المحسن بن فاطمة الزهراء علیه السلام

هوية الکتاب

أنوٰار الهُدیٰ

المحسن بن فاطمة الزهراء علیها السّلام

تألیف الشیخ عبدالمحسن عبدالزهراء القطیفي

الناشر انوار الهدیٰ

المطبعة مهر

الطبعة الاولی_1423 ھ . ق

القطع وزیري

العدد 1200

عدد صفحات 256

9_ 69_ 66223 _ 964 : ISBN

ص: 1

اشارة

أنوٰار الهُدیٰ

المحسن بن فاطمة الزهراء علیها السّلام

تألیف الشیخ عبدالمحسن عبدالزهراء القطیفي

الناشر انوار الهدیٰ

المطبعة مهر

الطبعة الاولی_1423 ھ . ق

القطع وزیري

العدد 1200

عدد صفحات 256

9_ 69_ 66223 _ 964 : ISBN

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

تقدیم

و سقط المحسن شهیداً ...

هل سقط ؟!

لحظات ألم ، عاشها أحذرجالات العلم في منطقة القطیف بالمنطقة الشرقیة العلّامة الشیخ عبد المحسن عید الزهرة القطیفي .

و هو یتصفح أوراق التاریخ ، لیری جنایة المؤرخین الذین یملکون مصالح تصطدم معها مبادئیات الحق التي حمل رسالتها أهل البیت علیهم السّلام، والنحسن أحد أرکان البیت النبوي ...

تلك الجناية التي حملها وسيحمل وزرها جيل انتحل الدين لباساً، وهو من أشد أعداء الدين، ليواصل ما جناه مؤرخو السوء...

لحظات الألم دفعت بالعلامة القطيفي إلى توثيق الحقيقة التي يراد لها أن تغيب .. حقيقة سقط النبوة والإمامة والعصمة والطهارة ، التي تمثل إدانة صارخة لرموز صنعت رموزيتهم ومجدت في أوراق التاريخ المتاجر بها ...

وكانت الأرقام « الوثائقية » التي سُجّلت في هذا الكتاب ، حقائق دامغة تُدين الإنحراف وتدحر الضلال .. أرقام ليست من صناعة المذهبية المقيتة بل من مسلمات المذاهب كلّها ..

وهي حلقة في مشروع يريد له المؤلف أن يقف عند بعض التزييف الذي يُحدت شرخاً في بنية نسيج الولاء ، ولكنه يفشل لوقفات من نوع هذا الكتاب الذي تكرر طبعه لعدّة مرات . وهذه الطبعة المصححة والمزيّدة التي تقدمها الدار لقرّاء الحقيقة.

دار الصدّيقة الشهيدة علیها السّلام

ص: 3

الإهداء

هذه صفحات مضيئة، مملوءة بالحزن والأسى والألم ، الذي لم يبرح أهل بيت

العصمة والطهارة ( صلوات الله وسلامه عليهم) ، طيلة حياتهم وبعد ارتحالهم . أحببت أن يعيشها ويلمسها بقلبه ومشاعره كلّ مؤمن غيور على أولياء الله وأحبائه . كما وددت من هذه الصفحات أن تساهم في إعلاء كلمة الحق ، ودحض الباطل، وتزييف الشبهات ، سيراً على نهج سادتي وقادتي وموالي ، ليهلك من يهلك عن بيّنة ليحيى من يحيى عن بيّنة.

ومنذ اللحظة الأولىّ، التي خطر فيها ببالي الكتابة في هذا الموضوع ، نويت أن يكون للنبي محمد صلّی اللهُ علیه وآله حبّاً وتقرباً ، وراجياً منه الشفاعة والقربي، وأملي أن أكتب عنده تعالى من أنصار محمد وآله صلّی اللهِ علیه وآله .

فإليك أيّها النبي العظيم الحبيب ، هذا العمل المتواضع ، الذي هو نفحة من نفحاتك، ونظرة من رحماتك ، وعناية من فيوضاتك ، قصر لساني عن شكرك ، وكلّ بياني عن ثنائك ، ولك المنّة ، ولا أحد من خلق الله له المنّة عليك .

بك اهتدينا ، بل بك اهتدى الأنبياء والمرسلون ، ولست مغالياً إن قلت : ما عرف مخلوق ربّه إلا بك . فلا تحرم يا مولاى عُبيدك من نظراتك وأنت في أعلى علّيّين ، تحفّك عناية حبيبك، وعوّض هذا العاشق لك عن فراقك الطويل بجميل لقائك .

يتيم من أيتامكم

ص: 4

المقدمة

الحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله (سبحانه وتعالى). أحمده وأستعينه على إحقاق حقّه وحقّ أوليائه، وأُفوض أمرى إليه، إنّهبصير بالعباد. والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد وآله الطيِّبيين الطاهرين المعصومين، الّذين من نصرهم فقد نصر الله ومن خذلهم فقد خذل الله .

في هذه الآونة الأخيرة، نرى المآسي المهولة التي لا تصدّق ، لأنّها أقرب إلى الخيال من الواقع . فمتى يقتل المؤمن أخاه المؤمن !!! ويدمر سكنى الأبرياء ! ومن يُدّعى أنهم القادة ، هم في بروجهم العاجية مع أولادهم وأصهارهم وأحفادهم ، تجارة بالدماء - إما المغفلة البريئة أو المصلحيّة - فذهبت الدماء بإزاء المصالح الشخصية والأغراض الدنيوية .

والعجب كل العجب أنّه باسم الدين ، حتّى وصل الحال بأن ترفع إحدى الفئتين شعار الحسين ( صلوات الله وسلامه عليه) والأخرى ترفع شعار المهدي (عجل الله تعالى له الفرج).

ولو وقف الأمر عند هذا الحدّ لقلنا هذا ما جنته أيديهم، وحساب الله آتٍ لا محالة ، وعند الصباح يحمد القوم السرى ، إلّا أنهم جاوزوا الحدّ بالتجرّي على الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء بنت أشرف الخلق محمّد (صلوات الله وسلامه عليهما وعلى آلهما ) .

نعم ... أرادوا إخفاء ظلامة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها ) من حين مَنِعها من البكاء على أبيها ، إلى هذا الحين حيث يُدّعى أنّه لم يهجم على دارها أحد .

ورحم الله الشيخ الأصفهاني حيث يقول :

ص: 5

وللسياط رنّة صداها * في مسمع الدهر فما أشجاها؟

نعم يسمع هذه السياط ، ويسمع هذه الرنّة : (من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) . أمّا من طبع على قلبه فهو لا يفقه ولا يعي ولايسمع ، غمرته الدماء فأعمته وأصمته . (وما الله بغافل عما يعمل الظالمون ) .

وقد وقع التشكيك من ذلك القائل ، المدّعي للعلم والإيمان _ وهما منه بُراء - في كثير من العقائد الحقّة. والذي يعنينا الآن في هذه الرسالة ، أن نعرض إلى تشكيكه بالهجوم على دار الزهراء عليها السّلام .

فقد بثَّ سموم التشكيك تارة بالتحفظ ، وتارة بعدم المعقولية لحدوث هذا الأمر، وتارة بدعوى أن الزهراء كانت أقوى من أن يهجم على دارها أحد، وأخرى أنه لم يكن لها ولد اسمه المحسن .

بل وصل الحدّ إلى أن أنكر وجود باب في ذلك الزمان ، فمُسحت الأبواب من ذاكرة التاريخ ، وطمست كل معالم الحضارات السابقة. وكلّ ذلك حتى تُبرّأ ساحة شخص كانت جنايته في وضح النهار ، بل أوضح من الشمس في رائعة النهار ، وغير ذلك ممّا يندى له جبين المؤمن الغيور .

ومع غياب الشعور الديني المسؤول ، أخذ الأمر يستفحل حتّى أصبح أتباعه _ حتّى ممّن يدّعي العلم والإيمان _ يؤيّدونه ويناصرونه في كلّ ما يقول، وإن أنكر أبده البديهيّات ونفى أوضح الواضحات. فلا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

ونحن ذاكرون دفاعنا عن الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) وردّ ما أثاره من الشبهات حول هذا الموضوع بعون الله وتوفيقه . كما أن لنا وقفات أخرى في إبطال فكر هذا المدّعي ، في رسائل أخرى إن شاء الله تعالى .

ص: 6

ولقد حاولت الاختصار في هذه الرسالة بما لا يخلّ بالغرض. فاقتطعت محلّ الشاهد من الأحاديث. أمّا كامل بعض الأحاديث الطويلة، فمصدرها موجود في الحاشية لمن أراد الاستزادة .

و تعمدت إيراد الحديث الواحد ، في أكثر من فصل بحسب دلالته ، وما يصلح له من استدلال، إن كانت له جهات استدلال متعددة، حتّى لا يلجأ القارئ العزيز إلى المراجعات لما قرأه في الفصول السابقة .

وأكثر ما اعتمدت في بعض الفصول على روايات العامة، لأجل إثبات الغرض الأهم وهو التهديد بإحراق بيت علي وفاطمة علیها السّلام ، وضرب الصديقة الزهراء علیها السّلام ، وسقوط الجنين المحسن قتيلاً.

أمّا بعض الفصول الأخرى مثل _ واشتكى الجنين إلى جدّه _ وإن ذكرتُ الرواية عن أهل بيت العصمة والطهارة علیهم السّلام، إلّا أنّ المنصف يراه أمراً طبيعياًّ، لأنّه سيلقى جدّه على كلّ حال مشتكياً، بعدما ثبت بالأدلة القطعية التي لا تقبل الجدل أنّه مات قتيلاً ، وإن لم يقم على ذلك دليل ، والحال أنّ الدليل لمّن يقبل كلام ذوي القربي ، صريح .

وأسأل الله ( سبحانه وتعالى ) أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله قُربى ومحبة لفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها . كما أسأله تعالى أن يوفّقني فيه ويوفّق القارئ العزيز إلى اصابة الحق المحض الصراح.

وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت ومنه أسأل ، إنّه سميع مجيب.

المؤلف

ص: 7

من خطبة لأمير المؤمنين علیه السّلام قالها يوم السقيفة :

.... والموعد قريب والربّ نعم الحاكم فاستعدوا للمسألة جواباً ولظلمكم لنا أهل البيت احتساباً اوتّضرب الزهراء نهراً ويؤخذ منّا حقنا قهراً وجبراً فلا نصير ولا مجير ولا مسعد ولا منجد فليت ابن ابي طالب مات قبل يومه فلا يرى الكفرة الفجرة قد ازدحموا على ظلم الطاهرة البزة فتنأتنأ وسحقاً سحقاً... فقد عزّ على ابن أبي طالبٍ ان يَسوّد متن فاطمة ضرباً وقد غرف مقامه وشوهدت ايامه...

من كتاب مستدرك نهج البلاغة الموسوم ب" مصباح البلاغة في مشكاة الصياغة من مؤلفات العالم الرباني الحاج السيد حسن المير جهاني قدس سرّة وقد ألحقنا كامل الخطبة في آخر الكتاب لمزيد الفائدة .

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهید

يفتتن الناس بالباطل الذي يلبس لباس الحقِّ . أمّا ما كان محض الباطل فلا يشتبه على أحد لوضوحه . كما أنّ محض الحق لا يزيغ عنه أحد لتجليه ، أمّا من خلط بين الأمرين فأخذ من الباطل نصيباً، وأخذ من الحق مقداراً، فإنّه يلتبس على عامّة الناس.

ولذلك نجد أنّ كل أصحاب البدع لم يأتوا إلى الناس كمبتدعين، بل جاؤوهم بدعوى الإصلاح، فانجرف من انجرف تحت الشعارات المزيفة، إلّا من هدى الله وسُدّد بفضل منه (سبحانه وتعالى).

وهذه الخطبة _الآتية _ من سيّد البلغاء وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام ، تبيّن لنا ما هي البدعة ؟ وكيف يفتتن الناس بها ؟ فتعال معي ننصتبقلوب خاشعة إلى هذا النور الساطع المبهر :

عن أبي جعفر علیه السّلام قال : خطب علىِّ أمير المؤمنين علیه السّلام الناس فقال :

«أيّها الناس ! إنّما بدءُ وقوع الفتن أهواءٌ تتّبع ، وأحكام تُبتدع ، يُخالَف فيها كتابُ الله ، يقلّد فيها رجالٌ رجالاً . ولو أنّ الباطل خلص لم يَخف على ذي حجى ، ولو أنّ الحقّ خلص لم يكن اختلاف ، ولكن يؤخذ من هذا

ص: 9

ضغث ، ومن هذا ضغث ، فيُمرجان فيجيئان معاً ، فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى»(1) .

نسأل الله (سبحانه وتعالى) أن نكون من الّذين سبقت لهم من الله الحسنى، إنّه ولي الأمر والتدبير والتوفيق والتسديد.

الموقف من ظهور البدع

فما هو الموقف عند ظهور الفتن والبدع ؟

لاشك أنّه ليس التأييد، وإلّا لَتَعدد المبتدع، بل ولا السكوت، لأنّ الساكت عن الحق شيطان أخرس ، ولم يقم باطل على مدار التاريخ إلّا لخذلان المتفرجين ، فقويت شوكة الباطل، وضعفت ظروف وفرص انتصار الحقّ، وتمادى الباطل في غيّه ، بل لابدّ من القيام بالمسؤولية التي أسداها الشرع المقدّس إلى من أرادوا لأنفسهم أن ينهجوا نهج الأنبياء.

وللعالم مسؤولية خاصّة، ولا يعني هذا أنّ غير العالم في حِلَّ ، بل كلّكم راع وكلَكم مسؤول عن رعيّته، وكانت هذه الأمّة خير أمة أخرجت للناس ما داموا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

قال تعالى: (كُنتُم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَت للنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَونَ عَنِ المُنكَرِ) (2) .

ومن المؤسف أن نرى أكثر الناس يجاملون الباطل ويزورونه

ص: 10


1- بحار الأنوار : 2/ 315 ح 83
2- سورة آل عمران : 110/3

ويوقرونه ، ويبررون ذلك بالانفتاح ويعدون اتخاذ الموقف ضدّ المبتدع خلاف وحدة الصف، مبررات لا يخلو منها كل فاعل حتّى من يفعل الشرّ ، بل إنّ إبليس اللعين عندما عصى الله وتمرّد على حكمه، لم يكن ذلك بلا مبرر، بل المبرر عنده هو أنّه مخلوق من النار وآدم مخلوق من الطين فهو أشرف خلقاً وهو مبرر يمنعه من السجود، لكنّ الكلام في صحّة المبرر وعدمه، ولذا لا نقبل من أي أحد أن يقول لنا بوجود المبرر عنده ، مادام حتّى الشيطان اللعين له مبرره غير المقبول.

فليحذر الإخوة المؤمنون من زيارة المبتدع ومن احترامه لأنّه هدم للإسلام، كما قال مولانا الإمام الصادق علیه السّلام : « من مشى إلى فقد مشى في هدم الإسلام ) (1) .

فإيّاك أخى المؤمن ثمّ إيّاك أنتحسب عند الله ممّن هدم الإسلام من حيث لا تعلم .

إذن المسؤولية العظمى تقع على عاتق عالم الدين، وعليه بيان الحقّ للناس، وتنبيه كلّ غافل قد ينعق مع كلّ ناعق، يرى في ظاهر الشخص لباس الصلاح الخادع ، وإن كان يختفي تحت الثياب شيطان رجيم، وحقّاً قيل : إذا فسد العالِم فسد العالَم .

على العالم أن يظهر علمه

ولقد وردت الروايات في الحث على أنّ العالم عليه أن يظهر علمه إذا

ص: 11


1- بحار الأنوار 304/2 ب 34 ح 45

ظهرت البدع ، وإن لم يفعل فأقلّ ما يقال فى حقّه إنه (مؤاخذ ).

روي عن النبي صلّی اللهُ علیه وآله أنّه قال : « إذا ظهرت البدع في أمّتي فليظهر العالم علمه ، وإلّا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (1) .

ومن يقوم بواجبه الشرعي، فينقذ الناس من براثن النواصب ، وفخاخ إبليس اللعين، فأولئك هم الأفضلون كما عبّرت الرواية الآتية:

روي عن الإمام علي بن محمّد الهادي علیهما السّلام أنه قال : « لو لا من يبقى بعد غيبة قائمكم علیه السّلام من العلماء الداعين إليه ، والدالين عليه ، والذابين عن دينه بحجج الله ، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ، ومن فخاخ النواصب ، لما بقي أحد إلّا ارتدّ عن دين الله ، ولكنّهم الّذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها ، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل » (2) .

بل أكّدت الروايات أنّه لا يُكتفى بالمناقشة والردّ الهادئ كما يُدعى، بل لابد من إظهار البراءة منهم، وسبّهم بما يليق بالمؤمن، والوقيعة فيهم،

و مداهمتهم حتّى يرى تكالب الاعتراضات والرفض عليه ، فلعلّه يكون ردعاً له أو عبرةّ لغيره، ممّن تسوّل له نفسه المريضة أن يحذو حذوه، ولا يكتفى بالمناقشة معه كما صنع بعضهم ، كما يروي لنا الشيخ الكليني في الكافي (3) فقال:

عن أبي عبد الله علیه السّلام قال : قال رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم : « إذا رأيتم أهل الريب

ص: 12


1- بحار الأنوار 234/57
2- الاحتجاج : 455
3- الكافي: 2 / 375.

والبدع من بعدي، فأظهروا البراءة منهم ، وأكثروا من سبّهم ، والقول فيهم والوقيعة ، وباهتوهم ، كيلا يطغوا في الفساد في الإسلام ،ويحذرهم الناس ولا يتعلّمون من بدعهم ، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة » (1) .

فانطلاقاً من المسؤولية الشرعيّة بادرت بتوفيق وتسديد وعون من الله ، بالقيام بهذا الجهد المتواضع، محتسباً ذلك جهاداً في سبيل الله ، مستجيباً لنداء أئمّة الحق حيث قالوا :

«من ردّ صاحب بدعة عن بدعته فهو سبيل من سیبل الله ) (2) .

راجياً منه سبحانه وتعالى القبول والرضا ومن نبينا محمد وآله الشفاعة والقربى.

المحسن في سطور

_اسمه : سمّاه النبي محمد صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم بالمحسن ، قبل رحيله .

_أبوه : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الله علیه السّلام .

_أمّه : سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء علیها السّلام.

_جده لأمّه: أشرف الخلائق النبي محمد صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم.

_ جدّه لأبيه : كافل النبي وحاميه أبو طالب علیه السّلام.

_جدّته لأمه : أحب زوجات النبي للنبي صلّی اللهُ علیه وآله ، أم المؤمنين خديجة بنت

ص: 13


1- بحار الأنوار: 235/75 ، ب 66
2- بحار الأنوار : 308/2 ، ب 34 ، ح 63

خویلد علیه السّلام

_جدته لأبيه : من كان النبي يناديها ب ( أمّه ) فاطمة بنت أسد علیها السّلام .

إخوته من أبيه وأمّه : الإمام الحسن والإمام الحسين والسيّدة زينب وأم كلثوم علیها السّلام .

_مقتله : سقط جنيناً مقتولاً مظلوماً، عند عصر الزهراء علیها السّلام وراء الباب وضربها ، وكان له ستة أشهر ، كما يدلّ عليه الحديث عن الإمام الصادق علیه السّلام حيث قال .... وإدخال قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب، وضرب عمر لها بالسوط على عضدها، حتى صار كالدملج (1) الأسود، وركل الباب برجله ، حتّى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستة أشهر، وأسقطها إيّاه (2) . وسنوافيك بتمام حديثنا حول هذا الموضوع وغيره، في البحوث القادمة إن شاء الله تعالى.

_قاتله : عمر بن الخطّاب ،وجماعة، بأمر من أبي بكر بن أبي قحافة، كما سنوافيك به في الفصول الآتية بتوفيق الله تعالى.

مدفنه : بالمدينة المنورّة على ساكنها وآله أفضل الصلاة والسلام.

ص: 14


1- الدملج : شيء يشبه السوار تلبسه المرأة، وشبّه أثر الضربة به لبروزه وظهوره وانتفاخه فكأنّه شيء موضوع فوق الجسد.
2- بحار الأنوار : 19/53 ب 28 ح 1؛ والعوالم : 441/11 _ 443؛ والهداية الكبرى للخصيبي : ص 392 و 407 و 417؛ وعن حلية الأبرار : 652/2 ؛ راجع فاطمة بهجة قلب المصطفى: 2/ 532؛ عن نوائب الدهور _ للسيد الميرجهاني _: 192.

التسمية بالمحن

لقد وردت الروايات والأقوال المؤكدة أنّ النبي محمداً صلِّی اللهُ علیه وآله وسلّم و هو الذي سمی سبطه بالمحسن ؛ لأنّه كان الحريص على تسمية أبناء فاطمة علیها السّلام؛ ولأنّ البنبي محمداً صلّی اللهُ علیه وآله يعلم بأنّ ابنته الصدّيقة الزهراء علیها السّلام كانت حاملة به ، فبادر بتسميته لعلمه أنّه لا يدرك ميلاده، وأصبحت سيرة أهل البيت عبیهم السّلام في تسمية أسقاطهم بالمحسن .

ولنا مثال حيّ قريب المنال ، وهو المحسن ابن الإمام الحسين علیه السّلام المدفون في سوريا بمدينة حلب، وله مقام مشيد معلوم، وأصبحت سيرة أتباعهم الّذين ينهجون نهج محمد وآله صلّی اللهُ علیه وآله لو أن يُسمّوا أسقاطهم بالمحسن تيمناً واقتداءً.

وورد بعد ذلك الفعل، القول من أهل البيت بذلك، حتّى إن السقط یوم القيامة يحاجج أباه إذا لم يسمّه : بأنّ رسول الله صلّی اللّهُ علیه وآله وسّلم سمّى محسناً قبل أن يولد ، وإليك النصّ من معدن النبوة والإمامة السلام علیهم السّلام :

روى في « تحف العقول » (1) :

أنّ أمير المؤمنين علیه السّلام علّم أصحابه في مجلس واحد أربعمئة باب مما يصلح للمؤمن في دينه ودنياه...

إلى أن قال:

ص: 15


1- تحف العقول: ص 100 _ 125 .

سمّوا أولادكم، فإن لم تدروا أذكر هم أم أنثى فسموهم بالأسماء التي تكون للذكر والأنثى، فإنّ أسقاطكم إذا لقوكم يوم القيامة ولم تسموهم، يقول السقط لأبيه : ألا سمّيتني وقد سمّى رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم محسناً قبل أن يولد (1) .

هذا ... وإليك أيضاً الأحاديث والأقوال الأخرى التي تدل على أنّ النبي محمدا صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم هو الذي سمّى سبطه بالمحسن قبل أن يولد : قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط (2) :

وبأسمائهم سمّى النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم الحسن والحسين والمحسن.

وذكر العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي رحمّة اللهُ في كتاب «مرآة العقول»، الذي شرح فيه أخبار « أصول الكافي» و «الروضة»، قال: فضرب قنفذ _ غلام عمر _ الباب على بطن فاطمة علیها السّلام فكسر جنبها ، وأسقطت لذلك جنيناً كان سماه رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم محسناً (3) .

وسنوافيك أيضاً في الفصل القادم ببعض ما يدلّ على أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم هو الذي سمّى أسباطه علیهم السّلام بتسمية الله، وأرجأناه إلى هناك دفعاً للتكرار، وروماً للاختصار .

إخوته من أبيه وأمّه

إنّ أولاد أمير المؤمنين علیه السّلام من الزهراء علیها السّلام پخمسة وهم : الحسن

ص: 16


1- بحار الأنوار: 112/10 ؛ وكذلك في : 43 / 195 ح 23؛ عن الكافي : ج 6 / ص 18 ح 2 .
2- القاموس المحيط _ للفيروزآبادي _: 55/2 .
3- مرآة العقول : 318/5

والحسين والمحسن وزينب الكبرى و أم كلثوم علیهم السّلام ، فيكون للمحسن إخوة أربعة، كما دلّت على ذلك مجموعة من الروايات الآتية، ويكفي في دلالة الحديث المستشهد به على ذلك أن يذكر المحسن علیه السّلام أنّه من أولاد الزهراء علیها السّلام، لأنّ الأربعة الباقية علیهم السّلام من الأمور التي لم تتعرّض إلى شك المغرضين :

قال الشيخ المفيد في «الإرشاد » (1) :

أولاده خمسة وعشرون ، وربما يزيدون على ذلك إلى خمسة وثلاثين، ذكره النسّابة العمري في «الشافي» وصاحب «الأنوار»، البنون خمسة عشر والبنات ثمانية عشر ، فولد من فاطمة علیها السّلام الحسن والحسين والمحسن سقط وزينب الكبرى وأم كلثوم (2)

واعترف ابن الأثير في « أسد الغابة » (3) : بوجود المحسن لفاطمة الزهراء علیها السّلام، حيث أفرد له ترجمة في باب الميم، وقال: وتوفي المحسن صغيراً.

وذكر سبط بن الجوزي في « تذكرة الخواص » (4) ، عند تعداده لأولاد أمير المؤمنين علیه السّلام فقال : وذكر الزبير بن بكّار ولداً آخر من فاطمة بنت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم اسمه محسن ، مات طفلاً .

وقال ابن شہر آشوب في « المناقب » :

ولدت الحسن علیها السّلام ولها اثنتا عشرة سنة ، وأولادها الحسن والحسين

ص: 17


1- الإرشاد_للشیخ المفید_:ص 242
2- بحار الأنوار : 91/42 ب 120 ح 20
3- أسد الغابة لابن الأثير : 308/4؛ والكامل لابن الأثير : 397/3؛ وتاريخ الأمم والملوك : 153/5
4- تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: 54

والمحسن سقط ، وفي معارف القتيبيّ أنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي ؛ وزينب وأمُّ كلثوم (1) .

وقال ابن شہر آشوب أيضاً في « المناقب » :

كناها أمّ الحسن وأمّ الحسين وأمّ المحسن وأمّ الأئمة وأمّ أبيها (2) .

وذكر أبو عبد الله بن مندة الأصفهاني في كتاب « المعرفة»: أنّ عليّاً تزوّج فاطمة بالمدينة بعد سنة من الهجرة، وبنى بها بعد ذلك بنحو من سنة، وولدت لعليّ الحسن والحسين والمحسن وأمّ كلثوم الكبرى وزينب الكبرى (3).

وذكر الطبري في « ذخائر العقبى » (4):

عن الليث بن سعد ، قال : تزوج علي فاطمة ، فولدت له حسناً، وحسيناً، ومحسناً ، وزينب ، وأم كلثوم، ورقيّة فماتت رقيّة ولم تبلغ ، وقال غيره: ولدت حسناً، وحسيناً، ومحسناً فهلك محسن صغيراً، وأم كلثوم، وزينب ، ولم يتزوّج عليها حتّى ماتت علیها السّلام ، ولم يكن لرسول صلّی اللهُ علیه وآله عقب إلّا من بنته فاطمة علیها السّلام وأعظم بها مفخرة.

ومن الواضح أنّ قول الليث بن سعد فيه خطأ حيث عدّ أولاد فاطمة علیها السّلام ستة، وهو خلاف المتفق عليه بين المؤرخين، كما قرأت وتقرأ، فروايته هذه شاذة نادرة لا اعتبار لها، ويمكن حمل اشتباهه على أنّ أمّ رقيّة هي أمّ حبيب

ص: 18


1- المناقب: لابن شهر آشوب، 407/3؛ بحار الأنوار : 233/43 ب 9 ح 10؛ والعوالم : 53911
2- بحار الأنوار : 43 / 16 ب 2 ح 15
3- بحار الأنوار: 214/43 ب 7 ح 44
4- ذخائر العقبي 55

الصهباء التغلبية ، كما ذكر هذا الطبري في نفس الكتاب ص 117 .

وذكر الطبري أيضاً في « ذخائر العقبى » (1) ، في مقام تعداد أولاد أمير

المؤمنين علیه السّلام، فقال :

الحسن والحسين ومحسن مات صغيراً أمّهم فاطمة بنت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم...

إلى أن يقول : وأم كلثوم الكبرى، وزينب الكبرى، شقيقتا الحسن والحسين .

وذكر الدولابي في كتابه « الذرّية الطاهرة » (2) :

قال : بالإسناد إلى ابن إسحاق أنه قال : ولدت فاطمة بنت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم لعلي بن أبي طالب : حسناً وحسيناً ومحسناً فذهب محسن صغيراً، وولدت أم كلثوم وزينب (3) .

أمّا قول الدولابى فى موضع آخر من كتاب « الذريّة الطاهرة » (4) :

«بالإسناد إلى هاني بن هاني ، عن عليّ علیه السّلام قال : لمّا ولد الحسن سمّيته حرباً ، فجاء النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم، فقال : أروني ابني ، ما سميتموه ؟ قلنا: حرباً ، قال : بل هو حسن . فلمّا ولد حسين سمّيته حرباً ، فجاء النبي صلّی اللهِ علیه وآله وسلّم ، قال : أروني ابني ، ما سميتموه ؟ فقلنا : سمّيناه حرباً ، فقال : بل هو حسين. فلمّا ولد الثالث سمّيته حرباً ، فجاء النبي صلّی اللهُ علیه وآله ، فقال : أروني ابني، ما سميتموه؟ فقلنا : سميناه حرباً

ص: 19


1- ذخائر العقبی : 117
2- الذرّية الطاهرة للدولابي 90 ، رقم 81 ودلائل النبوة : للبيهقي 161/3
3- وذكر الرواية مرّة أخرى في ص 155 رقم 207
4- الذرّية الطاهرة للدولابي 97 ، رقم 91؛ ذكرها ابن الأثير في ترجمة المحسن علیه السّلام .

فقال : بل هو محسن ، ثم قال : إنّما سمّيتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر» (1) .

فهذا الكلام غير مقبول على إطلاقه، لصدور الروايات المتعددة في عدم حدوث هذا الأمر أصلاً، وليس هناك معنى لإصرار أمير المؤمنين علىه السّلام علی التسمية ب( حرب ) ، فلم يكن هناك من أمير المؤمنين علیه السّلام سبق بتسمية قبل رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله، ولا سبق من رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله بالتسمية قبل الله (سبحانه وتعالى) ، كما دلّت عليه الروايات الصريحة في ذلك .

وإليك بعض ما يدلّ على ذلك ويؤيّده:

فعن « علل الشرائع » و « أمالي الصدوق » :

عن أحمد بن الحسن القطّان، عن الحسن بن علي السكّري، عن الجوهري، عن الضبّي ، عن حرب بن ميمون، عن الثمالي، عن زيد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين علیهما السّلام قال :

لما ولدت فاطمة الحسن علیهما السّلام قالت لعلي علیه السّلام : سمّه ، فقال : ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم. فجاء رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم فأخرج إليه في خرقة صفراء ، فقال : ألم أنهكم أن تلفوه في خرقة صفراء، ثمّ رمى بها وأخذ خرقة بيضاء فلفّه فيها ، ثم قال لعلي علیه السّلام: هل سمّيته ؟ فقال : ما كنت لأسبقك باسمه، فقال صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم: وما كنت لأسبق باسمه ربّي عز وجل.

فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرائيل: أنّه قد ولد لمحمّد ابن فاهبط فأقرئه السلام وهنئه وقل له : إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم

ص: 20


1- وذكر هذه الرواية الطبري في ذخائر العقبى : 119، عن أحمد وأبي حاتم

ابن هارون. فهبط جبرائيل فهناه من الله عز وجل ثمّ قال : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون قال : وما كان اسمه ؟ قال : شبر ، قال : لساني عربي قال : سمّه الحسن، فسمّاه الحسن .

فلمّا ولد الحسين علیه السّلام أوحى الله عز وجل إلى جبرائيل علیه السّلام أنّه قد ولد لمحمّد ابن فاهبط إليه فهنئه وقل له : إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم ابن هارونريال قال : فهبط جبرائيل علیه السّلام فهنأه من الله تبارك وتعالى، ثمّ قال : إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون، قال: وما اسمه ؟ قال : شبیر ، قال : لساني عربي ، قال : سمّه الحسين ، فسمّاه الحسين (1).

وعن « معاني الأخبار » (2) و « علل الشرائع » (3) :

عن القطّان، عن السكّريِّ، عن الجوهريِّ، عن الضبّيِّ ، عن عبّاد بن كثير وأبي بكر الهذليِّ، عن أبي الزُّبير عن جابر قال : لما حملت فاطمة بالحسن فولدت وقد كان النبيُّ صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم أمرهم أن يلفّوه في خرقة بيضاء فلفّوه في صفراء وقالت فاطمة : يا عليُّ سمّه ، فقال : ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم فجاء النبيُّ فأخذه وقبّله ، وأدخل لسانه في فيه فجعل الحسن علیه السّلام يمصّه .

ثمّ قال لهم رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم : ألم أتقدّم إليكم أن لا تلفّوه في خرقة صفراء ، فدعا صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم بخرقة بيضاء فلفّه ورمى بالصفراء وأذَّن في أُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى .

ثمّ قال العليّ : ما سمّيته ؟ قال : ما كنت لأسبقك باسمه [ فقال رسول

ص: 21


1- بحار الأنوار : 43 / 238 ح
2- معاني الأخبار : 57 ح 6
3- علل الشرائع : 1/ 131

الله صلّی اللهُ علیه وآله ما كنت لأسبق ربّي باسمه ] قال: فأوحى الله عز ذكره إلى جبرائيل علیه السّلام : أنّه قد ولد لمحمّد ابن فاهبط إليه ، فأقرئه السلام وهنئه منّي ومنك ، وقل له :

إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون .

[ فهبط جبرائيل على النبيِّ وهنّأه من الله ومنه ثمّ قال له : إن الله يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون :] قال : وما كان اسمه ؟ قال : شبّر قال: لساني عربيٌّ قال: سمّه الحسن ، فسمّاه الحسن. فلمّا ولد الحسين جاء إليهم النبيُّ صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم ففعل به كما فعل بالحسن علیه السّلام ، وهبط جبرائيل على النبي صلِّ اللهُ علیه وآله وسلّم فقال : إنّ الله يقرئك السلام ويقول لك إنّ عليّاً علیه السّلام منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون قال : وما كان اسمه ؟ قال : شبيراً قال : لساني عربيِّ ، قال : فسمّه الحسين ، فسمّاه الحسين (1) .

نعم. ورد في بعضها ما ظاهره إظهار رغبة أمير المؤمنين بالتسمية ب ( حرب ) ، دون الإقدام على التسمية، وهذا يمكن حمله على بيان أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم هو القائم بالتسمية عن الله ، وأن أمير المؤمنين علیه السّلام أراد إظهار ذلك بصورة ملفتة للأنظار، فيظهر الرغبة بالتسمية ب حرب)، دون أن يسمّيه، فيجيء النبي صلّی االهُ علیه وآله وسلّم فيسميه بتسمية الله ، أبلغ في إبلاغ الناس بذلك ، وأنّ هؤلاء لا يسمّيهم إلا الله سبحانه وتعالى .

فعن « عيون أخبار الرضا » :

عن الرضا علیه السّلام ، عن آبائه ، عن علي بن الحسين علیه السّلام عن أسماء بنت عمیس ، ، قالت : قبلت جدّتك فاطمة علیها السّلام بالحسن والحسين علیهما السّلام، فلمّا ولد

ص: 22


1- بحار الأنوار : 240/43 ح 8

الحسن علیه السّلام جاء النبيُّ صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم فقال : يا أسماء هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقة صفراء ، فرمى بها النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم وقال : يا أسماء ألم أعهد إليكم أن لا تلفّوا المولود في خرقة صفراء.

فلففته في خرقة بيضاء ودفعته إليه، فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى ، ثمّ قال العلي علیه السّلام : بأيّ شيء سمّيت ابني ؟ قال : ما كنت أسبقك باسمه يا رسول الله ، قد كنت أحبُّ أن أُسميه حرباً ، فقال النبيُّ صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم : ولا أسبق أنا باسمه ربّي.

ثم هبط جبرائيل علیه السّلام ، فقال : يا محمد ! العليُّ الأعلی يقرئك السلام، ويقول : عليٌّ منك بمنزلة هارون من موسى، ولا نبي بعدك ، سمِّ ابنك هذا باسم ابن هارون .

قال النبي : و ما اسم ابن هارون ؟ قال : شبر ، قال النبي : لساني عربيٌّ، قال جبرائيل : سمِّه الحسن.

قالت أسماء : فسمّاه الحسن . فلمّا كان يوم سابعه عقَّ النبيُّ صلّی اللهُ علیه وآله وسّم عنه بكبشين أملحين (1) ، وأعطى القابلة فخذاً وديناراً وحلق رأسه، وتصدّق بوزن الشعر ورقاً ، وطلى رأسه بالخلوق (2) ، ثمّ قال : يا أسماء الدم فعل الجاهليّة.

قالت أسماء : فلمّا كان بعد حول ولد الحسين علیه السّلام وجاءني النبيُّ صلّی اللهُ علیه وآله فقال : يا أسماء هلمّي ابني . فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ووضعه في حجره فبكى .

ص: 23


1- الملحة : بياض يخالطه سواد
2- والخلوق : طيب معروف مركّب يتّخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة

فقالت أسماء : قلت : فداك أبي وأمي ، ممّ بكاؤك ؟ قال : على ابني هذا، قلت : إنه ولد الساعة يا رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم ، فقال : تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي .

ثمّ قال : يا أسماء لا تخبري فاطمة بهذا، فإنّها قريبة عهد بولادته.

ثم قال لعليّ علیه السّلام : أيّ شيء سمّيت ابني ؟

قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت أُحبُّ أن أُسمّيه حرباً .

فقال النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم : ولا أسبق باسمه ربّي .

ثم هبط جبرائيل علیه السّلام فقال : يا محمد ! العليُّ الأعلى يقرئك السلام، ويقول لك : عليٌّ منك كهارون من موسى، سمِّ ابنك هذا باسم ابن هارون.

قال النبيُّ صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم : وما اسم ابن هارون؟ قال: شبیر .

قال النبي صلّی اللهُ علیه وآله : لساني عربيِّ ، قال جبرائيل : سمِّه الحسين ، فسمّاه الحسين.

فلمّا كان يوم سابعه عقَّ عنه النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم بكبشين أملحين وأعطى القابلة فخذاً وديناراً، ثمّ حلق رأسه، وتصدّق بوزن الشعر ورقاً، وطلى رأسه بالخلوق ، فقال : يا أسماء الدم فعل الجاهليّة (1).

وأمّا المحسن علیه السّلام فهو سقط ، توفي النبي صلّی اللهُ علیه وآله وأمّه علیها السّلام الحاملة به، وسمّاه رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم قبل وفاته كما دلّت عليه روايات هذا الفصل، ودلّت

ص: 24


1- بحار الأنوار : 43 238 ح 4؛ وفي صحيفة الرضا عن الرضا، عن أبانه علیه السّلام مثله. وفي مناقب این شهر اشوب : عن الواعظ الواعظ في شرف الدين والسعالی فضائا الصحابة ، وجماعة من أصحابنا في كتبهم عن هاني عن أمير المؤمنين، لا وعن علي بن المؤمنين، وعن علي بن الحسين وعن أسماء بنت عميس، وذكر نحوه.

عليه الروايات الدالّة على إسقاطه ، كما سنوافيك بها إن شاء الله تعالى.

ولا ينافي ذلك تلك الروايات التي تذكر أنّ المحسن علیه السّلام مات صغيراً ؛ لأنّ الجنين المكتمل إذا سقط يصدق عليه أنّه مات صغيراً ولو بضرب من التجوز.

ولنا من هذا الحديث من المخالف الدولابي هو الاعتراف بالمحسن وأنّه ممّن سمّاه رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله. وأما حيثيّات الرواية فكما ذكرنا آنفاً ، والله المسدد للصواب.

وأّما قول الشيخ المفيد في موضع آخر من «الإرشاد » (1) :

«وفي الشيعة من يذكر أنّ فاطمة أسقطت بعد النبي صلّی اللهُ علیه وآله ذكراً كان سمّاه رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وهو حمل محسناً ، فعلى قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين علیه السّلام ثمانية وعشرون ولداً، والله أعلم» (2).

فمراده أنّ بعض الشيعة ذكره وإن كان سقطاً وبعضهم لم يذكره لكونه سقطاً، ولم يعدّه في مقام تعداد أولاد علي علیه السّلام ، كما في زماننا وفي كلّ الأزمنة والبقاع أنّهم لا يذكرون الأسقاط عند بيان أولادهم إلّا استدراكاً، ولا يظهر منه الخلاف في ذلك ، كيف؟! ولم ينقل شك في ذلك، بل إجماع الطائفة الحقّة على ذلك .

ويؤيّد ذلك قول أبي الحسن الإربلي في كتابه « كشف الغمة » (3) في مقام ذكر أولاد أمير المؤمنين علیه السّلام : فمنهم من أكثر فعدّ منهم السقط ، ولم يسقط ذكر نسبه ، ومنهم من أسقطه ولم يا أن يحتسب في العدّة به.

ص: 25


1- الإرشاد للشيخ المفيد : 67
2- البحار : 42 90 ب 120 - 18
3- کشف الغمة في معرفة الأئمة : 2_68

التهديد بحرق دار علي وفاطمة علهما السّلام

عجباً ! مَن يهدّد مَن ؟! أيُهدّد بطل الإسلام، ومن ضحّى من أجل الدين وشريعة سيّد المرسلين ؟! أم تُهدّد الصدّيقة الزهراء أم أبيها ؟! أم يهدد خاتم الأنبياء والمرسلين حبيب الله محمد صلّی اللهُ علیه وآله و سلّم ؟! أم يُهدّد الله بتهديد أوليائه ؟!

فوا أسفاه !!! أين أنصار الله وأحباؤه ؟!

إنّ تهديد عمر بحرق دار علي وفاطمة علیها السّلام، ورد ذكره في الكثير من المصادر، بحيث لا تبقى أيّ حجّة لأحد، ولا يبقى شك حتّى للشكّاك ، ولسنا بحاجة إلى ذكر الروايات جميعها سوى بعضاً منها بما يفي بالغرض، ثمّ نوكل أمر المراجعة لمن يريد الاستزادة إلى المجهود الشخصى، ولا أظن أحداً بحاجة إلى ذلك، علماً بأنّا قمنا بذكر مصادر كثيرة لسهولة مراجعتها لمن يريد ذلك ،وتركنا الإطالة في المصادر لعدم الحاجة لها، وركزنا على المصادر عند العامة لأنّه أقوم للحجّة ، وأدحض فى رد من يدّعي ويزعم عدم الثبوت .

قال ابن قتيبة في كتابه « الإمامة والسياسة » (1) :

إنّ أبا بكر أُخبر بقوم نخلّفوا عن بيعته عند عليٍّ ، فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار عليٍّ ، فأبوا أن يخرجوا، فدعا عمر بالحطب ، فقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنها على من فيها ، فقيل له : يا أبا حفص إن فيها فاطمة!! فقال : وإن (2) !

ص: 26


1- الإمامة والسياسة : 12/1
2- بحار الأنوار : 356/28 ب 4 ح 69؛ ودلائل الصدق : 87/3، وعبد الله بن سبأ

وذكر المتقى الهندي في « كنز العمال » (1) :

إنّ عمر قال لفاطمة : ما من الخلق أحد أحبّ إليّ من أبيك ، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ما ذلك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليك الباب (2) .

وروى ابن عبد ربه في « العقد الفريد » (3) :

فأمّا علي علیه السّلام والعبّاس فقعدا في بيت فاطمة علیها السّلام وقال أبو بكر لعمر بن الخطاب : إن أبيا فقاتلهما ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهما النار ، فلقیتة فاطمة علیها السّلام فقالت : يا ابن الخطّاب أجئت لتحرق دارنا ؟! قال : نعم (4) .

وقال البلاذري في «أنساب الأشراف (5) :

عن المدائني ، عن مسلمة بن محارب عن سليمان التميمي، عن ابن عون، أنّ أبا بكر أرسل إلى علي علیه السّلام يريده إلى البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر ومعه قبس ، فتلقّته فاطمة على الباب، فقالت : يا ابن الخطّاب أتراك محرقاً عليَّ بابي ؟! قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك (6) .

وذكر الطبري في تاريخه (7) :

ص: 27


1- کنز العمال: 140/3
2- عبد الله بن سبأ : / 180؛ ودلائل الصدق : 87/3
3- العقد الفريد: 259/4 - 260
4- بحار الأنوار: 28 / 339 ب 4 ح 59؛ ودلائل الصدق : 78/3؛ وعبد الله بن سبأ: / 108؛ وفي العقد الفريد علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة
5- أنساب الأشراف: 556/1
6- بحار الأنوار: 389/28 ب 4؛ وتلخيص الشافي : 76/3؛ وعبد الله بن سبأ : ص 108
7- تاريخ الأمم والملوك : 202/3

أتى عمر بن الخطاب منزل علي علیه السّلام ، فقال : والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ للبيعة (1)

وذكر ابن شحنة في تأريخه (2) :

إنّ عمر جاء إلى بيت علي ليحرقه على من فيه، فلقيته فاطمة، فقال: ادخلوا في ما دخلت فيه الأُمّة (3).

وروى ابن أبي الحديد في (4) :

جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار، ونفر قليل من المهاجرين ، فقال : والذي نفسي بيده لتخرجنّ إلى البيعة أو لأحرقنّ البيت

عليكم (5)

وذكر أبو بكر الجوهري في كتابه « السقيفة وفدك » (6) :

لمّا بويع لأبي بكر ، كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي علیه السّلام، وهو في بيت فاطمة علیها السّلام ، فيتشاورون ، ويتراجعون أمورهم، فخرج عمر حتّى دخل على فاطمة علیها السّلام وقال : يا بنت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم و ما من أحد من الخلق أحبّ إلينا من أبيك، وما من أحد أحبّ إلينا منك بعد أبيك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم (7)

ص: 28


1- بحار الأنوار: 28/ 338؛ ودلائل الصدق : 88/3
2- مطبوع بهامش الكامل : 7 / 164
3- الغدير : 77/7؛ وعبد الله بن سبأ 108
4- شرح للنهج شرح النهج لابن أبي الحدید: 2/ 124
5- بحار الأنوار: 28 / 321؛ ودلائل الصدق . 883
6- السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري ص 38
7- شرح نهج البلاغة _ لابن أبي الحديد _ : 130/1؛ وبحار الأنوار: 313/28

وذکر أیضاً (1)

حدّثني أبو زيد عمر بن شبة ، قال : حدّثنا أحمد بن معاوية ، قال : حدّثني النضر بن شميل ، قال : حدّثنا محمد بن عمرو ، عن سلمة بن عبد الرحمن ، قال : لمّا جلس أبو بكر على المنبر ، كان علي علیه السّلام ، والزبير ، وأُناس من بني هاشم في بیت فاطمة علیها السّلام، فجاء عمر إليهم فقال : والذي نفسي بيده لتخرجنّ إلى البيعة، أو لأحرقنّ البيت عليكم ، فخرج الزبير مصلتاً سيفه ، فاعتنقه رجل من الأنصار ، و زیاد بن لبید ، فدقّ به ، فندر السيف ، فصاح به أبو بكر وهو على المنبر : اضرب

به الحجر (2).

وكذلك ذكر الجوهري (3) :

روي في رواية أُخرى أنّ سعد بن أبي وقّاص، كان معهم في بيت فاطمة والمقداد بن الأسود أيضاً، وأنّهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليّاً عیه السّلام، فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت، فخرج إليه الزبير بالسيف، وخرجت فاطمة علیها السّلام تبكي وتصيح ، فنهنهت من الناس (4) .

وقال ابن خنزابة في كتابه « الغرر » :

قال زيد بن أسلم : كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة علیها السّلام ،حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة، فقال عمر لفاطمة: أخرجي من في البيت، أو لأحرقنه ومن فيه، قال: وفي البيت علي وفاطمة والحسن

ص: 29


1- السقيفة وفدك _ لأبي بكر الجوهري -: 50 .
2- شرح نهج البلاغة : 1 / 134 و ج 19/2؛ وبحار الأنوار : 315/28
3- السقيفة وفدك _ لأبي بكر الجوهري - :50
4- شرح نهج البلاغة _ لابن أبي الحديد _ : 19/2؛ وبحار الأنوار : 315/28

والحسين علیهم السّلام ، وجماعة من أصحاب النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم فقالت فاطمة علیها السّلام : أتحرق عليّا وولدي ؟! قال : إي والله أو ليخرجنّ وليبايعنّ (1) .

وروى أبو الغداء في تاريخه (2) :

خلا جماعة من بني هاشم، والزبير، وعتبة بن أبي لهب ، وخالد بن سعيد بن العاص، والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي ، وأبو ذر ، وعمّار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب، ومالوا مع علي بن أبي طالب علیه السّلام ، وقال في ذلك عتبة بن أبي لهب :

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف عن هاشم ثم منهم عن أبي حسن

عن أول الناس إيماناً وسابقةً وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وآخر الناس عهداً بالنبي ومن جبريل عون له فى الغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا يمترون به وليس في القوم ما فيه من الحسن

وكذلك تخلّف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان من بني أميّة .

ثمّ إنّ أبا بكر بعث عمر بن الخطّاب إلى على ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة (رضى الله عنهما ) وقال : إن أبوا عليكم فقاتلهم، فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار ، فلقيته فاطمة ( رضي الله عنها) وقالت : إلى أين يا ابن الخطّاب ؟! أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم (3).

وقال الواقدي :

إنّ عمر بن الخطّاب ، جاء إلى علي علیه السّلام في عصابة فيهم أسيد بن حضير ،

ص: 30


1- بحار الأنوار: 339/28؛ ودلائل الصدق : 78/3
2- تاريخ أبي الفداء : 164/1؛ وفي طبعة أخرى : 156.
3- كتاب الملاحظات : 167

وسلمة بن أسلم، فقال: أخرجوا أو لنحرقنّها عليكم (1) .

عن أحمد بن الخصيب ، عن جعفر بن محمد بن المفضل ، عن محمد بن سنان الزاهدي، عن عبد الله بن عبدالرحمن الأصم ، عن مديح بن هارون بن سعد ، قال :سمعت أبا الطفيل عامر بن واثلة، عن أمير المؤمنين، أنه قال لعمر في جملة كلام له :

«... وهي النار التي أضر متموها على باب داري لتحرقوني وفاطمة بنت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم ، وابني الحسن والحسين وابنتي زينب وأم كلثوم ...» (2) .

وروى الشهرستاني في « الملل والنحل » (3) :

إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة، حتّى ألقت الجنين من بطنها ، وكان

يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن

والحسين (4) .

