الخلاصة في عقائد الشيعة الإمامية

هوية الکتاب

الكتاب:......................... الخلاصة في عقائد الشيعة الإمامية

تأليف:........................... الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي

إشراف وتدقيق:............................... لجنة تأليف المناهج

الناشر:..... قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة

.................معهد تراث الأنبياء للدراسات الحوزوية الإلكترونية

الإخراج الفني:............................. السيد هادي القبانجي

المطبعة:................................ دار الكفيل للطباعة والنشر

الطبعة: الأولى:................... شعبان 1444ه/آذار 2023م

عدد النسخ:............................................... 500

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المعهد:

معهد تراث الأنبياء، مؤسَّسة علمية حوزوية، تابعة للعتبة العباسية المقدّسة، تُدرِّس المناهج الدِّينية المعَدَّة لطُلّاب الحوزة العلمية في النجف الأشرف.

الدراسة فيه عن طريق الانترنيت وليست مباشرة.

يساهم المعهد في نشر وترويج المعارف الإسلاميَّة وعلوم آل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ووصولها إلىٰ أوسع شريحة ممكنة من المجتمع، وذلك من خلال توفير المواقع والتطبيقات الإلكترونية التي يقوم بإنتاجها كادر متخصِّص من المبرمجين والمصمِّمين في مجال برمجة وتصميم المواقع الإلكترونية والتطبيقات علىٰ أجهزة الحاسوب والهواتف الذكيَّة.

وبالنظر للحاجة الفعلية في مجال التبليغ الإسلامي النسوي فقد أخذ المعهد علىٰ عاتقه تأسيس جامعة متخصِّصة في هذا المجال، فتمَّ إنشاء جامعة أُمِّ البنين عَلَيْهِا اَلسَّلاَمُ الإلكترونية لتلبية حاجة المجتمع وملء الفراغ في الساحة الإسلاميَّة لإعداد مبلِّغات رساليّات قادرات علىٰ إيصال الخطاب الإسلامي بطريقة علمية بعيدة عن الارتجال في العمل التبليغي، بالإضافة إلى فتح التخصصات العقائدية والفقهية والقرآنية.

ص: 3

على أنَّ المعهد لم يُهمِل الجانب الإعلامي، فبادر إلىٰ إنشاء مركز القمر للإعلام الرقمي، الذي يعمل علىٰ تقوية المحتوىٰ الإيجابي علىٰ شبكة الانترنيت ووسائل الإعلام الاجتماعي، حيث يكون هذا المحتوى موجَّهاً لإيصال فكر أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ وتوجيهات المرجعية الدِّينية العليا إلىٰ نطاق واسع من الشرائح المجتمعية المختلفة وبأحدث تقنيات الإنتاج الرقمي وبأساليب خطابية تناسب المتلقّي العصري.

والمعهد يقوم بطباعة ونشرالإنتاج الفكري والعلمي لطلبة العلم، ضمن سلسلة من الإصدارات في مختلف العناوين العقائدية والفقهية والأخلاقية، التي تهدف إلىٰ ترسيخ العقيدة والفكر والأخلاق، بأُسلوب بعيد عن التعقيد، يستقي معلوماته من مدرسة أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ الموروثة.

والكتاب الذي بيد يديك –عزيزي القارئ- هو مجموعة من الدروس العقائدية الميسرة، كتبها أستاذ المادة لأهداف ذكرها في المقدمة، نسأل الله تعالى أن يجعل عملنا في عينه، وأن يتقبَّله بقبوله الحسن، إنَّه سميع مجيب.

إدارة المعهد

ص: 4

الإهداء

إلى مولى الموحدين، وقائد الغرّ المحجَّلين...

إلى من تشرفت به بقاعُ الأرض التي حلّ بها، فالكعبة تشرفت بولادته، ومسجد الكوفة باستشهاده، والنجف بجسده الطاهر...

إلى من أسّس العقيدة على العلم والتقوى...

إلى من كان لأصحابه كالأب الحنون، إلى من كان فيهم كأحدهم...

إليك يا مولاي يا أمير المؤمنين، أهدي جهداً متواضعاً، راجياً القبول.

عبدكم الرق.

ص: 5

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

لقد أصبح واضحاً جلياً ما للعقيدة من تأثير مباشر على سلوك الأفراد عموماً، والشباب خصوصاً، إذ إن العقيدة تمثل الأساس لكل سلوك يُراد القيام به خارجاً، ولذا تجد أن سلوك الموحدين -تجاه مجتمعهم وأسرهم وأبويهم وأصدقائهم وعموم بني البشر- مختلف في كثير من جهاته عن سلوك غير الموحدين، بل إن سلوك الموحدين أيضاً يختلف تبعاً لاختلاف درجة اعتقادهم وكونها نظرية فقط، أو إنها تشربت في قلوبهم واندمجت مع وجدانهم بحيث كانت العقيدة محط نظرهم في كل سلوك يصدر عنهم، وما بين هاتين الدرجتين درجات متكثرة.

ولأجل اعتماد علم العقيدة على علوم عديدة، أهمها الفلسفة والمنطق -فضلاً عن النصوص الشرعية المتعلقة بالعقيدة،ولأنها علوم صعبة المنال على من لم يبذل الجهد والوقت في تحصيلها، وهو أمر متعسر على كثير من الشباب والأفراد، فقد كتبتُ كتاب (دروس تمهيدية في عقائد الشيعة الإمامية) في أربعين درساً، حاولت الابتعاد فيه قدر الإمكان عن المصطلحات العلمية الدقيقة،والاكتفاء بتلقين العقيدة بأسلوب واضح قدر الإمكان، وهذا واضح لمن راجع مقدمة الكتاب المذكور، ليكون

ص: 6

منهجاً للدرس العقائدي للمرحلة التمهيدية في معهد تراث الأنبياء للدراسات الحوزوية الإلكترونية.

ثم اختصرتُ تلك الدروس الأربعين في عشرين درساً في هذا الكتاب، تلبية لرغبة بعض الأعلام في حوزة النجف الأشرف، وتوفيراً لمنهج عقائدي مختصر ينفع في دورات مسرَّعة للعقيدة، تلبي رغبة الشباب في التعرف على مجمل عقائدهم.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعله في عينه، وأن يتقبله بقبوله الحسن، وأن يغفر لي تقصيري وخطأي فيه، إنه سميع مجيب.

حسين عبد الرضا الأسدي

النجف الأشرف (على مشرِّفها أفضل التحية والسلام)

الاثنين 9 جمادى الآخرة 1444ه-

2 كانون الثاني 2023م

ص: 7

الدرس الأول:مصادرُ المعرفة الإنسانية

اشارة

قال (تعالى): «وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (النحل: 78).

الإنسان يولد جاهلًا، «وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً» ولكنه لن يبقى جاهلاً على الدوام، وإنما هو يبدأ بالتعلم شيئاً فشيئاً.

إنه يبدأ بالتعلم من خلال ما جُهّز به من أدوات معرفية «وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ»، وهو يعرف أنّه لم يُجهّز نفسه بها، فإنّه كان أضعف من أنْ يدفع عن نفسه أي ضرر، ولا يجلب لها أي نفع، وإنّما هو –والجميع كذلك- يشعر بوجدانه أنّ هناك موجودًا عظيمًا قويًا جهّزه بها، من دون أنْ يكون له سابق حقٍّ عليه، وإنّما ذلك الموجود تفضّل عليه وامتنّ عليه بها، وحينها يقف الإنسان بكلّ وجوده ليستشعر ضرورة أنْ يشكر هذا الجميل لذلك الموجود «لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ».

منافذ المعرفة:

اشارة

وبالتأمُّلِ في الآيةِ الكريمة، وبالواقع الذي نشعر به بوجداننا، نجد أنّ معارفنا تأتي من خلال منافذ متعددة:

ص: 8

المنفذ الأول: الحواس:

توفّر الحواس للإنسان المعرفة الحسية، وهي معرفةٌ تنال بعض الموجودات المادية فقط في هذا العالم.

وتُعدُّ هذه المعرفة أولى خطوات الإنسان في طريق تعرّفه على الواقع الخارجي.

والحواس الخمسة معروفة، وكُلّ واحدةٍ منها توفر للإنسان معلوماتٍ ومعارفَ مرتبطةً بها، تتجمع هذه المعارف لدى الإنسان وتتراكم شيئًا فشيئًا، وهكذا يبدأ الإنسان رحلته المعرفية.

المنفذ الثاني: العقل:

العقل قوةٌ تُميّزُ الإنسانَ عن بقية الحيوانات، وبه امتاز عنها، وبه صارَ الإنسانُ إنسانًا، ولولاه لكان هو وبقية الحيوانات سواء، ولذلك وصف القرآنُ الكريم من يستعملُ عقله في الطريق الخطأ بأنه كالأنعام، بل إنَّ الأنعام أفضل منه؛ إذ لا عقل لها، فلو أخطأت في شيءٍ ما فلا يلومها عاقل، ولكن الإنسان صاحب العقل ملومٌ لو فعل شيئًا غير صحيح، قال (تعالى): «أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً 43 أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً» (الفرقان: 43 و 44).وعلى هذا الأساس كلّف اللهُ (تعالى) البشر، فلولا العقل لسقطت عنهم التكاليف الشرعية، ففي الحديث عن الإمام الباقر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: قَالَ «لَمَّا خَلَقَ الله الْعَقْلَ

ص: 9

قَالَ لَه: أَقْبِلْ. فَأَقْبَلَ. ثُمَّ قَالَ لَه: أَدْبِرْ. فَأَدْبَرَ. فَقَالَ: وعِزَّتِي وجَلَالِي، مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أَحْسَنَ مِنْكَ، إِيَّاكَ آمُرُ وإِيَّاكَ أَنْهَى، وإِيَّاكَ أُثِيبُ وإِيَّاكَ أُعَاقِبُ».(1)

المنفذ الثالث: الوحي:

الوحي وسيلةٌ غيبية، خاصة بالأنبياء، ليست حسية، ولا عقلية، إنّما هي معرفةٌ راقية، ينكشف من خلالها للموحى إليه (النبي) معارف لا يُمكن للعقل أنْ يصلَ إليها، فضلًا عن الحس.

العقلُ يستطيع أنْ يعرف أنَّ العدل حسن، وأنَّ الظلم قبيح، ولكنّه لا يستطيع أنْ يعرفَ أنَّ صلاة الصبح ركعتان مثلًا، ولا أنَّ الحجَّ واجبٌ على المستطيع، ولا يستطيع أنْ يغوصَ في الماضي ليعرفَ كيفية بداية الخلق، ولا أنْ يستشرف المستقبل ليعرف الأحداث التي تقع للإنسان بعد موته، ولا أنْ يعرفَ تفاصيل ما يجري في يوم القيامة...

هذه المعارفُ وأمثالها لا بُدّ لها من مصدر آخر، وذلك المصدر هو الوحي.

فتلخّصَ:

أولًا: أنَّ الإنسان مُجهّزٌ بأدواتٍ معرفية، بها تطوّرت حياته، وهو في ذلك مُمتنٌ لمن وهبه إياها وجهزه بها.

ثانيًا: أنَّ مصادرَ المعرفة لدى الإنسان هي: الحس، والعقل، والوحي.

ثالثًا: المعرفة الحسية خاصة ببعض الموجودات المادية، ولا تنال ما عداها، وهي في ذلك قد تقع في الخطأ كثيرًا.

ص: 10


1- الكافي للكليني ج1 ص 26 كتاب العقل والجهل ح 26.

رابعًا: المعرفة العقلية طوّرت حياة الإنسان كثيرًا.

خامسًا: الوحي مصدرٌ معرفيٌ مُهم، في ما لا يُدركُه العقل فضلًا عن الحس.

أسئلة الدرس:

السؤال الأول: ما هي مصادر المعرفة لدى الإنسان؟

السؤال الثاني: بمَ تختصُّ الحواسُّ من أنواع المعرفة؟

السؤال الثالث: لماذا يجب أن نشكر من وهب لنا الحواس؟

السؤال الرابع: الوحي مصدر معرفي خاص ب.... ؟

***

ص: 11

الدرس الثاني مراتب المعرفة

اشارة

كيف نتعرّفُ على الواقع؟

هل نتعرّفُ عليه بطريقةٍ وبمرتبةٍ واحدة، أو إنّ له مراتب؟

الجواب:

عندما يكون عندك إناءٌ يسع خمسة لتراتٍ من الماء، ويطلب منك أحدهم أنّ تضع فيه ستةَ لتراتٍ من الماء، من دون أنْ يُراق منه شيء، عندها ستقول له: هذا غيرُ مُمكن، إنّه مستحيل.

لماذا؟

لأنّ الإناءَ لا بُدّ أنْ يكونَ أكبر ممّا يوضع فيه، أو قل: إنَّ الظرفَ لا بُدّ أنْ يكونَ أوسع من المظروف، ولو سألك أحدُهم عن الدليلِ على لزوم هذا الشيء، لقلت له: إنّ المسألةَ واضحة جلية، لا تحتاج إلى دليل، ولا يختلف فيها عاقلان.

ولو رأيت سيارةً مصنوعةً بدقة، وبتناسق، وقيل لك: إنّها صَنَعتْ نفسها بنفسها، لقلت: هذا غير ممكن، وهو أمرٌ مستحيل؛ لأنّك تُدرك أنَّ السيارةَ لا يُمكنُ أنْ تصنع نفسها، بل لا بُدّ لها من صانع، وليس أيّ صانع، وإنّما لا بُدّ أنْ يكون صانعًا ذا خبرةٍ ومعرفةٍ في تنسيق الأجزاء،وجعلها تعمل بطريقةِ الفريقِ الواحد، بحيث لا يكونُ بينها أي تقاطُعٍ ولا تضاد.

ص: 12

وإنْ سُئلتَ عن الدليل على ذلك، لقلت: إنّها مسألةٌ واضحةٌ جلية، ولا تحتاجُ إلى أيّ دليل، ويكفي أنْ تشاهد السيارة المتناسقة لتحكم بضرورةِ وجودِ من صنَعَها، وبعلمه وبمعرفته في مجال صناعة السيارات.

نفسُ الكلام ستقوله لو رأيت ساعةً دقيقةَ الصنع، أو رأيت كتابًا في تفسير القرآن مثلًا، وهكذا.

مثلُ هذه المسائلِ الواضحةِ الجليّةِ التي لا تحتاج فيها إلى دليل، تُسمى بالبديهيات.

وهذه البديهياتُ رغم وضوحها، لكن قد تحصل عند الإنسان شبهةٌ فيها، فيقع في الخطأ فيها، ومثله يحتاج إلى تنبيهٍ، وإرشادٍ، ولفتِ نظر، فالبديهي لا يحتاج إلى دليل، ولكنّه قد يحتاجُ إلى تنبيهٍ وإرشاد، كما حصل للبعض، حيث ادّعوا أنه لا وجود لأي شيء خارج خيالاتنا، وما نراه أو نحس به إنما هو خيال ووهم.

يقولُ أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «وإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً؛ لأَنَّهَا تُشْبِه الْحَقَّ، فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللهِ فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ، ودَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى، وأَمَّا أَعْدَاءُ الله فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلَالُ، ودَلِيلُهُمُ الْعَمَى»(1)

هذه هي المرتبةُ الأولى لمعرفةِ الواقع، إنّها مرتبةُ البديهيات.ثم لو قيل لك: إنَّ مجموعَ زوايا المثلث هي مائة وثمانون درجة، لجاز لك أنْ تقول: ما الدليل على ذلك؟

ص: 13


1- نهج البلاغة ج1 ص 89 و 90.

إنَّ هذه النتيجة ليست كرؤيتك لذلك الكتاب الذي انتقلَ ذهنك منه مباشرةً إلى وجود كاتبٍ عالمٍ كتبَه، وإنّما هي مسألةٌ يحتاج الذهن فيها إلى دليلٍ، ونظرٍ، وتفكُّرٍ، وتأمُّلٍ، حتى يصل إلى الحق فيها، ولذا فإنَّ علماءَ الرياضيات أقاموا مبرهناتٍ لإثباتِ هذه النتيجة، بحيث إنَّ النتيجةَ تكون صادقةً ومطابقةً لواقعِ زوايا المثلث بعد الاستدلال، وليس قبله.

نعم، بعد أنْ ثبت هذا الأمر بالدليل القطعي، واشتهرت هذه المسألة بين الناس، وكُلّ من درس الرياضيات -ولو في مبادئها الأولى- يعرف صدق هذه النتيجة، حينئذٍ قد تتحوّلُ هذه المسألة (النظرية) إلى أشبه بالبديهية، بحيث إنّنا اليوم لا نحتاج إلى طلبِ الدليل على صحتها.

نفسُ الكلام عندما يُقال لك: إنَّ مساحةَ المربع تكون حاصل ضرب طوله في عرضه.

مثل هذه المسائل (وضربنا أمثلة من علم الرياضيات لتقريب الفكرة) تُسمى بالنظريات.

وهذه هي المرتبةُ الثانيةُ لمعرفة الواقع، إنّها مرتبة النظريات.

فالنظريات: هي المسائل التي تحتاج في إثباتها إلى دليل، ومن دونه لا يُمكن الحكم عليها بالصحة (المطابقة للواقع) أو الكذب (عدم المطابقة للواقع)، بل يُحتملُ فيها الأمران.وهناك نوعٌ من المعرفة، هي في حقيقتها ليست معرفة، وإنّما يحسبها الإنسان معرفة؛ لأنّها غيرُ مطابقة للواقع، وهو ما يُسمّى بالخطأ.

ص: 14

فتحصّل:

1- أنَّ هناك معارفَ بديهيةً، لا تحتاج إلى إقامة الدليل عليها، وفيها ينكشف الواقع للإنسان بما هو هو، من دون أيّ خطأ.

2- يُمكن أنْ يقع الاشتباه في البديهيات، فتحتاج إلى تنبيهاتٍ لبيان الحقِّ فيها.

3- أنَّ هناك معارفَ نظريةً، تحتاج إلى إقامة الدليل عليها، ومن دونه لا يُمكن الحكم عليها بالصحة، أو الصدق، أو المطابقة للواقع، بل تبقى في حيّز الإمكان، فقد تكون صادقة، وقد تكون كاذبة.

4- النظريات قد تتحوّلُ إلى أشبهِ بالبديهيات بعد شهرتها وكثرة إقامة الأدلة عليها، وشيوعها بين الناس.

5- الخطأ ليس معرفة، وإنما قد يتصوّر الإنسان أنّه معرفة.

ص: 15

أسئلةُ الدرس:

السؤال الأول: عرِّف البديهيات، موضِّحًا معناها بمثالٍ واقعي.

السؤال الثاني: (البديهياتُ رغم وضوحها، لكن قد تحصل عند الإنسان شبهةٌ فيها). اشرحِ العبارة.

السؤال الثالث: عرّف النظريات، موضِّحًا معناها بمثالٍ واقعي.

السؤال الرابع: قارنْ بين البديهيات والنظريات؟

السؤال الخامس: يكفي التنبيهُ والإرشادُ في زوال الشبهة في البديهيات، علِّل ذلك.

السؤال السادس: هل يمكن انْ تتحول النظريات إلى البديهيات؟ وكيف يكون ذلك؟ مع التمثيل.

***

ص: 16

الدرس الثالث وجوب النظر والمعرفة

اشارة

قال (تعالى): قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ» (يونس: 101).

وقال (تعالى): قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (العنكبوت: 20).

عندما ننظرُ إلى عقائدِ الناس، نجدُ أنّها مختلفةٌ فيما بينها جدًا، وقد يصلُ الاختلافُ إلى حدِّ التناقض، فبين من يقولُ بوجودِ إلهٍ حيٍّ عالمٍ قادرٍ حكيم، إلى الجاحدِ المادي، إلى من يعبدُ البقر، ومن يعبد بشرًا مثله.

هذا واقعٌ لا يُنكر.

وأمامَ هذا الواقع، هل علينا التمسُّكُ بما وجدنا عليه آباءنا من عقائدَ؟

أم لا بُدّ من البحث عن العقيدة الحقة، عن الإله الذي خلقنا؟

هل البحث عن العقيدة لازم أو لا؟

الجواب:

تأمّلوا معي:

لو أصابَ أحدَهم مرضٌ خطير، فوجبَ عليه أنْ يذهبَ إلى من يُعالجه، هل تراه يذهب إلى أيّ طبيب، أو إنّه سيبحث عن طبيبٍ حاذقٍ أمينٍ لينقذ حياته؟

ص: 17

هل تراه يذهب لأيّ شخصٍ ادّعى الطبّ، أو إنّه سيبحثُ عن طبيبٍ يعرفه أهلُ الاختصاص الطبّي ويثقون به ويعترفون بحذاقته في علاج الأمراض؟

دعْنا من المرض.

القائدُ الذي يحتمل وجود عدوٍ يترصّده هذه الليلة؛ ليهجمَ عليه ويقتله، هل تراه ينام مُطمئنًا قبل أن يحشّد جنوده، ويزرع الرصد والعيون لمراقبة حركة العدو؟

بالتأكيد أنَّ عقله سيدفعه إلى أخذِ الحيطةِ والحذر، واتخاذِ كافةِ الإجراءاتِ اللازمة لدفعِ العدوِّ لو هجم عليهم على حين غرة منهم.

وماذا لو كانَ لديك أموالٌ كثيرةٌ جدًا، وعلمتَ بوجود لصوصٍ يبحثون عن أيّ غنيٍ ليسرقوا أمواله، هل كنت تتركُ أموالك في حديقةِ المنزل مكشوفةً لهم؟ أم تُغلقُ عليها بأشدِّ الأقفال، وتتأكد من عدمِ وصولِ أيدي السُرّاق إليها؟

ثم ماذا لو كُنتَ موظفًا في دائرةٍ معينة، وأردتَ أنْ تتغيّبَ يومًا، واتصل بك أحدهم وأخبرك بأنَّ المدير قرّر أنْ يفصلَ من يتغيّبُ اليوم فصلًا نهائيًا.لنفترض أن الذي اتصل بك ليس ثقة، وتحتمل أنه يكذب، هل كنت ستجرؤ على الغياب، رغم أن عاقبة الغياب هي الفصل النهائي؟!

لا شكَّ أنَّ العاقلَ سيُقرِّر أحد قرارين: إمّا أنْ يقطعَ الشكَّ باليقين، فيتصل بثقةٍ ليتأكّدَ من صحة الخبر، أو يحتاطَ بالحضور ويُقلع عن فكرة الغياب.

وحينها حتى لو وجد الخبر كاذبًا، فقد ضمن بقاءه في الوظيفة وارتاح قلبه من القلق الذي سيعيشه لو لم يحضر إلى الدوام.

ص: 18

ما الجامع المشترك بين هذه الأمثلة؟

الجامع المشترك هو: أنّ الإنسان يحكم بعقله بلزومِ دفعِ الضرر عن نفسه، حتى لو كان احتمال هذا الضرر ضئيلًا، إذا كان الضرر المُحتملُ كبيرًا جدًا، فإنَّ (الموت) بسبب المرض أو العدو، و (سرقة الأموال) و (الفصل من الوظيفة) أضرارٌ كبيرةٌ على الإنسان، وعقله يحكم عليه بلزوم الاحتياط ودفع أيّ ضررٍ مُحتمَلٍ يأتي بسبب تصرُّفٍ منه، كالنوم أو الغياب أو عدم السؤال أو عدم التحرُّز.

هذه حقيقةٌ واقعيةٌ لا يُشكِّك فيها عاقل.

الآن تعالَ معي لنقرأ النصوص التالية:

قال (تعالى): قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ 64 وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَىٰ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ 65 بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ 66 وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّقَدْرِهِ وَالْأَرضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ 67 وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرىٰ فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ 68 وَأَشْرَقَتِ الْأَرضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِي ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ 69 وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ 70 وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّىٰ إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ

ص: 19

وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلىٰ وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَىٰ الْكافِرِينَ 71 قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَىٰ الْمُتَكَبِّرِينَ» (الزمر: 64 – 72).

هل يُمكن لعاقلٍ يُنكر وجود الله (تعالى) واليوم الآخر أنْ يستمعَ لمثل هذه الآيات ثم يتوقّف عن البحث عن الحق في المسألة؟

وكيف إذا كان هناك مائةٌ وأربعةٌ وعشرون ألف رجلٍ معروفٍ بالصدق والأمانة وعدم الكذب، أغلبهم(1) أخبروا الناس بأنَّ للكون خالقًا، وأنَّ الإيمانَ به واجبٌ، وأنّ من لا يؤمن به فإنّ الخالق (تعالى) سيعاقبه في نار جهنم؟!أضفْ إليهم نفس العدد -على الأقل- من الأوصياء والعلماء والصالحين، كُلّهم أناسٌ معروفون بالصلاح والصدق، وكُلُّهم حذّروا الناسَ من الكفر والإلحاد.

ألا يحكمُ العقلُ بضرورةِ البحث عن دعوى هؤلاء الناس الكثيرين، ليعرف أينَ الحق؟

ثم لو كان الفردُ مُسلمًا، ولكنّه لا يؤمنُ بولايةِ أهلِ البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ، واستمع إلى الأحاديث التي تحذّر من عدم الإيمان بهم، وأن الله (تعالى) يوم القيامة لا يقبلُ العمل إلا ممّن يوالي أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ، هل يُعقلُ أنّه يبقى جاحدًا بولايتهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ؟

ماذا لو قرأ ما روي عن أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: من شهد أن لا إله إلا الله فليدخل الجنة.

ص: 20


1- قيل (أغلبهم) باعتبار أن بعض الأنبياء لم يؤمروا بالتبليغ.

قال: قلت: فعلى مَ تخاصم الناس إذا كان من شهد أنْ لا إله إلا الله دخل الجنة؟! فقال: إنّه إذا كان يوم القيامة نسوها.(1)

وما روي عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: يَا أَبَانُ، إِذَا قَدِمْتَ الْكُوفَةَ فَارْوِ هَذَا الْحَدِيثَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله مُخْلِصًا وَجَبَتْ لَه الْجَنَّةُ. قَالَ: قُلْتُ لَه: إِنَّه يَأْتِينِي مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنَ الأَصْنَافِ، أفَأَرْوِي لَهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ؟! قَالَ: نَعَمْ يَا أَبَانُ، إِنَّه إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وجَمَعَ الله الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ فَتُسْلَبُ (لَا إِلَه إِلَّا اللهُ) مِنْهُمْ، إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى هَذَا الأَمْرِ.(2) لا شكَّ أنَّ العاقل لا يطمئن على حاله إلا بعد البحث والتنقيب عن الدليل القطعي الدالّ على الحق.

