هنا السمو المعنوي ويشير في هذا البيت إلى منع الزهراء عليها السلام من دخول الشيخين إلى حجرتها للاعتذار - بزعمهم منها.
6- أسيفة: متأسفة متحسرة .

ص: 406

قافية القاف

اشارة

ص: 407

(1)الدُّرَةُ العصماء

(بحر الكامل)

الشيخ عبدالکريم صادق(1)

كَم سارَ خَلفَكَ يا عَلِيُّ الفَیلَقُ *** ولِوَاءُ أحْمَدَ فَوْقَ رَأْسِكَ يَخْفِقُ

وأمامَكَ الرُّعبُ الَّذي كَم أُرْعِدَتْ *** مِنْهُ الفَرائِضُ والصَّوارِمُ تَبْرُقُ(2)

وغِرَارُ سَيْفِكَ كَمْ غَدَتْ لِهُوِيْهِ *** تَهْوي الرِّجالُ عَلَى الْوُجُوهِ وَ تُصْعَقُ(3)

ص: 408


1- الشيخ عبدالكريم بن الشيخ حسن صادق، ولد في الخيام من قضاء مرجعيون في جبل عامل من جنوب لبنان في سنة 1311 ه/ 1890 م. نشأ وتربى في أسرة علمية اشتهرت بالفضل والأدب، وكان والده أحد رجال الدين المعروفين بالعلم والورع والتقوی. أنهى دراسته الابتدائية في جنوب لبنان على يد خاله الشيخ عبدالحسین صادق، ثم هاجر إلى النجف الأشرف لدراسة العلوم الدينية في الحوزة العلمية، وذلك عام 1325 ه. وهناك أكمل دراسته الحوزوية على العلماء المعروفين، منهم الشيخ محمد كاظم الآخوند الخراساني صاحب ( كفاية الأصول)، كما حضر درس الخارج عند المرجع السيد أبي الحسن الأصفهاني والمرجع الميرزا النائيني ثم عاد إلى مسقط رأسه (الخيام) عام 1339 ه بعد أن حاز على رتبة الاجتهاد من أساتذته، وغرف بالصلاح والفضل، ووفق لتأسيس وبناء حسينية الخيام بجوار المسجد الجامع الذي بناه خاله الشيخ عبدالحسین صادق. لبي دعوة ربه تبارك وتعالى في 4/ آذار عام 1972 م، وأقيمت له مجالس التأبين في جنوب لبنان.
2- أرعدت الفرائص : كناية عن الفزع الشديد، والفريصة هي اللحمة بين الجنب والكتف أو بين الثدي والكتف، ترتجف عند الفزع.
3- غرار السيف: حده. لهويه : لسقوطه من علو . تهوي الرجال: تسقط .

فتَطيرُ جُمْجُمَةٌ وَيَنْدُرُ كاهِلُ *** وسَواعِدٌ تَهِوي وتَسقُطُ أَسوُقُ(1)

وَفُتوحُ أحْمَدَ كُلُها لَكَ تَنتَمِي*** إذ مِنْكَ فُضَّ رِتاجُها المُستَغلِقُ(2)

لَؤلاكَ مَا حَجَّ الحَجِيحُ مُلَبِّياً *** وَسَرَتْ بِهِمْ نحوَ الْحَجُونِ الأَينُقُ(3)

وَعَلا عَلَی البَيتِ الحَرامِ بِلالُهُم *** مِنهُ الأذانُ بُيوتَ مَكَّةَ يَخْرِقُ(4)

وغَدا طَرِيدُ قُرَيشَ مالِكَ أَسرِهِمْ *** وَلِعَطْفِهِ مَدُّوا الْعُيُونَ فَاُطلِقُوا(5)

والشِّركَ أنْتَ مَحقْتَهُ ، وَبکَ الهُدی *** رَسَحَتْ قَواعِدُهُ الّتي لا تُمْحَقُ(6)

لَكَ هذِهِ إحدی مَناقِبكَ الّتي *** لَيسَت تُعَدُّ، وشاوُها لا يُلحَقُ(7)

ص: 409


1- نّدر: سقط، وتدر العظم: خرج عن موضعه. الكاهل : ما بين الكتف وموضع العنق. والأشوق : جمع ساق. يريد أن يصف شجاعة أمير المؤمنين عليه السلام، وفعله في أعداء الله حيث يصول فيهم سيفه ذوالفقار ويجول، فيقطعُهم!
2- الرَّتاج: الباب العظيم، ولعل الشاعر يريد العموم؛ فإن باب النصر العظيم إنما فتحه أمير المؤمنين عليه السلام لاسيما في معركة بدر الكبرى، أما في الخصوص؛ فإن باب خيبر الذي عجز عن تحريكه أربعة وأربعون رجلا، قلعه اميرالمؤمنين سلام الله عليه بيديه المبارکتين، ففتح باب النصر على اليهود، وفي ذلك قال ابن أبي الحديد: يا قالع الباب الذي عن هزه *** عجزت اکف أربعون وأربع!
3- الحَجُون: جبلٌ بمَقلاة مكة، ومغلاة: مقبرة بها دونت أم المؤمنين خديجة رضوان الله عليها والأينق :جمع ناقة.
4- أي لولا علىُّ ما حجَّ حاجٌّ ، ولا كان فتح مكة حيث صعد بلال على ظهر الكعبة فأذَّنَ.
5- طريد قريش: هو رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، حيث هاجر من مكة إلى المدينة، وبسيف على أبيد المشركون، وتوالت انتصارات الإسلام حتى بلغت فتح مكة، فخطب النبي صلي الله عليه و اله و سلم فيها ونادى بالقوم : ما تظنون، وما أنتم قائلون ؟! فقالوا: نقول خيرة، ونظن خيرة، أخ كريم، وابن عم فأطلقهم قائلا : اذهبوا؛ فأنتم الطلقاء .
6- لا تُمحَق : لا تُمحى ولا تُزال.
7- الشأو: السَّبّق.

کَم رَامَ قَومٌ دَركَ شَوْطِكَ في العُلی *** لكنَّهُم طَلَبُوا المُحالَ فَأخفَقفوا !

اخاكَ أَحْمَدُ يَوْمَ آخی بَينَهُم *** وبِكُل شَكلٍ شَكلُهُ هُوَ أليَقُ(1)

وَحَباكَ بالزَّهراءِ إذ خُطابُها *** رُدُّوا ، وَقَد نكَسُوا الرُّؤوسَ وَأَطْرَقُوا(2)

إذ كُنتَ وَحْدَكَ كُفاَها ، وَبَنُو الوَری *** طُرَاً لِشَاوِ مَقامِها لَمْ يَرتَقُوا

هِي تلك سَيّدَة النِّسَاءِ ، وَفَضلُها *** كَالشَّمْسِ وَضاحُ المَباسِمِ مُشرِقُ(3)

و هِیَ الّتي مِن كُل رِجْسٍ طُهرَت *** فَالرِّجسُ في أذيالها يَعلَقُ(4)

ص: 410


1- في تاريخ البلاذري، والسلامي، وغيرهما.. عن ابن عباس وغيره : لما نزل قوله تعالى : وما المؤمنون إخوة ( الحجرات: 10) آخی رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بين الأشكال والأمثال، فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين عثمان وعبدالرحمان .. إلى أن قال : حتى آخى بين أصحابه بأجمعهم على قدر منازلهم، ثم قال صلي الله عليه و اله و سلم : لعلي : أنت أخي وأنا أخوك يا علي . ( مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 2: 185 ۔ عنه بحار الأنوار 38: 335 336 ح 10).
2- كتب الشيخ شعيب الحريفش : ولقد خطبها أبو بكر وعمر، فقال لهما رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : إن أمرها إلى الله تعالى .. ( الروض الفائق ص259).. وخطبها غيرهما فردُّوا؛ إذ الأمر مردُّه إلى الله تعالی فحسب .. حتى قال النبي صلي الله عليه و اله و سلم للإمام علي عليه السلام يوماً : يا علي ، لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة وقالوا: خطبناها إليك، فمنعتنا وزوجت عليا ! فقلت لهم : والله ما أنا منعتكم وزوجته، بل الله منكم وزوجه. فهبط على جبرئيل فقال: يا محمد، إن الله جل جلاله يقول: لو لم أخلق عليا لما كان لفاطمة ابنك كفو على وجه الأرض، آدم فمن دونه! ( عيون أخبار الرضا عليه السلام1: 225/ ح 3 - عنه: بحار الأنوار 43: 92- 93/ ح 3)
3- في كتاب (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلی ج 9 ص 193) في حديث طويل : أنها سيدة نساء العالمين، وأنها عديلة مريم بنت عمران، وأنها إذا مرت في الموقف نادى مناد من جهة العرش: «يا أهل الموقف، غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله و سلم». قال ابن أبي الحديد: وهذا من الأحاديث الصحيحة.
4- في كتاب ( البحار ج 43 ص 19 و 19): عن أبي جعفر، عن آبائه عليه السلام قال : إنما شميت فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله و سلم «الطاهرة»: لطهارتها من كل دنس، وطهارتها من كل رث، وما رأيت قط يوما مرة ولا نفاس.

هِيَ رَبَّةُ الشَّرَفِ الاَصِيلِ وَمَن لَها *** شِيَمٌ بِعَرفِ شَذا النُّبُوّةِ تَعْبّقُ(1)

والدُّرَّةُ العَصماءُ فِي التَّاجِ الَّذي *** لِلْفَخْرِ مِنهُ غَداً يُزانُ المُفَرِقُ(2)

وَهِيَ الّتي فِي الأرْضِ عَقْدُ زَواجِها *** فَزِعٌ لعَقْدٍ فِي السَّما هُوَ أَسْبَقُ(3)

رَاحِيلُ يَخْطِبُ والمَلائِكُ شُهْدٌ *** وَاللَّهُ يَمْهَرُهَا الجِنانَ ويُصْدِقُ(4)

والْحُورُ تَنْثُرُ فَوْقَها طُوبِي الحُلي*** فَمُقَرِّطُ مِنْها بِها وَ مُطَوَّقٌ(5)

ص: 411


1- العرّف : الرائحة الطيبة . الشَّذا : قوة ذكاء الرائحة . عبق : تفوح .
2- العصماء : البيضا ، . المفرق من الرأس : حيث يُفْرَق الشِّعر .
3- في كتاب ) تاريخ بغداد ج 4 ص 210 ( عن بلال بن حمامة ، بعضُ الإشارة إلی ذلك ، قال : خرج علينا رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم صو ذات يوم ضاحكاً مستبشراً ، فقام إليه عبدالرحمان بن عوف فقال : ماأضحكك يا رسول الله ؟ قال : بشارة أتتني من عند ربي ، أنّ الله لما أراد أن يزوّج عليّاً فاطمة ، أمر مَلَكا أن يهز شجرة طوبی ، فهزها ، فنثرت رقاقاً - يعنی صكاكا - وأنشأ الله ملائكة التقطوها ، فإذا كان يوم القيامة ثارت الملائكة في الخَلق ، فلا يَرَون مُحب لنا أهل البيت محضاً إلّا دفعوا إليه منها كتاباً براءة من النار من أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجالِ ونساء من أمتي من النار . عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : لمّا زوج رسولُ الله صلي الله عليه و اله و سلم فاطمة من عليّ عليه السلام كان الله مزوَّجه مِن فوق عرشه . وكان جبرئيل الخاطب ، وكان ميكائيل وإسرافيل في سبعين ألفاً من الملائكة شهوداً .. ) كشف الغمّة للا بلي 2 : 32 - عنه : بحار الأنوار 43 : 42 1 / ح 37.
4- كانت الخطبة الأُولی ل» راحيل « في البيت المعمور ، والثانية » لجبريل « .. ) يراجع : فاطمة بهجه قلب المصطفی صلي الله عليه و اله و سلم ص 466 - 467 ، عن : الجُنّة العاصمة ص 100.
5- المُقَرط : لابس القرط . المطوق اب ّروی الشافعيّ الكنجي في كتابه ) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب ص 0 30 / الباب 79 أن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال في خُطبةِ له في خطبة فاطمة عليه السلام.. . وأمرَ الله شجرة طوبی فحملت الحليّ والحلل والدر والياقوت ثم ترثه ، وأمرَ الحورالعين اجتمعن فَقَطْ ، فهن يتهادينه إلی يوم القيامة ويقلن : هذا نثار فاطمة.

هِيَ تِلْكَ زَهْراءُ الْجَبِينِ فَنُورُها *** يُمْحَي بِهِ حَلَكُ الظَّلامِ الْمُطْبِقُ(1)

كَمْ شَعَّ في مِحرابِها واللَّيْلُ قَدْ *** أَرخَي السُّدُولُ ودَمعُها يَتَرَقْرَقُ(2)

هِيَ فيهِ رَاكِعَةٌ وَساجِدَةٌ وَرا *** فِعَهُ الدُّعاءِ لِرَبِّها تَتَحَرَّقُ

هِيَ مَنْ لَها مِنْهُ الشَّفاعَهُ فِي غَدٍ *** فَتَفُكُّ أَسرَ الخاطِئينَ وَ تُطلِقُ

وَإِلَي الجِنانِ تُزَفُّ بِنتُ مُحَمَّدٍ *** زَفَّ العَرُوسِ وَكُلُّ طَرَفٍ يَرْمُقُ

فِي هَوْدَجٍ مِن جَوهَرٍ أرْكانُهُ *** وسِتارُهُ الدِّيباجُ الاِسْتَبْرَقُ

وَالحُورُ مِن طَرَبٍ تَمِيلُ وتَنْثَنِي *** رَقصاً وَأَوْرَاقُ الْجِنانِ تُصَفِّقُ

***

ص: 412


1- الحلك : . الشديد . وفي البيت إشارة إلی ما رُوي في ) البحارج 40 ص 44 ( في حديث طويل عن النبی صلي الله عليه و اله و سلم : ثم اظلمَت المشارق والمغارب ، فشكت الملائكة إلی الله تعالی أن يكشف عنهم تلك الظُلم فتكلّم الله جلّ جلاله كلمة فخلق منها روحاً ، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نورا ، فأضاف النور إلی تلك ا وأقامها مَقام العرش ، فزهرت المشارق والمغارب ، فهي فاطمة الزهراء ، ولذلك سُميت » الزهراء« ؛ لأنّ نورها زهرت به السماوات.
2- في رواية طويلة . . فإذا كان آخِر النهار وغربت الشم ، احمر وجه فاطمة فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً للّه عزّ وجلّ ، فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمرّ حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبی صلي الله عليه و اله و سلم ويسألونه عن ذلك ، فيرسلهم إلی منزل فاطمة ، فيرونها جالة ) أي في محرابها ( تسبح الل وتمجده ، ونور وجهها يزهر بالحمرة ، يعملون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة عليها السلام رواية الإمام الصادق عليه السلام في بيان علّة تسميتها عليه السلام به الزهراء: علل الشرائع للصدوق 180 - 181 / ح 2 - الباب 143 ، عنه : بحار الأنوار 43 :11/ ح 2.

قافية الكاف

اشارة

ص: 413

(1)عليك سلامُ الله

(بحر الطويل)

الأستاذ عبدالعزيز العندليب (1)

عَلَيْكِ سَلامُ اللَّهِ في يَوْمِ ذِكْرَاكِ *** وَرَحمَتُهُ يا بَضْعَةُ المُصطَفَى الزّاكي

وَيَّا لَيْلَةَ الْقَدْرِ التي دُونَ قَدْرِها *** وإِدْرَاكِ مَعنِي كُنهِها كَلَّ إِدْراكِي(2)

ويا آية الفَجْرِ الذي نَسَماتُهُ *** إِلَى أَبَدِ الْآبَادِ تُنبي بِرَيَّاكِ(3)

ص: 414


1- هو الأستاذ عبدالعزيز بن الشيخ الخطيب علي بن عبدالله الملقب ب «العندليب»، اسم معروف في محافل الأدب والعلم والفضل، وهو من أسرة دينية علمية معروفة في الكويت. ولد الأستاذ عبدالعزيز في الكويت سنة 1392 ه/ 1963 م، فأخذ دراسته الابتدائية من المدرسة الجعفرية، ثم تابعها حتى نال عددا من الشهادت الجامعية من جامعات : الكويت ومصر ولبنان وسوريا، في مجالات: اللغة العربية والتجارة والفلسفة وعلم النفس و دراسات الشريعة و التاريخ والحقوق، إلى جانب ثقافته الذاتية وذكائه المفرط، وكان يدرس لفترة في جامعة الكويت. ويعد الأستاذ العندليب من طليعة شعراء الكويت، وهو مكثر وسريع في النظم، ويفتخر أنه يدعى به «شاعر أهل البيت علي»، ومن مفاخره أنه يشترك في الاحتفالات الدينية، ودوره مشهود، وربما نظم قصائد قبيل ارتقائه منصة الاحتفال، وله في كل محرم قصيدة في الإمام الحسين عل يقرأها بنفسه من إذاعة الكويت ليلة عاشوراء .
2- الکّنه: الذات، وحقيقة الشيء. في (تفسیر فرات الكوفي ج 2 ص 581/ ح 767) عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال في ( إنا أنزلناه في ليلة القدره) : الليلة فاطمة، والقدّر الله ، فَمَن عَرَف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر.
3- تنبي : مخففة «تنبئّ»، أي تُخبر. بریّاك: بريك الطيّبة. وفي تأويل الآيات: 799 عن الإمام الصادق عليه السلام : (والفجر) القائم (وليال عشره) الأئمة من الحسن إلى الحسن (والشفع) على وفاطمة (والوتر) هو الله سبحانه .

ومَا قَدرُ قَوْلِي فِيكِ يا خِيرةَ النِّسا ***ورَبُّكِ عَن مَدْحِ البَرِيَّةِ أَغْناكِ

وذلِكَ إِذ أَثني عَلَيكِ مُمَجِّداً *** بِمُحْكَمِ آياتِ الكِتابِ فَاَعلاكِ

فَفِي آيَةِ الْقُرْبِيِّ بِفَرْضِ مَوَدَّةٍ *** وهَلْ أَتِيَ بَعْضُ الَّذي هُوَ آتاكِ(1)

وأَذْهَبَ قِدماً عَنْكِ كُلَّ دَنِيَّةٍ *** وَصَفّاكِ عَمَّا عدَّ رِجْساً وَاَصفاكِ(2)

ولَقَّبَکِ المُخْتَارِ سَيِّدَةَ النِّسا *** وبِالْعِزِّ والعَلياءِ والمَجْدِ أَوْلاكِ(3)

فَنِلْتِ مِنَ اَلْفَخْرِ التَّلِيدِ بِاَحْمَدٍ *** وَحُزْتِ مِنَ الْفَضْلِ الطَّرِيفِ بِتَقْوَاكِ(4)

ولَمْ أَرَ فِي مَعْنَاكِ وَصفاً وإنَّما *** يَتِيهُ ذَوُو الاَلبابِ في وَصفِ مَعْناكِ

ص: 415


1- جاء في ( ينابيع المودّة ( عن ابن عباس : لمّا نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(قالوا : يا رسول الله ، مَن هؤلاء ر الذين وجَبت علينا مودتهم ؟ قال : عليّ وفاطمة وابناهما ، وإن الله تعالی جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي ، وإني سالّكم غداً عنهم وفي ) روح المعاني للآلوسي ج ص 157 ( : ... فلما أصبحوا أخذ علي عليه السلام الحسنَ والحسين عليه السلام وأقبلوا إلی رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، فرآهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع ، قال : يا أبا الحسن ، ما أشذ ما يسوؤني ما أری بكم . وقام فانطلق معهم إلی فاطمة عليها السلام فرآها في محرابها قد التصق بطنها بظهرها ، وغارت عيناها من شدّة الجوع ، فرق لذلك صلي الله عليه و اله و سلم وساءه ذلك ، فهبط جبريل ص فقال : خُذْها يا محمد ، هنأك الله تعالی في أهل بيتيك ، قال : وما آخذ يا جبريل ؟ فأقرأه ( هَل أتی عَلَی الإنسان ) السورة .
2- جاء في ( كشف الغمة ج 2 ص 83 ) : . . عن نافع ، عن أبي الحمراء قال : شهدت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ثمانية أشهر إذا خرج إلی صلاة الغداة مر بباب فاطمة عليها السلام فقال : السلامُ عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة ، (إنّما يُريدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُم الرجس أهلَ البيتِ ويطهَرَكُم تطهيرا) سورة الأحزاب ، الآية 33 ) .
3- كما في الرواية الواردة في كتاب ( أمالي الصدوق ص 245 ) عن ابن عباس ، عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم قال :ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين.
4- التليد : القديم . والطريف : الجديد الحادث

ومَا اللَّيلُ إِلاَّ مِن حَيَائِكِ آيَةً *** ومَا الصُّبْحُ إِلاَّ لَمعَةً مِنْ مُحْيَّاكِ(1)

وأنْتِ لِخَيْرِ الْخَلْقِ فِي الحَقِّ كَؤثَرٌ *** بِرَغْمِ عَدُوَّ شانِيٍ جِدَّ أَفّاكِ(2)

فَأَعْطاهُ مِنکِ اللَّهُ نَسْلاً مُبَارَكاً *** وَفِيكِ لَهُ النَّعْماءُ وَاللَّهُ نُعْماكِ

***

فَيا مَطْلَعَ الأَقْمارِ فِي أُفُق الهُدئ *** تَبَدَّدَ مِنْ أَنْوارِها كُلُّ إِحْلاكِ(3)

وَيا مَجمَعَ البَحْرَينِ والدُّرُّ فِيهِما *** وَيَا مَنْبِتَ الأَزْهارِ مِنْ دُونِ اَشواكِ(4)

حَباکِ الَّذِي سَؤّاكِ ذَاتاً كَرِيمةً *** فَسُبْحانَهُ مِنْ جَوْهَرِ الْقُدُسِ سَوّاكِ(5)

ص: 416


1- مُحيّاك : وجهك .
2- شانئ : المبغض مع العداوة . الأقاك : الكذّاب جاء في ) التفسير الكبير للفخر الرازيّ ج 32ص 124 - ط 2 ، دار الكتب العلميّة - طهران ( في تفسير سورة الكوثر:هذه السورة إنّما نزلت وذا علی مَن عابه لص بعدم الأولاد ، فالمعنی أنّه يُعطيه نسلاً يبقون علی مر الزمان ، فانظر كم فتل من أهل البيت ثم العالم ممتلئ منهم ، ولم يبقَ من بني أميّة في الدنيا أحد يُمبأ به ! ثم انظز كم كان فيهم مِن الأكابر من العلماء ، الباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم السلام.
3- تبدَّد : انكشف وتفرّق . الإحلاك : شدّة السواد الظلام . ويصحّ ضبطها » تُّبدَدُ من أنوارها كُلَ احلاك.
4- في تأويل قوله تعالی : ( مَرَجَ البحرين يلتقيان * بَينهما بَرْزَخُ لا يَبْغِيانِ * فبأيّ آلاءِ ربكما تُكذِّبان * يَخرُجُ منهما اللُؤلُو والمرجان ) سورة الرحمن : 19 - 22 ( ، قال الإمام الصادق عليه السلام: ( مَرَجَ البحرَينِ يلتقيان ) : عليّ وفاطمة بحران عميقان ، لا يبغي أحدهما علئ صاحبه . ( يَخرج مهما اللؤلُو والمرجان ) قال : الحسن الحسين . (تنفير نور الثقلين ، للعروسيّ الحويزي 5 : ( 17 / 19.
5- جاء في ( بحار الأنوار ج 43 ص 8 / ح 11 )منقولاً عن ( عيون المعجزات للشيخ حسين بن عبدالوهاب - ق 5 ه ) : قال عمار : فخرج أميرالمؤمنين عليه السلام وخرجتُ بخروجه ، فولج عليّ علی فاطمة عليها السلام ولجت معه ، فقالت : كأنّك رجعت إلی أبی صل صص فأخبرته بما قلته لك ؟ قال : كان كذلك يا فاطمة : فقالت : اعلم يا أبا الحسن أن الله تعالى خلق نوري وكان يسبُح الله جلّ جلاله ، ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت ، فلما دخل أبي الجنة أوصى الله تعالى إليه إلهاما أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأبرزها في لهواتك، ففعل، فأودعني الله سبحانه صلب أبي صلي الله عليه و اله و سلم ، ثم أودعني خديجة بنت خویلد، فوضعتني وأنا من ذلك النور، أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن . يا أبا الحسن، المؤمن ينظر بنور الله تعالی . ( ينظر أيضا : عوالم سيدة النساء ج 1 ص 18/ح1).

و خَصَّكِ مِنْهُ بِالْمَكارِمِ كُلِّها *** وُكِّلَ المَعالِيَ والمَحَامِدِ أعْطَاكِ(1)

يَتِيهُ ذَوُو الأبابِ فِي وَصْفِ مَعْنَاكِ *** و يَعْيَا الْوَرِي عَنْ ذِكْرِ بَعْضِ سَجاياكِ(2)

وحَسْبُكِ أَنَّ الله يَسْخَطُ لِلَّذِي *** سَخَطْتِ ويَرْضِي بِالَّذي كانَ أَرْضَاكِ(3)

ومَا ابْنَهُ عِمْرانٍ بِرَغْمِ جَلالِها *** لِتَرْقِي إلَي أُدْنِي مَرَاتِبِ مَرْقَاكِ(4)

ومَا أُمُّ إِسْماعِيلَ هَاجَرُ فِي العُلي *** بِبَالِغَةٍ مِعشارَ مِعشارِ عَلْياكِ

وَكَيْفَ وخَيْرُ المُرسَلِينَ مُحَمَّدٌ *** أَبُوكِ وسِبْطاهُ الْإِمامانِ إِبْناكِ؟(5)

ومَا فِي النِّسا فِي العالَمِينَ بِأَسْرِها *** لِحَيْدَرَةِ كُفْؤٌ الَي الْحَشْرِ لَوْلاكِ

ص: 417


1- في ( بحار الأنوار ج 43 ص 17/ ح16) عن كتاب (إرشاد القلوب): عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم : «كانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه، فقال الله : وعزّتي وجلالي، لأجعل ثوابَ تسبيحكم وتقدیسکم إلى يوم القيامة لمحبي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها...» وجاءت الرواية في (عوالم سيدة النساء ج 1 ص 17 - 18/ح1) أيضاً.
2- يَعيا: يَعجز ويكلّ.
3- إشارة إلى الحديث الصحيح المعروف: «فاطمة بضعة مني يسخطها ما يسخطني ويرضيني ما أرضاها». (شرح النهج الحديدي 16: 278).
4- جاء في ( معاني الأخبار للصدوق ص 107/ح1) عن المفضَّل قال : قلت لأبي عبدالله عليها السلام : أخبرني عن قول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم فاطمة عليها السلام : «إنها سيَّدةُ نساء العالمين»، أهي سيَّدةُ نساء عالمها؟ فقال : ذلك لمريم، كانت سيَّدةُ نساء عالمها، وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين .
5- قطع همزة «ابناك» ضرورة شعرية .

وأَنْتِ وِعَاءٌ لِلاِمامةِ فَالأُلي *** هُمُ صَفْوَهُ البارِي مِنَ الخَلْقِ أَبْناكِ(1)

وَهُمْ حُجَجُ البارِي تَعالى عَلَى الوَری *** فَما كانَ أَسْماهُم بِحَقٍّ وأَسْماكِ(2)

ولا عَجَباً أَنْ كانَ يَدْعُوكِ أَحْمَدُ *** بِ أُمِّ أَبِيها فَهُوَ بِالصِّدْقِ سَمّاکِ(3)

فَعِتْرَةُ طهَ نَفْسُهُ دُونَ رِيبَةٍ *** ولَيْسَ لَهُمْ أُمٌّ وَلا رَيْبَ إِلاَّكِ(4)

***

فَيا بَضْعَةَ الْهادِي الأَمِينِ تَحِيّةً *** مُبارَكَةً فِي عِيدِ مَؤلِدِکِ الزَّاكي

أَتَيْتِ فَعَمَّ الكَوْنَ نُورٌ وبَهْجَةٌ *** وفاحَ عَلَى الدُّنيا أُرِيجُ الهُدَى الذّاكِي(5)

وَقَد بَعَثَ الرَّحمانُ حُورَ جِنانِهِ *** وخَيْرَ نِساءِ الخُلْدِ كَيْ تَتَلَقّاكِ

وقالَ لَهُنَّ اهْبِطَنَ بِالْبِشْرِ والهَنا *** إِلى بَيتِ طَةٍ وَهُوَ مَهْبِطُ أَمْلاكٍ

فَجِئْنَ وبَلَّغْنَ السَّلامَ خَدِيجَةَ *** وقُلْنَ لَهَا: بُورِكْتِ فالخَيرُ وافاكِ

فَلا تَخْزَني واسْتَبْشِرِي بِوَلِيدَةٍ *** مُبَارَكَةٍ مَيْمُونَةٍ هِيَ زَهْراكِ

ص: 418


1- «أبناک» مخففة «أبناؤُك». جاء في ( دلائل الإمامة للطبري ص 8) عن الصادق عليه السلام : فدخل رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يوماً فسمع فاطمة تحدّث خديجة ، فقال : يا خديجة، من يُحدّثك ؟ قالت: الجنينّ الذي في بطني يُحدثني ويُؤنسني ، فقال : يا خديجة، هذا جبرئيل يبشرني بأنها أنثى، وأنها النَّسمة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك و تعالی سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة.
2- من السُّمُو، وهو الغلو والرَّفعة .
3- لأن المعصومين عليهم السلام لا يُسمُّون محاباة أو جزافاً ، وإنَّما يسمّون عن الله عز ّوجلّ
4- جاء في ( عوالم سيّدة النساء ج 2 ص 1029ح 1 ط الثالثة مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام): عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم قال: إن الله عز وجل نظر إلى الأرض ثالثة، فاختار منها أحد عشر إماماً .. وأمهم فاطمة ابنتي.
5- الأريج : الرائحة الطيبة . الذاكي : المنتشر عطره .

بِفاطِمَهِ خَيْرِ النَّساءِ وَ اِنَّها *** هِيَ التُّحَفَهُ الْمَهْداهُ مِنْ عنْدِ مَوْلاكِ(1)

وذِي أُمُّنا حَوَّا وَها أَنَا مَرْيَمُ *** وتلْكَ صَفُوراءُ وهَاجَرُ اُخْتاكَ

اَتيْنا نَلِي عِنْدَ الوِلاَدَةِ مِنْكِ ما *** تَلِيهِ النِّسا مِمَّنْ يَلِدْنَ فَبُشراكِ

فَوَلَدْنَهَا والْكَؤنُ يَغْمُرهُ السَّنا *** وَقَرَّ رَسُولُ الله عَيْناً بِلُقْياكِ(2)

***

فَيَا بِنْتَ خَيْرِ الخَلْقِ مِنْ وُلْدِ آدَمٍ *** عَلَيْكِ سَلامُ اَللَّهِ فِي يَوْمِ ذِكْراكِ

وَ يَا نَفَراً ما كانَ لَولا وُجُودُهُم *** سَماءً وَلا أرضٌ وَلا دَورُ أَفْلاكٍ(3)

ص: 419


1- المولى هنا هو الله سبحانه و تعالی.
2- في رواية طويلة في دلائل الإمامة : 78/ ح 17 عن الإمام الصادق عليه السلام: فلما حملت (خديجة ] بفاطمة كانت خدیجة تغتم و تحزن إذا خرج رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، فكانت فاطمة تحدثها من بطنها وتصبرها، وكان حزن خديجة وحذرها على رسول الله، وكانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم فدخل يوماَ فسمع خديجة تحدث فاطمة، فقال لها: يا خديجة من يحدثك ؟ قالت : الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني . فقال لها: يا خديجة هذا جبرئيل يبشرني بأنّها أنثی، وأنها السمة الطاهرة الميمونة، وأن الله تعالی سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة، ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه. فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن حضرت ولادتها ( فأرسلت لنساء قريش فلم يأتين ، فبينا هي في ذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنه من نساء بني هاشم، ففزعت منه ، فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة فإنا رسل ربك إليك ، ونحن أخواتك: أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مریم بنت عمران، و هذه صفوراء بنت شعیب ، بعثنا الله إليك إلي من أمرك ما تلي النساء من النساء. فجلست واحدة عن يمينها، والأخرى عن يسارها ، والثالثة بين يديها ، والرابعة من خلفها ، فوضعت خديجة فاطمة ان طاهرة مطهرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور ... الحديث .
3- في ( فرائد السمطين ج 1 ص 36): ... قال الله تعالى مخاطبا آدم عليه السلام: هؤلاء خمسةُ من وُلدك، لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شقق لهم خمسة أسماء من أسمائي ، لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار، ولا العرش ولا الكرسي، ولا السماء، ولا الأرض، ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجن.

غَدا حُبُّكُمْ مَن اَضْلُعِي مُتَمَكِّناً *** وَسَارَ بِها كالكَهرباءِ بِأَسْلاكِ

وحَسْبِي أنِّي فِي الْوَلاءِ مُوَحِّدٌ *** لَكُمْ وأَري فِي الْغَيْرِ مَدْعاةً إِشْراكِ

عَلَيْكُمْ سَلامُ اللَّهِ مَا ذَرَّ شارِقٌ *** ومَا ناحَتِ القُمرِيُّ شَجْواً عَلَي الرّاكِ(1)

***

لَقَدْ فازَ مَنْ والاكِ يَا بَضْعَةَ الْهُدْيِ *** وقَدْ خابَ يَوْمَ الْحَشْرِمَن كَانَ ناواكِ(2)

وتَعساً لقومٍ ضَيَّعُوا فِيكَ أحْمَداً *** وَمَا قالَهُ إِذْ كَدَّرُوا صَفْوَ دُنْياكِ(3)

ص: 420


1- ذر: طلع. القُمري: ضربٌ من الحمام حسن الصوت. والاك: أراد به الأراك . وهذا التبديل من الضرائر القبيحة . والمعنى وبعض اللفظ ماخوذ من قول دعبل الخزاعی : عليکم سلام الله ما ذر شارق *** وما ناح قُمريُّ على الشجرات
2- ناواك : عادا، وأصلها ناوأل بالهمز.
3- في (أمالي الصدوق ص 99 - 100) عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عبّاس قال : إن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم كان جالساً ذات يوم .... (إلى أن قال ينقل قول النبي صلي الله عليه و اله و سلم ): وأما ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين مِن الأولين والاخرين ، وهي بضعة منّي ، وهي نور عيني وثمرة فزادي ، وهي رُوحی التي بين جنبي ، وهي الحوراء الإنسية .. . واني لما رأيتها ذكرتُ ما يُصنع بها بعدي ، كأني بها وقد دخل الذل بيتها ، وانتهكت حرمتها ، وعُِبَت حفها ، ومنعت إ رتّها ، وكبر جنبها ، وأسقطت جنينها ، وهي تنادي : يا محمداه ! فلا تجاب ، وتستغيث فلا تغاث ، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية ، تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة ، وتتذكر فراقي أخری ، وتستوحش إذا جنّها اللّيل قَد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن ، ثمّ تری نفسها ذليلة بعد أن كانت ي أيام أبيها عزيزة ، فعند ذلك يؤنسها الله تعالی ذكرُه بالملائكة ، فنادتها بما نادت به مريمَ بنت عمران فتقول : يا فاطمة ، إن اللّه اصطفالثِ وطهرك واصطفاك علی نساء العالمين ، يا فاطمة ا قنی لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين . ثمّ يبتدی بها الوجع فتمرض ، فيبعث الله عز وجل إليها مريمَ بنت عمران تمرضها وتؤنسها في علّتها ، فتقول عند ذلك : يا ربّ ، إنّي قد سئمت الحياة وتبرمت بأهل الدنيا ، فألحقني بأبي ل فُلحُِها اله عز وجل بي ، فتكون أولَ مَن يلحقني مِن أهل بيتي ، فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة ، فأقول عند ذلك : اللّهم العن مَن ظلمها ، وعاقِبْ مَن غصبها ، وذلل مَن أذلّها ، وخلد في النار مَن ضرب جنبها حتّی ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك : آمين.

تَجَرَّعْتِ أَصْنافَ الأَذَى مِنْ عِصابَةٍ *** أرَتْكِ مِن الضَّيْمِ الكَثِيرَ فَأَضْناكِ(1)

فَقَدْ حَاوَلُوا أَنْ يَمْنَعُوكِ عَنِ الْبُكا ***عَلى المُصْطَفَى المُخْتَارِ إِذْ طالَ مَبْكاكِ(2)

كَمَا مَنَعوكِ الإِرْثَ في فَدَكٍ وقَد ***أتَاهُم بِهِ الوَحْيُ المُؤَيَّدُ دَعْواكِ(3)

وَكَمْ أظْهَرُوا مِن خِسَّةٍ وَدَناءَةٍ *** فَمَا كانَ أَدْنَاهُمْ نُفُوساً وأَعلاكِ(4)

وَمَا كانَ أَقْسَى القَوْمَ حِينَ تَجَمَّعوا *** عَلَيْكِ وَبِالنِّيرانِ أَحْرِقَ مَأْواكِ(5)

وَإِذْ أَسْقَطُوا مِنکِ الجَنِينِ وَيَا لَهُ *** مُصاباً جَلِيلاً قد دهاكِ فَأَوْهاكِ(6)

إلى أن قَضَيْتِ النَّحبَ بِالحُزْنِ وَالأَسى *** وأخفِي عَلِيُّ خِيفَةَ القَومِ مَثْواكِ(7)

ص: 421


1- لضَّيم : الظُّلم . أنالك : أضعفَك وأهزلك .
2- تقدّم منع القوم فاطمة عليها السلام من النوح والبكاء ، حتّی بنی لها أميرالمؤمنين عليه السلام بيت الأحزان .
3- فدك هي نحلة الزهراء عليها السلام لكنّهم لما طردوا عاملها منها وأنكروا كونها نحلة وردُّوا شهودها ،حججهم علی أنّها إرثُ .
4- فی ( أمالی الطوسیّ ، ط الثانية ص 207 ، مؤسّسة الوفاء ):إنّ عائشة بنت طلحة دخلت علی فاطمة عليها السلام فرأتها باكية فقالت لها : بأبي أنتِ وأمّي ، ما الذي يُبكيك ؟ فقالت لها صلوات الله عليها : فلمّا خبا نور الدّين ، وقُبض النبيُّ الأمين ، نطقا بفورهما ، ونَفَثا بسورهما ، وأدلَّّا بفدك ، فيئاًً لِمَن مَلك ! إنّها عطيّة الرب الأعلی للنجي الأوفی،ولقد حليها للصبية الواغب مِن نجله ونسل ، وإنها لَعِلْمِ الله وشهادة أمينة ، فإن انتزعا منّي البُلغة ، ومنعاني اللُّمظة ، واحتسبتها يومَ الحشر زلفة ولَيجدنّها آكلوها ساعرةَ حميم ، في لَظی جحيم.
5- تقدّم حرقهم باب الدار أو الدار.
6- أوهاك : أوهنَكِ وأضعفك . وتقدّم إسقاطهم المحسن .
7- قَضَی نَحْبَهُ : مات . ولم يُخف الإمام عليه السلام قبرها خوفاً وإنّما ليبقی ظّلامة شاهدة علی ما حصل.

لَئِنْ يَكُ لاَ يُدْري لِقَبْرِكَ مُؤْضِعُ *** فَقَبْرُكَ فَعْلاً فِي قُلُوبِ اَحِبّاکِ (1)

ص: 422


1- أخذه من قول الشاعر: لا تطلبوا جد الحسي*** ن بشرق أرض أو بغَربِ ودعوا الجميع وعرّجّوا *** نحوي فمضجعه بقلبي

(2)لا يُطيبُ المديحُ إلّا فيكِ

(بحر الخفيف)

الأستاذ عبدالقادر الجيلانيّ

لاَ وَرَبِّي وَحَقَّ طه أَبِيكِ *** لاَ يَطِيبُ المَدِيحُ إِلاَّ فِيكَ(1)

بَضعَةٌ الْمُصْطَفَى وَلِلجُزْءِ حُكمُ ال *** كُلِّ يُرْضِيهِ كُلُّ ما يُرضِيكِ

فَلْذَةً مِنْهُ فِي المَشَاعِرِ والإحْ***سَاسِ يُؤْذِيهِ كُلُّ مَا يُؤْذِيكِ(2)

إِنْ بَدَتْ مَسْحَةٌ مِنَ الحُزْنِ يَوْماً *** فِي مُحْيّاكِ شُوهِدْتَ فِي أَبِيكِ(3)

وَحْدَةُ الذّاتِ لَمْ يَنلْها انْفِصامٌ *** وهیَ سِرُّ وَ رَّثتِهِ لبَنِيكِ(4)

***

أَنتِ شِبهُ النَّبيِّ في كُلِّ شَيءٍ *** يَشهَدُونَ النَّبيِّ إنّ شاهَدُوكِ(5)

ص: 423


1- كيف لا ورسول الله صلي الله عليه و اله و سلم هو القائل : لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم، إن فاطمة ابنتي خيرُ أهل الأرض عنصراً وشرفاً وکرماً . (فرائد السمطين للجويني الشافعي 2: 68).
2- إشارة إلى قول النبي صلي الله عليه و اله و سلم : فاطمة بضعة مني ، يرضيني ما أرضاها ويسخطني ما أسخطها.
3- المَسحة: الأثر الخفيف الذي يبقى من المسح، ومنه يقال : عليه مسحة من جمال، أي أثر خفيف ظاهر.
4- قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورة ، ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روح، ثم مزج النور بالروح فخلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين، فكلنا نُسبحه حين لا تسبيح، ونقدّسه حين لا تقديس .. (بحار الأنوار 10:15 ح 11 - عن: كنز جامع الفوائد للكراجکيّ).
5- عن عائشة قالت: ما رأيتُ أحداً أشبه سمتاً ودلا وهدياً برسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في قيامها وقعودها من : فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم . (سنن الترمذي 5: 700/ ح 3872) . ووصفتها عائشة حين خرجت المحاججة أبي بكر، فقالت: وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم . ( الطرائف: 296ح398).

أَنْتِ رَيْحَانَةُ اَلنَّبِيِّ إِذا ما ***شَمَّها سُرَّ كَيْفَ لا يُدْنِيكِ؟(1)

حِينَما تُقْبِلِينَ يَنْهَضُ مَسْرُو*** راً ومِنْ بَحْرٍ عَطْفِهِ يَرْويكِ (2)

رُتْبةً دُونَها المُراتِبُ فِي القُر***بِ وفَضْلٌ مِنَ الإلَهِ الْمَلِيكِ

رُتْبَةً أَخْرَجَتْ ضَغائِنُ أَقْوَا*** مٍ فَبَثُّوا الأَحْقادَ بِالتَّشكِيكِ(3)

***

فَسَّرُوا قَولَهُ الْمَوَدَّةَ في الْقُرْ*** بَى بِقُرْبَى الجَميعِ لا بِذَوِيكِ!(4)

وأَحَادِيثَ أنْكَرُوها وأُخْرى *** ضَعَّفُوها لأَنَّها تَعْنِيكِ

حَسَداً مِنْهُمُ وَجَهلاً فَلَوْلا *** جَهْلُهُمْ بِالْمَقامِ ما حَسَدُوكِ

ص: 424


1- في ( تفسير فرات الكوفي ج 1 ص 75. 79/ ح 49): عن حذيفة بن اليمان، قال : دخلت عائشة على النبي صلي الله عليه و اله و سلم وهو يقبل فاطمة عليها السلام فقالت: يا رسول الله ، أتقبلها وهي ذات بغل ؟! فقال لها: أما والله لو عرفت ودي لها لأزددت لها ودا، إنه لمّا عُرج بي إلى السماء الرابعة ... فإذا أنا برُطب ألين من الزبد وأحلى من العسل، فأخذتُ رطبة فأكلتها وأنا أشتهيها، فتحولت الرطبة نطفة في صُلبي ، فلمّا هبطتُ إلى الأرض واقعتُ خديجة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية، فإذا اشتقتُ إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة عليها السلام.
2- في سنن الترمذي 5: 700/ ح 3872) عن هايشة، قالت: وكانت (فاطمة ] إذا دخلت على النبي صلي الله عليه و اله و سلم قام إليها فقبَّلها وأجلسها في مجلسه.
3- الضغائن: الأحقاد
4- أخرج أحمد بن حنبل (ت 261 ه) بإسناده عن الأعمش، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال : لما نزلت:«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» (سورة الشوری: 23) قالوا: يا رسول الله ، من قرابتُك هؤلاء الذين وجبت علينا مردنُهم؟ قال صلي الله عليه و اله و سلم : عليُّ وفاطمهُ وابناهما عليهم السلام. (فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2: 669/ ح 1141)

لَوْ أحَبُّوا أبَاكِ حَقّاً أَحَبُّو***كِ ويَقْلِيهِ كُلُّ مَن يَقْلِيكِ(1)

فَهِمُوا مَنْ لَوْ اَنَّ فاطمَ فَهماً *** مِنْ عَمَي جَهْلِهِمْ بِهِ اِنْتَقَصُوكِ(2)

ضَرَبَ المُصْطَفي بكِ المَثَلَ الاَع*** لي وَ هذا التَّفْضِيلُ لَو اَنْصَفُوكِ

***

ثُمَّ قَالُوا: أَزْواجُهُ اَهْلُ بَيْتٍ *** قَدِّرُوهُنَّ بالَّذي قَدَّرُوكِ!

وَحديثُ الكِساءِ خَصَّصَ مَعنَي ال*** الِ فِي ابْنَيْكِ وَ الوَصِيُّ وَ فِيكِ(3)

وحَدِيثُ الكِساءِ حِصنٌ مَنيعٌ *** وَهْوَ سُورٌ مِن كلِّ رِجسٍ يَقيكِ

وحَدِيثَ الْكِسَاءِ تَاجٌ مِنَ المُخ*** تارِ يُزْرِي بتاجِ كُلِّ المُلُوكِ

وَدَلِيلُ التَّطْهِيرِ تَاجٌ مِنَ اللَّ*** هِ فَتيهِي بِفَضْلِ مَنْ تَوَّجُوْكِ(4)

هُم مِنَ الرِّجْسِ طَهَّروكِ فَطُهِّر*** تِ وَهُم عَنْ جَهَنَّمِ فَطَمُوكِ(5)

ص: 425


1- يَقلُوكِ وعليك : يُبغِضك . فالفعل واويّ يائی .
2- إشارة إلی الحديث الموضوع : لو أنَ فاطمة سَرَقَتْ ! . . حاشاها . لكنّ الشاعر قبل هذا الحديث ويقول أن أعداء فاطمة حملوه علی الانتقاص وإنّما هو مثلُ ضربه النبی صلي الله عليه و اله و سلم باعتبارها القمة التي يضرب بها المثل .
3- في (ذخائر العقبی : 23 ) عن أمّ سلمة ، قالت : كان النبي صلي الله عليه و اله و سلم عندنا منكساً رأسَه ، فعملت له فاطمةُ حريرة ، فجاءت ومعها حسن وحسين ، فقال لها النبي صلصصلي الله عليه و اله و سلم : أين زوجُك ؟ اذهبي فادعيه . فجاءت فأكلوا ، فأخذ كساءُ فأداره عليهم ، وأمسك طرفه بيده اليسری ثم رفع اليمنی إلی السماء وقال : اللّهم هؤلاء أهلّ بيتي وحامتي وخاصتي ، اللّهمّ أذْهِبْ عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، أنا حرب لمَن حاربهم ، سِلمّ لمن سالمهم ، عدر لِمَن عاداهم ).
4- تيهي : افتخري واعتزّي بنفسك . والذين توَجُوهاهُمْ الله عزّ وجل والملائكة.
5- فَطَموك : قَطَعوك . ( في أمالي الطوسي : 294 / ح 571 ) : قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : إنّما سُميت ابنتي فاطمة لأنّ اللّه عزّوجلّ فطمها وفطم مَن أحبّها من النار.

قَدْ قَضَى اللَّهُ أَنْ يُتِمَّ بِكُمْ نُو*** رَ هُدَاهُ بِالرَّغْمِ مِنْ شانِيكِ(1)

أَنْتِ كالْبَحْرِ فِي العَطاءِ وأَولاً *** دُكِ كالدُّرِّ مالِئاً شَاطِيكِ (2)

قَدْ دَعَا اَلْمُصْطَفَى بِأَنْ يُخْرِجَ اَللّ***َهُ كَثِيراً مِنْ نَسْلِكِ المَبْرُوكِ(3)

فَكَأَنِّي بِهِ يُهَمهِمُ يَدْعُو *** فِي لَيَالِي الزِّفافِ إِذ يَحبُوكِ

بِدُعَاءِ الأَبِ الشَّفِيقِ ويُولِي *** زَوْجَكِ الْمُرْتَضَى بِمَا يُولِيكِ

أَنتِ آثَرتِهِ بِخُبْزٍ وقَدْ جا***عَ ثَلاثاً ولَيسَ بِالمَنهُوكِ(4)

وبلا خادِمٍ صَبَرتِ عَلى البَي***تِ وَ بِالصَّبرِ دائِماً يُوصِيكِ(5)

وَالرَّحَى أَثَّرَت بِكَفَّيكِ لَو تَد***ري الرَّحى مَن تَمَسُّها تَفدِيكِ

ص: 426


1- شانثيك : مُبغضيكِ مع عداوة وسوء خُلق . جاء في كتاب( بحار الأنوار ج 53 ص 18 ) : » وقولها :وَيْحك يا عُمَر! ما هذه الجرأة علی الله ورسوله ؟ ! تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله واللهُ هُم نوره ؟!.
2- شاطيك : مخفَّف » شاطئُکِ .
3- بَرَک فيه ، وبارَكَهُ : دعا له بالبركة ، فهو مَبْروك ومبارك . فی كتاب ) مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج 3 ص 356 فسأل (النبیّ صلي الله عليه و اله و سلم ( عليّاً : كيف وجدتَ أهلك ؟ قال : نِعم العونُ علی طاعة الله . وسأل فاطمة فقالت : خيرُ بعل . فقال صلي الله عليه و اله و سلم : اللّهم اجمعُ شملهما ، وألّف بين قلوبهما ،واجعلهما وذريتهما من وَرَثةِ جنّة النعيم ، وارزقهما ذرّيّة طاهرة طيّبة مباركة ، واجعل في ذريّتهما البركة ، واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلی طاعتك ، ويأمرون بما يرضيك .
4- المنهوك : المضی والذنَب ، إشارة لما ورد في كتاب ) المناقب ج 3 ص 333 ( : » عن أبي الصولي ، قال عبدالله بن الحسن : دخل رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم علی فاطمة فقدّمت له كسرة يابسة مِن خبز شعير فأفطر عليها ثم قال : يا بنيّة ، هذا أول خبز أكل أبوك منذ ثلاثة أيّام . فجعلت فاطمة تبكي ورسوليم وجهها بيده.
5- جاء في كتاب ( ذخائر العقبی ص 50 ): عن أم سلمة قالت : جاءت فاطمة تشتكي أثر الخدمة وتسأله خادما ، قالت : يا رسول الله ، لقد مجلت يداي من الرَّحی أطحن مرّة وأعجن مرّة ، فقال لها : إن يرزقك الله شينا سيأتيك ، وسأدلّك علی خير من ذلك ... « ثمّ علّمها دعاء تدعو به.

وأَسَرَّ النَّبِيُّ فِي سَاعَةِ الْكَرْ *** بِ فَأَبْكاكِ ما الَّذي يُبْكِيكِ؟!

قَدْ أَلِفْتِ الحَياةَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ *** فَتَأَثَّرْتِ بِالْفِراقِ الوَشِيكِ

ثُمَّ أَدْناكِ ثانياً فتبسَّمْ *** تِ فَهَذا أَبُوكِ يَسْتَرْضِيكِ

بِاللِّحاقِ السَّرِيعِ بَعْدَ شُهُورِ ***كُلُّ شَيْءٍ يَهُونُ بعدَ أَبِيكِ(1)

***

تِلْكَ واللَّه رُتْبَةٌ ومَقامٌ *** لا يُسامى سُبْحَانَهُ مُعْطِيكِ

فَهَنِيئاً أُمِّ الحُسَيْنِ هَنِيئاً *** وحَناناً أُمّاهُ أَنَا بَنُوكِ

أو تُنْسِيكِ جَنَّةَ الخُلْدِ أَوْلا*** دَكِ؟ حاشا وإِنْ هُمُ قَدْ نَسُوكِ(2)

فَأَسْأَلِي اَللَّهَ أنْ يَمُنَّ عَلَيْنا *** بِالرِّضا في السُّكُونِ والتَّحريكِ

واذْكُرِينا عِنْدَ النَّبِيِّ فإنا *** قَدْ بَعُدْنا عَن سَيْرِهِ والسُّلُوكِ

واذكُرِينا أُمّاهُ فِي مَوْقِفِ الْحَشْ*** رِ وَنادِي بَنِيكِ فَلْيَتبَعُوكِ

أَنْقِذِينا مِنَ الزِّحامِ وَأَهْوا *** لٍ عِظَامٍ فاللَّهُ لا يُخْزِيكِ

ص: 427


1- (في سنن الترمذي 5: 700/ ح 13872): عن عائشة قالت : لما فَرض النبی صلي الله عليه و اله و سلم دخَلَت فاطمة عليها السلام فأكبت عليه فقبلته ، ثمّ رفعت راسها فبكت ثم ّاكبت عليه ثمّ رفعت رأسها فضحكت ، فقلت : إن كنت لأظنّ أنَ هذه من أعقل نسائنا ، فإذا هي من النساء ! فلما تُوفي النبي صلي الله عليه و اله و سلم قلت لها : أرأيت حين أكببت علی النبی صلي الله عليه و اله و سلم فرفعت رأسك فبكيت ، م م أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكت ، ما حملت علی ذلك ؟ قالت : إني إذ لبذرة أخبرني أنَ ميّتُ من وجعه هذا فبكيت ، ثمّ أخبرني أني أسرع أهله لُحوقاً به فذاك حين فضحكت .
2- في كتاب ( أمالي الصدوق ص 25 / ح 4 المجلس 5 ):فإذا النداء مِن قِبل الله جل جلاله : يا حبيبتي وابنة حبيبی ، سليني تُعطی ، واشفعي تشفعي ، فوعزتي وجلالي لا جازني ظلم ظالم. فتقول : إلهي وسيدي ، ذريّتي وشيعتي وشيعة ذريتي ، ومحبّي ومُحبَي ذُريتي . فإذا النداء مِن قيل الله جلّ جلاله : أين ذرّيّة فاطمة وشيعتها ومحبوها ومحبَو ذُّريّتها ؟! فيغبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة ، فتَقدمُهم فاطمة عليها السلام حتی تُدخلهم الجنّة.

غَيْرَ اَنَّا نَخافُ قَوْلَهَ طه *** اعْمَلِي فَاطِمٌ فلا اُغْنِيكِ

***

ولَنا فِي الإِلَهِ ظَنٌ جَمِيلً *** مِنْهُ وَعدٌ فِيَّ هَل أتى يُنبِيكِ(1)

قَدْ وَقَاكِ شُرُورَ يَوْمٍ عُبوسٍ *** وسُرُوراً ونَضْرَةٌ يَجزِيكِ(2)

وَلَكُم يُعْقَدُ اللِّوَاءُ وَفي ظِل*** ل ظَلِيلٍ إِلهُنا يُؤْوِيكِ

فَإِذَا رَفْرَفَ اللِّواءُ عَلَيْكُمْ *** فَاذْكُرِينَا لَعَلَّنا نَأْتِيكِ

واذْكُرِينَا إذَا وَرَدْتِ عَلَى اَلْحَوْ*** ضِ لِنُسْقَى بِكفِّ مَنْ يَسْقِيكِ

فَعَسَى اَللَّهُ أَنْ يَمُنَّ بِرُؤْيا ***كِ ومِنّا مَا تَرْتَضِينَ يُرِيكِ

وسَلامٌ عَلَيكِ في كُلِّ حِينٍ *** هُوَ يَغْشاكِ مِن لَدُن بارِيكِ

مَا هَمى مَاطِرٌ وَمَا قَالَ حادٍ: *** لا يَطيبُ المديحُ إلاّ فِيكِ(3)

ص: 428


1- إشارة إلى سورة الدهر وقوله تعالى : (إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عبوساً قَمْطَرِيراً فَوَقَاهُمُ اَللَّهُ شَرَّ ذلِكَ اليَومِ وَلَقَّاهُم نَضْرَةً وسُرُوراً وجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جُنَّةً وحَرِيراً) (سورة الإنسان - أو الدهر -: 10 - 22).
2- نَضرةً : حُسناً وبَهاءً في الوجه .
3- في مثل هذا المعنى قال الشاعر: إليهم وإلّا لا تُشدُّ الركائبُ *** ومنهم. وإلّا لا تَصحُّ المواهبُ وفيهم وإلّا فالحديث مُزَخرفٌ *** وعنهم .. وإلّا فالمُحدثُ کاذبُ

(3)آياتُ فضلِكِ

(بحر الكامل)

الحاجّ محمّد آل رمضان الأحسائيّ

يَا بَضْعَةَ المُخْتارِ طَابَ ثَراكِ *** رُوحِي فِداكِ وَما أَقَلَّ فِداکِ(1)

مَاذَا عَسايَ أَقُولُ فِي مَعفاكِ *** أَوْلاكِ رَبُّكِ جَلَّ ما أُؤْلاكِ(2)

مِن نِعمَةٍ لا تُبْتَغي لِسِواكِ

نِلْتِ المَكانَةَ والمَحلَّ الأَقدَسا *** وعُرِفْتِ عَنْ حَقِّ بِسَيِّدَةِ النِّسا(3)

مَاذَا يَقُولُ المَادِحُونَ ومَا عَسي *** وَاللَّهُ قالَ لِسائِلِ مَنْ فِي الْكِسا:(4)

هُمُ اَنْتِ والأَبُ حيْدرُ وابناكِ

آياتُ فَضلِکِ في الوُجُودِ جَلِيَّةً *** وشُهُودُ جُودِكِ فِي الْعَوالِمِ جَمَّهُ

والْغَيْثُ مِن رَشَحاتِ فَيضِكِ رَشحَةً *** والشَّمْسُ مِن فَيَاضِ نُورِكِ قَبْسَهُ

والرَّوْضُ يَعْبَقُ مَن أَرِيجِ شِفاكِ

ص: 429


1- أي ما أقل أن تكون روحي فداك إذ يجب أن يكون كلّ الكون فداك .
2- مَغْفالك : موضعك الذي مُجِي ودَّرس وبَّلي قبرك الشريف .
3- تقدّمت عدّة أحاديث فی أنّها سيدة نساء العالمين .
4- تقدّم حديث الكساء ، لکنّ الشاعر هنا يشير إلی سؤال جبرئيل لله عَمَّن تحت الكاء ، فأجابه رب العزّة : هم أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ، وهم فاطمة وأبوها وبعلها وابناها ، فاستأذن جبرئيل أن يكون سادسهم ، فأذِنَ له . ) انظر ذلك بالتفصيل في المنتخب للطريحي : 53 2 .

ذَهَبَتْ يَدَاكِ مِنَ الثَّنا بِأَجَلِّهِ *** وَمِنَ الكَمالِ بِفَرعِهِ وَباَصلِهِ

ومِنَ التُّقئِ ما لا وُجودَ لِمِثْلِهِ *** وَكَفاكِ مِن نِعَمِ الإِلَهِ وَفَضلِهِ

أن لا طريقَ إِلَيْهِ غير وِلاكِ

رِيحُ السَّعادَةِ مِنْ عُلاكَ مَهَبُّها *** يا زَهْرَهُ أَجْرُ الرِّسالَةِ حُبُّها(1)

ما زالَ يَعْبَقُ بِالفَخارِ مُحِبُّها *** غَشَّاكِ رَبُّكِ بِالجَلالَةِ وَالبَها

وإِلَي حَظِيرَةِ قُدسِهِ أَدْناكِ

أَصبَحتِ لِلمُختارِ خَيْرَ حَبِيبَةٍ *** وَلِمَهْبِطِ التَّنْزِيلِ أيْ رَبِيبَةٍ

ولَئِنْ عُدِمْتِ النَّدَّ غيرُ عَجِيبَةٍ *** أَصْبَحْتِ مِنْ رَبِّ السَّما بِمَثُوبَةٍ(2)

لَمْ تَمْتَلِكْهَا في النِّساءِ سِوَاك

وحَلَلْتِ مِن قَلْبِ الرَّسُولِ مَحَلَّةً *** مُلِئَتْ لَهَا كُتُبُ الحَدِيْثِ أَدِلِّهً(3)

واللَّهُ ألبَسَكَ الفَضائِلَ حُلَّةً *** ورَبِيتَ في كَنَفِ النُّبُوَّةِ طِفْلَةٌ

ولَبانُ حِكمَةِ ذي الجَلالِ غِذاكِ

ص: 430


1- إشارة إلی قوله تعالی : « قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» سورة الشوری : الآية 23 (في كتاب (ينابيع المودة للقند وزي الحنفی ج 1 ص 123) عن ابن عبّاس قال : لمَا نزلت : « قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا : يا رسول الله ، مَن هؤلاء الذين وَجيّت علينا مودّتهم ؟ قال : عليُّ وفاطمةُ والحسنُ والحسين
2- المثوبة : الجزاء علی الأعمال الخبرة . أي إن عُدِمتِ الند والنَّظير . فغير عجيبة هذه المسألة ، لأنّ منزلتك عند الله عاد يمة النظير في كلّ نساء العالم . والظاهر أنّه أراد المثابة بادل المثوبه.
3- قيل لرسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، مَن أحبُّ إليك ؟ قال : فاطمة . ( منتخب كنز العمال - بهامش مسند أحمد ، للمتقي الهندي 129) ) 4 ( اللِّبان : الرضاع ، يقال هو أخوه بلبان أمه ، ولا يقال بلَبَن أمه . وغذا : مخقفة ه غذاؤه « . والأجود لرواية أن تكون » ولبان ... عدال « ، اللبان : الصدر . وغذا : أطْعَمَلك.

ما زِلتِ في كَنَفِ النَّبِيِّ الأَشْرَفِ *** يَحْنُو عَلَيْك بِرَأْفَةٍ وتَعَطُّفِ

وحَفاوَةٍ مِن قُدْسٍ أَكْرَمِ مُحتَفِي *** حَتَّى إِذَا حُزْتِ الكَمالَ غَدَوْتِ فِي

كَنَفِ الإِمامَةِ تَسحَبينَ رِداكِ(1)

زُوَّجْتِ يا أهْدَى البَرِيَّةِ هادِيا *** وبَلَغْتِ مِن أَوْجِ الرُّقِيِّ تَنَاهِيا

وَسَمَوتِ حَتَّى ما تَرَكْتِ تَساميا *** أَخْلَصْتِ نَفسَكِ لِلإلهِ تفانيا

فَحَباكِ بُردَ بَهائِهِ وكَساكِ(2)

بُوِّئْتِ مِن عَرْشِ الجَلالِ جَلِيَّهُ *** وبَلَغتِ شَأواً مَن يَرُومُ رُقِيَّهُ

ومَلَكتِ مُقْتَرِبَ العُلَى وَقَصِيِّهِ *** أَوَلَيسَ زَوَّجَكِ اَلْمَلِيكُ وَلِيَّهُ

فَوْقَ الضُّراحِ بِمَشْهَدِ الأَملاكِ؟!(3)

أَشْبَهْتِ وَالِدَكِ المُطَهَّرَ سِيرَهُ *** وغَدَوْتِ في تاجِ الهِدايَةِ دُرَّهً

ص: 431


1- الحفاوة : المبالغة في إكرام الشخص وإظهار الفرح به. واحتفى به : بالغ في إكرامه. وسحب البُرد والرداء كناية عن التيه والفخر بالكمال النبوي والوَلَويّ الذي حازته الزهراء عليها السلام.
2- حَباک : أعطاك في حديث خباب بن الأرت، أن الله تعالى أوحي إلى جبرئيل : زوِّج النور من النور. وكان الولي الله ، والخطيب جبرئیل، و المنادي ميكائيل، والداعي إسرافيل، والناثر عزرائيل، والشهود ملائكة السماوات والأرضين. ثم أوحى إلى شجرة طوبى أن انثري ما عليك ، فتثرت الدر الأبيض والياقوت الأحمر، والجد الأخضر واللؤلؤ الطب ، فباد ژن الحور العين يلتقط ويهدين بعضُهنَّ إلى بعض . ( بحار الأنوار 109:53 - 110/ ح 22 - عن مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب).
3- بُوِّئتِ : أُنزِلتِ و أحلِلتِ . الشأو هنا: القدر. والضراح : بيت في السماء الرابعة أو السابعة يقابل البيت الحرام في الأرض. ويقال أنّه هو البيت المعمور. أي أن الله زوّجها بعليّ من فوق سبع سماواته والملائكة شهود.

حَتَّي إِذا لِلَّهِ طِبْتِ سَرِيرَةَ *** آتاكِ ما لَمْ يُؤْتِ غَيْرَكِ جَهْرَةً(1)

أَولَيْسَ شَنفَي عَرْشِهِ وَلَداكِ؟(2)

سَمّاكِ رَبُّكِ فِي الكتابِ الكَؤثَرا *** وَحَبا بِكِ العِلمَ الاَعَزَّ الأَطْهَرا(3)

أما وَالَّذي ذَرَاَ الوُجُودَ وقَدَّرا *** لَوْلا عَلِيٌ لَمْ يَكُنْ لَكِ فِي الوَرِي

كُفْوٌ يُماثِلُ فِي عُلاهُ عُلاكِ(4)

آثَرْتِ بِالقُوتِ الفَقِيرِ تَعَبُّدا *** وطَرَدْتِ نَوْمَكِ بِالكِتابِ تَهَجُّدا

مَا كَانَ بَيْتُكِ قَطُّ إِلّا مَسْجِدا *** يَا مَرْيَمَ الإِسلامِ يَا بَدرَ الهُدَي

أنّي لِمَرْيَمَ وَقفَةٌ بِحِذاكِ؟(5)

الْفَضْلُ رَفْرَفَ في يَدَيکِ لِواؤُهُ *** وَالمَجدُ أَنتِ جَلالُهُ وبَهاؤُةُ

ص: 432


1- السريرة : النّية والطَّويَّة .
2- الشّنْفان : مفردة الشَنف ، وهو ما عُلَق في الأُذن أو أعلاها من الحلي . في مجمع الزوائد 9 : 184 عن عقبة بن عامر ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : لحسن والحسين شَنفا العرش وليسا بمعلِّقين . وإنّ النبيّ صلي الله عليه و اله و سلم قال : إذا استقرَ أهل الجنّة في الجنّة قالت الجنّة : يا ربّ وعدتني أن تزيّنني بركنين من أركانك ، قال : أَلَم اُزينك بالحسن والحسين ؟!
3- في هذا البيت إشارة إلی كون الزهراء عليها السلام هي الكوثر .
4- فيّ أمالي الطوسي : 43 / ح 46 : عن أبي عبدالله عليه السلام قال : » لولا أنّ الله خلقَ أميرالمؤمنين لفاطمة ما كان لها كفوً علی الأرض .
5- إشارة إلی إيثار فاطمة عليها السلام بقُوتِها ، وقراءتها للقرآن ، وكثرة صلاتها وعبادتها ، وكونها عليه السلام أعظمَ من مريم بنت عمران .ففي تفسر الكلبي( التسهيل لعلوم التنزيل ج 4 ص 318 ( قال : «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (سورة الإنسان : الية 8 ) نزلت هذه الآية وما بعدها في علي بن أبي طالب وفاطمه و الحسن والحسین رضي الله عنهم .وأما تفضيلها علی مريم فقد مرّت فيه أحاديث متعدّدة .

وَعَلَى جَبينِك تاجُهُ وَضِياؤُهُ *** أَثْنى عَلَيْكِ اللَّهُ جَلَّ ثَناؤُهُ

وَبِآيةِ التَّطْهِيرِ قَد زَكّاكِ(1)

ص: 433


1- إشارة إلى تطهيرها في قوله تعالى : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(سورة الأحزاب: الآية 33).

(4)عجائب القرآن

(بحر الكامل)

الشيخ محمّد بن حسين أبوخَمسين

يَا فَاطمُ سُبْحَانَ مَنْ صَفّاكِ *** يَا زَهْرَهً فِي القُدسِ مَا أَزْهاكِ(1)

يا فاطِمُ الزَّهرا بِنُورِكِ اَزهَرَت *** زُهْرُ النُّجُومِ وسَبْعَةُ ألاَفْلاكِ(2)

وَالعَرشُ وَالكُرسِيُّ وَالحُجُبُ الَّتي *** بِالنُّورِ تُشرِقُ مِن مَنارِ سَناكِ

وكَذِلکَ الاَكْوارُ وَالاَدوارُ بَلْ *** شَمْسُ النَّهارِ تُضِيءُ مِنْ أَضْوَاكِ(3)

وعَجَائِبُ الْقُرْآنِ والْفُرْقانِ والْ *** بُرْهانِ مِن وادِي طُوَي سَيْناكِ

قَدْ شَقَّ خَالِقُكِ لَكِ اسْماً كاسْمِهِ *** قَدْ حَارَ فِي مَعْنَاهُ ذِهْنُ الذاكي(4)

ص: 434


1- لو قال » من سَؤالك « لكان أجود . وزها : أشرق وزَهَرَ و أضاءَ ، وزها النبت : ظهرت ثمرته ، وتَلَوَّنَ .
2- سبعةُ الأفلاك : من باب إضاة الصفة للموصوف ، وأصلها الأفلاك السبعة .
3- في (دلائل الإمامة : 9 ) : فلمّا سقطت إلی الأرض أشرق منها النور حتّی دخل بيوتاتُ مكة ولم يبقَ في شرق الأرض ولا في غربها بيت إلّا أشرق فيه النور وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم ؛ وبذلك لقبت » الزهراء.
4- الذاكي : المتوقد المستنير . في حديث قدسي ، قال الله تعالی فيه لآدم عليه السلام: هؤلاء خمسة من وُلدك لولا هم ما خلقتُك ، هؤلاء خمسهٌ شققتُ لهم خمسة أسماء من أسمائي ، لولاهم ما خلقتُ الجنَةَ ولا النار ، ولا العرش ولا الكرسی ، ولا السماءَ ولا الأرض ، ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجنّ . فأنا المحمود وهذا محمّد ، وأنا العالی وهذا علی ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا الإحسان وهذا الحسن ، وأنا المحسن وهذا الحسين ، آليت بعزّتي أنّه لا يأتيني أحدٌ بمثقال ذرِةِ من خردل مِن بُغْضِ أحدهم إلا أدخلنه ناري ، ولا أُبالي ! ) فرائد السمطين 1: 36).

اَنْتِ المُواقِعُ لِلنُّجُومُ ذَوِي النَّدی *** آلي بِكِ الْجَبَّارُ مُذ سَمّاكِ(1)

ولَانْتِ مِشكاةٌ لِنُورِ مُحَمَّدٍ *** فِيها مَصابِيحُ هُما إِبْناكِ(2)

وَالبَارِئُ المُنْشي أَفَاضَ إلَيكِ عِل *** ماً مِن عُلُومِ الغَيْبِ مُذ اَنْشاكِ(3)

ص: 435


1- أراد بالنجوم الأئمّة ، وفاطمة عليها السلام هي أمهم ومواقعهم . وفي ( من لا يحضره الفقيه 3 : 377 / ح 4326 ( عن المفضل بن عمر ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول في قول الله عزّوجل (فَلَاأُقِيمُ يَمْوَاقِعُ النُّجُومَ وَانَهُ لِقَسَمٍ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) الواقعة : 75 - 76 ) ، يعني به اليمين بالبراءة من الأئمة عليهم السلام.
2- عن علي بن جعفر ) الصادق عليه السلام( قال : سألت أبا الحسن ) موسی بن جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل : «كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مصباح) سورة النور : 35 )، فقال : المشكاة فاطمة ، والمصباح الحسن والحسين ، الزجاجة (کأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ) قال : كانت فاطمة كوكباً رَبَا من نساء العالمين. ( مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، لابن المغازلي الشافعي 317 / ح 361 - أخرجه الحضرمي في : رشفة الصادي ص 29 )
3- هذا والأبيات الثلاثة التي تليه ، تشير إلی الرواية الواردة في ) بحار الأنوار ج 43 ص 8 ، ط 2 مؤسّسة الوفات - بيروت ( منقولة عن كتاب ( عيون المعجزات للشيخ حسين بن عبدالوهاب - من أعلام القرن الخامس): رُوي عن حارثة بن قدامة قال : حدثني سلمان قال : حدثني عمار قال : أخيرك عجباً ؟ قلت : حدّثني يا عمار . قال : نعم ، شهدت عليّ بن أبي طالب عليه السلام وقد ولج علی فاطمة عليها السلام ، فلمّا أبصرَتث به نادت : أذل لأحدَنك بما كان وبما و كائن وبما لم يكن إلی يوم القيامة حين تقوم الساعة . قال عمار : فرأيت أميرالمؤمنين عليه السلام يَرجع القهقری ، فرجعتُ برجوعه إذ دخل علی النبي صلي الله عليه و اله و سلم فقال : أذنُ يا أبا الحسن . فدنا ، فلمّا اطمأنُ به المجلس قال له : تُحدَئني أم أذنك ؟ قال : الحديث منك يا رسول الله. فقال:كأني بك وقد دخلتَ علی فاطمة وقالت لك كيت وكيت ، فرجعت . فقال علی عليه السلام: نورُ فاطمة مِن نورنا ؟ فقال صلي الله عليه و اله و سلم : أوَ لا تعلم ؟ فسجد علي عليه السلام شكراً للّه تعالی قال عمار : فخرج أميرالمؤمنين عليه السلام وخرجت بخروجه ، فولج علی فاطمة عليها السلام وولجت معه ، فقالت : كأنّك رجعت إلی أبي عليه السلام فأخبرته بما قلته لك ؟ ! قال : كان ذلك يا فاطمة . فقالت : اعلم يا أبا الحسن أنّ الله تعالی خلق نوري وكان يسبّح الله جل جلاله ، ثمّ أودعه شجرة من شجر الجنّة : فأضاءت ، فلما دخل أبي الجنة أوحى الله تعالى إليه إلهامة : أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة، وأبرزها في لهواتك. ففعل، فأودعني الله سبحانه و تعالی صلب أبي صلي الله عليه و اله و سلم ثم أودعني خديجة بنت خویلد، وضعتني وأنا من ذلك النور أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن يا أبا الحسن، المؤمن ينظر بنور الله تعالى».

فَلِذاكَ عِلْمُ الغَيْبِ دُونَكِ لَمْ يَغِبْ *** وَخَفِيُّ سِرَّ السِّرِّ لا يَخْفاكِ

قَدَكانَ عِنْدَكِ عِلْمُ مَا قدكَان أَوْ *** سَيَكُونُ فِي اَلْأُولَى وَفِي أُخْراكِ

هَذَا عَطاءٌ مِنْ عَطاءِ اللَّهِ مِنْ *** مَخْزُونِ عِلْمٍ مِنْهُ قَدْ أَعْطاكِ

فَالواصِفُونَ لِوَصْفِكِ الْقُدْسِيِّ قَدْ *** حارُوا وتاةَ الكُلُّ في مَعْنَاكِ

وَلَأنْتِ صُنْعُ اللَّهِ جَلَّ جَلالُهُ *** والنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لِعُلاكِ(1)

قَد كُنتِ كَنزاً مِن كُنوزِ العَرشِ وَالْ ***كُرْسِيِّ يا سُبْحَانَ مَن أَبْداكِ(2)

كَتَبَ الإلَهُ عَلَى سُرادِقِ عَرْشِهِ *** إِسْماً عَظِيماً وهُوَ مِن أَسْماكِ(3)

ص: 436


1- من كتاب لأمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية: فإنا صنائعُ ريَّنا، والناسُ بعدُ صنائع لنا. (نهج البلاغة : الكتاب 28) كتب الدكتور صبحي الصالح في بيان ذلك حسب فهمه: الصنائع: جمع صنيعة، وصنيعة الملك من يصطنعه لنفسه ويرفع قدره، وآل النبي أسراء إحسان الله عليهم، والناس أسراء فضلهم بعد ذلك . (فهرس الألفاظ الغريبة المشروحة ص159/ الرقم 3017).
2- في (معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص 399): عن أبي عبدالله ، عن آبائه عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : خُلق نور فاطمة عليها السلام قبل أن تخلق الأرض والسماء. فقال بعض الناس: يا نبي الله، فليست هي إنسية ؟ فقال : فاطمة حوراء إنسية. قالوا: يا نبيّ الله، وكيف هي حوراء إنسية ؟ قال : خلقها الله عزّوجلّ من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح، فلما خلق الله عز وجل آدم عرضت على آدم . قيل : يا نبي الله، وأين كانت فاطمة ؟ قال : كانت في حقة تحت ساق العرش قالوا: يا نبيَّ الله ، فما كان طعامها؟ قال : التسبيح والتقديس والتهليل والتحميد.
3- يصح ضبطه أيضا وهو من أسماك» أي من أسمائك. في كتاب (عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 309-307) ح 67): «عن الرضا عليه السلام قال : إن آدم عليه السلام : لما أكرمه الله تعالى ، ذكره بإسجاد ملائكته وبإدخاله الجنة، قال في نفسه: هل خلق الله بشراً أفضل منّي ؟ فعلم الله عزّوجلّ ما وقع في نفسه، فناداه : ارفع رأسك یا آدم فانظر إلى ساق عرشي فرفع آدم عليه السلام رأسه فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوباً : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، علي بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤمنين، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. فقال آدم عليه السلام : يا رب من هؤلاء؟ فقال عز وجل : هؤلاء من ذريتك ، وهم خير منك وين جميع خلقي ، ولولاهم ما خلقتُك ولا خلقتُ الجنّة والنار ولا السماء والأرض.

تَدْعُو بِهِ الأَمْلاكُ فِي أَفْلاكِها *** وَالأَنبِياءُ وَكُلُّ مَن والاكِ

والأَنْبيا ما كُونُوا فِي عالَمِ التَّكْ***وينِ إِلاَّ مِن شُعاعِ ضِياكِ

هَذا وَفَضْلُكِ فاقَ فَضْلَ الأَنبيا *** يا بَضْعَهَ الهادِي لِنُورِ هَداكِ(1)

وَكذا الوُجُودُ فَإنّما إيجادُهُ *** مِنْ بَحْرِ جُودٍ مِنْ بُحُورِ نَداكِ(2)

ومَنَاقِبُ لَكِ لَيْسَ يُحْصِي عَدَّها *** إِلَّا الَّذي أَنشَا الوَرى وَبَراكِ(3)

قَد كُنتِ أُسّاً لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** وَمُحَمَّدٌ فِي الأَصْلِ كانَ أَباكِ(4)

ص: 437


1- في (علل الشرائع ج 1 ص 213 ح 1): عن جابر الجعفي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت: لم شميت فاطمة الزهراء (زهراء)؟ فقال: لأن الله عزّوجلّ خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها، وغشيت أبصار الملائكة، وخرت الملائكة لله ساجدين وقالوا: إلهنا وسيدنا، ما هذا النور ؟! فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري، أسكنته في سمائي ، خلقته من عظمتي ، أخرجه من صُلب نبئ من أنبيائي أفضّله على جميع الأنبياء، وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري ويهدون إلى حقّي، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وَحيي.
2- الندى : الجود والخير والفضل.
3- أنشا: مخففة «أنشأه . براک : مخففة «بَراکِ» بمعنی خلقکِ.
4- في (کشف اللآلي، لابن العرندس ) عن الله تبارك وتعالى: يا أحمد، لولاك لما خلقتُ الأفلاك، ولولا علىَّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتَكما. (رواه أيضاً السيد المير جهاني في: الجُنة : العاصمة ص 148، والمرندي في : ملتقى البحرين ص 14). وقد أوضح بعض العلماء معنی ذلك خلال بيانهم لمعنى «أمّ أبيها»، وكان منهم من يقول: لولا على عليه السلام لما كان للنبوة المحمدية امتداد و تحقُّقّ بين الناس، ولولا فاطمة عليها السلام لما استمرت الإمامة إلى المولى الحجة المهدي صلوات الله عليه.