وفي بحار الأنوار:

عن إبراهيم بن سعيد الثقفي ، قال : حدثني أحمد بن عمرو البجلي ، قال : حدثنا أحمد بن حبيب العامري، عن حمران بن أغين، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد علیه السّلام ، قال : « والله ، ما بايع علي حتّى رأى الدخان قد دخل بيته» (5) .

ص: 31


1- بحار الأنوار: 339/28
2- الهداية الكبرى
3- الملل والنحل _ للشهرستاني _ : 57/1
4- كتاب ( ماذا تقضون ) ؟! : 433
5- بحار الأنوار: 269/28 و 390 و 411؛ والشافي _: للسيد المرتضى _ 241/3، وتلخيص

وفیه أیضاً :

عن هارون بن موسى، عن أحمد بن محمد بن عمار العجلي الكوفي، عن عيسى الضرير ، عن الكاظم علیه السّلام، قال : قلت لأبي : فما كان بعد خروج الملائكة عن رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم؟ قال : فقال : ثم دعا علياً وفاطمة، والحسن والحسين علیهم السّلام، وقال لمن في بيته : أخرجوا عني...

إلى أن تقول الرواية أنه صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم قد قال لعلي علیه السّلام :

« واعلم يا علي ، أني راضٍ عمن رضيتْ عنه ابنتي فاطمة ، وكذلك ربي وملائكته يا علي ! ويلٌ لمن ظلمها ، وويلٌ لمن ابتزّها حقها ، وويلُ لمن هتك حرمتها، وويلٌ لمن أحرق بابها ، وويلٌ لمن آذى خليلها ، وويلٌ لمن شاقّها وبارزها ... » (1).

وفي «مفتاح الباب» في شرح الباب الحادي عشر، قال ابن مخدوم العربشاهي في مقام الطعن في خلافة أبي بكر :

«.... وأيضاً بعث إلى بيت أمير المؤمنين علیه السّلام لما امتنع عن البيعة، فأضرم فيه النار وفيه سيدة نساء العالمين» (2)

وفي «كشف الغطاء» قال الفقيه الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء، في مقام الطعن في خلافة أبي بكر أيضاً:

«... ومنه إحراق بيت فاطمة الزهراء لما جلس فيه علي علیه السّلام ، ومعه

الشافي : 76/3 .

ص: 32


1- بحار الأنوار : 22 / 484 و 485؛ وعوالم العلوم : 400/11؛ وخصائص الأئمة : 72؛ والطرف : 29
2- مفتاح الباب _ لابن مخدوم _ ، المطبوع مع النافع يوم الحشر للمقداد السيوري: 119

الحسنان، وامتنع علیه السّلام عن المبايعة ، نقله جماعة من أهل السنة، منهم الطبري،والواقدي، وابن حزامة عن زيد بن أسلم، وابن عبد ربه وهو من أعيانهم ، وروي في كتاب ( المحاسن ) وغير ذلك» (1) .

وفي «تشييد المطاعن » للسيد محمد قلي الموسوي الهندي والد صاحب «عبقات الأنوار»، قال:

« وقوع إحراق بيت الزهراء ورد في الروايات، وتؤيده القرائن الصادقة

الموجودة في كتب أهل السُّنّة» (2) .

وقال محمد بن أحمد بن الحسن الديلمي :

« روي أنّه علیه السّلام ما خرج من بيته حتّى أحرق بابه» (3) .

وروی سليم بن قيس في كتابه (4) :

ثم نادى عمر حتّى أسمع عليّاً وفاطمة علیها السّلام : والله لتخرجنِّ يا علي ، ولتبايعن خليفة رسول الله ، وإلّا أضرمت عليك النار .

فقامت فاطمة علیها السّلام فقالت: يا عمر ما لنا ولك ؟!

فقال : افتحي الباب وإلّا أحرقنا عليكم بيتكم .

فقالت : يا عمر أما تتقي الله تدخل عليّ بيتي ؟!

فأبى أن ينصرف، ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، ثمّ دفعه

ص: 33


1- کشف الغطاء : 18
2- راجع مأساة الزهراء علیها السّلام : 104/2؛ نقلاً عن تشييد المطاعن : 433/1 و 434
3- کتاب قواعد عقائد آل محمد : 270 (مخطوط)؛ نقلاً عن كتاب مأساة الزهراء 2 / 188
4- کتاب سليم بن قيس : 35

فدخل (1) .

وروى الطبرسي في « الاحتجاج » (2) :

عن عبد الله بن عبد الرحمن قال : ثمّ إنّ عمر احتزم بإزاره، وجعل يطوف بالمدينة وينادي: إنّ أبا بكر قد بويع له ، فهلمّوا إلى البيعة ، فينثال (3) الناس يبايعون، فعرف أنّ جماعة في بيوت مستترون، فكان يقصدهم في جمع ويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون، حتّى إذا مضت أيّام أقبل في جمع

كثير إلى منزل علىٍّ علیه السّلام فطالبه بالخروج ، فأبى.

فدعا عمر بحطب ونار وقال : والذي نفس عمر بيده ليخرجنّ أو لأحرقنّه على ما فيه ،فقيل له : إنّ فاطمة بنت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وولد رسول الله وآثار رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله فيه ! وأنكر الناس ذلك من قوله (4) .

وروى العيّاشي في تفسيره (5) ، في حديث طويل يقول فيه :

فأرسل إليه الثالثة عمر رجلاً يقال له قنفذ، فقامت فاطمة بنت رسول الله (صلوات الله عليها ) تحول بينه وبين عليٍّ علیه السّلام فضربها فانطلق قنفذ وليس معه علی، فخشي أن یجمع عليٌّ الناس ، فأمر بحطب فجعل حوالي بیته ، ثمّ انطلق عمر بنار فأراد أن يحرق على عليٍّ بيته وعلى فاطمة والحسن والحسين علي الناس، فأمر بحطب فجعل حوالي بيته ، ثم انطلق (صلوات الله عليهم) (6) .

ص: 34


1- بحار الأنوار : 269/28؛ و 197/43
2- الاحتجاج _ للطبرسي _ : 80
3- إنثال الناس : اجتمعوا وتكاثروا
4- بحار الأنوار : 204/28
5- تفسير العيّاشي: 307/2 و 308؛ والبرهان في تفسير القرآن : 2/ 434
6- بحار الأنوار : 231/28 ح 16

وروى المجلسي في بحاره (1) :

عن الإمام الصادق علیه السّلام في حديث طويل يقول فيه :

وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين علیهم السّلام لإحراقهم بها، وضرب يد الصدّيقة الكبرى فاطمة بالسوط، ورفس بطنها وإسقاطها محسناً.

وروى المجلسي أيضاً في بحاره :

عن الإمام الصادق علیه السّلام في حديث طويل يقول فيه :

وقوله كفّي يا فاطمة، فليس محمّد حاضراً ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله ، وما عليُّ إلّا كأحد المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعاً .

فقالت وهي باكية : اللهمّ إليك نشكو فقد نبيّك ورسولك وصفيك، وارتداد أمّته علينا ومنعهم إيّانا حقّنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيّك المرسل . فقال لها عمر : دعي عنك يا فاطمة حمقات النساء ، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوّة والخلافة ؛ وأخذت النار في خشب الباب.

وإدخال قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب وضرب عمر لها بالسوط على عضدها، حتّى صار كالدُّملج الأسود ، وركل الباب برجله، حتّى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستّة أشهر وإسقاطها إيّاه .

ص: 35


1- بحار الأنوار : 14/53؛ والعوالم : 441/11 - 443؛ والهداية الكبرى _ للخصيبي _ : 392 و 407 و 417؛ وعن حلية الأبرار : 652/2، وراجع فاطمة بهجة قلب المصطفى : 532/2 عن نوائب الدهور للسيد الميرجهاني : 192

وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد وصفقه خدَّها حتّى بدا قُرطاها تحت خمارها ، وهي تجهر بالبكاء ، وتقول : وا أبتاه ، وا رسول الله ، ابنتك فاطمة تكذَّب وتضرب، ويقتل جنين في بطنها !!!

وخروج أمير المؤمنين علیه السّلام من داخل الدار محمرّ العين حاسراً، حتّى ألقى ملاءته عليها، وضمها إلى صدره وقوله لها : يا بنت رسول الله قد علمت أنّ أباك بعثه الله رحمة للعالمين، فالله الله أن تكشفي خمارك، وترفعي ناصيتك ، فوالله يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا أبقى الله على الأرض من يشهد أنّ محمداً رسول الله ، ولا موسى ولا عيسى ولا إبراهيم ولا نوح ولا آدم ولا دابّة تمشي على الأرض ولا طائراً في السماء إلّا أهلكه الله .

ثمّ قال : يا ابن الخطّاب لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه ، أخرج قبل أن أشهر سيفي فأفني غابر الأمّة.

فخرج عمر وخالد بن الوليد وقنفذ وعبد الرحمن بن أبي بكر فصاروا من خارج الدار ، وصاح أمير المؤمنين بفضّة : يا فضّة مولاتك، فاقبلي منها ما تقبله النساء، فقد جاءها المخاض من الرفسة وردَّ الباب، فأسقطت محسناً .

فقال أمير المؤمنين علیه السّلام : فإنّه لاحق بجدَّه رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله فيشكو إليه .

(1)

وقال العلّامة الحلّي في كتابه « نهج الحق وكشف الصدق » (1) :

وذكر الواقدي أنّ عمر جاء إلى عليٍّ في عصابة فيهم : أسيد بن الحضير، وسلمة بن أسلم، فقال : أخرجوا أو لنحرقنّها عليكم .

ونقل ابن خنزابة في غرره:

ص: 36


1- نهج الحق وكشف الصدق _ للعلّامة الحلّي - : 271

قال زيد بن أسلم : كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة ،حين امتنع عليٌّ وأصحابه، عن البيعة، أن يبايعوا، فقال عمر لفاطمة : أخرِجي من في البيت، وإلّا أحْرقتهُ ومَنْ فيه .

قال: وفي البيت عليِّ وفاطمة، والحسن ، والحسين، وجماعة من أصحاب النبي صلّی اللهُ علیه وآله ، فقالت فاطمة علیها السّلام : تُحرق - لمى ولدي ؟! فقال : إي والله ، أو ليخرجُنّ وليبايعنّ .

وقال ابن عبد ربه - وهو من أعيان العامّة - :

فأمّا علي والعباس، فقعدوا في بيت فاطمة، وقال له أبو بكر: إن أبيا فقاتلهما ، فأقبل بقبس من نار على أن يُضرم عليهما الدار، فلقيته فاطمة، فقالت : يا ابن الخطّاب أجئت لتُحرق دارنا ؟! قال : نعم (1) .

وقال في «الشافي» في مقام ذكر إيراد المخالف (2) :

فأمّا ما ذكروه من حديث عمر في باب الإحراق ، فلو صحّ لم يكن طعناً على عمر ؛ لأنّ له أن يهدّد من امتنع عن المبايعة إرادةٌ للخلاف على المسلمين.

وأجاب السيد المرتضى على ذلك الإيراد ص 119 فقال :

فقد بيّنا أنّ خبر الإحراق قد رواه غير الشيعة ممّن لا يتهم على القوم ، وإنّ دفع الروايات بغير حجّة أكثَرَ من نفس المذاهب المختلف فيها ، لا يجدي شيئاً. والذي اعتذر به من حديث الإحراق _ إذا صحّ_ طريفٌ ، وأيّ عذر لمن أراد أن يحرق على أمير المؤمنين وفاطمة علیها السّلام منزلهما ؟! وهل يكون في مثل ذلك علّة

ص: 37


1- الملاحظات: 168
2- الشافي: 112/4

يُصغى إليها أو تسمع ؟! وإنّما يكون مخالفاً على المسلمين وخارقاً لإجماعهم، إذا كان الإجماع قد تقرّر وثبت.

وإنما يصحّ لهم الإجماع متى كان أمير المؤمنين علیه السّلام ومن قعد عن البيعة ممن انحاز إلى بيت فاطمة علیها السّلام داخلاً فيه، وغير خارج عنه، وأي إجماع يصحّ مع خلاف أمير المؤمنين علیه السّلام وحده فضلاً عن أن يتابعه على ذلك غيره ؟! وهذه زلّة من صاحب الكتاب، وممّن حكى احتجاجه.

وبعد، فلا فرق بين أن يهدّد بالإحراق للعلّة التي ذكرها ، وبين ضرب فاطمة علیها السّلام لمثل هذه العلّة، فإنّ إحراق المنازل أعظم من ضربة بالسوط، وما يحسن الكبير ممّن أراد الخلاف على المسلمين أولى بأن يحسن الصغير، فلا وجه لامتعاض صاحب الكتاب من ضربة السوط وتكذيب ناقلها، وعنده مثل هذا الاعتذار (1) .

وقال شيخ الطائفة الطوسي في « تلخيص الشافي » (2) :

«إذ تبيّن بالمتّفق عليه من أخبارهم وأخبارنا ، أنّ عمر همَّ بإحراق بيت فاطمة ، بأمر أبي بكر أو برضاه، وقد كان فيه أمير المؤمنين وفاطمة والحسنان، وهدّدهم وآذاهم مع أنّ رِفعة شأنهم عند الله وعند رسوله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم ممّا لا ينكره إلّا مَن خرج عن الإسلام.

وقد استفاض في رواياتنا _بل فى رواياتهم أيضاً _ أنّه روّع فاطمة ، حتّى ألقت ما في بطنها، وقد سبق فى الروايات المتواترة وسيأتي، أنّ إيذاءها إيذاء للرسول صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم . وأذيا عليّا علیه السّلام ، وقد تواتر في روايات الفريقين قول

ص: 38


1- بحار الأنوار: 408/28
2- تلخيص الشافي : 156/3

النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم: من أذى علياً فقد آذاني، وقد قال الله تعالى : ( إنّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنْهُمُ اللَّهُ في الدنيا والآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُم عَذَاباً مُهِيناً) (1)» (2) .

وغيرهم كثير لا داعي للإحاطة بذلك، وما ذكرناه فيه الكفاية وزيادة ، حتى ترنّم بهذه الحادثة شاعر النيل محمد حافظ إبراهيم (3) كما سنوافيك به.

ولنختم هذا الفصل بالكلام الفصل من يراع رمز الولاء البحاثة ، أستاذ هذه الصناعة ، العلّامة الأميني في غديره الروي (4) :

ثمّ ما عساني أن أقول بعدما يُعربد شاعر النيل اليوم ، ويؤجِّج النيران الخامدة، ويُجدِّد تلكم الجنايات المنسيّة ( لها الله لا تُنسى مع الأبد ) ويعدّها ثناءٌ على السلف، ويرفع عقيرته بعد مضي قرون على تلكم المعرّات ، ويتبهّج ويتبجّح بقوله في القصيدة ( العمريّة ) تحت عنوان : عمر وعليّ :

وقولةٍ لعليٍّ قالها عمر أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرّقت دارك لا أُبقي عليك بها إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفصٍ يفوهُ بها أمام فارس عدنان وحاميها

ماذا أقول بعدما تحتفل الأمّة المصريّة في حفلة جامعة في أوائل سنة1981 بإنشاد هذه القصيدة العمريّة ، التي تتضمن ما ذكر من الأبيات ؟! وتنشرها الجرائد في أرجاء العالم، ويأتي رجال مصر نظراء أحمد أمين، وأحمد الزين،

ص: 39


1- سورة الأحزاب: 57/33
2- بحار الأنوار : 408/28
3- توفي سنة 1933 م ، 1351ھ
4- الغدير: 85/7

وإبراهيم الأبياري (1) ، وعلي جارم ، وعلي أمين (2) ، وخليل مطران (3)، ومصطفى الدمياطي بك (4) ، وغيرهم (5) ويعتنون بنشر ديوانٍ هذا شعره، وبتقدير شاعر هذا شعوره، ويخدشون العواطف في هذه الأزمة، في هذا اليوم العصبصب، ويعكِّرون بهذه النعرات الطائفيّة صفو السلام والوئام في جامعة الإسلام ، ويشتتون بها شمل المسلمين، ويحسبون أنّهم يحسنون صنعاً.

وتراهم يجدّدون طبع ديوان الشاعر وقصيدته العمريّة خاصّة مرّة بعد أخرى، ويعلِّق عليها شارحها الدمياطي قوله في البيت الثاني : المراد أنّ عليّاً لا يعصمه من عمر سكنى بنت المصطفى في هذه الدار .

وقال في ص 39 من الشرح وفي رواية لابن جرير الطبري ، قال : حدّثنا جرير عن مغيرة عن زياد بن كليب قال : أتى عمر بن الخطاب منزل عليّ وبه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحرقنَّ عليكم أو لتخرجنَّ إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف، فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه، فإن كان زياد هذا هو الحنظلي أبو معشر الكوفي فهو موثق، والظاهر أنّ حافظاً عوّل على هذه الرواية ؛ انتهى .

وتراهم بالغوا في الثناء على الشاعر وقصيدته هذه ، كأنّه جاء للأمة بعلم

ص: 40


1- ضبط وصحح وشرح هؤلاء الثلاثة الديوان طبعة سنة 1937 م بدار الكتب في جزءين والأبيات المذكورة توحد في : 82/1
2- هما ومعهما ثالث التزموا تصحيح الديوان في طبعة أخرى
3- له مقدمة لديوان الحافظ في طبعة مكتبة الهلال سنة 1935 م 1353 ھ. والأبيات في : 184 ، غير أنّ الشطر الثاني من البيت الثاني محرّف هكذا : إن لم تبالغ وبنت المصطفى فيها
4- شارح القصيدة العمرية : طبع بمطبعة السعادة في مصر في 90 صفحة، وتوجد الأبيات فيه مشروحة ، ص 38
5- في عدّة طبعات أخرى

جم، أو رأي صالح جديد، أو أتى لعمر بفضيلة رابية تسرُّ بها الأمة ونبيُّها المقدّس ، فبشرى بل بُشريان للنبيِّ الأعظم صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم بأن بضعته الصدّيقة علیها السّلام لم تكن لها أيّ حرمة وكرامة عند من يلهج بهذا القول، ولم يكن سكناها في دار طهر الله أهلها يعصمهم منه ومن حرق الدار عليهم. فزهٍ زهٍ بانتخاب هذا شأنه، وبخ بخ ببيعة تمّت بذلك الإرهاب، وقضت بتلك الوصمات.

كشف بيت علي وفاطمة علیها السّلام

وهتك ستر النبوة والإمامة ، ورُوِّع القلب الفاطمي الممتلئ حبّاً لحبيب الله سبحانه ، فإذا كان لبيت المؤمن حجاب وكرامة فما بال بيت العصمة والطهارة تكون له المهانة ؟! وإذا كان رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله يقف على ذلك الباب مستأذناً وهو سيّد الكائنات فما بال هذه الحثالة ؟!...

لقد سمعوا جميعاً كلام رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله بنبراته المحزنة وهو يقول:

فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني .

يرضى الله لرضى فاطمة ويغضب لغضبها .

بل سمعوا النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم يتلو هذه الآيات من الذكر الحكيم:

( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُم عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى) (1) ، (إِنَّما يُرِيدُ : اللهُ لِيُذهِب عَنْكُم الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (2)

فأيّ مودّة هذه لمن يهجم على عرضه صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم ، وينتهك ناموسه ، وهل

ص: 41


1- سورة الشورى: 23/42
2- سورة الأحزاب : 33/33

معنى المودّة هذه أن تهتك ستراً جعله الله سبحانه لأوليائه ؟!

أليست فاطمة هذه ابنته ، وقد قال صلّی اللهُ علیه وآله: يُحفظ المرء في ولده ؟!

فالعجب كلّ العجب كيف تجرأوا على أمر تنهدّ منه الجبال، والسماوات يتفطرن من هوله !! أحقاً هتك بيت علي وفاطمة علیها السّلام ؟!!! مع كلّ ألم نعم ، هتك بيت محمد صلّی اللهُ علیه وآله ، فروى القاصي والداني والعدو والموالي أنّ القوم قد وفوا بتهديدهم، وقبل أن تقرأ معي دموع الأسى، تعال نستمع إلى هذا الكاتب من العامة وهو يصف لنا شيئاً من الموقف المروع.

إنّه الأستاذ عبد الفتّاح عبد المقصود في كتابه «الإمام علي بن أبي طالب » (1) ، حيث قال :

سبقت الشائعات خطوات ابن الخطّاب ذلك النهار ، وهو يسير في جمع من صحبه ومعاونيه إلى دار فاطمة، وفي باله أن يحمل ابن عمِّ رسول الله _ إن طوعاً وإن كرهاً _ على إقرار ما أباه حتّى الآن، وتحدّث أناس بأنّ السيف سيكون وحده متن الطاعة، وتحدّث آخرون بأنّ السيف سوف يلقى السيف !... ثمّ تحدّث غير هؤلاء وهؤلاء بأنّ النار هي الوسيلة المثلى إلى حفظ الوحدة وإلى الرضا والإقرار !... وهل على ألسنة الناس عقالٌ يمنعها أن تروي قصّة حطب أمر به ابن الخطّاب ، فأحاط بدار فاطمة ، وفيها عليُّ وصحبه ، ليكون عدة الإقناع أو عدة الإيقاع ؟...

على أن هذه الأحاديث جميعها ومعها الخطط المدّبرة أو المرتجلة كانت كمثل الزبد ، أسرع إلى ذهاب، ومعها دُفعة ابن الخطاب !... أقبل الرجل، محنقاً

ص: 42


1- الإمام علي بن أبي طالب : 225

مندلع الثورة، على دار علىٍّ وقد ظاهره معاونوه ومن جاء بهم، فاقتحموها أو أوشكوا على اقتحام فإذا وجه كوجه رسول الله يبدو بالباب حائلاً من حزن، على قسماته خطوط آلام، وفي عينيه لمعات دمع، وفوق جبينه عبسة غضب فائر وحنق ثائر ...

وتوقّف عمر من خشية وراحت دفعته شعاعاً، وتوقف خلفه _ أمام الباب _ صحبه الّذين جاء بهم، إذ رأوا حيالهم صورة الرسول تطالعهم من خلال وجه حبيبته الزهراء، وغضّوا الأبصار من خزي أو من استحياء ، ثمّ ولَّت عنهم عزمات القلوب وهم يشهدون فاطمة تتحرّك كالخيال، وئيداً وئيداً بخطوات المحزونة الثكلى، فتقترب من ناحية قبر أبيها ... وشخصت منهم الأنظار وأرهفت الأسماع إليها، وهى ترفع صوتها الرقيق الحزين النبرات، تهتف بمحمّد الثاوي بقربها، تناديه باكيةّ مريرة البكاء : يا أبت رسول الله !... يا أبت رسول الله !...

فكأنمّا زلزت الأرض تحت هذا الجمع الباغي، من رهبة النداء ...

وراحت الزهراء، وهي تستقبل المثوى الطاهر ، تستنجد بهذا الغائب الحاضر يا أبت رسول الله !... ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب، وابن أبي قحافة !؟! فما تركت كلماتها إلّا قلوباً صدعها الحزن، وعيوناً جرت دمعاً، ورجالاً ودّوا لو استطاعوا أن يشقّوا مواطئ أقدامهم ليذهبوا في طوايا الثرى مغيَّبين (1)

وأقول لهذا الأستاذ ، لا تتردد في أنّ القوم قد اقتحموا ولم يكن هناك رادع يردع ، غير إنّ الأمر يفجع فانتابك التردد ، كما هو حال الكثير من الناس عندما

ص: 43


1- الغدير : 103/3

يصطدم بالمصاب فيكاد لا يصدّق، ولكنّه الواقع المرّ ، فإليك هذا الزخم المنهمر الناطق بالحق والصدق :

روى اليعقوبي في تاريخه (1) :

قال:.... وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله ، فأتوا في جماعة حتّى هجموا الدار ... ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت: والله لتخرجنّ أو لأكشفنّ شعري، ولأعجّنّ إلى الله! فخرجوا وخرج من كان في الدار ، وأقام القوم أيّاماً .

وقال ابن قتيبة في « الإمامة والسياسة » (2) :

حدثنا أبو عفير، عن أبي عون، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري :.... إلى أن قال : وإنّ أبا بكر أخبر بقوم تخلّفوا عن بيعته عند علي كرّم الله وجهه فبعث إليهم ،عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي علیه السّلام فأبوا أن يخرجوا فدعا عمر بالحطب فقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها، فقيل له : يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة!!! فقال : وإن !...

إلى أن قال في 13: قام عمر ، فمشى معه جماعة ، حتّى أتوا باب فاطمة لا فدقّوا الباب، فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها باكية : يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب، وابن أبي قحافة، فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين فكادت قلوبهم تتصدع، وأكبادهم تتفطر ، وبقي

ص: 44


1- تاريخ اليعقوبي : 126/2؛ وشرح الخطبة : 239
2- الإمامة والسياسة : 4/1

عمر و معه قوم فأخرجوا علياً (1) .

وروى ابن أبي الحديد في شرحه (2) :

عن أبي الأسود ، قال : غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة ، وغضب علیٌّ علیه السّلام و الزبير ، فدخلا بيت فاطمة علیها السّلام معهما السلاح ، فجاء عمر في عصابة ، منهم أسيد بن حضير، وسلمة بن سلامة بن وقش، وهما من بني عبد الأشهل،فصاحت فاطمة علیها السّلام وناشدتهم الله (3) .

وروى ابن أبي الحديد أيضاً في شرحه (4) :

عن الجوهري، عن أبي بكر الباهلي، عن إسماعيل بن مجالد ، عن الشعبي ، قال : : أبو بكر : يا عمر أين خالد بن الوليد ؟ قال : هو هذا، فقال: انطلقا إليهما ، يعني علياً علیه السّلام والزبير، فأتياني بهما. فدخل عمر، ووقف خالد على الباب من خارج ، فقال عمر للزبير : ما هذا السيف؟ قال: أعددته لأبايع عليّاً. قال : وكان في البيت ناس كثير ، منهم المقداد بن الأسود، وجمهور الهاشميّين، فاخترط عمر السيف ، فضرب به صخرة في البيت فكسره، ثمّ أخذ بيد الزبير فأقامه ثمّ دفعه فأخرجه وقال : يا خالد دونك هذا فأمسكه ،خالد، وكان في الخارج مع خالد جمع كثير من الناس أرسلهم أبو بكر ردءاً لهما ، ثمّ دخل عمر فقال لعلي علیه السّلام : قم فبايع (5) .

ص: 45


1- بحار الأنوار : 356/28 ب 4 ح 69؛ ودلائل الصدق : 87/3، وعبد الله بن سبأ
2- شرح ابن أبي الحديد: 132/1
3- بحار الأنوار: 314/28
4- شرح ابن أبي الحديد : 19/2
5- بحار الأنوار: 322/28

وذكر الشيخ المفيد في كتاب « الاختصاص » (1) :

أبو محمد، عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه، عن جده، قال: ما أتى على عليّ علیه السّلام يومٌ قط أعظم من يومين أتياه ...

إلى أن قال: وظنت فاطمة علیها السّلام أنه لا يدخل بيتها إلّا بإذنها ، فأجافت الباب وأغلقته، فلما انتهوا إلى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره _ وكان من سعف _ فدخلوا على علي علیه السّلام وأخرجوه ...

ومثله بتغيير يسير ذكره العيّاشي في تفسيره (2)

وروى العيّاشي أيضاً في تفسيره (3) :

في حديث طويل يقول فيه : فأرسل إليه الثالثة عمر رجلاً يقال له قنفذ، فقامت فاطمة بنت رسول الله تحول بينه وبين على علیه السّلام فضربها ، فانطلق قنفذ وليس معه علي، فخشي أن يجمع علي الناس، فأمر بحطب فجعل حوالي بيته ، ثمّ انطلق عمر بنار فأراد أن يحرق على علي بيته، وعلى فاطمة والحسن والحسين (4) .

وفي كتاب سليم بن قيس (5) :

ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، ثم دفعه فدخل، فاستقبلته فاطمة علیها السّلام وصاحت: يا أبتاه يا رسول الله (6) .

ص: 46


1- الاختصاص : 185
2- تفسير العيّاشي : 19/2؛ في سورة الأعراف آية 56؛ انظر البحار : 28 / 277 ح 14
3- تفسير العيّاشي : 307/2 و 308؛ والبرهان في تفسير القرآن: 434/2
4- بحار الأنوار: 28 / 231 ح 16؛ وتفسير البرهان : 2/ 434
5- کتاب سليم بن قيس : 35
6- بحار الأنوار: 369/28؛ و 197/43

وروى المجلسي في بحاره (1) :

عن الإمام الصادق علیه السّلام في حديث طويل يقول فيه : وإدخال قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب، وضرب عمر لها بالسوط على عضدها، حتّى صار كالدُّملج الأسود، وركل الباب برجله، حتّى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستّة أشهر وإسقاطها إياه .

وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد وصفقه خدّها حتّى بدا قُرطاها تحت خمارها ، وهي تجهر بالبكاء، وتقول : وا أبتاه ، وا رسول الله ، ابنتك فاطمة تكذّب وتضرب، ويقتل جنين في بطنها .

إلى أن يقول :.... فخرج عمر وخالد بن الوليد وقنفذ وعبد الرحمن بن أبي بكر فصاروا من خارج الدار.

وذكر المسعودي في «إثبات الوصية » (2) :

فأقام أمير المؤمنين علیه السّلام ومن معه من شيعته في منازلهم بما عهده إليه رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم فوجهوا إلى منزله، فهجموا عليه، وأحرقوا بابه ، واستخرجوه منه كرهاً، وضغطوا سيدة النساء بالباب حتّى أسقطت محسناً (3) .

وروى الشيخ المفيد في أماليه (4) :

عن الجعابي عن العبّاس بن المغيرة ، عن أحمد بن منصور ، عن سعيد بن عفير ، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن ابن أبي هلال عن مروان بن

ص: 47


1- بحار الأنوار : 19/53
2- إثبات الوصية للمسعودي : 116 - 119
3- بحار الأنوار: 308/28
4- أمالي الشيخ المفيد : 38.

عثمان ، قال : لمّا بايع الناس أبا بكر دخل علي علیه السّلام والزبير والمقداد بيت فاطمة علیها السّلام وأبوا أن يخرجوا.

فقال عمر بن الخطاب : أضرموا عليهم البيت ناراً، فخرج الزبير ومعه سيفه ، فقال أبو بكر : عليكم بالكلب، فقصدوا ،نحوه، فزلّت قدمه وسقط على الأرض، ووقع السيف من يده، فقال أبو بكر: اضربوا به الحجر، فضرب به الحجر حتّى انكسر .

وخرج علي بن أبي طالب علیه السّلام نحو العالية، فلقيه ثابت بن قيس بن شمّاس، فقال ما شأنك يا أبا الحسن ؟ فقال : أرادوا أن يحرقوا عليّ بيتي وأبو بكر على المنبر يبايع له ، لا يدفع عن ذلك ولا ينكر ، فقال له ثابت ولا تفارق كفّي يدك أبداً حتّى أقتل دونك ، فانطلقا جميعاً حتّى عادا إلى المدينة، وفاطمة علیها السّلام واقفة على بابها ، وقد خلت دارها من أحد من القوم، وهي تقول : لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً منكم تركتم رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا وصنعتم بنا ما صنعتم ، ولم تروا لنا حقّاً (1) .

وهناك روايات أخرى تدلّ على كشف بيت فاطمة وعلي علیهما السّلام مدلولها أنّ الأول تمنّى أنّه لم يكشف بيت فاطمة علیها السّلام ، ومن ذلك :

ما رواه ابن جرير في تاريخه (2) :

بسنده عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه ، أنّه دخل على أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه، فأصابه مهتماً ... إلى أن قال: قال أبو بكر : أجل إنّي لا أسي على شيء من هذه الدنيا إلّا على ثلاث فعلتهنّ، ووددت أني

ص: 48


1- بحار الأنوار: 231/28 ح 17
2- تاریخ ابن جریر : 619/1؛ وكذلك في العقد الفريد : 267/4 - 269

ترکهن ...

إلى أن قال: فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة علیه السّلام عن شيء ...

وروى ابن قتيبة في «الإمامة والسياسة » (1) :

ثم إن أبا بكر عمل سنتين وشهوراً، ثم مرض مرض الذي مات فيه، فدخل عليه أناس من أصحاب النبي صلّی اللهُ علیه وآله فيهم عبد الرحمن بن عوف، فقال له : كيف أصبحت ... - إلى أن قال أبو بكر في ما قال -.... فأما اللاتي فعلتهن وليتني لم أفعلهن: فليتني تركت بيت عليّ وإن كان أعلن عليَّ الحرب.

وفي شرح النهج للمعتزلي نقلاً عن أستاذه يحيى بن محمد العلوي البصري ، قال :

« فإن قلتم : إنّ بيت فاطمة إنّما دُخل، وسترها إنما كشف حفظاً لنظام الإسلام، وكي لا ينتشر الأمر ، ويخرج قوم من المسلمين أعناقهم من ربقة الطاعة، ولزوم الجماعة ...

قيل لكم وكذلك ستر عائشة إنّما كشف، وهودجها إنما هتك لأنّها نشزت حبل الطاعة ، وشقّت عصا المسلمين، وأراقت دماء المسلمين ...

إلى أن قال: فكيف صار هتك عائشة من الكبائر التي يجب معها التخليد

في النار ، والبراءة من فاعله من أوكد عرى الإيمان، وصار كشف بيت فاطمة

والدخول عليها منزلها، وجمع حطب ببابها ، وتهددها بالتحريق من أوكد عرى

الدين، وأثبت للإسلام، وممّا أعز الله به المسلمين، وأطفأ به نار الفتنة،

والحرمتان واحدة ، والستران واحد ؟! ... » (2) .

ص: 49


1- الإمامة والسياسة _ لابن قتيبة - : 18/1
2- شرح نهج البلاغة _لابن أبي الحديد المعتزلي - : 16/2 و 17

وفي كتاب « فدك في التاريخ » للسيد محمد باقر الصدر ، قال :

«... إن عمر الذي هجم عليك في بيتك المكي، الذي أقامه النبي مركزاً لدعوته ، قد هجم على آل محمد صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم في دارهم، وأشعل النار فيها أو كاد » (1) .

وروى في «الإيضاح » (2) :

قال إياس بن قبيصة الأسدي _ وكان شهد فتح القادسية -: سمعت أبا بكر يقول : ندمت ... وأمّا الثلاث اللاتي فعلتهن وليتني لم أفعلهن :فكشفي بيت فاطمة (3) .

وقال في « الشافي » في مقام نقل كلام المخالف (4) :

قال صاحب الكتاب : شبهة لهم أخرى، قالوا: قد روي عن أبي بكر أنّه قال عند موته : ليتني كنت سألت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم عن ثلاثة ، فذكر في أحدها ليتني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر حق ؛ وذلك أنّه يدلّ على شكّه في بيعة نفسه، وربّما قالوا قد روي أنّه قال في مرضه : ليتني كنت ترکت بيت فاطمة علیها السّلام لم أكشفه ... إلى آخر كلامه.

وأجابه السيد المرتضى في صفحة 139 بقوله : فأمّا قوله ( أنّا قد بيّنّا أنّه لم يكن منه في بيت فاطمة علیها السّلام ما يوجب أن يتمنّى أن لم يفعله ) فقد بيّنّا فساد ما ظنّه في هذا الباب، ومضى الكلام فيه مستقصى .

أقول : يتّضح هذا الكلام من السيد المرتضى (رضوان الله عليه ) بمراجعة

ص: 50


1- فدك في التاريخ : 26
2- الإيضاح : 159
3- ماذا تقضون : 31
4- الشافي: 137/4

ما نقلناه عنه في صفحة 37 من ط : 2 من كتابنا هذا ، حيث ذكر هناك أنّ الرواية بذلك ذكرها غير الشيعة أيضاً، فلا يُعتدّ بإنكاره ، وإنّ دفع الروايات بغير حجّة هو السبب في تكثّر المذاهب المختلفة، فهو لا يجدي شيئاً.

ومسك الختام لهذا الكلام من غدير الأميني (1) الذي لا ينضب، حيث الولاء الصادق، فيقول:

بعدما بصر مقداداً ذلك الرجل العظيم وهو يدافع في صدره، أو نظر إلى الحباب بن المنذر وهو يحطّم أنفه، وتُضرب يده، أو إلى اللائذين بدار النبوّة، مأمن الأمة، وبيت شرفها، بيت فاطمة وعليٍّ علیهم السّلام وقد لحقهم الإرهاب والترعيد (2) وبعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب وقال لهم : إن أبوا فقاتلهم، فأقبل عمر بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة علیها السّلام فقالت : يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا ؟! قال: نعم، أو تدخلوا في ما دخل فيه الأمة (3) .

بعدما رأى هجوم رجال الحزب السياسيِّ دار أهل الوحي وكشف بيت فاطمة (4) وقد علت عقيرة قائدهم بعدما دعا بالحطب : والله لنحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة ، أو لأحرقنّها على مَن فيها. فيقال للرجل : إنّ فيها فاطمة . فيقول : وإن (5) .

ص: 51


1- الغدير: 7/ 77
2- تاريخ الطبري: 210/3؛ وشرح ابن أبي الحديد : 58/1
3- العقد الفريد : 250/2؛ وتاريخ أبي الفداء : 156/1؛ وأعلام النساء : 1207/3
4- الأموال _ لأبي عبيد - : 131؛ والإمامة والسياسة _ لابن قتيبة - : 18/1؛ وتاريخ الطبري : 524؛ ومروج الذهب : 414/1؛ والعقد الفريد : 254/2؛ وتاريخ اليعقوبي : 105/2
5- تاريخ الطبري : 198/3؛ والإمامة والسياسة : 13/1؛ شرح ابن أبي الحديد: 134/1 و 192

بعد قول ابن شحنة : إنّ عمر جاء إلى بيت علىٍّ ليحرقه على من فيه فلقيته فاطمة فقال : ادخلوا في ما دخلت فيه الأمّة.

وفي تاريخ ابن شحنة_ هامش الكامل _ 164/7:

بعدما سمع أنةً وحنّةً من حزينة كئيبة _ بضعة المصطفى _ وقد خرجت عن خدرها وهي تبكي وتنادي بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة ؟! (1) .

لقد ضربوها علیها السّلام فسقط الجنين قتيلاً

لقد ضربوها فجاوزوا الحدّ بما لا يكاد العاقل أن يصدّق أنّ بشراً عاش مع نبي الرحمة صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم ، رآه رؤوفاً رحيماً ، كيف لم يتأثر به ، بل كيف لا يستحي وإن لم يكن له دين أن يتجرأ على ابنته وعزيزته وحبيبته وعرضه سيّدة نساء العالمين.

بل إن كانوا عرباً كما يزعمون فإنّ العرب ترى من العار الاعتداء على امرأة، وكيف !!! إذا كانت هذه المرأة بنت النبي الذي أعزهم بعد أن كانوا أذلّة، وعلّمهم بعد أن كانوا جهلة .

ما أقبح تلك اليد وهي ترتفع للطم الصدّيقة الزهراء علیها السّلام ! وما أخبث تلك النفوس التي لم تَرْعَ حرمات الله! وما أحقد تلك القلوب على بيت الرسالة والطهارة! هل هي ثارات جاهليّة دفينة على رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله ؟! هل هي أحقاد

وأعلام النساء : 1205/3 .

ص: 52


1- الإمامة والسياسة : 13/1؛ وأعلام النساء : 1206/3؛ والإمام علي لعبد الفتاح عبد المقصود : 1/ 225

بدريّة وحنينيّة وخيبريّة أم حبّ اللات والعُزّى وهبل ؟! هل هي الشقاوة، وحبّ الرئاسة والدنيا والظلم والتسلّط على رقاب المسلمين ؟!

وسقط الجنين قتيلاً ... نعم أوّل قتيل لمحمد صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم من بعد رحيله ، ومَن الذي قتله ؟!! مَن يدّعون أنّهم من أمّة محمد صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم !!!

فالويل ثمّ الويل لقاتلك يا ابن النبي، والعذاب كل العذاب لمن تجرأ وأراد أن يخفي جريمتهم النكراء ، والسعادة كلّ السعادة لمن أحبّك بحب جدّك وأبيك وأمك وإخوتك ، والنور كلّ النور للدموع التي تنهمر على ظلمك ، والحق كلّ الحق أن تنصر في الدنيا بأحبائك، وفي الآخرة الحكم العدل (سبحانه وتعالى ) يثأر لك حتّى تقرّ عين أمك المفجوعة بك.

ولقد نقل المؤرّخون وأصحاب السِّیَر والحديث هذه الجريمة النكراء ، تاركين لنا البصمات لتلك اليد الأثيمة، وقد تلطخت بدم رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم، حین سقط السبط قتيلاً ليس له نصيب من هذه الدنيا سوى بضع حركات أحسّت بها الأم النحيلة، وقبرٍ توسّد فيه التراب الدافئ، ولاحه شيء من النسيم ما بين الرحم والقبر .

صحيحٌ لعلّه لم يدرك ذلك، ولكن تألّم لأجله وأفجع به جدّه وأبوه وأّمّه صلوات الله عليهم وعلى آلهم الطيبين الطاهرين.

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون والعاقبة للمتّقين.

والآن علينا أن نواسي ونشارك النبي محمداً صلّی اللهُ علیه وآۀه وسلّم، في آلاّمه ودموعه وعبراته التي تعصر قلبه الشريف، ولو بأن نستمع بكلّ إنصاف إلى ما يحدّثنا به من حمل الأمانة فأدّاها إمّا راغماً أو موالياً.

ص: 53

ونقرأ بإمعان ورويّة، ونعيش مع النصوص بكل ما نملك من عقل ومشاعر وأحاسيس ، لنتعرّف من خلال هذه الروايات والأقوال، مدى مصداقيّة

تلك التساؤلات.

روى الشهرستاني في «الملل والنحل » (1) :

قال إبراهيم بن سيّار بن هاني النظّام : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة یوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها، وما كان في الدار غير عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين (2) .

وذكر في «الوافي بالوفيات» (3) :

في ترجمة إبراهيم بن سيّار بن هاني البصري المعتزلي ، قال : إنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله نصّ علىُّ أنّ الإمامَ عليٌّ وعيّنه وعرفت الصحابة ذلك ، ولكن كتمه عمر لأجل أبي بكر ، وقال : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها .

وقال الاسفرائيني في كتابه «الفرق بين الفرق» (4) ، عندما تكلّم عن النظّام: وطعن في الفاروق عمر، وزعم أنّه شك يوم الحديبية في دينه ، وشك في وفاة النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم ، وأنّه كان في من نفّر بالنبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم ليلة العقبة، وأنّه ضرب فاطمة، ومنع ميراث العترة (5) .

ص: 54


1- الملل والنحل _ للشهرستاني - : 57/1
2- ماذا تقضون ؟ : ص 433
3- الوافي بالوفيات _ للصفدي - : 14/5
4- الفّرق بين الفرق _ لعبد القاهر الاسفرائيني -: 107
5- الملاحظات : 157

وقال ابن حجر في « لسان الميزان» في حرف الألف (1):

وقال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ بعد أن أرّخ موته: كان مستقيم الأمر عامّة دهره ، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يُقرأ عليه : إنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن (2) ...

وذكر ابن أبي الحديد في شرحه للنهج (3) :

بعد ذكر قصّة هبّار بن الأسود، وان رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله أباح دمه يوم فتح مكّة، لأنّه روّع زينب بنت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله بالرمح وهي في الهودج وكانت حاملاً، فرأت دماً وطرحت ذا بطنها .

قال : قرأت هذا الخبر على النقيب أبي جعفر فقال : إذا كان رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم أباح دم هبّار لأنه روّع زينب فألقت ذا بطنها ، فظاهر الحال أنّه لو كان حيّاً الأباح دم من روّع فاطمة علیها السّلام حتّى ألقت ذا بطنها .

فقلت : أروي عنك ما يقوله قوم : إنّ فاطمة هلیها السّلام روّعت فألقت المحسن ؟ فقال : لا تروه عنّي ولا ترو عنّي بطلانه ، فإنّي متوقف في هذا الموضع لتعارض الأخبار عندي فيه (4) .

وأي تعارض هذا ولم يكن في البين ولا رواية واحدة تنفي ذلك، ولو وجدت _ وفرض المحال ليس بمحال _ فإنّ مقتضى القاعدة تقديم الأكثر ، بل إنَّه سلّم أولاً وأرسله إرسال المسلّمات، فلمّا قال له : أروي عنك ؟ تراجع وقال:

ص: 55


1- لسان الميزان لابن حجر 28/1
2- ماذا تقضون ؟ : 438؛ ونقله الذهبي أيضاً في ميزان الاعتدال: 139/1
3- شرح النهج - لابن أبي الحديد - : 359/3
4- بحار الأنوار: 323/28

لا تروه عنّي ، ولعلّ أفضل الوجوه التي يحمل عليها هذا الكلام هي التقيّة .

وقال ابن شهر آشوب في « المناقب » :

ولدت الحسن علیه السّلام ولها اثنتا عشرة سنة وأولادها : الحسن والحسين والمحسن سقط _ وفي معارف القتيبيِّ أنّ محسِناً فسد من زخم قنفذ العدوي _وزينب وأمُّ كلثوم (1) .

وروی سلیم بن قیس :

عن عبد الله بن العباس ، أنّه حدّثه - وكان جابر بن عبد الله إلى جانبه -: أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله قال لعلي ، بعد خطبة طويلة : إنّ قريشاً ستظاهر عليكم، وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك ... إلى أن قال : ثم أقبل صلّی االهُ علیه وآله وسلّم على ابنته علیها السّلام فقال : إنك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل الجنة، وسترين بعدي ظلماً وغيظاً، حتّى تضربي، ويكسر ضلع من أضلاعك، لعن الله قاتلك (2) .

وفى « الأمالي» للشيخ الصدوق:

عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن أحمد بن إدريس، ومحمد بن يحيى العطّار جميعاً ، عن محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري، عن أبي عبد الله الرازي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، عن ابن عميرة، عن محمد بن عتبة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب علیه السّلام قال :

ص: 56


1- المناقب _ لابن شهر آشوب - : 407/3؛ بحار الأنوار : 233/43 ب 9 ح 10؛ والعوالم: 539/11
2- کتاب سلیم بن قیس : 907/2

« بينا أنا ، وفاطمة ، والحسن والحسين، عند رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله إذا التفت إلينا وبكى ، فقلت : وما ذاك يا رسول الله ؟! قال : أبكي من ضربتك على القرن ، ولطم فاطمة خدها » (1) .

وعن السيد ابن طاووس في « زوائد الفوائد » :....

إن أبي العلاء الهمداني، ويحيى بن محمد بن حويج تنازعا في أمر ابن الخطاب ، فتحاكما إلى أحمد بن إسحاق القمي، صاحب الإمام الحسن

العسكري، فروى لهم عن الإمام العسكري ، عن أبيه علیه السّلام : إنّ حذيفة روى عن النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم حديثاً مطولاً يخبر النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم فيه حذيفة بن اليمان عن أمور ستجري بعده ، ثم قال حذيفة وهو يذكر أنه رأى تصديق ما سمعه : « ... وحُرّف القرآن ، وأحرق بيت الوحى... إلى أن قال: ولطم وجه الزكية » (2) .

وقال الشريف أبو الحسن الفتوني (3) :

«ثبوت أذية الرجلين لفاطمة غاية الأذى يوم مطالبة علي بالبيعة، حتّى الهجوم على بيتها ، ودخوله بغير إذن ، بل ضربها ، وجمع الحطب لإحراقه...فمما لاشك فيه عندنا معشر الإمامية، بحسب ما ثبت وتواتر من أخبار ذريتها الأئمة الأطهار، والصحابة الأخيیطار كما هو مسطور في كتبهم، بل باعتراف

ص: 57


1- الأمالي _للشيخ الصدوق _: 118؛ والمناقب _لابن شهر آشوب _: 209/2؛ وبحار الأنوار: 5128؛ و 149/44؛ وإثبات الهداة : 1/ 281؛ وعوالم العلوم : 397/11؛ وجلاء العيون: 1891؛ ووفاة الصدّيقة الزهراء علیها السّلام _للسيد عبد الرزاق المقرم -: 60
2- بحار الأنوار: 351/95 و 353 و 354؛ و 126/31؛ والمحتضر _للشيخ حسن بن سليمان -: 44 - 55؛ ورواه الطبري في دلائل الإمامة ، في الفصل المتعلق بأمير المؤمنين؛ ورواه الجزائري في الأنوار النعمانية، وغَيرهم
3- ضياء العالمين : 96/2 و 97

جماعة من غيرهم أيضاً كما سيأتي بعض ذلك، سوى ما مر من أخبار مخالفيهم .

وأما المخالفون فأمرهم عجيب غريب في هذا الباب، لأنّ عامة قدماء محدّثيهم سطروا في كتبهم جميع ما نقلناه عنهم ، وأكثروا طرحها ... » (1) .

وقال عماد الدين الطبري ما ترجمته (2) :

« ... وفي الأثناء وصل عمر مع أهل العناد والنفاق، وقال: يا ابن أبي طالب افتح الباب ، وإلّا أحرقت باب بيتك عليك ... إلى أن يقول .... فأخذ

عمر سیفه، وهو في قرابه وضربها به علی جنبها ، وضربها قنفذ بالسوط على متنها ، فصاحت فاطمة : يا أبتاه ما لقى أهل بيتك من أبي بكر وعمر بعدك » (3) .

وقال (4) وهو يتحدث عما جرى بين المقداد وعمر حينما أراد الثاني ضربه : فقال له المقداد: «لقد ذهبت بنت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم من الدنيا، وكان الدم يخرج من ظهرها وجنبها بسبب ضربك لها بالسيف والسوط » (5) .

وفي كتاب « الصوارم الحاسمة في تاريخ أحوالات فاطمة » (6) :

أنّه لما أوقف علي علیه السّلام تكلم فقال : ( أيتها الغدرة الفجرة، فاستعدوا للمسألة جواباً، ولظلمكم لنا أهل البيت احتساباً ، أوَ تُضرب الزهراء نهراً ؟!

ص: 58


1- مأساة الزهراء _للعاملي - : 98/2
2- كامل بهائي _ لعماد الدين الطبري _: 306
3- مأساة الزهراء _للعاملي - : 2/ 175
4- کامل بهائي: 312/1 و 313
5- مأساة الزهراء _للعاملي - : 2/ 175
6- مخطوط ، من تأليف محمد رضا الحسيني الكمالي الإسترآبادي

ويؤخذ منها حقها قهراً وجهراً ؟!... إلى أن قال علیه السّلام : فقد عزّ على علي بن أبي طالب أن يسودّ متن فاطمة ضرباً ، وقد عرف مقامه ، وشوهدت أيامه» (1)

وقال الحسني:

«وفي رواية أخرى: أنهم لما أرادوا الدخول إلى بيتها، وإخراج علي منه أرادت أن تحول بينهم وبين ذلك، ضربها قنفذ على وجهها ، وأصاب عينها » (2) .