فتلخّصَ:

1- إنَّ الاختلافَ في الاعتقاداتِ أمرٌ واقعٌ لا يشكُّ فيه عاقل، وهذا الاختلافُ وصل إلى حدّ التناقض في كثيرٍ من الأحيان.

2- إنَّ هناك الكثير من الرجال الموثوقين، ادّعوا أنّهم رسلٌ من الخالقِ إلى الناس، وأخبروا بضرورة ِالإيمانِ بالإله الخالق العالم الحكيم، وأنّ من لا يؤمن به فإنّه سيواجه ضررًا كبيرًا جدًا، وليس هو ضررًا مؤقتًا، وإنّما هو الخلود في نارٍ قاسيةٍ جدًا، لا يتمكّنُ الإنسانُ من تحمِّلها أبدًا.

3- إنَّ العقل يحكمُ على الإنسان بلزومِ دفعِ الضرر عن نفسه، حتى لو كانَ احتمالُ الضررِ قليلًا، ما دام الضررُ المُحتمل كبيرًا جدًا، وهذا الدليلُ هو ما يُطلق عليه: دليلُ دفعِ الضرر، أو دليلُ دفعِ الضرر المُحتمل.

ص: 21


1- المحاسن للبرقي ج1 ص 181 باب 42 ح 173.
2- الكافي للكليني ج2 ص521 بَابُ مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله مُخْلِصاً ح1.

أسئلة الدرس:

السؤال الأول: وضِّحْ دليل دفعِ الضرر المُحتمل.

السؤال الثاني: متى يحكم الإنسانُ بعقله بلزومِ دفعِ الضرر عن نفسه، حتى لو كان احتمال هذا الضرر ضئيلًا؟السؤال الثالث: هل يجد الجاحد بولاية أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ في تمسكه بما وجد عليه آباءه من عقيدةٍ فاسدةٍ منجاةً من العذاب؟

***

ص: 22

الدرس الرابع إثبات وجود الخالق للكون وما فيه

اشارة

قال (تعالى): قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرضِ»

(إبراهيم: 10).

هل يُمكن أنْ نتصوّرَ وجودَ هذا العالم، -بما فيه من سماءٍ وأرضٍ وجبالٍ وأنهارٍ ونباتٍ وحيوانٍ وإنسانٍ وغيرها الكثير- من دونِ أنْ يخلقه خالق؟

دعونا نتصوّر الاحتمالاتِ في هذا المجال:

الاحتمال الأول: أنَّ العالَمَ هو من خَلَق نفسه:

هل يُمكن لعاقل أن يصدّق بهذا الاحتمال؟!

انظر لنفسك مثلًا، هل أنت من خلقتَ نفسك؟ هل أنت من جعلتَ القلبَ مسؤولًا عن ضخِّ الدمِ في جسمك؟ وهل أنت من جعلت كُرياتِ الدمِ الحمراء مسؤولةً عن نقلِ الغذاء والأوكسجين لخلايا جسمك؟ وهل أنت من اخترتَ لونَ بشرتك؟ وهل أنت من اخترتَ طولك وطبيعةَ شعرك و...؟

لا عاقل يُجيبُ عن هذه الأسئلة بنعم.

فإذا كنتَ لا تتخيّلُ أنّك خلقتَ نفسك، فقِسْ عليه عالمَ الوجود كُلّه، فإنَّ العقلَ يمنعُ أنْ يكونَ العالمُ هو من خلقَ نفسَه ونظّمَها بهذا الشكلِ الدقيق جدًا.

ص: 23

تعالَ معي لنستمعْ إلى الشيخِ ابن ميثم كيفَ حاججَ الملحد:

فقد نُقِلَ عن الشيخِ أبي الحسن علي بن ميثم (رحمه الله تعالى) أنّه دخلَ على الحسن بن سهل وإلى جانبه ملحدٌ قد عظّمَه والناس حوله، فقال: لقد رأيتُ ببابك عجبًا، قال: وما هو؟ قال: رأيتُ سفينةً تعبرُ بالناسِ من جانبٍ إلى جانب، بلا ملّاح ولا ماصر، قال: فقال له صاحبه الملحدُ وكان بحضرته: إنّ هذاأصلحك الله- لمجنون، قال: فقلت: وكيف ذاك؟ قال: خشبٌ جمادٌ لا حيلةَ له ولا قوّةَ ولا حياةَ فيه ولا عملَ، كيفَ يعبرُ بالناس؟ قال: فقالَ أبو الحسن: فأيّهما أعجب: هذا، أو هذا الماء الذي يجري على وجهِ الأرضِ يمنةً ويسرةً، بلا روحٍ ولا حيلةٍ ولا قوى، وهذا النباتُ الذي يخرجُ من الأرض، والمطرُ الذي ينزلُ من السماء، تزعمُ أنت أنّه لا مُدبِّرَ لهذا كُلِّه، وتنكر أنْ تكونَ سفينةٌ تُحرّكُ بلا مُدبِّرٍ وتعبرُ بالناس! قال: فبهتَ الملحد.(1)

الاحتمال الثاني: أنَّ الخالقَ للعالمِ هو موجودٌ غيرُ عاقل:

أنْ نحتملَ أنَّ هناك موجودًا خلقَ العالم، ولكن هذا الموجودُ لا يتصفُ بصفاتِ العقل والعلمِ والقدرةِ والحياة، وإنّما هو موجودٌ غيرُ ذلك.

من هو؟لتكُنْ ما تُسمّى بالعناصر الأربعة: الماء، والهواء، والتراب، والنار.

أو لتكُنْ هي خلايا أولية عاشتْ على شاطئ البحر، ثم تطوّرت فخلقتِ العالم.

أو لتكنْ هي بقرةً خلقت العالم!

ص: 24


1- الفصول المختارة- الشريف المرتضى- ص 76.

أعرفُ أنّك تضحكُ في داخلك على من يتحدّثُ بمثل هذا الكلام، إذ كيفَ لعناصرَ ميتةٍ أنْ تُعطي الحياةَ لغيرها، والحالُ أنّ العقلَ يقول: فاقدُ الشيء لا يُعطيه.

وكيفَ لخلايا بدائية -لا قدرة لها،أنْ تخلقَ هذه الجبالَ الرواسي، وهذا النظامَ الدقيقَ في جسمِ الإنسان، وهذه الطيورَ ذات الألوانِ الجميلةِ التي تأخذُ بالعينِ وتأسرُ القلب؟

وكيفَ لبقرةٍ أو فأرةٍ أنْ تخلقَ إنسانًا بهذا العقلِ الجبّارِ الذي اخترقَ الأرضَ نزولًا، ورقى إلى السماءِ صعودًا، وصنعَ أدقَّ الأجهزةِ وأحدثَ التكنلوجيا؟!

أو ليسَ كانَ حريًّا بتلك البقرةِ أنْ تُطوِّرَ نفسَها وتُصبِحَ هي سيّدةَ الكون؟!

فهذا الاحتمالُ لا يقبله عاقلٌ بوجدانه.

فتبيّن: أنَّ بطلانَ الاحتمالِ الأول والثاني هو أمرٌ بديهيٌ لا يحتاجُ إلى دليل، وإنّما فقط يحتاجُ إلى لفتِ نظر.

الاحتمالُ الثالث: أنَّ الخالقَ حيٌّ عالمٌ قادر:أنْ نفترضَ أنَّ خالقَ العالمِ موجودٌ حيٌ، ليس بميت، وعالمٌ، ليس بجاهل، وقادرٌ، ليس بعاجز، وهو أعظمُ من كُلِّ هذا الكون، خلَقَه بعلمه وقدرته، وأعطى الحياةَ للموجوداتِ الحيّةِ لأنّه حي، فيُمكنُه أنْ يُعطيها الحياة، وأعطاها القدرة؛ لأنّه قادر، فيستطيعُ أنْ يُعطيها القدرة، وأعطاها العلم؛ لأنه عالم، فيُمكنه أنْ يُعطيها العلم.

والعقلُ يقول: لا بُدّ أنْ يكونَ هذا الاحتمالُ هو الصحيح، ولا يُمكنُ أنْ نتصوّرَ غيره.

ص: 25

أو قُلْ: إنَّ العقلَ يحكمُ بضرورةِ وبداهةِ هذا الاحتمال؛ لأنّه عندما ينظرُ إلى الكونِ بما فيه من موجوداتٍ مختلفة، يجدُ أنّها موجوداتٌ مصنوعةٌ بطريقةٍ دقيقةٍ جدًا، ووفقَ نظامٍ جميلٍ جدًا.

انظرْ إلى أيّ موجودٍ من الموجودات، وليكن الإنسانَ مثلًا، واذهبْ إلى علمِ الطبِّ، واطلبْ منه أنْ يوضِّحَ لك تكوينَ الخلية الواحدة منه، سترى العجبَ العجابَ من الدِّقةِ المتناهية في صنعها، ومن تنظيمها وفقَ قياساتٍ غاية في الدقة، عندها سيقولُ عقلك: من المستحيلِ أنْ تكونَ أنتَ من خلقتَ الخلية، أو تكونَ الخليةُ هي من خلقتْ نفسها، أو يكونَ موجودٌ غيرُ عاقل هو من خلقها.

تذكّرْ: عندما رأينا ساعةً دقيقةَ الصنع قلنا: لا بُدّ أنْ يكونَ الذي صنعها عالمًا بكيفيةِ تنظيمِ قطعِها بدقة، بحيث تعطيك حسابًا دقيقًا للثواني والدقائق.هكذا العقلُ يحكمُ بضرورةِ أنْ يكونَ خالقُ هذا العالم المُنظّمِ هو خالقاً حيّاً عالماً قادرًا.

وهذا الخالقُ هو الله (جل جلاله).

ولذلك فإنَّ القرآنَ الكريم يعدُّ وجودَ الله (تعالى) أمرًا بديهيًا، ويستنكرُ من يُشكّك في وجوده (جلّ وعلا)، قال (تعالى): قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرضِ» (إبراهيم: 10).

فكأنَّ الآيةَ تقول: إنّ كُلَّ من فكّرَ بعقله بطريقةٍ محايدة، بعيدًا عن التعصُّبِ الأعمى، وبعيدًا عن العناد، ونظرَ إلى السمواتِ والأرض، فإنّه بلا شك يتيقنُ بوجودِ خالقٍ لها، وهو الله (تبارك وتعالى).

ص: 26

وهذا الدليلُ هو ما يُسمّى في علم الكلام بدليل النظام.

يُقال: كانَ هناك فيلسوفٌ، لديه ألفُ دليلٍ على نفي وجودِ اللهِ (تعالى)، وأخذَ على عاتقه أنْ يذهبَ ويناقشَ أحدَ العلماء، وفي الطريقِ مرّ على فلّاح، فسأله: «أينَ بيتُ العالم (فلان)»؟ قال الفلّاح: «ما تريدُ منه؟» أجاب الفيلسوف: «لديَّ ألفُ دليلٍ على عدمِ وجودِ الله».

فردَّ عليه الفلّاح قائلًا: «لا داعي لأنْ تذهبَ إلى العالم، فأنا أجيبُك: عندي دليلٌ واحدٌ على وجودِ الله (تعالى) ينسفُ أدلتك الألف! أرضي الزراعيةُ هذه، فأنا أفتحُ الماءَ هُنا وأقطعه هناك، فإنْ أهملتها ساعةً واحدةً ماتَ الزرع، فأرضٌ بمقدارِ دونم واحد إذا لم يكنْ لها ربٌّ ربما تموت، وهذا العالمُ بأسره تنتظمُ أمورُه بلا ربّ؟! إنّه المستحيلُ بعينه!وقد أشارَ القرآنُ الكريمُ كثيرًا إلى هذا الدليلِ في آياتِه الكريمة، ومنها قوله تعالى: «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ 20 وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 21 وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ 22 وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ 23 وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 24 وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ» (الروم :20-25).

ص: 27

وقوله (تعالى): «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (البقرة: 164)

وهكذا الرواياتُ الشريفة، فقد رويَ أنّه سُئل أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عن إثباتِ الصانع، فقال: البعرةُ تدلُّ على البعير، والروثةُ تدلُّ على الحمير،وآثارُ القدمِ تدلُّ على المسير، فهيكلٌ علويٌ بهذه اللطافة، ومركزٌ سفليٌ بهذه الكثافة، كيفَ لا يدلّانِ على اللطيفِ الخبير؟(1)

فتلخّصَ:

1-أنَّ العقلَ يحكمُ بضرورةِ وجودِ خالقٍ لهذا الكون، بما فيه الإنسان.

2-لا يقبلُ العقلُ بالبداهة أنْ يكونَ العالَمُ هو من خلَقَ نفسه.

3- ولا يقبلُ بالبداهة -أيضًا- أنْ يكونَ الخالقُ موجودًا ماديًا أو ميتًا أو لا عقل له.

4-ويحكمُ العقلُ بالبداهة أنَّ الخالقَ لا بُدّ أنْ يكونَ حيًّا عالمًا قادرًا.

5- أنَّ النظامَ الموجودَ في مفرداتِ الكون –بدءًا من الذرة إلى المجرة- يدلُّ بكُلِّ وضوحٍ على وجودِ خالقٍ خلَقه، مُتصفٍ بالحياةِ والعلمِ والقدرة.

6- وهذا الخالقُ هو من نُسمّيه: الله (تبارك وتعالى).

ص: 28


1- بحار الأنوار- العلامة المجلسي- ج 3- ص 55.

أسئلةُ الدرس:

السؤال الأول: بِمَ تردُّ على من يدّعي أنَّ الطبيعةَ أوجدت نفسها؟

السؤال الثاني: كيف يمكنك أنْ تثبت لمُلحدٍ أنَّ الله (تعالى) هو من خلق العالم؟

السؤال الثالث: أثبتْ وجود الله (تعالى) بدليل النظام؟

***

ص: 29

الدرس الخامس التوحيد

اشارة

قال الله (تعالى): «وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ» (المؤمنون: 117).

هل الخالق للكون واحدٌ أو أكثر؟

هل يقبلُ العقلُ أنْ يكونَ الخالقُ للكون وربُّ العالمين أكثرَ من واحد؟

الجواب:

إنه خالقٌ واحد، والدليل أنه لو كان هناك أكثرُ من إلهٍ وخالقٍ لهذا الكون، فلا بُدّ أنْ تظهرَ آثارُ كُلِّ واحدٍ منهم، ولكن لم تظهرْ هناك آثارٌ إلا لخالقٍ واحد، فجميعُ الأنبياءِ الذين جاؤوا، -وعددهم مائة وأربعة وعشرون ألف نبيٍّ،كلهم كانوا يقولون: إنّهم مرسلون من خالقٍ واحدٍ هو الله (تبارك وتعالى)، فأينَ هو الإله الثاني؟ أين رسله وأنبياؤه؟

ولذلك يقولُ أميرُ المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في وصيته لولده الإمام الحسن عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «واعْلَمْ يَا بُنَيَّ، أَنَّه لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لأَتَتْكَ رُسُلُه، ولَرَأَيْتَ آثَارَ مُلْكِه وسُلْطَانِه، ولَعَرَفْتَ أَفْعَالَه وصِفَاتِه، ولَكِنَّه إِلَه وَاحِدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَه، لَا يُضَادُّه فِي مُلْكِه أَحَدٌ ولَا يَزُولُ أَبَدًا ولَمْ يَزَلْ»(1)

ص: 30


1- نهج البلاغة ج3 ص 4.

والحاصل: أنّنا سمعنا الكلمةَ التي تقول: نحنُ أبناء الدليل، أينما مال نميل.

ونحنُ لحدِّ الآن عرفنا أنَّ هناك خالقًا لهذا الكون، وهو خالقٌ واحدٌ، ولا دليلَ على وجود خالقٍ ثانٍ، وإلا لرأينا آثار فعله وصنعه.

التوحيد في العبادة:

هل يجوز أنْ نعبد غير الله (تعالى)؟

وأصلًا: ما معنى العبادة؟

لا شك أنه لا يجوز لنا أن نعبد غير الله تعالى؛ لأنه (سبحانه) هو الخالق الوحيد لهذا الكون وما فيه، وهو مدبر أموره، فلا يجوز أنْ نعبد غيره، وقد أمرنا (تعالى) بعبادته وحده لا شريك له، قال (تعالى): «فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ» (المؤمنون: 32).

وهذا لا خلاف فيه بين الموحدين.

إنّما السؤال المهم هنا أنْ نفهم معنى العبادة، حتى نعرف بعض التصرفات والأفعال التي تصدر من شيعة أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ مثلًا، وأنّها عبادةٌ لله (تعالى) أو شركٌ به (سبحانه).

معنى العبادة:

العبادة باختصار: هي معنى مركب من أمرين:

الأمر الأول: الخضوع:أي أنْ يُظهر العبدُ خضوعه وتذلله واحترامه للمعبود، فمثلًا يسجد له، فالسجود مظهر من مظاهر الخضوع والتذلل للمعبود.

ص: 31

ولكن هذا المعنى وحده لا يُسمى عبادة، وإنما لا بُدّ من الأمر الثاني، وهو:

الأمر الثاني: الاعتقاد بألوهية المخضوع له:

بمعنى: أنَّ العبدَ عندما يسجد لله (تعالى)، فإنّه يعتقدُ في قلبه ونفسه أنَّ اللهَ (تعالى) هو خالقه، وربّه، ومدبّر أموره، لا إله له غيره.

فإذا اجتمع هذان الأمران، تحققت العبادة.

وهذا المعنى لا يجوزُ إلا للهِ (تبارك وتعالى)، ومن يخضعْ لشيءٍ آخر غيرِ اللهِ (تعالى) وهو يعتقدُ بأنّه ربٌّ وإلهٌ له، فهو مُشركٌ وكافر.

أما مُجرّدُ الخضوع من دونِ اعتقادِ الربوبيةِ والألوهية، فهذه لا تُسمّى عبادة، وإنّما هي مُجرّدُ احترامٍ، وتقديرٍ، وإجلالٍ، وهذه المعاني ليستْ مُحرّمةً على الإنسان، بل إنَّ الدين هو من أمرَ باحترامِ وتقديرِ عِدّةِ أصنافٍ من المخلوقات، من قبيل:

أولًا: الخضوع للنبي صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وطاعته طاعةً مطلقة.

قال (تعالى): «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» (الحشر: 7).

ثانيًا: احترام الأبِ، والأمِ، وتقديرهما، بحيث لا يجوزُ لك أنْ تقولَ لهما: (أُفّ)، وأمر الأولاد بأنْ يخضعوا للوالدين كثيرًا، قال(تعالى): «وَقَضىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً 23 وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً» (الإسراء: 23 و 24).

ص: 32

إذا اتّضح هذا، يتبيّن: أنَّ ما يقومُ به شيعةُ أهلِ البيتِ عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ وغيرهم من المسلمين -عدا الوهابية- من زيارةِ قبورِ أئمتهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ، ودعاءٍ لله (تعالى) عند أضرحتهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ، والتوسُّل بهم إلى الله (تعالى) في قضاءِ حوائجهم، وغيرها، ليستْ من العبادة؛ لأنَّ الشيعةَ وإنْ كانوا يخضعون لأئمتِهم ويتذلّلون لهم، ولكنهم لا يفعلون ذلك بقصدِ أنّهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ آلهة، كلا والعياذُ بالله، وإنّما هو من باب أنَّ اللهَ (تعالى) ورسوله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أمرانا بطاعتهم ولزومِ تقديرِهم وتبجيلهم، كما أمرنا الدينُ أنْ نُقدِّرَ ونُبجِّلَ الوالدين مثلًا.

فتلخّص:

1- ليس لهذا الكون إلا خالقٌ واحدٌ، بعث لنا أنبياء ورسلاً كثيرين، ولو كان هناك إلهٌ آخر لرأينا آثاره، ولبعثَ إلينا رسلَه.

2- لأن الخالق واحدٌ، فلا تجوز العبادة إلا له، وهو الله تبارك وتعالى.

3- العبادة هي الخضوع مع الاعتقاد بألوهية المخضوع له، أما مجرد الاحترام فليس عبادةً.

ص: 33

أسئلة الدرس:

السؤال الأول: ما الدليل على أن الخالق واحدٌ؟

السؤال الثاني: اذكر حديثاً لأمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يدلُّ على أن الإله واحدٌ.

السؤال الثالث: ما معنى العبادة شرعاً؟

***

ص: 34

الدرس السادس صفات الخالق

اشارة

قال (تعالى): «تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ» (الرحمن: 78).

عندما ينظر أحدُنا إلى نفسه، يجد أنّ هناك نحوين من الصفات المتعلقة به:

النحو الأول: أنّ هناك صفاتٍ ينبغي له أنْ يتصف بها:

وهي ما تشيرُ إلى وجود صفةٍ حسنةٍ في ذاته، أو في فعله، فالعلم صفةٌ حسنةٌ لذات الإنسان، ولذا، فإنّه يُحبُّ أنْ يكون عالمًا، ولا يحبُّ أنْ يكونَ جاهلًا.

والفعل الحكيم (أي ما يكونُ في محلِّه من دونِ عبثٍ ولا لغو) فعلٌ محبوب، وأما الفعلُ العبثي، وغيرُ الهادف، فإنّه فعلٌ مذموم.

الآن، دعونا نُسمّي مثل هذه الصفات بالصفاتِ الكمالية؛ لأنّها تشيرُ إلى كمالٍ في الذاتِ أو الفعل.

النحو الثاني: أنَّ هناك صفاتٍ ينبغي أنْ يبتعدَ عنها ولا يتصف بها:

وهي ما تشيرُ إلى وجودِ نقصٍ في الذات أو في الفعل، كالجهل، والعجز، فإنّها صفاتُ نقصٍ في الذات، وكالعبث، واللغو، فإنّها صفاتُ نقصٍ في الفعل.

دعونا نسمّي هذه الصفاتِ بالصفات السلبية، بمعنى أنّها تشيرُ إلى معنى سلبي، إلى نقصٍ في الذات، أو في الفعل.

ص: 35

هذا ما نجده في أنفسنا.

ونفسُ الكلام نجده في الخالقِ لهذا الكون، فإنّه بلا شك مُتصفٌ بصفاتٍ كمالية، وغير متصفٍ بالصفاتِ السلبية.

ومعه، يمكنُ القول: إنَّ صفاتِ الله (تعالى) على قسمين:

القسم الأول: الصفات الكمالية:

اشارة

وهي عديدة، نذكر منها:

الصفة الأولى: العلم:

نعتقدُ أن الله تعالى عالمٌ، وأنّ علمَه ليس مثل علومنا، حيث نحصلُ عليها من خلال الدراسة والأخذ من المعلّمين، وإنّما هو علمٌ ذاتي، بمعنى أنّه (تعالى) عالمٌ بذاته، لا يحتاج في علمه إلى أحدٍ يُعلمه، ولا يدرس عند أحد.وهذه مسألةٌ واضحةٌ؛ لأنّه (تعالى) هو الخالق لكُلِّ الموجودات غيره، فلا يوجد مخلوقٌ أكثرُ علمًا منه ليتعلم منه.

فكُلُّ موجودٍ غير الله (تعالى)، إنّما يكونُ أولاً جاهلًا، ثم يتعلم، أمّا الله (تعالى)، فإنّه عالمٌ، من دون أنْ يكونَ جاهلًا سابقًا، وإليه يُشيرُ ما رويَ عن أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «وكُلُّ عَالِمٍ فَمِنْ بَعْدِ جَهْلٍ تَعَلَّمَ، واللهُ لَمْ يَجْهَلْ ولَمْ يَتَعَلَّمْ أَحَاطَ بِالأَشْيَاءِ عِلْمًا قَبْلَ كَوْنِهَا...»(1)

ص: 36


1- الكافي للكليني ج1 ص 135 بَابُ جَوَامِعِ التَّوْحِيدِ ح1.

الصفة الثانية: القدرة:

هذه السماوات والأرض، وهذه المخلوقات التي نراها والتي لا نراها، كُلُّها خلَقَها الله (تبارك وتعالى)، ولا يُمكِنُ أنْ يكونَ قد خلَقَها وهو عاجزٌ غير قادر، فالله (تعالى) إذًا مُتصفٌ بصفة القدرة.

الصفة الثالثة: الحياة:

نعتقدُ أنَّ اللهَ (تعالى) موجودٌ حيٌ، وهذه مسألةٌ بديهيةٌ، فإنّ من كانَ عالمًا، وقادرًا، لا يُمكنُ أنْ يكون ميتًا، ولا حياة له، بل ولا يُمكن أن يُعطي الحياة لغيره، قال (تعالى): «اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» (البقرة: 255).

الصفة الرابعة: الحكمة:تعني الحكمة: أنّه (تعالى) عندما يفعل فعلًا معينًا، كالخلق مثلًا، فإنَّ فعلَه هذا حكيم، يعني: أنّه يضعه في موضعه المناسب، وفي زمانه المناسب، فالله (تعالى) عندما خلق الإنسان بعينين، لا بعينٍ واحدةٍ أو بثلاثة أعينٍ، فهذا الفعل حكيم، وعندما يجعله عقيمًا مثلًا، فهذا الفعل حكيم، وهكذا عندما يرزقه رزقًا معينًا، فهذا الفعل حكيم.

ففعله (تعالى) حكيمٌ، ولا عبثَ فيه ولا لغو ولا لعب.

الصفة الخامسة: العدل:

عندما نصفُ الله (تبارك وتعالى) بأنّه عادل، فإنّ المقصود هو أنّه (تعالى) يُعطي كُلَّ موجودٍ ما يكونُ مُتلائمًا مع وجوده، ومنسجمًا مع حاجاته، فلا يُعطيه أكثر من حاجته، ولا يأخذ منه ما يحتاج إليه.

ص: 37

وهذا المعنى لا يتحقّقُ إلا إذا كانَ العطاءُ وفقَ الحكمة، فالعدلُ الإلهي يعني: أنّ الله (تعالى) يُعطي الموجوداتِ ما يلائم وجودها، وما يُساعدها في طريقِ تكاملها، وفقَ الحكمة.