لا زِلْتِ قَائِمَةً لِرَبِّكِ فِي الدُّعا *** ومِنَ القيامِ تَوَرَّمَتْ قَدَماكِ(1)

قَدْ كانَ إِسْرافيلُ عَنْكِ مُسَبِّحاً *** بِالْكَفِّ مَن يُمناهُ عَنْ يُمْناكِ

ويَمِينُ مِيكائِيلَ تَطْحَنُ بِالرَّحى *** حُبّاً لِقُوتِكِ إِذْ غَفا جَفناكِ

والرَّوْحُ مُذْ ناغي حُسَيناً هَزَّهُ *** بِالمَهْدِ لمّا أنْ هَدَتْ عَيناكِ(2)

ص: 438


1- في ( مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص 361): «ما كان في هذه الأمّة أعبد من فاطمة عليه السلام، كانت تقوم حتى تورم قدماها)
2- ناغی : كلّم الصبئَّ بكلام يسرُّه ويُعجبه . حَدَت : مخففة «هَدَاَت» في (بحار الأنوار ج 37 ص 97): «عن أم أيمن قالت: مضيتُ ذات يوم إلى منزل مولاتي فاطمة الزهراء عليها السلام لأزورها في منزلها، وكان يوماً حارّاً من أيّام الصيف، فأتيتُ إلى باب دارها وإذا بالباب مُغلق، فنظرت من شقوق الباب فإذا بفاطمة الزهراء عليها السلام نائمة عند الرَّحی، ورأيت الرَّحى تَطحن البَرَّ وهي تدور من غير بد تُديرها، والمهد أيضاً إلى جانبها والحسين عليهما السلام نائم فيه والمهد يهتزّ ولم أر من يهه، ورأيت كفّاً يُسبح الله تعالى قريباً من كفّ فاطمة الزهراء عليها السلام. قالت أمّ أيمن: فتعجّبتُ من ذلك، فتركتها ومضيت إلى سيّدي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وسلمت عليه وقلت له: يا رسول الله، إنّي رأيت عجباً ما رأيتُ مثله أبداً ، فقال لي : ما رأيت يا أمّ أيمن ؟! فقلت: إني قصدت منزل سيّدتي فاطمة الزهراء فلقيت الباب مغلقاً وإذا أنا بالرَّحي تطحن البُر وهي تدور من غير يد تديرها، ورأيت مهد الحسين يهتز من غير يد تهزه، ورأيت كفاً يسبح الله تعالى قريباً من كفّ فاطمة عليها السلام ولم أر شخصه، فتعجّبت من ذلك يا سيدي ! فقال : يا أمَّ أيمن، اعلمي أن فاطمة الزهراء صائمة وهي متعبة جائعة، والزمان قيظ، فألقى الله تعالى عليها النعاس فنامت، فسبحان من لا ينام، فوكل الله ملكا يطحن عنها قوت عيالها، وأرسل الله ملكا آخر يهز مهد ولدها الحسين عليه السلام لئلا يزعجها من نومها، ووكل الله ملكاً آخر يسبح الله عز وجل قريباً من كف فاطمة عليها السلام يكون ثوابُ تسبيحه لها؛ لأن فاطمة لم تَفتُر عن ذكر الله، فإذا نامت جعل الله ثواب : تسبيح ذلك الملك لفاطمة، فقلت: يا رسول الله ، أخبرني من يكون الطحان ، ومن الذي يهز مهد الحسين عليه السلام ويناغيه ومن المسبح ؟ فتبسم النبي صلي الله عليه و اله و سلم ضاحكاً وقال : أما الطحان فجبرئيل، وأما الذي يهزُّ مهد الحسين عليه السلام فهو ميکائيل، وأما الملك المسيح فهو إسرافيل».

كانَت لِخِدمَتِكِ الملائِكُ في السَّما *** يَتَفاخَرُونَ وَذاكَ مِنْ عَلْياكِ

تَتَعفَّرُ الأَمْلاكُ بِالجَبَهاتِ فِي *** قُدْسِيِّ تُربٍ من سَنا رُحماكِ

إِنَّ الإِلهَ أَحَبَّ مَنْ والاكِ مِنْ *** قَلْبِ وِعَادَي اللَّهُ مَنْ عَاداكِ(1)

بَل إنّهُ وَالرُّسلَ وَالأَملاكَ قَدْ *** لَعَنُوا دَوَاماً كُلُّ مَن آذاكِ(2)

ولَأَنْتِ فِي السَّبْعِ المَثانِي فاطِمُ *** قَبِلَ الْإِلهُ صَلاةَ مَنْ والاكِ

ولَقَدْ أَتي في هَلْ أَتي سَامٍ سَما *** وعَلاءُ مَدحٍ في عُلُوِّ عُلاكِ(3)

وَلَأنتِ بَضعَةُ أَحمَدٍ وحَبِيبَةُ ال*** لَّهِ العَلِيِّ أَحَبَّ مَنْ يَرْعَاكِ(4)

قَدْ كُنْتِ مِنْ أَهْلِ الكِسا خَيْرَ النِّسا *** اللَّهُ طَهَّرَ بِالصَّفاءِ صَفاكِ

لَوْلاكِ مَا خُلِقَت سَماءً لا ولا *** أَرْضٌ ولا بَحرٌ جَرَي لَوْلاكِ

كَلاّ ولا شَمسٌ ولا قَمَرٌ ولا *** كَوْنَ تُعايِنُ كَوْنَهُ عَيْنَاكِ(5)

ص: 439


1- في (کنز الفوائد للكراجكي 1: 150): «عن الصادق عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : ملعونٌ ملعون من يَظلم بعدي فاطمة ابنتي ، ويغصبها حقّها ويقتلها».
2- الضمير في «إنه» يعود للإله سبحانه وتعالى المذكور في البيت السابق.
3- من أروع ما قيل في هذا المعنى قول عبد الباقي العمري: وسائل هل أتی نَصِّ بحقِّ علي ؟ *** أجبته «هل أتی» نَصِّ بحق علي
4- في (إحقاق الحقّ ج10ص217): «قالت عليها السلام للأول والثاني : ألم تسمعا رسول الله يقول : رضی فاطمة من رضاي، وسَخَط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمةَ ابنتي فقد أحبني ، ومَن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني» ؟! قالا: نعم، سَمعناه .. (عن: الإمامة والسياسة، لابن قتيبة 13:1 ، ط مصطفى الحلبي - مصر).
5- تقدُمت بعض الأحاديث في ذلك قبل قليل.

باهَي النَّبِيُّ بِكِ النَّصاري فَانْثَنَوا *** مِنْ أَنْ يُباهُوهُ بِتُرْبِ حِذاكِ(1)

أَذِنَ الإِلَهُ بِرَفْعِ بَيْتِكِ وهُوَ بَيْ *** تُ الوَحْي عُدَّ لِمَهبَطِ الاَملاكِ(2)

اَيْجُوزُ عِنْدَ الله يا لَلَّه أَمْ *** عِنْدَ النَّبِيِّ أَبِيكِ أَمْ أبناكِ

يَأْتِي لِبَيْتِ الوَحْيِ يُحْرِقُ بابَهُ *** جِبتٌ خَبِيثُ الأَصْلِ إبن صَهاكِ؟(3)

بِالبابِ يَضْغَطُكِ اللَّعِينُ ويَكْسِرُ ال *** أَضْلاعَ مِن جَنْبَيْكِ لاَ يَخْشاكِ

فَأَتَاكِ فِي حالِ المَخاضِ تَوجُّعٌ *** تَرَوُّعٌ وَ تَصَدُّعٌ اَضناكِ(4)

فَرَمَيْتِ مُحْسِنَكِ الَّذي لَمْ يَكْتَمِلْ *** لِتَمامِ حَمْلٍ فِي قَرارِ حَشَاكِ

وعَلاكِ بالأَسْواطِ فَوْقَ الرَّأْسِ بَلْ *** فَوْقَ اليَدَيْنِ وَقَد أسالَ دِماكِ

وَعَلاكِ مِن فَوْقَ الْجَبِينِ بِلَطْمَةٍ *** بِخَواتِمٍ فَتَالَّمتْ عَيْناكِ

وتَنَاثرتْ مِنْ أُذنِكِ الاَقراطٌ بَلْ *** مالَ القِناعُ مَالَ عَنْكِ رِداكِ(5)

ص: 440


1- انثنوا: انعطفوا وامتنعوا. باهی : فاخر. وأراد الشاعر هنا المباهلة لنصاری نجران.
2- إشارة إلى نزول قوله تعالى (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أن تُرفَعَ وَيُذْكَرُ فيها اسمُهُ) ، وأنها بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء، وسؤال أبي بكر هل أن بيت علي وفاطمة من تلك البيوت، فقال النبي صلي الله عليه و اله و سلم : بلی من أفاضلها. وقد تقدم ذلك.
3- لا يجوز عند الله ورسوله والأئمة، بل ولا في شرع العقل أن يأتي لبيت الوحي جبتُ فيحرقه. وقوله «أيجوزُ یأتی» بحذف «أن» من الضرائر، على حدّ قول طرفة بن العبد: ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغى *** وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي ؟ وعند الكوفيين تعمل «أن» حتّى مع حذفها، وينشدون الشعر : «أخضُرَ الوغى».
4- أضنا : أمرضَك بحيث أثر فيك الضعف والهزال.
5- تقدّم كلّ ما ذكره الشاعر من إحراق البيت وعصر الزهراء عليها السلام بين الباب والحائط وسقوط المحسن، وضربها عليها السلام بالأسواط، ولطم عينيها، وتناثر القرط.

أُزُرَيقٌ تَمْنَعُنِي تُرَاثيَ مِنْ أَبي *** وَ تَحُوزُ إِرْثُكَ مِنْ أَبٍ أَفَّاكِ؟(1)

أَمْ كَيْفَ تَغْصِبُنِي العَوالي مَع قُرى *** فَدَكٍ وتُسْخِطُ مَالِكَ الأملاكِ ؟(2)

مِن بَعْدِ مَا رُدَّتْ شُهودُكِ إِذْ هُمُ *** شَهِدُوا بِحَقِّ اَللَّهِ فِي دَعْواكِ(3)

عَجَباً يُساقُ المُرتَضَى حَامِي الحِمى *** سَيْفُ الإِلَهِ مُدَمِّرُ الإِشْراكِ !

لِيُبايِعَ الطّاغُوتَ مُهْلِكَ عُصبَةِ أَلْ *** هُلَّاكِ مَا أَشْقَاهُ فِي الهُلّاكِ !(4)

تَبّاً لِمَنْ قَدْ قَالَ لي يا فاطِمُ *** لا تَبْكِ دَأْباً فِي البِلادِ أَباكِ!(5)

ص: 441


1- ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام التعبير عن أبي بكر ب «زریق»، وكذلك عُبر بذلك عن عمر. والمقصود هنا هو أبوبكر. قالوا: لأنّ الزرقة مما يتشاءم به العرب، أو من الرزق بمعنى العمى . والذي أراه أن الكناية بذلك إشارة إلى أنّهما من اليهود، لأن يهود بني زريق كانوا أصدقاء عمر، و هم الذين أرادوا سحر رسول الله والكيد له.
2- العوالي : أماكن بأعلى أراضي المدينة، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قد أعطاها للزهراء عليها السلام مع فدك . وفي (صحیح مسلم، المجلد الرابع ص 29 - 230 ح 1759، ط الأولى - مؤسسة عز الدين): عن عائشة قالت: إن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله میراثها من رسول الله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من مس خیبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال : لا نورث، ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال ... فأبی أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك».
3- جاء في ( عوالم سيدة النساء ج 2 ص 635، ط 3 - مؤسسة المهدي ): «عن المفضل بن عمر قال : قال مولاي جعفر الصادق عليه السلام : لما ولي أبو بكر بن أبي قحافة قال له عمر: فقال عمر: هاتي بيّنه يا بنت محمي على ما تدعين . فبعثت إلى عليُّ والحسن والحسين عليهم السلام وأمِّ أيمن، وأسماء بنت عُمیس وكانت تحت أبي بكر بن أبي قحافة، فأقبلوا إلى أبي بكر وشهدوا لها بجميع ما قالت وادعته، فقال عمر: أما علي فزوجُها، وأما الحسن والحسين فابناها، وأما أم أيمن فمولاتها، وأما أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم وقد كانت تخدم فاطمة، وكلّ هؤلاء يجرون إلى أنفسهم !.
4- أي أن الطاغوت هو الذي يورد أتباعه النار فيُهلكهم، فهو مُهلِكُ عُصبة الهُلّاك.
5- أصلُها «لا تبكي»، وقد حذف الياء ضرورة .

وإِلَى الْبَقِيعِ أَرُوحُ أَبْكِي وَالِدِي *** حَتّى أَرُوحَ إِلَى ظِلالِ أَراكِ

كَيْ أَبكِهِ عِنْدَ الأَراكَةِ إِذْ مَعَ ال *** ْأَمْلاكِ تَبْكِيهِ مَعَ الأَفْلاكِ(1)

يَا وَالِدِي ان الأَراكَةَ جَذَّها *** كَفُّ ابْنِ سَلْمى جُذَّ وابنِ صُهاكِ(2)

***

ص: 442


1- الجزم بكي» غلط. أو ضرورة قبيحة.
2- جذَّها: قطعها. وقد تقدم قطعهم الأراكة، لكن لم أقف على ابن سلمي من هو. صهاك كانت أمه حبشية لعبد المطلب ، كانت ترعى له الإبل ، فوقع عليها تُقيل فجاءت بالخطّاب ، ثم إنّ الخطّاب لمّا بلغ الحُلم ترغب في صهاك فوقع عليها فجاءت بابنة فلقّتها في خرقة ورمتها، فرآها هاشم بن المغيرة فربّاها وسمّاها حنتمة، فلمّا بلغت رآها خطّاب فرغب فيها وخطبها من هاشم فأنّكحها إيّاه ، فجاءت بعمر بن الخطاب ( كما جاء في : عقد الدرر). وفي ( الاحتجاج 219:1 ) في خطاب أمير المؤمنين عليه السلام للثاني بعد يوم السقيفة : يا ابن صهاك ! فأبشر أنت وصابك ، ومَن اتبعكما وواز رکما، بسخط من الله وعذابه وخزيه. للقصيدة تتية تتعلَق برنا الإمام الحسين عليه السلام فلم نذكرها.

قافية اللاّم

اشارة

ص: 443

(1)بَكِيتُ لفاطمٍ

(بحر الكامل)

الشيخ أبو الحسن الخَليعيّ(1)

ص: 444


1- هو أبو الحسن علي بن عبدالعزيز بن أبي محمد الخليعي الموصلي الحلي، تُوفي في حدود سنة 750 ه بالحلة. كان فاضلاً أديباً شاعرة، له ديوان ليس فيه إلا مدح الأئمة عليهم السلام، ذكر الشيخ الأميني له شعرأً كثيراً وقال : له 39 قصيدة في أهل البيت، وديوان الخليعي في مكتبة السيّد الحكيم العامة في النجف الأشرف ( قسم المخطوطات) بخطّ الشيخ محمد السماوي، وله الفضل في جمع هذا الشعر حتى تألف منه ديوان يضم أكثر من ثلاثين قصيدة. وذكره الشيخ الأميني مرة أخرى في ( الغدير) فقال : إنه ولد من أبوين ناصبين، وإن أمه ذرت أنها إن ترزقت ولدة تبعثه لقطع طريق السابلة من زوار الحسين علا وقتلهم، فلما ولدت المترجم وبلغ أشُدَّه ابتعثته كما نذرت، فلما بلغ إلى نواحي (المسيب) بالقرب من كربلاء المقدسة طفق ينتظر قدوم الزائرين، فاستولى عليه النوم واجتازت به القوافل، فأصابه الغبار، فرأى فيما يراه النائم أن القيامة قد قامت وقد أمر به إلى النار، ولكنها لم تمسه إما عليه من ذلك اليثير ، فانتبه تائبا واعتنق ولاء أهل البيت عليهم السلام و قصد الحائر الشريف، ويُقال : إنه نظم عندئ بيتين من الشعر هما: إذا شئتَ النجاةَ فَزُر حسيناً *** لكي تَلقى الإلة قريزَ عَين فإنّ النار ليسَ تمسُّ جسماً *** عليه غُبارُ زُوّار الحسين ونقل العلامة النوريّ في ( دار السلام) أن المترجم لما دخل الحرم الحسيني المقدَّس، أنشأ قصيدة في الحسين عليه السلام وتلاها عليه، وفي أثنائها وقع عليه ستار من الباب الشريف فسّمِّي «الخليعي» أو «الخلعى». وذكر الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي أن الخليعي قد مات في حدود سنة 850 ه أو قرب و ذلك، واستند إلى كتاب( الحصون المنيعة)، وقال في آخر الترجمة : ودفن في أحد بساتين الجامعين) بين مقام الإمام الصادق عليه السلام وقبر رضي الدين بن طاووس على مقربة من باب النجف الذي يُسمّيه الحلّيّون (باب المشهد)، وعلى قبره قبه بيضاء، وبالقرب منه قبر ابن حمّاد، وقد ذكره السيد مهدي معز الدين القزويني في (فُلك النجاة) في عداد مراقد علماء الحلّة.

لَم اَبْكِ رَبعاً لِلاَحِبَّهِ قَدْ خَلا *** وَعَفاً وَ غَيَّرَهُ الجَدِيدُ فاَمحَلا(1)

كَلاَّ ولا كَلَّفْتُ صَحْبِي وَقْفَةً *** في الدَّارِ إنْ لَم أُشْفَ صَبّاً عُلِّلا(2)

ومَطَارِحُ النَّادِي وغِزْلانٌ النِّقا *** وَالجِزعُ لَم أَحْفِلْ بِها مُتَغَزِّلا(3)

وبَواكِرُ الأظعانِ لَمْ أَسْكُبْ لها *** دَمْعاً وَلا خِلُّ نَأَي وتَرَحَّلا(4)

لَكِنْ بَكِيْتُ لِفاطِمٍ ولِمَنْعِها *** فَدَكاً وقَد أَتَتِ الخَؤُونَ الأوَّلا(5)

إِذْ طَالَبَتْهُ بِإِرْبِها فَرَوي لها *** خَبَراً يُنافِي المُحكَمَ المُتَنَزِّلا

لَهفِي لها وَ جُفُونُها قَرْحِي وقَدْ *** حَمَلَت مِن الأَحْزانِ عِبئاً مُثقِلا

تُخْفِي تَفَجُّعَها وَتَخْفِضُ صَوتَها *** وَ تَظَلُّ نادِبَهُ اَباها المُرْسَلا

ص: 445


1- الجديد: الزمن. لأنه يتجدّد. أمحَلَ : أجدَبَ.
2- صَبّاً: عاشقاً ذا وُلَع شديد. أي لم أناير: قفا نبك من ذكرى حبيب ومَنزلِ .. ولم أستوقف أصحابي بمثل هذا النداء على الأطلال.
3- النقا: القطعة من الرمل المُحدودية . الجزع، بكسر الجيم: محلّة القوم، أو منقطع الوادي . ومراده منازل الأحبّة.
4- بواكر الأظعان: القوافل الراحلة مبكّرة في سفرها . الخلّ: الحبيب . نأى : ابتعد وسافر.
5- في (صحيح مسلم 3: 1377/ ح 49 - کتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء) . وعنه : ابن الأثير في (جامع الأصول 2: 701/ ح 1202) مسندة إلى عمر حيث قال للإمام عليّ عليه السلام وللعبّاس في کلام جاء فيه .: قال أبو بكر: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : لا نورُث، ما تركناه صدقة .. فرأيتماه کاذباً آثماً غادراً خائناً ! (يراجع أيضاً: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 229، 226).

تَبْكِي علی تَكدِيرِ دَهْرٍ ما صَفا *** مِن بَعْدِهِ وقَرِيرِ عَيْشٍ ما حَلا(1)

لَمْ أَنْسَها إِذْ أَقْبَلَتْ فِي نِسْوَةٍ *** مِن قَوْمِها تَرْوِي مَدامِعُها المَلا(2)

وتَنَفَّسَتْ صُعَدَا ونادَتْ أيُّها إل *** أَنْصارُ يَا أَهْلَ الحِمايَةِ وَالكِلا(3)

أَخَذَ الإلَهُ لَکِ اَلْعُهودَ عَلَى اَلْوَرَى *** فِي الذَّرِّ لَمَّا أن بَرَّا وَبِكَ ابتَلى(4)

فِي يومِ قالَ لَهُمْ أَلَسْتُ بِربِّكُمْ؟ *** وَعَلِيُّ مَؤلاَكُمْ؟ مَعاً قَالُوا بَلى(5)

***

قَسَماً بِورْدِيٍ مِن حِياضِ مَعارِفِي *** وبِشُربِيَ العَذْبَ الرَّحِيقَ السِّلسَلا(6)

ص: 446


1- وهي القائلة تخاطب أباها فی قبره عند أوَل زيارتها له : انقلَبَت بَعدَ يا أبتاه الأسباب ، وتعلّقت دوني الأبواب ، فأنا للدنيا بعلك قالية ، وعليك ما ترددَت أنفاسي باكية ، لل يَنفد شوقي إليك ، ولا حُزنی عليك. بحار الأنوار 43: 176/ ح 15.
2- لا يتّجه له المَلا « هنا معنی ، فهی إما مصحّفة عن » الفلا « أي أنّ أدمعها لغزارتها تروي الصحاري . وإما أن تُضبط المُلا « مخفّفة » المُلاء جمع مُلاءة ، وهي نوع من الملابس ، أي أن أدمعها بلّت ثيابها لكثرتها والأوّل أوجَهُ .
3- الضُعَداء : التنفُس الطويل من هَمَّ أو تَعب . والكلاء : الحفظ ، كَلَا اللّه فلاناً كَلا وكلاءً وكلاءَة :حرسه وحفظه .
4- بَرَاً: خَلَقَ . ابتلی : امتحن .
5- في كلام للإمام الصادق عليه السلام: كان ذلك الميثاق مأخوذاً عليهم للهِ بالربوبية ، ولرسله بالنبوة ،لأميرالمؤمنين عليه السلام وللأئمة بالإمامة ، فقال : ألستُ بربّكم ، ومحمّد نبيكم ، وعلي إمامكم ،والأئمّة الهادون أئمتكم ؟ ! فقالوا : بلی ، فقال الله : شهدنا أن تقولوا يومَ القيامة - أي لئلّا تقولوا يوم القيامة - إنّا كنّا عن هذا غافلين . . ) تفسير القمي في ظلّ قوله «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ »سورة الأعراف : 172 ).
6- الورد : ما يُورد من الماء . الرحيق : ضربٌ من الطيب ، والرحيق الخالص الذي لا غُشَّ فيه السَّلسل : الماء العَذب ، أو الخمر اللّيّنة .

وَمَنِ استَجَارَكِ مِن نَبِيٍ مُرسَلٍ *** وَدَعا بِحَقِّكِ ضَارِعاً مُتَوَسِّلا(1)

لَو قُلتُ إِنَّكِ رَبُّ كُلِّ فَضِيلَةٍ *** ما كُنْتُ فِيما قُلْتُهُ مُتَنَحِّلا(2)

أَوْ بُحثُ بالخَطَرِ الّذي أَعْطاكِ رَب *** بُ العَرْشِ كادُونِي وقالُوا قَدْ غَلا(3)

فَإِلَيْكِ مِنْ تَقْصِيرِ عَبْدِكِ عُذْرَهُ *** فَكَثِيرٌ مَا أَبكِي أَراهُ مُقَلَّلا

بَلْ كَيْفَ يَبْلُغُ كُنْهَ وَصْفِكِ قائِلٌ *** وَأَبُوكِ فِي عَلْياكِ أَبْلَغُ مِقوَلا؟

وَنَفائسُ القُرآنِ فِيكِ تَنَزَّلت *** وَبِكِ اغتَدى مُتَحلِّياً مُتَجَمِّلا(4)

فَاسْتَجلِها بِكْراً فَأَنتِ مَلِيكُها *** وَعلى سِواكِ تَجِلُّ مِن أن تُجْتَلِي

ولَئِنْ بَقِيتُ لَأَنْظَمَنَّ قَلائِداً *** يُنسِي تَرَصُّعُها النِّظامَ الأَوَّلا

شَهِدَ الإلَهُ بِأنّنِي مُتَبرِّئٌ *** مِنْ حَبْتَرٍ ومِنَ الدُّلامِ ونَعْثَلا(5)

ص: 447


1- كما ورد في روايات خاصّة وعامّة توسَلُ آدم عليه السلام بالخمسة الأنوار : محمدِ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، فتاب الله عليه ، وتوسّل زكريّا عليه السلام بهم ، والنبياء ، صلي الله عليه و اله و سلم جميعاً توسّلوا بهم وصلُّوا عليهم ، ففرّج الله عنهم .. ( يراجع : فراند السمطين للحمويني الشافعیّ 1 : 36 ، بحار الأنوار 52 : 84 ، شرف الذاكرين في الصلاة علی محمد وآله الطاهرين لجعفر البيّاتیّ 3 10 - 112 ، فصل توسّل الأنباء بهم ).
2- متنحلاً : مدّعياً إلی نفسه القول الذي لغيره .
3- الخَطَرُ : الشأن العظيم . غلا : بالغ وغالی .
4- قال الإمام الباقر عليه السلام : » نزل القرآن علی أربعة أرباع : ربعُ فينا ، وربعٌ في عدونا ، وربع فرائض وأحكام ، وربع سننّ وأمثال ، ولنا كرائم القرآن « . (تفسير العياشي 1 : 9 ) .
5- حبتر : جاء مكرّراً في الروايات منها: ما بعث الله نبيّاً إلّا وفي زمانه شيطانان يؤذيانه ، ويُضلَانِ الناس مِن بعده ، وصاحباً محمد صلي الله عليه و اله و سلم: حبتر ودلام . ) الصراط المستقيم للبياضي 3 : 40 ، تفسير العيّ 2 : 234 ( ، وفي ) غاية المرام للسيّد هاشم البحرانيّ 4 : 126 ( في قوله تعالی :( أمْ نجعل الذينَ آمنوا وعلوا الصّالحات ) قال : أميرالمؤمنين وأصحابه ،کالمُفسدین في الأرض ) : حبتر وزُريق وأصحابهما - ( سورة ص : 28 درُمز به إلى الأول، كما رُمز إلى الثاني ب«لام» وهو الأسود وكان عمر أسود، أو وهو اللاشيء! روى الشيخ المفيد في الاختصاص ص 143) عن الإمام الصادق عليه السلام قال : المؤمن هاشمي؛ لأنه هشم الضلال والكفر والنفاق . والمؤمن قُرشي ؛ لأنه أقرُ للشيء ونحن الشيء، وأنكر لا شيء: الدلام وأتباعه. والمؤمن نبطي ؛ لأنه استنبط الأشياء، تعرف الخبيث عن الطيب . والمؤمن عربي ؛ لأنه عرب عا أهل البيت . والمؤمن أعجمي؛ لأته أعجم عن الدلام فلم يذكره بخير .. وأما نَعثل، فعرّفه الجوهري في (الصحاح 5: 1832) بأنه اسم رجل كان طويل اللّحية، وكان عثمان إذا نيل منه و عُيب شُبه به لطول لحيته. وقال الزمخشري في (الفائق 4: 52): هو الشيخ الأحمق . ولقد لقبت عائشة عثمان بهذا في موارد عديدة، قائلة له: يا نعثل يا عدو الله ! إنما سماك رسول الله باسم نعثل اليهودي. وقائله فيه: اقتلوا نعثة، قتل الله نعثلاً .. اقتلوا نعثلاً فقد كفر؟ قيل : إن عائشة هي أول من سمته بذلك . ( يراجع: المعارف لابن قتيبة 257، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 4: 116، الجمل لابن شدقم ص 21 - 22، شرح نهج البلاغة 6: 210، المحصول للرازي 2: 197.. وغيرها).

وَبَرَاءَهُ الخَلعِيِّ مِنْ عُصَبِ الخَنَا *** تُبْنِي عَلى أَنّ البَرا أَصْلُ الوِلا(1)

ص: 448


1- العُصَب : جمع العُصبة، وهي الجماعة من الرجال . والخنا: الفُحش في الكلام. البَرا: مخففة البَراء بمعنى البراءة، برئَ من الشيء بُرُوءاً وبَرَاءَهً وبراء: تخلّص منه وابتعد عنه .

(2) سَوفَ تأتي الزَّهراءُ

(بحر الخفيف)

الصاحب بن عباد(1)

ص: 449


1- هو إسماعيل بن عباد بن العباس بن أحمد بن إدريس الديلمي الطالقاني القزويني . ولد في الطالقان من توابع قزوین سنة 326ه . ولقب بالصاحب لأنه كان يصحب ابن العميد، ثم أطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة، وقد بقي في الوزارة ثماني عشرة سنة وشهراً. وقد ور أولاً لمؤيد الدولة ابن ركن الدولة بن بويه بن العميد، ثم لأخيه فخر الدولة. كان من نوادر الدهر علماً و فضلاً وتدبيراً و جودة رأي . أخذ الأدب عن ابن فارس اللغوي وعن أبي الفضل بن العميد وغيرهما.كان مُحبّاً للعلم والعلماء والأدب والأدباء، وقد مدحهُ خمسمائه شاعر. كان من شعراء أهل البيت المجاهرين، وكان نقش خاتمه: و على الله توکلتُ *** وبالخمسِ توسلتُ و نقش خاتمه الآخر: شفيع إسماعيل في الآخره *** محمد والعترة الطاهره وأخباره وآثاره ومآثره كثيرة مدونة وله مؤلّفات كثيرة منها: 1 - الكافي في الرسائل، 2 - التذكرة، 3- الأنوار، 4 - التعليل، 5 - الوقف والابتداء، 6 - العروض، 7 - الوزراء، 8- جوهرة الجمهرة، 9 - الكشف عن مساوئ شعر المتنبي، 10 - الشواهد، 11 - القضاء والقدر، 12 - ديوان شعره، 13 - المحيط في اللغة (سبع مجلّدات). ألف الشيخ الصدوق لأجله کتاب (عيون أخبار الرضا عليه السلام)، وألف لأجله الحسن بن محمد القمي کتاب (تاریخ قم)، وألف الثعالبي له كتاب ( يتيمة الدهر). توفي ليلة الجمعة 24 صفر سنة 385ه ، فأغلقت له مدينة الري، وكان تشييعه عجيباً، ونقل جثمانه إلى أصفهان حيث دفن فيها، وقبره مزار معروف في باب الطوقجي أو الميدان العتيق ، وقد رثاه جماعة من الشعراء.

سَوْفَ تَأْتي الزَّهْراءُ تَلْتَمِسُ الْحُكْ *** مَ إِذَا حانَ مَحشَرُ التَّعدِيلِ(1)

وَأَبُوها وبَعْلُها وبَنُوها *** حَوْلَها والخِصامُ غَيْرُ قَلِيلٍ

وتُنَادي يا رَبِّ ذُبِحَ أَوَّلا *** دِي لماذا؟ وأَنْتَ خَيْرُ مُدِيلِ(2)

فَيُنادِي بِمالِكٍ أَلْهِبِ النَّا *** رَ وَاَجَّج وَخُذْ بِأَهْلِ الغُلُولِ(3)

وَيُجازَي كُلٌّ بِما كانَ مِنهُ *** مِنْ عِقابِ التَّخْلِيدِ والتَّنْكِيلِ(4)

***

يَا بَنِي الْمُصْطَفى بَكَيْتُ وأَبْكَيْ *** تُ ونَفْسي لَم تَأْتِ بَعْدُ بِسُولِي(5)

لَيْتَ رُوحِي ذابَتْ دُمُوعاً فَاَبْكِي *** لِلَّذِي نَالَكُمْ مِنَ اَلتَّذْلِيلِ

ص: 450


1- في (عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 26/ ح6): عن الرضا عليه السلام عن آبائه ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدم فتتعلّق بقائمة من قوائم العرش، فتقول: يا عدل احكم بيني وبين قاتل ولدي ، قال رسول صلي الله عليه و اله و سلم : فيحكم لابنتي وربّ الكعبة، وإن الله عزّوجلّ يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها.
2- المُديل : هنا بمعنى المنتقم المرادّ الحقّ لأهله.
3- الغُلّول: الخيانة . والمعني هنا هم الذين خانوا الله ورسوله وأهل بيته ففعلوا الأفاعيل.
4- أي التخليد في جهنم. في (ثواب الأعمال 100:2 ) قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : إذا كان يوم القيامة فاطمة عليها السلام في لُمّة من نسائها فيقال لها : أدخلى الجنة، فتقول: لا أدخل حتّى أعلم ما صنع بولدي من بعدي ؟ فيقال لها: انظري في قلب القيامة ، فتنظر إلى الحسين عليه السلام قائماً وليس عليه رأس، فتصرخ صرخة وأصرخ لصُراخها وتصرخ الملائكة لصُراخنا، فيغضب الله عزّوجلّ لنا عند ذلك، فيأمر ناراً يقال لها: هبهب، قد أوقد عليها ألف عام حتّى اسودت لا يدخلها رَوُح أبدأً ولا يخرج منها غم أبداً، فيقال الها: التقطي قتل الحسين عليه السلام ... الحديث.
5- سُولي : مخففة «سُؤلي» بمعنى طَلِبتي .

فَوِلائِي لَكُم عَتادِي وزادِي *** يَؤمَ الْقَاكُمُ عَلَى سَلْسَبِيلِ(1)

لِيَ فِيكُمْ مَدَائِحُ وَ مراثٍ *** حُفِظَت حِفظَ مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ(2)

قَدْ كَفَانِي فِي الشَّرقِ وَالغَربِ فَخْراً *** أَنْ يَقُولوا مِن قِيلِ إسْماعيلِ(3)

ومَتَى كادَني النَّواصِبُ فِيكُم *** حَسبِيَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ وَكِيلِ(4)

ص: 451


1- العتادُ : ما يُعَدُّ ويُهيَّاُ لأمرِ ما.
2- أي أنّها شائعة ذائعة عند الناس يحفظونها كما يحفظون القرآن، أو أنها محفوظة عند الله في اللوح لآخرتي كما أن القرآن محفوظ عند الله عزّوجلّ.
3- قيل إسماعيل : قول إسماعيل.
4- أخذه من قوله تعالى في الآية 173 من سورة آل عمران «فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ»، لكنه تخلصاً من رفع القافية قال: «خير وكيل».

(3)يومُ البتول

(بحر الخفيف)

السيد صالح القَزويني البغداديّ(1)

ص: 452


1- هو السيد صالح ابن السيد مهدي ابن السيد رضا بن مير علي الحسيني، الشهير بالقزويني النجفي البغدادي، ينتمي نسبه إلى الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام. ولد في النجف الأشرف في السابع عشر من رجب سنة 1208 ه، فنشأ وترعرع في ظل أبيه ، فاعتنى بتربيته وغذاه بأخلاقه وأفاض عليه من روحه، فكون منه إنسانا محبوبا في طفولته محترما في شبابه و قورة في كهولته مهيب في شيخوخته. ومنذ نعومة أظفاره تعشق العلم، فدرس العلوم الدينية على جماعة من العلماء، أكبرهم وأعمقهم أثرا في نفسه أستاذه الشيخ محمد حسن صاحب (جواهر الكلام). انتقل إلى بغداد سنة 1259 ه وأقام بها، فكانت داره ندوة العلماء والشعراء على اختلاف مللهم ونحلهم، وفي مجلسه حشمة فائقة لا يدور فيه الشذوذ من القول ولا الانتقاص للبشر». . صاهر أستاذه المرجع الديني الكبير صاحب الجواهر، وأعقب أولاداً وهم علماء وأدباء لهم مكانتهم الاجتماعية، وكانت له الزعامة الدينية في بغداد في جانب الكرخ، فكان مرجع الرأي العام، وموئل القاصدين من ذوي التدين والفحص عن أسرار التشريع والعقيدة . وكان متصدرة على أقرانه من الشعراء والأدباء في شعره، أمثال الشيخ صالح التميمي وعبدالباقي العمري والأخرس البغدادي و غيرهم. خلف آثار أدبية وعلمية، منها: 1- الدرر الغروية في مدح و رثاء العترة المصطفوية: يشتمل على أربع عشرة قصيدة في النبي والزهراء والأئمة الاثني عشر عليهم السلام ، ومجموع أبياتها 2820 بيتا. 2 - ديوان شعر جمعه الشاعر الشيخ إبراهيم صادق العاملي . 3- تاريخ أحوال سيّد الوصيين عليه السلام . وافاه لأأجل في بغداد نهار 5 ربيع الأول سنة 1306 ه، فتقل جثمانه إلى النجف الأشرف فدفن في المقبرة المعدة لهم في وادي السلام

ما علَي اَلرَّكْبِ لَوْ أَقامَ قَليلا *** فَشَفي لَوْعَةً وَاَطفا غَلِيلا(1)

وسَقِي السَّفحَ والعَقيقَ عقيقُ الدِّ *** دَمْعِ سَفْحاً مَعالِماً وطُلُولا(2)

وَرَعي بالصَّفا زَماناً تَقَضّي *** كَمْ سَقانا مِنْ صَفْوِهِ سَلْسَبِيلا(3)

طالَما لِلْهَوي شَرِبْنا كُوُوساً *** كانَ صِرْفاً مِزاجُها زَنْجَبِيلا(4)

كَمْ لَبِسْنا بهِ مَطارِفَ أُنَسٍ *** وسَحَبنا مِنَ النَّعيمِ ذُيولا(5)

كانَ وِرْدِي عَلِّا وَعَيشي رَغِيداً *** وَشَبابِي غَضَّاً وَ ظِلِّي ظَلِيلا(6)

جادَكَ العارِضُ الأَجَشُّ هَطُولاً *** مَرْبَعَ الذِّكْرِ بُكْرَةً وأَصِيلا(7)

وتَمَشَّي بِكَ الشِّمالُ بِاَنفا *** سٍ الخُزامَي وَهْناً يَضُوعُ بَلِيلا(8)

كُلَّما هَبَّتِ الشِّمالُ انْتَشَيْنا *** فكأنَّ الشِّمالَ كانَتْ شَمُولا(9)

ص: 453


1- الركب: القافلة الراحلة بالأحبة. أطفا: مخففة «أطفأه .
2- أي سقي عقيق الدمع مسفوحة - وهو الدمع الأحمر - منطقتي الفح والعقيق ، معالمها وطولها .
3- السُلسبيل: الشراب العذب المستساغ اللّذيذ.
4- اقتباس من الآية المباركة: «وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا» (سورة الإنسان: 17) إذ كان الناس يستطيبون الزنجبيل في الشراب ، فوعد الله الأبرار بذلك، وزنجبيل الجنة أطيبُ وألذ.
5- المطارف : جمع المطرف، وهو رداءُ من ذو أعلام.
6- الورد: النصيب من الماء، والعلُ: الشرب تباعاً. الرغيد: الواسع الطيّب. الغضّ: النضر. وهذا اقتباس قرآنيّ آخر من قوله تعالى : «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا» (سورة النساء: 57) .
7- جادَکَ: أمطَرَك. العارض: السحاب الممطر. الأجشُ: الغليظ الصوت. هطولاً : هاطلاً باستمرار . بكرةً : صباحاً. أصيلاً: مساءُ
8- الشِّمال: الريح التي تهبُّ من الشمال. الخُزامي : نوع من الزهر متعدّد الألوان. بليل: مُبتلٌّ .
9- الشَّمُوُلُ: الخمر .

مالَهُ مُوحِشَ المَعالِمِ قَفْراً *** بعدَ مَا كانَ آنِساً مَأْهُولا(1)

كَمْ على سَفْحِهِ سَفَحتُ عَقِيقاً *** مِنْ دَمِ القَلْبِ مَدْمَعاً مَطْلُولا

أَطْلَقُوا الدَّمْعَ وَالحُشا كَبَّلُوةُ *** ما عليهِم لَوْ أَطْلَقُوا المَكْبُولا

مالَنا وَالخُطُوبُ تَعدُو عَلَينا *** كُلَّ يَوْمٍ مُفَوَّقاتٍ نُصُولا(2)

فَكَأَنَّا لِلنَّائباتِ خُلِقْنا *** لا نَرى لِلفِرارِ عنها سَبِيلا

أَنَا جَلْدٌ علی نُزول الرَّزايا *** وَلَئِن هَدَّتِ الجبالُ نُزُولا

وإِذَا سَامَنِي الزَّمَانِ اخْتِباراً *** بِرَزاياهُ قُلْتُ صَبْراً جَمِيلا(3)

***

ما أَري صَبْرِيَ الجَمِيلَ جَمِيلا *** إِنْ تَذَكَّرْتُ مَا أَصابَ البَتُولا

فَقَدَت أَحْمداً ونَاحَتْ طَويلاً *** وبَكَتْ حَسْرَةً وأَبْدَتْ عَوِيلا

وأَقامَتْ عَبْراءَ ثَكْلاءَ حتّى *** لَحِقَت بِالنَّبِيِّ عَبرَي ثَكُولا

طالَما اَلْمُصْطَفّى بِثِقَلَیهِ أَوْصى *** مُنْذِراً قَوْمَهُ قَبِيلاً قَبِيلا(4)

ص: 454


1- القَفر: الخالي، المُوحش.
2- مُفؤِّقات نُصولاً : مُسَدِّات سهاماً.
3- سامَه خسفاً : أي أولاه وأراده عليه . وفي البيت اقتباس قرآني ، إما: من قوله تعالى على لسان يعقوب : «قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ » سورة يوسف: 18). أو من قوله تعالى : «فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا»(المعارج: 5).
4- من أشهر ما روى المسلمون على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، قولُ رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : إني تارك فيكمُ الثقلین ، ما إن تمسكتم بهما لن تَضلوا بعدي : كتاب الله، وعترتي أهل بيتي . رواه عشرات الرواة في مئات من النصوص . والقبيل : الجماعة.

اَشْهَدَ اللهَ يومَ خُمِّ عَلَيهِم *** وكَفِيَ شاهِداً بِهِ وَوَكيلا(1)

فَضَّلُوا المُرْتَضي فَقَدْ فَضَّلَ اللَّ *** هُ عَلَيْكُمْ مَقامَهُ تَفضِيلا(2)

وَاحْفَظُوا اللَّهَ فِي وَلاءِ آبْنِ عَمِّي *** إِنَّهُ كانَ عَهْدُهُ مَسؤُولا(3)

واحفَظُوني بِأَهْلِ بَيْتِي ولا تَبْ *** غُوا نُكُولاً عنهُمُ وَلا تَحْوِيلا

إنَّ ربِّي قَدِ اصْطَفانِي رَسُولاً *** وارْتَضَي لي أَخِي عَلِيّاً خَلِيلا

وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ فَطُوبي *** لِاَمْرِيٍ لَمْ يَزَلْ بِهِ مَوْصُولا(4)

فاطمٌ بَضْعَتي ومَن ساءَها مِن *** كُم فَقَد ساءَني وساءُ الجَلِيلا

ص: 455


1- ذلك يوم الغدير الأغرّ، وقد جاء في خطبة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم فيه نصوص عديدة تؤكد وتُوصی بأهل بيته عليه السلام، من ذلك قوله: إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا وأطيعوا، وانقادوا الأمر ربكم؛ فإن الله عز وجل هو مولاكم وإلهكم، ثم من دونه محمد وليكم القائم المخاط الكم، ثم من بعدي علي ولكم وإمامكم، ثم الإمامة في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله ورسوله ..». (يراجع: الجزء الأول من موسوعة (الغدير) للأميني ؛ فقد أشار إلى مصادر الخطبة الشريفة هذه) .
2- هذه المعاني الجليلة وردت في الخطبة الغديرية ؛ إذ قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم فيها: . فاعلموا ۔ معاشر الناس - أن الله قد نصبه ( أي عليّا عليه السلام لكم وليّاً وإماماً مُفترضاً طاعته معاشر الناس، فضُلُوه فقد فضلَه الله ، واقبلوه فقد نصبه الله .
3- في ( تأويل الآيات 1: 280 ح 11) عن الإمام الكاظم عليه السلام، عن أبيه عليه السلام في قول الله عز وجل «وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا » (الإسراء: 34)، قال : العهد ما أخذ النبي صلي الله عليه و اله و سلم على الناس في مودّتنا وطاعة أميرالمؤمنين عليه السلام كي لا يخالفوه ولا يتقدّموه ولا يقطعوا رحمه، وأعلمهم أنهم مسؤولون عنه وعن كتاب الله عز وجل.
4- في ( تأويل الآيات 1: 117 - 118/ ح 32) عن الإمام السجّاد عليه السلام قال : كان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ذات يوم جالسا في المسجد وأصحابه حوله فطلع عليهم رجل فتقدم وسلم وجلس وقال: یا رسول الله إني سمعت الله يقول : «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا »(آل عمران: 103) فما هذا الحبل الذي أمرنا بالاعتصام به ولا نتفرق عنه، فأطرق صلي الله عليه و اله و سلم ساعة ثم رفع رأسه وأشار إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وقال : هذا حبل الله الذي من تمك به عُصم في دنياه ولم يضلُ في أخراه.

انا مِنْ فَاطِمٍ وَفاطِمُ مِنِّي *** قالَها أَحْمَدُ لها تَبجِيلا

ثُمَّ لَمَّا اسْتَقَلَّ هادِي الْبَرايا *** سَبَحُوا في الضَّلالِ سَبْحاً طَويلا(1)

***

لَستُ أَنْسيَ يَوْمَ السَّقِيقَةِ وَالقَوْ*** مُ بها أَصْلُوا الشِّقا تَأْصِيلا

يومَ حادُوا عَن مَنهَجِ الرُّشْدِ غَيّاً *** وَاقتَفَوا مَنْهَجَ القُرُونِ الأُولِي(2)

انْ يَكُونُوا لاَحمَدٍ خُلَفاءُ *** فَلِماذا لَم يَحْضُرُوا التَّغْسيلا ؟

اَشغَلَتهُم دَعوَي الخِلافَهِ عنْهُ *** وَ بِهِ كانَ حَيدرٌ مَشْغُولاً؟

عَقَدُوا عُقْدَةَ الضَّلالِ وَحَلُّوا *** عُقْدَةً كانَ حَلُّها مُسْتَحِيلا(3)

أَضْمَرُوا الكُفرَ والهُدْيَ أظْهَرُوه *** حِينَ شامُوا سيفَ الهُدي مَسْلُولا(4)

رَكِبُوا مَنْهَجَ الضَّلالِ وَحادُوا *** عَن طَرِيقِ الهُديِ فَضَلُّوا السَّبيلا(5)

عَجَباً كَيْفَ لاَ تَضِلُّ وقَد قَلْ *** لَدَتِ الأَمْرَ غاصِباً ضِلّيلا

ص: 456


1- استقلَّ: ارتحل . أي بعد رحيل المصطفى صلي الله عليه و اله و سلم كان ما كان، وقد أخبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» (سورة آل عمران: 144). واللفظ مأخوذ من قوله تعالى «إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا» ( المزمل: 7).
2- حادوا: مالوا وعدلوا. وقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: لتتبنَّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضَبَّ تبعتموهم، فقالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى ؟! قال : فمن إذن ؟! ( مسند أحمد 3: 89).
3- أي عقدوا عقدة البيعة الضالة لأبي بکر و حلُّوا عقدة بيعة يوم الغدير .
4- شاموا: أوا. وذلك أن الشيخين كانا قد سمعا من أهل الكتاب أن هذا النبي سيظهر على الأمم فنافقا ودخلا في الدين ليهدموه من داخله. (انظر هذا الجواب مرويّاً عن الإمام الحجة عليه السلام في الاحتجاج 2: 275).
5- أخذه من قوله تعالى «وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا» (الأحزاب: 67). وقد ورد تأويلها بأتباع الأول و التالي . (انظر تفسير القمي 2: 197).

لَهفَ نَفْسِي علَي آبِنَةِ المُصْطَفِي أُم*** سَت تُقاسِي مِنَ الْخُطُوبِ الجَليلا(1)

مَكَثت بَعْدَهُ قَليلاً وقاسَتْ *** مِن عِداهُ شَجًي وحُزْناً طَوِيلا(2)

لَم يُخَلِّفْ خَيْرُ النَّبيِّينَ فِيهِمْ *** غَيْرَ بِنْتٍ فَجَرَّعُوها وَبِيلا(3)

اَيُّ بِنْتٍ لَهُ تُكابِدُ مِنْهُمْ *** مَضَضاً اَضْرَمَ الفُوادَ غَليلا(4)

بَضْعَةً المُصْطَفَي الّتي فَصَّلَ اَلرَّحْ *** مانُ فِي الذِّكْرِ مَدْحَها تَفْصِيلا(5)

مَنْ بها باهَلَ الرَّسولُ وَباهي *** وَبِها لِلْهُدي اَقامَ دَلِيلا(6)

مِنْ لَدَيْها سِرُّ الهُديِ وَالِيها *** أرْسَلَ اللهُ خادِماً جِبْرِيلا(7)

نَهَرُوها وَمَزَّقُوا صَكَّها وآنْ *** تَحَلُوها تُراثَها المَنْحُولا(8)

هَتَكُوا بِانْتِهاكِها حَرَمَ اَلدِّي*** نِ وَالَقَوا حِجابَهُ اَلْمَسْدُولا(9)

دَخَلُوا مَنْزِلَ البَتُولِ عَلَيَّ اَللَّ*** هِ اجْتِراءً وَاَزعَجُوها دُخُلا

ص: 457


1- الخطب الجليل: العظيم.
2- وهي القائلة سلام الله عليها تخاطبه: رُميتُ يا أبتاه بالخطب الجليل، ولم تكن الرزية بالقليل، وطرقتُ يا أبتاه بالمصائب العظيم، وبالفادح المهول . (بحار الأنوار 43: 179/ ح 15) والشجن : الحزن.
3- الوبيل : الشديد، صفة لموصوف محذوف تقديره مثلاً: ظلماً وبيلاً .
4- المضض: وَجَع المصيبة، والألم. والغليل: الحرارة. وأراد هنا النار .
5- إشارة إلى الآيات النازلة في حقها، بخصوصها عليه السلام أو ضمن أهل البيت عليهم السلام.
6- باهل : لاعن. باهی : فاخر. إشارة إلى حدیث مباهلة نصاری نجران .
7- تقدّمت الرواية في أن جبريل عليه السلام كان يطحن بالرحى للزهراء عليه السلام.
8- انتحلوها: على الحذف والوصل، أصلها «انتحلوا منها تُرائها»، أو ضُمَّن الفعل «انتحل» معنی لب وغَصَب»
9- حَرَم الدين : بيت علي وفاطمة عليها السلام . وإلقاء الحجاب : طرحهُ وإلقاؤهُ وهتكه

أَضْرَمُوا بَيْتَها بنارٍ وَدَّقُوا *** ضِلْعَها يا لَهُ مُصاباً جَلِيلا(1)

أَسْقَطُوها ضَرْباً وَقَادُوا عَلِيّاً *** مُسْتَضاماً فَاَذْرَكوا المَأْمُولا(2)

لَمْ تَزَلْ منْهُمُ تُكابِدُ شَجواً *** مِنْهُ كادَتْ شُمُّ الرُّبي أن تَزُولا(3)

كَم دَعَتهُم واسْتَصْرَخْتهُمْ ولَكِنْ *** لَم تُشاهِدْ إِلّا نُكُولاً خُذُولا(4)

كَذّبوا قَولَها عَلَي العِلْمِ مِنهُم *** أَنَّها قَوْلَ باطِلٍ لَنْ تَقُولا(5)

وَهيَ بِنْتُ الأَمِينِ اُمُّ الْميامِ *** ينِ فُرُوعاً زَكَتْ وَطَابَتْ أُصُولا

لَهْفَ نَفْسِي لَها تُشاهِدُ تَيْماً *** وَالِياً وَابنَ عَمِّها مَعزُولا(6)

ص: 458


1- في دعاء صنمي قريش: «وضلع دَقُوه» أكد الشارح أبو السعادات على أن عمر ضرب على بطنها عليها السلام بابها حتى فتق بطنها، ودق ضلعها، وأسقط جنينها. (يراجع: رشح الولاء في شرح الدعاء ، تحقيق: الشيخ قيس العطار ص 544 - 550، وكتاب سليم بن قيس 2: 588)
2- أي أدركوا ما أمَّلُوهُ من تخريب الدين .
3- شُمَ الرَّبي : الجبال.
4- بعد هجومه على الدار، صاحت به فاطمة عليها السلام : ويحَك يا عمر! ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله ؟! تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتُفنيه و تُطفئ نور الله والله متم نوره ؟! فأجابها: کُفی یا فاطمة، فليس محمد حاضراً ... وما على إلا كأحد المسلمين، فاختاري - إن شئت . خروجه البيعة أبي بكر، أو إحراقكم جميعاً ! ( الهداية الكبرى للخصيبي 608، بحار الأنوار 18:53 - 19)
5- في حديث - من باب وصايا النبي صلي الله عليه و اله و سلم . قال : يا علي ، إني قد أوصي فاطمة ابنتي بأشياء وأمرها أن تُلقيها إليك، فأنفذُها، فهي الصادقة الصدوقة. ثم ضمها إليه وقبل رأسها، وقال : فداك أبوك يا فاطمة . (بحار الأنوار 63: 991/ ح 39 - عن الطرف لابن طاووس 40)
6- مَن هو تيم ؟ هو تیم بن مرة بن كعب، جدّ أبي بكر، وقد صار اسمه كناية عن أبي بكر (المعارف الابن قتيبة 113) وفي ( دیوان دعبل الخزاعي ص160) جاء قوله: ستسأل تیمُ عنهم وعديها *** وبيعتهم من أفجر الفجرات

وَتَرَي حَقَّها مِنَ الإِرثِ مَمنُو *** عاً عَلَيها وَلِلعِدي مَبْذُولا

ضَيَّعُوا حَقَّها عِناداً وحِقْداً *** رَوَّعُوها ولَمْ يُراعُوا الرَّسُولا(1)

ولَها جُدرُ يِثْرِبَ ارْتَقَعَتْ لَم *** ما شَكَّتْهُم وأؤْشَكَتْ أَنْ تَزُولا(2)

زَعَمُوا لَمْ تُورِّثِ الرُّسلُ أبنا *** ها ضَلاَّلاً وَبَدَّلُوا تَبْدِيلا(3)

أَنَسُوا آيةَ المواريث في التن *** زِيلِ نَصّاً وحَرَّفُوا التَّنْزِيلا؟(4)

لَمْ يَكُنْ وارِثاً أَباةَ سُلَيْ *** مَانُ فَلِم لَمْ تَرِثْ أَباها الرَّسُولا ؟

وادَّعَت نِحلَهُ فَما صَدَّقُوها *** وَهيَ اَزكِي نَفْساً وَ اَصْدَقُ قِيلا

شَهِدَ المُرْتَضَي لها وَالشَّهِي*** دانِ فَلَمْ يَرْتَضُوا بِهِمْ تَضْلِيلا(5)

لَمْ يَكُنْ حَيْدَرٌ وَقَدْ شَهِدَ اَللَّ *** هُ بِتَقْوَاهُ شاهِداً مَقْبُولا ؟

جَهِلُوا فَضْلَهُ وَ فَضْلَ الزَّكِيَّيْ*** نِ وَ ما كانَ فَضْلُهُمْ مَجْهُولا

ص: 459


1- ذكر ابن قتيبة الدينوري في (الإمامة والسياسة 1: 30 - تحقیق على شيري) أن الهجوم على دار الزهراء عليها السلام تكرر مرتين، مرة بقيادة قنفذ أحد الطلقاء ( مولی عمر)، ومرة بقيادة عمر نفسه.
2- عن سلمان عليه السلام : لما استخرج أمير المؤمنين عليه السلام من منزله، خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر وقالت: وا ابن عمي فوالذي بعث محمداً بالحقّ لئن لم تُخلوا عنه لأنشر شعري، ولأضعن قميص رسول الله على رأسي، ولأصرخ إلى الله .. قال سلمان : فرأيت - والله - أساس حيطان المسجد تقلعت من أسفلها، حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ! ( مناقب آل أبي طالب (118:3 )
3- مفترين على رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أنه قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورث .
4- وقد بيّنت مولاتنا فاطمة صلوات الله عليها كيف جمعوا غضبهم فدكاً إلى افترائهم على النبي صلي الله عليه و اله و سلم ، فأجابت أبابكر لمّا ادعي حديثه المفتری : سبحان الله ! ما كان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم عن كتاب الله صادفاً، ولا لأحكامه مخالفاً.. هذا كتاب الله حکماً عدلاً، وناطقاً فصلاً ، يقول : (وَيَرِثُني وَيَرِثُ مِن آلِ يعقوبَ) ( وُوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ) ( من الخطبة الفدكية الشريفة)
5- الشهيدان: الحسن والحسين عليهما السلام.

عَدَلُوها عَنِ الوَصِيِّ وَرَدُّوا *** رِدَّةً منهُمُ الشُّهودَ العُدُولا

***

والعُتُلّانِ أَقْبَلا يَسْتَقِيلا *** نِ وعَمَّا تَجَرَّما لَن يَحُولا(1)

سَأَلا إِذنَ فاطِمٍ مِن عَلِيِّ *** بِدُخُولٍ أَكْرِم بِهِ مَسْؤُولا

وأجَازَتْ لَمَّا أتاها عَلِىٌّ *** لَهُمَا سَائِلاً عَلَيْهَا اَلدُّخُولا

سَأَلاَ إِذْنَها دُخُولاً فَلِم لا *** سَأَلَا الإِذْنَ فِي الهُجُومِ البَتُولا؟

أَتَيَاها مُطَاطِئَينِ وَكُلُّ *** مِنهُما كانَ مُبْطِلاً ومُحِيلا

يَسْتَقِيلانِها العِثارَ دَهاءً *** وَهُما يَعْلَمانِ أَنْ لا تُقِيلا(2)

لَمْ يَكُنْ عَنْ حَقِيقةٍ مِنْهُما ل*** كِنْ قُلُوبش الأَنامِ كَيْ يَسْتَمِيلا(3)

ص: 460


1- العُتُل: الجافي الخلق ، اللثيم الضريبة ، وقيل : هو الفظّ الجافي . وهما هنا الأول والثاني. وفي تأويل الآيات الظاهرة في قوله تعالی : «عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ»(القلم: 13) العُتل: عظیم الكفر، کُني به عن مخاصم لدود لأهل البيت عليه السلام.
2- يستقيلان العثار: يسألاني أن يُنهضهما من سقوطهما. كناية عن طلبهما العفو عن ذنبهما وما ارتكباه.
3- يشير الشاعر إلى هذه الواقعة .. أن عمر قال لأمير المؤمنين عليه السلام: قد أتيناها غيرَ مرة نريد الإذن عليها وهي تأبى ، فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها. فكلمها عليه السلام حتّى أذنت، فدخلا فسلما عليها فلّما ترد عليهما، وحوّلت وجهها عنهما وقالت: يا علي، جاف الثوب، فلمّا سألاها أن ترضى عنهما أنشدتهما بالله على قول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : فاطمة بضعة منّي، وأنا منها، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي، فشهدا، عند ذلك قالت: اللّهم إني أشهدك - فاشهدوا يا من تحضرني - أنهما قد آدیاني في حياتي وعند موتي . والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما إليه بما صنعتما بي وارتكبتما مني .. ( علل الشرائع للصدوق 1: 187/ 2ح - الباب 148، بحار الأنوار 20:43 / ح 31). وقد كان طلبهما العفو مکيدة وخدعة، أرادا بها أن يستميلا قلوب الناس .

اَبْعَدَ اللَّهُ اُمَّهُ يَتَوَلَّي *** ابنُ تَيْمٍ اُمُورَها مَسْتَطِيلا

ماً لَهُم اَغْضَبُوا البَتُولَ واَرضَوا *** ضِلَّهُ منْهُمُ الظَّلُومَ الجَهُولا

مَا كَفَاُهُمْ خِذْلانُهمْ فاطِماً حَتِّ ***ي عَلَی الطُّهْرِ وازَرُوا المَخْدُولا(1)

وَعَلَی المُرْتَضَي اَعانُوا الْحُمَيرا *** وَعَلَی الرِّجسِ لَم يُعِينوا البتُولا(2)

جَرِّعُوها كَأْسَ الرَّدي فَقَضتْ غَض ***َبِي إِلَي اَللَّهُ تَشْتكِي المُستَقِيلا(3)

***

وَ كَما اَوْصَتِ البَتُولَهُ وارا *** ها عَليَّ واللَّيْلُ أَرْخَي السُّدُولا(4)

قَائِلاً والثَّري اُهِيلَ عَلَيْها *** لَعَلَيْكِ وَالثَّري بِرَغْمِي أُهِيلا

كُنتِ لِي لا تُفَارِقِينَ بِحالٍ *** كَيْفَ أَزْمَعْتِ فُرْقَةً ورَحِيلا

فَهَبِينِي أَقَمْتُ بَعْدَكِ لَكِن *** كَيْفَ صَبْرِي عَلَيْكِ والصَّبْرُ عِيلا(5)

ص: 461


1- وازروا: عاونوا وقؤَّوا. أي أن بعض المسلمين لم يكتفوا بعدم نصرهم للزهراء بل صاروا ضدَّها وإلباً عليها . والمخذول هنا هو أبوبكر لأن الله خَذَله
2- أخذ المعنى من قول الشاعر: ما صح أن المسلمين بأمة *** لمحمد بل أمة العتيق جاءت تطالب فاطم بتراثها *** فتقاعدوا عنها بکل طریق وتسارعوا نحو القتال جميعهم *** لما دعتهم إبنة «الزنديق» فقعودهم عن هذه ونهوضهم *** مع هذه يغني عن التحقيق
3- الردئ : الموت. والمستقيل هو أبوبكر حيث قال : أقيلوني بيعتي فلست بخيركم وعلىُّ فيكم.
4- السُّدول: السُّتور. وأرخى الليل سُدُوله : أي أرسل أستار ظُلمته .
5- عيلَ صَبره : غُلبَ صَبرَهُ .

إِنَّ فَقْدِيَ البَتُولَ بَعْدَ أَبِيها *** دَلَّ أَنْ لا يُبقِيِّ الزَّمانُ خَلِيلا(1)

عَنِ أَبِيهَا كَانَتْ سُلُوِّي وَانّي *** لَمْ أَجِدْ بَعْدَها إِلَيْهِ سَبِيلا(2)

اَمَّلَ المانِعُونَ تَشْیِيعَها والْ*** قَوْمَ صُبْحاً فَأَخْطَأُوا الْمَأْمُولا(3)

حَظَرَتْ اَنْ يُصَلِّیَ الرِّجْسُ تَيمٌ *** حَذَراً فِي الصَّلاةِ أَنْ يَسْتَطِيلا(4)

فَاتَهُمْ أَن يُشَيِّعُوها ومَا نا *** لَوْا بِتَشْبِيعها الثَّوابَ الجَزِيلا

وعَلَيْها لَمْ يُخْضِرِ المُرْتَضِي إِل*** لَا وَلِيّاً عَنِ الوَلا لَنْ يَحُولا(5)

حَمَلُوا نَعْشَها وَوارَوهُ لَيْلاً *** بأَحِبَّايَ نَعْشَها المَحْمُولا(6)

زُوَّروا حَوْلَها قُبُوراً لِئَلا *** تَتَحَرّيَ العِدَي إِليه سَبِيلا

حَاوَلُوا نَبْشَ قَبْرِها لِيُصْلُّو *** وَنَضَا الطُّهْرُ سَيْفَهُ المَصْقُولا(7)

ص: 462


1- أراد به ما نُسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام من قوله رائياً: الكل اجتماع بين خليلين فُرقة *** وكل الذي دون الفراق قليل وإن افتقادي فاطمة بعد أحمد *** دليل على أن لا يدوم خليل
2- الضمير في «إليه» يعود إلى السُّلؤ.
3- أي أنّ مانعيها حقوقها أمَّلوا تشييعها مع القوم صبحاً لكنهم أخطأوا مأمولهم لأن عليا عليه السلام دفنها سراً بوصية منها.
4- حظرت : منعت. استطالَ : تبجَّج وتكبَّر .
5- روي عن الإمام الباقر والصادق و أمير المؤمنين عليه السلام: خُلقت الأرض لسبعة، بهم ترزقون وبهم تنصرون وبهم تُمطرون .. وكان أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: وأنا إمامهم، وهم الذين صلوا على فاطمة . (انظر الحديث وطرقه في معجم رجال الحدیث 19: 365 ترجمة المقداد بن الأسود). فلا يصلي على فاطمة إلا من كان من أهل الجنة .
6- أي أفيري بأحبائي نعشها المحمول.
7- نضا: استلّ. المصقول: المجلؤ والمكشوف عنه الصدأ .

فَانْثَنَوا عَنْ مَرامِهِمْ حَذَراً مِنْ *** حَيْدَرٍ أَنْ يَنْكَّلُوا تَنْكِيلا(1)

***

قُم فَعَزَّ السَّبْعَ الْمَثانِي وَالذِّك*** رَ وعَزِّ التَّكْبِيرَ والتَّهْلِيلا(2)

وَبِها عزَّ أَحْمداً وأُولي العَز*** مِ وعَزِّ الأَمِينَ جِبْرَائِيلا

وَبِهَا عِزِّ حَيدَراً وَالشَّهِيدَيْ*** نِ فَكُلٌ غَداً بِها مَثكُولا(3)

ما انْقَضي رُزْؤُهُمْ بِأَحْمدَ حَتّي *** فَقَدُوا وَالعُيونُ عَبرَي البَتُولا(4)

ص: 463


1- فانثنوا : فانعطفوا . يُنكلوا : يُصابوا بنازلة . بعد أن دفن أميرالمؤمنين عليه السلام فاطمة عليها السلام ولم يُخبر بموضع قبرها ، وزور سبعة قبور أو أربعين قبرا ، قال بعضهم : هاتوا مِن نساء المؤمنين مَن ينبش هذه القبور حتّی نَجِدَها فتصلي عليها ونزور قبرها . فبلغ ذلك أميرالمؤمنين عليه السلام، فخرج مغضبا قد آحمرّتْ عيناه ، وعليه قباه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة وهو متّكئ علی سيفه ذي الفقار ، حتّی ورد البقيع ، فسار إلی الناس النذير وقالوا : هذا عليّ ابن أبي طالب قد أقبل كما ترونه ، يقسم باللّه لثن حوّل مِن هذه القبور حجر لَيَضعنّ السيف علی غابر الآخر ، فتلقّاه عمر ومَن معه مِن أصحابه وقال له : مالك يا أبا الحسن ؟ ! والله لننبشنّ قبرها ولَنُصلَين عليها ! فضرب به الأرض وقال له : أما حقی فقد تركته مخافةَ أن يرتد الناس عن دينهم ، وأما قبر فاطمة . . فوالذي نَفس عليّ بيده لئن رمت وأصحابك شيئا مِن ذلك لَأسقينَ الأرض من دمائكم ، فإن شئت ، فأعرض يا عمر! فتلقاه أبوبكر فقال : يا أباالحسن ، بحق رسول الله ، وبحق مَن فوق العرش ، إلّا خليت عنه ، فإنا غير فاعلين شيئاً تكرهه . قال الراوي : فخلی عنه ، وتفرّق الناس ولم يعودوا إلئ ذلك . ) دلائل الإمامة للطبري الإمامي ص 46 - عنه : بحار الأنوار 43 : 171 - 172 / ح 11 )
2- ذاك مصطلح قرآني مقتبس من قوله تعالی : «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» سورة الحجر : 87 ( . السّبع : هي الفاتحة باياتها السبعة ، وقيل : هي السُّوَر السّبع الطوال . من المثاني بيان للسبع ، وهي من الثناء ؛ لأنها يثنی علی الله بها ، أو مِن التثنية ؛ لأنّها تثنی تلاوتها أو ألفاظها) تفسير القرآن الكريم ، للسيّد عبدالله شبّر)
3- الشهيدان : الحسنان عليهما السلام . مثكولاً : فاقداً .
4- الرُّزء : المصاب . عَبْری : باكية

اِنَّ يَوْمَ البَتُولِ أَجْري عُيُونَ ال*** أَلِ شَجْواً دَماً وَدَمْعاً هَمُولا(1)

ان يَومَ البَتُولِ أَوْرَتَ قَلْبَ الد*** دِينِ وَالمُسلِمِينَ داءً دَخِيلا(2)

ان يَوْمَ البَتُولِ أبكِي عَلِيّاً *** وَبَنِيهِ والرِّسلَ و التَّزِيلا

طالَما فِي الظَّلامِ للَّهِ صَلَّت *** وَالِيهِ تَبَلَّتْ تَبْتِيلا(3)

كَمْ لَهَا فِي الزَّمانِ آياتٌ فَضْلٍ *** ضاقَ مِنْها الزَّمانُ عَرْضاً وُطُولا

كَمْ إِلَيْها الجَلِيلُ أَهْدِيَ لِباساً *** مِنهُ فَضْلاً مِنَ الجِنانِ جَلِيلا(4)

وحَباها فَواكِهاً وطَعاماً *** طَيِّباً مُكرِماً لها ومُنِيلا(5)

ص: 464


1- هَمُولا: فائضاً.
2- الداء الأدّخيل: الدّاء الداخل في أعماق البدن .
3- تبلت : انقطعت عن الدنيا إلى الله تبارك وتعالى. «وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا»(المزمل: 8).
4- في (عيون أخبار الرضا عليه السلام1: 33 ح 38) قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : تحشر ابنتى فاطمة وعليها حلة الكرامة عجنت بماء الحيوان، فينظر إليها الخلائق فيتعجبون منها، ثم كسي أيضا من حلل الجنّة ألف حلّة الحديث.
5- في (مدينة المعاجز 1: 360/ ح 219) حديث طويل فيه خروج النبي صلي الله عليه و اله و سلم وعلي ال إلى خارج المدينة، قال علي عليه السلام : حتى أظلنا غمام أبيض له رائحة كرائحة الكافور الأذفر، وإذا بطبق بین يدي رسول الله فيه رمان، فأخذ رمانة وأخذت رمانة، إثم أخذ على عل ثلاث رمانات للزهراء والحسنین ، فرأى أبوبكر عليّاً عليه السلام وطلب منه أن يعطيه من الرمان فلمّا أراد على عليه السلام إعطاؤه منه حياء وكرما لم يجد في مه شيئاً قال علي عليه السلام : فلما وصلت إلى باب فاطمة وجدت في گمی ثق" فإذا هو الرمان، فلما دخلت ناولتها الزمان وعُدت إلى رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، فلما نظر إلى تبسم وقال : كأني بك يا علي قد عدت إلى التحدثني بما كان ... يا علي إن فاكهة الجنة لا يأكل منها في الدنيا إلا النبيون والأوصياء وأولادهم .

وَبِها مَرْيَمُ دَعَتْهُ فَاَعْطا *** ها نَوالاً منهُ العَطاءَ الجَزيلا(1)

وَبِها أُمُّ أَيْمنٍ سَأَلَتْهُ *** لِغَلِيلٍ فَبَلَ مِنْهَا الغَليلا

وإِلَيْها أَدْلِي مِنَ الاُفقِ دَلْواً *** فَتَرَوَّت بِهِ زَماناً طَوِيلا(2)

وغَزا المُرْتَضَي العِدي فَأَسرَّتْ: *** لَيتَهُ قَدْ أَقامَ عَنْهُ وَكِيلا

وبِأَسْرارِها المُهَيْمِنُ أَوْحى: *** تَخِذُوني لَكُمْ وَكِيلاً كَفيلا(3)

والرَّحَى قَدْ أَدَارَها الرُّوحُ لَمّا *** رَقَدَتْ فِي الضُّحي لَها تَبْجِيلا(4)

بِأَبِيها وبَعْلِها وبَنِيها *** وَبِها اللَّهُ قَدْ هَدانَا اَلسَّبِيلا(5)

وَبها اَمَنَ اليَهودُ كَما فِي *** مَرْيَمٍ آمَنَتْ قَبِيلاً قَبِيلا

ص: 465


1- لم أقف علی هذه الرواية ، غير أن مضمونها مطابق للروايات الناصة بعموماتها علی أنّ جميع الأنبياء والأوصياء السابقين والأولياء الصالحين لم يكشف عنهم الضر إلا بعد توسلهم بالخمسة أصحاب الكساء .
2- عن علي بن مُعمّر قال : خرجت أم أيمن ( وهي خادمة فاطمة الزهراء عليها السلام ) إلی ملّة لمّا توفّيت » فاطمة عليها السلام « ، وقالت : لا أری المدينة بَعدها ! فأصابها عطشُ شديد فی الجحفة حتّی خافت علی نفسها ، قال : فكسَرَت عينيها نحو السماء ثمّ قالت : يا رب ، عطن وأنا خادمة بنت نبيك ؟! قال : فنزل إليها دلو مِن ماء الجنّة ، فشربت ولم تَجُع ولم تَطعَمْ سبع سنين . ) مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب - عنه : بحار الأنوار 43 : 46 / ح 45 ).
3- تَخذوني : بدون ألف ، وهو جانز ، أصله : انَخِذُوني . وفي (مناقب آل أبي طالب 3 : 106 ) : وروي أنّ فاطمة عليه السلام تمنّت وكيلاً عند غزاة علي عليه السلام فنزل «رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا» المزمل : 9 )
4- تقدّمت الرواية بذلك عن بحار الأنوار ( ج 37 ص 97 ) عن أم أيمن ، وفيها قول النبيّ صلي الله عليه و اله و سلم : أما الطحّان فجبرئيل .
5- في ( فرائد السمطين 2 : 66 )كتب الجويني الشافعي : قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : فاطمةُ بهجة قلبي ،وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمّة مِن ولدها أمناء ربي وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، مَن اعتصم به نجا ومَن تخلّف عنه هوی

ونِساهُمُ خَرَّتْ سُجُوداً وقَدْ *** قَبَّلَتِ الأرْضَ عِنْدَها تَقبِيلا

مُذْ رَأَوْا مِنْ مُلاءَةِ الطُّهْرِ *** نُوراً كُلُّ طَرفٍ يُرَدُّ عنه كَليلا(1)

وحَباها بِعِتْرَهِ ما حَباها *** مَريَماً قَبْلَها ولا راحيلا(2)

عَلِمَ اللَّهُ ما سِواهُ كفيلٌ *** فارْتَضاهُ كُفواً لَها وَكَفيلا(3)

ص: 466


1- امُلاءة : نوع من الثياب . رُوي أن أميرالمؤمنين عليه السلام استقرض من يهوديٌ شعيراً ، فاسترهنه شيئاً فدفع إليه مُلاءة فاطمة رهناً ، وكانت من الصوف ، فأدخلها اليهودي إل دار ووضعها في بيت ( أي حجرة ). فلمّا كانت اللّيلة دخلت زوجتة البيت الذي فيه الملاءة بشغل ، فرأت نورا ساطعا فی البيت أضاء به كلّه ، فانصرفت إلی زوجها فأخبرته بأنّها رأت فی ذلك البيت ضوءا عظيما فتعجّب اليهودي زوجها وقد نسي أن في بيته ملاءة فاطمة ، فنهض مسرعا ودخل البيت فإذا ضياء الملاءة ينشر شعاعها كأنّه يشتعل من بدرِ منير يلمع من قريب ، فتعجّب من ذلك ، فأنعم النظر في موضع الملاءة فعَلِم أنّ ذلك النور من ملاءة فاطمة ، فخرج اليهودي يعدو إلی أقربائه ، وزوجته تعدو إلی أقربائها ، فاجتمع ثمانون من اليهود فرأوا ذلك فأسلموا كلّهم . (بحار الأنوار 43 : 30 / ح 36 - عن : مناقب آل أبي طالب ، والخرائج والجرائح ). ورُوي أنّ اليهود كان لهم عرس ، فجاؤوا إلئ رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وقالوا : لنا حق الجوار ، فنسألك أن تبعث فاطمة بنتك إلی دارنا ، حتّی يزداد عرسنا بها . وألحوا عليه ، فقال : إنّها زوجة علي بن أبي طالب ، وهي بحكمه . فسألوه أن يشفع إلی عليّ في ذلك ، وقد جمع اليهود الحلي والخلل .وظنّ اليهود أن فاطمة تدخل في بذلتها ، وأرادوا استهانة بها ، فجاء جبرئيل بثياب من الجنّة وحُليّ وحلل لم يروا مثلها ، فلبستها فاطمة وتحلت بها ، فتعجّب الناس مِن زينتها وألوانها وطيبها ، فلمّا دخلت فاطمة دار اليهود سجد لها نساؤهم يقبلن الأرض بين يديها ، وأسلم بسبب ما رأوا خلق كثير من اليهود . ( بحار الأنوار 43 : 30 / ح 37 - عن : الخرائج والجرائح للراوندي)
2- راحيل بنت ليان : والدة يوسف وبنيامين .
3- إشارة إلی ما رُوي في كتاب( البحار ج 43 ص 109 - 110 / ح 22 ) : أنّ الله تعالی أوحی إلی جبرئيل : زوج النور مِن النور ، فكان الولي الله ، والخطيب جبرئيل ، والمنادي ميكائيل ، والداعي إسرافيل ، والناثر عزرائيل ، والشهود ملائكة السماوات والأرضين . الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة : هنا تستمر القصيدة في ذكر أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهما السلام . إلى أن يقول من جملة خطابه للإمام الحجة عليه السلام:

يا سَلِيلَ البَتُولِ تُغضِي عَنِ الْقَوْ*** مِ جُفُوناً وقَد أساؤُوا البَتُولا

قَتَلوا وُلْدَها الكِرَامَ وأَجرَوا *** دَمَهُم كالدُّموعِ مِنها سُيُولا

كَمْ أَذَلُّوا مِنْكُمْ عَزِيزاً كَرِيماً *** وأَعَزُّوا مِنْهمْ لَئِيماً ذَلِيلا

فَاطلُبِ الثارَ وانْعَشِ الطُّهْرَ فِيهِ *** وبَنِيهَا المَسْمُومَ والمَقْتُولا(1)

وأَقِمْ عَرْشَ دِينِهِمْ بِالْعَوالِي *** ما تَرى عَرْشَ دِينِهِمْ مَثْلُولا؟(2)

وتَعَطَّفْ عَلَى مَوالِيكَ وارْحَمْ *** مَدْمَعاً منْهُمُ عَلَيْهِم هَمُولا(3)

مَلَكُوا أَمَرَهُمْ بِسَيْفِكَ حَتّى *** نَكَّلُوهُمْ عَلَى الوَلا تَنْكِيلا(4)

كانَ يَوْماً لَهُمْ كَفِيلٌ وإِنَّا *** لَم نَجِدْ سَيِّدِي سِواكَ كَفِيلا

فَإِلى ما إِلَيْكَ أَرْفَعُ يَا مَؤ *** لايَ شَكْوّى مُقَصِّراً وَمُطِيلا؟

***

فَاقْبَلِي بِنْتَ اَحْمَدٍ من سَلِيلٍ *** مِدَحاً يرتجي عَلَيْها الْقَبُولا

ص: 467


1- الطُّهر : يُراد بها الصديقة فاطمة صلوات الله عليها . وعن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام: ولقد حدثني حبيبي جَدّي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أن الأمر يملکه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته، ما منا إلا مقتول أو مسموم. ( كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر للخراز القمي ص 160. ويراجع کتاب : ما منا إلا مقتول أو مسموم)
2- مَثلُولاً : مَهدُوماً.
3- هَمُول: كثير الجريان . والضمير في «منهم» يعود لمواليك. وفي «علیهم» يعود للأئمّة المقتولين والمسمومین.
4- من أروع ما قيل في هذا المعنى قول ابن سنان الخفاجي: أعلَى المنابر ثُعلنون بسَبه *** وبسيفه رُفعت لكم أعوادها؟

صَاغَها من جَواهِرِ المَدْحِ فيكُم *** وَكَساها جُمانَهُ إِكْليلا(1)

هَزَّها بِالحِمَي هَواكُمْ فَوافَتْ *** طَرَباً بِشرَةً تَجُرُّ الذُّيُولا

وَاصَلَتُكُمْ مِنَ الجَليلِ صَلاةً *** أَبَدَ الدَّهْرِ بُكْرَةً وَاَصِيلا(2)

ص: 468


1- الجُمان : اللُّؤلؤ .
2- الجليل : الله عزّوجلّ . بُكرةً وأصيلاً : فجراً وعشياً . والعبارة قرآنية وردت في آياتِ عديدة ، منها قوله تعالی : «وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا»سورة الإنسان : 25

(4) لم تخل من حزن

(بحر الكامل)

الملك الصالح نصیرالدین طلائع بن رُزَيك(1)

ص: 469


1- الملك الصالح فارس المسلمين طلائع بن زيك المولود سنة (495 ه) بأرمينية، مدينة بأذربيجان . نشأ وتربى على الفضل والأدب والكمال وعلى النفس وسمو الغاية وبعد المقصد وقوة العقيدة . قال المقريزي في (خططه): كان محافظاً على الصلاة فرائضها ونوافلها، شديد المغالاة في التشيع . وقال ابن العماد: كان يجمع الفقهاء ويناظرهم على الإمامة وعلى القدر. تولى الوزارة للخليفة الفائز سنة 549 ه، و مى بالملك الصالح، ولم يلقب أحد من الوزراء قبله بالملك، وعلا نجمه وارتفع شأنه وعظمت هيبته إما أبداه من بطولة وسياسة وحنكة وفراسة، إضافة إلى سماحة كفه وفيض نائله وبره بالعلماء والأدباء والفضلاء، وقد جمع له بين السلطنة والوزارة، وكان مجاهدة في سبيل الله، وهو الذي أنشأ الجامع تجاه باب زويلة المعروف الآن بجامع الصالح، وهو بظاهر القاهرة. وقال الشيخ القمي في (الكنى والألقاب): الملك الصالح فارس المسلمين، كان وزيرا للخليفة العاضد بعد وزارته للفائز، تزوج العاضد بابنته، وكان فاضلا سمحا محبا لأهل الأدب. وكان يحمل في كل عام إلى أهل الحرمين بمكة والمدينة من الأشراف سائر ما يحتاجون إليه من الكسوة وغيرها، حتى يحمل إليهم ألواح الصبيان التي يكتب فيها، والأقلام والمداد. وفي 19 من شهر رمضان سنة ( 559 ه) كانت المؤامرة على اغتياله وقتله، فبكاه الناس وتدبته المحافل ورثاه الشعراء ويُروى أنه لمّا كانت الليلة التي قُتل في صبيحتها، قال: هذه الليلة ضُرب في مثلها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وأمر بقراءة مقتل الإمام عليه السلام ، واغتسل وصلّی مائة وعشرين ركعة أحيا بها ليلته، وخرج ليركب فعثر وسقطت عمامته، واضطرب لذلك وجلس في دهليز دار الوزارة ، فأحضر ابن الصيف، وكان معروفا بلف عمائم الخلفاء والوزراء، وله على ذلك الجاري الثقيل؛ ليصلح عمامته، فقال له رجل: إن هذا الذي جرى يُتطير منه فإن رأى مولانا أن يؤخر الركوب : فعل . فقال : الطّيرة من الشيطان، وليس إلى التأخير سبيل . ثمّ ركب، فكان من أمره ما كان ؟ (يراجع کتاب : أدب الطف للسيّد جواد شبّر، ج 3 ص 95)

دَعْني قَبِيْلُ اللَّهْوِ غَيْرَ قَبِيلِي *** وسَبيلُ أَهْلِ اللَّؤمِ غَيْرُ سَبِيلِي(1)

لم اَشْتَغِل عَنْ جَمْعِ أَشْتاتِ العُلى *** بِمَلِيحِ وَجْهٍ أَو بِكَأسِ شَمُولِ(2)

لاَ تَعْذِلَنِّي إِنَّني لا أَقْتَفِي *** سُبُلَ الضَّلال لقولِ كُلِّ عَذُولِ(3)

قَوْلِي لِمَنْ قَدْ سامَني الرُّجعي إِلَى *** ما لا يَجُوزُ أَتيتَ غيرَ جَمِيلِ

إِنَّ الخَلِيلَ إِذَا تَجَنَّبَ مَذْهَبِي *** قُلْتُ اِبْتَعِدْ مَا أَنْتَ لِي بِخَليلِ(4)

أَتَحَمَّلُ الأَثقالَ إِلّا أَنّني*** لِمُبَايِنِي فِي الدِّينِ غَيْرُ حَمُولِ(5)

آلَيْتُ لا أَلقى عُداةَ أئِمَّتِي *** إِلاَّ بِعَضْبِ الشَّفْرَتَينِ صَقِيلِ(6)

وأئِمَّتِي قَوْمٌ إِذَا ظُلِمُوا فَهُمْ *** لاَ يَظْلِمُونَ النّاس وَزْنَ فَتِيلِ(7)

كَانَ الزَّمانُ لِحُسْنِهِ بِوُجُوهِهِمْ *** يَخْتالُ بالأوضاحِ والتَّحجِيل(8)

ص: 470


1- القبيل: الجماعة من الناس . السبيل: الطريق.
2- المليح: الحسن الجميل . الشُمول: الخمر.
3- العذل: اللّوم. العذُول: الكثير الملامة.
4- الخليل: الصديق الحميم.
5- المُباین: المخالف.
6- العُداة : جمع العادي ، وهو المعتدي الظالم. العَضب: السيف القاطع . الصقيل : الأملس المصقول.
7- اقتباس من تعبير قرآني ورد ثلاث مرّات، منها قوله تبارك وتعالى : «بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا»(سورة النساء: 49). والفتيل : هو ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ، يضرب به المثل في الشيء الحقير.
8- ختل فلاناً خدعه : هو من الاختبال، أي مشي مشي المتباهي . الأوضاح: جمع الوَضَحُ، وهو الغُرة. التحجيل : البياض في قوائم الفرس.