وقال السيد تاج الدين بن علي بن أحمد الحسيني العاملي بعد كلام يناسب المقام :

« ... ودخلوا فوثبوا على أمير المؤمنين علیه السّلام فأخرجوه عنفاً، فحالت فاطمة علیها السّلام بينهم وبينه وقالت : والله لا أدعكم تخرجون بابن عمي ظلماً ، ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا، فأمر عمر بن عمر بن الخطّاب قنفذاً فضربها بسوط حتّى أثّر في جسمها » (3) .

وذكر سليم بن قيس الهلالي في كتابه (4) :

فرفع السيف وهو في غمده فوجأ (5) به جنبها فصرخت، فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه (6) ...

ص: 59


1- فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفیٍ؛ و کتاب نوائب الدهور : 3/ 157 ، نقلاً عن الکتاب المذکور
2- سیرة الأئمة الاثني عشر : 1/ 132
3- التتمة في تواريخ الأئمة : 35
4- کتاب سليم بن قيسم الهلالي: 170؛ الاحتجاج : 210/216/1؛ وجلاء العيون؟ وراجع مرآة العقول : 313/5؛ والعوالم 11 ، 400 - 403 و 404؛ وضياء العالمين : 63/2 و 64
5- وجا: أي ضرب
6- بحار الأنوار: 28/28؛ 197/43

وعن سليم بن قيس الهلالي أيضاً (1) :

فألقوا في عنقه حبلاً ، وحالت بينهم وبينه فاطمة علیها السّلام عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط، فماتت حين ماتت وإن في عضدها مثل الدملج من ضربته لعنه الله . ثم انطلقوا بعليٍّ علیه السّلام يتلّ حتّى انتهى به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجرّاح، وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعد وسائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح (2) .

وكذلك عن سليم بن قيس الهلالي (3) :

فقال العباس لعلي : ماترى عمر منعه من أن يغرم قنفذاً كما أغرم جميع عماله ؟ ! فنظر عليّ علیه السّلام إلى من حوله ، ثم اغرورقت عيناه ، ثم قال : شكر له ضربة ضربها فاطمة بالسوط، فماتت وفي عضدها أثر كأنه الدملج (4) .

وأيضاً سليم بن قيس في كتابه (5) :

وقد كان قنفذ لعنه الله ضرب فاطمة علیها السّلام بالسوط ، زوجها، وأرسل إليه عمر : إن حالت بينه وبينزوجها، و أرسل إلیه عمر : إلیه عمر : إن حالت بینک و بینه فاطمة فاضربها .

فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعاً من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت من ذلك شهيدة (6) .

ص: 60


1- کتاب سليم بن قيس الهلالي: 21
2- بحار الأنوار : 28/ 270، 43/ 197
3- کتاب سليم بن قيس الهلالي: 67
4- ماذا تقضون ؟ : 765
5- کتاب سليم بن قيس الهلالي : 40
6- بحار الأنوار: 270/28؛ و 198/43

وعن أمالي الصدوق (1) :

عن الدقاق عن الأسدي عن النخعي، عن النوفلي ، عن ابن البطائني، عن أبيه ، عن ابن جبير ، عن ابن عباس ، في خبر طويل قال صلّی اللهُ علیه وآله :

وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين، من الأوّلين والآخرين، وهي بضعة منّي، وهي نور عيني وهي ثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبي، الحوراء الإنسيّة، متى قامت في محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر (2) نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله لملائكته يا ملائكتي ، انظروا إلى أمتي فاطمة سيّدة إمائي قائمة بين يديّ ترتعد فرائصها من خيفتي ، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي ، أشهدكم أنّي قد آمنت شيعتها من النار ، وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها ، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومنعت إرثها ، وكسر جنبها وأسقطت جنينها، وهي تنادي : يا محمداه فلا تجاب ، وتستغيث فلا تغاث.

فلا تزال بعدي محزونة ، مكروبة، باكية، تتذكّر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة ، وتتذكّر فراقي أخرى ، وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجّدتُ بالقرآن، ثمّ ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيّام أبيها عزيزة.

فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة ، فنادتها بما نادت به مریم

ص: 61


1- الأمالي _ للشيخ الصدوق _: 99؛ وفرائد السمطين: 35/2؛ وإتبات الهداة : 1/ 280 و 281؛ وإرشاد القلوب : 295؛ وفي هامشه عن غاية المرام : 48؛ وعن المحتضر : 109، وجلاء العيون: للمجلسي ، 1 / 188 - 186؛ وبشارة المصطفى : 200 - 197؛ والفضائل لابن شاذان ص8/11
2- كذا في بحار الأنوار ، وفي المصدر : ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر ...

بنت عمران فتقول : يا فاطمة (إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العالَمِينَ ) يا فاطمة ( اقنُتي لِرَبِّكِ واسجُدِي واركَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ) (1)

ثمّ يبتدئ بها الوجع فتمرض فيبعث الله إليها مريم بنت عمران تمرِّضها وتؤنسها في علّتها ، فتقول عند ذلك : يا ربِّ إنّي قد سئمت الحياة وتبرّمت بأهل الدنيا، فألحقني بأبي، فيلحقها الله بي، فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي، فتُقدم عليَّ محزونة ، مكروبة، مغمومة، مغصوبة، مقتولة ، فأقول عند ذلك : اللهمّ العن من ظلمها، وعاقب من غصبها ، وذلّل من أذلّها، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتّى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك : آمين (2) .

وروى الصدوق في أماليه (3) أيضاً :

ابن الوليد ، عن أحمد بن إدريس ومحمد العطّار معاً، عن الأشعري، عن أبي عبد الله الرازي ، عن ابن البطائني ، عن ابن عميرة، عن محمد بن عتبة ، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب علیه السّلام قال بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله إذ التفت إلينا فبكى ، فقلت : ما يبكيك يا رسول الله ؟! فقال أبكي ممّا يصنع بكم بعدي فقلت : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال أبكي من ضربتك على القرن ، ولطم فاطمة خدّها، وطعنة الحسن في الفخذ، والسمّ الذي يسقى، وقتل الحسين .

قال : فبكى أهل البيت جميعاً، فقلت يا رسول الله ! ما خلقنا ربّنا إلّا للبلاء ؟! قال أبشر يا عليٌّ فإن الله قد عهد إليّ أنه لا يحبّك إلا مؤمن، ولا

ص: 62


1- سورة آل عمران : 42/3 و 43
2- بحار الأنوار: 173/43 ب ح 13؛ ورواها الجويني في فرائد السمطين: 36/2
3- الأمالي : للشيخ الصدوق ، 115 - 116

يبغضك إلّا منافق (1) .

وروى الطبري في « دلائل الإمامة » (2) :

عن محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، عن أبيه ، عن محمد بن همّام ، عن أحمد البرقي، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله علیه السّلامقال : قبضت فاطمة علیها السّلام في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه ، سنة إحدى عشر من الهجرة، وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره ، فأسقطت محسناً ، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً (3) .

وروى الطبرسي في « الاحتجاج » (4) :

في ما احتج به الحسن علیه السّلام على معاوية وأصحابه، أنه قال: وأمّا أنت يا مغيرة بن شعبة فإنّك الله عدو، ولكتابه ،نابذ ، ولنبيه مكذّب، وأنت الزاني وقد وجب عليك الرجم ، وشهد عليك العدول البررة الأتقياء ، فأخّر رجمك ، ودفع الحق بالأباطيل ، والصدق بالأغاليط ، وذلك لما أعدّ الله لك من العذاب الأليم، والخزي في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة أخزى ، وأنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله حتّى أدميتها ، وألقت ما في بطنها، استدلالاً منك لرسول الله ، ومخالفة منك لأمره، وانتهاكاً لحرمته ، وقد قال لها رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم : يا فاطمة أنت سيّدة نساء أهل الجنة ، والله مصيِّرك إلى النار (5) .

ص: 63


1- بحار الأنوار: 170/28 ح 11
2- دلائل الإمامة : 45؛ وقد صححنا هذه الرواية في أواخر الكتاب فانتظر
3- بحار الأنوار : 170/43 ح 11
4- الاحتجاج - للطبرسي - : 277
5- بحار الأنوار : 97/43 ب 7 ح 28

وذكر ابن طاووس في كتابه « الإقبال » (1) :

في زيارة الصدّيقة الزهراء علیها السّلام المرويّة عن أهل بيت العصمة علیهم السّلام :

اللهمّ صلّ على محمدّ وأهل بيته ، وصلّ على البتول الطاهرة، الصدّيقة المعصومة ، التقيّة النقيّة ، الرضيّة المرضيّة ، الزكيّة الرشيدة، المظلومة المقهورة، المغصوبة حقّها ، الممنوعة إرثها، المكسورة ضلعها ، المظلوم بعلها، المقتول ولدها، فاطمة بنت رسولك ، وبضعة لحمه ، وصميم قلبه، وفلذة كبده ،... (2) .

وروى الكفعمي في « البلد الأمين» و «جنّة الأمان» (3) :

دعاء قنوت أمير المؤمنين علیه السّلام ، فقال : هذا الدعاء رفيع الشأن عظيم المنزلة ، ورواه عبد الله بن عباس عن علي علیه السّلام أنّه كان يقنت به ، وقال : إنّ الداعي به كالرامي مع النبي صلّی اللهُ علیه وآله في بدر وأحد وحنين بألف ألف سهم.

قال فى الدعاء المذكور :... فقد أخربا بيت النبوة ، وردما بابه، ونقضا سقفه، وألحقا سماءه بأرضه ، وعاليه بسافله ، وظاهره بباطنه ،واستأصلا أهله، وأبادا أنصاره ، وقتلا أطفاله، وأخليا منبره من وصيّه ووارثه ...

إلى أن يقول : وبطن فتقوه ، وضلع كسروه ... إلى آخر الدعاء.

وقال الكفعمي رحمة اللهُ: هذا الدعاء من غوامض الأسرار ، وكرائم الأذكار ، وكان

أمير المؤمنين علیه السّلام يواظب عليه في ليله ونهاره وأوقات أسحاره (4) .

ص: 64


1- الإقبال – لابن طاووس -: 625
2- ونقل هذه الزيارة في البحار : ج 100؛ في كتاب المزار ، ص 199، ح 20؛ ومفاتيح الجنان 318
3- البلد الأمين وجنة الأمان _للكفعمي - : 551؛ وعلم اليقين : 701
4- بحار الأنوار : 260/85 ح 5

وروى المجلسي في بحاره (1) :

عن الإمام الصادق علیه السّلام في حديث طويل يقول فيه : وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين علیها السّلام الإحراقهم بها ، وضرب يد الصدّيقة الكبرى فاطمة بالسوط ، ورفس بطنها وإسقاطها محسناً .

وذكر المجلسي أيضاً في البحار (2) :

وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي، نقلاً من خط الشهيد ( رفع الله درجته) ، نقلاً من (مصباح) الشيخ أبي منصور طاب ثراه، قال:أروي أنّه دخل النبي صلّی اللهُ علیه وآله يوماً إلى فاطمةعلیها السّلام ... إلى أن يقول : أمّا ابنتك فهى أوّل أهلك لحاقاً بك بعد أن تظلم، ويؤخذ حقها ، وتمنع إرثها، ويظلم بعلها، ويكسر ضلعها ...

وروى المجلسي كذلك في بحاره (3) :

عن الإمام الصادق علیه السّلام في حديث طويل يقول فيه : وإدخال قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب، وضرب عمر لها بالسوط على عضدها، حتّى صار كالدُّملج الأسود، وركل الباب برجله، حتى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستّة أشهر، وإسقاطها إيّاه .

ص: 65


1- بحار الأنوار : 14/53؛ والعوالم : 441/11 _443؛ والهداية الكبرى - للخصيبي - : 392 و 407 و 417؛ وعن حلية الأبرار : 652/2؛ وراجع فاطمة بهجة قلب المصطفى : 532/2؛ عن نوائب الدهور _للسيد الميرجهاني - : 192
2- بحار الأنوار - للمجلسي - : 44/101 ح 84
3- بحار الأنوار : 19/53؛ والعوالم : 441/11 - 443؛ والهداية الكبرى - للخصيبي -: ص و 407 و 417؛ وعن حلية الأبرار : 652/2؛ وراجع فاطمة بهجة قلب المصطفى : 532/2؛ عن نوائب الدهور - للسيد المير جهاني - : 192

وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد وصفقه خدّها حتى بدا قُرطاها تحت خمارها ، وهي تجهر بالبكاء، وتقول : وا أبتاه ، وا رسول الله ، ابنتك فاطمة تكذب وتضرب، ويقتل جنين في بطنها .

إلى أن يقول : وصاح أمير المؤمنين بفضة : يا فضة مولاتك ! فاقبلي منها ما تقبله النساء، فقد جاءها المخاض من الرفسة وردّ الباب، فأسقطت محسناً .

وروى العيّاشي في تفسيره (1) :

في حديث طويل يقول فيه : فأرسل إليه الثالثة عمر رجلاً يقال له قنفذ ،فقامت فاطمة بنت رسول الله (صلوات الله عليه ) تحول بينه وبين علي علیه السّلام فضربها (2)

وروى الديلمي في «إرشاد القلوب » (3) :

عن أمالي ابن بابويه مسنداً إلى ابن عمر قال : قال رسول الله صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم في حديث طويل : وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، وهي بضعة مني، ونور عيني، وثمرة فؤادي ، إذا قامت في محرابها ظهر نورها للملائكة ، فيقول الله : يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي بين يدي، وهي ترتعد فرائصها من خيفتي ، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي،

ص: 66


1- تفسير العيّاشي : 307/22 و 308؛ والبرهان في تفسير القرآن : 2/ 434
2- بحار الأنوار : 28 / 230 ح 16
3- إرشاد القلوب _ للديلمي _295؛ وفرائد السمطين : 35/2؛ وإثبات الهداة : 1/ 280 و 281؛ وإرشاد القلوب ص 295؛ وبحار الأنوار: 39/28 و 37؛ و 172/43 و 173؛ والعوالم : /321/11 و 392؛ وفي هامشه عن غاية المراد ص 48؛ وعن المحتضر : ص : 109؛ وجلاء العيون - للمجلسي - : 1/ 188 و 186؛ وبشارة المصطفى : 197/200؛ والفضائل : لابن شاذان :11/ 8

أشهدكم أني قد آمنت شيعتها من النار .

وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ، كأني بها وقد دخل الذلّ بيتها، وغصب حقها، وكسر جنبها ، وأسقطت جنينها وهي تنادي: «يا محمد» فلا تجاب وتستغيث فلا تغاث .

وروى الديلمي أيضاً في «إرشاد القلوب» :

وقد روي عن طريق فاطمة علیها السّلام ... فجمعوا الحطب الجزيل على بابنا وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا ، فوقفت بعضادة الباب وناشدتهم بالله وبأبي أن يكفوا عنّا وينصرونا. فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي ، فالتوى السوط على عضدي حتّى صار كالدملج، وركل الباب برجله فردّه عليَّ وأنا حامل، فسقطت لوجهي والنار تسعر وتسفع وجهي، فضربني بيده حتّى انتشر قرطي من أذني ، وجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم (1) ...

وروى الشيخ المفيد في « الاختصاص » (2) :

أبو محمد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله علیه السّلام قال : لمّا قبض رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله، وجلس أبو بكر مجلسه، بعث إلى وكيل فاطمة ، فأخرجه من فدك .

فأتته فاطمة علیها السّلام ، فقالت : يا أبا بكر ، ادّعيت أنّك خليفة أبي، وجلست مجلسه، وأّنك بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك ، وقد تعلم أنّ رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله صدّق بها عليَّ ، وأنّ لي بذلك شهوداً ، فقال لها : إنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسبّم لا يورّث .

ص: 67


1- الملاحظات : 131؛ وبحار الأنوار: 348/30 _350 ، عن إرشاد القلوب للديلمي
2- الاختصاص : 183؛ وبحار الأنوار: 29/ 192؛ ووفاة الصديقة الزهراء : للمقرم، 78

فرجعت إلى عليّ فأخبرته ، فقال : ارجعي إليه، وقولي له: زعمت أنّ النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم لا يورّث ، وورث سلیمان داود، وورث يحيى زكريّا ، وكيف لا أرث أنا أبي ؟ !

فقال عمر: أنت معلّمة .

قالت : وإن كنت معلّمة فإنّما علّمني ابن عمّي وبعلي .

فقال أبو بكر : فإنّ عائشة تشهد وعمر أنّهما سمعا رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم و هو

يقول : إنّ النبي لا يورِّث .

فقالت: هذا أوّل شهادة زور شهدا بها في الإسلام.

ثمّ قالت : فإنّ فدك إنّما هي صدّق بها عليَّ رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله ، ولي بذلك بیّنة .

فقال لها : هلمّي ببيّنتك .

قال: فجاءت بأمّ أيمن و علي علیه السّلام ، فقال أبو بكر : يا أمّ أيمن ، إنّك سمعت من رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله يقول في فاطمة ؟

فقالا : سمعنا رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله يقول : إنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة .

ثمّ قالت أمُّ أيمن : فمن كانت سيّدة نساء أهل الجنة تدّعي ما ليس لها ؟! وأنا امرأة من أهل الجنة، ما كنت لأشهد إلّا بما سمعت (1) من رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم .

فقال عمر : دعينا يا أم أيمن من هذه القصاص، بأيّ شيء تشهدان ؟

فقالت : كنت جالسة في بيت فاطمة علیها السّلام ، ورسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم جالسٌ حتّى نزل عليه جبرئيل ، فقال : يا محمد ،قم، فإنّ الله تبارك وتعالى أمرني أن أخطَّ لك

ص: 68


1- في بعض النسخ « ما كنت لا شهد بما لم أكن سمعت» .

فدكاً بجناحي، فقام رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم مع جبرئيل علیه السّلام ، فما لبث أن رجع ، فقالت فاطمة علیها السّلام : يا أبه أين ذهبت ؟

فقال: خطَّ جبرئيل علیه السّلام لي فدكاً بجناحه ، وحدَّ لي حدودها، فقالت: يا أبه إنّي أخاف العيلة والحاجة من بعدك فصدّق بها عليَّ.

فقال : : هي صدقة عليك ، فقبضتِها ؟ قالت : نعم .

فقال رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم : يا أمَّ أيمن إشهدي، ويا علىُّ اشهد.

فقال عمر: أنت امرأة ولا نجيز شهادة امرأة وحدها، وأمّا علىُّ فيجرُّ إلى نفسه .

قال : فقامت مغضبة وقالت : اللهمّ إنّهما ظلما ابنة محمد نبيّك حقّها ، فاشدد وطأتك عليهما ، ثمّ خرجت .

وحملها عليُّ على أتان عليه كساء له خمل، فدار بها أربعين صباحاً في بيوت المهاجرين والأنصار ، والحسن والحسين علیهما السّلام معها وهي تقول: يا معشر المهاجرين والأنصار انصروا الله ، فإنّي ابنة نبيّكم ، وقد بايعتم رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله يوم بايعتموه أن تمنعوه وذرّيّته ممّا تمنعون منه أنفسكم وذراريكم ، ففوا الرسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم و ببيعتكم ، قال : فما أعانها أحدٌ ولا أجابها ولا نصرها.

قال : فانتهت إلى معاذ بن جبل، فقالت یا معاذ بن جبل ، إنّي قد جئتك مستنصرة ، وقد بايعت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم على أن تنصره وذرّيته وتمنعه مما تمنع منه نفسك وذرّيتك ، وأنّ أبا بكر قد غصبني على فدك ، وأخرج وكيلي منها .

قال : فمعي غيري ؟ قالت : لا ما أجابني أحدٌ، قال: فأين أبلغ أنا من نصرتك ؟ قال : فخرجت من عنده .

ص: 69

ودخل ابنه (1) فقال : ما جاء بابنة محمد إليك ؟ قال : جاءت تطلب نصرتي على أبي بكر، فإنّه أخذ منها فدكاً ، قال : فما أجبتها به ؟ قال : قلت : وما يبلغ من نصرتي أنا وحدي ؟ قال : فأبيت أن تنصرها ؟! قال : نعم .

قال: فأيُّ شيء قالت لك ؟ قال : قالت لي : والله لأنازعنّك الفصيح من رأسي حتّى أرِد على رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله (2)

قال : فقال : أنا والله لأناز عنك الفصيح من رأسي حتى أرد على رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم إذ لم تجب ابنة محمد صلّی اللهُ علیه وآله .

قال : وخرجت فاطمة علیها السّلام ، من عنده وهي تقول : والله لا أكلّمك كلمة حتّى اجتمع أنا وأنت عند رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم ثمّ انصرفت.

فقال علىٌّ لها : انت أبا بكر وحده فإنّه أرقُ من الآخر، وقولي له : ادّعيت مجلس أبي، وأنك خليفته، وجلست مجلسه، ولو كانت فدك لك ثمّ

استوهبتها منك لوجب ردُّها عليَّ .

فلمّا أتته وقالت له ذلك ، قال : صدقت ، قال : فدعا بكتاب فكتب لها بردِّ فدك ، فقال : فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر فقال :يا بنت محمد ما هذا الكتاب الذي معك ؟ فقالت : كتابُ كتب لي أبو بكر بردّ فدك ، فقال : هلمّيه إليَّ ، فأبت أن تدفعه إليه فرفسها برجله وكانت حاملة بابن اسمه المحسن، فأسقطت المحسن من بطنها ، ثمّ لطمها ، فكأنّي أنظر إلى قرط في أذنها حين

ص: 70


1- يعني ابن معاذ وهو غير سعد لأنه توفي في حياة النبي محمد صلّی اللهُ علیه وآله
2- في بعض النسخ « لأ ناز عك الفصيح حتّى أرد» وهكذا في البحار وقال العلامة المجلسي رحمة اللهُ) : أي لأنازعك بما يفصح عن المراد أي بكلمة من رأسي فإن محل الكلام في الرأس، أو المراد بالفصيح اللسان

نُقفت (1) ثمّ أخذ الكتاب فخرقه .

فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة ممّا ضربها عمر، ثمّ قبضت ، فلمّا حضرتها الوفاة دعت عليّاً فقالت : إمّا تضمن وإلّا أوصيت إلى ابن

الزُّبير ، فقال عليُّ : أنا أضمن وصيتك يا بنت محمد قالت سألتك بحقّ6 رسول الله إذا أنا متُّ ألّا يشهداني ، ولا يصلّيا عليّ ، قال : فلك ذلك ، فلمّا قبضت علیها السّلام دفنها ليلا في بيتها ، وأصبح أهل المدينة يريدون حضور جنازتها ، وأبو بكر وعمر كذلك.

فخرج إليهما علىٌّ الله فقالا له : ما فعلت بابنة محمد ؟ أخذت في جهازها يا أبا الحسن ؟ فقال علیُّ عليه السّلام : قد والله دفنتها ، قالا : فما حملك على أن دفنتها ولم تعلمنا بموتها ؟ قال : هي أمرتني ، فقال : عمر : والله لقد هممت بنبشها ، والصلاة عليها .

فقال عليٌّ علیه السّلام : أما والله ما دام قلبي بين جوانحي ، وذو الفقار في يدي، إنّك لا تصل إلى نبشها، فأنت أعلم.

فقال أبو بكر : اذهب فإنّه أحقُّ بها منّا وانصرف الناس . تمّ الخبر .

وذكر المسعودي في «إثبات الوصية » (2) :

في كلام طويل له ، قال فيه : فأقام أمير المؤمنين علیه السّلام ومن معه من شيعته في منازلهم بما عهده إليه رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله فوجهوا إلى منزله ، فهجموا عليه ، وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرهاً، وضغطوا سيدة النساء بالباب حتّى

ص: 71


1- نقفت على البناء للمجهول أي كسر من لطم عمر
2- إثبات الوصية _للمسعودي - : 116 - 119

أسقطت محسناً (1) .

روى ابن قولويه في « كامل الزيارات » (2) :

محمد الحميري ، عن أبيه ، عن علي بن محمد بن سليمان ، عن محمد بن خالد ، عن عبد الله بن حمّاد ، عن عبد الله الأصم ، عن حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عیه السّلام قال : لمّا أسري بالنبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم ...

إلى أن قال : وأمّا ابنتك فتظلم وتُحرم ، ويؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها، وتضرب وهي حامل ، ويدخل على حريمها ومنزلها بغير إذن ، ثم يمسّها هوان وذلّ، ثمّ لا تجد مانعاً ، وتطرح ما في بطنها من الضرب، وتموت من ذلك الضرب.

إلى أن يقول :.... وأوّل من يحكم فيه محسن بن عليّ علیه السّلام في قاتله، ثم في قنفذ، فيؤتيان هو وصاحبه فيضربان بسياط من نار لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها ، ولو وضعت على جبال الدنيا لذابت حتّى تصير رماداً (3) .

وفي كتاب «دلائل الإمامة»

عن إبراهيم بن أحمد الطبري ، عن علي بن عمر بن حسن بن علي السياري، عن محمد بن زكريا الغلابي، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين علیه السّلام ، عن

ص: 72


1- بحار الأنوار: 308/28 ح 50
2- كامل الزيارات _لابن قولويه - : 332 - 335؛ وبحار الأنوار : 62/28 - 64؛ وراجع : وعوالم العلوم : 398/1؛ وجلاء العيون - للمجلسي - : 1 / 184 - 186
3- بحار الأنوار: 61/28 - 64 ح 24

أبيه ، عن جده ، عن محمد بن عمار بن ياسر ، قال في حديث:

«وحملت بالحسن، فلما رزقته حملت بعد أربعين يوماً بالحسين ثم رزقت زينب ، وأم كلثوم، وحملت بمحسن، فلما قبض رسول الله صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم وجرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها، وأخرج ابن عمها أمير المؤمنين ، وما لحقها من الرجل ، أسقطت به ولداً تماماً ... » (1) .

وروى السيد ابن طاووس قدس سرة دعاءّ عن الإمام في سجدة الشكر رواه بإسناده إلى ابن عبد الله في كتاب فضل الدعاء ، قال أبو جعفر، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن الرضاء علیه السّلام .

وبكير بن صالح، عن سليمان بن جعفر، عن الرضا علیه السّلام، قالا : دخلنا عليه وهو ساجد في سجدة الشكر فأطال في سجوده ، ثم رفع رأسه فقلنا له: أطلتالسجود ؟! فقال : من دعا في سجدة الشكر بهذا الدعاء كان كالرامي مع رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم يوم بدر .

قال : قلنا : فنكتبه ؟

قال : اكتبا ، إذا أنتما سجدتما سجدة الشكر فتقولا :.... ثمّ ذكر الدعاء إلى أن وصل إلى قوله : « ... واستهزأا برسولك ، وقتلا ابن نبيك ...» (2) .

وقال العلّامة الفقيه الشيخ زين الدين البياضي العاملي :

«ومنها ما رواه البلاذري واشتهر في الشيعة : أنّه حصر حصر فاطمة في الباب، حتى أسقطت محسناً، مع علم كل أحد بقول أبيها لها: فاطمة بضعة مني من

ص: 73


1- دلائل الإمامة : ص 26 و 27؛ والعوالم : 504/11
2- مهج الدعوات: 257 و 258؛ وبحار الأنوار: 393/30؛ و 223/83؛ والمصباح - للشيخ الكفعمي - : 553 و 554 ؛ ومسند الإمام الرضاء علیه السّلام_ للعطاردي - : 65/2

آذاها فقد آذانی » (1)

وقال المحقق الكركي قدس سرة :

«... والطلب إلى البيعة بالإهانة ، والتهديد بتحريق البيت ، وجمع الحطب عند الباب، وإسقاط فاطمة محسناً ... » (2) .

وفي زيارة لها علیها السّلام في «إقبال الأعمال».

«المقتول ولدها» (3) .

وقال الكنجي عن الشيخ المفيد : « زاد على الجمهور : أنّ فاطمة علیها السّلام أسقطت بعد النبي ذكراً ، وكان سمّاه رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله محسناً ... » (4) .

وجاء في رسالة عمر لمعاوية : « ... واشتد بها المخاض، ودخلت البيت، فأسقطت سقطاً سمّاه على محسناً » (5).

وقد نقل الشيخ الصدوق عن بعض المشايخ في تفسير قوله : «إنّ لك كنزاً في الجنة» ، «إنّ هذا الكنز هو ولده المحسن ، وهو السقط الذي ألقته فاطمة لمّا ضغطت بين البابين » (6) .

وفي حديث عن الإمام الصادق علیه السّلام : « وقتل محسن بالرفسة أعظم وأمرّ » (7).

ص: 74


1- الصراط المستقيم : 12/3
2- نفحات اللاهوت : 130
3- إقبال الأعمال : 625؛ وبحار الأنوار : 199/97 و 200
4- كفاية الطالب : 413
5- بحار الأنوار: 294/30 و 295
6- معاني الأخبار : 205 - 207؛ وبحار الأنوار : 41/39 و 42
7- فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى : 532/3 ، عن نوائب الدهور : 194

وقال الحسني :

«... وفي رواية ثالثة : أنّها وقفت خلف الباب لتمنعهم من دخوله، فاندفعوا نحو الباب، ودفعوه نحوها وكانت حاملاً ، فأسقطت ولداً كان رسول

الله قد سمّاه محسناً » (1) .

وقال المجلسي الثاني :

«.... وفي رواية أخرى: أنّ المغيرة بن شعبة ... بأمر عمر دفع الباب على بطنها حتّى ألقت محسناً ...» (2) .

وروى ابن قولويه أيضاً في « كامل الزيارات» (3) :

محمد الحميري، عن أبيه ، عن علي بن محمد بن سليمان ، عن محمد بن خالد ، عن عبد الله بن حمّاد ، عن عبد الله الأصم ، عن عبد الله بن بكر الأرجاني، قال : صحبت أبا عبد الله الا الا فى طريق مكة من المدينة ، فنزلنا منزلاً يقال له : عسفان ، ثمّ مررنا بجبل أسود عن يسار الطريق وحش.

فقلت له : يا ابن رسول الله، ما أوحش هذا الجبل! ما رأيت في الطريق مثل هذا.

فقال لي: يا ابن بكر أتدري أي جبل هذا ؟ قلت : لا ، قال : هذا جبل يقال

له الكمد ... إلى أن يقول : وقاتل أمير المؤمنين، وقاتل فاطمة ، ومحسن ، وقاتل

الحسن والحسين علیهم السّلام ... إلى آخر الحديث (4) .

ص: 75


1- سيرة الأئمة الاثني عشر : 132/1
2- جلاء العيون: 193/1 و 194
3- كامل الزيارات -لابن قولويه - : 326 - 329؛ والاختصاص : 343؛ وفي هامش الاختصاص أشار إلى البحار 213/8 ، وإلى بصائر الدرجات
4- بحار الأنوار: 372/25 و 373؛ ومثله في الاختصاص - للشيخ المفيد - : 343 و 345، عن

وفي « تنقيح المقال » للشيخ المامقاني في ترجمة خالد بن الوليد (1) :

... وكفاك من شنيع ما فعل خالد هذا، أنّه ضرب فاطمة علیها السّلام ووكزها ...

وذكر السيد المقرّم في كتابه « وفاة الصدّيقة الزهراء » (2) :

إنّ فاطمة الزهراء علیها السّلام قالت لأبي بكر : جلست مجلس أبي ، وادّعيت مقامه ، ولو كانت فدك لك واستوهبتها منك لوجب عليك ردّها علي، فقال صدقت. ودعا بكتاب كتب فيه بإرجاع فدك إلى الزهراء علیها السّلام ، فخرجت من عنده والكتاب معها ، فصادفها عمر في الطريق، وعرف أنّها كانت عند أبي بكر، فسألها عن شأنها ، فأخبرته بكتابة أبي بكر بردّ فدك عليها ، وطلب الكتاب منها ، فامتنعت فرفسها برجله وأخذ الكتاب منها قهراً، وبصق فيه وخرقه، وقال: هذا فيء للمسلمين ، يشهد بذلك عائشة وحفصة وأوس بن الحدثان.

فقالت علیها السّلام : بقرت كتابي بقر الله بطنك، وجاء عمر إلى أبي بكر وقال : كتبت لفاطمة بميراثها من أبيها ، فمن أين تنفق وقد حاربتك العرب (3) .

ويلاحظ من هذه الرواية أنّ عمر إنّما مات ببقر بطنه ، بدعوة مستجابة من الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها ) .

وقال محمد بن الحسن الطوسي رحمة اللهُ في «تجريد الاعتقاد » (4) :

أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه والعبّاس بن معروف، عن عبد الله بن المغيرة ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن عبد الله بن بكر الأرجاني.

ص: 76


1- تنقيح المقال _للشيخ المامقاني : 394/1 .
2- وفاة الصديقة الزهراء علیها السّلام : 78؛ والبحار : 29 / 192
3- الملاحظات : 158
4- شرح تجريد الاعتقاد : 296؛ ونهج الحق: 271 و 272

ودفن في بيت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وقد نهى الله تعالى دخوله في حياته. وبعث إلى بيت أمير المؤمنين لمّا امتنع من البيعة فأضرم فيه النار وفيه فاطمة ، وجماعة من بني هاشم، وردّ عليه الحسنان علیها السّلام لما بويع ، وندم على کشفبيت فاطمة علیها السّلام .

وقال العلّامة الحلي شارح الكتاب المذكور :

أقول : هذه مطاعن أخر في أبي بكر ، وهو أنّه دفن في بيت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم وقد نهى الله تعالى عن الدخول بغير إذن النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم حال حياته ، فكيف بعد موته ؟!

وبعث إلى بيت أمير المؤمنين علیه السّلام لمّا امتنع من البيعة، فأضرم فيه النار وفيه فاطمة ، وجماعة من بني هاشم.

وأخرجوا علياً علیه السّلام ، كرهاً ، وكان معه الزبير في البيت، فكسروا سيفه، وأخرجوا من الدار من أخرجوا ، وضُربت فاطمة، وألقت جنيناً اسمه محسن .

ولمّا بويع أبو بكر صعد المنبر ، فجاء الحسن والحسين علیهما السّلام مع جماعة من بني هاشم وغيرهم فأنكروا عليه، وقال له الحسن والحسين علیهما السّلام : هذا مقام جدّنا، ولست له أهلاً .

ولما حضرته الوفاة قال : ليتني كنت تركت بيت فاطمة علیها السّلام فلم اكشفه ؛ وهذا يدل على خطئه في ذلك .

وذكر العلّامة الشيخ محمد تقي المجلسي رحمة اللهُ _ وهو والد الشيخ محمد باقر صاحب البحار _قال في شرحه (1) لكتاب « من لا يحضره الفقيه»: وشهادتها

ص: 77


1- روضة المتقين : 342/5

عليه السّلام كانت من ضربة عمر الباب على بطنها ، عندما أرادوا أمير المؤمنين لبيعة أبي بكر ... وضرب قنفذ غلام عمر السوط عليها بإذنه .

والحكاية مشهورة عند العامة والخاصة، وسقط بالضرب غلام كان اسمه محسناً (1)

وقال العلّامة الشيخ محمد باقر المجلسي :

في كتاب «مرآة العقول » (2) ، الذي شرح فيه أخبار أصول الكافي والروضة ، قال عند رواية أنّها علیها السّلام صدّيقة شهيدة : إنّه من المتواترات.

وكان سبب ذلك أنّهم لما غصبوا الخلافة، وبايعهم أكثر الناس بعثوا إلى أمير المؤمنين علیه السّلام ليحضر البيعة ، فأبى، فبعث عمر بنارٍ ليحرق على أهل البيت بيتهم ، وأرادوا الدخول عليه ،قهراً ، فمنعتهم فاطمة عند الباب، فضرب قنفذ _ غلام عمر _ الباب على بطن فاطمة علیها السّلام فكسر ،جنبها ، وأسقطت لذلك جنيناً كان سمّاه رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله محسناً ، فمرضت لذلك، وتوفيت من ذلك المرض (3) .

«الشافي» في مقام نقل كلام المخالف (4) :

وادّعوا برواية رووها عن جعفر بن محمد علیه السّلام وغيره : أنّ عمر ضرب فاطمة علیها السّلام بالسوط ، وضرب الزبير بالسيف، وذكروا أنّ عمر قصد منزلها، وعلي والزبير والمقداد وجماعة ممّن تخلّف عن بيعة أبي بكر مجتمعون هناك ،

ص: 78


1- شرح الخطبة : 283
2- مرآة العقول : 318/5
3- شرح الخطبة : 283
4- الشافي : 4 /110

فقال لها : ما أحد بعد أبيك أحبُّ إلينا منك، وأيم الله لئن اجتمع هؤلاء النفر عندك لنحرقنّ عليهم ، فمنعت القوم من الاجتماع ، ثم قال :الجواب عن ذلك أنّا لا نصدق ذلك ولا نجوّزه .

ثم ذكر السيد المرتضى في ص 113 ردّاً على المخالف :

أمّا قولك: «إنا لا نصدق ذلك ولا نجوّزه» فإنّك لم تسند إنكارك إلى حجة أو شبهة فنتكلم عليها ، والدفع لما يروى بغير حجة لا يلتفت إليه .

وقال شيخ الطائفة الطوسي في « تلخيص الشافي » (1) :

إذ تبيّن بالمتفق عليه من أخبارهم وأخبارنا : أنّ عمر همَّ بإحراق بيت فاطمة علیها السّلام ، بأمر من أبي بكر ، أو برضاه، وقد كان فيه أمير المؤمنين وفاطمة والحسنان ،وهدّدهم ، وآذاهم، مع أن رفعة شأنهم عند الله ، وعند رسوله صلّی اللهُ علیه وآله ممّا لا ينكره إلّا من خرج عن الإسلام.

وقد استفاض في رواياتنا، بل وفي رواياتهم أيضاً أنه روّع فاطمة عليها السّلام حتّى ألقت ما في بطنها .

وقد سبق في الروايات المتواترة، وسيأتي أن إيذاءها إيذاء للرسول علیها السّلام . وأذيا عليّاً ، وقد تواتر في روايات الفريقين قول النبي صلّی اللهُ علیه وآله: من أذى عليّاً فقد آذاني، وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُم عَذَاباً مُهِيناً ) (2) .

وهل يجوّز عاقل خلافة من كان هذا حاله ومآله (3)

ص: 79


1- تلخيص الشافي: 156/3
2- سورة الأحزاب: 57/33
3- بحار الأنوار: 408/28 - 410

بل ذكر شيخ الطائفة الطوسي في الكتاب المذكور الإجماع على ذلك قبل الشيعة ولا خلاف بينهم في ذلك .

واشتكى الجنين إلى جدة

ما الذي سيقوله هذا الجنين إلى جده ؟ هل يقول : إنني قتلت ؟ وهو العارف بما سيحدث له حيث أخبر عن ذلك ليلة عرج به إلى السماء كما حدّثنا بذلك الإمام الصادق علیه السّلام (1) ، أم يقول له : لقد فرّقوا بيني وبين أمّي بقتلي يا جداه يا رسول الله ؟ أم يقول له : إنّ أمى تكالبت عليها الآلام بإسقاطي وفقدك يا جداه ؟ أم يقول ذلك الجنين البريء : ما أرادوا لنا أن نعيش معهم في تلك الدّنيا الدنية فجئتك عاجلاً وأمى على الأثر ؟ أم يقول له : لقد تركت أبي وأمي في آلامهما ينادونك من بينهم تحوطهما الآلام والمحن وأنت في أعلى علّيين !!!

نعم سيشتكي الجنين إلى جدّه ، هكذا حدثنا أبوه المفجوع به فقال :

«فإنه لاحق بجده رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله فيشكو إليه» (2) .

وماذا سيقول الجدّ لسبطه ؟ أيقول له : لعن الله أمّة قتلتك وأفجعت أبويك بك؟ أم يقول : أشكو إلى ربّي من آذاني في ذريّتي وعترتي ؟ أم يعدِ الجنين الملطخ بالدماء أن يثأر له ولأبويه فى يوم الفصل بكلّ ما أعطاه الله من منازل القربى ؟ أم يقول له : إنّ أمّك المظلومة المقهورة المفجوعة هي التي تزجهم إلى النار زجّاً، وفي أول موقف من مواقف القيامة بين يدي الجبّار المنتقم ؟

ص: 80


1- كامل الزيارات لابن قولویه: 332
2- بحار الأنوار: 19/53 ، في حديث طويل

لو قيل لي : هذا يكفي. لقلت: لا، وألف لا . كيف !!! وإن أذى حبیبي محمد صلّی اللهُ علیه وآله لحظة واحدة لا يعدله عذابُ الثقلين إلى الأبد، فما بالك بعذاب هذه الحثالة التي يقصر اللسان والبيان عن التعبير بما تستحقه ؟

ولكنّ الله هو المنتقم الجبّار شديد العقاب، وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أيّ منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين محمد وآله الطيبي الطاهرين.

يوم الرحيل

دنت ساعة الرحيل، ودقت أجراس الخوف، وتسارعت نبضات القلوب ، وهاجت المشاعر ، فكان الذهول والوجل سمة من سمات الأحبّة ، هل

يبقى للعليلة النحيلة نفس بعد كلّ هذا ؟! وهل سيستمر ذلك القلب الكبير في نبضات حياة الدنيا ؟ وهل ستعاود اليد المرتعشة حنانها على فلذات كبدها ؟! وهل يمكن أن ينسى شيء من الفجائع التي جرت، والأهوال التي حدثت، والآلام التي هدّت ؟! هل يُنسى فقد الأب النبي العظيم صلّی اللهُ علیه وآله ؟! أم ينسى غصب الخلافة من البعل علیه السّلام، وجرّه بحبائل سيفه حتّى كادوا يقتلونه ؟! أم ينسى السقط القتيل المخضّب بالدماء المطبق تحت الثرى ؟! أم ينسى فزع أفلاذ الأكباد وقد رُعّبوا بالهجوم على الدار ؟!

أم دنت ساعة الرحيل ؟

تنقل لنا شاهدة عيان، عاشت الأحداث لا ببصرها فقط، بل تألّمت وحزنت وانتحبت وفاضت عيناها دموعاً منهمرة، وبقيت حزينة متألّمة مفجوعة طيلة حياتها، ولم تكن هذه مجرّد خادمة عند الزهراء علیها السّلام ، بل كانت

ص: 81

تلميذةً واعية ، وحبيبةً غالية، والكلّ يعرفها بولائها الصادق لأهل بيت النبوة ، ألا وهي (فضة).

فهل أنت على استعداد، أن تعيش إحساساً مع هذه الكلمات الحزينة ؟! وتتوهج شعوراً مع هذه الفجائع الجسيمة ؟! فإن كنت كذلك ، فهل لك صبر على المواصلة مع كلّ كلمة كلمة ؟!

لقد ابتدأ الخطاب يلوح عبر الأثير، فالأنين والنحيب سبقا تلك الكلمات المثيرة، فلا يفوتنّك حرف من حروف النور، واجعل قلبك يستقبل ذلك

الإرسال عبر الزمن ، ومن حيث يريد أن يبدأ :

صلّى أمير المؤمنين علیه السّلام صلاة الظهر ، وأقبل يريد المنزل، إذ استقبلته الجواري باكيات حزينات، فقال لهنَّ : ما الخبر ؟ ومالي أراكنَّ متغيرات الوجوه والصّور ؟ فقلن : يا أمير المؤمنين أدرك ابنة عمّك الزهراء لعلیها السّلام وما نظنّك تدركها .

فأقبل أمير المؤمنين علیه السّلام مسرعاً حتّى دخل عليها، وإذا بها ملقاة على فراشها وهو من قباطيِّ مصر ، وهي تقبض يميناً وتمدُّ شمالاً ، فألقى الرِّداء عن عاتقه، والعمامة عن رأسه ، وحلَّ أزراره، وأقبل حتّى أخذ رأسها وتركه في حجره وناداها يا زهراء! فلم تكلّمه.

فناداها يا بنت محمد المصطفى ! فلم تكلّمه.

فناداها يا بنت من حمل الزَّكاة في طرف ردائه وبذلها على الفقراء ! فلم تکلّمه .

فناداها : يا ابنة من صلّى بالملائكة في السماء مثنى مثنى ! فلم تكلّمه .

فناداها : يا فاطمة كلّميني فأنا ابن عمّك عليّ بن أبي طالب .

ص: 82

قال : ففتحت عينيها في وجهه ، ونظرت إليه وبكت ، وبكى وقال : ما الذي تجدينه فأنا ابن عمّك عليّ بن أبي طالب .

فقالت : يا ابن العمِّ ! إني أجد الموت الذي لابدَّ منه ولا محيص عنه، وأنا أعلم أنك بعدي لا تصبر على قلّة التزويج، فإن أنت تزوَّجت امرأة اجعل لها يوماً وليلة، واجعل لأولادي يوماً وليلة يا أبا الحسن، ولا تَصحْ في وجوههما، فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين، فإنّهما بالأمس فقدا جدَّهما ، واليوم يفقدان أمّهما ، فالويل لأمّة تقتلهما وتبغضهما.

ثمَّ أنشأت تقول:

ابكني إن بكيت يا خير هادي * واسبل الدَّمع فهو يوم الفراق

يا قرين البتول أوصيك بالنسل * فقد أصبحا حليف اشتياق

ابكني وابك لليتامى ولا تن * سَ قتيل العدى بطفِّ العراق

فارقوا فأصبحوا يتامى حيارى * يحلف بالله فهو يوم الفراق

قالت : فقال لها عليٌّ علیه السّلام: من أين لك يا بنت رسول الله هذا الخبر ،والوحي قد انقطع عنّا؟

فقالت : يا أبا الحسن رقدت الساعة، فرأيت حبيبي رسول الله صلّی اللهُ عليه وآله وسلّم في قصر من الدُّرِّ الأبيض، فلمّا رآني قال: هلمّي إليَّ يا بنيّة، فإنِّي إليك مشتاق ، فقلت : والله إني لاشدُّ شوقاً منك إلى لقائك ، فقال : أنت الليلة عندي وهو الصادق لِما وعد ، والموفي لما عاهد. فإذا أنت قرأتَ ( يس ) ، فاعلم أنّي قضيت نحبي، فغسلني ولا تكشف عنّي، فإني طاهرة مطهّرة، وليصلِّ عليَّ معك من أهلى الأدنى فالأدنى ومن رزق أجري، وادفني ليلاً في قبري ، بهذا أخبرني حبيبي رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله .

ص: 83

فقال عليٌّ : والله لقد أخذت في أمرها ، وغسّلتها في قميصها، ولم أكشفه عنها ، فو الله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهّرة ، ثمَّ حنّطتها من فضلة حنوط رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله ، وكفّنتها وأدرجتها في أكفانها ، فلمّا هممت أن أعقد الرِّداء ناديت يا أم كلثوم ! يا زينب! يا سكينة! يا فضّة! يا حسن! يا حسين! هلموّا تزوَّدوا من أمّكم ، فهذا الفراق واللقاء في الجنة.

فأقبل الحسن والحسين علیهما السّلام وهما يناديان : واحسرتا لا تنطفئ أبداً، من فقد جدِّنا محمد المصطفى ، وأمِّنا فاطمة الزهراء ، يا أم الحسن ، يا أمَّ الحسين ، إذا لقيت جدَّنا محمد المصطفى فاقرئيه منّا السلام، وقولي له : إنّا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدُّنيا .

فقال أمير المؤمنين عليُّ علیه السّلام : إني أشهد الله ، أنها قد حنَّت وأنّت ومدَّت يديها ، وضمِتهما إلى صدرها مليّا ، وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن ارفعهما عنها ، فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب.

قال فرفعتهما عن صدرها، وجعلت أعقد الرِّداء، وأنا أنشد بهذه الأبيات:

فراقك أعظم الأشياء عندي * وفقدك فاطم أدهى الثكول

سأبكي حسرة وأنوح شجواً * على خلّ مضى أسنى سبيل

ألا يا عين جودي واسعديني * فحزني دائم أبكى خليلي

ثمَّ حملها على يده، وأقبل بها إلى قبر أبيها، ونادى: السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا نور الله ، السلام عليك يا صفوة الله ، منّي السلام عليك، والتحيّة واصلة منّي إليك ولديك ، ومن ابنتك

ص: 84

النازلة عليك بفنائك، وإنَّ الوديعة قد استردَّت، والرهينة قد أخذت، فوا حزناه على الرسول ، ثمَّ من بعده على البتول، ولقد اسودَّت عليَّ الغبراء، وبعدت عنّي الخضراء، فواحزناه، ثمَّ وا أسفاه.

ثمَّ عدل بها على الرَّوضة ، فصلّى عليها في أهله وأصحابه ومواليه وأحبّائه ، وطائفة من المهاجرين والأنصار ، فلمّا واراها وألحدها في لحدها .

أنشأ بهذه الأبيات يقول:

أرى علل الدُّنيا علىَّ كثيرة * وصاحبها حتّى الممات عليل

لكلِّ اجتماع من خليلين فرقة * وإنَّ بقائي عندكم لقليل

وإنَّ افتقادي فاطماً بعد أحمد * دليل على أن لا يدوم خليل (1)

فقتلوا الأمّ ضرباً

هل حقّاً ماتت الأمّ المحزونة المكروبة متأثرة بضرب اللئام لها ؟! أم ماتت لإسقاط جنينها ؟! أم ماتت غُصّة من الذلّ الذي أصابها من ذلك؟! أم تكالبت عليها الآلام من كلّ ذلك، فاستلقت على فراشها وسلّمت لبارئها ؟!

هل يمكن أن يحدث كلّ هذا لبنت النبي الرؤوف الرحيم صلِّی اللهُ علیه وآله ؟! في حين أنه لم يمض على رحيله إلاّ أيام قليلة !! فلم يمض من الوقت ما يجعلهم ينسونه، أو ينسون أنّ هذه ابنته !! أم تناسوا كلّ خير عميم أسداه، وكلّ كلام رحيم أبقاه، وكلّ خلق عظيم أبداه ؟!

أظنك تعلم بالإجابة عن هذه التداعيات، بعد أن قرأت في فصول هذا

ص: 85


1- بحار الأنوار : 43 / 178 ح 15

الكتاب تلك الروايات، واستعرضت من الصفحات ما هو واضح الدلالات،وقلّبت من الورقات ما هو المليء حتّى بالاعترافات، وطللت من بين السطور على تلك الرزايا والطامّات .

ولتأكيد الأمر وزيادته وضوحاً، نورد إليك هذا القبس فنقول :

فعن سليم بن قيس الهلالي :

روی سلیم بن قيس، عن عبد الله بن العباس ، أنه حدّثه : أن النبي صلّی اللهُ علیه وآله قال لعلي ، بعد خطبة طويلة :

« إن قريشاً ستظاهر عليكم ، وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك، فإن وجدت أعواناً فجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً فكف يدك واحقن دمك، أما إن الشهادة من ورائك ، لعن الله قاتلك.