وليسَ معنى العدل هو الإعطاءَ بالسوية؛ لأنَّ هذا المعنى يكونُ ظلمًا في كثيرٍ من الأحيان، فالعقلُ مثلًا يحكم بأنَّ العاملَ الذي يُقدِّمُ خدمةً أكثر من غيره، يستحقُّ أجورًا أكثر، وليس من العدلِ أنْ نساويَ بينه وبين العامل الكسول.

كذلك العدل الإلهي، يقتضي أنْ يُعطيَ كُلَّ موجودٍ ما هو مُتناسبٌ مع وجوده، وما هو مُتناسبٌ مع ما يُقدِّمُه من عملٍ يُرضي به الله (تعالى)، فليس من العدلِ أنْ يتساوى المؤمنُ والكافر بالعطاء، قال (تعالى):«أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ 35 ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» (القلم:

35 - 36).

القسم الثاني: الصفات السلبية (صفات الجلال):

اشارة

وهي الصفاتُ التي لا بُدَّ أنْ نسلبَها وننفيها عن ذات الله (تعالى)؛ لأنّها تُشيرُ إلى نقصٍ في ذات من يتصِفُ بها، وهي عديدة، منها:

الصفة الأولى: الاحتياج:

نعتقدُ أنّ اللهَ (تعالى) غنيٌّ مطلق، فلا يحتاجُ إلى أيّ مخلوقٍ من مخلوقاته.

أما نحنُ المخلوقاتُ، فإنّنا نحتاجُ إلى الله (تعالى) في كُلِّ شيء، ففي وجودنا نحنُ نحتاجُ إليه (تعالى) ليوجدنا، وفي فعلنا نحن محتاجون إليه (تعالى)؛ ليُعطينا القوة على الفعل، فلو شاءَ اللهُ (تعالى) لسلبنا أيَّ قدرةٍ على أيّ فعل، فنتحوّل إلى أشبهِ شيءٍ بالأحجار، وهذا هو معنى (لا حولَ ولا قوّةَ إلا بالله).

ص: 38

قال (تعالى): «يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَىٰ اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ 15 إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ 16 وَما ذلِكَ عَلَىٰ اللهِ بِعَزِيزٍ» (فاطر: 15 - 17).وقالَ أميرُ المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في وصف الله (تعالى): «كُلُّ شَيْءٍ خَاشِعٌ لَه، وكُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِه، غِنَى كُلِّ فَقِيرٍ، وعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ، وقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، ومَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ».(1)

الصفة الثانية: الجسمية:

نعتقد أنَّ الله (تعالى) ليس جسمًا؛ لأنّ الجسمَ مُركّبٌ من أجزاء، وهو مُحتاجٌ إلى أجزائه، فيكون فقيرًا لا غنيًا، وحيث إنّ اللهَ (تعالى) غنيٌّ مطلق، فلا يحتاجُ إلى أيّ شيء، فليس هو مركبًا، ولا جسمًا.

أضفْ إليه: لو كانَ الخالقُ جسمًا، لكان موجودًا في مكانٍ دون مكان، كما هو حال أيِّ جسم، واللهُ (تعالى) موجودٌ في كُلِّ مكان، وهو يعلمُ بكُلِّ المخلوقات أينما كانت.

قال (تعالى): «هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوىٰ عَلَىٰ الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (الحديد: 4).

وقال (تعالى): «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوىٰ ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنىٰ مِنْ

ص: 39


1- نهج البلاغة ج1 ص 209.

ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (المجادلة: 7).فتلخص:

1- أن الله تعالى متصفٌ بكل الصفات الكمالية، ومنزّهٌ عن كل الصفات السلبية الجلالية.

2- نعتقد أن الله تعالى عالم قادر حيٌّ، حكيمٌ عادلٌ.

3- ليس معنى العدل هو الإعطاء بالسوية، وإنما هو الإعطاء وفق الحكمة.

4- إن الله تعالى غنيٌّ مطلق، فلا يحتاج إلى أي شيء، ولا يفتقر إلى أي شيء.

ص: 40

أسئلة الدرس:

السؤال الأول: ما معنى الصفات الكمالية؟

السؤال الثاني: ما معنى الصفات السلبية؟

السؤال الثالث: اذكر بعض الصفات الكمالية لله تبارك وتعالى.

السؤال الرابع: اذكر بعض الصفات السلبية التي يلزم تنزيه الله تبارك وتعالى عنها.

السؤال الخامس: ما الدليل على أنه تعالى حيٌّ؟

السؤال السادس: ما معنى العدل؟

السؤال السابع: ما معنى الحكمة.

***

ص: 41

الدرس السابع كيف نعرف ما يُريده الخالق لنُرضيه؟

اشارة

«وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ» (الشورى:51).

إنَّ العقلَ يحكمُ ببداهةِ وجود خالقٍ خلَقَنا، وأنَّ هذا الخالقَ أنعم علينا بمختلف النعم المادية والمعنوية، وأنّه أوجدنا على هذه الأرض، ووفّر لنا كُلَّ ما نحتاج إليه، وهُنا يحكم العقلُ أيضًا بلزوم أنْ نشكرَ الخالق على هذه النعم، وأنْ نتقرّبَ إليه لنُرضيَه عنا.

المسألةُ من هذه الناحيةِ واضحةٌ جدًا.

تصوّرْ لو أنَّ شخصًا فقيرًا جدًا، ومريضًا جدًا، طُرِق عليه الباب، وإذا بحقيبةٍ مملوءةٍ بالمال وُضعِتْ أمامَ باب بيته، وفيها ورقة: استعِنْ بهذه الأموال لتحسينِ وضعك المعاشي، ولعلاجِ مرضك، هل ترى هذا المريض يأخذها ويُنهي الأمر؟ أو تراه يُحاوِلُ أنْ يجدَ الشخصَ الذي أرسلَ له المال؛ ليشكره، ويردّ له الجميل، وليس بأيّةِ طريقة، وإنّما بالطريقةِ التي يُحِبُّها ذلك الشخصُ الذي أرسلَ الأموال؟!

فالمسألةُ إذًا بديهيةٌ، فما دام الخالقُ (جلّ علا) أوجدنا، ووفّرَ لنا كُلَّ ما نحتاج إليه في هذه الحياة، فلا بُدّ أنْ نشكرَه بالطريقةِ التي يُريدُها الخالق (جلّ وعلا).

ص: 42

فما هيَ الطريقة للتواصل مع ذلك الخالق؟

وكيف نعرف ما يُرضي الخالق لنعمل على الالتزام به؟

هنا احتمالاتٌ ثلاثةٌ:

الاحتمالُ الأول: الإيكالُ إلى الناس:

أنْ نعملَ ما يحلو لنا من أعمال، من دون أنْ نعرفَ الخالقَ ولا ما يُرضيه، وإنّما كُلُّ فردٍ يعملُ ما يحلو له؟

هذا الاحتمالُ غيرُ صحيحٍ بلا شك؛ لأنّه قد نعملُ أعمالًا نحسبُ أنّها تُرضي الخالق، ولكنّها تُغضبه، كما كانَ يفعلُ المشركون الذين كانوا يعبدون غيرَ الله (تعالى) ليتقرّبوا له!

قال (تعالى): «أَلا لِلهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَىٰ اللهِ زُلْفىٰ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ» (الزمر: 3).

العقلُ يحكمُ بلزومِ معرفةِ ما يريدُه المُنعمُ لنشكره كما يُريد هو.

من هُنا وردَ عن الإمامِ الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ما يدلُّ على أنَّ إبليسَ أرادَ أنْ يقترحَ طريقةً معينةً للعبادة على الله (تعالى)، ولكنّها كانت طريقةً تؤدي إلى الغضب الإلهي، فقد رويَ أنَّه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال في رواية: «... قال الله (تبارك وتعالىٰ) للملائكة: اسجدوا لآدم، فسجدوا له، فأخرج إبليس ما كان فيقلبه من الحسد، فأبىٰ أن يسجد، فقال الله عزّ وَجّل «قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ»،

ص: 43

فقال: «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»(1) »، قال الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «فأوَّل من قاس إبليس واستكبر، والاستكبار هو أوَّل معصية عُصِيَ الله بها»، قال: «فقال إبليس: يا ربِّ، اعفني من السجود لآدم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وأنا أعبدك عبادةً لم يعبدكها ملكٌ مقرَّبٌ ولا نبيٌّ مرسل، فقال الله: لا حاجة لي إلىٰ عبادتك، إنَّما أُريد أنْ أُعبَدَ من حيثُ أُريد لا من حيثُ تريد، فأبىٰ أنْ يسجد، فقال الله (تبارك وتعالىٰ): «فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ 34 وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلىٰ يَوْمِ الدِّينِ(2) »(3) .

الاحتمال الثاني: الإيحاء إلى الجميع:

أنْ نفترضَ: أنَّ اللهَ (تعالى) يتخذ من جميع الناس –صغيرهم وكبيرهم، حرهم وعبدهم، ذكرهم وأنثاهم، عالمهم وجاهلهم...- أنبياء، فيوحي للجميع، والجميعُ يتصلون مُباشرةً بالوحي الإلهي.ولكنّ هذا الأمرَ –على كُلِّ حال- لم يقع، فلسنا أنبياءً، ولم يوحِ اللهُ (تعالى) لجميعِ الناس، ومن ثَمّ فهذا مجرّدُ احتمالٍ لا واقعَ له، ولا ينفعُ في الإجابةِ عن سؤالِ البحث.

ص: 44


1- الأعراف: (12).
2- الحشر: (34 و35).
3- تفسير القمّي 1: 41 و42.

الاحتمال الثالث: الإيحاء إلى البعض:

وهذا هو الاحتمالُ الصحيحُ، وهو الواقعُ؛ إذ إنَّ اللهَ (تعالى) أوحى إلى بعضِ الرجال، ممّن يتصفون بصفاتٍ عظيمة، وهؤلاءِ الأنبياءُ قاموا بتبليغِ الناسِ أوامرَ الله (تعالى)، والناسُ إنّما عرفوا دينَ الله (تعالى) من خلالِ هؤلاء الأنبياء.

وهذا ما يفتح ملفًا جديدًا في العقائد، وهو ملف: النبوة.

فتلخّصَ:

1-أنَّ على الإنسانِ أنْ يُرضيَ خالقه، وهذا يقتضي أنْ نعرفَ الطريقةَ المناسبةَ للوصول إلى معرفةِ ما يُرضيه (تعالى).

2-ليسَ من الصحيحِ أنْ تكونَ الطريقةُ للعبادةِ هي الرأيَ الشخصي؛ لأنَّ الإنسانَ ليست له علاقةٌ مباشرةٌ مع الله (تعالى)، ليعرفَ ما يُريده منه.

3-كمّا أنّه ليس من الصحيحِ أنْ نفترضَ أنَّ الطريقةَ الصحيحةَ لمعرفةِ ما يُرضي اللهَ (تعالى) هو أنْ يكونَ الجميعُ أنبياء؛ لأنّه أمرٌ لا واقعَ له، بالإضافةِ إلى أنَّ أكثرَ الناس غيرُ مؤهّلين ليكونوا أنبياء.4-فالطريقُ الصحيحُ إذن هو الإيحاءُ إلى بعضِ الرجال بمواصفاتٍ خاصةٍ، وهم الأنبياء، وهم بدورهم يقومون بتبليغِ الناسِ دينَهم، وعلى الناس أنْ يُطيعوهم.

ص: 45

أسئلة الدرس:

السؤال الأول: لماذا يجب أن نعرف الطريقة التي يريدها الخالق لعبادته؟

السؤال الثاني: لماذا لم يكن كل البشر أنبياء؟

السؤال الثالث: لماذا لا يصح أن نترك كيفية العبادة إلى تقديرات الناس؟

***

ص: 46

الدرس الثامن النبوة

اشارة

قال (تعالى): «رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَىٰ اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً» (النساء: 165).

فيما يتعلق بالنبوة نذكرُ النقاط الآتية:

النقطة الأولى: معنى النبوة:

النبوة تعني: أنَّ الله (تعالى) يتخذُ من بعضِ عبيده وسائطَ بينه وبين الناس فيوحي إليهم؛ ليُعلِّموهم أمورَ دينهم، ويُبيّنوا لهم شريعته، ويقضوا بينهم بالقضاءِ الحقّ عند حدوثِ مُنازعاتٍ بينهم، ويسنّوا لهم القوانين التي تنفعهم في الدُنيا، وتؤدّي بهم إلى الفلاح في الآخرة.

النبوةُ تعني أنَّ اللهَ (تعالى) يُبيّنُ للناسِ ما يُريده منهم، وما يُنجيهم في الدنيا والآخرة، من خلال الإيحاء إلى الأنبياء، فهي أشبهُ شيءٍ بالمصباح الذي يُضيء لنا الطريقَ ويكشف الظلام، ولذا، فمهمةُ الأنبياءِ هي بيان الدين للناس، وتبليغهم الشريعة.

ص: 47

النقطة الثانية: كيف يصير الإنسانُ نبيًا؟

ليس هناك من طريقةٍ للحصولِ على منصبِ النبوة إلا من خلالِ التعيينِ الإلهي، فليستِ النبوةُ منصبًا دنيويًا يحصل عليه الإنسان مثلًا بالمال، أو بالدراسة، أو بانتخاب الناس له، فلا يحقّ لأيّ أحدٍ أنْ يُنصّبَ نفسَه نبيًا، أو يُنصّبَ غيره نبيًا، وإنّما هو منصبٌ إلهي حصرًا.

قال (تعالى): «وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ» (السجدة: 24)، فالجعلُ والتنصيبُ إنّما هو من الله (تعالى)، لا من غيره.

وقال (تعالى): «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ...» (يوسف: 109)، (والنحل: 43)، (والأنبياء: 7).

النقطة الثالثة: كيفَ نعرفُ النبي؟

إن أهم ما يُمكن أن نعرف به النبي الصادق هي المعجزة:

بأنْ يأتيَ المُدّعي للنبوةِ بشيءٍ خارقٍ للعادة، لا يستطيعُ البشرُ -ولو اجتمعوا- أنْ يأتوا بمثل ما أتى به، فالعقلُ حينها يقولُ: إنَّ هذا الشخصَ لا بُدَّ أنْ يكونَ مبعوثاً من الخالق؛ لأنّه جاء بأمورٍ لا يستطيعُ البشرُ العاديون أنْ يأتوا بمثلها، فلا بُدّ أنْ يكونَ على صلةٍ مع الخالق القادر، وذلك الخالق القادر هو مَنْ أعطاه المعجزة في ذلك.

لذا نرى أن فرعون، رغم أنّه ادّعى الألوهية، ولكنّه طلبَ من النبي موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنْ يأتيه بمعجزة تدلُّ على صدقه، قال (تعالى): «وَقالَ مُوسىٰ يا

ص: 48

فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ 104 حَقِيقٌ عَلىٰ أَنْ لا أَقُولَ عَلَىٰ اللهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ 105 قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ 106 فَأَلْقىٰ عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ 107 وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ» (الأعراف: 104 -108).

النقطة الرابعة: عصمة الأنبياء:

نعتقد أن الأنبياء كلهم معصومون، وإنَّ معنى العصمة: هو أنَّ المعصومَ لا يفعلُ الذنبَ –سواء أكان صغيرًا أم كبيرًا،ولا الخطأ، ولا ما يُخالفُ المروءة، لا عمدًا، ولا سهوًا، ولا خطأً، ولا نسيانًا، ولا جهلًا، ولا غفلة.

المعصومُ هو مَنْ يكونُ مُلتزمًا بأحكامِ العقل، وأحكامِ الشرع، ويكونُ ذا أخلاقٍ مُستقيمة.

المعصومُ مَنْ إذا رأيتَه رأيتَ الدين، والأخلاقَ، والمروءةَ، مُتجسِّدةً فيه.

فالعصمةُ إذن، (هي التنزُّهُ عن الذنوبِ والمعاصي صغائرها وكبائرها، وعن الخطأ والنسيان ... بل يجبُ أنْ يكونَ مُنزّهًا حتى عمّا يُنافي المروة، كالتبذُّلِ بين الناسِ، من أكلٍ في الطريق، أو ضحكٍ عالٍ، وكُلِّ عملٍ يُستهجَنُ فعلُه عند العرف العام.).(1) أما لماذا يجبُ أنْ يكونَ الأنبياءُ معصومين؟

يمكننا معرفةُ الجواب عبر ما يأتي:

ص: 49


1- عقائد الإمامية للشيخ المظفر: عقيدتنا في عصمة الأنبياء.

أ- إنَّ اللهَ (تعالى) عندما أرسلَ الأنبياءَ، أمرَ الناسَ بأنْ يُطيعوهم طاعةً مطلقةً في كُلِّ ما يقولون لهم، قال (تعالى): «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ» (النساء: 64).

ومن ثمّ، فمن يعصِ الأنبياء، فقد عصى الله (تعالى)، قال (تعالى): «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّىٰ فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً» (النساء: 80).

ب- لو لم يكُنِ النبيُّ معصومًا، لأمكنَ أنْ يصدرَ منه الخطأ، والمعصية، من قبيل: أنْ يأمرَنا بشيء، على أنّه أمرٌ واجب، ولكنّه في الواقع وفي علمِ اللهِ (تعالى) يكونُ معصية.

فما دامَ النبيُّ –حسب الفرض- ليس معصومًا، إذًا، يُمكِنُ أنْ يأمرَنا بمعصية، أو ينهانا عن واجب.

أمامَ هذا الواقع، نحنُ بين أمرين:

إمّا أنْ نُطيعَ النبيَّ –غير المعصوم حسب الفرض- في أمره ونهيه، وإمّا أنْ لا نُطيعَه.

ونحنُ على كُلِّ حالٍ سنقعُ في المعصية!لأنّنا إذا أطعناه، فقد عصينا الله (تعالى)؛ لأنّ النبيَّ أمرنا بشيءٍ هو في واقعه معصيةٌ لله (تعالى)، فإذا أطعناه، كُنّا قد عصينا اللهَ (تعالى).

وإنْ لم نُطِعْه، فإنّنا وإنْ لم نعصِ الله (تعالى) في هذا الأمر، ولكنّنا عصينا الله (سبحانه) في أمرٍ آخر، وهو: الأمر بطاعةِ الأنبياءِ في كُلِّ ما أمروا به!

ص: 50

فلو لم يكُنِ النبيُّ معصومًا، لأدّى ذلك إلى أنْ يقعَ الناسُ في المعصيةِ على كُلِّ حال.

وإيقاعُ الناس في المعصية، ثم معاقبتهم عليها، أمرٌ قبيحٌ عقلًا، واللهُ (تعالى) لا يفعلُ القبيحَ؛ لأنّه حكيمٌ كما تقدّم.

ليس هذا فحسب، بل إنَّ إمكانَ صدورِ المعصيةِ من النبي، يوجِبُ أنَّ الناسَ سيفقدون الثقةَ في كُلِّ ما يقوله أو يأمر به؛ لأنَّ كُلَّ أمرٍ يأمرُ به سنحتملُ فيه أنّه خطأ، فلا نتبعه، فتذهب فائدةُ البعثة، وتكونُ عبثًا ولغوًا.

فتلخّصَ:

1/ أنَّ العصمةَ هي الامتناعُ عن المعاصي والخطأ والنسيان والسهو والاشتباه والغفلة مطلقًا.

2/أنَّ اللهَ (تعالى) أمرنا أنْ نُطيعَ الأنبياءَ مُطلقًا، وهذا لا يصحُّ عقلًا إلا مع افتراضِ أنَّ الأنبياءَ معصومون.4/ لو لم يكن الأنبياء معصومين، لوقَعْنا في المعصية على كل حال، وهذا قبيح عقلاً.

5/ لو لم يكُنِ الأنبياءُ معصومين، لفقدنا الثقةَ في كُلِّ ما يقولونه، ولكانتْ بعثتُهم لغوًا وعبثًا.

ص: 51

أسئلة الدرس:

السؤال الأول: ما العصمة؟ ومن المعصوم؟

السؤال الثاني: ماذا نستفيد من قول أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «هَيْهَاتَ، لَوْ لَا التُّقَى لَكُنْتُ أَدْهَى العَرَبِ...»؟

السؤال الثالث: لماذا يجبُ أنْ يكونَ الأنبياءُ معصومين؟

السؤال الرابع: (لولا عصمة الأنبياء عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ لكانت بعثتهم عبثًا ولغوًا). ناقش العبارة.

السؤال الخامس: ماذا تفهم من قوله (تعالى): «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ»؟

***

ص: 52

الدرس التاسع النبي الأعظم محمد صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

اشارة

«مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ» (الفتح: 29).

وهنا نقاطٌ عديدة:

النقطة الأولى: إثباتُ نبوّةِ نبينا الأكرم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ:

القرآنُ الكريم هو كتابُ الله (تعالى)، وهو كتابٌ معجزةٌ، وهو قد أخبرَ بأنّ محمدًا صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ هو رسولُ الله، فتثبتُ نبوته صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

قال (تعالى): «وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ...» (آل عمران: 144).

وقال (تعالى): «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ» (محمد: 2).

وقال (تعالى): «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ» (الفتح: 29).

النقطة الثانية: عصمة النبي الأكرم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ:

كل الأدلة العامة التي دلّت على عصمة الأنبياء عموماً تثبتُ عصمة النبي الأعظم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، بالإضافة إلى أن هناك أدلة خاصة تثبت عصمته صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بالخصوص، ومنها قوله تعالى: «وَالنَّجْمِ إِذا هَوىٰ 1 ما ضَلَّ صاحِبُكُمْوَما غَوىٰ 2 وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ 3 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحىٰ» (النجم: 1 و 4).

ص: 53

حيث تدلُّ هذه الآيات على أنَّ كلَّ ما ينطقُ به النبي الأكرم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ليس هو من الهوى، ولا من الضلال ولا من الغواية، وإنّما هو وحي.

وما دامَ وحيًا، فهو مُطابِقٌ للواقع تمامًا، ولا خطأ فيه ولا اشتباه ولا نسيان.

فيثبتُ أنَّ ما يقوله النبي صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ هو حقٌّ دائمًا، وهذا معناه أنّه صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ معصوم.

وقد استفادَ العلماءُ أنَّ هذا المعنى لا يختصُّ بما يقوله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ من ألفاظ، وإنّما هو يشملُ كُلَّ ما يأتي به من أقوالٍ وأفعال، فكُلُّ ما يأتي به هو وحي، فيكون معصومًا في كُلِّ مُفردات حياته.

هذا وقد رويَ عنه صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ما يصرّح بأنَّ كُلَّ ما ينطقُ به فهو حق، فقد رويَ عن عبد الله بن عمرو، قال: كُنتُ أكتبُ كُلَّ شيءٍ أسمعُه من رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتبُ كُلَّ شيءٍ تسمعه، ورسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بشرٌ يتكلّمُ في الغضبِ والرضا؟! فأمسكتُ عن الكتاب، فذكرتُ ذلك لرسولِ الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، فأومأ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بأصبعه إلى فيه، فقال صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: «اكتُبْ فوالذي نفسي بيدِه ما يخرجُ منه إلا حقّ».(1) فهذه الروايةُ واضحةٌ في أنَّ كُلَّ ما ينطقُ به صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ هو حق، أيّ إنّه معصوم، وفي نفسِ الوقتِ يظهرُ منها أنَّ هناك مجموعةً من قريش وفي حياتِه صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يُشكّكون بعصمته صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، وأنّه لا ينبغي أنْ يؤخذَ منه كُلُّ ما يقولُ ويفعل؛ لأنّه بشرٌ عادي، وقد ردّ عليهم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بأنّه لا يخرجُ من فمِه إلا الحقّ.

ص: 54


1- سنن أبي داود- سليمان بن الأشعث السجستاني/ج2 ص 167 باب (3) باب في كتاب العلم ح 3646.

ورويَ عن أمير المؤمنين (سلام الله عليه) في وصفِه لرسولِ الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: «ولَقَدْ قَرَنَ اللهُ بِه صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيمًا أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه، يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ المَكَارِمِ، ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ العَالَمِ لَيْلَه ونَهَارَه..».(1)

فهنا يُبيّنُ أميرُ المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنَّ اللهَ (تعالى) قرنَ بالنبي الأكرم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ملكًا معه مُنذُ صغره، وهي إشارةٌ إلى عصمته صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مُنذُ أنْ كانَ فطيمًا، وهو رأي مذهبِ أهلِ البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ في أنّه صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ معصومٌ في جميعِ حياتِه مُنذُ أنْ كانَ طفلًا، وإلى أنِ التحقَ بربِّه في الرفيق الأعلى.

فتلخص:

أنه بعد الفراغ عن إعجاز القرآن الكريم:

1- أنَّ هناك آياتٍ عدة دلّتْ على عصمتِه صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، ومنها آياتُ سورةِ النجم.2- أنّنا نؤمنُ بعصمةِ النبي الأكرم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مُنذُ أنْ كانَ فطيمًا، وإلى أنْ توفّاه الله (تبارك وتعالى).

ص: 55


1- نهج البلاغة ج2 ص 157.

أسئلةُ الدرس:

السؤال الأول: ما الأدلة التي يُستفادُ منها عصمةُ النبي الأكرم محمد صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ؟

السؤال الثاني: ما رأي مدرسة أهل البيت عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في عصمة النبي صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ؟ اذكر دليلًا على ذلك.

***

ص: 56

الدرس العاشر ماذا فعل النبي صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لأجل أمته؟

اشارة

قال (تعالى): «ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلىٰ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَىٰ الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ» (آل عمران: 179).

كيفَ تركَ النبيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أُمّتَه بعده؟

ما مصيرُ الأُمّةِ بعده صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ؟ من الذي يقودُها؟ ومن الذي يقومُ ببيانِ الأحكامِ الشرعية؟ خصوصًا أنَّ الفترةَ التي عاشها النبيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كانتْ قصيرةً جدًا (23 سنة فقط) بالقياسِ إلى عمرِ الإسلام المُفترض (إلى يوم القيامة).

ما الطريقة التي من خلالها يتمُّ تعيينُ القائد والإمامِ والحاكمِ والعالمِ بالأحكامِ الشرعيةِ بعده صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ؟

وهل قامَ النبيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بشيءٍ إزاء هذا الأمر؟

إنَّ المسألةَ لا تخلو من إحدى حالاتٍ ثلاث:

ص: 57

الحالة الأولى: أنْ يتركَ النبيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الأمة بعده من دونِ تعيينِ أيّ قائدٍ أو حاكمٍ بعده.