وَهُمُ الأَئِمَّةُ مَا عَدِمتُ فَضِيلَةٌ *** فِيهِمْ فَمَا مَيْلِي إِلَى المَفْضُولِ؟

فَأَنا إذا مَثَّلْتُ غَيرَهُمُ بِهِمْ *** فِي فَضْلِهِمْ أَخْطَأْتُ فِي تَمْثِيلِي

آلُ النَّبئِ بِهِم عَرَفْنا مُشْكِلَ ال ***ْقُرْآنِ والتَّوْراةِ وَالإِنْجِيلِ(1)

هُمْ أَوْضَحُوا الآياتِ حتّى بَيَّنُوا ألْ*** غاياتِ فِي التَّحريمِ وَالتَّحليلِ(2)

عِنْدَ التَّبَاهُلِ ما عَلِمْنا سادِساً *** تَحْتَ الكِسا مَعَهُمْ سِوى جِبْرِيلِ(3)

إِنَّ الْكَثِيرَ مِنَ المدائِحِ فِيهِمُ *** قُلْ وَمَدْحُ اللَّهِ غَيْرُ قَلِيلِ(4)

قَالَ اَلنَّبِيُّ :صِلُوا بِهِمْ حَبليَّ فَلَمْ *** يَكُ مِنْهُمُ أَحَدٌ لَهُمْ بِوَصُولِ

ماذا يَكُونُ جوابُ قَوْمٍ أَخْلَدُوا *** إِذ ماتَ لِلتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ؟

إِنْ قَالَ فِي الحَشْرِ ابْنَتِي لِمَ فِيكُمْ *** لَمْ تَخْلُ مِنْ حُزْنٍ وطُولِ عَوِيلِ؟

هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي فَفِي إِضْرارِها *** ضُرِّي كما تَبْجِيلُهَا تَبْجِيلِي(5)

تلْقَونَها بِتَبَسُّم في عِزِّكُمْ *** وتَرَونَها جاءَتْ بِدَمْع ذَلِيل؟

كَذَّبْتُمُونِي إِذْ لَها كَذَبْتُم *** وعَدَلْتُمُ عَن مُحْكَمِ التَّنزِيلِ

مَا بَالُكُمْ عَنْها تَغَاضَيْتُمْ وقَدْ *** نَطَقَ الكِتَابُ لَها بِكُلِّ دَلِيلِ؟(6)

ص: 471


1- المُشكل: الغامض المُلتبس، والمتشابه الذي يحتاج إلى بيان و تأويل و توضيح.
2- الغايات : الحكم والعلل والأهداف.
3- في حديث الكساء الذي أشرنا إليه فيما سبق: «.. فقال الأمين جبرائيل: يا ربَّ ومن تحت الكساء ؟ فقال عز وجل : هم أهل بيت النبوة ومعبر الرسالة، هم: فاطمة وأبوها، وبَعلها وبنوها . فقال جبرائيل : يا رب أتأذنُ لي أن أهبط إلى الأرض لأكون معهم سادسا ؟ فقال الله : نعم قد أذن الك.
4- قُلُّ : قليلٌ .
5- التبجيل : التعظيم والتكريم
6- تغاضى عنه: تغافل وتجاهل وتنکّر .

ما ذاكَ الاً اَنَّكُم امْسَكْتُمُ الدّ ***دُنْيا فَقَدْ حَصَلَت بِكَفِّ بَخيلِ

في حقِّها اَنتُم تَوَكَّلْتُمْ اليَّ *** اَن ضاعَ والرَّحْمَانُ خَيْرٌ وَكِيل(1)

خَالَفْتُمُ آيَ الكِتابِ كَأنَّما *** خُلِقَت رُوُوسُكُمُ بِغَيرِ عُقُولِ(2)

واللَّهُ يَحكُمُ لا مَرَدَّ لِحُكمِهِ *** ومَقِيلُ أَهلِ الظُّلمِ شَرُّ مَقِيلِ(3)

***

اخْتَرْتُ لَوْ كنْتُ الفِداءَ لِسادَتِي *** فِي النائباتِ وأُسْرَتِي وَ قَبِيلِي

إِنِّي ابْنُ رُزَيكَ الّذي بِوَلائِهِمْ *** أَسْخَنْتُ عَيْنَ مُعانِدٍ وجَهُولِ(4)

إِنْ طالَ وَجْدِي فِيهِمْ فَاَنا الّذي *** نَوْمِي بِطُول اللَّيْلِ غَيْرُ طَوِيلِ(5)

كَمْ مِنْ عَرُوسٍ فِي فَمِي اَبْرَزْتُها *** فِيهِمْ حَكَّتْ غيْداءَ ذاتَ حُجُولِ(6)

لمّا شَحَذْتُ لَهُمْ عِذارَ تَفَكُّرِي *** مَا كَانَ فِيهِمْ خاطِري بِكَلِيلِ(7)

اقْسَمْتُ لَؤْ أَنِّي وَقَفْتُ بِغَيْرِهِمْ *** لَحَكَيْتُ نادِبَ دَارِساتٍ طُلُولِ

ص: 472


1- إشارة إلى ضياع حقها من إرث ويحلة، والهجوم على دارها وكسر ضلعها وإسقاط جنينها وأخذ حق بعلها، وما إلى ذلك.
2- في مغالطاتهم المعارضة لصريح آيات الكتاب الحكيم، وقد صدعت مولاتنا فاطمة عليها السلام بذلك في وجوه المغتصبين فلم يرتدعوا ولم يصغوا لكتاب الله .
3- المقيل : المكان الذي هو فيه، ويؤول أمر المرء إليه.
4- أسخن عين فلان : أبكاه دموعة حارة.
5- الوجد: الشوق والحزن. وأراد أنه لا ينام من الهم والحزن وإن طال الليل .
6- حكت : شابهت . غيداء : طويلة العنق لينة الأعطاف. الجول: جمع حجل، وهو الخلخال . وقد کتنی عن قصائده بالعرائس، لجمالها وجذبها.
7- شحذت : أخذت. العذار: شفر تا النصل، وأظنها مصحفة عن «غرار» وهو حد السيف. الكليل: العاجز.

وَعُلا عَلِيَّ إِنْ عَدَدْتُ فَضِيلَةً *** لِسِؤَى النَّبِيِّ عُرِيتُ مِنْ مَحْصُولِي(1)

قَدْ ضَلّ آلُ السّامِرِيِّ بِعِجْلِهِمْ *** وأَرَى أُناساً كُفْرُهمْ بِفَصِيلِ(2)

مَا مَوقِعُ الإجماعِ فِيهِ ومَعْشَرٌ *** جُرُّوا لِأَخْذِ العَهْدِ بِالتَّنْكِيلِ (3)

والخَزْرَجِيُّ وغيرُهُ أَضْحَى لَهُ *** فِي القَيْدِ تَحْتَ الضَّرْبِ رَجعُ أَلِيلِ(4)

أَيَصحُّ إِجْماعٌ وقَوْمٌ جُلُّهُم *** مَا بَيْنَ مَسحُوبٍ وَبَيْنَ قَتِيلِ؟(5)

قَوْلاً إذا ما لَمْ يَكُنْ مِنّي يدي *** بَلَغَتْ مُنايَ فقد شَفيتُ غَلِيلِي

ص: 473


1- «وعلا»: الواو للقِسم.
2- أي كفرهم بسبب قصيل، وفيه تورية عن «أبي فصيل»، حيث ضل فيه قوم، كما ضل اليهود بالسامري وعجله.
3- التنكيل : إصابة الشخص بنازلة أو صنع صنیع به يحذر غيره ويجعله عبرة له.
4- أليل: أنين . أي كيف يدَّعي . وقوع بيعة أبي بكر بالإجماع، مع أن من الصحابة من جَروه بالحبال لأخذ البيعة منه، وهو أمير المؤمنين عليه السلام . ومنهم من وطأوه في السقيفة وهو سعد بن عبادة الخزرجي ، فكيف يصح الإجماع؟
5- حيث كان عمر يركض مزبداً وهو شاهر سيفه ويقول: من لم يبايع أبابکر خبطته بسيفي.

(5) عِلل الدنيا

(بحر الطويل)

الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

أنشدها عليه السلام بعد وفاة فاطمة عليها السلام (1):

أَلَا هَلْ إِلَى طُولِ الحَياهِ سَبِيلٌ *** وَ أَنَّى وَ هَذَا المَوْتُ لَيسَ يَحُولُ؟(2)

وَ إِنِّی وَ إِنْ أَصْبَحْتُ بالمَوْتِ مُوقِناً *** فَلِی أَمَلٌ مِنْ دُونِ ذاکَ طَوِيلُ(3)

وَ لِلدَّهْرِ أَلْوَانٌ تَرُوحُ وَ تَغْتَدِی *** وَ إِنَّ نُفُوساً بَينَهُنَّ تَسِيلُ (4)

وَ مَنْزِلُ حَقٍّ لَا مُعَرَّجَ دُونَهُ *** لِکُلِّ امْرِئٍ مِنْهَا إِلَيهِ سَبِيلُ(5)

قَطَعْتُ بِأيّامِ التَّعَزُّرِ ذِکْرَهُ *** وَ کُلُّ عَزِيزٍ مَا هُناکَ ذَلِيلُ

ذَكَرْتُ اَخا وُدِّي فَبِتُّ كَانَنِي *** بِرَدِّ الهُمُومِ الماضِياتِ وَ كِيْلَ

ص: 474


1- هذه القصيدة كسائر الشعر المنسوب لا يمكن الركون إليه على القطع واليقين .
2- يحول: يتبدل
3- هذا حال الناس عموما، وأمير المؤمنين عليه السلام هو القائل : ما رأيتُ إيماناً مع يقين أشبه من بشكَّ على هذا الإنسان ، إنه كل يوم يودع، وإلى القبور يشيع وإلى غرور الدنيا يرجع !.. (دعائم الإسلام 1: 225 . عنه: بحار الأنوار 82: 168/ ح 3) وأما حفيده الإمام جعفر الصادق عليه السلام فقد قال: ما خلق الله عزوجل يقيناً لا شك فيه أشبه بشکَّ لا يقي فيه من الموت ! (من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق 1: 124، بحار الأنوار 6: 127 - عن : الخصال للصدوق 16/ ح 47).
4- تَروح: أي تجيء في العشي، وتعتدي : أي تذهب في الصباح. وفي بعض النسخ: وللدهر أعوانُ .
5- لا معرِّج: لا منزل غيره ، ذاك هو الموت الذي لابدُ منه !

أرى عِلَلَ الدُّنْيا عَلَيَّ كَثِيرَهُ *** وَصَاحِبُها حَتَّى المَمات عَلِيلُ(1)

لِكُلِّ اجْتِمَاعٍ مِنْ خَلِيلَيْنِ فَرْقَهُ *** وَكُلُّ الَّذِي دُونَ الفِراقِ قَلِيلُ(2)

وَ إِنَّ افْتِقَادِي فَاطِمَا بَعْدَ أَحْمَدٍ *** دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لا يَدُومَ خَلِيلُ

وَ كَيْفَ هَناكَ العَيْشُ مِنْ بَعْدِ فَقْدِهِمْ *** لَعَمْرُكَ شَيْءٌ ما إِلَيْهِ سَبِيلُ(3)

إِذَا اِنْقَطَعَتْ يَوْماً مِنَ الْعَيْشِ مُدَّتِي *** فَإِنَّ بُكاءَ الباكِياتِ قَلِيلُ(4)

يُرِيدُ الفَتى أَنْ لاَ يَمُوتَ حَبِيبُهُ *** وَ لَيْسَ إِلَى مَا يَبْتَغِيهِ سَبِيلُ(5)

فَلا بُدَّ مِن مَوْتٍ ولابُدَّ مَن بُكَاً *** وَ انَّ بَقائِي بَعْدَكُمْ لَقَلِيلُ

وَ لَيْسَ جَلِيلاً رُزْءُ مَالٍ وَ فَقْدُهُ *** وَ لَكِنْ رُزْءَ اَلْأَكْرَمِينَ جَلِيلُ(6)

لِذَلِكَ جَنبِي لاَ يُؤَاتِيهِ مَضْجَعٌ *** وَ فِي القَلْبِ مِنْ حَرِّ الفِرَاقِ غَلِيلُ(7)

ص: 475


1- علل الدنيا: مصائبها وأحزانها.
2- خل : وكلُّ الذي دون الممات قليلٌ .
3- في بعض النسخ: وكيفَ هناةُ العيش من بعد فقدهم ؟! هناك : مخففة «هَناك». و«هناة مخففة و «هَنَاءة».
4- في بعض النسخ: فإن عزاء الباكيات قليل .
5- في نسخة: وليس إلى أن لا يموت سبيل.
6- الرُّزء: المصيبة الكبيرة. رُزء الأكرمين: أي المصيبة الكبرى بفقد الأكرمين، فهي جلل، أي عظيمة المصاب.
7- مصادر هذه القصيدة كثيرة، منها: المستدرك على الصحيحين للحاكم 3: 163، مطالب السَّؤول المحمد بن طلحة الشافعي 11، الفصول المهمة لابن الصبّاغ المالكي 130، الأخبار الموقّفيات للزبير بن بكار 194، مروج الذهب للمسعودي 2: 291، تذكرة خواص الأمّة لسبط ابن الجوزي 329، دستور معالم الحكم للقاضي القضاعي 197 - 198.. وغيرها، كلها ذكرت هذه الأبيات للإمام على عليه السلام، وهناك من ذكر أنّه أنشدها أو أنّه أنشأ يقول أو أنّه تمثل بها.

(6)شفيعة يوم الحشر

(بحر الطويل)

السيّد مهدي الأعرجيّ(1)

تَبْلَّجَ وَجْهُ الاَرضِ حَزناً علی سَهْلِ *** بِمِيلادِ بِنْتِ الْمُصْطَفي خاتَمِ الرُّسلِ(2)

وَاشْرَقَتِ الآفاقُ طُرّاً بِنُورِها *** كاِشراقِ اَزهارِ الرُّبي عَقِبَ المَحلِ(3)

ص: 476


1- السيّد مهدي ابن السيد راضي ابن السيد حسين ابن السيد محمد بن جعفر الحسيني الأعرجي البغدادي، ينتهي نسبه إلى عبيد الله الأعرج. ولد في النجف الأشرف سنة 1322ه، الموافق لعام 1904م. ونشأ بها على أبيه الذي كان كاسباً ، فأودعه عند أحد الكتاتيب ليتعلم القراءة والكتابة، ومنذ الصغر لاحت عليه علائم الذكاء والنبوغ، فصار يغشى الأندية والمجالس العلمية والأدبية، وتعهد رعايته خاله الشاعر المعروف الشيخ جاسم الملا الحلي ، وعلمه الخطابة، فأجاد في الشعر والخطابة. أخذ دروس العربية والعروض على السيد رضا الهندي، فصار شاعرة مرموقة بين أقرانة. وكان ينظم بالنوعين الدارج والفصيح. وكان غاية التقوى والزهد. جمع دیوانه شقيقه الخطيب السيد حبيب الأعرجي ، فجاء في أكثر من ثلاثمائة صفحة. وله مخطوطات كتبها بيده . توفّي رحمه الله في إحدى سفراته إلى خاله في مدينة الحلة، حيث استحم بشط الفرات وهو لا يجيد السباحة فغرق، ونقل جثمانه إلى النجف الأشرف في موكب فخم، فدفن بجوار جده أمير المؤمنين عليه السلام ، وذلك في الخامس من شهر رجب من سنة 1359 ه ، الموافق لشهر آب من سنة 1939م. ورثاه فريق من الشعراء. وقيل في مادة تاريخ وفاته ( مهدي غرق).
2- تبلّج: أشرق وأضاء. حَزناً، الحَزن من الأرض : ما غَلُظ، وقلّما يكون إلا مرتفعاً . والسّهل : الأرض الممتدّة المستقيم سطحها.
3- طُرّاً: جميعاً . الرُّبى : جمع رابية ، وهي ما ارتفع من الأرض. المخل: الجفاف والجدوية .

ومُذْ شَكَتِ الأَمْلاكُ لِلَّهِ ظُلْمَةً *** عَلَيْهِمْ كأَمْثالِ السَّحائِبِ تَسْتَوْلي

بَدا خَلقُها نُوراً فَزَيَّنَ عَرشَهُ *** بِهِ مِثْلَ تَزْيِينِ الفَتاةِ مِنَ العُطْلِ(1)

وَكَانَتْ مِنَ الفِرْدَوْسِ نُطفَهُ خَلقِها *** بِتُفّاحةٍ طابَتْ لأَحْمَدَ فِي الأَكْلِ(2)

فَانّ اُمُّ عیسی فُضِّلَتْ فِي نسائِها *** فَفاطِمَةُ خُصَّتْ عَلَي الكُلَّ فِي الْفَضْلِ(3)

وقَدْ خَصَّها رَبُّ السَّما بِأَئِمَّةٍ *** غَطارِفَةٍ صِيدٍ جَحاجِحَةٍ نُبْلِ(4)

ص: 477


1- العُطل : نزع المرأة حُليَّها في رواية طويلة مرفوعة عن سلمان الفارسي: لما أراد اللهُ تعالی أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سَحاباً مِن ظُلمة ، وكانت الملائكة لا تنظر وَلَها مِن اخرها ، ولا آخرَها من أولها ، فقالت الملائكة : إلهنا وسيّذّنا ، منذُ خلفتنا ما رأينا مِثلَ ما نحن فيه ، فلك بحق هذه الأنوار ( أي أنوار محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ) إلّا ما كشفت عنا . فقال الله عزّ وجل : وعزّتي وجلالي لأفعلن فخلق نورَ فاطمة الزهراء عليها السلام يومئذ كالقنديل ، وعلقه في قرط العرش ، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع ، مِن أجل ذلك سُميت فاطمة الزهراء وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدسه ، فقال الله : وعزّتي وجلالي لأجعلن ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلی يوم القيامة لمحبي هذه المرأة وبعلها وبنيها (بحار الأنوار 43 : 17 / ح 16 - عن : إرشاد القلوب للديلمي)
2- روی محب الدين الطبريّ في ( ذخائر العقبی ص 36) عن عائشة أنّها قالت : يا رسول الله ، ما لك إذا قبلت فاطمة جعلت لسانك في فيها كأنّك تريد أن تلعقّها عسلا ! فقال : إنّه لَما أُسرِي بي أدخلني جبرئيل الجنّة ، فناولني تفاحة فأكلتها فصارت نطفة في ظهري ، فلمّا نزلت من السماء واقعت خديجة ، ففاطمة مِن تلك النطفة ، فكلّما اشتقت إلی تلك التفاحة قبلتها.
3- ورد في فضلها علی مريم وعلی جميع النساء أحاديث جمّة مر ذكر طرف منها.
4- غطارفة : مفرده الغطريف ، وهو السخي أو السيّد أو السري أو الحسن أو الشاب الطريف العيد : الأسود ، أو الرجال الذين يرفعون رؤوسهم عزة . الجحاجحة : مفردها الجَحجَح و الجحجاح ، وهو السيّد المسارع إلی المكارم. تبل : جمع نبيل.

وأسْمَاؤُها مِنْها الزَّكِيَّةُ حَيثُ قَد *** زَكَتْ حَبَاهَا اَللَّهُ فِي أَطْيَبِ النَّسْلِ(1)

وَ مَرْضِيَّة حَيثُ ارْتَضاها لِحَيْدَرٍ *** وَ رَاضِيَةُ قَالَتْ رَضِيتُ بِهِ بِعَلِي(2)

وَ فاطِمَةَ إِذْ فاطَمٌ مَنْ أَحبَّها *** بِها اللَّهُ مِنْ نارٍ غَداً حَرُّها يَصلِي(3)

مُحدِّثَةً كانَتْ تُحَدِّثُ أُمَّها *** وتُؤْنِسُهَا عَنْ وحْشَةٍ مُدَّةَ اَلْحَمْلِ(4)

مُحدِّثَةً إِذْ بعدَ وَالِدِها غَدَتْ *** مَلائِكَهُ اللَّهُ الحَدِيثَ لَها تُمْلي(5)

ص: 478


1- في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام قال : لفاطمة تسعة أسماء عند الله عزّ وجل : فاطمة ، والصديقة ،والمباركة ، والطاهرة ، والزكية ، والراضية ، والمَرضيّة ، والمحدثة ، والزهراء . . ( بحارالأنوار 43 :10/ ح 1- باب أسمائها).
2- لعلّ ما رٍوي في كتاب (الدر المنثور للسيوطي الحنفي ج 8 ص 543 ) في ظلّ سورة الضحی يشير إلی بعض ذلك ، حيث روی أنّه دخل رسولُ الله صلي الله عليه و اله و سلم علی فاطمة وهي تطحن بالرحی وعليها كساء مِن حملة الإبل ، فلما نظر إليها قال : » يا فاطمة تعجّلی فتجرَعی مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غدا قأنزل الله : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيك ربُّكَ فَترضي) وكانت جميع أعمالها وأفعالها و أقوالها مرضية عند الله تعالی وعند رسوله صلي الله عليه و اله و سلم ، ف( رَضِي اللّهعَنْهُمْ وَرَضُوا عنه (سورة المائدة : 119) آية في شأنها وشأن أهل بيتها عليه السلام.
3- يصلی : يُحرقُ . وفي البيت إشارة إلی ما رُوي في كتاب( البحار ج 3 4 ص 16 / ح 14 ): إنما سُميت ابنتي » فاطمة « ؛ لأن الله فطمها وفطم مُحبيها عن النار.
4- إشارة إلی ما روي في كتاب ( ذخائر العقبی ص 4 ): قال الني صلي الله عليه و اله و سلم : أتانی جبرئيل بتفاحة من الجنّة ، فأكلتها ، وواقعتُ خديجة ، فحملت بفاطمة ، فقالت : إنّی حملت حملاً خفيفاً، فإذاخرجتَ حدثني الذي في بطني الحديث طويل أخذنا منه مون الحاجة .
5- إشارة إلی ما رُوي في كتاب ( علل الشرائع : 182 / الباب 146 - ح 1 )عن الإمام الصادق عليه السلام: إنّما سُميت فاطمة عليها السلام محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران ، فتقول : يا فاطمة ، إنّ الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علی نساء العالمين ، يا فاطمة افتي لربّك واسجدي واركعين مع الراكعين. (إشارة إلی الآيتين : 42 و 43 من سورة آل عمران). فتحدثهم ويحدثونها ، فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضلة علئ نساء العالمين مريمُ بنت : عمران ؟! فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله جعل سَيّدة نساء عاليك وعالمها،وسيدة نساء الأولين والآخرين.

ومِنْهَا بَتُولٌ إِنْ أَرَدْتَ بَيانَها *** فَذُونَكَ راجِع باحِثاً لَفْظَةَ البَتْلِ(1)

وَ زَهْراءُ كانَت إِذْ تَقومُ لِربِّها *** تُضِيءُ ومِنْها النُّورُ لِلاُفقِ يَسْتَعْلِي(2)

وفي خَبَرٍ كَانَتْ نِسا اَهْلِ يَثْرِبٍ *** عَلي نُورِها فِي اللَّيلِ تَشْرَعُ بِالْغَزْلِ(3)

شَفِيعَهُ يَومِ الحَشْرِ اَرْجُو بِمَدحِها *** غَداً مَحْوَ مَا أَجْنِيْهِ مِنْ سَيّيِ الفِعْلِ(4)

ص: 479


1- البتَل : هو القطع . وفي البيت إشارة إلی ما رُوي في كتاب ( إحقاق الحق ج 10 ص 25 ( نقلاً عن الكفي الحنفي في ) المناقب المرتضوية ص 119 ط بمبئي ) عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم: سُميت فاطمة بتولاً؛ لأنها تلت وتقطعت عمّا هو معتاد العورات في كل شهر ؛ ولأنّها ترجع كلّ ليلة بكرا . وسُمّيت مريم بتولا ؛ لأنّها ولدت عيسی يكراً .
2- إشارة إلی ما رُوي في كتاب ( البحارج 0 4 ص 44 / ح 81 - عن : الفضائل لابن شاذان ، والروضة فيفضائل أميرالمؤمنين ): عن أمَ سلمة رضي الله عنها في حديث طويل عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم و : ثمّ أظلمت المشارقُ والمغارب ، فشكت الملائكة إلی الله تعالی أن يكشف عنهم تلك الظَُّلمة ، فتكلّم الله جلّ جلاله كلمةُ فخلق منها روحاً، ثمّ تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً ، فأضاف النور إلی تلك الروح وأقامها مقام العرش ، فزهرت المشارق والمغارب ؛ فهي فاطمة الزهراء ؛ ولذلك سُميت » الزهراء « ؛ لأن نورها زهرت به السماوات.
3- كتب المؤرخ أحمد بن يوسف الدمشقي المشهور بالقرماني في كتابه (أخبار الدول وآثار الأوَل ص 87 - ط بغداد): قالت عائشة : كنّا نَخيط وغزل ونَنظِم الإبرة باللّيل في ضوء وجه فاطمة وكانت لا تحيض قط ؛ لأنّها خُلقت من تفاحة الجنّة . ولقد وضعت الحسنَ بعد العصر وطهرت وصلت المغرب !
4- إشارة إلی ما رُوي في كتاب ) البحار ج 43 ص 65 / ح 57 - عن : تفسير فرات الكوفيّ ( في حديث طويل ، قال أبو جعفر عليه السلام: والله يا جابر إنّها ذلك اليوم ( يعني القيامة ) لتلتقط شيعتَها ومُحبّيها كما يلتقط الطيرُ الحبّ الجيّدَ مِن الحبّ الردي ء ، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة يُلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا ، فإذا التفتوا يقول اللّه عز وجل : يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي ؟! الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة .

وَ«حَانِيَةٌ» أَحنَت علی الطُّهْرِ بَعْلَها *** وحامَتُهُ لمّا قادَهُ القَوْمُ بالحَبْل !

بِنَفسِی وأَهْلِي أَفْتَدِيها ولَمْ أَكُنْ *** أُغالي وَمَنْ نَفْسِي تَكُونُ وَمِنْ أَهْلِي؟

فَوَاللَّهِ لاَ أَنْسَى الصُّهاكيَّ إذْ أتي *** إِلى دارِها مَعَ كُلِّ جِلْفٍ لَهُ رَذْلِ(1)

ص: 480


1- الصَّهاكي : هو الثاني نسبة إلى جدته صهاك، وفي كلام أمير المؤمنين عليه السلام: ثم مررتُ بالصُهاكي يوماً فقال لي : ما مثلُ محمد إلا كَمَثَل نخلة تَبتَت في کُناسة! ( کتاب سليم بن قيس: 234).

(7)وللزهراء ذكر لا يزول

(بحر الوافر)

الشيخ ناصر الحائري(1)

تَمِيدُ الراسِياتُ وَ قَد تَزُولُ *** و لِلزَّهراءِ ذِکرٌ لا يَزُولُ(2)

هی الزَّهراءُ تَزهَرُ کُلَّ حِينٍ *** بنُورٍ فِيهِ يَنعَدِمُ المَثِيلُ(3)

ص: 481


1- هو الشيخ ناصر بن رضا بن نصرالله الحائري ولد في مدينة كربلاء المقدسة سنة 1965 م الموافق 9/ رمضان /1380 ه. نشأ وتربى في ظل أسرته وتحت رعاية والديه الصالحين، فتأثر بإيمانهم وحسن أخلاقهم فكونوا منه إنسانا فاضة نبی وكان منذ صغره متشوقا لطلب العلم والفضيلة، فابتدأ دراسته في مدارس کربلاء الابتدائية والمتوسطة ؛ وفي سنة 1980 م هاجر مع والديه إلى إيران ، فالتحق بالحوزة العلمية في مدينة قم متوجها إلى الدراسة الحوزوية ، فتتلمذ عند أشهر علمائها ومدرسيها، وحضر دروس العلمين الآيتين السيد صادق الشيرازي والشيخ حسين الوحيد الخراساني ، وغيرهما. والمترجم عشق الخطابة منذ صغره، فكان يتدرب على المنبر والخطابة، وفي سنة 1403 ه تربع على أعواد المنبر الحسيني في مختلف المناسبات الدينية، فكانت له جولات في عدد من البلاد؛ لأداء رسالته التبليغية، فرقى المنبر في الكويت والإمارات وسورية ولبنان وإيران، فذاع صيته واشتهر ذكره. والمترجم كان محبا للشعر، فابتدأ بقرضه سنة 1410 ه، فهو مقلُّ في هذا الفن. ومن مؤلفاته: 1. حوار عن الإمام المهدي عليه السلام . 2- صور عن حكومة النبي صلي الله عليه و اله و سلم والإمام علي عليه السلام. 3 - الإمام علي وريث الأنبياء وغير ذلك من المصنفات. ولا يزال قائماً بدورهالخطابي ، نرجو الله له التوفيق والداد.
2- الراسيات: الجبال ، تُوصف بذلك؛ لأن الراسي من الألشياء هو الثابت الراسخ .
3- تقدّم ذكر الرواية بذلك .

فَمِنْها تَكْتَسِي الأَفلاكُ نُوراً *** ومِنْها يُشْرِقُ القَمَرُ الجَمِيلُ

إذا كانَ اَلنَّبِئُ لَنَا وجُوداً *** فقطبُ رَحَى الْوُجُودِ فِي الْبَتُولُ(1)

لَئِنْ رَضِيَت فَإِنَّ اللَّهَ يَرْضى *** وإِنْ غَضِبَت لها غَضِبَ الجَلِيلُ(2)

أَبُوها مِحوَرٌ لِلْكَوْنِ نُورٌ *** وهذِي بِنتُهُ أُمٌّ أُصُولُ(3)

تُحَاكي إِنْ مَشَتْ طهَ أَباها ***و وَتُفرغُ عَن أَبِيها إذ تَقُولُ(4)

ص: 482


1- في حديث الكساء الشريف: «.. فقال الأميث جبرائيل : يا رب ومن تحت الكساء ؟ فقال عز وجل : هم أهل بيت النبوة، ومع الرسالة، هم فاطمة وأبوها، وبعلها وبنوها ..»، فكانت هي القطب والمحور. ورحم الله الشيخ الأصفهاني حيث يقول: تصورت حقيقة الكمال *** بصورة بديعة الجمال فإنها الحوراء في النزول *** وفي الصعود محور العقول يٍمثل الوجوب في الإمكان *** عيائها بأحسن العيان فإنها قٍطب رحى الوجود *** في قوسي النزول والصعود وليس في محيط تلك الدائره *** مدارها الأعظم إلا «الطاهره»
2- في ( فرائد السمطين للجويني الشافعي ج 2 ص 66) قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : «إن الله عز وجل يغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها» .
3- وقد خاطب الباري تبارك وتعالى حبيبه المصطفى قائلا له: يا أحمد، لولاك .. لما خلق الأفلاك، ولولا علي .. لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما! ( الجنة العاصمة للسيد مير جهانی ص 148، وكشف اللآلي لصالح بن عبدالوهاب بن العرندس، وملتقى البحرين للمرندي ص 14)
4- في (الأدب المفرد للبخاري ص 266): عن عائشة قالت: ما رأيتُ أحدا من الناس أشبه بالنبي صلي الله عليه و اله و سلم : كلاما ولا حديثا ولا جلسة من فاطمة .. وفي ( مرآة الجنان لليافعي ص9): وكانت إذا دخلت على رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم رحّب بها، وكانت أشبة الناس بأبيها في مشيتها وحديثها .

مَتی نَظَرَ الوَصِيُ لِوَجْنَتَيْها *** تَجَلّی فِي مُحَيّاها الرَّسُولُ(1)

يُخاطِبُهُ : ألا يا خَيْرَ تالٍ *** إلَيْكَ وَدِيعَتِي أنتَ الكَفِيلُ(2)

وَانّ في قَلبِهِ ازدَحَمَتْ هُمُومٌ *** تأمَّل وَجْهَها فَغَدَت تَرُولُ(3)

فَوَاعَجَباً لِقَوْمِ مُذ أَتَوها *** وقَد قامَتْ بِهِمْ تِلكَ الذُّحُول(4)

وَنادَتْ فِيهِمُ: يا قَومُ كُفُّوا *** أهذا ما بِهِ یُجزَی الجليلُ؟!

أَلْستُ وَدِيعَةَ المُختار فِيكُمْ؟! *** أهذا ما بِه يُجْزَی الجَميلُ؟(5)

فَبَيْنَا كانَتِ الزَّهراءُ حَيری*** عَلَيْها عُنْوَةً هَجَمَ القَبِيلُ

وخَلفَ البابِ َ خَطبُ يا عَسانی *** بِدَاهِيةٍ جَرَتْ مّاذَا اَقُولُ؟

عَلَيها اَطبَقُوا باباً وَمِنها *** جَنيناً اَسقَطُوا وَبَدا العَوِيلُ

ص: 483


1- لما أخبر أميرالمؤمنين عليه السلام بوفاة الزهراء غُشي عليه حتى رش عليه الماء، فلمّا أفاق قال يخاطبها: بمَن العزاء يا بنت محمّد ؟! كنت بك أتعزى ، فقيمّ العزاءُ من بعدك ؟! (کشف الغمة للاربلي 1: 500 - عنه : بحار الأنوار 43: 187/ح18)
2- في آخر وصاياه عند قرب وفاته، قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم لعلي عليه السلام : يا أبا الحسن، هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمد عندك، فاحفظ الله واحفظني فيها، وإنك لفاعل . يا علي ، هذه - والله - سید نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين .. (بحار الأنوار 22: 484/ ح 31)
3- وقد أخبر عليه السلام أنه كان إذا نظر إليها انكشفت عنه الهموم. وهو القائل سلام الله عليه من قائل : فوالله ما أغضبها، ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا قضت لي أمرا، و لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان. (بحار الأنوار 63/ ح 32 - عن كشف الغمة للإربلي 1: 550)
4- الأحول: الثارات، أي ثارات الجاهلية وثارات قتلاهم بيد النبي وأمير المؤمنين.
5- في (الاحتجاج للطبرسي ج 1 ص 132) قالت في خطبتها : أما كان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أبي يقول: «المرء يُحفظ في وُلده» ؟! سرعان ما أحدثتم!

فَنادَت : يا رَسُولَ الله تَرْضی *** عَلی بَيْتِ الهُدی هَجَمَ الرَّعِيلُ؟(1)

جَنينِي أَسقَطُوا ، صَدْرِي اَعابُوا *** وَمنْنِی سَوَّدُوا ، دَمعي هَطُولُ؟(2)

وَلَوْلا ضِلعُها ما كانَ صَدرُ *** بِوادِي الطَّفِّ رَضَتُهُ الخُيُولُ

وَلَوْلا طِفلُها ما كانَ طِفلٌ *** بِيَومِ الطَّفِّ مَذْبُوحُ قَتِيلُ(3)

وَمُذ قَادُوا عَلِيّاً فِي نِجادٍ *** سُبِينَ الطُّهرُ وَانقَادَ العَلِيلُ(4)

ص: 484


1- الرَّعيل : القطعة والجماعة من الرجال والخيل وغيرهما.
2- تقدّم توثيق كل هذه الأحداث الأليمة من الهجوم على الدار، وعصر البتول خلف الباب، وإسقاط الجنين، ورض الضلع، وتسويد المتن بالضرب.
3- ثم أتى الحسين عليه السلام بالطفل الرضيع يطلب له الماء، فرماه حرملهُ بن كاهل الأسديّ بسهم فذبحه، فتلقى الحسينُ الدم بكفّه ورمی به نحو السماء. قال أبو جعفر الباقر عليه السلام: فلم تسقط منه قطرة ! ( مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 22:2 ، مثير الأحزان لابن نما ص39، الملهوف ص61، البداية والنهاية 8: 189، أخبار الدول وآثار الأول للقرماني 108، مقتل الحسين عليه السلامالخوارزمي 2: 32).
4- سُبين الظهر: أي سبين النساء الطاهرات ، فوصفَهُنَّ بالمصدر مبالغة في طهارتهنّ .

(8) زهراء يا أَلَقَ المعاني

(بحر الوافر)

الشيخ نزار سُنبل

قوافي الشَّعرِ تَسبِقُني عُجالِى *** وَتَرقصُ فی مُخَيَّلتِي دَلالا

تَطيرُ إِلَى مُعانقةِ المَعاني *** فتَبرزُ كالسِّراجِ إِذا تلالا

وشلّالُ الشُّعورِ إذا تَهادى *** يُضِيئُ لِفَرْحةِ الهادي احتفالا

فَسَوسَنةُ الْجِنانِ تَفُوحُ عِطراً *** وتَنْشُرُ في الدُّنى أَرْجاً زُلالا

تَرَانِيمُ المَلائِكِ وَهيَ جَذْلى *** وتَغْرِيدُ الثُّغُورِ إذا تعالى

تَبُثُّ الوَحْيَ في شَفَتَيَّ شِعراً *** وأَلحاناً تَزُفُّ لَهَا اختِيالا

(*) هو الفاضل والشاعر الشيخ نزار بن محمد شوقي بن عبدالرزاق بن الشيخ بدر آل سنبل ؛ ؤلد

سنة 1385 ه في الجش إحدى بلاد القطيف. التحق بالحوزة العلمية بعد إنهائه شطرة من الدراسة الأكاديمية سنة 1401 ه، ودرس في القطيف والنجف الأشرف، وأخيرة في قم المقدسة، حيث يحضر الآن البحث الخارج. من نتاجه الأدبي: 1- دیوان شعر، 2 - أهل البيت علا في الشعر القطيفي المعاصر، 3- عندما يرفع الستار: رواية عقائدية. كما نشرت له بعض القصائد في مجلتي : الموسم، والتوحيد. ومن نتاجه العلمي : تقرير بحث الخارج فقها وأصولا لبعض

الأساتذة الأعلام، وله أيضا مشاركة في النوادي الأدبية والثقافية.

(1) الشونة: جنش من النباتات الفصلية معمرة عطرية ذات ألوان . أرج الطيب أرجأً وأريجاً: فاح.

وأرج المكان : انتشر فيه الطَّيب. والزُّلال: الصافي . وهو وصف للماء لا للعطر، ففي الاستعمال

خروج عن أساليب العرب واستعمالاتها.

(2) جَذلي : فَرحة، أي الملائك .

ص: 485

فما غَنَّتْ طُيُورُ الأَيکِ إِلّا *** لِتَسْكُبَ مِنْ فَضائِلِها الخِصالا(1)

وَما عَطِرَتْ زُهُورُ الرَّوْضِ حُسناً *** تَعْبَّقُ مِنْهُ أَخيِلَةً ثُمالى(2)

ومَا بَزَغَتْ خُيُوطُ الْفَجْرِ إلّا *** وَنُورُ الطُّهْرِ يَكْسُوها الْجَمالا(3)

أيا زَهْراءُ يا أَلَقَ الْمَعاني *** ويا فَجْراً تَبَلَّجَ وَاسْتَطالا(4)

ويا إِشْراقَةَ التأريخ نالَتْ *** بِهَا الأيّامُ أَوْسِمَةً تَلالا(5)

نَشَرْتِ الهَدْيَ فِي الآفاق نُوراً *** تَسلْسَلَ في الزَّمانِ رُؤّى جَذالَی(6)

وَيا نَبعاً تَحُفُّ بِهِ وُرُودٌ *** وَيَملأُ كُلَّ جادِبَةٍ ظِلالا(7)

وَيا اُمَّاً لوالدِهَا المُصفّى *** وَذا سرٌّ عَرَفتُ به الْجَلالا(8)

حَمَلتِ العِبْءَ مِنْ صِغَرٍ ونَاغَتْ *** عَلى كَفَّيكِ أنغامٌ حُبالى

ص: 486


1- الأيك: جمع أيكة، وهي الشجر الكثير الملتف.
2- عَطرَت : تطيب. تعبق : أي تتعبق ، بمعنى تفوح. الأخيلة: الخواطر القلبية . ثمالی: تشاوی .
3- الطُهر، هي فاطمة الزهراء عليها السلام .
4- الألق: اللمعان والضياء
5- تلالا : مخففة «تلالاُ »، بحذف إحدى التاثين من «تتلاُلاُ».
6- جذلَ : فرحَ، فهو جذلُ وجذلان، والجمع جذالي . أي فرحُون.
7- الجادية : الأرض الجدباء عديمة الزرع والخضرة. ظلالا : كناية عن أفياء الأشجار .
8- في كتاب (کشف الغمة 1: 492) كتب الإربلي : كان النبي صلي الله عليه و اله و سلم يعظم شأنها، ويرفع مكانها، وكان كنيها با«أم أبيها». . قيل : ربما أُريد بهذه التكنية أن أمَّ كل شيء أصله ومجتمعه ، كأمّ الطرق وأمّ الكتاب وأمّ القرى - وهي مكة شرفها الله تعالى .. فربّما أراد منها أن ابنته فاطمة عليها السلام هي أصلُ شجرة الرسالة وعنصرها، كما جاء عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: الشجرة الطيبة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، وفرعها علي عليه السلام ، وعنصر الشجرة فاطمة عليها السلام، وثمرتها أولادها، وأغصانها و أوراقها شيعتها. (مجمع البحرين للشيخ الطريحي مادة شجر)

فَتَحتِ القَلْبَ إذ ضَاقَتْ رِحابٌ *** فلا سَهلاً يَضُمُّ ولا جِبالا

فَرَشتِ الْكَوْنَ فِي عينَيه زَهْراً *** وكُنْتِ الاُمَّ تمنَحُهُ الدَّلالا

فلا عَجَبٌ إذا غَنَّت سَماءٌ *** تُرْتِّلُ مِن مَنَاقبِها مَقالا

فَما خَلَقَ الإِلهُ لَها مَثيلاً *** وما عَرفَ الزَّمانُ لها مِثالا(1)

وَكَمْ اُنثى تَطُوفُ إِلَى المَعالِي *** وتَسْبِقُ في مَساعِيها الرِّجالا(2)

***

يَقُولُ الناصِبِيُّ نطقتَ هُجْراً *** وَاَنتَ الرافضيُّ هَذى وَغالى(3)

وجَرَّدَ مِنْ ضَغائِنِهِ حُساماً *** وسَدَّدَ حِقْدَهُ الغاوِي نِبالا(4)

تَخَبّطَ فِي الظَّلامِ عَمًى وتَيّهاً *** وَصالَ بِفِكْرِهِ الخاوِي وَجالا(5)

وَزَمْجَرَ وَالغُرورُ لَهُ سِلاحٌ *** وما عَرَفَ القِراعَ ولا النّزالا(6)

ص: 487


1- يكفي أن يقول فيها الصادق المصدق رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : إن فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً . ( فرائد السطمين للجويني الشافعي 68:2 )
2- أخذ المعنى من قول المتنبي في أخت سيف الدولة: ولو كان الرجال كسمن فقدنا *** لفُضِّلت النساءُ على الرجال
3- الناصبي : من نصب العداوة لأهل البيت عليه السلام بصور عديدة. الهجر: الهَذيان. هذ: تكلم بغير معقول. غالي : بالغ، من الغُلو.
4- الضغائن: الأحقاد. الغاوي: الضالّ. النبال : جمع تبلة، وهي التهم. والضمير في «جرّد» عائد على الناصبي.
5- اليه: الضياع والضلال. الخاوي : الفارغ الخالي من الحق والبرهان، والنور والدليل، والهداية والمنطق.
6- زَمجر: ردد صوته في صدره، وكان فيه غلظ. القراء: المقارعة والضرب للأبطال. النَّزال: الحرب.

وذَنْبِي أَنّني أَهْوى عَلِيّاً *** وأنّي قَدْ عَشِقْتُ بِهِ الكَمالا(1)

وَسَيرِي فِي هُدَى القرآن ذَنْبٌ *** عَظِيمٌ اسْتَحِقٌ بهِ القِتالا(2)

أإيماني وَتَوحِيدي وحُبّي *** لآلِ البَيْتِ يَجْعَلُكُمْ خَبالا؟(3)

أَلَيسَ اللَّهُ كلَّلَهُمْ بِتاجٍ *** تَقَدَّسَ فِي الوَرى وَعَلا وَطالا؟

فَذِي القُرْبى وذي الإنسانُ تَحْكِي *** وذي التّطْهيرُ تُتْحِفُهم نَوالا(4)

أَحادِيثُ الرَّسُولِ غَدّتْ تَوالى *** وَأَقْوالُ الصِّحابِ بَدَتْ سِجالا(5)

أَزِيلُوا عَنْ عُيُونِكُمُ غِشاها *** فَلا بَدْراً تَرَوْنَ وَلا هِلالا(6)

***

سأبقى ما حَيِيتُ علی هُداهُمْ *** وأَنْعَمُ في جَحِيمِ الحُبِّ بالا

ص: 488


1- أخذه من قول الشافعی: إذا كان ذنبي حب آل محمد *** فذلك ذنب لست عنه أتوب
2- ومن هُدى القرآن الكريم أنه نبه الناس إلى فضائل ومناقب آل البيت وأفضليتهم على الخَلق أجمع، تشهدُ له بذلك آيات بينات أعلام: كآية المودة، وآية التطهير، وآية المباهلة، وآية الإطعام .. وآيات أخر عشرات، بل مئات. فيكون كل ذنب الموالي أنه يُؤمن بهذه الآيات ويعرف من نزلت فيهم!
3- خبل خُبالاً : قد عقلُه وذهب فؤاده ، فهو خَبل وهي خبلاء، ج: خُبل.
4- القربي : «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(سورة الشوری: 23). الإنسان: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» (سورة الدهر: 8). والتطهير : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» (سورة الأحزاب: 33)
5- تولى : تتوالى بآلاف النصوص المباركة في فضائل أهل بيته وأفضليتهم صلوات الله عليهم.
6- غشاها: غشاءها. وقد عبر الشاعر عن البصائر بالعيون، وقد قال تعالى : «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» (سورة الحج : 46).

فَلِي وَعْيٌ يُسانِدُهُ دَليلٌ *** فلا شَكّاً أَقُولُ ولا احْتِمالا

وَان سُدَّتْ دُرُوبٌ فِي وُجُوهٍ *** فاِنَّ هَنا الْحَيَاةَ لِمَن تَوالى(1)

أيا تُفّاحَةَ الفِرْدَوسِ مُدّي *** إلينا المَجْدَ نَقتطِفِ الكَمالا

فَقَد تِهنا واُفقُ البَحْرِ غَيمٌ *** وَلَم يَدَعِ الضِّبابُ لَنا مَجالا

فَهُبِّي من نَسِيمِ الخُلْد رُوحاً *** لِتَبْعَثَ مَا يَعِزُّ لَنا مَنالا(2)

ص: 489


1- تَوالی : تَمسَّكَ بأهل البيت و والاهم.
2- ما يعزّلنا منالا: ما يصعب علينا نيلُهُ .

(9) ما أعظم الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ محمّد سعيد الجشّيّ(1)

صَلَّى الإِلهُ عَلَى البَتولِ وَآلِها *** مِنْ تَخضعُ الأَملاكُ عندَ جَلالِها(2)

الطُّهْرُ فاطمةُ سليلةُ أحمدٍ *** مَنْ يُشرِقُ الإِعجازُ في أقوالِها

مَا قُورِنَتْ شَمْسُ الضُّحى بِسَنَائِها *** إلّا تسامَتْ رِفعةٌ بِكَمالِها(3)

هِيَ شُعلةٌ مِن أَحْمدٍ وَضّاءَةً *** والشَّمسُ تَمنَحُ ضَوْءَها لِهلالِها

مَا نالَها غيرُ الوَصِي لأَنَّهُ *** وَرِثَ المَكارمَ مِنْ أَجَلِّ رِجالِها(4)

ص: 490


1- الشيخ محمد سعيد بن أحمد بن محمد حسن بن علي الجشي القطيفي (1338 - 1410 ه) ولد في قلعة القطيف، ونشأ بها على والده المقدس، قرأ مقدماته الأدبية والشرعية على الشيخ حسين البريكي وأخيه الشيخ محمد صالح البريكي، نظم الشعر في مناسبات شتى، وكان في شعره مادحا وراثيا لأهل البيت عليه السلام، وكان ورعا صالحا ذكيا فطنة ، وهو من الشخصيات الجليلة في بلده، له ( في محراب الذكري) ديوان شعره.
2- قيل لأحمد بن يحيى : لم قيل لفاطمة رضوان الله عليها بنت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم؟ «البتول» ؟ فقال : الانقطاعها عن نساء أهل زمانها و نساء الأمة : عفافا وفضلا وديناَ وحسباَ . (أي لم تلحق بها النساء في هذه الخصال الرفيعة). (لسان العرب، لابن منظور - مادة بتل)
3- بسنائها : بنورها، أي بنور الزهراء عليه السلام.
4- ما حظى بالزهراء عليها السلام إلا أمير المؤمنين عليه السلام ، لأنه كان كفؤا لها، وقال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: «أنا أبوها، وما أحد في العالمين ممثلي . وعليَّ بعلُها، ولولا علىُّ ما كان لفاطمة كفؤً أبداً، وأعطاها الحسن والحسين، وما للعالمين مثلُهما سيّدا شباب أسباط الأنبياء وسیدا شباب أهل الجنة» . ( بحار الأنوار 43: 58/ ح 50 - عن بشارة المصطفی).

فَاقَ الأَنامَ مَناقِباً وَفَضائِلاً *** رُدَّتْ إِلَيْهِ الشَّمسُ بَعْدَ زَوالِها(1)

***

ما أعْظمَ الزَّهراءَ دُرةَ عِصمةٍ *** قَد عَمَّ هذا الكَوْنَ فَيْضُ نَوالِها(2)

قد أَزهرَ المَلَكُوتُ مِن أَنوارِها *** وَسَما رُواقُ المَجْدِ تَحتَ ظلالِها

نَبويّةُ الأَعراقِ طيّبةُ الشَّذا *** عِطرُ الجِنان يَضُوعُ مِنْ أَذيالِها(3)

اللَّهُ شَرَّفَها وعَظَّمَ شَأْنَها *** وإمامَةُ الإِسلامِ في أَنجالِها(4)

سَادَتْ نِساءَ العالمينَ بِفَضْلِها *** وبِطُهْرِها وفَخارِها ومَقالِها

هِيَ شُعْلَةٌ لِلحَقِّ ناطِقةٌ بِهِ *** يَزهُو الهُدى بِيَمينِها وشِمالِها

ص: 491


1- حديث رد الشمس كتبت فيه كتب كثيرة من قبل العلماء الشيعة والسنة، من ذلك: کشف اللبس عن حديث رد الشمس للحافظ السيوطي الشافعي، رسالة مزيل اللبس عن حديث رد الشمس المحمد بن يوسف الشامي الصالحي - وهو أيضا من علماء العامة .. وغيرهما، وقد حويا روايات صحيحة وحسنة وموثقة عديدة في رد الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام.
2- أراد أنها درة العصمة. كأن العصمة جواهر موزعة على أهلها المعصومین، وفاطمة درة جواهر العصمة.
3- الشّذا: العطر. يضوع: ينتشر. قال النبي صلي الله عليه و اله و سلم : «إن جبرئيل عليه السلام ليلة أسري بي ، أدخلني الجنة وأطمعني من جميع ثمار الجنة، فصار ماءُ في صُلبي ، فواقع خديجة فحملت خديجة بفاطمة، فإذا اشتقتّ إلى تلك الثمار قبلت فاطمة فأصبتُ من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلها . ( مناقب الإمام علي بن أبي طالب الابن المغازلي الشافعي 358/ ح406).
4- بذلك أخبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم خديجة عليها السلام يوم كانت تحملها جنيناً في أحشائها يحدثها ويُؤنسها، فقال لها: «يا خديجة، هذا جبرائيل يخبرني أنها أنثى، وأنها النسلة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالی سيجعل نُسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه». (أمالي الصدوق 475 - 476/ ح 1 - المجلس 87)

الكَوْثَرُ العَذْبُ الطَّهُورُ بِنُطْقِها *** نَبْعُ الهُدى يَنْسابُ مِن سَلْسالِها(1)

شِبْهُ الرَّسولِ شَمائلاً وخَلائقاً *** ما مَرْيمُ في الفضلِ من أمثالِها(2)

مَن ذا يماثِلُها ففاطِمُ عِلَّةً *** يَهْمِي سَحابُ الْفَضْلِ مِنْ أِفْضالِها

***

ما کانَ يُشْبِهُها بِنَهْجِ خِصالِها *** إِلاَّ وَرِيثَةٌ نَهْجِها وخِصالِها

هِيَ زينبٌ مَن أَشعَلتْ بِخِطابِها*** قَبَساً يُضِيءُ عَلى مَدَى أَجْيالِها

قَد ورّثَتها كُلَّ فَضْلٍ باذخٍ *** وَلِذا سَمَت كالشَّمْسِ فِي أَفْعالِها

ص: 492


1- الكوثر: هنا أراد به ماء الكوثر الطاهر . ينساب : ينحدر. السلسال: هل المرور في الحلق ؛ العذوبته وصفائه.
2- تقدم أنها أشبه الناس برسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وأنها أفضل من مریم بنت عمران عليه السلام.

قافية الميم

اشارة

ص: 493

(1)يا بنتَ خير نبيّ

(بحر البسيط)

الشيخ حسن البحراني القيسيّ

الدَّمْعُ مِنِّي عَلَي الخَدَّيْنِ مُنْسَجِمُ *** وَالقَلْبُ مِنِّي بِنارِ الحُزْنِ مُضطَرِمُ(1)

اَبْكِي كَما نَاحَ قُمْرِيٌّ عَلي شَجَرٍ *** يَحْدُو بِجُنح دُجيٍ تَنْتَابُهُ الظُّلَمُ(2)

يَبْكِي وَ يَنْدُبُ الْفاً شَطَّ مُبْتَعِداً *** عَنْهُ فَلَذَّ لَهُ عَنْ فَلَذٍ لَهُ التَّغريدُ وَالنِّغَمُ(3)

مَنْ لِي بِسَلوَهِ قَلْبٍ فِيهِ قَد لَعِبَت *** مِنَ الخُطُوبِ رَزَايا كُلُّها أَلَمُ(4)

وَ مُهجَهٍ بِضِرامٍ كُلُّها سُعُرٌ *** كانّها بِلَهِيبِ الجَمْرِ تَحْتَدِمُ(5)

بِاللَّهِ بِاللَّهِ يا خِلِّي اَلَمَ تَرَنِي *** أَرْعَي النُّجُومَ ودَمعُ العَيْنِ يَنْسَجِمُ؟

مَا مَرَّ جَفْنِي هُجُوعٌ لا وَلا سَنٌ *** ولَمْ يَطِبْ لِي نَعيمٌ لا ولا نِعَمُ(6)

فَقالَ مَا تَشتَكِي بِاللَّهِ قُلْ فَاَري *** عَلامَةَ الوَجْدِ فِي خَدَّيْكَ تَرتَسِمُ ؟

اَهَل شَجَتكَ لَيالٍ قَدْ نَعِمتَ بِها *** فَفَارَقَتكَ فَدَمعُ المُقلَتَيْنِ دَمُ؟

ص: 494


1- منسجم: سائل منصب كثيراً .
2- القمري : ضربٌ من الحمام حسن الصوت. الدُّجي: أراد به الليل .
3- الإلف: الحبيب المألوف.
4- الرزايا : المصائب والنوائب، جمع رزية .
5- أي : ومن لي بسلوتر مهجة. الضَّرام: الاشتعال أو دقيق الحطب السُّعرُ: الاحتراق.
6- الهجوع : النوم. الوسن : النوم الثقيل، أو اشتداد النعاس . ولو قال: «ما ذاق جفني هجوعاً لا ولا وسنا ، لكان أجود.

أَمِ الأَحبّةُ شَطُّوا عَنْكَ وارْتَحَلُوا ***فَسارَ يَطْوِي فَيافِي البِيدِ رَكبُهُمُ(1)

فَقُلْتُ حَاشا وَكَلّا ما شَجِيْتُ لِذا*** وَلا لِهذا وَإِن قَدْ مَضَّ بُعْدُهُمُ

لَكِنْ شَجانِيَ مَا أَشْجَي البَتُولَةَ بِنْ***تَ المُصْطَفى خَيْرَ مَنْ دَاسَتْ لَهُ قَدَمُ(2)

أَرْضَ البَسِيطَة فَاهْتَزَّتْ جَوَانِبُها*** بِعَدْلِهِ وانْجَلَتْ عَنْ وَجْهِهَا الْغُمَمُ(3)

أَبْكِي لَهَا وعَلَيْهَا كَيْفَ قَدْ جُمِعَتْ ***مَصَائِبُ كَظَلامِ اللَّيْلِ تَزدَحِمُ(4)

تَبكِي فَيُشْجِي بُكَاهَا القَلْبَ إِنْ نَحَبَتْ*** والدَّمْعُ فِي صَحْنِ خَدَّيْها لَهُ كَلِمُ(5)

تَدْعُو: أَبِي يا أَبِي ضَيَّعْتَنِي فَأَنَا*** مِنْ بَعْدِ فَقْدِكَ ثَكلي شَفَّنِي السَّقَمُ(6)

يَا وَالِدِي تِلْكَ أَطْفَالِي فَلَيْتَ تَري*** عَلَيْهِمُ كَيْفَ لاحَ الضُّرُّ وَاليُتُمُ(7)

وتِلْكَ رَيْحَانَتاكَ الطّاهِرانِ هُما*** يَسْتصْرِخانِ وَفي قَلْبَيْهِمَا ضَرَمٌ

ويَنْدُبانِ أَلا يا جَدُّ لَيْسَ لَنا ***مِن بَعْدِ فَقْدِكَ أَفْرَاحٌ ومُبْتَسَمُ

ص: 495


1- شطّوا: بعدوا. الفيافي: جمع الفيفي والفَيفاة، وهي المفازة لا ماء فيها، أو المكان المستوي البيد : القوات، الصحارئ .
2- شجاني : أحزنني . وفي هذا البيت ما يسمّى بالتضمين»، وهو اعتماد معنى البيت على البيت اللاحق «داست له قدمٌ أرض البسيطة».
3- البسيطة: صفة للأرض المنبسطة المسكونة.
4- بل صبت تلك المصائب عليها صبّاً، كما عبرت هي صلوات الله عليها في ما نسب لها: صبت على مصائب لو أنها *** صبت على الأيّام صرن لياليا.
5- النحيب : البكاء الشديد العالي . الكلمُ: الجرح. وتحريك اللام ضرورة .
6- ثَكلی : فاقدة للأحبة. شفّني : أهزلني وأرقني . السُّقَم: المرضالشديد.
7- كانت عليها السلام تجلس الحسن والحسين عليهما السلام بين يديها وتقول لهما: أين أبوكما الذي كان يُكرمكما ويحملكما مرّة بعد أخرى، أين أبوكما الذي كان أشدُّ الناس شفقةٌ عليكما فلا يَدعُكما تمشيان على الأرض ؟! ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ! ( روضة الواعظين للفتّال النيسابوري 130، مناقب آل أبي طالب 2: 116)

يَا بِنتَ خَيرِ نَبِيٍ كُلُّهُ كَرَمٌ *** وَلِلبَرِيَّةِ حَقَّاً فَضْلُهُ عَمَمُ(1)

هذي رَزاياكِ أَبْكَتْنا فَأدْمُعُنا *** لِرُزئِكُم ولِما قَدْ نَالَكُمْ دِيَمُ(2)

أَبْكِيْکِ مَكْسُورَةَ الضِّلْعَيْنِ بَاكِيَةً ***بَيْنَ الجِدَارِ عَلَيْكِ القَوْمُ قَدْ هَجَمُوا

أَبْكِيکِ والصَّدْرُ فِيهِ لَوْعَةُ وَشَجِی*** قَدْ سالَ مِنْ وَخْزَهِ المِسْمارِ مِنْهُ دَمُ

قَدْ أَسْقَطُوكِ جَنِيناً كَانَ أَحْمَدُ قَدْ ***سَمّاهُ مُحسِنٌ لَمّا بَيتَكِ اقْتَحَمُوا(3)

ثُمَّ انْثَنَوْا لأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وقَدْ*** قَادُوهُ وَهوَ الإمامُ الطَّاهِرُ العَلَمُ(4)

فَرُحْتِ خَلْفَهُمُ تَدْعِينَ نَادِبَةً *** خَلُّوا ابْنَ عَمِّي ومِنْكِ الدَّمْعُ مُنْسَجِمُ

خَلُّوا عَلِيّاً وإلّا قُمْتُ شَاكِيةً ***إِلَى الإلَهِ فَيُفنِي اليَوْمَ جَمْعَكُمُ

رَوَّعْتُمُ صِبْيَتِي يَبْكُونَ وَالِدَهُمْ ***لَأَدعُونَّ عَلَيْكُمْ لا أَباً لَكُمُ

عَادو إِلَيْكِ وَرَاحَ السَّؤْطُ مُلْتَوِياً*** عَلَيْكِ قَسْراً وما راعاكِ جَمْعُهُمُ(5)

يَا سَؤْطَ قُنْفُذَ قَد أَلَّمتَ فَاطِمَةُ ***عَادَتْ وَفَي مَتْنِها كالدُّمْلُجِ الوَرَمُ(6)

ص: 496


1- عَمَمُ تامٌّ عامٌّ.
2- الدّيم: جمع ديمة، المطر يطول زمانه في سكون .
3- في (كتاب نقض فضائح الروافض ص298) لعبد الجليل القزويني المتوفي حدود سنة 560ه :إن عمر ضرب بطن فاطمة وقتل جنيناً في بطنها كان رسول الله قد سماه محسناً.
4- أخذه من قول الفرزدق في الإمام السجّاد : هذا ابن خير عباد الله كلهم *** هذا النقي التقيّ الطاهرُ العَلَم
5- تقدّم تخريج كل هذه الرزايا من كسر الضلع، وعصرها بين الباب والجدار، ونبات المسمار في الصدر، وإسقاط المحسن، وسحب أمير المؤمنين وركض الزهراء خلفه، وضربهم إياها بالسوط.
6- الدُّمَلج: اللي يلبس في المعصم. وفي البيت إشارة إلى ما رُوي في (كتاب سليم بن قيسص 134) في حديث طويل : فظر على عليه السلام إلى من حوله، ثم اغرورِقت عيناه ، ثمّ قال : يشكر له ضربة ضربها فاطمة بالسوطُ، فماتت وفي عضدها أثره كأنه الدملج.

يَا بِنتَ أَحْمَدَ يَا مَنْ فَضْلُهَا أبداً *** بادِ مَدَی الدَّهرِ فِي أَنوَارِهِ عَلَمُ(1)

مَا مَرَّ رُزوُكِ يَا بنت النبي عَلی *** قَلبی وَحَقّكِ - إلَّا انتَابَهُ الاَلَمُ

صَلِّی الإلهُ عَلَيْكُم ما بَدا قَمَرٌ *** بِجُنحِ لَيلٍ وعَنهُ انّجَابَت الظُلَّمُ

***

ص: 497


1- أي وهو علم، أي كالجبل شاخص شامخ.

(2)يا أمَّ والِدها

(بحر البسيط)

الأستاذ سلمان الربيعي(1)

أَيُّ الفَضائِلِ فِيها يَبْدَأُ الْكَلِمُ *** وهَلٌ يُوفّي إِذا ما دَوَنَ القَلَمُ؟

وكيفَ يُوصَفُ يَؤمُ شَعَّ مُؤتَلِقاً *** بِهِ العَقِيدَةُ لِلإِسلامِ تَبْتَسِمُ؟

حَيْثُ السُّرُورُ وَقَدْ لاحَتْ بَوَارِقُهُ *** عَلَى مُحَيّا رَسُولِ اللَّهِ تَرْتَسِمُ(2)

وَمَكَهُ مَا رَأَتْ فِي أُفقِها أَبَداً *** نُوراً كنُوْرِ الّتي تُجْلى بِها الظُّلَمُ(3)

نُورٌ تَلالاً فِي أَرْوَاحِ مَنْ جَعَلُوا *** حُبَّ البَتُولِ نَجاةً مِنْ لَظىّ لَهُمُ

فَلَيْسَ يَخْشَى امْرُؤٌ فِي الدَّهْرِ طَارِقَةٌ *** مادامَ بِالْمُصْطَفى والآلِ يَعْتَصِمُ(4)

ص: 498


1- هو الأستاذ سلمان بن عاصي الربيعي ، ولد في مدينة الحلة سنة 1370 ه/ 1951 م، فنشأ وترعرع في مدينة العلم والأدب، فأكمل دراسته المتوسطة ، بعدها واصل أخذه للعلوم. قام بقرض الشعر منذ سنة 1986 م، فنشر الكثير من قصائده في الصحف والمجلات، وكان شعره في مدح و رثاء أهل البيت عليهم السلام جيداً وقد توفرت لديه نتاجات شعرية، منها: الديار المحجوبة ، على أعتاب الديار، طيف الوطن.
2- البوارق : السُّحب ذوات البرق، وقد يريد الشاعر هنا من (بوارقه): أنواره وبشائره. والمحيا ملامح الوجه.
3- في حديث الإمام جعفر الصادق عليه السلام حول ولادة الصديقة الزهراء عليه السلام:«.. فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النورُ حتّى دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضعٌ إلا أشرق فيه ذلك النور.. وحَدَثَ في السماء نورٌ زاهر لم تره الملائكه قبل ذلك .» . ( أمالي الصدوق 476/ ح 1 - المجلس 87)
4- الطارقة: الحادثة أو الواقعة التي تداهم المرء، وغالباً ما تكون ليلاً.

يَا سَاقِیَيَّ اسْقِيَانِي تَروِيا ظَمَئِي *** فَبَيْنَ جَنْبَيَّ نارُ الوَجدِ تَضْطَرِمُ(1)

فَمَا عَهِدَتُكُما أَن تُحرِقا شَفَهُ *** لَوْ لاَمَسَتها شِفاةُ الكَأْسِ تَبْتَسِمُ

مِنْ حُبِّ فاطِمَةَ كَأْسٌ إِذَا ارْتُشِفَت ***تُجلى هُمُومِي بِها تَاللَّهِ والسَّقَمُ

لا تَسْقِيَانِي سِوى مَا يُذْهِبَن شَجَنِي*** فَأَطْيَبُ الكَأْسِ ما يُنسى بِهِ الأَلَمُ(2)

وأَسْمِعانِي مِنَ الصَّدّاحِ زَغرَدَةً ***فَلَيْسَ يَحْلُو لِقَاءُ مَا بِهِ نَغَمُ

إنّي وإن كُنتُ لِلاَحزَانِ مُرْتَهَناً*** يَنتابُني الغَمُّ واللَّأْواءُ والسَّأْمُ(3)

فَكَلْكَلِي بَاتَ هذَا اليَوْمَ مُنْشَرِحاً ***حَيْثُ المُباهِجُ والآلاءُ وَالكَرَمُ(4)

يَؤمٌ بِهِ بَضْعَهُ المُخْتارُ قَدْ وُلِدَتْ*** لِيُولَدَ الحَقَّ والإيمان وَالنِّعَمُ

ما كانَ أَعْظَمَهُ يَؤماً غَدَاةَ سَما *** لِلدّينِ والمُصْطَفى في مَكَّةٍ عَلَمُ

فَالشَّانِئُونَ شَتاتٌ بَعْدَ جَمْعِهِمْ *** وظَهرُ مَن شَانَاَ المُخْتَارَ مُنْقَصِمُ(5)

مَا ضَرَّ فَاطِمَةُ مِنْ كَوْنِهَا امْرَأَةً *** إِنْ صَرَّحَتْ بِاسْمِهَا الآياتُ وَالحِكَمُ؟

ما ضَرَّها وَهيَ لِلنِّسْوَانِ سَيِّدَةٌ *** وَكُلُّ مَنْ فِي الوَري طُرّاً لَها خَدَمٌ؟(6)

ص: 499


1- الوَجد: شدّة الشوق.
2- شجني : حُزني.
3- اللأواء : الشدة والمحنة.
4- كلكلی: صدري . الآلاء: العم.
5- شائا: باغض. يشير الشاعر الأديب إلى أن ولادة الزهراء عليها السلام تلجم من وسم رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بانقطاع نسله، حتى قال تعالى : «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» وهل کوثر کالزهراء فاطمة عليها السلام؛ إذ كان منها ومن علىَّ أمير المؤمنين عليه السلام أكثر النسل وأشرفه لرسول الله صلي الله عليه و اله و سلم؟!
6- إشارة إلى ما رُوي في كتاب ( البحار ج 3 ص 49 - عن: مناقب آل أبي طالب ) قال النبي صلي الله عليه و اله و سلم: فاطمة سيدةُ نساء العالمين، من الأوّلين والآخرين».

تَبْقَی البَتُولُ وَيَبْقی حُبُّها سَبَباً *** يَومَ الجَزاءِ بِهِ تَستَشفِعُ الأَمَمُ

***

مالِي إذا قُلْتُ قَوْلَ الحَقّ عَنَّفَنِي *** بَعْضُ الأُنَاسِ ، وَمِنْ آرائِيَ انتَقَمُوا؟

أَلَمْ تَمُتْ خِيرهُ النَّسوَانِ وَاجِدَةً*** عَلَی فُلان وَمَنْ ميراثِهَا اغْتَنَمُوا؟(1)

يَا صَاحِبِي رايَةُ الإسلامِ ما انتَكَسَتْ *** لَو عَنْ أَبِيها وُلاةُ الأَمرِ ما اْنفَصَمُوا(2)

والله ما صُودِرَت مِنْ فاطِمٍ فَدَكٌ *** وانَّما صُودِرَ الاِسلامُ والقِيَمُ(3)

واللهِ ما اقتَحموا داراً لِفاطِمةِ *** واِنَّما بَيْتَ جِبرِيلِ قَد اقْتَحَمُوا

مَن آذَوُا المُصطَفَی المُختارَ وَابنَتَهُ *** وَمِنْ بَنِيها وأَشياعٍ لَهُم نَقِمُوا

ص: 500


1- أطبقت المصادر على أنها عليها السلامماتت وهي واجدة غير راضية عليهما. و«فلان» هو أبوبكر، ومن میراثها اغتنموا الذين عاونوه على غصب فدك والعوالي والخُمس.
2- انفصموا: انفصلوا
3- هذا ما أوضَحَه الإمام موسى الكاظم عليه السلام لمّا أراد هارون الرشید مناورة معه حين قال له: حُدَّ فدكاً حتّى أرُدُّها إليك، فأبى عليه السلام، فلمّا ألخ هارون قال الإمام عليه السلام: إن حدَدتُها لم تردَّها! فلمّا طلب هارون تعيين حدودها قال الإمام الكاظم عليه السلام: . أما الحدَ الأوّل فقدن. فتغير وجه الرشيد وقال: إيهاً ! - والحدّ الثاني سمرقند. فاربدُ وجه الرشيد! .والحد الثالث إفريقية. فاسودَ وجه الرشيد وقال : هيه ! - والرابع سيفُ البحر وأرمينية. ففَهم الرشيد الأمر وقال : فلم يَبقَ لنا شيء، تَحَوَّل إلى مجلسي . ( أي إنّ فدك هي الخلافة) فقال الإمام الكاظم عليه السلام : قد أعلمتَّك أني إن حددتُّها لم تَرُدَّها . فعند ذلك عزم الرشيد على قتل الكاظم عليه السلام( مناقب آل أبي طالب 3: 435 - عنه: بحار الأنوار 144:48 / ح20).

وَصَادَرُوا حقَّها فِي إرثِ وَالدِها *** هُم أَرذَلُ الناسِ بل شَرُّ الدَّواب هُمُ(1)

يا لائِمي كيفَ لَمْ تَعرِف مَثَالِبَهُمْ *** والعُربُ تُعرِفُها تَاللَهِ وَالعَجَمُ؟(2)

قُل ما تَشاءُ فَلا أَزتَدُ عَنْ َکَلِمي *** هُمُ الرَّعادِيدُ فِي رأيي وَان عَظُموا(3)

***

يَا بَضعَةَ المُصطَفی يا أمَّ والِدِهَا *** إنّا ما شَرَّعَ المُختَارُ نَلتَزِمُ(4)

إن فَرَّقَتنا يَدُ الأَهواءِ مِثلَ سَبا *** فَلَنْ تَزِلَّ بِنا عَنْ نَهجكُم قَدَمُ(5)

إن خَيِّرُوني : أتَرضی حُبَّ فاطِمةٍ *** أم جَنَّةَ الخُلدِ فِي حَشرِي ؟ أَقُل لَهُمُ:

حُبُ البَتُولِ إلَی الفِرْدَوْسِ يُرشِدُني *** فَكيفَ يَرْضی سِواهُ العَاقِلُ الفَهِمُ؟(6)

ص: 501


1- خَفَّفَ «الدَّواب» وهي مشدَدة الباء للضرورة. وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى في الآية 22 من سورة الأنفال : ( «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ »وفي الآية 50 من سورة الأنفال أيضا«إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ»
2- أخذه من عجز قول الفرزدق : وليس قولك من هذا بضائره *** العرب تعرف من أنكرتَ والعجمُ
3- الرعاديد: الجُبناء كثير و الرَّعدة والارتعاد والاضطراب، وإن عظموا عند الجهلة.
4- في كتاب (کشف الغمة للإربلّي ج 1 ص 498): عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم في حديث: «ومن أنصف فقد أنصفني، ومن ظَلَمك فقد ظلمني ؛ لأنك منّي وأنا منك ، وأنت بضعةُ مني وروحيّ التي بين جَنُبَي . ثم قال صلي الله عليه و اله و سلم: «إلى الله أشكو ظالميك من أمتي».
5- تقول العرب: تفرقوا أيادي سبا، وهو مثَل يضرب في شدّة التفرق، لأن قوم سبا تفرقوا شرّ تفرق. يعني أننا وإن تفرقنا في كلّ شيء لكننا لا نحيد عن حُبكم. وفي أمالي الصدوق: 679/ ح 927 قول النبي صلي الله عليه و اله و سلم لأمير المؤمنين عليه السلام: ما ثبت حبُّك في قلب امري مؤمن فزلت به قدمه على الصراط إلا ثبتت له قدم أخرى حتى يدخله الله عز وجل بحبك الجنة.
6- في كتاب (فرائد السمطين للجويني الشافعي ج 2 ص 11): عن الحسين بن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : «فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلّها نور بصري ، والأئمة من ولدها أمناءُ ربي وحبلّه الممدود بينه وبين خلقه، من اعتصَمَ به نجا، ومَن تَخلّف عنه هوى».

(3)جوهر العقول

(بحر المتقارب)

الشيخ عبدالحسين الحُوَيزيّ(1)

لِفَرطِ اَلْجَوَي مُهْجَتِي كَاتِمَه *** وَ عَيْنِي بَدَتْ بِالحَيا سَاجِمَه(2)

ص: 502


1- هو الشيخ عبد الحسين بن عمران بن حسين بن يوسف بن أحمد بن دوش بن نَصار الحويزي ولد في النجف الأشرف سنة 1287ه أو 1289ه. كان في أول أمره مع والده تاجرة للأطعمة ثم خياطاً ، ثم لما والده عاد إلى التجارة وبيع الأقمشة، فصار من كبار التُّجار الأثرياء وكان بجنب تجارته يطلب العلم ويدرس على كبار العلماء والأدباء في النجف الأشرف، فتتلمذ على السيد إبراهيم الطباطبائي أشهر أدباء عصره، ولازمه مدّة طويلة . واستفاد كثيراً من الشيخ هادي الطهراني، وأخذ علوم المعاني والبديع والبيان من السيد محمد العاملي المعروف بالصَّحَّاف. وحضر في علم الأصول عند الشيخ عباس المشهدي ، وأخذ الفقه من الشيخ عباس ابن الشيخ علي آل كاشف الغطاء. وكانت له ممارسات في الرياضيات والهندسة والجفر والرمل والكيمياء والسيمياء، وكتب فيها بعض الرسائل. ساند صاحب «الكفاية» الملا محمد کاظم الخراساني في «المشروطة» . وقعت بينه وبين أقربائه خصومة انتقل على إثرها إلى كربلاء المقدسة سنة 1335ه، واستوطن فيها. كان مكثراً من الشعر، ترك خمسة عشر ديواناً في كل ديوان عشرة آلاف بيت ، وله ملحمة شعرية تزيد على الألفي بيت سماها فريدة البيان» في مدح النبي وعترته الأطهار . توفي سنة 1376ه في كربلاء المقدّسة، ونقل جثمانه بوصية منه إلى النجف الأشرف فدفن هناك.
2- الجَوي : شدة الشوق . مُهجَتي : روحي . الكيا: المطر. ساجمة: منهملة .

ولِلرَّكْبِ شَبَّت بَطَئَ الضُّلُوعِ *** عَشِيَّةَ بَانُوا لَظَى حَاطِمَه(1)

وَأَسهَرتُ عَيْنِي بِسِتْرِ الدُّجى *** وعَيْنُ السَّما تَحتَهُ نَائِمَهُ

وَبِتُّ وَ فَرْعُ الدُّجى نَاشِرٌ *** عَلَى عَاتِقي لِمَّهُ فَاحِمَة(2)

يقول فيها:

ولا أَفْطِمُ العَيْنَ عَن دَرِّها *** لِفَقْدِ ابْنَةِ المُصْطَفى فَاطِمَه(3)

رَبِيبَهُ حِجرِ نَبِيِّ الهُدى *** و صُحبَتُهُ مَعَها دائِمَه

ومِنْ قَلْبِهِ لَم تَزَلْ بَضْعَةً *** عَلاقَتُهَا بِالحَشا لازِمَه

غَذَاهَا اَلنَّبِيُّ بَدْرَ الْعُلُومِ *** فَشَبَّت بِوَحْيِ السَّما عالِمَة(4)

فَأُمُّ المَسيحِ كَلِيمِ الإِلَهِ *** عَلَى الطَّوْعِ أَمْسَتْ لَها خادِمَة

مَلائِكَةُ اَللَّهِ فِي عَرْشِهِ *** لِهَيكَلِها زِينَةُ راسِمَه

وَفِي اللَّوْحِ غامِضُ أَسْرارِها *** مِنَ الغَيْبِ كَاتِبَةً راقِمَه(5)

جَلالَهُ رَبِّ اَلْعُلَى فِي الوُجُودِ *** لِقُدسِيِّ عِفَّتِها عاصِمَةٌ

تَلَت كُلِّ وَحْيٍ أَتَى لِلرَّسُولِ *** وبِالذِّكْرِ بادِئةٌ خاتِمَة(6)

ص: 503


1- بانوا رحلوا. اللَّظى : اللّهيب. حاطمة : شديدة تحطم كلّ ما يلقى فيها.
2- اللّمَّة: الشعر المجاوز شحمة الأذن، أو ما تشعّث من الشَعَر. فاحمة: سوداء مظلمة، كالفحم .
3- عن دَرَها: عن دمعها هنا، كنّى بذلك عن طول البكاء.
4- الدَّرُّ: هنا بمعنى اللَّبن.
5- راقمة : كاتبةٌ أيضا، فالتكرار للتوكيد، واختلاف العبارة للتفنُّن .
6- ثبت من طرق شتى أن كلّ واحد من المعصومين حين يولد يقع على الأرض ساجداً ناطقاً بالشهادتين قارئا للقرآن، وفي خصوص فاطمة عليها السلام روی صاحب (الصراط المستقیم 1: 170) عن كتاب الوسيلة عن عائشة عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم قال : فلما وضعت (خديجة) فاطمة وقعت ساجدة نحو القبلة رافعة اصبعها ناطقة بالشهادتين . ( وانظر ذخائر العقبی: 45).