ثم أقبل صلّی اللهُ علیه وآله على ابنته علیها السّلام ، فقال : إنك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل الجنة، وسترين بعدي ظلماً وغيظاً، حتّى تُضربي ،ويكسر ضلع من أضلاعك ، لعن الله قاتلك ... » (1) .

وروى سليم بن قيس عن ابن عباس أيضاً ، قال :

« دخلت على علي اعلیه السّلام بذي قار ، فأخرج لي صحيفة ، وقال لي:

يا ابن عباس ، هذه صحيفة أملاها عليَّ رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم ، وخطي بيده (2) .

فقلت : يا أمير المؤمنين ، اقرأها علىَّ ... ( إلى أن قال ) :

فكان مما قرأه عليَّ : كيف يُصنع به، وكيف تستشهد فاطمة، وكيف

ص: 86


1- کتاب سليم بن قيس : 907/2
2- الظاهر أن الصواب: بيدي

يستشهد الحسن ... » (1) .

وفي كنز الفوائد:

عن أبي الحسن بن شاذان، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ،عن محمد بن الحسين بن الصفار، عن محمد بن زياد ، عن مفضل بن عمر ، عن يونس بن يعقوب ، عن الصادق عیه السّلام ، أنه قال في حديث طويل :

« يا يونس! قال جدي رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم : ملعون من يظلم بعدي فاطمة ابنتي ، ويغصبها حقها ويقتلها » (2) .

وفي كتاب الاختصاص:

روى الشيخ المفيد عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، والعباس بن معروف، عن عبد الله بن المغيرة ، قال : حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن عبد الله بن بكر الأرجاني قال:

صحبت أبا عبد الله علیه السّلام في طريق مكة من المدينة ... ثم ذكر حديثاً طويلاً عن الإمام علیه السّلام جاء فيه :

«... قاتل أمير المؤمنين علیه السّلام ، وقاتل فاطمة علیها السّلام ، وقاتل المحسن ، وقاتل الحسن والحسين ...» (3) .

وفى دلائل الإمامة:

عن أبي جعفر الباقر علیه السّلام قال في حديث :

ص: 87


1- کتاب سليم بن قيس: 915/2 ، والبحار : 73/28. والفضائل لابن شاذان: 141
2- كنز :الفوائد : 12/ 149 و 150 ، وروضات الجنات : 182/6
3- الاختصاص : 343 و 344 ، وبحار الأنوار : 373/25 ، وكامل الزيارات : 326 و 327

وحملتْ بالحسن، فلما رُزقته حملت بعد أربعين يوماً بالحسين ثم رزقت زينب، وأم كلثوم، وحملت بمحسن . فلما قبض رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم، وجرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها، وأُخرج ابن عمها أمير المؤمنين ، وما لحقها من الرجل ، أسقطت به ولداً تماماً. وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها صلوات الله عليها (1) .

قال الفاضل الخواجوئي المازندراني :

« ... ورد في طريقنا : أنها علیها السّلام كانت معصومة صديقة شهيدة رضية ...» (2) .

وذكر الشيخ المفيد فى كتاب المزار الفاطمة علیها السّلام تقول:

« السلام عليك يا رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم ، السلام على ابنتك الصديقة الطاهرة، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم ، يا سيدة نساء العالمين، أيتها البتول الشهيدة الطاهرة ... » (3) .

وقال الشيخ الطوسي ( قدس سره ) بعد نقله الزيارة المروية : «يا ممتحنة امتحنك الله ... » :

« هذه الرواية وجدتها مروية لفاطمة علیها السّلام ، وأما ما وجدت أصحابنا يذكرونه من القول عند زيارتها علیها السّلام ، فهو أن تقف على أحد الموضعين اللذين ذكرناهما، وتقول :

ص: 88


1- دلائل الإمامة : 26 و 27 ، والعوالم : 504/11
2- الرسائل الاعتقادية : 301
3- كتاب المزار للشيخ المفيد : 156 ، والمقنعة للشيخ المفيد أيضاً : 459. والبلد الأمين: 198 و 278 ، وبحار الأنوار: 197/97 و 198

السلام عليك يا بنت رسول الله ... السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة ... (1) .

وفي البحار نص آخر وهو :

«اللّهمّ صلّ على السيدة المفقودة ، والكريمة المحمودة، والشهيدة العالية» (2) .

وذكر الكفعمي في مصباحه:

«.... إن سبب وفاتها علیها السّلام هو أنها ضُربت وأسقطت » (3) .

وقال المجلسي الثاني :

« .. وفي رواية أخرى : صربها عمر بالسوط، فماتت حين ماتت وإن في عضدها مثل الدملج من ضربته ... ( إلى أن قال ) : لم تدعهم يذهبوا بعلي علیه السّلام حتّى عصروها وراء الباب، فألقت ما في بطنها مَنْ سَمَّاه رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله حتّى ماتت علیها السّلام مما أصابها » (4) .

وقال أيضاً في تعليقه على الخبر الصحيح المروي عن أبي الحسن علیه السّلام : إن فاطمة عليها السّلام صديقة شهيدة، ما لفظه :

«ثم إن هذا الخبر يدل على أن فاطمة ( صلوات الله عليها ) كانت شهيدة، وهو من المتواترات. وكان سبب ذلك : أنهم لما غصبوا الخلافة، وبايعهم أكثر

ص: 89


1- تهذيب الأحكام للطوسي : 10/6 ، وجامع أحاديث الشيعة : 12 / 264. وروضة المتقين: 3455 ، وملاذ الأخيار : 25/9 ، والوافي : 370/14 وص 371
2- بحار الأنوار : 220/99
3- مصباح الكفعمي : 522
4- جلاء العيون: 193/1 و 194

الناس بعثوا إلى أمير المؤمنين علیه السّلام ليحضر للبيعة ، فأبى . فبعث عمر بنار ليحرق على أهل البيت بيتهم . وأرادوا الدخول عليه قهراً ، فمنعتهم فاطمة عند الباب، فضرب قنفذ _ غلام عمر _ الباب على بطن فاطمة ، فكسر جنبها ، وأسقط لذلك جنيناً كان سماه رسول الله صلِّ اللهُ علیه وآله محسناً . فمرضت لذلك ، وتوفيت _ صلوات الله عليها _ في ذلك المرض ... » (1) .

وذكر صاحب كتاب ألقاب الرسول وعترته:

« أن من ألقاب فاطمة علیها السّلام الشهيدة» (2) .

وقال الحسيني في كتابه التتمة في تواريخ الأئمة:

« .. فجمع عمر بن الخطاب جماعة وأتى بهم إلى منزل علي علیه السّلام ، فوجدوا الباب مغلقاً ، فلم يجبهم أحد ، فاستدعى عمر بحطب وقال :

والله لئن لم تفتحوا لنحرقنّه بالنار . فلما سمعت فاطمة عليها السّلام ذلك خرجت وفتحت الباب ، فدفعه عمر فاختفت فاختفت هي من وراء الباب، فعصرها بالباب فكان ذلك سبب إسقاطها، ونقل أنه سبب موتها » (3) .

وقال أيضاً:

« سبب وفاتها هي من الضرب الذي أصابها، وأسقطت بعده «الجنين» (4) .

وفى كتاب مؤتمر علماء بغداد :

« .. فاطمة بيت النبوة . فاطمة قتلت بسبب عمر بن الخطاب ... » (5)

ص: 90


1- مرآة العقول : 318/5
2- كتاب ألقاب الرسول وعترته : 39
3- التتمة في تواريخ الأئمة : 35
4- نفس المصدر : 28
5- مؤتمر علماء بغداد : 137

وقال الكفعمي :

«إن سبب موتها علیها السّلام : أنها ضربت وأسقطت » (1) .

فألقوا في عنقه حبلاً، وحالت بينهم وبينه فاطمة علیها السّلام عند باب البيت ، فضربها قنفذ الملعون بالسوط، فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه الله (2) ...

وأيضاً سليم بن قيس في كتابه (3) :

وقد كان قنفذ لعنه الله ضرب فاطمة علیها السّلام بالسوط، حين حالت بینه وبین زوجها ، وأرسل إليه عمر : إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها ودفعها ، فكسر ضلعها من جنبها ، فألقت جنيناً من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت _ صلى الله عليها _ من ذلك شهيدة (4) .

وكذلك عن سليم بن قيس الهلالي (5) :

فقال العباس لعليّ (صلوات الله عليه ) : ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذاً كما أغرم جميع عماله ؟ فنظر عليّ الله إلى من حوله ، ثم اغرورقت عيناه ، ثم قال: شكر له ضربة ضربها فاطمة بالسوط، فماتت وفي عضدها أثر كأنه الدملج (6)

ص: 91


1- المصباح : 522
2- بحار الأنوار: 270/28 و 198/43
3- کتاب سليم بن قيس : 40
4- بحار الأنوار: 270/28 و 198/43
5- کتاب سليم بن قيس الهلالي : 67
6- ماذا تقضون ؟ : 765

عن أمالي الصدوق (1) :

عن الدقاق، عن الأسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي، عن ابن البطائني، عن أبيه ، عن ابن جبير ، عن ابن عباس في خبر طويل ، قال صلّی اللهُ علیه وآله فيه :

كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومنعت إرثها ، وكسر ،جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمداه فلا

تجاب، وتستغيث فلا تغاث ...

إلى أن يقول:

فيلحقها الله ،بی، فتكون أوَّل من يلحقني من أهل بيتي ، فتقدم عليَّ محزونة ، مكروبة ، مغمومة، مغصوبة، مقتولة ، فأقول عند ذلك : اللهمَّ العن من ظلمها ، وعاقب من غصبها، وذلّل من أذلّها، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتّى ألقت ولدها ، فتقول الملائكة عند ذلك : آمين (2) .

وذكر ابن طاووس في كتابه الإقبال (3) :

في زيارة الصدّيقة الزهراء علیها السّلام المرويّة عن أهل بيت العصمة علیهم السّلام : اللهمّ صلّ على محمد وأهل بيته، وصلّ على البتول الطاهرة، الصديقة المعصومة ، التقيّة النقيّة ، الرّضيّة المرضيّة ، الزكيّة الرشيدة ، المظلومة المقهورة،

ص: 92


1- الأمالي _ للشيخ الصدوق -: 99؛ وفرائد السمطين : 35/2؛ وإثبات الهداة : 1/ 280 و 281؛ وإرشاد القلوب : 295؛ وبحار الأنوار: 39/28 - 37 و 172/43 و 173؛ والعوالم : 321/11 و 392، وفي هامشه عن غاية المرام : 48؛ وعن المحتضر : 109؛ وجلاء العيون للمجلسي: 1881 _186؛ وبشارة المصطفى : 200 - 197؛ والفضائل لابن شاذان : 11 - 8.
2- بحار الأنوار : 173/43 ب 7 ح 13 ، ونقلها الجويني في فرائد السمطين : 36/2 .
3- الإقبال لابن طاووس : 625

المغصوبة حقّها ، الممنوعة إرثها، المكسورة ضلعها ، المظلوم بعلها، المقتول ولدها، فاطمة بنت رسولك ، وبضعة لحمه ، وصميم قلبه ، وفلذة كبده ، ... (1) .

روی ابن قولويه في كامل الزيارات (2) :

بإسناده إلى حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله علیه السّلام ّقال :

لمّا أسري بالنبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم ... ( إلى أن قال ): وأمّا ابنتك فتظلم وتحرم ،ويؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها ، وتضرب وهي حامل ، ويدخل على حريمها ومنزلها بغير إذن ، ثم يمسّها هوان وذل ثمّ لا تجد مانعاً، وتطرح ما في بطنها من الضرب، وتموت من ذلك الضرب (3) .

وروى ابن قولويه أيضاً في كامل الزيارات (4) :

في حديث عن الإمام الصادق علیه السّلام قال : وقاتل أمير المؤمنين و قاتل فاطمة ومحسن وقاتل الحسن والحسين علیهم السّلام (5) .

وروى الشيخ المفيد في الاختصاص (6) :

أبو محمد، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله علیه السّلام قال :

لمّا قبض رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم ... في حديث طويل... ( إلى أن يقول) :

ص: 93


1- ونقل هذه الزيارة في البحار : 100 في كتاب المزار : 199 ح 20 ، ومفاتيح الجنان : 318
2- كامل الزيارات لابن قولويه : 332؛ والبحار: 62/28 - 64 ، وراجع : 53 53 ص 23 وعوالم العلوم: 1/ 398؛ وجلاء العيون للمجلسي : 1 / 184 - 186
3- بحار الأنوار: 61/28 - 62 ح 24
4- كامل الزيارات - لابن قولويه - : 326 - 329
5- بحار الأنوار : 373/25
6- الاختصاص للشيخ المفيد : 183 ؛ والبحار : 29 / 192؛ ووفاة الصديقة الزهراء - للمقرم: 78

فرفسها برجله، وكانت حاملة بابن اسمه المحسن ، فأسقطت المحسن من بطنها ، ثمَّ لطمها ، فكأنّي أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت (1) ثمَّ أخذ الكتاب فخرقه، فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة ممّا ضربها عمر ،ثمَّ

قبضت ... إلى آخر الخبر .

وذكر العلّامة الشيخ محمد تقي المجلسي رحمة اللهُ :

( وهو والد الشيخ محمد باقر صاحب البحار ) قال في شرحه (2) لكتاب (من لا يحضره الفقيه )

وشهادتها ( صلوات الله عليها ) كانت من ضربة عمر الباب على بطنها ، عندما أرادوا أمير المؤمنين لبيعة أبي بكر ... وضرب قنفذ _ غلام عمر _السوط عليها بإذنه . والحكاية مشهورة عند العامة والخاصة، وسقط بالضرب غلام كان اسمه محسن (3) .

وقال العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ؛:

في كتاب مرآة العقول (4) ، الذي شرح فيه أخبار أصول الكافي والروضة ،قال عند رواية أنها علیها السّلام صديقة شهيدة : إنه من المتواترات .

وكان سبب ذلك أنهم لمّا غصبوا الخلافة، وبايعهم أكثر الناس ، بعثوا إلى أمير المؤمنين علیه السّلام ليحضر البيعة ، فأبى .

فبعث عمر بنارٍ ليحرق على أهل البيت بيتهم ، وأرادوا الدخول عليه

ص: 94


1- [ نقفت ] على بناء المجهول أي كسر من لطم عمر
2- روضة المتقين : 342/5
3- شرح الخطبة : 283
4- مرآة العقول : 318/5

قهراً ، فمنعتهم فاطمة عند الباب، فضرب قنفذ _ غلام عمر _ الباب على بطن فاطمة علیها السّلام فكسر جنبها ، وأسقطت لذلك جنيناً كان سمّاه رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم محسناً ، فمرضت لذلك، وتوفيت _ صلوات الله عليها _ من ذلك المرض (1) .

وروى الطبري في دلائل الإمامة (2) :

عن محمّد بن هارون بن موسى التلعكبري، عن أبيه ، عن محمّد بن همام ، عن أحمد البرقي، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله علیه السّلام قال :

قُبضت فاطمة علیها السّلام في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه ، سنة إحدى عشرة من الهجرة .

وكان سبب وفاتها أنَّ قنفذاً _ مولى عمر _ لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسناً، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً ، ولم تدع أحداً ممّن آذاها يدخل عليها .

وكان الرَّجلان من أصحاب النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم سألا أمير المؤمنين _ صلوات الله عليه _ أن يشفع لهما إليها ، فسألها أمير المؤمنين علیه السّلام ، فلمّا دخلا عليها قالا لها : كيف أنت يا بنت رسول الله ؟

قالت : بخير بحمد الله ، ثمَّ قالت لهما : ما سمعتما النبي يقول : فاطمة بضعة منيّ ، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ؟

قالا : بلی.

ص: 95


1- شرح الخطبة : 283
2- دلائل الإمامة : ص 45، وقد صححنا هذه الرواية في أواخر الكتاب فانتظر

قالت: فو الله لقد آذيتماني.

قال : فخرجا من عندها علیه السّلام وهي ساخطة عليهما.

قال محمّد بن همام : وروي أنّها قبضت لعشر بقين من جمادى الآخرة، وقد كمل عمرها _ يوم قُبضت _ ثمانية عشر سنة وخمساً وثمانين يوماً بعد وفاة أبيها ، فغسّلها أمير المؤمنين علیه السّلام ولم يحضرها غيره والحسن والحسين وزينب وأمُّ كلثوم وفضّة _ جاريتها _ وأسماء بنت عميس .

وأخرجها إلى البقيع في الليل، ومعه الحسن والحسين وصلى عليها، ولم يعلم بها ، ولا حضر وفاتها، ولا صلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم ، ودفنها بالرَّوضة ، وعمي موضع قبرها .

وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبراً جدداً، وإنَّ المسلمين لمِا علموا وفاتها جاؤوا إلى البقيع، فوجدوا فيه أربعين قبراً، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور، فضجَّ الناس ، ولام بعضهم بعضاً، وقالوا: لم يخلف نبيّكم فيكم إلّا بنتاً ،واحدة تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها، ولا تعرفوا قبرها.

ثمَّ قال ولاة الأمر منهم : هاتم من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور، حتى نجدها فنصلّي عليها، ونزور قبرها.

فبلغ ذلك أمير المؤمنين _ صلوات الله عليه _ فخرج مغضباً قد احمرَّت عيناه، ودرَّت أوداجه، وعليه قباه الأصفر الذي كان يلبسه في كلِّ كريهة، وهو متوکّأٌعلى سيفه ذي الفقار، حتّى ورد ،البقيع ، فسار إلى الناس النذير ، وقالوا: هذا عليُّ بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه، يقسم بالله لئن حوِّل من هذه القبور حجر ، ليضعنَّ السيف على غابر الآخر .

ص: 96

فتلقّاه عمر ومن معه من أصحابه وقال له: ما لك يا أبا الحسن، والله لننبشَّ قبرها ولنصلّينَّ عليها .

فضرب علىٌّ علیه السّلام بيده إلى جوامع ثوبه فهزَّه ثمَّ ضرب به الأرض، وقال له : يا ابن السوداء، أمّا حتّى فقد تركته مخافة أن يرتدّ الناس عن دينهم، وأمّا قبر فاطمة فو الذي نفس عليّ بيده لئن رمت وأصحابك شيئاً من ذلك لأسقينَّ الأرض من دمائكم ، فإن شئت فأعرض يا عمر.

فتلقّاه أبو بكر فقال : يا أبا الحسن بحقِّ رسول الله ، وبحقِّ من فوق العرش إلاّ خلّيت عنه ، فإنا غير فاعلين شيئاً تكرهه .

قال : فخلّى عنه وتفرّق الناس، ولم يعودوا إلى ذلك (1) .

وعلت الصيحة في يوم القيامة

قامت القيامة الصغرى في دولة النبي محمّد صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم وخرج الناس من الأجداث ، في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم، ترى الناس سکاری و ما هم بسکاری ، قد انخلعت القلوب من مقرّها لهول الموقف متعلّقة بكل بصيص أو واهمة أمل تعطيها الأمن من غضب الجبّار .

الأبصار شاخصة قد أذهلها عظيم العظمة ، حيارى لا تعلم ما يفعل بها ، أتؤخذ على هون تزفّ إلى الجنة حيث القصور والحور ؟ أم إلى النار حيث الويل والثبور والحرور ؟ إن كان الموت رحمة فاليوم مع عذاب الله أو نعيمه لا موت أبداً .

ص: 97


1- بحار الأنوار : 170/43 ح 11

خلق كثير يموج موجان البحر ، النظر إليه لوحده رعب قاتل ، أمر لا يمكن المنطيق أن يصفه ، ولا لمتبحر أن يدركه ترامت الأطراف فلا عين تبصرها ولا عقل يحويها ولا قلب يحتمل .

في ذلك الموقف الرّهيب، وعلى ذلك الحال _ والانتظار قاتل _ تبزغ شمس الحسين علیه السّلام مخضّباً بدمه هو وجميع من قتل معه، فإذا رآه رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم بكى وبكى أهل السماوات والأرض لبكائه .

وهنا تصرخ فاطمة علیها السّلام فتزلزل الأرض ومن عليها، إلى أن يأتي الجنين الحبيب تحمله جدّتاه خديجة بنت خوليد وفاطمة بنت أسد _ وهنّ صارخات _ أمّا أمّه سيدة النساء وهي سيدة المحشر آنذاك فتتلو بعض آيات الله :

نعم ... هكذا حدّثنا المفضل عن مولانا الإمام الصادق _ صلوات الله وسلامه عليه - فقال :

يقوم الحسين علیه السّلام مخضّباً بدمه هو وجميع من قتل معه ، فإذا رآه رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله بكي، وبكى أهل السماوات والأرض لبكائه، وتصرخ فاطمة علیها السّلام فتزلزل الأرض ومن عليها، ويقف أمير المؤمنين والحسن علیها السّ؟لام عن يمينه ، وفاطمة عن شماله .

ويقبل الحسين علیه السّلام فيضمّه رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم إلى صدره، ويقول: يا حسين ! فديتك ، قرَّت عيناك وعيناي فيك، وعن يمين الحسين حمزة أسد الله في أرضه، وعن شماله جعفر بن أبي طالب الطيّار، ويأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين علیه السّلام _ وهنَّ صارخات _وأمه فاطمة تقول : (هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) (1) اليوم ( تجد كلّ

ص: 98


1- سورة الأنبياء: (21): 10

نفس ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً ) (1) .

قال : فبكى الصادق علیه السّلام حتّى اخضلّت لحيته بالدموع ، ثمّ قال : لا قرَّت عين لا تبكي عند هذا الذكر ، قال : وبكى المفضّل بكاء طويلاً، ثمَّ قال : يا مولاي ما في الدموع يا مولاي ؟ فقال : ما لا يحصى إذا كان من مُحِقِّ .

ثمّ قال المفضل : يا مولاي ما تقول في قوله تعالى ( وإذا الموؤدة سئلت بأيّ ذنب قتلت ) (2)قال : يا مفضّل والموؤدة _ والله _ محسن (3) .

هذا ... وما عن المنادي الذي ينادي من بطنان العرش ؟ ومِن مَن ؟ إنّه من قبل ربّ العزة والأفق الأعلى. هل حقاً كل هذا يحدث ؟! نعم ... فاستمع معي جاعلاً مشاهد القيامة نصب عينيك بكلّ ما تملك من أحاسيس ومشاعر وخشية من الله .

روى القمي في تفسيره (4) :

بإسناده عن الإمام جعفر الصادق علیه السّلام، من حديث طويل ، قال فيه :

ثمّ ينادي منادٍ من بطنان العرش ، من قبل ربّ العزّة، والأفق الأعلى : نعم الأب أبوك يا محمد وهو إبراهيم، ونعم الأخ أخوك وهو علي بن أبي طالب ،

ص: 99


1- سورة آل عمران : (3): 30
2- سورة التكوير : 8/81
3- بحار الأنوار : 23/53؛ والعوالم / 441/11 - 443؛ والهداية الكبرى - للخصيبي - : 392 و 407 و 417 ، وعن حلية الأبرار : 652/2، وراجع فاطمة بهجة قلب المصطفى : 532/2 ، عن نوائب الدهور - للسيد المير جهاني -: 192
4- تفسير القمي : 116، في سورة آل عمران: 185/3؛ وبحار الأنوار : 6/12 و 7؛ ونور الثقلين: 3481؛ والبرهان في تفسير القرآن : 328/1 و 329

ونعم السبطان سبطاك وهما الحسن والحسين، ونعم الجنين جنينك وهو محسن ، ونعم الأئمة الراشدون ذرّيتك (1) .

بعد هذا نريد أن نعرف كيف سيتمّ حكم الله العدل ؟ ومتى ؟ أعجباً أن تبدأ الحكومة لجنين؟

نعم، إنه جنين محمّد وعلي وفاطمة ( صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) ، الذي أُفجعوا به وتبعهم في تلك الرزية والمصيبة شيعتهم حزناً وتألّماً وبكاءً ، وإذا لم يقدِّم الله الحكم لحبيبه وأعزّ خلقه، فلمن يا ترى يكون التقديم ؟ !

لا أطيل عليك فالوقت قد حان ،ونبرات النبي العظيم قد ظهر فوح

عبيرها، فلنستمع إليه جميعاً وهو يقول (2) :

وأوّل من يحكم فيه محسن بن علي علیه السّلام في قاتله ، ثم في قنفذ ، فيؤتيان هو وصاحبه فيضربان بسياط من نار ، لو وقع سوط منها على البحار لغَلَتْ من مشرقها إلى مغربها ، ولو وضعت على جِبال الدنيا لذابت حتّى تصير رماداً (3) .

وتمّت مشاهد القيامة ، وكأنّي بالجنين يرفرف في جنان الخلد ، بين جدّه وأبيه وأمه وإخوته وجميع الأنبياء والمرسلين، بل يشرف بنوره البهي مشرقاً بنور جدّه على مساكن المؤمنين الّذين ناصروه ولو بدمعة ، وواسوه ولو بحسرة، أمّا الذين أنّوا الأنين ، وتقطعت قلوبهم ألماً وهم يدافعون عنه ، فإن لهم منه الأمر العظيم.

ص: 100


1- بحار الأنوار: 130/23 ح 63 ، و 328/7 ح 3.
2- رواه ابن قولويه في كامل الزيارات : 332
3- بحار الأنوار : 28/ 64 ح 24

المحسن علیه السّلام فى شعر أحبّته

اشارة

الشعر كلمات إحساس، ونبضات شعور مرهف، وإن بعض الشعر له أثره البالغ في نشر الفكر الصادق، وكم من أبيات من الشعر كان لها الأثر الأكبر من كثير النثر ، فنجد النفوس غالباً ما تتفاعل مع الشعر أكثر من غيره.

فإذا ذاب الشعر فى الولاء والمحبّة لأهل البيت علیهم السّلام ، وتوهج بنيران الشوق إلى محمّد وآله علیهم السّلام، فلا شك أنّه يحمل عذوبةً خاصّة من ناحية، ويفيض دمع العاشقين من ناحية أخرى، فيحرّك في نفوسهم ما لا يحرّكه النثر من الكلام.

فللشعر أثره البارز في تجلّي الولاء والمحبّة لأهل بيت العصمة والطهارة علیهم السّلام ، ولذا برز دور الشعر في إحياء أمر أهل البيت علیهم السّلام ، وبيان فضلهم ومآثرهم ، وأيضاً مسرّاتهم وأحزانهم في مواليدهم ووفاياتهم، فأثرى ذلك الشعر الشعور الشيعي الملتهب ولاء لأهل بيت النبوة (صلوات الله وسلامه عليهم).

ورحم الله الشيخ الأميني (1) ، الذي عرض هذا المعنى بأسلوبه الرائع، فتعال معي نستمع إليه وهو يتحدّث عن شيء من شعر الولاء الطاهر الصادق، فيقول :

« أنت تجد تأثير الشعر الرائق في نفسيّتك فوق أي دعاية وتبليغ، فأي أحد يتلو ميميّة الفرزدق فلا يكاد أن يطير شوقاً إلى الممدوح وحبّاً له ؟ أو ينشد هاشميات الكميت فلا يمتلئ حجاجاً للحق ؟ أو يترنّم بعينيّة الحميري فلا يعلم

ص: 101


1- الغدير : 2/2

أنّ الحق يدور على الممدوح بها ؟ أو تلقى عليه تائيّة دعبل فلا يستاء لاضطهاد أهل الحق ؟ أو تصك سمعه ميميّة الأمير أبي فراس فلا تقف شعرات جلدته؟ ثم لا يجد كلّ عضو منه يخاطب القوم بقوله :

يا باعة الخمر كُفّوا عن مفاخركم * لِعصبةٍ بيعهم يوم الحياج دمُ

وكم وكم لهذه من أشباه ونظائر فى شعراء أكابر الشيعة ».

فحثّ أهل البيت علیهم السّلام على الشعر، وشجّعوا الشعراء، ما دام هذا يخدم الحق ويظهره، ويهدم الباطل ،ويدحره فكان بعض ما قالوا في ذلك :

من قال فينا بيتَ شِعر بنى الله له بيتاً في الجنّة .

ما قال فينا قائل بيتَ شِعر حتّى يؤيّد بروح القدس.

وعلّموا أولادكم بشعر العبدي.

وغير ذلك .

بل قالوا الشعر واستشهدوا به سوى النبي صلّی اللهُ علیه وآله الظرف خاصّ به يتعلّق بالقرآن الكريم، وهذه الناحية لا تنطبق عليهم كما يعرف ذلك من سيرتهم، حتّى جمع ديوان من شعر أمير المؤمنين علیه السّلام .

والذي يهمّنا في هذا الكتاب ، هو أننا نورد بعض الشعر الذي يتعلّق بموضوعنا ، ونهدف إلى أن الشاعر في مثل هذه القضايا التاريخيّة يُعدّ راوياً

وناقلاً للحدث التاريخي بمعناه أو باللفظ القريب من روايته .

ولتأكيد الأمر رجعنا إلى الغدير (1) لِنرتوي منه مرّةً أخرى، فألفيناه قائلاً: «إنّ كُلاً من أولئك الشعراء الفطاحل ( وأكثرهم من العلماء معدودٌ من

ص: 102


1- الغدير : 1/2

رواة هذا الحديث، فإنّ نظمهم إيّاه في شعرهم القصصي ليس من الصور الخيالية الفارغة _ كما هو المطّرد في كثير من المعاني الشعريّة - ولدى سواد عظيم من الشعراء ، ألم ترهم في كلّ وادٍ يهيمون ؟

لكن هؤلاء نظموا قصَّةً لها خارج ، وأفرغوا ما فيها من كِلم منثورة أو معانٍ مقصودة، من غير أيّ تدخُل للخيال فيه، فجاء قولهم كأحد الأحاديث المأثورة، فتكون تلكم القوافي المنضَّدة في عقودها الذهبية من جملة المؤكّدات لتواتر الحديث».

وبعد ... لقد حان الوقت بأن نورد لك بعض الشعر فيما يتعلّق بموضوعنا وليس على نحو الحصر والتتبّع ، وإنّما لأجل التمثيل والتأكيد لما قلناه ، فنقول :

السيد الحميري

(1)

توفي ببغداد سنة 173 وقيل : 178 وقيل : 179 وهو من أصحاب الإمام الصادق علیه السّلام ، يكفيه فخراً ثناء وترحم الإمام عليه.

إن جبريل أتى ليلاً إلى * طاهر من بعد ما كان هجع

بحنوط طيب من جَنَّة * في صرار حل منه فسطع

فدعا أحمد من كان به * واثقاً عند معضات الجزع

أوثق الناس معا في نفسه * عند مکروه إذا الخطب وقع

قسم الصرة أثلاثاً فلم * يأل عن تسوية القسم الشرع

ص: 103


1- أعيان الشيعة : 425/3، وترجمته في 405

قال جزء لي وجزء لابنتي * ولك الثالث فاقبضها جمع

فإذا مت فحنطني بها * ثم حنطها بهذا لا تدع

إنها أسرع أهلي ميتة * ولحاقاً بي فلا تكثر جزع

مضى واتبعته والها * بعد غيظ جرعته ووجع (1)

وقال :

وفاطم قد أوصت بأن لا يصليا * عليها وأن لا يدنوا من رجا القبر

علياً ومقداداً وأن يخرجوا بها * رويداً بليل في سكون وفي ستر (2)

وقال أيضاً:

ضربت واهتضمت من حقها * وأذيقت بعده طعم السلع

قطع الله يدي ضاربها * ويد الراضي بذاك المتبع

لا عفى الله له عنه ولا * كفَّ عنه هول يوم المطلع (3)

أبو محمّد عبد الله بن عمار البرقي

(4)

قتل سنة 245 ھ حيث وشي به إلى المتوكل العباسي وقرأت له قصيدته

ص: 104


1- روي البيتان الأخيران في مناقب ابن شهر آشوب : 362/3 هكذا : إنها أسرع أهل بيته * ولحاقاً بي فلا تفشي الجزع فمضى واتبعته والها *بعد غيض جرعته ووجع والغيض هو السقط الذي لم يتم خلقه راجع القاموس المحيط باب غاض : 499/2
2- أعيان الشيعة : 422/3
3- الصراط المستقيم : 13/3
4- ترجمته في أدب الطف : 283/3

النونية الشهيرة في أهل البيت علیهم السّلام، والتي يقول فيها :

فهو الذي امتحن الله القلوب به * عمَّا يجمْجمْن من كفر وإيمان

وهو الذي قد قضى الله العلي له أن * لا يكون له في فضله ثاني

فقال :

وكلّلا النار من بيت ومن حطب * والمضرمان لمن فيه يسبان

وليس في البيت إلا كل طاهرة من النساء وصديق وسبطان

فلم أقل غَدَرا بل قلت قد كَفَرا * والكفر أيسر من تحريق ولدان

وكل ما كان من جور ومن فتن * ففي رقابهما في النار طوقان (1)

وقال أيضاً:

فلم یوار رسول الله في جدثٍ * حتّى تعصب فرعون لهامان

واستخرجا فدكاً منها وقد علما * بأنها حقها حقاً بتبيان (2)

القاضي أبو حنيفة نعمان بن محمّد التميمي

توفي سنة 363 ھ اعتنق المذهب الحق بعد أن كان مالكياً، وله أرجوزة بلغت ألفين وثلاثمئة وخمسة وسبعين بيتاً ، ومنها (3) :

حتّى أتوا باب البتول فاطمة * وهي لهم قالية مصارمه

ص: 105


1- الصراط المستقيم : 13/3
2- نفس المصدر
3- الأرجوزة المختارة للقاضي النعمان بتحقيق وتعليق إسماعيل قربان حسين بونا والا ، معهد الدراسات الإسلامية جامعة مجيل - مونتريال كندا 1970 ، الطبعة الأولى

فوقفت عن دونه تعذلهم * فكسر الباب لهم أولهم

فاقتحموا حجابها فعولت * فضربوها بينهم فأسقطت

فسمع القول بذاك فابتدر * إليهم الزبير قالوا فعثر

فبدر السيف إليهم فكسر * وأطبقوا على الزبير فأسر

فخرج الوصي في باقيهم * إذ لم يروا دفاعهم ينجيهم

فاكتنفوهم ومضوا في ضيق * حتّى أتوا بهم إلى عتيق

أكرم بآسادٍ وليث غاب * سارت بهم نوابح الكلاب

إلى ابن أوس بل إلى خنزير * أعزز عليّ ذاك من مسیر

يا حسرةً من ذاك في فؤداي * كالنار يذكي حرها اعتقادي

وقتلهم فاطمة الزهراء * أضرم حرّ النار في أحشائي

لأن في المشهور عند الناس * بأنها ماتت من النفاس

وأمرت أن يدفنوها ليلا * وأن يعمّى قبرها لكي لا

يحضرها سوى ابن عمها *ورهطه ثم مضت بغمها

صلى عليها ربها من ماضيه * وهي على الأمة غير راضيه

بايعوا كرهاً له تقية * والله قد رخّص للبرية

لأنه الرؤوف بالعباد * في الكفر للكره بلا اعتقاد

وقد أتى فيما روى عن شيعته * بأنه عاتبهم في ي بيعته

ص: 106

القاضي محمّد بن عبد الرحمن أبي قُريعة

(1)

توفي سنة 367 ھ. وكان فاضلاً أديباً ظريفاً شاعراً مختصاً بالوزير المهلبي ، ولما دخل الصاحب بن عبّاد بغداد اجتمع به فأعجبه .

من يسائل دائباً * عن کل معظلة سخیفه

لا تكشفن مغطى * فلربما كشفت جيفه

ولرب مستور بدا * كالطبل من تحت القطيفه

لولا اعتداء رغیّة * ألقی سیاستها الخلیقه

وسیوف أعداء بها * هاماتنا ألداً نقیفه

لنشرت من أسرار آل * محمّد جملاً طریفه

تغنيكم عمّا رواه * مالک وأبو حنیفه

وأريتكم أن الحسين * أصیب في یوم السقیفه

ولأیّ حال لحدت * باللیل فاطمة الشریفه

ولما حمت شیخیکم * عن وطئ حجرتها المنیقه

آه لبنت محم * ماتت بغصتها أسیفه

السيد المرتضى علم الهدى

(2)

المتوفي سنة 436 ، مفخرة العصور، ومعجزة الدهور نواحي فضله

ص: 107


1- بحار الأنوار: 190/43؛ وكشف الغمة : 127/2؛ وترجمته في الأعيان : 380/9.
2- ترجمته في أدب الطف : 266/2

زاخرة بالعظمة، فهو إمام الفقه، ومؤسس أصوله، وأستاذ الكلام، ونابغة الشعر ..

قال (1) :

برئت إلى الرحمن ممن لفاطمة * على فدك بالسوط قنّعها قسرا

فماتت وآثار السياط بجنبها * ونحلتها غصباً ومقلتها عبرا

وغسلها الهادي الوصي وضمها * إلى قبرها ليلاً وأودعها سرا

فلما أضاء الصبح جاؤوا لدفنها * فما وجدوا الزهراء ولا عرفوا القبرا

فلما أرادوا نبشها فار مغضباً * وسلّ الحسام العضب واعتقل السمرا

فصاح عليهم مغضباً يا آل غالب * فأقسم بالرحمن أجزركم جزرا

فما نطقوا في نبشها قط كلمة * ولا شهروا سیفاً ولا برحوا شبرا

علي بن المقرب الأحسائي

(2)

ولد في عام 572 ھ. وتوفي في سنة 629 ھ. قال عنه الحرّ العاملي في

ص: 108


1- أسرار الشهادة : ص 541
2- أدب الطف : 4 / 31؛ وترجمته في ص : 36

أمل الآمل : الأمير الكبير علي بن مقرب عالم فاضل جليل القدر، وشاعر أديب ،له ديوان شعر كبير حسن .

أم للبتولِ فاطمٍ إذ مُنعت * عن إرثها الحقّ بأمرٍ مُجمع

وقولُ مَن قال لها : يا هذه* لقد طلبتِ باطلاً فارتدعي

أبوك قد قال بأعلى صوته * مصرّحاً في مجمع فمجمع:

نحن جميعُ الأنبياء لا نرى * أبناءنا لإرثنا من موضع

وما تركناه يكون مغنماً * فارضيْ بما قال أبوك واسمعي

قالت : فهاتوا نحلتي من والدي * خيرِ الأنام الشافع المشفّع

:قالوا فهل عندك من بيّنةٍ * نسمع معناها جميعاً ونعي

فقالت : ابنايَ وبعلي حيدر * أبوهما أبصر به وأسمِع

فأبطلوا إشهادهم ولم يكن * نصُّ الكتاب عندهم بمقنع

ولم تزل مهضومة مظلومة * بردِّ دعواها ورضّ الأضلع

وأُلحدتْ في ليلها لغيضها * عليهمُ سرّاً بأخفى موضع

أبو الحسن علاء الدّين الشيخ علي الشفهيني

(1)

عالم فاضل، وأديب كامل، ومن المعاصرين للشهيد الأول المقتول سنة 786 ھ. وشرح له قصيدة شرحاً مفصلاً دقيقاً مطلعها :

يا عين ما سفحت غروب دماك * إلا بما ألهمتُ حبَّ دُماك

ص: 109


1- أدب الطف : 4 / 183؛ وترجمته في ص : 146

وأجمعوا الأمر فيما بينهم وغوت * لهم أمانيهم والجهل والأملُ

أن يحرقوا منزل الزهراء فاطمة * فیا له حادث مستصعب جللُ

بیت به خمسةٌ جبریل سادسهم * من غير ما سبب بالنار يُشتعلُ

وأخرج المرتضى من عقر منزله * بين الأراذل محتفُّ بهم وكلُ

يا للرجال لدين قلَّ ناصره * ودولة ملكت أملاكها السّفلُ

أضحى أجير ابن جدعان له خلفا * برتبة الوحى مقرون ومتصّلُ

الشيخ مغامس

(1)

توفي حوالي سنة 850 ھ. وهو شاعر طويل النفس، بديع النظم حلو الانسجام. وجمع الشيخ محمّد السماوي من شعره ديواناً يربو على 1350 بيتاً عدى الذي عاثت به أيدي الشتات.

أما النبي فخانه من قومه * في أقربيه محاكم وصحيب

من بعد ما ردوا عليه وصاله * حتى كأن مقاله مكذوب

ونسوا رعاية أحمد في حيدر* في (خم) وهو وزيره المصحوب

فأقام فيهم برهة حتّى قضى * في الفرض وهو بغضبهم مغضوب

والطهر فاطمة زوى ميراثها * شر الأنام ودمعها مسكوب

من بعد ما رمت الجنين بضربة * فقضت وحقها مغصوب

ص: 110


1- المنتخب - للطريحي - : 293/2؛ وبعض أبيات هذه القصيدة في أدب الطف: 299/4 ، والترجمة في 296

وسليلها الهادي سقته جعيدة * سمّاً له سبط الفؤاد لهيب

وجرى من الجفن الغريق بمائه * دمع على قتل الحسين صبیب

یا یومه ما كان أقبح منظراً * وأمرّ طعماً إنه لعصيب

بأبي الإمام المستظام بكربلا * يدعو وليس لما يقول مجيب

بأبي الوحيد وما له من راحم * يشكو الظما والماء منه قريب

بأبي الحبيب إلى النبي محمد * ومحمّد عند الإله حبيب

يا كربلاء أفيك يقتل جهرة * سبط المطهر إن ذا لعجيب

الحر العاملي

(1)

توفي سنة 1104 ھ. من كبار المجتهدين، والأعلام الخالدين ما تركه من آثاره العلمية يدل على عظمته العلمية والأدبية، وإليك بعضها: «الجواهر السنية في الأحاديث القدسية » ، و «الصحيفة السجادية الثانية » ، « وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة» وهو أشهر كتبه _ بل أشهر كتب الحديث عند الشيعة _ أودع فيه أخبار الأحكام الشرعية. وغير ذلك من الآثار.

قال من أرجوزة له :....

أولاده الخمس الحسين والحسن * وزینب من أم كلثوم أسن

وأسقطت بمحسن يوم عمر *وفتحه الباب كما قد اشتهر

ونالها بعد النبي إذ مضى * وانقاد طوعاً راضياً عن القضا

ص: 111


1- ترجمته في أدب الطب : 5: 163

لذاك ما يوجع كل قلب * ويستهان منه کل خطب

حزن وذل واضطهاد ظالم * و وحشة لاحت على العالم

إذ مُنعت مما أبوها قد ترك * وزادها غصب العوالي وفدك

وقيل : إن ابن أبي قحافه * لما أتته ترتجي إنصافه

ثم أقامت الشهود كتبَ * لها كتاباً شافياً وما أبى

ثم رآها في طريقها عمر * فأخذ الكتاب منها وبقر

قالت بقرتها ، الإله يبقر *بطنك فاستهون ذاك عمر

فانظر إلى دعائها المجاب * ما دونه الله من حجاب

وفاتها في صبيحة الاثنين *ثالث شهر جاءها بالبين

وهو جمادى الثان من بعد عشر * سنين من هجرة سيد البشر

سببه قيل حضور الأجل (1) *وقيل من ضربة ذاك الرجل

إذ أسقطت لوقتها جنينها * ولم تزل تبدي له أنينها

وقيل في حادي وعشرين رجب *توفیت نجيبة المنتجب

ودفنها ليلاً له أسباب * وليس في ثبوته ارتیاب (2)

الشيخ حسن بن محمّد الدمستاني

(3)

توفي سنة 1181 ھ. قال في حقه صاحب الأعيان : كان عالماً فاضلاً فقيهاً محدثاً رجالياً محققاً مدققاً ماهراً فى علمى الحديث والرجال أديباً شاعراً، له مصنفات ومؤلفات عدة منها : «انتخاب الجيد من تنبيهات السيد» وهو منتخب

ص: 112


1- يشير إلى قول بعض العامة
2- تراجم أعلام النساء للعلامة الشيخ محمّد حسين الأعلمي الحائري : 313/2 وما بعدها
3- ترجمته في أعيان الشيعة : 260/5؛ وأدب الطف: 5/ 295

كتاب « تنبيه الأريب في إيضاح رجال التهذيب» للسيد هاشم البحراني، ومنها : منظومة في نفي الجبر والتفويض ومنظومة في أصول الدين. ورسالة في التوحيد، وغير ذلك .

قال في رثاء السيدة الزهراء علیها السّلام (1) :

دعي عدي لم تدع من دعامة * لدين الهدى إلّا هدمتِ أساسها

ولا سنة أشاد النبي بناءها * لأمته إلا أردتِ اندراسها

ترصَّدتِ تبغي الخلافة فرصة * فراقبتها حتّى أجدتِ اختلاسها

شمتِّ بموت المصطفى وشتمته * وعاطيتِ أرباب الشماتة كاسها

وبضعته أسقطتِ ضغناً جنينها * بضغط كما بالسوط قنَّعتِ راسها

وغادرتِها ولضاء مطوية الحشا * على زفرات لا تطيق احتباسها

وأبعدتِها عن إرثها وأشعتِ في * دعايا عدي لينها وغراسها

تغشَّاهم اللعن الإلهي كلما * نفى مدمع العين السجوم نعاسها

الشيخ محمّد مهدي الفتوني

(2)

توفي في سنة 1190 ھ. من العلماء الّذين لهم القدح المعلى في العلم، والنصيب الوافر من الأدب، وقد حاز الفضيلتين وعرف بالمزيتين العلم

والشعر.

ص: 113


1- وفاة فاطمة الزهراء للشيخ علي الشيخ حسين البلادي البحراني : 27 ، المكتبة الحيدرية النجف 1965
2- أدب الطف: 329/5 ، وترجمته في ص 331

هذا عليٌّ نفوا عنه خلافته * وأنكر النص فيه منك منكره

قادوه نحو فلان كي يبايعه * بالكره منه وأيدي الجور تقهره

من أجل ذاك قضى بالسيف مضطهداً * شبیره وقضى بالسم شبّره

كأنّه لم يكن صنو النبي ولم* يکن من الرجس باريه يطهره

وتلك فاطمة لم يرع حرمتها * من دق ضلعاً لها بالباب يكسره

وذا حسينك مقتولاً بلا سبب* مبضع الجسم داميه معفره

الشيخ عبد الله العوى الخطي

(1)

توفي سنة 1201 ، كان من نوابغ العلم ومن رجال الصلاح والتقى، أسندت إليه سائر المهمات الشرعية، فكان أحد أعلام زمانه.

قال (2) :

عجباً لنفس هلَّ شهر محرم * وتذكرت أرزاءه لم تحرم

فلتنزعنْ ثوب المسرة والهنا * ولتلبسنّ ثوب السواد وتندم

تباً لها ما عذرها إذ أخبرت * بمصائب السادات آل الأكرم

ص: 114


1- ترجمته في شعراء القطيف قديماً وحديثاً للشيخ علي المرهون ، مطبعة النجف 1385
2- نفس المصدر : 43

قوم هداة للأنام وقادة * والدين لولا هديهم لم يعلم

قوم لهم من أصل كل منباً * سرّ به نال النبوة فاعلم

هم فلك نوح في النجاة وآدم * هم فلك موسى والمسيح ومريم

هم فلك كل خليقة وإليهم * أعطى الإله ولاية المستعصم

جمعوا الفضائل والفوائد كلها * فإليهم سلِّم أمورك تسلم

تعساً لقوم ما وفوا لمحمّد * من آله القربي بعهد أقدم

غالوا الوصى وللزكية أسقطوا * وقضى الزكي بسقيّ سم مؤلم

غدروا الحسين بما جرى من حقدهم * ونفاقهم بابن النبي

لله يوم سار فيه لكربلا *و علیه ترمى حادثات الأسهم

آية الله السيد مهدي بحر العلوم

(1)

توفي رحمة اللهُ سنة 1212 ھ. رئيس الإمامية وشيخ مشايخهم في عصره ،

ص: 115


1- ترجمته في أدب الطف : 48/6؛ وأعيان الشيعة : 151/1

والملقب ببحر العلوم عن جدارة واستحقاق، لم تسمح بمثله الأيام، له من الكرامات والمكاشفات الكثيرة.

وشهرته بالزهد والتقوى والإخلاص والعبادة لا تحتاج إلى بيان .

وله مصنفات جليلة نفيسة وكثيرة، فمنها: «المصابيح في العبادات والمعاملات» ، «الدرة النجفية » ، « تحفة الكرام في تاريخ مكة والبيت الحرام »، «الفوائد الرجالية » المسمى برجال السيد بحر العلوم، إلى غير ذلك من الرسائل والنوادر .

قال رضوان الله عليه من جملة قصيدة له ردّاً على مروان بن أبي حفصة وقد ذم علياً (1) :

علي أبونا كان كالطهر جدنا * له ماله إلّا النبوة من فضل

وزوّجه المختار بضعته وما * لها غيره فى الناس من كفو عدل

ولو لا علي ما استجابت لخاطب * ولا كانتْ الزهرا تزفُّ إلى بعل

فأعظم بزوجين الإله ارتضاهما * جليلين جلّا عن شبيه وعن مثل

إلى قوله :

ما ضرَّ شأن المرتضى ظلمهم له * ولا فلتة منهم وشورى ذوي خذل

و لاضرَّه جهل ابن قيس وقد هوى * ودلاء ابن العاص في المدحض الزل

وقد بان عجز الأشعري وضعفه * وما كان بالمرضي والحكم العدل

ص: 116


1- فاطمة الزهراء علیها السّلام بهجة قلب المصطفى : 503؛ وتحفة العالم - للسيد جعفر بحر العلوم -: 1/247

نهاهم عن التحكيم والحكم بالهوى * فلم ينتهوا حتّى رأوا آية الجهل

أيعزل منصوب الإله بعزلهم * إذاً فلهم عزل النبيين والرسل

وما شأن شأن المجتبى سبط أحمد * مصالحة الباغي الغوي على ذحل

فقد صالح المختار من صالح ابنه * وصدّ عن البيت الحرام إلى الحل

وقد قال في السبطين قولاً جهلتم * معانيه لكن قد وعاه ذوو الفضل :

إمامان إن قاما وإن قعدا فما * يضرهما خذلان من همّ بالخذل

لئن كنتم أنكرتم حسن ما أتى * به الحسن الاخلاف والخيم والعقل

لفي مثلها ذمّ الذميم محمداً * على صلحه كفّار مكة من قبل

ولولاهم ما كان شورى ونعثل * ولا جهل والقاسطون ذوو الدخل

ولا كان مخضوباً على بضربة * الأشقى الأنام الكافر الفاجر الوغل

ولا سيئت الزهرا ولا ابتز حقها * ولا دفنت سراً ولا مقتل الطفل

الحاج هاشم الكعبي

(1)

توفي في سنة 1231 ھ. قال عنه الشيخ آغا بُزرك الطهراني : الحاج هاشم بن حردان بن إسماعيل الكعبي الدورقي من العلماء الفضلاء، والشّعراء المشاهير .