وهذه الحالةُ غيرُ صحيحة؛ لأنّها خلافُ الحكمة؛ فنحن نرى أنَّ الأبَ مثلًا عندما يُسافرُ فإنّه يوكِلُ أمرَ بيتهِ وأهلِه إلى ابنه الأكبر مثلًا، أو إلى أخيه، أو إلى شخصٍ يثِقُ به، فكيفَ بالنبي الأكرم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أنْ يتركَ الأُمّةَ بعده من دون راعٍ؟!

وانظرْ إلى مديرِ شركةٍ مثلًا، هل تراه يُسافِرُ من دونِ أنْ يوكلَ إدارةَ الشركةِ إلى شخصٍ يثِقُ به؟!

فالحكمةُ تقتضي أنْ يُعيّنَ القائدُ خلَفًا عنه عندما يخرج عن بلده، فكيفَ إذا عرف أنّه سيموت!

ولذا وجدنا أنَّ النبيَّ الأكرم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كانَ عندما يخرجُ من المدينةِ مثلًا إلى معركةٍ ما، فإنّه يوكلُ إدارتها إلى خليفةٍ من بعده، كما حصلَ في معركة تبوك، عندما خرج، وتركَ عليًا خليفةً له على المدينة، وقال له يومها: «أنتَ مِنّي بمنزلةِ هارون من موسى، إلا أنّه لا نبي بعدي».(1)

الحالة الثانية: أنْ يوكلَ النبيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الأمرَ إلى الناسِ أنْ يختاروا هم قائدًا لهم.وهذه الحالةُ غيرُ صحيحةٍ؛ لأنّها توجبُ العديدَ من المحذورات، من قبيل:

أ- التصادُم والتنافُس ووقوع المشاكلِ التي لها أولُ وليس لها آخر، والشاهدُ على ذلك ما نراه اليومَ من اختلافِ المسلمين على مذاهبَ شتّى، وصلَ الحالُ ببعضهم أن يُكفِّرَ المذاهبَ الأخرى، وما ذاك إلا لأنّهم تركوا الأمرَ الإلهي –الذي سيتبيّنُ في الحالةِ الثالثة- وحاولوا هم أنْ يضعوا قائدًا لهم.

ص: 58


1- سنن الترمذي ج5 ص 301 – 302.

ب- احتمال أنْ يغلبَ على الناس القوي، فيظلمهم، بدعوى أنّه خليفةُ الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، كما فعلَ بنو أمية وبنو العباس، حيث ظلموا الناس واستعبدوهم في الوقت الذي كانوا يدّعون أنّهم خلفاء الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، وكلنا سمعَ بظلمِ الحجاج مثلًا، ومعاوية، وهارون العباسي، والمتوكل، وغيرهم.

ج- أنَّ الاختلافاتِ لن تتوقّفَ عند حدّ، فإنَّ كُلَّ مجموعةٍ ترغبُ أنْ يكونَ القائدُ والحاكمُ منها، كما حصل بعد رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، عندما أرادَ أصحابُ السقيفة أنْ يُعيّنوا أبا بكر للخلافة، قامَ الأنصارُ وقالوا: منّا أميرٌ ومنكم أمير.(1)

الحالة الثالثة: أن يُعّين الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ خليفة له قبل رحيله.

وهذه الحالةُ هي مُقتضى الحكمة، وهي ما يحكمُ بها أيُّ عاقل.ومن لطيفِ ما رويَ في بيانِ أنَّ العقلَ يحكمُ بضرورةِ أنْ لا يتركَ اللهُ (تعالى) ورسوله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الناسَ من دونِ أنْ يُعيَنَ لهم إمامًا، ما رويَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ:

كَانَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِه مِنْهُمْ حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ ومُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ وهِشَامُ بْنُ سَالِمٍ والطَّيَّارُ وجَمَاعَةٌ فِيهِمْ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وهُوَ شَابٌّ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: يَا هِشَامُ، ألَا تُخْبِرُنِي كَيْفَ صَنَعْتَ بِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وكَيْفَ سَأَلْتَه؟ فَقَالَ: هِشَامٌ: يَا ابْنَ رَسُولِ الله إِنِّي أُجِلُّكَ وأَسْتَحْيِيكَ ولَا يَعْمَلُ لِسَانِي بَيْنَ يَدَيْكَ.(2)

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَافْعَلُوا.(3)

ص: 59


1- نهج البلاغة ج1 ص116، والأمالي للسيد المرتضى ج1 ص 198.
2- وهذا أدب من هشام بين يدي الإمام المعصوم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.
3- إذ الطاعة أولى من الأدب كما يُقال.

قَالَ هِشَامٌ: بَلَغَنِي مَا كَانَ فِيه عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وجُلُوسُه فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيَّ.(1)

فَخَرَجْتُ إِلَيْه ودَخَلْتُ الْبَصْرَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَتَيْتُ مَسْجِدَ الْبَصْرَةِ، فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ كَبِيرَةٍ فِيهَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وعَلَيْه شَمْلَةٌ سَوْدَاءُ مُتَّزِراً بِهَا مِنْ صُوفٍ، وشَمْلَةٌ مُرْتَدِياً بِهَا، والنَّاسُ يَسْأَلُونَه، فَاسْتَفْرَجْتُ النَّاسَ فَأَفْرَجُوا لِي، ثُمَّ قَعَدْتُ فِي آخِرِ الْقَوْمِ(2) عَلَى رُكْبَتَيَّ، ثُمَّ قُلْتُ:أَيُّهَا الْعَالِمُ إِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ تَأْذَنُ لِي فِي مَسْأَلَةٍ؟

فَقَالَ لِي: نَعَمْ. فَقُلْتُ: لَه ألَكَ عَيْنٌ؟! فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، أَيُّ شَيْءٍ هَذَا مِنَ السُّؤَالِ! وشَيْءٌ تَرَاه كَيْفَ تَسْأَلُ عَنْه؟! فَقُلْتُ: هَكَذَا مَسْأَلَتِي. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ سَلْ وإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَتُكَ حَمْقَاءَ! قُلْتُ: أَجِبْنِي فِيهَا. قَالَ لِي: سَلْ. قُلْتُ: ألَكَ عَيْنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: أَرَى بِهَا الأَلْوَانَ والأَشْخَاصَ.

قُلْتُ: فَلَكَ أَنْفٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ فَمَا تَصْنَعُ بِه؟ قَالَ أَشَمُّ بِه الرَّائِحَةَ.

قُلْتُ: ألَكَ فَمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِه؟ قَالَ: أَذُوقُ بِه الطَّعْمَ.

قُلْتُ: فَلَكَ أُذُنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: أَسْمَعُ بِهَا الصَّوْتَ.

قُلْتُ: ألَكَ قَلْبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِه؟ قَالَ: أُمَيِّزُ بِه كُلَّ مَا وَرَدَ عَلَى هَذِه الْجَوَارِحِ والْحَوَاسِّ.

ص: 60


1- وهو أمر لا بد أن يكون همّ كل داعٍ ومؤمن، إذ إن الاهتمام بأمور المسلمين مما ندب إليه الدين ودعا إليه.
2- ولعله من باب الأدب؛ لأن عمر هشام كان صغيرًا، ولعله من باب إرادة أن يسمع الجميع حوارهما.

قُلْتُ: أولَيْسَ فِي هَذِه الْجَوَارِحِ غِنًى عَنِ الْقَلْبِ؟ فَقَالَ: لَا. قُلْتُ: وكَيْفَ ذَلِكَ وهِيَ صَحِيحَةٌ سَلِيمَةٌ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ الْجَوَارِحَ إِذَا شَكَّتْ فِي شَيْءٍ شَمَّتْه أَوْ رَأَتْه أَوْ ذَاقَتْه أَوْ سَمِعَتْه، رَدَّتْه إِلَى الْقَلْبِ فَيَسْتَيْقِنُ الْيَقِينَ ويُبْطِلُ الشَّكَّ.(1) قَالَ هِشَامٌ: فَقُلْتُ لَه: فَإِنَّمَا أَقَامَ الله الْقَلْبَ لِشَكِّ الْجَوَارِحِ؟! قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: لَا بُدَّ مِنَ الْقَلْبِ وإِلَّا لَمْ تَسْتَيْقِنِ الْجَوَارِحُ؟!(2)

قَالَ: نَعَمْ.

فَقُلْتُ لَه: يَا أَبَا مَرْوَانَ، فَالله تَبَارَكَ وتَعَالَى لَمْ يَتْرُكْ جَوَارِحَكَ حَتَّى جَعَلَ لَهَا إِمَاماً يُصَحِّحُ لَهَا الصَّحِيحَ ويَتَيَقَّنُ بِه مَا شُكَّ فِيه، ويَتْرُكُ هَذَا الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فِي حَيْرَتِهِمْ وشَكِّهِمْ واخْتِلَافِهِمْ لَا يُقِيمُ لَهُمْ إِمَاماً يَرُدُّونَ إِلَيْه شَكَّهُمْ وحَيْرَتَهُمْ، ويُقِيمُ لَكَ إِمَاماً لِجَوَارِحِكَ تَرُدُّ إِلَيْه حَيْرَتَكَ وشَكَّكَ؟!

قَالَ: فَسَكَتَ ولَمْ يَقُلْ لِي شَيْئاً، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ لِي: أَنْتَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ؟ فَقُلْتُ: لَا. قَالَ: أمِنْ جُلَسَائِه؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ: فَأَنْتَ إِذاً هُوَ! ثُمَّ ضَمَّنِي إِلَيْه وأَقْعَدَنِي فِي مَجْلِسِه وزَالَ عَنْ مَجْلِسِه! ومَا نَطَقَ حَتَّى قُمْتُ.

قَالَ: فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِ الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وقَالَ: يَا هِشَامُ مَنْ عَلَّمَكَ هَذَا؟ قُلْتُ: شَيْءٌ أَخَذْتُه مِنْكَ وأَلَّفْتُه.(3)

ص: 61


1- وفي هذا إشارة واضحة إلى أن أصحاب المنهج الحسي لا يكفيهم الحس للوصول إلى اليقين من دون الرجوع إلى (القلب) أو العقل.
2- كرّر السؤال نفسه بعبارات مختلفة ليُقرّه على ما أجاب به، حتى لا يتمكن من الهروب من لوازمه فيما بعد.
3- وفي هذا إشارة إلى تواضع هشام وأدبه في حضرة الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فلم ينسب هذه المناظرة لنفسه، وفيه إشارة أيضًا إلى جواز الاجتهاد والاستنباط، إذ هشام أخبر الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بأنه ألّف هذا المعنى مما سمعه منه، والإمام أقرّه عليه، فضلاً عن الإشارة إلى أن العلم الصحيح النافع لا يكون إلا من المعصوم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وأن في كلامه معانٍ تغني الباحث وتعطيه الفسحة للتفنن بإلقائه وبيانه للناس بطرق متعددة.

فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: هَذَا والله مَكْتُوبٌ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ ومُوسَى.(1)

فهذه الحالة هي المتعينة، وهي مسألةٌ واضحةٌ لا تحتاجُ إلى تفكيرٍ وتأمُّلٍ كثير.

وعلى كُلِّ حال، فإنَّ الذي حصل، هو أنَّ اللهَ (تعالى) عيّنَ الإمامَ من بعدِ الرسولِ الأعظم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، وأنَّ النبيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بلّغَ الأمرَ الإلهي، ومن أهمِّ ما يدلُّ على ذلك هي آيةُ التبليغِ وإتمام النعمة...

فإنّه وبعد جهادٍ مريرٍ خاضه النبيُّ الأكرم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وعلى مدى ثلاث وعشرين سنة، من الدعوةِ والصبرِ والجهاد والغربة و... نجد القرآنَ الكريمَ يُخاطِبُ النبيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بأمرٍ مهمٍ جدًا، فيقولُ (جل وعلا): «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ» (المائدة: 67).

فَأَخَذَ رَسُولُ الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِيَدِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّه لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِمَّنْ كَانَ قَبْلِي إِلَّا وقَدْ عَمَّرَه الله، ثُمَّ دَعَاه فَأَجَابَه، فَأَوْشَكَ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وأَنَا مَسْؤُولٌ وأَنْتُمْ مَسْؤُولُونَ، فَمَا ذَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟

فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ ونَصَحْتَ وأَدَّيْتَ مَا عَلَيْكَ، فَجَزَاكَ الله أَفْضَلَ جَزَاءِ الْمُرْسَلِينَ.

ص: 62


1- الكافي للكليني ج1 ص169 - 171 باب الاضطرار الى الحجة ح3.

فَقَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ -ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا وَلِيُّكُمْ مِنْ بَعْدِي، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِب». (1) وبعدَ أنْ بلَّغَ النبيُّ الأكرم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ رسالةَ ربِّه هذه، نزلَ عليه الخطابُ الإلهي صادحًا: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» (المائدة: 3).

فتلخص:

1- أنَّ الحكمةَ تقتضي أنْ لا يتركَ الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أُمّته بلا راعٍ، ولا أنْ يتركَ أمرَ تعيينِ الخليفةِ لهم، للزومه العديدَ من المحذورات، أهمُّها تسلُّطُ القوي الظالم، واستمرار الخلافات، وتهديد الكيان الإٍسلامي من قبل الأعداء المحيطين به.

2- أنَّ العقلَ يحكم بضرورةِ أنْ يُعيّنَ الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ خليفةً من بعده، يقودُ الأُمّة، ويُبيّن لها الدين بصورة صحيحة.

3- أن الله تعالى عيّن الخليفة بعد رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وقد أوصل النبي الأكرم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ هذا التبليغ في مناسبات عديدة، أهمها حادثة الغدير.

ص: 63


1- الكافي للكليني ج1 ص 290 - 291 بَابُ مَا نَصَّ الله عزّ وَجّل ورَسُولُه عَلَى الأَئِمَّةِ عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ وَاحِداً فَوَاحِداً – ح6.

أسئلة الدرس:

السؤال الأول: ما وجه الحكمة في عدم ترك أمر تعيين الخليفة للناس؟

السؤال الثاني: هل بلّغ الرسول الأعظم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بالخليفة من بعده؟ بيّن ذلك.

السؤال الثالث: ابحث عن نصوص قرآنية وروائية تدلّ على أن الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عيّن الخليفة من بعده.

***

ص: 64

الدرس الحادي عشر صفات الإمام

اشارة

قال (تعالى): «وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ» (السجدة: 24).

هناك صفاتٌ عديدةٌ لا بُدّ من توفُّرِها في الإنسانِ ليكون إمامًا في عقيدتنا، وخلاصتها التالي:

الصفة الأولى: التعيين الإلهي:

إنَّ من أهمِّ صفاتِ الإمامِ هو أنّه مُعيَّنٌ من الله (تبارك وتعالى)، فهو وحده من يُعيّن الإمامَ الذي تجبُ علينا طاعتُه بعد رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، فلا الانتخابات، ولا اختيار وجهاء المنطقة، ولا كبار السن، ولا الشورى، ولا الغلبة بالسيف، ولا الوراثة، هي أسبابٌ مشروعةٌ لتعيينِ الإمامِ بعدَ الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

وهذه الصفةُ لم تتوفّرْ إلا في الأئمة الاثني عشر عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ من آل رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

علمًا أنَّ الفرق بين أتباع أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ وبين غيرهم من المسلمين، هو في هذه الصفة، فالشيعة الاثنا عشرية يعتقدون بأنّ الإمام لا يكونُ إلابتنصيبٍ من اللهِ (تعالى)، أما غير الشيعة فيقولون: يُمكِنُ للبشرِ أنْ يُعيّنوا الإمامَ بالانتخابِ أو غيرِه من الطُرُقِ البشرية.

ص: 65

الصفة الثانية: العصمة:

لا بُدّ أنْ يكونَ الإمامُ معصومًا، للأدلة المتقدمة لبيان عصمة النبي صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

الصفة الثالثة: العلمُ الخاص:

بمعنى أنْ لا يكونَ الإمامُ قد أخذَ علمَه من المدارس والمُعلّمين، كما نحن -أنا وأنت- نحصلُ عليه، وإنّما لا بُدّ أنْ يكونَ علمُه من النبي والإمام الذي قبله، وبتعليمٍ من اللهِ (تعالى) مُباشرة، وهو ما يُسمّى بالعلم اللدنّي، نسبةً إلى قوله (تعالى): «وَعَلَّمْنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا» (الكهف: 65).

أضف إليه: أنْ يكونَ عالمًا بكُلِّ ما يحتاجُ إليه الناس من الدين.

فليسَ من الصحيح أنْ يكونَ الإنسانُ إمامًا في الدين، وهو لا يعرفُ بعضَ أمورِ الدين.

وقد نقل التاريخُ الكثيرَ من المسائلِ الدينية التي عجزَ عنها غير الأئمة عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ ممّا يكشفُ عن أنّهم لم يكونوا أئمة، إذ إنّهم اعترفوا بعجزهم عن حلِّ مسائلَ دينية، ولكن أهل البيتِ عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ استطاعوا حلّها بكُلِّ يسر.

فكم من مرةٍ قال عمر بن الخطاب: «لولا عليٌ لهلك عمر»(1) ، كما قال أيضاً: «لا أبقاني اللهُ لمُعضلةٍ ليس لها أبو الحسن»(2) ، وقال عنهعثمان: «لولا عليٌ

ص: 66


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج12 ص 179 وغيره من المصادر.
2- في أنساب الأشراف للبلاذري ج2 ص 100 ح 29 - حدثني إسحاق بن الحسين، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، عن مؤمل ابن إسماعيل عن سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو حسن.

لهلك عثمان»(1) .

وهو أمرٌ ثابت، وعلى من يُشكِّكُ فيه مُراجعة كتبِ العامة، كما أنَّ أبا بكر عندما استولى على الخلافة كان أول أقواله: لست بخيركم.(2)

الصفة الرابعة: الأخلاق الفاضلة:

يٌقصد من هذه الصفة:أولًا: أنْ يكونَ الإمامُ متصفًا بفضائلِ الأخلاق، كالصدق والغيرة والشجاعة والمروءة والصبر والحلم وأمثالها.

ثانيًا: أنْ يكونَ قولُه مُطابقًا لفعله.

ثالثًا: أنْ يكونَ سلوكُه بحيث لا يُمكِنُ أنْ يُفسّرَ تفسيرًا سيئًا، أي إنّه لا يضعُ نفسَه مواضع التهمة مثلًا، ولا يفعل فعلًا يُمكِنُ أنْ يُفسّر بأنّه غير أخلاقي أو غير فاضل، وهكذا.

ص: 67


1- الغدير للشيخ الأميني ج8 ص 214 قال: أخرج الحافظ العاصمي في كتابه (زين الفتى في شرح سورة هل أتى) من طريق شيخه أبي بكر محمد بن إسحاق بن محمشاد يرفعه: أن رجلا أتى عثمان بن عفان وهو أمير المؤمنين وبيده جمجمة إنسان ميت فقال: إنكم تزعمون النار يعرض على هذا وإنه يعذب في القبر وأنا قد وضعت عليها يدي فلا أحس منها حرارة النار. فسكت عنه عثمان وأرسل إلى علي بن أبي طالب المرتضى يستحضره، فلما أتاه وهو في ملأ من أصحابه قال للرجل: أعد المسألة. فأعادها، ثم قال عثمان بن عفان: أجب الرجل عنها يا أبا الحسن! فقال علي: ايتوني بزند وحجر. والرجل السائل والناس ينظرون إليه فأتي بهما فأخذهما وقدح منهما النار، ثم قال للرجل: ضع يدك على الحجر. فوضعها عليه ثم قال: ضع يدك على الزند. فوضعها عليه فقال: هل أحسست منهما حرارة النار فبهت الرجل فقال عثمان: لولا علي لهلك عثمان.
2- في كنز العمال للمتقي الهندي ج5 ص 631 ح (14112) عن عيسى بن عطية قال: قام أبو بكر الغد حين بويع فخطب الناس فقال: يا أيها الناس إني قد أقلتُكم رأيكم، إني لست بخيركم فبايعوا خيركم.

ولإتمام الفائدة نذكر رواية الإمام الحسن عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ والرجل الشامي.

فقد رويَ عن المُبرَّد وابن عائشة: أنَّ شاميًا رأىٰ الحسن بن عليٍّ ݟ راكبًا فجعل يلعنه! والحسن عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لا يردُّ. فلمَّا فرغ أقبلَ الحسن عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فسلَّم عليه وضحك، فقال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «أيُّها الشيخ أظنُّك غريبًا، ولعلَّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإنْ كُنتَ جائعًا أشبعناك، وإنْ كُنتَ عريانًا كسوناك، وإنْ كُنتَ مُحتاجًا أغنيناك، وإنْ كُنتَ طريدًا آويناك، وإنْ كانَ لك حاجةٌ قضيناها لك، فلو حرَّكْتَ رحلك إلينا، وكنتَ ضيفنا إلىٰ وقت ارتحالك، كانَ أعودَ عليك، لأنَّ لنا موضعًا رحبًا وجاهًا عريضًا ومالًا كثيرًا».

فلمَّا سمعَ الرجلُ كلامَه، بكىٰ ثمّ قال: أشهدُ أنَّك خليفةُ الله في أرضه، اللهُ أعلمُ حيث يجعل رسالته، وكُنتَ أنتَ وأبوك أبغضَ خلقِ الله إليَّ، والآن أنتَ أحبُّ خلقِ الله إليَّ، وحوَّل رحله إليه، وكانَ ضيفُه إلىٰ أنْ ارتحل، وصارَ معتقدًا لمحبَّتهم(1) .فلاحظْ كيفَ أنَّ أخلاقَ الإمامِ الحسن عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ جعلتْ ذلك الرجلَ يُغيّرُ نظرتَه عنه، بل وآمنَ به، واعتقدَ بحبه.

فتلخّص:

1/أنَّ من الصفاتِ المُهمةِ التي يجبُ أنْ تتوفّرَ في الإمامِ هي: صفة العلم.

2/ المقصودُ هو علمٌ خاصٌّ إلهي، من دونِ تعليمٍ من البشر.

ص: 68


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب (ج 3/ ص 184).

3/ وهو علمٌ يجعلُ الإمامُ مُطلعًا على كُلِّ أحكامِ الدين، بحيث لا يُخطِئُ ولا يشتبهُ في بيانِ حكمٍ شرعي.

4/أنَّ من الصفاتِ التي يلزمُ توفُّرُها في الإمامِ هي: الأخلاقَ الفاضلة، وأنْ يكونَ قولُه مُطابقًا لفعله، وأنْ لا يضعَ نفسَه في مواضعَ لا تليقُ به.

5/لقد اتصفَ أئمتُنا عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ بالأخلاقِ الفاضلة بأعلى مُستوياتها، والرواياتُ كثيرةٌ جدًا في ذلك، ويكفي في الإشارة إلى ذلك قول محمدٍ بن إدريس إمامُ الشافعية في حقِّ الإمامِ علي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: عجبتُ لرجلٍ كتمَ أعداؤه فضائلَه حسدَا، وكتمها مُحِبّوه خوفًا، وخرجَ ما بينَ ذين ما طبق الخافقين.(1)

أسئلة الدرس:السؤال الأول: لماذا يلزم أن يكون الإمام معصوماً؟

السؤال الثاني: ما هي طرق جعل الإمام عند العامة؟

السؤال الثالث: ما المميز الأهم بيننا وبين أهل السنة؟

السؤال الرابع: ما هي ميزة علم المعصوم؟

***

ص: 69


1- الروضة في فضائل أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لشاذان بن جبرئيل القمي (ابن شاذان) ص 19.

الدرس الثاني عشر مصيرُ مَنْ لم يؤمِنْ بأهلِ البيتِ عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ

اشارة

قال (تعالى): «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ»

(الأنفال: 24).

عرفنا أنَّ على المسلمين أنْ يؤمنوا بإمامةِ أهلِ البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ؛ لأنَّ الله (تعالى) جعلهم أئمةً عليهم، فما مصيرُ منْ لم يؤمنْ بهم بعد علمِه بالحقيقة (دون الشخص القاصر الذي لا يعلم الحق ولا يتمكن من الوصول إليه)؟

الجواب:

هناك آثارٌ عديدةٌ تترتبُ على عدمِ الإيمانِ بهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ، أهمُّها:

الأثر الأول: مخالفة الأمر الإلهي:

من المعلومِ في الدين الإسلامي أنَّ هناك أوامرَ يجبُ على المسلمين تنفيذها، ونواهي يجبُ عليهم الابتعادُ عنها، وأنَّ كُلَّ تركٍ لأمرٍ واجبٍ أو فعلٍ لأمرٍ منهيٍ عنه يستلزمُ آثارًا معينة، وأهمّها عدمُ التوفيق في الدُنيا، والعقوبة يوم القيامة.والإيمانُ بأهلِ البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ أمرٌ إلهي، فمن لا يمتثل له يترتب عليه مُخالفةُ الأمر الإلهي، وهو يستلزمُ جميعَ آثار ذلك.

ص: 70

لقد أمرَ اللهُ (تعالى) نبيَّه الأعظم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أنْ يُبلّغَ الناسَ ولايةَ أميرِ المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وهو صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بلّغها في الكثيرِ من المناسبات، أهمّها يومَ غدير خم، وتذكرُ الرواياتُ أنَّ أبا بكر وعمر دخلا على أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ –فيمن دخل- يوم الغدير، وقال عمر عند البيعة: بخٍ بخٍ لك يا علي، أصبحتَ مولاي ومولى كُلِّ مؤمنٍ ومؤمنة.(1)

والنصوصُ أيضًا بيّنتْ هذا الأمرَ الإلهي، فقد رويَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: قَالَ: بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: عَلَى الصَّلَاةِ والزَّكَاةِ والصَّوْمِ والْحَجِّ والْوَلَايَةِ، ولَمْ يُنَادَ بِشَيْءٍ كَمَا نُودِيَ بِالْوَلَايَةِ.(2)

وعَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الشَّامِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ»؟ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: نَزَلَتْ فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.(3)

ومنه يتضح: أنَّ عدمَ الإيمان بأهلِ البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ مع العلمِ بأنَّ اللهَ (تعالى) افترضَ طاعتَهم وإمامتَهم، هو ذنبٌ عظيمٌ، بل هو خروجٌ عن العبودية التي يلزمنا أنْ نمتثلها مع أوامرِ اللهِ (تعالى) جملةً وتفصيلًا.