وَعِصمَتُها جَوهَرُ لِلعُقولِ *** مَدَی الدَّهْرِ عَنْ عَرَضِ سالِمَة(1)

وَصِدِّيقهُ هِیَ مَهْمَا ادَّعَتْ *** عَلَی الخَصمِ في حَقِّها خَاصِمَة(2)

لَقَد جَحَدَ القَوْمُ مِنْهَا الحُقُوقَ *** وحُجّتُها بِالهُدی قَاْئِمَه

تُصَيِّرُ فِي نُطقِهَا العارِفِينَ *** بَهائِمَ فِي رَعيِها سائِمَة

لَقَد ظُلِمَتْ بَعْدَ فَقْدِ النَّبئِّ *** وأُمَّتُهُ أَصْبَحَتْ ظَالِمَه

فَلَو دَعَتِ اللهَ افَنَتهُمُ *** ولكِنَّها عَنْهُمُ حالِمه(3)

أفاطِمُ يُسقَطُ مِنهَا الجَنينُ *** وَتُدفَعُ عَنْ حَقَّهَا راغِمَة؟(4)

ص: 504


1- روى الشيخ المجلسی في (بحار الأنوار 63: 100/ ح 19 - عن: أمالي الشيخ الطوسيّ) قول الإمام الصادق عليه السلام في فاطمة الزهراء عليها السلام: «هي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرونُ الأُولى». قال المحقق أبو الحسن النجفي في كتابه ( ملتقى البحرين ص 40): إن المراد من القرون هو قرون جميع الأنبياء والأوصياء وأممهم، من آدم فمن دونه، حتى نفس خاتم الأنبياء صلى الله علیه و آله أجمعين. يعني ما بعث الله عز وجل أحدا من الأنبياء والأوصياء حتى أقروا بفضل الصديقة الكبرى ومحبتها. ويؤيده ما ذكره السيد هاشم البحراني قدس سره في كتابه ( مدينة المعاجز) عنه عليه السلام : ما تكاملت النبوةُ لنبئَّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبّتها».
2- خاصمة: غالبة لضمها. وقد تقدم ذكر محاججتها للشيخين وإفحامها لهما، وأنّهما ردّا شهادة شهودها، مع أنّها لا تحتاج إلى شهود لأتها صدّيقة طاهرة بنص النبي صلي الله عليه و اله و سلم.
3- حالمة: صافحَة، من الحِلّم ضد الطيش. وذلك يوم أرادت أن تدعو على القوم لمّا سحبوا أمير المؤمنين عليه السلام من داره إلى المسجد، قال سلمان: فرأيتُ - والله - آساس حيطان المسجد تقلّعت من أسفلها، حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ، فدنوتُ منها فقلت: يا سيّدتي و مولاتي ، إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة، فلا تكوني نقمة. فرجعت الحيطان حتى سطعت الغُبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا . ( مناقب آل أبي طالب 3: 118)
4- راغمة: مُرغَمَة. قال الإمام الصادق عليه السلام: «.. وهي تجهر بالبكاء وتقول: يا أبتاه، یا رسول الله ابنتك فاطمة تُضرَب ، ويُقتَل جنينٌ في بطنها و...)

وتحرِقُ بابَ فِناهَا الطَّغَامُ *** وتَأْتِي عَلى خِدرِهَا هَاجِمَه؟(1)

فَتَبَّتْ يَدٌ كَسَرَت ضِلعَها *** ومُدَّت إلى وَجهِها لاطِمَةً!(2)

ص: 505


1- الطَغام: أوغاد الناس . خدرها: الخدر: سترُ يعد للجارية في ناحية البيت، ما يفرد للجارية من السكن. قال الشهرستاني في ( الملل والنّحل 1: 57) قال النظام : إن عمر ضرب بطئ فاطمة يوم البيعة حتّى ألقَت الجنين من بطنها، وكان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها ! وما كان في الدار غير عليُّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.
2- تبت يدٍه: خَسِرت حين بكى رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم سأله أمير المؤمنين عليهم السلام عن ذلك، فأجابه : أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمةَ خَدَّها! ( أمالي الصدوق ص 116 ح 2 - المجلس 28)

(4)زهرة الفردوس

(بحر السريع)

الشيخ عبدالستّار الکاظمیّ

تَبكِيكِ عَيْني عَبرَةً سَاجِمَهُ *** يَا زَهْرَةَ الفِرْدَوْسِ يَا فَاطِمَة

***

سُبْحَانَ مَنْ سَوَّاكِ بَذراً تَمَام *** يَهدِي بِكِ اللهُ جَمِيعَ الأَنَام

انوارُکِ(1) تَجْلُو دَياجِي الظَّلاَم *** اَيَّتُهَا الصَّدَیقَةُ العالِمَة(2)

***

ص: 506


1- الوزن مختل هنا لأن «أنوار» «مُستفعلُ»، مع أن أصل التفعيلة في السريع «مس تف علن» فاخره وتدّ لا يدخله الزحاف .
2- في ( الكافي للكلينيّ ج 1 ص 58/ ح 2) عن الإمام الكاظم عليه السلام: «إن فاطمة عليها السلام صديقة شهيدة» . وفي ( الرياض النضرة للمحبُ الطبريّ ج 2 ص 202) : إن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال لعلي عليه السلام: «أوتيتَ زوجةَ صديقةُ مثلَ ابنتي ) .

بَيْتكِ فِي ظِلِّ أَبِيكِ الرَّسُولُ *** مَهْبِطُ وَحْيِ اَللَّهِ عِنْدَ النُّزُول

أَنِيسُكِ القُرآنَ نُورُ العُقُول *** وأَنْتِ في تَرتيلِهِ هائِمَه(1)

***

زَهْراءُ فِي صِفاتِکِ الزّاهِرَة*** مُحكَمَهٌ آيَاتُكِ الباهِرَة

فِيكِ مَعانِي العِتْرَةِ الطّاهِرَةِ *** ظاهِرَةٌ نَاظِرَةٌ قائِمَه

***

لَمَّا مُضِيَ وَالِدُكِ المُصْطَفي *** نَادَيْتِ يَا دُنْيا عَلَيْكِ الْعَفَا(2)

والدَّهْرُ قَدْ جارَ وما أَنْصَفا *** مُذْ غَصَبَتْكِ الزُّمْرَةُ الظّالِمَة

***

حِينَ اعْتَدِي عَلَيْكِ أَهْلُ العِناد *** فِي ظُلْمِهِمْ لَمَّا طَغَوْا فِي البِلاد(3)

انْقَلَبُوا عَنْ شَرْعِ رَبِّ العِبَاد *** مُذْ أَسَّسُوهَا فِتْنَةً قَائِمَه(4)

ص: 507


1- هائمة: هنا غارقة في شوق القرآن.
2- العَفا: التراب، أو الهلاك والبلى . ومعناهما متقاربان. في زيارتها الأُولى لقبر والدها المصطفی صلي الله عليه و اله و سلم ، خاطبته بقولها: «.. فأنا بعدك للدنيا قالية، وعليك ما ترددت أنفاسي باكية، لا ينفد شوقي إليك، ولا حُزني عليك ... يا أبتاه ، انقطعت بك الدنيا بأنوارها، وثروت زهرتُها، وكانت ببهجتك زاهرة، فقد أسودَ نهارُها، فصار يحكي حنادسها رطبها ويابسها..». (بحار الأنوار 176:43 / ح 15)
3- إشارة إلى قوله تعالى «وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ «الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ» الفجر 10- 11.
4- وكان من خطبتها عليها السلام في نساء المهاجرين والأنصار: «أما أمر الله لقد لقحت، فنظرةً ريث ما تُنتج ، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطة، وذعافاً ممقراً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما سن الأولون..». (بحار الأنوار 43: 158 - 159)

قالَ أَحْرِقُوا دَارَ عَلِيُّ ومَرّ*** قَالُوا بِهَا الزَّهْراءُ مَة مَا الخَبَر؟(1)

قال: وَإن فَأَحْرَقُوا فِي الأَثَر*** بابَ الهُدى والنِّعْمِة الدَّائِمَة(2)

***

فِي هَمِّها كَالمُثْکِلِ الشّائِطِ *** جَاءَتْ وَ بَيْنَ البابِ وَالحائِطِ(3)

قَدْ عُصِرَت مِن ظَالِمٍ سَاخِطٍ *** في دَفْعَةٍ حاقِدَةٍ آثِمَةَ(4)

***

قَدْ أَنْبَتُوا المِسْمَارَ في صَدْرِها *** وَأَسْقَطُوا الْجَنِينَ في عَصْرِها

ص: 508


1- وصل همزة «أحرقوا» وهي همزة قطع ضرورة شعرية. مه : كلمة مبنية على السكون معناها الزجر، أي اكفف.
2- أحرقوا في الأثر: أي مباشرة بعد ذلك. ولا شك أن باب فاطمة هو الهدى والنعمة الدائمة، كيف لا وكان يقف عليه رسول الله ويتلو إنّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. (انظر أمالي الصدوق: 208 ح 230).
3- الشائطُ : المحترق. وأراد هنا احتراق الهم
4- وهو الذي كتب إلى معاوية يقض عليه واقعة الهجوم على الدار وإحراقه، حتى قال: فضربت فاطمهُ يديها من الباب تمنعني من فتحه ، فرمته، فتصعب علي، فضرب كفُيها بالسوط فالمها، فسمعتُ لها زفيرا وبكاء، فكدتُ أن ألين وأنقلب عن الباب، فذكرتُ أحقاد عليُّ وؤلوعه في دماء صناديد العرب، وكيد محمد وسحره، فركلتُ الباب، وقد ألصقتُ أحشاءها بالباب تترسه ، وسمعتها وقد صرختُ صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها، وقالت: يا أبتاه ! یا رسول الله ! هكذا يُفعل بحبيبتك وابنتك ، آو یا فضه إلي قذيني ، فقد - والله - قل ما في أحشائي من حمل ! وسمعتها تمخض وهي مستندة إلى الجدار، فدفع الباب ودخلت فأقبلت إلى بوجه أغشی بصري ، فصفق على خديها من ظاهر الخمار، فانقطع قرطاها وتناثرا إلى الأرض .. (بحار الأنوار ج 8 ص 229 - 233، طبعة الكمپانيّ)

فَضَجَّتِ الأَمْلاكُ مِنْ صَبْرِهَا *** وَيْلٌ لِمَنْ كانَتْ لَهُ خَاصِمَة!(1)

***

مَصائِبٌ صُبَّتْ بِتِلْكَ المِحَن *** بَعْدَ أَبِيها مِثْلُ صَبِّ المُزُن(2)

مَا ذاقَتِ الرَّاحَةُ أُمُّ الحَسَن *** حَتَّى مَضَتْ عَلَيهِمُ نَاقِمَه(3)

***

مَظْلُومَةٌ قَدْ كَسَرُوا قَلْبَها *** مَهْمُومَةً لَمَا دَعَتْ رَبَّها

مَكْسُورَةَ الضِّلْعِ قَضَتْ نَحْبَها *** مَحْرُومَهُ حَزينَه وَاجِمَهُ (4)

ص: 509


1- في حديث طويل يخاطب فيه رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بضعته الطاهرة فاطمة عليها السلام، جاء فيه: «.. والذي بعثني بالحق، لأقومن بخصومة أعدائك ، وليندَمَن قومٌ أخذوا حقير، وقطعوا موت ، وكذبوا عليّ، وليُختلجُنُّ دوني (أي يسحبون ويُقتطعون)، فأقول: أمّتي أمّتي ! فيقال : إنهم بدلوا بعدك وصاروا إلى السعير ! ( بحار الأنوار 991:22 / ح 39 - عن: الطرف للسيد ابن طاووس ص41)
2- المزن: السُحب، أو السحاب ذو الماء، المزنة : القطعة من المزن. والمراد هنا المطر فهو صبّ المُزَّن.
3- في (صحيح البخاري 4: 96 - ط دار إحياء التراث العربي)، وفي (صحیح مسلم 5: 25)، وفي (جامع الأصول لابن الأثير 10: 389) قالت عائشة في رواية لها: فغضبت فاطمة فهجرت أبابکر، فلم تزل مهاجرته حتّى تُوفيت). وفي (دلائل الإمامة للطبري الإمامي ص 45 - عنه: بحار الأنوار 63: 170/ ح 11): فخرجا (عمر وأبو بكر) من عندها وهي ساخطةُ عليهما!
4- واجمة: وجم: عبس وجهه وأطرق لشدّة الحزن، فهو واجم، وهي واجمة.

(5) ابنة المختار

(بحر البسيط)

الشيخ ملّا علي آل رمضان

أَتَرَغَّبُونَ بِدارٍ كُلُّهَا نِقَمٌ *** والأَمْرُ تَمْلِكُهُ مِنْ أَهْلِهَا الخَدَمُ؟

فَاِنٍ كُلَّ امْرِي فِيها عَلي خَطَرٍ *** حَتِي يُوَافِيَهُ من وَعْدِها العَدَمُ

دارُ عَلی حُجَجِ البَارِي قَدِ اشْتَمَلَت *** اَخْطارُها وعَلَيْهِمْ جاشَتِ الغُمَمُ(1)

وهُم بِها مَصْدَرُ لِلْفَيْضِ مُتَّسِعٌ *** تَجْرِي عَلَي الخَلْقِ مِن يُنْبُوعِهِ النِّعَمُ(2)

وكَانَ سِرٌ فُوادِ الغَيْبِ عِنْدَهُمُ *** مُحَجَّباً حَيثُ فِيهِم يَصْعَدُ الْكَلِمُ

ص: 510


1- جاشت: هاجت واضطربت. الغُمَم: جمع الغُمة. روى الخوارزمي الحنفي في ( مقتل الحسين عليه السلام1: 95/ ح 203)، والجويني الشافعي في (فرائد السمطين 2: 319 ح 571)، والقندوزيّ الحنفي في (ينابيع المودة 3: 380/ ح 2 - الباب 93) ین أحد أحادیث الإسراء، أن النبي صلي الله عليه و اله و سلم قال: «قال (أي الله تعالی): يا محمد، تحبُ أن تراهم؟ قلت : نعم يا رب. قال لي : انظر إلى يمين العرش. فنظرث.. فإذا عليٌّ وفاطمةٌ والحسنٌ والحسين، وعليُّ بن الحسين، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد، وموسی بن جعفر، وعلي ابن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، ومحمد المهدي بن الحسن كأنه كوكب دري بينهم. وقال : يا محمد ، هؤلاء محججي على عبادي ، وهم أوصياؤك والمهدي منهم...)
2- إذ هم سببُ الفيض الإلهي، وعلّة الوجودات روى الجوينيّ الشافعيّ في ( فرائد السمطين 1: 36) أن الله تعالی خاطب آدم عليه السلام لمّا سأله عن الخمسة الأشباح قائلا له: هؤلاء خمسةٌ من وُلدك ، لولاهم ما خلقتُك، هؤلاء خمسة تقف لهم خمسة أسماء من أسمائي ، لولاهم ما خلقتُ الجنّة ولا النار، ولا العرشَ ولا الكرسي، ولا السماء ولا الأرض، ولا الملائك ولا الإنس ولا الجن .

لِأَنَّ مِنْ نَفَسِ الرَّحْمانِ أَنفُسَهُم *** مَخْلُوقَهُ وَجَرَتْ مِنْهُ بِهَا الحِكَمُ

أَنْوارُ قُدسٍ بِعَرْشِ اللَّهِ مُحْدِقَةٌ *** مِنْ قَبْلِ أَنْ تُخْلَقَ الدُّنيا وَلَا الأُمَمُ(1)

لَؤْلاهُمُ مَا بَدَتْ شَمْسٌ وَلا قَمَرٌ *** وَلا نَهَارٌ وَلا نُورٌ وَلا ظُلَمُ(2)

مُطَهَرُّونَ هُدَاةٌ لا يَمَسُّهُمْ *** رِجْسٌ وَلا بِهِم رَينُ وَلا لَمَمُ(3)

فَهُمْ بَنُو الْمُصْطَفَي الهادِي الَّذِينَ بِهِمْ *** فِي اللَّوْحِ مِنْ حِكْمَةِ البارِي جَرْيِ القَلَمُ

أَبُوهُمُ نُقْطَةُ الأَدوارِ حَيْدَرَةٌ *** وَأَحمَدُ المُصْطَفَي المُختَارُ جَدُّهُمُ

وَدُرَةُ الصَّدَفِ القُدْسِئِّ فَاطِمَةٌ *** مِشكَاةُ مِصْباحٌ نُوْرِ اَللَّهُ أُمُّهُمُ(4)

حُورِيَّةً إِسْمُهَا الزَّهْراءُ فَاطِمَةُ *** مُحِبُّها عَنْ لَهِيبِ النَّارِ مُنْفَطِمُ(5)

هِيَ اَلَّتِي وَشَحُوا بِالسَّوْطِ أَضْلُعَها *** لَمّا عَلَيْهَا طُغاةُ القَوْمِ قَدْ هَجَمُوا

ص: 511


1- ففي الزيارة الجامعة: خلقكم الله أنواراً، فجعلكم بعرشه محدقين . (انظر من لا يحضره الفقيه 2: (613 ).
2- ذكرنا وأشرنا.. مرارة إلى حديث الكساء، وفيه قول الباري جلّ وعلا: «يا ملائكتي ويا سُکان سماواتی ، إني ما خلقتُ سماءُ مبنية، ولا أرضاً مذحية، ولا قمراً منيراً، ولا شمسا مضيئة، ولا فلكا يدور، ولا بحراً يجري، ولا فُلكا يشري ، إلّا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء.
3- الرَّين : الدنَس. عن الأصبغ بن نباتة ، عن ابن عباس رفعه إلى النبي صلي الله عليه و اله و سلم أنه قال: «أنا وعلى والحسن والحسين، و تسعةُ من ولد الحسين .. مُطهرون معصومون». ( ينابيع المودة 3: 384 ح4 - الفصل 94، غاية المرام للسيّد هاشم البحراني ص 993/ ح7)
4- انظر تأويل قوله تعالى في الآية 35 من سورة النور «مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَة» وأن المشكاة هي فاطمة في ( الكافي 1: 151/ ح 5).
5- إبدال همزة الوصل في «اسمها» إلى همزة قطع ضرورة. وقد تقدّم أن الله فطمها ومحبّيها من النار فسُمِّيت فاطمة. منفطم : منقطع.

وأَزْعَجُوها بِبَيْتٍ مِن نَبَالَتِهِ *** لَهُ مَلائِكَةُ السَّبعِ العُلَى خَدَمُ(1)

وأَحْرَقُوا مَنْزِلَ التَّنزِيلِ مَنْزِلَها *** وَكَانَ فِيهِ الؤَصيُّ المُرتَضَى العَلَمُ(2)

بِاللَّهِ أَقْسِمُ لَوْلَا الحِلْمُ كَفكَفَهُ *** لَمّا عَلى مَنْزِلِ الزَّهْرا قَدِ اقْتَحَمُوا(3)

وَلا اسْتَطاعَ يَري الزَّهْرا مُقَنَّعةً *** بِسَؤْطِ نَاكِثِ عَهْدِ مَا لَهُ ذِمَمُ(4)

فَإِنَّ نَاراً وَرَث فِي بابِ فاطِمَةٍ *** فِي الطَّفِّ أَضحَتْ بِرَحْلِ السِّبْطِ تَضطَرِمُ(5)

وَ لَيْسَ قادَ الفَتى زَيْنَ العِبادِ إِلَى *** طَغْوَي يَزِيدَ أَسِيراً وَهوَ مُهْتَضَمُ

إِلاَّ الذي اسْتَخَرَجَ الهادي أَبا حَسَنٍ *** مُلَبَّباً بِرِداةُ وَهوَ مُصطَلَمُ(6)

مِن خَلفِهِ فَاطِمٌ تَدعُو وَمَدمَعُها *** مِنَ الأَماقِي عَلَى الخَدَّينِ مُنسَجِمُ(7)

خَلُّوا أَخَا اَلْمُصْطَفَى الهادِي وَناصِرَهُ *** لاَ تُخْرِجُوهُ مُهاناً لا أَبا لَكُمُ!

مِنْ قَبْلِ أَكْشِفَ رَأْسِي بِالدُّعاءِ وفي *** قَلبِي شَجيٌ وفُؤَادي كُلُّهُ ألَمُ(8)

إنِّي ابْنَهُ المُصْطَفَى المُخْتارِ فاطِمَةٌ *** فَإِنْ دَعَوْتُ آنَفَنَت مِنْ دَعْوَتِي الأُمَمُ

ص: 512


1- النُبالة : النجابة والفضل والكمال. وأراد هنا علو شأنه. السبع العلى: السماوات السبع.
2- العَلَمُ: الجَبلُ.
3- اقتحم» يتعدّى بنفسه، لكن لما ضُمَّن معنی «هجم» عُدي بحرف الجر «علی».
4- قَنَّعهُا بالسوط : ضَرَبها به ضرباً شديداً كأنه غشّاها به. وفي حديث الإمام الباقر عليه السلام: إذا كان في كل موسم يخرج الله القاسطين الناكثين غَضَّين طَريَّين، فيُصلبان هاهنا..». (الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 2: 816/ ح 25، مختصر البصائر 111، الاختصاص 270، بصائر الدرجات 286.. وغيرها)
5- ورَث : اشتعلت و اتّقدت.
6- ملبَّبا: مأخوذاً بتلابيبه. والتلابيب جمع اللبيب، وهو طوق الثوب. المُصطَلَمُ: المُضطَهَد.
7- المآقي والأماقي : مجاري الدموع من العيون.
8- من قبل أكشف فيه إعمال «أن»مع حذفها. والأوجَهُ هو رفع الفعل الذي بعدها عند حذفها.

يا لَلرِّجال ِ أَما لِي مِنکُمُ أَحَدٌ *** مِنَ الطُّغاةِ لِوَجْهِ اَللَّهِ يَنْتَقِمُ؟(1)

يَا غَيرَةَ اَللَّهِ هَلْ كَلَّتْ سَوَاعِدُكُمْ *** عَن نُصْرَتي؟ وَيْلَكُمْ أَمْ ماتَتِ الشِّيَمُ؟(2)

فَكَيفَ يُخرَجُ بَعلِيٍ بَينَ أَظهُرِكُم *** وَلاَ تُسَلُّ لَهُ الهِنْدِيَّةُ الخُذُمُ؟(3)

فَلَمْ تَجِدْ أَحَداً لَبّئ لِدَعْوَتِها *** كأنّما كانَ فِي أَسْماعِهِمْ صَمَمُ

ص: 513


1- نظر إلى قول أبي فراس الحمداني : يا للرَّجال أما الله منتصف *** من الطغاة أما للدين مُنتقمُ
2- نظر إلى قول السيد حيدر الحلی: جفت عزائم فهر أم تری بردت *** منها الحميّة أم قد ماتت الشيمُ
3- الهندية : السيوف المطبوعة من حديد الهند. والخُذُم: القاطعة.

(6)أُمّ الخِدر

(بحر البسيط)

الشيخ محمّد سعيد المنصوريّ

تَاللَّهِ بَعْدَ رَسُولِ اَللَّهِ مَا هَجَعَتْ *** لِفَاطِم لَيْلَهً عَيْنٌ وَ لَمْ تَنَم(1)

تَبْكِي لِفَقْدِ أَبِيها حَيْثُ قَدْ غَرِقَتْ *** مُذْ غابَ عَنها بِبَحْرِ الهَمِّ وَالألَمِ

لَم يَرعَ أَصْحابُهُ حَقّاً لَها أَبداً *** وقَدْ تَعْرَّوْا عَنِ الأَخْلَاقِ والشَّیَمِ(2)

مالُوا عَلى إِرْثِهَا غَضباً وَقَدْ نَزَلَتْ *** بِهِ النُّصُوصُ مِنَ الرَّحْمَانِ ذِي النِّعَمِ(3)

وأَقْبَلُوا نَحْوَ بَيْتٍ فِي جَوَانِبِهِ *** تَبْكِي أَباها عَظِيمَ اَلشَّأْنِ ذَا الكَرَمِ

وجَمَّعُوا حَطَباً في بابِهِ وَعَلَتْ *** أَصواتُهُمْ حَوْلَ بَيْتٍ جِدُّ مُحْتَرَمِ(4)

فَأقْبَلَت بَضْعَةُ الهادِي تُعَنِّفُهُم *** وقَلبُها كانَ مِمّا مَرَّ في ضَرَمِ(5)

قَالَتْ بِصَوتِ شَجاها وَهيَ ثَاكِلَةٌ *** والدَّمعُ مِن عَينِها يَنهَلُ كالدِّيَمِ:(6)

ص: 514


1- هَجَع: نام ليلاً، وفي التنزيل الحكيم: ض«كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ»(الذاريات: 17).
2- لو قال: «عن الإيمان والشيم» لكان أجود.
3- تقدّمت محاججة الزهراء عليها السلام لهم بالآيات القرآنية، لكنّهم لم يرعوُوا.
4- الجدُّ: المحقّق المبالَغُ فيه، يقال : عذابٌ جدُّ، أي مبالغ فيه، ويقال : عليٌّ عالم جد عالم، أي مُتناء في العلم.
5- الضرم: الاتقاد والالتهاب والاشتعال .
6- ينهلُ : يسيل العين. الدَّيم: جمع الديمة وهي مطر يدوم في سكون بلا رعد و برق.

ماذا تُرِيدُونَ مِنّا نَحنُ فِي شُغُلٍ *** بِحُزْنِنا فِي مُصابِ الوالِدِ الشَّهِمِ؟(1)

قَالُوا : نُرِيدُ عَليّاً أن يَمُدِّ يَداً *** بِبَيْعَةِ عُقِدَتْ فِي النّاسِ لِلهَرِمِ(2)

قَالَت : أُحَرِّجُ أن يَدْنُو لِمَنْزلِنا *** دَانٍ بِحُرْمَةِ طهَ سَيِّد الأُمَم(3)

فَقَابَلَ الرَّجُلُ الزَّهرَاءَ فِي كّلِمِ *** قَاسِ وجُرأَةِ عِلجٍ غَيرِ مُحتَشِمِ(4)

ص: 515


1- نادى عمر بعد أن ضرب الباب بعنف : يا ابن أبي طالب، افتح الباب ، فقالت له فاطمة: يا عمر؟ مالنا ولك ؟! ألا تدعُنا وما نحن فيه ؟! قال : افتحي الباب وإلّا أحرقنا عليکم !.. ثم دفعه، فاستقبلته فاطمة وصاحت: يا أبتاه ... ( بحار الأنوار 43: 197 - 198 و 28: 299، کتاب سليم بن قيس الهلالي ص 250 - ط الأعلمي)
2- الهرم: يُريد به أبابكر . دليلهم في استخلافه بالقوة والعنف، والتهديد والسيف .. أنه كبير القوم ستا، وقد اعترض على ذلك أبوه؛ إذ هو أكبر سنا بالضرورة! روى الطبرسي في الاحتجاج 1: 87-88 [ط النجف 1: 115] أن أبابکر کتب رسالة إلى أبيه : من خليفة رسول الله ، إلى أبي قُحافة. أما بعد: فإن الناس قد تراضوا بي ؛ فأنا اليوم خليفة الله ، فلو قمت علينا لكان أحسن بك. فسأل أبو قحافة رسول أبي بكر: ما منعهم من علي؟! قال : هو حدث السن.. وأبوبكر أسنُّ منه. قال أبو قحافة: إن كان الأمر في ذلك بالست؛ فأنا أحقُّ من أبي بکر! لقد ظلموا عليا حقه، ولقد بايع له النبي وأمنا ببيعته ( الاحتجاج 1: 87 - 88، عنه: بحار الأنوار 29: 95/ ح3)
3- حين أرادوا دخول الدار قالت فاطمة عليها السلام: أحرُج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير إذن، فأخبروا عمر بذلك وأنها تُحرِّج، فغضب عمر وقال : ما لنا وللنساء. (کتاب سليم 2: 856/ ح 4).
4- لو قال «فقابل الأدلم الزهراء» لكان أبلغ، لأنه لم يكن رجلا. العنج: كلُّ جاف شديد. غير محتشم : بغير حياء ولا أدب. وقد تكرّرت منه تلك الجسارات البشعة الشنيعة، وهي مع الأنبياء والأولياء فسق وكفر، سبقها بقوله لرسول الله صلي الله عليه و اله و سلم مرات عديدة يعترض على مواقفه: أهذا منك أم من الله ؟! وختمها معه بقوله فيه: دعوه؛ فإنه يهجر! والهجران هو الهذيان ، ثم واصل سوء أدبه هذا مع آله، فقال للزهراء الطاهرة الصديقة صلوات الله عليها مرة: دعينا من أباطيل .. (الكشكول 203، عنه : بحار الأنوار 29: 194/ ح 40) و مرة: يا فاطمةُ في ، فليس محمد حاضراً ولا الملائكة تأتيه : ومرة أخرى: دعي عنك يا فاطمة حماقات النساء، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوة والخلافة! ( الهداية الكبرى للخصيبي 392 - عنه: حلية الأولياء 5: 390 ح 1، وأخرجه المجلسي في بحار الأنوار 17:53 - 19 عن بعض المؤلفات) ومرة أخرى : دعي عنك الأباطيل وأساطير النساء، وقولي لعلئ يخرج، لا حباً ولا كرامة ! (بحار الأنوار 8: 220 - ط الحجرية)

سَأُحْرِقَنَّ عَلَيْكُم بَابَ بَيْتِكُمُ *** حَتَّى أُحِيلَكُمُ والْبَيْتَ لِلْعَدَمِ

ولا أُبَقِي بِهِ طِفْلاً وَلا رَجُلاً *** فَالحَرقُ وَالقَتلُ هَذَا اليَوْمَ مِن شِيَمِي(1)

وَحِينَما سَمِعْت تَهْدِيدَهُ ابتَدَرَت *** لِفَتْحِ بابِ الهُدْئِ لِلظَّالِمِ الغَشِمِ(2)

وبَعْدُ لاذَتْ بِهِ كَيْ لا يَرَى أَحَدٌ ***خَيَالَها وَهِيَ أُمُّ الخِدرِ من قِدَمِ

ومُذ أَحَسَّ بِهَا الطّاغِي تَعَمَّدَها *** بِعَصْرَةِ صَدْرُها مِنْها هُنَاكَ دَمِي(3)

وضِلْعُهَا عَادَ مَكْسُوراً ومُحْسِنُهَا ألْ***حَمْلُ الشَّرِيفُ عَلَى وَجْهِ الصَّعِيدِ رُمِي

وَ قَيِّدُوا فارِسَ الهَيْجَاءِ إِذْ عَلِمُوا*** بِأَنَّهُ صَابِرٌ بِالسَّيْفِ لَمْ يَقُمْ(4)

وخَلْفَهُ راحَتِ الزَّهْراءُ قَائِلةً: *** إِنْ لَمْ تُخَلُّوةُ أَدعُو اللَّهِ بِالنِّقَمِ

ثُمَّ اِنْثَنَتْ لِضَرِيحِ المُصْطَفى وَغَدَت *** تَشْكُو لَهُ الجَوْرَ مِن جَانٍ وَمُجْتَرِمٍ(5)

ص: 516


1- أطبقت الروايات على أن فاطمة عليها السلام حين قالت لعمر: يابن الخطاب أتراك محرقاً عَلَىَّ بابي؟! قال : نعم . (انظر أنساب الأشراف 1: 586/ ح 1184، تاريخ أبي الفداء 1: 156، العقد الفريد ه: 12، کتاب سليم 2: 586/ ح ، أعلام النساء لرضا کحالة 4: 114) .
2- أراد بالغَشم الغاشم وهو الظالم، لكن لم يرد في اللغة سماعة ولا يصح قياساً. الروايات الموثقة تؤكد أن فتح الباب كان على أثر حرقها من قبل المهاجمين ومنهم عمر، ودفعها وركلها من قبل عمر.
3- دمي الجُرحُ: خرج منه الدم .
4- ذلك أن عمر لَمَّا عَلمَ أن أمير المؤمنين عليه السلام مُوصئ بعدم شَهر السيف اجترأ وقال : اهجموا فإنّ الرجل موصی
5- الجاني والمجترم : هما الأول والثاني .

يَا والِدِي - هَتَفَت - لَوْ كُنْتَ شَاهِدَنا *** غَداةَ إِذْ هَجَمَ الأَعداءُ لِلْحَرَمِ(1)

لَساءَ حالَكَ مَا قَد حَلَّ بِي وجَرَتْ *** عَيْناكَ مِمّا عَرَانِي دَمْعُها بِدَمِ

ص: 517


1- كانت صلوات الله عليها قد عطفت على قبر النبي صلي الله عليه و اله و سلم وقالت: قد كان بعدك أنباء وهنبنه *** لو كنت شاهدَها لم تكبُر الخُطب .. بحار الأنوار 8: 109 - 112/ ضمن الخطبة الفدكية الشريفة - ط الكمپاني)

(7)حوادثُ بنت الهُدی

(بحر المتقارب)

السيّد محمّد کاظم الكفائیّ

حَوادِثُ بِنْتِ الهُدى تُؤْلِمُ *** فَهَلْ يَسْتَطِيعُ البَيانُ الفَمُ؟

فَهَل يَسْتَطِيعُ وَفِيهِ الشَّجا *** وَكَيفَ يُصَرَّحُ أو يُكْتُمُ؟(1)

فَإِنْ كَتَمَ الحَقَّ قَالُوا غَوي *** وَراحَ عَنِ الحَقِّ يَستَفهِمُ

وَإن قالَ حَقَّاً تُعِدُّ الطُّغاةُ آنْ*** تِقاماً ولِلْحَقِّ لا تَهْضِمُ(2)

تَرُومُ لَتَكْتُمَ شَمْسَ الضُّحى *** وهَيهاتَ شَمْسُ الضُّحَى تُكْتَمُ(3)

تَرُومُ لِتَكْتُمَ شَمْسَ الضُّحَى *** ولَمْ يُبْصِرُوها كأَنْ قَد عَمُوا(4)

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنْ يَؤمَ السَّقِي*** فَهِ فِي يَوْمٌ حَوادِثُهُ تُؤْلِمُ؟

أَلَم يَعْلَمُوا أنَّ بِنْتَ النَّبِيِّ *** تُصانُ ومَن يَعْتَدِي مُجْرِمُ؟

ص: 518


1- الشَّجا: كل ما يعترض في الحلق من عظم وغيره.
2- لا تهضم : لا تتقبّل. أخذاً من هضم الطعام.
3- تروم: تقصد أو تريد. تُكتم: تُخفی.
4- قال تعالى في محكم كتابه المجيد: «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ » (سورة الحج : 46). عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال : «تاة من جهل، واهتدى من أبصر وعَقل، إنّ الله عز وجل يقول: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)، وكيف يهتدي من لم يُبصر، وكيف يُبصر من لم يتدبر ؟! اتَّبعُوا رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وأهل بيته، وأقروا بما نزل من عن الله ، واتّبعوا آثار الهدى ؛ فإنّهم علامات الأمانة والقى ..». (الكافي 1: 182/ح6)

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ بِنْتَ النَّبِيِّ *** وَدِيعَةُ طه أَلَمْ يَعلَمُوا؟

عَظِيمٌ فِراقُ نَبِيِّ الهُدى *** وتَركُ وَصِيِّ الهُدى اَعظَمُ(1)

حَوادِثُ بِنتِ الهُدى أَصْبَحَتْ *** سُوَيْدَاءُ قَلْبِي بِها تُضرَمُ(2)

تُسائِلُ عَن حادِثاتِ الظُّرُوفِ *** وتَبْقَى عَنِ الحَقِّ تَسْتَفْهِمُ

أَيَخفِى الرَّشَادُ وفِعْلُ الطُّغَاةِ *** وما عَبَّرُوا عَنْهُ أو تَرْجَمُوا؟

فَمَن ذَا الَّذِي غَصَبَ المُرْتَضَى *** ومَن ذَا عَلَى حَقِّهِ يُقْدِمُ؟(3)

وَهَل هُوَ أُرْجُوحَةٌ؟ قُلْ لَهُمْ *** إذا لَمْ يَعُوا الحَقَّ فَلْيَفْهَمُوا؟(4)

ص: 519


1- بعد الهجوم على دارها، وهتك حريمها، وإحراق بابها .. كان من فاطمة الزهراء عليها السلام هذه الشكوى إلى الله جل وعلا: «اللّهمّ إليك نشكو فَقدَ نبيك ورسولك وصفك ، وارتداد أمته علينا، ومنعهم إيانا حقّنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل، على نبيك المُرسل . (الهداية الكبرى: 407).
2- سُويداء القلب : حَبة القلب . ومعنى البيت مأخوذ من قول الشاعر: بالأمس كانوا معي واليوم قد رحلوا *** وخلفوا في سويدا القلب نيرانا
3- لما أوقف علي صلوات الله عليه ، تكلّم فخاطب جلاوزة السلطان : أيتُها القدرة الفجرة! فاستعدُّوا للمسألة جواباً ، ولظلمكم لنا أهل البيت احتساباً .. فالصبرُ أيمنٌ وأجمل، والرضى بما رضى الله أفضل، لكي لا يزول الحق عن وقره، ويظهر الباطل من و گره ، حتى ألقى ربي فأشكو إليه ما ارتكم من غصبكم حقي .. (نوائب الدهور للمير جهاني 3: 157 . ط مکتبة الصدر بطهران). وكم كانت له مناشدات في شأن غصب خلافته الإلهية الحقة، فما كان منهم إلا السكوت، أو الإقرار! (يراجع: موسوعة الغدير للأميني أعلى الله مقامه ج 1)
4- الأرجوحة: ما تترجح براكبها، وهي حبلٌ يشد رأساه في مكان مرتفع ويقعد فيه الصبيان يميلون به ، فيجيء ويذهب معلِّقاً في الهواء. والعامة تُسميها «مرجوحة». يتساءل الشاعر: هل حقه عليه السلام. وهو أمر الخلافة - أُرجوحة يميلون بها حيث يشتهون، أم أنّه أمرٌ إلهي و تعيين - كالنبوة - من الله تبارك وتعالى ؟!

فَإن الإمامَةَ نَصٌّ مُبِينٌ *** مِنَ اللهِ ، هَل نَزَلَتْ فِيهِمُ؟(1)

وَهَل نَزَلَتْ آیَهٌ فِي الكِتَاب *** كَما تَزَلَتْ » إنَّما « عَنهُمُ؟(2)

تَقَدَّم وَسَلْهُمْ: لِماذَا الوَصِيُّ *** تأخَّرَ عَنْهُمْ وَهُمْ قُدِّمُوا؟

فَان كانَ عِلماً فَإن الإمامَ *** أحَقُّ ، وَمِنْ عجْلِهِمْ أَعلَمُ(3)

وَإن كانَ إسلامُهمْ نَافِعاً *** فَبَعْدَ الوَصِیِّ هُمُ أَسْلَمُوا(4)

ص: 520


1- لما أخبر عبد العزيز بن مسلم الإمام الرضا عليه السلام عن خوض الناس في أمر الإمامة ، تبسم عليه السلام ثم قال : يا عبد العزيز، جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه صلي الله عليه و اله و سلم حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء... وأنزل في حجة الوداع، وهي آخر عمره صلي الله عليه و اله و سلم (وَالْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.) (المائدة: 3) وأمر الإمامة من تمام الدين ... هل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الأمة فيجوز فيها اختيارُهم ؟! إن الإمامة أجلٌّ قدراً وأعظمُ شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعدُ غوراً من أن يبلغها الناسُ بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم .. (الكافي للكليني 1: 154 - 158)
2- إشارة إلى قوله تعالى : (إنّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الأحزاب : 33). ونزوله في أهل البيت عليه السلام
3- اليجل: أريد به الأول، قال أبوذر في مناشدة له مع القوم: أليس تشهدون أن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال : إن أمتي ترد على الحوض على خمس رايات : أولها راية العجل، فأقوم فأخذ بيده، فإذا أخذت بيده اسود وجهه ورجفت قدماه و خفقت أحشاؤه.. ومن فعل فعله بتبعه، فأقول: بماذا خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون : كبنا الأكبر ومزقناه ، واضطهدنا الأصغر وابتزناه حقه، فأقول: اسلكوا ذات الشمال .. (يراجع: الخصال للصدوق 2: 207 - 209/ ح 2، تأويل الآيات الظاهرة للأسترآبادي 1: 125..). وفي ذلك يقول السيد الحميري: والناس يوم الحشر رايائهم *** خمسُ، فمنها هالك أربع قائدها العجل وفرعونها *** وسامري الأمة المُتشنع
4- روى الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة لذوي القربی 1: 195/ ح 22 - الباب 12) قول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : أنت أول من آمن بي عن فرائد ال مطين للجويني الشافعي 1: 139. 160/ ح 102 - 103) وفي (ج 2 ص 146 ح403 - الباب 56) عن عمر بن الخطاب قال : كنت أنا وأبو بكر و أبو عبيدة وجماعة، إذ ضرب النبي منيب على فقال: يا علي، أنت أول المؤمنين إيمانا ، وأولهم إسلاما (ذخائر العقبى للمحب الطبري ص 58) وكثير من هذا في الأحاديث الشريفة.

فَدَعْ ذَا وَذَاكَ وسَل مَا جَرى ***عَلَى بَضْعَةٍ اَلْمُصْطَفى مِنْهُمُ(1)

كَأَنْ لَمْ يَقُل فَاطِمُ بَضْعَتِي *** وذُو الشَّأْنِ في وُلْدِهِ يُكْرَمُ(2)

فَمُذْ غابَ عَنْهُمْ أَتَوْا بَيْتَها *** بِنارِ لَظَى حَربِهِمْ أَضرَمُوا(3)

وَرضُّوا أَضالِعَ بِنْتِ الهُدي *** فَقُلْ أَيَّ ضِلْعٍ هُمُ حَطِّمُوا؟

فَخَرَّتْ عَلَى الأَرْضِ مِمَّا بِها *** وَسالَ لِكَسرِ الضُّلُوع اَلدَّمُ

فَها هِيَ أَعْمالُهُمْ مُنْكَراتٍ *** يَضِجُّ بِهَا الشَّارِعُ الأَعْظَمُ(4)

فَكَيْفَ بِهِمْ وَابْنَهُ المُصْطَفى*** تُسامُ بِظُلْمٍ وَلَا تُرْحَمُ؟

وقَادُوا الوَصِيَّ إمامُ الهُدَى*** وَمِن خَلفِهِ فاطِمٌ تَلْطِمُ

وتَدْعُو بِصَوْتٍ دَعُوا المُرْتَضى*** وإِلاَّ سَاَكشِفُ أَوْ أُقْسِمُ(5)

وَنَادَتْ أَبَاها وَقَالَتْ فَقُمْ*** فَها هِيَ فَاطِمَةُ تُظْلَمُ!!

ص: 521


1- أي الذي اصطفاه الله من بينهم.
2- قالت الزهراء عليه السلام في خطبتها الفدكية: أما كان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أبي يقول: «المرء يحفظ في وله» ؟! سرعان ما أحدثتم!
3- المفعول مقدّر، أي : أضرموه.
4- الشارع الأعظم، هو المشرع الأعظم: الله جل جلاله.
5- في ( تفسير العياشيّ ج 2 ص 97، ط المكتبة العلمية بقم وطهران): «... ثم دخلوا فأخرجوا عليّاًً عليه السلام ملبّياً ، فخرجت فاطمة عليها السلام فقالت : يا أبابكر! أتريد أن ترملني من زوجي ؟! والله لئن لم تكف عنه لأنشر شعري، ولأشق جيبي ، ولاتين قبر أبي، ولأصيح إلى ربي ! فأخذت بيد الحسن والحسين عليهما السلام وخرجت تريد قبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم.

فَاِن نَدَبَتْ والِداً أَقبَلُوا *** بِضَرْبِ ، وَإن وَلولَت تُلطَمُ(1)

وَإن تَنْسَ لا تَنْسَ يَومَ الوَفاةِ *** وكيفَ قَضَتْ نَحبَها فِيهِمُ(2)

قَضَتْ وَهْيَ غاضِبَةُ مِنْهُمُ*** اَتَعرِفُ يا صاحِبي مَنْ هُمُ؟(3)

هُمُ أظرَمُوا النّارَ في بَيْتِها*** عَدَاءٌ ، فَيا وَيْحَ مَن أظرَمُوا(4)

وَجاؤُوا إلَيْهَا جَمِيعاً وَقَد *** أرادُوا رِضی فَاطِمِ عَنهُمُ(5)

ص: 522


1- ندب الميّتَ : بكاه وعدد محاسنه . ولولت : بَكَتْ وأَغوَلَتْ
2- قضى نحبه : مات.
3- هذا فيه من وجوه البلاغة ما يسمى استفهام العالم، وفيه قول الشاعر : وكم سائل عن أمره وهو عالم.
4- كتب اليعقوبي في (تاريخه 2: 115): وقد عد المؤرخون من الرجال الذين دخلوا بيت بنت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم عنوة، كلا من: عمر، وخاللي بن الوليد، وعبد الرحمن بن عوف ، وثابت بن قیس بن شماس، وزياد بن لبيد، ومحمد بن مسلمة، وزيد بن ثابت، وسلمة بن سلامة بن وقش، وسلمة بن أسلم، وأسيد بن حُضیر. أجل هؤلاء من كروا أنهم اقتحموا دار الزهراء الصديقة فاطمة عليها ، وأما المهاجمون فهم أكثر وأكثر، ولم يرد في هذا الخبر اسم قنفذ ولا المغيرة بن شعبة ، ولا غيرهما ممن ذكرت أسماؤهم ضمن المهاجمين في مصادر أخرى.
5- في هذا البيت والأبيات الثلاثة التي بعده إشارة إلى ما ورد في ( علل الشرايع) للشيخ الصدوق ج 1 ص 221/ ح 2 - الباب 149، ط ا مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بيروت): (... فلما وقع بصرهما على فاطمة علي سلما عليها فلم ترد عليهما، وحول وجهها عنهما، فتحولا واستقبلا وجهها، حتى فعلت مرارة، وقالت: يا علي جاف الثوب، وقالت لنسوة حولها: حولن وجهي . فلما ولى وجهها ولا إليها، فقال أبو بكر: يا بنت رسول الله ، إنما أتيناك ابتغاء مرضاتك واجتناب سخط ، نسألك أن تغفري لنا وتصفحي عما كان منا إليك ، قالت : لا أكلمكما من رأسي كلمة واحدة أبدا حتى ألقى أبي وأشكو منكما إليه، وأشكو صنیعکما وفعالكما وما ارتكما مني ! قالا: إنا جئنا معتذرين مبتغين مرضائك، فاغفري واصفحي عنا ولا : تؤاخذينا بما كان منا.. ثم قالت : اللهم إني أشهدك - فاشهدوا یا من حضرني - أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي، والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما بما صنعتما بي وارتكما متي. فدعا أبو بكر بالويل والثبور، و قال : ليت أمي لم تلدني ، فقال عمر: عجبا للناس كيف ولوك أمورهم وأنت شيخ قد رفت تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها؟ ثم قاما وخرجا).

وَشاؤُوا لِيَسْتَغْفِرُوا ذَنْبَهُمْ *** وَكَيْفَ تُري يُقْبَلُ المُجْرِمُ؟

وَقَالُوا أَيا بِنْتَ خَيْرِ الوَري*** نَدِمنَا ولَمْ يُجدِهِمْ مَندَمُ

فَصَدَّت بِوَجْهٍ وَقَالَت كَفي*** بِرَبِّي عَدْلاً بِما يَحْكُمُ

اَتُظلَمُ فَاطِمَةُ بَيْنَهُم*** عِيَاناً وبِنْتُ الهَدي تُهْضَمُ؟(1)

وَ يَرْجُونَ مِنْها رِضَاءُ عَسی *** تَحِنُّ عَلَيْهِمْ وهُم اَجْرَمُوا

لِماذا تَوَارَتْ بِلَيْلٍ وَلاَ*** يُشاهَدُ تَشْيِيعُها مِنْهُمُ؟

لِماذا اخْتَفَتْ فِي ظَلامِ الدُّجي *** كَما تَخْتَفِي مِثْلَهَا الاَنجُمُ ؟(2)

وَها هِيَ سَيِّدَةٌ فِي المَلا *** ولَم تَكُ تَفضُلُهَا مَرْيَمُ(3)

فَزَؤجُ الوَصِيُّ وأُمُّ الحُسَينِ *** بِوالِدهَا الأَنبِيا تُختَمُ

لِماذا تُهانَ ابْنَهُ الْمُصْطَفي*** ويَدْفُنُهَا لَيْلُهَا المُظْلِمَ ؟

وتُدْفَنُ والْكَسْرُ فِي ضِلْعِها *** وَيُعفي ثَراها وَلا يُعْلَمُ(4)

لِماذا تُشاهِدُ مِن أُمَّةٍ *** أَذايا تَمُرَّ هِيَ العَلقَمُ؟(5)

ص: 523


1- تُهضم: تُظلم
2- لو قال: «كما تختفي في الدجى الأنجم» لكان المعنى أرقى وأصوب.
3- تفضلها: تغلبها في الفضل.
4- أي : ولا يعلم موضع قبرها .
5- الأذايا: جمع الأذية، كالرزايا جمع الرزية. وتمرُِ: يمكن أن تكون بمعنى تنقضي وتتصرم، ويمكن أن تكون من المرارة. العلقم : الحنظل، أو كل شيء مر.

ويُغْصَبُ مِنْ حَقِّها إِرْثُها *** وَ مَا بَيْنَ اَعْدانِها يُقْسَمُ (1)

حَوادِثُها سَجَلَتْهَا الدُّهُورُ *** وَ قَدْ عُرِفَ الظَّالِمُ اَلْمُجْرِمُ

***

ص: 524


1- جاء في ) صحيح مسلم المجلد 4 ص 31 / ح 54 ، ط 1 مؤسّسة عزّ الدين - بيروت ( : » عن عائشةقالت : كانت فاطمة عليها السلام تسأل أبابكر نصيبها ممّا ترك رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم من خيبر وفدك وصقتهبالمدينة ، فأبی أبوبكر عليها ذلك « . وفي ) سنن البيهقي ج 6 ص 301 ، ط دار المعرفة - بيروت ( : ... انّما أقطع مروان فدَكا في أيّامَ عثمان بن عفّان.

قافية النون

اشارة

ص: 525

(1)جنين فاطمة

(بحر الکامل)

الحاج جواد بذقت الحائري(1)

ص: 526


1- هو الحاج جواد ابن الحاج محمد حسین ابن الحاج عبدالنبي ابن الحاج مهدي ابن الحاج صالح ابن الحاج علي الأسدي الحائري، الملقب ببق؛ للثغة كانت في لسان جده الحاج مهدي أراد أن يقول: بزغت الشمس ، فقال : بقت ، فلقبوا بذلك ، ( والمشهور، بدقت أو بكت). ولد في كربلاء المقدسة سنة 1221 ه، و هناك اختلاف في سنة ولادته. ومهما يكن من أمر فإن مصادر ترجمته تشير إلى أنه ولد في كربلاء المقدسة ونشأ وتربى في أحضان أسرته، حتى صلب عوده وسمت منزلته ، كما نشأ بين أترابه من الشعراء الذين كانت تزخر بهم المدينة، أمثال الشيخ محسن أبي الحب الكبير، والحاج محسن لحميري، والشيخ موسى الأصغر، والشيخ قاسم الهر، والشيخ محمد علي كمونة، والشيخ عمران عوید، وآخرين من رجالات العلم والأدب في كربلاء المقدسة، ولم يلبث أن تعشق الأدب والنظم، فأخذ الشعر ونبغ فيه واندمج في صفوف الشعراء، فزاده ذلك مية إلى إجادة الشعر والبراعة فيه، حتى صار ينظم الشعر، وأصبح في معرفة اللغة العربية وأسرارها نسيج وحده وعديم يده، فكان من شيوخ صناعة الأدب ومن صدور رجالها، غزير المادة، كثير الاطلاع، وكان من بين أساتذته الذين نهل منهم الأدب الشيخ محمد علي كمونة والشيخ عمران عويد، كما كان من معاصري الشيخ صالح الكواز و عبدالباقي العمري. بدأنجمه يتألق في سماء المجتمع الكربلائي ، شاعرة وأديبة لامعة فاق أقرانه من شعراء عصره، فكان يشار إليه في كل مكان. ولقد قال فيه الشيخ محمد السماوي: وکالجواد بن الحسين المنتمي *** لبدکت تُقرا بکاف أعجمي والأسدي من أهالي كربلا *** فكم له من نظم عقد قد حلا : وترك المترجم آثار أدبية غنية عن التعريف، بيد أنها متناثرة مشتتة لم تُطبع ، ومن هذه الآثار، دیوان بقت، ويضم هذا الديوان كل شعره، وكان هذا الديوان مشهورة في العصر السابق، كتبه نجله الشاعر الشيخ محمد حسین بدقت المتوفى سنة 1339 ه، وكانت نسخة الأصل من محتويات مكتبة السيد عبد الحسين آل طعمة سادن الروضة الحسينية، وقد احترقت كما احترق غيرها من نفائس الكتب ، و ذلك في حادثة حمزة بك سنة 1333 ه. ویشکر شاعرنا الكريم الأخ الأديب السيد سلمان هادي آل طعمة على ما بذله لجمع دیوان بدقت مرة أخرى ويلاحظ في ديوان بدقت - ( الروضة) أنه يشمل على 28 قصيدة، وهي على غرار روضة الشاعر صفي الدين الحلي ، وهي مبوبة بحسب حروف المعجم وأيضا يوجد في الديوان الملحمة) في مناقب أهل البيت عليهم السلام بلغ عدد أبياتها ( 1265) بيتا، وهي على غرار هائية الأزري، فجزاه الله خيراً . وعلى أي حال .. فقد نزل بشاعرنا المترجم الأجلُ في كربلاء المقدسة فجر عید الفطر يوم الأحد من عام 1281 ه/ 1864 م، وكان يوم وفاته يوما مشهوداً في كربلاء، ودفن في الرواق الحسيني بقرب مرقد الوحيد البهبهاني رحمه الله .

فَوْقَ الْحَمُولَةِ لُولُو مَكْنُونٌ *** زَعَمَ الْعَوَاذِلُ أَنَّهُنَّ ظُعُونُ(1)

لِم لَقَّبُوها بِالظُّعُونِ وَانّها *** غُرَفُ الجِنانِ بِهِنَّ حُورُ عِينُ؟!

يقول فيها بعد رثائه للإمام الحسين عليه السلام:

وأَشَدُّ مِمّا نابَ كُلُّ مَكْوِّنٍ *** مَنْ قَالَ قَلْبُ مُحَمَّدٍ مَخْزُونُ(2)

فَحَرَاكُ تَيم بِالضَّلاَلَةِ بعْدَهُ *** لِلْحَشْرِ لاَ يَأْنِي عَلَيْهِ سُكُونٌ

عُقِدْتُ بيَثْرِبَ بَيعَةً قُضِيَت بِها *** لِلشِّرْكِ مِنْ آلِ اَلنَّبِيِّ دُيُونُ(3)

ص: 527


1- الحَمُولة: يُريد به الحاملة، وهي القافلة. مکنون: مخبوء. العواذل : اللائمات. ظعُون: جمع اغن ، وهو الهودج المُتَّخَذ للسفر.
2- أجل، فيومُ السقيفة والهجوم على دار فاطمة الزهراء عليها السلام ، هو أصل يوم العذاب كما ورد في الحديث الصادقين.
3- يقصد: قُضيت لهم بها ثاراتٌ عاشت في صدور الحقد منذ بدر والأحزاب وحُنين وفتح مكة! : وقد ترنم يزيد بن معاوية بعد قتله للإمام الحسين عليه السلام حين أنشأ يقول: لما بدت تلك الحمول وأشرقت تلك الرؤوس على شفا جيرون نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح فلقد قضيت من الرسولي ديوني ! ولهذا حكم ابن الجوزي الحنبلي، والقاضي أبو يعلى والتفتازاني ، وجلال الدين السيوطي الشافعي بكفر يزيد ولعنه . (يراجع روح المعاني للآلوسي ج 26 ص 73).

بِرُقِيِّ مِنْبَرِهِ رُقِيِ فِي كَربَلا *** صَدرٌ وَضُرِّحَ بِالدِّماءِ جَبِينُ

وَبِكَسْرِ ذَاكَ الضِّلعِ رُضَّت أَضلُعٌ *** فِي طَيِّها سِرُّ الإلهِ مَصُونُ(1)

لَولا سُقُوطُ جَنِينِ فَاطِمَةِ لَما *** أودی لَها فِي كَربَلاءَ جَنينُ(2)

وكما عَلِيُّ قَوْدُهُ بِنْجادِه *** فَلَهُ عَلِيٌّ بالوَثاقِ قَرِينُ(3)

ص: 528


1- خمس هذين البيتين الشاعر السيد مهدي الأعرجي ، وقد نقلناها من ديوان شعراء الحسين المحمد باقر الإيرواني ج 1 ص 159): قد أمروا (تيم بن مرة) في الملا *** والمرتضى قد أجتشوه المنزلا أضئيل تيم منبر الهادي علا؟! *** (برقي منبره رقي في كربلا صدر، وضرج بالدماء جبين) عن فاطم قتل ابنها متفرع *** وبطفلها بالطف أودت رضع وبسيل أدميها أسيلت أدمع *** (وبكسر ذاك الضلع رضت أضلع في طيها سرالإله مصون) وهنا يشير الشاعر إلى كسر ضلع فاطمة الزهراء عليه السلام، ويقارنه برض أضلاع الحسين عليه السلام.
2- أودي: أي مات وهلك، وأراد هنا ذبح عبدالله الرضيع عليه السلام وهو في حجر والده الحسين عليه السلام. وقد خمس هذا البيت أحد الأدباء قائلا: تصبوا السقيفة للخلافة سلما *** ظلما، وأجروا دمع فاطمة دما قسما برب الخلق طرا والسما *** (لولا سقوط جنين فاطمة لما أودي لها في كربلاء جنين)
3- «على» الأول هو أمير المؤمنين عليه السلام، والثاني هو الإمام السجاد علي بن الحسين عليه السلام.

وكَمَا لِفَاطِمَ رَنَّةً مِن خَلْفِهِ *** لِبَناتِها خَلْفَ الّعَليلِ رَنِينُ(1)

وبِزَجْرِها بِسِياطِ قُنْفُذَ وُشِّحَتْ *** بِالطَّفِّ فِي زَجْرٍ لَهُنَّ مُتُونُ(2)

ص: 529


1- ترخيم اسم العلم «فاطمة» لغير النداء من ضرائر الشعر. وفي البيت إشارة إلى تشابه خروج فاطمة عليها السلام خلف أمير المؤمنين عليه السلام صارخة، وخروج الفاطميات باکیات صارخات خلف الإمام السجاد عليه السلام.
2- قنفذ هو مولى أبي بكر، أو مولی عمر، معروف بالحماقة والجلافة، سأل أبو بكر: من نرسل إليه ؟ أي إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فأجابه عمر: نرسل إليه قنفذاً. وهو رجلٌ فظ غليظ جاف من الطلقاء من بني عَديَّ بن كعب ! ( کتاب سليم بن قيس 2: 577/ ح 4) وكان ما كان من قنفذ هذا: - من هجوم على دار الزهراء عليها السلام ، وأنه لگير فاطمة عليها السلام بنعل السيف بأمر عمر! (دلائل الإمامة ص 45) - ومن ضرب الزهراء عليه السلام بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها، وأثر في بدنها الشريف ! (علم اليقين للفيض الكاشاني ص686) - ومن الجائها إلى عضادة الباب وضربه إياها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج ! الاحتجاج للطبرسي 109:1) . سأل العباس عمُّ النبي صلي الله عليه و اله و سلم عليا عليه السلام : ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذة كما أغرم عماله ؟! فنظر علي عليه السلام إلى من حوله، ثم اغرورقت عيناه بالدموع، ثم قال : شكر له ضربة ضربها فاطمة بالسوط، فماتت وفي عضدها أثژه كأنه الملج ! ( کتاب سليم بن قيس 2: 675/ ح 14، و 2: 672/ 3. وأما يوم القيامة ، ففي حديث المعراج، أول من يحكم فيهما: محسن بن علي وفي قاتله ، ثم في قنفذ، فيؤتيان هو وصاحبه فيضربان بسیاط من نار، لو وقع سوطٌ منها على البحار غلت من مشرقها إلى مغربها، ولو وُضع على جبال الدنيا لذابت حتى تصير رماداً، فيضربان بها .. ( كامل الزيارات ، لابن قولویه ص 334 - الباب 108 - عنه: بحار الأنوار 28: 61/ ح 24) وأما زجر فهو زجر - أو زحر - بن قيس الجعفي ، من مجرمي يوم الطف، وهو الذي سار بالرؤوس والنساء سبايا إلى الشام .

وبِقَطْعِهِمْ تِلْكَ الأَرَاكَةِ دَونَها *** قُطِعَتْ يَدٌ فِي كَرْبَلا وَوتَيْنُ(1)

لَكِنَّمَا حَملُ الرُّؤوسُ عَلَي القَنا *** اَدهِي وَاِن سَبَقَت بِهِ صِفِّينُ(2)

كُلُّ كِتابُ اللهِ لَكِنْ صَامِتٌ *** هذا وَهذا ناطِقٌ ومُبِينٌ(3)

ص: 530


1- تلك هي اليد العاملة بطاعة الله تبارك وتعالى عبادة وجهادا و قنوت، وهي يد أبي الفضل العباس ووتينه . والوتين هو نياط القلب.
2- إذ أمر عمر بن سعد بالرؤوس - رؤوس الشهداء - فقُطعت، وحملت على الرماح واقتسمتها القبائل لتتقرب إلى عبیدالله بن زیاد . وتنال جوائزه - ، وتلك الرؤوس هي قرآئین معلقة على الرماح ظلما وعدوانا ، كما عُلقت المصاحف والقرآئين في صفين على الرماح زوراً وخداعاً.
3- لكن تلك المصاحف التي رفعت في صفين هي کتاب الله الصامت ( القرآن الكريم)، أما في کربلاء، فقد رفع رأس الحسين سلام الله عليه، وهو القرآن الناطق. - عن المنهال بن عمرو قال : أنا والله رأيت رأس الحسين حين حُمل وأنا بدمشق، وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف، حتى إذا بلغ قوله تعالى : «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا» أنطق الله الرأس بلسان رب فقال: أعجب من أصحاب الكهف ممثلي وحملي ! ( الخصائص الكبرى للسيوطي الشافعي 2: 127 . ط حیدرآباد، أخرجه عن ابن عساکر، ورواه أيضاً: المناوي في : الكواكب الدرية 1: 57 - ط الأزهرية بمصر، وابن الصبان المصري الشافعي في إسعاف الراغبين - المطبوع بهامش نور الأبصار للشبلنجي الشافعي ص 218 - ط مصر ، وكذا الشبلنجی رواه على الصفحة 125 من كتابه، لكنه رون في آخره: فنطق الرأس وقال : قتلي أعجب من ذلك!).وعن زيد بن أرقم أيضا : مرَّ به علّى (أي بالرأس المقدس) وهو على رمح وأنا في غرفة، فلما حاذاني سمعته يقرأ : «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا» فقف - والله - شعري وناديت : رأك - والله يا ابن رسول الله - وأمك أعجبُ وأعجب !! ( مفتاح النجا في مناقب أصحاب العبا، للحافظ المحدث الميرزا محمد خان بن رستم البدخشاني - من أعلام علماء الستة في الهند في القرنين 11 و 12 ه - ص 145 - مخطوط) . وأما في (شرح قصيدة أبي فراس الحمداني ص 168) فإن ابن وكيدة حدّث قائلاً أنه سمع الرأس يقرأ سورة الكهف ، فشك أنه صوته أو غيره ! فترك الرأي القراءة والتفت إليه يخاطبه: : - يابن وكيدة، أما علمت أنا - معشر الأئمة - أحياء عند ربهم يُرزقون ؟! فعزم ابن وكيدة على أن يسرق الرأس الشريف ويدفنه، وإذا بالخطاب من الرأس الأزهر: - يا ابن وكيدة ، ليس إلى ذلك من سبيل ، إن سفكهم دمي أعظم عند الله من تسييري على الرمح، فذرهم «فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ» (71)» (غافر: 70-71). . ورحم الله السيد رضا الموسوي الهندي حيث قال: لهفي لرأيك فوق مسلوب القنا *** يکسوه من أنواره جلبابا يتلو الكتاب على السنان وإنما *** رفعوا به فوق السنان کتابا! ( ديوان السيد رضا الموسوي الهندي ص 43).

(2)أشجي البتولة

(بحر البسيط)

الشيخ حسن البحرانيّ القيسيّ

لا يَنقَضِي أَبَداً وَجدِي وَأَحزانِي *** أبْكِي وقَدْ سالَ مِن عَيْنَي عَيْنَانِ(1)

والنَّفْسُ مِنِّي فِي وَجْدٍ وَفِيٍ كَمَدٍ *** كَأَنَّ لَيْسَ لَها فِي الْوَجدِ مِنْ ثاني(2)

أَكَادُ مِنْ أَلَم تُكْوي بِهِ كَبِدِي *** اَحِنُّ مِثْلَ حَنِيْنِ الوالِهِ العانِي(3)

أَوْ كَالسَّفِينَةِ فِي لُجِّ البحارِ غَدَتْ *** تَجرِي وَلكِنَّها مِن غَيرِ رُبّانِ(4)

ص: 531


1- الوجد: الشوق معجوناً بالحزن. عينان : شبه ما يجري من عينيه من الدموع بعيني ماء فياضتين.
2- الكمد: الحزن وشدة الهم
3- الواله: العاشق. العاني : الخاضع، الأسير.
4- لج البحار: أمواجها. الربان : رئيس الملاحين .

جَرَّتْ بِهَا عَافِياتُ الرِّيحِ فَانْقَلَبَتْ *** تَسِيرُ هائِمُهُ مِنْ غَيْرِ سُكّانِ(1)

أَوْ أنَّها كَعِطاشِ الهِيم قاطِعَةٌ *** عَرْضَ السُّهُولِ لاَكامٍ وَوُديَانِ(2)

هذاكَ دَأْبِي وَذا حَالِي أَقْلَّبُ مِنْ *** وَجِدٍ لِوجدٍ وَاَحزانِ لأَحزانِ

مَا شَفَّني لَذَّهُ الدُّنْيَا وَ زِينَتُها *** وَكَيْفَ أَبْكِي نَعِيماً زَائِلاً فَاِنِّي؟(3)

لَكِنَّ شَجَانِيَ مَا أَشْجَي البتُولَةَ مِنْ *** جَورِ اللَّيالِي فَاَضحي دَمْعُها القانِي(4)

تَبْكِي بِلَهفَةِ قَلْبٍ شَفَّهُ الَمُ ال*** فِراقِ وَالْوَجْدِ والتَّذْكارِ حَرّانِ(5)

تَصِيحُ يا والِدِي يا مَنْ أَلُوذُ بِهِ *** فِي النّائِباتِ إِذا مَا الهَمُّ أَضْنانِي(6)

يَا والِدِي كُنْتَ بَدراً يُسْتَضاءُ بِهِ *** فَغِبْتُ فَاسْتَؤْحَشَتْ اَهلِي وأَوْطاني(7)

والبَدرُ إنْ غَابَ عَمَّتْ وَحْشَةٌ أبَداً *** مِنَ الظَّلامِ وَهَل لِلبَدْرِ مِن ثانِي؟

إنِّي تَمَنَّيْتُ أَنّ المَوتَ عاجَلَنِي *** وَأنَّ يَوميَ قَبلَ اليَومِ وافاني(8)

ص: 532


1- السُّكان: ما سگن به السفينة ومنع من الحركة والاضطراب، وتعدل به في سيرها.. وهو المقود
2- الهيم: جماعة عُطاشى أو والهين من العشق. الآكام : التلال، أو المواضع التي تكون أكثر ارتفاعا مما حولها.
3- شفَّ الشيء: أضمره وأرقه، ويقال : شَفَّه الهم أو الحب.
4- القاني : الشديد الحمرة، وأراد هنا الدم، أي أنّ دمعها أضحى دماً قانياً.
5- الحَرَّان : الشديد العطش والتَّلهُّب.
6- أضناني : أمرضني ، فتمكّن مني الضعف والهزال.
7- أخذ المعنى من قول الرباب بنت امرئ القيس ترثي الإمام الحسين عليه السلام : إن الذي كان بدراً يُستضاء به *** بكربلاء قتيلاً غير مدفون
8- كأن هذا البيت ناقلٌ معنى ما أنشدته الزهراء عليه السلام من قولها: فليت قبلك كان الموت صادفنا *** لما مضيت و حالَت دونك الحُجُبُ ( بحار الأنوار 43: 196/ ح 27 - عن: مناقب آل أبي طالب).

يَا والِدِي ضَاقَتِ الدُّنْيا برَحبَتِها *** عَلَيَّ حَتّي فَقَدْتُ اليَوْمَ سُلْوانِي(1)

لَمّا مَضَيْتَ فَصَبرِي صَارَ مُنْعَدِماً *** وانْهَدَّتِ اليَوْمَ بِالاَرزَاءِ اَركانِي

فَلَوْ تَرَانِي بَيْنَ البابِ صَارِخَةً *** وحَيْدَرٌ حَالُهُ واللَّهِ اَبْكاني(2)

أَبْكِي مُكَسَّرَةَ الأَضْلاَعِ نَادِبَةً *** اَيْنَ الَّذِي فِي بُيُوتِ العِزِّ رَبَّانِي؟(3)

حَتَّى وَقَعْتُ بِحَرِّ الحُزْنِ باكِيَةً *** يُغْشَي عَلَيَّ بِاَعْتابٍ وَ تِربان(4)

قَدخَرَّ مِنِّي جَنِينِي مَن حَشَا كَبِدِي *** والعَصرُ بِالبابِ اَرْزَانِي وَ اَضنانِي

وَ قَدْ مَضَوْا بَكَفِيلِي في حَمائِلِهِ *** يُقادُ لَيْسَ لَهُ حامٍ وَلا حانِي(5)

فَقُمتُ مُسرِعَةً أَبْكِي مُوَلْوِلَةً *** مِنْ خَلْفِهِمْ قَدْ هَمَتْ بِالدَّمْعِ اَجْفَانِي(6)

وَصِحتُ: خَلّوا اِبْنَ عَمِّي لاَ أَبَا لَكُمْ *** اَوْ لاَ سَاَشكُو اِلَي اَلْجَبَّارِ اَحْزَانِي

رَدُّوا إِلَىَّ بِأَحْقادٍ تَسُوقُهُمُ *** وَسَوطُ قُنْفُذَ بالمَتنَينِ اَلْواني(7)

أَبَاهُ قَدْ لَطَمُوا عَينَيَّ ومَا رَحِموا *** حَالِي وَلا حالَ اَبنائِي وَصِبيانِي

ص: 533


1- السُّلوان: النسيان، وأن تطيب النفس عن المصاب وتذهل عنه وتنساه.
2- بهذا کتب عمر إلى معاوية: فركل الباب وقد ألصق أحشاءها بالباب تترسه.. فدفعت الباب ودخلت البيت فأسقطت! (بحار الأنوار 30: 286 - 300 ح 151) وأما حال أمير المؤمنين عليه السلام، فيكفيك ما يرويه ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة 2: 21) حيث نقل أنه عليه السلام أخذ مقاداً بعمامته والناس حوله!
3- بعد کسر الأضلاع بضغطة الباب عليها بيد عمر، صرخت فاطمة سلام الله عليها صرخة، عبر عنها عمر نفسه بقوله: حسبتُها جعلت أعلى المدينة أسفلها، وقالت: يا أبتاه ! یا رسول الله ! هكذا يُفعل بحبيبتك وابنتك ! ( بحار الأنوار 30: 286 - 300 ح 151)
4- الأعتاب: جمع عَتبة الباب . والباء بمعنی «علی»، أي يغشى علَىَّ على الأعتاب والتّربان.
5- الحمائل : أحزمة السيف التي يُشد بها. الحاني : من الحنو والرحمة .
6- همت : سالت.
7- ألواني : أمالني . أي من شدّة الضرب.

فَلَوْ تَرانِي أَئِنُّ اليَومَ مِن أَسَفٍ *** عَلَيْكَ والعَینُ يَجْرِي دَمْعُهَا القانِي

لَساءَكَ اليَوْمَ مَا لاقَيْتُ مِن اَلَمِ *** جَري عَلَيَّ وَصِرْتَ اليَوْمَ تُنعَانِي

***

يَا فَاطِمُ الطُّهْرُ يَا مَنْ كانَ وَالِدُها *** خَيْرَ البَرِيَّةِ مِنْ قَاصٍ ومَن دَاني

جَلَّتْ رَزَاياكِ فَلتاعَت لَها كَبِدِي *** لَمَّا عَرَّتْكِ وَوَجْدِي الْيَوْمَ أَضْنَانِي

فَسَوْفَ أَبْكِيكِ دَؤْماً مَا حَيِيتَ عَلي*** طُولِ المَدي وتَسُحُّ الدَّمْعَ أَجْفانِي

ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَيْكُمْ دَائِماً أَبَداً *** مَا سارَ يَطْوِي الفَلا سَارٍ بِرُكْبانِ

ص: 534

(3)مخدومة الأملاك

(بحر الطويل)

الشيخ سليمان البلادي البحراني

إِلَى كَمْ وُلُوعُ القَلْبِ بِالغادَةِ الحَسنا*** وَذِكْرى لَيالِي وَصلِ بُثنَةَ أو لُبْنى(1)

تَهِيمُ بِتَيهاءِ الضَّلالِ كَأَنَّما*** أمِنتَ الفَنا أَوْ قَدْ ضَمِنْتَ البَقا ضَمنا(2)

فَجَافِ جُنُوبَ الحَزمِ عَن مَضْجَعِ الهَوي *** وَعَنْ حَقِّ تَقوِّي اللَّهَ لا تُغْمِضِ الجَفنا(3)

فَهَذَا بِلالُ الشَّيْبِ حَيعَلَ بِالسُّرئِ*** وَصَرَّحَ مَا الدُّنْيا لِمُسْتَوْطِنٍ سُكني(4)

كَفاكَ مِنَ الدُّنْيَا الغَرُورِ غُرُورُها*** قُرُوْناً أَبادَتها وَلَمْ تَأْتَلِفْ قَرنا(5)

تُعَوِّضُهُم بَعْدَ القُصُورِ قُبورَهُمْ***وبَعْدَ هَناهُمْ حَسْرَةً لَمْ تَكُنْ تَفْني(6)

ص: 535


1- الغادة: من الفتيات .. الناعمة اللينة، ومن الأشجار .. القصة الريا. وبثينة هي صاحبة جميل، ولبني صاحبة قيس بن ذريح.
2- تهيم: تذهب ولا تدري أين تتوجه. تيهاء : الأرض التي تضل كثيرة .
3- جافي الشيء: باعده، والجوب: جمع جنب، وقد أفاد الشاعر من قوله تعالى: «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ»(سورة السجدة : 19)
4- حيعل : قال «حي على الصلاة»، والمراد هنا «أن» و نادی. و«بلال»: رمز المؤذن المنادي والمنبه إلى أمر مهم، وبلال الشيب هنا: إيذان وتنبية إلى قرب انقضاء العمر وحلول مصيبة الموت. والسُرئ : السير ليلا، ولعل الشاعر أشار به إلى السفر في برزخ القبر المُظلم!
5- الغرور: الذي يغر، سواء كان مالا أو شهوة، أو إنسانا ، أو شيطانا .. كما في التنزيل الحكيم: «فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ » (سورة لقمان: 33).
6- ولوقع الحسرة كانت اسم من أسماء يوم القيامة؛ إذ هي طويلة غير منقطعة إذا حرم العبد من : مرضاة الله تعالى ورحمته، وهو القائل جل من قائل : «وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ » (سورة مريم: 39).

فَكَم عانَقُوا بَعدَ الغَوانِي جَوامِعاً *** وكَمْ تُوحِشُ الآباءَ بِالْخَلْسِ لِلْأَبنا(1)

وَلَوْ أنَّها ساوَت جَناحَ بَعُوضَةٍ ***لَمَا اتَّخَذَتْها الأَوْلِياءُ لَهُمْ سِجْنا(2)

وفي غَدرِها بِالمُصْطَفى وَبِآلِهِ*** سَلاطِينِها بُرْهانُ مِقْدارِها الأَدني

لَهُمْ سَدَّدْت مِنْ أَقْؤُسِ البَغْيِ أَسهُماً ***أَصَمَّتْ وأصمَت لِلهُدَيِ الْقَلْبَ والأُذنا(3)

فَكَمْ كابَدَ المُخْتارِ مِن قَوْمِهِ أذًىً ***يُهِيجُ أَسًي يَسْتَغْرِقُ السَّهْلَ والحَزْنا(4)

قَضَى نَحْبَهُ بِالسُّمِّ وَهوَ مُعالِجٌ ***عَلى رَغْمِ أَنْفِ الدِّينِ سُقْماً لَهُ أضني(5)

وقد قَلَبَت ظَهرَ المِجَنِّ لِحَيْدَرٍ ***فَكَم زَفْرَةٍ أبَدِي وَكَم غُصَّةٍ جَنَّا(6)

ص: 536


1- الغواني : جمع غانية، وهي المرأة الغنية بجمالها عن الزينة . الجوامع : مفرد جامعة، تلك القيود والأغلال التي تكبل المرء فتجمع يديه إلى عنقه. اللس: سلب الشيء عاجلا وبمخاتلة.
2- هكذا في الرواية الشريفة: - قال الإمام الصادق عليه السلام: «الدنيا سجن المؤمن، والقبر حصنه، والجنة مأواه». (الخصال، للشيخ الصدوق ص 108/ ح 74) . وقال لقمان عليه السلام يوصي: «اجعل الدنيا سجنك ؛ فتكون الآخرة جنتك». (بحار الأنوار 13: 428/ ح23 - عن : الاختصاص للشيخ المفيد).
3- أفوسُ : جمع قلّة للقوس. أصماهُ بالسهم: رماه به.
4- الحَزن: الأرض الغليظة المرتفعة.
5- شهادة النبي صلى الله عليه واله و سلم مسموماً .. ذكرها كثير من العلماء والمؤرخين، منهم: الكليني في (الكافي 8: 131 - 141)، والصدوق في (أماليه 308 - 312)، عنهما: المجلسي في (بحار الأنوار 14: 297/ ح12 - الباب 21، وج 42: 289 - الباب 128)، وابن شهر آشوب في ( مناقب آل أبي طالب 4: 8)، والطبرسي في (مجمع البيان في تفسير القرآن 9: 122)، والعلامة الحلي في (التحرير - عنه: جواهر الكلام للنجفي 20: 79)، والصدوق أيضا في الاعتقادات 109).. وآخرون كثيرون (يراجع: ما منا إلا مقتولٌ أو مسموم ص 23 - 44، ط 3 - الأفق)
6- المِجنّ: التُّرس. وقلت له ظهر المجن: من يضرب لتغير الحال بعد صفائه ، وإبراز العداوة . أبدى : أظهر، وجن : أخفى وستر.

يُسَبُّ عَلَي الأَعْوادِ وَهوَ عَمِيدُها ***ورَبُّ الوَري فَرضَ الوَلاءِ لَهُ سَنّا(1)

كَساهُ نَسِيجَ الدَّمَّ سَيْفُ ابْنِ مُلْجَمٍ*** وَكَمْ أَلْبَسَ الأَبطالَ مِن دَمِهَا الأَفْنِي(2)

وَ مَخْدُومَهُ الأَملاكِ سَيِّدَةِ النِّسا ***سَلِيلَةً خَيْرِ الخَلْقِ والدُّرَّةُ الحَسنا(3)

اتَّاحَتْ لَهَا كَفُّ الْعِدي غُصَصَ الرَّدي ***وَدَافَتْ لَها سُمّاً مِنَ الحِقدِ وَالشَّحنا(4)

بِضَرْبٍ وضَغطٍ واغْتِصابٍ وَذِلَّةٍ*** وَكَانَ حِماهَا العِزَّ والأَمْنَ وَالحِصنا(5)

عَلي دارِها دارُوا بِجَزْلٍ لِحَرقِها ***وكَانَتْ بِهَا الأَملاكُ تَلتَمِسُ الإِذْنا(6)

ومِنْ بَعلِهَا الهادِي اسْتَحَلُّوا مُحَرَّماً ***كَما حَرَمُوها نِحْلَةَ المُصْطَفي ضِغْنا(7)

ص: 537


1- تلك هي أسوأ سُنة، سنها معاوية تؤدي على منبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في خطب الجمعات والأعياد؟ وقد أخذ المعنى من قول ابن سنان الخفاجي: أعلى المنابر تعلنون بسبه *** وبسيفه رفعت لكم أعوادها
2- الأقني : أي القاني ، وقد استعمل صيغة التفضيل لغير التفضيل، وذلك كما في قول الفرزدق: إن الذي سمك السماء بنى لنا *** بيتاً دعائمه أعزُّ وأطول أي عزيزة وطويلة.
3- تقدّم ذكر خدمة الملائكة لفاطمة عليها السلام.
4- الشَّحناء: العداوة امتلأت بها النفس . داقت : خلطت، وأذابت .
5- الجمی: ما يُحمى ويدافع عنه. والمراد به هنا هو بيت فاطمة الزهراء عليها السلام.
6- الحطب الجزل: ما عظم منه ويبس، فيكون سريع الاشتعال، طویل مدته في الاحتراق . وروى الصفار القمي في (بصائر الدرجات 110/ ح 2) عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: «إن الملائكة لتنزلُ علينا في رحالنا، وتتقلب على فرشنا. وتقلب علينا أجنحتها، وتقلب أجنحتها على صبياننا، وتمنع الدواب أن تصل إلينا، وتأتينا في كل وقت صلاة لتصليها معنا..». (عنه: بحار الأنوار 356:26 / ح18)
7- روى الفخر الرازي في ( التفسير الكبير) في ظل الآية المباركة: «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد »سورة الرعد: 7)، قال ابن عباس: وضع رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يده على صدره فقال : أنا المنذر. ثم أومأ إلى منكب علي وقال: أنت الهادي ، بك يهتدي المهتدون من بعدي . ( يراجع أيضا: جامع : البيان في تفسير القرآن للطبري 13: 72، وكنز العمال للهندي 6: 157، والدر المنثور للسيوطي في ظل الآية الكريمة)ومع ذلك اغتصبوا خلافته، وهتكوا محرمة داره، وسحبوه إلى المسجد يستلون منه البيعة قسراً.