تالله ما سيف شمر نال منك ولا * يدا سنان وإن جلّ الذي ارتكبوا

ص: 117


1- أدب الطف: 221/6 ، وترجمته في ص 218؛ والقصيدة موجودة في رياض المدح والرثاء: 342

ولا الأولى أغضبوا رب العُلى وأبوا * نص الولاء وحق المرتضى غصبوا

أصابك النَّفَرُ الماضي بما ابتدعوا * وما المسبب لو لم ينجح السبب

ولا تزال خيول الحقد كامنةً * حتّى إذا أبصروها فرصة وثبوا

كفٌّ بها أمّك الزهراء قد ضربوا *هي التي أختك الحورا بها سلبوا

وإن نار وغیً صاليت جمرتها * كانت لها كف ذاك البغي تحتطب

فليبك يومك من يبكيه یوم غدوا * الطهر قوداً وبنت المصطفى ضربوا

تالله ما كربلا لو لا السقيفة والأ * حياء تدري ولو لا النار ما الحطب

أحمد بن زين الدين الإحسائي

(1)

توفي سنة 1241 ھ. وكان من العلماء المشهورين وله أتباع إلى هذا اليوم، وقد ترك 140 كتاباً ورسالة فى مختلف العلوم الإسلامية، وأجوبة بلغت 550 تقريباً.

قال في إحدى قصائده (2)

نفحاتٍ من روائمي نجد * برديّ وجدي برديّ وجدي

وانفخي في الروح ما ينعشني * وانفخي بالروح جدي جدي

واعهدي ريَّ عهادٍ هطلت * بلَّ لبي وأراني عهدي

ص: 118


1- ترجمته في أدب الطف : 267/6
2- عن الديوان المخطوط للشاعر الموجود في مكتبة الحرم الرضوي تحت رقم 14294 ، والتي أوقفها السيد محمد باقر السبزواري في محرم 1405

وأخبري أهل اللوى ما فعلوا * والحمى والمنحني من بعدي

قطنوا في ربعهم أم ظعنوا * فعسى يهدي إليهم نجدي

ليت شعري إذ مضوا هل علموا * أنهم دون البرايا قصدي

فارقوني لا لتقصيرهم * بل لذنبي وقصور الجد

رجعَ الله ليلاتي بهم * وأراني قربهم في بعدي

ولهم عندي بأرضٍ وطئوا * وضع خدي وهو فخر عندي

صاحِ ما حالةُ من فارقهم * ورُمي من دهره بالضد

زمنٌ أسلمُ ما أعرِفُه *ُ أنه بي منطوٍ بالحقد

وله كل صباح وَ مسا * دائراتٌ بأهيل المجد

عترة المختار قد فرَّقهم * کلُّ نجدٍ بينهُ أو وهد

فمضى في فرضه حيدرةٌ * بحسامٍ للمرادي مُردي

وأهينت فاطم بل ضربت * قضت مغصوبة للرِفد

واستقلوا لأذاها حِنَقَاً * ثم زادوها بقتل الولد

الحاج جواد بذقت (بذكت )

(1)

توفي سنة 1281 ھ. وكان فاضلاً أديباً، مشهوراً بالمحبة لأهل البيت علیهم السّلام، وله ملحمة كبيرة يمتدح بها أمير المؤمنين علیه السّلام، وله ديوان أيضاً.

ص: 119


1- أدب الطف: 151/7 ، وترجمته في ص 146. والبعض نسب هذه القصيدة للشيخ صالح الكواز الأتي ذكره

برقيِّ منبره رقي في كربلا * صدر وضرج بالدماء جبين

لولا سقوط جنين فاطمة لما * أودي لها في كربلاء جنين

وبكسر ذاك الضلع رضت أضلع * في طيها سر الإله مصون

وكذا علي قوده بنجاده * فله علي بالوثاق قرين

وكما لفاطم رنّة من خلفه * لبناتها خلف العليل رنين

وبزجرها بسياط قنفذ وشحت * بالطف من زجر لهن متون

وبقطعهم تلك الأراكة دونها * قُطعت يد في كربلا ووتين

لكنما حمل الرؤوس على القنا * أدهى وإن سبقت به صفين

كلٌّ كتاب الله لكن صامت * هذا وهذا ناطق ومبين

الشيخ عبد الحسين شكر

(1)

توفي سنة 1285 ھ. ورثى أهل البيت علیهم السّلام بقصائد كثيرة تزيد عن الخمسين منها روضة مرتبة على الحروف . وشعره يرويه رجال المنبر الحسيني في المحافل الحسينية.

ويحق للرسل الكرام عويلها * من بعده فاليوم مات إمامها

اليوم مات المصطفى ووصيه * اليوم صغر للبتول مقامها

اليوم بالنيران أضرم بابها * فذكت بقارعة الطفوف خيامها

اليوم أسقط محسن فلذا غدت * أطفالها جرع السهام فطامها

ص: 120


1- رياض المدح والرثاء : 227 والترجمة في أدب الطف : 185/7

اليوم دقت بالجدار فهشمت * بالطف من مهج النبي عظامها

اليوم قادوا المرتضى بنجاده * واستأمنت بطش الحليم لثامها

فلذا سرى زين العباد مقيداً * يبكيه من عجف النياق بغامها

اليوم أبرزت الضغون فأبرزت * بعد الخدور حواسراً أيتامها

وحليفة الأرزاء زينب بينها * قد شبَّ في طي الضلوع ضرامها

تنعى أعزتها بأية عولة * أدمى نواظر هاشم إلمامها

السيد مهدي داود الحلي

(1)

توفي سنة 1289 ھ. كان من النسك والورع والتقى على جانب عظيم، هاجر إلى النجف فحضر في الدروس الفقهية حوزة العلّامة الشهير صاحب الجواهر محمد حسن بن الشيخ باقر رحمة اللهُ .

له مصنفات في الأدب واللغة والتاريخ ، منها : مصباح الأدب الزاهر مختارات شعرية ، ديوان شعره.

قال في رثائه للإمام الحسين علیه السّلام (2) :

خطب دها الإسلام كان فظيعاً * من أجله بكت السماء نجيعا

آهاً له من حادث ذهب الأسى * فيه غداة مضى الحسين صريعا

ص: 121


1- ترجمته في أعيان الشيعة : 148/10؛ وأدب الطف : 201/7
2- الدر النضيد في مراثي السبط الشهيد - للسيد محسن الأمين : 209 مطبعة الإتقان - دمشق : 1365 ھ. 1946م

ثم یقول :

الله هذا ابن النبي لعظمه * جبریل هزَّ المهد فيه رضيعا

يقضي بضاحية الهجير بكربلا * ظامٍ ومطوي الحشاشة جوعا

إلى أن يقول:

فتعج أملاك السماء لموته * اليوم مات الأنبياء جميعا

اليوم حق محمّد في آله * مابین ناكثة العهود أضيعا

اليوم قد قتلوا النبي وغادروا الإس * لام يبكي تاكلاً مفجوعا

اليوم منه أمية في كربلا * كالت له في صاع بدر صاعا

اليوم دحرجت الدباب وأظهرت * بالطف كامن خطبهن شنيعا

اليوم من هي عن أسامة خلفت * قادت إلى حرب الحسين جموعا

اليوم من إسقاط فاطم محسناً * سقط الحسين عن الجواد صريعا

الشيخ صالح الكواز

(1)

توفي سنة 1290 ھ. وكان على جانب عظيم من الفضل والتضلع في علمي التاريخ والأدب، وكان صاحب نسك وورع وتقى وصلاح .

الواثبين لظلم آل محمدٍ * ومحمدٌ ملقىً بلا تكفينِ

ص: 122


1- أدب الطف: 231/7 ، وترجمته في ص 214 ، وبعضهم نسب هذه القصيدة لل-س-ي-د م-ح-م-د جمال الهاشمي الآتي وهو اشتباه، والقصيدة أيضاً في المجالس السنية : 143/2 ، وفي ديوانه ص 48

والقائلين لفاطم آذيتنا * في طول نوحٍ دائمٍ وحنينِ

والقاطعين أراكة كي لا تقيلُ * بظلً أوراقٍ لها وغصونِ

ومُجمعي حطبٍ على البيت الذي * لم يجتمعْ لولاهُ شملُ الدينِ

والداخلين على البتولة بيتها * والمسقطينَ لها أعزَّ جنينِ

والقائدين إمامهمْ بنجاده * والطهرُ تدعو خلفهمْ برنينِ

خلّوا ابن عمي أو لأكشف للدعا * رأسي وأشكو للإله شجوني

ما كان ناقة صالحٍ وفصيلها * بالفضلِ عند الله ، إلا دوني

ورنت إلى القبر الشريف بمقلةٍ * عبری وقلبٍ مکمدٍ محزونِ

نادت وأظفار المصابِ بقلبها * أبتاهُ عزَّ على العداة معيني

أبتاه هذا السامريُّ وعجلُهُ * تُبعا ومالَ الناسُ عن هارونِ

أىَّ الرزايا أتقى بتجلدٍ * هو في النوائبِ مذ حييتُ قرينى

فقدي أبي أم غصبَ بعلي حقه * أم كسرَ ضلعي أم سقوطَ جنيني

أم أخذهم إرثي وفاضلَ نحلتي * أم جهلهم حقي وقدْ عرفوني

قهروا يتيميك الحسينَ وصنوَهُ * وسألتُهم حقي وقدْ نهروني

السيد حيدر الحلّى

(1)

توفي سنة 1304 ھ. قال عنه السيد الأمين في الأعيان: كان لغوياً عارفاً

بالعربية، شهماً أديباً ، وقوراً تقيّاً ، عليه سمات العلماء الأبرار ، كثير العبادة

ص: 123


1- أدب الطف : 26/8 ، وترجمته في ص 8

والنوافل.

لم تبقِ أسيافهم منكم على ابن تقىً * فكيف تبقي عليهم لا أباً لهمُ

فلا وصفحك إنّ القوم ما صفحوا * ولا وحلمك إن القومَ ما حلموا

فحمل أمك قدماً أسقطوا حنقاً * وطفل جدك في سهم الردى فطموا

لا صبر أو تضع الهيجاء ما حملت * بطلقةٍ معها ماءُ المخاض دمُ

هذا المحرّم قد وافتكَ صارخة * مما استحلوا به أيامه الحرم

السيد صالح القزويني النجفي

(1)

توفي سنة 1306 ھ. وكان من أعلام العلماء والشعراء، ودرس العلوم الدينية على جماعة من العلماء أكبرهم وأعمقهم أثراً في نفسه أستاذه محمّد حسن صاحب الجواهر .

ورُزئتَ بالطهر البتول وما انقضى * رُزء الرسول ولم تجف الأدمع

هجموا على بنت الرسول وروّعوا * قلب البتول وأي قلب روّعوا

تدعوا فيغضي المسلمون كأنها * لم تدعهم وكأنهم لم يسمعوا

أتباح حرمتها ويسقط حملها * ما بينهم وتُرضٌ منها الأضلعُ ؟

لهفي لها غضبى تموت وما لها * متوجع منهم ولا متفجّعُ

ودفنتها سرّاً كما أوصت وقد * متوجع منهم ولا متفجّعُ

ومنعتهم عن نبش مرقدها وهم * هجموا لكيلا يحضروا ويشيعوا

ومنعتهم عن نبش مرقدها وهم * لولاك عما حاولوا لم يرجعوا

ص: 124


1- المجالس السنية : 333/2؛ والترجمة في أدب الطف : 65/8

الشيخ عبد الله القاري التقي الإحسائي

(1)

توفي سنة 1312 ھ. ترجم له صاحب أنوار البدرين في شعراء الإحساء فقال : هو من أدبائها الكاملين الخيرين الشيخ عبد الله بن علي الإحسائي رحمه اللهُ كان من الأخيار الأتقياء الأبرار ومن شعراء أهل البيت الأطهار علیهم السّلام ، له ديوان شعر في مجلدين أو أكثر، وله قصيدة هائية جارى بها ملحمة الملاكاظم الأزري تبلغ ثلاثة آلاف بيت .

من ملحمته الموسومة بنهج الأزرية قال :

(2)

وزوى نحلة البتول وعن إر * ثِ أبيها النبيِّ قد أقصاها

وعلى بابها أدارَ حريق الن * ار وفي عُصبة بها أغراها

إلى أن يقول:

أيَّ نارِ أورى عليها دلام * حَسبُه أنّه غداً يصلاها

تلك نار من وقدها مالك النا * ر على أهلها به أوراها *

لست أنسى البتول حين أتته * ومن الرَّوع قد أُريع حجاها (3)

تبتغي رأفةَ فلم تَرَ إلّا * منه ضرباً به وَهَت جنباها

منه ألقت جنينها وهو لمَّا * يرعوي عن فظيعة قد نحاها

وجرى ما جرى بحيدرة من * مفظعاتٍ لم أستطع إملاها

يا لقومي لحادث أورث الإس * لام تُلمةً لا يلتقي طرفاها

ص: 125


1- ترجمته في أدب الطف: 83/8
2- فاطمة الزهراء في ديوان الشعر العربي : 115
3- في نسخة : حشاها

الشيخ جابر الكاظمي

(1)

توفي سنة 1312 ھ. ولد بالكاظمية سنة 1222 ھ. ونشأ بها، وتولع بدراسة الأدب ولازم مجالس الشعراء ومساجلتهم، وهو من فطاحل الأدباء ، ملأ الأسماع بشعره متضلع في الكلام والتفسير والحديث والتاريخ مع ورع وتعفف

وتقوى ونسك .

قال في تخميسه لقصيدة الشيخ كاظم الأزري التي يقول في مطلعها :

تركوا عهد أحمد في أخيه * وأذاقوا البتول ما أشجاها

هي العروة التي ليس ينجو * غير مستعصم بحبل ولاها

قال رَحمة اللهُ :

ليس أولى بالأمر إلا وليٌّ * للبرايا والنص فيه جليٌّ

كنزُ فضلٍ من كل علمٍ مليّ * إي وحقّ الإسلام لو لا عليٌّ

ماقضاها فتى ولا أفتاها

ثم يقول:

هو بعد النبيّ أوَّلُ فِعلٍ * فاض من مصدر الجلال بنُبلٍ

فَلَك مُشرقٌ بنيّر عقلٍ * تتجلى به مُنيراتُ فضلٍ

كالدّراري سيّارةُ في سماها

ص: 126


1- ترجمته في أدب الطف : 86/8

في آل الهدى قد اقتسموهُ * وعليهم شيخُ الخَنا قدّموهُ

فوحقّ الحقّ الذي حُرموهُ * لم یذقوا الهدی ولو طعموهُ

عرفوا للنبي قدراً وجاها

إلى أن يقول:

بايعوا كلَّ ذي ضلالٍ سفيهِ * وتخطّوا من الرشاد لتيهِ

أشقياء والابن مثل أبيه * نقضوا عهدَ أحمد في أخيه

وأذاقوا البتول ما أشجاها

منهم أغضب البتولة علجُ * إذ أتته تراثها منه ترجو

فأبى الرّجسُ إذ رآها تعجُّ * وهي العُروةُ التي ليس ينجو

غير مستعصم بحبلِ ولاها

أرسل الله سيد الرُّسل طُرّاً * بالهدى والشيطان يُعبدُ جهراً

ومُذ الحقّ شقّ للبعث فجراً * لم يَر الله للرسالة أجراً

غير حفظ الوداد في قرباها

لم تزل بعد أحمد الطّهر عبرى * بعمومٍ من ذلك الرّجس تترى

ويلُ عِلجٍ بها استخفَّ وأدرى * لست أدري إذ رُوّعت وهي حسرى

عائدَ القوم بعلها وأباها

ص: 127

مُذ أُضيمت من بعده أيَّ ضيمِ * لم يزل حزنه لديها كغيمِ

جُرّعت من سمامِ سام وآيمِ * يوم جاءت إلى عديٍّ وتيمِ

ومن الوجد ما أطال بُكاها

قد أغاظوا لسيّد الرسل صنوا * حين رضّوا من فاطم الطُّهر عضوا

ولَكَم بنت المهيمن شكوى * فدعت واشتكت إلى الله شجوا

والرواسي تهتزُّ من شكواها

الشيخ أحمد آل طعان

(1)

توفي سنة 1315 ، قال عنه في الأعيان : كان عالماً علّامة فقيهاً أصولياً متبحراً في الحديث والرجال، من علماء آل محمّد علماً ونسكاً وعبادة جليل القدر كثير التصنيف رأس القطيف والبحرين، وهو عالم القطيف والمرجع للدنيا والدين بتلك البلاد.

قال من قصيدة له في رثاء السيدة الزهراء عليها السّلام وإسقاط محسنها علیه السّلام (2) :

فانهض إمام العصر قد عظم البلا * وعظيم بعدك قلبنا قد أمرضا

ص: 128


1- ترجمته في أدب الطف : 126/8؛ وأنوار البدرين : 252؛ وأعيان الشيعة
2- أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والإحساء والبحرين للشيخ علي البلادي البحراني

وتلافنا قبل التلاف وثرْ على * أهل الخلاف بمثل ما منهم مضى

ذبحوا الحسين على ظما رفعوا الكريم * على قنا والصدر منه رضضا

ذبحوا الرّضيع وللحرائر قد سبوا *سبّوكم فعلوا الذي لا يرتضى

قادوا الإمام أبا الأئمة صاغراً * وجنين فاطم أمكم قد أجهضا

يا سيدي ضاق الخناق متى أرى * لجياد خيلك في دماهم مركضا

وقال من قصيدة له في رثاء آل البيت (1) :

يا حبذا عترة بدءُ الوجود بهم * وهكذا بهم يُنهى ويُختتم

من مثلهم ورسول الله فاتحهم * وسبطه العقد والمهدي ختمهم

فمن تولى سواهم إنهم ندموا * إذ في الممات على ما قدموا قدِموا

وهل عدي عدتها كل منجية * تعد من خلفاء الله ويحكم ؟

أمسقط البضعة الزهراء وغاصبها * يدعى خليف أبيها بتسما حكموا ؟

ص: 129


1- وفاة الإمام الرضا الله للشيخ أحمد آل طعان القديحي القطيفي، المطبعة الحيدرية النجف

السيد جعفر كمال الدين الحلّي

(1)

توفي سنة 1315 ھ. شاعر مفوّه أديب ، يتصل نسبه بيحيى بن الحسين بن زيد الشهيد بن علي بن الحسين علیهم السّلام . ولد في يوم النصف من شعبان المعظم سنة 1277 ھ .

إنْ تحتقر قدر العدى فلربما *قد قارف الذنب الجليل حقير

أو إنهم صغروا بجنبك همة * فالقوم جرمهم عليك كبير

غصبوا الخلافة من أبيك وأعلنوا * أن النبوة سحرها مأثور

والبضعة الزهراء أمك قد قضت * قرحى الفؤاد وضلعها مكسور

وأبوا على الحسن الزكي بأن يرى * مثواه حيث محمد مقبور

واسأل بيوم الطف سيفك إنه * قد كلم الأبطال فهو خبير

الشيخ محمّد الملا

(2)

توفى سنة 1322 ھ . أديب كبير ، وخطيب مفوّه، طرق كافّة النواحي بمحاضراته ومجالساته ، وحصل على شهرة واسعة في الأوساط الأدبية.

حتّى إذا صادف الهادي منيّته * ونحو أكرم دار مسرعاً ذهبا

صدّت بنو قيلة عن نهجه حسداً * والكل منهم لغصب الآل قد وثبا

ص: 130


1- أدب الطف: 112/8؛ وترجمته في ص 101؛ والأبيات موجودة أيضاً في رياض المدح والرثاء : 158
2- أدب الطف : 180/8 ، وترجمته في ص 175

أضحتْ تقود علياً وهو سيدها * كرهاً لبيعة من غير الضلال أبي

ماذا الذي استسهلوا مما جنوه على * مَن بالمناقب ساد العجم والعربا ؟

إسقاطهم لجنين الطهر فاطمة * أم وضعهم حول باب المنزل الحطبا ؟

ام ضرب رأس علي بالحسام ومن * دمائه شیبه قد راح مختضبا ؟

أم شربة السم إذ دسّت إلى حسن * منها ومن شربها كأس الردى شربا ؟

قد جلّ رزء الزكي المجتبى حسن * لكن رزء حسينٍ قد سما رُتبا ؟

السيد باقر الهندي

(1)

توفي سنة 1329 ھ . أديب فاضل شاعر رقيق ولد في النجف عام 1332 ھ . من بيت علم لهم في العلم والأدب قدم راسخة.

خالفوا كلّما بهِ جاء طهَ * وهو إذ ذاك ليس بالمقبورِ

عدلوا عن أبي الهداة الميا * مين إلى بيعة الأثيم الكفوِرِ

قدموا الرجسَ بالولاية للأمرِ * على أهل آية التطهيرِ

ص: 131


1- رياض المدح والرثاء: 197؛ وترجمته في أدب الطف : 223/8

لست تدريْ لِم أحرقوا البابَ * بالنار أرادوا إطفاءَ ذاك النورِ

لست تدريْ ما صدرُ فاطمَ ما ال * مسمار ما حال ضلعها المكسورِ

ما سقوطُ الجنين ما حُمرةُ العينِ * ما بالُ قرطِها المنثور

دخلوا الدارَ وهي حسرى بمرأىً * من عليّ ذاك الأبيِّ الغيورِ

واستداروا بغياً على أسدِ الله * فأضحى يُقادُ قودَ البعيرِ

والبتولُ الزهراءُ في إثرهمْ * تعثرُ في ذيلِ بردها المجرورِ

بأنينٍ أورى القلوبَ ضراماً * وحنينٍ أذابَ صمّ الصخورِ

ودعتهمُ خلّوا ابنَ عمي عليّاً * أو لأشكو إلى السميع البصيرِ

ما رعوها بل روّعوها ومروا * بعليٍّ ملبياً كالأسيرِ

بعض هذا يريك ممن تولى * بارز الكفر ليس بالمستور

كيف حق البتول ضاع عناداً * مثل ما ضاع قبرها في القبور

السيد عيسى الكاظمي

(1)

توفي سنة 1330 ھ. قال عنه المحقق أغا بزرك الطهراني :.... عالم كامل

وأديب جليل من رجال أسرته الأفاضل، وأعلام المعرفة الأماثل، قرأ على

علماء عصره وبدع في الأدب ولاسيما الشعر ترك آثاراً علمية جليلة ، منها :

«شرح مقدمات الحدائق » ، كتاب «المحصل » ، كتاب «الوافي » ، كتاب «العدة

في الرجال».

ص: 132


1- ترجمته في ( نقباء البشر في القرن الرابع عشر ) : 1637/4

قال في مرثيته الفاطمية :

خطبٌ له أمسيتُ أصفقُ راحتي * وذو المعالي منه تقرعُ نابها

عطفت على القبر الشريف برنّة * تشكو إليه من اللثام مصابها

والله ما أدري لأيّ مصيبة * تشكو فقد هدّ القوى ما نابها

ألِعصرها بالباب حتّى أسقطت ؟! * أم حرقها يا للبرية بابها ؟!

أم لطمها حتّى تناثر قِرطها ؟! * وبه تقصّد عينها فأصابها

أم ضربها حتّى تكسّر ضلعها ؟! * ضرباً يروم به الزنيم ايابها

أم غصبهم من بعد ذلك نحلة ؟! * أم أنّهم خرقوا لذاك كتابها

أم قودهم لإمامهم بنجاده ؟! * كيما يبايع جهرةً أذنابها

والطهرُ تهتفُ خلفهم في رنةٍ * ملأت من البيد القفار رحابها

ماعندهم لنبيهم فيها إذا * ماقد تولّا في المعاد حسابها

يوم به الزهراء تحمل محسناً * سقطاً فتذهل للورى ألبابها

الشيخ حسن علي بن بدر الخطي

(1)

توفي سنة 1334 ھ . وولد بالنجف الأشرف ودرس عند والده فقد كان من مشاهير عصره علماً وفقهاً، ثم رجع إلى القطيف وتتلمذ على يد أعلامها، ثم عاد إلى النجف وهو ذلك المجتهد الكبير .

ألم تر آل الله كيف تراكمت * عليهم صروف الدهر أيّ تراكم ؟

ص: 133


1- رياض المدح والرثاء : 336؛ والترجمة في أدب الطف: 286/8

أما شرقت بنت النبي بريقها * وجرعها الأعداء طعم العلاقم؟

أما عصرت بين الجدار وبابها * أما نبت المسمار في ثدي فاطم؟

أما أسقطوها لا رعى الله قومها * جنين حشاها محسنا يالهاشم؟

أما روعت بالسوط قنع رأسها * ووشح متنیها به شر غاشم؟

أما نابت الكرار منها نوائب * نوائب لكن عن سموم الأراقم ؟

أما قيدوه في حمائل سيفه * لأخبث ضليل واخبث ظالم؟

أما أوقفوه لا رعى الله قومه * على رأس عجل القوم وقفة آثم ؟

الشيخ جواد الحلي

(1)

توفي سنة 1334 ھ . درس في النجف الأشرف فحظي بقسط وافر من الفضل والأدب، وكان ناظماً مكثراً جمع ديوان شعره في حياته .

ما آمنت بالله لمحة ناظر * مذ خالفته وحالفت أوثانها

تركت ذوي القربى تكابد منهم * من بعد فرض مودة شنئآنها

غصبوا البتول تراثها من بعدما * أبدت لتقطع عذرهم برهانها

لقیت خطوباً منهم لو بعضها * تلقى الرواسي لم تطق لقيانها

لطماً وإسقاطاً وضرباً مدمياً * كسر الضلوع وهضمها حرمانها

وغدت تشكي الظلم منهم بضعة * الهادي ولكن لم تجد أعوانها

لابل في ماء الحيا من قينة * قبر فمنهم شاهدت خذلانها

ص: 134


1- رياض المدح والرثاء : 495؛ والترجمة في أدب الطف: 279/8

بعداً لهم نقضوا الدمام وضيعوا * عهد النبي وحاولوا هجرانها

وتحكمت تلك الذباب بباسل * في يوم منه تيقنت إمكانها

حتّى قضى فرعون أمة أحمد * فأقام فيهم بعده هامانها

السيد محمّد القزويني

(1)

سنة 1335 ھ . وقد نال رتبة الاجتهاد بشهادة المجتهدين وزعماء الدين ، وكان موسوعة علم وأدب، فإذا تحدّث فحديثه كمحاضرة وافية تجمع

الفقه والتفسير والأدب واللغة والنقد والتاريخ.

قال عليّ نحن والأحبابُ * أشياعنا الّذين قدماً طابوا

فزنا بما نلنا ورب الكعبة * فلیشکرن کل فرد ربه

يا عجباً يستأذن الأمين * عليهم ويهجم الخؤون

قال سلیم : قلت یا سلمان ، *هل دخلوا ولم يك استئذان؟

قال : إي وعزّة الجبار * ليس على الزهراء من خمار

لکنّها لاذت وراء الباب * رعاية للستر والحجاب

فمذ رأوها عصروها عصرة * كادت بروحي أن تموت حسرة

تصيح يا فضّة اسنديني * فقد وربّي قتلوا جنيني

فأسقطت بنت الهدى _ وا حزنا _ * جنينها ذاك المسمى محسنا

ص: 135


1- أدب الطف: 296/8 ، وترجمته في ص 290؛ والقصيدة مذكور كاملة في رياض المدح والرثاء : 3

الشيخ محمود سبتي

(1)

توفي سنة 1336 ھ . قال عنه صاحب أدب الطف: الشاب النابغ محمود ابن الخطيب الشهير الشيخ كاظم سبتي ، ولد بالنجف الأشرف سنة 1311... كان ذكياً فطناً حسن الخلق.

قال في تخميسه لقصيدة الشيخ الكواز (2) :

كم في سويدا قلبها من غلةٍ * و بجسمها نشبت مخالب علةٍ

لم أنسَ إذ بكت النبي بعولةٍ * ورنت إلى القبر الشريف بمقلةٍ

عبرى وقلب محمد محزونِ

وسياط قنفذ أثرت في جنبها * وسماء مقلتها تدر بسحبها

حتى إذا احتنك الجوى في لبها * قالت وأظفار المصاب بقلبها

غوثاه قَلّ على العداة معيني

وبقلبها وجد ثوى فأقلّه * شمّ الرواسي لا تطيق نقله

فدعت ومدمعها تدفق سيله * أبتاه هذا السامري وعجله

تبعا ومال الناس عن هارون

ص: 136


1- ترجمته في شعراء الغري: 197/11
2- نفس المصدر

ويل لقوم حاربوا ابنة أحمد * هتكوا حماها قبل دفن محمد

فغدت تناديه بقلب مكمد * أي الرزايا أتقى بتجلد

هو في النوائب مذ حييت قريني

وجدي تناهي ليس وجد فوقه * وشجاي أبعد عن لساني نطقه

أي الخطوب أقلّه إن ألقه * فقدي أبي أم غصب بعْلى حقّه

أم كسر ضلعي أم سقوط جنيني

يا ليتني قدمت قبل منيتي * أو أنني ألحدت قبل مذلتي

أي الخطوب له أنوح، أذلّتي؟ * أم أخذهم إرثي وفاضل نحلتي؟

أم جهلهم حقي وقد عرفوني ؟

الشيخ حبيب شعبان

(1)

توفي سنة 1336 ھ . وكان فاضلاً كاملاً شاعراً أديباً ، انتقل من النجف الأشرف إلى كربلاء ، فقرأ على السيد محمّد باقر الطباطبائي في الفقه مدّة، وكان من أخصّ ملازميه (2) .

أيا منزلَ الأحبابِ مالك موحشاً * بزهرتك الأرياحُ أودت بما تسفي

ص: 137


1- شرح خطبة الزهراء ل ص 250؛ وبعض أبيات هذه القصيدة مذكورة في أدب الطف
2- أدب الطف: 312/8

تَعفیتَ يا ربعَ الأحبةِ بعدهم * فذكرتني قَبر البتولةِ إذْ عفَي

رمتْها سهامُ الدهرِ وهيَ صوائبٌ * شجوٍ إلى أنْ جُرّعتْ غصصَ الحتفِ

شجاها فراقُ المصطفى واحتقارُها * لدى كلِّ رجس من صحابته جلف

لقد بالغوا في هضمها وتحالفوا * عليها وخانوا الله في محكمِ الصحفِ

فآبتْ وزندُ الغيظِ يقدح في الحشا * تعثرُ بالأذيالِ مثنية العطف

وجاءتْ إلى الكرارِ تشكو اهتضامَها * ومدتْ إليه الطرفَ خاشعةَ الطرف

أبا حسنٍ يا راسخ العلمِ والحجي * إذا فرّت الأبطال رعباً من الزحف

ويا واحداً أفنى الجموعَ ولم يزلْ * بصيحته في الروع يأتي على الألف

أراك تراني وابن تيمٍ وصحبَهُ * يسومونني ما لا أُطيقُ من الخسفِ

ويلطمُ وجهي نصبَ عينيك ناصبُ * العداوةِ لي بالضربِ منّي يستشفي

فتغضي ولا تُنضي حسامَك آخذاً * بحقي ومنهُ اليومَ قدْ صفرتْ كفّي

لمنْ أشتكي إلّا إليك وَمَنْ بهِ * ألوذُ وهل لي بعدَ بيتك منْ كهف

وقدْ أضرموا النيرانَ فيه وأسقطوا * جنيني فوا ويلاهُ منهمْ ويا لهفى

وما برحت مهضومةً ذاتَ علةِ * تأرقُها البلوى وظالمها مُغفي

إلى أن قضت مكسورةَ الضلعْ مسقطاً * جنينٌ لها بالضربِ مسودّة الكتف

الشيخ سلمان البحراني التاجر

(1)

توفي سنة 1342 ھ . تلمذ على الشيخ محمّد صالح بن أحمد آل طعان ، والشيخ علي بن حسن الجشي. وكانت دراسته أولاً في الهند لدى السيد أحمد

ص: 138


1- ترجمته في الأزهار الأرجية للشيخ فرج العمران القطيفي: 9/5، مطبعة النجف 1384 ه-. عن مجلة الموسم العدد (12) ص 125

بن علوي البنادرة البحراني وغيره من الأفاضل ، ثم عاد إلى البحرين وأكمل علومه على يد أساتذته المذكورين كما في ( المنتظم ) ص 280 .

قال من قصيدة له في رثاء الزهراء علیها السّلام وإسقاط المحسن (1) :

قف على قبر فاطم بالبقيع * بعد مزق الحشى وسكب الدموع

والثم الترب من حواليه وانشق * من شذاه نسیم زهر الربيع

وابلغنها السلام عني فإني * لمروع فيها بخطب مريع

وتذكر أذية القوم فيها * وابك حزناً وعج بقبر الشفيع

قف به موقف الحزين ولكن * لابساً بردتي تُقى وخشوع

واشكُ ما نال بنته من كروب * مفجعات تشيب رأس الرضيع

قل له : أيها النبي شكاة * لك عندي مشفوعة بدموعي

فأعرني منك المسامع فيها * فصداها يصم أذن السمیع

إن تلك التي على بابها الأملا * ك تبدي الخشوع بعد الخضوع

قد أحاطوا بالنار منزلها السا * بتطهيره بشأن رفيع

أسقطوها بالباب محسن عصراً * بعد تأليمها بكسر الضلوع

دخلوا بيتها عليها وقادوا *بعلها المرتضى بحال فظيع

الشيخ كاظم سبتي النجفي

(2)

توفي سنة 1342 ھ . ألزمه جماعة من علماء النجف بالعودة إلى النجف .

ص: 139


1- ریاض المدح والرثاء : 316
2- رياض المدح والرثاء : ص 219 ، والترجمة في أدب الطف : 74/9

فكان خطيب العلماء وعالم الخطباء ، يلتذ السامعون بحديثه، ويقبلون عليه بلهفة وتشوّق، ولهم كلمات بحقّه تدل على فضله ونبله.

تنسى على الدار هجوم العدى * مذ أضرموا الباب بجزل ونار

ورض من فاطمة ضلعها * وحيدر يقاد قهراً جهار

كيف حسام الله قد فللت * منه الأعادي حد ذاك الغرار

والطهر تدعو خلف أعدائها * یا قوم خلّوا عن عليّ الفخار

قد أسقطوا جنينها واعترى * من لطمة الخد العيون إحمرار

فما سقوط الحمل ما صدرها * ما لطمها ما عصرها بالجدار ؟

ما وكزها بالسيف في ضلعها * وما انتثار قرطها والسوار؟

ما دفنها بالليل سرّاً وما * نبش الثرى منهم عناداً جهار ؟

الشيخ محمّد حسن سميسم

(1)

الشيخ محمّد حسن سميسم المتولد سنة 1276ھ . المتوفي سنة 1344 ھ رَحمه اللهُ ، شاعرٌ عربي رقيق ولد في النجف ودرس علوم أهل البيت فيها ، وله ديوان وقد توفى فى النجف الأشرف .

أعجبت ممن أخرّوا مقدامهم * بعد النبي وقدموا الأذنابا؟

أو ما رققت لضلعها لما انحنى * كسراً ومنه تزجرُ الخطابا ؟

ص: 140


1- ترجمته في أدب الطف: 9: 91

أفهلْ درى المسمارُ حين أصابها * من قبلها قلبَ النبيٍّ أصابا ؟

عتبي على الأعتاب أُسقطَ محسنٌ * فيها وما انهالت لذاك ترابا

آية الله الحجة الشيخ محسن بن شريف الجواهري

(1)

ولد سنة 1295 ھ. وتوفي في 15 ذي الحجة سنة 1355 ھ. ودفن في النجف . كان من أقطاب الفضيلة في الحوزة العلمية، حضر في الفقه والأصول على شيخ الشريعة والشيخ محمّد حسين الكاظمي والسيد علي الشرع، وأجازه الحجة آية الله ميرزا محمّد حسين النائيني إجازة اجتهاد.

له من الآثار العلمية : «شرح نجاة العباد» ، «الفرائد الغوالي» في شرح أمالي السيد المرتضى في الأدب والتاريخ والنقد أربع مجلدات ، «القلائد الغرر » في إمامة الاثني عشر، وغيرها من الآثار الجليلة.

قال في مقطوعته الفاطمية الرائعة (2) :

ويوم اقتحام الدار يوم تهتكت * به حرمات الله حتّى بدت حسرى

فعن ملأ منهم أتوا بيت فاطم * مقرّ الهدى والدين والحجة الكبرى

غداة غدى ركن الضلالة حاملاً * إلى ظهره أضعاف ما في الحشا أورى

ص: 141


1- موسوعة أدب المحنة : 491
2- وفاة الزهراء للسيد عبد الرزاق المقرم: 132

يحاول حرق الدار والدار تلتقي * إلى صبية لم تعرف الخوف والذعرى

ينادي به اخرج يا علي وإن تقم * قللنار أعمال ستخرجكم قسرا

فكم ریعت الكبرى بهذا وكم شكت * إلى جدها ما نالها منهم الصغرى ؟

وكم هتفت بالمسلمين وكم دعت * بيا لرسول الله لابنتك الزهرا ؟!

ولا قائل منهم دعوها فإنها * سليلة خير الخلق والبضعة الحورا

تناشدهم والمسلمين ولو دعت * بحق رسول الله صلد الصفا خرا

تقول لهم يا قوم بيتي ولم يكن * نبي الهدى يوماً ليدخله قهرا

فما كفَّ عنها الرجس بل حركت له * حشى فيه نار الحقد كامنة دهرا

وهاجم بنت الوحى والباب دونه * عقيلة آل الله مسندة صدرا

ولم يرعها بل راعها وتزاحموا * على الباب أفواجاً فأبئس بهم طرا

ص: 142

السيد محمّد حسين بن السيد كاظم القزويني

(1)

توفي سنة 1356 ھ . فاضل مشارك في العلوم سابق في المنثور والمنظوم، له فكرة تخرق الحجب ، وهمة دونها الشهب ، إلى حسن أخلاق

وطيب أعراق، ونسك وتقى بعيد عن الرياء والنفاق، وله شعر كثير بديع التركيب.

وجمعوا النار ليحرقوا بها * البيت الذي به الهدى تجمعا

بيت علا سمك الصراح رفعةً * وكان أعلى شرفاً وأرفعا

أعزه الله فما تهبط في * كعبته الأملاك إلّا خضعا

بيت من القدس وناهيك به * محط أسرار الهدى وموضعا

وكان مأوى المرتجى والملتجي * فما أعز شأنه وأمنعا

فعاد بعد المصطفى منتهكاً * حریمه وفیئه موزعا

وأخرجوا منه علياً بعدما * أبیح منه حقه وانتزعا

قادوه قهراً بنجاد سيفه * فكيف وهو الصعب يُمسي طيعا؟

فعاد إلا أنه عن حقه * صد وعن مقامه قد دفعا

ما نقموا منه سوى أن له * سابقة الإسلام والقربي معا

وأقبلت فاطم تعدو خلفه * والعين منها تستهل أدمعا

فانتهروها بسياط قنفذ * وكسروا بالضرب منها أضلعا

ص: 143


1- رياض المدح والرثاء : 70 ، والمجالس السنية : 146/2؛ والترجمة في أدب الطف : 164/9

فانعطفت تدعو أباها بحشى * ساقطت مع الدموع قطعا

يا أبتا هذا على أعرضوا * عنه ضلالاً وابن تيم تبعا

أهتف فيه لا أرى واعية * تعي ندائي لا ولا مستمعا

إلى أن يقول:

حتّى قضت من كمد وقلبها * کاد بفرط الحزن أن ينصدعا

قضت ولكن مسقطاً جنينها * مولعاً فؤادها مروّعا

قضت ومن ضرب السياط جنبها * ما مهدت له الرزايا مضجعا

قضت على رغم العدى مقهورة * ما طمعت أعينها أن تهجعا

قضت وما بين الضلوع زفرة * من الشجا غليلها لن ينقعا

الحاج مهدي الفلوجي الحلي

(1)

توفي سنة 1357 ھ . قال عنه صاحب أدب الطف: ... من الطبقة العالية في الشعر وممن تفتخر به الفيحاء وتعتز بأدبه ، حسن الأخلاق طاهر الضمير عفّ اللسان.

قال من قصيدة له في رثاء الحسين والسيدة الزهراء علیها السّلام (2) :

أدركت ثارها أمية منه * وشفت فيه حقدها طلقاها

حرمت ماءها المباح عليه * بعدما أوطأ الخيول دماها

ص: 144


1- ترجمته في أدب الطف: 170/9 ، وفي البابليات : 122/4
2- البابليات _ للشيخ محمد علي اليعقوبي : 4 : 122 ، دار البيان للطباعة والنشر

أوطأته سنابك الخيل عدواً * بعدما أوطأ الخيول طلاها

سوّد الله بالعراق وجوهاً * قتلت خير من يريد هداها

قتلت خيرة الأنام حسيناً * بضبا ألعن الورى أشقاها

أسفر الصبح عن دجى الليل وهم * ان تلك الأرجاس من أولاها

طمعوا بالحياة وهي متاعٌ * بئس ما قدموا ليوم جزاها

ظهر الإنقلاب منهم بفقد ال * مصطفى والنصوص شقّوا عصاها

وبقاع الغدير في يوم خمٍ * شهدت أن حيدراً مولاها

غصبوا نحلة البتول عناداً * وإله السماء قد أولاها

إنما نارها التي أضرموها * عند باب الزهراء ما أوراها

أضرمت بالطفوف منها خيام * لبني الوحي فاستمر سناها

دخلوا دار خدر من علموها * أن في وحيه الإله حباها

أسقطوها الجنين رضاً وقادوا * من له الأمر لو يشاء محاها

من له في الحروب أعلام فخر* عقدتها الأفلاك فوق ذراها

السيد خضر القزويني

(1)

توفي سنة 1357 ھ . قال عنه صاحب أدب الطف :... خطيب أديب ولوذعي لبيب وغرّيد فريد نظم فأجاد .

له قصيدة (2) يستنهض فيها الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه

ص: 145


1- ترجمته في أدب الطف: 179/9
2- شعراء الحسين، محمد باقر الإيرواني عن الديوان المخطوط

الشريف ) جاء فيها :

إلى َمَ التواني صاحب الطلعة الغرا * أما أن من أعداك أن تطلب الوترا

فديناك لمْ أغضيت عما جرى على * بني المصطفى منها وقد صدّع الصخرا

أتُغضي وتنسى أمك الطهر فاطماً * غداة عليها القوم قد هجموا جهرا ؟

أتُغضي وشبّوا النار في باب دارها * وقد أوسعوا في عصرهم ضلعها كسرا؟

أتُغضي ومنها أسقطوا الطهر محسناً * وقادوا علي المرتضى بعلها قسرا ؟

أتُغضي وسوط العبد وشح متنها * ومن لطمة الطاغي غدت عينها حمرا ؟

أتُغضي وقد ماتت وملؤ فؤادها * شجاً وعلى بعدُ شيَّعها سرّا؟

الشيخ عبد الغني الحر العاملي

(1)

توفي سنة 1358 ھ . قال عنه البحاثة الطهراني في نقباء البشر :... عالم

ص: 146


1- ترجمته في أدب الطف : 184/9

فاضل، وأديب شاعر . كان في النجف الأشرف من أهل العلم والفضلاء الأجلاء ...، وهو شاعر مكثر .

من قصائده الاستنهاضية قال فيها (1)

أو تنسى حاشاك ما قد جنى الجب * تان في غصب فاطم حاشاكا ؟

أو تنسى إذ لببا صنو طه * وأباحا حمى الوصي حماكا؟

أو تنسى إذ أوقفاه مقادا *ً موثقاً في بنوده إمساكا

فدعی بالنبي دعوة ها * رون لموسى إذ كان هذا كذاكا

قائلاً يا ابن أم والبضعة الزھ * راء تقفو الوصي عدواً أباكا

هؤلاء الملالي قد استضعفوني * كوحي الكليم عند أولاكا

إلى أن يقول:

ما كفاهم عزلي عن الحق حتّى* غصبوا فاطماً وأعفوا بناكا

وأراع الجبتان بنتك ظلماً * وبترويعها أسیّ روعاكا

أوجعاها بالسوط قرعاً وضرباً * مؤلماً جسمها كما أوجعاكا

جرعاها كأساً أمرّ الصعا * ب مذاقاً كما الروى جرعاكا

كيف يا ابن الوصي لا تضرم النا * ر على من لظى الأسى أصلياكا ؟

أو تنسى إذ أضرما النار بالبا * ب وعصر الباب الذي أشجاكا ؟

كسَرَرا ضلع فاطمٍ أسقطاها * محسناً هيّجا أساها هناكا

ص: 147


1- ديوان الشيخ عبد الغني الحر، المكتبة الإسلامية - طهران 1403 ھ .

غادراها عليلة الجسم غدراً * من عناها لا تستطيع حراكا

فقضت بالشجون والظلم ممن *عن مواليك نيّراً غيّباكا

السيد صالح الحلي

(1)

توفي سنة 1359 ھ . قال عنه صاحب أدب الطف... خطيب شهير أو أشهر خطباء المنبر الحسيني ؛ إذ إن شهرته الخطابية لم يحصل على مثلها خطيب حتى اليوم، يتحلى بجرأة قوية وبسطة في العلم والجسم.

قال من قصيدةٍ له :

أبا حسنٍ ، ليس كيفٌ وحدٌّ * (2)

ولولا حدوثك قلت : القديم * قلت: هو الله ، لو لا الولد

إلى أن يقول :

أباب مدينة علم الرسول * أيحرق بابك عبد نكد؟

ويا قائد الشوس يوم الوغى * ومردي بسيفك عمرو بن ود

ألست المكسّر أوثانها * وقاتل شجعانها في أحد؟

فوا عجباً كيف يجري القضاء * وكيف تقود يد الله يد؟

إذا ما دهتها دواهي الخطوب * تصیح به يا على المدد

جمیع الشهود له بخبخت * وأنكره كل من قد شهد

جميع

ص: 148


1- ترجمته في أدب الطف : 204/9
2- یحدد ذاتك إلّا الأحد

أيُكسر ضلع ابنةِ المصطفى * ويسقط بالعصر منها الولد ؟

وتُلطم جهراً على خدها * ويسودّ بالضرب منها العضد ؟

وله فى استنهاض الحجة (عجل الله فرجه الشريف) قوله :

يا مدرك الثار البدار البدار * شنّ على حرب عداك المغار

وأتي بها شعواء مرهوبة * تعقد أرضاً فوقها من غبار

إلى أن يقول:

تنسى على الدار هجوم العدى * مذ أضرموا الباب بجزل ونار

ورض من فاطمة ضلعها * وحيدر يقاد قسراً جهار

كيف حسام الله قد فللت * منه الأعادي حد ذاك الغرار ؟

تعدو وتدعو خلف أعدائها: * یا قوم خلّوا عن علي الفخار

قد أسقطوا جنينها واعترى * من لطمة الخد العيون إحمرار

فما سقوط الحمل ما صدرها * ما لطمها ما عصرها بالجدار؟

ما وكزها بالسيف في ضلعها * وما انتثار قرطها والسوار ؟

ما ضربها بالسوط ما منعها * عن البكا وما لها من قرار ؟

ما الغصب للعقار منهم وقد * أنحلها ربّ الورى للعقار ؟

ما دفنها بالليل سرّاً وما * نبش الثرى منهم عناداً جهار ؟

تعساً لهم في ابنته ما رعوا * نبيهم وقد رعاهم مرار

ص: 149

السيد مهدي الأعرجي :

(1)

توفي سنة 1359 ھ . شاعر مجيد وخطيب بارع، درس فن الخطابة على

خاله الخطيب الشهير الشيخ قاسم الحلي ، وزاول نظم الشعر وعمره أربع عشرة

سنة ، كان متفانياً في حب أهل البيت علیهم السّلام .

من قصيدة له في رثاء الزهراء علیها السّلام (2)

أشَجَاك ظعن العامرية إذ سرى * فجرى عليك من التفجع ما جرى؟

أم هل تذكرت العقيق فأسبلت * عيناك أدمعها عقيقاً أحمرا؟

إلى أن يقول :

هلّا بكيت على البتولة فاطم * حزناً فواسيت النبي وحيدرا

لم أنسها من بعد والدها وقد * جرَّ عنها الأيام كأساً ممقرا

هجموا عليها وهي حسرى فانزوت * عنهم وراء الباب كي تتسترا

وعلى الوصي تجمّعوا حشداً إلى * أن أخرجوه وهو يندب جعفرا

عُصرت بمرآه ولولا أنه * موصى لما كانت هناك لتعصرا

وله مخمساً، والأصل للشاعر (جواد بدقت) :

عن فاطم قتل ابنها متفرع * وبطفلها بالطف أودت رضّع

ص: 150


1- ترجمته في أدب الطف: 192/9
2- شعراء الحسين ، محمد باقر الإيرواني : 155 ، نقلاً : 155 ، نقلاً عن ديوان الشاعر

وبسيل أدمعها أسيلت أدمع * وبكسر ذاك الضلع رضّت أضلع

في طيّها سر الإله مصون

الشيخ عبد الحسين صادق العاملي

(1)

توفي سنة 1361 ه-. قال عنه صاحب أدب الطف... وهو في الطبقة الأولى من الشعراء. قال السماوي في الطليعة : رأيته يتفجر فضلاً ويتوقد ذكاء إلى أخلاق كريمة ...

توفي بالنبطية في 12 ذي الحجة الحرام عام 1361 ھ . ودفن هناك ورثاه الشعراء بقصائد كثيرة تعرب عن مقامه الرفيع .

قال من قصيدة له في رثاء الزهراء علیها السّلام :

وقائمة وهي الخلية من جوى * معرّسه أضحى الحيازم والصدرا

رويدك نهنه من غرامك واتخذ * شعاريك في الخطب التجلد والصبرا

فقلت وراك فاتني الصبر كله * لرزء أصيبت فيه فاطمة الزهرا

غداة تبدت مستباحاً خباؤها * ومهتوكة حجب الخفارة والسترا

على حين لا عين النبي أمامها * لتبصر ما عانته ب-ضعته قسرا

على حين لا سيف الرسول بمنتضى * الغرار ولم تنظر لرایته نشرا

على حين لا مستأصل من يضيمها * ولا كاشف عنها الحوادث والشرا

ص: 151


1- ترجمته في أدب الطف: 227/9 ، وأعيان الشيعة : 435/7

بنحلتها جاءت تطالب معشراً * بدا كفرهم من بعد ما أضمروا الكفرا

عموا عن هواها ثم صموا كثيرهم * كأن بسمع القوم _ من قولها _ وقرا

لقد أرعشت بالوعظ صل ضغونهم * فثاروا لها والصل إن يرتعش يضرا

فلو أنهم أوصى النبي بظلمهم * لها ما استطاعوا غير ما ارتكبوا أمرا

وأنّى وهم طوراً عليها تراثها * أبوا، وأبوا منها البكا تارة أخرى

وهم وشموها تارة بسياطهم * وآونة قد أوسعوا ضلعها كسرا

وخلي حديث «الباب» ناحية فما * تمثلته إلا جرت مقلتي نهرا

بنفسي التي ليلاً توارت بلحدها * وكان بعين الله أن دُفنت سّرا

آية الله الحجة الشيخ هادي كاشف الغطاء

(1)

توفي سنة 1361 ھ . قال عنه صاحب أدب الطف: ... نظم الشعر في حداثة سنه مع أخدانه أبطال الشعر ونوابغ الفن... وتتلمذ على الملا كاظم الآخند كثيراً ، والشريعة الأصفهاني، والسيد محمّد كاظم اليزدي ... ونال من الحظوة العلمية مرتبة الاجتهاد، وأصبحت قلوب الناس متعلقة به منجذبة إليه، لفضله وعلمه وورعه وتقواه وتواضعه وسيرته الطيبة .