الأثر الثاني: الموت ميتةَ جاهليةٍ وضلالٍ:

لقد أكّدتِ النصوصُ الكثيرةُ على أنَّ من لا يعرفُ أهلَ البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ، ولا يعرف إمامَ زمانه، فإنّه يموتُ كأنّه كافرٌ، أيّ إنّه ضالٌّ كضلالِ الكفّار الذين لم يؤمنوا بالحقِّ رغمَ معرفتهم به.

ص: 71


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي الكوفي ص 356، والإرشاد للشيخ المفيد ص 177.
2- الكافي للكليني ج2 ص18 بَابُ دَعَائِمِ الإِسْلَامِ/ ح1.
3- الكافي للكليني (ج8 ص 2448 ح349).

روي عن رسولِ الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أنَّه قال: «من ماتَ وليس له إمامٌ ماتَ ميتةً جاهلية»(1) .

وعنِ الإمامِ أبي جعفر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنَّه قال: «من ماتَ لا يعرفُ إمامَه، ماتَ ميتةَ جاهلية كفر ونفاق وضلال»(2) .

وعَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: مَنْ مَاتَ ولَيْسَ لَه إِمَامٌ فَمِيتَتُه مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، قُلْتُ: مِيتَةُ كُفْرٍ؟ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: مِيتَةُ ضَلَالٍ. قُلْتُ: فَمَنْ مَاتَ الْيَوْمَ ولَيْسَ لَه إِمَامٌ فَمِيتَتُه مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: نَعَمْ.(3)

الأثر الثالث: افتقادُ عنصر الأمان والاطمئنان يوم القيامة:

اشارة

في يومِ القيامة، سيكونُ الحسابُ دقيقًا جدًا، ولن تكونَ هناك فرصةٌ للهرب أو التنصُّل أو إخفاءِ الحقائق، وآنذاك، أكّدتِ النصوصُ على أنَّ الناسَ يقعون في زلازلَ نفسيةٍ وخوفٍ عجيب، ولا ينجو من ذلك الخوفِ والرعبِ إلا من كانَ مؤمنًا بأهلِ البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ.

والنصوصُ في ذلك كثيرةٌ، منها:ما جاءَ في صحيحةِ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال: إذا كانَ يومُ القيامةِ نادى منادٍ: مَنْ شهدَ أنْ لا إله إلا الله فليدخلِ الجنة. قال: قلت: فعلى مَ تَخاصمَ الناسُ إذا كانَ من شهد أنْ لا إله إلا الله دخل الجنة؟! فقال: إنّه إذا كانَ يوم القيامة نسوها.(4)

ص: 72


1- كمال الدين للصدوق: 413 و414/ باب 39/ ح 15.
2- الإمامة والتبصرة لابن بابويه: 82/ ح 69.
3- الكافي للكليني ج1 ص 376 بَابُ مَنْ مَاتَ ولَيْسَ لَه إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى ح (2).
4- المحاسن للبرقي ج1 ص 181 باب 42 ح 173.

وفي صحيحته الثانية عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: يَا أَبَانُ، إِذَا قَدِمْتَ الْكُوفَةَ فَارْوِ هَذَا الْحَدِيثَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله مُخْلِصًا وَجَبَتْ لَه الْجَنَّةُ. قَالَ: قُلْتُ لَه: إِنَّه يَأْتِينِي مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنَ الأَصْنَافِ، أفَأَرْوِي لَهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ؟! قَالَ: نَعَمْ يَا أَبَانُ، إِنَّه إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وجَمَعَ الله الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ فَتُسْلَبُ (لَا إِلَه إِلَّا اللهُ) مِنْهُمْ، إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى هَذَا الأَمْرِ.(1)

وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إذا فرغَ اللهُ (تعالى) من الحسابِ للعبادِ يأمرُ الملكين فيقفانِ على الصراط، فلا يجوزُ الصراطَ أحدٌ إلا ببراءةٍ بولايةٍ من علي، فمنْ لم يكنْ معه أكبّه اللهُ على وجهِه في النار .(2)

هذا كُلُّه مصيرُ مَنْ لم يؤمنْ بهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ في الدنيا، وهو يعلمُ أنَّ الحقَّ فيهم، من دونِ أنْ يُعاديَهم.

مصير من عادى أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ:

أما مصيرُ من عادى أهلَ البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ وأبغضهم وحاربهم، فهي النارُ لا محالة، لأنها الكفرُ الصريح، ومُعاداةُ رسولِ الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، ومعاداةُ اللهِ (تبارك وتعالى).

رويَ عن جابر عن رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنّ اللهَ (تعالى) جعلَ عليًّا قائدَ المسلمين إلى الجنّة؛ به يدخلون الجنّة، وبه يدخلون النار، وبه يعذّبون يوم القيامة. قلنا:

ص: 73


1- الكافي للكليني (ج2 ص521 بَابُ مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله مُخْلِصًا ح1).
2- ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي (ج2 ص 295 ح 847).

وكيفَ ذلك يا رسول الله؟ قال: بحُبِّه يدخلون الجنّة، وببُغضِه يدخلون النار ويُعذّبون.(1)

ورويَ عن ابنِ عباس: أنّه مّرَّ بمجلسٍ من مجالسِ قريش وهم يسبّون علي بن أبي طالب عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فقال لقائده: ما يقولُ هؤلاء؟ قال: يسبّون عليًا. قال: قرّبني إليهم، فلمّا أنْ أوقفَ عليهم، قال: أيُّكم السابُّ الله؟ قالوا: سُبحان الله! من يسبّ اللهَ فقد أشرك بالله. قال: فأيُّكم السابُّ رسولَ الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ؟ قالوا: من يسبّ رسولَ الله فقد كفر. قال: فأيُّكم السابُّ علي بن أبي طالب؟ قالوا: قد كانَ ذلك. قال: فأشهدُ باللهِ وأشهدُ لله، لقد سمعتُ رسولَ الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يقول: «من سبَّ عليًا فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله (تعالى)»، ثم مضى...(2)

وعن محمّد بن منصور: كُنّا عند أحمد بن حنبل، فقال له رجلٌ: يا أبا عبد الله، ما تقولُ في هذا الحديث الذي يُروى أنّ عليًّا قال: أنا قسيم النار؟فقال: وما تنكرون مِن ذا؟! أليسَ روينا أنّ النبيّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قال لعليّ: «لا يُحِبُّك إلا مؤمنٌ ولا يُبغِضُك إلاّ منافق»؟! قلنا: بلى. قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنّة. قال: وأين المنافق؟ قلنا: في النار. قال: فعليٌّ قسيم النار.(3)

وعن أبان بن تغلب عن الإمامِ الباقر عن آبائه عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ عن رسولِ الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أنّه قالَ للمهاجرين والأنصار: أحِبّوا عليًّا لحبّي، وأكرِموه لكرامتي، والله ما قلتُ

ص: 74


1- ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي (ج2 ص 293 ح 844).
2- الأمالي للشيخ الصدوق ص 157 و 158 ح 151 / 2.
3- طبقات الحنابلة: 1 / 320، كفاية الطالب: 72 وراجع تاريخ دمشق: 42 / 301 / 8832.

لكم هذا من قِبلي، ولكنّ الله (تعالى) أمرني بذلك، ويا معشر العرب، من أبغضَ عليًّا من بعدي حشره اللهُ يومَ القيامةِ أعمى ليس له حجّة.(1)

فتلخّص:

1/ أنَّ مخالفةَ الأمرِ الإلهي مع العلمِ والعمدِ توجبُ السخطَ الإلهي والطردَ من الرحمةِ الإلهية.

2/ أنَّ ولايةَ أهلِ البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ أمرٌ إلهيٌ واضح، فعدمُ الإيمانِ بهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ مُخالفةٌ صريحةٌ للأمر الإلهي.

3/ أنَّ أجرَ النبي الأعظم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ هو مودةُ أهلِ البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ بأمرِ اللهِ (تعالى)، وهو أجرٌ ترجعُ فائدتُه إلى الأمة.

4/أنَّ الحفاظَ على الإيمان، والخروجَ من الكفرِ والضلال، مُتوقِّفٌ على الإيمانِ بأهلِ البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ.5/ أنَّ من يطلب الأمانَ يومَ القيامة، عليه أنْ يؤمنَ بأهلِ البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ.

6/ أنَّ من يُعادي أهلَ البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ فمصيرُه النارُ لا محالة.

ص: 75


1- شواهد التنزيل (1 / 495 / 523).

أسئلة الدرس:

السؤال الأول: هل يجب على المؤمنين الإيمانُ بأهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ؟ ولماذا؟ وما الآثار المترتبة على عدم الإيمان بهم؟

السؤال الثاني: ما عواقب معاداة أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ؟

السؤال الثالث: ما أجر تبليغ النبي صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ رسالته للناس؟ وما الدليل على ذلك؟

***

ص: 76

الدرس الثالث عشر الإيمان بالإمام المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ

اشارة

«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَىٰ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ» (القَصص: 5).

الإيمان بالإمام المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ

وتوضيح هذه العقيدة من خلال الآتي:

1/المهدي هو الإمامُ الثاني عشر من أئمةِ أهلِ البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ، وهو الإمامُ محمدٌ بن الحسن عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ.

له أسماءُ وألقابٌ عديدةٌ، منها: أحمد، والمهدي، والقائم، والمنتظر، وصاحب الزمان، والمؤمل، والمُرتجى، وعين الحياة، والطالب بدم المقتول بكربلاء، والخلف الصالح، والشريد، والطريد، والغريم، وخاتم الأئمة، وخاتم الأوصياء، وخليفة الله، والداعي، والغائب، والمنصور، وبقية الله، وغيرها كثير.

ويُكنّى بأبي القاسم، على كُنيةِ النبي الأعظم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

وكُلُّ اسمٍ ولقبٍ منها يُشير إلى معنى من المعاني الكمالية فيه.

2/وُلِدَ في الليلة الخامسة عشرة من شهر شعبان، سنة (255) للهجرة، وكانتِ السلطةُ العباسيةُ آنذاك تتتبعُ أخبارَ ولادته، ليقبضوا عليه، وليقتلوه؛ لأنّهم يعلمون أنّه الإمامُ العادلُ الذي وعدَ به رسولُ الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ،والذي يملأُ الأرضَ قسطًا وعدلًا، كما ملئت ظلمًا وجورًا، وأنَّ اللهَ (تعالى) سينصره على جميعِ

ص: 77

أعدائه، لأنّه (تعالى) وعدَ بذلك في القرآن الكريم، والله لا يُخلف الميعاد، قال (تعالى): «وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ» (الأنبياء: 105).

وفي تفسير(عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) رويَ عنِ الإمامِ الباقر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنّه قال: القائمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وأصحابه.(1)

وقال (تعالىٰ):«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَىٰ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ» (القَصص: 5).

وفي هذه الآية ورد عن أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنّه قال: هم آلُ محمدٍ (ًصلوات الله عليهم) يبعثُ اللهُ مهديَّهم بعدَ جهدهم، فيعزهم ويذلّ عدوهم.(2)

وقال (تعالى): «وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» (النور: 55).

ووردَ عنِ الإمامِ الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في سببِ نزول هذه الآية قال: نزلتْ في القائمِ وأصحابه.(3)

ص: 78


1- تفسير القمي (ج2 ص 77).
2- الغيبة للطوسي (ص 184 ح 143).
3- الغيبة للنعماني (ص 247 ب 13 ح 35).

3/إنَّ الإيمانَ بالإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ أمرٌ لا بُدَّ منه، وعدمُ الإيمانِ به هو تكذيبٌ للقرآنِ الكريم الذي أخبر به، وتكذيبٌ للرسولِ الأعظم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الذي أكّدَ في رواياتٍ كثيرةٍ على أنّه لا بُدّ أنْ يظهر، فقد رويَ عن عبدِ اللهِ بن عباس قال: قالَ رسولُ الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنَّ خُلفائي وأوصيائي، وحجج اللهِ على الخلقِ بعدي اثنا عشر: أولهم أخي، وآخرُهم ولدي. قيل: يا رسولَ الله ومن أخوك؟ قال صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: علي بن أبي طالب، قيل: فمن ولدك؟ قال صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: المهديُّ الذي يملأها قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا، والذي بعثني بالحقِّ نبيًا، لو لم يبقَ من الدُنيا إلا يومٌ واحد، لطوّلَ اللهُ ذلك اليومَ حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روحُ الله عيسى بن مريم فيُصلّي خلفه، وتُشرِق الأرضُ بنوره، ويبلغ سلطانه المشرقَ والمغرب.(1)

ولا يُمكِنُ أنْ يُسمّي الشخصُ نفسَه شيعيًا اثني عشريًا ما لم يؤمنْ بالأئمةِ عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ من أولِهم إلى مهديّهم، وقد رويَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ قَالَ: سَأَلْتُالشَّيْخَ [يعني الإمامَ الكاظمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ] عَنِ الأَئِمَّةِ عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ؟ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: مَنْ أَنْكَرَ وَاحِدًا مِنَ الأَحْيَاءِ، فَقَدْ أَنْكَرَ الأَمْوَاتَ.(2)

4/للإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ غيبتان، الأولى تُسمّى: القصيرة أو الصغرى، والثانية: الطويلة، أو الكبرى.

ص: 79


1- كمال الدين للشيخ الصدوق (ص 280 ب 24 ح2).
2- الكافي للكليني ج1 ص 373 بَابُ مَنِ ادَّعَى الإِمَامَةَ ولَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ ومَنْ جَحَدَ الأَئِمَّةَ أَوْ بَعْضَهُمْ ومَنْ أَثْبَتَ الإِمَامَةَ لِمَنْ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ- ح8.

قد أخبرَ بهما الأئمةُ عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ حتى قبلَ ولادةِ الإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ، فقد رويَ عن أبي بصير، عن أبي عبدِ الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، قال: قلتُ له: كانَ أبو جعفر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يقول: «لقائمِ آلِ محمّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ غيبتان، واحدةٌ طويلةٌ والأُخرىٰ قصيرة»، قال: فقال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لي: «نعم يا أبا بصير، إحداهما أطول من الأُخرىٰ» (1) .

وقد استمرّتِ الصُغرى ما يُقاربُ تسعًا وستين سنة وعدة أشهر، وكانَ الإمامُ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ خلالها يتواصل مع شيعتِه من خلالِ سفرائه الخاصّين الأربعة، وهم:

أ- الشيخ عثمان بن سعيد العمري الأسدي السمان.

بابنه: الشيخ محمد بن عثمان العمري الأسدي.

جالشيخ الحسين بن روح النوبختي.

د- الشيخ علي بن محمد السمري.

وكُلُّهم مدفونون في بغداد.

وأما في الغيبةِ الكُبرى، فإنَّ الإمامَ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ نصبَ الفقهاءَ ليكونوا مراجعَ في الإفتاءِ وتعليمِ الأحكامِ الشرعية، فقد جاءَ في توقيعِ الإمامِ الحجَّة عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلىٰ رواة حديثنا، فإنَّهم حجَّتي عليكم، وأنا حجَّة الله عليهم»(2) .

ص: 80


1- إعلام الورىٰ 2: 259.
2- كمال الدين: 484/ باب 45/ ح 4.

ومن قبله رويَ عن الإمام العسكري عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنَّه قال: «فأمَّا مَنْ كانَ من الفقهاءِ صائنًا لنفسه، حافظًا لدينه، مخالفًا علىٰ هواه، مطيعًا لأمر مولاه، فللعوامِّ أن يُقلِّدوه...»(1) .

ورويَ عن الإمامِ علي بن محمد الهادي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنَّه قال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «لولا من يبقىٰ بعد غيبةِ قائمكم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ من العلماء الداعين إليه، والدالّين عليه، والذابّين عن دينه بحُجج الله، والمُنقذين لضُعفاءِ عبادِ الله من شباكِ إبليس ومردته، ومن فخاخِ النواصب، لما بقيَ أحدٌ إلَّا ارتدَّ عن دينِ الله، ولكنَّهم الذين يُمسِكون أزمَّة قلوبِ ضعفاءِ الشيعة كما يُمسِكُ صاحبُ السفينةِ سكّانها، أُولئك هم الأفضلون عند الله عزّ وَجّل»(2) .

5/لقد غيّبَ اللهُ (تعالى) الإمامَ المهديَ عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ لعدّةِ أسباب، أهمّها حفظه من الأعداءِ إلى أنْ يحينَ موعدُ ظهورِه المُبارك، حسب ما تقتضيه الحكمةُ الإلهية، ولم يُتَحْ لنا أنْ نعرفَ وقتَ الظهورِ بالضبط، ولذا وردَالنهيُّ عن التوقيت، بأنْ يقولَ شخصٌ: إنَّ الإمامَ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ سيظهرُ في اليومِ الفُلاني، والشهر الفُلاني، والسنة الفلانية، بل وردَ الأمرُ بتكذيبِ كُلِّ من يدّعي التوقيت.

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِذْ دَخَلَ عَلَيْه مِهْزَمٌ، فَقَالَ لَه: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الأَمْرِ الَّذِي نَنْتَظِرُ مَتَى هُوَ؟ فَقَالَ: يَا مِهْزَمُ، كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ، وهَلَكَ الْمُسْتَعْجِلُونَ، ونَجَا الْمُسَلِّمُونَ».(3)

ص: 81


1- الاحتجاج للطبرسي 2: 263.
2- الاحتجاج للطبرسي 2: 260.
3- الكافي - الشيخ الكليني / ج 1 / ص 368 – 369 باب كراهية التوقيت، الحديث 2.

وعن محمدٍ بن مسلم، قال: «قالَ أبو عبدِ الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: يا محمد، من أخبركَ عنّا توقيتًا فلا تهابنّ أنْ تكذبه، فإنّا لا نوقّتُ لأحدٍ وقتًا».(1)

6/ نعم، وردَ عنهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ أنَّ هناك علاماتٍ تقعُ قبلَ أنْ يظهرَ الإمامُ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ، وإذا وقعتْ، سيكونُ الظهورُ قريبًا بعدها.

رويَ عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، قال: قلتُ له: جُعِلتُ فداك، متىٰ خروجُ القائم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ؟ فقال: «يا أبا محمّد، إنّا أهلُ بيتٍ لا نُوقِّت، وقد قالَ محمّد صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: كذبَ الوقّاتون. يا أبا محمّد، إنَّ قدّامَ هذا الأمرِ خمسَ علامات: أولاهُنَّ النداءُ في شهرِ رمضان، وخروجُ السفياني، وخروجُ الخُراساني، وقتلُ النفسِ الزكيَّة، وخسفُ بالبيداء»(2) .

وعن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «قبلَ قيامِ القائمِ خمسُ علاماتٍ محتومات:اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتلُ النفس الزكيَّة، والخسفُ بالبيداء»(3) .

وخُلاصةُ العلامات:

في شهرِ رجب، يقومُ ثلاثةُ رجالٍ في يومٍ واحد: السفياني، وهو من أعداءِ الإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ، يقومُ في الشام، فيُسيطرُ على مُدُنِ الشام، مثل سوريا والأردن وفلسطين.

ويقومُ اليماني في اليمن، والخُراساني في الشرق، وهذانِ من أنصارِ الإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ، وسيعملانِ على مُقاومةِ السُفياني والتقليل من نفوذه.

ص: 82


1- كتاب الغيبة / محمد بن إبراهيم النعماني / ص 300 الباب 16 الحديث 3.
2- الغيبة للنعماني: 301/ باب 26/ ح 6.
3- كمال الدين: 650/ باب 57/ ح 7.

والصيحةُ تقعُ في شهرِ رمضان المُبارك، ليلة الجمعةِ الثالث والعشرين منه، وسيُنادي جبرئيل بصوتٍ يسمعُه جميعُ الناسِ على الأرض، أنَّ الحقَّ مع الإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ وأولادِ أميرِ المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وسيعملُ الشيطانُ على تضليلِ الناسِ؛ لأنّه يُنادي في اليومِ الثاني عصرًا بنداءِ أنَّ الحقَّ مع أعداءِ أميرِ المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

وسيعلمُ السفياني بوجودِ الإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ في المدينةِ المنورة، فيرسل قسمًا من جيشه خلفه ليقتلوه، فيخرج الإمامُ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ من المدينةِ إلى مكة المكرمة، فيلحقه الجيشُ، وفي منطقةِ البيداء، يأمرُ اللهُ (تعالى) جبرئيل بالخسفِ في هذا الجيشِ كله، فيموتون.

وقبلَ ظهورِ الإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ بخمسَ عشرة ليلة، يُرسِلُ أحدَ أتباعهالمخلصين، وهو النفس الزكية، إلى أهلِ مكة، يدعوهم لنُصرته عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ، ولكن أهل مكة يقتلونه في المسجدِ الحرام، عند الكعبةِ المشرفة، وبعدها بخمسة عشريومًا يُعلِنُ الإمامُ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ عن ظهوره الرسمي في مكة المكرمة، عند الكعبة المشرفة، في العاشر من محرم الحرام، وينطلقُ منها لتخليصِ الأرضِ والناسِ من الظلم والظالمين.

فتلخّصَ:

1/ أنَّ الإمامَ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ هو الإمامُ الثاني عشر من أئمةِ أهلِ البيتِ عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ الذي جعلهم اللهُ (تعالى) أئمةً وسادةً وقادة علينا.

2/وُلِدَ الإمامُ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ سنة 255 للهجرة، وما زالَ حيًا، إلى أنْ يُظهِرَه اللهُ (تعالى)، وهذا أمرٌ ليس مستحيلًا على قدرةِ الله (تعالى).

ص: 83

3/إنَّ القرآنَ الكريمَ أكّدَ على قضيةِ الإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ في آياتٍ كثيرة، والنصوصُ الروائيةُ كثيرةٌ جدًا فيها، ممّا يعني ضرورةَ الإيمانِ به عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ، وأنَّ عدمَ الإيمانِ به يُعدُّ تكذيبًا لله (تعالى) ولرسوله الكريم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

4/لقد غابَ الإمامُ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ غيبتين: صُغرى، وقد انتهتْ بوفاة السفيرِ الرابع، وكُبرى، ونحنُ نعيشُ أيامها.

5/نحنُ مأمورون بالرجوعِ إلى الفقهاءِ في زمنِ الغيبةِ الكُبرى لمعرفةِ أحكامِ دينِنا؛ لأنّهم المُتخصِّصون في معرفةِ ذلك، كما نرجعُ إلى الطبيبِ – مثلًا- في اختصاصِه.6/لا يحقُّ لأحدٍ أنْ يُعيَّنَ وقت ظهورٍ للإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ، ومن يفعل ذلك فعلينا أنْ نُكذّبه.

7/ هناك علاماتٌ حتميةٌ تقعُ قبل الظهور، وهي أشبهُ بالمُنبِّهاتِ على أنَّ الظهورَ قد اقترب، ليزيد المؤمنون من استعدادِهم لنُصرةِ مولاهم الحُجة عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ.

ص: 84

أسئلةُ الدرس:

السؤال الأول: من هو المهديُّ؟

السؤال الثاني: تحدّث عن علامات الظهور؟

السؤال الثالث: للإمام المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ غيبتان، تحدّث عنهما.

السؤال الرابع: من هم السفراء الأربعة؟ وما كانت مهمتهم؟

***

ص: 85

الدرس الرابع عشر الرجعة

اشارة

قال (تعالى): «وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ» (النمل: 83).

هنا نقاط:

النقطة الأولى: معنى الرجعة:

عندما يظهرُ الإمامُ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ، فإنَّ اللهَ (تعالى) سيُحيي بعضَ الأموات، ليرجعوا من قبورهم، ويُكمِلوا حياةً جديدة، يموتون بعدها، ثم يُحيون في يومِ القيامة.

فللرجعةِ مُميّزاتٌ عديدةٌ تُميّزُها عن يومِ القيامة، منها:

1/إنّها إحياءُ بعضِ الأمواتِ قبلَ يومِ القيامة، وليست إحياءَ جميعِ الأموات، فهذا سيحصلُ في يومِ القيامة.

2/إنّها رجوعٌ إلى عالمِ الدنيا، وليستْ بعثًا إلى يومِ القيامة.

3/إنَّ الراجعين فيها ليسوا خالدين، وإنّما سيموتون مرّةً أخرى، وأمّا في يومِ القيامة، فإنَّ من يُبعثُ سيكونُ خالدًا بإذنِ اللهِ (تعالى)، إمّا في الجنة، وإمّا في النار والعياذ بالله.

ص: 86

النقطة الثانية: هل الرجعة ممكنة؟

قد يستغربُ البعضُ من إحياءِ بعضِ الأمواتِ وإرجاعِهم إلى الدنيا، فيتساءلون: كيفَ سيتحقّقُ ذلك، والحالُ أنَّ الترابَ قد أكلَ أبدانهم، وربما لو فتحنا قبرَ أحدِهم لما وجدنا شيئًا من بدنه؟

ولكنَّ الجوابَ واضحٌ جدًا؛ لأنَّ إرجاعَ الأمواتِ ليس بأصعب من خلقِ الإنسانِ من اللاشيء، فاللهُ (تعالى) أوجدَنا من العدم، فلا يصعُبُ عليه أنْ يُرجعَنا بعدَ موتِنا، حتى ولو تحلّلتْ أبدانُنا وتحوّلتْ إلى تراب.

ليس هذا فحسب، بل إنَّ القرآنَ الكريم يذكرُ في آياتٍ عديدة، أنَّ إرجاعَ بعضِ الأموات إلى الحياةِ هو أمرٌ مُمكِنٌ حتى لبعضِ البشر، بشرطِ أنْ يأذنَ اللهُ (تعالى) له في ذلك، ويُعطيه القدرةَ على ذلك، فهذا نبيُّ اللهِ عيسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كانَ يُحيي الموتى بإذنِ اللهِ (تعالى).

قال (تعالى) في حقِّ النبي عيسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «وَرَسُولاً إِلىٰ بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتىٰ بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» (آل عمران: 49).