تَعَاوَتْ لِشِبْلَيْها كِلابٌ تَهِرُّ فِي *** وِجَارٍ لَها فَاسْتَشْعَر الهُونَ وَالوَهنا(1)

وَما بَرِحْت مِن بَعْدِ حَامِي ذِمارِها *** مُعَصَّبَةً رَأْساً ومُنْهَدَّهُ رُكْنا

عَلِيلَةَ جِسْمٍ لِلنُّحُولِ مُلازِمٍ *** لِفَرطِ الضَّنِي حَتّى حَكى قَلْبَها المُضنى(2)

إِذَا ذَكَرَتْ حالاتِها فِي حَيَاتِهِ *** تُؤَجِّجُ نَارُ الفَقْدِ فِي قَلْبِها حُزنا

فَتَبْكِيهِ والحِيطانُ تَبْكِي لِصَؤْتِها *** فَما بُقْعَةً إِلّا وعَبرَتُها سَخْنا(3)

إِلَى أَنْ أَرَادَتْ رُوحُها العالَمَ الَّذِي *** بَدَتْ مِنْهُ واشْتَاقَتْ لِمَورِدِها الأَسني

فَفَارَقَتِ الدُّنْيا كَراهَةَ لَبْثِها *** ورافَقَتِ الأُخْرى وغَايَتَهَا الحُسنِي(4)

فَناحَ لَهَا المِحْرابُ إِذْ غابَ نُورُهُ ***بِفُقْدانِها واسْتَبْدَلَ الطَّخيَةَ الدَّجْنا(5)

وعَيْنُ اللَّيالِي أَقْرَحَ اَلدَّمْعُ جَفْنَها ***عَلى أَنّها تُحْيِي بِأَذْكارِها وَهْنا(6)

وبِشرُ النَّهارِ أنهارَ طَودُ ضِيائِهِ ***وَعادَ سِراراً وَجْهُهُ النَّيِّرُ الأَسنِي(7)

ص: 538


1- اللام في قوله «لشبليها، بمعنى «على». الوجار: جُحر الضبع، وغيره. الهون: الذل . الوهن: الضعف.
2- الضنى: المرض والهزال وسوء الحال.
3- سخنت عينة: نقيض قرت. وليلة سخناء:حارة .
4- الغاية الحسنی: هي الجنة.
5- الطخية : الظُلمة . الدجناء: الداكنة الشديدة الظُلمة.
6- الوهن من الليل : نحو منتصف الليل أو بعد ساعة منه. والمراد هنا الليل نفسه، لأنها عليه السلام كانت تحيي الليل كله بالعبادة والدعاء والذكر.
7- طود ضيائه : عمود نوره. والسَّرار: سرار الشهر؛ آخر ليلة فيه ، وتكون مظلمة إذ لا قمر فيها ولا هلال ولا بدر

وَزَهْرَةُ ذِي الدُّنْيا ذَوی غُصنُ دَوحِها *** لِفُقْدانِهَا الماءَ الّذِي يُزْهِرُ الغُضنا

وَشمسُ النَّهارِ اسْوَدَّ بالكَسفِ وَجْهُها *** وجلّلَ بَدرَ التَّمَّ خَسفٌ بِهِ اکتَنّا (1)

فَيا غَبنَةَ الدُّنيا لِغَيبَةِ فاطِمٍ *** فَصَفْقَتُها مِن بَعْدِ صَفقَتِها غَبنا(2)

***

لِيَبْكِ عَلَيْها بالعَفافِ صَلاحُها *** وحُسنُ صَلاةٍ بالظّلام إذا جَنّا

لِتَبكِ المَعالِي الزُّهرُ إذ غابَ نُورُها *** بِغَيَبةِ زَهْرِ الكَونِ عَنْ ذلِكَ المَغْنی

وَمَن ذَا يُعَزِّي المُرتَضی بِقَرينَةٍ *** لَقَد كَسَرَتْ مِن رَأسِ شَؤكَتِهِ قَرنا؟!(3)

وَمَنْ ذَا يُعزِّي الأَحسَنَيْنِ بِفَادِحٍ *** نَفی عَنْ حِسانِ المَكرُماتِ أسی حُسنا؟(4)

وَمَنْ ذا يُعزِّي رَبَة الحُزْن زَينَباً *** فَما بَرِحَت منْ بَعْدِها ثَاكِلاً حُزنا

فيا غَيرَةَ اللهِ اغْضَبِي مِنْ مُصِيبَة *** أَصَابَتْ لِدانِي قَابِ قَوْسَيْنِ أؤ اَدنی(5)

ببَضْعَتِهِ الزَّهْرَا الَّتِي لمْ يَزَل بِهَا *** يُشِيدُ ثَناءُ طَبَّق الإنسِ والجِنّا(6)

ص: 539


1- اکتنا: استتر واختفى.
2- الصفقة الأولى : المعاملة معهم، كانت فيها عليها السلام مغبونة مظلومة . والصفقة الثانية: هي صفعة خدها عليه السلام ؛ إشارة إلى ما ذكره الإمام الصادق عليه السلام في قوله: وصفقه (أي عُمر) خدَّها حتى بدا قُرطاها من تحت خمارها ! .. (الهداية الكبرى للخصيبي 408، بحار الأنوار 19:53 ). ولم يرد في اللغة «غَبناء»، والنَّصبُ لا وجه له.
3- كسر الشوكة كناية عن الضعف والإنكسار، أي أن فقد الزهراء عليها السلام هد رُكن الإمام عليه السلام وكسر قرن شوكة رأسه.
4- الأسنان : الحسن والحسين عليهما السلام .
5- هو النبي في المصاب بما جرى على حبيبته وبضعته فاطمة عليها السلام ، إذ هو المعني في قوله تعالى : ««ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى» (سورة النجم : 8-9).
6- أشاد بذكره: رَفَعه بالثناء عليه.

أَتَقَضِي بِرَغْمِ الذِّينَ مَظْلُومَةٌ ولَمْ *** تَنَلْ فِي سَوِي اللَّيْلِ الْبَهِيمِ لَهَا دَفنا؟(1)

ويُسْتَرُ مِن خَوْفِ العَدِي جَدَثٌ لَها *** وقَبْرٌ عِداها ظاهِرٌ شَاهِرٌ يُعْنِي؟(2)

فَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ يَنظُرُ جِسْمَها *** كَسَا السَّوْطُ مِنْهَا الظَّهرَ والْجَنبَ والمَتْنا؟ (3)

وأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ يَنْظُرُ ضِلْعَها *** يُكْسِّرُهُ بَاغٍ قَدِ اسْتَوجَبَ اللَّعْنا؟

وأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ يَنْظُرُ مُحسِناً *** وقَدْ أَسْقَطُوهُ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ السَّنّا؟(4)

ص: 540


1- عاشت بعد النبي صلي الله عليه و اله و سلم ستة أشهر، فلمّا تُوفيت دفَنها زوجُها علىُّ ليلا! (صحیح البخاري 5 :177، تاريخ الطبري:2 448).
2- يُعني: يُقصد. أراد أنه مشهور معروف.
3- في كتاب ( العوالم ج 2/11 ص 558) في حديث طويل عن سلمان عليه السلام: فرفع عمر السيف . وهو في عمده - فوجأ به جنبها، فصرخت يا أبتاه ! فرفع السوط فضرب به ذراعها. وفي رواية أخرى: وأمر الرجل قنفذاً أن يضربها بسوطه على ظهرها وجنبيها، إلى أن أنهكها الضرب وأثر في جنبيها ! ( التهاب نيران الأحزان للشيخ حسن بن محمد بن أحمد الدرازي البحراني 70 - 71)
4- أي قبل ولادته، وإلا فإنه كان له ستّة أشهر وقد تمّ خلقُهُ.

(4)الواثبين ظلم آل محمّد

(بحر الكامل)

الشيخ صالح الكوّاز(1)

هَلْ بَعْدَ مَؤْقِفِنا عَلَى يَبرِينِ *** أُحْبَى بِطَرَفٍ بِالدُّموع ضَنِين(2)

وَادٍ إذا عايَنْتُ بَيْنَ طُلُولِهِ *** أَجْرَيْتُ عَيْنَي لِلظِّباء الْعِينِ(3)

ص: 541


1- هو أبو المهدي الشيخ صالح بن المهدي بن الحاج حمزة، يرجع نسبه إلى قبيلة الخضيرات إحدى عشائر شمر المعروفة. ولد سنة 1233ه. ودرس المقدمات على خاله الشيخ علي الغداري، والشيخ حسن الفلوجي، والسيد مهدي السيد داود. وتخرج في الفقه و علوم الدين على العلامة السيد مهدي القزويني . كان خفيف شعر العارضين، أسمر اللون شاحبه، رثّ الثياب ، كثير الصمت، وكان يتعاطى مهنة أبيه وهي بيع الكيزان والجرار والأواني الخزفية ، ولذلك اشتهر بالكواز كان عفيف النفس، ورعا تقيا ذا صلاح، يحيي أكثر لياليه بالعبادة، وكان يجمع بين الرقة والظرافة، وكان يقيم صلاة الجماعة في أحد مساجد الجباويين بالحلة بالقرب من مرقد أبي الفضائل بن طاوس. وقد أعقب ثلاثة أولاد هم: الشيخ مهدي، والشيخ عبدالله ، وعبد الحسين كان قد جمع هو بنفسه ديوان شعره وكان عند زوجته لكنه ضاع وفقد، وقيل أن ولده عبدالله جمع المختارات من شعر والده في ديوان، لكنه استعير منه ولم يعد إليه. وجمع الشيخ محمد علي اليعقوبي الباقي من شعره وطبع في النجف الأشرف. توفي الشيخ صالح الكواز في شوال سنة 1290ه، وله من العمر 57 سنة.
2- أُحبى : أعطي بلا مقابل ، ومنه الحبوة. وضنين : بخيل، أو نَزرٌ قليل.
3- الظّباء: جمع ظَبية، وهي الغزالة العفراء. العين : جمع عيناء، وهي متّسعة العين . وفي ديوانه: (اللسان العين).

لَمْ تَخْبُ نارُ قَطِينِهِ حَتّي ذَكَتْ *** نارُ الفِراقِ بِقَلْبِيَ المَحْزُونِ(1)

عرّج فيها علی رثاء شهداء الطف ثمّ قال :

لَيْتَ المَوَاكِبَ والوَصِيُّ زَعِيمُها*** وقَفُوا كَمَوْقِفِهِم عَلي صِفِّينِ

بِالطَّفِّ كَيْ يَرَؤُا الأُلي فَوْقَ الْقَنا *** رَفَعَتْ مَصاحِفهَا اتِّقاءَ مَنُونِ (2)

جَعَلَتْ رُؤُوسَ بَنِي النَّبِيِّ مَكانَها *** وشَفَتْ قَدِيمَ لَواعِجٍ وَضُفونِ(3)

وَتَتَبَّعَت أُشقي ثَمُودَ وَتُبَّعٍ*** وَبَنَت عَلی تَأْسِيسِ كُلِّ خَؤُونِ(4)

ص: 542


1- لم تَخب: لم تخمد ولم تنطفئ. قطينه: ساكنه. ذكت : اشتعلت واتّقدت. يريد أن يقول: ما أن انطفأت نارُ الأحبة - كناية عن السفر والارتحال - حتى تأججت في قلبي نيران الفراق والشوق!
2- كان يتمنى لو أن أمير المؤمنين عليه السلام قَدم بجحافله الباسلة الشديدة البأس، لينصر ابنه الحسين عليه السلام في كربلاء، فدع القوم يرفعون مصاحقهم على رؤوس رماحهم؛ إيذاناً بالاستسلام ورجاءُ بطلب متوسل أن تضع الحرب أوزارها ! لكن ذلك التمني لم يحصل، فقتلوا آل الله واصحابهم، ثم رفعوا رؤوسهم على الرماح، لا المصاحف!
3- شَفت: بَردت . اللّواعج : الهوى المحرق، وهنا الثارات الملتهبة في القلوب المبغضة! الضُّغون: الأحقاد.
4- تتبّعت أشقى ثمود: اقتدث بأشقی ثمود عاقر الناقة، وقد شبه رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قاتل أمير المؤمنين عليه السلام به، حيث قال لعليَّ عليه السلام: «ويلٌ لقايلك ! إنه أشقى من ثمود (أي قوم ثمود)، ومن عاقر الناقة»! (بحار الأنوار 31: 439 - عن: الخصال للصدوق 2: 576) وفي ( مناقب آل أبي طالب 2: 57) و ( بحار الأنوار 11: 376) - عن الطبري وابن إسحاق وابن مردويه وغيرهم، عن عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه واله و سلم قال له ولأمير المؤمنين عليه السلام : «الا أحدّثكما بأشقى الناس ؟! قلنا: بلى يا رسول الله ، قال : أحمرُ ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك على هذه!» ووضع صلي الله عليه و اله و سلم يده على قرن على عليه السلام.والخائنون هم الذين غصبوا الخلافة وأشوا الظلم، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام بعد محاولة اغتيال خالد إيّاه: «والله ما أوتي خالد إلا من قبل هذا الخؤون الظلوم المفتن ابن صهاك ! (إرشاد القلوب للديلمي 2: 389 - عنه: بحار الأنوار 59:29 - 60/ ح 19). ورواية الديوان:«تأسيس كل عين».

الواثِبينَ لِظُلْمِ آلِ مُحَمَّدٍ *** وَمُحَمَّدٌ مُلْقًی بِلا تَكفِينٍ

وَالقَائِلِينَ لِفَاطِمٍ آذَيتِنا *** في طُولِ نَؤْحٍ دَائِمٍ وحَنِينِ(1)

والْقَاطِعِينَ أَراكَةُ كَيْلا تَقِي*** لَ بِظِلِّ أَوْرَاقٍ لها وغُصُونِ(2)

ومُجَمِّعي حَطَبٍ عَلَى البَيتِ الّذي *** لَمْ يَجْتَمِعْ لَؤلاهُ شَملُ الدَّينِ

والدَّاخِلِيينَ عَلَى الْبَتُولَةِ بَيتَها *** وَالمُسقِطينَ لَها أعَزَّ جَنِينٍ

والْقَائِدِينَ إِمامَهُمْ بِنِجادِهِ *** والطُّهْرُ تَدْعُو خَلْفَهُمْ بِرَنِينٍ(3)

خَلُّوا ابْنَ عَمِّي أوْ لَأَكْشِفُ لِلدُّعا *** رَأْسِي وَأُبْدِيَ لِلإِلهِ شُجُونِي(4)

مَا كانَ نَاقَةُ صالِحٍ وفَصِيلُها *** فِي الفَضْلِ عِندَ اللَّهِ إلّا دُونِي(5)

وَرَنَت إلَى القَبرِ الشَّرِيفِ بِمُقلَةٍ ***عَبري وقَلْبٍ مُكَمَدٍ مَحْزُونِ(6)

قَالَتْ وأَظْفارُ الْمُصابِ بِقَلْبِها: *** غَوْثاةً قُلْ عَلَى العُدَاهِ مُعِينِي(7)

أَبَتَاهُ هَذَا السَّامِرِيُّ وَعِجلُهُ *** تُبِعا وَمالَ النَّاسُ عَن هارُونِ(8)

ص: 543


1- إشارة إلى منعهم إياها من البكاء، وبناء أمير المؤمنين عليه السلام ببيت الأحزان لها.
2- إشارة إلى قطعهم الأراكة التي كانت تجلس تحتها وتبكي أباها رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم تقيل : تستريح في الظهيرة.
3- يجاده: حمائل سيفه. الرنين : الصيحة.
4- في الديوان: «وأشكو للإله».
5- عن سلمان الفارسي عليه السلام : لما استخرج أمير المؤمنين عليه السلام من منزله، خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر وقالت: خلوا ابن عمي ، فوالذي بعث محمدا بالحق، لئن لم تخلوا عنه لأنشرت شعري (أي من تحت الحجاب أو تحت القميص النبوي المبارك)، ولأضعن قميص رسول الله على رأسي، ولأصرخ إلى الله، فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي. ( مناقب آل أبي طالب 3: 118).
6- رنت : أطالت النظر مع انكسار الطرف وسكونه . المقلة: العين. محمد: مغموم.
7- العُداة: الأعادي . وقلة المعين معناها عدم المعين.
8- السامري : عمر. عجله: أبوبكر . هارون: أمير المؤمنين عليه السلام فإنه بمنزلة هارون من موسی .

أَيُّ الرَّزَايا أَتَّقِي بِتَجَلُّدٍ *** هُوَ فِي النَّوَائِبِ مُذْ حَيِيتُ قَرِينِي(1)

فَقدِي أَبِي أَمْ غَضبَ بَعلِی حَقَّهُ *** أَمْ كَسرَ ضِلْعِي أَمْ سُقُوطَ جِنِينِي؟

أَمْ أَخْذَهِمْ إِرْئِي وفاضِلَ نِحْلَتِي *** أم جَهلَهُم حَقِّي وقَدْ عَرَفُوني؟

قَهَرُوا يَتِيمَيْكَ الحُسَيْنَ وَصِنوَهُ *** وسَأَلَتُهُمْ حَقِّي وقَدْ نَهَرُونِي

بَاعُوا بَضائِعَ مَكْرِهِمْ وَبِزَعْمِهِمْ *** رَبِحُوا وَمَا بِالْقَوْمِ غَيْرُ غَبِينِ(2)

وإِذا أضَلَّ اللَّهُ قَوْماً أبْصَرُوا *** طُرُقَ الهِدايَةِ ضِلَّهُ فِي الدِّينِ(3)

***

ص: 544


1- التجلُّد والتصبُّر قري الزهراء علئها السلام لكثرة المصائب و ملازمتها له.
2- الغَبين : هو المغبون، الخاسر هنا!
3- الضِّلَّة : ضد الهُدی.

قافية الهاء

اشارة

ص: 545

(1)صلى الإله عليها

(بحر البسيط)

الأستاذ أحمد بن الحاج رشيد منط

يَا بَضْعَهً مِنْ زَعِيمِ الرُّسلِ حَيَّاها *** رَبُّ السَّمَاءِ وَحَيَّى الغُرِّ أَبناها

مَا كان أَطْيَبَها مِنْ زَهْرَةٍ نَبَنَتْ *** فَوْقَ الأَدِيمِ وزَكِّي اللَّهِ مَنْشاها(1)

مِن مَعشَرٍ وُدُّهُم فَرضٌ وَرَبُّهُمُ *** لَم يَخلُقِ الكَوْنَ لَوْلاهُم ولَوْلاها(2)

فَاللَّهُ لَمّا بَرا خَلْقاً وكَوْنَهُ *** مِن نُورِ أحمَدَ خَيرِ الرُّسلِ صَفّاها(3)

ومِنْ أَجَلِّ نِساءِ الخَلقِ أَطْلَعَها*** كالشَّمْسِ تُشْرِقُ فِي الأَكْوانِ أَضْواها(4)

وَرَبُّها مِنْ جَمِيعِ ألرِّجسِ طَهَّرَها *** وفي دَرارِي جَمِيعِ الفَضْلِ حَلّاها(5)

ص: 546


1- الأديم: أديم الأرض، ما ظهر منها . منشاها: مخفّفة «منشأها».
2- في حديث قدس شريف .. خاطب الله تعالی نبيه آدم عليه السلام يعرفه بمن سأل عنهم وقد رآهم عليه السلام يمنة العرش أشباحة خمسة: «هؤلاء خمسة من وُلدك، لولاهُم ما خلقتُك .. لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار، ولا العرش ولا الكرسي، ولا السماء ولا الأرض، ولا الملائكه ولا الإنس ولا الجن !..» ( فرائد السمطين للجويني الشافعي 1: 36)
3- برا: مخففة «برأ» بمعنى خَلَق.
4- في حديث ولادتها صلوات الله عليها، قال الإمام الصادق عليه السلام: «.. فلمّا سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتّى دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور». (أمالي الصدوق ص 476/ ح 1 - المجلس 87)
5- إشارة إلى نزول آية التطهير : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»سورة الأحزاب : 33). فيها وفي أبيها وبعلها وبنيها.

ما بَيْنَ جِبْرِيلَ والمُخْتارِ والِدِها *** وبَيْنَ صَدِّيقَهِ المُخْتارِ مَرباها(1)

آبَاؤُها حُجَجُ البارِي وَصَفوَتُهُ *** وسادَهُ الخَلقِ فِي الدّارَيْنِ أَبْناها(2)

وَهيَ الَّتِي بَضعَهٌ مِنْ نُورِ والِدِها *** وَكانَ سِيما رَسُولِ اللَّهِ سيماها(3)

وكان جِبرِيلُ بالآياتِ يُونِسُها *** ومِنْ مَعارِفِهِ المُختارُ غَذّاها

يَقُولُ مَنْ أَغْضَبَ الزَّهْراءَ أَغْضَبَنِي *** وَاللَّهُ يَرْضى عَلى مَنْ كانَ أرضاها

وَلَم يَكُنْ لِنِساءِ الخَلقِ سَيِّدَةٌ *** فِي النَّشاَتَينِ عَلَى اَلْإِطْلاَقِ إِلّاها(4)

مِنْ نُورِها تَزْهَرُ السَّبْعُ الطِّباقُ إذا *** أُمُّ الحُسَيْنِ تَجَلَّتْ فِي مُصَلّاها

ص: 547


1- المربی: مكان النشُوء والتربية.
2- آباؤها.. أولهم سيّد الوجود أبو القاسم المصطفى محمد صلي الله عليه و اله و سلم، ثم أجداها سادة العرب وأشرافهم: عبدالله وعبدالمطلب .. الذي ألهمه الله تعالى أموراً عن طريق الرؤيا الصادقة أو الهاتف الملائكي : فحفر بئر زمزم في وقت الجفاف، وأطعم الحجيج وسقاهم، ورد عاتية أبرهة الحبشي بإيمانه وحكمته، وست سننا فجعل الطواف سبعة، ومنع الطواف عراء، ونهى عن قتل الموودة، وأوجب الوفاء بالنَّذر، ونفى البغايا ذوات الرايات خارج مكّة، ومنع نكاح المحارم، وسن قطع السارق، وعظم الأشهر الحرم وهكذا كان لهاشم مآثره، وجميع آباء النبي صلي الله عليه و اله و سلم وأجداده ، وهم آباء فاطمة عليه السلام وأجدادها سلام الله عليهم. (يراجع: صراع قريش مع النبي صلي الله عليه و اله و سلم للشيخ علي الكوراني) وأما أبناء فاطمة الزهراء عليها وعليهم السلام، فهو أحد عشر إماما أئمة الخلق وساداتهم، معصومون مطهرون.
3- قالت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها: كانت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أشبة الناس وجهاً وشبها برسول الله صلي الله عليه و اله و سلم. (عوالم المعارف للشيخ عبدالله البحراني 11: 22)
4- قيل للإمام الصادق عليه السلام: أخبرنا عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في فاطمة أنها سيدة نساء العالمين، هي سيدة نساء عالمها؟ قال: «ذاك لمريم، كانت سيدة نساء عالمها، وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين». (معاني الأخبار للشيخ الصدوق 107/ ح 1).

لِأجلِ ذا سُمِّيَتْ زَهْراءَ فَاطِمَةَ *** وَرَبُّهَا مَنْ بِهذَا الإِسْمِ سَمّاها(1)

وحَسْبُها سَيِّدُ الاَملاكِ جَلَّلَهُ *** كِساءَها حينَ غَطّاهُ وغطَّاها(2)

وَهيَ الّتي بَيْنَ أَهْلِيها قَدِ انتُدِبَت *** حَتّي تُباهِلَ أَهْلَ الكُفْرِ أَعداها(3)

وَهَل أَتی هَلْ أَتي إِلّا بِمِدْحَتِها *** لَمّا وَفَتْ نَذرَها وَاللَّهُ آتاها(4)

مُلْكاً كَبِيراً بِهِ الرَّحْمانُ بَشَّرَها *** وكَانَتِ الايَةُ الغَرّا بِتَقْواها

وكانَ يُجْلِسُها المُختارُ مَوضِعَهُ *** إِذَا أَتَتْهُ وَبِالتَّعْظِيمِ يَلْقاها(5)

ومِن جَمِيعِ فُنُونٍ العِلمِ عَلَّمَها *** ورَبُّها مِن جَمِيعِ الفَضْلِ أَعْطاها

ص: 548


1- سئل الإمام الصادق عليه السلام فاطمة عليها السلام لم سُميت «الزهراء» ؟ فقال : «لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورُها لأهل السماء ، كما تزهر نور الكواكب لأهل الأرض». ( علل الشرائع للشيخ الصدوق 181/ ح3 - الباب 143)
2- في حديث الكساء الذي روته فاطمة صلوات الله علیها (وقد سبق لنا عرض سنده ومصادره) قالت:«قلت : السلام عليك يا أبتاه ، یا رسول الله ، أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء ؟ قال: وعليك السلام يا بنتي ، ويا بضعتي ، قد أذنت لك. فدخلت تحت الكساء.
3- تباهل : تُلاعِن. روی عالم الستة الشهير الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوة ص 353) : عن جابر الأنصاري فدعا النبي صلي الله عليه و اله و سلم العاقبّ والطيّب إلى الملاعنة، فواعداه أن يغدياه بالغداة ، فغدا رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وأخذ بيد على وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، ثم أرسل إليهما فأبيا، وأقرا له، فقال صلي الله عليه و اله و سلم: والذي بعثني بالحق، لو فعلا لأمطر الوادي عليهما نارا! قال جابر: فيهم نزلت: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» (سورة آل عمران: 61).قال الشعبي: قال جابر: (وأنفسنا) رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وعلي ، (وأبناءنا) : الحسن والحسين، (ونساءنا) فاطمة، رضي الله عنهم أجمعين.
4- قال الشافعي في أمير المؤمنين عليه السلام: وهل تزوجت فاطم غير وفي غيره *** أهل أتی «هل أتی»
5- هكذا في الأخبار: وكانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبلها، وأجلسها في مجلسه! (کشف الغمة للإربلّي 1: 453)

وعَقْدُها قَدْ تَوَلّاهُ الإلَهُ عَلي*** خَيْرِ البَرِيَّةِ إِيماناً وَاَقضاها(1)

وَ لَمْ يَكُنْ مَنْ سِواها مِنْ بِمَقْدَمِهِ *** يُطَهِّرُ الأَرْضَ مِنْ رِجْسٍ تَغَشّاها(2)

تُنَكِّسُ النّاسُ يَوْمَ الحَشْرِ أَعْيُنَها *** حَتّي تَمُرَّ وَنُورُ اللَّهِ يَغْشاها(3)

ولَيْسَ يَعْرِفُ ما حازَتهُ مِن شَرَفٍ *** إِلَّا الّذي صاغَها نُوراً وأنْشاها(4)

فَاقصِرأُحَيْمِدُ عَنْ إطراءِ فاطِمَةٍ *** مَهْما أَرَدتَ بِقَرْضِ الشَّعْرِ اطراها(5)

وَاللَّهِ وَاللَّهِ لا تُحْصِي فَضائِلَها *** وَلَوْ حُبِيتَ عَدِيدَ النَّجْمِ أَفْواها(6)

فَهيَ الّتي عَنْ مَدِيحِ الخَلْقِ رُتبتُها *** جَلَّتْ وخالِقُها الرَّحْمانُ أَعْلاها

ص: 549


1- تقدم الحديث في عقدها في السماء قبل الأرض وما فعلته الملائكة في السماوات آنذاك. وخير البرية هو أمير المؤمنين علا وقد ثبت ذلك بالروايات الصحيحة الكثيرة.
2- توافرت الأخبار عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم ، أنه قال : - «المهدي حق، وهو من ولد فاطمة». - «المهدي من عترتي ، من ولد فاطمة». وقال لابنته فاطمة عليه السلام: - «المهديُّ من وُلدك» .. «أبشري يا فاطمة، فإن المهدي منك » ... وصيغ أخرى مقاربة. أما مصادرها فعشرات، منها: أرجح المطالب للشيخ عبيد الله الحنفي ص 381 - 385 بأسانيد مختلفة، البرهان في علامات مهدي آخر الزمان للمتقي الهندي - الباب 2/ ح 2 - 23، البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي 98، التاريخ الكبير للبخاري 3: 346 الرقم 1171، منهاج السنة لابن تيمية 8: 255.. حتى تصل إلى أكثر من 60 مصدراً!
3- تنکَُس: تُطأطئ من ذُل . إشارة إلى ما رُوي في كتاب (ذخائر العقبى للمحت الطبري ص 48): قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : «إذا كان يومُ القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل الجمع، نکسوا رؤوسكم وغُضوا أبصاركم حتّى تَمرَّ فاطمة بنت محمّد على الصراط».
4- تقدّمت الرواية في أنها سميت فاطمة لأنّ الخلق فُطموا عن معرفتها.
5- أقصر: کُفَّ. الإطراء: حُسن الثناء، والمبالغة في المدح. وهنا يخاطب الشاعر نفسه بلغة التصغير «أحمد» وهو أحمد، يُلقن نفسه العجز والإقرار بالعجز عن أن يبلغ شأوا في مدح فاطمة عليها السلام ؛ فهي أسمى من أن تُوصف أو تُوفي باطراء.
6- أفواها : جمع فاه ، وهو الفم کنّی به عن لسان التعداد.

لَؤ كلُّ ماءِ بِحارِ الأَرْضِ مِحبَرةٌ *** وَأَصْبَحَت وَرَقاً عَلياءُ دُنياها

وَكُلُّ عُودِ علی وَجْهِ الثَّری قَلَمٌ *** وكُلُّ نَفْسِ إلهُ العَرشِ سَوَاها

كانُوا عَلَی الأرضِ كُتاباً ، وَكُلُّهُم *** رامُوا باَنُ ينْعَتُوا مَا اللهُ أولاها(1)

لَمْ يَبْلُعُوا ذَرّة مِمّا بهِ مُنِحَتْ *** منّ الفَضائْلِ مِنْ ذِي العَرْشِ جَلّاها(2)

وَهْيَ الّتي خُلِقَتْ من نُورِ بارِثِها*** فَأَيْنَ لِلْخَلْقِ إلمامٌ بمَعناها؟!

لكِنْ رَأَيْتُ عَلی قَدرِي مَدائحَها*** فَريضةٌ ، والهُ العَرْشِ زَكّاها

طُوبی لِمَنْ صَيَّرَ الإسْلامَ قائِدَهُ *** وَوَدَّ ابناءَها طُرّا وولاها

***

وَلَم اکُن اَحسَبُ الأَيّامَ تَضربُها *** وَالدَّهرَ يَجْهَلُ بَينَ النّاسِ فَحواها(3)

وتُضرَمُ النّارُ في بَيْتٍ لَها سَكنٌ *** قَرَّت به ، وَهْوَ طُولَ العُمْرِ مأواها(4)

وَذلِكَ البَيتُ أَصْحابُ الكِساءِ به *** عَلِيُّ المُرْتَضَی الزّاكي وَنَجْلاها

وَتُمنَعُ الإرثَ منْ طهَ ونِحلَتَها *** مِنهُ باَقوالِه القُرآنُ يَأباها(5)

ص: 550


1- اقتباس من صورة قرآنية سامية، في قوله عزوجلّ : «وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » (سورة لقمان : 27).
2- جلّاها: أي جلي مدائحها، وأبانها.
3- في: (إثبات الهداة للحر العاملين 2:2 ، وكفاية الأثر للخزاز 36، وأسرار الإمامة لعماد الدين الحسن بن علي الطبري) أن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال لفاطمة عليه السلام: «إن المظلومة المغصوبة المقتولة بعدي !... يا فاطمة، إذا كان يوم القيامة ... يقول أهل الجمع : من هذه الأمة الكريمة على الله ؟! فينادي المنادي : هذه الضديقة الشهيدة التي عثرت على أبيها وهانت على أمته من بعده، حتى ظُلمت حقّها، وغُصبت إرها، ولُطم خَدَّها، وقُتل جنينها، وفارقَت الدنيا بحسرتها !..».
4- تقدمت روايات حرق الدار وما فيه إلا فاطمة وبعلها وأبناؤها.
5- الضمير في «أقواله» يعود إلى أبي بكر وإن لم يَجر له ذكر، وذلك كقوله تعالى: (حتى توارث بالحجاب) أي الشمس وإن لم يجر لها ذكر. ولو قال : «منه بدعوى جميعُ الأي تأباها» لكان أبعد عن اللبس.

وَفِي الدُجی خِفيَة تُلْقی بِحُفْرَتِها *** حَيِيبَةُ المُصطَفی خَيرِ الوَری طه(1)

ومَنعُها صَيَّرَ الاسلام مُغتَرباً *** وَلَمْ يَزل لِمُقامِ الحَشرِ يَنعاها

وَزَوجُها المُرتَضی رُدَّتْ شَهادَتُهُ *** لها ، وَكُذِّبَتِ الزَّهراءُ وابناها(2)

وانّهُمْ كالَّتِي قالَ الإلهُ بِها :*** بِسمِ المُهَيْمِنِ مَجراها وَمُرْساها(3)

وَکُلُّهُمْ شَهِدَ الباري بِصِدقِهِمُ*** وانَّ مَن كَذَّبُوهُم كَذَبُوا اللةَ

وإِن تَكذِيبَها مِنْ بَعْدِ وَالِدِها *** أَماتَها بَعْدَهُ غَضبی واَشجاها(4)

واللهُ يُخزِی عَدِيّاً بعدَ تَيْمِهِم *** إذكَذَّبُوا بَضْعَةَ الهادي بِدَعواها

في يَومِ تأتي إلَی الرَّحمانِ شاكيةً *** والعَرشُ يَهتَزُّ إذعاناً لِشَكواها(5)

ص: 551


1- إشارة إلى دفنها سرا في الليل البهيم.
2- قصة رد عمر لشهود الزهراء عليه السلام، وقوله لأمّ أيمن : أنت امرأة ولا تجيز شهادة امرأة لوحدها، وأما عليُّ فيجر إلى نفسه ! و تکذيبه فاطمة عليه السلام، وعدم رضاه بالإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ذكرها الشيخ المفيد رحمه الله في كتابه : الاختصاص ص 183 - 185 تحت عنوان «حديث فدك».
3- في البيت إشارتان:الأولى : إلى الآية الشريفة حول سفينة نوح عليه السلام: «وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ » (سورة هود: 41). الثانية : إلى الحديث النبوي المشهور عند جميع المسلمين، بصيغ متقارية، وأسانيد عديدة. أن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال : «مثلُ أهل بيتي مثل سفينة نوح، من رَكبَها نجا، ومن تَرَكها غَرق !».
4- إشارة إلى ما اتفقت المصادر عليه من أنها ماتت غاضبة على الشيخين.
5- في رواية طويلة مخبرة، يقول فيها رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم محدِّثاً بضعته الطاهرة فاطمة عليه السلام: «.. والذي بعثني بالحق لأقومنّ بخصومة أعدائك، وليندم قومٌ أخذوا حقَّکِ !». (بحار الأنوار 22: 492 ح36)

والنّارُ تَسْحَبُ كُل الظَالِمِينَ لَها *** وكل مَنْ في بَنيها الغُرَّآذاها(1)

وَإن أشْقَی الوَری عِنْدَ الإله عَداً*** مَنْ خَصْمُهُ عِندَهُ أَعْلَی الوَری جاها(2)

وَحَسْبُها يَفْضَبُ الباِري إذا غَضِبَت *** وَعِنْدَهُ شَرُّ أهلِ النّارِ أعداها(3)

صَلی الالهُ عَلَيْهَا كُلّما طَلَعَتْ *** شَمْسُ النهار وَجَنّ اللَّيلُ عُقباها(4)

ص: 552


1- حيث آذاها الظالمون في كل بنيها ، فما تركوا منهم إلّا مسموماً أو مقتولاً.
2- ذلك هو رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، وقد صرح مرارة أنه حربٌ لمن حارب أهل بيته، وعدوُ لهم، وأنه خصيمٌ لمن خاصم أهل بيته .. حتى جاء في الرواية الشريفة قوله صلي الله عليه و اله و سلم : وقد ضم إليه فاطمة وعليّاً والحسن والحسين عليهما السلام : «اللّهمّ إنّي لهم ولمَن شايعهم سلم، وزعيمٌ بأنّهم يدخلون الجنة ، وعدؤٌّ وحربٌ لمن عاداهم وظلمهم وتقدّمهم أو تأخّر عنهم وعن شيعتهم، زعيمٌ بأنهم يدخلون النار، ثم والله يا فاطمة لا أرضى حتى تَرضي ، ثم لا والله لا أرضى حتّى ترضي ، ثم لا والله لا أرضى حتّى ترضى ! ( بحار الأنوار 22: 485/ ح 31) ويلٌ لمن شُفعاؤه خُصماؤه *** والصُّورُ في يوم القيامة يُنفَخُ
3- إشارة إلى قول النبي صلي الله عليه و اله و سلم : «إن الله عزّوجل يغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها»
4- قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: يا فاطمة، مَن صلّى علي غَفَر الله له وألحَقه بي حيث كُنتُ في الجنة. (کشف الغمة للإربلّی 100:2)

(2)وستبقى الزهراء

(بحر الخفيف)

الأستاذ أنور فرج الله

قَدْ أَطَلَّت عَلَى الدُّني بِسَناها *** وَجْهُها الصُّبْحُ والضِّياءُ رِداها(1)

واسْتَفاقَتْ مَعَ الرِّسالَةِ طَلّاّ *** يَغْسِلُ الوَرْدُ قَلبَه بِنَداها(2)

وأَرِيجُ المِيلادِ يَعْبَقُ فِي الدُّنْ*** يا عَبِيراً يَفُوحُ مِنْ بَيْتِ طه(3)

وَالكمالُ انْحَنى يُصلِّي إِلَيْها *** بِخُشُوعٍ مُسْتَلهِماً مِن هُداها(4)

والرَّسولُ العَظِيمُ يَأْوِي إِلَيْها *** أَصْبَحَتْ أُمُّهُ وكانَ أَباها(5)

تَهَبُ الحُبَّ لِلْجَدِيبِ فَيُضحِي*** أخضَرَ الرَّوحِ مُوْرِقاً مِنْ شَذاها(6)

فَهيَ فَوْقَ الخُلودِ فَوْقَ قَوَافِي الش*** َشِعرِ تَسْمُو عَلَى الرُّؤْئِ بِعُلاها

ص: 553


1- في حديث للإمام الصادق عليه السلام ذكر أن الله عز وجل خلق فاطمة عليها السلام من عظمته قال: «فلما أشرقت أضاءت السماواتُ والأرضُ بنورها...... ( ملتقى البحرين لأبي الحسن النجفي ص 19).
2- الطَّل : هو المطر الخفيف، أو النَّدي.
3- الأريج : الرائحة الطيبة.
4- الصلاة هنا علامة الانحناء والخشوع والإقرار.
5- عن عبدالله بن عمر: كان النبي إذا أراد سفراً، كان آخر الناس عهدا بفاطمة، وإذا قَدم، كان أول الناس عهداً بفاطمة . ( مناقب آل أبي طالب 3: 333). ولقبُها «أمّ أبيها» لحنوها عليه، وشدّة محبته لها، فبذلك كنّاها . (کشف الغمة 1: 462)
6- الجَديب: المكان الذي انقطع عنه المطر فيبست أرضه. الشَّذى : الرائحة الزكية .

اَلهَمَ اللَّهُ حُبَّها كُلَّ طُهْرٍ *** واصْطَفاها وكَؤْثَراً سَمّاها(1)

***

وأَتَيْناها تَحْمِلُ النَّبضَ فَجراً *** دَمَوِيّاً مُمَزَّقاً يَتَباهي(2)

وَبِه وَجهُ صَدْرِنا وبِهِ لَو*** نُ عُيُونٍ تَوَرَّمَتْ بِقَذاها

رَسَمَ اللَّيْلُ فِي مَحاجِرِها الرُّعْ*** بَ وأَلْقي أَدْرانَهُ بِنَقاها(3)

سَلَبَتْ قَلْبَنَا نَزِيفَ رُواهُ *** ضَيْعَتنا تَشَتُّتا فِي مُداها

ومَشَيْنا فما تَوانَتْ رِكابٌ *** عَنْ مَنالِ المُني وَعَن مُبْتَغاها

***

أَنْتِ يا فاطِمُ البَتولُ حُداءً *** لِقَوافِي السُّري وَرَجعُ صَداها(4)

تُلهِمِين الرُّكْبانَ فَوْرَةَ عِشقٍ*** لِقُلُوبٍ مِنْ كَرْبَلا مُبْتَداها(5)

شَاطِي الدَّفْءِ ضَيَّعَتنا بِحارٌ *** يتنَاءَي مع المَدِي مِيناها(6)

شَاطِيَ الدَّفْءِ قَدْ أَتَيْنا وَفِينا *** يُلهِبُ الشَّوْقُ في العيونِ بُكاها

ص: 554


1- الكوثر: الخير الكثير . وهو في سورة الكوثر فاطمة عليه السلام.
2- يتباهى : يتفاخر.
3- أدرانه: أقذاره وأوساخه. نقاها : مخففة «نقائها».
4- يريد أن يقول: إن فاطمة الزهراء عليها السلام هي مهجة الحياة، وبها وببركتها يسير ركب الناس. والسَّري: السير ليلا، والزهراء فاطمة عليها السلام هي النور الذي يستعان به على معرفة الطريق إلى الله تبارك و تعالی.
5- من فاطمة الصديقة الطاهرة عليها السلام نفحة الولاء الذي يلهم المؤمنين روح السير من كربلاء إلى معالي العشق الولائي.
6- يتناءى : يبتعد. ميناها: مخففة «ميناؤها».

أَوقِدِي لِلعُيُونِ مِنكِ ابتِساماً *** كَفْكِفِي دَمعَها وشُدَّي خُطاها(1)

فسَتَبْقَی القُلوبُ تَهتَزُّ وَجداً *** لِمَعينِ عَذب يُطفّي لَظاها(2)

وَسَتَبْقَی الزَّهراءُ فَيضَ عَطاءِ *** لِلبَرايا وَنَرتَجِيِ قُرباها

ص: 555


1- كَفكِفي : امسحيه مرّةُ بعد مرّة .
2- لظاها : لهييُها.

(3)فضائل الزهراء

(بحر الكامل)

الأستاذة عزيزة صندوق

نُورٌ أَضاءَ الكَوْنَ لا يَتناهي *** باهَت بِطَلعَتِهِ السَّماءُ وَطه

حَفَّتْ بِمَهْدِ النُّورِ أَفضَلُ نِسوَهٍ *** حَنَّتْ مَلائِكُ ربَّنا تِلقاها

وَتَعَطَّرَت أرْجَاءُ مَكَّةَ وازْدهَتْ*** أَرْضُ الحِجازِ بِها وَطابَ ثَراها

الْحُورُ تُهْرِقُ كَوْثَراً مِن خُلْدِها *** واللَّهُ أحْسَنَ صورَةٍ أَعْطاها(1)

اَللَّهُ أَكْبَرُ فاطِمٌ قَدْ أقْبَلَتْ*** مَلاَّ الدُّني والْخَافِقَيْنِ سَناها(2)

صِيغَتْ مِنَ الأَنْوارِ تُبْهِرُ مِنْ رَأْيٍ*** فَاَتَتْ فَريدَةَ دَهْرِها بِبَهاها

ص: 556


1- تُهرق: تُّريق. في : كتاب ( أمالي الصدوق ص 476/ ح 1 - المجلس 87): «فبيناهي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة... ففزعت منهن لما رأته ، فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة ؛ فإنا رُسل ربك إليك، ونحن أخواتك : أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم - وهي رفيقتك في الجنة - ، وهذه مريم بنت عمران ، وهذه كلثم أخت موسی بن عمران ، بعنا الله إليك إنلي منك ما تلي النساء من النساء.فجلست واحدة عن يمينها، وأخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها ، فوضعت فاطمة عليها السلام الطاهرة مطهرة، فلما سَقَطَت إلى الأرض أشرق منها النورُ حتى دخل بُيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضعُ إلا أشرق فيه ذلك النور، ودخل عشرة من الحور العين ، كل واحدة منهن معها طشت من الجنة وإبريق من الجنة، وفي الإبريق ماء من الكوثر.
2- لو قالت: «ملء الدُّني» لكان أبلغ. في رواية حول ولادة الزهراء عليها السلام.. يقول حفيدها الإمام جعفر الصادق عليه السلام: «... وتباشرت الحورُ العين، وبَشر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة فاطمة عليها السلام ، وحدث في السماء نورٌ زاهر لم تره الملائكةُ من قبل ذلك ..». (أمالي الصدوق 476/ ح 1۔ المجلس 87).

فِي يَوْمِ مَوْلِدِها السّلامُ لِفاطِم *** ومَحَبَّةً مِنْ مُهْجَتِي لِعُلاها(1)

رُبِّيتُ في كَنَفِ النُّبُوّةِ والتُقَئِ *** تَحْمِيكِ عَيْنُ خَدِيجَةَ وَدُعاها

تَرْجُو إلهَ العَرْشِ حِفْظَكِ مِنْ أَذِي *** وهُوَ العَلِيمُ بِهَمْسِها وهَواها

تُرْويكِ مِن فَيْضِ المَحَبَّةِ نَهْلَةٌ *** وتَشَمُّ نَحرَكِ كَي تُبُلَّ صَداها(2)

وَمُحَمَّدٌ يُؤوِيكِ بَينَ ضُلُوعِهِ *** وَالنَّفسُ تَسكُنُ إذ رَأَتْ مَأْواها

شَرَفٌ تَقَضَّلَتِ السَماءُ بِمَنحِهِ *** خَيرَ النّساءِ فَتُوِّجَت بعُلاها(3)

هِيَ كَوثَرٌ حُورِيَّةٌ صِدِّيقَةٌ *** بَلَغَتْ كمالَ الخَلْقِ فِي مَحْياها(4)

مَنْ كَالْبَتُولِ بِنُسكِها وَعَفافِها *** مِنْ مِثْلُها فِي زُهْدِها وَتُقاها؟(5)

مَن هَاجَرَت والدَّينُ قَائِدٌ رَكِبَها *** والبِشْرُ والايمَانُ فِي مَسْراها(6)

ص: 557


1- روی ابن المغازلي الشافعي في كتابه (مناقب علي بن أبي طالب ص 364 ح 410) أن النبي صلى الله عليه و اله و سلم قال لفاطمة عليها السلام : «من سلم علي وعليك ثلاثة أيام فله الجنة»، فسأل الراوي فاطمة الزهراء عليها السلام: ذا في حياته وحياتك ، أو بعد موته وموتك ؟ قالت: «في حياتنا، وبعد وفاتنا».
2- تهلة : شُربة. صداها: عطشها.
3- كتب الشيخ ملا محمد صالح الكشفيّ - من علماء السنة - في (المناقب المرتضوية ص 113 - ط بُمبي الهند): قال النبي صلى الله عليه و اله و سلم: «أفضلُ العالمين ، من نساء الأولين والآخرين: فاطمة»
4- هذه بعض أسمائها وألقابها غاية ، وقد تقدم ذكر الكثير منها.
5- جاء في كتاب ( مسند فاطمة ص8 والدر المنثور ج 6 ص 291) وكلاهما للسيوطي الشافعي: عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه و اله وسلم رأي على فاطمة عليها السلام کساءُ من أوبار الإبل وهي تطحن، فبكى وقال: يا فاطمة، اصبري على مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غدا. ونزلت الآية «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى»
6- في باب الهجرة، روى الشيخ المجلسي: وخرج علىُّ عليه السلام بفاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبدالمطلب .. (بحار الأنوار 19: 65/ ح 18 - عن: أمالي ابن الشيخ الطوسي ص 300)

ومَن قَدَّمَت للدِّينِ خِيَرَةَ وُلدِها *** أَعْطَتْ ولَم تَغتَرَّ في دُنياها(1)

عِلمٌ وحِلْمُ عِفَّةٍ ومُروءَهُ *** والصَّبْرُ فِي اللَّاواءِ مِنْ سِيماها(2)

لاَ غَرْوَ إِنْ هِيَ كابَدَتْ أو عُذِّبَتْ *** فَالنَّصْرُ لِلاسْلامِ كُلُّ مُناها

الْعِلْمُ يَنْهَلُ صافياً مِن نَبَعِهِ *** وَالوَحْيُ يَهْبِطُ كَي يُعَلِّمَ طهَ

فَسَقاةُ رَبِّي مِن بُحُورِ عُلُومِهِ *** وَمُحَمَّدٍ لِبَتُولِهِ لَقّاها

وأَبَانَ رَبُّ العَرْشِ أفْضَلَ خَلْقِهِ *** فَاخْتَارَ مِنْهُمْ بَعْلَها وأَباها(3)

قَدْ بارَكَ الرّحْمَانُ آلَ المُصْطَفِي*** فَمُحالٌ آن تَلْقي لَهُمْ أَشْباها(4)

ص: 558


1- بدأت بالمحسن سقطاً ، ومضت بالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وهكذا كلُّهم مقتول أو مسموم، هكذا رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «والله ما بينا إلا مقتولُ شهيد». مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 2: 51)
2- اللأواء: المصيبة. والسِّيماء: العلامة. وأراد هنا من أخلاقها وشمائلها.
3- روی: ابنُ المغازلي الشافعي في (مناقب علي بن أبي طالب ص 101/ ح 144)، والحمويني الشافعي في ( فرائد السمطين 1: 92/ ح 61)، والقندوزي الحنفي في (ينابيع المودة لذوي القربى 3: 299 ح 33 - الباب 73) عن أبي أيوب الأنصاري قال : إن النبي صلي الله عليه و اله و سلم مرض، فأنه فاطمة رضي الله عنها وبكت، فقال: «يا فاطمة، إن لكرامة الله إيال زَوُجك من هو أقدمهم سلمة، وأكثرهم علما. إن الله تعالی أطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختارني منهم فجعلني نبيا مرسلا ، ثم اطلع ثانية فاختار منهم بعلبي فأوحى إلى أن أزوجه إياك وأتخذه وصيّاً يا فاطمة ، منا خير الأنبياء .. وهو أبوك، ومنّا خير الأوصياء .. وهو بعلّک ، ومنّا خيرُ الشهداء وهو حمزه عُمُّ أبيك، ومنّا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث شاء .. وهو جعفر ابن عمَّ أبيك ، ومنّا سبطا هذه الأمة وسيدا شباب أهل الجنّة الحسن والحسين وهُما ابنا ، والذي نفسي بيده ما مهدیُّ هذه الأمة وهو من وُلدک».
4- رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: «نح - أهل البيت - لا يُقاشُ بنا أحد». (علل الشرائع 177/ ح 2 - الباب 161) ومن قبل .. قال أمير المؤمنين عليه السلام: «نحن - أهل البيت - لا يُقاس بنا أحد، فيما نُزل القرآن، وفينا معن الرسالة» . ( عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 66/ ح 297 - الباب 31)

ومُقَدِّرٌ فِي عِلْمِ غَيْبِ إلهِنا *** هُمْ سَادَةُ البَطْحاءِ مُنْذُ دَحاها(1)

زَهْراءُ رُوحِي وَهيَ بَضْعَةُ أَحْمَدٍ*** يَأَوِي لها يُؤْذِيهِ مَنْ آذاها(2)

أَعْطَتْ سِنينَ حَياتِها إِسْلامَها *** وَ يَزِيدُ عَنْ ذاكَ العَطاءِ جَزاها(3)

فَسَقي هَواهُ دَماً لِفِلْذَةِ قَلبِها *** ورَمِيَ بِظَاهِرِ جِلِّقٍ أَسْراها(4)

ص: 559


1- دحاها : خلقها وسواها مدحية.قال سلمان الفارسي رضوان الله عليه: كان الحسين على فخذ رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، وهو يقبله ويقول له: «أنت السيد ابن السيد، أبو السادة. أنت الإمام ابن الإمام، أبو الأئمة. أنت الحجة اب الحجة، أبو الحجج .. تسعة من صلبك، وتاسعُهم قائمهم» . ( بحار الأنوار 10: 82 - الطبعة الحجرية)
2- في كتاب ( بحار الأنوار، ج 43، ص 25/ ح 23، ط 2 - مؤسسة الوفاء): «... قال النبي صلي الله عليه و اله و سلم: من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي ، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي . ومن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ، وهو قول الله : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا »(سورة الأحزاب : 57).
3- يزيد: هو يزيد بن معاوية لعنه الله . جَزاها بأن قتل فلذات كبدها المقدّس!
4- جلّق : دمشق وغوطتها.بعث ابن زياد رسولاً إلى يزيد يخبره بقتل الحسين ومن معه، وأن عيال الحسين في الكوفة (أسرى) ينتظر أمره فيهم، فعاد الجواب بحملهم والرؤوش معهم ! (اللهوف على قتلي الطفوف للسيد ابن طاووس 95، 97) وفي أول يوم من صفر (سنة 61ه) دخل السبايا دمشق، فأوقفوا على باب الساعات، وقد خرج الناس بالدفوف والبوقات وهم في فرح وسرور.. وكان يزيد جالسا في منظرة على «جيرون»، فلما رأى السبايا والرؤوس على أطراف الرماح، وقد أشرفوا على جيرون، نوب غراب، فأنشأ يقول: لما بدت تلك الحمول وأشرقت *** تلك الرؤوش على شفا جيرون نعب الغراب فقلتُ : قُل أو لا تقل *** فلقد قضيتُ من الرسول دُيوني (يراجع: الآثار الباقية للبيروني ص 331، المصباح للكفعمي 269، تقويم المحسنين للفيض الكاشاني ص 15، تاريخ الطبري 6: 266، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2: 61)

لا أَنْ تَكونَ فواطِمٌ أُسْطورَةً *** أَوْ صَفْحَةُ كَفُّ القَضاءِ طَواها

يَكْفِي لِفاطِمَ أَنْ نَقولَ بِمَدْحِها: *** لَمْ يَبْقَ دِينُ مُحَمَّدٍ لَوْلاها

***

يَا آيَةُ حَوَتِ الفَضائِلَ كُلُّها *** مِنْكِ القَصائِدُ أُلْهِمَتْ مَعْناها

فَضَائِلُ الزَّهراءِ يُعْيِي حَصْرُها *** عَبَثاً يُحَاوِلُ مُدَّع إحصاها(1)

مَهْمَا وَصَفْتُ فَإِنَّ شِعْرِيَ قَاصِرٌ *** فَالْوَصْفُ يَعْجَزُ عَنْ بُلُوغِ مَداها

لاَ لَنْ تَكُونَ كمَا آدَّعى أَعْداؤُها(2) *** زَهْرَاءُ أَعْظَمُ أَنْ يُنالَ عُلاها

فَوَلاؤُها فَرْضٌ بِأَعْناقِ الوَرى *** وَقُلوبُنا لاَ تَرْتَضِي بِسِواها(3)

اِمْنَحْ إِلَهِي رَحْمَةً أَبْنَاءَهَا *** شَفِّع بِنَا يَوْمَ الْحِسَابِ أَبَاهَا

أَيْتامُها نَحنُ الضِّعافَ وحِزْبُها *** لَمْ نَدرِ ما دَرْبُ الهُدى لَوْلاها

كَمْ زادَنا عِزّاً بِفَاطِمَ عِنْدَما *** أُمّا لِنَفْسِ مُحَمّدٍ أسْماها(4)

مَهْما أَقمْنا فَالحَياةُ هُنَيهَهُ *** وَالرُّوحُ رَاجِعَةٌ إِلَى مَوْلاها(5)

وَاللَّهُ أنْزَلَ في جَلِيلِ كِتابِهِ: *** نَفْسُ الشَّقاوةِ خابَ مَنْ دَسّاها(6)

ص: 560


1- يعيي حصرها: يُعجز المرء تعدادُها إحصاها : إحصاءها.
2- أي لن تكون امرأة عادية كما يدعي أعداوها الجُدُد، بل هي أعظم من أن يُنال عُلاها.
3- جاء في كتاب ( دلائل الإمامة للطبري الإمامي ص 28، ط الثالثة - منشورات الرضي):ولقد كانت عليه السلام مفروضة الطاعة على جميع من خَلَق الله من الجن والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة ..». انظر كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص 172 ح 1.
4- حيث سماها النبي صلي الله عليه و اله و سلم امُّ ابيها
5- الهُنيهة : القليل من الزمان. وفي كتاب الله تعالى : «إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى» (سورة العلق : 8).
6- إشارة إلى قوله تعالى (ونَفْسٍ ومَا سِوَاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وتَقَواهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاها وَقَد خابَ مَن دَساها.) فمزکّوها هم أتباع أهل البيت، ومُدسُّوها هم أعداؤهم.

أَمَّا التَّقَىُ فَفي النَّعيمِ مُقامُهُ*** قَدْ فازَ كُلُّ مُوَحِّدٍ زَكَّاها

فَمُبَارَكٌ يَا آل أَحْمَدَ عَيْشُكُمْ*** فَنُفُوسُكُمْ وَجَدَت هُناكَ حِماها

فَالصَّدْرُ في دَارِ الخُلُودِ لاَحَمْدٍ *** ويَطُوفُ حَيْدَرُ حَؤْلَهُ وابناها(1)

رَبّاهُ عَهْداً لَنْ نَحِيدَ بِخَطْوَةٍ *** لَنُتَابِعَنَّ السَّيْرَ فِي مَسراها

فَحَياتُها مِنْهاجُنا ونَجَاتُنا *** ومَدَى الحَيَاةِ سَنَقْتَدِي بِهُداها

مَن يُرضِها يَظْفَرْ بِجَنَّةِ رَبِّهِ*** فَرِضَى البَتُولَةَ مِنْ رِضى مَوْلاها

ص: 561


1- أرادت من الصَّدر: الصَّدارة والتقدّم.

(4)حَرَّ الفؤاد

(بحر الخفيف)

الشيخ قاسم مُحيي الدين

كَيْفَ تَنْسِي مُصابَ بَضْعَةٍ طهَ *** إِذْ دَهاها مِنَ الأَسْي مَا دَهاها ؟(1)

أَنْحَلَتْ جِسْمَهَا الرَّزايا فَاَبْدَتْ *** لَهفَ نَفْسِي لِما بِها شَكواها(2)

وَأَقَامَتْ بِهَا الدَّواهِي كُرُوباً *** لَم يُطِقْ حَمْلَ بَعْضِهِنّ سِواها(3)

وَبِهَا الحُزنُ مُنذُ شَبَّ زَفِيراً *** مُصْعِداً صَوَّبَ الدُّموعِ مِياها(4)

فَهِيَ رَهْنٌ لِلْمُرْجِفاتِ الّتي قَدْ*** أَوقَدَتْ نارَها وَاَبدَتْ اَساها(5)

قَد اَبي قَلْبُها السُّلُوَّ فَاَمَسَتْ *** وهِيَ حَرَّي الفُؤادِ تَنْعي أَباها(6)

اَحْرَقَتها أَحْشاؤُها حَيْثُ قَدْ أَنْ*** فَدَتِ الدَّمْعَ فِي سَبِيل بُكاها

وَدَهاهَا القَضا بِكُلِّ مُلِمِّ *** مُؤْلِمٍ والجَوي أَبادَ قُواها(7)

أَؤْهَنَتْهَا الخُطُوبُ لَمّا رَمَتها *** بِعَظِيمِ الأَسِي وَطُولِ عَناها

ص: 562


1- دهاء الأمر: أصابه.
2- الرزايا: جمع رزية، وهي المصيبة.
3- الدَّواهي : جمع داهية، وهي المصيبة الكبرى.
4- صَوبَ الماء : صَبهُ وأراقه. أي أنَّ الحزن صَعدَ زفيراً من القلب فنزل دموعاً من العين.
5- المُرجفات: الأخبار الكاذبة، أو التُّهم والأباطيل. أو المصائب المحرِّكة المهيجة.
6- السُّلؤُّ: النِّسيان.
7- الجَوي: الهَمُ وشدّة الحزن .

فَكَاَنِّ الهُمُومَ نَبْلُ قَسِيٍّ *** وَكَّانٌ اَلْمَرْمِي لها أَحْشاها(1)

شابَ مِنْها الوِردَ الرّدي بِرَزايا *** شابَ مِنْها لَمّا دَهَتْ فُوداها(2)

ذابَ مِنْها فُؤادُها وَحَشاها *** لمْ يَزَلْ مِنْ جَواهُ رَهْنَ لَظاها(3)

أَحْرَقَتْها نِيرانُها فَاَذالَتْ *** أَدمُعاً تُشْبِهُ الحَيا عَيْناها(4)

إِنّ فِي قَلْبِها جِراحاتِ حُزنٍ *** لَيْسَ تَوسي وَقَدْ أَطَالَتْ اَساها(5)

لَوْ تَرَاهَا وَهْيَ الشَّجِيهُ حُزْناً *** ومُمِضُّ الأَسقامِ قَد اَضْناها

وَهِيَ تَبْكِي بُكَاءَ فَاقِدَةِ اَلصَّبْ*** رِ لِما قَدْ أَلَمَّ عزَّ عَزاها(6)

شَأْنُهَا النَّوْحُ مُذْ يَدُ الخَطْبِ شَجواً*** قَدَحَتْ نَارَها بِزِندِ جَواها(7)

حَرَّ قَلبِي لَها وقَد أَسلَماها *** لِمُلِمٍّ مِنَ الأُسي جِبتاها(8)

ص: 563


1- شبه الهموم بنبال الأقواس؛ جاءت جمعة، وجاءت نافذة تنغرس في الأبدان فتثبت ، بل في القلوب إذ أصبحت هدف تلك السهام، فتمزقها؟
2- شابه : خلطه وكَدرهُ. والورد: الماء الذي يُورّد. وشاب الثانية: ظَهَر في شعره الشيب. فوداها: الفودان جانبا الرأس، أو الشعر الذي في الجانبين .
3- الجوي : الحزن . اللّظى : الالتهاب والاشتعال.
4- أذالت: أرسلت وأسبلت. الحَيا: المطر.
5- توسی: تُداوی.
6- ألم : نَزَلَ ودهی. عَزَّ: فُقد وقل . والعزاء: الصبر.
7- كان فيما أنشده عليها السلام بعد وفاة أبيها رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت *** منا العيون بتهما لها سَكبُ بحار الأنوار 196:43 / ح 27 - عن: مناقب آل أبي طالب). وكانت صلوات الله عليها تأخذ بالبكاء ليلّها ونهارها، لا ترقأ لها دمعة، ولا تهدأ لها زفرة! (بحار الأنوار 63: 177/ ح 15)
8- الجبتان : الجبت والطاغوت، غُلب أحدهما على الآخر، وهما الأول والثاني ، وقد ذكرا في أول دعاء صَنَمي قريش بقول أمير المؤمنين عليه السلام: «اللهمّ العن صنمي قريش وجبتيها و طاغوتيها».

اَبعَداها عَن فَيئِها غَصَباها *** نِحلَهَ المُصطَفي وَما وَرَّثاها(1)

قَصَدا دارَها عِناداً وَحِقْداً *** بِأَفَاعِيلِ مُنْكَرٍ أضمَراها(2)

اَحْرَقا بَيْتَها وَ قَد اَسْقَاطاها *** مُحْسِناً بِالَّذِي بِهِ روَّعاها(3)

كَسَرا ضِلْعَهَا مُذِ انْتَهَزاها *** فُرْصَةً بَعْدَ أَنْ اباحا حِماها

نَثَرا قُرْطَهَا آنْتِثارَ عُقُودِ الد*** دَمْعِ مِن عَيْنِها لِفَرْطِ بُكاها

خَرَقا صَكَّها عُتُوّاً وكُفْراً *** لَطَما خَدَّها وَلَم يَرعَياها

قَصَداها بِكُلِّ هَوْلٍ مُلِمٍّ *** وَبِسَؤُطِ الزَّنِيمِ قَد أؤجَعاها(4)

غَصَبا بَعْلَها وَما راعَياءُ *** لا وَعَليائِهِ وَلا رَاعياها(5)

ص: 564


1- قال ابن أبي الحديد المعتزلي : وأقطع عثمان مروان فدك، وقد كانت فاطمة عليها السلام طلبتها بعد وفاة أبيها صلي الله عليه و اله و سلم : تارة بالميراث، وتارة بالحلة .. فدُفِعت عنها! (شرح نهج البلاغة 1: 198) وكتب الحلبي : في كلام سبط ابن الجوزي أن أبابکر کتب لفاطمة عليها السلام بفدك، فدخل عليه عمر قائلا: ما هذا ؟ قال :كتبته لفاطمة بمیراثها من أبيها، فقال له عمر: بماذا تنفق على المسلمين وقد حاريثك العرب كما ترى ؟! ثم أخذ الكتاب فشقه ! ( السيرة الحلبية 3: 362، ط دار إحياء التراث العربي بيروت)
2- أراد أن أفاعيلهم كانت مخططة من قبل، وقد كتبوا فيها كتاباً نقذوه بعد وفاة النبي صلي الله عليه و اله و سلم.
3- قال ابن أبي الحديد قرأت هذا الخبر (خبر هبار) على النقيب أبي جعفر، فقال : إذا كان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أباح دم هبار بن الأسود؛ لأنه روع زينب بنت النبي صلي الله عليه و اله و سلم فألقت ذا بطنها ، فظاهر الحال أنه لو كان حيا لأباح دم من روع فاطمه حتى ألقت ذا بطنها ! ( شرح نهج البلاغة 14:(193)
4- تقدمت الروايات والأحاديث والنصوص في إحراق الدار وإسقاط المحسن وترويع فاطمة، وكسر الضلع، ولطمها وانتثار قرطها، وتخريق صگها و کتابها، ولطم خدها، وضربها بالسوط.
5- منه صلوات الله عليه غصبوا خلافته، ومنها صلوات الله عليها غصبوا «فدكاَ»! قال ابن أبي الحديد: سألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربيّة ببغداد، فقلت له: أكانت : فاطمة صادقة ؟ (أي فيما طالبت أبا بكر بحقها في فدك بعد أن استولى عليها وأخرج عمالها) قال: نعم. قال: فقلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك) وهي عنده صادقة ؟! فتبسم الفارقي ثم قال کلامة مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته، قال : لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها، جاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة، وزحثه عن مقامه ، ولم يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء؛ لأنه يكون قد سجل على نفسه أنها صادقة فيما تدعي ، كائنا ما كان، من غير حاجة إلى بينة أو شهود؟ علق بعد ذلك ابن أبي الحديد قائلا: هذا كلام صحيح (من الفارقي)، وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل ! ( شرح نهج البلاغة 16: 286) وهذا يعني أن أبا بكر، لكي يحفظ ما اغتصبه لنفسه، التجأ إلى تكذيب الزهراء عليها السلام ورد شهودها وإن كان فيهم الإمام علي والحسن والحسين عليهما السلام ، فيغلق الباب على نفسه من الإحراجات التي تفضحه وتسقطه، وقد تعزله! وفي فعله هذا العار والشنار في الدنيا، وحر النار في الآخرة .

لَمْ تَزَلْ بِالهَوَانِ بَعْدَ أَبِيها *** حَيثُ سِيمَتْ ضَيْماً تُقاسِي أَذاها(1)

أَخْرَجَتْ بَعْلَها يُقادُ هَواناً *** أُمَّةً مَا اهْتَدَتْ فَمَا اَشْقاها

قَعَدْت مُذْ رَأَتْ حِماها أَسِيراً *** بِيَدَي كُلِّ مُلْحِدٍ مَا رَعاها

شَأْنُها النَّوْحُ وَ البُكا لا تَرِي مِن*** مَفزَعِ غَيْرَ نُوحِها وبُكاها

حَرَّ قَلْبِي لَها وَقَد مَنَعُوها *** أَنْ تُطِيلَ الأَسْيَ وتَبْكِي اَباها(2)

فَهيَ مُنْهَدَّهُ القُوي بِمُصَابٍ *** جَلَّ وَقْعاً والسُّقمُ قَدْ أَضْناها

لا تَلُمْهَا إِنْ أَعْوَلَتْ بِنَحِيبٍ *** أَوْ أَذالَتْ دُمُوعَها مِنْ حَشاها(3)

ص: 565


1- وهي التي أنشدت تخاطب أباها صلي الله عليه و اله و سلم ضاقت علي بلاد بعد ما رحبت *** وسيم سبطاك خسفا فيه لي نصب بحار الأنوار 43 : 196/ ح 27 - عن مناقب آل أبي طالب).
2- تقدمت الروايات في جر أمير المؤمنين عليه السلام مرمومة للبيعة، وأن فاطمة ظلت تبكي فمنعها القوم حتى بنى لها أميرالمؤمنين عليه السلام بيت الأحزان.
3- أذالت الدمع: سكبته وسفحته.

حَيْثُ قَدْ رَوّعُوا حِماها وَفِيها *** أَوْدَعُوا حُرقَهً يَشُبُّ لَظاهَا

فَقَضَتْ نَحبَها وشَيَّعَها خَيْ***رُ إمامٍ وفي الدُّجِيِّ واراها(1)

دُفِنَتْ بِنْتُ أَحْمَدَ الطُّهْرِ سِرّاً *** وبِرَغمِ العَلياءِ عَفّي ثَراها

***

يا إِمامَ الهُدى إلامَ التَّغاضِي ***والعِدى قَدْ عَدَوْا عَلَى أَبْناها

قَتَلُوا المُجْتَبى وَأَردَوْا حُسَيْناً *** دامِيَ النَّحْرِ مُودَعاً غَبْراها(2)

قَدْ كَسَتةُ اَلدَّما بُرُوداً بِنَفْسِي *** مَنْ غَدا رَهيناً بِفَتْكِ ظُباها(3)

نَهَبَت شِلْوَهُ المَواضِي وأَرَدت*** هُ صَرِيعاً مُؤَسَّداً رَمَضاها(4)

رَفَعَتْ رَأْسَهُ عَلَى الرُّمْحِ جَهْراً *** وَسَبَتْ نِسوَةً يَعُزُّ سِباها

ص: 566


1- بعد أن غسلها أمير المؤمنين عليه السلام، وأعانته أسماء بنت عميس، وأمر الحسن والحسين عليهما السلام أن يُدخلا إليه الماء، ودفنها ليلا وسوى قبرها، فعُوتب، فقال : بذلك أمرتني .. (کشف الغمة للإربلي 1: 498 - عنه: بحار الأنوار 185:43 / ضمن ح 18)
2- الغبراء: التراب، أراد أنهم لم يدفنوه عليه السلام بل تركوه عرياناً على رمضاء کربلاء
3- الظُبي : السيوف الحادة ، الواحدة ظَُبّةُ.
4- الرمضاء : الصحراء الحارة.

(5)بضعة المصطفى

(بحر الخفيف)

الشيخ كاظم الأُّزریّ(1)

ص: 567


1- الشيخ ملا کاظم بن محمد بن مهدي الأُّزريّ البغدادي. ولد المترجم الشيخ كاظم الأُّزریّ في بغداد سنة 1143 ه على الأصح، ولم تزل داره التي ولد فيها قائمة في محلة (رأس القرية من بغداد. وقد جاء لقب الأُّزریّ من جدهم، وهو محمد بن مراد بن المهدي بن إبراهيم بن عبدالصمد بن علي التميمي البغدادي، الذي لقب الأُّزریّ لأنه كان يتعاطى بيع الأر المنسوجة من القطن والصوف. درس العلوم العربية والفقه والأصول على فضلاء عصره، لكنه أولع بالأدب وأخذ ينظم الشعر ولم يبلغ عشرين عاما، وكان سريع الخاطر حاضر النكتة وقاد الذهن قوي الذاكرة، روى له نوادر كثيرة. وكان المترجم محترماً لدى العلماء والوجهاء من أبناء عصره، حتى أن السيد مهدي بحرالعلوم كان يقدمه على كثيرين من العلماء؛ لبراعته في المناظرة، ولطول باعه في التفسير والحديث، ولاطلاعه الواسع على التاريخ والسير . وقيل : كان لا يفارقه السلاح ليلا ونهارا ؛ خشية على نفسه من أعدائه. وفي سنة ألف ومائة ونيف وستين من الهجرة حج بيت الله الحرام، وله في حجه قصيدة مطلعها: أنخ المطئَّ فقد وفدت على الحِمی *** والثِم ثَراه مُحيياً ومُسلِّما ويُعد المترجم شيخنا الأُّزریّ من مفاخر الأدباء والشعراء، وأكثر الخبراء بالأدب يَعدون الشيخ كاظم الأُّزریّ في طليعة شعراء العراق ومن فحولهم البارزين، وهو يتمتع بمكانة سامية في كافة الأوساط الأدبية، ولم يكن في بغداد أشعر منه منذ نهاية العصر العباسي حتى عهده الذهبي ، وقد تشهد لذلك قصيدته الهائية المعروفة (لمن الشمس في قباب قباها). تُوفي الشيخ الأُّزریّ في غُرة جمادى الأولى سنة 1211 ه ببغداد، ودُفن في مقبرة أسرته في الكاظمية تجاه المقبرة المنسوبة إلى الشريف المرتضی رحمه الله.

لِمَنِ الشَّمْسُ فِي قِبابِ قِباها *** شَفَّ جِسمُ الدُّجِي بِرُوح ضِياها(1)

ولِمَنْ هذِهِ المَطايا تَهادِي؟! *** حَيٌ أَحْياءَها وَحَیِّ سُراها(2)

يَعمَلاتٌ تُقِلُّ كُلَّ غَرِيرٍ *** قَد حَكَتْهُ شَمْسُ الضُّحِي وحَكاها(3)

مَا أَرانِي بَعْدَ الأَحِبَّةِ إِلّا *** رَسْمَ دَارٍ قَدِ اِنْمَحي سِيماها(4)

كَمْ شَجَتنی ذاتُ الجَناحِ سُحَيْراً *** حِينَ طارَ الهَوي بِها فشَجاها(5)

ذَكَّرَتْني وَمَا نَسِيتُ عُهُوداً *** لَوْ سَلا المَرْءُ نَفْسَهُ مَا سَلاها

نَبَّهَتْ عَيْنِيِ الصُّبابَةِ والوَجْ*** دُ وإنْ كانَ لَمْ يَنَمْ جَفْناها(6)

فَتَنَبَّهَتُ لِلَّتي هِيَ أَشْقَي *** والهَوي لِلْقُلُوبِ أَقْصِي شَقاها

يَا خَلِيلِي كُلُّ باكِيَهٍ لَمْ *** تَبْكِ إِلاَّ لِعِلَّةٍ مُقْلَتاها(7)

لاَ تَلُوما الوَرْقاءَ فِي ذلِكَ الوَجْ*** دِ لَعَلَّ الَّذِي عَراني عَراها(8)

وأصابني

ص: 568


1- قباب : جمع القُبة، وقباها : مخففة «قبائها» اللباس المعروف، أو هي بالضمّ المنطقة المعروفة التي فيها مسجد قُباء. شفُّ: ضعف ونحف ورقُ فظهر ماوراءه .
2- تَهادئ : تتهادئ أي تتمايل في مشيها. سُراها: رحيلها في اللَّيل.
3- اليعمُلات: النُوق المطبوعة على العمل. الغرير: الشاب الحسن.
4- سيماها: ملامحها.
5- ذات الجناح: الحمامة.
6- الصَّبابة : الشوق. الوجد: شدّة الشوق.
7- يا خليلي : يا صاحبي الحبيبين، هكذا اعتاد الشعراء يخاطبون، ليكون الصاحبان والخليلان مع الشاعر ثلاثة، وهي أقل الصُّحبة بين الإخوان في عُرف الناس، يتحادثون ويُفضي كلُّ شكواه إلى صاحبيه . والعلّة هنا: السبب. والمقلتان : العينان.
8- الورقاء: الحمامة، أو التي يضرب لونها إلى الخُضرة، وتُشبَّه بها النفس. وعراني:دهاني

خَلَّياها وشَأنُها خَلَّياها *** فَعَساها تَبُلُّ وَجْداً عَساها(1)

كَانَ عَهدِى بها قَرِيرَةَ عَيْنٍ *** فَاسْأَلاها بِاللَّهِ مِمَّ بُكاها؟

لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْحَمائمِ نُؤحِي *** أَمْ لَدَيْها لَواعِجِي حَاشاها؟(2)

إلى أن يقول:

نَقَضُوا عَهْدَ أَحْمَدٍ فِي أَخِيهِ *** وأَذاقُوا البَتُولَ ما أَشْجاها

وَهِيَ العُرْوَةُ الّتی لَيْسَ يَنْجُو *** غَيْرُ مُستَعصِمٍ بِحَبْلٍ وَلاها(3)

لَمْ يَرَ اَللَّهُ لِلنَّبُؤَةِ أَجْراً *** غَيْرَحِفْظِ الوِدادِ في قُرْباها(4)

ص: 569


1- يخاطب صاحبيه أن يدعا تلك الورقاء تبث أشواقها في هديلها الحزين، عسى أن يبرد فؤادها عسي!
2- اللواعج: جمع لاعج وهو الهوى المُحرق. مهما ناحت الحمائم فلا تُدرك نوحي، ولن تبلغ أشواقي.
3- في الحديث القدسي الشريف .. قال الله تعالى لآدم عليه السلام: «يا آدم، هؤلاء (الخمسة : محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم) صفوتی من خَلقی ، بهم أنجيهم (أي الخلق) وبهم أهلكهم، فإذا كان لك إلى حاجة فيهؤلاء توسَّل . قال النبي صلي الله عليه و اله و سلم: نحن سفينة النجاة، من تَعلق بها نجا، ومن حاد عنها هلك . (فرائد السمطين للجويني الشافعي 1: 36)
4- إشارة إلى قوله تعالى : ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةُ فِي اَلْقُرْبَى) جاء عن الفخر الرازي في تفسيره ج 27 ص 166)، و (مجمع الزوائد ج 7 ص 103) عن ابن عباس قال: لما نزل قوله تعالى : وقل لا أسألكم...» (سورة الشورى: الآية 23) قالوا: يا رسول الله ، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال صلي الله عليه و اله و سلم : «على وفاطمة وابناهما». وكتب أحمد بن حنبل إمام الحنابلة في (فضائل الصحابة 2: 999/ ح 1161) بسنده عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزلت الآية ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةُ فِي اَلْقُرْبَى) قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال النبي صلي الله عليه و اله و سلم : «علي وفاطمة وابناهما». . (يراجع أيضا: مختصر تاریخ دمشق، لابن عساکر 7: 13): وفي (الدر المنثور 7: 300) كتب السيوطي الشافعي : أخرج أبو نٍعيم والديلمي من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةُ فِي اَلْقُرْبَى)أن تحفظوني في أهل بيتي وتودّوهم بي».