قال من أرجوزته الطويلة في سيرة الزهراء سلام الله عليها (2) :

فاطمة خير نساء الأمة * من كل ذنب عصمت ووصمة

ص: 152


1- ترجمته في أدب الطف : 223/9
2- وفاة الصديقة فاطمة الزهراء الله للسيد عبد الرزاق المقرم : 123

خير النساء فاطم الزهراء * یزهر نورها إلى السماء

ثم يقول :

ويل لمَن ماتت عليه غضبي * في شأنها لم يرعَ حق القربي

قد بقيت بعد أبيها المصطفى * شهراً وعشراً فعلى الدنيا العفا

إلى أن يقول :

وقيل في ذلك أقوال أخر * وما ذكرناه هو الذي اشتهر

هذا ولكن أول الأقوال * أنسبها بمقتضى الأحوال

فإنها لاقت من الأهوال * وسيّئ الأفعال والأقوال

ما لو يلاقي بعضه الجبالا * لزلزت من وقعه زلزالا

وكيف تبلى مدة من الزمن * من بعد هاتيك الخطوب والمحن ؟

يكفي لموتها من الأخطار * وقعة بين ( الباب والجدار)

في دارها قد هجموا عليها * قد روّعوها وأخافوا ابنيها

رأت من الذلة والهوان * وقلة الأنصار والأعوان

الشيخ محمّد حسين الأصفهاني

هو نابغةُ الدهر وفيلسوف الزمن وفقيه الأمة . ولد في شهر محرم الحرام سنة 1296 ھ وتوفي في شهر ذي الحجة من العام 1361 ھ . عن عمر يناهز عاماً.

ص: 153

الضرم فی الباب

أيضرم النار بباب دارها * وآية النور على منارها ؟

وبابها باب نبي الرحمة * وباب أبواب نجاة الأمة

بل بابها باب العلى الأعلى * فثمَّ وجه الله قد تجلّى

ما اكتسبوا بالنار غير العار *ومن ورائه عذاب النار

ما أجهل القوم فإنّ النار لا * تطفئ نور الله جلّ وعلا

يا لثارات فاطمة

فاحمرّت العين وعين المعرفه * تذرفُ بالدمع على تلك الصفه

ولا يزيل حمرة العين سوى * بيضُ السيوف يوم ينشر اللوى

وللسياط رنّة صداها * في مسمع الدهر فما أشجاها

والأثر الباقي كمثل الدملج * في عضد الزهراء أقوى الحجج

ومن سواد متنها اسودّ الفضا * يا ساعد الله الإمام المرتضى

ووكز نعل السيف في جنبيها * أتى بكل ما أتى عليها

ولست أدري خبر المسمار ؟ * سلْ صدرها خزانة الأسرار

وفي جنين المجد ما يدمي الحشا * وهل لهم إخفاء أمر قد فشي ؟

والباب والجدار والدماء * شهود صدق ما به خفاء

لقد جنى الجاني على جنينها * فاندكت الجبال من حنينها

أهكذا يُصنع بابنة النبي * حرصاً على الملك فيا للعجب ؟

ص: 154

أتُمنع المكروبة المقروحه * عن البكا خوفاً من الفضيحه

تالله ينبغي لها تبكي دما * مادامت الأرض ودارت السما

لفقد عزها أبيها السامي * ولاهتضامها وذل الحامي

الضلع المكسور

لكن كسر الضلع ليس ينجبر * إلّا بصمصام عزيز مقتدر

إذ رضُّ تلك الأضلع الزكيّة * رزية لا مثلها رزيّة

ومن نبوع الدم من ثدييها * يعرف عظم ما جرى عليها

وجاوزوا الحدّ بلطم الخدّ * شلّت يد الطغيان والتعدّي

الملا عبد الله الخباز القطيفى

(1)

توفي سنة 1362 ھ . كان تقياً ورعاً صالحاً ... وكان أديباً شاعراً، يقول الشعر في المناسبات وغيرها، له ديوان كبير.

قال من قصيدة له في رثاء أهل البيت مستنهضاً الإمام الحجة علیه السّلام (2) :

قم يا ابن طه فالبلا قد علا * ولا نرى غيرك يجلو البلا

قد ضاقت الدنيا بأرجائها * يا فرج الله بكل الملا

قم یا غیاث الخلق وانظر لنا * من العدى فينا البلا أنزلا

قد طمس الدين وضاع الهدى * والجهل ما بين الملا قد علا

ص: 155


1- ترجمته في شعراء القطيف قديما وحديثاً للشيخ علي المرهون ص 247 مطبعة النجف
2- نفس المصدر

إلى أن يقول:

قم جرد البتار من غمده * وادع الأعادي صرعاً في الفلا

قم فادرك الأمة يا سيدي * لقد دهاها من عداها بلا

قم یا عماد الدين عجل لنا * فالكل منا عيشه ما خلا

إلى متى نلقاك في سابق * مجرداً للسيف تبري الطلا؟

وراية الحق نراها وقد * حف بها جندك يا ابن العلا

أما وعى سمعك يا ابن الهدى * ما حل فيكم من شرار الملا

قد أسقطوا الزهراء ست النسا * بضعة من ربّ السما فضلا

وأضرموا النار بباب الهدى * والحق منها جهرة أعزلا

إلى آخر القصيدة.

آية الله الشيخ عبد الله بن معتوق القطيفي

(1)

توفي سنة 1362 ھ . من العلماء الأتقياء. تتلمذ على والده ثم هاجر إلى

النجف الأشرف سنة 1295 ھ . فدرس على فطاحل العلم حتّى حصل على

إجازة اجتهاد من الحجة الكبير السيد (أبو تراب) . وهناك إجازات أخرى من

علماء آخرين خلّف آثاراً علمية جليلة، حيث كتب في الفقه حاشية على

العروة الوثقى، ورسالة في علم الهيئة وغير ذلك .

قال في رثاء السيدة الزهراء علیها السّلام (2) :

ص: 156


1- ترجمته في أدب الطف : 263/9 ، وأنوار البدرين
2- فاطمة الزهراء في ديوان الشعر العربي : 235

ما العذر للأمة فيما سلكت * عن ليلة القدر التي قد هتكت؟

ما العذر عن زجاجة المصباح * إذ كسرت ظلماً لدى الصباح؟

ما العذر عن موؤدة إذ سُئلت * يوم الجزا بأي ذنبٍ قتلت ؟

ما العذر للأمة عن أمّ القرى * إذ عطّلت أبياتها عن القرى ؟

ما العذر عمّا فعلوا من منكر * ممّا قديماً مثله لم يُذكر ؟

ولم يجز عند أولي الأديان * وغيرهم في سالف الأزمان

فهل جرى من أمّةٍ فيما سلف * على بنات الأنبيا أهل الشرف؟

كما جرى على ابنة الرسول * فاطمة الزكية البتول

من الأذى والذلّ والإهانة * من بعد ذاك العزّ والصيانة

ما فاطمٌ وهجمة الأشرار * في دارها وهي بلا خمار؟

ما فاطمٌ ما الباب والجدار * ما الضَّغط ما الإسقاط والمسمار ؟

ما فاطمٌ ما حمرة العينين * ما الضرب ما اللطم على الخدين ؟

ما الطّهر ما إضرام تلك النار * ببابها وهي ابنة المختار ؟!

الشيخ محمّد أمين شمس الدين

(1)

توفي سنة 1366 ھ . له كتاب ( الضمير البارد ) ، جمع فيه النثر والنظم في ثلاثة أجزاء، يبحث في العقائد وأصولها ، وتوفي في عرب صاليم من قرى جبل عامل .

ص: 157


1- أدب الطف: 307/9 ، وكذلك ترجمته في نفس الصفحة

فقالت ( وآتوني) فقلت فلم يكن * سوی قولهم إن النبي ليهجر

فقالت : وهل من سبة سن مثلها؟ * فقلت لها : لا فهي للحشر تشهر

فقالت : أعجزاً حينما قيد عنوة؟ * فقلت لها : لا ذاك شيء مقدر

فقالت وما شأن البتول وضلعها ؟ * فقلت : غداً في موقف الله تظهر

فقالت : وما السبط الزكي وقبره؟ * فقلت: دعي قلباً لها ينفطر

فقالت : وما السبط الشهيد بكربلا * وما حاله وهو الصريع المعفّر ؟

فقلت : بكته الشمس والأفق والسما * دماً فهو في خد السما يتحدّر

الشيخ قاسم الملا الحلي

(1)

توفي سنة 1374 ھ . وهو ناظم وناثر وخطيب ومحقق، وله آثار أدبيّة

وشعريّة مخطوطة كثيرة تدلّ على أدب واسع، وتضلّع في الأخبار والعقائد

والمناظرات (2) .

ولقدْ يعزُّ على رسول * الله جنت الصحابه

قد ماتَ فانقلبوا على * الأعقاب لم يخشوا عقابه

نعوا البتولة أنْ تنوحَ * عليه أو تبكيْ مصابَه

نعش النبي أمامهم * ووراءهم نبذوا کتابه

لم یحفظوا للمرتضى * رحمّ النبوّةِ والقرابه

ص: 158


1- شرح خطبة الزهراء ص 356؛ والترجمة في أدب الطف : 72/10
2- أدب الطف : 72/10

لو لم یکن خيرَ الورى * بعدَ النبيّ لما استنابه

قد أطفأوا نور الهدى * مذ أضرموا بالنار بابه

اسدُ الإله فكيف قدْ * ولجتْ ذئابُ القوم غابَه

في أيّ حكمٍ قدْ أباحوا * إرثَ فاطمَ واغتصابه

يیتُ النبوّةِ بيتُها * شادتْ يدُ الباري قِبابه

أذن الالهُ برفعه * والقومُ قد هتکوا حجابه

بأبي ودیعةُ أحمدٍ * جُرعاً سقاها الطلمُ صابه

عاشت معصبة الجبین * تئنٌّ من تلک العصابه

حتّی قضت وعیونُها * عبری ومهجتُها مذابه

وأمضُّ خطبٍ في حشا الا * سلام قدْ أوری التهابه

باللیل واراها الوصيُّ * وقبرها عفی ترابه

الملا حسن الجامد القطيفي

(1)

توفي سنة 1375 ھ . امتهن الخطابة منذ نعومة أظفاره، وأضاف إلى

مهمته الخطابية مهمة الأدب، فصار بذلك من الخطباء المرموقين، الذين يُشار

إليهم بالبنان.

قال في رثائه للسيدة الزهراء علیها السّلام ، ومخاطباً الإمام الحجة علیه السّلام (2) :

ص: 159


1- ترجمته في شعراء القطيف للشيخ علي المرهون : 278
2- نفس المصدر

يا ذماماً به الوجود استقاما * قم سريعاً واستنقذ الإسلاما

كل عام بل كل يوم جديد * منك نرجو يا ابن النبي القياما

الوحا الوحا يا نجل طه * علنا نشتفي و نقضي المراما

أفتنسى ما قد جرى بعد طه * من خطوب تحير الأحلاما ؟

نكت القوم بيعة المرتضى الها * دي ولم يرقبوا لطه ذماما

عزلوا حيدراً وقد أخروه * عن مقام فيه الإله أقاما

وأتوا داره وجروه حتّى * أخرجوه ملبياً مستضاما

والبتول العذراء بضعة طه * كابدت منهم أموراً عظاما

غصبوا إرثها عناداً وظلماً * لطموا خدها ورضّوا العظاما

أسقطوها وقنعوا متنها * بالسوط لم يجعلوا لطه احتراما

ثم عاشت بالذل والهضم حتّى * لحقت بالنبي تشكو اهتضاما

الشيخ قاسم محيّ الدين

(1)

توفي سنة 1376 ھ . نشأ في النجف، ودرس المقدمات على الشيخ جواد محي الدين، وتلمذ في الفقه والأصول على الشيخ أحمد كاشف الغطاء، والميرزا حسين النائيني ، والسيد أبي الحسن الأصفهاني، والشيخ محمّد حسين الأصفهاني.

له مصنفات ومؤلفات لطيفة ، منها : كتاب «البيان في غريب القرآن»، وهو

ص: 160


1- ترجمته في أعيان الشيعة : 435/8

عبارة عن حصر الألفاظ الغريبة التي وردت في القرآن الشريف وشرحها شرحاً مبسطاً وسهلاً وذلك فى أرجوزة من الشعر السلس.

قال في رثاء الزهراء علیها السّلام (1) :

كيف تنسی مصاب بضعة طه * إذ دهاها من الأسى ما دهاها ؟!

أنحلت جسمها الرزايا فأبدت * لهف نفسي لما بها شكواها

إلى أن يقول:

لو تراها وهي الشجية حزناً * وممض الأسقام قد أضناها

وهي تبكي بكاء فاقدة الصبر * لما قد ألمّ عزّ عزاها

شأنها النوح مذ يد الخطب شجواً * قدحت نارها بزند جواها

حر قلبي لها وقد أسلماها * لمسلم من الأسى جبتاها

أبعداها عن فيئها غصباها * نحلة المصطفى وما ورثاها

قصدا دارها عناداً وحقدا *ً بأفاعيل منكر أضمراها

أحرقا بيتها وقد أسقطاها * محسناً بالذي به روعاها

کسرا ضلعها مذ انتهزاها * فرصة بعد أن أباحا حماها

نثرا قرطها انتشار عقود * الدمع من عينها لفرط بكاها

خرقا صكها عتواً وكفراً * لطما خدها ولم يرعياها

قصداها بكل هولٍ ملم * وبسوط الزنيم قد أوجعاها

ص: 161


1- من الشعر المقبول في رثاء الرسول وآل الرسول للشيخ قاسم محي الدين: 10 المطبعة العلوية النجف 1342

الشيخ علي الجشّي

(1)

توفي سنة 1376 ھ . رجل الإيمان والعقيدة، درس في النجف الأشرف ودرّس فيها ونال رتبة الاجتهاد فعاد إلى القطيف وتولى منصب القضاء.

أسسوا ظلمه عناداً وأغروا * لهم الويل كل كلب عقور

بل أرادوا أن يحرقوا البيت حتّى * لا يرى ذاكر لخير بشير

فأبى الله ذالكم حيث فیه * من هم علة البقا والصدور

وهو بيت عند المهيمن ضاهى * بعد إذن من أهله في الحضور

يا ابن عم النبي صبرك أنسى * صبر أيوب في قديم الدهور

ضاق ذرعاً بأمر رحمة لما * جزت الشعر شاكياً للخَبير

وأراك اصطبرت والقوم أذوا * فاطماً في عشيها والبكور

أمن الصبر كان قلبك إنِّي * لا أرى يستطيع قلب صبور

دخلوا دارها وليس عليها * من قناع والحقد ملؤ الصدور

وعلى متنها السياط تلوّت * حيث لا دافع ولا من مجير

يالها من عداوة أظهروها * وهي من قبل في سويد الضمير

دع تفاصيل ما جرى فبياني * بعض ما كان نفثة المصدور

ص: 162


1- رياض المدح والرثاء : 416 ، والترجمة في أدب الطف : 122/10

ما سمعنا من قبل بنت نبي * أوذيت كالبتول بعد النذير

عضرت أسقطت أضيعت ذماماً * غصبت كذبت بإفك وزور

جحدوا آية الطهارة فيها * بعد علم كجحدهم للغدير

دخلوا الدار أضرموا النار قادوا * حيدراً بالنجاد قود البعير

وأرادوا قتل الوصى فأضحى * قلبها مثل طائر مذعور

وعراها الذهول عمّا عراها * من سقوط وضلعها المكسور

وله أيضاً (1) في رثاء الزهراء علیها السّلام :

لا تسلني ما نال فاطم لما * دخلوا الدار فالخطوب شعوب

واستداروا حول الوصي ولولا * حمله ما أفادها التألیب

أترى يرهب الحمام علي * بل علي في صدره مرهوب

أخرجوه ملبباً ليت شعري * كيف قيد الليث الهمام المهيب

فعدت خلفه البتولة تدعو * برنين له الصخور تذوب

إلى أن يقول:

فانثنت بالأسى لما قد عراها * في حنین کما تحن النیب

منعوها من البكاء لتقضي * كمداً والفؤاد منها يذوب

قل لبيت الأحزان مازال حزني * لا ولا عيشي الهني يطيب

قل لتلك الضلوع بعدك قلبي * ماله جابر فدتك القلوب

ص: 163


1- رياض المدح والرثاء : 478

لست أنسى وقوفها وهي تشكو * لأبيها ولا تراه يجيب :

غصبوا حيدر الخلافة ظلماً * وتراثي لديهم مغصوب

وجنيني قد أسقطوه وضلعي * کسروه وقد علاني الشحوب

الشيخ عبد الحسين الحويزي

(1)

توفي سنة 1377 ھ . أديب شاعر وله شعر كثير في أهل البيت علیهم السّلام وكانت له اليد في كثير من العلوم كالرياضيات والهندسة والجفر والرمل والكيمياء ، وله فيها بعض الرسائل .

ليت الحيا لا سقى الأزهار بالظلم * صروفه غشت الزهراء بالظلم

كم بعد فقد أبيها كابدت محناً * وقوعها يدع الأطواد كالرمم

صحبه غصبوها بعده فدكاً * وأنكروا فيّها ظلماً من الحكم

وأحرقوا باب بيت الطهر فاطمة * بنار حقد لهم مشبوبة الضرم

فأسقط الرجس لما ظل يعصرها * مها جنيناً نمى في طاهر الرحم

ص: 164


1- رياض المدح والرثاء : 502؛ والترجمة في أدب الطف: 126/10

بصدرها نبت المسمار وانكسرت * منها الأضالع فانهلت بفيض دم

سيف القضاء علي في حمائله * قادوه قهراً بنو عبادة الصنم

من بيته ابن صهاك الرجس أخرجه * تصوب عن مدمع كالغيث منسجم

وفاطم خلفه تدعو وأدمعها * تصوب عن مدمع مالغیث منسجم

وسوط قنفذ يلوي فوق عاتقها * ضرباً فتصرخ ولها منه بالألم

لم أنسها يوم وافت قبر والدها * خير البرية من عرب ومن عجم

وافت وقد غص بالأنصار مسجده * والبغي قام بجمع فيه مزدحم

فأسدلوا دونها الأستار فابتدأت * الله تبدي بإفصاح من الكلم

كأنما هي في الآيات تفرغ عن * فم النبي أبيها في بيان فم

جحدتم معشر الأنصار في فدك * حقاً لنا خصه الرحمن من قدم

كأنما العهد فيكم يوم فارقنا * طيف الخيال سرى عن طيف محتلم

ص: 165

نسيتم من وصايا المصطفى لكم * بآله کلما أوفاه من ذمم

بنت النبي أبيحت بين أظهركم * حقوقها وحماها غير محترم

لم تلقَ في القوم إلا كامناً حنقاً * والطرف منه عن الحق المبین عمي

لم يهضموا فاطماً إلّا وقد علموا * بأن حیدر منهم غیر منتقم

ثم انثنت عنهم بالخطو عاثرة * بذیل برد یواري موضع القدم

قالت : أبا حسن ماذا القعود فقم * وحكم السيف في الأعناق والقمم

نقضت قادمة البازي مكتمناً * من رعيه من بغاث الطير والرخم

وقد لويت الطلا بالذل مفترشاً * خدیك ترب الثری یا ضیغم الأجم

ترضى بأن عتاة البغي تهضمني * وأنت تعلم ليس الهضم من شيمي

تيزني نحلتي مني يدا ابن أبي * قحافة حيث لم يبصر لدي حمي

فقال فاطم صبراً نهنهي شجناً * واطوي الجوانح أن تجزع على الكظم

ص: 166

إن الكفيل لمأمون وحقك في * حكم الكتاب جلي غير منكتم

وإرثك إن أضاعته العدى حنقاً * فلم يضع لك أجراً بارئ النسم

الشيخ كاظم آل نوح

(1)

توفي سنة 1379 ھ . خطيب الكاظمية ، قال عنه السيد محسن الأمين (2) ما نصه : ومن العجيب أن (أحمد أمين ) زار العراق بعد ما انتشر كتابه ( فجر الإسلام) في زهاء ثلاثين رجلاً من المصريين، وحضر في بغداد مجلس وعظ الشيخ كاظم الخطيب الشهير، فتعرض لكلام أحمد أمين في كتابه ، وفنده بأقوى حجة وأوضح برهان ووفى المقام حقه وهم يسمعون فأعجبوا ببيانه، وأذعنوا لبرهانه (3) .

قال من قصيدة له (4) :

لعل الحيا حيا الحمي مستهله * فأصبح مفطوماً من الروض طفله

ترعرع أطفال الرياض نضارة * إذا ما يحيها من الغيث وبله

إلى أن يقول:

ص: 167


1- ترجمته في أدب الطف: 140/10
2- أعيان الشيعة: 135/1
3- نفس المصدر : 141
4- دیوان آل نوح: 218

لعمرك ما کید ابن هند بضائر * على الدين لو لا السامري وعجله

فثقلا رسول الله ثقل ممزق * وقتلاً وسماً راح يتلوه ثقله

وبنت رسول الله ماتت بغصة * وراح لها حمل وما تم حمله

السيد محمّد جمال الهاشمي

(1)

توفي سنة 1397 ھ . وكان من العلماء الأعلام، تتلمذ على يد والده آية 1397 الله السيد جمال الدين وأبي الحسن الأصفهاني وغيرهم من الفطاحل رحمهمُ اللهُ حتّى حاز على درجة الاجتهاد (2) .

شمّرت للجهاد سيدة الإسلام * عن ذيل عزمها الصخّاب

لم تدعْ للمهاجرين والأنصار * رأياً إلا انمحى كالضباب

واستعانت بالحقِّ والحقُّ درعٌ * من إيمان وصارمٌ من صواب

رجمتهم بالمخزيات فآبوا * وهم يحملون سوءَ المآب

حججٌ كالنجوم ينثرُها الحقُّ * يرمي الشهاب إثرَ الشهاب

فهي إمِا عقل وإمّا حديث * جاء عن نص سنةٍ أو كتاب

فتهاوت أحلامهم كصروحٍ * شادها الوهم عالياً في السراب

آهِ لو لا ضعف النفوس لمّا * استرجع ركب الهدى على الأعقاب

ولما عادت الإمارة للقوم * وحازوا إمامة المحراب

ص: 168


1- شرح خطبة الزهراء لخ : 290
2- الترجمة من ديوانه _ بتصرف

واستقرت هوج العواصف لما * قابلتها سياسة الإرهاب

واختفى النص بالولاية لمّا * أظهر الكيد فكرة الانتخاب

أوقدَ الغدر في السقيفة ناراً * عَلُقتْ في مواكب الأحقاب

وتلاشى الغديرُ إلّا بقايا * تترامی بها بطونُ الشعاب

وتوالتْ مناظر مؤلمات * مثّلتها عداوة الأصحاب

من هجوم الأرج-اس بالناركي * تحرقَ بيتَ الأكارم الأطياب

وانكسار الضلع المقدس بالضغ * ط وسقطِ الجنين عند الباب

وانتزاع الوصي سحباً من الدار * بتيار ثورة الأعصاب

واغتصاب الحق الصريح جهاراً *باختلاف الأعذار للإغتصاب

آية الله السيد مهدي الحسيني الشيرازي

(1)

ولد في كربلاء سنة 1304 ھ . كان عالماً جليلاً من أئمة التدريس والجماعة والتقليد في كربلاء . وله مؤلفات جليلة، منها : (ذخيرة العباد)،

( ذخيرة الصلحاء ) ، ( الوجيزة ) ، وغيرها . توفي في كربلاء سنة 1380 ھ . ودفن فيها .

قال في مدح السيدة الزهراء علیها السّلام وبيان مصائبها (2) :

ظهرت زهرة زهراء البتول * فاستنار الكون من أنوارها

ص: 169


1- فاطمة الزهراء في ديوان الشعر العربي، عن أعيان الشيعة : 146/10
2- فاطمة الزهراء في ديوان الشعر العربي : 418

ولدت فاطمة بنت النبي * فاسقني كاس الهنا والطرب

واترك الزهد وهول اللَّهب * فهي الفاطمُ _ في اليوم المهول _

مذنبي شيعتها من نارها

إلى أن يقول:

فاطم سادتْ نساء البشر * بمزايا كسناء القمر

وغدت مفزعَ يوم المحشر * ليس فيما ترتضيه من نكول

فاسأل الأخبار في آثارها

فهنيئاً لمحّبيها النجاة * من عظيم الوزر من بعد الممات

كيف يخشى من عظيم السيئات * مَنْ تولّى فاطماً أمَّ الشبول

لا وربّي لم يذق من نارها

العداها الويل إذ عادوا النبي * وغدوا من ربهم في غضب

عمّروا بيتاً لهم من لهب * إذ بنار أحرقوا باب البتول

نارحقد بقيت أخطارها

لم يزل يغلي لهيب الكفر * في قلوب طبعت كالحجر

فغدا يحرق باب الغرر * باب فوز خیر باب للسؤول

هو باب الله في أقطارها

ص: 170

لهف نفسي لعزيز هضمت * ضربت طوراً وطوراً لطمت

وبأطوار الأذايا ظلمت * لهف نفسي لك يا بنت الرسول

لهفة تشكو الحشا من نارها

منعوا إرث أبيها علناً * وأزاحوا الفيء عنها إحناً

أسقطوا منها جنيناً محسناً * كسروا أضلعها يا للذحول

هجموا بغياً عليها دارها

لم تزل بعد أبيها فتنت * وبكت شجواً إلى أن زمنت

قتلت جهراً، وسرّاً دفنت * فبعين الله غارت في الرسول

بنت طه وعفا آثارها

الشيخ محمّد علي اليعقوبي

(1)

توفي سنة 1385 ھ . قال عنه صاحب أدب الطف :.... أديب خطيب وباحث كبير ، علم من أعلام الأدب وسند المنبر الحسيني، له اليد الطولى في توجيه الناس وإرشادهم ... ولد في النجف الأشرف في شهر رمضان سنة 1313 ھ . ونشأ برعاية والده الخطيب التقي والواعظ الشهير (2) .

ص: 171


1- ترجمته في أدب الطف : 10/ 194
2- نفس المصدر

قال من قصيدة له في رثاء أهل البيت علیهم السّلام (1) :

ولقد يعز على رسول * الله ما جنت الصحابه

قد مات فانقلبوا على * الأعقاب لم يخشوا عقابه

نعوا البتولة أن تنوح * عليه أو تبكي مصابه

لم يحفظوا للمرتضى * رحم النبوة والقرابة

لو لم يكن خير الورى * بعد النبي لما استنابه

قد أطفأوا نور الهدى * ولجت ذئاب القوم غابه

وعدوا على بنت الهدى * صرباً بحضرته المهابه

في أيّ حكم قد أباحوا * إرث فاطم واغتصابه

يیت النبوة بوة بيتها * شادتْ يدُ الباري قبابه

أذن الإله برفعه * والقوم قد هتكوا حجابه

عاشت معصبة الجبین * تئن من تلك (العصابه )

حتّى قضت وعيونها * عبری و مهجتها مذابه

وأمضّ خطب في حشا الإ * سلام قد أوری التهابه

بالليل واراها الوصي * وقبرها عفى ترابه

ص: 172


1- وفاة فاطمة الزهراء للسيد عبد الرزاق المقرم: 140

الشيخ إبراهيم المبارك

(1)

كان الشيخ إبراهيم المبارك من أفاضل الحوزة النجفية، ولد في قرية الهجير سنة 1326 ھ . وتوفي في البحرين سنة 1399 ھ .

قال في رثاء النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم والزهراء علیها السّلام (2) :

مات الرسول فماتت كل كائنة * وكدرت صفوة الدنيا بأكدار

وأصبحت حركات الكون ساكنة * والأرض مؤذنة منه بتسيار

وأظلمت صفحات الجوّ وانطبقت * دوائر الأفق واصطكت بإعصار

وأظهر الناس أحقاداً مؤكدةً * ضاقت ضمائرهم منها بإسرار

تقحموا منزل الزهراء واجترموا * وأضرموا النار في بابٍ وأستار

وأخرجوا حيدر الكرار واحتشدوا * لبغية الملك في شيء من النار

أما البتول فرضّوها بحائطها * رضاً يُوجههم للنار والعار

وأسقطوها جنيناً بعدما لطمو * ها لطمةً بقيت منها بآثار

والسوط ألم متنيها على ألمٍ * لاقته من رضِّ أضلاع وأفقار

تشكو إلى الناس لم تسمع شكايتها* فمن مهاجرة منهم وأنصار

وأتبعوا فِعلهم هذا بغصبهم ال * ميراث منها بموضوعات أخبار

حتى قضت وهي حرّى القلب شاكية * من كل باغٍ أثيم القلب ختار

ص: 173


1- موسوعة أدب المحنة : 520
2- نفس المصدر : 524

الملا حسن بن عبد الله آل جامع

(1)

ولد الشاعر حسن بن عبد الله بن إبراهيم آل جامع في حي القلعة من مدينة القطيف عام 1333 ھ . وتعلم القرآن والكتابة على يد الأجل الشيخ محمّد صالح البريكي، واشتغل في بداية حياته بالتجارة ثم انتقل بعدها إلى مهنة الكتابة .

زاول في فترة حياته الخطابة الحسينية، وكان ملازماً للعلماء ، محباً لهم، توفي رَحمه اللهُ في رجب سنة 1403 ھ عن عمر يناهز السبعين .

قال من قصيدة له في رثاء الزهراء علیها السّلام (2) :

وأعولت الأرض البسيطة مذ قضى * نبيُّ الهدى غوث الورى والأرامل

وقد بكت السبع الطباق له دماً * وأثكل شرع الله أفضل راحل

لقد فقد الإسلام أفضل مرسل * وأكرم مبعوثٍ أتى بالدلائل

قضى وعلى الزهراء ظلماً تواثبوا * وقادوا عليَّ المرتضى بالحمائل

لقد كسروا أضلاعها خلف بابها * وهم أسقطوها حملها غير كامل

وقد غصبوها إرثها فانثنت إلى * عليٍّ تنادي يا مبيد البواسل

أبا حسنٍ ترضى بهضمي وذلتي * وارثي مغصوب بأيدي الأراذل

ص: 174


1- موسوعة أدب المحنة : 543
2- ديوان الملا حسن بن عبد الله آل جامع

من نتائج البحث

لقد مرّ علينا الكثير جدّاً من الروايات، وتمّ الاستدلال بها على ما أوردت لأجله . ولكن تبقى هناك ثمرات لابدّ من اقتطافها ، ونقاط لابدّ من إنارتها ، إكمالاً للفائدة ، وإتماماً لما ينبغي أن نستفيده منها ، وجمعاً لشتاتها، فنقول :

أولاً: الآمر بالهجوم هو أبو بكر ابن أبي قحافة، ودلّ على ذلك أكثر الروايات السابقة ، فمنها : رواية ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة (1) ، وابن عبد ربه في العقد الفريد (2) ، والبلاذري في أنساب الأشراف (3) ، وابن جرير في تاريخه (4) ، وغيرهم كثير ، فراجع إن شئت.

ثانياً : المهدِّد بإحراق بيت النبوة علیهم السّلام هو عمر بن الخطاب، ودلّ على ذلك أكثر الروايات السابقة، فمنها : رواية ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة (5) ، وكنز العمال (6) ، وابن عبد ربه في العقد الفريد (7) ، والبلاذري في أنساب الأشراف (8) .

ص: 175


1- الإمامة والسياسة _ لابن قتيبة _ : 12/1
2- العقد الفريد _ لابن عبد ربه _ : 63/3
3- أنساب الأشراف _ للبلاذري _ : 556/1
4- تاریخ ابن جریر: 619/1
5- الإمامة والسياسة _ لابن قتيبة _ : 12/1
6- كنز العمال: 140/3
7- العقد الفريد لابن عبد ربه : 63/3
8- أنساب الأشراف للبلاذري : 556/1

ثالثاً : العصابة التي شاركت في الهجوم ، منها :

(1) عمر بن الخطاب ، ودلّ على ذلك أكثر الروايات السابقة فمنها : رواية اليعقوبي في تاريخه (1) ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة (2) ، وابن أبي الحديد في شرحه (3) ، والشيخ المفيد في كتاب الاختصاص (4) وغيرهم .

(2) خالد بن الوليد، ودلّ على ذلك مجموعة من الروايات، وهي رواية المجلسي في بحاره (5) ، وابن أبي الحديد في شرحه (6) ، والشيخ المامقاني في تنقيح المقال في ترجمة خالد بن الوليد (7) ، وسليم بن قيس الهلالي (8) .

(3) قنفذ مولى عمر ، ودلّ على ذلك مجموعة من الروايات، منها: رواية ابن شهر آشوب في المناقب، والمجلسي في بحاره (9) ، والعيّاشي في تفسيره (10) ، وسليم بن قيس الهلالي في كتابه (11) .

(4) مغيرة بن شعبة ، ودلّ على ذلك رواية الطبرسي في الاحتجاج (12) ، وسليم

ص: 176


1- تاريخ اليعقوبي : 126/2؛ وشرح الخطبة : 239
2- الإمامة والسياسة : 4/1
3- شرح ابن أبي الحديد : 132/1
4- الاختصاص : 185
5- بحار الأنوار: 18/53
6- شرح ابن أبي الحديد : 19/2
7- تنقيح المقال - للشيخ المامقاني-:394/1
8- سلیم بن قيس الهلالي : 21
9- بحار الأنوار: 18/53
10- تفسير العياشي : 307/2 - 308
11- کتاب سلیم بن قيس الهلالي: 21
12- الاحتجاج - للطبرسي - : 277

بن قيس الهلالي (1) .

(5) زياد بن لبيد، ودلّ على ذلك رواية أبي بكر الجوهري في كتابه السقيفة وفدك (2)

(6) أسيد بن حضير، ودلّ على ذلك رواية ابن أبي الحديد في شرحه (3) ، والعلّامة الحلّي ( قدس سره ) في كتابه نهج الحق وكشف الصدق (4) نقلاً عن الواقدي، وسليم بن قيس الهلالي (5) .

(7) سلمة بن أسلم (سلامة)، ودلّ على ذلك رواية ابن أبي الحديد في شرحه (6) والعلّامة الحلّي (قدس سره) في كتابه نهج الحق وكشف الصدق (7) نقلاً عن الواقدي .

(8) زيد بن أسلم، ودلّ على ذلك رواية ابن خنزابة في كتابه الغرر (8) .

(9) عبد الرحمن بن أبي بكر ، ودلّ على ذلك رواية المجلسي في بحاره (9) .

(10 ) أبو عبيدة بن الجرّاح ، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وبشير

بن سعد، ودلّ على ذلك رواية سليم بن قيس الهلالي (10) .

ص: 177


1- کتاب سليم بن قيس الهلالي: 21
2- (2) السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري : 50
3- شرح ابن أبي الحديد: 132/1
4- نهج الحق وكشف الصدق - للعلامة الحلّي - : 271
5- کتاب سلیم بن قيس الهلالي : 21
6- شرح ابن أبي الحديد: 132/1
7- نهج الحق وكشف الصدق - للعلّامة الحلي - : 271
8- بحار الأنوار: 339/28؛ ودلائل الصدق : 78/3
9- بحار الأنوار: 18/53
10- کتاب سليم بن قيس الهلالي: 21

رابعاً : الّذين باشروا بضرب الصدّيقة الزهراء علیها السّلام :

(1) عمر بن الخطاب، ودلّ على ذلك روايات كثيرة منها : رواية الشهرستاني في الملل والنّحل (1) ، وابن حجر في لسان الميزان في حرف الألف (2) ،والوافي بالوفيات (3) ، وابن قولويه في كامل الزيارات (4) . وغير ذلك من الروايات التي مرّت عليك .

(2) خالد بن الوليد، ويدلّ على ذلك رواية المجلسي في بحاره (5) ، والشيخ المامقاني في تنقيح المقال في ترجمة خالد بن الوليد(6) .

(3) قنفذ مولى عمر ، ويدلّ على ذلك روايات كثيرة منها : رواية المجلسي في بحاره (7) ، وابن شهر آشوب في المناقب (8) ، والعياّشي في تفسيره (9) ، والطبري فى دلائل الإمامة (10) .

(4) مغيرة بن شعبة ، ودلّ على ذلك رواية الطبرسي في الاحتجاج (11) ، والمجلسي في بحاره (12) .

ص: 178


1- الملل والنحل للشهرستاني : 57/1
2- لسان الميزان في حرف الألف - لابن حجر - : 266/1
3- الوافي بالوفيات : 14/5
4- كامل الزيارات - لابن قولويه - 332
5- بحار الأنوار : 18/53
6- تنقيح المقال - للشيخ المامقاني - : 394/1
7- بحار الأنوار: 18/53
8- بحار الأنوار : 233/43 ب 9 ح 10
9- تفسير العياشي : 307/2 - 308
10- دلائل الإمامة : 45 ، وقد صححنا هذه الرواية في أواخر الكتاب فانتظر
11- الاحتجاج - للطبرسي - : 277
12- بحار الأنوار : 18/53

خامساً : الذين كانوا في دار أمير المؤمنين علیه السّلام حين الهجوم على الدار، أصحابها ، مع أناس من بني هاشم (1) ، وجماعة من المهاجرين والأنصار (2) ، وذكر في الروايات منهم:

(1) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام ، ويدلّ على ذلك كلّ الروايات تقريباً، فراجع إن شئت .

(2) سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء علیها السّلام ، ويدلّ على ذلك كلّ الروايات تقريباً، فراجع إن شئت.

(3) أولاد علي وفاطمة علیهما السّلام ، ويدلّ على ذلك الكثير من الروايات منها: ابن خنزابة في كتابه الغرر (3) ، والشهرستاني في الملل والنحل (4) ، والعيّاشي في تفسيره (5) ، والمجلسي في بحاره (6) .

(4) فضّة - أمة الزهراء علیها السّلام - ودلّ على ذلك رواية المجلسي في بحاره، والطبري فى دلائل الإمامة (7) .

(5) العباس، ويدلّ على ذلك رواية العلّامة الحلّي (قدس سره) في كتابه نهج الحق وكشف الصدق (8) نقلاً عن ابن عبد ربّه .

ص: 179


1- السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري : 50
2- تاريخ اليعقوبي : 2/ 126 ، وشرح الخطبة : 239
3- بحار الأنوار: 339/28؛ ودلائل الصدق : 78/3
4- الملل والنحل - للشهرستاني - : 5/71
5- تفسير العياشي : 307/2 - 308
6- بحار الأنوار : 14/53
7- دلائل الإمامة : 45 ، وقد صححنا هذه الرواية في أواخر الكتاب ، فانتظر
8- نهج الحق وكشف الصدق - للعلامة الحلّي - : 271

(6) الزبير، ويدلّ على ذلك مجموعة من الروايات منها : روايه الطبري في تاريخه (1) ، وأبي بكر الجوهري في كتابه السقيفة وفدك (2) ، وابن أبي الحديد في شرحه (3) ، والشيخ المفيد في أماليه (4) .

(7) المقداد: ورد بهذا اللفظ في إحدى روايتي أبي بكر الجوهري في كتابه السقيفة وفدك (5) ، ورواية الشيخ المفيد في أماليه (6) ، وورد بلفظ (المقداد بن الأسود) في الرواية الأخرى لأبي بكر الجوهري في كتابه السقيفة وفدك (7) ، وورد بلفظ ( المقداد بن عمر بن عمر ) في تاريخ أبي الفداء (8)

(8) طلحة ، ويدلّ على ذلك رواية الطبري في تاريخه (9) .

(9) سعد بن أبي وقاص، ويدلّ على ذلك رواية أبي بكر الجوهري في كتابه السقيفة وفدك (10) .

(10) عتبة بن أبي لهب، وخالد بن سعيد بن العاص، وسلمان الفارسي ، وأبوذر، وعمّار بن ياسر ، والبرّاء بن عازب، وأبي بن كعب ، في تاريخ أبي الفداء (11) .

ص: 180


1- تاريخ الأمم والملوك - للطبري - : 443/2
2- السقيفة وفدك - لأبي بكر الجوهري : 38
3- شرح ابن أبي الحديد : 132/1
4- أمالي الشيخ المفيد : 38
5- السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري : 38
6- أمالي الشيخ المفيد : 38
7- السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري : 38
8- تاريخ أبي الفداء : 1 / 164 ، وفي طبعة أخرى ص 156
9- تاريخ الأمم والملوك - للطبري - : 443/2
10- السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري : 50
11- تاريخ أبي الفداء : 1 / 164 ، وفي طبعة أخرى ص 156

ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا البحث، هو أنّ الطريقة التي جمعنا بها الروايات ، هي طريقة العلماء المسلمين قاطبة في كلّ الروايات.

فإنّه إذا وردت رواية تذكر أنّ عمر ضرب الصدّيقة الزهراء علیها السّلام ورواية أخرى تذكر أنّ قنفذاً فعل ذلك الفعل الشنيع أيضاً ، فيحمل على تعدد الفعل من الاثنين.

بل إنّ نسبة الضرب بالسوط تارة وبالرِّجْل تارة أخرى إلى شخص واحد، يحمل على تعدد الفعل منه ، ولا يجد علماء المسلمين كافّة أي تعارض وتنافٍ في البين، وهكذا في باقي نقاط البحث ، فلا تغفل .

ص: 181

ص: 182

شبهات وردود

اشارة

• الشبهة الأولى : هذا قول مجتهد

• الشبهة الثانية : مع أحدهم

• الشبهة الثالثة : صحة الرواية

• الشبهة الرابعة : الباب

ص: 183

ص: 184

الشبهة الأولى : هذا قول مجتهد

اشارة

إنّ الحديث حول الفقيه من الأحاديث المألوفة، وكلّنا يعلم أنّ هذه الطائفة الحقّة هي من المخطّئة، بمعنى أن الفقيه يمكن أن يصيب الواقع كما يمكن أن يُخطئه، لأنّ الواقع محفوظ ، ولذا لا تكون كلّ أقواله مصيبة للواقع وبهذا المعنى امتلأت كتب أصول الفقه، وهذا أمر يدركه العامّة قبل الخاصّة ، واتفق عليه جمهور العقلاء ما عدا الأشاعرة ، وبعض المعتزلة ، وليس حديثنا معهم.

ولتأكيد هذا الأمر البديهي حيث أصبحت البدّيهيّات بحاجة إلى إثبات، لوجود التشكيك في كلّ شيء ما عدا الباطل ، فلا بأس بأن نورد مقطعاً من بعض تقريرات بحث آية الله الخوئي رَحمه اللُه فقال (1) : «تبيّن أنّ المجتهد قد يصيب في استنباطاته فيطابق رأيه الواقع وقد يخطئ» .

ويشترط في قبول قول من يدّعى أنه فقيه شروط ، نذكر أهمّ ثلاثة شروط أساسية مذكورة في جميع الرسائل العملية (2) وهي:

ص: 185


1- التنقيح : 43/1
2- راجع كلام السيد الخوئي في منهاج الصالحين الجزء الأول في التقليد، نقلناه بتصرف

الأول : الاجتهاد : ولا يثبت اجتهاده بمجرّد دعواه ، أو التفاف المصلحيين حوله ، بل لابد من حصول أحد أمور ثلاثة :

(1) العلم بحيث يكون الشخص من أهل الخبرة والمعرفة والاستدلال، فيكون قادراً بنفسه على تشخيص المجتهد من غيره.

(2) الشياع : بين أهل العلم المفيد للاطمئنان ، ولا يعتبر الشياع بين العوام من الناس ما لم يكن مستنداً إلى أهل العلم ، وكذلك لا يعتبر الشياع بين فئة حزبية أو غيرها وإن تزيَّى بزي أهل العلم، لأن المرجعية لا تقوم على أساس قرار سياسي أو حزبي.

(3) البيّنة : فيشهد شاهدان مؤمنان عدلان باجتهاد شخص ويشترط فيهما أن يكونا من أهل الخبرة في استنباط الأحكام الشرعيّة من مداركها، فلا تقبل شهادة الشخصين ما لم ثبت عدالتهما وإن كانا من أهل الخبرة .

الثاني: العدالة : وهي عبارة عن الاستقامة في جادة الشريعة المقدّسة، وعدم الانحراف عنها يميناً وشمالاً بأن لا يرتكب معصية بترك واجب أو فعل حرام من دون عذر شرعي، ولا فرق في المعاصي من حيث تحقق العدالة بین الصغيرة والكبيرة.

وتثبت العدالة بأحد أمور ثلاثة :

(1) العلم اليقيني : الحاصل بالاختبار أو بغيره بحيث يكون هناك يقين وجزم لا يداخله شك في العدالة .

(2) شهادة العدلين : بأنّ فلاناً عادل ، ولا يبعد ثبوتها بشهادة العدل الواحد، بل بشهادة مطلق الثقة .

(3) حسن الظاهر : والمراد حسن معاشرته مع الآخرين وسلوكه الديني

ص: 186

المعروف بين الناس، بحيث لو سألت الناس عنه لقيل لك : لم نرَ منه إلا خيراً .

الثالث : الإيمان : والمراد به أن يكون اثني عشريّاً، عرف منه الولاء للأئمة الطاهرين علیهم السّلام ، معتقداً فيهم ما تعتقده الطائفة الحقّة، فلو كان غير معتقد بعصمتهم مثلاً ولو بالشّك في ذلك فيقول : الظاهر أنّ أهل البيت معصومون ، فلا يعتبر مؤمناً لأنّه يشترط في الإيمان الجزم والقطع بذلك ، وكلمة الظاهر تُنبئ عن الشك لا اليقين.

ولا بأس بنقل كلام أستاذ مراجع عصرنا السيد الخوئي رحمه اللهُ فيما يتعلّق بالشرطين الثاني والثالث فقال (1) :

«إلّا أنّ مقتضى دقيق النظر اعتبار العقل والإيمان والعدالة في المقلَّد بحسب الحدوث والبقاء، والوجه في ذلك ؛ أن المرتكز في أذهان المتشرعة الواصل ذلك إليهم يداً بيد عدم رضا الشارع بزعامة من لا عقل له ، أو لا إيمان أو لا عدالة له .

بل لا يرضى بزعامة كلِّ مَن له منقصة مسقطة له عن المكانة والوقار ، لأن المرجعية في التقليد من أعظم المناصب الإلهية بعد الولاية، وكيف يرضى الشارع الحكيم أن يتصدى لمثلها من لا قيمة له لدى العقلاء والشيعة المراجعين إليه ؟ وهل يحتمل أن يرجعهم إلى رجل يرقص في المقاهي والأسواق، أو يضرب بالطنبور في المجامع والمعاهد ويرتكب ما يرتكبه من الأفعال المنكرة والقبائح ، أو من لا يتدين بدين الأئمة الكرام، ويذهب إلى مذاهب باطلة عند الشيعة المراجعين إليه ؟!!

ص: 187


1- التنقيح : 223/1

فإنّ المستفاد من مذاق الشرع الأنور، عدم رضا الشارع بإمامة من هو كذلك في الجماعة، حيث اشترط في إمام الجماعة العدالة، فما ظنك بالزعامة العظمى ، التي هي من أعظم المناصب بعد الولاية.

إذن احتمال جواز الرجوع إلى غير العاقل أو غير العادل مقطوع العدم، فالعقل والإيمان والعدالة معتبر في المقلَّد حدوثاً ، كما أنها معتبرة فيه بحسب البقاء، لعين ما قدمناه في اعتبارها حدوثاً» .

وأمّا البحث عن مدى قبول قول الفقيه :

للفقيه شؤونه في الفتيا والقضاء والحكم بين الناس، و تولي الأمور الحسبية التي لابدّ من قيام أحد بها مع عدم وجود القائم عليها، كالولاية على الأيتام مع عدم وجود وصي شرعي عليهم ، وكذلك المجانين على تفصيل يذكر في كتب الفقه ليس هذا محلّه ، وكذلك الأوقاف من مساجد وغيرها ، إذا لم يكن هناك متولي شرعي لها، ويثبت له البعض حكمه بثبوت الهلال، وقد قال عن هذا أستاذ فقهاء عصرنا السيد الخوئي : « فيه إشكال بل منع » (1) .

وحكم الحاكم إذا كان معتبراً يشترط فيه أمران (2) :

الأول : أن يكون جامعاً للشرائط التي منها ما تقدّم من اشتراط الاجتهاد والعدالة والإيمان.

الثاني : أن لا يعلم بمخالفته للواقع ، أو كان ذلك الحكم صادراً عن تقصير في المقدّمات.

ص: 188


1- المنهاج : 294/1
2- راجع المنهاج للسيد الخوئي : 11/1

بقي الكلام عن الأمور الاعتقاديّة

لاشك ولا شبهة في أنّه لا يجوز التقليد في الأمور الاعتقادية، ولو صحّ ذلك لصححنا أعمال واعتقادات جميع الملل والنحل، ملحدةً وغيرها ، فلا حق يعرف، ولا باطل يتميّز ، حتى من نصب العداء لأهل بيت العصمة علیهم السَّلام عن تقليد

بل إنّ أصل مسألة التقليد ليست تقليديّة، وخير بيان لذلك هو قول أستاذ فقهاء عصرنا السيد الخوئي رحمه اللهُ حيث يقول :(1) :

«إنّا قد اسبقنا ، أنّ كل مكلف يعلم _ علماً إجمالياً _ بثبوت أحكام إلزامية في الشريعة المقدّسة ، من وجوب أو تحريم ، وبه تنجزت الأحكام الواقعية عليه ، وهو يقتضي الخروج عن عهدتها ، لاستقلال العقل بوجوب الخروج عن عهدة التكاليف المتوجهة إلى العبد من سيده.

والمكلف لدى الامتثال ، إما أن يأتي بنفس الواجبات الواقعية، ويترك المحرمات، وإما أن يعتمد على ما يعذّره على تقدير الخطأ _ وهو ما قطع

بحجيته _ إذ لا يجوز لدى العقل الاعتماد على غير ما علم بحجيته ، حيث يحتمل معه العقاب.