وروي عن أبي محمد -يعني أبا بصير- قال: قال لي أبو جعفر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: يُنكر أهل العراق الرجعة؟ قلت: نعم. قال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: أما يقرؤون القرآن: «وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ».(1)

ص: 87


1- مختصر بصائر الدرجات/ للحسن بن سليمان الحلي: (ص25).

بل إنَّ القرآنَ المجيد ذكرَ حديثَ بعضِ الراجعين إلى الدُنيا، وأنّهم يطلبون من اللهِ (تعالى) في يومِ القيامةِ أنْ يُخرجَهم من النار ليؤمنوا وليعملوا صالحًا، قال (تعالى): «قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلىٰ خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ» (غافر: 11).

هؤلاء يقولون: ربّنا إنّك أجريتَ الموتَ علينا مرّتين، والحياةَ مرّتين: فالحياةُ الأولى هي عندما خرجوا من بطونِ أُمّهاتِهم إلى الدنيا، وعندما ماتوا، فهذه هي الموتةُ الأولى، ثم أرجعهم اللهُ (تعالى) إلى الدنيا، فهذه الحياةُ الثانية، ثم أماتهم، فهذه هي الموتةُ الثانية، فيطلبون بعد هذا أن يُخرجهم الله تبارك وتعالى من النار، لعلهم يعملون صالحاً، لأنهم عرفوا قدرة الله تعالى على ذلك.

النقطة الثالثة: من هم الذين يرجعون؟

صرّحتْ بعضُ الرواياتِ الشريفةِ أنَّ الرجعةَ ليستْ عامةً لجميعِ البشر، وإنّما هي خاصةٌ لبعضٍ منهم، فقد رويَ عن أبي عبدِ الله الإمام الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنّه قال: أولُ من تنشقُّ الأرضُ عنه ويرجعُ إلى الدنيا الحسينُ بن علي ݟ، وإنَّ الرجعةَ ليستْ بعامةٍ، وهي خاصةٌ، لا يرجعُ إلا من مَحَضَ الإيمانَ محضًا، أو مَحَضَ الشركَ محضًا.

وقد ذكرتْ بعضُ النصوصِ أسماءَ بعضِ الراجعين، من قبيل:ما روي عن الإمامِ الباقرِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنّه قال -لبكير بن أعين:«إنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وعليًا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سيرجعان».(1)

ص: 88


1- مختصر بصائر الدرجات - الحسن بن سليمان الحلي - ص 37.

وفي روايةِ الإرشادِ عن الإمامِ الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «يُخرجُ القائمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ من ظهرِ الكوفةِ سبعة وعشرين رجلًا، خمسة عشر من قومِ موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ الذين كانوا يهدون بالحقِّ وبه يعدلون، وسبعة من أهلِ الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبا دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالكا الأشتر، فيكونون بين يديه أنصارًا وحكامًا»(1) .

النقطة الرابعة: فلسفة الرجعة:

ذكر العلماءُ العديدَ من النكاتِ والحِكَمِ للرجعةِ في الدُنيا، نذكرُ منها:

1-هي دليلٌ آخرُ على إمكانِ وقوعِ البعثِ يومَ القيامة.

2- هي فرصةٌ لتكامُلِ المؤمنين الذين حالتِ الظروفُ دونَ وصولِهم إلى كمالِهم الذي كانَ من المُمكنِ أنْ يصلوا إليه.

3- هي انتقامٌ مُعجَّلٌ لأولئك الظلمة الذين ماتوا من دونِ أنْ يؤخَذَ الحقُّ منهم.

4- إنَّ كثيرًا ممّن يرجعون ستكونُ لهم أدوارٌ مُهمةٌ في دولةِ الإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ، ولذلك نجدُ الترابُطَ واضحًا بين الرجعةِ ودولةِ الإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ.

فتلخّص:

1/ إنَّ الرجعةَ هي رجوعُ بعضِ الأمواتِ إلى عالمِ الدنيا، ليعيشوا فترةً من الزمن، ثم يموتون إلى يوم القيامة.

ص: 89


1- الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص386.

2/ إنَّ الرجعةَ مُمكنةٌ، وليستْ مُستحيلةً على قُدرةِ الله (تعالى).

3/ إنَّ الرجعةَ خاصةٌ وليست عامةً، يرجعُ من محضَ الإيمانَ محضًا، ومن محضَ الكُفرَ محضًا.

4/ إنَّ الرجعةَ دليلٌ على إمكانِ يوم القيامة.

5/ إنَّ الإمامَ الحسينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سيرجعُ ليحكمَ الأرضَ بعد الإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ.

6/ إنَّ الراجعين سيكونُ لهم دورٌ في دولةِ الإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ إن كانوا مؤمنين، وستتمُّ مُحاكمتُهم مُحاكمةً أوليةً في الدُنيا قبلَ الآخرة إنْ كانوا غير مؤمنين.

أسئلةُ الدرس:

السؤال الأول: ما معنى الرجعة؟ وهل هي ممكنة؟

السؤال الثاني: ما الذي يميّزُ الرجعة عن يوم القيامة؟

السؤال الثالث: من هم الذين يرجعون؟

السؤال الرابع: ما الفلسفة من الرجعة؟

***

ص: 90

الدرس الخامس عشر المعاد (1)

اشارة

قال (تعالى): ﴿يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾

(الانشقاق: 6).

وهنا نقاطٌ عديدةٌ:

النقطة الأولى: عالم الآخرة/ المعاد/ الخلود:

وهو (عود أرواح الناس إلى أبدانهم بعد الموت، حيث يقومُ الناسُ للهِ ربِّ العالمين، ويُجازون على أعمالهم الحسنةِ والسيئة، في اليومِ الموعود، وسيكون المصيرُ إلى الجنةِ أو النار.)(1)

وفي اعتقادِنا –نحنُ الإلهيين- أنَّ يومَ القيامة يتصفُ بأنّه يومُ مصيرِ الناسِ ومرجعهم النهائي، وأنّه اليومُ الذي سيتمُّ فيه الحسابُ، وأنّه سيكونُ مهولًا مخوفًا على الظالمين والكافرين، لما سيجدونه من المصيرِ السيئ في الوقتِ الذي يكونُ يومَ سرورٍ وفرحٍ للمؤمنين، لما يرونه من مصيرٍ جميلٍ وحسن.

النقطة الثانية: ضرورةُ المعاد:

ما الداعي للمعاد ولعالم الآخرة؟

ألا يكفي أنْ نعيشَ الدنيا، ونموتَ، وينتهي الأمر؟

ص: 91


1- الحقائق والدقائق في المعارف الإلهية- ج7 ص 11و 12 بتصرف.

في الحقيقة، أنَّ لعالمِ الآخرةِ دواعي عديدة، نذكر منها اثنين:

الداعي الأول: أنَّ الحكمةَ تقتضي وجود عالمٍ آخر.

لا شكَّ أنَّ اللهَ (تبارك وتعالى) قادرٌ حكيم، ولا شكَّ أنّه (تعالى) يعلمُ بما يجري من البشر، وهو (تعالى) لا يرضى بالظلم والاعتداء وأخذ حقوقِ الآخرين عدوانًا، وهو (تعالى)، -لعدله، وقدرته، وحكمته،يستطيعُ أنْ يأخذَ الحقَّ من الظالم، وأنْ يُعاقبَه، وأنْ ينصرَ عبادَه في الدُنيا، بحيث لا يتركُ مجالًا للظالمين أنْ يعتدوا على غيرهم.

ولكنّه (تعالى) لم يفعلْ ذلك، فنحنُ نرى الظالمين ما زالوا يطغون في الأرض، ونرى الكثيرَ من أصحابِ الحقوقِ لا يحصلون على حقوقِهم إلى أنْ يموتوا، ونرى الظالمين يموتون من دونِ أنْ يحصلوا على عقابِ أعمالهم.

وإذا سألَ أحدُهم: لماذا لا يُعاقبُ اللهُ (تعالى) الظالمين مباشرة؟

فالجواب:

لأنّه (تعالى) -باختصار- يُمهِلُ ولا يُهمل، فإنّه قد يُمهِلُ الظالمَ فيؤخِّرُ عقوبته، وربما يؤخّرها إلى يومِ القيامةِ، ولكنّه لا يهملُ عقابَه قط، فيُعاقبُه لاحقًا في الدُنيا، وإلا ففي يومِ القيامة، حيثُ العذاب الأليم، وربما المقيم،قال (تعالى): ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا. اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾(1)

ص: 92


1- الإسراء : (13و14).

وفي آيةٍ أخرى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾(1) .

كما وردَ في الرواياتِ أنَّ على الصراط عقبةً تُسمّى المرصاد لا يجوزُها عبدٌ بمظلمةٍ، فقد رويَ عنْ أَبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي قَوْلِ الله (تعالى): ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ﴾(2)

قَالَ: «قَنْطَرَةٌ عَلَى الصِّرَاطِ لَا يَجُوزُهَا عَبْدٌ بِمَظْلِمَةٍ».(3)

فما دامَ هناك يومُ القيامة، وما دامَ الظالمُ لا يستطيعُ أنْ يُفلتَ من قدرةِ اللهِ (تعالى)، فحتى لو لم يُحاسِبْه في الدنيا، فإنّه تعالى سيُحاسِبُه في الآخرة.

خصوصًا إذا تذّكرنا أنّ عالمَ الدنيا هو عالمُ الاختبارِ والامتحان، وأنَّ الجزاءَ هو في الآخرة، وقد قالَ رسولُ الله الأعظم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: «... فإنَّكم اليومَفي دارِ عملٍ ولا حساب، وأنتم غدًا في دارِ حسابٍ ولا عمل»(4) .

وهذا يعني: أنَّ على المؤمنِ أنْ يعيشَ في الحياةِ بحسبِ القانونِ الإلهي، وإذا ظلمَه أحدُهم، فلا يعني هذا أنّه لا يأخذُ حقَّه، بل له أنْ يأخذَ حقَّه بالطريقِ الذي يرضاه الله (تعالى)، ولكن لو عجزَ عن أخذِ حقِّه، إمّا لعدمِ معرفةِ مَنْ أخذَ حقَّه –كالسارق المجهول،أو لأنَّ الظالمَ أقوى من المؤمن، فإنَّ المؤمنَ لن ييأسَ من

ص: 93


1- الكهف: (49).
2- الفجر: (14).
3- الكافي للكليني ج2 ص331 باب الظلم ح2.
4- الخصال: 51/ ح 62.

رحمةِ اللهِ (تعالى)، ولن يُصيبَه الإحباط؛ لأنّه يعرفُ أنَّ اللهَ (تعالى) سيأخذ له حقَّه يومَ القيامة، ويُجازيه أفضلَ الجزاء.

فالمعادُ إذًا ممّا يجعلُ المؤمنَ مُطمئنًا بعدمِ ضياعِ حقوقِه لو لم يستطعْ انْ يأخذَها بالطريقِ الحق.

وفي نفسِ الوقتِ، فإنَّ المؤمنَ إذا علِمَ بيومِ القيامة، وأنَّ اللهَ (تعالى) لن يتركَ عملًا من دون حساب، فإنّه سيلتزمُ بالحق، ولا يميلُ إلى الباطل، خوفًا من العقابِ الإلهي الذي لا يستطيعُ الإنسانُ الضعيفُ أنْ يتحمَّلَ جزءًا يسيرًا جدًا منه.

يقولُ أميرُ المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «وَاعْلَمُوا أَنَّه لَيْسَ لِهَذَا الْجِلْدِ الرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَىٰ النَّارِ، فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ، فَإِنَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ الدُّنْيَا، أَفَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ الشَّوْكَةِ تُصِيبُه، وَالْعَثْرَةِ تُدْمِيه، وَالرَّمْضَاءِ تُحْرِقُه؟ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نَارٍ، ضَجِيعَ حَجَرٍ وَقَرِينَ شَيْطَانٍ؟أَعَلِمْتُمْ أَنَّ مَالِكًا إِذَا غَضِبَ عَلَىٰ النَّارِ حَطَمَ بَعْضُهَا بَعْضًا لِغَضَبِه، وَإِذَا زَجَرَهَا تَوَثَّبَتْ بَيْنَ أَبْوَابِهَا جَزَعًا مِنْ زَجْرَتِه؟...»(1) .

الداعي الثاني: أنَّ القرآنَ وعَدَ بيومِ القيامة:

إنَّ اللهَ (تعالى) قد وعدَ في القرآنِ الكريم، بأنّه لا بُدَّ من عالمِ الآخرة، ليُجازيَ المؤمنَ وغيره، كلّ فردٍ حسب عمله، فلو متنا ولم نجدْ عالمَ الآخرة، لكانّ هذا خلفًا بالوعدِ من اللهِ (تعالى)، واللهُ (تعالى) لا يُخلِفُ وعدَه أبدًا؛ لأنَّ خلفَ الوعدِ قبيحٌ، واللهُ (تعالى) لا يفعلُ القبيح.

ص: 94


1- نهج البلاغة: 267/ الخطبة 183.

والآياتُ التي ذكرتْ هذا المعنى كثيرةٌ، منها قوله (تعالى): «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ 20 وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ 21 لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ 22 وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ 23 أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ 24 مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ 25 الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ 26 قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ 27 قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ 28 ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ 29 يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأَْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ 30 وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ 31 هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ 32مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ 33 ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ 34 لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ» (ق: 20– 35).

وقال (تعالى): «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ 1 يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَىٰ النَّاسَ سُكارىٰ وَما هُمْ بِسُكارىٰ وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ» (الحج: 1 -2).

وقال (تعالى): «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ 24 يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ» (النور: 24 – 25).

ص: 95

فتلخَّصَ:

1/ أنَّ يومَ القيامةِ أمرٌ ضروري؛ لأنَّ الحكمةَ تقتضيه؛ لأنّ اللهَ (تعالى) عادلٌ حكيمٌ قادر، فلا بُدَّ أنْ يُحاسبَ الظالمَ على ظلمه، ويُثيبَ المؤمنَ على التزامه بالدين، واللهُ (تعالى) لا يُساوي بينَ المؤمن وبين الكافر.

2/ أنَّ اللهَ (تعالى) يُمهل ولا يُهمل؛ لأنّه (تعالى) لا يخافُ أنْ يهرب منه عبده.

3/أنَّ اللهَ (تعالى) وعدَ بوجودِ يومِ القيامة، واللهُ (تعالى) لا يُخلِفُ الميعاد.

4/ أن الإيمان بالمعاد، يوجب التزام المؤمن بالنظام الديني، ويحافظعلى الناس من حدوث الفوضى العقائدية أو السلوكية، فمن يعرف أن وراءه حساب، يخف من العقاب، كما لو دخل السارق إلى مكان ليسرقه فرأى كاميرا تسجل حركته، فإن الخوف لا شك سيدبّ إلى قلبه، وربما ترك السرقة وهرب..

ص: 96

أسئلةُ الدرس:

السؤال الأول: ما الداعي للمعاد ولعالم الآخرة؟

السؤال الثاني: (المعادُ ممّا يجعلُ المؤمنَ مُطمئنًا بعدمِ ضياعِ حقوقِه لو لم يستطعْ انْ يأخذَها بالطريقِ الحق). وضّح العبارة.

السؤال الثالث: لماذا لا يُعاقبُ اللهُ (تعالى) الظالمين مباشرة؟

السؤال الرابع: كيف يمكنُ للمسلم أنْ يلتزم جادةَ الصواب عن طريقِ الاعتقاد بيوم الحساب؟

***

ص: 97

الدرس السادس عشر المعاد (3)

اشارة

قال (تعالى):َ «يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» (الأعراف: 187).

النقطة الثالثة: متى تقع القيامة؟

في البدايةِ لا بُدَّ أنْ يكونَ واضحًا، أنَّ علمَ الإنسانِ محدودٌ جدًا، خصوصًا فيما يتعلق بالأمور الغيبية والمستقبلية، والتي لا يُدركها بحواسه، هذا أولًا.

وثانيًا: هناك الكثير من الأمور التي يشهدُ الواقعُ على أنْ ليس للإنسان فيها علمٌ قطعي، فهو لا يستطيعُ أنْ يُدركَها إلا إذا وقعتْ أمامه، أو أخبرَه بها من عنده اطلاعٌ على الغيب، وهو الله (تبارك وتعالى)، فيما أخبرَ به في كتابِه المجيد، أو أخبرَ به المعصومون عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ، لأنَّ علمَهم من علم الله (تعالى).

ومن تلك المفردات التالي:

المفردة الأولى: لحظة الموت:

فلا أحدَ منّا –نحنُ غير المعصومين- يعلمُ بلحظةِ وفاته، وكم رأينا أناسًا مرضى، توقعنا لهم الموت، ولكنّ عمرَهم طالَ أكثر ممّا كنّا نتوقع.

ص: 98

المفردة الثانية: الرزق المستقبلي:

سواء أكانَ من نوعِ الطعام، أم الأموال، أم حتى الذُرّية، فنحنُ لا نعلمُ كُلَّ هذه الأمور إلا إذا وقعت.

المفردة الثالثة: يوم القيامة:

فلا احدَ منّا يعرفُ متى تقعُ القيامةُ وعالمُ الآخرة، بل هذا أمرٌ لا يعلمُه إلا اللهُ (تبارك وتعالى).

وإلى هذه المفرداتِ الثلاثةِ أشارَ قولُه (تعالى): «إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (لقمان: 34).

المفردة الرابعة: ظهور الإمام المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ:

فإنَّ الرواياتِ تؤكِّدُ أنَّ لحظةَ الظهورِ لا يعلمُ بها إلا اللهُ (تبارك وتعالى)، ولذلك وردَ النهيُّ عن التوقيتِ كما تقدّم، لأنّه قولٌ بلا علم.

فقد رويَ أنَّ النبيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قيل له: يا رسولَ الله، متى يخرجُ القائمُ من ذُرّيتك؟ قال: مثله مثل الساعة «لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً» (الأعراف: 187).

فتبيّنَ: أنَّ ساعةَ قيامِ القيامة أمرٌ لا يعلمُه إلا اللهُ (تبارك وتعالى).نعم، رغم أنّنا لا نعلمُ بساعةِ القيامة، إلا أنَّ بعضَ الرواياتِ ذكرتْ أنَّ هناك أشراطًا وعلاماتٍ تكونُ قبلها، فما هي تلك العلامات؟

ص: 99

النقطة الرابعة: أشرط الساعة:

اشارة

إنَّ الرواياتِ ذكرتْ بعضَ الأمور، سمّتها بأشراطِ الساعة، وهي علاماتٌ تدلُّ على قُربِ القيامة، مع الالتفاتِ إلى أنَّ المقصودَ بالقُربِ ليس أنَّ القيامةَ تقعُ بعد تلك العلاماتِ مباشرة، وإنّما المقصودُ أنَّ الزمانَ هو آخرُ الزمان، وأنَّ القيامةَ صارتْ قريبةً بالنسبةِ إلى عمر الوجود.

ما أشراطُ وعلاماتُ الساعة؟

أشراطٌ جمعُ (شَرَط) بالفتحِ وهي العلامة، فأشراطُ الساعة يعني علاماتها.

جاءَ في العديدِ من الرواياتِ لدى الفريقين أنَّ للساعةِ -أيّ يوم القيامة- أشراطًا وعلاماتٍ لا بدَّ أنْ تقع قبل قيامها.

والأشراطُ والعلاماتُ عديدةٌ، نذكرُ منها –على نحو الإجمال- التالي(1) .

الأولى: طلوع الشمس من مغربها:

يُمكنُ تفسيرُ ذلك بتفسيرين:

التفسير الأول: أنَّ الشمسَ تخرجُ من غربِ الأرضِ لا من شرقها، وهذه يُمكِنُ أنْ تكونَ بقدرةِ اللهِ (تعالى)؛ لأنَّ اللهَ (تعالى) قادرٌ على كُلِّ شيء.

ص: 100


1- روي عن رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أنَّه قال: «إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ اَلسَّاعَةَ حَتَّىٰ تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ: طُلُوعَ اَلشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَاَلدَّجَّالَ، وَدَابَّةَ اَلْأَرْضِ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ فِي اَلْأَرْضِ: خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ اَلْعَرَبِ، وَخُرُوجُ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَخُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَتَكُونُ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ اَلْيَمَنِ مِنْ قَعْرِ اَلْأَرْضِ لَا تَدَعُ خَلْفَهَا أَحَدًا تَسُوقُ اَلنَّاسَ إِلَىٰ اَلمَحْشَرِ كُلَّمَا قَامُوا قَامَتْ لَهُمْ تَسُوقُهُمْ إِلَىٰ اَلمَحْشَرِ» الخصال (ص 449/ ح 52). والرواية ذكرت تسعة، لا عشرة، وهناك روايات أخرى ذكرت (الدخان) كعلامة من علامات القيامة.

التفسير الثاني: أنَّ المقصودَ هو ظهورُ الإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ من غيبته، فهو الشمس، والمغرب بمعنى الغيبة؛ لأنّه الوقتُ الذي تغيبُ فيه الشمس، فيكونُ تعبيرُ (خروج الشمس من مغربها) كنايةً عن ظهورِ الإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ من غيبته.

روي عن النزال بن سبرة، عن أميرِ المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في حديثٍ يذكرُ فيه أمرَ الدجّال ويقول في آخره:

لا تسألوني عمَّا يكونُ بعدَ هذا، فإنّه عهِدَ إليّ حبيبي صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أنْ لا أخبرَ به غيرَ عترتي. قال النزال بن سبرة: فقلتُ لصعصعة بن صوحان: ما عنى أميرُ المؤمنين بهذا القول؟

فقال صعصعة: يا بن سبرة إنَّ الذي يُصلّي عيسى بن مريم خلفه هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن علي ݟ، وهو الشمسُ الطالعةُ من مغربها، يظهرُ عندَ الركن والمقام، فيُطهِّرُ الأرضَ ويضعُ الميزانَ بالقِسطِ فلا يظلمُ أحدٌ أحدًا...(1)

الثانية: اَلدَّجَّالُ:

حركةٌ شيطانيةٌ، تسعى إلى إضلالِ الناس، وغوايتهم، وإبعادِهم عن الحق، وقد ذكرتِ الرواياتُ أنّه أعور، وأنّه يدّعي الربوبية، ولكنّه لا يستطيعُ أنْ يُضلّ المؤمنين؛ لأنّهم يعرفون أنّه باطلٌ من خلالِ تصرفاته وأفعاله.

ويمكن القول: إنَّ قوى الكفر والضلالِ يُمكِنُ أنْ تكونَ هي الدجال، فهو ليس كالسفياني، في كونه رجلًا حقيقيًا –كما تقدّم،وإنّما هو تعبيرٌ عن حركةٍ شيطانيةٍ تستعملُ مُختلفَ الأساليبِ لإضلالِ الناس.

ص: 101


1- كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: (ص77 – 78 باب 47 ح 1).

وتذكرُ الرواياتُ أنَّ النبيَّ عيسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بعدَ أنْ ينزلَ فإنّه يقتلُ الدجال.

الثالثة: دَابَّةُ اَلْأَرْضِ:

الدابةُ هي ما يدبُّ على الأرض، وهي بهذا المعنى تشملُ الإنسانَ والحيوانَ ممّا يمشي على الأرض.

وإلى هذه العلامة يُشيرُ قوله (تعالى): «وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ» (النمل: 82).

وقد نصّتِ الرواياتُ الشريفةُ على أنَّ المقصودَ من دابةِ الأرضِ هو أميرُ المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يخرجُ في الرجعةِ في آخرِ الزمان، ويعملُ على قتلِ الكافرين والمُشركين والمنافقين.

رويَ عن أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قوله: وأنا دابةُ الأرض، وأنا قسيمُ النار،وأنا خازنُ الجنان، وصاحبُ الأعراف.(1)

وفي روايةِ أبي عبدِ اللهِ الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنّ رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قال: يا عل، إذا كانَ آخرُ الزمانِ أخرجَك اللهُ في أحسنِ صورةٍ، ومعك ميسمٌ تسم به أعداءك...»(2) .

الرابعة: خُرُوجُ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ݟ:

تؤكِّدُ الرواياتُ أنَّ النبيَّ عيسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سينزلُ من السماءِ في آخرِ الزمان، وسيُصلّي خلفَ الإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ، وسيكونُ لذلك أثرٌ مهمٌ في هدايةِ الكثيرِ من الناس، خصوصًا المؤمنين به عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

ص: 102


1- مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص34.
2- مختصر بصائر الدرجات للحلي ص 43.

روي عن الإمام الباقر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «إنَّ عيسى ينزلُ قبلَ يومِ القيامةِ إلى الدُنيا، فلا يبقى أهلُ ملةٍ يهودي ولا نصراني إلّا آمنَ به قبلَ موته، ويُصلّي خلفَ المهدي».(1)

فتلخّصَ:

1/ إنَّ الإنسانَ لا يعلمُ الكثيرَ من الأمور، ومنها: أنّه لا يعلمُ ساعةَ وفاته، ولا رزقه، ولا ظهور المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ، ولا يوم القيامة.

2/ كما كانتْ هناك علاماتٌ لظهورِ الإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ تدلُّ على قُربِ ظهوره، كذلك كانتْ هناك علاماتٌ ليومِ القيامة.

3/ إنَّ علاماتِ القيامة تُسمّى بأشراط الساعة، وهي عشرةٌ، ومنها:ظهورُ الشمس من مغربها، وهو ما يُمكِنُ أنْ يُفسَّرَ بظهورِ الإمام المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ بعد غيبته، كما دلّتْ على ذلك بعضُ الروايات.

4/ إنَّ النبيَّ عيسى ينزلُ آخرَ الزمان، ويُصلّي خلفَ الإمامِ المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ، وهو الذي يقتلُ الدجّال، الذي هو حركةٌ منحرفةٌ، تُريدُ إضلالَ الناس.

5/ إنَّ أميرَ المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يرجعُ في آخرِ الزمانِ، وهو الذي سمّاه القرآنُ الكريمُ بدابة الأرض.

ص: 103


1- تفسير القمي لعلي بن إبراهيم القمي: ج1، ص158.

أسئلة الدرس:

السؤال الأول: ما المقصود بأشراط وعلامات الساعة؟ اذكر بعضاً منها مع التوضيح الموجز.