لَسْتُ أَدْرِي إذ رُوِّعَتْ وَهْيَ حَسْرئ *** عانَدَ القَومُ بَعلَها وأباها

يَومَ جَاءَتْ إلی عَدِیُّ وتَيم *** وَمِنَ الوَجْدِ ما أَطالَ بُكاها

فَدَعَتْ و آشتَكَتْ إلی اللهِ شَجواً*** وَالرَّواسِی تَهتَزُّ مِنْ شَكواها(1)

فَاطْمَاَنَّتْ لَهَا القُلُوبُ وَكادَت*** أن تَزُولَ الأَحقادُ مِمَنْ حَواها(2)

تَعِظُ القَوْمَ في أَتمِّ خِطابٍ ***حَكَتِ المُصْطَفی بِهِ وَحَكاها(3)

ايُّها القَوْمُ راقِبُوا اللهَ فينا ***نَحنُ مِن رَؤضَةِ الجَلِيلِ جَناها(4)

ص: 570


1- الرواسي : الجبال الراسخة.
2- وذلك لبلاغتها و قوة حجتها، غير أن الشيطان ركبهم فلم يتعظوا بوعظ الله ووعظها .
3- حكته: شابته، حكاها: شابهها. وقد جاء عنه صلي الله عليه و اله و سلم أيضا قوله: «أنت مني وأنا منك». ( مناقب الإمام علي عليه السلام لابن المغازلي الشافعي ص 39 - ط المكتبة الإسلامية بطهران)
4- روی أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر البغدادي (ت 280 ه . من علماء السنة) في كتابه ( بلاغات النساء ص 14 - ط الحيدرية) بسند ينتهي إلى الشهيد زيد بن علي ( السجاد عليه السلام)، عن عمته زينب بنت الحسين لا قالت: لما بلغ فاطمة عليها السلام إجماع أبي بكر على منعها فدكاَ، لاثت خمارهای وخرجت في حشدة من نسائها .. (ورت الخطبة الفدكية الشريفة، جاء فيها قول فاطمة الزهراء عليها السلام :) .. ونحن بقية استخلفنا (أي النبي صلي الله عليه و اله و سلم ) عليکم، ومعنا کتاب الله بينة بصائره، وآي فينا منکشفة سرائره، وبرهان منجلية ظواهره ... ففرض الله الإيمان تطهيرة لكم من الشرك ... والعدل تنكة للقلوب، وطاعتنا نظاما ، وإمامتنا أمنا من الفرقة، وحبنا عؤا للإسلام ... فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأطيعوه فيما أمركم به وتهاكم عنه ، فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماء .» . ( يراجع أيضا: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 78 - ط القاهرة و 4: 92، أعلام النساء لكحالة 3: 1208 . ط دمشق)

نَحْنُ مِنْ بَارِي السماواتِ سِرٌّ *** لَوْ كَرِهْنا وُجُودَها ما بَراها

بَلْ بآثارِنا وَلُطفِ رِضانا ***سَطَح الأَرْضَ وَالسَّماءِ بِنَاها

وبِأَضْوائِنا الّتي لَيْسَ تَخْبُو ***حَوَتِ الشُّهُبِ مَا حَوَتْ مِنْ ضِياها(1)

واعْلَمُوا أنَّنَا مَشاعِرُ دِينِ إِل***لَّهِ فِيكُمْ فَأَكْرِمُوا مَثْواها

وَلِّنا مِن خَزائِنِ الغَيْبِ فَيضٌ*** تَرِدُ المُهْتَدُونَ مِنْهُ هُداها

إِنْ تَرُومُوا الجِنانَ فَهي مِنَ اَللّ***َهِ إلينا هَدِيَّةٌ أَهْداها(2)

هِيَ دَارٌ لَنا وَنَحنُ ذَوُوها ***لا يَرى غَيْرُ حِزْبِنا مَرْآها

وَكذاکَ الجَحِيمُ سِجنُ عِدانَا ***حَسْبُهُمْ يَؤمَ حَشرِهِ سُكْناها

أَيُّها النَّاسُ أَيُّ بِنْتِ نَبِيٍّ *** عَنْ مَوارِيثِهِ أَبُوها زَواها؟(3)

ص: 571


1- تخبو : تخمد وتسكن وتنطفئ قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : «لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورة ، ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روح، ثم مزج النور بالروح، فخلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين... فلما أراد الله تعالى أن ينشئ خلقه ، فتق نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري ونوري من نور الله، ونوري أفضل من العرش. ثم فتق نور أخي علي، فخلق منه الملائكة ، فالملائكة من نور علي ونور علئ من نور الله، وعلى أفضل من الملائكة . ثم فتق نور ابنتي، فخلق منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة ونور ابنتي فاطمة من نور الله، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض . ثم فتق نور ولدي الحسن، فخلق منه الشمس والقمر، فالشمش والقمر من نور ولدي الحسن ونور الحسن من نور الله ، والحسن أفضل من الشمس والقمر. ثم فتق نور ولدي الحسين ، فخلق منه الجنة والحور العين ، فالجنة والحور من نور ولدي الحسين ونور ولدي الحسين من نور الله ، وولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين» . ( بحار الأنوار 10:15 . 11/ ح 11- عن كنز الفوائد للكراجکي)
2- تروموا: تقصدوا
3- زواها: نحاها ومعها . : في خطبتها الفدكية الشريفة، قالت فاطمة الزهراء لي فيما قالته: «أيها المسلمون ! أغلب على إرثي ؟! يا ابن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ؟! لقد جئت شيئا فريا ! أعلى عملي تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول: في وورث سلیمان داود» (سورة النمل: 19)؟!... وزعمتم أن لا حظوة لي ولا أرث من أبي، ولا رجم بيننا! أفكم الله بأية أخرج منها أبي صلي الله عليه و اله و سلم أم هل تقولون أهل ملتين لا يتوارثان ؟! أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة ؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟!» ( الاحتجاج 1: 131 - 165، ط النجف - عنه: بحار الأنوار 29: 220ح8)

كَيفَ يَزوِي عَني تُراثِي عَتِيقٌ *** باَحادِيثَ من لَدُنْهُ افتَراها؟!(1)

هذِهِ الكُتبُ فَاسأَلُوها تَرَوها*** بالمَوارِيثِ ناطقاً فَحواها(2)

وَيِمَعْنی يُوصِكُمُ الله، أَمرٌ *** شامِلٌ لِلعِبادِ في قُرباها(3)

كَيْفَ لَمْ يُوصِنا بذلِکَ مَؤلا *** نا ، وَتَيماً مِنْ دُونِنا أَوصاها؟!

هَل رَانا لا نَستَحِقُّ اهتِداءٌ *** وَاستَحقَّت تَيْمُ الهُدی فَهَداها؟

ص: 572


1- عندما طالبت الزهراء عليها السلام بفدك على أنها إرثها من أبيها صلي الله عليه و اله و سلم زعم أبو بكر بأنه سمع من أبيها صلي الله عليه و اله و سلم قوله: نحن معاشر الأنبياء لا تورث، ما تركناه فهو صدقة. وعتیق : هو اسم أبي بكر.
2- إشارة إلى بعض ما جاء في القرآن من قوله تعالى : و وورث سليمان داود .. (سورة النحل : الآية 16)، وكذلك قوله تعالى: وَ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًا يَرِثُنِي وَيْرِثُ مِنْ آلِ يعقوب (سورة مريم: الآيتان 5 - 1)
3- جاءت فاطمة الزهراء عليها السلام، إلى أبي بكر فقالت له: أعطني میراثي من أبي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، قال : النبي لا يورث، فقالت: ألم يرث سليمان داود ؟! فغضب وقال معيدة : النبي لا يورث! فقالت : ألم يقل زکريا:وَ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًا يَرِثُنِي وَيْرِثُ مِنْ آلِ يعقوب (سورة مريم : 6)؟! فأعادها أبوبكر ثالثة: النبي لا يورث ! فقالت: ألم يقل ( الله تبارك وتعالى): «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن» ( سورة النساء: 11)؟! فجاء بها أبوبكر رابعة عبارة عمياء: النبي لا يورث !! ( مصباح الأنوار 246- 247)

أَمْ تُراهُ أَضَلَّنا فِي البَرايا *** بَعْدَ عِلْمٍ لِكَيْ تُصِيبَ خَطاها؟ (1)

أَنْصِفُونِي مِن جائِرِينَ أَضاعا*** ذِمَّةَ المُصْطَفَى ومَا رَعَياها(2)

وانْظُروا فِي عَواقِبِ الدَّهرِ كَمْ أَمْ*** سَتْ عُتاةُ الرِّجالِ مَنْ صَرعاها(3)

مَالَكُمْ قَدْ مَنَعْتُمونا حُقُوقاً*** أَوْجَبَ اَللَّهُ فِي الكِتابِ أَداها؟(4)

وَحَذَوتُمْ حَذْوَ اليَهُودِ غَداةَ آت*** تَخَذُوا العِجْلَ بعْدَ مُوسَى إلها(5)

ص: 573


1- أي أن حديث «لا نورث» لو كان حقا لكان النبي بلغه للزهراء وعلي لا لأنهما المعنيان به فلماذا لم يقله لهما وقاله لأبي بكر حسب زعمه ؟! أهو أحق بالهداية منهما والعياذ بالله ، أم أنه صلي الله عليه و اله و سلم، أراد إضلالهما وخطأهما لينازعا في الإرث ثم يتبين خطؤهما والعياذ بالله . فهذه كلها تساؤلات تدل على كذب مزعمة «لا نورث».
2- لما جاءها الرجلان يعود انها من مرضها الذي كانا هما سببه، والذي استشهدت على أثره! قالت الهما: سألتكما بالله الذي لا إله إلا هو، أمعما قول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في حقي : «من آذى فاطمة فقد آذاني، ومن آذانی فقد آذى الله» ؟ قالا : اللهم نعم. قالت: فأشهد أنكما قد آدمانی ! (مصباح الأنوار 269 - عنه: بحار الأنوار 29: 157ح 32)
3- في خطبتها الفدكية الشريفة، قالت صلوات الله عليها: «أما لعمر إلهك ، لقد لقحت، فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتلبوا طلاع القعب دم عبيطة، و عافة مقرة (أي شما مرا)، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما ن الأولون».
4- لعلها : حق الإمام علي عليه السلام في الخلافة، وكذلك حق الزهراء في «فلك»، التي اغتصبت منها بغية بغير حق، وكذلك العوالي ، وكذلك الخمس . بعد الهجوم على الدار والتهديد بإحراقها، قالت فاطمة علي وهي باكية: «اللهم إليك نشكو فقد نبيك ورسولك وصفيك ، وارتداد أمته علينا، ومنعهم إيانا حقنا الذي جعله لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل» . ( الهداية الكبرى 408، بحار الأنوار 19:53)
5- خاطبتهم الزهراء عليها السلام في خطبتها الفدكية؛ إذ جعلت شطرة منها في توبيخهم على تخلفهم ونقضهم عههم مع النبي صلي الله عليه و اله و سلم في بيعة الغدير الكبرى، فقالت: «.. فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهرت فيكم حسكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأنه : من مغرزه هاتفا بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين !..». وكما اتخذ قوم موسى العجل إلها كذلك اتخذ الخائنون أبابکر عجلا لهم.

قد سَلَبتُمُ مِنَ الخِلاقَةِ خَؤداً ***كانَ مِنّا قِناعُها وَرِداها(1)

وَسَبيتُمْ مِنَ الهُدَی ذاتَ خِدرِ *** عَزَّ يَوْماً عَلَی النَّبيِّ سِباها

إن رضِيتُم مِنْ دُونِنا خُلَفاءُ *** لا اشتَفَتْ مِنْ قُلوبِكُمْ مَرْضاها(2)

اَؤ أَبيتُم عُهُودَ أَحْمَدَ فينا *** لا وُقِيتُمْ مِنَ الرَّزايا سُطاها(3)

تَدعُونَ الإسْلامَ إفكاً وَزُوراً *** كَذَبَتْ أُمَّهاتُكُمْ بادِّعاها(4)

اَيُّ شَي ءٍ عَبَدتُمُ إذ عَبَدتُم *** أنّ يُولّی تَيْمٌ عَلَی آل طهَ؟(5)

هذِهِ البُردَهٌ الّتی غَضِبَ ال*** لهَ عَلی کُلِّ مَن سِوانا ارتَداها

فَخُذُوها مَقرُونةً بِشَنارٍ*** غَيرَ مَحمُودَهٍ لَکُم عُقباها(6)

وَاَلَبِسُوها لِباسَ عَارٍ وَ نارٍ *** قَدْ حَشَوْتُمْ بِالمُخْزِیاتِ وِعاها(7)

لَمْ نَسَلكُم لِحاجَةٍ واضطرارٍ *** بَل نَدُلُّ الوَری عَلَی تَقواها

كَم لَنا في الوُجُودِ رَشحَهُ جُودٍ *** يُعجِزُ السَّبعَةَ البِحارَ غِناها

ص: 574


1- الخود: الإمرأة الشابة.
2- دعاءُ عليهم بأن لا يشفوا من داء عمى القلوب.
3- دعاء عليهم أيضا بأن لا ينجوا من سطوة الرزايا وهي شدتها وقهرها.
4- الإفك: الكذب والزور والافتراء. ويقولون : كذبت أمُّه، وهوت أمه، والمراد الشخص لا الأم.
5- ويقولون : كذبت أمه، وهوت أمه، والمراد الشخص لا الأم. في حديث للإمام الصادق عليه السلام في شروط الإسلام قوله: «.. والبراءة من الأحزاب : تيم عبدي وأمنية.. وأشياعهم وأتباعهم». الطف لابن طاووس ص8)
6- الشنار: الشناعة والقبح.
7- وعاها مخففه وعاءها.

عَلِمَ الله أنّنا أهلُ بَيتٍ *** لَيسَ تأوِي دَنِيَّةٌ مأواها(1)

لؤ سَاَلنا الجَلِيلَ إلقاءَ عَدْنٍ *** أَوْ مقاليدَ عَرْشِهِ ألقاها

***

سَعْدُ دَعْنِي وَهَجْوَ سُودِ المَعانِي *** أَكبَرُ الحَمْدِ في مَعاني هِجاها(2)

كَيف تُنْفَی أبنَهُ النَّبِيِّ عِناداً؟! *** لا نَفَی اللهُ مِنْ لَظَی مَنْ نَفاها(3)

ولِأَيَّ الأُمُورِ تُدفَنُ سِرَاً *** بَضْعَهُ المُصطَفی يُعْفَی ثَراها؟(4)

ص: 575


1- أي ليس تأوي دنية لمأواها و مستقها، فمأواها» منصوب بنزع الخافض.
2- أي أن أكبر ما يحصل عليه المرء من الحمد هو في هو أصحاب المعاني السود، فدعني يا سعد وهجوي لهم ولا تلمني على ذلك.
3- نفيت حين اعترض عليها كثرة بكائها، إذ قالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك ! فكانت عليها السلام تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي ، ثم تنصرف.. حيث بني لها أمير المؤمنين عليه السلام بيتا في البقيع شمي ببيت الأحزان». (الخصال للصدوق 272/ ح 15 ۔ عنه : بحار الأنوار 43: 150/ ح 1، وأمالي الصدوق 272ح 15 ۔ عنه : بحار الأنوار 63: 155ح 1، وأمالي الصدوق 121 - عنه: بحار الأنوار 43: 155، ومناقب آل أبي طالب 3: 332). وكتب السمهودي في (تاريخ المدينة المنورة 2: 95)، وفي (وفاء الوفا 3: 907): إن الغزالي ذکر استحباب الصلاة في مسجد فاطمة لي بالبقيع، وقال غيره : إنه المعروف به «بیت الأحزان» ؛ لأن فاطمة عليها السلام أقامت فيه حزنها على أبيها صلي الله عليه و اله و سلم . والشطر الثاني من البيت دعاء على من نفاها أن لا ينفيه الله إلى لظى جهنم التي وصفها رب العزة تبارك وتعالى بقوله: «كَلَّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى »(سورة المعارج: .(17-10
4- جرى هذا البيت مجرى الأمثال والحكم. روى الواقدي بإسناده عن عكرمة، قال: سألت ابن عباس: متی فشم فاطمة ؟ قال : دفناها بليل بعد هدأة. قال: قلت: فمن صلى عليها؟ قال: علي عليه السلام. وروى مثله القاضي أبو بكر أحمد بن کامل بإسناده في تاريخه عن الزُهري، وذكر في كتابه في مكان آخر أيضا: أن أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام دفنوها ليلا وغيَّبوا قبرها. وروی: سفيان بن عيينة وعبدالله بن أبي شيبة مثل ذلك. وذكره البلاذري في تاريخه، وقد نقل المرتضئ في (الشافي رواية الطبري في تاريخه ج3 ص260 - حوادث سنة 11 ه)، ونقل كل ذلك ابن أبي الحديد في (شرح النهج ج19) عند شرح كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى عثمان بن حنيف. بعد وفاة الصديقة الطاهرة صلوات الله عليها شهيدة مظلومة .. اجتمع الناس فجلسوا وهم يضجون وينتظرون خروج الجنازة ليصلوا عليها، فخرج أبوذر وقال : انصرفوا؛ فإن ابنة رسول الله قد أخر إخراجها في هذه العشية، فخرج الناس وانصرفوا. فلما هدأت العيون، ومضى شطر من الليل .. أخرجها أميرالمؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهما السلام وعمار والمقداد وعقيل والزبير وأبوذر و سلمان ونفر من بني هاشم وخواصه، فصلوا عليها ودفنوها في جوف الليل، وسوى أمير المؤمنين عليه السلام حواليها قبورة مزورة مقدار سبعة، حتى لا يعرف قبرها؛ لأنها كانت أوصته قائلة: أوصيك ألا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقي ؛ فإنهم عدوي وعدو رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، ولا أن يصلي على أحد منهم ولا ين أتباعهم، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار! (بحار الأنوار 463: 192-193/ ح 20 عن : روضة الواعظين للفتال النيسابوري)

فَمَضَتْ وَهيَ أَعْظَمُ النّاسِ وَجْداً *** فِي فَمِ الدَّهْرِ غُصَّهُ مِنْ جَواها(1)

وثَوَت لا يَرى لَها النَّاسُ مَثْوًي ***أَيُّ قُدسٍ يَضُمُّهُ مَثواها(2)

ص: 576


1- وجدا: حزنا وغضبا. الجوى : شدة الوجد من الحزن. وقد تكرر ذكر الزهراء عليها السلام آنها توفيت وهي واجدة على أبي بكر وعمر! (يراجع على سبيل المثال: صحيح البخاري 5: 177، ط دار التراث العربي - بيروت، السنن الكبرى للبيهقي 6: 300، ط دار صادر - بیروت، تاريخ الطبري 2: 448، ط الأعلمي - لبنان ، دلائل الإمامة للطبري الإمامي 45 - عنه: بحار الأنوار 63: 170/ ح11)
2- مثواها: ضريحها القدسي الطاهر. بعد أن دفنها أمير المؤمنين عليه السلام سرا ليلا، وعفى قبرها، ضج الناس ولام بعضهم بعضا، وقالوا: لم يخلف نبيكم إلا بنت واحدة، تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها و الصلاة عليها، ولا تعرفوا قبرها ؟! ( أهل البيت، لتوفيق أبي علم 185 ۔ عنه: إحقاق الحق للشهيد القاضی نور الله التستري 19: 70)

ثُمَّ هَمَّتُ بِبَعْلِها كُلُّ كَفَّ *** وَاسْتَمدَّتْ له رِقاقَ مُداها(1)

اُمَّهٌ قاتَلَتْ إمامَ هُداها *** يا تُری أيْنَ زَالَ عَنها حَياها؟

کَم أَرادَت إطفاءَ نارِ حُسامٍ *** صاغَهُ اللهُ جَمْرَة لِحَشاها(2)

بأبي مَنْ لَه مَطاعِنُ كفَّ *** لا يُداوی منَ الرَّدی كَلماها(3)

انّ ذاتَ العُلُومِ تُنْمئ جَميعاً *** لِعَلِيّ َ، وَكانَ رُوحَ نَماها(4)

ص: 577


1- الرقاق : الحادّة. المدّى : جمع مذية، وهي الشكين. وقد تآمروا لقتله عليها السلام في السقيفة، وبعد صلاة الفجر بواسطة خالد بن الوليد، وبعد ذلك في الشوری.
2- في خطبتها عليها السلام في نساء المهاجرين والأنصار، قالت: «وما تقموا من أبي الحسن ؟! نقموا والله منه نكير سيفه، وشدة وط، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله عز وجل». (بحار الأنوار 43: 108 - 159، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 236، بلاغات النساء لابن طيفور 19، معاني الأخبار للشيخ الصدوق 356 - 355، وغيرها)
3- كلماها: مجروحوها. عرفت ضربات أمير المؤمنين عليه السلام أنها وثر، أي إذا ضرب لا يثني ؛ لأن ضربته قاتلة لا تداوی .. إذا علا قد، وإذا اعترض قط!
4- كتب ابن أبي الحديد في مقدمة (شرحه لنهج البلاغة ج 1 ص 19 - 20): وقد عرفت أن أشرف العلوم هو العلم الإلهي؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم، ومعلومه أشرف الموجودات، فكان هو أشرف العلوم. ومن كلامه ( أمير المؤمنين ) اقتبس ، وعنه ثقل ، وإليه انتهى ومنه ابتدأ ... ومن العلوم: علم الفقه، وهو عليها السلام أصله وأساسه ... ومن العلوم: علم التفسير، وعنه أخذ، ومنه فع ... ومن العلوم: علم الطريقة والحقيقة، وأحوال التصوف، وقد عرفت أن أرباب هذا الفن في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون، وعنده يقفون ..... ومن العلوم: علم النحو والعربية، وقد علم الناس كافة أنه عليه السلام هو الذي ابتدعه وأنشأه ... وقبل ذلك قال ابن أبي الحديد متحيرة ومعجبا في آن واحد: . ما أقول في رجل أقر له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه، ولا كتمان فضائله ؟!.وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة، وتنتهي إليه كل فرقة، وتتجاذبه كل طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وأبو عذرها، وسابق مضمارها، و مجلي حلبتها، كل من بزغ فيها بعده فمنه أخذ، وله اقتفى، وعلى مثاله احتذئ!

وَكَذا كُلُّ حِكمَةٍ مَكَّنَتُهُ *** مِنْ اَعالِی سَنامِها فَامتَطاها(1)

وَمَتی يُذْكَر النَّدی فَهْوَ لُطفٌ*** إنّ مُحْيِي المَوتی بِه أَحياها

وَلِأَقْدامِهِ تَزولُ الرَّواسِی *** وَالمَقادِيرُ تَقشَعِرُّ حَشاها(2)

وَمَرامِي الأَسرارِ سَدَّةَ سَهمَ ال*** لَهِ مِنهُ لَها ، فما اَخطاها!

کَم لَهُ مِنْ مَواهِبٍ مُردَفاتِ *** هِيَ كَالشّمْسِ لا يَحُولُ ضِياها

ص: 578


1- السَّنام: أعلى ظهر الجمل، ويُكنى به عن العلوّ والرفعة.
2- الرواسي: الجبال .

(6)سُمَّيت فاطمة

(بحر الخفيف)

الشيخ محمد جواد الخراساني

طَلَعَتْ نَجْمَةٌ فَلاحَ ضِياها *** فِي الثَّريِّ وانْتَهَي الثُّريّا بَهاها(1)

أَشْرَقَتْ في حَرِيمِ مَكَّةَ شَمْسٌ *** فَاسْتَنَارَتْ بمَرْوِها وَصَفاها(2)

نَؤَّرَتْ شَمْسُ اَحْمَدٍ إِذْ تَجَلَّتْ *** عَرَفاتٍ ومَشْعَراً وَمِناها

هِيَ شَمْسٌ وَلا تَقُل شَمْسُ كَونٍ *** فِي سَماءِ الهُداةِ شَمْسٌ هُداها

نَجْمَهُ لا كَنَجْمَهٍ فِي سَماءٍ *** هيَ اُمُّ النُّجومِ رُوحِي فِداها

هِيَ واللَّهِ للنُّبُوَّةِ شَمْسٌ *** تُشْرِقُ الوَحْيَ وَالنَّبِيُّ سَماها

هِيَ مِن دَوْحَةِ الوِلايَةِ فَرْعٌ *** وَعَلَيها يَدُورُ قُطبُ رَحاها(3)

ص: 579


1- لاح: ظهر . انتهى الثريا: انتهى إلى الثُريا، أو بلغ الثريا، فهو إما على نزع الخافض، أو على تصمين الفعل اللازم معنی فعل مُتعدُّ.
2- المروة والصفا: جبلان بمكة عند الكعبة المعظمة، يكون السعي بينهما منسكاً من مناسك الحجّ. وحذف الهاء من المروة للتخفيف.
3- الأدَّوحة: الشجرة . روى الحافظ الحسكاني الحنفي في كتابه (شواهد التنزیل 1: 312) عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أنه قال: «أنا شجرة، وفاطمة فرعها، وعلىَّ لقاحها، وحسن وحسین ثمرها، ومحبوهم من أمتي أوراقها». ثم قال : «هم في جنة عدن والذي بعثني بالحق» وفي (أمالي الشيخ الطوسي - عنه: بحار الأنوار 23: 100/ ح 19) جاء عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث شريف له: «.. وهي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى».

هِيَ اُمُّ القُرَيِّ الَّتي بارَكَ اَللَّ*** هُ بِهَا كانَ آمِناً مَنِ اَتاها(1)

هِيَ مِشْكاةٌ عِصْمَةِ اللَّهِ حَقّاً *** قَدْ أَضاءَتْ بِهَا لِذاكَ اصطَفاها(2)

سُمَّيَتْ فَاطِماً لأَنَّ فَطَمَ اَللَّ*** هُ عَنْ جَحِيمٍ مُحِبَّها بِوِلاها(3)

وُلِدَتْ مِنْ خَدِيجَةَ اَلطُّهْرِ طُهْراً *** إِذْ مِنَ الرِّجْسِ رَبُّها صَفّاها(4)

هِيَ في العِلْمِ نُخبَهُ مِنْ أَبِيها *** مَثَلٌ مِنْهُ فِي صِفاتِ حَواها

دَارُها مَهْبِطُ المَلائِكِ لاَ لِل*** ؤْحِي بَلْ لاِقْتِباسِهمْ مِنْ ضِياها

خَدَمُوها مُقَرَّبُوهُمْ كَجِبْرِي*** ل ومِيكالَ آمِلينَ حِماها(5)

ص: 580


1- أمُ القرى : مكة المكرمة. وأراد هنا البيت الحرام، قال تعالى : «وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا»(آل عمران : 97)، عن الصادق عليه السلام: «من أم هذا البيت وهو يعلم أنه البيت الذي أمره الله عزّوجل به وعرفنا أهل البيت حق معرفتنا كان آمنا في الدنيا والآخرة»
2- روى العالم الشافعي ابنُ المغازلي في (مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام317 ح 361) عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام قوله في ظل آية النور: «المشکاة» فاطمة، والمصباح الحسن، والحسين الزجاجة. كأنها کوکب دري ؟ قال عليه السلام: كانت فاطمه كوكبا يا من نساء العالمين .. وأخرجه الحضرمي في رشفة الصادي ص 29 - عنهما: إحقاق الحق 3: 459)
3- في (کنز العمال ج 1 ص 219) و (فرائد السمطين ص 58): قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : «إنما شميت ابنتي فاطمة ؛ لأن الله فطمها و فطم من أحبها من النار»..
4- في كتاب (البحار ج 3، ص19 - 19 : إنما سُميت فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله و سلم الطاهرة»، لطهارتها من كل دنس، وطهارتها من كل رفث، وما رأت قطُّ يوما حُمرة ولا نفاسا. إضافة إلى التطهير المعنوي بمعنی عصمتها عليه السلام و ذلك ما جاء في آية التطهير.
5- دخل أبو ذر الغفاري رضوان الله عليه بيت أمير المؤمنين عليه السلام فرأى الحي تطحن ولا أحد عندها ، فأخبر النبي صلي الله عليه و اله و سلم بما رأى، فقال له: يا أباذر لا تعجب؛ فإن لله ملائكة ، سياحون في الأرض، موكَّلون بمعونة آل محمد. وروي أن الزهراء فاطمة عليها السلام ربما اشتغلت بصلاتها وعبادتها، فربما بکی ولدها فرأى المهد يتحرك، وكان ملك يُحر که ! ( بحار الأنوار 463: 45/ ح 44 - عن: مناقب آل أبي طالب)

بَلَغَت فِي العُلي مَعَاریجَ حَتِّي *** بَدَاَ اَللَّهُ بِاسْمِها حِينَ باهي(1)

فِي مَليكِ السَّما فَبانَ عَلَيْهِمْ *** فَضْلُها وآرْتِفاعُها وعُلاهَا

وَبَدا فَضلُها لَهُمْ اذ دَهَتْهُمْ *** ظُلْمَهٌ قَدْ تَحَيَّرُوا فِي دُجاها

فَعَلَتْ ضَجَّهُ المَلائِك مِنها *** فَاَتاهُم بِنُورِها فَزَواها

فَمِنَ اليَومِ سُمِّيَت في سَماها *** باسْمِ زَهْراءَ حِلْيَةٌ لِسَناها(2)

وتَجَلَّتْ بهِ بِطَيبَهَ دَهْراً *** في غُدُوِّ وَضَحوَهٍ وَ مَساها

أَبْيَضاً أَصْفَراً وأَحْمَرَ لَؤْناً *** حِينَ قَامَتْ لِفَرْضِها ودُعاها(3)

ص: 581


1- باهی : فاخر. وذلك لما سأل جبريل عليه السلام رب العزة تبارك وتعالى في حديث الكساء الشريف: «يا رب ومن تحت الكساء؟ فقال عز وجل: هم أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، هم: فاطمه وأبوها، وبعلها وبوها».
2- في حديث خلق النبي وآله صلوات الله عليه وعليهم، قال:«.. فلما أراد سبحانه أن يبلو الملائكة أرسل عليهم ظ لمة، فكانوا لا يرون أولهم من آخرهم، فضوا بالدعاء قائلين: إلهنا وسيدنا، منذ خلقتنا ما رأينا مثل هذا! فنسألك بحق هذه الأنوار (أي أنوار محمد وعلي والحسن والحسين) إلا ما كشفت عنا هذه الظلمة. فخلق الله نور فاطمة كالقنديل وعلقه بالعرش، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع، فمن أجل هذا شمت با «الزهراء»، وأوحى سبحانه و تعالى إلى الملائكة: إني جاعل ثواب تسبیحکم و تقدیسكم إلى يوم القيامة لمحبي هذه المرأة وتغلها وبنيها ..». (بحار الأنوار 43: 17/ ح16 - عن : إرشاد القلوب للديلمي)
3- سُئل الإمام الصادق عليه السلام: يا ابن رسول، لم سُميت الزهراء عليها السلام زهراء ؟ فقال : لأنها تزهر الأمير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور: كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فشهم، فيدخل بياض ذلك النور إلى جراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم، فيعجبون من ذلك، فيأتون النبي صلي الله عليه و اله و سلم فيسألونه عما رأوا، فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام، فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها، فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة. فإذا انتصف النهار وترتبت للصلاة زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة، فتدخل الصفرة : حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم، فيأتون النبي صلي الله عليه و اله و سلم ، فيسألونه عما رأوا، فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيرونها قائمة في محرابها و قد زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة، فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجهها. فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمر وجه فاطمة عليها السلام فأشرق وجهها بالحمرة فرحة وشكرا لله عز وجل، فكان يدخل حمرة وجهها جرات القوم وتحمر حيطانهم، فيعجبون من ذلك ويأتون النبي صلي الله عليه و اله و سلم ويسألونه عن ذلك، فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبح الله ومجده، ونور وجهها يزهر بالحمرة، فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة عليها السلام، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين عليه السلام( وما زال الكلام للصادق عليه السلام )، فهو يتقلّب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت ، إمام بعد إمام. (علل الشرائع للشيخ الصدوق 180ح 2 - الباب 143)

بَضْعَةُ اَلْمُصْطَفَي أَذاهُ أَذاها *** وَرِضَي اللَّهِ مُنطَوٍ في رِضاها(1)

حُبُّها حُبُّهُ وَحُبُّ رَسولٍ*** بُغْضُها بُغْضُهُ عِداهُ عِداها(2)

لَعَنَ اللَّهُ عُصْبَةً أَنْكَرَتْها *** ظَلَمَتهَا ولَمْ تُرَاعِ أباها(3)

غَصَبُوا النِّحْلَةَ الَّتي خَصَّها اللَّ*** هُ بِها والنَّبِيُّ أَيْضاً حَبَاها(4)

أَحْرَقُوا بَابَ دَارِها وَهيَ تَدْعُو*** مِنْ وَرَا البابِ يَسْمَعُونَ نِداها

ص: 582


1- تقدم مراراً قول النبي صلي الله عليه و اله و سلم: «يا فاطمة، إن الله ليغضب لغضبك ، ويرضى لرضاك».
2- روی ابن قتيبة الدينوري في ( الإمامة والسياسة 1: 13 . ط مصطفى الحلبي - بمصر) أن النبي صلي الله عليه و اله و سلم، قال : «رضى فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني»، وقد شهد أبو بكر وعمر أنهما سمعا ذلك من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم . ( كما روى ذلك كحالة في أعلام النساء 3: 1216 - ط دمشق)
3- في دعاء رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : «اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وأذل من أذلها، وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها». (روی ذلك: الحمويني الشافعي في (فرائد السمطين .(36:2
4- حباها : أي أعطاها بلا مقابل ، أهداها.

عَصَرُوا بابَها عَلَيْها إلى أَنْ ***كَسَرُوا ضِلْعَها وَکَلَّ نِداها(1)

ذَا بِسَوْطٍ وَ ذَا بِنَعْلِ حُسَامٍ ***ذَاكَ بِاللَّوْمِ وَالشِّماتَهِ فَاها(2)

اَسْقَطُوا مُحسِناً وَ قَادُوا عَلِيّاً ***وَ هِيَ مِنْ خَلْفِهِمْ تُنادِي اَباها(3)

عَجَباً مِنْ حَيائِهِمْ مَنَعُوها ***بَعْدَ ذا عَنْ بُكائِها وَرِثاها(4)

يَابْنَهَ اَلْمُصْطَفي فِدّاكِ جَوادٌ ***بِئْسَ مَا قَدْ جَزَوكِ يَا اِبْنَهَ طه(5)

قِصَّهُ العِجْلِ لا تكونُ عَجيباً ***بَعدَما اَحْدَثوا وَسَنّوا اَذاها

ص: 583


1- كل نداها : انقطع صوتها مما أصابها سلام الله عليها.
2- فاة: تكلم ونطق.
3- تقدم تخريج غصب النحلة وإحراق باب الدار وعصر الزهراء عليها السلام وكسر ضلعها وضربها بالسوط، ولكزها بنعل السيف، وجرّهم عليَّاً عليه السلام، ومناداة الزهراء عليها السلام من خلفه.
4- خيروها بين البكاء ليلا أو نهارة، فأخرجها أمير المؤمنين عليه السلام إلى البقيع تبكي أباها صلي الله عليه و اله و سلم ، وبنی لها هناك «بيت الأحزان» تبث فيه أحزانها وعبراتها.
5- جواد اسم الشاعر يُفدی نفسه لمولاته الزهراء سلام الله عليها .

(7)هي البتول!

(بحر البسيط)

السيد مرتضى القزويني

قُمْ وَاسْقِنا مِن كُؤُوسِ الرّاحِ اَحْلاها *** وَ رَوِّنا بِرَحِيقٍ مِنْ حُمَيّاها(1)

وَانْشِدْ لنا مِن اَغانِي الْحُبَّ اَعْذَبَها *** وَغَنِّنا من لُحُونِ البِشرِ اَشْجاها(2)

دَعْنا نَبِيتُ نَشاوى اذ يُجَلِّلْنا *** سِتْرٌ مِنَ اللَّهِ يَمْحُو ما اقْتَرفْناها(3)

نُحْيِي بِها لَيْلَةً قَمْراءَ زَاهِرَةً *** طُوبَى لِمَنْ بِالهَوى وَالحُبِّ أَحْياها

مَا اَسْعَدَ العَيْشَ فيها بَلْ وَاَرغَدَهُ *** مَا اَجْمَلَ الطِّقْسَ فِيها ما اُحَيلاها

لَيْلٌ بِهِ ضاءَتِ الدُّنْيا بِسَيِّدَةٍ *** لَمْ يَخْلُقِ اَللَّهُ هذَا الخَلْقَ لَوْلاها(4)

هِيَ الْبَتُولُ وَما اَحْلَى اسْمَها بِفَمِي*** هِيَ الزَّكِيَّةُ بِنْتُ المُصْطَفى طهَ

اُمُّ اَلْقُرَى ازْهَرَتْ وَالبَرْقُ جَلَّلَها ***حتّى اَحاطَ بِاَقصاها وَاَدناها(5)

ص: 584


1- الراح: الخمرة، ويريد بها خمرة المحبة. الرحيق : الخمر، أو ضربٌ من الطَّيب . الحُميا: سورة الخمر، أو الخمرة نفسها.
2- «وأنشد» إبدال همزة القطع إلى الوصل ضرورة. ولُحون: جمع لحن وهو توقيع الصوت وتنغيمه.
3- نشاوى : سُکاری ، يريد منتشين منتعشين . والضمير في «اقترفناها» يعود للذنوب.
4- تقدم أن الله سبحانه خلق الخلق لأجل الخمسة أصحاب الكساء وأولادهم المعصومين.
5- أم القرى : مكة المكرّمة شرفها الله تعالى . وقد تقدم تنوُّرها عند ولادة الزهراء عليها السلام .

مِنْ دَوحَهٍ اَينَعَتْ قَدْ طابَ مَغْرِسُها ***وَدُرَّهٍ لَمَعَتْ قَدْ جَلَّ مَعناها(1)

وزَهْرَةٍ اَيْنَعَتْ فَاحَتْ رَوَائِحُها ***وزَهْرَةٍ طَلَعَتْ فَاقَتٌ بِأَضْواها(2)

وَوَمَضَّةٍ تَخْطَفُ الاَبْصارَ لَمْعَتُها*** وآيَةٍ حَيَّرَ الاَلبابَ مَغْزاها(3)

فَسُوْرَةُ الكَوثَرِ اخْتُصَّتْ بِها شَرَفاً ***وحَسبُها سُورَةً تَسْمُو بِعُلْياها(4)

أُمُّ الامامَةِ لاَ أُمٌّ تُساجِلُها ***فَضْلاً وَلا أَحَدٌ فِي الفَضلِ ضاهاها (5)

بِنْتُ الرِّسالةِ لا بِنتٌ تُماثِلُها ***نُبلاً وَلا كائِنٌ فِي الْعِزِّ جاراها(6)

مَن اَذهَبَ الرِّجْسَ عَنْهَا اللَّهُ جَلَّ ومَن ***بِها مَلائِكَةُ الرَّحْمانِ قَدْ باهی

ان اَقْبَلَ الصُّبْحُ صامَتْ عَنْ لَذَائِذِها*** اَو عَسْعَسَ اللَّيْلُ قَامَتْ فِي مُصَلّاها(7)

ص: 585


1- الدوحة: الشجرة العظيمة، والمراد شجرة النبوة والإمامة، وقد ورد ذلك في تأويل قوله تعالی في الآية 24 - 25 من سورة إبراهيم «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ »
2- الزهرة الأولى : الوردة. والثانية : الشمس.
3- في كتاب (البحار ج 43 ص 44): عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم : «لما خلق الله الجنة خلقها من نور وجهه، ثم أخذ ذلك النور فقذفه فأصابني ثل النور، وأصاب فاطمة النور، وأصاب عليا وأهل بيته ل النور. فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمد، ومن لم يصبه من ذلك النور ضل عن ولاية آل محمد صلي الله عليه و اله و سلم » وعن الإمام الصادق عليه السلام: «وإنما سُميت «فاطمة» ، لأن الخلق فُطموا عن معرفتها . ( تفسیر فرات الكوفي 581/ ح 747 - عنه: بحار الأنوار 43: 65ح58)
4- کتاب ( التفسير الكبير للفخر الرازي ج 32 ص 126): في تفسير قوله تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر) : والقول الثالث: الكوثر أولاده؛ قالوا: لأن هذه السورة إنما نزلت ردا على من عابه عليه السلامبعدم الأولاد.
5- نُساجلها : تباريها وتفاخرها. ضاهی : شابة وساوئ.
6- مائل الشيء: صار مثله أو مثيله. جاری : ماشي على جَريه و طريقته وحالاته.
7- عسعس : أظلم.

اِذا اَقَامَتْ صَلاَةً بِاسْمِ بارِئِها *** اَوحى الى مَلَكٍ اَمْراً فَناداها

يَا بِنْتَ اَحمَدَ انّ اَللَّهَ طَهَّرَكِ *** ثُمَّ اصْطَفاكِ عُلاً اَعْظِمْ بِذا جاها(1)

فَاللَّهُ شَرَّفَها واللَّهُ فَضَّلَها *** وَاللَّهُ طَهَّرَها وَاللَّهِ زَكَّاها

وَ اللَّهِ زَوْجَها واللَّهُ اَصْدَقَها *** وخُطبَهُ الْعَقْدِ فَوْقَ الْعَرْشِ اَلْقاها(2)

أَنَّى لِمِثْلِيَ اَنْ يُحْصِى مَآثِرَها *** وَكَيْفَ لِي شَرْحُ بَعضٍ مِنْ سَجاياها؟

هَذِي شَرِيعَهُ جُودٍ ساغَ مَنْهَلُها *** مَنْ جَاءَها عَاطِشاً يَحظَي بِرَيَّاها(3)

هَذِي شَفِيعهُ يَوْمِ الحَشْرِ سَيِّدَهُ اَلن*** نِسوانِ قَدْ فازَ مَنْ بِالْقَلْبِ والاها(4)

ص: 586


1- يجب إشباع الكاف من قوله «طهرک» ليستقيم الوزن، وقد أراد الشاعر أن يأتي بنص الرواية فيما أخبر به النبي صلي الله عليه و اله و سلم أنه سيجري على فاطمة عليها السلام من بعد رحيله ووفاته، حيث قال صلي الله عليه و اله و سلم : فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية ... فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة، فنادتها بما نادت به مریم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة ، إن الله اصطفاك وطهرك ، واصطفاك على نساء العالمين .. (أمالي الصدوق ص 100/ ح 2 - المجلس 24)
2- في كتاب (البحار ج 43 ص 92/ ح 3 - عن : عيون أخبار الرضا عليه السلام): عن الإمام علي عليه السلام قال : قال الى رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : «يا علي ، لقد عاتبني رجالٌ من قريش في أمر فاطمة و قالوا: خطبناها إليك فمنعتنا وزوجت عليا ! فقلت لهم: والله ما أنا منعتكم وزوجته، بل الله معكم وزوجه. فهبط على جبرئيل فقال : يا محمد، إن الله جل جلاله يقول: لو لم أخلق عليا لما كان لفاطمة ابنتك كفؤ على وجه الأرض، آدم فمن دونه». وفي ( مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب - عنه: بحار الأنوار 43: 107): العاقد بينهما هو الله تعالى، والقابل جبرئيل، والخاطب راحيل، والشهود حملة العرش، وصاحب النثار رضوان، وطبق النثار شجرة طوبی.
3- الرَّيَّا : المرتوية من الماء، يريد بها شريعتها الطافحة بالماء كأنها مرتوية أبدا من الماء.
4- في كتاب ( البحار ج 43، ص 65/ ح 57 عن: تفسیر فرات) في حديث طويل قال أبو جعفر عليه السلام: والله يا جابر ، إنها ذلك اليوم (يعني القيامة) لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الردي ، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا : التفتوا فيقول الله عز وجل : يا أحبائي، ما التفاتكم وقد شفع فيكم فاطمة بنت حبيبي ؟! فيقولون: يا ربّ أحبنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم.

هذِي رَبِيبَهُ وَحْيِ اَللَّهِ قَدْ فَطَمَتْ *** مِنَ العَذابِ مُحِبِّيها واَبْناها(1)

وَ ذِي خِزانَهُ سِرِّ اَللَّهِ فَاطِمَهُ ***طُوبِي لِشِيعَتِها تَبّاً لاَعداها

يَا بِنْتَ اَشرَفِ خَلْقِ اَللَّهِ كُلَّهِمُ *** وَسِيِّدُ الرُّسلِ عَقْلي فِيكِ قَدْ تاها

يَا بُضْعَهَ اَلْمُصْطَفي قَدْ حِرْتُ فِيكِ وَ فِي *** مَا قَالَهُ المُصْطَفي فِيكِ وَ مَا فَاها(2)

اَعْطاكِ رَبُّ العُلي جَاهاً وَ مَنْزِلَهً ***ما جاوَزَتكِ وَ لا لِلْغَيْرِ اَعْطاها

آتاكِ مِنْ عِنْدِهِ فِي الحَشْرِ مَرَتَبَهُ*** ما لِلاَئِمَّهِ اَوْ لِلرُّسلِ اتَّاهَا(3)

يَا رَبَّهُ الوَحْيِ نَفسی فِيكِ جائِشَهٌ ***بِحُبِّها فَاشْفَعِيها يَوْمَ بَلْواها(4)

وَ اَنْقِذِيها مِنَ الاَهْوَالِ سَيِّدتِي ***لِتُسْعِدِيها بِدُنْياها وعُقْباها

هَذي صَحِيفهُ حُبِّي فِيكِ نَاصِعَهٌ*** مُبيَضَّهُ فَاشْهَدِي لِي يَوْمَ اُوْتاها(5)

فَاَرْشِدِينِي اِلي ما كُنْتُ اَطْلُبُه ***وَ اَبلِغِينِي مِنَ الغاياتِ قُصواها

ص: 587


1- فطمت : قطعت ومنعت. ففي ( معاني الأخبار : 396، ح 53) عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في حديث طويل : سميت في الأرض فاطمة لأنها فطمت شیعتها من النار، وفطمت أعداءها عن حبها، وهي في السماء المنصورة» وذلك قول الله عز وجل : ( يومئذ يفرح المؤمون بنصر الله) يعني نصر فاطمة لمحبيها.
2- فاه: تكلم.
3- قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : «يا فاطمة، والذي بعثني بالحق ، لقد ځم الجنة على الخلائق حتى أدخلها، وإنك لأول خلق الله يدخل بعدي ، کاسية حالية ناعمة. یا فاطمة، هنيئا لك ! والذي بعثني بالحق إنك لسيدة من يدخلها من النساء .» . (بحار الأنوار 491:22 / ح 36)
4- جائشة: هائمة مُضطربة. «اشفعيها»: على الحذف والوصل، أي «اشفعي لها، فحذف اللام ووصل الفعل.
5- إشارة إلى قوله تعالى : «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22)»(سورة الحاقة 10 - 22).

(8)كم عانت الزهراء عليها السلام

(بحر البسيط)

السيد هاشم الشخص(1)

عَجِيبةً هذهِ الدُّنْيا وبَلْواها ***كمْ حَلَّ فِي آلِ طهَ مِنْ رَزاياها

كمْ كابَدُوا مِحَناً لَمْ يَلقَها أَحدٌ *** وَهُم مِن الناسِ أزكاها واتَّقاها(2)

ص: 588


1- هو الخطيب السيد هاشم بن محمد ابن السيد هاشم بن محمد بن هاشم بن عبدالحسين بن علي ابن محمد بن أحمد ابن السيد علي الشخص. ولد في بلدة القارة بالأحساء، فجر الجمعة في السابع عشر من شهر صفر المظفر عام 1377 ه. وبها درج بواكير طفولته وأوائل نشأته، ثم نزح يافعا إلى النجف الأشرف بصحبة أسرته لطلب العلم وتلقي الدراسات الدينية. تلقى دروسه على يد أساتذة النجف الأشرف، منهم والده السيد محمد الشخص. وفي عام 1600 ه عاد إلى موطنه في الأحساء، وبعد سنة هاجر إلى قم المشرفة، وواصل دراسته في حوزتها الدينية على يد ثلة من الأساتذة. واصل الخطابة في منتصف عقد حياته الثاني، فأصبح من الخطباء في الأحساء والخليج و خوزستان وسوريا وأمريكا وكندا وغيرها، وألف عدة كتب، منها: 1 - أعلام هجر، عشرة مجلدات، طبع منه الجزءان الأول والثاني . 2- عالم الآخرة في القرآن الكريم، قيد التأليف. 3- بلغة الخطيب وتحفة الأديب، قيد التأليف. 4- تحقيق القصيدة (قيد الوصية)، طبع في بیروت ، والقصيدة معروفة ومذكورة في الذريعة، وهي في المواعظ والآداب ومكارم الأخلاق، من إنشاء الشيخ محمد بن عبدالله الرمضان الأحسائي المتوفى سنة 1290 ه. 5 - ديوان شعر صغير . أحب الشعر ونظمه باللهجتين : الفصحى والعامية، و قرضه في اللسانين : الفصيح والدارج، وقد سجل أهم ما قاله من شعر في ديوان صغیر ذکرناه ضمن مؤلفاته .
2- كابد الأمر کباداً و مكابدة: قاسي شدته .

قَاسَوا من الظُّلْمِ اَلواناً ونالَهُمُ *** مِنَ البلا مَا صُرُوفُ الدَّهْرِ اَنساها(1)

ما مِنْهُمُ مَنْ قَضي اِلّا وَ مُهْجَتُهُ *** قَدْ قُطَّعَتْ بِلَظَي الاَشجانِ اَحشاها(2)

شَتّي مَصارعُهُمْ مِنْهُمْ قَضي ظَمَاً *** ذَبْحاً وَ مِنْهُمْ سُمومُ الغَدْرِ يُسْقاها(3)

وَ فِي السُّجُونِ عَدِيدٌ مِنْهُمْ قُتِلُوا *** و في المَباني لَقْت بعضُ مَناياها(4)

مِنْهُمْ بِطَيبهَ قد حَلُّوا وَ بَعْضُهُمُ *** بِكَرْبَلاءَ وَ اَرْضِ الْكَرْخِ مَثواها(5)

وبالغَرِيِّ وسامرّاءَ بَعْضُهُمُ *** وفي خُراسانَ بَدْرٌ حَلَّ أَقْصاها(6)

لَكِنْ أَمَّ الرَّزايا بَل و اَفْظَعُها *** ما حَلَّ بِالطُّهْرِ بِنْتِ المُصْطَفي طهَ

لَهْفِي لَها كَمْ رأَتْ مِنْ بَعْدِ وَالدِها*** مِنَ الأَذَي ما لِعَينِ الدِّين أَدماها

ص: 589


1- قاسي الأمر: كابده وعالج شدته. صروف الدهر: تقلباته ونوازله ومصائبه.
2- المهجة في الأصل : الروح، وقد يراد بها النفس. واللظى : اللهيب. والأشجان : الأحزان.
3- إشارة إلى شهادة آل الله صلوات الله عليهم : قتلا بالسيف، أو غدرة بالشم.. وقد سبق قول رسول الله ، صلي الله عليه و اله و سلم وهو الصادق المصدق: «ما منا إلا مقتولٌ أو مسموم» ( كفاية الأثر للخراز 160)، والمقتول ظمأ ذبحة هو: سيدالشهداء أبو عبدالله الحسین صلوات الله عليه.
4- معظم أئمة الهدئ عانوا سجون الطواغيت، لاسيما الإمام موسى الكاظم سلام الله عليه، كذا أتباعهم وشيعتهم ومواليهم عانوا القتل والحبوس والتشريد، والبناء في الأسطوانات وهم أحياء المنايا : الآجال، آجال الموت.
5- طيبة : المدينة المنورة التي طابت برسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وفيها قبره الشريف وقبور أئمة البقيع الحسن والسجاد والباقر والصادق عليه السلام . والذي بكربلاء هو الحسين عليه السلام وأخوه العباس عليه السلام وأصحابه عليه السلام. وأرض الكرخ : الكاظمية التي تشرفت ببدن الإمام الكاظم عليه السلاموحفيده الجواد.
6- الغري: النجف الأشرف التي تزكت بمثوى أميرالمؤمنين عليَّ سلام الله عليه، وسامراء : ضمت إلى صدرها إمامين همامين : الهادي علي بن محمد، والعسكري الحسن بن علي صلوات الله عليهم. أما في خراسان ، فذاك مو شمس الشموس وأنيس النفوس الإمام الرؤوف علي بن موسى الرضا سلام ربنا عليه وعلى آبائه وأبنائه الميامين.

تَجَرَّعت غُصَصاً لو أَنَّ أَيسَرَهَا *** قد حَلَّ بالراسِياتِ الشُّمِّ أَفْناها(1)

يَا لَلْخُطُوبِ ابنةُ المُخْتارِ فاطِمَةٌ *** لَمْ يُرْعَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ قُرْباها(2)

جَارُوا عَلَيها ولَمْ يَرْعَوْا مَكانَتَها *** وَهيَ التي بِعُلاهَا الذِّكْرُ قد فاها(3)

فَقُلْ تَعالَوْا أَتَتْ فِيها كذاك أَتي *** فِي فَضلِها هَلْ أُتِيَ واللَّهُ زَكَّاها(4)

وكمْ أَشادَ بِها المُختارُ وَهُوَ بها *** آدري وكم عَلَناً أَوصي بإرْضاها(5)

ص: 590


1- الراسيات الشُّم: الجبال الشامخة.
2- روى الإمام الكاظم عليه السلام أن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم لما حضرته الوفاة قال فيما قاله : «ألا إن باب فاطمة بابی، و بيتها بيتی ، فمن هتكه فقد هتحجاب الله !». ثم بكى الإمام الكاظم عليه السلام طويلا، بعد ذلك قال : هيك - والله - حجاب الله ! هيك والله حجاب الله، هيك والله حجاب الله وحجاب الله حجاب فاطمة . (کتاب الوصية 75 - 76/ ح 8).
3- الذَّكر: القرآن الكريم. فاه: نطق وتحدث.
4- إشارة إلى قوله تعالى :«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» (سورة آل عمران: 61) حيث باهل النبي صلي الله عليه و اله و سلم النصاری بفاطمة وبعلها و ابنيها. وإلى سورة الدهر (أو : الإنسان، أو هل أتی)، فقد جاء قوله تعالى : «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا «إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا »( الآيات من 7-9).. كذلك أجمع المفسرون والمحدثون والمؤرخون أنها نزلت في علي وفاطمة عليهما الصلاة والسلام، بعد أن وفيا نذرة لهما بصيام، وأعطيا كل ما كان عندهما من طعام إلى مسكين في ليلة ويتيم في أخرى وأسير في الثالثة، وباتا جياعة صيام لم يفطروا إلا على الماء
5- يكفي ما روته عائشة أن النبي صلي الله عليه و اله و سلم قال لفاطمة عليه السلام قُبيل وفاته: «ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين ؟!» ( أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ه: 522) وكان من آخر وصايا النبي صلي الله عليه و اله و سلم وقد حضرته الوفاة، ودعا الأنصار فقال: «يا معشر الأنصار، قد حان الفراق ، و قد دعي وأنا مجيب الداعي .. فاحفظوني - معاشر الأنصار - في أهل بيتي ؛ فإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ..». (کتاب الوصية : 73 - 74/ ح8).

فَكَيْفَ يُجْنِي علیها كيفَ يظلمها الزَّ *** مَانُ؟ مَا أَظلمَ الدُّنيا وأَقساها!

مِنَ البُكا مُنِعَتْ مِن إرثِها حُرِّمَتْ *** وحَقَّها غُصِبَتْ والكُلُّ عاداها(1)

وكم بِهِم خَطَبَتْ كَمْ أَعْلَنَتْ ودَعَتْ *** لَمْ يَحْفَظُوها ولَمْ يَرْعَوا وَصاياها(2)

***

وأَعظمُ الخَطْبِ أنْ يُؤْتِيَ لِمَنْزِلِها *** بالجَزْلِ والنَّارِ كُئ للنار تَصْلاها(3)

وقالَ قائلُهم لِلدّارِ أُحرِقُها *** حَتَّى وَإِنَّ حلَّها الزَّهْرَاءُ وابْناها(4)

اللَّهُ أكبرُ أَينَ المُسْلِمُونَ مَضَوْا *** كَيْفَ ابنةُ المُصطَفى يُؤْتى لِإِيذاها؟

لِدارِها دَخَلُوا ظُلْماً وَمَا أَخَذُوا *** إِذناً وَجِبريلُ دَوما کان يَغشاها(5)

فلاذتِ الطُّهْرُ خَلْفَ البابِ تَسْتُرُها*** فَنالَها مِنْهمُ مَا أَسخَطَ اَللَّهَ

لِظِلْعِها كَسَرُوا وَ الخَدَّ قَدْ لَطَمُوا *** وأَسْقَطَت مُحسِناً واهاً لَها وَاها(6)

مَا أَجرأَ القَوْمَ مَا أَقْسَى قُلُوبَهُمْ *** كَيْفَ البَتُولةُ مِنْهَا رُضَّ ضِلعاها؟

بِصَدْرِها أَنبتُوا المِسْمَارَ فَانْبَعَثّتْ *** مِنهُ الدِّماءُ أَلا وَيْلٌ لِأَعْداها(7)

ص: 591


1- في هذا البيت أربع مظالم كانت على الزهراء عليها السلام ، منعها من البكاء، وحرمانها من إرثها، وغصبها حقها في فدك والعوالي والخمس، ومعاداة الكل لها.
2- لها خطبتان عليها السلام: الأولى - في المسجد في جمع كبير من المهاجرين والأنصار، والثانية في نسائهم لما جئت لعيادتها سلام الله عليها، فخطبت في كلتيهما، ووعظت، وأنبأت، وحذرت!
3- الجزل : ما عظم من الحطب ويبس.
4- إشارة إلى قول عمر: وإن ، حين قالوا له: إن في الدار فاطمة.
5- الضمير في «يغشاها» يعود للدار.
6- تقدم عصرها عليها السلام خلف الباب وكسر ضلعها ولطم خدها وإسقاطها محسنا .
7- مر شرح حادثة المسمار ونباته في صدرها الشريف ونبوع الدم منه .

حَنَّتْ و اَنَّت و خَرَّت لِلثَّري وَ بَكَتْ *** وَالمُرتَضى قِيدَ مَكْتُوفاً لِأَشقاها(1)

***

الِلُهُ كَم عانَتِ الزَّهْراءُ مِنْ مِحَنٍ *** كَمْ جَرَّعُوها مِنَ الاَقذاءِ اَشْجاها(2)

كَمْ رَوَّعُوها وَ كَم اَجْرَوا مَدامِعَها *** دَماً وَلم يَحْفَظُوا لِلْمُصْطَفي جاها(3)

حَتَّى غَدَتْ بِفِراشِ المَوْتِ مِن مَرَضٍ *** وَمِن اَذّي نالَها تَشكُو لِمَولاها(4)

وَ مُذْ دَنَا المَوتُ مِنْها اَصبَحَتْ بِاَسي*** اَصابَها الحُزنُ اِشفاقاً لاَبناها(5)

اَوصَتْ بِهِمْ حَيْدراً و القَلْبُ فِي قَلَقٍ *** عَلَيهِمُ وَ جَرَتْ بالدَّمِّ عَيناهَا

لَم اَدْرِ ما حالُ مَولانا الوصيِّ و قد *** راي البَتولهَ تُمليهِ وصاياها؟(6)

ص: 592


1- الأشقي: هو أبوبكر؛ حيث قيد أمير المؤمنين عليه السلام لبيعته قرة.
2- الأقذاء: جمع القذاة، وهي ما يتكون في العين من رمص ومحمص، أو ما يدخلها من الأشياء فيد معها، وأصبحت القذاة كناية عن المدمع البكي من الآلام والمصائب. والأشجن : الأكثر حزن وألما.
3- في خطبتها الفدكية الشريفة، قالت عليها السلام تخاطب القوم: «أما كان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أبي يقول: المرء يحفظ في وله» ؟! سرعان ما أحدثتم!»
4- في ( دعائم الإسلام 1: 232): فلما قبض رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ونالها من القوم ما نالها لزمت الفراش، و نحل جسمها حتى كان كالخيال.
5- عن الإمام الصادق عليه السلام: «لما حضرت فاطمة الوفاة بكت، فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام: يا سيدتي ما يبكيك ؟ قالت : أبكي لما تلقى بعدي ..». ( بحار الأنوار 218:43 / ح 49 - عن مصباح الأنوار). وورد في (بحار الأنوار 43: 192، 199، 204، 217) عن مصادر عدة أن الزهراء عليها السلام قالت الأمير المؤمنين عليه السلام. وقد تعهد لها بالمضي في وصيتها - : جزاك الله عني خير الجزاء يا ابن عم رسول الله ، أوصيك أولا أن تتزوج بعدي با«أمامة» ؛ فإنها تكون لؤلدي مثلي . وفي رواية أخرى : تزوج فلانة؛ تكون مربية لولدي من بعدي مثلي.
6- ثمليه: أي تملي عليه، فحذف وأوصل. عن الإمام محمد الباقر عليه السلام: «.. فعلمت أنها الوفاة ، : فاجتمعت لذلك تأمر عليا بأمرها، وتوصيه بوصيتها، وتعهد إليه عهودها، وأمير المؤمنين عليه السلام يجزع لذلك ويطيعها في جميع ما تأمژه». (بحار الأنوار 201:43/ ح 30 - عن : مصباح الأنوار). وفي رواية أخرى : لما أرادت أن توصيه قال لها: «وال جدد على مصيبة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وقد عظمت وفائي وفقدك ؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمها وأحزنها؟ هذه والله مصيبة لا عزاء لها، ورزية لا خلف لها ! ثم كيا جميعة ساعة، وأخذ على رأسها وضمه إلى صدره .. ( بحار الأنوار 63: 191 - 192/ ح 20 - عن : روضة الواعظين للفتال النيسابوري)

قالت لَه : هَل بَدا مِنّي إليكَ خطاً *** يَوماً وهَل خُنْتُ؟!حاشَا الطُّهرَ حاشاها(1)

فَاَظلمَ الاُفقُ فی وَجهِ الامامِ اَسّی *** عَلَی الزَّكيّةِ كيفَ الدَّهْرُ أَضناها؟!

اَجابَها : أَنتِ أَتقي اَن أُوبِّخَكِ *** وأَنتِ خَيْرُ نِساءِ الأَرْضِ أرضاها(2)

قالَتْ : إذاً أَنَا فارَقتُ الحَياةَ فَلا*** تَدَعْ بَنِيَّ يُصِيبُ الضَّيْمُ إيّاها(3)

وارفُق بِهِم وتَزوَّج مِن أُمامَةَ إذ*** تَكُونُ مِثلی لأَولادِي بِرُحماها

اللهَ اللهَ في نَجْلِي الزَّكِیِّ ، وفي *** شِبلي الحُسَيْنِ ، وفي الحَوراءِ فارعاها(4)

ولا تَدَع عُصبةٌ جارَت علَیَّ بان *** تاتی الَیَّ لِتَشيِيعِي لِطَغواها

ص: 593


1- جلس عند رأسها بعد أن أخرج من كان في الحجرة، و قال لها: أوصيني بما أحببت یا بنت رسول الله، فقالت : يا ابن عم، ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، ولا خالفتك من عاشرني ، فقال : معاد الله ! أنت أعلم بالله و أب وأتقى وأكرم وأشد خوفا من الله من أن أوت بمخالفتي ، قد عثر على مفارقتك و تفقدك ، إلا أنه أمر لابد منه، والله جددت علي مصيبة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ! ( بحار الأنوار 191:43 / ح 20 - عن: مصباح الأنوار)
2- لابد من إشباع کسرة كان «أوبك» ليستقيم الوزن.
3- أراد فلا تدع بني يصيبها الضيم، فاستعمل الضمير المنفصل بلا وجه.
4- قالت له: «يا ابن العم، إني أجد الموت الذي لابد منه ولا محي عنه ... فإن أنت تزوجت امرأة اجعل لها يوم وليلة، واجعل لأولادي يوم وليلة. يا أبا الحسن، ولا تصح في وجوههما فيصبحاني يتيمين غريبين منكسرين؛ فإنهما بالأمس فقدا جدهما، واليوم يفقدان أمهما بحار الأنوار 43: 178/ ح 15)

لا يَحضَرُوا أبداً نَعشِي ، وَفِي جُنحِ الظ *** ظَلامِ جُثَّتي وارِيها بِمَثواها(1)

***

يا ساعدَ اللهُ قلبَ المُرتضی فَلَكَمْ *** رأی خُطوباً يُشيبُ الطفلَ مَرآها

ما حالُهُ ويَرَی الزَّهراءَ مِن كَمَدِ *** لَقَد دَنا حَينُها والسُّقمُ أعياها(2)

حتّی قَضَتْ وَهْيَ مِن ضَيمٍ أَلَمَّ بِها *** تَبُتُّ لِلخالِقِ الرَّحمانِ شَكواها

ماتت بِغُصّتِها ظُلماً.. فواأَسَفِي *** عَلَی البَتُولةِ كَيْفَ المَوتُ وافاها !

في زَهْرَةِ العُمْرِ كيفَ الحَتفُ عاجَلَها *** كيفَ الخُطوب دَهتها و البَلا جاها؟(3)

ماتَتْ سَلِيلَةُ طهَ المُصطَفی كَمَداً *** ماتَت ولَمّا تَمُتْ مِنها سَجاياها(4)

والمُرتَضی و بَنُوهُ العُزُّ اَفجَعَهم *** وَقعُ المُصابِ عَلَی الزَّهرا وبَلواها

ص: 594


1- يجب اختلاس الياء أو حذفها من كلمة «جنتی» ليستقيم الوزن. في وصيتها الشريفة عند أمير المؤمنين عليه السلام قالت له: «أوصيك ألا يشهد أحد جنازتی من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقي ؛ فإنهم عدوي وعدق رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، ولا تترك أن يصلي على أحد منهم ولا من أتباعهم، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار!» (بحار الأنوار 43: 192/ ح 20 - عن: مصباح الأنوار) وسُئل أمير المؤمنين عليه السلام عن دفنها لي؟ فقال: «إنها كانت ساخطة على قوم کرهت حضورهم جنازتها!». قال الواقديّ : إن فاطمة لما حضرتها الوفاة، أوصت عليّاً ألا يُصلي عليها أبو بكر ولا عمر، فعمل عليُّ بوصيتها. وروى الدولابي أن أبابکر وعمر عاتبا عليّاً عليه السلام كونه لم يؤذنهما بالصلاة عليها، فاعتذر أنها أوصته بذلك. وفي الرواية عن ابن عباس أنه قال : أوصت فاطمه ألا يعلم - إذا ماتت - أبوبكر ولا عمر، ولا يصليا عليها . قال : فدفنها علي الا ليلا ولم يعلمهما بذلك. بحار الأنوار 63: 182 - 192، عن : مناقب آل أبي طالب، وكشف الغمة، وروضة الواعظين)
2- الحينُ : الأجل والموت. أغياها: أتعبها وأنهك قواها.
3- زهرة العمر: بهجته وغضارته. وأراد صغر بينها عليه السلام حين وافتها الشهادة. البلا: مخففة «البلاء» .
4- سجاياها: خصالها وأخلاقها الحميدة .

والكلُّ أَجْرَى عَلَيها دَمعَهُ بدمٍ *** وَالحُزْنُ للنارِ فِي الأَحشاءِ أُوراها(1)

مَاتَتْ وفي لَيْلِها بِالسِّرِّ قَدْ دُفِنتْ*** بِنْتُ النَّبِيِّ فَكَيْفَ الدَّهْرُ أَخْفاها

أُعْفِي ثَراها ولم يُعْرَفْ لَهُ أَثرٌ *** ما السِّرُّ؟كيفَ؟ ومَن لِلقبرِ أَعفاها؟(2)

أَوْهٍ لِبِنْتِ الهُدى ماتَتْ بِغُصَّتِها *** أَوْهٍ لِمَرقَدِها المَعفِي ومَثْواها

***

ص: 595


1- أوراها: أججها وأشعلها .
2- الضمير في «أعفاها» يعود للزهراء عليها السلام،أو للقبر وأنثهُ باعتبار التُّربة، والثاني أنسب .

ص: 596

قافية الواو

اشارة

ص: 597

(1)مأتم الزهراء

(بحر الوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري

بَكَيتُ بِمأتَمِ الزّهراءِ شَجوا *** مُصاباً هزَّ ثَهلاناً ورَضوی(1)

إذا رَقرَقتُ دَمِعي في المَآقي *** نَضَوْتُ مُلاءَةَ الأَفراحِ نَضوا(2)

وَمَن ألِفَ الخُطُوبَ مُبرِّحاتٍ *** رَاَی الدُّنيا خِلالَ أسی وَبَلوی(3)

الی ان يقول فيها:

بُيُوتُ أنزَلَ الرَّحمانُ فِيها *** جَلالَ الوَحْيِ فاستَعْلَتْ عُلُوَّا(4)

عَلی عَتَباتِها جِبريلُ أَرسی *** جَناحاً وَاستَذَلِّ لَها دُنُوّا(5)

وَفاطِمُ مِنْ سِراجِ الوَحيِ ضَوءٌ *** تُزاحُ بهِ الدُّجُنَّةُ حَيْثُ ضَوَّی(6)

ص: 598


1- ثهلان ورضوی: جبلان معروفان من جبال العرب، الأول باليمن أو العالية، والثانية بأطراف المدينة.
2- نضوت: جدت ونزعت. الملاءة: الملحفة.
3- خلال : خصال . الخطوب : المصائب. مُبرحات : مُجهدات مُتعبات، ومُؤذيات أذى شديداً.
4- قال الإمام الحسين عليه السلام - وهو في الثعلبية أحد منازل رحيله إلى كربلاء - لرجل من أهل الكوفة : أما والله لو لقيتك بالمدينة، لأريك أثر جبرئيل في دارنا، ونزوله بالوحي على جدي . يا أخا أهل الكوفة، من عنبينا مستقى العلم ..». (سير أعلام النبلاء للذهبي 3: 205، بصائر الدرجات للصفار القمي 12/ ح 1 - الباب 7 من الجزء الأول)
5- استذلَّ : ذلَّ . خاطب الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام رجلاً من العراق قائلا له: «يا أخا أهل العراق، أما لو كنت عندنا بالمدينة، لأريناك مواطن جبرئيل من دويرنا..». (بصائر الدرجات 12/ ح 2 - الباب 7 من الجزء الأول)
6- الدُّجَّنة: شدّة الظُّلمة. ضَوا: مخففة «ضَؤَّأ، بمعنى أضاء.

وَفاطِمُ مِنْ نَسيجِ الخُلْدِ رَوحٌ *** تَضَوَّعَ مِسكُها في الكَؤنِ زَهْوا(1)

وفاطِمُ مِنْ رُوَی الإيمانِ طَيفٌ *** وَفاطِمُ في فَمِ الأَجيالِ نَجْوی(2)

وسَيِّدةُ النِّساءِ بِدُونِ رَيبٍ *** وَرَوْضُ عَقِيدَةِ ومَنارُ تَقوی

رَعَتْ ذِمَمَ الكَرامَةِ فِي احتِشامٍ *** وإصرارٍ مِنَ الإصرارِ اَقوی(3)

وَفَرعُ الغُصْنِ بالأَعياصِ جَثلٌ *** مِنَ الَثَمَراتِ مُکتَسِبٌ نُمُوّا(4)

أرادَ اللهُ لِلنِّسوانِ شَاواً *** فَقَدَّمَ آدماً مِنْ قَبلِ حَوَا(5)

وكُلٌّ نَسجُ خَلْقِ لا سَواءٌ *** وَسُبْحانَ الّذي في البَدءِ سَوّی(6)

اَلا إن شِئتَ فَاستَجْلِ السَّجايا *** مِنَ الزَّهراءِ واتَّرِكِ العُتُوّا

هِي القِمَمُ الاَصائِلُ في كَيانِ *** تَناسَقَ واستوی جَذراً وَعُلوا

ص: 599


1- الزَّهو: التكبُر الخُيلاء. وأراد هنا العلو والرفعة والشموخ.
2- طيف: حلم جميل يُومي إلى هدى وبُشرى وإيمان. النجوئ : ما يلهج به في السرائر وبواطن الروح والقلب.
3- في كتاب (بحار الأنوار ج 3، ص 54/ ضمن الحاشية 48): روي عن عليه السلام قال : كنا جلوسا عند رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم فقال : أخبروني أي شيء خير للنساء ؟! فلم يعرف الصحابة جواباً، حتى ذهب عليه السلام إلى فاطمة عليها السلام وعاد)، قال عليها السلام: فرجعت إلى رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم فقلت: يا رسول الله سألتنا أي شيء خير للنساء، وخير لهن أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال قال : من أخبرك ؟ فلم تعلمه وأنت عندي ! قلت : فاطمة، فأعجب ذلك رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال وقال : إن فاطمة بضعة مني». ( ينظر : کتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 1: 63).
4- الأعياص: جمع عيص، وهو الأضل. وجاء أيضا بمعنی: منبت خیار الشجر، وجاء أيضا بمعنى : الشجر الملتفّ . الجثل : الكثير والملتفّ.
5- شأوا : سبقاً ومنزلة. والبيت غير واضح المراد ، أو هو عكس المراد.
6- قال تعالى : سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى (سورة الأعلى : 1- 2).

(2)فداها أبوها

(بحر الطويل)

السيد غياث آل طعمة

إلَى مَ بِنارِ الْبُعْدِ يَا سَيِّدِي نُكوئ *** وَهَلْ يُسْتَلَذُّ العَيْشُ مِن دُونِ مَن نَهَوِي؟(1)

وهَل يُؤْنِسُ الأَرواحَ مِيلادُ حُجَّةٍ *** وتَفْرَحُ والمَوْلُودُ حَفَّت بِهِ البَلوى؟(2)

تَقاذَفَهُ هَمُّ الْعَوالِمِ فَانْثَنَتْ *** جَوانِحُهُ بِالْحُزْنِ مِمّا بِها تُكْوي

إلى أن يقول فيها:

أَمَّا غاضَكَ المُخْتَارُ مُلْقًى بِدارِهِ *** وحَيْدَرَةُ عَن حَقِّهِ جَهرَهً يُزوئ؟(3)

يُقادُ أَسِيراً وَهوَ نَفْسُ مُحَمَّدٍ *** أَعَزُّ عَلَى ذِي الأَرْضِ مَن وَلَدَتْ حَوّا(4)

ص: 600


1- إلى م: إلى متى نهوى: نعشق ونوالي ونُحب.
2- في دعاء الندبة الشريف للإمام المهدي المنتظر صلوات الله عليه: «.. عزيز علي أن أرى الخلق ولا ترين، ولا أسمع لك حسيسا ولا تجوي، عزيز على أن تحيط بك دوني البلوى، ولا ينالك مني ضجيج ولا شكوى !». (مصباح الزائر لابن طاووس ص 230، المزار الكبير للمشهدي ص 190.. وغيرهما) وژوي أن الإمام السجاد عليه السلام كان ينشد : نحن بني المصطفى وو غصص *** يجزعها في الأنام کاظمنا عظيمة في الأنام محنتنا *** أولنا مبتلى وآخرنا يفرح هذا الورى بعيدهم *** ونحن أعيادنا مأتمنا ( مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 3: 294).
3- يُزوَی: يُمنعُ ويُنحَّی.
4- أي هو أعزُّ من ولدته حواء على هذه الأرض.

وَلَوْ شاءَ أَنْ يُفْنِي الْوُجُودَ أَبادَهُ *** فَفِي كَفِّهِ الأَفْلاكُ ما إِنْ يَشَأْ تُطْوي(1)

وَلَولاهُ لَا الإِسْلامُ قَامَ عَمُودُهُ *** وَلا صَوْتُ دَاعِي اللَّهِ فِي الْكَوْنِ قَدْ دَوي(2)

أَتُغضِي عَنِ الزَّهْراءِ أُسْقِطَ حَمْلُها *** وَسَوطٌ لِمَمْلُوكٍ عَلَى مَتْنِها يُلوي(3)

وَتُلْطَمُ مَنْ طهَ يَقُولُ لِفَضْلِهَا *** فِدَاها أَبُوهَا فَهِيَ مِدْحَتُهَا القُصوئ(4)

ص: 601


1- أباده : أهلكه. والمفروض جزم «تطوي» لكنه لم يجزمها للضرورة.
2- حتى شاع وذاع أنه ما قام الإسلام إلا بسيف علئّ وأموال خديجة عليها السلام.
3- في ( کتاب سليم بن قيس 2: 588): و قد كان قنفذ لعنه الله حين ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط حين حالت بينه وبين زوجها، وأرسل إليه عمر: إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها . فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها، فدفعها .. فكسر ضلعها من جنبها. • وفي ( کتاب سُليم أيضا 2: 577/ح 4): سأل أبو بكر: من نُرسل ؟ أجابه عمر : نرسل إليه ( أي إلى أمير المؤمنين عليه السلام) قنفذاً. وهو رجلٌ فظ غليظ جاف، من الطلقاء، من بني عَدي بن كعب ! وقد كافأه عمر، فوهب له . وكان واليه - ما سرقه من بيت المال .. في (كتاب سليم بن قيس أيضا 2: 1972/ ح13 و 2: 975/ ح 14): قال أمير المؤمنين عليه السلام لسُليم: - هل تدري لم كف (عمر) عن قنفذ ولم يغرمه شيئاً؟! قال: لا. قال عليه السلام: لأنه هو الذي ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط حين جاءت يتحول بيني وبينهم، فماتت (صلوات الله عليها) وإن أثر السوط لفي عليها مثل الدملج. وفي الرواية الأخرى: سأل العباس بن عبدالمطلب عليّاً عليه السلام: ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذة كما أغرم جميع عماله ؟ فنظر عليُّ عليه السلام إلى من حوله، ثم اغرورقت عيناه بالدموع، ثم قال: . شكر له ضربة ضربها فاطمة بالسوط ، فماتت وفي عضدها أثره كأنه الدُملج. • في (کامل الزيارات ص 334 - الباب 108) روی ابن قولويه من حديث المعراج: «أول من يحكم فيهما: محسنُ بن علي وفي قاتله، ثم في قنفذ.. فيؤتيان هو وصاحبه، فيضربان بسياط من نار، لو وقع سوط منها على البحار لعلت من مشرقها إلى مغربها، ولو وضع على جبال الدنيا لذابت حتى تصير رمادا، فيضربان بها.
4- عن عبدالله بن عمر، أن النبي صلي الله عليه و اله و سلم قبل رأس فاطمة وقال: «فداك أبوك ، كما کنت کوني». مقتل الحسين علي للخوارزمي الحنفي 16:1 - ط الغري). وفي مستدرك الحاكم النيسابوري الشافعي 3: 156. ط حيدرآباد الدكن أنه صلي الله عليه و اله و سلم ، قال لها: «فداك أبي وأمي» .

وتُحْرَقُ دَارٌ عَظَّمَ اللَّهُ شَأْنَها *** فَلِلْوَحْيِ والأَمْلاَكِ تُرْبَتُها مَهوِي(1)

وأنْت أَنِيناً ضَمَّنْتُهُ مُصابَها *** وَلَوْ نَالَهُ بَعضٌ لَذابَ أسّي رَضوي(2)

وتُحْرَمُ مِنْ بَثِّ الرَّسُولِ لَواعِجاً *** وَتُمْنَعُ أن تُبْديَ الْمَصائِبَ والشَّجْوَا(3)

ويُعْفَى ثَراها وَهِيَ سَيِّدَةُ النِّسا *** وَلكِنَّما في كُلِّ قَلبٍ لَها مَثوی(4)

ص: 602


1- مهوی : هنا بمعنی مهبط، أي أن دارها محل هبوط الوحي ومختلف الملائكة. روى الحاكم الحسكاني الحنفي بإسناده إلى أبي برزة قال: قرأ رسول الله : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه..» (سورة النور: 36) فشئل : يا رسول الله، أبي علي وفاطمة منها ؟ قال : من أفضلها . (شواهد التنزيل : 410 و 411).
2- رضوی: اسم جبل بأطراف المدينة.
3- اللاعج: الهم المحرق. الشجو: الحزن. وقد منعت الزهراء عليه السلام من البكاء على أبيها المصطفى صلي الله عليه و اله و سلم ليلاَ ونهاراَ، حتى خرجت إلى البقيع يرافقها ابناها ويعود بها أمير المؤمنين عليه السلام قبيل الغروب، وبنى لها هناك بيتا عرف ب «بیت الأحزان». (يراجع: الخصال للصدوق 272/ ح15، أمالي الصدوق 121، مناقب آل أبي طالب 3: 322)
4- في كتاب (البحار ج 43 ص 213): فلما قضت نحبها عليه السلام وهم في ذلك في جوف الليل أخذ عليه السلام عدة في جهازها و ساعته كما أوصته، فلما فرغ من جهازها أخرج على الجنازة وأشعل النار في جريد النخل ومشى مع الجنازة بالنار حتى صلى عليها ودفنها ليلاً. في ( مناقب آل أبي طالب 3: 363): رُوي أن أمير المؤمنين عليه السلام سوى حواليها قبوراً عليه السلام مزورة سبعة؛ حتى لا يعرف قبرها. كما ژوي أنه رش أربعين قبراً؛ حتّى لا يبين قبرها من غيره من القبور فيصلوا عليها . ( يراجع: بحار الأنوار 43: 183 - 183/ح16)

قافيه الياء

اشارة

ص: 603

(1)کفانی اسی

(بحر الطويل)

السيد عبّاس المدرّسيّ(1)

كَفَانِي أَسى لا تُوقِظَنَّ جِراحِيا *** وَدَع وَجدَ قَلْبِي فِي مَطاوِيهِ ثاويا(2)

أَرَى الْحَقَّ يَهْدِي إِنْ مَلَكْتَ بَصيرَةً *** ولَيْسَ لأَعْمَى الْفِكرِ والْقَلْبِ هادِيا

هُوَالعَقلُ يَهدي مَن يَرُومُ هِدايَةً *** ومَنْ رامَ مَهْواةَ الضَّلالِ المَهاوِيا(3)

إِذا أَنْتَ أَنْكَرْتَ الصَّباحَ وَضَوءَهُ *** فَحَظَّك قَدْ أَنْكَرْتَ لا الصُّبْحَ ضاحِيا(4)

ص: 604


1- هو السيد عباس ابن السيد محمد کاظم ابن السيد محمد جواد المدرسي. ولد في كربلاء المقدسة في 7 محرم / سنة 1373 ه/ 1953 م، فنشأ في جو الإيمان والفضيلة برعاية والده . درس ابتداء دروسه التقليدية، ثم بدراسته العلمية الحوزوية لدى أساتذة بارزين منهم والده آية الله السيد محمد كاظم المدرسي، وآية الله الشيخ محمد حسین المازندرانی ، وآية الله السيد صادق الشيرازي ، والأستاذ المربي الشيخ جعفر الرشتی، حتى تهيأ للدراسات العليا ( البحث الخارج)، مواصلا ذلك في مدينة قم المقدسة عند خاله آية الله العظمی السيد محمد الشيرازي وآية الله العظمى الشيخ يوسف الخراساني. ألف عددا من الكتب الدينية، أهمها: 1- الإمام الحسين عليه السلام. 2 - الحضارة في عصر الإمام المهدي عليه السلام . 3 - الإنسان ذلك المسؤول. 4 - كلمة الزهراء عليه السلام- قصائد شعرية. 5 - المعاد. 6- أصول الفقه.. أسس السيّد عباس المدرسي في مدينة قم المقدسة مدرسة للعلوم الدينية باسم (مدرسة الإمام الصادق عليه السلام)، كما أسس مجلة بعنوان ( أهل البيت عليهم السلام).
2- ثاوياً: مقيماً.
3- رام: قصد. مهوی: مسقط. أي ومن رام مهواة الضلال أعطاه المهاوي.
4- يقول أحد الشعراء: : وكيف يصحٌ في الأذهاني شيءٌ *** إذا احتاج النهار إلى دليل؟! ويقول آخر: قد تُنکر العينُ ضوء الشمس من رمد *** ويُنكر الفم طعمُ الماء من سَقم! ويقول المتنبّي : فما انتفاء أخي الدنيا بناظره *** إذا استوت عنده الأنوار والظُّلم؟!