وعلى هذا يترتب أنّ العامي لابد _ في استناده إلى فتوى المجتهد _ أن يكون قاطعاً بحجيتها في حقه، أو يعتمد في ذلك على ما يقطع بحجيته، ولا يسوغ له أن يستند في تقليده على ما لا يعلم بحجيته، إذ معه يحتمل العقاب على أفعاله وتروكه .

ص: 189


1- التنقيح : 82/1

وعليه لا يمكن أن تكون مسألة التقليد تقليدية، بل لابد أن تكون ثابتة بالاجتهاد . نعم ، لا مانع من التقليد في خصوصياته، كما يأتي عليها الكلام، إلّا أن أصل جوازه لابد أن يستند إلى الاجتهاد».

ومن ذلك ضروريّات المذهب التي عرف عدم الخلاف فيها عند الطائفة الحقة ، كوجوب الصلوات الخمس ، وعدد ركعاتها وما إلى ذلك مما لا يصح فيه التقليد، ولا يصحّ لمجتهد أن يجتهد فيها فيقول بخلاف الضرورة.

فتبيّن مما سبق أنّه ليس كلّ من يدّعي الفقاهة فهو فقيه، وليس كلّ من يدّعى العدالة فهو عادل، وليس كلّ من يدّعي الإيمان فهو مؤمن، ولا يصحّ التقليد في كلّ شيء.

ولذا ورد عن أهل بيت العصمة علیهم السّلام أنّه لا يجوز أن يُقلّد كلّ من يدّعي الفقاهة ، وذكروا لنا ذلك في مقام التحذير حتى لا يأتي الشخص في يوم القيامة ويقول إنّ فلاناً فقيه، فهذه رواية الإمام العسكري علیه السّلام ، ومن الواضح أنّ الرواية لكونها من الإمام العسكري علیه السّلام ، وزمانه قريب من زمان الغيبة، تنبئ عن أن المراد من الفقهاء فيها هم الذين في مثل زماننا من أزمنة الغيبة، لعدم جدوى

في زمانهم صلوات الله وسلامه عليهم فإنّ أي انحراف في ذلك الزمان يكفيه إبلاغ من قبل الإمام علیه السّلام حتى ينتهي كلّ شيء .

وهذه الرواية وإن كانت قد اعتبرت من حيث السند ضعيفة، إلّا أنّها مؤيّدة في مضمونها بالروايات الأخرى.

وقد عبّر عنها شيخ الفقهاء في عصره وإلى زماننا هذا _ حيث أنّ كتبه محلّ درس وبحث إلى الآن _ الشيخ الأنصاري رحمه اللهُ فقال بعد إيراد الرواية الآتية: «هذا الخبر الشريف اللائح منه آثار الصدق » (1) .

ص: 190


1- فرائد الأصول : 200/1

ويدرك هذا ويحس به كلّ من عاش مع أهل بيت العصمة بحسّه ووجدانه، ويكفي هذا الحديث الشريف أنّه مع وجود الفاصل الزمني بيننا وبين

زمن الرواية إلّا أنّها تتحدّث وكأن المتحدّث قالها في زماننا لشدّة ملابستها لواقعنا الحالي، وهذا شأن كلام أهل بيت العصمة علیهم السّلام حيّ ونور على مدى العصور.

أمّا الرواية، فيرويها الطبرسي رحمه اللهُ في الاحتجاج (1) ، وهي طويلة جدّاً نقتطف منها ما يناسب نقله في هذا البحث، وسنورد بعض التعليق في أثناء نقله، مساهمة في وضوح الأمر، إن شاء الله تعالى :

روي عن مولانا الإمام الحسن العسكري علیه السّلام انه قال :

« وكذلك عوام أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر ، والعصبية الشديدة، والتكالب على حطام الدنيا وحرامها ، وإهلاك من يتعصبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقاً، وبالترفرف بالبر والإحسان على من تعصبوا وان كان للإذلال والإهانة مستحقاً».

نرى هذا الصنف يتقرّب للأغنياء أصحاب الأموال، ومن له مصلحة شخصيّة ،معه تزيده شهرة وأتباعاً ، وهذا ما يفرزه المفهوم الحزبي في عصرنا ، فإنّ كلّ من كان معهم ومنتمي لجماعتهم فهو حريٌّ بالبر والإحسان وإن كان فاسقاً فاجراً للإهانة مستحقاً، ومن كان على غير هواهم وليس منتمياً إليهم فلا يستحق عندّهم شيئاً ويهان وإن كان مؤمناً خيّراً مستحقاً للبرّ والصلة.

«فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء، فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة ،فقهائهم ، فأما من كان مِن الفقهاء صائناً لنفسه،

حافظاً لدينه مخالفاً على هواه ، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلّا

ص: 191


1- الاحتجاج للطبرسي : 457

بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فإنّه من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة العامة فلا تقبلوا منهم عنّا شيئاً ، ولا كرامة ، وإنّما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك، لأنَّ الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه بأسره بجهلهم ، ويضعون الأشياء على غير وجهها لقلة معرفتهم، وآخرون يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنم .

ومنهم قوم نُصّاب لا يقدرون على القدح فينا، يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شیعتنا».

يدرسون في الحوزات مثلاً ، أو يقرأون أحاديث أهل البيت علیهم السّلام ، فيعرفون شيئاً من علوم محمّد وآل محمّد صلّی اللهُ علیه وآله ، فبذلك يصبحون وجهاء عند الشيعة، وينصّبون أنفسهم رموزاً قياديّة _ حسب المصطلح العصري _ ومراجع للتقليد .

« وينتقصون بنا عند نصّابنا ، ثم يضيفون إليه أضعافه وأضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براء منها ، فيتقبله المستسلمون من شيعتنا ، على أنه من علومنا، فضلوا وأضلوا ، وهم أضرّ على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي علیهما السّلام وأصحابه ، فإنهم يسلبونهم الأرواح والأموال».

فكم دم سفك ؟! وكم عرض انتهك ؟! وكم مال سلب ؟ ! لأيتام آل محمّد صلوات الله وسلامه عليهم باسمهم وبشعارات كاذبة عليهم وهم منه براء.

« وهؤلاء علماء السوء الناصبون ، المتشبهون بأنهم لنا موالون ، ولأعدائنا معادون ، ويدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا ، فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب».

وما أكثر الشبهات والتشكيكات في هذا العصر من هؤلاء، فتارة يشككون في ظلم الزهراء علیها السّلام ، وتارة يشككون في الولاية التكوينيّة، وتارة

ص: 192

يشككون في العصمة وغير ذلك من الموارد الفقهيّة حتى تجلّت الإباحية جناية على علوم محمّد وآله صلّی اللهُ علیه وآله ، والله ينقذ ضعفاء الشيعة الذين لا وضوح عندهم للحق ويريدون الحق صادقين ولا يتركهم في تلبيس هذا المتلبّس.

« لا جرم أنَّ من علم الله من قلبه من هؤلاء القوم من قلبه من هؤلاء القوم أنه لا يريد إلّا صيانة دينه ، وتعظيم ،وليه ، لم يتركه في يد هذا المتلبس الكافر، ولكنَّه يقيّض له مؤمناً يقف به على الصواب ، ثم يوفقه الله للقبول منه ، فيجمع الله له بذلك خير الدنيا والآخرة، ويجمع على من أضله لعناً في الدنيا وعذاباً في الآخرة».

أما العلماء العاملون، والمدافعون عن حريم الولاية، والمجنّدون أنفسهم رباطاً في سبيل الله ، فلم يخلُ زمان منهم، فمنهم من قضى نحبه ولقي ربّه مشكوراً على عمله، ومنهم من ينتظر لقاء ربّه ليجزيه بما عمل من خير، وما بدّلوا في دين الله ، بل شيّدوه ساهرين الليالي في إعلاء كلمة الحق ، أولئك الذين عناهم الله سبحانه وتعالى بقوله : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير) (1) أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة.

وهم خير خلق الله بعد أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كما روي عن أمير المؤمنين علیه السّلام حيث قيل له : من خير خلق الله بعد أئمّة الهدى، ومصابيح الدجى فقال: «العلماء إذا صلحوا » (2) .

نسأل الله سبحانه وتعالى التسديد والتوفيق ، للعلم والعمل الصالح، إنّه بالإجابة جدير، وعلى كلّ شيء قدير.

ص: 193


1- سورة المجادلة : 11/58
2- الاحتجاج : 458

ص: 194

الشبهة الثانية :مع أحدهم

بينما كنت أكتب بعض فصول هذا الكتاب قيل لي : إنّ هناك عالماً قال بمثل مقالة ورأي هذا الرجل المعاصر، فليس هو الوحيد والمتفرّد بهذا القول، فقد سبقه غيره، وطلبت الكتاب لأطلع عليه ، والواقع إنني لم أكن متوقعاً أن أفاجأ بما قرأت، فلقد قرأت ما كادت روحي تزهق من هوله ، وعيني تقطر دماً من فجيعته، وقلبي ينفطر من فظاعته، فضاقت فظاعته، فضاقت بي الدنيا ، فأحسست بأن قلب محمّد صلِّ اللهُ علیه وآله قد أصيب بسهم مسموم ، لم أرَ ولم أسمعْ بمثله قط ممن يُدّعى لهم ما يُدّعى من المناصب الإلهيّة، والقربات المحمّدية.

وهذا المعاصر أراد أن يؤيّد قوله بمثل هذه الشطحات فخالف الكلّ وتشدّق بالخارج عن اتّفاق دين الحق !!

والذي ألحظه على هذا المعاصر أنّه يبحث ويتصيد العثرات ، ثم یعتبرها ديناً ، يتشبث بأي قول ولو كان أكل عليه الدهر وشرب، فيجعله انفتاحاً وتقدماً وإبداعاً، ويترك صريح الحق ، لأنّه كما يقول المثل: خالف تُعرف.

وعلى كلّ حال علينا أن ننقل عبارة صاحب الكتاب، ثمّ نعلّق عليها بما

ص: 195

يلهمني به ربي سبحانه وتعالى، وسيكون كلامه بين قوسين هكذا « » ، والله المسدد للصواب.

قال في كتابه :

«طفحت و استفاضت كتب الشيعة من صدر الإسلام والقرن الأول مثل کتاب سلیم بن قيس ومن بعده إلى القرن الحادي عشر وما بعده بل وإلى يومنا ، كل كتب الشيعة التي عنيت بأحوال الأئمة وأبيهم الآية الكبرى وأمهم الصديقة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين، وكلّ من ترجم لهم وألّف كتاباً فيهم أطبقت كلمتهم تقريباً أو تحقيقاً في ذكر مصائب تلك البضعة الطاهرة أنها بعد رحلة أبيها المصطفى ضرب الظالمون وجهها ، ولطمو خدّها حتى احمرّت عينها وتناثر قرطها ، وعصرت بالباب حتى كسر ضلعها وأسقطت جنينها وماتت وفي عضدها كالدّملج.

ثمّ أخذ شعراء أهل البيت سلام الله عليهم هذه القضايا والرزايا ونظموها في أشعارهم ومراثيهم، وأرسلوها إرسال المسلّمات من الكميت والسيد الحميري ودعبل الخزاعي والنميري والسلامي وديك الجن ومن بعدهم ومن قبلهم إلى هذا العصر، وتوسّع أعاظم شعراء الشيعة في القرن الثالث عشر والرابع عشر الذي نحن فيه كالخطّي والكعبي والكوازين وآل السيّد مهدي الحليين وغيرهم ممن يعسر تعدادهم ويفوت الحصر جمعهم وأحادهم.

وكلّ تلك الفجائع والفظائع وإن كانت في غاية الفظاعة والشناعة ومن موجبات الوحشة والدهشة ولكن يمكن للعقل أن يجوزّها وللأذهان والوجدان أن يستسيغها وللأفكار أن تقيلها وتهضمها ولاسيما وأن القوم قد اقترفوا في قضية الخلافة وغصب المنصب الإلهي من أهله ما يعدّ أعظم وأفظع».

ص: 196

كلام في غاية الروعة ، ومنتهى الحق والصواب ، بل هو محض الحق الذي لا مرية فيه ولا شبهة تعتريه، وهو اعتراف جليل، وحجّة دامغة على كلّ من ينكر إجماع الطائفة الحقّة، وتأكيد لما ذكره شيخ الطائفة الطوسي من إجماع، وليته عند هذا الحدّ سكت، أو انكسر قلمه فلم يجد ما يتمّ به مقاله ، أو أتته المنيّة وهو صادع بهذا الحق، ولكنّه قال بعد ذلك : لكن ... وما أدراك ما بعد لكن، فأقرأ معي قراءة الواعي الناقد الطالب للحق من أهله، الذي لا تأخذه في الله لومة لائم ، واجعل نصب عينيك حقّاً لمحمد وآله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم وهو نصرتهم وإن گكان القائل أباك أو أقرب من ذلك.

«ولكن قضيّة ضرب الزهراء ولطم خدّها ، مما لا يكاد يقبله وجداني، ويتقبّله عقلي، ويقتنع به مشاعري » .

أيُّ وجدان هذا لا يقبل ما أجمعت عليه الطائفة الحقّة الذي اعترفت به ؟! وأيُّ عقل هذا لا يتقبل المتسالم عليه عند أهل الحق بشتّى أصنافهم من علماء وخطباء وكتّاب وشعراء وغيرهم فأصبح بديهة من بديهياّت الحق كما اعترفت به في صدر مقالتك ؟! وأيُّ مشاعر هذه لا تقبل ما قبلته مشاعر وأحاسيس أهل الحق ؟! أم تقول أهل الحق فقدوا وجدانهم وعقولهم ومشاعرهم ؟!!

« لا لأنّ القوم يتحرّجون ويتورّعون من هذه الجرأة العظيمة، بل لأنّ السجايا العربية والتقاليد الجاهليّة التي ركّزتها الشريعة الإسلامية وزادتها تأييداً وتأكيداً تمنع بشدّة أن تضرب المرأة ، أو تمدّ إليها يد سوء، حتى إنّ في بعض كلمات أمير المؤمنين علیه السّلام ما معناه: أنّ الرجل كان في الجاهليّة إذا ضرب المرأة يبقى ذلك عاراً في أعقابه ونسله».

أي سجايا عربية يتحدّث عنها هذا؟! ألا يعتقد أنّ القوم قد مسخوا،

ص: 197

وقلوبهم قدران وطبع عليها ، وأنّهم أخبث خلق الله على الإطلاق ؟! أيعتقد في هؤلاء شيئاً من العادات الحسنة، والسجايا الطيّبة ؟! ولو أنصف هذا الرجل ،وراجع التاريخ لوجده حافلاً بالخزي الذي ينزّه عنه اللسان والبيان، ويأتيك شيء من هذا في زنا المغيرة بن شعبه، وهو أحد الذين تجرّؤوا على الزهراء كما مرّ .

« ويدلك على تركّز هذه الركيزة ، بل الغريزة فى المسلمين، وأنّها لم تفلت من أيديهم ، وإن فلت منهم الإسلام ».

إذا كان فلت الإسلام منهم ، فلم عبّرت عنهم بالمسلمين ؟! ومن فلت منه الإسلام _ وفيه كل القيم _ فلماذا تستبعد أن تفلت منهم كلّ القِيَم ؟!

« إن ابن زياد وهو من تعرف في الجرأة على الله وانتهاك حرماته ، لمّا فضحته الحوراء زينب علیها السّلام وأفلجته وصيّرته أحقر من نملة، وأقذر من قملة ، وقالت له : ثكلتك أمّك يا ابن مرجانة ، فاستشاط غضباً من ذكر أمّه ، التي يعرف أنّها من ذوات الأعلام، وهمّ أن يضربها ، فقال له عمرو بن حريث وهو من رؤوس الخوارج وضروسها : إنّها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها .

فإذا كان ابن مرجانة امتنع من ضرب العقيلة خوف العار والشنار ، وكلّه عار وشنار وبؤرة عهار مع بعد العهد من النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم، فكيف لا يمتنع أصحاب النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم مع قرب العهد به من ضرب عزیزته ؟!».

هل تقيس ابن مرجانة وأمثاله من بؤر العهار ، بمن أسس أساس الظلم ، وورد فيهم من الروايات المصرّحة بمشاركتهم لكل ذنب وقبيح فُعل ويُفعل إلى يوم القيامة ؟ ! علاوة على ذلك ، أليس ابن زياد عربيّاً ؟! فلِمَ لم تمنعه عروبته من ذلك حتى لا يحتاج إلى مثل عمرو بن حريث كي يردعه ؟!

ص: 198

ولماذا العروبة لم تمنع من صهّاك ومرجانة وتمنع أن تضرب امرأة؟! وأي عار أكبر عندهم أن يكون ابناً لذوات الأعلام ، أم يضرب امرأة ؟! فإن كنت

تعني بالعادات العربيّة تلك المثل والقيم الموروثة الطيّبة فهؤلاء قد انسخلوا منها ، وإن عنيت بذلك أنّهم على مثل هذه القيم، فقد زغت عن الحق ، أما قرأت قول الإمام الحسين علیه السّلام وهو مضرج بدمه المقدس، والقوم يريدون الحرم والأطفال :

ويحكم يا شيعة الشيطان، إن لم يكن لكم دين، ولا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً وارجعوا إلى أنسابكم إن كنتم أعراباً كما تزعمون ، أنا الذي

أقاتلكم ، فكفّوا سفهاؤكم وجهالكم عن التعرض لحرمي (1) .

فطالبهم الحسين علیه السّلام بأنسابهم إن كانوا أعراباً يحملون شيئاً من العادات الحسنة ، وما ذلك إلّا لإثارة شيء في نفوسهم، ولماذا عندما قتل الحسين علیه السّلام انهالوا على بنات الرسالة حتى الأطفال يسلبونهن، لمذا لم تمنعهم عروبتك المزعومة عن ذلك ؟! وهل بقيت لهم مُثُل وقيم حتى نبرر بها واقعاً، ونكذّب كل الحقائق لأجلهم ؟!

«وكيف يقتحمون هذه العقبة الكؤود ولو كانوا أعتى وأعدى من عاد وثمود، ولو فعلوا أو همّوا أن يفعلوا أما كان فى المهاجرين والأنصار مثل عمرو

بن حريث فيمنعهم من مدّ اليد الأثيمة وارتكاب تلك الجريمة! ».

هب أنّه لم يعترض أحد على ذلك ، أهذا دليل على عدم الوقوع ؟! ومن قال لك انّه لم يتعرض أحد قط ؟! ألم يخرج الزبير بسيفه ؟! كما دلّت عليه مجموعة من الروايات السابقة، وألم يمرّ عليك في الرواية : فأنكر الناس ذلك

ص: 199


1- كشف الغمة في معرفة الأئمة: 262/2

من قوله (1) ، وألم يمرّ عليك رواية ابن قتيبة في الإمامة والسياسة (2) : فقيل له يا

أبا حفص إن فيها فاطمة!!! فقال : وإن .

والعجب!!! أن يشك في أن يهمّوا بذلك الفعل الشنيع، فهو ينزّهم حتى في باطنهم ونفوسهم، لا أنّهم لم يفعلوا ذلك خوف العار والشنار .

«ولا يقاس هذا بما ارتكبوه واقترفوه في حقّ بعلها سلام الله عليه من العظائم، حتى قادوه كالفحل المخشوش ، فإنّ الرجال قد تنال من الرجال ما لا تناله من النساء.

كيف والزهراء سلام الله عليها شابّة بنت ثمانية عشر سنة لم تبلغ مبالغ النساء».

عجباً !!! سيّدة النساء لم تبلغ مبالغ النساء، بل هي أمُّ أبيها صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم . فهل هذا هو أفضل ما تمكّنت من التعبير به عن الصدّيقة الطاهرة ؟! وهل في مثل أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم تقاس الأمور بالأعمار ؟!

ومتى تبلغ المرأة مبالغ النساء ؟! فهل زوّجها أبوها صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم بل الله قبل أن تبلغ مبالغ النساء ؟! ألا يكفي أنّها كانت منجبة لأربعة من الأنوار الطاهرين ، وحاملةً بالخامس ؟! أم أنّه لا يشترط في التي تنجب أولاداً خمسة أن تكون من النساء ؟!

فما هذه الشطحات ؟! البعيدة كلّ البعد عن الجاهل فضلاً عن العالم.

« وإذا كان في ضرب المرأة عار وشناعة فضرب الفتاة أشنع وأفظع ، ويزيدك يقيناً بما أقول أنها _ ولها المجد والشرف _ ما ذكرت ولا أشارت إلى

ص: 200


1- بحار الأنوار: 204/28
2- الإمامة والسياسة - لابن قتيبة - : 4/1

ذلك في شيء من خطبها ومقالاتها المتضمّنة لتظلّمها من القوم وسوء صنيعهم معها، مثل خطبتها الباهرة الطويلة التي ألقتها في المسجد على المهاجرين والأنصار».

هل يفترض في المتكلّم أن يقول كلّ شيء ؟! ولماذا لا يُحمل هذا على أنّ القوم يبررون ذلك بعدم البيعة، وأنّهم إنّما فعلوا ذلك لأنها وقفت وحالت بينهم وبين الدخول فيدّعون أنّها اضطرتهم لذلك، أما بقيّة القضايا فكان المناسب طرحها ، لأنّها أبعد عن مغالطاتهم، وكلامك هذا ينفي أي ظلم عليها غير ما ذكرَتْه في خطبتها ، فلماذا سلّمت بضرب قنفذ لها كما سيأتي ؟! في حين أنها لم تذكره في خطبتها .

«وكلماتها مع أمير المؤمنين علیه السّلام بعد رجوعها من المسجد وكانت ثائرة متأثرة أشدّ التأثّر حتى خرجت عن حدود الآداب التي لم تخرج من حظيرتها مدّة عمرها ».

هنا أسفر عن لثامه، وبانت نواياه ، وطفح الكيل عنده حتى لم يحتمل الأمر، فأفصح عمّا يزلزل عرش الرحمن ، ويندى له جبين المؤمن الغيور، كيف يجرؤ هذا على أن ينال من الزهراء علیها السّلام بهذه الوقاحة، فيقول: خرجت عن حدود الآداب.

إن كانت المعصومة بنص آية التطهير تخرج عن حدود الأدب، فممن ياترى يؤخذ الأدب ؟! وإذا كانت تربية الرسول صلّی اللهُ علیه وآله نهايتها هي الخروج عن حدود الأدب، فممن تعلّمت أنت الأدب حتى عرفت أن مثل هذا خروج عن حدوده ، هل ستواجه الزهراء علیها السّلام يوماً وتقول لها : لقد خرجت عن حدود الآداب ؟ !!!

ص: 201

وإذا كنت لا تعرف مداليل كلام أهل بيت العصمة فلِمَ أقحمت نفسك في هذا الميدان، وخضت فيه من غير هدى وبصيرة؟! ألم يطرق سمعك قولهم صلوات الله وسلامه عليهم : أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلّا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان.

فإن لم تكن واحداً من الأصناف الثلاثة فدع الأمر لغيرك ، إن كانت نواياك حسنة، وما أظنّ أحداً له نيّة حسنة يكبو هذه الكبوة، ويجرؤ بهذه الجرأة.

وفي أيّ موقع من كلامها صلوات الله عليها خرجت فيه عن حدود الآداب ؟! فاقرأ معي :

« فقالت له : يا ابن أبي طالب افترست الذئاب ؛ وافترشت التراب ، إلى أن قالت : هذا ابن أبي فلانة يبتزُّني نحلة أبي، وبلغة ابني، لقد أجهد في كلامي، وألفيته الألدّ في خصامي .

ولم تقلّ : أنّه أو صاحبه ضربني ، أو مُدّت يدٌ إلي ، وكذلك في كلماتها مع نساء المهاجرين والأنصار ، بعد سؤالهن كيف أصبحتِ يا بنت رسول الله ؟ فقالت : أصبحت والله عائفة لدنياكن ، قالية لرجالكن ، ولا إشارة فيها إلى شيء من ضربة أو لطمة ، وإنّما تشكوا أعظم صدمة وهي غصب فدك ، وأعظم منها غصب الخلافة، وتقديم من أخّر الله ، وتأخير من قدّم الله ، وكلّ شكواها كانت تنحصر في هذين الأمرين.

وكذلك كلمات أمير المؤمنين علیه السّلام بعد دفنها، وتهيج أشجانه وبلابل صدره لفراقها ذلك الفراق المؤلم، حيث توجّه إلى قبر النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم قائلاً : السلام عليك يا رسول الله ، عنّي وعن ابنتك النّازلة في جوارك... إلى آخر كلماته ، التي ينصدع لها الصّخر الأصم لو وعاها ، وليس فيها إشارة إلى الضرب

ص: 202

واللطم، ولكنّه الظلم الفظيع ، والامتهان الذريع ، ولو كان شيء من ذلك لأشار إليه سلام الله عليه ، لأنّ الأمر يقتضي ذكره، ولا يقبل ستره.

ودعوى أنّها أخفته عنه ساقطة ؛ بأنّ ضربة الوجه ولطمة العين لا يمكن إخفاؤها».

كما قلنا سابقاً أنّه لا يشترط في القائل أن يقول كلّ شيء، وما يدّعيه من الدلالة فيما نَقل على فرض صحّته ينفي أيّ ظلم غير ما ذكرته ، فينتفي حتى ما سلّم به من ضرب قنفذ اللّعين، وبالخصوص مثل التعبير : مُدّت يدٌ إليَ ، وقوله : ليس فيها إشارة إلى الضرب واللطم .

وأمّا قضيّة الإخفاء فلم يقل أحد أنها أخفت كلّ ذلك ، حتى تجيب بأنّ ضربة الوجه ولطمة العين لا يمكن إخفاؤها ، بل إنّ الذي أخفته في بعض

الروايات هو كسر ضلعها فقط .

« وأما قضيّة قنفذ ، وأنّ الرجل لم يصادر أمواله كما صنع مع سائر ولاته وأمرائه ، وقول الإمام علیه السّلام أنّه شكر له ضربته ، فلا أمنع من أنّه ضربها بسوطه من وراء الرداء ، وإنّما الذي أستبعده أو أمنعه هو لطمة الوجه ».

إن كان هذا فقط هو الذي تنفيه وتستبعده _ وإن كان الاستبعاد في غیر محلّه _ فأنت تناقض نفسك، فإنّ دليلك السابق ينصّ على أنها مادامت لم تذكر شيئاً من الظلم فهي إذن ما وقع عليها ، وهي لم تذكر الضرب بالسوط ، فلِمَ هذه المغالطات التي لا تصدر من جاهل فضلاً عمن يدّعي العلم ؟!

« و قنفذ ليس ممن يخشى العار لو ضربها من وراء الثياب أو على عضدها» .

هل قنفذ أشدّ خبثاً وتهاوناً بالمثل والقيم من سيّده أساس الخبث ؟!

ص: 203

أم لأنّ الوقيعة بقنفذ لا تمسّ مشاعر أحد فلذا لا مانع عنده من نسبة العار إليه ، أمّا سيّده وأمره وموجّهه ومربّيه ابن صهّاك فلابدّ أن ينزِّهه ولو استدعى الأمر ارتكاب هذه الشطحات .

« وبالجملة فإنّ وجه فاطمة الزهراء هو وجه الله المصون الذي لا يُهان ولا يهون ، ويغشى نوره العيون، فسلام الله عليك يا أمّ الأئمة الأطهار، ما أظلم الليل وأضاء النهار ، وجعلنا الله من شيعتك الأبرار ، وحشرنا معك ومع أبيك وبنيك في دار القرار».

يخلط الحق بالباطل حتى يمرر على البسطاء، ويفتتن به الناس، كيف تعتقد بأنه وجه الله المصون، وقد تجرأت عليه فقلت: أنها قد خرجت عن

حدود الآداب ؟! وكيف لا يهون ولا يهان وقد نسبت له الهوان بخروجه عن حدود الآداب ؟! وإذا كان يغشي نوره العيون فلم لم تغشّ عينك فعلى الأقل سكتّ ؟! وأنّى تكون من شيعتها وقد قلت فيها ما قلت ؟!

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلى العظيم، والعاقبة للمتّقين والحمد لله رب العالمين.

ص: 204

الشبهة الثالثة : صحة الرواية

لماذا تختلف الموازين عند الناس عندما يصل الأمر إلى حقّ أهل البيت علیهم السّلام ، فيطالبون بالبيّنة وهم أصحاب اليد في مثل فدك، والحق أنّ البينة على غيرهم ؟! ويشككون في آلامهم والله شاء أن يظهر حقهم حتى عند أعدائهم فينطقهم اعترافاً بالحق شاءوا أم أبوا ، وهل بعد اعتراف الخصم من بيّنة أو دليل ؟!

وعلى كلّ حال نحن نساير هؤلاء زيادة في إقامة الحجّة، وحتّى لا يبقى لمتشكك ومغرض مجال ، ونحن ذاكرون وجوهاً في بيان ذلك وهي:

الأول: الإجماع. كل من تطرق لهذه المسألة من الطائفة الحقة ، أرسلها إرسال المسلمات ، ولم يعرف لهم مخالف في غير زماننا هذا، كما يصوره بعضهم _كما مرّ عليك _ ولا بأس بإعادته :

طفحت واستفاضت كتب الشيعة من صدر الإسلام والقرن الأول مثل کتاب سليم بن قيس ومن بعده إلى القرن الحادي عشر وما بعده بل وإلى يومنا، كل كتب الشيعة التي عنيت بأحوال الأئمة وأبيهم الآية الكبرى وأمهم الصديقة

ص: 205

الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين وكل من ترجم لهم وألّف كتاباً فيهم أطبقت كلمتهم تقريباً أو تحقيقاً في ذكر مصائب تلك البضعة الطاهرة أنّها بعد رحلة أبيها المصطفى ضرب الظالمون وجهها ولطموا خدّها حتى احمرّت عينها وتناثر قرطها، وعصرت بالباب حتّى كسر ضلعها وأسقطت جنينها وماتت وفي عضدها كالدّملج.

ثمّ أخذ شعراء أهل البيت سلام الله عليهم هذه القضايا والرزايا ونظموها في أشعارهم ومراثيهم وأرسلوها إرسال المسلّمات من الكميت والسيد الحميري ودعبل الخزاعي والنميري والسلامي وديك الجن ومن بعدهم ومن قبلهم إلى هذا العصر.

وتوسّع أعاظم شعراء الشيعة في القرن الثالث عشر والرابع عشر الذي نحن فيه كالخطّي والكعبي والكوازين وآل السيد مهدي الحليين وغيرهم ممن يعسر تعدادهم ويفوت الحصر جمعهم وأحادهم.

وهل الإجماع غير هذا التسالم المنقطع النظير ؟!

هذا .. مع تصريح شيخ الطائفة الطوسي رَحمه الله بالإجماع الذي مرَّ عليك ذکره .

الثاني: التواتر . فإنّ الحديث إذا تعدد ناقلوه وتسالموا عليه في جميع الطبقات فإنّه يكون متواتراً ، ولا ينظر إلى صحّة سنده ، بل هناك ركيزة واحدة وهي أن يمتنع تواطؤ الراوين على الكذب، ولا أظن أحداً يتّهم أمثال الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والعلّامة الحلّي والشيخ المجلسي وأضرابهم.

قال الشهيد الأوّل فى القواعد والفوائد (1) : إذا كان للحديث الواحد طرق

ص: 206


1- القواعد والفوائد : 222/1

متعددة، وأسانيد متنوعة، فسنّة أهل الحديث أنّهم لا يهتمون بتصحيح السند ،

والتعمق في حال رجاله ، ويلحقون مثل هذا بالمتواترات أو المستفيض (1) .

الثالث : الإحتفاف بالقرائن : علاوة على قيام الإجماع والتواتر على ذلك بما يوجب اليقين، فلو أنكره مكابر لقلنا له : كذلك احتفّت الروايات بقرائن توجب العلم بصحّة مضمون الرواية ، وهنا نجد القرائن من تسليم أهل الحق به ، وإرساله إرسال المسلّمات، بل اعتراف العامّة به يكفي للمنصف قرائن على صحّة مضمون هذه الأخبار، والقطع بصدورها، لعدم وجود مصلحة عند المخالف في نقلها حتّى يُتّهم في روايته .

الرابع : الإستفاضة . فإنّ من راجع الروايات المتعددة الكثيرة ولم يثبت لديه التواتر فعلى الأقل الإستفاضة هى قدر متيقن في البين ، ولا ينظر في سند الخبر المستفيض صحيحاً أو غيره، كما مرّ عليك من كلام الشهيد الأوّل رَحمه اللهُ في القواعد والفوائد عند ذكرنا الأمر الثاني : المتواتر ، فراجع .

وقد صرّح شيخ الطائفة الطوسي رَحمه اللهُ في تلخيص الشافي بأنَّ رواية الشيعة

مستفيضة به ، ولا يختلفون في ذلك (2) .

كما صرّح بذلك أيضاً الشيخ المجلسي في بحاره (3) .

الخامس : صحّة الرواية. إن شئت إلّا الرواية الصحيحة، ولم توفق للحصول على اليقين مما سبق، فإليك ما تريده، ويكفي أن نضرب لك هذا

ص: 207


1- مستدركات مقباس الهداية : 69/5 ، للشيخ محمدرضا المامقاني دامت توفيقاته
2- تلخيص الشافي: 155/3
3- بحار الأنوار: 408/28 و 410

المثال فنقول وعلى الله سبحانه وتعالى الاتكال :

روى الطبري في دلائل الإمامة (1) :

وهي التي مرّت علينا في الفصول السابقة، ونورد قسماً منها هنا، وإن أردت الرواية كاملة فراجع:

عن محمّد بن هارون بن موسى التلعكبري، عن أبيه ، عن محمّد بن همام ، عن أحمد بن البرقيِّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله علیه السّلام ، قال :

قبضت فاطمة علیها السّلام في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه ، سنة إحدى عشر من الهجرة.

وكان سبب وفاتها أنَّ قنفذاً مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسناً، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها

يدخل عليها .

وكان الرجلان من أصحاب النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم سألا أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن يشفع لهما إليها ، فسألها أمير المؤمنين علیه السّلام .

فلمّا دخلا عليها قالا لها : كيف أنت يا بنت رسول الله ؟ قالت : بخير بحمد الله ، ثم قالت لهما : ما سمعتما النبي يقول : فاطمة بضعة منّي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ؟ قالا : بلى، قالت: فوالله لقد آذيتماني.

ص: 208


1- دلائل الإمامة : 45

قال : فخرجا من عندها علیها السّلام وهي ساخطة عليهما (1) .

وأما الآن فنتطرق لسند الرواية ذاكرين كل راو على حدة ، ونذكر أوّلاً كلام أستاذ فقهاء العصر الحاضر السيد الخوئى رَحمه اللهُ ، لكونه الأعرف عند عامّة الناس فى هذا الزمان، ثمّ كلام شيخ علم الرجال الشيخ المامقاني رَحمه الله لكونه من المصادر المهمة والموثوقة عند العلماء :

1 _ الطبري :

قال أستاذ فقهاء عصرنا السيد الخوئي رَحمه اللهُ (2) :

محمّد بن جریر بن رستم الطبري الأملي أبو جعفر ، له كتاب دلائل الإمامة أو دلائل الأئمة ، روى عن هذا الكتاب السيد علي بن طاووس المتوفى سنة 664.

وروى عنه السيد هاشم التوبلي المتوفّى سنة 1107 في كتاب مدينة المعاجز ، فقال في أوّل الكتاب عند ذكر مصادره : كتاب الإمامة للشيخ الثقة أبي جعفر محمّد بن جریر بن رستم الطبري الأملي كثير العلم ، حسن الكلام ، وذكر أنّ كلّما ينقل في كتابه مدينة المعاجز عن محمد بن جرير الطبري فهو من كتاب الامامة له .

وقال شيخ علماء الرجال المامقاني رَحمه اللهُ (3) :

فتحقق مما ذكرنا كلّه : أن محمّد بن جرير بن رستم الطبري من أصحابنا ،

ص: 209


1- بحار الأنوار: 170/43
2- معجم رجال الحديث : 148/15
3- تنقیح المقال : 91/2

اثنان كبير وهو السابق، وصغير وهو هذا وكلاهما ثقتان عدلان ،مرضيّان، ولكلّ منهما كتاب في الإمامة، وللأول كتاب المسترشد وللثاني كتاب دلائل الإمامة .

2 _ محمّد بن هارون بن موسى التلعكبري :

قال السيد الخوئي رَحمه اللهُ (1) :

محمّد بن هارون بن موسى أبو الحسين: مضى في ترجمة أحمد بن محمّد بن الربيع، عن النجاشي ذكره، وترحّم عليه، وروايته عن أبيه التلعكبري.

وقال الشيخ المامقاني رَحمه اللهُ (2) :

محمّد بن هارون بن موسى أبو الحسين قال في التعليقة : مضى في أحمد بن محمّد بن الربيع ما يظهر منه حسن حاله ، وأقول : أراد بذلك ترحم النجاشي عليه عند ذكره إيّاه هناك ، وذلك مما يدرج الرجل في الحسان، لكشفه عن كونه إماميّاً مرضيّاً .

3- هارون بن موسى التلعكبري :

قال السید الخوئي رَحمه اللهُ (3) :

قال النجاشي : هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد أبو محمّد التلعكبري، من بني شيبان، كان وجهاً في أصحابنا ثقة، معتمداً لا يطعن عليه له كتب منها : كتاب الجوامع في علوم الدين ، كنت أحضر في داره مع ابنه

ص: 210


1- معجم رجال الحديث : 318/17
2- تنقيح المقال : 198/3
3- معجم رجال الحديث : 235/19

أبي جعفر والناس يقرأون عليه.

وعدّه الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم علیهم السّلام قائلاً: هارون بن موسى التلعكبري، يكنّى أبا محمّد ، جليل القدر عظيم المنزلة، واسع الرواية عديم النظير، ثقة .

وقال الشيخ المامقاني رَحمه اللهُ (1) :

_زيادة على ما تقدّم من كلام السيد الخوئى _ ووثّقه في إيضاح الاشتباه والوجيزة والبلغة والبحار وغيرها أيضاً.

4 _ محمّد بن همّام :

قال السيد الخوئي رَحمه اللهُ (2) :

قال النجاشي محمد بن أبي بكر همّام بن سهيل الكاتب الإسكافي شيخ أصحابنا ومتقدمهم ، له منزلة عظيمة ، كثير الحديث ، قال أبو محمد هارون بن موسى رَحمه اللهُ حدثنا محمّد بن همام ، قال ...

وقال الشيخ : محمّد بن همّام الإسكافي، يكنّى أبا علي : جليل القدر ، ثقة ، له روايات كثيرة ، أخبرنا بها عدة من أصحابنا عن أبى المفضل ، عنه .

وعدّه ( الشيخ) في رجاله في من لم يرو عنهم علیهم السّلام قائلاً : محمّد بن همام البغدادي، يكنّى أبا علي، وهمّام يكنى أبا بكر جليل القدر ثقة ، روى عنه التلعكبري.

وذكر الشيخ المامقاني رَحمه اللهُ (3) :

ص: 211


1- تنقيح المقال : 286/3
2- معجم رجال الحديث : 232/14
3- تنقيح المقال : 58/2

كما ذكر السيد الخوئي وزيادة فليراجع .

5 _ أحمد البرقي :

نقل السيد الخوئي له (1) :

عن النجاشي قوله : وكان ثقة . ونقل عن الشيخ مثله .

ونقل في صفحة 265 عن ابن الغضائري قوله: طعن عليه القميون ، وليس الطعن فيه ، وإنّما الطعن في من يروي عنه ، فإنّه كان لا يبالى عمن يأخذ ، على طريقة أهل الأخبار، وكان أحمد بن عيسى أبعده عن قم ، ثم أعاده إليها واعتذر إليه ، وقال : وجدت كتاباً فيه وساطة بين أحمد بن محمّد بن عيسى وأحمد بن محمّد بن خالد ، لمّا توفي مشى أحمد بن محمّد بن عيسى في جنازته حافياً ، حاسراً ، ليبرئ نفسه مما قذفه به .

وذكر الشيخ المامقاني رَحمه اللهُ (2) :

بعد ذكر ما تقدم وزيادة : مضافاً إلى ملاحظة محاسنه ، وتلقي الأعاظم إيّاه بالقبول ، وإكثار المعتمدين من المشايخ من الرواية عنه والإعتداد بها ....، فلا وجه للمتوقف في الرجل بوجه من الوجوه.

6 _ أحمد بن محمّد بن عيسى ( أبو جعفر ) :

نقل السيد الخوئي رَحمه اللهُ (3) :

عن الشيخ قوله : وأبو جعفر هذا شيخ قم ، ووجيهها، وفقيهها غير مدافع ،

ص: 212


1- معجم رجال الحديث : 261/2
2- تنقيح المقال : 84/1
3- معجم رجال الحدیث: 297/2

وكان أيضاً الرئيس الذي يلقى السلطان بها، ولقى أبا الحسن الرضا علیه السّلام .

وقال الشيخ المامقاني رَحمه اللهُ (1) :

وبالجملة فوثاقة الرجل متفق عليها بين الفقهاء وعلماء الرجال، متسالم عليه من غير تأمل من أحد، ولا غمز فيه بوجه من الوجوه .

7 _ عبد الرحمن بن أبي نجران :

نقل السيد الخوئي رَحمه اللهُ (2) :

عن النجاشي قوله : وكان عبد الرحمن ثقة ، ثقة، معتمداً على ما يرويه

وقال الشيخ المامقاني له (3) .

ووثَقة في الوجيزة والبلغة ومجمع الفائدة للمحقق الأردبيلي والمشتركاتين والحاوي وغيرها أيضاً ، فوثاقته مسلّمة لا غمز فيها بوجه.

8 _ عبد الله بن سنان :

قال السيد الخوئي رَحمه اللهُ (4) :

وعدّه الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق لذم واحد منهم .

وذكر الشيخ المامقاني الله رَحمه اللهُ (5) :

ص: 213


1- تنقیح المقال : 91/1
2- معجم رجال الحدیث: 299/9
3- تنقيح المقال : 2/ 139
4- معجم رجال الحديث رجال الحديث : 210/10
5- تنقيح المقال : 186/2

ويستفاد من بعض الأخبار أنّه من أهل السر الغامض للصادق علیه السّلام .

9 _ عبد الله بن مسكان :

قال السيد الخوئى رَحمه الله (1) :

وعده الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق لذم واحد منهم.

وذكر الشيخ المامقاني رَحمه اللهُ (2) :

وعدّه الكشي في عبارته التي نقلناها في مقباس الهداية: ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم، وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه، من أحداث أصحاب أبي عبد الله علیه السّلام .

10 _ أبو بصير:

قال السيد الخوئي رَحمه اللهُ (3) :

لا ينبغي الشك في وثاقة أبي بصير يحيى بن أبي القاسم وجلالته .

وقال في موضع آخر (4) :

ذكرنا في ترجمة يحيى بن أبي القاسم : أنّ أبا بصير عندما أطلق فالمراد به هو : يحيى بن أبي القاسم، وعلى تقدير الإغماض فالأمر يتردد بينه وبين ليث

ص: 214


1- معجم رجال الحديث : 325/10
2- تنقیح المقال : 216/2
3- معجم رجال الحديث : 83/20
4- معجم رجال الحديث : 47/21

بن البختري المرادي الثقة ، فلا أثر للتردد، وأما غيرهما فليس بمعروف بهذه الكنية ، بل لم يوجد مورد يطلق فيه أبو بصیر، ویراد به غیر هذين . وذكر الشيخ المامقاني رَحمه اللهُ (1) :

كون يحيى بن أبي القاسم أبي بصير إماميّاً ثقة غير مطعون بوقف ولا غيره، ويدل على ذلك قول النجاشي : إنَّه ثقة وجيه. فإنه نص في ما ادعيناه ، وکفی به من عدل ضابط موثقاً.

ص: 215


1- تنقيح المقال : 310/3

ص: 216

الشبهة الرابعة : الباب

اشارة

من المهازل المضحكة _ وشر البلية ما يضحك _ إنكار أن يكون في ذلك الزمان أبواب، فادُّعى بأنّ العرب آنذاك يستعملون الستائر فقط ، وليس لهم حظُّ من الأبواب في شيء ، ولذا أُنكرت كلّ الروايات التي مرّت عليك ، بدعوى عدم وجود باب حتّى يكسر أو يفتح أو يحرق.

وكلّ ذلك لأجل تبرئة العجل الذي أُشرب في قلوبهم حبّه وتقديسه ، فلذا دافعوا عنه دفاع المستميت، ولو بالطعن في كلّ القيم والمبادئ

والحضارات العريقة ، وإنكار أبده البديهيّات، ولا أظنّ عاقلاً يقبل تلك المهزلة.

ولكن هناك من ينجرف بحسن نيّة لسذاجته ، من دون تفكير ورويّة ، ولذا كان لابد علينا من إزاحة الغمام عن بصيرة هؤلاء، وكشف الستار عن

الحقيقة البديهيّة التي لا مناص من بيانها ، ردعاً للباطل ، وإحقاقاً للحق.

من راجع كتب اللغة لا يجد أنّ معنى الباب هو الستار، والتعبير بإغلاق الباب في الزخم الهائل من تراثنا، لاشك أنه مغاير لإسدال الستارة، وكأنّهم لم يقرأوا القرآن الكريم حيث يقول : ( وغلّقت الأبواب ) (1) فالأبواب موجودة

ص: 217


1- سورة يوسف : 23/12

بصريح القرآن الكريم في ذلك الزمان فكيف بزمان الرسالة المحمّدية (على الصادع بها وآله آلاف التحيَّة) والستائر لا تمنع من الخروج السهل ليوسف ( على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام).

بل لا نتوقع أصلاً أن تكون البيوت مشرعة بلا باب يغلق يستر أهله ، ولا شك أن أهل اللغة يفرّقون بين الباب والمدخل الذي لا باب فيه، ويقولون فتح الباب ولا يعنون أنّه أزاح الستارة ، فمحصّل الأمر أنّ إنكار الباب معناه تغيير لكل المعاني اللغوية، والأساليب العربية، والمفاهيم العرفيّة.

ومن منّا لم ير الآثار المنتشرة شرقاً وغرباً، في جميع أنحاء الدنيا، وهي ذات أبواب، سواء كانت حصوناً وقلاعاً أو بيوتاً أو غير ذلك .

مع أنّ ما ذكرناه فوق الكفاية، لردّ هؤلاء المستهزئين بكل العقول النيّرة، فظنوا أن مثل هذا يمكن أن يُمرر عليها ، لاعتقادهم في أنفسهم _ ظلماً وعدواناً _ أن الناس يجب أن تتقبّل كل ما يقولون ويفترون .

ومع أنّ تلك الروايات لكثرتها ، لا ينبغي لمنصف أن ينكرها لمجرد هذا الوهم الزائف ، فهي البالغة _ كما أسلفنا _ حدّ التواتر ، والإجماع قائم عليها ، بلا شك ولا ارتياب لكلّ منصف .

وإذا كان إنكار وجود الخشب ، لمجرد أن الكعبة المشرّفة ، قد تمّ تسقيفها من خشب سفينة، قد تحطمت في ميناء جدّة، على الساحل الغربي من شبه الجزيرة العربية، كما يحدثنا بذلك ابن هشام في السيرة، وابن كثير في البداية والنهاية وغيرهما.

فهذا لا يعني أن الخشب ليس موجوداً عندهم، وهل يتصور عاقل عندما يقول القائل : أخذت خشباً من البلد الفلانيّة، أنّ الخشب ليس موجوداً في

ص: 218

بلده ؟! علاوة على ذلك أننا لو رجعنا إلى النص لوجدناه يصرّح بأن الخشب موجود عندهم ومعروف لديهم، فاقرأ معي ما ذكره ابن هشام:

« وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدّة ، لرجل من تجار الروم فتحطمت فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيفها .

وكان بمكة رجل قبطي نجّار، فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها » .

فإذا كان الخشب غير موجود عندهم ، فلماذا يوجد بينهم هذا النجّار، وهذا النجار منهم لا من غيرهم بدليل النص « فتهيأ لهم في أنفسهم».

كما أنّ المدينة المنورة على ساكنها وآله أفضل الصلاة والسلام معروفة بزراعة النخيل، وجذوعها مصدر من مصادر الخشب عندهم، كما يستعملون سعف النخيل أيضاً في سدّ حاجتهم في إنشاء بيوتهم.

ولذلك كان باب فاطمة صلوات الله وسلامه عليها يجمع بين الخشب وسعف النخيل، وهو ما يقتضيه الجمع بين رواية المجلسي في بحاره (1) الدالّة على أنّه من خشب، ورواية المفيد في كتاب الاختصاص (2) الدالّة على أنّه من سعف النخيل ، المتقدّمتين في البحوث السابقة.

كما أنّ التعبير بعضادة أو عضادتي الباب مذكور كثيراً في كتب التاريخ، بل أشبعت السير بمثل هذا التعبير، حتّى بالنسبة لبيت فاطمة علیها السّلام .

ومن راجع كتب اللغة وجدهم قد اتفقوا على أنّ معنى عضادتي الباب :هما خشبتاه من جانبيه ، وهذا يدل بوضوح أنّ الخشب موجود آنذاك وهو محل

ص: 219


1- بحار الأنوار : 18/53
2- الاختصاص : 185

الاستعمال الشايع .

أمّا كلام أهل اللغة فنورد بعضاً منه :

ذكر الطريحي في مجمع البحرين (1) عضادتا الباب : خشبتاه من جانبيه .

وذكر الجوهري في الصحاح (2) : وكذلك عضادتا الباب وهما: خشبتاه من جانبيه .

وأيضاً المنجد (3) قال : عضاد تا الباب : خشبتاه من جانبيه .

وعلى هذا المنوال بقيّة كتب اللغة ، فراجع إن شئت.

وأمّا أنّ بيت فاطمة علیها السّلام له عضادتان فروايته متعددة منها :

ذكر القمي في تفسيره (4) :

عند تفسير قوله تعالى : ( وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها ) (5) : فإن الله أمره أن يخصّ أهله دون الناس ، ليعلم الناس أنّ لأهل محمّد سورة طه : 132/20 عند الله منزلة خاصّة، ليست للناس، إذ أمرهم مع الناس عامّة ، ثمّ أمرهم خاصة .

فلمّا أنزل الله تعالى هذه الآية كان رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم يجيء كلّ يوم صلاة الفجر، حتّى يأتي باب عليّ وفاطمة والحسن والحسين علیهم السّلام فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فيقول علي وفاطمة والحسن والحسين: وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم يأخذ بعضادتي الباب

ص: 220


1- مجمع البحرين : 102/3
2- الصحاح : 509/2
3- المنجد في اللغة : 511
4- تفسير القمي : 67/2
5- سورة طه : 132/20

ويقول : الصلاة الصلاة يرحمكم الله ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) (1) فلم يزل يفعل ذلك كلّ يوم إذا شهد المدينة حتّى فارق الدنيا، وقال أبو الحمراء خادم النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم : أنا أشهد به يفعل ذلك (2) .