السؤال الثاني: بِمَ فُسِّرَ طلوع الشمس من المغرب؟

السؤال الثالث: هناك مفرداتٌ اقتضتْ حكمةُ الله (تعالى) إخفاءها عن الإنسان، ما هي؟ وما الثمرةُ التربوية المترتبة على كُلٍّ منها؟

***

ص: 104

الدرس السابع عشر المعاد (4)

اشارة

قال (تعالى): «وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ» (النمل: 87).

النقطة الخامسة: كيف تقوم القيامة؟

اشارة

من خلالِ تتبُّعِ الآياتِ والروايات، يُمكِنُ أنْ نقول: إنَّ قيامَ القيامةِ يكونُ –على- نحوِ الإجمال- كالتالي:

أولًا: أنَّ الحُجّةَ يُرفَعُ من الأرض:

تؤكِّدُ الكثيرُ من الرواياتِ الشريفةِ على أنَّ وجودَ الحُجّةِ، أي الإمامَ المنصوبَ من الله (تعالى) على الأرض، هو أمانٌ لأهلِ الأرض، وأنّه لولا وجوده لانتهتِ الحياة، فقد وردَ عن أبي جعفر ݟ: «لَوْ أَنَّ الإِمَامَ رُفِعَ مِنَ الأَرْضِ سَاعَةً لَمَاجَتْ بِأَهْلِهَا كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ بِأَهْلِه»(1) .

ومن هُنا وردَ أنَّ القيامةَ تقومُ بعدَ أنْ يرفعَ اللهُ (تعالى) الحُجّةَ من الأرضِ بأربعين يومًا فقط.

فقد رويَ عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال: «ما زالتِ الأرضُ ولله فيها حُجّةٌ يعرفُ الحلال والحرام، ويدعو إلى سبيلِ الله، ولا ينقطعُ الحُجّةُ من الأرضِ إلا

ص: 105


1- بصائر الدرجات للصفّار: 508/ ج 10/ باب 12/ ح 3.

أربعين يومًا قبلَ يوم القيامة، فإذا رُفِعتِ الحُجّةُ أُغلِقَ بابُ التوبةِ، ولم ينفعْ نفسًا إيمانُها لم تكنْ آمنتْ من قبل أنْ ترفعَ الحُجّةُ، وأولئك شرار من خلق الله، وهم الذين تقومُ عليهم القيامة».(1)

ثانيًا: وقوع أحداثٍ كونيةٍ مُتعدِّدة:

ونذكرُ منها الأحداثَ التالية:

الحدث الأول: تلاشي الجبال:

لقد وردَ هذا الموضوعُ في آياتٍ مُتعدِّدةٍ من القرآنِ الكريمِ، وذُكِرتْ له صورٌ عديدةٌ ومختلفةٌ، من قبيل:

- اهتزازُ الجبال: «يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرضُ وَالْجِبالُ» (لمزمل: 14).

- قلعُها: «وَحُمِلَتِ الْأَرضُ وَالْجِبالُ» (الحاقة: 14).

- تسييرُها: «وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً» (الطور:10).

- الدكُّ والهدمُ: «فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً» (لحاقة: 14).

- تصبحُ الجبالُ كالكثبانِ المُتراكمة: «وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً» (المزمل: 14).

- تصبحُ الجبالُ كالغُبارِ المُتفرِّق: «وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا 5 فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا» (الواقعة: 5 و 6).

- تكونُ الجبالُ كالعِهنِ المنفوشِ، أيّ كالصوفِ المندوفِ المُتطاير في الريحِ الشديدةِ ولا يرى في السماء إلّا لونُها: «وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ» (القارعة: 5).

ص: 106


1- المحاسن للبرقي ج1 ص 236 باب 22 باب حجج الله على خلقه ح202.

- تلاشي الجبالِ ولا يبقى منها إلّا شبحٌ كشبحِ سرابٍ في صحراء قفر: «وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً» (النبأ: 20).

وهكذا سوف تزولُ الجبالُ تمامًا ولا يبقى منها أيُّ أثرٍ وتُبدّل إلى أرضٍ مستويةٍ لا نرى فيها عوجًا ولا أمتًا: «فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً» (طه: 106).

الحدث الثاني: انفجار البحار:

قال تعالى: «وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ» (الانفطار: 3).، وقال (تعالى) في موضعٍ آخر: «وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ» (التكوير: 6).

الحدث الثالث: الزلزالُ العظيم المدمِّر:

حدوثُ زلزلةٍ عظيمةٍ ليس لها نظيرٌ بحيث تهزُّ جميعَ أنحاءِ العالم فتُدمِّرُ كُلَّ شيءٍ.

يقول القرآن: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ 1 يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَىٰ النَّاسَ سُكارىٰ وَما هُمْ بِسُكارىٰ وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ» (الحج:1 و 2).

الحدث الرابع: ذهابُ ضوءِ الشمس والقمر والكواكب:

قال تعالى: «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ 1 وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ» (التكوير:1و 2)، فيذهبُ ضوءُ الشمسِ بالتدريجِ وتعمُّ الظلمة.

ثالثا: النفخ في الصور:

لقد بيّنَ القرآنُ الكريمُ أنَّ النفخَ في الصورِ يكونُ على مرحلتين:

ص: 107

الأولى: قبلَ يومِ البعثِ والحساب، حيثُ يموتُ بها كُلُّ الأحياء إلا من شاءَ اللهُ (تعالى). قال (تعالى): «وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ» (النمل: 87).

والثانية: نفخةُ الإحياءِ حيثُ يقومُ الجميعُ لربِّ العالمين، يُبعثون إلى ساحةِ المحشر ليتمَّ حسابهم.

وقد أشارَ لهما القرآنُ الكريمُ بقوله: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرىٰ فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ» (الزمر: 68).

رابعًا: الحشر:

بعدَ أنْ يُنفخَ في الصورِ النفخة الثانية، ويُحيى جميعُ المخلوقات، يؤخَذون إلى الحشر.

والحشرُ هو الجمع، وفي يومِ القيامةِ سيتمُّ حشرُ وجمعُ جميعِ الناس، بل سيتمُّ حشرُ المخلوقاتِ جميعًا، قال (تعالى): «وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً» (الكهف: 47).هذه الآيةُ واضحةٌ في (أنَّ الحشرَ سيكونُ بنحوِ الجماعاتِ لا الأفراد، وبالقهرِ، فلا يتخلّفُ عنه فردٌ أو جماعة)(1)

وقال تعالى: «وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ» (التكوير: 5).

ص: 108


1- الحقائق والدقائق في المعارف القرآنية ج7 ص 375 – 376.

قال الشيخ الطبرسي: أي جُمعت حتى يقتصّ لبعضها من بعض، فيقتصّ للجماء من القرناء، ويحشر الله سبحانه الوحوش، ليوصل إليها ما تستحقه من الأعواض على الآلام التي نالتها في الدنيا، وينتصف لبعضها من بعض...(1)

فتلخَص:

1/ أنَّ الساعةَ تقومُ فجأةً وبغتةً، وتبدأ بوقوع أحداث عظيمة تؤدي إلى نهاية العالم.

2/ أنَّ وجودَ الحُجّةِ المنصوبِ من اللهِ (تعالى) على الأرضِ هو أمانٌ لها، ولذا لا تخلو الأرض منه ولو ساعة، فإذا أرادَ اللهُ (تعالى) إنهاءَ الحياةِ عليها، رفعَ الحُجّةَ منها.

3/أنَّ هناك العديدَ من الأحداثِ الكونيةِ التي تقعُ لتؤدّي إلى نهايةِ هذا العالم، مثل تلاشي الجبال، وتسجير البحار، ووقوع زلزالٍ عظيمٍ يعمُّالعالم، وتحلّ الظلمةُ على الأرضِ بعدَ تكويرِ الشمس، وتنتهي الحياةُ بنفخة الصور الأولى.

4/ النفخُ في الصورِ مرةً يكونُ لإماتةِ الموجوداتِ، وهي النفخة الأولى، والثانية لإحياءِ جميع الموجودات، وهي النفخة الثانية.

ص: 109


1- تفسير مجمع البيان للطبرسي: (ج10 ص277).

أسئلة الدرس:

السؤال الأول: كيف تقوم القيامة؟

السؤال الثاني: تسبق قيام القيامة وقوع أحداث كونية متعدّدة. عدِّدها.

السؤال الثالث: تحدّث عن النفخ في الصور؟

***

ص: 110

الدرس الثامن عشر المعاد (5)

اشارة

قال (تعالى): «وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً 13 اقْرَأْ كِتابَكَ كَفىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»

(الإسراء: 13 - 14).

النقطة السادسة: أحداث يوم القيامة:

اشارة

من خلالِ تتبُّعِ الآياتِ الكريمةِ والرواياتِ الشريفةِ، نجدُ أنَّ هناك أحداثًا عديدةً تقعُ يومَ القيامة، فإنّه وبعدَ أنْ يُنفَخَ في الصورِ النفخةُ الثانية، ويُحشَرُ الناسُ في أرضِ المحشر، تقع أحداث، ومنها:

الحدث الأول: استلام صحيفة الأعمال:

تتحدّثُ الآياتُ الكريمةُ عن أنَّ كُلَّ واحدٍ من بني البشر سيستلمُ صحيفةَ أعماله، تلك الصحيفة التي كانَ الملائكةُ يُملونها عليه في حياتِه الدُنيا، تأتيه يومَ القيامة، ويستلمُها بيمينه أو بشماله، حسبَ أعماله.

قال (تعالى): «وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَىٰ الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها» (الكهف: 49).

وقال (تعالى): «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ 7 فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً 8 وَيَنْقَلِبُ إِلىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً 9 وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَظَهْرِهِ 10 فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً 11 وَيَصْلىٰ سَعِيراً» (الانشقاق: 7 - 12).

ص: 111

لحدث الثاني: تجسُّم الأعمال وحضورها لدى فاعلها:

وتتحدَّثُ الآياتُ أيضًا، عن أنَّ أعمالنا التي عملناها في الدنيا تأتي يومَ القيامة، ونراها، ولا نستطيعُ أنْ نُنكرها، فكل إنسان سيرى عمله أمامه متجسداً، سواء أكان عمل خير أم عمل شر، فما كان منه من خيرٍ سرّه، وما كان منه من شرٍّ أحزنه وتمنى لو هرب منه إلى غير رجعة.

قال (تعالى): «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً» (آل عمران:30).

وقال تعالى: «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ 6 فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ 7 وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» (الزلزلة: 6 - 8).

الحدث الثالث: قيامُ محكمة الآخرة:

في هذه المحكمة، سيحضرُ الشهودُ الذين يشهدون للإنسان، أو يشهدون عليه، ولن يستطيعَ الواحدُ منّا أنْ يُنكر؛ لأنّ الشهودَ ممّن لا يَكذبون ولا يُكذّبون.

تبدأ هذه المحكمة بإحضارِ الجميعِ بين يدي الله (تعالى): «وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ» (يس: 32).

وسيكونُ الحاكمُ والقاضي هو الباري (جلّ وعلا)، «اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْيَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (الحج: 69).

وقد يوكلُ اللهُ (تعالى) حسابَ بعضِ البشر لبعضِ أوليائه، كما في إيكالِ حسابِ الشيعةِ لأهلِ البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ، فقد رويَ عن عبد الله بن سنان، عن أبي

ص: 112

عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، قال: إذا كانَ يوم القيامة وَكَّلَنا اللهُ بحسابِ شيعتنا، فما كانَ لله، سألْنا اللهَ أنْ يهبَه لنا فهو لهم، وما كانَ لنا فهو لهم، ثم قرأ أبو عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ 25 ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ» (الغاشية 25 - 26).(1)

ثم يؤتى بالشهودِ على كُلِّ مجموعةٍ من الناس، فكُلُّ أُمّةٍ عليها شهيدٌ منها، كأن يكونُ الشهيدُ نبيَّهم، أو إمامَهم، قال (تعالى): «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلىٰ هؤُلاءِ شَهِيداً» (النساء: 41).

ليس هذا فحسب، بل سيؤتى بشهودٍ خاصّين على الإنسانِ نفسه، فكُلُّ واحدٍ عليه شهودٌ من نفسه، فضلًا عن شاهدِ الأمةِ عليه، قال (تعالى): «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ» (النور: 24).

الحدث الرابع: الصراط:

من مُجملِ الآياتِ والروايات، يُمكِنُ تصوّرُ ساحةِ المحشرِ والجنة والنار بالتالي:يُجمعُ الناسُ كُلُّهم في ساحةٍ واحدة، وتكونُ الجنةُ في الجانبٍ الآخر، وكُلُّ من يُريدُ أنْ يصلَ إلى الجنة، فعليه أنْ يعبرَ على جسرِ الصراط، وهذا الجسرُ يكونُ فوق جهنم، فمن لا يتمكّنُ من عبوره، فإنّه يقعُ في جهنم والعياذ بالله.

وهذا يعني: أنَّ كُلَّ الناسِ سيرون جهنم، ولكنَّ البعضَ يراها ولا يقعُ فيها، وهم المؤمنون، والبعضُ يراها ويقعُ فيها، وهم غيرُ المؤمنين.

ص: 113


1- أمالي الشيخ الطوسي ص 406 ح 911 / 59.

قال (تعالى): «فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا 68 ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَىٰ الرَّحْمنِ عِتِيًّا 69 ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلىٰ بِها صِلِيًّا 70 وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا 71 ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا» (مريم: 68 و 72).

وعلى الصراطِ تكونُ هناك نقاطُ تفتيش، كُلُّ نقطةٍ يُسألُ الإنسانُ فيها عن عملٍ مُعيّنٍ، فإنْ كانَ قد أدّاه بصورةٍ صحيحةٍ في الدُنيا، وشهدَ له كتابُه بصحةِ كلامه، عبرها، وهكذا إلى أنْ يصلَ إلى الجنةِ بفضلِ الله (تعالى) ولطفه.

وفي بيانِ ذلك رويَ عَنْ

أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: أَخْبَرَنِي الرُّوحُ الأَمِينُ أَنَّ اللهَ لَا إِلَه غَيْرُه إِذَا وَقَفَ الْخَلَائِقَ وجَمَعَ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ، أُتِيَ بِجَهَنَّمَ تُقَادُ بِأَلْفِ زِمَامٍ، أَخَذَ بِكُلِّ زِمَامٍ مِائَةُ أَلْفِ مَلَكٍ مِنَالْغِلَاظِ الشِّدَادِ، ولَهَا هَدَّةٌ وتَحَطُّمٌ(1) وزَفِيرٌ وشَهِيقٌ، وإِنَّهَا لَتَزْفِرُ الزَّفْرَةَ، فَلَوْ لَا أَنَّ الله (تعالى) أَخَّرَهَا إِلَى الْحِسَابِ لأَهْلَكَتِ الْجَمِيعَ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ يُحِيطُ بِالْخَلَائِقِ الْبَرِّ مِنْهُمْ والْفَاجِرِ، فَمَا خَلَقَ الله عَبْدًا مِنْ عِبَادِه مَلَكٍ ولَا نَبِيٍّ إِلَّا ويُنَادِي: يَا رَبِّ، نَفْسِي نَفْسِي. وأَنْتَ تَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي.

ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا صِرَاطٌ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ وأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ، عَلَيْه ثَلَاثُ قَنَاطِرَ: الأُولَى عَلَيْهَا الأَمَانَةُ والرَّحْمَةُ، والثَّانِيَةُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ، والثَّالِثَةُ عَلَيْهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ لَا إِلَه غَيْرُه، فَيُكَلَّفُونَ الْمَمَرَّ عَلَيْهَا، فَتَحْبِسُهُمُ الرَّحْمَةُ والأَمَانَةُ، فَإِنْ نَجَوْا

ص: 114


1- الهدة: صوت وقع الحائط ونحوه والتحطم: التلظي، ويقال: تحطم الرجل غيظا أي تلظى. [هامش المصدر]

مِنْهَا حَبَسَتْهُمُ الصَّلَاةُ، فَإِنْ نَجَوْا مِنْهَا كَانَ الْمُنْتَهَى إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ جَلَّ ذِكْرُه، وهُوَ قَوْلُ الله (تَبَارَكَ وتَعَالَى): ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ﴾(1) والنَّاسُ عَلَى الصِّرَاطِ، فَمُتَعَلِّقٌ تَزِلُّ قَدَمُه وتَثْبُتُ قَدَمُه، والْمَلَائِكَةُ حَوْلَهَا يُنَادُونَ: يَا كَرِيمُ يَا حَلِيمُ، اعْفُ واصْفَحْ وعُدْ بِفَضْلِكَ وسَلِّمْ. والنَّاسُ يَتَهَافَتُونَ(2) فِيهَا كَالْفَرَاشِ، فَإِذَا نَجَا نَاجٍ بِرَحْمَةِ الله (تَبَارَكَ وتَعَالَى) نَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: الْحَمْدُ لله الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ بَعْدَ يَأْسٍ بِفَضْلِه ومَنِّه، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ».(3) ومن أهمِّ ما يُسألُ عنه المرءُ يوم القيامةِ هي ولايةُ أميرِ المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، ولذا وردَ عن النبي صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، قال: «إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على جهنم لم يجز عليه إلا من معه جواز فيه ولاية علي بن أبي طالب، وذلك قوله (تعالى): ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ﴾ (الصافات: 24)، يعني عن ولاية علي بن أبي طالب عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ».(4)

وهُناك نقطةُ تفتيشٍ (عقبة) على الصراط تُسمّى بالمرصاد، وفي هذه العَقَبةِ يُحاسَبُ الناسُ عن المظالمِ التي صدرتْ منهم في الدُنيا، فقد رويَ عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في قولِ اللهِ عزّ وَجّل: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ» (الفجر: 14)، قال: «قنطرةٌ علىٰ الصراطِ لا يجوزُها عبدٌ بمظلمة».(5)

ص: 115


1- الفجر: 14. والمرصاد: الطريق والمكان يرصد فيه العدو. [هامش المصدر]
2- التهافت: التساقط قطعة قطعة. [هامش المصدر]
3- الكافي للكليني (ج8 ص 312 و 313 ح 468).
4- الأمالي للشيخ الطوسي (ص 290 ح 564/ 11).
5- الكافي للكليني (2: 331/ باب الظلم/ ح 2).

فتلخّصَ:

1/ أنَّ كُلَّ إنسانٍ سيستلمُ صحيفةَ أعمالِه التي عملها في الدنيا، وهذه الصحيفةُ لا تتركُ أيَّ فعلٍ أو قولٍ أو حتى نية، إلا وتحفظها فيها.

2/إنَّ الإنسانَ عندما يرى أعمالَه أمامه، فإنّه يستطيعُ أنْ يُحاسِبَ نفسه، ويعرف أنّه من أهلِ الجنةِ أو النار، ومع ذلك فإنَّ اللهَ (تعالى) يأتي بالشهودِ عليه ليشهدوا بالحقّ، ولن يستطيعَ الإنسانُ إنكارَ الشهود؛ لأنّهم من النوعِ الذي تُقبلُ شهادتُه مُباشرة، كالنبي، والإمام، والجلود، وغيرهم.3/هناك محكمةٌ إلهيةٌ عُظمى تقومُ في يوم القيامة، القاضي والحاكم فيها اللهُ (تعالى)، وسيوكِلُ اللهُ (تعالى) حسابَ الشيعةِ إلى أئمتِهم عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ.

4/لا بُدَّ لنا أنْ نعبرَ الصراطَ لنصلَ إلى الجنة، والصراطُ عبارةٌ عمّا يشبهُ الطريقَ الذي توجدُ فيه نقاطُ تفتيشٍ تُحاسبُنا على أعمالنا، وسيكونُ الحسابُ على ولايةِ أميرِ المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ضروريًا، ولذا، لنْ يستطيعَ من يُبغِضُه عبورَ الصراط.

ص: 116

أسئلةُ الدرس:

السؤال الأول: بعد المحشر، تقعُ أحداثٌ عديدةٌ. تحدّث عنها.

السؤال الثاني: ما أهمّ ما يُسألُ عنه المرءُ يوم القيامة؟

***

ص: 117

الدرس التاسع عشر المعاد (6)

اشارة

قال (تعالى): «وَسارِعُوا إِلىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» (آل عمران: 133).

النقطة السابعة: الجنة:

اشارة

بعدَ أنْ يتمَّ الحسابُ، ويعبرَ المؤمنون الصراط، يدخلون إلى الجنة، وفي الجنةِ أمورٌ عديدةٌ، نتعرّفُ على بعضٍ منها:

الأمر الأول: من مواصفات الجنة:

للجنّةِ مواصفاتٌ عديدةٌ ذكرتها الآياتُ والروايات، منها:

الصفة الأولى: سعة الجنة:

فالجنةُ مكانٌ واسعٌ جدًا، ولا يُمكِنُ أنْ نتصوَّرَ حقيقةَ سعتها، إلا أنَّ بعضَ الآياتِ والرواياتِ جعلتْ سعتَها كسعةِ الأرضِ والسماوات، ولك أنْ تتصوَّرَ سعتَها عندما تسألُ علمَ الفلك عن سعةِ السماواتِ غير المتناهية بالنسبة لنا.

قال (تعالى): «سابِقُوا إِلىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْيَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» (الحديد: 21).

ص: 118

الصفة الثانية: أرض الجنة:

وفي وصفها رويَ عن الإمامِ الباقر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: أَرضُ الجَنَّةِ رُخامُها(1) فِضَّةٌ، وَتُرابُها الوَرسُ(2) وَالزَّعفَرانُ، وكَنسُها المِسكُ، ورَضراضُها(3) الدُّرُّ وَالياقُوت (4) .

الصفة الثالثة: أبواب الجنة:

صرّحتْ بعضُ النصوص بأنّ للجنةِ ثمانيةَ أبواب، كما أنّ للنار سبعةَ أبواب.

قال (تعالى): ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّىٰ إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلىٰ وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَىٰ الْكافِرِينَ 71 قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَىٰ الْمُتَكَبِّرِينَ 72 وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَىٰ الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ﴾ (الزمر: 71 و 73).

الصفة الرابعة: أنهار الجنة:قال (تعالى): «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ

ص: 119


1- الرُخام: حَجَر أبيض رِخْو (الصحاح: ج 5 ص 1930 «رخم»).
2- الوَرْس: نبت أصفر يُصبغ به (النهاية: ج 5 ص 173 «ورس»).
3- الرَضْرَاض: الحصى الصغار (النهاية: ج 2 ص 229 «رضرض»).
4- الاختصاص: ص 357 عن جابر ، بحار الأنوار: ج 8 ص 218 ح 209.

مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ» (محمد: 155).

الصفة الخامسة: درجات الجنة:

ليستِ الجنةُ بمرتبةٍ واحدةٍ ودرجةٍ واحدة، وإنّما لها درجاتٌ ومراتبُ، يحصلُ الإنسانُ على كُلِّ مرتبةٍ منها بأعمالِه الصالحة، فكُلّما زادتْ أعمالُه الصالحة -بالإضافة إلى الشفاعة يوم القيامة لمن ينالها،حصلَ على مرتبةٍ أعظم ودرجةٍ أرقى.

فقد رويَ عن رسولِ اللهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أنَّه قال لأبي ذرٍّ: «يا أبا ذرٍّ، الدرجة في الجنَّة كما بين السماء والأرض، وإنَّ العبد ليرفع بصره فيلمع له نور يكاد يخطف بصره، فيفزع فيقول: ما هذا؟ فيقال: هذا نور أخيك المؤمن، فيقول: هذا أخي فلان، كنّا نعمل جميعا في الدنيا، وقد فُضِّل عليَّ هكذا؟ فيقال: إنَّه كان أفضل منك عملًا، ثمّ يُجعَل في قلبه الرضىٰ حتَّىٰ يرضىٰ»(1) .

الأمر الثاني: أمور غير موجودة في الجنة:

وهي عديدةٌ، منها:

أولًا: لا تكليف في الجنة:

فالدُنيا هي دارُ التكليف، وأمّا الآخرةُ، فهي دارُ الأجرِ والثواب، فلا تكليفَ، ولا إلزامات، ولا واجبات، وهذا لا يعني أن المؤمنين سيتركون عبادة الله تعالى، بل لا شك أنهم سيتلذّذون بعبادته جل علا.

ص: 120


1- أمالي الطوسي: 529/ ح (1162/1).

قالَ رسولُ الله الأعظم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: «... فإنَّكم اليومَ في دارِ عملٍ ولا حساب، وأنتم غدًا في دارِ حسابٍ ولا عمل»(1) .

ثانيًا: لا تعب ولا نصب في الجنة:

ففي الجنةِ قِمّةُ النشاط، وقِمّةُ الراحة، قال (تعالى): «الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ» (فاطر: 35).

ثالثًا: لا خوف ولا حزن في الجنة:

قال (تعالى): «لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» (الأنبياء: 103).

ورويَ عن الإمامِ الباقر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي قَولِهِ (تَبارَكَ وَتَعالى): الحَزَنُ: ما أَصابَهُم فِي الدُّنيا مِنَ الخَوفِ وَالشِّدَّةِ.(2) رابعًا: لا حسدَ ولا غِلَّ ولا أيَّ مرضٍ روحي في الجنة:

قال (تعالى): «وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (الأعراف: 43).

ص: 121


1- الخصال: 51/ ح 62.
2- تأويل الآيات الظاهرة: ج 2 ص 483 ح 10 عن أبي الجارود ، بحار الأنوار: ج 23 ص 220 ح 22.

«وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلىٰ سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» (الحجر: 47).

وعن رسولِ اللّه صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: يُحبَسُ أَهلُ الجَنَّةِ بَعدَما يَجوزونَ الصِّراطَ حَتّى يُؤخَذَ لِبَعضِهِم مِن بَعضٍ ظُلاماتُهُم فِي الدُّنيا، ويَدخُلونَ الجَنَّةَ ولَيسَ في قُلوبِ بَعضِهِم عَلى بَعضِهِم غِلٌّ.(1)

خامسًا: لا أمراض بدنية في الجنة:

عنه صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: يُنادي مُنادٍ: إِنَّ لَكُم أَن تَحيَوا فَلا تَموتوا أبَدا، وإِنَّ لَكُم أن تَصِحّوا فَلا تَسقَمُوا أبَدا، وَإنَّ لَكُم أن تَشِبّوا فَلا تَهرَموا أبَدا ، وَإِنَّ لَكُم أَن تَنعَموا فَلا تَبأَسوا أبَدا ، فَذلِكَ قَولُهُ تَعالى: «وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (الزخرف: 72)...(2)

الامر الثالث: كيف ندخل الجنة؟

علينا أنْ نُقّرَّ أولًا، أنّنا لا نتمكّنُ من دخولِ الجنةِ إلا برحمةِ اللهِ (تعالى) وعفوِه وكرمِه وجودِه، وإلا، فبأعمالنا لا نستطيعُ أنْ نُعطيَ حقَّ نعمةٍ واحدةٍ من نِعَمِ الله (تعالى)، قال (تعالى): «وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ» (إبراهيم: 34).