فَلا الشَّمْسُ يَخْبُو نُورُها لِمُعانِدٍ *** وَلّا اللَّيْلُ يَهْدِي لِلطَّرِيقَةِ سارِيا(1)

ومَا النَّجْمُ فِي جوِّ السَّماءِ يُضِيرُها *** عَلَى الأَرْضِ أَعْمى يُنْكِرُ النَّجْمَ ضاوِيا

بَصَائِرُ فَافْتَحْ فِي الضَّمِيرِ شُعَاعَها *** تَرَى الدَّهْرَ دَوّاراً عَلَى الغَدْرِ طاوِيا(2)

عَلَى خَاطِري ذِكرى وَفِي القَلْبِ لَوْعَةٌ *** يُصَعِّدُ مِنْ جَمْرِ المَصائِبِ آهِيا(3)

دَعِ العَيْنَ تَسْقِي الجُرْحَ فَالْقَلْبُ لاهِبٌ *** ضَراماً وَدَع فِي النّائِباتِ سُؤاليا(4)

غَداةَ بِدارِ الوَحيِ أَلْقَتْ رِحالَها *** قَوافِلُ حُزنٍ مُثقَلاتٌ مآسِيا(5)

وسَلْ قِصَّةَ الغَدْرِ القَدِيمِ سَقِيفَةٌ *** فَثَمَّةُ عَادت دَوْرَةُ الشِّركِ ثانِيا

وسَلْ عَن أَراكٍ هاطِلاتٍ دُمُوعِها *** وَعَن فَدَكٍ سَل قَهرَها والْخَوافِيا(6)

وعَنْ بَيْتِ أحْزانِ المَدينَةِ حُزنَها *** ودَمعَاً جَرى فِيها وَلازالَ جاريا(7)

ص: 605


1- يخبو : يخمد ويطفأ. فالشمس لا يخفي نورُها إذا أنكرها المغالط ، كذا الليل لا تهدي ظلمته السائر فيه.
2- أي طاوياً قلبه على الغدر. أو أن طاوية هنا معناها مطويّاً.
3- آهيا آهي، حسراتي
4- لاهبُ: ملتهب . ضراماً : ناراً مشتعلاً. النائبات : النوازل، المصائب ، الحوادث المرة.
5- أراد يوم وفاة النبي صلي الله عليه و اله و سلم وارتداد القوم على أعقابهم القهقرى
6- إشارة إلى غصبهم فدكا، وقطعهم الأراكة التي كانت تستظل بظلها. والمناسبة ضعيفة بين القهر والخوافي.
7- قوله «لا زال جارية» إشارة إلى أن الظلم ما زال مستمرا على أهل البيت عليها السلام وكما منعوا الزهراء : بالأمس أن تبكي أباها كذلك منعوا الشيعة اليوم أن يبكوا عليها وعلى أئمتهم، بل ومنعوهم من زيارة قبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم

وَقَبرَ رَسُولِ اللهِ عَن مُرّ أنّها *** وَعَن طُولِ شَكواهَا المَرِيرِ اللَّيالِيا(1)

وَعَرَّج عَلى بَيتِ البَتُولَةِ فَاطِمٍ *** فَإنّ أَنّينَ الدّارِ يَكفِيكَ هادِيا(2)

تَئِنُّ وَقَد هَدَّ الفِراقُ قَرارَها *** وَذَوَّبَها جِلْداً عَلَى العَظمِ ذَاويا(3)

إلهيَ ! قَد هَدَّ الأَسى قَلبَ فَاطِمٍ *** وَلَم يُبقِ إلاّ الوَجدَ والحُزنَ وَارِيا(4)

فَوا وَحشَةَ الأيّام بَعدَ مُحَمّدٍ *** وَواذِلّة الأَيّامِ مِمّا دَهانِيا(5)

رَمَتنِي مُصِيباتُ الزَّمانِ لَوَ انَّها *** رَمَتْ وَضَحَ الأيّامِ صِرنَ لَيالِيا(6)

ألهِيَ وَقَد عِفتُ الحَياةَ وأهلَها *** فَعَجِّلْ وَفاتي لا أُرِيدُ حَياتِيا(7)

ص: 606


1- الأن: الأنينُ.
2- في مثل هذه الصورة قال الشاعر في قبر الإمام الحسين عليه السلام : أرادوا يخفوا قبره عن محبه *** وطيب تُراب القبر دل على القبر
3- ذاوياً : ذابلاً، وقد نشف ماؤه.
4- الوجد: الحزن والأسف. وارية : مشتعلاً.
5- في زيارتها الأولى لأبيها رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، خاطبته الزهراء عليها السلام بقولها: بكتك - يا أبتاه - الأملاك، ووقفت الأفلاك، فمنبرك بعدك مستوحش، ومحرابك خالي من مناجاتك ، ... يا أبتاه! ما أعظم ظلمة مجلسك ! ( بحار الأنوار 43: 176/ ح 15)
6- في كتاب ( مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمی ج1 ص 80، ط مكتبة المفيد - قم): .. ولما دُفن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم رجعت فاطمه إلى بيتها، واجتمع إليها نساؤها، فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون! انقطع عنا والله خبرُ السماء ... ووقفت على قبره فقالت :ما ضَر مَن قَد شَم تُربة أحمد *** أن لا يشمَّ مدى الزِّمان غَواليا صُبت علىَّ مصائب أو أنها *** صُبت علَى الأيام صرنّ لياليا
7- نُسب إلى مولاتنا فاطمة سلام ربنا عليها هو أنها أنشدت: قل صبري وبان عني عزائي *** بعد فَقدي لخاتَم الأنبياء إلى أن قالت: يا إلهى عجل وفاتی سريعاً *** قد سئمت الحياةُ يا مولائی

وَمَا طَالَ مِن بَعْدِ الحَبِيبِ فِرَاقُها *** وسُرْعانَ مَا كانَ الفِراقُ تَلاقيا(1)

عَلَى الجَمْرِ أَتْلُو ذِكرَياتِ بَلائِها *** تَمُرُّ عَلَى قَلْبِي فَأَنْسى بَلائِيا

غَدَاةً عَلَى دارِ البَتُولةِ جَمْعاً *** جُمُوعاً مِنَ اَلْغَوْغاءِ ضَلَّتْ مَرامِيا(2)

عَلى بابِ دارٍ كانَ لِلْوَحْيِ والهُدى *** مَناراً ومِيعاداً وَلِلدَّينِ راعِيا

فَجَاءَتْ وقَدْ مَضَّ المُصابُ فُؤادَها*** تُنادِي بِهِ ما لِلْعَتِيقِ وَمالِيا؟(3)

وَيَا وَيْلَكُمْ! فِي الدَارِ أَحْفادُ أَحْمَدٍ *** أَبِالنَارِ جِئْتُمْ تُحْرِقُونَ صِغارِيا؟(4)

أبَوْا وأَصَرُّوا في العِنادِ وَأَضْرَمُوا *** عَلَى البابِ أَحْطابَ الضَّغائِنِ ضارِيا(5)

فَدَارَتْ إلَى جَنْبِ الجِدَارِ وَلَم يَكُنْ*** سِوَى البابِ يَحْمِيهَا الهُجُومَ المُعادِيا

ولَجُوا بِهِ دَهساً وَقَدْ هَدَّهُ اللَّظى*** وَرُدِّ عَلَى أَضْلاعِهَا البابَ داوِيا(6)

ص: 607


1- كانت عليها السلام أسرع الناس لحوقا برسول الله صلي الله عليه و اله و سلم كما أخبرها بذلك، فسرعان ما كان فراقها للدنيا لقاءها مع أبيها رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في جنة النعيم.
2- الغوغاء: الكثير المختلط من الناس، الشفلة من الناس والمتسرعين إلى الشر. المرامي: المقاصد. جاء في ( عوالم سيدة النساء ج 2 ص 571/ ح 24): «.. ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين، وأتي بهم إلى منزل أمير المؤمنين عليها السلام فوافوا بابه !
3- مض: ألم وأوجع.
4- في ( العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 260، ط دار الكتاب العربي - بيروت 1983 م): «.. فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: «يا ابن الخطاب ! أجئت الحرق دارنا ؟! قال : نعم .... ( ينظر أيضا: بحار الأنوار ج 28 ص 339/ ضمن ح 59) وفيه: فقالت فاطمة عليها السلام : «أتحرق عليّاً ووُلدي ؟!» قال : إي والله ، أو ليخرجنّ وليُبايعَنَّ.
5- أخطاب : جمع حطب . ضارياً : مشتداً. وكأنّ الشاعر أراد الضرام فأخطأ المقصود.
6- داوياً : له صوت و صرير.

فَوَيْلِي لِبِنْتِ الْمُصْطَفى حِينَ حُوصِرَتْ *** تُنَادِي أَباها وَالوَصِيَّ المُحاميا

أكانَ على مَرْأَى الإِمامِ ومَسْمَعٍ *** غَداةً أَصابُوا ضِلْعَها؟ لَسْتُ دَارِيا؟(1)

سَلِ البابَ وَالْمِسْمارَ يَروِ اَّلذی جَرَى *** تَفَاصِيلَ آلامِ البَتُولَةِ وافيا(2)

هَوَتْ وَهَوى وَردٌ تَكَسَّرَ غُصْنُهُ*** عَزِيزاً عَلى بَيْتِ النُّبُوَّةِ غَالِيا(3)

***

وتَسْأَلَنِي عَنْ فَاطِمٍ ومُصابِها*** تَفاصِيلُ مَأساةٍ تَوَالَتْ مَآسِيا

فَسَلْ لَيْلَةً تُخْفِي الجُرُوحَ بِمَتْنِها*** ونَعْشاً عَلَى كَفِّ الأَحِبَّةِ عالِيا(4)

وسَل عَن يَتامَى فَاطِم عُمرَ فَاطِمٍ *** وَعْنْ حَسَنٍ سَلْ والْحُسَيْنِ المُراثِيا(5)

وَعَن قاهِرِ الأَحزابِ فاتِحِ خَيْبَرٍ *** إِذِ انْهَدَّ وَهُوَ الشَّامِخُ الطَوْدُ بَاكِيا(6)

ص: 608


1- هذا من باب تجاهل العالم، فكم سائل عن أمره وهو عالم.
2- وافيا: کاملا
3- أراد بالورد المتكر الغصن المحسن عليه السلام
4- أراد دفنها سرا، وكانت عليها السلام ضلعها عن أمير المؤمنين عليه السلام.
5- بعد ما رأت أسماء بنت عُميس أى الزهراء تُوقيت خرجت فتلقاها الحسن والحسين فقالا: أين أمنا؟ فسكتت ، فدخلا البيت فإذا هي ممتدة، فحركها الحسين فإذا هي متوفاة ! فالتفت إلى أخيه الحسن وقال له: يا أخاه! آجرك الله في الوالدة. فوقع عليها الحسن يقبلها مرة ويقول مرة: يا أماه كلميني قبل أن تفارق روحي بدني ، وأقبل الحسين يقبل رجليها ويقول: يا أماه أنا ابن الحسين كلميني قبل أن ينصدع قبلي (کشف الغمة للإربلي 1: 500 ۔ عنه: بحار الأنوار 186:43 ح18)
6- الطود الشامخ : الجبل العالي، وقد قدم الصفة على الموصوف. قالت أسماء للحسن والحسين عليهما السلام بعد ما رأيا أممهما قد تُوفيت: يا آبني رسول الله انطلقا إلى أبيكما علئ فأخبراه بموت أمَّكما. فخرجا.. حتى إذا كانا قرب المسجد ارتفعت أصواتهما بالبكاء، فابتدرهما جميع الصحابة : ما يبكيكما با آبي رسول الله ؟! لا أبكى الله أعينكما، لعلكما نظر تما إلى موقف جد كما (أي قبره) فبكيتما شوقا إليه ! فقالا: أوليس قد ماتت أنا فاطمة ! فوقع على عليه السلام على وجهه وهو: يقول: من العزاء يا بنت محمد ؟! كنتُ بك أتعرى ، ففيم العزاء من بعدك ؟! ( کشف الغمة للإربلي 500:1 - عنه : بحار الأنوار 43: 187/ ح18).

يَقُولُ أَيا ماضُونَ بِالنَّعْشِ مُهْلَةٌ*** فَما بَعْدَ هذَا اليَوْمِ أَرجُوا تَلاقِيا

دَعُوها يُوَدِّعهَا اليَتامى فَإِنَّها *** مَضَتْ لَمْ تُوَدِّعْ حِينَ غَابَتْ صِغاريا(1)

ويَا نَعشُ رِفْقاً بِالعَزِيزَةِ إنّها*** مُجَرَّحَةٌ لاَ تَخْدِشِ الجُرْحَ ثَانِيا

أَلاَ آجَرَ اللَّهُ الوَصِيَّ وَكَفُّهُ *** تَدُسُّ إلى عُمقِ التُّرابِ الأَمانِيا(2)

رَنا نَحوَ قَبرِ المُصطَفى وَدُمُوعُهُ *** تُشاطِرُهُ أَحْزانَهُ والتَّعَازِيا(3)

وَديعَتُكَ الزَّهْراءُ عَادَتْ كَما تَرى *** ولكِنَّها عادَتْ ولَيسَتْ كَما هِيا(4)

ص: 609


1- قال أمير المؤمنين عليه السلام: «فلما هممت أن أعقد الرداء (الكفن ): ناديت: يا أمَّ كلثوم، يا زينب .. يا حسن يا حسين ، هَلموا تزودوا من أمكم، فهذا الفراق واللقاء في الجنة. فأقبل الحسن والحسين وهما ينادیان: واحسرة لا تنطفئ أبدأ من فقد جدنا المصطفى وأنا الزهراء! يا أم الحسن يا أم الحسين ، إذا لقيت جدنا محمد المصطفى فأقرئيه منا السلام وقولي له: إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا. قال أمير المؤمنين عليه السلام : إني أشهد الله أنها قد حتت .. وأنت .. ومدت يديها وضمتهما إلى صدرها مليا ، وإذا بهاتف من السماء ينادي : - يا أبا الحسن، ارفعهما عنها، فلقد أبكيا - والله - ملائكة السماوات، وقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب». (بحار الأنوار 43: 179/ ح 15)
2- عَبَّرَ عن الزهراء عليها السلام بأنها كل أماني أمير المؤمنين عليه السلام، فبدفنها دفن كل الأماني . فالألف واللام في «الأماني» للاستغراق.
3- رنا: أدام النظر في سكون طرف
4- «عن أبي عبدالله الحسين عليه السلام قال : لما قبضت فاطمة عليها السلام دفنها أمير المؤمنين عليه السلام سرّاً وعفى على موضع قبرها، ثم قام فحول وجهه إلى قبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال : السلامُ عليك يا رسول الله عني ، والسلام عليك وعلى ابنتك وزائرك والبائنة في الثرى ببقعيك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك. قل يا رسول الله عن صفيتك صبري ، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي، : إلا أن في التأسي لي بستك في فرقتك موضع تعز، فلقد ودك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري . بلى ، وفي كتاب الله لي أنعم القبول؛ إنا لله وإنا إليه راجعون. قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله . أما حزني فرد، وأما ليلي ف هد، وهم لا يبرح من قلبي ، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم . كم مقيح، وهه مهيج ، سرعان ما فرق بيننا، وإلى الله أشكو .. وسبك ابنتك بتظافر أمتك على هضيها، فأخفها السؤال، واستخبزها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاکمین ... فبعين الله دفن ابنتك را، وتهضم حقها، ومنع إرها، ولم يتباعلي العهد، ولم يخلق منك الأر، وإلى الله یا رسول الله المشتكى ، و فيك يا رسول الله أحسن العزاء، صلى الله عليك، وعليها السلام والرضوان». (الكافي 1: 381 - 382 ح 1 - باب مولد الزهراء فاطمة عليها السلام) وينظر : (بحار الأنوار ج 43 ص 193/ ح 21 وج 43 ص 211/ ضمن ح 40، والمناقب ج3 ص 364، وكشف الغمة ج 2 ص 130).

مُكَسّرَةَ الأَضلاعِ مَنهُوكَةَ القِوىَ *** مُقَرِّحَةَ الأَجفَانِ حُمراً مَآقِيا

فَسَلْ كَعبَةَ الأسرارِ حالِي وَحالَها *** وَسَلْ قِبلَةَ الأحزَانِ حُزنيَ وافيا(1)

فَكَم من غَليلٍ لا يَزالُ بِصَدرِها *** مُقِيماً وما بَثَّتْ إلَيَّ الشَّكاوِيا

سَتَعرِفُ عَن مُسوَدَّةِ المَتنِ ما بِها *** وَتَعلَمُ عَن مُحمَرَّةِ العَيّنِ ما بِيا

عَلى زَفَراتِ الحُزْنِ نَفسِي حَبيسَةٌ *** فَيالَيتَها قَد رَافَقَتْ زَفَراتِيا(2)

ص: 610


1- أي سَل يا كعبة الأسرار، وكعبة الأسرار هنا هو النبي صلي الله عليه و اله و سلم : أي سلها عن حالي وحالها. وسل یا قبلة الأحزان عن حُزني الوافي الكامل.
2- ذكر الحاكم النيسابوري الشافعي أن فاطمة صلوات الله عليها لما توفيت أنشأ أمير المؤمنین علىُّ عليه السلام: نفسي على فراتها محبوسه *** يا ليتها خرجت مع الزَّفرات ( بحار الأنوار 43: 213/ ح 44).

(2)بنتُ المصطفی

(بحر البسيط)

الأستاذ عبدالمسيح الأنطاكي(1)

عَرِّجَ عَلى طَيبَةٍ وَانْزِلْ مَغانِيها *** وَسائِلِ النّاسَ شاكِيها وَباكيها(2)

لعلَّ يَلْقاكَ فيها مَنْ يُجِيبُكَ عَنْ *** تِلْكَ الشُّجُونِ اَلَّتِي عَمَّتْ أَهاليها(3)

أَلا تَرَي النّاسَ فِي خَافِي مَنازِلِها *** إِلْفَ الهُمومِ بِهَا تُقضي لِبارِيها(4)

وَكُلُّ خِلِّ يُسِرُّ الكَربَ يَنْفُثُهُ *** لِصَحْبِهِ وبِهِ هَمْساً يُناجِيها(5)

ص: 611


1- هو عبد المسيح بن فتح الله الأنطاكي الحلبي. ولد في حلب سنة 1291 ه، ونشأ بها نشأة ثقافية علمية ، و هو يعد من الأدباء والكتاب والشعراء والصحفيين المشهورين، وينقل أنه من أصل يوناني، هاجر أحد أجداده إلى أنطاكية واستوطنها، ومنها جاءهم هذا اللقب الأنطاكي، وبعدها انتقلت عائلته إلى مدينة حلب وأقامت فيها. قام المترجم بأعمال ثقافية وأنشطة واسعة، حيث أسس مجلة الشذور، وجريدة الشهباء ثم حولها إلى اسم العمران . أقام الأستاذ الأنطاكي بمصر، ورحل إلى عدن والكويت، وترك آثارة علمية.. منها: 1 - رحلة الرياض المزهرة بين الكويت والمحمرة. 2 - نيل الأماني في الدستور العثماني . 3 - القصيدة العلوية. 4 - الدرر الحسان في منظومات ومدائح الشيخ خزعل خان . وافته المنية في سنة 1341 ه.
2- طيبة: مدينة الرسول صلي الله عليه و اله و سلم مغانيها: منازلها الغنية بالكرم والمكرمات .
3- الشجون: هنا الأحزان العديدة
4- الإلف : الذي يألف الشيء ويعايشه.
5- يناجي : يخاطب بسرية وخفاء

اَصِخ لَعلَّكَ تَدْرِي ما يُضَعْضِعُ سُك*** انَ المَدينَةِ مكِّيها وَطَيبِيها(1)

اَو عَلَّ صَفوَةَ هاتِيكَ الوُجُوهِ بها *** تُغني عَنِ القَوْلِ أن تُبدِيه مِن فيها

نَعم لَقد جَزِعَت مِنْ مِحنَةِ دَهَمَت *** بِاثرِ أُخری ، فاَنسَتها تَهنّيها(2)

في أَمسِها رُزِئَت رُزءاً بِهادِيها *** وَاليَومَ إبنَتُهُ الأَقدارُ تُنهِيها

وهالَها أنّ بِنْتَ المُصطَفی ذَهَبتْ *** غَضبی إليه ، فَتَشْكُو وَهْوَ مُشكِيها(3)

وَمنْ - بِحَقِّكَ - لا يُعنی بِفاطِمَة؟ *** وَمن بِكُلِّ عزيزٍ لَيسَ يَفدِيها؟

وَكَيْفَ قد أَصْبَحَتْ مِنْ بَعد مَا عَلِمَتْ *** بأن لِلْمَوْتِ كانَ الحُزنُ حادِيها؟(4)

وأنّها قَد قَضَتْ عَنْ لَؤعَةِ واَسّی *** قَد أَؤهَياها ، فما أجدی تَداوِيها(5)

وأَنّها اخترَقَتْ في نارِ زَفرَتها *** وَلَمْ يَكُنْ دَمعُها الهامي مُطفّيها(6)

وأنّها غَرِقَتْ في سَيْلِ اَدمُعِها *** وَمَا الزَّفيرُ مِنَ التَغرِيقِ مُنجِيها(7)

ص: 612


1- أصخ: استمع وأضغ. يضعضع: يخضع ويذلُ . مكيها وطيبيها: أي كل من كان من أهل المدينة من الأنصار)، أو من أهل مكة ( المهاجرين).
2- جزعت: أظهرت الحزن والكدر. دهمت: غثيت. تهنيها: تهنوها ورغادة عيشها.
3- مشکيها : سامع شكواها، أو مزيل الأذى الذي تشكو منه.
4- عادثها نساء المهاجرين والأنصار فقُلن لها: يا بنت رسول الله ، كيف أصبحت من علتك ؟ فقالت عليها السلام: «أصبح - والله - عائفة لدنياكنّ، قالية لرجالك ، لفظهم بعد أن عجمتهم، وسيمتهم بعد أن تمبرهم، فقبحا لفلول الحد، واللعب بعد الجد .. بئس ما قدمت لهم أنفسهم أن خط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون .. ( الاحتجاج 1: 149، بلاغات النساء لابن أبي طاهر ابن طيفور ص 19، معاني الأخبار للصدوق 101، أمالي الطوسي 238، شرح نهج البلاغة 16: 236.. وغيرها)
5- أوهياها: أضعفاها.
6- مطفيها: مخففة «مُطفتُها»..
7- يقول أن زفيرها لم يجفف أدمعها لكثرتها. وفي مقابله يقول السيد حيدر الحلي في فاطميات و کربلاء وبكائهن : فدمعُها لو لم يكن مُحرقاً *** عاد به وجهُ الثرى مُعشبا حيث وصف الزفرات بالشدة بحيث تجفف الدموع رغم كثرتها.

وأنَّها قَدْ غَدَتْ في قُرْبِ والِدِها *** تَأْوِي الجِنانُ الّتي الأَبْرارُ تأوِيها(1)

أَجَل فَبِنْتُ رَسُولِ اَللَّهِ مَا صَبَرْت *** عَلَى اللَّيالِي الَّتِي أَدجَتْ دَياجِيها

ومَا اسْتطاعَ عَليٌ مَع بَلاغَتِهِ *** بِسَردِ أي التَّاسِّي أَنّ يُؤَسِّيها(2)

ولَمْ تَزَلْ كارِثاتُ الدَّهرِ تُنْحِلُها *** وَلِلمَنِيَّةِ بِالإِسْراعِ تُمشِيها(3)

حَتَّى قَضَى اَللَّهُ أَنْ تَقْضِي بِكُرْبَتِها *** حَزِينَةَ اَلْنَّفسِ كانَ البُؤْسُ غاشِيها

بِذِمَّةِ اَللَّهِ ذاتُ الطُّهْرِ فاطِمَةِ *** واللَّهُ فِي رَحَباتِ الخُلدِ مُثوِيها

لَئِنْ قَضَتْ وَهِيَ يَاللَّهِ ساخِطَةٌ *** فَالْمُصْطَفَى فِي السَّمَا العُليا يُراضِيها

وَإِنْ تَكُنْ حُرِمَتْ فِي اَلْأَرْضِ تَسْلِيَةً *** فَفِي الجِنانِ تُلاقِي مَا يُسَلِّيها(4)

ص: 613


1- تأويها: تسکنُها.
2- أساه: أما بمعنی داواه ، من قولهم : أيما الجرح، أي داواه . أو من أتاه بمعنی عزاه و سلاه.
3- دخلت أم سلمة رضوان الله عليها عليغ فاطمة الزهراء عليها السلام فقالت لها: كيف أصبحت عن ليليك يا بنت رسول الله؟ قالت: أصبح بین گم وگرب: قبر النبي، وظلم الوصي ! (مناقب آل أبي طالب 2: 205۔ عنه .: بحار الأنوار 43: 156/ ح 5) وروي أنها قالت لأسماء بنت عميس: «إني نحل وذهب لحمي ..». ( تهذيب الأحكام للطوسي 1: 469، الاستيعاب لابن عبدالبر 2: 751، بحار الأنوار 63: 213 ح 43 - عن: التهذيب) وفي ( الجعفريات) أنها عليها السلام قالت لأسماء: «كيف أصنع - قد صرت عظمة، وقد يبس الجلد على العظم!» . ذلك بعد أن قالت لها: «إني قد استقبح ما يصنع بالنساء (أي في التكفين)؛ إنه يطرح على المرأه الثوب فيصفها لمن رأى !». (کشف الغمة للإريتي 1: 503 - عنه: بحارالأنوار 43: 189/ ح 19، الاستيعاب 2: 701)
4- أخبرت فاطمه عليها السلام أمير المؤمنين عليه السلام بقرب رحيلها قائلة له: يا ابن العم، إني أجدُ الموت الذي : لابد منه ولا محي عنه .. فقال لها: من أين لك يا بنت رسول الله هذا الخبر والوحي قد انقطع عا؟! فقالت : يا أبا الحسن، رقد الساعة فرأيت حبيبي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في قصر من الدر الأبيض، فلما رآني قال : هلمي إلى يا بنية ؛ فإني مشتاق ، فقلت: والله إني لأشد شوقا منك إلى القائك، فقال : أنت الليلة عندي . وهو الصادق لما وعد، والموفي لما عاهد. (بحار الأنوار 63: 178 - 179/ ح15) وفي (دلائل الإمامة للطبري الإمامي: 131/ ح 42) : قالت لي : بينا أني بين القائمة واليقظانة بعد وفاة أبي بأيام، إذ رأيت كأن أبي قد أشرف على ، فلما رأيته لم أملك نفسي أن ناديت: يا أبتاه ! انقطع عنا خبر السماء. فينا أنا كذلك إذ أتتني الملائكة صفوفة يقدمها ملكان حتى أخذاني فصعدا بي إلى السماء، فرفعت رأسي .. فإذا أنا بقصور مشيدة، وبساتين وأنهار تطرد، و قصر بعد قصر، و بستان بعد بستان، وإذا قبر اطلع على من تلك القصور جوار كأنهى اللعب، فهن يتباشرن ويضحكن إلى ويقلن : مرحبا بمن لقت الجنة ولقنا من أجل أبيها ... فبينا أنا كذلك ، إذ برزت لي قصور هي أشد بياضا وأنور من تلك ، وفش هي أحسن من تلك الفرش، وإذا بفرش مرتفعة على أسرة، وإذا أبي صلي الله عليه و اله و سلم جالسٌ على تلك القرش، ومعه جماعة، فلما رآني أخذني فضمني وقبل ما بين عيني وقال : مرحبا بابنتي .. ثم قال لي : يا حبيبتي ، أما ترين ما أعد الله لك وما تقدمین عليه ؟! فأراني قصورا مشرقات فيها ألوان الطرائف والحلي والمحلل، وقال : هذا مسكن ومسك زوجتي وولديك، ومن أحبك وأحبهما، فطيبي نفسا ؛ فإنك قادمة على إلى أيام!

لكنَّها تَرَكَتْ مِن بَعْدِها الحَسَنَی*** نِ يَبْكِيَانِ عَلي وافي تَنَحِّيها(1)

وغادرت بَعلَها يَبكِي لِفُرقَتِها *** حُزْناً ودَمعاً وتلطيماً وتَولِيها(2)

وَخَطبُها ضاعَفَ الحُزنَ المُبَرِّحُ فِي *** نَفْسِ العَليِّ الَّذي ما انْفَكَّ يَرْثِيها(3)

ص: 614


1- أراد تنحيها الكامل وابتعادها الأبدي عنهما.
2- ولههُ تؤليها : حزَّنَه تحزينا، أو حيره من شدة الوجد. وفي كتاب مصباح الأنوار المخطوط: لما سوى التراب عليها .. جلس عند قبرها باكياَ حزيناَ !
3- رُوي أنه عليها السلام خاطبها عليها السلام وقائهاً: مالی وقفت على القبور مسلما *** قبر الحبيب فلم يرد جوابي : أحبيب مالك لا تر جوابنا *** أنسيت بعدي خلة الأحباب ؟! : قيل: فأجاب عليه السلام نفسه من عليها السلام: قال الحبيب : وكيف لي بجوابكم وأنا رهين جنادل وتُراب ؟! فعليكم منى السلام تقطعت عني وعنكم له الأحباب ! الجنادل : الأحجار . بحار الأنوار 43: 217/ الرقم 48 - عن الديوان المنسوب الأمير المؤمنين عليه السلام. وفي شرح الديوان : رُوي أن الأبيات الأخيرة معت من هاتف).

وبَعْدَ ما أُودِعَت في وَسْطِ حُفرَتِها*** لِرَحْمَةِ الله والإجلالُ غاشِيها(1)

تَطَلَّعَ المُرتَضَی استِطْلاعَ ذِي لَهَفٍ*** إلَی التُّرابِ الَّذي أمسی مُغَطِّيها

ثُمَّ إلی تُرْبَةِ الهادِي تَوَجَّهَ في***أَليمِ أَخزانِهِ ما اسطاعَ يُخفِيها

وَقالَ : يا، أَحمَدُ الهادي عَلَيْكَ سَلا *** مي مَع سَلامِ الَّتي تَهوی تَلاقِيها(2)

هذِي الّتي لَحِقَتْ عَلياكَ مُسرِعَة *** وَفِي جِوارِكَ حَلَّت كَی تُواسِيها(3)

قَلَّ آصطِبارِي قِلئّ لا عَنْ صفيّتكَ الز ***زَهرا ، وَنَفْسِيَ هذا الخَطْبُ مُوهيها(4)

لكِنْ بُفرقَِتِك العُظمی وَجَدتُ لنف***سي في المُصِيبَة هذي ما يُسَلِّبها

ما بَيْنَ نَحرِي وَصَدْرِي إنَ نَفْسَكَ قَد*** فاضَت ولَبِّتْ ندا رَبَّ يُنادِيها

وَفي حَفِيرَتِكَ العُليا دَفَنتُكَ مَح*** زوناً وَلَؤعَةُ نَفسِي أنتَ تَدرِيها

لِله نَحنُ ونَحنُ الرّاجِعونَ الَي*** هِ رَجْعَةَ لَيسَ مِنّا مَن يُعاصِيها

إن الوَدِيعَةَ مِنّي اليَومَ قَد أخِذَت*** وَاستُرْجِعَتْ ، لَمْ تَكُ الأقدارُ تُرجِيها(5)

وإن حُزْنِي باقٍ سرمداً أبَداً *** بِه طِوالَ اللّيالي ظَلْتُ أُحيِيها

ص: 615


1- من هنا إلى آخر القصيدة يذكر الشاعر مضمون دبة أمير المؤمنين عليه السلام التي وجهها إلى قبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بعد دفنه فاطمة الزهراء عليها السلام.
2- يصح أيضا ضبطها «تلاقيها، أي تحب أن تلاقيها . و حذف الناصب .
3- المفروض أن تكون «تواسيها»، لكن إسكان الياء ضرورة شعرية .
4- موهيها: مضيقها.
5- ترجئها: توخرها.

حَتَّى يَخارَ لِيَ اَللَّهُ الرَّحِيمُ دِيا *** راً أَنت يا خَيْرَ خَلْقِ اللَّهِ تَثْوِيها(1)

وإنَّ إِبْنَتَكَ الزَّهْرَاءَ تُخْبِرُك اَلْ*** أخْبارَ عَنْ حالِنَا السُّوأي وَ تَرْوِيها(2)

وَسَوْفَ تَعْلَمُ مِنها أى اُمَتَكَ اَلْ*** عَربا عَلى هَضْمِهَا أَمْسى تَجَنِّيها

فَأَحفِها كَرَماً مِنْكَ السُّؤَالَ وَ كُن *** مُسْتَخْبِراً حَالَنا مِنْها فَتَحْكِيها

هذا ولَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ المَجِيدُ بِنَا *** عَهْدُ النبوّةِ فِي سامِي تَجَلِّيها

وَالذِّكْرُ مِنْكَ الَّذِي يَحْلُو تَذَكُّرُهُ *** مَا أخْلَقَتهُ اللَّيالِي فِي تَتَالِيها

ثُمَّ اَلسَّلامُ عَلَى رُوحَيْكُمَا عَطِرٌ *** أَتْلوهُ مَا فِي السَّما لاحَتْ دَرارِيها(3)

سَلاَمُ غَيْرِ بَغِيضٍ لا وَلا سَئِمٍ *** مُوَدَّعٍ زَهْرَةِ الدُّنْيَا ومَا فِيها

إِنِ انْصَرَفْتُ فَلَيْسَ الإنْصرافُ مِلا*** لاً والمَلالَهُ مِثْلي لا يُدانِيها

وَإنْ أَقَمْتُ فَمَا عَنْ سُوءِ ظَنِّي بِاا*** للَّهِ المُعَزِّي الْحَزاني فِي تَعَازِيها

وَلاَ بِما وَعَدَ اللَّهُ اَلْأُلَى صَبَرُوا *** عَلَى المَصائِبِ دَاهِيها وَقَاسِيها(4)

ص: 616


1- تثويها : تُقيم فيها وتُسكنُها .
2- لأنها هي عليها السلام التي لحقت بالنبي ، فهي التي تخبره بما جرى عليهم بعد فقير النبيصلي الله عليه و اله و سلم
3- الدراري : جمع الدري ، وهو الكوكب الثاقب المضيء كالدر.
4- لما دفن أمير المؤمنين عليه السلام فاطمة الزهراء عليها السلام، وعفى موضع قبرها ونفض يده من تراب القبر، هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خديه، وحول وجهه الشريف إلى قبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم فقال : السلام عليك يا رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، السلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك، وزائرتك، والبائنة في الثرى ببقعتك، المختار الله لها سرعة اللحاق بك. قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، وضعف عن سيدة النساء تجدي ، إلا أن في التأسي لي بشتك في فرقيك موضع تعز، فلقد ودك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري .بلی، وفي كتاب الله لي أنعم القبول، إنا لله وإنا إليه راجعون! قد آسترجعت الوديعة، وأخذت : الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء. یا رسول الله ! أما حزني فسرمد، وأما ليلي ف هد، لا يبرح الحزن من قلبي ، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم . كم مقيح، وهم مهیج، سرعان ما فرق الله بيننا وإلى الله أشكو! | وسنبئك ابنتك بتظافر أمتك علي وعلى هضمها حقها، فأحفها السؤال، واستخرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا، وستقول ويحكم الله والله خير الحاکمین. والسلام عليكما سلام موع، لا قال ولا سيم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن شوء ظئ بما وعد الله الصابرین . واها واها! والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبه المستولین تجلع المقام والبث لزاما معكوفة ، ولأعول إعوال الثكلى على جليل الرزية! فيعين الله تدفن ابنتك سرا، وتهضم حقها، ويمنع إرها، ولم يتباعلي العهد، ولم يخلق منك الأر! وإلى الله یا رسول الله المشتكى ، و فيك يا رسول الله أحسن العزاء، صلى الله عليك، وعليها السلام والرضوان».. الكافي 1: 458 - 459/ ح3 - عنه: بحار الأنوار 43: 193 - 194/ ح 21. وروي ذلك أيضا: الطوسي في أماليه 1: 107 - 108، والشيخ المفيد في أماليه 281 - 283، وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة 10: 265،.. وغيرهم).

بِذا لَقَدْ وَدّعَ المَحْزُونُ حَيْدَرَةُ *** بِنْتَ الرَّسُول الَّتي يَبْكِي تَنائِيها(1)

والحُزْنُ أَشْغَلَهُ عمّا أَهَمَّ سِوا *** هُ مِن مَطامِعِ دُنياً خابَ راجِيها

ص: 617


1- تنائيها: تباعُدها.

(3)هیَ الخوراء

(بحر الوافر)

المهندسة کوثر شاهين

دَعُوني أَبتَدِي حَرفي صَلاةً *** عَلَى المُخْتَارِ طه وَالوَصَئِّ

وَلِلسِّبطَينِ والزَّهْراءِ حَرفي *** ولِلْحَوْراءِ بِالدَّمْعِ السَّخِيِّ(1)

ومَنْ نَزَلَتْ بِهَا الآياتُ تَتْرِي *** وَمَن فُطِمَتْ بِأَكْنَافِ النَّبِيِّ(2)

وَمَن في كُلِّ فاتِحَةٍ تَجَلَّت *** بِأَنوارٍ مِنَ اللَّهِ الوفيِّ(3)

ومَنْ وُلِدَتْ بِمَكِّهِ بَعدَ خَمْسٍ *** وفِي الإِسْراءِ فِي الصُّلْبِ اَلزَّكِيِّ(4)

بِهَا حَمَلَتْ خَدِيجَةُ بَعْدَ وَهْنٍ *** تُحَدِّثُهَا مِنَ الرَّحِمِ الوَضِيِّ(5)

وَ تَحْضَرُ أَرْبَعٌ سُمرٌ طُوَالٌ *** وُحُورُ العِينِ بِالطِّيبِ النَّديِّ

وَماءٍ كَؤثرٍ عَذبٍ طَهُورٍ *** لِغَسلِ بَتُولِ طَةَ والوَليِّ

ص: 618


1- الدمع السّخي: الوفير المدرار.
2- تتری: متتابعة. الأكناف : جمع الكنف، وهو الجانب أو الظل، أو حضن الإنسان، وهذا الأخير و هو الأنسب.
3- أي في كل فاتحة قول و عمل .
4- إشارة إلى حديث المعراج، وأكله صلي الله عليه و اله و سلم : الثمرة التي صارت نطفة في صلبه المبارك ، ثم صارت إلى رحم خديجة الكبرى ، فولدت فاطمة الزهراء عليه السلام
5- الوهن: الضعف. الوضي: النظيف الحسن، المشرق بنور العفاف والطُّهر واختصاص رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم به.

وَإذ نَطَقَت تَباشَرَ رُسلُ ربِّ: *** سَلاماً طيباً بِاسمِ العَليِّ (1)

ص: 619


1- تلك قصة المولد الأغر لأسمى امرأة في الوجود حتى سادت عوالم النساء في الدنيا والآخرة قال المفضل بن عمر للامام الصادق عليه السلام: كيف كان ولادة فاطمة عليها السلام؟ فقال : عليه السلام«نعم، إن خديجة عليها السلام ما تزوج بها رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم هجرثها نسوة مكة وكان جزعها و غمها حذرا عليه ، فلما حملت بفاطمة كانت فاطمة عليها السلام تحدثها من بطنها وتصبرها، وكانت تكتم ذلك من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ، فدخل رسول الله يوم فسمع خديجة تحدث فاطمة عليها السلام، فقال لها: يا خديجه من تحدثين ؟! قالت : الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني ، قال : يا خديجة ، هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى، وأنها النسلة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالی سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أثم ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه. فلم تزل خديجة علي على ذلك .. إلى أن حضرت ولادتها ، فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالين لتلين مني ما تلي النساء من النساء، فأرسلن إليها: أن عصيتنا ولم تقبلي قولنا، وتزوجت محمدا يتيم أبي طالب فقيرة لا مال له، فلسنا نجيء، ولا نلي من أمرك شيئا. فاغتمت خديجة عليها السلام لذلك .. بينا هي كذلك، إذ دخل عليها أربع نسوة شمر طوالي كأنه من نساء بني هاشم، ففزعت منهن لما رأته ، فقالت إحداهن: - لا تحزني يا خديجة، فإنا ژل رئك إليك، ونحن أخواني : أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم. وهي رفيق في الجنة ، وهذه مریم بنت عمران ، وهذه كلثم أخت موسی بن عمران .. بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء. فجلست واحدة عن يمينها، وأخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها.. فوضت فاطمة علي طاهرة مطهرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة ، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور. ودخل عشر من الحور العين، كل واحدة منهن معها طس من الجنة وإبريق من الجنة، وفي الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن وأطيب ريحة من المسك والعنبر، فلقتها بواحدة وقعتها بالثانية، ثم استنطقها، فنطقت فاطمة عليها السلام بالشهادتين، وقالت: - أشهد أن لا إله إلا الله، وأن أبي رسول الله سيد الأنبياء، وأن بغلي سيد الأوصياء، وولدي سادة الأسباط : ثم سلمت عليه، وسمت كل واحدة منهن باسمها، وأقبل يضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة فاطمة عليها السلام وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكه قبل ذلك، وقالت النسوة: خذيها یا خديجة طاهرة مطهرة زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها .. ( أمالي الصدوق 475 - 476/ ح 1 - المجلس 87)

وَبِالسِّبطَينِ مِنْ بَعْلٍ كَرِيمٍ*** لِنَسلٍ قَد تَباركَ بالوَصِيُ

فأَشهَدَتِ السَّماءَ بلا إلهٍ *** سِوَی الرحمانِ أنزَلَ لِلنَّبيِّ

بسُورَةِ هَل أَتی في كُلِّ بابٍ *** سَلامُ اللهِ لِلْوَجْهِ البَهیَّ(1)

لِخَيْرِ النِّسوَةِ اللّاتِي اصطُفِينَ *** منَ الدّارَيْنِ بالخُلقِ الرَّضِیِّ

بِها بَحرٌ النُّبُوَّةِ بَحرُ طه *** وَبَحرُ المُرتَضَی الهادِي النَّقيِّ

لِيَخرُجَ مِنهُما السِّبطانِ نوراً *** وَزَيْنُ العابِدينَ مِنَ التَّقيّ(2)

هُوَ البَكاءُ لِلحَوراءِ يَهدِي *** ببَيْتِ الحُزنِ بالدَّمع السَّخي(3)

صَلاهً فی قِيامٍ في قُعودٍ *** بِذکرِ الله بالقَولِ السَّمِیِّ(4)

ص: 620


1- في كتاب (أسد الغابة لابن الأثير ج 5 ص 530) في حديث طويل عن ابن عباس قال في قوله تعالى : و يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرة ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرة : إنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين.
2- التقي: تُريد به الإمام الحسين سيد شباب أهل الجنة عليه السلام. وفي الأبيات إشارة إلى تأويل قوله تعالى : (مَرجِ اَلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخ لاَ يَبْغِيَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكْذِبَانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ والْمَرْجَانُ ) (الرحمان: 19 - 22) فالبحران علي وفاطمة، والبرزخ رسول الله، واللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين وباقي الأئمة عليها السلام.
3- الحوراء: فاطمة عليها السلام، لأنها حورية إنسية.
4- السَّمي : السامي العالي.

فَيا حَوْراءَ طه لِي صَلاةٌ *** إلَيْكِ باَدمُعِ المُزْنِ الرَّوِيِّ(1)

أَجيءُ لِرَوْضَةِ ما بَينَ قَبرٍ *** وَمِنبَرِ سَيِّدِ الخَلْقِ العَليّ(2)

أُعَفِّرُ جَبهَتِي وأَمُدُّ كَفي *** لاَضرَعَ بالصّلاةِ عَلَی النَّبِيِّ(3)

وَمَن قَد أحصَنَت لِلهِ نَفساً *** بَقَؤلِ الحَقِّ والنَّهجِ السَّوِيِّ

فَحَرَّم نَسلَها مِن لَمسِ نارٍ*** وَشِيعَتَها ، فَيا مَنْ بِالغَرِي(4)

عَلَيْكَ سَلامُ ربِّكَ في جِنانٍ *** مَعَ الحَوراءِ بِالنُّورِ البَهِيَّ

فَحَيُّوا بِالصَّلاةِ مَقامَ طه *** وَحَيُّوا بِالوِلايَةِ لِلأبِیِّ

وَخَيرِ الخَلقِ مِنْ إنسٍ وَجِنٍّ*** وَبابِ العِلمِ مِنْ بَعْدِ الهَدِيّ(5)

بِهِ الآياتُ قَد نَزَلَتْ تِباعاً *** وَفي خُمٍّ وَخَيبَرَ مِن عَلِيِّ(6)

ص: 621


1- المزن: المطر أو الشحاب الذي يحمل الماء، قال تعالى : (أأثم أنزلتموهُ من المزن أم نحن المنزلون ) (سورة الواقعة: 69). الرويّ : الذي يروي العطاشى.
2- عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : «ما بين قبري ومنبري روضةٌ من رياض الجنة». ( معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص 267/ح1)
3- أعفر: أمرغ وأدت في التراب .
4- أشارت إلى حديث أن الله حرم نسل فاطمة وشيعتها على النار، ثم التفتت وخاطبت أمير المؤمنين عليه السلام في النجف الأشرف، وهو الغري.
5- الهدي: أي النبي صلي الله عليه و اله و سلم الهادي . مما اشتهر عن رسول الله عند الفريقين، على نحو الاستفاضة، قوله: «أنا مدينة العلم وعلي بابها»
6- في خم هذا الغدير المعروف كانت تلك الواقعة العظمى بيعة أمير المؤمنين عليه السلام من قبل الحجيج وكانوا بین 80 - 100 ألف بأمر من الله تعالى، وتنفيذ من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم حيث نزلت الآية الكريمة: ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته..* (سورة المائدة: 67)، وبعد أن تمت البيعة للإمام علي بإمرة المؤمنين نزلت الآية :اليوم أكملت لکم دينكم وأتممت عليکم نعمتی ورضيت لكم الإسلام دينا (سورة المائدة: 3). من علئ : من الله العلي تبارك شأنه. وموقف على عليه السلام في خيبر وشطره مرحبا أشهر من الشمس في رابعة النهار.

لِأُمّ الأَبِّ فاطِمَةُ البَتُولُ *** وَوَارِثَهُ الطَّهارَةِ والنَّبِيِّ(1)

قَرِينَةُ سَيِّدِ الثَّقَلَيْن تَشْكُو *** لِرَبِّ العَرْشِ مَظْلَمَةَ الشَّقِيِّ(2)

هِيَ الحَوراءُ لا أَبغِي سِواها *** بِبرٍّ اَقتَفِی نَهجَ الرَّضیِّ

قَسِيمِ النَّارِ والجنّاتِ رُوحِي *** فِداکَ اَبا تُرابٍ مِن وَصِیّ(3)

ص: 622


1- إشارة إلى قول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في فاطمة أنها أم أبيها، فالألف واللام في «الأب» للعهد .
2- لما أشهدت فاطمه عليها السلام عمر وأبا بكر أنهما معا من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قوله: «فاطمة بضعة مني وأنا منها، من آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ..»، وأقرا بقولهما: اللهم نعم، قالت: اللهم إني أشهدك - فاشهدوا یا من حضرني - أنهما قد آذاني في حياتي وعند موتي . والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكو ما إليه بما صنعتما بي وارتكما مني». (علل الشرائع للصدوق 1: 187ح 2 - الباب 168، عنه: بحار الأنوار 209:53 / ح 31) وفي رواية أخرى: رفعت يدها إلى السماء فقالت: «اللهم إنهما قد آدیاني ، فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك ..». (کتاب سليم بن قيس الهلالي 254 - عنه: بحار الأنوار 3: 199/ ح 29)
3- قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم لعلي: «إذا كان يوم القيامة يؤتى بك يا علي بسرير من نور، وعلى رأسك تاج قد أضاء نوره وكاد يخطف أبصار أهل الموقف، فيأتي النداء من عن الله جل جلاله : أين وصي محملي رسول الله ؟! فتقول: ها أنا ذا ، فينادي المنادي : أدخل من أحبك الجنة ، وأدخل من عاداك النار، فأنت قسيم الجنة والنار». ( فرائد السمطين للجويني الحمويني الشافعي 1: 106 - 108، أمالي الصدوق 295/ ح 14 - المجلس 57. ويراجع: مناقب الإمام علي عليه السلام لابن المغازلي 67/ ح 97، المناقب للخوارزمي الحنفي 71 و 394، والبداية والنهاية لابن كثير 7: 355، والعلل للدار قطني 6: 273/ الرقم 1132، وحلية الأولياء لأبي نعيم 1: 66.. وعشرات المصادر) وروي عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم : قوله: «أحب أسمائك أبو تراب ، أنت أبو تراب» . (ترجمة الإمام علي عليه السلام من تاريخ دمشق لابن عساکر 1: 33) وفي (خصائص أمير المؤمنين عليه السلام 211/ ح 153) كتب النسائي : حين وجد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم علیَّ : بن أبي طالب عليه السلام و عمارا نائمين في دقعاء من التراب ، أيقظهما، وحرك عليّاً فقال : قم يا أبا تراب». (ويراجع أيضا: دلائل النبوة للبيهقي 3: 12، ومسند أحمد بن حنبل 2: 182 و 802 و تاريخ الطبري 2: 409، و تاریخ بغداد للبغدادي 1: 135.. وغيرها كثير).

ومِن زَوجٍ لِخَيرِ نِساءِ أَرْضِ *** وَفي الدَاريْنِ بِالنُورِ البَهِيِّ(1)

سَلامُ اللهِ حَوراءٌ لطه *** لآلِ البَيتِ مِن ربٍّ سَخيِّ

لِکُلِّ المُؤمِنِينَ بِهِم جَميعاً *** أئِمَّةِ طُهرِ آلاءِ العَلِيَّ(2)

فَصَلُّوا إخوَتي في ذِکرِ أُمٍّ*** هِیَ الزَّهراءُ مِن نُورٍ جَلِیَّ(3)

هِی الحَوراءُ بَحرٌ مِنْ عُلومٍ *** وَمِنْها نَسلُ طهَ وَالوَصِيِّ(4)

ص: 623


1- كتب العاصمي في ( زين الفتي).. قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم لعلي: «إن الله عز وجل أشرف على الدنيا فاختارني منها من رجال العالمين ، ثم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين ، ثم اطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين، ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين». (عنه : فاطمة الزهراء عليها السلام للعلامة الأميني ص 43)
2- العلي : الله تبارك و تعالی.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب (البحار ج 4 ص 44/ ح 81 - عن: الفضائل لابن شاذان، والروضة من الكافي للكليني) في حديث طويل عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم : «فتكلم الله جل جلاله كلمة فخلق منها روحا، ثم تكلم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نورة، فأضاف النور إلى تلك الروح وأقامها مقام العرش، فزهرت المشارق والمغارب في فاطمة الزهراء؛ ولذلك شميت «الزهراء» ؛ لأن نورها زهرت به السماوات ..)
4- في (تاريخ بغداد 1: 319-317) روى البغدادي أن العباس بن عبدالمطلب سأل النبي صلي الله عليه و اله و سلم : أحب هذا؟ وأشار إلى علي عليه السلام، فأجابه النبي صلي الله عليه و اله و سلم : «يا عم رسول الله ، والله لله أشد حبا له مني، إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا». وفي كتاب (إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي الشافعي ص 54 ح 29، تحقيق: الشيخ كاظم الفتلاوي): أخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : «كل بني أنثى ، فإن عصبتهم لأبيهم، ما خلا ولد فاطمة ؛ فإني أنا عصبتهم وأنا أبوهم». (رواه الطبراني في المعجم الكبير 1: 126)

مُبارَكةٌ طَهُورٌ في سَماءِ *** ونُورُ المُصطَفى، أمّ الصَّفيِّ(1)

ص: 624


1- عن عبدالله بن سليمان قال: قرأت في الإنجيل في وصف النبي صلي الله عليه و اله و سلم : «ذو النسل القليل ؛ إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة ، لا صخب فيه ولا نصب، يكفلها في آخر الزمان (أي النبي صلى الله عليه واله و سلم) كما کفل زکريا أمك ( الخطاب مع عيسی علا)، لها قرخان مستشهدان». (بحار الأنوار 22:43 / ح 14)

الاراجيز

اشارة

ص: 625

(1)خامس الاطهار

(بحر الرجز)

الشيخ سلطان علي الصابر

حَديثُنا عَنْ جابِرٍ الأَنْصارِي *** فَاضْغِ لَهُ فِي الخَمْسَةِ اَلْأَطْهَارِ

قَالَ رَوت سَيِّدَهُ النِّساءِ *** حَديثَهَا المَؤسومَ بِالكِساءِ

تَقولُ جاءَ سَيِّدُ الأَنَامِ *** يَزورُني يَوْماً مِنَ الأَيَّامِ

فَقَالَ لِي فِي بَدَنِي ضُعْفاً أَرَى *** جِئْتُ أَذُوقُ عِنْدَكِ طِيبَ الكَرِي(1)

فَقُلتُ بِاللُّطْفِ وبِالإِحْسانِ *** أُعِيذُكَ بِالْمَلِكِ المَنّانِ

فَقالَ يا بِنْتَاهْ ناوِلِينِي *** ذاكَ الكِساءَ وَبِهِ غَطِّيني(2)

(*) الشيخ سلطان علي بن ملا حسين صابر التستري . ولد با استر» جنوب إيران عام 1359 ه، أخذ

علومه و معارفه في حوزة كربلاء المقدسة على علمائها الكبار، أمثال آية الله العظمى الشيخ يوسف الخراساني، وآية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي، والشيخ محمد الكلباسي ، والسيد مرتضى القزويني ، والسيد حسن الشيرازي، والشيخ جعفر الرشتي . وقد رقى المنبر الحسيني خطيبة باللغتين : العربية والفارسية، و قرض الشعر أيضا باللغتين : العربية والفارسية منذ عنفوان شبابه . صدر له مؤلفات عديدة، منها: 1- شرح قصيدة الفرزدق و تخميسها. 2 - الموشحات الدينية . 3 - منظومة حديث الكساء. 4 - رباعيات التستري . 5- أركان

البلاد وساسة العباد في رجال تستر و عربستان . وما زال في خدمة الدين والمذهب.

ص: 626


1- طيب الكرى : هانىّ النوم.
2- الكساء : الثوب ، أو ما يُكتسي به فوق الثياب ويُلتحف به .

وَقَد أتَيتُ بالكِسَا اليَماني *** وَفِيهِ غَطَّيتُ سَنَا لإيمانِ(1)

ثُمَّ تَلالا وَجهُهُ كَالبَدرِ*** في لَيْلَةِ الْكَمالِ بَعدَ العَشرِ(2)

***

وما قَضَيْتُ ساعَةٌ مِنَ الزَّمَن *** إلّا رأيتُ قادماً اِبنِی الْحَسَن(3)

فَجاءَ نَحوي ولَدي مُسَلّما *** فَقُلْتُ : ْاَقدِم يا فُوادي مُكرَما

فَقالَ : يا أمّاهُ بِنْتَ الخِيَرَه *** فِي بَيتِنا أَشَمُّ ريحاً عَطِرَه(4)

طَيِّبَهٌ فَيالَها مِن رائِحَة *** كَاَنَّها مِنْ طِيب جَدَي فائِحَة !

قُلْتُ : نَعَمْ يا وَلَدی تَحْتَ الْکسا *** جَدُّكَ ذا فِيهِ تَغَطّی وَاكتَسی

فَجاءَ نَحوَهُ أبنُهُ مُبتَسِما *** كَمَنْ رَأی أمامَهُ بَدرَ السَّما

ما إن دَنَا السِّبطُ لَدَيِه وَقَفا *** مُسَلَّما عَلَی النِّبي الْمُصْطَفی

فَفاةَ بالمَدحِ لَهُ لَمْ يَجِدِ *** فَاَطْرَبَ الأَفنانَ وَالْغُصْنَ النَّدي(5)

فَقالَ : يا جَدّاهُ هَل تأذَنُ لي *** أن أدخُلَ الکِسا لِنَيلِ الاَمَلِ؟(6)

ص: 627


1- اليماني : المصنوع في اليمن. تا الإيمان : وهج الإيمان ونوره وضياؤه .
2- تلالا : مخففة «تَلالا ». ليلة الكمال ليلة الخامس عشر من الشهر، حين يكون القمر بدراً تما کاملا ، تحيط به هاله النور. ولو قال: «في ليلة الخامس بعد العشر» لكان المعنى أدقّ.
3- قطع همزة «ابني» وهي همزة وصل، للضرورة.
4- بنت الخيرة : بنت الأخيار الأبرار .. محمد المصطفى ابن عبدالله بن عبدالمطلب (شيبة الحمد) ابن هاشم (عمرو العلى بن عبد مناف ( المغيرة بن قصي (زيد) ... كانوا أشراف الناس ، كما كانوا على دين الحنيفية، أحناف موحدين على ملة أبيهم إبراهيم الخليل سلام الله عليه.
5- فاه: تفوه وتكلم. الأفنان : الأغصان، وفي القرآن الكريم : ولمن خاف مقام ربه جنتان فبائ آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان ( سورة الرحمن : 46 - 48).
6- لعل (الأمل) هنا يراد به الشرف ، ونوال التشرف بالانضمام إلى النبي صلي الله عليه و اله و سلم تحت کسائه، وانتظار : نزول الآية الكريمة : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»( الأحزاب : 33)

اَجَابَهُ هِيَا إِلَى أَسْرِعِ *** نَعِمتَ عَيْنَاً وَلَدي فَكُنْ مَعي

***

ثمَّ أَتاني ثانِيُ اَلسِّبْطَيْنِ *** مُهْجَة قَلْبِ سَيِّدِ الكَوْنَينِ(1)

مُبَجَّلاً لي بَهْجَةُ الأَزْمانِ *** مُسَلِّماً يُبْدِيهِ بِالاِحْسَانِ

فَقَالَ لِي مُذْ شَمَّ تِلْكَ اَلرَّائِحَةَ *** ذا طِيبُ جَدّي وشَذاهُ فَائِحُهُ(2)

قُلْتُ نَعَمْ جَدُّكَ ذَا شَمْسُ العُلى *** وَذا أَخُوكَ فِي الكِساءِ دَخَلا

فَجَاءَ نَحْوَ جَدِّهِ مُسَلِّما *** حَتَّى يَفوزَ بِالْكِسا ويَنعُما

مَاسَ دَلالاً يَنْثَنِي ويَمْدَحُ *** كَبُلْبُلٍ فَوْقَ الغُصونِ يَصدَحُ(3)

فَقَالَ يَا جَدَّاهْ هَلْ تَأْذَن لِي *** فَأَكْتَسِي عِنْدَكُما يَا أَمَلِي

قَالَ أَذِنتُ لَكَ يا رَجايا *** وَنورَ عَيني شافِعَ البَريا(4)

ص: 628


1- ظهور الضمة على ياء ثاني» ضرورة شعرية، على حد قول الراجز : ليس لكم ما شئتم وشيت *** بل ما يشاء المحيي المميت
2- شذاه: مسكه وعطره. وأنث الضمير في «فائحه» باعتبار أن الطيب والشذاهما رائحة وهي مؤنثة ، فالتأنيث باعتبار المعنى لا اللفظ.
3- ماس : تبختر فرحا وسرورا .
4- أصل رجايا: رجائيا ، ثم حذفت الهمزة تخفيفا. والألف للإطلاق. والإمام الحسين صلوات الله عليه شفاعته من أعظم الشفاعات، يشفع لمحبيه والباكين عليه، ويشفع لمواليه والثابتين على ولايته، والمتبرئين من أعدائه وقتلته .. وما زلنا نلهج في آخر زيارة عاشوراء: «اللهم ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود، وثبت لي قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام». يدعى بذلك في حالة السجود لله تعالى ، وهي أقرب ما يكون العبد فيها من الله تعالی

فَأَفْسَحَ الْمَجالُ فِي ذَاكَ الكِسا*** ثُمَّ دَنَا السِّبْطُ إِلَيْهِ واكتَسى

***

ثُمَّ أَتي مِن بَعْدِهِ الوَصِيُّ *** ذاكَ الإِمامُ المُرتَضى عَلِیُّ(1)

فَقالَ لِي يَا بِنتَ خَيْرِ الْبَشَرِ *** أَراكِ مُسْتَبْشِرَةً فَأَبْشِرِي

مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ المُعَطَّرَه *** أَشَمُّها فِي بَيْتِكَ مُنْتَشِرِه؟

فَطالَما شَمَمْتُ تِلْكَ الرَّائِحَه *** مِنِ ابْنِ عَمِّي وحُبِيبِي فَائِحَه(2)

قُلْتُ نَعَمْ تَحْتَ الْكِساءِ هذا *** وإِنَّ شِبلَيكَ بِهِ قَدْ لاذا

فَمُذْ رَأَى أَنَّ أَباها عِنْدَها *** وَجْهُهُ بِالْبُشرِ أَنارَ وَازدَهي(3)

ثُمَّ دَنا إِلَى الکِسا وازدَلَفا *** مُسَلِّماً عَلَى النَّبِيِّ المُصطَفى(4)

ص: 629


1- عشرات الروايات تنص - بل هي مئات . على أن عليّاً عليه السلام هو الوصي والخليفة من بعد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ورد ذلك في كتب السنة والشيعة على نحو التواتر والشهرة في أحاديث ژویت موثقة الأسانيد وفيرة لا تحتاج إلى توقف أو تردد أو تشكيك أو تحقيق، ولم يرد ذلك في أحد من الصحابة .• من ذلك رواية أبي هريرة، ينقلها محمد بن رستم معتمد خان البدخشاني في كتابه (تحفة المحبين بمناقب الخلفاء الراشدين ص189- من المخطوطة) وكذا عن أبي سعيد الخدري ، عن سلمان الفارسي، أن النبي صلى الله عليه و اله سلم قال: «إن وصيي ، وموضع سري، وخليفتي على أهلي ، وخير من أخلقه بعدي : علي بن أبي طالب». • وفي ( توضيح الدلائل في تصحيح الفضائل ص 409 - من المخطوطة) روى السيد شهاب الدين أحمد عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه واله سلم قال: «إن أخي، ووصيي، ووزيري: علي بن أبي طالب».
2- فاح المسك قيحاً وفيحاناً : انتشرت رائحته.
3- البشر: الفرح والسرور. از دهی هنا: استبشر وابتهج. ويجب اختلاس حركة الهاء الثانية من وجهه» ليستقيم الوزن. ولو قال : «الوجه بالبشره لتخلص .
4- از دلف: دنا واقترب.

مُستَأذناً مِن سَيِّدِ الأَنامِ *** ذِي العِزِّ والإجلالِ وَلإِكرامِ

قالَ : نَعَمْ أبا الهُداةِ الخِيَرَه *** وَوارِثي مِنَ الكِرامِ البَرَرَه(1)

أنتَ أخي ، شارِكني في كِسايِي*** طُوبی لِمَنْ في يَدِهِ لِوائي(2)

فاغتَنَمَ الفَخْرَ بِهذَا السُؤْدَدِ *** حينَ اكتَسی لَدَی النَّبِيِّ الأَمْجَدِ(3)

ص: 630


1- سأل جندل بن جنادة بن جُبير اليهودي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أسئلة عديدة .. إلى أن قال : . أخبرني عن أوصيائك من بعدك ؛ لأتمسك بهم . - أوصيائي الاثنا عشر. . هكذا وجدناهم في التوراة .. سمهم لي . قال صلي الله عليه و اله و سلم : - أولهم سيد الأوصياء أبو الأئمة علي ، ثم ابناه الحسن والحسين، فاستمسك بهم ولا يغرنك جهل الجاهلين . فإذا ولد علي بن الحسین زین العابدين يقضي الله عليك .. قال جندل : وجدنا في التوراة وفي كتب الأنبياء عليهم السلام: إيليا وشبرة وشبيرة، فهذه اسم: علي والحسن والحسين، فمن بعد الحسين وما أساميهم؟ قال صلي الله عليه و اله و سلم: - إذا انقضت مدة الحسين فالإمام ابنه على ويلقب ب زین العابدين»، فبعده ابنه محمد بلقب با «الباقر»، فبعده ابنه جعفر يدعى ب «الصادق»، فبعده ابنه موسى يدعى بالكاظم»، فبعده ابنه على يدعى بالرضا»، فبعده ابنه محمد يدعى بالتقي» و«الزك»، فبعده ابنه علي يدعى با «النقي» و«الهادي»، فبعده ابنه الحسن يدعى ب «العسكري»، فبعده ابنه محمد دعى با «المهدي» و«القائم» و «الجة»... طوبى للمقيمين على محبتهم ! ( ينابيع المودة للشيخ سليمان القندوزي الحنفي 286 - 285/ ح 2 - الباب 79. ويراجع : فرائد السمطين للحمويني الجويني الشافعي 2: 132/ ح 431)
2- من بين عشرات الروايات اخترنا ما رواه الخوارزمي الحنفي ودونه في كتابه ( المناقب ص 236/ الفصل 19) بإسناده عن أبي سعيد الذري و أنس بن مالك قالا: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: «يا علي، أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي . يا علي، أنت تغسل جثتي ، وتؤدي دیني ، وتواريني في فرتي ، وتفي بذمتي ، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة».
3- السؤدد : الرفعة والسمو .

فَتَابَعَتْ فَاطِمُ سَيْرَ اَلْخَبَرِ *** لِتَقْتِي مَا لَهُمُ فِي اَلأَثَرَ

لِذا دَنَتْ نَحْوَ الْكِسا مُسَلِّمَهْ *** قالَ ادخُلي مَحْبُوَّةً مُكَرَّمَه

اَلْفُ سَلامٍ وَجَمِيلٌ مِدْحَتِي *** عَلَيْكِ مِنِّي ابنَتي وبَضْعَتي(1)

رَيْحَانَتِي هَيَا إلَيَّ واُدْخُلَني *** مَحبُوَّةً أَنتِ بهِ فَاَكمِلي(2)

ودَخَلَتِ تحْتَ الْكِساءِ فَاطِمَه *** خَامِسَةٌ لَهُمْ بذاك خَاتِمَه

عِنْدَمَا اَلْجَمِيعُ فِيهِ اِجْتَمَعوا *** شَعْشَعَ بالأَنْوَارِ ذاكَ المَوْضِعُ(3)

***

ثُمَّ تَقولُ إِذ بِهِ أَحَلَّنا*** أَظْهَرَ لِلأَنامِ فَرضَ حُبِّنا(4)

فَاَومَاَ إِلَيَّ السَّماءِ رَاجِياً*** بِرَفْعِهِ طَرفَ الكِسَاءِ داعِيا

فَقال رَبِّ هَؤُلاءِ عِثرَتي *** وَأهلُ بَيتي وَأعَزُّ أُسْرَتي

اَبدانُهُم مِن بَدَنِي حَيْثُ تَري*** وَ دَمُهُمْ مِنْ دَمِي الطُّهرِ جَري

فَكلُّ ما يُؤْلِمُهُم يُؤْلِمُني*** وَكُلُّ ما يُحْزِنُهُم يُحْزِنُني

فَاِنَّني حَرْبٌ لِمَنْ حارَبَهُم *** وَ اَنَّنِي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَهُم

ص: 631


1- قطع همزة «ابنتي» ضرورة . عن مجاهد : خرج النبي صلي الله عليه و اله و سلم وهو آخذ بيد فاطمة فقال : «... وهي بعضة متي، وهي قلبي وروحي التي بين جنبي ..». ( الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة الابن الصباغ المالكي ص 128 - ط الغري ، نزهة المجالس للصفوري الشافعي البغدادي 2: 228۔ ط القاهرة، نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار للشبلنجي الشافعي ص 41- ط مصر وغيرها كثير كثير!)
2- أي : فأكملي عددنا لنتم خمسة.
3- الجميع : هم: الرسول محمد صلي الله عليه و اله و سلم وأهل بيته : الإمام علي وفاطمة وابناهما الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين
4- لو قال: «أظهر للأنام قدر فضلنا، لكان أنسب للقافية .

إِنِّي اُوالي كُلَّ مَنْ وَالاهُمُ *** كَما أُعادي كُلَّ مَنْ عاداهُمُ

هُمُ الْغِياثُ لا غَناءَ عَنْهُمُ *** وَهُمْ كَنَفْسِي أَنَا أَيْضاً مِنهُمُ

فَاجْعَل عَلَيْنَا رَبَّنا الغُفرانا *** ورَحْمَةً مِنكَ كَذا الرِّضْوانا

وَمِن لَّدُنْكَ صَلَواتٍ واصِلَه *** تُوصِلُها فِي بَرَكاتٍ حافِلَه

وَ اَذهِبِ الرِّجْسَ إلهَ النَّاسِ *** وطَهَّرِ الجَمْعَ مِنَ الأَدْناسِ(1)

ثُمَّ دَعا لِكُلِّ مَنْ والانا*** فَنَشْكُرُ الباري بِما أَوْلانا

فَنُودِيَ الأَمْلاكُ حِينَ اجْتَمَعوا *** مِنْ صَاحِبِ الْعَرْشِ أَلا فَاستَمِعوا

اُنْبِئُكُمْ مَعاشِرَ الأَمْلاكِ *** لَوْلاهُمُ لَم أُخْلُقَن أَفلاكِي(2)

ولا سَما خَلَقْتُها مَبْنِيَّه *** ولَيْسَ أَرْضٌ هكّذا مَدْحِيَّه(3)

وَلا تَرَوْنَ قَمَراً مُنِيراً *** ولَيْسَ شَمْسٌ لِتُضِيءَ نُورا

وَلاَ خَلَقتُ فَلَكا يَدُورُ *** وَلا تَدُورُ فِي الْفَضا بُدُورُ

وَلَيسَ ماءٌ فِي الْبِحارِ يَجرِي *** كَلّا وَلا فُلكُ البِحارِ تَسري

ولَمْ يَكُنْ إِلّا لِحُبِّي وَالْوِلا*** لِهَؤُلاءِ الْخَمْسِ ساداتِ الْمَلا(4)

***

فَقالَ جِبرَئيلُ اَيا رَبَّ العُلي *** اَخبِرني يا مَولايَ من هُمُ الاُلي(5)

ص: 632


1- الأدناس : مفردها الدنس، وهو الؤسخ والقدر وكل ما يشين .
2- يريد بالأملاك : الملائكة .
3- مدحية : مبسوطة.
4- الملا: الناس. و«كان» هنا تامة، أي ولم يوجد الكون إلا لحٍبي لهؤلاء الخمسة.
5- يجب اختلاس الياء من «أخبرني» ليستقيم الوزن. والألى : الذين، وصلتها محذوفة مقد[رة، أي : من هؤلاء الألي شفتهم هذا التشريف».

قالَ : نَعَمْ ، هُمْ دَؤحَهُ النُبُوَّه ***وَمَعْدِنُ التَّنزِيلِ وَالفُتُوَّه(1)

هُمْ فاطِمٌ وَضَيفُها أَبوها ***وبَعلُها بِجَنبِه بَنُوها

قالَ الأَمينُ : اَفَهَل تَأذَنُ لي ***أن أَهبِطَ الاَرضَ لِذاكَ المَحفِلِ؟

حَتّی أَكونَ فِي الكِساءِ سادِسا ***مُقتَبِسا مِنْ نُورِهِمْ مَقابِسا؟

قالَ : أَذِنتُ لَكَ يا جِبريلُ*** بَلِّغ سَلامي مِلؤُه التَّبجيلُ(2)

وَقُل : بِلُطفٍ العَلِیُّ ذُوالْعُلی ***يَخُصُّكُم بالْفَضْلِ مِنْ دُونِ الْمَلا

فَهَبَطَ الأَمينُ جِبرَئيلُ ***يَحُفُّهُ القُرآنُ و التَّرتِيلُ

واستَأذَنَ الدُّخُولَ مِنْ مُحَمَّدِ*** لِكَی يُباهِي بِعَظِيمِ السُّودَدِ(3)

قالَ : أَذِنْتُ ، لَكَ أَن تُباهِي*** فَكُنْ مَعِي أمِينَ وَحْي اللهِ

فَدَخَلَ - الكِساءَ . بِالتَّبشِيرِ ***وَكانَ . يَتْلُو آيَةَ التطهِيرِ(4)

فَقَالَ : إنّ اللهَ قَد أوحاها ***« طُوبی « لِمَنْ فازَ بِها فَباهی(5)

قَالَ عَلِيٌّ لِلرَّسولِ الأعظَمِ : ***فَمالَنا عِندَ الالهِ المُنعِمِ؟(6)

قالَ : يَمِيناً بالّذِي اصطَفاني ***واختَارَني الْوَحْيِ واجتَباني

ص: 633


1- دوحة النبوة : شجرة النبوة . و معدن الشيء: أصله، وفلان معدن الخير : مجبول عليه.
2- بجله: عظمه ووقره.
3- السؤدد: الشرف والرفعة، والكرامة هنا أيضا.
4- التبشير: البشارة بالخبر الإلهي آية التطهير قوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا »(سورة الأحزاب : 33).
5- طوبی: على وزن فُعلی، من الطيّب، قلبوا الياء واوا لضمة ما قَبلها . و(طُوبی) اسم شجرة في الجنة . باهي : افتخر.
6- أي : مالنا من الفضل في مقامنا هذا تحت الكساء ؟

إذا جَرى حَديثُنا في مَحْفِلِ ***واسْتَشْفَعُوا بِنَا لِنُجْحِ الأَمَلِ(1)

إِلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ كانَت واصِلَه ***وَفيهِمُ حَفَّتْ جُنُودٌ نازِلَه(2)

واسْتَغْفَرَت لِلْجَمْعِ ما تَطَرَّقُوا ***فِي ذِكْرِنا لِحينٍ أَن يَفْتَرِقُوا

ومَن يَكُنْ في جَمعِهِم مَهمُوما ***يَرْفَعُ عَنْهُ الْكَرْبَ والهُمُوما(3)

أَو كانَ فِيهِم أحَدٌ مَغموماً*** يَكْشِفُ عَنهُ الْحُزْنَ والغُمُوما(4)

ولَيْسَ طَالِبٌ لِحاجَةٍ دَعا ***إِلّا قَضَى اللَّهُ لَهُ واسْتَمَعا(5)

قالَ عَلِيٌ :فَوَرَبُّ الكَعْبَه*** فُزنَا إذاً وفازَتِ الأَحِبَّه

فاحَ شَذاهُ ما رَوَتْهُ فَاطِمَة*** نُطْفِي بِها حَرَّ الجَحِيمِ اَلْحَاطِمَهْ

***

مُذْ شَعَرَت زَوْجَتُهُ المُكَرَّمَه ***قَد سَعِدَ الْخَمْسُ بِتِلْكَ الْمَكْرُمَه

جَاءَتْ إِلَى الْحَبِيبِ طه فَعَسى*** أَنْ تُدْرِكَ الدُّخُولَ فِي ذاكَ الكِسا(6)

أَجابَها حِينَ دَنَتْ مُسَلِّمَهُ ***أَنْتِ بِنَفسِ فِي الخَيرِ أُمَّ سَلَمَه(7)

ص: 634


1- نجح الأمل : قضاء الحاجة وبلوغ المطلب ونوال اللطف الإلهي.
2- الجنود هنا: ملائكة الرحمة، يبعثها الله تعالى بأمره، فلا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون .
3- رفع كلمة «يرفع» على تقدير «فهو يرفع»، وإلا فإن حقها الجزم. وذلك على حد قول الراجز : يا أقرع بن حابس يا أقرع *** إنک إن يضرع أخوك تضرع أي فأنت تضرع وكذلك قوله في البيت التالي «يكشف».
4- الغم: الكرب ، أو الحزن يحصل للقلب بسبب ما
5- استمع هنا: استجاب. ومن معاني السميع من أسماء الله الحسنى: السامع المستجيب تبارك وتعالی.
6- المقبلة إلى النبي صلي الله عليه و اله و سلم تريد إدراك الدخول في الكساء هي : أم المؤمنين أم سلمة (رضوان الله عليها) ؛ كما يتبين ذلك من خلال البيت التالي وما يليه .
7- في رواية الترمذي حول قصة الكساء : ثم قال النبيصلي الله عليه و اله و سلم : «اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم : الرجس وطهرهم تطهيرة»، قالت أم سلمة : وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال : «أنت على مكانك ، وأنت على خير». (جامع الترمذي 4: 164 - ط مصر)

وفِي الْخِتامِ يَسْأَلُ الرَّحْمانا ***عَبْدُهُمُ مَن قَدْ دُعِي سُلطانا(1)

أن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ الزَّلّاتِ ***وَيَدْرَأَ الهُمُومَ والْعِلّاتِ(2)

ويَغْفِرَ اللَّهُ لِراعِي المَحفِل*** وقارِئ الْحَدِيثِ والْمُحْتَفِلِ

ألفُ سَلامٍ وصَلاةٍ عَطِرَة*** عَلَى النَّبِيِّ وَالكِرامِ البَرَرَة

ص: 635


1- دعي: سمي. وسلطان هو اسم الشاعر.
2- يذرأ : يدفع ، ودفع الهموم والعلات يراد به قبل وصولها، وإلا بعد وصولها والابتلاء بها يسأل من الله تعالى رفعها. وفي الدعاء الشريف عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم نقرأ في أواخره: «أسألك بعزه ذلك الاسم أن تصلي على محملي وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهلي حزانتي، وجميع المؤمنين والمؤمنات : جميع الآفات والعاهات، والأعراض والأمراض، والخطايا والذنوب ..». (مهج الدعوات و منهج العبادات للسيد ابن طاووس 103)

(2)بنت الرسول

(بحر الرجز)

الخطيب ملا عطية الجَمري(1)

ص: 636


1- هو الخطيب ملا عطية بن علي بن عبدالرسول بن محمد بن حسین بن إبراهيم بن مکي ابن الشيخ سليمان البحراني الجمري، نسبة للقرية المعروفة ب ( قرية بني جمرة) التي هي اليوم مقر هذه الأسرة المعروفة. ولد المترجم في القرية المذكورة في جمادى الأولى سنة 1317 ه، ونشأ فيها، وتربی بین أحضان والده الذي كان يمتهن التجارة، وهاجر مع أسرته إلى رمشهر جنوب إيران في عام 1327 ه، وقد وجد المترجم في شهر ما يحقق مراده من التلمذة على يد علمائها وأدبائها وخطبائها؛ إذ تاقت نفسه إلى خدمة سيد الشهداء عن طريق ارتقاء المنبر الحسيني المقدس. بقي في خرمشهر عشر سنين ، فاشتاق بعدها إلى بلاده وأحبابه، فرجع إلى البحرين عام 1338ه، وتتلمذ على الشيخ عبدالله بن أحمد العرب الجمري الشهيد، وكان هذا الشيخ خطيب أديبا فقيها استطاع أن يربي المترجم ويدرسه دراسة متقنة. استقل المترجم في خطابته استقلالا تاما سنة 1330 ه؛ إذ راح يرقى المنبر في: خرمشهر والبحرين والأحساء والهند والعراق وإيران، وكان جل قراءته أيام المحرم في حسينية الحاج أحمد بن ناصر ، وكان قد بدأ خطابته فيها، فكان حقا أستاذا بارعة في فنون الخطابة الحسينية . وكان من أصدقاء أستاذنا الخطيب البارع الشيخ هادي الخفاجي الكربلائي لم يقتصر نظمه على الشعر العامي باللغة الدارجة (النبطي) فحسب، وليس ديوانه (الجمرات الودية) العنوان الأول على فضيلته، وإن جاء هذا في فنه على درجة من الإبداع، بل له من الشعر الفصيح ما يعرب عن تفوقه في الأدب. لبى نداء ربه بعد خدمة حسينية امتدت زهاء سبعين عاما ، فتوفي في ليلة السبت في الثلاثين من شهر شوال سنة 1401 ه في بومباي بالهند، ثم حمل جثمانه إلى البحرين، وشيع تشییع) منقطع النظير، ودفن في بني جمرة، و قبره معروف يشار إليه هناك .