وراجع أيضاً البحار : 35 / ب 5 ص 209 و 214 ح 8 و 18 .

فإذا كان بيت فاطمة علیها السّلام فيه عضادتان _ كما نصّت عليه الروايات السابقة _والعضادتان هما من الخشب _ كما نصّ عليه أهل اللغة _ فلماذا ننفي أن يكون هناك خشب أصلاً ؟!

وأمّا الروايات التي ورد فيها ذكر العضادتين في ذلك الزمان فكثيرة جدّاً ونكتفي بذكر بعض المصادر من البحار :

ص: 221


1- سورة الأحزاب : 33/33
2- بحار الأنوار : 207/35 ح 2

ولعمري هذا إسهاب وتطويل، ولكننى معذور في أن أسهب بأكثر من هذا ، فأُورد إليك أيّها المنصف الغيور بعض النصوص التاريخيّة ، التي تثبت

أيضاً أنّ الأبواب كانت موجودة آنذاك، ومن غير النصوص السابقة، فإليك ما يزيد عن حاجتك :

ص: 222

باب الكعبة

إن الكعبة المشرفة لها باب يغلق، كما لها مفتاح أيضاً، ويدل على ذلك الروايات الآتية :

روى مسلم في مسنده (1) فقال :

حدثنا أبو الرَّبيع الزَّهرانيُّ وقتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدريُّ ، كلُّهم عن حمّاد بن زيد، قال أبو كامل : حدَّثنا حمَّاد ، حدَّثنا أيّوب عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قدم رسول الله صلِّ اللهُ علیه وآۀه وسلّم يوم الفتح. فنزل بفناء الكعبة (2) وأرسل إلى عثمان بن طلحة، فجاء بالمفتح (3) ، ففتح الباب ، قال : ثمَّ دخل النبيُّ صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم وبلال وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة ، وأمر بالباب فأغلق ، فلبثوا فيه مليّاً ، ثمّ فتح الباب ... إلى آخر الحديث.

وروى مسلم في مسنده (4) أيضاً فقال :

وحدثنا ابن أبي عمر ، حدّثنا سفيان ، عن أيّوب السختيانيّ ، عن نافع ، عن ابن عمر. قال: أقبل رسول الله صلّی اللهُ علیه وآۀه وسلّم ، عام الفتح، على ناقة لأسامة بن زيد، حتّى أناخ بفناء الكعبة ، ثمّ دعا عثمان بن طلحة فقال : ائتني بالمفتاح، فذهب إلى أمّه، فأبت أن تعطيه فقال : والله ! لتعطينيه ، أو ليخرجنّ هذا السيف من صلبي ، قال : فأعطته إيّاه، فجاء به إلى النبي صلِّ اللهُ علیه وآۀه وسلّم دفعه إليه ، ففتح الباب، ثمّ

ص: 223


1- مسند مسلم: 966/2 ح 389
2- بفناء الكعبة : جانبها وحريمها
3- بالمفتح هو المفتاح
4- مسند مسلم: 966/2 ح 390

ذكر بمثل حدیث حمّاد بن زید .

وكذلك روى مسلم في مسنده (1) فقال :

وحدّثني زهير بن حرب ، حَدثنا يحيى ( وهو القطّان ) ، ح وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدّثنا أبو أسامة ، ح وحدّثنا ابن نمير ( واللّفظ له ) حدّثنا عبدة، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : دخل رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم البيت ، ومعه أسامة وبلال وعثمان بن طلحة . فأجافوا (2) عليهم الباب طويلاً. ثمّ فتح... إلى آخر الحديث.

وفي أمالي ابن الشيخ (3) :

جماعة عن أبي المفضّل ، عن محمّد بن جرير الطّبريّ، عن عيسى بن مهران ، عن مخوّل بن إبراهيم، عن عبد الرّحمن بن الأسود، عن عليّ بن الحزوّر ، عن أبي عمر البزّاز ، عن رافع مولى أبي ذرّ قال : قال صعد أبو ذرّ ( رضي الله عنه ) على درجة الكعبة حتّى أخذ بحلقة الباب، ثمّ أسند ظهره إليه ، ثمّ قال : أيّها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله صلّى اللهُ عليه وآله وسلم يقول : إنّما مثل أهل بيتى فى هذه الأمة كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا ، ومن تركها هلك ، وسمعت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله يقول : اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ، ومكان العينين من الرأس، فإن الجسد لا يهتدي إلّا بالرأس، ولا يهتدي الرأس إلّا بالعينين (4) .

ص: 224


1- مسند مسلم : 967/2 ح 391
2- ( فأجافوا ) في النهاية : أجاف الباب رده عليه
3- أمالي ابن الشيخ : 307
4- بحار الأنوار: 121/23 ح 43 ب 7

باب خيبر

كانت الحصون والقلاع لها أبواب تغلق في وجه العدو، وتحفظ أهلها من أي غزو يداهمهم ومن ذلك حصن مرحب :

ذكر الواقدي في المغازي (1) :

فانكشف المسلمون ، وثبت علي علیه السّلام، فاضطربا ضربات، فقتله عليٌّ علیه السّلام، ورجع أصحابُ الحارث إلى الحصن فدخلوه، وأغلقوا عليهم، فرجع المسلمون إلى موضعهم، وخرج مرْحَب وهو يقول:

قد عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنَي مَرْحَبُ * شاكِي السلاح بَطَلٌ مُجَرَّبُ

أضرِبُ أحياناً وحِيناً أُضْرَبُ

فحمل عليٌّ الا فقطَّره (2) على الباب، وفتح الباب : وكان للحِصن بابان .

وذكر الواقدي في المغازي (3) أيضاً :

وقال أبو رافع : كنّا مع عَلِیً علیه السّلام حين بعثه النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم بالراية ، فلقي عليٌّ عليه السّلام رجلاً على باب ،فضرب عليّاً، واتقاه بالتُّرس عَليٌّ ، فتناول علىٌ باباً كان عند الحصن فترّس به عن نفسه، فلم يزل في يده حتّى فتح الله عليه الحصن ، وبعث رجلاً يُبشِّر النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم بفتح الحصن ، حصن مرْحَب ودخولِهم الحصن.

ص: 225


1- المغازي _ للواقدي : 654/2
2- قطره : أي ألقاه على أحد قطريه ، وهما جانباه
3- المغازي _ للواقدي _ : 655/2

وذكر المجلسي رَحمه اللهُ في البحار (1) . .

وهذا الكلام الآتي مع طوله نلقناه تيمناً وتبرّكاً بذكر فضيلة بل فضائل لأمير المؤمنين علیه السّلام، ولأجل أن أكتب عند الله ممّن كتب فضيلة لأمير المؤمنين علیه السّلام ، علاوةً على وجود الشاهد فيها.

قال الطبرسيُّ رَحمه اللهُ : لما قدم رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم المدينة من الحديبية مكث بها عشرين ليلة ، ثمَّ خرج منها غادياً إلى خيبر ، وذكر ابن إسحاق بإسناده عن أبي مروان الأسلمي ، عن أبيه، عن جدّه (2) ، قال : خرجنا مع رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم إلى خيبر حتّى إذا كنا قريباً منها ، وأشرفنا عليها قال رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم : قفوا. فوقف الناس . فقال : اللهمّ ربَّ السماوات السبع وما أظللن، وربّ الأرضين السبع وما أقللن، وربّ الشياطين وما أضللن (3) ، إنّا نسألك خير هذه القرية،

وخير أهلها ، وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شرّ هذه القرية، وشرّ أهلها، وشرّ ما فيها ، أقدموا ، بسم الله الرحمن الرحيم .

وعن سلمة بن الأكوع قال : خرجنا مع رسول الله صلّى اللهُ عليه وآله وسلم إلى خيبر ، فسرنا ليلاً، فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنيهاتك (4) ؟ وكان عامر رجلاً شاعراً، فجعل يقول :

لاهمّ لولا أنت ما اهتدينا (5) * ولا تصدّقنا ولا صلّينا (6) .

ص: 226


1- بحار الأنوار: 1/21
2- في سيرة ابن هشام، قال ابن إسحاق حدثني من لا أتهم، عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي، عن أبيه ، عن أبي معتب بن عمرو
3- زاد في السيرة : ورب الرياح وما أذرين، فإنا
4- في السيرة : من هناتك
5- حجينا خ ل . أقول : في السيرة : والله لو لا الله ما اهتدينا
6- الموجود في السيرة بعد ذلك : إنَّا إذا قوم بغوا علينا * وإن أرادوا فتنة أبينا فأنزلنا سكينة علينا * وثبت الأقدام ان لاقينا

فاغفر فداء لك ما اقتنينا * وثبّت الأقدام إن لاقينا

وأنزلن سكينةً علينا * إنّا إذا صيح بنا أنينا

وبالصّياح عوّلوا علينا

فقال رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم : من هذا السائق ؟ قالوا : عامر . قال : رَحمه اللهُ قال عمر وهو على جمل : وجبت يا رسول الله لولا أمتعتنا به. وذلك أنّ رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم ما استغفر لرجل قطّ يخصه إلّا استشهد . قالوا : فلمّا جدّ الحرب وتصافّ القوم

خرج يهوديٌّ وهو يقول:

قد عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ * شاكِي السلاح بَطَلٌ مُجَرَّبُ

إذ الحروب، أقبلت تلهّب

فبرز إليه عامر وهو يقول :

قد علمت خيبر أنّي عامرٌ * شاکي السلاح بطلٌ مغامرٌ

فاختلفا ضربتين ، فوقع سيف اليهوديّ في ترس عامر ، وكان سيف عامر

فيه قصرٌ، فتناول به ساق اليهودي ليضربه ، فرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة

عامر ، فمات منه .

ص: 227

قال سلمة : فإذا نفر من أصحاب رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم يقولون : بطلَ عملُ عامر ، قتل نفسه ، قال : فأتيت النبي صلّی اللهُ علیه وآله وأنا أبكي ، فقلت : قالوا: إنّ عامراً بطل عمله، فقال: من قال ذلك ؟ قلت : نفر من أصحابك . فقال : كذب أولئك ، بل أوتي من الأجر مرّتين .

قال : فحاصرناهم حتّى إذا أصابتنا مخمصة شديدة، ثمّ إنّ الله فتحها علينا ، وذلك أن النبي صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم أعطى اللّواء عمر بن الخطاب (1) ونهض من نهض معه من الناس، فلقوا أهل خيبر ،فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله يجبنه أصحابه ويجبنهم.

وكان رسول الله أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس ، فقال حين أفاق من وجعه ما فعل الناس بخيبر ؟ فأُخبر . فقال : لأعطينُ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله كرّاراً غير فرّار لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه .

وروى البخاري ومسلم (2) عن قتيبة بن سعيد ، عن يعقوب بن عبد الرحمن الاسكندراني ، عن أبي حازم، عن سعد بن سهل : أنّ رسول الله صلِّ اللهُ علیه وآله وسلّم قال يوم خيبر : لأعطينّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله.

قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم (3) أيّهم يُعطاها (4) فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول الله صلِّی اللهُ علیه وآله وسلّم كلّهم يرجون أن يعطاها ، فقال : أين عليّ بن

ص: 228


1- وكان ذلك بعد ما أعطى اللواء أبا بكر فرجع . ذكره ابن هشام في السيرة
2- وروياه أيضاً بأسانيد أخرى. راجع البخاري : 22/5 و 23 و 171، طبعة محّمد علي صبيح؛ وصحيح مسلم : 50 / 195 و 121/6 و 222 طبعة محمّد علي صبيح
3- في بحار الأنوار: يدوكون بجملتهم
4- یعطیها (خ ل )

أبي طالب؟

فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه ، قال : فأرسِلوا إليه ، فأُتي به ، فبصق رسول الله صلِّی اللهُ علیه وآله وسلّم في عينيه ودعا له،فبرأ حتّى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية، فقال عليّ : يا رسول الله ! أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ فقال: انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ، ثمَّ ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقَّ الله فيه، فو الله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم.

قال سلمة : فبرز مرحب وهو يقول:

قد علمت خيبر أنّي مرحب ... الأبيات .

فبرز له علي علیه السّلام وهو يقول:

أنا الّذي سمّتني أمّي حيدرة * كليث غابات كريه المنظرة

أو فيهم بالصاع كيل السندرة

فضرب رأس مرحب فقتله، ثمّ كان الفتح على يديه (1) .

وروى أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن أبي رافع مولى رسول الله صلّى اللهُ عليه وآله وسلم قال: خرجنا مع علیّ علیه السّلام حين بعثه رسول الله صلِّ اللهُ علیه وآله وسلّم ، فلمّا دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده، فتناول علي علیه السّلام باب الحصن فتترّس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتّى فتح الله عليه ، ثمّ ألقاه من يده، فلقد رأيتني في سبعة نفر أنا منهم (2) نجهد على

ص: 229


1- أورده مسلم في الصحيح
2- ثامنهم خ ل . أقول : يوجد ذلك في المصدر والسيرة

أن نقلّب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلّبه.

وبإسناده عن ليث بن أبي سليم (1) ، عن أبي جعفر محمّد بن علي علیه السّلام قال : حدّثني جابر بن عبد الله أنّ عليّاً علیه السّلام حمل الباب يوم خيبر حتّى صعد المسلمون عليه، فاقتحموها ففتحوها ، وإنّه حُرّك بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلاً.

من قضاء أمير المؤمنين علیه السّلام

النجارون موجودون ، والخشب موجود ، والمسامير موجودة ، فأي مهزلة هذه أن ينكر كلّ ذلك من يدّعي العلم مكابرةً. فهذه قضية من قضاء أمير المؤمنين علیه السّلام ، ينقلها الوسائل (2) ، والكافي (3) ، والتهذيب (4) ، والاستبصار (5) ، لعلّ في هذا رجوعاً و صحوة، وما أظن عند هذا الرجل شيئاً من ذلك ، وعلى كلّ حال فاقرأ معي هذه الرواية:

عن علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني، عن أبي عبد الله علیه السّلام : أن أمير المؤمنين علیه السّلام رفع إليه رجل استأجر رجلاً ليصلح بابه ، فضرب المسمار فانصدع الباب، فضمّنه أمير المؤمنين علیه السّلام .

ص: 230


1- سلمة (خ ل )
2- الوسائل : 19 / 144 ح 24326 ب 29
3- الكافي : 243/5 ح 9 ب 29
4- التهذيب : 219/7 ح 41 ب 22
5- الاستبصار: 132/3 ح ه ب 87

عساس عمر

قد عرف عن عمر عسسه ليلاً، وتسلقه جدران المسلمين، وإنّما اضطرّ إلى ذلك لأنّ هناك أبواباً مغلقة، ولو لم يكن هناك أبواب لسهل عليه الدخول من خلال الستائر ، دون أن يكلّف نفسه عناء التسلّق .

وزيادة في الأمر وضوحاً تأمّل في تعبير الرواية الثانية الآتية : « فهمَّ بالدخول من الباب فلم يقدر من تحصين البيت فتسوَّر على السَّطح » .

ويعدّ أوّل من أوجد العسس، وتطور إلى زماننا هذا إلى ما يسمّى بدوائر الأمن والمخابرات تارة، والمباحث تارة أخرى ، وننقل من عسسه روايتين:

الرواية الأولى:

عن عمر بن الخطاب أنه كان يعسُّ ليلة ، فمرَّ بدار سمع فيها صوتاً، فارتاب وتسوَّر ، فرأى رجلاً عند امرأة وزقَّ خمر ، فقال : يا عدو الله أظننت أنّ الله يسترك وأنت على معصيته ؟

فقال : لا تعجل يا أمير المؤمنين ! إن كنت أخطأت في واحدة، فقد

أخطأت في ثلاث : قال الله تعالى : ( ولا تجسَّسوا ) (1) وقد تجسست، وقال: :

( وأتوا البيوت من أبوابها ) (2) وقد تسوَّرت ، وقال : ( ...إذا دخلتم بيوتاً

فسلّموا ) (3) وما سلّمت .

ص: 231


1- سورة الحجرات 49: 12
2- سورة البقرة :2 : 18
3- سورة النور 24 : 61

فقال : هل عندك من خير إن عفوت عنك ؟ قال : نعم ، والله لا أعود . فقال : إذهب فقد عفوت عنك (1) .

الرواية الثانية :

خرج عمر بن الخطاب في ليلة مظلمة، فرأى في بعض البيوت ضوء سراج، وسمع حديثاً فوقف على الباب يتجسَّس، فرأى عبداً أسود قدّامه إناءٌ فيه مزرٌ وهو يشرب ، ومعه جماعةٌ ، فهمَّ بالدخول من الباب، فلم يقدر من تحصين البيت، فتسوَّر على السطح، ونزل إليهم من الدَّرجة ومعه الدرة، فلمّا رأوه قاموا وفتحوا الباب وانهزموا، فمسك الأسود.

فقال له : يا أمير المؤمنين ! قد أخطأت وإنّي تائبٌ فاقبل توبتي، فقال: أريد أن أضربك على خطيئتك ، فقال : يا أمير المؤمنين ! إن كنت قد أخطأت في واحدة فأنت قد أخطأت في ثلاث فإن الله تعالى قال : ( ولا تجسَّسوا ) (2) ، وأنت تجسَّست، وقال تعالى : ( وأتوا البيوت من أبوابها ) (3) وأنت أتيت من السطح. وقال تعالى : ( لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتّى تستأنسوا وتسلِّموا

على أهلها ) (4) وأنت دخلت وما سلّمت ... (5) .

ص: 232


1- الغدير : 121/6 ح 1؛ نقلاً عن الرّياض النضرة : 46/2؛ شرح النهج لابن أبي الحديد : 61/1 و 963؛ الدر المنثور : 93/6؛ الفتوحات الإسلامية : 477/2
2- سورة الحجرات 12:49
3- سورة البقرة :2 : 189
4- سورة النور 24: 27
5- الغدير : 121/6 ح 2؛ نقلاً عن المستطرف لشهاب الدين الأبشيهي : 2/ 5 في الباب الحادي والستين . يظهر من القرائن أنّ هذه القضيّة غير سابقتها والله أعلم

زنا المغيرة بن شعبة

وهو أحد العصابة التي تجرأت على الصديقة الزهراء علیها السّلام بالهجوم على دار أمير المؤمنين علیه السّلام ، بل هو أحد الذين باشروا ضرب الصديقة الزهراء علیها السّلامكما دلّت عليه الرواية عن الطبرسي في الاحتجاج (1) :

فيما احتجّ به الحسن علیه السّلام على معاوية وأصحابه أنه قال لمغيرة بن شعبة : وأنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم حتّى أدميتها (2) .

ومثل هذا الفاسق الكافر الفاجر ، لا يستبعد منه وقوع أشنع الأفعال وأقبحها ، وفي قضيّة زناه شاهد في ردّ شبهة الباب، فلا بأس بطرح قضيّة زناه ، وإن كان فيها من القذارة ما فيها . وننقل القضيّة من الغدير مع تعليق الشيخ الأميني (قدس سره) عليها، حتّى يعرف مدى انحطاط وخبث هذا الشخص، ثمّ نذكر الاستشهاد بهذه الروايات لدرأ شبهة الباب.

قال الشيخ الأميني في غديره : (3)

« عن أنس بن مالك : إنّ المغيرة بن شعبة كان يخرج من دار الإمارة وسط النهار ، وكان أبو بكرة _ نفيع الثقفى _ يلقاه فيقول له : أين يذهب الأمير ؟ فيقول: إلى حاجة . فيقول له : حاجة ما ؟ إن الأمير يُزار ولا يزور .

قال: وكانت المرأة _ أم جميل بنت الأفقم _ التي يأتيها جارةً لأبي بكرة.

قال : فبينا أبو بكرة في غرفة له مع أصحابه وأخويه نافع وزياد ورجل

ص: 233


1- الاحتجاج للطبرسي
2- بحار الأنوار : 43 / 197 ح 28
3- الغدير : 138/6

آخر يقال له : شبل بن معبد، وكانت غرفة تلك المرأة بحذاء غرفة أبي بكرة.

فضربت الريح باب غرفة المرأة ففتحته ، فنظر القوم، فإذا هم بالمغيرة ينكحها ، فقال أبو بكرة : هذه بليَّةٌ ابتليتم بها ، فانظروا ، فنظروا حتّى أثبتوا .

فنزل أبو بكرة حتّى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة، فقال له : إنّه قد كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا ، قال : وذهب ليصلّي بالناس الظهر فمنعه أبو بكرة، وقال له : والله لا تصلّي بنا وقد فعلت ما فعلت فقال الناس : دعوه فليصلِّ فإنّه الأمير واكتبوا بذلك إلى عمر . فكتبوا إليه فورد كتابه أن يقدموا عليه جميعاً المغيرة والشهود .

قال مصعب بن سعد : إنّ عمر بن الخطاب جلس ودعا بالمغيرة والشهود ، فتقدّم أبو بكرة، فقال له : أرأيته بين فخذيها ؟ قال : نعم والله لكأنّي

أنظر تشريم جدري بفخذيها ، فقال له المغيرة: لقد ألطفت النظر ، فقال له : ألم أكُ قد أثبت ما يخزيك الله به؟ فقال له عمر : لا والله حتّى تشهد لقد رأيته يلج المرود في المكحلة ؟ فقال : نعم أشهد على ذلك ، فقال له : إذهب ، مغيرة ذهب ربعك .

ثمّ دعا نافعاً ، فقال له : علامَ تشهد ؟ قال : على مثل شهادة أبي بكرة . قال : لا حتّى تشهد أنّه يلج فيه ولوج المرود في المكحلة ، فقال : نعم حتّى بلغ قذذه . فقال : إذهب، مغيرة ذهب نصفك .

ثمّ دعا الثالث ، فقال : علام تشهد . فقال : على مثل شهادة صاحبيَّ . فقال له : إذهب، مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك .

ثمّ كتب _ عمر _ إلى زیاد، فقدم على عمر ، فلمّا رآه جلس له في المسجد

واجتمع له رؤوس المهاجرين والأنصار ، فقال المغيرة ومعي كلمة قد رفعتها

ص: 234

لأحلم القوم، قال: فلمّا رأه عمر مقبلاً قال: إني لأرى رجلاً لن يُخزي الله على لسانه رجلاً من المهاجرين.

فقال : يا أمير المؤمنين أما أنّ الحقّ ما حقّ القوم، فليس ذلك عندي ، ولكنى رأيت مجلساً قبيحاً ، وسمعت امراً حثيثاً وانبهاراً ، ورأيته متبطّنها ، فقال له : أرأيته يدخله كالميل في المكحلة ؟ فقال : لا .

وفي لفظ :قال: رأيتُه رافعاً برجليها، ورأيت خصيتيه تتردَّدان بين فخذيها، ورأيت خفزاً شديداً، وسمعت نفساً عالياً.

وفي لفظ الطبري قال: رأيته جالساً بين رجلي إمرأة، فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان، وإستين مكشوفتين، وسمعت خفزاناً شديداً .

فقال له : أرأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة ؟ فقال : لا ، فقال عمر : الله أكبر قم إليهم ،فاضر بهم ، فقام إلى أبي بكرة فضربه ثمانين، وضرب الباقين، وأعجبه قول زياد ، ودرأ عن المغيرة الرّجم ، فقال أبو بكرة بعد أن ضُرب : فإنِّي أشهد أنّ المغيرة فعل كذا وكذا. فهمّ عمر بضربه ، فقال له عليٌّ علیه السّلام : إن ضربته رجمت صاحبك، ونهاه عن ذلك (1) .

قال الأمينى : لو كان للخليفة قسطٌ من حكم هذه القضيّة لما همّ بجلد أبي بكرة ثانياً ، ولا عزب عنه حكم رجم المغيرة إن جُلد .

وإن تعجب، فعجبٌ إيعاز الخليفة إلى زياد لمّا جاء يشهد بكتمان الشهادة

ص: 235


1- الأغاني - لأبي الفرج الأصفهاني - : 146/14؛ تاريخ الطبري 207/4؛ فتوح البلدان - للبلاذري : 352؛ تاريخ الكامل لابن الأثير : 228/2؛ تاریخ ابن خلكان : 2 / 455؛ تاریخ ابن کثیر : 81/7 شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 161/3؛ عمدة القارئ : 340/6

بقوله : إني لأرى رجلاً لن يخزي الله على لسانه رجلاً من المهاجرين (1) .

أو بقوله : أما أنّي أرى وجه رجل أرجو أن لا يُرجم رجلُ من أصحاب رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم على يده، ولا يُخزي بشهادته (2) .

أو بقوله : إنّي لأرى غلاماً كيِّساً لا يقول إلّا حقاً، ولم يكن ليكتمني شيئاً (3) .

أو بقوله : إنى أرى غلاماً كيِّساً لن يشهد إن شاء الله إلّا بحق (4) .

وهو يوعز إلى أن الذين تقدَّموه أغرارٌ شهدوا بالباطل، وعلى أي فقد استشعر زياد ميل الخليفة إلى درأ الحدّ عن المغيرة، فأتى بجمل لا تقصر عن الشهادة ، لكنّه تلجلج عن صراح الحقيقة لما انتهى إليه، وكيف يصدّق في ذلك؟ وقد رأى إستاً مكشوفة، وخصيتين متردّدتين بين فخذي أمّ جميل وقدمين مخضوبتين مرفوعتين ، وسمع خفزاناً شديداً ونفساً عالياً، ورآه متبطّناً لها ؟! وهل تجد في هذا الحدّ مساغاً لأن يكون الميل في خارج المكحلة؟! أو أن يكون قضيب المغيرة جامحاً عن فرج أم جميل ؟!

نعم . كان في القضية تأوّلٌ واجتهادٌ، أدّى إلى أهميّة درأ الحدّ في المورد خاصة ، وإن كان الخليفة نفسه جازماً بصدق الخزاية، كما يُعربُ عنه قوله للمغيرة : والله ما أظنُّ أبا بكرة كذب عليك، وما رأيتك إلّا خفت أن أرمى بالحجارة من السماء . قاله لما وافقت أم جميل عمر بالموسم، والمغيرة هناك،

ص: 236


1- الأغاني كما مر
2- فتوح البلدان _ للبلاذري _ : 353
3- سنن البيهقي : 235/8
4- كنز العمال

فسأله عنها ، فقال : هذه أمّ كلثوم بنت علي ، قال عمر : أتتجاهل عليَّ ؟ والله ما أظنّ ... (1) .

وليت شعري لماذا كان عمر يخاف أن يُرمى بالحجارة من السماء ؟ ألِردًه الحدَّ حقّاً؟ وحاشا الله أن يرمي مقيم الحقّ : أو لتعطيله الحكم ؟ أو لجلده مثل أبي بكرة الذي عدّوه من خيار الصَّحابة، وكان من العبادة كالنّصل ؟ أنا لا أدري .

وكان عليٌّ أمير المؤمنين علیه السّلام يصافق عمر على ما _ ظنَّ أو جزم _ به ، فخاف أن يُرمى بالحجارة ، وينمُّ عن ذلك قوله علیه السّلام: لئن لم ينته المغيرة لأتبعنّه أحجاره ، أو قوله : لئن أخذت المغيرة لأتبعنّه أحجاره (2) .

وقد هجاه حسّان بن ثابت في هذه القصّة بقوله :

لو أنّ اللّوم يُنسب كان عبداً * قبيح الوجه أعور من ثقيفِ

تركتَ الِّدين والإسلام لمّا * بدت لك غدوة ذات النصيفِ

وراجعت الصّبا وذكرت لهواً * من القينات في العمر اللطيفِ (3)

ولا يشك ابن أبي الحديد المعتزلي في أنّ المغيرة زنى بأمّ جميل وقال : إنّ الخبر بزناه كان شايعاً مشهوراً مستفيضاً بين الناس (4) غير غير أنه لم يخطِّئ عمر

ص: 237


1- الأغاني : 147/14؛ شرح النهج : 162/3
2- الأغاني: 147/14
3- الأغاني : 147/14؛ شرح ابن أبي الحديد : 163/3
4- شرح نهج البلاغة : 163/3

بن الخطاب في درأ الحدِّ عنه، ويدافع عنه بقوله : لأن الإمام يستحبُّ له درأ الحدّ، وإن غلب على ظنّه أنه قد وجب الحدّ عليه .

عزب على ابن أبي الحديد أنّ درأ الحدّ بالشبهات لا يخصُّ بالمغيرة فحسب، بل للإمام رعاية حال الشهود أيضاً ، ودرأ الحدّ عنهم ، فأنّى للإمام داراً الحدّ عمّن يُقال : أنّه كان أزنى الناس في الجاهلية، فلما دخل في الإسلام قيّده الإسلام، وبقيت عنده منه بقية ظهرت في أيام ولايته بالبصرة (1) ؟

أنّى له رفع اليد عن مثل الرجل ، وقد غلب على ظنّه وجوب الحد عليه . وحُكمه بالحدّ على أبرياء ثلاثة يشك في الحد عليهم، وفيهم من يُعدُّ من عبّاد الصحابة

وأنّى يتأتّى الاحتياط في درأ الحدّ عن واحد مثل المغيرة برمي ثلاثة بالكذب والقذف ، وتشويه سمعتهم في المجتمع الديني وتخذيلهم بإجراء

الحد عليهم ؟

ونحن بحاجة إلى أن ندقق النظر في هذه العبارة السابقة : « فضربت الريح باب غرفة المرأة ففتحته ، فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة ينكحها، فقال أبو بكرة: هذه بليّة ابتليتم بها ، فانظروا، فنظروا حتّى أثبتوا».

فنجد أنّ هناك باباً قد فتحتها الريح، ولم تكن ستارة ، وإلّا لقيل : ارتفعت الستارة، أو تطايرت، ويؤكد ذلك أنّ الباب بقى مفتوحاً، حتى أن البقيّة نظروا، ودققوا النظر في ذلك بشكل دقيق ، كما يتبيّن ذلك من مقام شهادتهم ، ولو كانت مجرّد ستارة تعبث بها الريح لما أمكن ذلك بتلك الصورة الدقيقة .

ص: 238


1- شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - : 136/3 نقلاً عن المدايني

كلمة عتاب

كلمة لابدّ منها ، وقولة ينبغي قولها، وحديث وِدًّ أحبّ أن أعّبر عنه ، أخاطب من خلال هذه الأسطر ، علماءنا الأبرار ، وفقهاءنا الأخيار، لعلّ واحداً

منهم يتفضّل بإلقاء نظرة على هذا العمل المتواضع، ويقتطع من وقته الثمين شيئاً يسيراً ، لأن الحكمة ضالة المؤمن، مبتغياً من ذلك معرفة ما يجول في الساحة من دواهي وطامّات، وما يعانيه المؤمنون من شتات وضياع.

الاشتغال بعلم الفقه وأصوله المتعلقين بأفعال العباد ، إحياءٌ للدين، وترويج لشريعة سيّد المرسلين، وإخراج للناس من الحيرة في العمل، إلى

ساحة إبراء الذّمة والمعرفة ، وهذا حفظ لحلال محمّد صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم و حرامه ، وهو أمر لا يستهين به مؤمن، ولا يزهد فيه إلّا منافق.

ففي الرواية عن الإمام العسكري علیه السّلام أنه قال : حدّثني أبي ، عن آبائه عن رسول الله صلّی اللهُ علیه وآله وسلّم أنّه قال : أشدّ من يتم اليتيم الذي انقطع عن أبيه ، يُتمُ يتيمٍ انقطع عن إمامه ، ولا يقدر على الوصول إليه ، ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه ، ألا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا، وهذا الجاهل بشريعتنا ، المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره ، ألا فمن هداه وأرشده وعلّمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى » (1) .

ولكن ليست كل الشريعة الإسلاميّة هي هذا فقط، كما أنّ حفظ الشريعة لا يقتصر عليه ، بل هناك العقائد الحقّة، وهي أهم من مقام العمل ، لأنّ العامل على طريق غير الهدى، لا يزيده عمله إلّا بعداً عن الحق ، ولا أظنّ أحداً يرى أنّ

ص: 239


1- بحار الأنوار : 2/2 ح ا ب .8

نصرة محمّد وآله ( صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين) في غير الحلال والحلام هي أقلّ أهميّة .

ونحن في زمان تفشّى فيه المبتدعون، وكثر أدعياء العلم والدّين، ولا نجد شيئاً يعتدّ به من الدفاع عن بيت النبوة ( صلوات الله وسلامه عليهم

أجمعين)، وبالخصوص مراجعنا الكرام ، الذين كلمتهم مسموعة ، ورأيهم مطاع ، وقولهم له أثره البالغ على إخماد الفتن ، ودحض الباطل ، وإعلاء كلمة الحق .

روي عن علي بن محمّد الهادي علیهما السّلام أنّه قال: «لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم علیه السّلام من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله ، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ، ومن فخاخ النواصب ، لما بقي أحد إلّا ارتد عن دين الله ، ولكنّهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكانها ، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل » (1) .

ومَن ارتضى لنفسه النيابة عن ولي الله الأعظم الحجّة المنتظر (عجل الله له الفرج القريب ) فقد جلس في موقع المسؤوليّة، وأصبح أباً عليه أن يحفظ أولاده من الضياع وأن يقوم بالمسؤولية على أكمل وجه، حتّى يسلّم الأمانة راضياً مرضيّاً.

أريد أن أقول من خلال هذه الكلمات : إنّنى مذكر ، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، كما أتوخى من هذا أن يلتفتوا إلى ما يحصل في الأوساط من فساد عقائدي، الذي هو أكبر وأدهى وأمر من الإنحراف العملي، يظهرون من خلال

ص: 240


1- الاحتجاج : 455

مواقفهم، وتصريحاتهم ، الردّ بصورة صريحة وفعّالة، على كلّ من تسوّل له نفسه أن يعبث بدين الله ، ويتّخذه هزوا.

كما أنّ لمراجعنا الكرام ممثّلين ووكلاء ، ينبغي أن ينبروا لكلّ ثغرة . أليس الشيعة هم المرابطون ، والرباط يقتضي سدّ أي ثغرة، دون الاقتصار على أمر واحد، بل نجد أن بعض وكلائهم يؤيّدون الباطل، دون أن نسمع أنّ فلاناً سحبت وكالته على الأقل.

ونحن نقول ونبرر ذلك أنّهم لا يعلمون ، والمشكلة فى من أوكل له هذا الأمر، فعليه أن يبيّن للمرجع ما يدور من باطل، وتعقد الجلسات للبتّ في الأمر ، كما يكون ذلك فى مجلس الإفتاء.

فعن الإمام العسكري علیه السّلام قال : قال جعفر بن محمّد الصادق علیهما السّلام : علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا، وعن أن يتسلّط عليهم إبليس وشيعته النواصب . ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرّة ، لأنّه يدفع عن أديان محبّينا ، وذلك يدفع عن أبدانهم» (1) .

فهذا ما أردت من التذكير بنصرة أولياء الله . والله من وراء القصد، وهو حسبي ، وعليه توكّلي .

ص: 241


1- بحار الأنوار : 2/ 5 ح 8ب 8

ءء وَمِنٛ خَطِبة عَلَيٛهِ السَّلام

: حين اخرجوه من ذاره وجرّوه الى المسجد نقلها عن كتاب صوارم الحاسمة في تاريخ الزهراء فاطمه (سلام اللّه عليها)للعالم المحدث الاغا فتح اللّه الكمالى الاسترابادى و الكتاب فى المكتبة الشوشتريّة فى النجف الاشرف من موقوفات الشيخ على محمّد النجف ابادى و هو كتاب مخطوط بقطع الصّغير الثلثى قد نقلها فيه عن كتاب كشف اللآلي لابن العرندس قال قال لمّا اوقف عليه السّلام تكلّم فقال ايّتها الغدرة الفجرة و النّطفة القذرة المذرة و البهيمة السّائمة نهضتم على اقدامكم و شمّرتم للضّلال عن ساعدكم تبغون بذلك النّفاق و تحبّون مراقبة الجهل و الشّقاق أ فظنتم انّ سيوفكم ماضية و نفوسكم واعية الاساء ما قدّمتم انفسكم ايّتها الاوقة المتشتّتة بعد اجتماعها و الملحدة بعد انتفاعها و أنتم غير مراقبين و لا من اللّه بخائفين اجل و اللّه ذلك امر ابرزته ضمائركم و اضربت عن محضه خبث سرائركم فاستبقوا أنتم الجذل بالباطل فتندموا و نستبقى نحن الحقّ فيهدينا ربّنا سواء السّبيل و ينجز لنا ما وعدنا على الصّبر الجمیل و ما ربّک بظلّام للعبید فدخضا دخضا وشوهة شوهة (توهر)لنفوسکم الّتي رغبت بدنیا طال ما حذرکم رسول الله صلیّ الله علیه

ص: 242

واله عنها فعلقتم با طراف قطیعتها ورجعتم متسالمین دون جدیعتها زهدت نفوسکم الامارة فی الاخرة الباقیة ورغبت نفوستا فما زهدتم

فیه والموعد قریب والرّب نعم الحاکم فاستعدّ واللمسئله جوابا و بظلمکم لنا اهل البیت احتسابا او تضرب الزّهراء نهرا ویؤخذ منّا حقّنا قهرا وجبزا فلا نضبر ولا مخبر ولا مغد ولا سنجد فلبت ابن ابی طالب مات قبل یومه فلایری الکفرة الفجرة قداز دحموا علی ظلم الطاهرة البرّة فتبّا تبّا سخقا ذلك امر الی الله مرجعه والی رسوال الله (صلی الله علیه واله وسلّم) مدفعه فقد عزّ علی ابن طالب ان یسودّ کتن فاطمه ضربا وقد عرف مقامد وشو هدت ایّامه فلا یثور الی عقیلته ولا یصرّدون حلیلته فالصّبر ایمن واجعل الرّضا بما رضی اللهُ به افضل لکیلا یزول الحقّ عن وقره ویظهر الباطل من وکره حتّی

القی ربّی فاشکوه الیه ما ارتکبتم من غضبکم حقّی وتماطلکم صدری وهو خیر الحاکمین وارحم الرّاحمین وسیجزی اللهُ الشّاکرین الحمد

لله ربّ العالمین ثمّ تسکت علیه السّلام

ص: 243

وفي الختام

أسأله سبحانه وتعالى أن يكون قد تقبّل جهادي، وأشكره سبحانه وتعالى على ما أفاض به حتّى نهاية كتابي، وأستغفره عز وجل عمّا لعلّه خالط عملي.

فأسأله سبحانه وتعالى أن يجعل كتابي هذا خالصاً لوجهه الكريم، ونصرة لأوليائه محمّد وآله الطيبين الطاهرين ، عليهم صلوات الله وسلامه

أجمعين.

كما أسأله ( جلَّ وعلا ) أن يهدي به المؤمنين غير المعاندين، وينير به الدرب للمتحيرين الصادقين، ويُعلي به كلمة الحق المبين، ويدحض به باطل المبطلين الفاسقين ، وشبهات المغرضين الشياطين من الجن والإنس أجمعين، فيشفي به أفئدة المؤمنين المتألّمين ، ويغيظ به قلوب قوم آخرين .

ورجائي من إخواني المؤمنين العاملين ، أن يسعوا جاهدين دائماً ومثابرين ، لنصرة محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين ، بكلّ ما منحهم الله من علم ومال وبنين، فيكونوا بذلك مع المقرّبين المرضيين في أعلى علّيين .

ونحن على آخِر صفحات هذا اللقاء، فخير ما نختم به قول أئمة الهدى و مصابيح الدجى، الذين من تمسك بهم فقد نجى ، ومن تخلّف عنهم فقد غرق وهوى، ينيرون لنا الدروب، ويزيحون عنّا الخطوب، حريصون علينا أشدّ الحرص ، محبون لنا أشد الحب.

ص: 244

فمع غياب أجسادهم عنّا، لم تبرح تعاليمهم بين أيدينا، يخافون علينا الفتنة، فرسموا لنا الخلاص منها، ويخشون علينا الشياطين في لباس

الصالحين، فعلّمونا كيف نفرّق بين المؤمنين الصالحين والمنافقين، فقالوا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين :

قال الإمام الرضا علیه السّلام : قال عليّ بن الحسين علیها السّلام :

إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه، وتماوت في منطقه (1) ، وتخاضع في حركاته ، فرويداً لا يغرَّنّكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام منها لضعف نيّته ومهانته وجبن قلبه ، فنصب الدين فخّاً (2) لها، فهو لا يزال يختل (3) الناس بظاهره ، فإن تمكّن من حرام اقتحمه.

وإذا وجدتموه يعفّ عن المال الحرام فرويداً لا يغرَّنكم، فإنّ شهوات الخلق مختلفة، فما أكثر مَن ينبو (4) عن المال الحرام وإن كثر ، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة، فيأتي منها محرّماً .

فإذا وجدتموه یعفّ عن ذلك فرویداً لا یغرّکم، حتّی تنظروا ما عقده عقله ، فما أکثر مَن ترك ذلك أجمع ،ثمّ لا برجع إلی عقل متین ، فیکون ما

یُفسده بجهله أکثر مما یُصلحه بعقله .

فإذا وجدتم عقله متيناً، فرويداً لا يغرّكم، حتّى تنظروا أمع هواه يكون على عقله ؟ أو يكون مع عقله على هواه ؟ وكيف محبّته للرئاسات الباطلة

ص: 245


1- تماوت في منطقه : أي تخافت و تضاعف في كلامه
2- الفخ : آلة يصاد بها
3- يختل: يخدع
4- أي من ينفر عنه ولا يقبل إليه

وزهده فیها ؟

فإنّ في الناس من خسر الدنيا والآخرة ، يترك الدنيا للدنيا، ويرى أن لذّة الرئاسة الباطلة أفضل من لذّة الأموال والنعم المباحة المحلّلة، فيترك ذلك أجمع طلباً للرئاسة، حتّى إذا قيل له : اتّق الله ، أخذته العزّة بالإثم، فحسبه جهنّم ولبئس المهاد ، فهو يخبط خبط عشواء. يقوده أوّل باطل إلى أبعد غايات الخسارة ، ويمدّه ربّه _ بعد طلبه _ لما لا يقدر عليه في طغيانه .

فهو يُحلّ ما حرم الله ، ويحرم ما أحلّ الله ، لا يبالي بما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته التي قد يتّقي من أجلها، فأولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم عذاباً مهيناً.

ولكنّ الرجل كلّ الرجل ، نعم الرجل ، هو الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله ،وقواه مبذولةً في رضا الله . يرى الذُلّ مع الحقّ، أقرب إلى عزّ الأبد ، من العزّ في الباطل. ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرّائها، يؤدّيه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد ، وأنّ كثير ما يلحقه من سرَّائها _ إن اتّبع هواه _ يؤدّيه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول.

فذلكم الرجل نِعمَ الرجل ، فيه فتمسكوا ، وبسنّته فاقتدوا ، وإلى ربِّكم به فتوسلوا، فإنّه لا تردُّ له دعوة ، ولا تخيب له طلبة (1) .

تمِّ بحمد الله

ص: 246


1- بحار الأنوار: 2/ 84 ح 10 ب 14

المصادر

القران الکریم

إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات... محمّد بن الحسن بن الحر العاملي

الاحتجاج ... الشيخ الطبرسي

الاختصاص ... الشیخ المفید

أدب الطف ... السید جواد شبّر

الأرجوزة المختارة ... القاضي النعمان

الإرشاد ... الشخ المفید

إرشاد القلوب ... الشیخ الدیلمي

الأزهار الأرجية ... الشيخ فرج العمران القطيفي

الاستبصار ... الشيخ الطوسي

أسرار الشهادة ... الفاضل الدربندي

أعيان الشيعة ... السید محسن الأمین

إقبال الأعمال ... أبو القاسم علي بن طاووس

ألقاب الرسول وعترته ... مطبوع ضمن مجموعة نفيسة

الأمالي ... الشيخ الصدوق

الإمامة (مخطوط) ... الشيخ عبد النبي بن سعد الجزائري

الإمامة والسياسة ... ابن قتيبة

أنوار البدرين في تراجم علماء الأحساء والبحرين ... الشيخ علي البلادي

الأنوار القدسية ... الشيخ الأصفهاني

ص: 247

الأنوار النعمانية ... السيد نعمة الله الجزائري

البابلیات ... الشيخ محمّد علي اليعقوبي

بحار الأنوار ... الشيخ المجلسي

البلد الأمین ... الشيخ إبراهيم الكفعمي

التتمة فی تواریخ الأئمة ... السيد تاج الدين بن أحمد الحسيني العاملي

تحفة العالم ... السيد جعفر بحر العلوم

تراجم أعلام النساء ... الشيخ محمّد حسين الأعلمي الحائري

تشیید المطاعن ... السيد محمّد قلي النيسابوري

تفسیر القمي ... الشيخ علي بن إبراهيم

تلخبص الشافي ... الشيخ الطوسي

تنقیح المقال .... الشيخ المامقاني

التنقیح ( تقریر بحث )... السيد الخوئي

التهذیب .... الشيخ الطوسي

جامع أحادیث الشیعة ... أُلِّف بإشراف السيد البروجردي

جلاء العیون ... السيد عبد الله شبَّر

الحدائق الناظرة ... الشيخ يوسف البحراني

حدیقة الشیعة ... المقدّس الأردبيلي

الخطط ( الموااعظ و الاعتبار ) ... تقي الدين المقريزي

الدر النضید فی مراثي السبط الشهید ... السيد محسن الأمين

دلائل الإمامة ... ابن رستم الطبري

دیوان ... السيّد رضا الموسوي الهندي

دیوان ... الشيخ صالح الكواز

دیوان ... أحمد بن زين الدين الأحسائي

دیوان ... الشيخ كاظم آل نوح

ص: 248

دیوان ... الشيخ عبد الغني الحرّ

دیوان ... الملاحسن بن عبد الله آل جامع

ذخائر العقبى ... الطبري

الذريعة ... الشيخ آغا بزرك الطهراني

الرسائل الاعتقادية ... العلّامة الخاجوئي

روضات الجنات ... الميرزا محمّد باقر الموسوي الخونساري الإصبهاني

روضة المتقين ( في شرح من لا يحضره الفقيه) ... المولى محمد تقي المجلسي

رياض المدح والرثاء ... الشيخ حسين البلادي

الشافي في الإمامة ... السيّد المرتضى

شرح الخطبة ... الشيخ نزيه قميحة

شعراء الحسين ... محمّد باقر الإيرواني

شعراء القطيف قديماً وحديثاً ... الشيخ علي المرهون القطيفي

الصحاح ... الجوهري

الصراط المستقيم ... أبو علي النياطي البياضي

الصوارم الحاسمة في تاريخ أحوالات فاطمة ... محمّد رضا الإسترابادي

الصوارم الماضية ... السيد محمّد المهدي الحسيني القزويني

ضياء العالمين (مخطوط) ... الفتوني

علل الشرائع ... الشيخ الصّدوق

علم اليقين في أصول الدين ... الفيض الكاشاني

عوالم العلوم ... الشيخ عبد الله البحراني الأصفهاني

الغدير ... أحمد الرحماني الهمداني

فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى ... أحمد الرحماني الهمداني

فدك في التاريخ ... السيد محمّد باقر الصدر

فرائد الأصول ... الشيخ الأنصاري

ص: 249

الفّرق بین الفِرق ... عبد القاهر الإسفرائيني البغدادي

الفضائل ... ابن شاذان

القاموس المحيط ... الفیروز آبادي

قواعد عقائد آل محمّد ... محمّد بن أحمد بن الحسن الديلمي

الكافي ... الشيخ الكليني

كامل الزيارات ... ابن قولویه

كامل بهائي ... عماد الدين الطبري

كشف الغطاء ... الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغمّة ... الشيخ الأربلي

كشف المراد ... العلّامة الحلّي

كفاية الطالب في مناقب علی بن أبي طالب ... محمّد بن يوسف القرشي

كنز الفوائد ... أبو الفتح الكراجكي

لؤلؤة البحرين ... الشيخ يوسف بن أحمد البحراني

اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية ... الفاضل المقداد السوري

مؤتمر علماء بغداد ... مقاتل بن عطية

مأساة الزهراء ... السيد جعفر مرتضى العاملي

ماذا تقضون ؟ ... الشيخ قاسم إسلامي

المجالس السنية ... السيد محسن الأمين

مجلة الموسم ...العدد (12)

مجمع البحرين ... الشيخ الطريحي

المحتضر ... الشيخ حسن بن سليمان

مرآة العقول في شرح أخبار الرسول ... محمّد باقر المجلسي

المزار ... الشيخ المفيد

ص: 250

مستدركات أعيان الشيعة ... الشيخ النوري

مستدركات مقباس الهداية ... الشيخ محمّد رضا المامقاني

مسند الإمام الرضا ... العطاردي

مسند مسلم ... مسلم

المصباح ... الشيخ الكفعمي

معاني الأخبار ... الشيخ الصّدوق

معجم رجال الحديث ... السيد الخوئي

المغازي ... الواقدي

المغني ... القاضي عبد الجبار

مفاتيح الجنان ... الشيخ عباس القمي

مفتاح الباب ( شرح الباب الحادي عشر ) ... ابن مخدوم

المقنعة ... الشيخ المفيد

الملاحظات ... السيّد ياسين الموسوي

ملاذ الأخيار ... محمّد باقر المجلسي

الملل والنّحل ... الشهرستاني

من الشعر المقبول في رثاء الرسول وآل الرسول ... الشيخ قاسم محي الدين

مناظرات في الإمامة ... عبد الله الحسن

مناظرة الغروي والهروي ... ابن أبي جمهور الأحسائي

المناقب ... ابن شهر آشوب

المنتخب ... الشيخ الطريحي

المنجد ...

منهاج الصالحين ... السيّد الخوئي

مهج الدعوات ومنهج العبادات ... علي بن موسى بن محمّد بن طاووس

ص: 251

موسوعة أدب المحنة ( أو شعراء المحسن بن علي علیه السّلام ) السيد محمّد علي الحلو

نفحات اللاهوت ... المحقق الکرکي

نقباء البشر ... المحقق الكركي

نوائب الدهور ... السيد المير جهاني

نوادر الأخبار ... الفيض الكاشاني

الهاشميات ... السيد محمّد جمال الهاشمي

الهداية الكبرى ... الحسين بن حمدان الخصيبي

الوافي بالوفيات ... صلاح الدين بن أيبك الصفدي

الوافي ... الفيض الكاشاني

وسائل الشيعة ... الشيخ الحرّ العاملي

وفاة الإمام الرضا علیه السّلام ... الشيخ أحمد آل طعان القديحي القطيفي

وفاة فاطمة الزهراء علیه السّلام ... السيد عبد الرزاق المقرّم

وفاة فاطمة الزهراء علیها السّلام ... الشيخ حسين البلادي البحراني

ص: 252

ص: 253

ص: 254

ص: 255

ص: 256

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.