ص: 122


1- فتح الباري: ج 11 ص 399 ، الزهد لابن المبارك: ص 499 ح 1419 نحوه ، الدرّ المنثور: ج 5 ص 84 نقلًا عن ابن أبي حاتم عن الحسن.
2- سنن الترمذي: ج 5 ص 374 ح 3346 ، صحيح مسلم: ج 4 ص 2182 ح 22 نحوه ، مسند ابن حنبل: ج 4 ص 190 ح 11905 ، تاريخ دمشق: ج 53 ص 109 ح 11190 كلّها عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ، كنز العمّال: ج 14 ص 517 ح 39456.

لكن مع ذلك، فقد ذكرتِ النصوصُ الدينيةُ أهمَّ ما يجعلنا في معرضِ اللُطفِ والجودِ والكرمِ الإلهي لدخولِ الجنة، وهي أمورٌ كثيرةٌ، نذكرُ منها:

1/رحمةَ الله (تعالى) التي وسعتْ كُلَّ شيء، قال (تعالى): «وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ» (النور: 14).

ورويَ عن رسولِ اللّه صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: لا يَدخُلُ الجَنَّةَ رَجُلٌ إِلّا بِرَحمَةِ اللهِ عزّ وَجّل.(1)

2/العقل: أيّ أنْ يتحكَّمَ الإنسانُ في جوارحِه بعقله، فلا يدعها تتصرّف تصرُّفاتٍ حمقاء أو غير مسؤولة، بل يجعلُ كُلَّ تصرُّفاته تحتَ نظرِ عقله، وقد رويَ عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنَّ رجلًا سأله: ما العقل؟ قال:«ما عُبِدَ به الرحمن واكتُسِبَ به الجنان»، فقال: فالذي كانَ في معاوية؟ قال: «تلك النكراءُ وتلك الشيطنة، وهي شبيهةٌ بالعقلِ وليستْ بعقل»(2) .

3/كلمة التوحيد: فقد رويَ عن يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ثَمَنُ الْجَنَّةِ: لَا إِلَه إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ.(3)

ولكن علينا أنْ نتذكّرَ أنَّ التوحيدَ الحقيقي هو ما كانَ فيه ولايةُ أميرِ المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فقد رويَ عن عبدِ الرحمن بن كثير مولى أبي جعفر، عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في قول الله عزّ وَجّل: «فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها» قال: التوحيد، ومحمد صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ رسول الله، وعلي أمير المؤمنين.(4)

ص: 123


1- الاعتقادات للصدوق: ص 69
2- المحاسن لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ج 1/ ص 195/ باب العقل/ ح 15).
3- الكافي للكليني (ج2 ص 517 بَابُ مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه واللَّه أَكْبَرُ ح1).
4- التوحيد للشيخ الصدوق ص330 باب 53 - باب فطرة الله عز وجل الخلق على التوحيد ح1.

وعنِ الهيثم بن عبد الله الرماني قال: حدّثنا عليٌ بن موسى الرضا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عن أبيه عن جدِّه محمدٍ بن علي بن الحسين عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ في قوله «فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها» قال: هو: لا إلهَ إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ولي الله، إلى ههنا التوحيد.(1)

فتلخّصَ:

1/أنَّ مصيرَ المؤمنين سيكونُ إلى الجنةِ برحمةِ اللهِ (تعالى) وبفضله.2/ أنَّ الجنةَ تتصفُ بمواصفاتٍ كثيرة، كُلّها تدلُّ على الراحةِ، والطمأنينةِ، والرفاهية، فكُلُّ ما فيه راحةٌ للمؤمن سيكونُ موجودًا فيها.

3/ لا تكليفَ في الجنة، بل هي دارُ الأجرِ والثواب والراحة الأبدية للمؤمن.

4/ في الجنةِ لا توجدُ مُنغِّصاتٌ للبال، ولا توجدُ أمراضٌ روحيةٌ ولا بدنية.

5/ أنَّ الجنةَ لا تُنالُ إلا برحمةِ اللهِ (تعالى)، وبتوحيده، وبولايةِ أميرِ المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

ص: 124


1- تفسير القمي ج2 ص155.

أسئلةُ الدرس:

السؤال الأول: للجنّةِ مواصفاتٌ عديدةٌ ذكرتها الآياتُ والروايات. عدّدها مع الشرح الموجز.

السؤال الثاني: هناك أمورٌ غيرُ موجودةٍ في الجنة. اذكرها.

السؤال الثالث: كيف ندخل الجنة؟

***

ص: 125

الدرس العشرون المعاد (7)

اشارة

قال (تعالى): «أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ 35 ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» (القلم: 35 و 36).

النقطة الثامنة: النار:

اشارة

في هذه النقطة نذكر أمرين:

الأمر الأول: لماذا خلق الله (تعالى) النار؟

قد يتساءلُ البعضُ: أليسَ اللهُ (تعالى) رحيمًا كريمًا؟!

أليس اللهُ (تبارك وتعالى) لا يحتاجُ أنْ يُعذّبنا؟

أليسَ اللهُ (تعالى) قادرًا على أنْ يعفوَ عنّا؟

فلماذا إذن يُعذّبُ الكافرين والمُنافقين وأشباههم، وهم عبيده ومخلوقاته؟

أو لم يكنِ الأفضلُ أنْ يعفوَ عن الجميع؟!

والجواب:لا شكَّ أنًّ رحمةَ اللهِ (تعالى) أوسعُ ممّا نتخيّل، فقد رويَ عن الإمامِ الصادق جعفر بن محمد ݟ: إذا كانَ يومُ القيامة نشرَ اللهُ (تبارك وتعالى) رحمتَه حتى يطمعَ إبليسُ في رحمته.(1)

ص: 126


1- أمالي الشيخ الصدوق (ص 273 ح 301 / 2)

إلا أنَّ هذا لا يعني أنْ لا يُعاقِبَ اللهُ (تعالى) المذنبين والمخالفين، وذلك لأنّ العقوبةَ ضروريةٌ لردعِ المُنحرفين عن اقترافِ المخالفات، وهذا أمرٌ وجداني، فإنَّ أيَّ إنسانٍ يأمنُ العقوبة، يُمكِنُ أنْ يُخالفَ القانون، ولكنّه لو علمَ بأنَّ العقوبةَ حتمية، فإنّه عادةً ما يبتعدُ عن المخالفة.

أضف إليه: أن العقوبة هي نتيجة ذاتية وطبيعية للعمل، فالعقوبة ليست شيئاً خارجاً عن حقيقة العمل، وإنما هي نفس العمل يجيء بصورته الحقيقية، وعلى سبيل المثال، فإن من يغصب أموال اليتامى يرى أنه يأخذ الأموال فحسب، ولكن القرآن يصرّح بأنه في الحقيقة يأكل النار في بطنه، مما يعني أن العقوبة هي نفس عمل الغاصب وليست شيئاً غيره، قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامىٰ ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعيراً» (النساء: 10).

الأمر الثاني: شدّةُ نار جهنم:

ربما يتصوّرُ البعضُ أنَّ نارَ جهنم مثل نار الدنيا في درجةِ الحرارة، ومن ثَمَّ قد يستطيعُ أنْ يتحمّلَ الدخولَ فيها لفترةٍ وجيزةٍ أو طويلةٍ، وربما يتعوّد عليها.

فهل هذا صحيح؟

الجواب: أنّ الاعتيادَ مٌمتنعٌ في نار جهنم:لو فرضنا أنَّ نارَ جهنم هي نفسُ نار الدُنيا من حيث الحرارة، ولكن مع ذلك لا يُمكِنُ أنْ يعتادَ الداخلُ في جهنم عليها؛ لأنّ عذابَها مُتجدِّدٌ، وليس على حالةٍ واحدة، قال (تعالى): «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً» (النساء: 56).

ص: 127

ورويَ عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، قال: قلتُ له: يا بنَ رسولِ الله، خوِّفني فإنَّ قلبي قد قسا، فقال: «يا أبا محمّد، استعدَّ للحياةِ الطويلة، فإنَّ جبرئيل جاءَ إلىٰ النبيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وهو قاطب، وقد كانَ قبلَ ذلك يجيءُ وهو مُبتسم، فقال رسولُ الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: يا جبرئيل، جئتني اليومَ قاطبًا!؟ فقال: يا محمّد، قد وُضِعَتْ منافخُ النار! فقال: وما منافخُ النار يا جبرئيل؟ فقال: يا محمّد، إنَّ اللهَ عزّ وَجّل أمرَ بالنارِ فنُفِخَ عليها ألفَ عامٍ حتَّىٰ ابيضَّت، ونُفِخَ عليها ألف عام حتَّىٰ احمرَّت، ثمّ نُفِخَ عليها ألف عام حتَّىٰ اسودَّت، فهي سوداءُ مظلمة، لو أنَّ قطرةً من الضريع قطرتْ في شرابِ أهلِ الدنيا لماتَ أهلها من نتنها، ولو أنَّ حلقةً واحدةً من السلسلةِ التي طولها سبعون ذراعًا وُضِعَتْ علىٰ الدُنيا لذابتِ الدنيا من حرِّها، ولو أنَّ سربالًا من سرابيلِ أهلِ النار عُلِّقَ بين السماء والأرض لمات أهلُ الأرض من ريحه ووهجه».

قال: «فبكىٰ رسولُ الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وبكىٰ جبرئيل، فبعثَ اللهُ إليهما ملكًا، فقاللهما: إنَّ ربَّكما يُقرؤكما السلامَ ويقول: قد آمنتكما أنْ تُذنبا ذنبًا أُعذِّبكما عليه».(1)

ولا أعتقدُ أنَّ أحدًا منّا حصلَ على (صكّ الغفران) و (براءة من النار)–كما حصل عليها رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ- ليطمئنَّ ولا يحذر من النار، فحريٌّ بنا أنْ نخافَ جهنم، وأنْ نعملَ للحصول على رضا الله (سبحانه وتعالى)، ولا يكون ذلك إلا بالالتزامِ التامِّ بمُفرداتِ الدّين القويم.

ص: 128


1- تفسير القمي (ج2 ص 81).

فتلخّص:

1/أنَّ خلقَ جهنم، ووعيدَ الله (تعالى) الكافرين والمنافقين وأمثالهم بالتعذيب بها، هو من الحكمةِ البالغة، وهو تطبيقٌ للعدلِ الإلهي، بإثابةِ المؤمنين بالجنة، وتعذيبِ المُخالفين بجهنم.

2/أنَّ رحمةَ الله (تعالى) عظيمةٌ بحدٍّ يطمعُ فيها حتى إبليس، لكنّها لا تعني أنْ لا يُميّزَ اللهُ (تعالى) بين المؤمنين والمنحرفين، فالرحمةُ لا تعني الجورَ ولا اللهوَ ولا العبثية، وإنّما هي تكونُ حيثُ تكونُ الحكمة الإلهية.

3/نحنُ لا نستطيعُ تحمُّلَ نارِ الدنيا الخفيفة، فكيفَ بنا بنارِ جهنم التي هي أشدُّ من نارنا هذه بلا قياس؟!

4/ما دُمنا غير معصومين، ولم نحصلْ على أمانٍ من النار، فعلينا بالحذرِ الدائمِ من نارِ جهنم، وعلينا أنْ نُحصِّنَ أنفسَنا من ورودِها والمكثِفيها من خلال العملِ الصالح، والإيمان، وبولاية أهلِ البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ.

نسألُ اللهَ (تعالى) أنْ يجعلَ عاقبتنا إلى خير، وأنْ يجعلَ خيرَ منازلنا هي قبورنا، وأفضلَ مآلنا في الآخرة، وأنْ يعصمَنا من الزلل، إنّه وليُّ التوفيق.

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين

ص: 129

أسئلةُ الدرس:

السؤال الأول: لماذا خلق الله (تعالى) النار؟

السؤال الثاني: إنَّ الله (تعالى) غنيٌّ عن عبادة المخلوقين، ولا يضرّه ظلم الظالمين، وهو أرحم الراحمين، فلِمَ يُعذِّبُ الكافرين والظالمين؟

السؤال الثالث: يتصوّرُ البعضُ أنَّ نارَ جهنم مثل نار الدنيا في درجةِ الحرارة، ومن ثمّ قد يستطيعُ أنْ يتحمّلَ الدخولَ فيها لفترةٍ وجيزةٍ أو طويلةٍ، وربما يتعوّد عليها.

ناقش هذا التصوّر.

***

ص: 130

المصادر والمراجع

بعد كتاب الله المجيد: القرآن الكريم.

1- الاحتجاج: الطبرسي/ ت محمّد باقر الخرسان/ دار النعمان/ 1386ه.

2- الاختصاص: الشيخ المفيد/ ط 2/ 1414ه/دار المفيد/ بيروت.

3- الإرشاد: الشيخ المفيد/ ت مؤسسة آل البيت/ ط 2/ 1414ه/دار المفيد/ بيروت.

4- الاعتقادات: الشيخ الصدوق/ ت عصام عبد السيّد/ ط2/ 1414ه/دار المفيد/ بيروت.

5- إعلام الورىٰ: الطبرسي/ ط1/ 1417ه/مط ستارة/ مؤسسة آل البيت/ قم.

6- الأمالي: السيّد المرتضىٰ/ ت النعساني الحلبي/ ط1/ 1325ه/مكتبة المرعشي/ قم.

7- الأمالي: الشيخ الصدوق/ ت قسم الدراسات/ ط1/ 1417ه/مؤسسة البعثة.

8- الأمالي: الشيخ الطوسي/ ت مؤسسة البعثة/ ط 1/ 1414ه/دار الثقافة/ قم.

9- الإمامة والتبصرة: ابن بابويه/ ط1/ 1404ه/مدرسة الإمام الهادي/ قم.

ص: 131

10- أنساب الأشراف: البلاذري/ ت محمّد باقر المحمودي/ ط1/ 1394ه/مؤسسة الأعلمي/ بيروت.

11- بحار الأنوار: العلاَّمة المجلسي/ ط 2 المصحَّحة/ 1403ه/مؤسسة الوفاء/ بيروت.

12- بصائر الدرجات: محمّد بن الحسن الصفّار/ ت كوجه باغي/ 1404ه/مط الأحمدي/ منشورات الأعلمي/ طهران.

13- تفسير القمي: علي بن إبراهيم القمي/ ت طيب الجزائري/ ط 3/ 1404ه/مؤسسة دار الكتاب/ قم.

14- تفسير مجمع البيان: الطبرسي/ ت لجنة من العلماء/ ط 1/ 1415ه/مؤسسة الأعلمي/ بيروت.

15- التوحيد: الشيخ الصدوق/ ت هاشم الحسيني الطهراني/ جماعة المدرسين/ قم.

16- الحقائق والدقائق في المعارف الإلهية: للشيخ فاضل الصفار- دار المحجة البيضاء- الطبعة الأولى- 1436ه/2015م.

17- الخصال: الشيخ الصدوق/ ت علي أكبر الغفاري/ 1403ه/جماعة المدرسين/ قم.

18- الروضة في فضائل أمير المؤمنين: شاذان بن جبرئيل القمي/ ط1/ 1423ه.

ص: 132

19- سنن أبي داود: ابن الأشعث السجستاني/ ت محمّد اللحّام/ ط1/ 1410ه/دار الفكر/ بيروت.20- سنن الترمذي: الترمذي/ ت عبد الوهّاب عبد اللطيف/ ط2/ 1403ه/دار الفكر/ بيروت.

21- سنن الترمذي: الترمذي/ ت عبد الوهّاب عبد اللطيف/ ط2/ 1403ه/دار الفكر/ بيروت.

22- شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد/ ت محمّد أبو الفضل إبراهيم/ ط1/ 1378ه/دار إحياء الكتب العربية/ بيروت.

23- شواهد التنزيل: الحاكم الحسكاني/ ت محمّد باقر المحمودي/ ط 1/ 1411ه/مجمع إحياء الثقافة.

24- طبقات الحنابلة: للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلي/ دار المعرفة/ بيروت – لبنان/ دار المعرفة للطباعة والتوزيع.

25- عقائد الإمامية: محمّد رضا المظفّر/ انتشارات أنصاريان/ قم.

26- الغدير: الشيخ الأميني/ ط4/ 1397ه/دار الكتاب العربي/ بيروت.

27- الغيبة: الشيخ الطوسي/ ت عبد الله الطهراني، علي أحمد ناصح/ ط1/ 1411ه/مط بهمن/ مؤسسة المعارف الإسلاميّة/ قم.

28- الغيبة: النعماني/ ت فارس حسّون كريم/ ط1/ 1422ه/مط مهر/ أنوار الهدىٰ.

ص: 133

29- فتح الباري: ابن حجر/ ط2/ دار المعرفة/ بيروت.30- الفصول المختارة: الشيخ المفيد/ ط 2/ 1414ه/دار المفيد/ بيروت.

31- الكافي: الشيخ الكليني/ ت علي أكبر الغفاري/ ط5/ 1363ش/ مط حيدري/ دار الكتب الإسلاميّة/ طهران.

32- تأويل الآيات: شرف الدين الحسيني/ ط 1/ 1407ه/مط أمير/ مدرسة الإمام المهدي/ قم.

33- كتاب سليم بن قيس: سليم بن قيس الهلالي/ ت محمّد باقر الأنصاري.

34- كمال الدين: الشيخ الصدوق/ ت علي أكبر الغفّاري/ 1405ه/مؤسسة النشر الإسلامي/ قم.

35- كنز العمّال: المتّقي الهندي/ ت بكري حياني/ 1409ه/مؤسسة الرسالة/ بيروت.

36- المحاسن: البرقي/ ت جلال الدين الحسيني المحدّث/ 1370ه/دار الكتب الإسلاميّة/ طهران.

37- مختصر بصائر الدرجات: الحسن بن سليمان الحلّي/ ط1/ 1370ه/منشورات المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف.

38- مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب/ ت لجنة من أساتذة النجف/ 1376ه/المكتبة الحيدرية/ النجف.

ص: 134

39- نهج البلاغة: الشريف الرضي/ شرح محمّد عبده/ ط1/ 1412ه/مط النهضة/ دار الذخائر/ قم.40- نهج البلاغة: الشريف الرضي/ ضبط نصّه الدكتور صبحي صالح/ ط 1/ 1387ه/بيروت.

41- ينابيع المودَّة: القندوزي/ ت علي جمال أشرف الحسيني/ ط1/ 1416ه/دار الأسوة.

***

ص: 135

الفهرست والموضوعات

مقدمة المعهد: 3

الإهداء 5

المقدمة: 6

الدرس الأول:مصادرُ المعرفة الإنسانية 8

منافذ المعرفة: 8

المنفذ الأول: الحواس:/ المنفذ الثاني: العقل: 9

المنفذ الثالث: الوحي: 10

أسئلة الدرس: 11

الدرس الثاني:مراتب المعرفة 12

أسئلةُ الدرس: 16

الدرس الثالث:

وجوب النظر والمعرفة 17

أسئلة الدرس: 22

الدرس الرابع:

إثبات وجود الخالق للكون وما فيه 23

أسئلةُ الدرس: 29

الدرس الخامس:

التوحيد 30

التوحيد في العبادة: 31

أسئلة الدرس: 34

ص: 136

الدرس السادس:صفات الخالق. 35

القسم الأول: الصفات الكمالية: 36

الصفة الأولى: العلم:/ الصفة الثانية: القدرة: 36

الصفة الثالثة: الحياة:/ الصفة الرابعة: الحكمة: 37

الصفة الخامسة: العدل: 37

القسم الثاني: الصفات السلبية (صفات الجلال): 38

الصفة الأولى: الاحتياج: 38

الصفة الثانية: الجسمية: 39

أسئلة الدرس: 41

الدرس السابع:كيف نعرف ما يُريده الخالق لنُرضيه؟ 42

الاحتمالُ الأول: الإيكالُ إلى الناس: 43

الاحتمال الثاني: الإيحاء إلى الجميع: 44

الاحتمال الثالث: الإيحاء إلى البعض: 45

أسئلة الدرس: 46

الدرس الثامن:النبوة 47

النقطة الأولى: معنى النبوة: 47

النقطة الثانية: كيف يصير الإنسانُ نبيًا؟ 48

النقطة الثالثة: كيفَ نعرفُ النبي؟ 48

النقطة الرابعة: عصمة الأنبياء: 49

ص: 137

أسئلة الدرس: 52

الدرس التاسع:النبي الأعظم محمد صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ. 53

النقطة الأولى: إثباتُ نبوّةِ نبينا الأكرم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: 53

النقطة الثانية: عصمة النبي الأكرم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: 53

أسئلةُ الدرس: 56

الدرس العاشر:ماذا فعل النبي صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لأجل أمته؟ 57

أسئلة الدرس: 64

الدرس الحادي عشر:صفات الإمام 65

الصفة الأولى: التعيين الإلهي: 65

الصفة الثانية: العصمة:/ الصفة الثالثة: العلمُ الخاص: 66

الصفة الرابعة: الأخلاق الفاضلة: 67

أسئلة الدرس: 69

الدرس الثاني عشر:مصيرُ مَنْ لم يؤمِنْ بأهلِ البيتِ عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ.. 70

الأثر الأول: مخالفة الأمر الإلهي: 70

الأثر الثاني: الموت ميتةَ جاهليةٍ وضلالٍ: 71

الأثر الثالث: افتقادُ عنصر الأمان والاطمئنان يوم القيامة: 72

مصير من عادى أهل البيت عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ: 73

أسئلة الدرس: 76

الدرس الثالث عشر:الإيمان بالإمام المهدي عَجَّلَ اَللَّهُ تَعَالِيَ فَرَجَهُ 77

ص: 138

وخُلاصةُ العلامات: 82

أسئلةُ الدرس: 85

الدرس الرابع عشر:الرجعة 86

النقطة الأولى: معنى الرجعة: 86

النقطة الثانية: هل الرجعة ممكنة؟ 87

النقطة الثالثة: من هم الذين يرجعون؟ 88

النقطة الرابعة: فلسفة الرجعة: 89

أسئلةُ الدرس: 90

الدرس الخامس عشر:المعاد (1) 91

النقطة الثانية: ضرورةُ المعاد: 91

أسئلةُ الدرس: 97

الدرس السادس عشر:المعاد (3) 98

النقطة الثالثة: متى تقع القيامة؟ 98

النقطة الرابعة: أشرط الساعة: 100

الأولى: طلوع الشمس من مغربها: 100

الثانية: اَلدَّجَّالُ: 101

الثالثة: دَابَّةُ اَلْأَرْضِ: 102

الرابعة: خُرُوجُ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ݟ: 102

أسئلة الدرس: 104

ص: 139

الدرس السابع عشر:المعاد (4) 105

النقطة الخامسة: كيف تقوم القيامة؟ 105

أولًا: أنَّ الحُجّةَ يُرفَعُ من الأرض: 105

ثانيًا: وقوع أحداثٍ كونيةٍ مُتعدِّدة: 106

ثالثا: النفخ في الصور: 107

رابعًا: الحشر: 108

أسئلة الدرس: 110

الدرس الثامن عشر:المعاد (5) 111

النقطة السادسة: أحداث يوم القيامة: 111

الحدث الأول: استلام صحيفة الأعمال: 111

لحدث الثاني: تجسُّم الأعمال وحضورها لدى فاعلها: 112

الحدث الثالث: قيامُ محكمة الآخرة: 112

الحدث الرابع: الصراط: 113

أسئلةُ الدرس: 117

الدرس التاسع عشر:المعاد (6) 118

النقطة السابعة: الجنة: 118

الأمر الأول: من مواصفات الجنة: 118

الأمر الثاني: أمور غير موجودة في الجنة: 120

الامر الثالث: كيف ندخل الجنة؟ 122

ص: 140

الدرس العشرون:المعاد (7) 126

النقطة الثامنة: النار: 126

الأمر الأول: لماذا خلق الله (تعالى) النار؟ 126

الأمر الثاني: شدّةُ نار جهنم: 127

أسئلةُ الدرس: 130

المصادر والمراجع. 131

الفهرست والموضوعات. 136

ص: 141

درباره مركز

بسمه تعالی
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
با اموال و جان های خود، در راه خدا جهاد نمایید، این برای شما بهتر است اگر بدانید.
(توبه : 41)
چند سالی است كه مركز تحقيقات رايانه‌ای قائمیه موفق به توليد نرم‌افزارهای تلفن همراه، كتاب‌خانه‌های ديجيتالی و عرضه آن به صورت رایگان شده است. اين مركز كاملا مردمی بوده و با هدايا و نذورات و موقوفات و تخصيص سهم مبارك امام عليه السلام پشتيباني مي‌شود. براي خدمت رسانی بيشتر شما هم می توانيد در هر كجا كه هستيد به جمع افراد خیرانديش مركز بپيونديد.
آیا می‌دانید هر پولی لایق خرج شدن در راه اهلبیت علیهم السلام نیست؟
و هر شخصی این توفیق را نخواهد داشت؟
به شما تبریک میگوییم.
شماره کارت :
6104-3388-0008-7732
شماره حساب بانک ملت :
9586839652
شماره حساب شبا :
IR390120020000009586839652
به نام : ( موسسه تحقیقات رایانه ای قائمیه)
مبالغ هدیه خود را واریز نمایید.
آدرس دفتر مرکزی:
اصفهان -خیابان عبدالرزاق - بازارچه حاج محمد جعفر آباده ای - کوچه شهید محمد حسن توکلی -پلاک 129/34- طبقه اول
وب سایت: www.ghbook.ir
ایمیل: Info@ghbook.ir
تلفن دفتر مرکزی: 03134490125
دفتر تهران: 88318722 ـ 021
بازرگانی و فروش: 09132000109
امور کاربران: 09132000109