ولَّهَني تَجَاؤُبُ الأَرزاءِ ***بِالمُصطَفي وَالآلِ والزَّهراءِ(1)

أبْدَتْ لَهَا الأُمَّةُ ما قَد اَضْمَرَتْ*** لَها مِنَ الأَضْغانِ والشَّحْناءِ(2)

فَكَابَدَتها مِحَناً لَوْ لامَسَت ***طَوْداً لَزالَ عَنْ ثَرْيِ البَوْغَاءِ(3)

وَجَرَعَتْ سِتَّ النِّسا مِنَ الأسي ***فَوَادِحاً جَلَّتْ عَنِ الإِحْصاءِ(4)

سَلْ عَنْ دُخُولِ اَلدَّارِ فِيهِ مَا جَرَي ***يا صاحِ مِنْ داهِيةٍ دَهْياءِ(5)

مِنْ عَصْرِهَا ولَطمِها عَداوَةً*** ومِنْ جَنِينٍ غِيْلَ فِي الأَحْشاءِ(6)

وَمُذ بَدَتْ تَدْفَعُ عَنْ حَيْدَرَةٍ *** اذ اَخْرَجُوهُ جُراَةَ الأَعْداءِ

صَاغَ لها الدُّمْلُجَ فِي ساعِدِها ***سوْطٌ تَلَوّي فِي يَدٍ لَعناءِ(7)

وانْدَفَعَتْ خَلفَهُمُ لِمَسْجِدٍ ***غَصَّ بِاَهلُ البَغْيِ والغَوْغاءِ(8)

ص: 637


1- ولهني : أحزنني حزنا شديدا.
2- الأضغان: الأحقاد . الشحناء : العداوة امتلأت منها النفس.
3- البوغاء: التراب عامة، وقيل : هي التربة الرخوة، وقيل : التراب الناعم.. والمراد هنا هو الأرض والطود: الجبل.
4- القوادح : الأمور الثقيلة، ويراد بها المصائب العظمى.
5- الداهية الهياء : المصيبة الشديدة. وأشار هنا إلى هجومهم على دار الزهراء ع ودخولها بغير إذن.
6- الإشارة إلى إسقاط ( المحسن) بسبب ما تعرضت له الزهراء عليها السلام أثناء هجومهم على الدار.
7- اليد اللعناء : يد عمر وقنفذ، ففي الرواية : فأمر عمر قنفذة ابن عمه أن يضرب فاطمة سلام الله عليها بسوطه فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها و جنبيها ... إلى أن أنهكها.. (علم اليقين 2: 987) وفي (إرشاد القلوب 2: 358) من قول الزهرا عليها السلام وهي تحكي ما حل بها: «فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر، فضرب به عضدي .. حتى صار كالدملج !...
8- الغوغاء: السفلة من الناس ، المتسرعين إلى الشر.

تَدْعو وَكَفّاها عَلَي هامَتِها ***خَلُّوا عَلِيّاً رُعْتُمُ أَبْنائِي(1)

فَمَاجَتِ الأَرْضُ وَمارَتِ السَّما ***اضْطَرَبَتْ جَوَانِبُ الأَرجاءِ(2)

ولمْ تَكُنْ تَقْصِدُ إِهْلاكَهُمُ ***إِذْ شَأنُها الصَّبْرُ عَلَي البَلواءِ

بَل لِتُرِيهِم ما بِهِ رَبُّ الوَرِيِّ*** اكْرَمَها مِن سابِغِ النَّعماءِ

كَمْ خُطبَةٍ صَمَّتْ يها آذَانُهُمْ ***تَكْشِفُ كُلَّ طَخيَهِ عَمْيَاءِ(3)

لَكِنَّهُمْ عن الْهُدْيِ فِي صَمَمٍ ***فَقَابِلُوا بِالْأُذُنِ اَلصَّمَّاءِ(4)

فَاَمَّتِ اَلْقَبْرَ له شَاكِيهً*** فِعالَهُم بِالمُهجَةِ الْحَرَّاءِ(5)

وَانْكِفَات لِلمُرْتَضي مُبْدِيهِ ***يَا لَلرِّجَالِ لَوْعَةَ اَلنِّساءِ

فَعَادَ قَلْبُ لِلْمُرْتَضِي فِي حُرَقٍ ***مُضرَمَةٍ بِالهِمَّةِ اَلشِّمَاءِ(6)

يَقُولُ صَبراً يَابْنَةُ الْهَادِي فَكَمْ*** لِلَّهِ مِن حُكْمٍ ومِن إِمْضاءِ(7)

ص: 638


1- هامتها : رأسها. رعتم: أخفتم، أفرغتم. وفيه إشارة إلى خروج الزهراء عليها السلام خلف أمير المؤمنين عليه السلام حين جزوه بالحبل ، و تهدیدها بکشف رأسها إلى الله .
2- ماجت : ارتفعت وهاجت . مارت: ماج واضطربت
3- اقتباس من نهج بلاغة أمير المؤمنين عليه السلام، حيث قال في خُطبته الشقشقية الشريفة: «أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحي، ينحدر عتي اليل، ولا يرقى إلى الطير ، فسدل دونها ثوبا، وطويت دونها كشحة، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جاء، أو أصبر على طخية عمياء !..» . (نهج البلاغة: الخطبة 3) قال ابن أبي الحديد: الطخية: قطعة من الغيم والسحاب . عمياء: تأكيد لظلام الحال واسودادها . (شرح نهج البلاغة 1: 151)
4- فقالوا: المفعول محذوف مقدر أي فقابلوها بالأذن الصماء.
5- الحری: اللاهبة، ومن المقصور ضرورة.
6- الهمة الشماء: الهمة العالية الغيورة.
7- بعد انصرافها من عند أبي بكر وإلقاء محججها الدامغة عليه، أقبلت فاطمة الزهراء عليها السلام على : أمير المؤمنين عليه السلام فكلمته بعبارات يتوهم الكثير أن فيها اعتراضا على ترك التعرض للخلافة، والحال أنها صلوات الله عليها عارفة بإمامته ، ووجوب اتباعه و عصمته، وأنه لم يفعل شيئا إلا بأمر الله تعالی ووصية الرسول صلي الله عليه و اله و سلم هكذا يرى الشيخ المجلسي رضوان الله عليه، ثم يقول: يمكن أن يجاب عنه : بأن هذه الكلمات صدرت منها عليها السلام لبعض المصالح.. إنما غرضها أن يتبين للناس بتم أعمالهم، وشناعة أفعالهم، وأن سكوته عليها السلام لم يكن لرضاه بما أتوا به.. (بحار الأنوار 29: 326/ بعد الحديث 9)

وَهَكَذا بِنْتُ الرَّسولِ كابَدَتْ ***حتَّى دَهاها عاجِلُ الفَناءِ(1)

قَدْ لَزِمَتْ فِراشَها مِنْ بَعدهِ*** لِعُظمِ ما لاقَتْ مِنَ الْبَلاءِ(2)

فَفَارَقَتْ دارَ الفَنا لكِنَّها ***تَحِنُّ لِلْكَرّارِ والأَبْناءِ

ص: 639


1- عاجل الفناء: أراد به سرعة الوفاة واللحاق برسول الله صلي الله عليه و اله و سلم.
2- روي أنها صلوات الله عليها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشي عليها ساعة بعد ساعة!

(3)جَوهَرَهُ القُدس

(بحر الرجز)

الشيخ محمد حسين الاصفهاني(1)

ص: 640


1- هو الشيخ محمد حسين ابن الحاج محمد حسن بن علي العروي الأصفهاني . ولد في النجف الأشرف في اليوم الثاني من محرم الحرام سنة 1296 ه، وكان والده من مشاهير تجار الكاظمية ، وذوي اليسار والإحسان والجاه العريض، وموصوف بحب العلم والعلماء كانت دراسته الأولى في الكاظمية، وقد بدت عليه معالم النبوغ والذكاء المفرط، فتعلم القراءة و شيئا من المقدمات ، ثم هاجر إلى النجف الأشرف لإكمال المراحل الدراسية هناك، فتتلمذ في بادئ الأمر على العلامة الشيخ حسين التوسرکاني و نظرائه من الأجلاء، حيث حضر عليهم في مرحلة السطوح، وحضر في الفقه والأصول بحث العلامة المحقق الشهير السيد محمد الفشاركي المتوفى سنة 1316 ه، وحضر أيضا بحث المحقق الفقيه الشيخ آغا رضا الهمداني صاحب (مصباح الفقيه)، وحضر على الحكيم الفيلسوف میرزا محمد باقر الأصطهباناتي الحكمة والكلام، وحضر بحث زعيم الحوزات الدينية، فلازمه أكثر من اثني عاما، واستقل بعد وفاته بالتدريس. استمر أكثر من ربع قرن يرتشف من معين أساتذته حتى ظهر بين أقرانه متفوقا عليهم في ذكائه وفطنته، فكان له المرجعية والزعامة في التدريس، تشهد له النجف الأشرف يومها بكفايته العلمية ، فكانت حلقة درسه لتقى عامة أرباب الفضيلة والعلم، حتى تخرج على يده عدد كبير من العلماء والمجتهدين والمراجع المعروفين . هذا من جانب، ومن جانب آخر كان له باع طولي في الأدب والشعر باللغتين العربية والفارسية ، وقيل : إن خطه من أجمل الخطوط خلف کتبا كثيرة، منها: 1- نهاية الدراية - وهو حاشية على الكفاية تمتاز بالعمق العلمي والمناقشات الدقيقة. 2- رسالة الصحيح والأعم. 3- رسالتان في المشتق . 4 - رسالة في الطلب والإرادة. 5 - رسالة في علائم : الحقيقة والمجاز . 6 - رسالة في الحقيقة الشرعية. 7 - رسالة في تقسيم الوضع إلى الشخصي والنوعي. 8- حاشية على المكاسب . 9- عدة رسائل في مختلف أبواب الفقه تزيد على الثلاثين . 10- ديوان شعر فارسي في مدح ورثاء أهل البيت عليهم السلام. 11 - أرجوزة بالعربية ، وهي التي سماها الأنوار القدسية)، فيها أربع وعشرون قصيدة في تاريخ النبي صلي الله عليه و اله و سلم والأئمة الاثني عشر وأولادهم صلوات الله عليهم أجمعين. وهناك الكثير من آثاره العلمية في الفقه والأصول والحكمة والفلسفة والأدب. وافاه الأجل المحتوم، فانطفأ هذا المشعل النير ليلة الخامس من شهر ذي الحجة الحرام سنة 1361ه عن عمر يناهز الستة والستين عاما، فكان يومه مشهودة؛ إذ سير به الإسلام أحد رجالاته، والعلم أحد فضلائه.

جَوْهَرَةُ اَلْقُدسِ مِنَ الْكَنْزِ الْخَفِي *** بَدَتْ فَأَبْدَتْ عالِياتِ الأَحرُفِ(1)

وَ قَدْ تَجَلّيٰ مِنْ سَماءِ الْعَظَمَة ***مِنْ عَالَمِ الأَسْماءِ أَسْميٰ كَلِمَة

بَلْ هِيَ اُمُّ الكَلِماتِ المُحكَمَة ***فِي غَيْبِ ذاتِها نُكاتٌ مُبْهَمَة(2)

اُمُّ أَئِمَّةُ العُقُولِ اَلْغُرِّ بَل *** اُمُّ أَبِيها وَ هُوَ عِلَّةُ العِلَل (3)

رُوحُ النَّبِيِّ فِي عَظِيمِ المَنْزِلَة ***وَفْي الكَفاءِ كُفْوُ مَنْ لاَ كُفْ ءَ لَه(4)

إلى أن يقول:

ص: 641


1- من التجليات النيرة العظمى .. ذلك الوجود المقدس الذي أظهره الله تعالی جوهرة متلألئة في العوالم، من کنزه الخفي ، هو وجود فاطمة الزهراء صلوات الله عليها. والأحرف كناية عن القدرة الإلهية في كل ما يريد، وكلمته جل وعلا هي خلق يوجده بلطفه وعظمته.
2- وجودها القدسی الشريف لا تعرف أسراره، ولا كنهه، بل هو عالم آخر محفوف بعناية إلهية عالية.
3- إذا كان النبي صلي الله عليه و اله و سلم عله العلل، وكانت عليها السلام أمه، فهي أم علة العلل .
4- فقد قال عليها السلام: فاطمة روحي التي بين جنبي . وقال الله عز وجل : يا محمد ، لو لم أخلق عليا لما كان لفاطمة ابنتك كفؤ على وجه الأرض.

لَهفِي لَها لَقَد اُضِيعَ قَدرُها *** حَتَّى تَوارى بِالحِجابِ بَدرُها(1)

تَجَرَّعَت مِن غُصَصِ الزَّمانِ *** مَا جاوَزَ الحَدَّ مِنَ البَيان

وَمَا أَصابَها مِنَ المُصابِ *** مِفتاحُ بَابِهِ حَدِيثُ البابِ(2)

إِنَّ حَدِيثَ البابِ ذُو شُجُونِ *** مِمّا بِهِ جَنَتْ يَدُ الخَوُونِ

أَيَّهْجِمُ العِدى عَلى بَيتِ الهُدي *** ومَهْبِطِ الوَحْيِ ومُنْتَدَى النَّدى؟(3)

أتُضرَمُ النَّارُ بِبابِ دارِها *** وآيَةُ النُّورِ علَى مَنارِها؟(4)

ص: 642


1- لما علم المسلمون بوفاة فاطمة، ودفنها ليلا سرا عملا بوصيتها، قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون! تموت ابنة نبينا محمد صلي الله عليه و اله و سلم ولم يخلف فينا ولدا غيرها، ولا صلي عليها، إن هذا لشيء عظيم! فقال لهم أمير المؤمنين : حبكم ما جنيتم على الله وعلى رسوله وعلى أهل بيته ؛ ولم أكن - والله - لأعصيها في وصيتها التي أوصت بها في أن لا يصلي عليها أحد منكم! ( بحار الأنوار 8: 260 - 261، ط الكمپاني)
2- هو باب بيت الزهراء عليها السلام الذي أحرقوه بالنار.
3- في ( تفسير العياشي ج 2 ص 66 و76) فيمن هجم على دار بضعة الرسول صلى الله عليه واله و سلم : «قال عمر: قوموا بنا إليه. فقام أبو بكر وعمر وعثمان وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة و قنفذ ...... ( ينظر : بحار الأنوار ج 28 ص 227 ح 14، والبرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني ج 2 ص 93/ ح 4) في تاريخ اليعقوبي 2: 115): وقد عد المؤرخون في الرجال الذين دخلوا (أي هجموا على) بيت بن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و عنوة، كلا من: عمر بن الخطاب ، خالد بن الوليد، عبدالرحمان بن عوف، ثابت بن قيس بن شماس، زياد بن لبيد ، محمد بن مسلمة، زيد بن ثابت، سلمة بن سلامة بن وقش، سلمة بن أسلم، أسيد بن حضير . نعم، هؤلاء الذين اقتحموا الدار، وأما المهاجمون والمعاضدون لهم فهم كثير عليهم لعائن الله أجمعين .
4- كتب الخصيبي الحسين بن حمدان (ت 334 ه): وجمع (عمر) الحطب الجزل على الباب الإحراق أميرالمؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب ورقية وأم كلثوم وفضة، وأضرابهم : النار على الباب .. وأخذت النار في خشب الباب ! ( الهداية الكبرى 407، وكذلك ص 179 و 402)

وَبابُها بابُ نَبِيِّ الرَّحْمَة *** وَبابُ أبْوابِ نَجاةِ الاُمَّة(1)

بَلْ بابُها بابُ العَلِيِّ الأَعْلَى*** فَثَمَّ وَجْهُ اَللَّهِ قَدْ تَجَلَّى(2)

مَا اكْتَسَبُوا بِالنَّارِ غَيْرَ العارِ *** وَمِنْ وَرائِهِ عَذابَ النّارِ(3)

مَا أَجْهَلَ القَوْمَ فَانٍ النَّارَ لاَ *** تُطْفِيُ نُورَ اَللَّهِ جَلَّ وَعَلا

وانْ كَسْرَ الضِّلْعِ لَيْسَ يَنْجَبِر *** إِلاَّ بِصَمْصَامِ عَزِيزٍ مُقتَدِر(4)

إِذْ رضُّ تِلكَ الأضلُعَ الزَّكِيَّةُ *** رَزِيَّةً ما مِثْلُها رَزيَّه!

ومِن نُبوعِ الدَّمِ مِن جَنبَيها *** يُعْرَفُ عُظمُ مَا جَرى عَلَيْها(5)

وَجَاوَزَ الحَدَّ بِلَطْمِ الخَدِّ *** شُلَّتْ يَدُ الطُّغْيانِ والتَّعَدِّي(6)

ص: 643


1- أبواب نجاة الأمة هم الأئمة الاثني عشر، وفاطمة عليها السلام باب تلك الأبواب سوی أمير المؤمنين عليه السلام.
2- في (کشف الغمة للإربلي ج 2 ص 83، ط دار الكتاب الإسلامي - بيروت): «عن نافع بن أبي الحمراء قال : شهدت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ثمانية أشهر، إذا خرج إلى صلاة الغداة مر بباب فاطمة عليها السلام فقال : السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته. الصلاة ، «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)»(سورة الأحزاب: 33).
3- العار في الدنيا، والنار في الآخرة. وفي نهج البلاغة 3: 14/14 من وصية له عليه السلام لعسكره : وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر أو الهراوة فيعير بها وعقبه من بعده.
4- الصمصام: السَّيف الذي لا يثني ، وهو كناية عن ظهور صاحب الأمر عجل الله تعالی فرجه الشريف وجعلنا من أنصاره وشیعته ؛ فإنه الآخذ بحق ظلامات آبائه وأجداده عليهم السلام .
5- هكذا روي : ولادث خلف الباب، فعصرها الثاني ما بين الحائط والباب، حتى كادت روحها أن تخرج من شدة العصر، ونبع الدم من صدرها ! ( الكوكب الدري للشيخ المحدث محمد مهدي الحائري 1: 149 . ط المكتبة الحيدرية)
6- ذلك الذي أبکی رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم طويلا في حياته، من به، إذ سأله أمير المؤمنين عليه السلام: ما يبكيك : يا رسول الله ؟ قال : أبكي مما يصنع بكم. قال : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدها، وطعنة الحسن في الفخذ، والسم الذي يسقى ، وقتل الحسین! ( أمالي الصدوق 116ح 2 - المجلس 28، عنه: بحار الأنوار 51:28 /ح20)

فَأحمَرَّتِ العَيْنُ وعَيْنُ الْمَعْرِفَة *** تَذْرِفُ بِالدَّمعِ عَلى تِلكَ الصِّفَة

ولا تُزِيلُ حُمرَةَ العَيْنِ سوَى *** بِيضِ السُّيُوفِ يَوْمَ يُنْشَرُ اللَّوا

ولِلسِّياطِ رَنَّهٌ صَداها *** فِي مَسْمَعِ الدَّهرِ فَمَا اَشْجاها؟

وَالاَثَرُ الباقِي كَمِثلِ الدُّملُجِ*** في عَضُدِ الزُّهراءِ اَقوَي الحُجَجِ(1)

ومِن سَوادِ مَتْنِهَا اسوَدَّ الفَضا*** يَا ساعَدَ اَللَّهُ الإِمامُ المُرْتَضى

وَوَكزُ نَعْلِ السَّيْفِ فِي جَنْبَيْهَا*** أَتَى بِكُلِّ ما أَتى عَلَيْها(2)

ولَسْتُ أَدْرِي خَبَرَ الْمِسْمَارِ *** سَلْ صَدْرَها خُزانَةَ الأَسْرارِ(3)

وفِي جَبِينِ المَجْدِ مَا يُدْمِي الحَشا *** وَهَل لَهُم إِخْفَاءُ أَمْرٍ قَدْ فَشا؟(4)

والبابُ والجِدَارُ وَالدِّماءُ *** شُهُودٌ صِدْقٍ ما بِهِ خَفاءٌ

لَقَدْ جَنَى الجَانِي عَلى جَنِينِها*** فَانْدَكَّتِ الجِبَالُ مِنْ حَنِينِها(5)

أَهْكَذا يُصْنَعُ بِابْنَةِ اَلنَّبِي *** حِرْصاً عَلَى المُلْكِ؟! فَيَا لَلعَجَبِ!!

ص: 644


1- الدُّملُجِ: المحلي الذي يلبس في المعصم.
2- في كتاب ( دلائل الإمامة للطبري الإمامي ص 45): «.. وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولی عمر الكرها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسنا.
3- كتب مقاتل بن عطية في مؤتمر علماء بغداد ص 64 - ط بيروت مع مقدمة الدكتور حامد حفني داود): ولما جاءت فاطمة خلف الباب لترد عمر وحزبه ، عصر عمر فاطمة بين الحائط والباب عصرة شديدة قاسية .. حتى أسقط جنينها، وتبت مسمار الباب في صدرها، وصاحت: يا أبتاه وسقطت مريضة حتى ماتت سلام الله عليها.
4- إشارة إلى لطم جبينها وعينيها عليها السلام
5- اندکت: انهدت حتى شويت في الأرض. وفي البيت جناس رائع بين : جني ، والجاني، وجنينها.

أَتُمنَعُ المَكْرُوبَةُ المَقْرُوحَة *** عَنِ البُكا خَوْفاً مِنَ الفَضِيحَة؟(1)

تَاللَّهِ يَنْبَغِي لَهَا تَبْكِي دَما *** مَا دامَتِ الأَرْضُ وَدارَتِ السَّما

لِفَقْدِ عِزَّها أَبِيها السّامِي *** ولِاهتِضامِها وَذُلَّ الحامِی(2)

اَتُستَباحُ نِحلَهُ الصَّدِيقَهُ *** وَ اِرِثُها مِن اَشرَفِ الخَلِيقَهِ(3)

ص: 645


1- في (الخصال للشيخ الصدوق ص 272 - 273/ ح 15 - باب الخمسة): عن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال : «البكاؤون خمسة : آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله و سلم ، وعلى بن الحسين عليهم السلام (إلى أن يقول:) أما فاطمة، فبكت على رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك ! فكانت تخرج إلى المقابر - مقابر الشهداء - فتبكي حتى تقتضي حاجتها ثم تنصرف.
2- الحامي : هو أمير المؤمنين عليه السلام حيث استذلوه قادوه أسيرة.
3- أي إرثها من أبيها الذي هو أشرف الخلق. روى المتقي الهندي في ( کنز العمال 2: 108 و 3: 797) بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت : «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ » (سورة الإسراء: 29) قال النبي صلي الله عليه و اله و سلم : «يا فاطمة، لير «ك». وكتب الملا معين الكاشفي في (معارج النبوة 1: 227 - ط لكهنو): لما نزل جبرئيل إلى رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بقوله تعالى :«وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ » قال رسول الله الله صلي الله عليه و اله و سلم : «من ذُو القربي ؟» وما حقُه ؟ قال : هو «فاطمة»، فأعطها فدكاً. وعدد كبير من المصادر، منها على سبيل المثال لا الحصر: شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي : 638/ ح 467، تفسیر فرات الكوفي 339/ ح 323، الآيات الظاهرة للأسترآبادي النجفي 1: 635/ حه، مقتل الحسين علي للخوارزمي الحنفي 1: 70، میزان الاعتدال للذهبي 2: 228 - ط السعادة، مجمع الزوائد للهيثمي 7: 49 - ط القدس سنة 1352 ه، البداية والنهاية لابن کثیر 3: ".. وأيد ذلك جملة كبيرة من علماء السنة والشيعة ، منهم على سبيل المثال أيضا، لا الحصر : ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 16: 28 و 1: 198، وابن عبد ربه في : العقد الفريد : 83) . ط 2 سنة 1381 ه، وأبو الفداء في : تاريخه 1: 168، والبيهقي في : السنن الكبرى 6: 301.. وغيرهم. ففدك نحله، لكن لما أنكروا النحلة حاججتهم الزهراء الا عليها السلام أنها إرث.

كَيْفَ يُرَدُّ قَولُها بِالزُّورِ*** إِذْ هُوَ رَدُّ آيَةِ التَّطهِيرِ؟(1)

اَيُؤخَذُ الدَّينُ مِنَ الأَعرابِي *** ويُنْبَذُ المَنْصُوصُ بِالكِتابِ؟(2)

فَاسْتَلَبُوا ما مَلَكَتْ يَداها*** وارْتَكَبُوا الخِزْيَةَ مُنتَهاها

يا وَيْلَهُمْ قَدْ سَاَلُوها البَيِّنَة *** عَلی خِلافِ السُّنَّةِ المُبَيِّنَة!(3)

ص: 646


1- في ضمن احتجاجاته قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا أبابکر ! تقرأ كتاب الله؟ قال: نعم. قال عليه السلام: أخبرني عن قول الله عز وجل : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)»الأحزاب : 33))فيمن نزلت ؟ فينا أم في غيرنا ؟! قال أبو بكر: بل فيكم. قال ال : فلو أن شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بفاحشة، ما كنت صانعة بها؟ قال : كنت أقيم عليها الحد كما أقيمه على نساء المسلمين. قال عليه السلام: إذن كنت عند الله من الكافرين! قال أبو بكر: ولم؟ قال عليه السلام: لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة وقبل شهادة الناس عليها ، كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل لها فدك قد قبضته في حياته، ثم قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه عليها وأخذت منها فدكا، وزعمت أنه فيء للمسلمين، وقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : «البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه»، فرددت قول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : «البينة على من ادعی، واليمين على من أدعي عليه». . فدمدم الناس ( الحاضرون) وأنكروا (على أبي بكر)، ونظر بعضهم إلى بعض وقالوا: صدق - والله - علي بن أبي طالب. ورجع إلى منزله .. ( الاحتجاج للطبرسي 1: 119 ۔ عنه: بحار الأنوار 29: 127/ ح 27)
2- في ( قرب الإسناد 47 - عنه: بحار الأنوار 29: 159/ ح 31) كتب الحميري : سأل صدقة بن مسلم أبا عبدالله ( الصادق عليه السلام: من الشاهد على فاطمة بأنها لا ترث أباها ؟ فقال عليه السلام: «شهدت عليها عائشة وحفصة، ورجل من العرب يقال له: أوس بن الحدثان من بني نضر... فمنعوا فاطمة عليها السلام ميراثها من أبيها صلي الله عليه و اله و سلم ».. وقد قرأنا في الاحتجاج) توا أنه أعرابي وال على عقبيه ! أجل جيء به ليشهد شهادة زور على الله ورسوله!
3- في ( الاحتجاج للطبري ج 1 ص 119 - 123 - ط دار النعمان - النجف الأشرف): جاء على عليه السلام إلى أبي بكر وهو في المسجد و حوله المهاجرون والأنصار، فقال : يا أبابکر !لم منع فاطمة ميراتها : من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وقد ملكته في حياة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ؟! فقال أبو بكر: هذا فيء للمسلمين ، فإن أقامت شهودا أن رسول الله جعله لها وإلا فلا حق لها فيه. فقال أمير المؤمنين عل : يا أبابکر ، تحكم فينا بخلاف ځكم الله في المسلمين ؟! قال : لا ، قال : فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ، ثم ادعي أنا فيه، من تسال البينة ؟ قال : إياك أسأل البينة، قال : فما بال فاطمة سألتها البينة على ما في يديها وقد ملكته في حياة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ؛ وبعده ، ولم تسأل المسلمين بينة على ما ادعوها شهودا كما سألتني على ما ادعيت عليهم ؟! فسكت أبوبکر فقال عمر: يا علي دنا من كلامك، فإنا لا تقوى على حجتك ، فإن أتيت بشهود عدول وإلا فهو فيء للمسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه !..».

وَرَدُّهُمْ شَهادَةَ الشُّهُودِ *** أَكبَرُ شاهِدٍ عَلَى المَقْصُودِ(1)

ولَم يَكُنْ سَدُّ الثُّغُورِ غَرَضاً *** بَلْ سَدُّ بابِها وَبابُ المُرتَضي(2)

ص: 647


1- شهد لفاطمة عليها السلام أميرالمؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام وأم سلمة وأسماء بنت عُمَيس وأم أيمن ، فقال عمر: أما علي فزوجها، والحسنان ابناها، وهم يجرون إلى أنفسهم ! وأسماء بنت ميس كانت تحت جعفر بن أبي طالب (أي زوجته) فهي تشهد لبني هاشم، وأم سلمة تحب فاطمة فتشهد لها، وأما أم أيمن فامرأة أعجمية لا تفصح ! ( انظر وفاة الصديقة الزهراء عليها السلام للسيد المقرم: 74).
2- وذلك أن عمر شق الكتاب الذي كتبه أبوبكر بذريعة أنهم يحتاجون إلى فدك والخمس لمحاربة فارس والروم وسد الثغور، وهذه ذريعة واهية . كتب ابن أبي الحديد : سأل علي بن الفارقي مدير المدرسة الغربية ببغداد : أكانت فاطمه صادقه ؟ قال : نعم. قال : فلم لم يدفع إليها أبوبكر فدك وهي عنده صادقة ؟! (أي في دعواها) فتبسم، ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته ، قال : لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها، جاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة، وزحزحته عن مقامه ، ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء؛ لأنه يكون قد أسجل على نفسه أنها صادقة فيما تدعي ، كائنا ما كان، من غير حاجة إلى بينة ولا شهود. قال ابن أبي الحديد: وهذا كلام صحيح، وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل! (شرح نهج البلاغة 16: 286)

صَدُّوا عَنِ الحَقِّ وَسَدُّوا بَابَهُ *** كَاَنَّهُم قَد أَمِنُوا عَذَابَهُ(1)

أبَضْعَةُ الطُهرِ العَظِيمُ قَدرُها *** تُدْفَنُ لَيْلاً وَيُعَفی قَبرُها ؟!

ما دُفِنَتْ لَيْلاً بِسَتْرِ وَخَفا *** إلّاَ لِوَجْدِهَا عَلَی أَهْلِ الجَفا

ما سَمِعَ السَّامِعُ فيما سَمِعَا*** مَجهُولَة بالقَدرِ والقَبرِ مَعا(2)

يَا وَيْلَهُم مِنْ غَضَبِ الجبَّارَ *** بِظُلمِهِم رَيْحَانَةَ المُخْتَارِ

ص: 648


1- الضمير في «باب» يعود إلى الحق.
2- في (تهذيب الأسماء واللغات للحافظ النووي 2: 353 - ط مصر ): أوصت أن تدفن ليلا، ففعل على ذلك ، ولذلك كان موضع قبرها مكتوما مجهولاً، لم يعرف بالبت واليقين ، فقال قوم: إنها دفنت في بيتها ، وقيل : إنها نت بالبقيع ، وقيل : دونت في المسجد (ثم ذكر جملة من آراء القوم وكلماتهم). ولو لم يجهل قدها لما جُهل قبرها.

(4)خَيرُ نساء الاُمَّه

(بحر الرجز)

الشيخ هادي آل كاشف الغطاء(1)

ص: 649


1- الشيخ هادي ابن الشيخ عباس بن علي ابن الشيخ جعفر صاحب کشف الغطاء ولد في النجف الأشرف سنة 1287 ه. نشأ في بيت العلم والهيبة والجلال، وتتلمذ على فطاحل العلم، ومنهم: ملا محمد کاظم الخراساني صاحب ( الكفاية)، وشيخ الشريعة الأصفهاني، والسيد محمد کاظم اليزدي الطباطبائي . وروي إجازة عن: السيد حسن الصدر، والشيخ آغا رضا الهمداني، ونال مرتبة الاجتهاد، وأصبحت قلوب الناس متعلقة به و منجذبة إليه؛ لفضله وعلمه وورعه وتقواه وتواضعه وسيرته الطيبة، ما جلس إليه أحد إلا انجذب إليه لروحانيته ، وأفاض عليه من نميره العذب . تردد على مجلسه وحلقته العشرات من الأفاضل الذين انتهلوا من معينه، واستفادوا من فقاهته، فقد كان من مشاهیر مراجع عصره، ومن الذين آمن بهم رعيل كبير من وجوه الأتقياء والزهاد، فاقتدوا به ورجعوا إلى رأيه. نظم الشعر في حداثة سنه مع أخدانه أبطال الشعر ونوابغ الفن، أمثال: الشيخ جواد الشبيبي ، والشيخ آغا رضا الأصفهاني ، والسيد جعفر الحلي ، وأضرابهم. وأما آثاره العلمية فكثيرة، فقد ألف كتبا في الفقه والأصول، وطبعت له عدة رسائل عملية أشهرها ( هدى المتقین) طبعت سنة 1342 ه، وشرح شرائع الإسلام، وشرح تبصرة المتعلمين للعلامة الحلي ، وله منظومة في النحو وأخرى في الإمامة، ومستدرك نهج البلاغة، ومصادر نهج البلاغة ومداركه، وأما المنظومة المسماة ( المقبولة ألحسينية )، فلا زال خطباء المنبر الحسيني يجعلونها موضع الشاهد لأحاديثهم الحسينية ، وكانت له مكتبة ضخمة تضم المئات من الكنب الثمينة والمخطوطة النادرة . كان إتغي المترجم رئة أسي، هزت أرجاء العراق خاصة والحوزات العلمية في كل مكان عامة، وكان ذلك في ليلة الأربعاء في 9 محرم سنة 1361 ه وكان يوما مشهودة، اشترك سائر الطبقات بمواكب العزاء في تشييعه، حتى أودع في مقبرة الأسرة الخاصة بآل کاشف الغطاء مع والده وجده رحمهم الله جميعا.

فَاطِمَةٌ خَيْرُ نِساءِ الاُمَّة *** مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ عُصِمَت وَ وَصْمَة(1)

خَيْرُ النِّساءِ فاطِمُ الزَّهْراءِ *** يَزْهَرُ نُورُها إِلَى السَّماءِ(2)

قَدْ فَطَمَتْ عَنِ الجَحِيمِ الحاطِمَة *** شِيعَتَها فَسُمِّيَتْ بِفَاطِمَة

مَا مِثْلُها فِي كُلِّ أَقْرِبائِهِ *** لاَ مِنْ بَنَاتِهِ وَ لاَ نِسائِهِ

قَدْ وُلِدَتْ مِنْ بَعْدِ عامِ البِعْثَة *** وَ قَدْ حَوَتْ دُونَ بَنِيهِ إِرْثَه(3)

و كَانَ مِنْها دُونَ مَنْ عَدَاهَا *** مِنْ أَهْلِهِ نَسْلُ اَلنَّبِيِّ طاها(4)

اُمُّ أَبِيها وَ هِيَ اُمُّ ابنَيْهِ *** أَحَبُّ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَيْهِ(5)

لَوْ لا عَلِيٌ لَمْ يَكُنْ كُفْؤٌ لَهَا *** مِنْ آدَمٍ إلى اَنِ الخَلْقُ انْتَهى(6)

مَنْ بِهِمُ تابَ الاِلهُ وَ وعَفا *** عَن آدَمٍ وَقَد کَفاهُ شَرَفا(7)

ص: 650


1- الوصمة: العيب والعار.
2- إضافة فاطمة إلى الزهراء لم أقف له على وجه وجيه.
3- مولدها عليها السلام بعد البعثة وبعد المعراج حيث تكونت في صلب النبي صلى الله عليه و اله و سلم نطفتها عند المعراج، وقد حاول بعض حاقدي العامة القول بأنها ولدت قبل المبعث الشريف، وهو قول هزيل.
4- وذلك أن جميع أولاد النبي صلى الله عليه و اله و سلم توفوا في حياة رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم ولم يبق نسله المبارك إلا من فاطمة الزهراء عليها السلام ، وهم اليوم ملء الأرض والحمد لله.
5- تقدمت الرواية في أنها أم أبيها.
6- في ذلك ورد الحديث القدسي الشريف، قول الله تعالی لحبيبه المصطفی صلى الله عليه و اله و سلم: «لولم أخلُق عليّاً، لما كان لفاطمة ابنتك كفؤ على وجه الأرض، آدم فمن دونه». (بحار الأنوار 63: 92- 93/ ح3 - عن : عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق 1: 225/ح3 - الباب 21)
7- في (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) للسيوطي الشافعي ، في ظل الآية المباركة: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (سورة البقرة: 37) راوياً عن ابن النجار، عن ابن عباس قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم عن الكلمات التي تلقاها آدمٌ من ربه فتاب عليه ، فقال : «سأل بحق محمد وعليُّ وفاطمة والحسن والحسين إلا تُبت علي فتاب عليه».

ومَنَّ بِهِمْ باهَلَ سَيِّدَ الوَرى *** وَقُلْ تَعَالَوْا أَمْرُها لَن يُنْكَرا(1)

وَ هَلْ أَتىٰ فِي حَقِّها وَ كَمْ أَتَى*** مِنْ آيَةٍ وَ مِنْ حَدِيثٍ ثَبْتا(2)

لِمَا رَوَوْهُ فِي اَلصَّحِيحِ المُعْتَبَر *** مِنْ أَنَّها بَضعَةُ سَيِّدِ اَلْبَشَر(3)

وَ بَضْعَةُ المَعْصُومِ كَالمَعْصُومِ*** فِي الحُكمِ بِالخُصُوصِ وَ العُمُومِ

لِأَنّها مِنْ نَفْسِهِ مُقْتَطَعَة*** فَحَقُّها فِي حُكمِهِ أَنْ تَتْبَعَة(4)

إِلَّا الَّذِي أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ*** فَإِنَّنَا بِذاكَ لا نَقُولُ

وَ لَمْ يَرِدْ فِي غَيْرِها ما وَرَدا*** فِي شَأْنِها فَالْحُكْمُ لَنْ يَطَّرِدا

وَ آيَةُ التَّطْهِيرِ قَدْ دَلَّتْ عَلَى *** عِصْمَتِهَا مِنَ الذُّنُوبِ كَمَلا(5)

ص: 651


1- باهَل : لاعَن، وتقدم ذكر العديد من الآيات التي نزلت في حق أهل البيت عليهم السلام . والبيتان إشارة إلى آية المباهلة: 61 من سورة آل عمران «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ»
2- من جملة الآيات النازلة فيهم والمفرة بالأحاديث الصحيحة فيهم، قوله تعالى و(هل أتى على الإنسان حيث من الدهر) حيث نزلت في على وفاطمة وابنيهما.
3- صَحَّ بلا ريب عند الفريقين قول النبي صلي الله عليه و اله و سلم : فاطمة بضعة مني.
4- روی ابن المغازلي الشافعي في ( مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ص 365/ ح 4611) أن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال لفاطمة عليها السلام: «أنت مني وأنا منك» ؟!
5- کَمَلا: تامة كاملةُ. أجمع المفسرون أن قوله تعالى : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا »(سورة الأحزاب : 33).. نزل في النبي والإمام علي والصدّيقة فاطمة وسيّدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين . يقول الشيخ المفيد: إن ذهاب الرجس عن أهل البيت عليهم السلام الذين عُنوا بالخطاب، يُوجب عصمتهم . (عنه: الشريف المرتضى في : الفصول المختارة ص 56)

أَذْهَبَ عَنْها رَبُّها الرِّجْسَ كَما *** طَهَّرَها فِي الخَلْقِ عَمّا و صَما(1)

صَلِّ عَلَيْها أَنّ مَنْ صَلَّى عَلى *** فَاطِمَةٍ يُغْفَر لَهُ مَا فَعَلا(2)

وَ رَبُّهُ يُلْحِقُهُ امْتِنانا *** بِالمُصْطَفى فِي الخُلْدِ حَيْثُ كانا

وَيْلٌ لِمَنْ مَاتَتْ عَلَيْهِ غَضبى *** فِي شَأْنِها لَمْ يَرْعَ حَقَّ القُرْبى(3)

قَدْ بَقِيَتْ بَعْدَ أَبِيهَا المُصْطَفى *** شَهْراً وَ عَشْراً فَعَلَى الدُّنْيَا العَفا(4)

ص: 652


1- عما وصَم : عن كلّ عيب.
2- في (کشف الغمة للإريتي 1: 472) رُوي أن النبي صلي الله عليه و اله و سلم قال: «يا فاطمة، من صلى عليك غفر الله له، وألحقه بی حيث كنت من الجنة»
3- يكتب ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة 6: 50): والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر، وأنها أوصت ألا يُصليها عليها .. . كذا أكد أنها سلام الله عليها ماتت وهي غاضبة عليهما: البخاري في صحيحه - باب غزوة خيبر ج3 ص 46، وفي باب فرض الخمس 2: 162، ومسلم في صحيحه 2: 72، وأحمد بن حنبل في مسنده 6:1 و 9، والطبري في تاريخه 3: 202، والطحاوي في مشکل الآثار 1: 48، والبيهقي في السنن الكبرى 6: 300، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب 226، وابن كثير في البداية والنهاية 5: 285، وقال في ج6 ص 336: لم تزل فاطمة تبغضه مدة حياتها! وقد روى البخاري في صحيحه 5: 21 و 29 - ط المنيرية بمصر، والنسائي في خصائص أمير المؤمنين عليه السلام 35 - ط التقدم بمصر، والبغوي في مصباح السنة ص 205 - ط مصر، والزبيدي الشبراوي في الإتحاف بحب الأشراف 6: 244، والمناوي في فيض القدير، الهندي في كنز العمال 13: 93 - ط حیدرآباد.. وغيرهم، أن رسول الله صلى الله عليه واله و سلم قال: «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني». و وفي هجوم القوم على الدار قالت عليها السلام للخونة: «ویلکم! ما أسرع ما ختم الله ورسوله فينا أما البيت وقد أوصاکم رسول الله باتباعنا و مودتنا والتمسك بنا! وقال الله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرة إلا المودة في القربى )(سورة الشوری: 23) ! ( علم اليقين للفيض الكاشاني 2: 686)
4- في كتاب ( کشف الغمة ج 2 ص 75، ط دار الكتاب الإسلامي): «عن أبي جعفر محمد بن : على عليه السلام قال : ولدت فاطمة بعد ما أظهر الله نبؤة نبيه وأنزل عليه الوحي بخمس سنين وقريش تبني البيت: وفي ( مناقب آل أبي طالب ج3 ص 357): قبض النبي قال صلي الله عليه و اله و سلم ولها يومئذ ثماني عشرة سنة وسبعة أشهر، وعاشت بعده اثنين وسبعين يوما، ويقال : خمسة وسبعين يوما، وقيل : أربعة أشهر، وقال القرباني : قد قيل: أربعين يوما ، وهو أصح.

وَ قِيلَ شَهْرَيْنِ وَ نِصْفَ شَهْرِ*** قَدْ بَقِيَتْ بَعْدَ أَبِيهَا الطُّهْرِ

و قِيلَ تِسْعِينَ مِنَ الأَيَّامِ *** وَ خَمْسَةٌ تَكُونُ بِالتَّمامِ

وَ قِيلَ فِي ذَلِكَ أقوالٌ اُخَر *** وَ ما ذَكَرْناهُ هُوَ الَّذِي اشْتَهَر

هَذَا وَ لَكِنْ أَوَّلُ الأَقْوَالِ *** أَنْسَبُها بِمُقْتَضَى الأَحْوَالِ

فَإِنَّها لاقَت مِنَ الأَهْوالِ *** وَ سَيِىءِ الأَفْعالِ وَ الأَقْوالِ

مَا لَمْ يُلَاقِی بَعْضُهُ الجِبَالا*** لَزُلزِلَتْ مِن وَقعِهِ زِلزالا

وَ كَيْفَ تُبْقِي مُدَّةً مِنَ الزَّمَن *** مِنْ بَعْدِ هَاتِيكَ الخُطُوبِ وَ المِحَن!

يَكْفِي لِمَوْتِهَا مِنَ الأَخْطارِ *** وَقْعَةً بَيْنَ البَابِ وَ الجِدارِ

في دَارِها قَدْ هَجَمُوا عَلَيْها *** قَدْ رَوَّعُوها وَ أَخافُوا اِبْنَيْها

وَ شَاهَدَتْ بِعَيْنِها مَا قَدْ جَرى *** مِنْهُمْ عَلَى اِبْنِ عَمِّها مَوْلَى الوَرى

مِنْ بَيْتِهَا قَدْ أَخْرَجُوهُ قَهْرا *** يُقَادُ بِالنِّجادِ قَودَ الأَسْرى(1)

رَأَتْ مِنَ الذِّلَّةِ وَ الهَوَانِ *** وَ قِلَّةِ الأَنْصارِ وَ الأَعْوانِ(2)

ص: 653


1- النَّجاد: حمائل السيف.
2- في : (بحار الأنوار ج 28 ص 62/ ح 24 - عن : کامل الزيارات لابن قولويه، ط 2 مؤسسة الوفاء بیروت): «. وأما ابنتك، فتُظلم، وتحرم، ويُؤخَذَ حقها غصباً الذي تجعله لها، وتُضرب وهي حامل، ويُدخل على حريمها ومنزلها بغير إذن، ثم يمسها هوان وذُل ، ثم لا تجد مانعاً !..»..

وَ مِنْ أَبِيها مَنَعُوا مِيراثَها ***وَ لَمْ تَجِدْ فِي القَوْمِ مَنْ أَغَاثَها(1)

لَمْ يَحْفَظُوا بَضْعَتَهُ مِن بَعْدِهِ ***وَ يُحفَظُ المَرْءُ بِحِفْظِ وُلدِهِ(2)

لَقَدْ أَضَاعُوا حَقَّها جِهَارا ***وَ أَنْكَرُوا حُجَّتَها إنْكارا

وَ طَلَبُوا بَيِّنَةً مِنْها عَلى *** مَا كَانَتْ تَحْتَ يَدِها مُسْتَعْمَلا(3)

مَا طَلَبْتَ لأَنْ يُصِيبُوا رُشْدا ***مَا طَلَبَت إلّا لأَنْ تُرَدّا(4)

كَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَمْرَ فَدَكَ ***وَ لا دَرَوا بِمَنْ لَها كانَ مَلَك

أَكانَ يخْفى أَمرُّها عَلَيْهِمْ ***وَ لَمْ يَصِلْ مِنْ خَبَرٍ إِلَيْهِمُ

وَ هَلْ بِهذَا الأَمْرِ مِنْ خَفاءٍ *** وَ اِنَّها نُحَيلَةُ الزَّهْراءِ(5)

ص: 654


1- في خطبتها الفدكية الشريفة، قالت موخه: «إيها بني قيلة (الأوس والخزرج قبيلتا الأنصار)! أأهضم تُراث أبي وأنتم بمرأى منّي ومسمع، و مبتدء ومَجمع !.. وأنتم ؤو العدد والعُدة، والأداة والقوة.. وتأتيكمُ الصَّرخة فلا تُغيثون !
2- في خطبتها الفدكية المباركة أيضا، قالت صلوات الله عليها: «أما كان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أبي يقول: المرء يُحفظ في وُلده» ؟! سرعان ما أحدَثتم !...
3- في احتجاج لأمير المؤمنين عليه السلام أردى به أبا بكر في مواضع عديدة، منها قوله عليه السلام له: «فما بالُ فاطمة سألتها البينة على ما في يديها وقد ملكته في حياة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وبعده، ولم تسأل المسلمين على ما ادعوها شهودا كما سألتني على ما ادعيت عليهم ؟! فسكت أبوبكر ! فقال عمر: يا علي ، دَعنا من كلامك ؛ فإنا لا نقوى على حُجتك، فإن أتيت بشهود عدل، وإلا فهو (أي فدك) في ءُ للمسلمين، لا حق لك ولا لفاطمة فيه ! ( فحاججهم أمير المؤمنين عليه السلام بالدلائل القرآنية فتخبطوا في جوابه!). ( الاحتجاج 1: 119 ۔ عنه: بحار الأنوار 29: 127/ ح 27)
4- أي أنهما لم يطلبا الشهود من فاطمة عليها السلام ليرا لها فدك ، بل ليراها عليها السلام ويؤذياها و يکسرا حرمتها الإلهية.
5- النحيلة: العطية الصغيرة والهبة . وهي هنا فدك والعوالي.كتب الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود و هو ليس من الشيعة - : والرأي الأصل في فدك أنها ملك : خالص لرسول الله، يجوز أن تكون قد بقيت له حتى وفاته، ويجوز أن يكون أنحلها ابته قبل الوفاة ... وقال أيضا : إن أرض فدك ، يخلة كانت أو ميراثا - هي حقُّ خالصُ لفاطمة، لا يمكن المماراه فيه ! (عن مقدمة كتاب (فدك) للسيد القزويني ص 6 - 7) : وأما كونُ فدکٍ يحلة، فشهد بذلك عشرات المفسرين والمحدثين والمؤرخين المشهورين، منهم الحسكاني الحنفي حيث كتب في مؤلفه ( شواهد التنزيل 1: 570/ ح608) بإسناد إلى عطاء، عن ابن عباس أنه قال : لما أنزل الله : فات ذا القربي حقََّه ) (سورة الإسراء: 36) دعا رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم فاطمة وأعطاها فدكاً؛ وذلك لصلة القرابة

وَ كَيْفَ تَستَعظِمُ غَصْبَهُمْ فَدَك ***أَوْ يَعتَرِيكَ اليَوْمَ فِي ذَلِكَ شَكّ؟

وَ قَدْ جَنَوْا مَا هُوَ أَدْهى وَ أَمَرّ *** وَ اِرْتَكَبُوا أَمْراً عَظِيماً ذا خَطَر!

خِلاَفَةً تَقَمَّصُوها غَصْبا ***مِنْ أَهْلِها وَ اِنْتَهَبُوها نَهْبا(1)

و اغْتَصَبُوا مِنَ الوَصِيِّ حَقَّهُ ***وَ لَمْ يُرَاعُوا قُرْبَهُ و سَبْقَهُ(2)

لَوْ رَاقَبُوا مَعادَهُمْ و أَنْصَفُوا ***لَأَذْعَنُوا لِأَمْرِهِ وَ اِعْتَرَفُوا

هَلْ فِيهِمُ مَنِ اِقْتَفَى آثَارَهُ ***أَوْ شَقَّ فِي مَكْرُمَةِ غُبَارَهُ؟

وَ هَلْ لَهُمْ مِنَ العُلُومِ وَ الحِكَم ***مِعشَارُ مَا قَدْ صَحَّ عَنهُ وَ ارْتَسَم؟(3)

ص: 655


1- قال أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة الشقشقية: أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحی.
2- نقرأ في الدعاء المبارك الوارد عن الإمام المهدي (أرواحنا فداه)، والمسمى بدعاء الندبة» هذه الفقرة الشريفة: «.. وكان بعده (أي بعد رحيل النبي صلي الله عليه و اله و سلم ) هُدي من الضَّلال، ونوراً من العمى، وحبل الله المتين، وصراطه المستقيم، لا يُسبق بقرابة في رَجم، ولا بسابقة في دين، ولا يُلحَق في منقبة من مناقبه .» . (مصباح الزائر للسيد ابن طاووس 230، تحفة الزائر للشيخ المجلسي ص 342، المزار الكبير لابن المشهدي ص 190)
3- قال عبد الله بن عباس: قسم علم الناس على خمسة أجزاء، فكان لعلي منها أربعة، ولسائر الناس جزء شاركهم فيه، فكان أعلمهم به ! والله لقد أعطى علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شاركهم في العشر العاشر؟ - ما علمی وعلم أصحاب محمد صلي الله عليه و اله و سلم في علم علي، إلا كقطرة في سبعة أبحر! ( الفتوحات الإسلامية لابن دحلان 2: 510، ينابيع المودة للشيخ القندوزي الحنفي ص 70 - ط إسلامبول)

لَهُ مِنَ الفَضَائِلِ المَأْثُورةِ ***ما لَمْ تَسَعْهُ اَلصُّحُفُ اَلْمَنْشُورَة

عِلماً تُقًى شَجاعَةً فَصَاحَةُ ***زُهداً حِجًى عِبادَةِ سَماحَة

هَذَا مَعَ الغَضِّ عَنِ النُّصُوصِ*** عَلَيْهِ بِالعُمُومِ وَ الخُصُوصِ

مِنْ آيَةٍ تُتْلى وَ مِن نَصَّ خَبَر*** عَنِ النَّبِيِّ اَلْمُصْطَفى قَدِ اشْتَهَر

وَ أَوْضَحَ الحَقَّ النَّبِيُّ الاُمِّي*** لِلنّاسِ طُرّاً فِي غَدِيرِ خُمَّ(1)

فَمَنْ تَرى أَوْلى بِهذَا الأَمْرِ؟ ***فَاحكُمْ بِوِجْدانِكَ يَا ذَا الخُبرِ(2)

وكَيْفَ وَ التَّقْدِيمُ لِلمَفْضُولِ ***تَمْنَعُهُ أَوَائِلُ العُقُولِ(3)

بِاسْمِ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ اخْتُصّا ***وَ كَمْ عَلَى هذا حَدِيثٍ نَصَّا

ص: 656


1- في (الخصال للصدوق ج ا ص 173، ط جماعة المدرسين - قم): «قالت سيدة النسوان فاطمة عليها السلام لما مُنعت فدك، وخاطبت الأنصار فقالوا: يا بنت محمد، لو سَمعنا هذا الكلام قبل بيعتنا لأبي بكر ما عَدلنا بعلیِّ احداً فقالت: «وهل ترك أبي يومَ غدير خم لأحد عُذراً ؟!»
2- خصوصا بعد قول أبي بكر: أقيلوني .. أقيلوني .. لست بخيركم (أي بأفضلكم) وعلي فيكم ! وما أن مات أبو بكر واستولى عمر حتى صاح: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقي الله المسلمين شرها! فمن عاد إليها فاقتلوه !! وكأن لم يتآمرا على سلب الخلافة من أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن بايعاه يوم غدير خم وبخبخا له: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ! أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن ومؤمنة !!
3- هكذا حكمت العقول بوجوب تقديم الفاضل على المفضول، وتقديم الأفضل على الفاضل، وتأخير المفضول لاسيما إذا عرف واشتهر وجب فحكم عليه بالجهل والجُبن والفسق و معصية الرسول صلي الله عليه و اله و سلم في أوامره ونواهيه ومخالفة أحكام الله وآياته البيّنات، وضعفه أمام الشهوات والنزوات والرغبات الدنيوية!

فَلاَ تُسَمِّ أَحَداً سِوَاهُ ***وَ إِنْ يَكُنْ ذَلِكَ مِن أبناهُ(1)

أَخُو اَلنَّبِيِّ وَ أَبُو سِبْطَيْهِ ***وَ نَفْسُهُ تَحُلُّ فِي جَنبَيهِ(2)

أَخُوهُ وَ ابنُ عَمِّهِ وَ صِهْرُهُ ***بِهِ كَهارُونَ يَشُدُّ أزرَهُ(3)

أَفضَلُ مَن صَلّى وَ صَامَ وَ اقْتَرَب ***بَعْدَ نَبِيِّ الحَقِّ سَيِّدِ العَرَب

مَنْ لَمْ يُوالِهِ فَلا إِيمانَ لَه ***وَ اللَّهُ لَن يَقبَلَ مِنهُ عَمَلَه(4)

ص: 657


1- سُئل الإمام الصادق عليه السلام : هل يُسلَم على الإمام المهدي عليه السلام بإمرة المؤمنين ؟ قال عليه السلام: «لا، ذاك اسم سَمَّى الله به أميرالمؤمنين عليه السلام، ولم يُسَم به أحدٌ قبله، ولا يتَسمّى به بعدَه إلا كافر !..». (بحار الأنوار 24: 211 - 212: عن الكافي، و 52: 373 ح 165 - عن: تفسير فرات ص 193/ ح 249) • وعن الإمام الباقر عليه السلام : «لم يَتَسم بهذا الاسم (أي أميرالمؤمنين) غير علئَّ عليه السلام إلا مُفتر كذاب) (بحار الأنوار 24: 315 ح 19 - عن: الكافي 8: 288 - 289) • وعن الإمام الصادق عليه السلام: «لم يُسم بأمير المؤمنين أحدٌ غير أميرالمؤمنين عليه السلام فَرَضي به إلّا كان منکوحاً، وإن لم يكن به ابتلي ؛ وهو قول الله تعالى في كتابه : ( إن يدعون من دونه إلا اناثا)(النساء: 117). (تفسير العياشي 1: 276/ ح 274 - عنه: بحار الأنوار 37: 331)
2- حديث المؤاخاة صحيح ثابت مستفيض عند الفريقين ، وفيه قول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم كما في ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي لمحب الدين الطبري الشافعي ص 92): أين علي بن أبي طالب ؟ فوثب إليه فقال : ها أنا ذا یا رسول الله . فضمه إلى صدره وقبل بين عينيه وقال بأعلى صوته: «معاشر المسلمين، هذا أخي وابن عمي وختني، هذا لحمي ودمي وشعري، هذا أبو السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، هذا مفرج الكروب عني ، هذا أسد الله وسيفه في أرضه على أعدائه، على مبغضه لعنة الله ولعنة اللاعنين، والله منه بريء وأنامنه بريء.
3- أزره: ظهره . وفي البيت إشارة إلى حديث المنزلة و قول النبي صلي الله عليه و اله و سلم : أنت منّی بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.
4- كتب السيد هاشم البحراني في مؤلفه (علي والسِّنة، تحقيق الشيخ نجم الدين العسكري ص 44): في الوسيلة (لعلها وسيلة المال في مناقب الآل، لباكثير الحضرمي الشافعي) عن أبي ذر قال : قال : رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم : «يا أباذر، علىُّ أخي وصهري وعضُدي ، وإن الله لا يقبل فريضة إلا بحب علي ابن أبي طالب .

لاَ تَصْبِرُ الشُمُّ الرَّعانُ صَبْرَه ***وَ لا تُدانِي حِلْمَهُ وَ قَدَرَه(1)

شَاهَدَ فِيهِمْ فاطِماً وَ ظُلمَها ***وَ غَصْبَها حُقوقَها وَ هَضْمَها

يَسْمَعُ مِل ءَ سَمْعِهِ شَكواها ***ثُمَّ يَرَى بِعَيْنِهِ بُكاها(2)

ما كانَ يَرْضى أَنّها تُهْتَضَمُ *** أَوْ أَنَّها بَعْدَ أَبِيها تَظْلَمُ

أَكانَ مِنْهُ ذَاكَ جُبْناً وَ حَذَر*** أَوْ عَجَزاً عَنِ النِّضالِ وَ خَوَر؟(3)

لا وَاَلَّذِي كَوَّنَهُ بِجُودِهِ ***أَكْبَرَ آيَةً عَلى وُجُودِهِ

بَلْ ذَلَّلَ النَّفسَ لِعِزِّ الدِّينِ ***وَ مَا انْطَوى فِي عِلْمِهِ المَكْنُونِ(4)

ص: 658


1- السَّم الرعان: الجبال الشامخة. ومن كلام لأمير المؤمنين عليه السلام قاله عند ما جروه لبيعة أبي بكر: ... أيتُها القدرةُ الفجرة .. فاستعدوا للمسألة جواباً ، ولِظُلمكم لنا أهل البيت احتساباً ، أو تُضرب الزهراءُ نهراً، ويُؤخذ منا حقُّنا قهر وجبر ؟! فلا نصير ولا مجير، ولا مُسعد ولا مُنجد... فليت ابن أبي طالب مات قبل يومه، فلا يرى الكَفَرة الفجرة، قد ازدحموا على ظلم الطاهرة البيرة، فتباً تبّاً، و سُحقاً سحقا، ذلك أمر إلى الله مرجعُه، وإلى رسول الله مدفعه، فقد عزّ على ابن أبي طالب أن يُسوَّد متن فاطمة ضربة ، و قد عُرف مقامه ، وشوهدت أيامه ..... فالصبرُ أيمن وأجمل، والرضى بما رَضي الله أفضل؛ لكي لا يزول الحقُّ عن وقره، ويظهر الباطلُ من وکره، حتّى ألقى ربي فأشكو إليه ما ارتكبتُم من غَضبكم حقّي . (مصباح البلاغة للمير جهاني 1: 285 - 286).
2- لو قال : «ثمّ يرى بعينه بلواها» لكان أبلغ في المقصود.
3- الخور: الفتور والضَّعف والانكسار.
4- لما رفع عمر سوطه فضرب به ذراع فاطمة عليها السلام، وصاحت: يا أبتاه ! وثب علي علئ فأخذ بتلابيب عمر، ثم هزه فصرعه، ووجأ أنفهُ ورقبته، وهم بقتله، فذكر قول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وما أوصاه به من الصبر والطاعة، فقال عليها السلام: «والذي كرم محمد بالنبوة، يا ابن صهاك ! لولا كتابٌ من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي». (الاحتجاج 1: 313، بحار الأنوار 28: 269 ح 35 - عن: کتاب سلیم بن قیس الهلالي)

فهرس الاشعار

صدر البيت القافية القائل الصفحة

آلِ اَلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ المَناقِب سفيان بن مصعب العبدی الکوفی 99

إِذَا جَاءَ عاشُورا تَضَاعَفُ حَسْرَتَي عَبرِتِی عبدالله بن عمار البرقی 150

اَلدَّمْعُ قَرَّحَ مُقْلَتِي وَحشَتی الاستاذ سالم محمد علی 147

اَلنُّورُ فَاضَ بِمَكِّهِ فَاضَاءَهَا رِداءَ ها السيد مسلم الجابری 77

إِلَى مِ اَلْتَّوَانِي صَاحِبَ الطَّلْعَةِ الْغَرَّا الوِترا السيد خضر القزوينی 271

إِنْ دَاراً بها حَدِيثُ الكِسَاءِ الجَوزاء الشيخ عبد العظيم الربيعی 34

إِن كُنْتَ تَطْلُبُ مَأْتَماً ومَرَاثِي المِيراثِ الشيخ صالح الطرفی 165

أَبَا الزَّهْرَاءِ قَدْ عُقِدَت عَلَيْنَا مُوَامِراتُ الشيخ کاظم ال نوح 155

أَتَنَنِي مِنَ اَلْحِبِّ اَلْخَدِينِ ألوكَةُ تُثبِتُ الشيخ ابراهیم ال مبارک البحرانی 141

أَتَسْأَلُنِي مَا نُورُ تِلْكَ اَلْكَوَاكِبِ ثَواقِبِ الاستاذ جعفر الجعفر 92

أَتُوقُ إِلَى لِقَائِكَ يَا جُمادي عادا الاستاذ علی نوح المهنا 236

أَتَى يَوْمُ اَلْبَتُولَةِ وَهُوَ عِيدُ القَصِيدُ الشيخ جعفر الهلالی 209

أرِيجُ النُّبُوَّةِ فيكِ ابتَدا اهتَدی الاستاذ مصطفی المهاجر 248

أَسْعِفِينِي بِفَيْضِكِ المِعطاءِ العَلياءِ الشيخ محمد جواد المطر 51

ص: 659

صدر البيت القافية القائل الصفحة

افاطمةُ الزهراءُ يابنةَ أحمدِ معبدِ القائل الأستاذ أنور الجندی 200

اَكْبَرْتُ ذِكراکِ لا يَرقی لَها أَدَبي العَجَبِ الشيخ إبراهيم النصيراوي 90

أَنائِْحَة مِثْلِي عَلَی العَرصَة القَفرا الذِّکری عبد الحسین العاملی 284

اَؤضِح بِنَهجِ الرُّشدِ لِلْمُسْتَرشِدِ المُلحِدِ الشيخ قاسم محيي الدين 244

أيُّها الغافلُ لا نِلتَ نَجاحا المِلاحا الشيخ عبدالكريم الممتن 186

أیُّ يومٍ يَجِلُّ فِيه العزاءُ البُکاءُ الحاج علي حمدان الرياحي 41

بُشْرَی عَلِيّّ والنَّبِيِّ مُحَمَّدِ احمَدِ الشيخ عبدالعظيم الربيعي 223

بِمَولدِ بِنْتِ المُصطَغی لَكُمُ البُشری تَتری الشيخ علي بن الحسن الجشي 288

تَرَكَ الصِّبالَكَ والصَّبابَة اصَابَه الشيخ محمد علي اليعقوبي 112

حارَ الفُوادُ إذِ اعتَرَتهُ نَواةِبٌ المَنفَذُ السيد محمدرضا القزويني 252

حَتی مَ سَيَدَنا تَبْقَی العِبادُ سُدَی صَدا الشيخ عبدالحسين شکر 217

حَْسبي علی ما حَلَّ بي انشادی التِّعدادِ الشيخ حسن البحراني القيسي 214

خَدِيجَُه أُمُّ المُؤمنينَ سَمَتْ فَخرا قَدرا الحاج سُعود الشَّملاوي 273

خَرَجَتْ تَجُرُّ ذُيولَها في مِحتَة يُصيخُ السيد محمد رضا القزويني 196

خَطْبّ يُذِيبُ مِنَ الصُّخورِ صِلابَها هِضابَها السيد عيسى الكاظمي 122

رحلَتْ لِلالهِ تَشكُو اُناساً الاَرزاءِ السيد هاشم الهاشمي 84

روتْ لنا الطُّهرُ بنتُ المُصطفی خبَرا مُعتَبَرا السيد محيي الدين الغَريفي 303

زَهْرَاءُ يا بنتَ النَّبيِّ المُصطَفی المُختار السيّد حسين السيّد حسن 269

سَاورتني الهُمُومُ والِّلواء الادواءُ السيّد مرتضى القزويني 71

سَقَی اللهُ اِنفاسِی مِنَ السَّلسَل العَذب الرِّطبِ الشيخ غلام حسين الغروي 125

ص: 660

صدر البيت القافية القائل الصفحة

شَعتْ . . فَلاَ الشّمسُ تحكيها وَلا القَمَرُ تَزدَهِرُ محمد جمال الهاشمی 300

شَعَّ نُور البتُولِ سِتِّ النّساءِ بالسَّناء الشيخ ملا علي آل رمضان 37

طِائرُ البِشرِ فِي ربی البَطحاءِ الزَّهراءِ الحاج علي يوسف المتروك 48

عَادَ ْاثرَ الوَقيعة البِكرِ لَيْثٌ بالايماءِ بولس سلامه 24

عَزَّ العَزاءُ عَلَِْيكِ يا زَهراءُ شَنعاءُ الشيخ حسن البحراني القيسي 20

غُصَصُ المَصائبِ أَلهَبَتْ أحشائي الشُّهَداءِ الحاج محمد على الحاج حسين 64

غَيرَةُ اللهِ كَيْفَ تَسْطِيعُ صَبْراً غُروبُ الشيخ علي بن حسن الجشي 115

كُلُّ غَدرٍ وَقَوْلِ إفك وَزورِ الغَديرِ السيد باقر الهندي 258

كيف يدَنُو إلی حََشايَ الدَّاءُ الزِّهراءُ الشيخ أحمد الوائلي 13

لأهلِ الأرضِ فاقَت وَالسّماءِ النّساءِ السيد محمد صالح البحراني 58

لَك الشُّكرُ رَبِّي والثِّنا وَالمَحامِد تُعاوِدُ الأستاذ جعفر الحائري 204

لكَ اللهُ مِن قَلبٍ بايدی الحَوادثِ عابِثِ الشيخ محمد حسين کاشف الغطاء 171

لِي مُقلَةٌ بِدُمُوعِها عَبْری حرّی السيد محسن الأمين العاملي 294

مَا انفَکَّ صَوتُ ؤتَزَفُّرِي وبُكائي عَنائی الشيخ محمد سعيد المنصوري 53

مالي سِوَی الهادي انَّبیِّ والِهِ التَجِی الشيخ محمد علي اليعقوبي 181

مَرْحَی بإشراق السَّنَا الوَضَّاءِ بَهاء السيد سلمان آل طعمة 30

مَنْ مُبلِغٌ عَنَّي الزمانَ عِتابا ابوابا الشيخ محمد حسن سميسم 129

مِن وَحی يومِكِ انتقی کلماتِی مَولاتی الأستاذ منذر الساعدي 159

مَولِدُ الزَّهراءِ للإيمان عيدُ سَعيدُ السيد محمد جمال الهاشمي 241

نادَيتُ باسْمِکَ في الخُطُوبِ غِياثا عاثا الأستاذ علي محمد الحائري 168

ص: 661

صدر البيت القافيه القائل الصفحه

نَهضاَ فَقَد نِسيَتْ نُوَيُّ شِعارَها عارَها السيد على الترك 291

هُمُومّ مَدَی الأيّام لا تَتَفَرَّجُ مُهَيِّجُ الشيخ قيس العطار 177

هُوَ الدَّهْرُ بالأعمار تَسري رَكائِبُة نوائِبُه الشيخ سليمان البلادي 102

هیَ الغَيدُ تَسْقِي مِن لَوَاحِظها خَمرا سَکری الشيخ حبيب شعبان 264

يَا خَليَليَ احبسَا الجُرة المِهارا جارا السيد صدر الدين الصدر 281

يا دارَ فاطِمَ ما تراءی طَيفُها قَذی السيد مسلم الجابري 254

يا قَبْرَ فاطِمَةَ الَّذِی ما مِثلُهُ مَبِيتا ديك الجن الحمصي 145

يَامُدرک الثّارِ البدارَ البِدار المَغار السيد صالح الحلي 277

يُفشِي التأّلَمَ هاطلٌ نَضَاحُ جراحُ منذر الساعدي 190

يُونِّبُنِی الزَّمانُ وَلا أصِيخُ رَضيخُ الأستاذ علي محمد الحائري 194

الدَّمعُ مِنّي عَلَی الخَدَينِ مُنسَجِمُ مُضطَرِم الشيخ حسن البحراني القيسي 494

إلی كَمْ وُلُوعُ القَلبِ بِالغادَة الحَسنا لُبنی الشيخ سليمان البلادي البحراني 535

الی مَ بِنارِالبُعد يا سَيِِّدي نُكوی نَهوی السيد غياث آل طعمة 600

إنّ مَنْ حُبُّها مِنَ لله فَرضٌ رَفضُ الشيخ حسين الطرفي 338

اتَرغَبُونَ ِبداِر كُلُّهَا نِقَمُ الخَدَمُ الشيخ ملا على آل رمضان 510

اَفقْتُ مِنْ بَعْدِ نَومٍ مَغزی السيد محمد رضا القزوينی 312

ألا هَل إلی طُولِ الحَياة سَبيلُ يَحُولُ الإمام علي بن أبي طالب 474

اَلقَلبُ مَا ذَاقَ السُّرور وَلا انتشی عَرَّشا الشيخ فاضل الصفار 333

انا فِي هَوَی الزَّهراءِ دَؤماً أُخْلِصُ اَحرصُ السيد سلمان آل طعمة 336

اودَعَ المُختار فِيهِم زَهرهَ البُلَغا الأستاذ عادل الكاظمي 396

ص: 662

صدر البيت القافيه القائل الصفحه

أَوْصَی النَّبيُّ بفاطِم أصحابَهُ يُحفظُ السيّد محمد رضا القزوينی 364

أيُّ الفَضايْلِ فيها يَبدَاُ الكَلِمُ القَلَمُ الأستاذ سلمان الربيعي 498

اَی قَلْبِ مَا كَانَ يَحْمِلُ للزه مَريضُ السيّد محمّد رضا القزويني 343

بِحُبِّي لِلبَتُولِ أرَی آعتزازِي جَوازی الشيخ صالح الطرفي 310

بِضعَةَ الهَادِي إلَيْكِ سَاخُط الشَّطَط الأستاذ حميد أحمد العُسري 354

بَكيتُ بِمَأِتم الزَّهرا شَجوا رَضوی الأستاذ علي محمّد الحائري 598

تاللهِ بَعدَ رَسُول الله مَا هَجَعَت لَم تَنَمِ الشيخ محمّد سعيد المنصوري 514

تَبکِيكِ عَيني عَبرَةسَاجِمَة فَاطِمَه الشيخ عبدالستّار الكاظمي 506

تبلَّجَ وَجْهُ الأَرضِ حَزناً علی سَهلِ الرُّسلِ السيد مهدي الأعرجي 476

تَمِيدُ الراسِياتُ وَقَدْ تَزُولُ لا يُزُولُ الشيخ ناصر الحائري 481

جَوْهَرَهُ القُدسِ مِنَ الكنز الخَفِي الاَحرُفِ الشيخ محمد حسين الإصفهاني 641

حَديثنا عَنْ جابر أَنْصارِي الاَطهار الشيخ سلطان على الصابر 626

حَوادِتُ بِنْتِ الهُدی تُؤْلِم الفَمُ السيد محمد کاظم الكفائي 518

خَلِيلَيَّ عُوجا بِي عَلَی الحَيِّ واحبِسا لاتُغَلِّسا السيد صالح الحلّي 322

دَعنی قَبيلُ اللَّهوِ غَيرُ قَبيلی سَبيلی طلائع بن رُزَيك 470

دَعُونی ابَتَدِي حَرفی صَلاة الوَصیِّ المهندسة كوثر شاهين 618

رأی بَرْقَ حُزْوی فاستَهَلَّت دُمُوعُهُ وُلُوعُهُ الشيخ محمد علي اليعقوبي 392

سَقاكَ الحَيَا الهَطَالُ يا مَعْهَدَ الااف القَطفِ الشيخ حبيب شعبان 400

سَوْفَ تأتی الزَّهراء تَلتَمِسُ الحُك التَّعديلِ الصاحب بن عبّاد 450

شُجُونٌ تَْستَهلُ لَهَا الدُّمُوعُ الظُّلُوعُ الشيخ عبدالمنعم الفرطوسي 380

ص: 663

صدر البيت القافيه القائل الصفحه

صَلّی الإلهُ عَلَی البَتولِ والِها جَلالها الشيخ محمّد سعيد الجشي 490

طَلَعَتْ نَجْمَةُ فَلاحَ ضِياها بَهاها الشيخ محمّد جواد الخراساني 579

عَجِيبة هذهِ الدُّنيا وبّلواها رَزاياها السيّد هاشم الشخص 588

عَرِّج عَلی طَيَبَةٍ وانزِل مَغانِيها باكيها الأستاد عبدالمسيح الأنطاكي 611

عَلَيِك سَلامُ للهِ في يَوْم ذِكراکِ الزاكي الأستاذ عبدالعزيز العندليب 414

فَاطِمَةُ خَيرُ نِساءِ الأُمَّه وَصمَه الشيخ هادی ال کاشف الخطاء 650

فَوْقَ الحَمُولَة لُولُو مَكنُونُ ظُعُونُ الحاجّ جواد بذقت الحائري 527

قَد أَطَلَّتْ عَلَی الدُّنی بِسَناها رِداها الأستاذ أنور فرج الله 553

قِفْ عَلی قَبرِ فَاطِم بالبَقيع الدُّمُعِ الشيخ سلمان البحراني 372

قُمْ واسقِنا مِن کُوُوس الرّاحِ احلاها حُمَيّاها السيّد مرتضی القزويني 584

قوافي الشِّعر تَسبِقُني عُجالی دَالالا الشيخ نزار سنبل 485

کَفانی أسّی لا تُوقِظنَ جِراحيا ثاويا السيّد عبّاس المدرسي 604

كَمْ ذا أُريتُ بِعَتمَةِ الأغلاسِ احساسي الأستاذ إبراهيم محمّد جواد 316

كَمْ سارَ خَلْفَکَ يا عَلیُّ الفَيلَق يَخفِقُ الشيخ عبدالكريم صادق 408

كَيْفَ تَنْسی مُصاب بَضعَةِ طهَ دَهاها الشيخ قاسم محيي الدين 562

لا وَربِّي ، وحَقِّ طه أبِيكِ فِيكِ الأستاد عبدالقادر الجيلاني 423

لايْقَضِي أبَداً وَجْدِي وأحزاني عَينانِ الشيخ حسن البحراني القيسي 531

لفَرْطِ الجَوی مُهْجَتِي كَاتِمَه سَاجِمَه الشيخ عبد الحين الحُوَيزي 502

لَم أَبْكِ رَبعاً للاَحِبَّةِ قَد خَلا فأَمحَلا الشيخ أبوالحسن الخلعي 445

لِمصائِب الزَّهرا هَجَزْتُ المَضْجَعا أَدمُعا السيّد صالح الحلي 376

ص: 664

لِمَنِ الشَّمسُ في قِبابِ قِياما ضِياها الشيخ كاظم الأُزري 568

لَيسَ فِي قَولَتی يُظَنُّ اعتِبَاطُ الاِفراطُ السيد محمد رضا القزويني 359

ليَهنِ الهُدی فَيضُهُ الأقدَسُ الانفَسُ الشيخ محمد على الأوردبادي 326

ما علَی الرَّکب لَو أقامَ قَليلا غَليلا السيد صالح القزويني 453

مالي أری حَْسرَتِي لا تَنْقَضِي جَزَعا مُنهَمِعا الشيخ حسن البحراني القيسي 368

ما مُقْلَتی هتَنَتْ ذَرُوفَه ظَريفه الشيخ قاسم الملا الحلى 403

مَصائِبكُمْ شَتِّی وَشَتَی قُبُورُكُم تََصَدَّعا الشيخ قيس العطار 382

مِيلادُكِ النُّورُ فِي الآفاق يَفتَرِشُ مُنتَعِشُ الأستاذ حميد أحمد المُسري 330

نُورٌ أَضاءَ الكَؤنَ لايتناهی طه الأستاذة عزيزة صندوق 556

وَلَّهني تَجَاوُبُ الأرزاءِ الزَّهراءِ ملا عطية الجمري 637

هَل بَعدَ مَوقِفِنا عَلی يَبرِينِ ضَنين الشيخ صالح الكواز 541

هِی الصَّفا فاسحُ فِيها الطُّولَ والعَرضا الفَرضا السيد محمد مهدي القزويني 345

يا بَضْعَةَ المُخْتارِ طابَ ثَراك فداکِ الحاج محمد الأحسائي 429

يا بَضْعَةَ مِنْ زَعِيم الرُّسْلِ حَيَاها ابناها الأستاد أحمد بن الحاج رشید منط 546

يا فاطمٌ سُبْحَانَ مَنْ صَفاكِ ازهاکِ الشيخ محمد أبو خمسين 434

ص: 665

ص: 666

فهرس المواضيع

کسر ضلعها عليها السلام : 15، 17، 21، 26، 56، 17، 72، 87 121، 123، 162، 190، 178، 191،

،302 ،292 ،289 ،282 ،278 ،272 ،211 ،269 ،236 ،219 ،219 ،198 1373 ،370 ،30 ،31 ،309 ،351 ،350 ،367 ،366 ،360 ،336 ،333 ،509 ،508 ،505 ،699 ،186 ،658 ،60 ،502 ،393 ،382 ،381 ،379 ،907 ،591 ،583 ،564 ،544 ،540 ،537 ،533 ،528 ،523 ،521 ،519

.163 ،137 ،110 ،108

الطم الخد ونثر القرط: 19، 21، 39، 123، 127، 269، 291، 272، 279، 283، 323، 333، ،539 ،537 ،533 ،523 ،522 ،500 ،60 ،602 ،381 ،379 ،31 ،359 ، 963 ،937 ،110 ،101 ،591 ،564

ضربها عليها السلام ه بالسوط ولكزها بنعل السيف : 17، 30، 12، 73، 87 116، 127، 137، 162،

،272 ،200 ،269 ،236 ،220 ،219 ،219 ،188 ،182 ،178 ،171 ،190 ،40 ،386 ،381 ،377 ،371 ،31 ،308 ،336 ،323 ،293 ،281 ،279 ، 137 ،110 ،101 ،583 ،596 ،560 ،533 ،529 ،512 ،699 ،686

نبات المسمار في جنبها عليها السلام : 21، 36، 91، 130، 190، 195، 178، 219، 236، 269، 144 ،108 ،591 ،508 ،699 ،383 ،381 ،309 ،333 ،292 ،283 ،291 ،200

إحراق الدار : 21، 36، 11، 68، 72، 89 103، 109، 113، 117، 123، 127، 177، 219 ،336 ،331 ،323 ،292 ،282 ،278 ،272 ،291 ،206 ،269 ،230 ،221 ، 440 ،21 ،602 ،383 ،380 ،373 ،395 ،391 ،309 ،355 ،350 ،360 ،082 ،596 ،550 ،563 ،537 ،522 ،521 ،516 ،512 ،508 ،500 ،608 ، 163 ،162 ،107 ،102 ،591

ص: 667

الهجوم على الدار : 21، 11، 68، 76، 89 118، 188، 291، 272، 278، 282، 291، 373 ،563 ،517 ،512 ،511 ،505 ،500 ،999 ،686 ،683 ،680 ،10 ،657 ،153 ،162 ،137 ،107 ،591

إسقاط المحسن عليها السلام: 19، 21، 26، 56، 11، 17، 72، 87 106، 109، 121، 123، 127 ،283 ،279 ،272 ،291 ،269 ،221 ،219 ،188 ،178 ،195 ،162 ،135 ،381 ،379 ،373 ،370 ،30 ،31 ،309 ،351 ،336 ،333 ،302 ،293 ،519 ،508 ،506 ،96 ،84 ،83 ،408 ،440 ،21 ،02 ،393 ،383 ، 144 ،137 ،401 ،191 ،083 ،564 ،544 ،543 ،560 ،533 ،528

قودهم أميرالمؤمنين عليه السلام للبيعة قسرا: 36، 12، 17، 72، 106، 109، 118، 126، 128 ،293 ،278 ،272 ،291 ،269 ،230 ،219 ،219 ،189 ،177 ،163 ،139 ،519 ،512 ،699 ،686 ، 08 ،386 ،379 ،373 ،307 ،336 ،326 ،302 ، 953 ،937 ،100 ،592 ،583 ،590 ،563 ،533 ،528 ،521 .

غصب حقها عليها السلام (فدك) : 14، 32، 54، 61، 68، 72، 86 114، 119، 121، 124، 142، ،369 ،333 ،299 ،289 ،281 ،279 ،269 ،220 ،202 ،188 ،177 ،195 659 ،657 ،65 ، 61 ،21 ، 06 ،01 ،398 ،380 ،379 ،376 ،30 ،571 ،16 ،150 ،566 ،537 ،526 ،516 ،511 ،507 ،506 ،501 ،500 .658 ،655 ،654 ،65 ،644 ،105 ،191 ،582 ،573 .

قطع الأراكة : 56، 292، 380، 383، 662، 530، 563، 605.

تخريق کتابها عليها السلام: 124، 404، 457، 564.

منعها عليها السلام من البكاء : 55، 61، 85 113، 120، 121، 179، 293، 279، 281، 289، 292، 965 ،102 ،191 ،595 ،563 ،621 ،386 ،380 ،376 .

وصاياها عليها السلام وتجهيزها ودفنها سرأ: 19، 114، 279، 287، 293، 296، 333، 374،،590 ،593 ،192 ،575 ،599 ،551 ،560 ،523 ،92 ،605 ،385 ،380 ، 602. 608. 648

ص: 668

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.